سكت العندليب فاستوحش الروض

وعراني من الأسى ما اعراني

أخرس الخطب مرقمي ولساني

فاصمى القلوب بالأحزانِ

يوم جاء النعي ينعى سليمان

فأصيب الجميع بالدوران

جاءهم فجأةً بغير انتظارٍ

ثاقب الرأي عامر الوجدانِ

فلقد كان مرشداً وإماماً

وتصغي لقولهِ الأذنانِ

فإليه تهفو القلوب اشتياقاً

فهو للكل مخلصٌ متفاني

من محبٍ له وخصمٍ لدودٍ

حسب ما يشتهي ألوا الشنئانِ

لم يسر في تفاهةٍ وضلالٍ

في موئلٍ من الإيمان

فهو في منعةٍ من الدين والأخلاق

برروها بالزور والبُهتانِ

جاء رهطٌ بفتنةِ نشروها

جاهليون بالمنى والأماني

فتنةُ أغروا الجماهير فيها

لتقيهم طوارقَ الحدثان

كنت فيها كجذوةٍ من شعاعٍ

ومهوى القلوب والوجدان

يا سليمانُ يا حبيب الجماهير

 في اشتياقٍ لوجهك النوراني

إن عشاقك الكثيرين أمسوا

أظهروه بمدمعٍ هتان

فقدك اليوم أورث الكل حزناً

والفكر في سموا المعاني

فقدوا العلم واللياقة والأخلاق

يختفي في غياهب النسيان

فلقد كنت أمةً لست فرداً

وفقيهاً وعالماً روحاني

قد فقدناك فاضلاً لوذعياً

وصفاتٍ دقت على التبيان

وخسرناك قيمةً ومزايا

وضليعاً في الفقه والقرآن

كنت للناس قدوةً وإماماً

في بيانٍ فذ وصدق لسانِ

أنت في كل موطنٍ لوذعيٌ

باحتجاج يبين غر المعاني

لك في كل موقفٍ وقفاتٌ

ذو بيانٍ كمثلِ حد سنان

عالمٌ عيلمٌ حصيفٌ أديبٌ

ليس حشواً بل كان سحر البيانِ

وفصيحُ اللسان بنطق دراً

وزمت براعم البستانِ

سكت العندليب فاستحوش الروضُ

شيعوه بمدمعٍ هتانِ

وغدا الناسُ بعده في حدادٍ

حليها الشيخ من رياضِ الجِنانِ

أودعوه في حفرةٍ هي روضٌ

من عذابٍِ في القبر والنيران

نم هنيئاً لك الثلاث وفاءٌ

غير ربي مكونِ الأكوانِ

إن أولى الثلاث أن لا إلهاً

أول الدينِ منتهى الإيمانِ

فبهذا جاء النبيون قدماً

كان فيها وذي وفاءٌ ثاني

رحمة الله واسعٌ كل شيءٍ

ذي ثلاثٌ تنجي ذوي الإيمان

وكذاكم شفاعة الطهر طه

يوم وضع الأعمال في الميزانِ

كلٌ هذا أرجو له في معادٍ

تنقذ العبد من لظى وهوانِ

إن هذي الثلاث حرزٌ حريزٌ

أنت في جنةٍ فنم بأمانِ

نم هنيئاً لك الجنان مقيلٌ

وبنيه خلاصة الأكوان

سوف تلقى محمداً وعلياً

من أتاها ينجو من الطوفان

فمثالُ لهم سفينة نوحٍ

ومحبٌ بالسرِ والإعلانِ

أنت مولىً لهم بقولٍ وفعلٍ

ثم أولى للعالمِ الرباني

شفعاءٌ للمذنبين فأولى

 

 

الشيخ عبدالكريم محمد الحمود
ألقاها عنه ابنه