قصيدة في رثاء فقيد العلماء سماحة العلامة الحجة الشيخ سليمان المدني (قدس سره)

 

أأرثيك!! لا أقوى .. وأنى ليَ الصبرُ

وحقط لا يرقى إلى قدرِك الشعرُ

 

فمثلك لا يرضى بشعرٍ .. وإنّنمـا

بأن تذرفَ الأكبادُ والأدمعُ الحمر

 

ولكنني أبدي من القلبِ لوعةً

يكاذ بها يغلي إذا بتّها الحبر

 

أعاتب دهري واختنقتُ بعبرتي

كذا خنتنا في آية المجدِ !! يا هرُ

 

أتنزع تاج العزّ، يزهو به الهدى

لتبقيه في بؤسٍ، وينتابه الذعرُ

 

كأنك أبصرت الهناء بوجهه

فآليت إلا أن يفارقه البشرُ

 

على غرةٍ منا خطفت ضياءنا

على غرةٍ منّا !! ومن طبعك الغدرُ

 

وأعميت عين الدين يوم أصبتها

بإنسانِها .. فالأفقُ دامٍ .. ومغبرُ

 

وأجريت آيات الكتاب مدامعاً

على قبره تهمي كما يهملُ القطرُ

 

وفرت له الأحكام تعثرُ بالأسى

وحنت له الأوراد واستوحش الذكرُ

 

ورفت رؤى الأحزان من جمعاتهِ

مخضبةً بالجرح يسعى بها سكرُ

 

وحامت بنات الفكر حول ضريحه

ظماءً إلى وصلٍ وقد مضّها الهجرُ

 

ولله شجو العلم .. حيث فناؤه

وقد غاب أنسُ الليلِ مستوحشٌ قفرُ

 

فلا غروَ لو طارت كسرب حمائمٍ

قلوبُ محبيهِ .. وطاف الأسى المرُ

 

على نعشهِ مذ غار يُبحرُ في المدى

كما غارت الآمال .. أو ودّع البدرُ

 

وأبحر في عين الخلودِ قصيدةً

تهامس في أبياتها الحبُ والطُهرُ

 

سلام الهمّ والتبريح مذ نام هادئاً

على راحة العلياء .. حيث انتهى الفخرُ

 

وألقى عصا الترحال، ثم غفا بها

ونامت على كفيه أحلامنا السمرُ

 

سليمانُ .. أسرار الفضيلةِ تنطوي

ببرديكَ .. هلا هبّ من طيّها سرُ

 

لينشرَ في الآفاقِ أعبقََ سيرةٍ

تضوع منها المجدُ، وما الوردُ؟ ما العطرُ؟

 

تجلى بها الإيثارُ، والحبُ والندى

وروح الهدى والحزمُ والعزمُ والصبرُ

 

تكفل – إذ وارى محاسنك الترى-

بك الجودُ أن تبقى، وأفضالك الكُثرُ

 

فلا لن يموت العلمُ والحلمُ والتقى

وتلك الهباتُ البيض، والفكرة البكرُ

 

فنم مطمئناً شيخنا، حيث لا رؤا

ك تخفى.. ولا تذوي أفانينك الخضرُ

 

فإنك باقٍ في قلوبٍ ملكتها

وليس لنهجٍ عشت من أجله قبرُ

 

فإن كنت في قبرٍ، فإنك خالدٌ

تطوقُ جيد الدهرِ أيامكَ الغرُ

 

مآثر لا تبلى، وفكرٌ مجنحٌ

تلاقى به الإصرار والمبدأ الحرُ

 

وعمرٌ تمشى العزم في جنباتهِ

فأبدى حياةً لا يحدُ لها عمرُ

 

فنم يا أخا العلياء طِبت مغيباً

يُعدُ على رغم الحِمامِ له الصدرُ

 

وطوبى لقبرٍ قد حواك فإنهُ

لتحسدُهُ – أن ضمكّ- الأنجمُ الزُهرُ

 

تضمن كنزاً لو يبوحُ بسرهِ

لأوشك من تحتِ الترى ينضحُ الدرُ

*******

ويا أمناء الشرعِ .. إن عزائنا

بكم، فاحتذوه كي يسد بكم ثغرُ

 

فقيدكم لم يأل جهداً ولا ونى

بخدمة دين الله ما كلف الأمرُ

 

وقد كان حصناً، نستجير بركنهِ

إذا ما ادلهم الخطبُ، أو فزّع الذُعر

 

ونستدفعُ الظلماء من نور وجهه

ليالي لا زيدٌ يرجّى و عمرو

 

وكان يُرينا في البلاءِ صلابةً

فنسألهُ: هل قدّ من بأسِكَ الصخرُّ!

 

وعانى الذي عاناه فرداً وما شكى

وفي قلبهِ حزنٌ، وفي وجهه بشرُ

 

وإن أرست الأرزاءُ، واشتدّ ضرهُ

شكى بته لله، أن مسنى الضرُ

 

((سيذكرني قومي إذا جد هم

والليلة الظلماء .. بفتقدُ البدرُ))

*******

وعفواًَ حماة الشرع هذي سبيلنا

عليها اجتمعنا وانتهى عندها الأمرُ

 

هلموا نقف صفاً لنصرة ديننا

فها قد عدا الإلحادُ واستامه الكفرُ

 

وما حاجةُ الإسلام في لف عمةٍ

إذا لم يكن لفاً يرادُ به نشرُ

 

وهل وحد الأقوام مثلُ عقيدةٍ

تساوى على حد بها العبدُ والحرُ

 

وما قيمة الإنسانِ إلا بدينهِ

هو الصفقةُ الكبرى، ومن دونه الخسرُ

 

فإن لم نكن يا قومُ نعليهِ رايةً

ونحياه دستوراً له النهيُ والأمرُ

 

فلا نرتقب نصراً، وقد أطبق العمى

فمن دونهِ والله لا يتكتبُ النصرُ

 

الشاعر: أحمد جعفر السعيد
5ربيع الأول 1423