طرح نموذجاً لرجل الدين العصري… أهالي جدحفص يؤبنون الراحل عبدالله المدني

المدني كان يجمع بين الثقافتين الدينية والعصرية… وكرس جهوده في دعم العمل المؤسسي

عين الدار – وسام السبع

استذكر المشاركون في الاحتفالية التي أقيمت عن عبدالله المدني مقاطع من حياة ومواقف الفقيد، وقال نجله حسن المدني: «كان الشهيد يمثل شريحة نادرة من علماء الدين في البحرين وفي العالم الإسلامي، فقد انطلق ليشارك في تأسيس الجمعيات التعاونية والمهنية والصناديق الخيرية مثل جمعية جدحفص التعاونية الاستهلاكية وجمعية المحامين البحرينية، بالإضافة إلى العديد من النوادي الثقافية والرياضية، وراح يدافع عن حقوق الإنسان، ويدافع عن حقوق المرأة وعن العمال والفلاحين وينضم إلى جانب المظلومين والمحرومين في البحرين وفي كل مكان».

جاء ذلك في الاحتفال التأبيني للمدني في مأتم عين الدار مساء امس الأول، وقد أشار الشيخ منصور حمادة في كلمة له عن الفقيد الشيخ عبدالله بن محمد علي المدني، موضحاً أنه رجل عامل بعلم قد اقتبسه وهو تراث له من آبائه وأجداده فهو ثمرة طيبة خرجت من آل المدني وآل حرز والعائلتان تمثلان صرحاً من صروح العلم في هذا البلد الطيب فكان ثمرة معطائة وشجرة مثمرة وذا خلق ودين عاليين… كان كثير الصمت قليل الكلام إلا انه دائما متحرك الفكر . أيام صباه لم اكن اعرفه لأني كنت صغيرا ولكني تعرفت عليه في أيام شبابه وأول معرفة لي به كانت يوم زواجه وتعرفت عليه عن قرب في أوائل السبعينيات وبالتحديد عندما اصبح نائباً في المجلس التأسيسي الذي انتخب فيه من اجل صياغة دستور للبلاد وفاز فيه بالتزكية في منطقة ليست هي منطقة سكناه وكان القانون لا يشترط أن يكون المرشح من أبناء الدائرة… لقد دخل المدني مع قلة من أمثاله من المتقيدين بالدين إلا انهم وبفضل تعاونهم وإخلاصهم إلى الله تمكنوا من أن تقر في الدستور مواد تمثل مبادئ منها المادة دولة عربية إسلامية ولم يكن لفظ إسلامية موجودا في مسودة الدستور… كانت إضافة هذه اللفظة من الأمور المستصعبة وهي المادة الأولى ولكنها المادة الأخيرة في الإقرار لانها أجلت ولم تقر إلا آخر مادة بسبب تشدد البعض ومرونة الإسلاميين، وقد تمكن الإسلاميون أن يحققوا نصراً كبيراً في إضافة هذه الكلمة إلى مواد الدستور لتصبح البحرين دولة عربية إسلامية. والمبدأ الثاني الذي جرى فيه الكثير من النزاع والخلاف هو في المجلس التأسيسي هو «الملكية ورأس المال والعمل مقومان…»، فقد أضاف الإسلاميون عبارة «وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية» وطرح تعديل آخر هو «وفقاً لمبادئ العدالة الإنسانية» إلى آخر المادة، وبقي الصراع والنزاع وفي الأخير تمكن الإسلاميون بحنكتهم ومرونتهم مرة أخرى من انتزاع نصر آخر.

وأضاف «اشترك في المجلس الوطني 3 اتجاهات هي «العلماني الأقرب إلى الفكر الرأسمالي» والفكر الشيوعي الاشتراكي» والفكر الإسلامي الديني وكان المرحوم المؤبن يمثل واحدا من أبطال وقادة التوجه الإسلامي وقد انتخب أمينا للسر في المجلس… كان كما قلت قليل الكلام ولكنه بعيد الفكر، فعال اكثر منه قوال. وكان له دور كبير وكان بعض الناخبين يثيرون عليه قلة كلامه في المجلس ولكنه كان معروفا بين زملائه بحنكته حتى أن أعداءه والمخالفين له من الناحية الفكرية يقرون له بكفاءته ووطنيته داخل المجلس. لقد كان قلمه مسخرا بجد في تأييد الإسلام ومناصرة الشريعة ومحاربة أعداء الله وكشف ما هو خافٍ على كثير من الناس في البلد من مخططاتهم وأعمالهم».

وتابع «وكان كتوما جدا قرأنا في يوم من الأيام في إحدى الصحف خبرا مفاده أن مجموعة قد تم اعتقالها وقدمت اعترافات بأنها قامت بإرسال طرد ملغوم إلى احد رؤساء تحرير إحدى الصحف وقد كشف الطرد بإدارة البريد قبل أن يصل إلى الشخص المعني وفي مدرسة الشيخ داوود كنت مع الحاج خلف احمد خلف فسأل المرحوم: من هو المقصود بالطرد؟ فقال ما هو مكتوب في الجريدة. و لاشك في انه كان مطلع ويعرف. حتى قال له الحاج خلف: «ليس مهما أن نعرف من هو ولكن إذا كنت انت المقصود فيجب أن تتخذ تدابير لحماية نفسك وكانت إجابته ابتسامته المعروفة عنه. ولم تمضِ إلا فترة وجيزة على الحدث إلا وقد حصل الاغتيال الآثم»، هي فترة لم تكن بعيدة عن حادثة الاغتيال التي حصلت. الأغرب أن احد الأشخاص المتهمين في القضية كان موظفا في مؤسسته لكن الراحل لم يقم بأية محاولة ضارة بهذا الشخص».

وبين «كان قتلته يصرون متبجحين بجريمتهم ثم يأتي مؤخراً من يبرئ هؤلاء، فقد قرأت في نشرة لإحدى الجهات الحزبية التي تدعي أنها «إسلامية» وتصر على تبرئة أولئك الذين قتلوه وتزعم أن قتل الراحل ليس إلا مسرحية صاغتها السلطة».

وقال: «أتذكر من المواقف أن محامي أحد المتهمين أراد أن يثبت أن موكله كان ثملاً وقت قيامه بالمشاركة بهدف تخفيف العقوبة فتوجه المتهم إلى المحامي وقال له ليس الأمر كذلك لقد كنت بكامل وعيي وأتصرف بكامل إرادتي… فعلق احد الجالسين فقال إن هذا الكلام قد يكون ضدك فما كان من المتهم إلا أن قال لهم… لقد أديت مسئولياتي تجاه هذا الرجل الذي عمل على حرف الشباب».

بعدها ألقى حسن عبدالله المدني كلمة أسرة الفقد حسن المدني: قال فيها: «لم أكن قبل العشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1976 أعرف شيئا عن لفظة «شيوعية»، ولكن، وفي ذلك التاريخ أي قبل ثلاثة عقود ونصف أفقنا، بل أفاقت البحرين كلها على وقع خبر كريه صادم للمشاعر الإنسانية هو مصرع الشهيد الشيخ عبدالله المدني على أيدي الشيوعيين الذين اختطفوه من بيته تحت تهديد السلاح الناري وانطلقوا به إلى أحراش بر سار ليعقدوا له محاكمة جبانة تدل على خستهم هم فيها الخصم وهم الحكم ثم بعد أن أعجزهم ببيانه وقوة حجته لم يجدوا إلا الحراب والسكاكين والسونكي ردا على ما يقول وما يكتب».

وأضاف «كان الشهيد يمثل شريحة نادرة من علماء الدين في البحرين وفي العالم الإسلامي، فقد نفض غبار السنين عن صورة رجل الدين التقليدية وانطلق ليشارك في تأسيس الجمعيات التعاونية والمهنية والصناديق الخيرية مثل جمعية جدحفص التعاونية الاستهلاكية وجمعية المحامين البحرينية، بالإضافة إلى العديد من النوادي الثقافية والرياضية، وراح يدافع عن حقوق الإنسان، ويدافع عن حقوق المرأة وعن العمال والفلاحين وينضم إلى جانب المظلومين والمحرومين في البحرين وفي كل مكان».

وتابع «وأسس مجلة على أسس مهنية راقية وهي مجلة المواقف في العام 1973، واتخذ منها منبرا حرا ونزيها لطرح أفكاره الإسلامية، وسيفا لمكافحة الفساد والمفسدين، وسرعان ما أصبحت هذه المجلة صوتا للمحرومين والمظلومين وذاع صيتها في البحرين وخارجها، وقد ناقشت قضايا لم تناقش في تاريخ الصحافة البحرينية إلى اليوم على رغم كل الانفتاح الموجود، وتواصل عبدالله المدني مع كبار العلماء والقادة في عصره من أمثال السيد موسى الصدر حياً أو ميتاً مؤسس حركة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل)، الذي غيبته يد الغدر والعدوان، والشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق الذي قتل غيلة مع شقيقته على يد النظام البائد في العراق، وغيرهما من العلماء والقادة والمفكرين والمثقفين».

وستطرد «هذا فيما كان صوته مع الكتلة الإسلامية في المجلسين التأسيسي والوطني مطلع السبعينات من القرن الماضي مجلجلا في رفض الفساد ومحاسبة المفسدين، وجلب المصالح ودرء المفاسد ومنها رفضه القاطع لمشروع قانون تدابير أمن الدولة في العام 1975».

وقال: «وقد أحس تيار اليسار آنذاك بالخطر رغم أن تلك الفترة هي أوج توجه الكثير من الشباب نحو أفكاره وانخداعهم بشعاراته الزائفة التي كان يدلس بها على الناس، فقد كان الشهيد يحرج اليسار ويستقطب الشباب بما يطرح من أفكار تهم المجتمع مثل حقوق الإنسان ومسألة الحريات وينتصر للطلاب والعمال والفلاحين والمعلمين. وقد أحس اليسار بالخطر الداهم من تحول الشباب نحو الأفكار الإسلامية الأصيلة التي يطرحها الشهيد ونخبة من شرفاء هذا البلد وعلى رأسهم الشيخ سليمان المدني خاصة أن اليسار يعلم أن التيار الإسلامي كان صادقا من خلال جرأته في طرح أفكاره عمليا ومناهضة الفساد بوضوح، فجندوا أتباعهم وحركوا أدواتهم وسخروا وسائلهم للنيل من الشهيد، اتهموه بداية بالرجعية ووصموه بكل ما في قاموس اليسار العربي من مصطلحات بذيئة فلم يفد ذلك مع مجتمع مسلم متدين. حاولوا تشويه سمعته في منشوراتهم التي تخرجها سراديبهم دون جدوى… هددوه بالقتل… ولم يثنه ذلك عن مواصلة دربه».

واختتم «كان الشهيد يجمع بين الثقافتين الدينية والعصرية المتنورة، وكان محبا للناس كل الناس مخلصا في عقيدته وفي عمله وفيا لمبادئه الأمر أرعب اليسار الخائف على الدوام من قوة الدين في وقت كان المد اليساري يأخذ مداه، فبالغت الجبهات اليسارية في البحرين وخارجها في مناصبته العداء والتنكيل به وشحن أتباعها ومريديها والمنخدعين بأيديولوجيتها ضده، وأخذت ترسل له رسائل التهديد بالقتل والسحق وقد اطلعت على واحدة منها مذيلة باسم الجبهة الشعبية في البحرين، وقد كتب الشهيد عنهم وعراهم أمام الرأي العام حتى أصبحوا مكشوفين للجماهير، فلم يكن أمام تلك القوى الظلامية إلا التصفية الجسدية».

 

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 2966 – الأربعاء 20 أكتوبر 2010م الموافق 12 ذي القعدة 1431هـ

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *