الإمام علي الهادي عليه السلام | |||||
نسبه الشريف | مولده | مدح | |||
سنوات عمره | النص على إمامته | مناقبه وفضائله | |||
ملوك عصره | رثاء | أولاده | |||
علمه ومحاججاته | شهادته عليه السلام |
الأسم: علي بن محمد عليه السلام
الكنى: أبو الحسن الثالث، أبو محمد
الالقاب: ابن الرضا، الهادي، النقي
يوم الولادة: ظهر أو عصر الثلاثاء
شهر الولادة:2 رجب المرجب
عام الولادة: 214 من الهجرة
نقش خاتمه: الله ربي وهو عصمتي من خلقه
يوم الوفاة: آخر يوم الأثنين مساءً
شهر الوفاة: 3 رجب الأصم
عام الوفاة: 254 من الهجرة
علة الوفاة: سمه المعز في افطاره
عدد الأولاد:البنون 4، البنات 1
هو الإمام العاشر من أئمة الشيعة الأثنى عشرية ، ذو المكارم والأيادي ، والمعجزات والفضائل المشهورة بين الخاص والعام والحاضر والبادي ، المعصوم العاشر والنور الباهر ، المعصوم الثاني عشر مولانا ومولى الجن والممكنات والبشر ، مبدأ الفضل والأيادي الإما مأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وهو(ع) رابع العليين
الأربعة في الأئمة الأطهار بعد العليين الثلاثة ، الإمام أميرالمؤمنين (ع) والإمام
زين العابدين (ع) ، والإمام الرضا (ع) .
فنسبه (ع) من نسب أبيه ، تلك الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها
تطهيرا ، واصطفاها على البرية جميعا ، وزكاها على خلقه ، وجعلهم أئمة يهدون بامره
تعالى .
وأما أمه ، فكانت جارية اشتراها الإمام الجواد (ع) بسبعين دينار وكانت تسمى سمانة المغربية " ويقال " متفرشة" ، ويقال أنها معروفة بالسيدة أم الفضل ، وهي من القانتات الصالحات ، وكان الإمام الهادي (ع) يقول على ما روي : (( أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة ، ما يقربها شيطان مريد ، ولا ينالها كيد جبار عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن أمهات الصديقين والصالحين .
ولد (ع) في قرية صربا بالقرب من المدينة المنورة ، يوم الثلاثاء في الثاني من شهر رجب الأصب من سنة اثنتي عشرة ومئتين للهجرة النبوية الشريفة ، وربما يؤيد ذلك ما ذكرناه في ولادة الإمام الجواد (ع) من الدعاء في أول رجب (( اللهم إني أسألك بالمولدين في رجب محمد بن علي الثاني وأبنه علي بن محمد المنتجب )) وهذا يؤيد ويرجح ذلك ، بل يعينه ويحدده وإن كانت هناك روايات غير ذلك .
كنيته وألقابه عليه السلام :
يكنى (ع) بأبي الحسن
، ويقال له تمييزاً " أبو الحسن الثالث " بعد أبي الحسن الأول أمير المؤمنين (ع)
وأبي الحسن الثاني جده الرضا (ع)
وأما القابه فكثيرة منها : الهادي وهو اشهرها ، والعسكري ، والفقيه ، والمؤتمن ،
والنقي ، والعالم ، والمرتضى ، والناصح ، والأمين ، والمتقي والطيب ، والنجيب ،
والفتاح ، والمتوكل وغيرها .
وقد كان (ع) يخفي
اللقب الأخير - أي المتوكل - و يأمر أصحابه بأن يعرضوا تلقيبه به ، لكونه يومئذٍ
لقباً للخليفة العباسي المعاصر ، وهو جعفر المتوكل المعاصر للإمام الهادي (ع) .
وأما لقب العسكري ، فسببه أ ن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة المنورة إلى بغداد إلى
سر من رأى ، وكان يعسكر فيها الجيش ، ولذا سميت عسكراً ، وقد أقام بها عشرين سنة
وتسعة أشهر ، فلذلك قيل للإمام وولده (ع) العسكري نسبةً لها ، وإن غلب هذا اللقب
على ولده الإمام الحسن العسكري (ع)
مدح الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
أرتل المجد للعلياء من مضر |
الهادي الطهر في آياته الغرر |
تحنو له الهام إجلالا وتكرمة |
كل البرية من باد ومحتضر |
من جده الهادي المختار ثم له |
أب عليّ العلى ذو الصارم البتر |
له من الفضل ما لم يحوه أحد |
أخلاقه كنسيم الفجر في السحر |
جم المناقب، شهم لا مثيل له |
آياته كدراري الشهب والدرر |
في الخافقين معانيه قد انتشرت |
له الكرامات عدّ الحصو والمدر |
وان تغير جاه الناس مستفلا |
مقامه الشأو مأمون من الغير |
السحب منه درت كيف الهطول وكم |
له يد في الورى هطالة المطر |
في علمه مثل بحر لا ضفاف له |
وراكبوه على أمن من الخطر |
هو النقي التقي الممتلي حكماً |
من المعارف والأحكام والسور |
من حبّه طاعة لله جلّ، علا |
لشانئيه مكان الخلد في السقر |
ومن يعاديه في خسرانه وجل |
ومن يواليه في أمن من الضرر |
للشاعر آية الله السيد محمد الشيرازي
)أحدها( -العلم-فقد
روي عنه في تنزيه الباري تعالى و توحيده و في أجوبة المسائل و أنواع العلوم الشيء
الكثير.
فمما جاء عنه في تنزيه الباري تعالى ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول
أنه قال : إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه و أنى يوصف الذي تعجز الحواس أن
تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به نأى في قربه و
قرب في نأيه كيف الكيف بغير أن يقال كيف و أين الأين بلا أن يقال أين هو منقطع
الكيفية و الأينية الواحد الأحد جل جلاله و تقدست أسماؤه.
)ثانيها( الحلم-و يكفي في ذلك حلمه عن بريحة بعد ما وشى به إلى المتوكل و افترى
عليه و تهدده كما يأتي.
)ثالثها( الكرم و السخاء- قال ابن شهرآشوب في المناقب دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد و
أحمد بن إسحاق الأشعري و علي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري فشكا إليه
أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال يا عمرو و كان وكيله ادفع إليه ثلاثين ألف دينار و
إلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار و خذ أنت ثلاثين ألف دينار )قال( فهذه معجزة لا
يقدر عليها إلا الملوك و ما سمعنا بمثل هذا العطاء )اه( .
و في المناقب : قال إسحاق الجلاب اشتريت لأبي الحسن عليهالسلام غنما كثيرة يوم
التروية فقسمها في أقاربه.
)رابعها( الهيبة و العظمة في قلوب الناس- في إعلام الورى بسنده عن محمد بن الحسن
الأشتر العلوي قال كنت مع أبي على باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين
طالبي إلى عباسي و جعفري و نحن وقوف إذ جاء أبو الحسن فترجل الناس كلهم حتى دخل
فقال بعضهم لبعض لمن نترجل؟لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا و الله لا
ترجلنا له فقال أبو هاشم الجعفري و الله لتترجلن له صغرة إذا رأيتموه فما هو إلا أن
أقبل و بصروا به حتى ترجل له الناس كلهم.فقال لهم أبو هاشم أ ليس زعمتم أنكم لا
تترجلون له فقالوا له و الله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلن
كان الإمام الهادي
(ع) مهئياً للإمامة والخلافة ، فقد كان (ع) أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة ، وكان
شكلاً أحسنهم واملحهم ، وكانت أوصافه كلها تجعله المبرَّز والمقدم لإمامة البشر كيف
لا وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقر الوصية والخلافة ؟! كيف لا وهو شعبه من روح
النبوة منتضاه ومرتضاه ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه ومجتباه .
ومن تلك الأخبار المروية عن أبيه الجواد (ع) عن ابائه (ع) :
روى عن اسماعيل بن مهزيار أنه قال : لما خرج أبو جعفر (ع) من المدينة المنورة إلى
بغداد في الدفعة الأولى من خروجه قلت له : جعلت فداك إني خائف عليك من هذه الوجه
فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرّ بوجهه (ع) إلي ضاحكاً وقال : ليس الأمر حيث ضننت في هذه
السنة فلما استدعى به المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك ها أنت خارج فإلى من
الأمر من بعدك ، فبكى (ع) حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم التفت إلي فقال : عند هذه
يخاف علي ، فالأمر من بعدي إلى ابني علي ، فإن أمره امري ، وقوله قولي ، وطاعته
طاعتي ، والإمامة بعده في ابنه الحسن .
انتقل أمر الإمامة والخلافة إليه (ع) وهو في مدينة جده الرسول (ص) عن شهادة أبيه الجواد (ع) في بغداد . وله (ع) يومئذٍ من العمر ثمان سنوات وأربعة أشهر قريباً من قدر سني عمر أبيه الجواد (ع) عند انتقال الأمر والخلافة إليه بعد أبيه الرضا (ع) ، وبقي سلام الله تعالى عليه في المدينة بعد شهادة أبيه الجواد (ع) بقية ملك المعتصم ما يقرب من سنتين ، حتى أنتقل الأمر للمتوكل ( لع) حيث أشخص الإمام (ع) من المدينة المنورة إلى " سر من رأى " التي تبعد عن بغداد مسيرة ثلاثة أيام ، وبعد هلاك المتوكل في الرابع من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومأتين ، بويع ابنه محمد بن جعفر الملقب بالمنتصر إلى أن وصل الأمر في النهاية للمعتز بن المتوكل وأسمه الزبير وكان ذلك في السنة الثانية والثلاثين من إمامة أبي الحسن الهادي (ع) ثم كانت شهادة الإمام (ع) في السنة الرابعة والثلاثين من إمامته .
وقد بقى (ع) في سامراء عشرين سنة وكانت مدة إمامته (ع) بعد أبيه الجواد (ع) أربعاً وثلاثين سنة ويوماً واحداً ، وقد تقدم انه (ع) أقام مع أبيه ما يقرب من ثمانية سنوات فيكون مجموع عمره الشريف (ع) نحو اثنين واربعين سنة.
خلف الإمام الهادي (ع) خمسة أولاد ، أربعة ذكور وأنثى واحدة مسماة "عالية" والذكور هم : الإمام الحسن العسكري (ع) الإمام بعده، والذي سنتعرض لسيرته تالياً ، إن شاء الله تعالى ، ومحمد صاحب الكرامات الباهرة والآيات الواضحة ، وهو المعروف بالسيد محمد ، والمدفون قريباً من سامراء على مسيرة ثمان ساعات ، وله قبة عالية ومزار مقصود في كل سنة ، وإن هذا السيد الجليل ، لكثرة ورعه ووفور علمه ، كان يظن انتقال الإمامة والخلافة إليه . ومن أولاد الإمام (ع) كذلك الحسين وأخيراً جعفر ، وهو المعروف بجعفر الكذاب والذي سبقت الإشارة إليه في حديث عن الإمام الصادق (ع) حول الحديث المروي عن الإمام السجاد (ع) ، وهذا كان عكس أخيه السيد محمد فقد ادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام الهادي (ع) كذباً وافتراءً على الله ورسوله (ص) ، وإجتراء على الدين ، وقد سعى في إذاء أخيه الإمام الحسن العسكري (ع) وبعده في إذاء إمام العصر الحجة المنتظر (ع) ، وكان يلقب بزق خمر ، لكثرة شربه للخمر ولعبه بآلات اللهو والقمار ، وقد ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع) في حقه أن سبيله سبيل ابن نوح (ع) ، وكان أبوه الهادي (ع) يقول فيه على ماروي " تجنبوا ابني جعفر فإنه مني بمنزلة كنعان بن نوح النبي (ع) إذ قال (ع) : ربِ إن ابني من أهلي فرد الله عليه بقوله تعالى : (( يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ))
وكان أبو محمد الحسن العسكري يقول على ماروي : الله الله أن يظهر لكم أخي على سر، فوالله ما مَثلي ومَثلهُ إلا مَثل هابيل وقابيل ابني ادم (ع) ، حين حسد قابيلُ هابيل على ما اعطاه الله تعالى ، ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل ولكن الله غالبٌ على أمره .
وقد أمعن الشيعة بعد أبي محمد (ع) وزادوا في هجره حتى تركوا السلام عليه ، ولكنه بعد استشهاد أخيه الإمام العسكري (ع) وبعد مماته ورد النهي من مولانا الحجة (ع) عن سب عمه جعفر ، ونهى شيعته عن لعنه ، وذكر (ع) لهم أن حاله حال أولاد يعقوب (ع) بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه في اخر عمره للتوبة والرجوع للحق . والله بصير بالعباد .
عاش الإمام الهادي (ع) في عصر كانت فيه المناقشات الفقهية والمجادلات الكلامية والمذاهب الفلسفية شاملة وعنيفة ، وكان على شبابه وصغر سنه بالنسبة إلى شيوخ الكلام ، واساطين الفلسفة يرجع إليه ، ويُسأل عن رأيه ، فكان الذروة في المعارف الدقيقة والأحكام الصائبة وكان قوله الفصل وحجته المفحمة .
وقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرّف في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية . إذ لم يكن هناك أحد يضارعه في ثرواته العلمية المذهلة التي شملت جميع أنواع العلوم من الحديث والفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وغيرها من سائر العلوم .
ومن الغريب أن المتوكل على الشيطان العباسي الذي كان من ألدِّ أعداء الإمام (ع) قدم رأي الإمام الهادي (ع) على أراء علماء عصره في المسائل التي اختلف فيها .
وأثرت عن الإمام (ع) روايات عن النبي (ص) وعن أمير المؤمنين والباقر والصادق والرضا (ع) ، وكذلك محاججاته المبهرة عن امتناع رؤية الله عز وجل دنيا وأخره ، واستحالة التجسيم واستحالة وصفه ، وحقيقة التوحيد ، وإبطال الجبر والتفويض وأثرت عنه (ع) الأدعية والمناجات والزيارات أيضاً ومن أشهر زيارات الإمام الهادي (ع) لأبائه الأئمة الطاهرين الزيارة الجامعة .
وتعتبر الزيارة
الجامعة من أشهر زيارات الأئمة (ع) واعلاها شاناً ، واكثرها ذيوعاً وانتشاراً ، فقد
أقبل أتباع أهل البيت (ع) وشيعتهم على حفظها وزيارة الأئمة (ع) بها خصوصاً في يوم
الجمعة .
وسنتحدث عن سند الزيارة الجامعة وبلاغتها وشروحها باختصار وايجاز شديدين للغاية :
أما سندها ، فقد حاز درجة القطع من الصحة ، فقد رواها شيخ الطائفة الطوسي في التهذيب ، ورئيس المحدثين في " من لا يحضره الفقيه" ، و"العيون " وغيرهما ، قال المجلسي : إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سنداً ، وأعمقها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنى ، وأعلاها شأناً .
وعن بلاغتها فتفيض هذه الزيارة بالأدب الرائع ، فقد رصعت بأرق الألفاظ - كما تحلت بجواهر الفصاحة والبلاغة ، وبداعة الديباجة ، وجمال التعبير ، ودقة المعاني . الأمر الذي يدل على صدورها عن الإمام الهادي (ع) .
فقد اعتبر أن أية الخبر الصحيح هو ما إذا كان في أرقى مراتب البلاغة ، فإن الأئمة الطاهرين هم معدن البلاغة والفصاحة ، وهم الذين أسسوا قواعد الكلم البليغ ، فكان كلامه في أعلى مراتب الكلام الفصيح ، فكلامهم (ع) دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين .
واما عن شروحها فقد اهتم بها العلماء اهتماماً بالغاً ، لما فيها من المطالب العالية ، والأسرار المنيعة ، والأمور البديعة ، ومن اهم شروحها :
1 - شرح الزيارة
الجامعة الكبيرة للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي
2 - شرح الزيارة الجامعة للشيخ محمد تقي بن مقصود المجلسي .
3 - الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة للسيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني
.
4 - شرح الزيارة الجامعة للسيد عبدالله شبر وأسماه الأنوار اللامعة في شرح الزيارة
الجامعة .
5 - - - - - - - - - - - - - للسيد علي نقي الحائري .
6 - - - -- - - - - - - - - للشيخ محمد علي الرشتي النجفي .
7 - - - - - - - - - - -- -- للسيد محمد بن محمد بن باقر الحسيني .
8 - - - - - - - - - - -- - - للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي .
9 - الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة للشيخ جواد بن عباس الكربلائي ويقع هذا
الشرح في خمسة أجزاء .
عاصر صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابائه وابنائه الطاهرين سبعاً من خلفاء بني العباس : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، الذي ملك خمس سنين وسبعة أشهر ، وبعده ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم المنتصر الذي كان ملكه ستة أشهر ، ثم أحمد بن محمد المستعين ، الذي كان في أكثر أيامه مشتغلاً بالحرب والمنازعة مع المعتزلة ، وكانت مدة ملكه أربع سنين وشهراً ، ثم خُلع بعدها ، وبويع المعتز بن المتوكل الذي استشهد الإمام (ع) في عهده .
حياته بشكل عام وروابطه مع ملوك عصره
في عهد المعتصم سنة 220 هـ عندما استشهد أبوه (ع) في بغداد بواسطة السم الذي دس إليه ، كان الإمام العاشر (ع) في المدينة المنورة كما اسلفنا ، نال منصب الإمامة بامر من الله تعالى ووصية اجداده ، فقام بنشر التعاليم الإسلامية حتى زمن المتوكل .
لقد كان جميع الملوك الذين عاصرهم الإمام الهادي (ع) يهابونه ويحذرونه ويخافونه ويكرهونه - كما لأسلافهم مع أبائه - لفرط ما كان له ولهم من محبة وإجلال في نفوس الناس .
وكان أشد هؤلاء
الملوك كرهاً لآل البيت ولعلي بن ابي طالب (ع) خاصة ، المتوكل ، بل لعله أشد ملوك
بني العباس قاطبة ، كرهاً للإمام علي وابنائه (ع) ، وكان يعلن عداءه وتنفره لعلي
(ع) فضلاً عن الكلام البذي الذي كان يتفوه به أحياناً ، وكان قد عين شخصاً يقلد
أعمال الإمام علي (ع) في مجالسه ومحافله ، ويستهزئ وينال من تلك الشخصية العظيمة .
وأمر بتخريب قبة الإمام الحسين (ع) وضريحه والكثير من الدور المجاورة له ، وأمر
بفتح المياه على حرم الإمام الحسين (ع) وقبره ، وابذل أرضها إلى أرض زراعية كي يقضي
على جميع معالم هذا المرقد الشريف .
وفي زمن المتوكل اصبحت حالة السادة العلويين في الحجاز متدهورة ويرثى لها ، كانت نساؤهم تفتقر إلى ما يسترها ، والأغلبية منها كانت تحتفظ بعباءة بالية ، يتبادلها في أوقات الصلاة لأجل إقامتها ، وكان الوضع عن هذا في مصر بالنسبة إلى السادة العلويين .
ومن الإهانات التي وجهها المتوكل لأهل البيت (ع) . أنه استجعى الإمام الهادي (ع) في السنة العاشرة من خلافته واشخصه من المدينة إلى سر من رأى ، وكان سبب ذلك تهمة افتراها عليها بعض اعدائه ، فوجه المتوكل يحيي بن هرثمه ومعه ثلاثمائة رجل للمدينة المنورة ، ومعهم رسالة إلى الإمام (ع) يدعوه فيها إلى موافاته في سامراء ، واوصى يحيى بتفتيش دار الإمام (ع) ليضبطوا ما فيها من أسلحة وأدوات وعدة حرب ، كما أوصاه بنقل الإمام في غاية الإجلال والتبجيل والإحترام خوفاً من الشيعة والرأي العام .
فلما وصل " يحيى " إلى الإمام (ع) وجده جالساً يقرأ القرآن ، ولم يجند الجند في بيته (ع) سوى مصاحف وكتب أدعية ، فأكبره القوم وأحترموه ، ولما سلمه يحيي كتاب المتوكل استجاب الإمام (ع) واستمهل ثلاثة أيام استعداداً للخروج .
ولما علم الناس في المدينة المنورة بغرض يحيى من زيارة الإمام (ع) هاجوا عليه هياجاً عظيماً ، فجعل يحيى يسكنهم ويسكن روعهم ، وخرج الإمام (ع) معه ، وظهرت منه في الطريق معاجز كثيرة ، حتى دخل (ع) سامراء سنة ثلاث وثلاثين ومأتين من الهجرة المباركة .
فلما دخل الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ، ولم يعين داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام (ع) إلى النزول في "خان الصعاليك " وهو محل نزول الفقراء من الغرباء ، فدخل عليه صالح بن سعد وقال للإمام (ع) : جعلت فداك : في كل الأمور ارادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع ؟ فأوما الإمام (ع) بيده فإذا بروضات أنقات وأنهار جاريات ، وجنات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصر صالح ، وكثر عجبه فقال الإمام (ع) له : هذا لنا يا بن سعد لسنا في خان الصعاليك .
ثم افرد المتوكل بعدئذٍ داراً للإمام (ع) فانتقل إليها ، وجعل اللعين ليلاً ونهاراً يسعى في إداء الإمام (ع) والعمل على تحقيره وتصغيره بين الناس ولكن دون جدوى ، حتى جعل يعمل التدابير والحيل لقتله (ع) إلا أنه لم يتيسر له ذلك ، وهكذا ظل دأبه مدة اربع سنين إلى أن كثرت وقاحته وزاد كفره ، وإظهار نصبه وعداوته علناً ، حتى دعا عليه الإمام الهادي (ع) فقتل في اليوم الثالث من دعائه (ع) ليلة الأربعاء لأربع خلون من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة الشريفة علي يدي باغر التركي بمعاونة المنتصر ووصيف التركي ، وقتلا هو وخادمه الفتح بن خاقان اللذين كانا سكرانين ثملين ، وانتقل إلى مقره من جهنم وبئس المصير ، وكان ذلك في السنة السابعة والعشرين من إمامته (ع) .
وهكذا كان حال
الملوك الذين تولوا الملك بعد المتوكل ، وقد نسب إلى كل الخلفاء الثلاثة الذين
تولوا الملك بعده أنهم دسوا االسم للإمام (ع) ليتخلصوا منه ، وليس ذلك ببعيد عنهم .
ولكنهم كانوا أخف وطأة على الإمام وشيعته بسبب منازعاتهم الفقهية والفلسفية
والكلامية مع المعتزلة وسواهم .
رثاء الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
هو النقيُ لم يزل نقيّا و كان عند ربهِ
مرضيّا
قضى شهيداً في ديارِ الغربة في شدةٍ و حنةٍ
و كربة
بكتهُ عينُ الرشد و الهداية حيثُ هوى منها
أجّلُ راية
بكتهُ عينُ الفلكِ الدوّاري حزناً على
المُديرِ و المداري
بكاهُ جدهُ النبيُ المجتبى كأنهُ ضياءُ
عينهِ خبا
بكتهُ أعينُ البدورِ النيرة آباءهُ الغرُ
الكرامُ البررة
الشيخ محمد الدماوندي
#####
يا هادي الأنامِ نحوا الهدى أنت صفيُ اللهِ
و المقتدى
خُزانةُ الأسراري يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
يا علي الهادي افتخر بيك الفخر
تاسع سبط من نسل سيد البشر
عاشر إمام من الأيمة الغرر
ثاني عشر معصوم شانك ظهر
بُوركتَ من مقارعٍ للجفاء و قاطعٍ حبائلَ
الإفتراء
يا وارثَ المختارِ يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
ربِ المعالي امنحك من عزته
جلباب قدرة اتفصل بقدرته
صدرك خزانة علم من حكمته
و اجعلك ما بين البشر حجته
طوعُ يديكَ المجدُ قد أسلما و علمُكَ
الزاخرُ بحرٌ طما
أنت المحيطُ الجاري يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
من بدت للوادم شمس هيبتك
ظهرت معالم هيمنت قدرتك
اتجندت أشرار القمع سيرتك
و دولة المتوكل تذل رادتك
هيهاتَ هيهاتَ ربيبُ الإبا
أن يسكنَ الوديانَ دونَ الرُبا
و الذلُ للأشرارِ يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
ما بُرح عن ذاتك شموخ النفس
و ارسمت للأجيال أوضح درس
عن هدف دربك أبعدت كل رجس
مثل ابتعاد الليل عن الشمس
يبنَ الذي فيهِ أتت هل أتى
فطمتَ كلَ من طغى أو عتا
بالبأسِ و الإيثارِ يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
بوجه الرجس موقفك مضرب مثل
من جابك المجلسه و راد الزلل
ناديت وين الباتوا اعلى القلل
وين أصبحت تيجانهم و الحلل
رَفعتَ في مقولِكَ الصارمِ
صرختَ مظومٍ على الظالمِ
الموتُ للفُجارِ يا عاشرَ الأطهاري
أنت صفيُ اللهِ و المقتدى
*********
{انتهت}.
استشهد الإمام
الهادي (ع) في مدينة سر من رأى ، التي نقله إليها المتوكل - كما اسلفنا - والتي
ابقاه هو وسلاطين بني العباس من بعده فيها عشرين سنة ليكون قريباً منهم ، خاضعاً
لمراقبتهم ، بعيداً عن كل ما يحتمل أن يتحرك لطلب الخلافة له . ورغم ان الإمام (ع)
كان في الواقع رهينة عندهم ، فإنهم لم يتوانوا عن العمل للتخلص منه نهائياً ، وينسب
المورخون السبب استشاد الإمام الهادي (ع) إلى السم الذي دسه له المعتز الذي استشهد
الإمام (ع) في السنة الثانية من عهده ( وينسب البعض إلى المستعين الذي كان قبل
المعتز ، دس السم للإمام (ع) أيضاً ) بل إن البعض ينسب دس السم إلى المعتمد العباسي
الذي تولى الخلافة بعد استشاد الإمام الإمام (ع) . أي أن المعتمد عمد إلى محاولة
قتل الإمام (ع) قبل أن يصبح خليفة ، والمشهور أن المعتز هو الذي قتل الإمام (ع)
وقد كانت شهادته (ع) في الثالث من شهر رجب المرجب في السنة الرابعة والخمسين بعد
المائتين من الهجرة النبوية المباركة ، ودفن (ع) في بيته ويقع على بعد 120كم شمال
بغداد ، وله مزار عظيم تعلوه قبة ذهبية كبيرة .