نص الكلمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أود بداية أن أتوجه بالشكر الجزيل
لإدارة مأتم عين الدار وللإخوة القائمين على هذا الحفل، وأسدي جزيل شكري
للإخوة الحضور الذين تنادوا لإحياء ذكرى الشهيد الشيخ عبدالله المدني بعد
ثلاثة عقود ونصف من الزمان على استشهاده:
أيها الحضور الكرام ..
لم أكن قبل العشرين من شهر نوفمبر من العام 1976 أعرف شيئا عن لفظة
“شيوعية”، ولكن، وفي ذلك التاريخ أي قبل ثلاثة عقود ونصف أفقنا، بل أفاقت
البحرين كلها على وقع خبر كريه صادم للمشاعر الإنسانية هو مصرع الشهيد
الشيخ عبدالله المدني على أيدي الشيوعيين الذين اختطفوه من بيته تحت تهديد
السلاح الناري وانطلقوا به إلى أحراش بر سار ليعقدوا له محاكمة جبانة تدل
على خستهم هم فيها الخصم وهم الحكم ثم بعد أن أعجزهم ببيانه وقوة حجته لم
يجدوا إلا الحراب والسكاكين والسونكي ردا على ما يقول وما يكتب، وكأن الخطف
يصنع رأيا أو أن الإرهاب يكسر قلما حرا شريفا أو ترويع الآمنين هو وسيلة
للإقناع.
ومنذ ذلك اليوم والذاكرة تحمل مخزونا تراكميا عن الشيوعيين باعتبارهم رديفا
للإلحاد .. مساويا للقتل وموازيا لسفك الدماء لتحقيق الأغراض السياسية
وإشاعة الجنس والاباحية والتحلل من القيم ومحاربة الأسرة ونصب العداء
للشعوب والأديان.
وربما تساءل الإخوة الذين لم يعاصروا الشهيد .. ما سبب القتل؟ ولماذا
المدني دون غيره؟ فالبلد تعج برجال الدين والمتدينين الذين يحملون ذات
الفكر؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة أقول:
كان الشهيد يمثل شريحة نادرة من علماء الدين في البحرين وفي العالم
الإسلامي، فقد نفض غبار السنين عن صورة رجل الدين التقليدية وانطلق ليشارك
في تأسيس الجمعيات التعاونية والمهنية والصناديق الخيرية مثل جمعية جدحفص
التعاونية الإستهلاكية وجمعية المحامين البحرينية بالإضافة إلى العديد من
النوادي الثقافية والرياضية، وراح يدافع عن حقوق الإنسان، ويدافع عن حقوق
المرأة وعن العمال والفلاحين وينضم إلى جانب المظلومين والمحرومين في
البحرين وفي كل مكان.
وأسس مجلة على أسس مهنية راقية وهي مجلة المواقف في العام 1973، واتخذ منها
منبرا حرا ونزيها لطرح أفكاره الإسلامية، وسيفا لمكافحة الفساد والمفسدين،
وسرعان ما أصبحت هذه المجلة صوتا للمحرومين والمظلومين وذاع صيتها في
البحرين وخارجها، وقد ناقشت قضايا لم تناقش في تاريخ الصحافة البحرينية إلى
اليوم رغم كل الانفتاح الموجود، وتواصل عبدالله المدني مع كبار العلماء
والقادة في عصره من أمثال السيد موسى الصدر رحمه الله حيا أو ميتا مؤسس
حركة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل)، الذي غيبته يد الغدر والعدوان،
والشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق الذي قتل غيلة مع شقيقته على يد
النظام البائد في العراق، وغيرهما من العلماء والقادة والمفكرين والمثقفين.
هذا فيما كان صوته مع الكتلة الإسلامية في المجلسين التأسيسي والوطني مطلع
السبعينات من القرن الماضي مجلجلا في رفض الفساد ومحاسبة المفسدين، وجلب
المصالح ودرء المفاسد ومنها رفضه القاطع لمشروع قانون تدابير أمن الدولة في
العام 1975.
وقد أحس تيار اليسار آنذاك بالخطر رغم أن تلك الفترة هي أوج توجه الكثير من
الشباب نحو أفكاره وانخداعهم بشعاراته الزائفة التي كان يدلس بها على
الناس، فقد كان الشهيد يحرج اليسار ويستقطب الشباب بما يطرح من أفكار تهم
المجتمع مثل حقوق الإنسان ومسألة الحريات وينتصر للطلاب والعمال والفلاحين
والمعلمين.(ومقالاته موجودة وموثقة لمن أراد قراءتها والاطلاع عليها). ومن
عناوينها على سبيل المثال: مولد أمة، وسأقول كلاما أقسى من الرصاص،
والمسيرة العمالية، والريف يتطلع للديمقراطية، وطالب وفلاح، والزراعة إلى
أين؟، وهل للمواطنين حق المشاركة في الحياة العامة؟ والبحرين على كف عفريت،
ومن هم ضحية الفتنة؟ ودماء الشهداء لا يمكن أن تدفن في التراب، ونماذج
للحرمان، ومطلوب تعمير المناطق السكنية القديمة، وكانت ومازالت ثورة ضد
الطغاة، والروتين يواجه طلبات الإسكان والقروض، وتفسيرات في هموم البحرين.
وقد أحس اليسار بالخطر الداهم من تحول الشباب نحو الأفكار الإسلامية
الأصيلة التي يطرحها الشهيد ونخبة من شرفاء هذا البلد وعلى رأسهم سماحة
الشيخ سليمان المدني خاصة أن اليسار يعلم أن التيار الإسلامي كان صادقا من
خلال جرأته في طرح أفكاره عمليا ومناهضة الفساد بوضوح، فجندوا أتباعهم
وحركوا أدواتهم وسخروا وسائلهم للنيل من الشهيد، اتهموه بداية بالرجعية
ووصموه بكل ما في قاموس اليسار العربي من مصطلحات بذيئة فلم يفد ذلك مع
مجتمع مسلم متدين . حاولوا تشويه سمعته في منشوراتهم التي تخرجها سراديبهم
دون جدوى.. هددوه بالقتل .. ولم يثنه ذلك عن مواصلة دربه.
هكذا كان الشهيد عصيا على أعداء الدين والوطن .. يجمع بين الثقافتين
الدينية والعصرية المتنورة، وكان محبا للناس كل الناس مخلصا في عقيدته وفي
عمله وفيا لمبادئه الأمر أرعب اليسار الخائف على الدوام من قوة الدين في
وقت كان المد اليساري يأخذ مداه، فبالغت الجبهات اليسارية في البحرين
وخارجها في مناصبته العداء والتنكيل به وشحن أتباعها ومريديها والمنخدعين
بأيديولوجيتها ضده، وأخذت ترسل له رسائل التهديد بالقتل والسحق وقد اطلعت
على واحدة منها مذيلة باسم الجبهة الشعبية في البحرين، وقد كتب الشهيد عنهم
وعراهم أمام الرأي العام حتى أصبحوا مكشوفين للجماهير، فلم يكن أمام تلك
القوى الظلامية إلا التصفية الجسدية .. وكان ذلك. كتب عنهم الشهيد في مجلة
المواقف قائلا:
“تلك هي بضاعتهم..وطنيون شرفاء، أصحاب مبادئ..كوكبة من الألفاظ والألقاب
يغدقونها على أنفسهم بدون حساب علها تزيل النقص الذي يشعرون بوجوده في
كيانهم، تلك هي بضاعتهم…إغراق أنفسهم المريضة بكل ألفاظ الشرف والخلود
والتقدمية، ونعت من لا يسير في فلكهم بالرجعية والإمبريالية والعمالة للغرب
ولأمريكا، أما عمالتهم هم لروسيا، للصين، لحلف وارسو، للمعسكر الشرقي، فهي
وطنية وتقدمية وثورية .. تلك هي بضاعتهم..وضع المشانق وخنق الحريات
ومحاربة الأديان، وإشاعة الجنس، وتفتيت الأسرة والمجتمع عندما يسيطرون على
وطن من الأوطان”.
لقد باء القتلة والجبهة التي ينتمون إليها والتي حرضتهم على القتل بغضب
الشعب البحريني بكل فئاته ونالهم من الصغار بين الناس ما جعلهم يتوارون عن
الأعين ويتبرأون من فعلة أتباعهم، في محاولة يائسة ومكشوفة للتنصل من
الجريمة بعد أن اشتهر أمرهم وقال شعب البحرين كلمته فيهم.
ولم تقم لهم في هذا البلد قائمة منذ ذلك التاريخ إلى أن جاءت زمرة من
المتزيين بزي الدين امتهنت السياسة على حساب الدين والمبدأ ومكنت للشيوعيين
وتحالفت معهم وروجت لوجوههم القبيحة بين الناس وأعلنت تخندقها معهم ضد
الإسلاميين ضاربة بالمحاذير الشرعية عرض الحائط، فراجت أساليب الشيوعيين
كالعنف والإرهاب والإضرار بمصالح الناس من أجل تحقيق الأهداف السياسية، وكل
ذلك يأتي اليوم تحت عباءة دينية. علما أن هؤلاء المناوئين للدين ما انفكوا
يكتبون ضد الإسلاميين ويصمونهم بالتخلف ودونكم أرشيف الصحف اليومية في
البحرين بينما لا تجد قلما إسلاميا واحدا يرد تلك الشبهات ويدافع عن
الإسلاميين ومنهجهم.
ولقد أبلي سماحة الشيخ سليمان المدني بلاء حسنا في سبيل إيصال كلمة الدين
الحق للناس دون أن تأخذه في الله لومة لائم، وكشف المفترين على الدين
والدخلاء على فكر المجتمع وعقيدته وعراهم وأظهرهم على حقيقتهم فجندوا
جنودهم للتنكيل به وتسقيطه ولم يكتفوا بماكنتهم الإعلامية في الداخل
والخارج، بل استعملوا منابر أهل البيت عليهم السلام لشتمه وتشويه سمعته
والنيل منه ومن تياره، أكثر من عقد من الزمان والعديد من منابر أهل البيت
عليهم السلام في الكثير من مناطق البحرين مختطفة، ومسلوبة ومسيسة ومحزبة
ومستخدمة ضد رغبة الواقفين، حادت عن بيان سيرة النبي محمد (ص) وسير أهل
بيته الطاهرين (ع) واستخدمت للترويج لأحزاب وجماعات وفئات سياسية.
أيها الآباء والإخوة ..
إن حراب الغدر الشيوعية التي وجهت إلى قلب الشهيد عبدالله المدني في ليلة
حالكة السواد قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان تعود اليوم بأختام إسلامية
وبأغلفة دينية وتجعلنا جميعا أمام امتحان عصيب لا نملك فيه ترف خيار
الرسوب، وهو امتحان أكثر تعقيدا من امتحان السبعينيات من القرن الماضي
وثقتي في يقظة التيار الإسلامي التي ستفشل مخططات المناوئين للدين وتفضح
جبهاتهم وكل المتحالفين معهم.
حسن المدني
18-10-2010
... نسألكم الدعاء ...