وقال راثيا العلامة الكبير الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر صاحب جواهر الكلام(645):ـ
أظـلم شـرقُ الـدنيا ومغربها لـما توارى في الترب iiكوكُبها
وكـادت الـسبعة الـطباق iiمعا تـطوى وكـاد الـفناء يـعقبها
والارض في أهلها قد اضطربت وأوشـك الاضـطرابُ iiيـقلبها
والـناس فـي حَـيرةٍ بأجمعها لـم تدرِ في الارض أين iiمذهبها
أوهـت صـفاة الاسلام iiحادثة حــقَّ لـكل الانـام iiتـندبها
قـد قصمت عروة التقى iiوعلى افـق سـما الـدين مُدَّ iiغيهبها
فـغودرت جـاهليةٌ ومـن iiال رشــاد لا مـرشـدٌ يـقربّها
قـد عاد أهل الالحاد ينتهز iiالفر صـة مـنهم مـن كان iiيرقبها
وراح راعـي الـضلال ممتريا ضـرعَ لـبون الـفساد يحلبها
الـيوم قـضبُ الحمام طبّق iiفي مـفاصل الـمكرمات مـقضبها
جـذَّ بـها(646) كفُّها وجبَّ iiبه سـنامُها بـل وفـلَّ iiمـضربها
الـيوم اودى (محمدٌ حسنُ) iiال أفـعال أزكـى الانـام iiأطيبها
إن نـاح حـزنا عـليه مشرقها جــاد بـه بـالنياح iiمـغربها
أرفـعُ كـل الـورى مقامَ iiعُلىً مـعـظمٌ لـلـثناء iiأكـسـبها
أسـمـحُها راحـة iiوأحـسنها خَـلقا وخُـلقا لـلمدح iiأجـلبها
أبـلغُها فـي الـمقال، iiأعـلمها أطـيبُ مـنها فـرعا iiوأنجبها
أربـطُ مـنها جـاشا iiوأوقرُها حـوّلها فـي الـخطوب iiقلّبها
قـد ضـل إلاّ إلـيه iiوافـدُها وضــاق إلاّ عـليه iiمـطلبها
إن شـمل الـعالم الـعقوقُ iiمعا أو كـاد جـهل الانـام iiيـغلبها
فــذاك فــي حـلمه يـدبّرُه وذي بـأخـلاقـه iiيـؤدّبـهـا
لـنفسه مـا يزال في طلب الرا حــة يـومَ الـمعاد iiيـتعبها
فـي طـاعة الـلّه كان iiيجهدُها وفـي رضـاء الالـه يغضبها
مـن مـرديات الـهوى ينزهُها وعـن دنـايا الامـور iiيحجبها
مـرتبةٌ زاحـم النجومَ على iiال اُفــق لـفرط الـعلوِ iiمـنكبها
فـهمٌ عـلى الـمشكلات iiيطلعُه لـيس عـليه يـخفي iiمـغيّبها
لـو قـارعته الخطوبُ iiمجهدةً لـهان مـنها عـليه iiأصـعبها
وإن عـر الـخلقَ حادثّ iiجللٌ فـالناس طـرا الـيه iiمـهربا
فـيا لـها مـن رزَّيـة عظمت أهـونـها قـاتـلٌ وأصـعبها
صـبرا جميلا على غروب iiذكا كـان بـخير الـجنان iiمغربها
وانَّ قـبرا قـد حـلَّه ii(حسنٌ) أزكـى أراضـي الدنيا iiوأطيبها
لـقبره اسـتقى سـحاب iiحـيا والـسحب مـن راحتيه iiصيّبها
___________________________________
645 أشهر مشاهير زعماء الدين في عصره، وجد الاسرة الجواهرية في النجف، وقد صار
مرجعا دينيا. ألف كتابه الكبير ((جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام)) بدأ بتأليفه
عام 1230 هـ وانتهى منه عام 1257 هـ وله غيره من الكتب الجليلة. توفي عام 1266 هـ
ودفن بمقبرته الخاصة في محلة العمارة في النجف. وكان يوم وفاته مشهودا، رثاه فريق
من مشاهير شعراء عصره بقصائد عامرة.
646 في المطبوع: جذبه. جذ وجب: بمعنى قطع، والسنام أعلى ظهر البعير.
وقال راثيا ولدا له اسمه سليمان:ـ
لـبستُ مـن الـدهر ثـوبا iiقشيبا ورحــتُ بـكـفيه مـنه سـليبا
وأصـبـح كـلـى لــه iiمـقتلا فحيث رمى كان سهما(647) مصيبا
رمـاني بـصّماء تـوهى iiالـقوى وقــال الـيـك تـوقَّ iiالـخطوبا
فـشـأنك مـا بـعد امّ iiالـخطوب بـقـلبي تـحدثُ وسـما iiغـريبا
وقـائـلةٍ قــد أصـاب الـحمام ســواك، وذلـك قـلبي iiاصـيبا
فـنهنه مـن الـوجد مـا قد iiيعيبُ وكـفكفْ مـن الـعين دمعا سكوبا
فـقـلـتُ، وقـلـبـي iiأنـفـاسه مـن الـوجد توري بصدري iiلهيبا
ألائـمتي ان اصـيب المزاد(648) بـما فـيه لابـد مـن أن يـصوبا
أطـيلي الـعويلَ مـعي iiوالـنحيبا وإلاّ دعـيـني اقـاسـي iiالـكروبا
خـذي الـيوم عـني جميل iiالعزاء فـقد مـلا الـوجدُ قـلبي وجـيبا
أتــأمـلُ نـفـسي إذن iiلـيـتها اصـيبت بـسهم الـردى أن iiتطيبا
وبـالامـس قــد وسّـدت iiخـدَّه تــرابُ الـقبور فـأمسى iiتـريبا
ويـا صـاحبيَّ قـفا بـي iiعـليه نـعطّ الـقلوب أسـىً لا iiالـجيوبا
واعـقـر قـلـبي لــدى iiقـبره بـسيف الـشجا لا جـيادا iiونـيبا
وأنـضـح مـن دم قـلبي عـليه جـفوني دمـا لـيس دمـعا iiمشوبا
وأدعــوه وهـو وراء iiالـصعيد وإن كـنت أعـلم أن لـن يـجيبا
أغـصنا ولـم أجـنِ مـنه iiالثمارَ جنته يدُ الموت غصنا iiرطيبا(649)
ونـجـما لـه اشـرقت iiمـقلتاي بـغـربهما يـوم أبـدى iiغـروبا
عـجبت، ومـا زال هـذا iiالزمانُ يـريني فـي كـل يـومٍ iiعـجيبا
تـمـوتُ فـتـحرم شـمَّ iiالـنسيم وأحـيـا أشـم الـصبا iiوالـجنوبا
وتـنـزل فـي مـوحش iiمـجدبٍ وأنــزل ربـعا أنـيسا خـصيبا
وتـسكن أنـت بـضيق iiالـلحود وأسـكـن هـذا الـفضأَ iiالـرحيبا
كـفاني بهذا(650) جوىً ما iiبقيتُ يـجدد فـي الـقلب جـرحا iiرغيبا
___________________________________
647 في مخطوطة الملا: كان سهمي.
648 المزاد: وعاء يوضع فيه الماء أو غيره.
649 في المطبوع: غضا رطيبا.
650 فيه أيضا: كفاني بها.
وقال راثيا ولده وأخاه ويشير إلى المكان الذي دفنا فيه:
يا ثاويين إلى جنب الفرات معا لدى (مقام نبيِّ اللّه أيوب)
أورثتماني وجدا يوم بينكما ما عشت في الدهر يحكي وجد يعقوب
وقال يرثي السيد علي النقيب ضمن كتاب التمسه عليه بعض الاشراف عن لسانه:ـ
نـعى الـناعون لـلشرف iiالمعُلى فـتى الاشـراف سـيدَها iiالنقيبا
(عـليَّ) الـقدر أعـبق من iiنمته ارومـةُ هـاشم فـي المجد iiطيبا
بـه لـبس الـزمانُ قـشيبَ iiبردٍ فـجوذب ذلـك الـبرد iiالـقشيبا
مضى محضَ الضريبة في المعالي وخـلَّـد مـن مـآثره iiضـروبا
وأبـقى حـيث أغرب في iiالمزايا عـلى كـبد الـورى وسما iiغريبا
اذا اعـترض الـسلؤُّ وكاد iiيخبو تـعـيد لـناره الـذكرى iiلـهيبا
نـعم رحـل الـحِمام بـمن iiنداه أقــام بـكـلّ نـاحيةٍ خـطيبا
وقال رحمه اللّه في رثاء ولده وأخيه:ـ
نـضارةُ عـيشٍ أزهرت واضمحلت وأيــامُ انـسٍ أقـبلت ثـمّ iiولّـت
ومـنـفقةٍ باللهو أيــامَ iiعـمـرِها سـرورا رأت ردنـى بـدمعي iiبلّت
فـظنت عـزائي بـالملام iiفـأكثرتْ فـلـما رأت أن لا عــزأَ iiأقـلّـت
فـقد عـزيت باللون والقلب iiبالجوى فـما مـلَّ قـلبي والـعواذلُ iiمـلّت
سقى الله(651) قبرا هلت أمس iiترابه عـلى روح جـسمي، ليت كّفي iiشلّت
غـدا سـائرا والـطرفُ يتبع iiنعشهَ غـداة بـه عـيسُ الـمنايا iiاستقلَت
ولما تصدّى حائلُ(652) الترب iiدونه وعـيـنيَ مـنه لا فـؤادي تـخلّت
تـلفَّتُّ والاحـشاء عـن iiمـستقرِّها ((لـشدّة مـا تنزو من الوجد)) iiزلّت
فما خاذلٌ(653) جاءت بخشفين عنهما وعـنها بـقفر الـبيد ضـلا iiوضلّت
بـأكـثر مـنّى يـومَ غـاب iiتـلفتا ولا أدمـعا فـيها الـجفونُ iiاسـتهلَت
___________________________________
651 في الديوان المطبوع: سقى الغيث.
652 وفيه أيضا: حامل الترب.
653 الخاذل: الظبية تخلفت عن القطيع. الخشف: فرخ الظبي.
وقال يرثي كريمة الحاج محمد صالح كبه ويمدحه:ـ
يـا نـعش مـا يصنع iiالفصيحُ؟ لــم أدرِ مــاذا بــه يـبوح
وأيُّ مـعـنىً الـيـه iiيـغـدو فـي وصـف معناكِ أو iiيروح؟
هـل فـلكٌ أنـتِ مـن iiعـلاه اليه طرف السهى(654) iiطموح؟
وقـد جـرت زهـرةُ iiالـمعالي فـيه(655) لغربٍ هو iiالضريح
أو أنــتِ نـعش بـه iiمـسجىًّ جـسـمٌ لـجسم الـعفاف iiروح
مـنـاسب الـفـخر iiشـيـعته والـحسبُ الـخالص الـصريح
سـرى عـلى الارض iiحـاملوه وهــو بـافـق الـسما iiيـلوح
وخـلـفـه والـــهٌ iiثـكـولٌ امُّ الـعـلى دمـعـها iiسـفـوح
تـطارح الـورقَ وهـي تـدعو عـلى م ورقُ الـحمى iiتـنوح؟
مــا هـي والـوجد iiتـدّعيه؟ قـلـبي لا قـلـبها iiالـجـريح
تـضـمُّ أضـلاعُـها iiحـشاها ولـي حـشا ضـمَّها iiالـضريح
فــي طـلِحها إلـفُها، iiوإلـفي عـن وطـني شـخصها iiطـليح
أصــمَّ فـيها الـنعيُّ iiسـمعي مـذ جـاء مـن فـارسٍ iiيصيح
تــلـك الـمـفداةُ iiسـاورتـها شـكيَّةٌ مـا لـها iiنـزوح(656)
فـلم تمرض(657) بذات iiقربى لـها بـشكوى الـضنى iiتـبوح
حـتى قـضت، حـيث ما iiعليها فـي غـربة الـبين مـن ينوحُ
نـعـم بـكـت بـقعةٌ iiتـصلّى فـيها وشـهبُ الـسما iiجـنوح
وانتحب ((الكاتبان)) إذ iiقد(658) فـاتـهما وردُهــا iiالـصحيح
فـلـيغتد الـيـوم كـلُّ iiخـدرٍ أعــمـادُ أسـجـافه iiتـطـيح
فـربَّـةُ الاحـتـجاب أضـحت حـجـابُها الـلـحد iiوالـضريح
قـد غـاض مـأُ الـحيأ iiيـندي بــه ثــرىً نـشـرُه iiيـفوح
تـوسـدت والـعـفاف iiفـيـه يـضـمُّه جـيـبُها iiالـنـصيح
شـلّـت أكـفُّ الـزمان iiمـاذا مــن حـرم الـمجد iiيـستبيح
الـيـه دبَّ الـضِـراء iiلـمّـا أبــدي بـأن جـاء iiيـستميح
واغـتـال مـحـجوبة iiبـخدرٍ يـحـوطها الـسؤددُ iiالـصريح
والـعـزُّ عـنـه يـذبُّ iiمـالا يـذّبـه الـفـارس iiالـمـشيح
ومـن أبـى الـمصطفى iiحـماه فــي مـنعة مـا لـها iiمـبيح
ذاك الــذي راحـتـاه iiكــلُّ عـلى الورى ديمةٌ iiدلوح(659)
بـالطبع مـستحلبٌ iiنـداه(660) إن حـلـب الـغـاديات iiريـح
كـأنَّ مـنها البنانَ iiضئرٌ(661) يـرتـضع الـدهرُ مـا iiتـميح
مـسـتعذَبٌ جــودُه iiالـمرّجى مـبـاركٌ وجـهـه iiالـصـبيح
تـقرأ فـي الـوجه مـنه iiهـذا خـاتم(662) أهل الندى iiالمنوح
لا يـشـتري الـحمدَ iiبـالعطايا إذ كــان مـن حـقه iiالـمديح
لـكـنه مــذ نـشـا إلـى iiأن مـن شـيبه اسـتكمل iiالوضوح
يـتـاجـر اللهَ كـــلَ يــومٍ بـمـا حـوتْ كـفُّه iiالـسموح
حـتـى لـقال الـورى iiجـميعا هــذا هـو الـمتجرُ iiالـربيح
كـم ريـض لـلناس فـيه iiأمرٌ صـعبٌ عـلى غـيره جـموحُ
ينشق(663) طيبُ الفخار iiمحضا مــن عـطف عـليائه iiيـفوح
اغــرُّ يـلـقى الـوفودَ iiطـلقا والـعامُ فـي وجهه iiكلوح(664)
إن نـاضـل الـخصمَ ردّ iiفـاه مــع أنـه الـناطقُ الـفصيح
لـسـانـه مـيّـتٌ iiمـسـجّىً والـفـم مـنـه لــه ضـريح
مــا هــو إلا خـضمُّ iiعـلمٍ مـنـه ذوو الـعـلم iiتـسـتميح
بـل هـو عـنوانُ كـل iiفضلٍ وهــم جـمـيعا لـه iiشـروح
ونـيَـرٌ فــي سـمـاء iiمـجدٍ بـنوه شـهبٌ بـه(665) iiتلوح
يـا مـن غـدا ربـعهم iiوفـيه امُّ الــردى مـنـتجٌ iiلـقـوح
ومـن صـفات الـوقار iiتـمّت فيهم ومنها الحجى iiالرجيح(666)
تـلـك الـتي عـنكم iiاسـتقلَّت عـيـسُ الـمنايا بـها iiتـسيح
طوبى(667) لها جاورت ضريحا عــن جــاره ربُّـه صـفوح
واضـطجعت فـي حمى iiضجيعٍ حـمـيّـه ((آدمٌ)) iiو((نــوح))
___________________________________
654 السهى: نجم.
655 في الديوان المطبوع: فيك.
656 شكية ما لها نزوح: مرض ملازم.
657 في المطبوع: ولم تمرض.
658 في مخطوطة الملا: لما.
659 الدولح: كثيرة الماء.
660 في المخطوطة: نداها.
661 الضئر: المرضعة.
662 كذا في الاصل، ولعله حاتم.
663 في المطبوع: تنشق.
664 الكلوح: التقطيب.
665 في المطبوع: بها.
666 في مخطوطة الملا: رجيح.
667 طوبى: جاءت في معاني مختلفة، وكلها تنطبق هنا منها: الخير، الغبطة، السعادة،
وشجرة في الجنة، والجنة نفسها.
|