باسمه تعالى
من الواضح أن الديمقراطيّة في معناها السياسي والفلسفي ؛ من حاكميّة الشعب على نفسه ، وتشريعه لنفسه في المجالات المختلفة على أساس مبدأ الأكثريّة ، وفي معناها الثقافي الغربي ؛ من الإنفتاح والتحرّر من جميع القيود والمحدوديّات إلاّ ممّا يفرضه مبدأ الأكثريّة ، من الواضح أنّ هذه الديمقراطيّة لا تنسجم مع الإسلام في مبادئه العقائديّة ؛ من حاكميّة اللّه تعالى المطلقة على جميع المستويات ( مبدأ التوحيد الأفعالي ) ، ولا في منهجه العمليّ السلوكي ؛ القائم على أساس تقوى اللّه تعالى ، والمسؤوليّة والإستقامة في خط الحق والعدل والصلاح والهدى .
إذن لابدّ في مجال الإستفادة من تجارب الآخرين السياسيّة أو غيرها من تحرّي الدقّة في أخذ ما يناسب مبادئنا الدينيّة وأعرافنا الخلقيّة ، وتجنّب ما يتنافر مع ذلك ، وإذا كان ولابدّ من استعمال مصطلح معيّن في التعبير به عن تجربة معيّنه كما هو الحال بالنسبة لمصطلح الديمقراطيّة في هذه الأزمان ، فلابدّ من تقديمه للمخاطبين في الإطار المناسب ، وبالمعنى الذي ينسجم مع مبادئنا الدينيّة والخلقيّة باعتبارنا أمّة مسلمة موحّدة . وفي غير هذه الصورة يكون استعمال هذا المصطلح أو غيره ممّا يشابهه وإلقاؤه للمخاطبين على عواهنه وبخلفيّته ومخزونه الثقافي الخاص ، وايحائاته الخاصة ، نحو تضليل وتغرير بالمخاطبين .
فنحن إذن لا نتحسّس من المصطلح في نفسه وإنّما من مخزونه الثقافي الخاص ، وإيحائاته الخاصّة ، فلو استعمل هذا المصطلح وأريد منه بعض الممارسات المتحضّرة في مجال الإدارة والسياسة والحكم التي لا تتنافى ولا تتعارض مع حدود الشريعة الإسلاميّة المقدّسة ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي هو الدين الرسمي في بلداننا الإسلاميّة ، والهويّة الدينيّة لقاطبة أبناء الشعوب الإسلاميّة ، فلن يكون هناك أيّ تحفّظ أو معارضة , كيف والإسلام نظام القانون والحق والعدل . وهذا النحو من الإستعمال هو ما يمارس فعليّاً وبصورة جديّة في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران .
أمّا أن يدعى لحياة ديمقراطيّة بعيدة عن أي وصاية دينيّة ، فهذا تنكّر للدين ، وللهويّة الدينيّة للشعوب الإسلاميّة ، وكذلك هو تعبير عن التبعيّة العمياء لنتاج الحضارة الغربيّة .
فلابدّ إذن لتحريك الديمقراطيّة في بلداننا الإسلاميّة من ملاحظة خصوصيّات واقعنا – وأهم هذه الخصوصيّات هو الدين الإسلامي والقيم الإخلاقيّة – وتقديم صياغة للديمقراطيّة تتناسب وهذه الخصوصيّات , وتضمن عدم المساس بها .
وهذا لا يحصل إلاّ من خلال افتراض وصاية دينيّة من جهة ودستوريّة قانونيّة من جهة أخرى ، هذه الوصاية المزدوجة كفيلة بضمان الحفاظ على الشؤون الدينيّة من جهة والحقوق المدنيّة لجميع المواطنين من جهة أخرى ، وكفيلة كذلك بحفظ التجربة الديمقراطيّة من الأزمات الحادة التي قد تؤدّي إلى إفشالها .
وأخيراً أؤكد أن الأهداف العالية من تأمين كرامة شعوب البلدان الإسلاميّة وعزّتها وحقوقها المشروعة ، ورفعة البلدان الإسلاميّة واستقرارها وتقدّمها ، لا يمكن تحقيقها إلاّ في إطار الحركة المخلصة التكاملية في اتجاه الحفاظ على الهويّة الدينيّة والمعنويّه لشعوب هذه البلدان من خلال الحركة في دائرة القيم الدينيّة والحدود الشرعيّة ، وتأمين الكرامة والعزّة والرفاه لهم من خلال الحركة في دائرة الضوابط القانونيّة والدستوريّة ( أو ما يعبّر عنها بالحركة الديمقراطيّة ) ، في جوّ من التفاهم والتلاحم بين الشعوب وقياداتها السياسيّة .
والضمان العملي لسلامة هذه الحركة وهذه التجربة الديمقراطيّة في بلداننا الإسلاميّة هو القبول بالوصاية الدينيّة والدستورية عليها ، فإنّها الصياغة المناسبة لبلداننا وشعوبنا .
2001/3/18