يا راحلاً والليالي السود تنتظرُ
يا راحلاً والليالي السود تنتظرُ****وفي جبينكَ تزهو الشمس والقمرُ
يا راحلاً وقفَ التأريخُ منحياً ****أمامهُ وإليهِ الموتُ يعتذرُ
مرتْ ثمانٍ وجرحُ القلبِ متقدٌ *** ونارُ فقدكَ في الأرواحِ تستعرُ
كأنما الدهرُ لم يمض بنا أبداً **** وما استطال بنا من بعدك العمرُ
فهذهِ لوعةُ “الأثنينِ” ماثلةٌ **** في عينِ كلِّ محبِّ دمعُها مطرُ
لكنها شاختِ الأرواحُ واجدةً **** وشابَ كلُّ فؤادٍ هدهُ الكدرُ
يا بهجةَ الروحِ والدنيا مخالفةٌ **** وسلوةَ القلبِ والأحزانُ تنهمرُ
أتيتُ أنثرُ أوجاعي وأسكبها **** نهراً بكفيّكَ علّ السيلَ ينحسرُ
حبيبةَ القلبِ لم يرأف بها أحد **** تيتمت واحتواها اليأس والضجر
جدحفص بعدكَ أحلامٌ ممزقةٌ **** ودوحةٌ جفَّ فيها الماءُ والشجرُ
وباغتتها ذئاب الليل ثانية **** وعين حراسها أودى بها السهرُ
وروعتنا أعاصير وزلزلة **** وزاغ مما دهاها القلب والبصرُ
ومذ حملت على الأعواد مرتحلا **** تناهبتنا بليل الوحشة الزمرُ
وطالعتنا فتاوى كنت تنكرها **** ما كان في ما مضى من أمرها أثرُ
كأنها انتظرت وقت المغيب لكي **** تسري بظلمتنا زيفاً وتنتشرُ
أبناء موتك قاموا بعد أن رقدت **** عين الرقيب فلا نهي ومزدجرُ
أتذكر البلدة النوراء يا أبتي **** عاث الظلام بها والخوف والشررُ
أبناء يعقوب أغروا ذئب شهوتهم **** وخلفوا يوسفا في الجبّ يحتضرُ
وحين جاءته مصرٌ دونهم ملكا****قالوا أخونا لتاج الملك يحتكرُ
عذرا سليمان شط الحبر في ورقي**** لكنها حرقة في القلب تنفجر
كتمت جمرتها حيناً فما خمدت**** وكنت أحسبها تذوي وتندثر
حتى استفاقت على دهياء منكرة**** كأنها النار لا تبقي ولا تذر
دارت دوائرها في كل ناحية **** وانهدّ طوفانها بالروع ينحدر
وكنت أحسب أهلي سوف تعصمهم **** سفينة الأمس إلا أنهم هجروا
كل يقول جبال الجمع تعصمني **** كأنهم من جموع الأمس ما اعتبروا
داروا على الراية الحمقاء من سفه **** فراشة حول وهم الضوء تنتحر
وبعضهم قال أضنتني مكابرتي **** وها أنا صامت ما مسني الضرر
ما مسك الضرّ في أمسٍ بلا سببٍ **** إلا لأنك صلب صامد حجر
تقول قولة حق في فصاحتها **** يحلو لك الهم والتجريح والخطر
وقيمة التبر حرّ النار يخرجها **** لأنه يتسامى حين ينصهر
إذا تهاوى سياج الحي من نصب **** لم يدر في الصبح من بالليل قد عبروا
وأشنع القول من كانت مقالته **** لو كنت حاضرها شاركت من حضروا
هل كان شيخكم بالحشد محتفلا **** وبالشرائع والأرواح يتجر
لو لا المقام وبعضٌ من حياء أبي **** وقطرة في قرار القلب تصطبر
لسقت ألأم تقريع بقافية **** وعاد قائلها في الناس محتقرُ
إيه سليمان شط الحرف ثانية **** كم مرة في قصيدي سوف أعتذر
لكنني منك قد رويت قافيتي ****حتى غدت مرّةَ الألفاظ تستعر
طعم الحقيقة مرّ هكذا أبداً **** مهما أضر بها الترميز والحذر
إيه سليمان لولا عصبة صبرت **** لقلت مات على أدواحك الثمر
مازال في الكأس بعض من صبابتكم **** كأنها التبر والياقوت والدرر
مازال في الأذن رجعٌ من تلاوتكم **** صدىً تعود به الأحكام والسور
مازالت الجُمع الغراء حاضرة **** عن كل حادثة في متنها خبر
ما زال في الحي نور من طهارتكم **** وطاهر منك يحوينا فننجبر
وفتية آمنوا بالكهف واحتسبوا **** ما غرهم عارض ما بعده مطر
بل كانت الريح تعوي وهي عاصفة **** مفازة وعذاب مقبل عسرُ
أكرم بهم فتية في الكهف قد ظمأوا **** لكنهم من كؤوس القوم ما سكروا
قم يا سليمان عندي ألف تمتمة **** وألف أغنية ما ضمها وتر
هذا العراق أزاح القيد عن يده **** وحوزة النجف القدسي تنتظر
هذا مصلاك ما جفت مدامعه **** ولم يزل فوقه من نوركم أثر
ومنبر كنت ترقاه فتسحره **** يقول أنى يلاقي عيني القمر
كم أشتهي الموت كي ألقاك ثانية **** حتى متى بيننا لا يحكم القدر
أبا سليمان أفكاري مبعثرة **** مشاعرٌ في مهب الشعر تنتثر
تفرّ مني بأبيات معاندة **** لو رمت أشطرها أهوي وأنشطر
جرحي وجرحك ما التاما ولا اندملا **** لكنني شاعر بالحرف أنتحر
ألقي على مذبح الأشعار تمتمتي ****ولا أسالم حرفي حين ينحسر
لا أحبس النار في صدري وأكتمها **** يا ساعد الله قلبا فيك يصطبر
أبا سليمان هاذي رجع شقشقة **** طال الزمان بها في الصدر تختمر
وفجرتها على الأوراق خاطرة **** وساقها الوجد إلا أنها عبر
وعدت أستقرأ الذكرى وأتبعها **** بأي واد ستلقي قلبي الذكر
ورحت استنطق الأحزان ثانية **** علّي مع الحزن أغفو إن أتى السحر
فزارني طائف في الدمع ألمحه **** كالنور مأتلقًا بالبِشرِ يدثر
هذا سليمان في أبهى ملامحه **** ما راعه الحزن ما أحنى به الكبر
خذني إليك سئمت الشوق يا أبتي **** أو عد إلينا لقد أودى بنا السفر
صبرا على قسوة الأيام يا ولدي **** بحجم صبرك للجنات تدخر
ولتتبع نهج أهل البيت محتسبا **** فلن تجد غيرهم للحق ينتصر
وقل إذا ما احتوتك النازلات أسىً **** وحاربتك على أفكارك البشرُ
قل للحوادث إني صابرٌ أبداً **** وقل لها إنّ للثارات “منتظر”
في يوم طلعته الغراء موعدنا **** هناك يحلو لنا من سيفه الظفر
حسين علي أحمد خلف
22 شعبان 1432هـ المصادف 24-7-2011م