الكتاب: منهاج الصالحين
المؤلف: الشيخ محمد إسحاق الفياض
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: أمير – قم
الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمد إسحاق الفياض
ردمك:
ملاحظات: ج٢ : العبادات والمعاملات

منهاج الصالحين
العبادات والمعاملات
فتاوى
سماحة آية الله العظمى الشيخ
محمد إسحاق الفياض
دام ظله
الجزء الثاني
1

اسم الكتاب:... منهاج الصالحين / ج 2
المؤلف:... سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحق الفياض (دام ظله)
الناشر:... مكتب سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحق الفياض (دام ظله) قم
المطبعة:... أمير
الطبعة:... الاولى
الكمية:... 1000 نسخة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
3

كتاب الزكاة
وفيه مقاصد:
الزكاة أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات
الدين ومنكرها مع العلم بها كافر؛ لاستلزامه تكذيب الرسالة بل في جملة من
الإخبار أن مانع الزكاة كافر.
المقصد الأول
شرائط وجوب الزكاة العامة
وهي كما يلي:
الأول: البلوغ، فلا تجب الزكاة في مال الصبي، فإذا كان الشخص يانعا
وقت التعلق أو طيلة السنة تعلقت الزكاة بما له وإلا فلا.
5

الثاني: العقل، فلا زكاة في مال المجنون، ونقصد بذلك أن وجوب الزكاة
مشروط بأن يكون المالك عاقلا في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات
الأربع، وطيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة، فلو كان مجنونا في
وقت التعلق أو لم يكن عاقلا طيلة السنة فلا زكاة في ماله، وإن أصبح عاقلا بعد
التعلق أو بعد السنة كما أنه لو كان عاقلا وقت التعلق أو طول السنة، تعلقت
الزكاة بماله البالغ حد النصاب وإن جن بعد ذلك، فالمعيار في وجوب الزكاة إنما هو
بوجود العقل طيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول ووقت التعلق فيما لا يعتبر فيه
الحول.
الثالث: الحرية، فلا زكاة في مال العبد، وأما المبعض منه فلا يبعد
وجوب الزكاة في ماله إذا بلغ النصاب، وان لم يبلغ نصيب حريته ذلك.
الرابع: التمكن، بأن يكون المالك متمكنا من التصرف في النصاب متى شاء
وأراد عقلا وشرعا، ويكون تحت يده وسلطانه، وأما إذا لم يكن كذلك فلا زكاة
فيه، وذلك كالدين والوديعة والمال المدفون في مكان منسي والمال الغائب وغير
ذلك؛ إذ ليس بامكان المالك التصرف في تلك الأموال متى شاء وأراد وإن كان
بإمكانه تحصيل القدرة والتمكن من التصرف فيها إلا أنه غير واجب.
الخامس: الملك، ونقصد به الملك في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول
كالغلات الأربع، وفي طول السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة.
(مسألة 1): ظهر أن تعلق الزكاة بالمال منوط بتوفر الشروط العامة فيه
منها الملك، فلذلك لا تجب الزكاة في نماء الوقف، إذا كان مجعولا على نحو المصرف
لمكان عدم الملك وتجب إذا كان مجعولا على نحو الملك، من دون فرق بين أن
يكون الوقف عاما أو خاصا فإذا جعل بستانه وقفا على أن يصرف نماءها على
6

ذريته، أو على علماء البلد لم تجب الزكاة فيه، وإذا جعلها وقفا على أن يكون
نماؤها ملكا للأشخاص - كالوقف على الذرية مثلا - وكانت حصة كل واحد
تبلغ النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم، وإذا جعلها وقفا على أن يكون
نماؤها ملكا للعنوان - كالوقف على الفقراء أو العلماء - لم تجب الزكاة وإن بلغت
حصة من يصل إليه النماء مقدار النصاب.
(مسألة 2): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أكثر اعتبر في
وجوب الزكاة على كل واحد منهم بلوغ حصته وحده النصاب، ولا يكفي في
الوجوب بلوغ المجموع حد النصاب.
(مسألة 3): ثبوت الخيار في البيع المشروط برد مثل الثمن غير مانع عن
التمكن من التصرف في المبيع؛ لما مر من أن المراد منه كون المال تحت يد المالك
وسلطانه فعلا بنحو له أن يتصرف فيه متى شاء وأراد، وعلى هذا فلا مانع من
تعلق الزكاة به إذا كانت سائر شروطها متوفرة فيه.
(مسألة 4): الإغماء والسكر حال التعلق أو في أثناء الحول لا يمنعان عن
وجوب الزكاة.
(مسألة 5): إذا عرض على المالك عدم التمكن من التصرف بعد تعلق
الزكاة، أو بعد مضى الحول فقد استقر الوجوب، فيجب عليه الأداء، إذا تمكن منه
بعد ذلك، فإن تسامح وتماهل كان مقصرا وضامنا وإلا فلا.
(مسألة 6): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا على المقرض، فلو
اقترض نصابا من الأعيان الزكوية، وبقي عنده سنة وجبت عليه الزكاة، وإن كان
قد اشترط المقترض في عقد القرض على المقرض أن يؤدي الزكاة عنه. نعم،
إذا أدى المقرض عنه صح، وسقطت الزكاة عن المقترض ويصح مع عدم الشرط
7

أن يتبرع المقرض عنه بأداء الزكاة كما يصح تبرع الأجنبي.
(مسألة 7): يستحب لولي الصبي والمجنون إخراج زكاة مال التجارة لهما
إذا اتجر به لهما.
(مسألة 8): إذا علم البلوغ والتعلق ولم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة،
سواء علم تاريخ التعلق وجهل تاريخ البلوغ أم علم تاريخ البلوغ وجهل تاريخ
التعلق أم جهل التاريخان معا، وكذا الحكم في المجنون إذا كان جنونه سابقا وطرأ
العقل، أما إذا كان عقله سابقا وطرأ الجنون وجبت الزكاة، فيما إذا كان تاريخ
التعلق معلوما وتاريخ الجنون مجهولا، وأما إذا كان العكس أو كان تاريخ كليهما
مجهولا فلا تجب الزكاة.
(مسألة 9): إذا استطاع بتمام النصاب فهل يجب عليه إخراج الزكاة أو لا؟
والجواب: إن كان تعلقها قبل حصول الاستطاعة وجب ولم يجب الحج،
وإن كان بعده وجب الحج، ويجب عليه - حينئذ - حفظ الاستطاعة مهما أمكن،
ولو بتبديل المال بغيره، وإن لم يحفظ الاستطاعة ومضى عليه الحول وجبت الزكاة
أيضا، وعندئذ فإن كان متسامحا ومقصرا في ذلك استقر وجوب الحج عليه وإلا
فلا.
المقصد الثاني
ما تجب فيه الزكاة
تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلات الأربع:
الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وفي النقدين: الذهب والفضة، ولا تجب فيما عدا
8

ذلك. نعم، تستحب في غيرها من الحبوب التي تنبت في الأرض كالسمسم،
والأرز والدخن والحمص والعدس والماش والذرة وغيرها كما أنها تستحب في
أموال التجارة وفي الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير ولا تستحب
في الخضروات مثل البقل والقثاء والبطيخ والخيار ونحوها ولا في الأملاك
والعقارات التي يراد منها الانتفاع كالبستان والخان والدكان وغيرها. والكلام في
التسعة الاول يقع في مباحث:
المبحث الأول
الأنعام الثلاثة
وشروط وجوب الزكاة فيها وهي كما يلي:
الشرط الأول: النصاب:
في الإبل اثنا عشر نصابا:
الأول: خمس إبل، وفيها شاة.
الثاني: العشر وفيها شاتان.
الثالث: خمس عشرة وفيها ثلاث شياه.
الرابع: العشرون وفيها أربع شياه.
الخامس: خمس وعشرون وفيها خمس شياه.
السادس: ست وعشرون فيها بنت مخاض، وهي الداخلة في السنة الثانية.
9

السابع: ست وثلاثون وفيها بنت لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة.
الثامن: ست وأربعون وفيها حقة، وهي الداخلة في السنة الرابعة.
التاسع: إحدى وستون وفيها جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة.
العاشر: ست وسبعون وفيها بنتا لبون.
الحادي عشر: إحدى وتسعون وفيها حقتان.
الثاني عشر: مائة وإحدى وعشرون وفيها في كل خمسين حقة، وفي كل
أربعين بنت لبون، فإن كان العدد مطابقا للأربعين بحيث إذا حسب بالأربعين لم
تكن زيادة ولا نقيصة على الأربعين كالمائة والستين، وإذا كان مطابقا للخمسين،
بالمعنى المتقدم، عمل على خمسين، كالمائة والخمسين، وإن كان مطابقا لكل منهما
- كالمأتين - تخير المالك بين العد بالأربعين والخمسين وإن لم يكن مطابقا لكل من
النصابين كالمائتين والستين ولكن كان مطابقا لهما بنحو التوزيع عمل بهما كذلك
فيحسب خمسين وأربع أربعينات، وعلى هذا لا عفو إلا فيما دون العشرة، وقد
تسأل: أن النصابين إذا لم يكن شيئا منهما عادا للجميع ولا كليهما معا، ولكن كان
أحدهما أكثر عادا استيعابا من الآخر فهل يجب الأخذ به وإلغاء الآخر أو لا؟
والجواب: نعم، يجب الأخذ به.
(مسألة 10): إذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، وإذا لم يكن
عنده ابن لبون أيضا تخير في شراء أيهما شاء.
(مسألة 11): في البقر نصابان:
الأول: ثلاثون وفيها تبيع، ولا تجزي التبيعة على الأظهر وهو ما دخل في
السنة الثانية.
10

الثاني: أربعون وفيها مسنة وهي التي دخلت في السنة الثالثة، وفيما زاد
على هذا الحساب يتعين العد بالنصاب الذي يطابق العدد ولا عفو فيه فإن كان
العدد الستين عد بالثلاثين، وإن كان الثمانين عد بالأربعين، وإن كان السبعين عد
بهما معا، وان كان المائة والعشرين تخير من العد بالثلاثين والعد بالأربعين، وإذا
كان أحدهما أكثر عادا واستيعابا من الآخر تعين الأخذ به دون الآخر، ثم، ان كل
عدد لا يكون أحد النصابين أو كلاهما عادا له فهو عفو، وكذا ما دون الثلاثين.
(مسألة 12): في الغنم خمسة نصب:
الأول: الأربعون، وفيها شاة.
الثاني: مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.
الثالث: مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.
الرابع: ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه.
الخامس: أربعمائة، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ، ولا شيء فيما نقص عن
النصاب الأول ولا فيما بين كل نصابين.
(مسألة 13): الجاموس والبقر جنس واحد، ولا فرق في الإبل بين العراب
والبخاتي، ولا في الغنم بين المعز والضأن، ولا بين الذكر والأنثى في الجميع.
(مسألة 14): المال المشترك بين جماعة إذا بلغ نصيب كل واحد منهم
النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم، وإذا بلغ نصيب بعضهم النصاب
دون بعض وجبت على من بلغ نصيبه دون شريكه، وإذا لم يبلغ نصيب أي
واحد منهم النصاب لم تجب الزكاة وإن بلغ المجموع النصاب.
(مسألة 15): إذا كان مال المالك الواحد متفرقا بعضه عن بعض، فإن كان
11

المجموع يبلغ النصاب وجبت فيه الزكاة، يلاحظ كل واحد على حده.
(مسألة 16): المشهور في الشاة التي تجب في نصب الإبل والغنم إن كانت
من الضأن اعتبر فيه أن تكمل لها سنة وتدخل في الثانية، وإن كانت من المعز
اعتبر فيه أن تكمل لها سنتان وتدخل في الثالثة، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل
منع، والمعيار إنما هو بصدق الشاة أو المعز. وقد تسأل: هل يجوز للمالك أن يدفع
زكاة ماله من غير النصاب وغير النقود أو لا؟
والجواب: الأقرب عدم الجواز إلا بإذن من الحاكم الشرعي.
(مسألة 17): المدار في دفع قيمة الزكاة إنما هو بقيمتها وقت الأداء والدفع
لا وقت الوجوب، كما أن المدار في دفع القيمة إنما هو بدفع قيمة العين الزكوية في
البلد الذي هي موجودة فيه وإن كان الدفع في بلد آخر. نعم، إذا نقل المالك العين
الزكوية من بلده إلى بلد آخر، وكان مأذونا فيه وجب عليه أن يدفع قيمتها في
ذلك البلد، سواء كانت أقل من قيمة بلد النصاب أو أكثر أو المساوي.
(مسألة 18): إذا كان مالكا للنصاب لا أزيد - كأربعين شاة مثلا - فحال
عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت؛ لعدم نقصانه
- حينئذ - عن النصاب، ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة سنة
واحدة لنقصانه - حينئذ - عن النصاب، ولو كان عنده أزيد من النصاب - كأن
كان عنده خمسون شاة - وحال عليه أحوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة
بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب.
(مسألة 19): إذا كان جميع النصاب الموجود لدى المالك من الإناث،
فهل يجزئ دفع الذكران بدلا عن الإناث وبالعكس أو لا؟ وإذا كان كل
النصاب من الضأن فهل يجزئ دفع المعز عن الضأن وبالعكس، وكذلك الحال
12

في البقر والجاموس والإبل العراب والبخاتي أو لا؟
والجواب: أن الإجزاء في كل ذلك لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد عدمه،
وإذا أراد المالك أن يصنع ذلك فعليه أن يستأذن من الحاكم الشرعي.
(مسألة 20): لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشاب
والهرم، في العد من النصاب. نعم، إذا كانت كلها صحيحة لا يجوز دفع المريض،
وكذا إذا كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب، وإذا كانت كلها شابة لا يجوز دفع
الهرم، وأما إذا كان بعض النصاب مريضا وبعضه سالما أو بعضه صحيحا والبعض
الآخر معيبا وهكذا، فلا يبعد كفاية دفع المعيب عن الجميع أو المريض أو الهرم
ولا ضرورة للتقسيط.
الشرط الثاني: السوم طول الحول:
صدق السوم على الأنعام الثلاثة مرتبط بكونها مرسلة في المراعي لترعى
من الحشيش والكلأ ونحوهما من الثروات الطبيعية، من دون أن يبذل صاحبها
الجهد والعمل في خلق الفرص وتهيئة العلف لها، فإذا كانت كذلك فهي سائمة
وفيها زكاة، وأما إذا قام صاحبها بتهيئة العلف لها فأعلفها وأطعمها منه فهي
معلوفة، ولا فرق في تهيئة العلف بين أن يقوم صاحبها بإحياء المرعى لها
وازدهاره بالأشجار والحشيش والدغل والكلأ ونحوها، بقصد أن يعلفها
ويطعمها منه وبين أن يجمع العلف بقطع الحشيش والكلأ ونحوهما؛ إذ على كلا
التقديرين يصدق أنه أعلفها وأطعمها فإذا صدق ذلك صدق أنها معلوفة، وقد
تسأل: أن من اشترى المرعى أو استأجره من أجل أن يرعى مواشيه فإذا رعاها
فيه فهل هي سائمة أو أنها معلوفة؟
13

والجواب: لا يبعد كونها سائمة، كما إذا رعاها في الحشيش والدغل
والكلأ التي تنبت في الأرض المملوكة في أيام الربيع أو في وقت نضوب الماء
فإنها سائمة متعلقة للزكاة، حيث لا يكفي في الخروج عن السوم مجرد كون
العلف مملوكا ما لم تكن هناك ملابسات أخرى كبذل الجهد وإنفاق العمل في
سبيل ذلك.
وقد تسأل هل يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول علفها يوما أو
يومين أو لا؟
والجواب: أن هذا المقدار لا يقدح في مجموع فترة الحول.
(مسألة 21): السوم الذي هو شرط في وجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة لا
فرق بين أن يكون باختيار المالك طوال السنة كما إذا كان بإمكانه أن يعلف
أغنامه مثلا ويطعمها ولكنه ترك ذلك وأرسلها إلى مرعاها طيلة السنة أو يكون
بغير اختياره، كما إذا كان هناك عائق عن أن يطعمها أو ظالم منع عن ذلك طوال
فترة الحول أو غاصب غصب العلف واضطر المالك إلى إرسالها إلى مرعاها،
فالمعيار في وجوب الزكاة في الأنعام إنما هو بصدق السوم عليها.
الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل:
ولو في بعض الحول، وإلا لم تجب الزكاة فيها. ولا يقدح العمل بها يوما
أو يومين أو ثلاثة في تمام السنة، فإن المعيار إنما هو بصدق أنها ساكنة وفارغة
ولا تكون عوامل عرفا، ومن الواضح أن عمل يوم أو يومين لا يضر بصدق
ذلك.
14

الشرط الرابع: أن يمضي عليها حول جامعة للشروط:
ويتم الحول بدخول الشهر الثاني عشر، وبذلك يستقر الوجوب ولا يضر
فقد بعض الشروط قبل تمامه. نعم، لا يبدأ الحول الثاني إلا بعد إتمام الشهر الثاني
عشر.
(مسألة 22): إذا اختل بعض الشروط في شهر الحادي عشر بطل الحول،
كما إذا نقصت عن النصاب أو عجز من التصرف فيها أو قام بتبديلها بجنسها، أو
يغير جنسها ولو كان زكويا، ولا فرق بين أن يكون التبديل بقصد الفرار من
الزكاة وعدمه.
(مسألة 23): إذا حصل لمالك النصاب في أثناء الحول ملك جديد بنتاج أو
شراء أو نحوهما، فإما ان يكون الجديد بمقدار العفو كما إذا كان عنده أربعون من
الغنم، وفي أثناء الحول ولدت أربعين فلا شيء عليه، إلا ما وجب في الأول، وهو
شاة في الفرض، وإما أن يكون نصابا مستقلا، كما إذا كان عنده خمس من الإبل،
فولدت في أثناء الحول خمسا أخرى، كان لكل منهما حول بانفراده، ووجب عليه
فريضة كل منهما عند انتهاء حوله، وإذا كان نصابا مستقلا ومكملا للنصاب
اللاحق كما إذا كان عنده عشرون من الإبل وفي أثناء حولها ولدت ستة،
فالأقرب إلغاء ما مضى من الحول على النصاب الأول والبدء للمجموع الذي هو
نصاب جديد من حين تحقق ملك الزائد، ففي المثال إذا كان الإنسان يملك عشرين
إبلا لمدة ستة أشهر من بداية أول محرم مثلا، ثم زادت إبله وأصبحت على رأس
ستة أشهر أخرى ستا وعشرين كأول رجب، كان مبدأ الحول من بداية شهر
رجب لامن بداية محرم سابق ولا من المحرم الثاني، وبكلمة: أن العدد الزائد إذا
15

كان نصابا مستقلا ومكملا للنصاب الأول، فالأقرب إلغاء النصاب الأول
والأخذ بالنصاب الجديد وهو النصاب اللاحق، واعتبار مبدأ الحول من حينه
على أساس أن النصاب الأول إنما ظل موضوعا للحكم، شريطة أن لا يندك
في النصاب اللاحق ولا يصبح جزءا له، وإلا يعتبر ملغيا وساقطا، ومع هذا
فرعاية الاحتياط بجعل كل منهما نصابا مستقلا في محله، ومن هنا يظهر أن
العدد الزائد في الأثناء إذا لم يكن نصابا مستقلا وكان مكملا للنصاب اللاحق
فقط - كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، وفي أثناء الحول ولدت إحدى عشرة
- أن الأمر فيه أيضا كذلك، يعني: يعتبر النصاب الأول ملغيا وباطلا، ويؤخذ
بالنصاب الجديد كنصاب مستقل ويبدأ بسنته من حينه، ومع هذا فرعاية
الاحتياط بالجمع بينه وبين الأخذ بالنصاب الأول أولى وأجدر.
(مسألة 24): يظهر حكم السخال مما مر إذا كانت أمهاتها سائمة؛ لما عرفت
من أنه لا فرق في الملك الجديد في أثناء النصاب بين أن يكون بالنتاج أو الإرث
أو الملك، وإذا كانت أمهاتها معلوفة فإن كان عدد السخال بلغ حد النصاب
مستقلا ترتب عليه حكمه، وإلا فلا شيء فيه على الأحوط إن لم يكن أقوى.
المبحث الثاني
زكاة النقدين
(مسألة 25): يشترط في زكاة النقدين - مضافا إلى الشرائط العامة - امور:
الأول: النصاب وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار على
الأحوط وجوبا، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، ولا زكاة فيما دون
16

العشرين ولا فيما زاد عليها حتى يبلغ أربعة دنانير، وهي مساوية ثلاثة مثاقيل
صيرفية، وفيها أيضا ربع عشرها أي: من أربعين واحد وهكذا كلما زاد أربعة
دنانير وجب ربع عشرها، أما الفضة فنصابها مائتا درهم وفيها خمسة دراهم، ثم
أربعون درهما وفيها درهم واحد، وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم، وما
دون المائتين عفو، وكذا ما بين المائتين والأربعين، ووزن عشرة دراهم خمسة
مثاقيل صيرفية وربع، فالدرهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره، والضابط في
زكاة النقدين من الذهب والفضة: ربع العشر.
الثاني: أن يكون الدرهم والدينار مسكوكين بسكة المعاملة، سواء كانت
بسكة الإسلام أم بسكة الكفر كانت بكتابة أم بغيرها من النقوش، وأما إذا
مسحت السكة فهل تجب الزكاة فيها إذا عومل بها أو لا؟
والجواب: أن المسح إن كان يضر بصدق الدينار والدرهم على الممسوح لم
تجب الزكاة، وإلا وجبت، ولا فرق في ذلك بين الممسوح بالعارض والممسوح
وبالأصل، فإن المعيار في وجوب الزكاة إنما هو بصدق الدينار والدرهم الرائج في
المعاملات، وأما المسكوك الذي جرت المعاملة به ثم هجرت، فإن كان الهجر
والخروج عن المعاملة يؤدي إلى خروجه عن مسمى الدينار والدرهم لم تجب
الزكاة فيه، وإن كان الهجر بسبب آخر - كاتخاذهما زينة للبيت وجمعهما من أجل
ذلك لا من أجل أن يتعامل بهما - لم يمنع ذلك عن وجوب الزكاة فيهما؛ لأن المعيار
في وجوبها إنما هو بالتعامل بنوع الدرهم والدينار، وإن كان بعض أفراده مهجورا
لسبب أو آخر، ولا تجب الزكاة في الحلي وإن كان من الدرهم والدينار.
الثالث: الحول، ويعتبر في وجوب الزكاة فيهما دخول الشهر الثاني عشر،
فإذا دخل تم الحول ووجبت الزكاة فيهما، ولابد أن تكون جميع الشروط العامة
17

متوفرة طيلة مدة الحول، فلو فقد بعضها في الأثناء بطل الحول، وإن تجدد استأنفه
مرة ثانية من جديد.
(مسألة 26): لا فرق في الذهب والفضة بين الجيد والرديء، ولا يجوز
الإعطاء من الرديء إذا كان تمام النصاب من الجيد.
(مسألة 27): تجب الزكاة في الدراهم والدنانير المغشوشة وإن لم يبلغ
خالصهما النصاب، وإذا كان الغش كثيرا بحيث لم يصدق الذهب أو الفضة على
المغشوش، ففي وجوب الزكاة فيه إن بلغ خالصه النصاب إشكال والأظهر عدمه.
(مسألة 28): إذا شك في بلوغ النصاب فالظاهر عدم وجوب الزكاة، وفي
وجوب الاختبار إشكال أظهره العدم.
(مسألة 29): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة، اعتبر بلوغ
النصاب في كل واحد منها، ولا يضم بعضها إلى بعض، فإذا كان عنده تسعة عشر
دينارا ومائة وتسعون درهما لم تجب الزكاة في شيء منهما، وإذا كان من جنس
واحد - كما إذا كان عنده ليرة ذهب عثمانية وليرة ذهب إنجليزية - وجب ضم
بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة فيه
وقد تسأل: هل يجوز للمالك التصرف في نصاب الذهب والفضة قبل أن يخرج
الزكاة عنهما أو لا؟
والجواب: يجوز شريطة توفر أمرين:
أحدهما: أن يكون بانيا على إخراج الزكاة منهما وعازما على ذلك.
ثانيهما: أن يبقى منهما بمقدار يفي بالزكاة.
18

المبحث الثالث
زكاة الغلات الأربع
(مسألة 30): يشترط في وجوب الزكاة فيها - مضافا إلى الشروط العامة
المتقدمة - أمران:
الأول: بلوغ النصاب، وهو بوزن النجف - في زماننا هذا - ثمان وزنات
وخمس حقق ونصف إلا ثمانية وخمسين مثقالا وثلث مثقال، والوزنة أربع
وعشرون حقة، والحقة ثلاث حقق إسلامبول وثلث، وبوزن الإسلامبول سبع
وعشرون وزنة وعشر حقق وخمسة وثلاثون مثقالا صيرفيا، والوزنة أربع
وعشرون حقة، والحقة مائتان وثمانون مثقالا صيرفيا، وبوزن الكيلو يكون
النصاب ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلوا تقريبا، وبالمن التبريزي الذي هو ألف
مثقال صيرفي مائة وأربعة وثمانون منا وربع من وخمسة وعشرون مثقالا.
الثاني: الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزرع أم بالشراء أم
بالإرث أم بغيرها من أسباب الملك.
(مسألة 31): المشهور أن وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة
والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حصرما في ثمر
الكرم، لكن الظاهر أن وقته إذا صدق أنه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.
(مسألة 32): المشهور أن المدار في قدر النصاب من الغلات اليابس منها،
فإذا بلغ النصاب وهو عنب ولكنه إذا صار زبيبا نقص عنه لم تجب الزكاة،
وكذلك الحال في غيره، ولكن الظاهر هو التفصيل بين العنب وسائر الغلات
كالحنطة والشعير والتمر، فإن زمان التعلق في العنب غير زمان اعتبار النصاب
19

فيه؛ لأن زمان التعلق فيه زمان صدق العنبية عليه، وزمان اعتبار النصاب هو
زمان صدق الزبيبة، وأما في الحنطة والشعير والتمر فالظاهر أن زمان التعلق
فيها هو زمان اعتبار النصاب، وعلى هذا فإذا كانت تلك الغلات حال التعلق
بقدر النصاب وإذا يبست نقصت عنه لم يضر.
(مسألة 33): لا يجوز للمالك تأخير إخراج الزكاة بعد تصفية الحنطة
والشعير واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب، فإذا أخر الإخراج بغير عذر وعامدا
وملتفتا ضمن مع وجود المستحق، ويجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي أن
يطالب المالك بالزكاة من حين التعلق، فإذا طلب ذلك منه وجب على المالك
القبول والقيام بإفراز حصة الزكاة وتعيينها وتسليمها إلى الساعي أو إلى الفقراء،
كما يجوز للمالك ان يقوم بذلك بنفسه بعد تعلق الوجوب من دون الطلب من قبل
الحاكم الشرعي؛ إذ لا يجب عليه أن يحتفظ على الزكاة إلى وقت التصفية بل له
تسليمها إلى الحاكم الشرعي أو إلى الفقراء، وليس للحاكم الشرعي أو الفقراء
الامتناع عن القبول.
(مسألة 34): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فإذا أعطى زكاة
الحنطة ثم بقيت العين عنده سنين متعددة لم يجب فيها شيء، وهكذا غير الحنطة
من الغلات الزكوية.
(مسألة 35): يجب على المالك في زكاة الغلات الأربع العشر إذا سقت
الزروع والأشجار والنخيل بالماء الجاري كالعيون والأنهار التي لا يتوقف سقيها
بها على مؤنة زائدة، مثل سحب الماء بالآلات كالمكائن ونحوها أو بماء المطر
النازل من السماء أو الماء الناضب في الأرض بامتصاص عروقها منه كما في بعض
الأراضي والبلدان، ونصف العشر إذا سقيت بالمكائن والدوالي أو غيرهما من
20

الوسائل والعلاجات الحديثة، وبكلمة: أن السقي لا يخلو إما أن يكون طبيعيا أو
يكون بالآلات كالمكائن ونحوها، فعلى الأول لا فرق بين أن يكون السقي
بالأمطار النازلة من السماء أو بالمياه النضبة في الأرض أو بالعيون والأنهار، ولا
فرق في العيون بين أن تكون عامرة طبيعية أو عامرة بشرية، وأما إذا كان السقي
بكلا الطريقين بنحو الاشتراك، فتكون الزكاة النصف والنصف بمعنى: أن زكاة
نصف الحاصل نصف العشر وزكاة نصفه الآخر العشر، والضابط في الاشتراك
هو: أنه لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر في الوصول إلى النتيجة وهي
الحاصل وإن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر كما أو كيفا.
(مسألة 36): ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة - وهو الحصة من نفس
الزرع - لا يجب على المالك إخراج زكاته.
(مسألة 37): المشهور بين الفقهاء استثناء المؤن التي يحتاج إليها الزرع في
بلوغه إلى حد الثمر والإنتاج من النصاب، وإخراج الزكاة من الباقي كأجرة الفلاح
والحارث والساقي والعوامل التي يستأجرها للزرع وأجرة الأرض ونحو ذلك مما
يحتاج إليه الزرع أو الثمر، ومنها ما يأخذه السلطان من النقد المضروب على
الزرع المسمى بالخراج، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع. نعم المؤن التي تصرف
على الزرع أو الثمر بعد تعلق الزكاة به فبإمكان المالك احتسابها على الزكاة وعدم
تحملها، على أساس أن له الحق في تسليمها إلى أهلها كالفقراء أو الحاكم
الشرعي؛ إذ لا يجب عليه الحفاظ بها إلى زمان التصفية في الغلات والاجتذاذ في
الثمر والاقتطاف في الزبيب، وعليه فيجوز له احتساب المؤنة اللاحقة على الزكاة
بالنسبة مع الإذن من الحاكم الشرعي وإلا فليس له ذلك.
(مسألة 38): إذا كانت النخيل أو الأشجار في أماكن متباعدة، وتفاوتت
21

في إدراك الأثمار زمانا وكانت الأثمار جميعا لعام واحد، وجب ضم بعضها مع
بعضها الآخر، فإذا بلغ المجموع حد النصاب وجب إخراج الزكاة منه، فإن
المعيار انما هو ببلوغ ثمرة سنة واحدة النصاب، سواء كانت في زمن واحد أم
كانت في أزمنة متعددة، ما دام يصدق عليها أنها ثمرة في عام واحد وبلغت
النصاب كاملا. وكذلك الحكم في الزروع المتباعدة فيلحظ النصاب في المجموع
وان كان زمان الإدراك فيها متفاوتا بعد كون الجميع ثمرة عام واحد، فإذا بلغ
المجموع النصاب وجبت الزكاة وإن لم يبلغه كل واحد منها، وأما إذا كان نخل
يثمر في العام مرتين ففي الضم فيه إشكال وإن كان الضم أحوط وجوبا، بل هو
الأقرب.
(مسألة 39): يجوز دفع القيمة عن الزكاة من النقدين وما بحكمهما من
الأثمان كالأوراق النقدية.
(مسألة 40): إذا مات المالك بعد تعلق الوجوب وجب على الوارث
إخراج الزكاة، أما لو مات قبله وانتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل واحد
النصاب وجبت على كل واحد منهم زكاة نصيبه، وإن بلغ نصيب بعضهم دون
نصيب الآخر وجبت على من بلغ نصيبه دون الآخر، وإن لم يبلغ نصيب أي واحد
منهم النصاب لم تجب على أي واحد منهم، وكذا الحكم فيما إذا كان الانتقال بغير
الإرث كالشراء أو الهبة.
(مسألة 41): إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة كأنواع التمر، بأن كان بعضها
جيد وبعضها الآخر أجود والثالث رديء والرابع أردأ، فالأظهر أن يخرج زكاة
كل نوع من نفس ذلك النوع، على أساس أن تعلق الزكاة بالغلات الأربع يكون
بنفس العين على نحو الإشاعة.
22

(مسألة 42): الأقوى ان الزكاة في الغلات الأربع متعلقة بالعين على وجه
الإشاعة، وفي الغنم والنقدين متعلقة بالعين على وجه الكلي في المعين، وفي الإبل
والبقر متعلقة بالعين على نحو الشركة في المالية المتمثلة في مال خاص في كل
مرتبة من مراتب نصابهما، وتظهر الثمرة بين هذه الوجوه، فعلى الأول لا يجوز
تصرف المالك في النصاب قبل أن يخرج زكاته، وعلى الثاني والثالث يجوز للمالك
أن يتصرف فيه ما دام يبقى منه مقدار الزكاة عينا، كما في القسم الثاني، ومالا كما في
القسم الثالث. نعم، لا يجوز له التصرف في تمام النصاب، فإذا باعه لم يصح البيع في
حصة الزكاة إلى أن يدفعها البائع بإذن من الحاكم الشرعي في القسم الثاني، على
أساس أن غير الزكاة يصبح عوضا عن الزكاة يتوقف على الإذن. نعم، في القسم
الثالث يصح بلا حاجة إلى الإذن باعتبار ان الزكاة متمثلة في مال خاص كشاة
وشاتين مثلا، فإذا دفع المالك الشاة فقد دفع عين الزكاة لا عوضها أو يدفعها
المشتري من نفس النصاب في القسم الثاني أو مع الإذن إذا كان من غيره فيصح
أيضا، ويرجع بها على البائع وإن أجاز الحاكم البيع قبل دفع البائع أو المشتري
صح البيع، وكان الثمن زكاة فيرجع الحاكم به إلى المشتري إن لم يدفعه إلى البائع،
وإلا فله الرجوع إلى أيهما شاء.
(مسألة 43): لا يجوز التأخير في دفع الزكاة من دون عذر، فإن أخره
لطلب المستحق فتلف المال قبل الوصول إليه لم يضمن، وإن أخره مع العلم
بوجود المستحق ضمن. نعم، يجوز للمالك عزل الزكاة من العين أو من مال آخر،
مع عدم المستحق، بل مع وجوده على الأقوى، فيتعين المعزول زكاة ويكون أمانة
في يده لا يضمنه إلا مع التفريط، أو التأخير مع وجود المستحق من دون غرض
صحيح وأهم، وفي ثبوت الضمان معه - كما إذا أخره لانتظار من يريد إعطاءه أو
للإيصال إلى المستحق تدريجا في ضمن شهر أو شهرين أو ثلاثة وكان ذلك
23

بنظره أهم - إشكال، ولا يبعد عدم الضمان، ونماء الزكاة تابع لها في المصرف، ولا
يجوز للمالك إبدالها بعد العزل.
(مسألة 44): إذا باع الزرع أو الثمر، وشك في أن البيع كان بعد تعلق الزكاة
حتى تكون عليه، أو قبله حتى تكون على المشتري، لم يجب عليه شيء، حتى إذا
علم زمان التعلق وشك في زمان البيع وإن كان الشاك هو المشتري، فإن علم
بأداء البائع للزكاة على تقدير كون البيع بعد التعلق، لم يجب عليه إخراجها، وإلا
وجب عليه إخراجها؛ لعلمه إجمالا إما ببطلان البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة إذا
كان تعلقها في ملك البائع، أو بوجوب إخراجها عليه إذا كان تعلقها في ملكه،
فبالنتيجة هو يعلم تفصيلا أن تصرفه في مقدار الزكاة محرم. وقد تسأل: أن
المشتري إذا دفع الزكاة فهل له أن يرجع إلى البائع ويطالب عوضها عنه أو لا؟
والجواب: لا يحق له أن يرجع إليه؛ لعدم العلم بضمانه لها، ولافرق في ذلك
بين أن يكون زمان كل من الشراء والتعلق مجهولا أو زمان الشراء معلوما
وزمان التعلق مجهولا أو بالعكس.
(مسألة 45): يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله خرص ثمر النخل والكرم
على المالك، شريطة أن تكون فيه مصلحة للفقراء، وإلا فلا مقتضى له، وأما
عملية الخرص من قبل المالك فهي منوطة بقبول الحاكم الشرعي أو وكيله، وهو
مرتبط بما إذا كانت في تلك العملية مصلحة للفقراء، وإلا فهو لا يخلو عن إشكال
بل منع، وفائدته جواز الاعتماد عليه، بلا حاجة إلى الكيل والوزن.
ولمزيد من التعرف على مسائل زكاة الغلات نذكر عدة امور:
الأول: أن الزكاة في ثمر الزرع تتعلق من حين صدق اسم الحنطة والشعير،
وفي ثمر النخل من حين صدق اسم التمر، وفي ثمر الكرم من حين صدق اسم العنب.
24

الثاني: كفاية بلوغ النصاب لوجوب الزكاة في الحنطة والشعير والتمر من
حين صدق اسمها وإن انقضت منه إذا يبست، وفي العنب يعتبر بلوغ النصاب فيه
إذا صار زبيبا.
الثالث: عدم استثناء المؤن من النصاب ولا من وجوب الزكاة. نعم، بعد
تعلق الزكاة به يسوغ للمالك التقسيم وإفراز حصة الزكاة وتسليمها إلى أهلها، كما
يحق له الامتناع من الصرف عليها إلى وقت التصفية والاجتذاذ مجانا، وحينئذ
فإن صرف بإذن من ولى الأمر كان له استثناء ما صرفه على الزكاة وتسليم الباقي
إلى أهلها، وإلا فليس له ذلك.
الرابع: أن وقت إخراج الزكاة يبدأ من حين تعلقها بالمال، لا أنه متأخر
عنه، غاية الأمر يجوز للمالك التأخر إلى وقت التصفية والاجتذاذ.
الخامس: أن وجوب العشر مرتبط بالسقي بعلاج، ونقصد به السقي بآلة
كالدوالي والنواضح ونحوهما من الوسائل الحديثة، ونصف العشر مرتبط بالسقي
من دون علاج، ونقصد به وصول الماء إلى الزرع أو نحوه بطبعه، ولا يتوقف على
استعمال آلة ووسيلة لإيصاله إليه.
السادس: أن ما يأخذه السلطان على ثلاثة أنواع:
1 - ما يأخذه بعنوان المقاسمة.
2 - ما يأخذه بعنوان الخراج والضريبة.
3 - ما يأخذه بعنوان الزكاة.
أما الأول: فهو مستثنى من النصاب فلا تجب زكاته على المالك كما مر.
وأما الثاني: فلا يكون مستثنى منه فحاله حال سائر المؤن.
25

وأما الثالث: فهو يحسب من الزكاة شريطة توفر أمرين فيه:
أحدهما: أن يكون ذلك قهرا وجبرا.
وثانيهما: أن يكون من قبل ولاة الأمر، فإذا توفر الأمران أجزأ ذلك عن
الزكاة.
السابع: أن الزكاة في الغلات الأربع بما أنها جزء مشاع لنفس النصاب في
الخارج، فلا يجوز إعطاؤها من مال آخر غير النقدين وإن كان من جنسها،
كإعطاء زكاة الحنطة من حنطة اخرى من نوعها.
المقصد الثالث
أصناف المستحقين وأوصافهم
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أصنافهم
وهم ثمانية:
الأول: الفقير.
الثاني: المسكين.
وكلاهما من لا يملك مؤنة سنته اللائقة بحاله له ولعياله، والثاني أسوأ حالا
26

من الأول، والغني بخلافهما، فإنه من يملك قوت سنته فعلا نقدا أو جنسا. ويتحقق
ذلك بأن يكون له مال يكفي ربحه بمؤنته ومؤنة عياله، أو قوة اكتساب أو يكون له
حرفة أو صنعة إذا اشتغل بها كفى مؤنته ومؤنة عياله واستغنى بها، وإذا كان قادرا
على الاكتساب وتحصيل المؤنة ولكنه تركه تكاسلا فلا يكون فقيرا ولا يجوز له
أخذ الزكاة. نعم، إذا لم يوجد له شغل وعمل يقوم به جاز له أخذ الزكاة ما دام
كذلك.
(مسألة 46): إذا كان له رأس مال لا يكفي ربحه لمؤنة السنة، جاز له أخذ
الزكاة لاكمال مؤنته، وكذا إذا كان صاحب صنعة تقوم آلاتها بمؤنته، أو صاحب
ضيعة أو دار أو خان أو نحوهما تقوم قيمتها بمؤنته، ولكن لا يكفيه الحاصل منها
فإن له إبقاءها وإكمال المؤنة من الزكاة.
(مسألة 47): دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب
حاله ولو لكونه من أهل الشرف ولا تمنع من أخذ الزكاة، وكذا ما يحتاج إليه من
الثياب، والألبسة الصيفية، والشتوية الحضرية والسفرية ولو كانت للتجمل،
شريطة أن تكون لائقة بحاله، وكذلك الكتب العلمية وأثاث البيت من الظروف
والفرش والأواني، وسائر ما يحتاج اليه، والضابط في استثناء هذه الأشياء كما و
كيفا وعدم منعها عن أخذ الزكاة: أن لا تكون أزيد مما تتطلب مكانة الشخص
اجتماعيا وعائليا وعزا وشرفا، وهي تختلف من فرد إلى آخر، وإلا لم يجز أخذ
الزكاة إذا كان الزائد وافيا بالمؤنة بالكامل، كما إذا كان عنده من المذكورات أكثر
من مقدار الحاجة وكانت كافية في مؤنته، لم يجز له الأخذ منها، بل إذا كان له دار
تندفع حاجته شانا بأقل منها قيمة، وكان التفاوت بينهما يكفيه لمؤنته لم يجز له
الأخذ من الزكاة، وكذا الحكم في الفرس والعبد، والجارية وغيرها من أعيان
27

المؤنة إذا كانت أكثر مما تتطلب مكانته وشأنه وكان بإمكانه التبديل بالأقل الذي
لا يطلب شأنه أكثر من ذلك.
(مسألة 48): إذا كان قادرا على التكسب، لكنه ينافي شانه، جاز له الأخذ،
وكذا إذا كان قادرا على الصنعة، لكنه كان فاقدا لآلاتها، فبالنتيجة عاجز عن
الاشتغال بها.
(مسألة 49): إذا كان قادرا على تعلم صنعة أو حرفة يكفي الاشتغال بها
لمؤنته وجب عليه ذلك؛ لأنه يقدر أن يكف نفسه عن الصدقة بتعلم الصنعة أو
المهنة فإذا هو غني. نعم، ما دام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذ الزكاة إذا لم يكن
عنده ما يكفي لمؤنته.
(مسألة 50): طالب العلم الذي لا يملك فعلا ما يكفيه، يجوز له أخذ الزكاة
إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا، وإلا فإن كان قادرا على الإكتساب، وكان
يليق بشأنه لم يجز له أخذ الزكاة، وأما إن لم يكن قادرا على الإكتساب لفقد رأس
المال، أو غيره من المعدات للكسب، أو كان لا يليق بشأنه - كما هو الغالب في هذا
الزمان - جاز له الأخذ، هذا بالنسبة إلى سهم الفقراء، وأما من سهم سبيل الله
تعالى فيجوز له الأخذ منه إذا كان يترتب على اشتغاله مصلحة محبوبة لله تعالى
وإن لم يكن المشتغل ناويا للقربة. نعم، إذا كان ناويا للحرام كالرياسة المحرمة لم
يجز له الأخذ.
(مسألة 51): المدعي للفقر إن علم صدقه أو كذبه عومل به، وإن جهل
حاله فهل يقبل قوله في هذه الحالة ويؤخذ به أو لا؟
والجواب: أن فيه إشكالا، ولا يبعد عدم قبوله ما لم يكن ثقة في نفسه أو لم
يحصل الوثوق من قوله، وأوضح من ذلك ما إذا علم أنه كان غنيا سابقا فإنه لا
28

يقبل قوله وإن قلنا بالقبول في الأول؛ لمكان الاستصحاب هنا. نعم، لو كان ثقة أو
حصل الوثوق والاطمئنان من قوله قبل، ومن هنا يظهر حال ما إذا علم أنه كان
في زمن فقيرا وفي آخر غنيا واشتبه تقدم أحدهما على الآخر، فإن استصحاب
بقاء كل من الفقر والغناء ساقط بالمعارضة، سواء كان التاريخ الزمني لكليهما
مجهولا أم كان لأحدهما معلوما دون الآخر، فعندئذ إن حصل الوثوق بالفقر من
قوله فهو المطلوب، وإلا فلا أثر له، إلا إذا فرض أنه ثقة ولا يطمئن بكذبه.
(مسألة 52): إذا كان له دين على الفقير جاز احتسابه من الزكاة حيا كان
أم ميتا. نعم، يشترط في الميت أن لا يكون له تركه تفي بدينه وإلا لم يجز، إلا إذا
بلغت التركة على نحو لا يكون التالف مضمونا، وإذا امتنع الورثة من الوفاء ففي
جواز الإحتساب إشكال وإن كان الجواز أظهر، وكذا إذا غصب التركة غاصب
لا يمكن أخذها منه، أو أتلفها متلف لا يمكن استيفاء بدلها منه.
(مسألة 53): لا يجب إعلام الفقير بأن المدفوع إليه زكاة، بل يجوز الإعطاء
على نحو يتخيل الفقير أنه هدية، ويجوز صرفها في مصلحة الفقير كما إذا قدم إليه
تمر الصدقة فأكله.
(مسألة 54): إذا دفع المالك مقدارا من النصاب بعنوان الزكاة لشخص،
باعتقاده أنه فقير ثم بان أنه غني، وجب عليه استرجاعه منه وصرفه في مصرفها
إذا كانت العين الزكوية باقية عنده، وإن كانت تالفة، فإن كان الدفع إليه بعد
الفحص والاجتهاد والتأكد أو كان بأمر المجتهد أو المأذون من قبله فلا ضمان
عليه، على أساس أنه لا موجب له، فإن الموجب هو التفريط والتقصير فيه، فإذا لم
يكن فلا مبرر له، وبكلمة أنه إذا دفع الزكاة إلى غير موردها واقعا من دون أن
يقوم بعملية الفحص وتحصيل الحجة فهو ضامن إذا تلفت لصدق التفريط
29

والتقصير فيه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدفع إلى غير العارف أو إلى
العارف غير المستحق، وأما إذا دفعها إليه بعد عملية الفحص وتحصيل الحجة ثم
انكشف الخلاف فلا ضمان عليه إذا تلفت، كما أنه لا ضمان إذا دفعها إلى المجتهد
الجامع للشرائط أو المأذون من قبله وتلفت عنده قبل إيصالها إلى أصحابها، ثم
إنه يجوز للدافع أن يرجع إلى القابض إذا كان القابض يعلم بأن ما قبضه زكاة
وهي محرمة على الغني، وكذلك إذا كان شاكا في حرمتها عليه ويطالبه ببدلها من
المثل أو القيمة في كلا الفرضين، وأما إذا كان جاهلا بها مركبا أو تخيل أن ما دفعه
إليه هدية وليس بزكاة فلا يحق للدافع أن يرجع إليه؛ لأن الدافع حينئذ إن كان
مقصرا في ذلك - بأن دفع الزكاة من دون فحص وتحقيق - فالضمان عليه، وعندئذ
لو دفع القابض الزكاة فله أن يرجع إلى الدافع ويطالبه بالعوض عنها تطبيقا
لقاعدة رجوع المغرور إلى الغار، وإن لم يكن الدافع مقصرا فيه فلا ضمان لا على
القابض ولا على الدافع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدافع هو المالك أو غيره،
وكذلك الحكم إذا تبين كون المدفوع إليه ليس مصرفا للزكاة من غير جهة الغنى،
مثل أن يكون ممن تجب نفقته، أو هاشميا إذا كان الدافع غير هاشمي أو غير ذلك.
الثالث: العاملون عليها: وهم المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها
وحسابها وإيصالها إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام أو إلى مستحقها.
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم
بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم، أو
الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في
الدفاع أو الجهاد مع الكفار.
الخامس: الرقاب: وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة
30

مطلقة أو مشروطة، فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، والعبيد الذين
هم تحت الشدة، فيشترون ويعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم يوجد المستحق
للزكاة، بل مطلقا على الأظهر.
السادس: الغارمون: وهم الذين في ذمتهم ديون الناس وكانوا عاجزين
عن أدائها في وقتها، سواء كانوا متمكنين من قوت سنتهم بالفعل أو بالقوة أم لم
يكونوا متمكنين من ذلك، هذا شريطة أن لا تكون تلك الديون مصروفة في
المعصية، وعلى ذلك فلو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه
عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمدين، فيكون له ثم يأخذه
مقاصة وفاء عما عليه من الدين وإن لم يقبضها المديون وهو الغارم، ولا يوكله في
قبضها ولا يجب إعلام الغارم بذلك، واما إذا كان الدين لشخص آخر فهل يجوز
لمن عليه الزكاة أن يؤدي دينه من الزكاة عنده ابتداء ومن دون اطلاعه أو لا؟
والجواب: أن المدين إن كان ميتا جاز له ذلك، وأما إذا كان حيا فلا يجوز
إلا باذن الحاكم الشرعي، وأما كفاية ذلك من دون الإذن منه منوطة بتوفر أحد
أمرين:
الأول: أن تكون لمن عليه الزكاة ولاية على المدين، ويقبض من الزكاة
ولاية عنه ثم يفي بها دينه.
الثاني: أن تكون للدائن ولاية على المدين ويقبض الزكاة من قبله ولاية
ثم يستملكه وفاء للدين، ولكن كلا الأمرين غير ثابت، فإذا الكفاية منوطة
بالإذن من الحاكم الشرعي، ولو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة
جاز له اعطاء منها لوفاء دينه، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته أو يفي دينه عنه ابتداء
بإذن الحاكم الشرعي.
31

السابع: سبيل الله تعالى: وهو جميع سبل الخير كبناء القناطر،
والمدارس والمساجد، وإصلاح ذات البين، ورفع الفساد، ونحوها من الجهات
العامة، بل الأظهر شموله لكل عمل قربي، سواء كان من الجهات العامة أم
الخاصة كإرسال شخص إلى الحج إذا لم يتمكن منه بغير بغير الزكاة، أو بناء دار
لعالم وهكذا.
الثامن: ابن السبيل: الذي نفذت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى
بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يتمكن من الاستدانة، أو بيع ماله
الذي هو في بلده، وإلا فهو متمكن من مواصلة سفره، وقد تسأل: أن من سافر
سفر معصية وبعد الانتهاء منه أراد أن يرجع إلى بلدته، فإذا نفدت نفقته في
هذه الحالة ولا يتمكن من الرجوع فهل يجوز إعطاؤه من الزكاة بمقدار الكفاية
اللائقة بحاله أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز على الأحوط، نعم إذا تاب وندم فلا يبعد جوازه.
(مسألة 55): إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثم بان العدم جاز له
استرجاعها، وان كانت تالفة استرجع البدل إذا كان الفقير عالما بالحال، وإلا لم
يجز الاسترجاع.
(مسألة 56): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا انعقد نذره، فإن سها
فأعطاها فقيرا آخر أجزأ، ولا يجوز استردادها، وإن كانت العين باقية، وإذا
أعطاها غيره - متعمدا - فالظاهر الإجزاء أيضا، ولكن كان آثما بمخالفة نذره،
ووجبت عليه الكفارة.
32

المبحث الثاني
في أوصاف المستحقين
وهي امور:
الأول: الإيمان:
فلا تعطى الكافر، وكذا المخالف من سهم الفقراء، وتعطى أطفال المؤمنين
ومجانينهم، فإن كان بنحو التمليك وجب قبول وليهم، وإن كان بنحو الصرف
مباشرة أو بتوسط أمين فلا يحتاج إلى قبول الولي إن كان لهم ولي.
(مسألة 57): إذا أعطى المخالف زكاته أهل نحلته، ثم استبصر أعادها،
وإن كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.
الثاني: أن لا يكون من أهل المعاصي على الأحوط:
وهو من يصرف الزكاة في المعاصي إذا أعطاه منها، فيكون الدفع إليه
حينئذ إعانة على الإثم، كما أن الأحوط لزوما عدم إعطاء الزكاة لتارك الصلاة، أو
شارب الخمر، أو المتجاهر بالفسق.
الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي:
كالأبوين وإن علو، والأولاد وإن سفلوا من الذكور أو الإناث والزوجة
الدائمة - إذا لم تسقط نفقتها - والمملوك، فلا يجوز إعطاؤهم منها للإنفاق، ويجوز
إعطاؤهم منها لحاجة لا تجب عليه، كما إذا كان للوالد أو للولد زوجة أو مملوك،
أو كان عليه دين يجب وفاؤه، أو عمل يجب أداؤه بإجارة وكان موقوفا على
المال، وأما إعطاؤهم للتوسعة زائدا على النفقة اللازمة فالأحوط - إن لم يكن
أقوى - عدم جوازه، إذا كان عنده ما يوسع به عليهم، هذا شريطة أن تكون
33

التوسعة لائقه بحاله، وإلا لم يجز إعطاء الزكاة من أجلها.
(مسألة 58): يجوز لمن وجبت نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من
تجب نفقته عليه، إذا لم يكن قادرا على الإنفاق، أو لم يكن باذلا، بل وكذا إذا
كان باذلا مع المنة غير القابلة للتحمل عادة، ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من
الزكاة مع بذل الزوج للنفقة، بل مع إمكان إجباره إذا كان ممتنعا. هذا
بالنسبة إلى سهم الفقراء، وأما بالنسبة إلى سائر السهام فإن كان موردا لها،
فيجوز صرفها فيه، كما إذا كان عنده عمل قربي لا يتمكن من إنجازه بغير
الزكاة أو ابن سبيل.
(مسألة 59): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، سواء كان الدافع
الزوج أم غيره، وكذا الدائمة إذا سقطت نفقتها بالشرط ونحوه، أما إذا كان
بالنشوز ففيه إشكال، والأظهر العدم؛ لتمكنها من الخروج عن النشوز ومعه
كانت غنية.
(مسألة 60): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج ولو كان للإنفاق عليها.
(مسألة 61): إذا عال بأحد تبرعا جاز للمعيل ولغيره دفع الزكاة إليه من
غير فرق بين القريب والأجنبي.
(مسألة 62): يجوز لمن وجب الإنفاق عليه أن يعطي زكاته لمن تجب عليه
نفقته، إذا كان عاجزا عن الإنفاق عليه، وإن كان الأحوط - استحبابا -
الترك.
الرابع: أن لا يكون هاشميا:
إذا كانت الزكاة من غير هاشمي، ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر
34

السهام حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم لا بأس بتصرفهم في الأوقاف
العامة إذا كانت من الزكاة مثل المساجد ومنازل الزوار والمدارس والكتب
ونحوها.
(مسألة 63): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي من دون فرق بين
السهام أيضا، كما يجوز له أخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار، وقد حدد
الاضطرار في الرواية بما يسوغ أكل الميتة، فإذا بلغ الاضطرار الهاشمي بهذه المرتبة
جاز له الأخذ بالصدقة وإلا فلا.
(مسألة 64): الهاشمي هو المنتسب - شرعا - إلى هاشم بالأب دون الأم،
وأما إذا كان منتسبا إليه بالزنا فيشكل إعطاؤه من زكاة غير الهاشمي، وكذا
الخمس.
(مسألة 65): المحرم من صدقات غير الهاشمي على الهاشمي هو زكاة المال
وزكاة الفطر. أما الصدقات المندوبة فليست محرمة، بل وكذا الصدقات الواجبة
كالكفارات ورد المظالم ومجهول المالك واللقطة ومنذور الصدقة والموصى به
للفقراء.
(مسألة 66): يثبت كونه هاشميا بالعلم، والبينة، وبالشياع الموجب
للاطمئنان، ولا يكفي مجرد الدعوى، وفي براءة ذمة المالك - إذا دفع الزكاة إليه
حينئذ - إشكال، والأظهر عدم البراءة على أساس أن دعواه الهاشمية لو كانت
حجة لم يجز لغير الهاشمي دفع زكاته إليه، فعندئذ وإن لم يثبت كونه هاشميا إلا أنه لم
يثبت كونه غير هاشمي أيضا، وحينئذ فإذا دفع زكاته إليه كان يشك في براءة ذمته
فمقتضى الأصل عدم البراءة.
35

فصل
في بقية أحكام الزكاة
(مسألة 67): لا يجب البسط على الأصناف الثمانية على الأقوى، ولا على
أفراد صنف واحد، ولا مراعاة أقل الجمع، فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من
صنف واحد.
(مسألة 68): يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر شرعا إذا لم يكن
المستحق موجودا في البلد، أو كان موجودا فيه ولكن نقلها إنما يكون لغرض
صحيح وأهم، وقد تسأل: أن مؤنة النقل في هذه الحالة هل هي على الناقل أو
على الزكاة؟
والجواب: لا يبعد أن تكون على الزكاة، على أساس أن النقل إنما هو
لمصلحتها لا لمصلحة الناقل، ومع ذلك فالاحتياط لا يترك، وأما إذا تلفت في
الطريق فهل عليه ضمان؟
والجواب: الظاهر أنه لا ضمان عليه؛ لأن الضمان إنما يدور مدار التقصير في
النقل والتفريط، والفرض أنه لا تقصير له فيه، حيث إنه كان لمصلحة أهم وهو
جائز شرعا. نعم، إذا كان المستحق موجودا في البلد ولم يكن نقلها لغرض
صحيح وأهم فعندئذ إذا تلفت في الطريق كان ضمانها على المالك الناقل، على
أساس أنه لا يجوز له النقل في هذه الحالة، هذا نظير ما إذا كان المستحق موجودا
في البلد ولكنه تسامح وأخر دفعها إليه يوما بعد آخر إلى أن تلفت، فإنه ضامن
باعتبار أن التلف مستند إلى تقصيره، وعلى هذا فيجوز النقل إذا لم يكن المستحق
36

موجودا في البلد أو كان النقل لغرض صحيح وأهم، وأما إذا كان موجودا فيه ولم
يكن النقل لغرض صحيح وأهم فلا يجوز شرعا، فلو نقلها والحال هذه وتلفت
فهو ضامن نعم إذا كان النقل بأمر من الحاكم الشرعي فلا ضمان لو تلفت، كما أن
اجرة النقل على الزكاة.
(مسألة 69): إذا كان له مال في غير بلد الزكاة جاز دفعه زكاة عما عليه في
بلده ولو مع وجود المستحق منه، وكذا إذا كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر،
جاز احتسابه عليه من الزكاة إذا كان فقيرا، ولا إشكال في شيء من ذلك،
شريطة أن يكون هذا الإحتساب بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 70): إذا قبض الحاكم الشرعي الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت
ذمة المالك وإن تلفت بعد ذلك بتفريط أو بدونه، أو دفعها إلى غير المستحق.
(مسألة 71): لا يجوز تقديم الزكاة قبل تعلق الوجوب. نعم، يجوز أن يعطي
الفقير قرضا قبل وقت الوجوب، فإذا جاء الوقت احتسبه زكاة بشرط بقائه على
صفة الاستحقاق، كما يجوز له أن لا يحتسبه زكاة بل يدفعها إلى غيره، ويبقى ما في
ذمة الفقير قرضا، وإذا أعطاه قرضا فزاد عند المقترض زيادة متصلة أو منفصلة
فهي له لا للمالك، وكذلك النقص عليه إذا نقص.
(مسألة 72): إذا أتلف الزكاة المعزولة أو النصاب متلف، فإن كان مع عدم
التأخير الموجب للضمان فالضمان يكون على المتلف دون المالك، وإن كان مع
التأخير الموجب للضمان فكلاهما ضامن، وللحاكم الشرعي الرجوع على أيهما
شاء، فإن رجع على المالك رجع هو على المتلف، وإذا رجع على المتلف لم يرجع
هو على المالك.
(مسألة 73): الزكاة عبادة على الأظهر، والعبادة متقومة بالنية بتمام
37

عناصرها الثلاثة:
1 - نية القربة، ونريد بها إضافة العمل إلى الله تعالى ولو ارتكازا بمعنى
وجودها في أعماق النفس، فلو نوى المالك إخراج الزكاة ودفعها إلى أهلها من
ماله بقصد القربة، أي: بأمل أن يقبل الله تعالى منه كفى وإن غفل عن هذه النية
حين الدفع والإيصال إلى الأهل مباشرة أو بالواسطة ما دامت النية كامنة في
أعماق نفسه، على نحو لو سأله سائل ماذا تعمل؟ لانتبه فورا إلى أنه يعطي زكاته
إلى أهلها وإن كان ذلك بالوكالة، وقد تسأل: أن المالك إذا وكل غيره في دفع
الزكاة عن ماله وإخراجها منه، فهل النية على المالك أو على الوكيل؟
والجواب: أنها على المالك على أساس أنه المأمور والموظف بالقيام بدفع
الزكاة وإخراجها، غاية الأمر على نحو أعم من أن يكون قيامه بذلك بالمباشرة أو
بالوكالة، فإذا تصدى المالك لذلك مباشرة كان أم وكالة، فعليه أن ينوي القربة،
وإن غفل وذهل بعد ذلك عن هذه النية، إلا أن هذا الذهول والغفلة لا يضر
ما دامت النية كامنة في أعماقه، والوكيل بما أنه يقوم بالعمل من قبل الموكل فلا أثر
لقصده التقرب به؛ لأنه لا يكون مقربا له، بل إنه لو نوى الرياء به لم يضر بصحته
إذا نوى المالك القربة.
2 - نية الإخلاص، ونريد بها عدم قصد الرياء، فإن الرياء في العبادة محرم
ومبطل لها.
3 - قصد الاسم الخاص والعنوان المخصوص للواجب المميز له
شرعا.
وهذه العناصر الثلاثة لابد أن تكون مقارنة للعبادة من البداية إلى النهاية،
ولا يجوز تأخيرها عن أول جزء من أجزائها وإلا لبطلت. نعم، لا مانع من
38

تقديمها عليها، ولا يضر ذهول المكلف وغفلته عنها حين العمل ما دامت النية
كامنة في نفسه ارتكازا.
(مسألة 74): يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز التوكيل في
الإيصال إلى الفقير، فينوي المالك القربة حين الدفع إلى الوكيل أو حين أمره
بإخراج الزكاة من النصاب ودفعها إلى أهلها، ويكفي بقاء هذه النية في نفس
المالك ارتكازا وإن كان فعلا غافلا عنها وذاهلا.
(مسألة 75): يجوز للفقير أن يوكل شخصا في أن يقبض عنه الزكاة من
شخص أو مطلقا، وتبرأ ذمة المالك بالدفع إلى الوكيل وان تلفت في يده.
(مسألة 76): الأقوى عدم وجوب دفع الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط
في زمن الغيبة وإن كان ذلك أولى وأفضل. نعم، إذا أفتى فقيه بوجوب دفع الزكاة
إليه على أساس اجتهاده ونظره في المسألة، كان ذلك واجبا على مقلديه دون
غيرهم كسائر فتاويه، وأما إذا حكم بذلك من باب الولاية لما يرى فيه من
المصلحة فهو نافذ على الجميع، سواء أكانوا من المقلدين له أم لا وإن كان ذلك
الحكم منه مخالفا لاجتهاده في المسألة، حيث إن اجتهاده فيها عدم وجوب دفع
الزكاة إليه.
(مسألة 77): تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركه الوفاة، وكذا
الخمس وسائر الحقوق الواجبة، وإذا كان الوارث مستحقا جاز للوصي
احتسابها عليه وإن كان واجب النفقة على الميت حال حياته.
(مسألة 78): يكره إعطاء الفقير من الزكاة أقل من خمسة دراهم، سواء
كان في النصاب الأول أم الثاني أم الثالث، في الفضة أم في الذهب، أم في غيرهما
من الأنعام الثلاثة والغلات الأربع.
39

(مسألة 79): يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، سواء كان الآخذ
الفقيه أم العامل أم الفقير، بل هو الأحوط - استحبابا - في الفقيه الذي يأخذه
بالولاية.
(مسألة 80): الأولى تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب، كما أن الأولى
ترجيح الأقارب وتفضيلهم على غيرهم، ومن لا يسأل على من يسأل، وصرف
صدقة المواشي على أهل التجمل، وهذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أهم
وأرجح.
(مسألة 81): الأحوط وجوبا أن لا يطلب رب المال من الفقير تملك ما
أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة. نعم، إذا أراد الفقير بيعه منه بعد تقويمه فلا
بأس ولا كراهة، كما لا كراهة في إبقائه على ملكه إذا ملكه بسبب قهري، من
ميراث وغيره.
المقصد الرابع
زكاة الفطرة
ويشترط في وجوبها البلوغ فلا تجب على الصبي، والغناء فلا تجب على
الفقير، وأما المجنون إذا كان غنيا فالأحوط لوليه أن يدفع زكاة فطرته من ماله،
وأما العبد فعلى القول بأنه يملك فتجب عليه الفطرة على الأحوط، وإلا فلا
شيء عليه، هذا في غير المكاتب، وأما فيه فالأظهر وجوب الفطرة عليه بلا
فرق بين أن يكون مطلقا أو مشروطا، وفي اشتراط الوجوب بعدم الإغماء
40

إشكال بل منع، ويعتبر في وجوب الفطرة أن يكون الشخص واجدا للشروط
قبل انتهاء شهر رمضان، فإذا انتهى ودخل شهر شوال ولم يكن واجدا
للشروط لم تجب الفطرة عليه وإن أصبح واجدا لها بعد خروج الشهر، وعلى
هذا فإذا توفرت الشروط مقارنة للغروب، فإن كان ذلك قبل رؤية الهلال
لشهر شوال وجبت الفطرة، وأما إذا كان توفرها مقارنة لرؤية الهلال أو بعدها،
فالأقرب عدم وجوبها، وإن كان الاحتياط في إخراجها.
(مسألة 82): يستحب للفقير إخراجها أيضا، وإذا لم يكن عنده إلا صاع
تصدق به على بعض عياله، ثم هو على آخر يديرونها بينهم، والأحوط -
استحبابا - عند انتهاء الدور التصدق على الأجنبي، كما أن الأحوط - استحبابا
- إذا كان فيهم صغير أو مجنون أن يأخذه الولي لنفسه ويؤدي عنه، على أساس
أنه لو أخذه منه ولاية فعندئذ جواز التصدق عنه يتوقف على أن لا تكون فيه
مفسده له.
(مسألة 83): إذا أسلم الكافر بعد الهلال سقطت الزكاة عنه، ولا تسقط
عن المخالف إذا استبصر، وتجب فيها النية على النهج المعتبر في العبادات.
(مسألة 84): يجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه وعن كل
من يعول به، واجب النفقة كان أم غيره، قريبا أو بعيدا، مسلما أم كافرا، صغيرا
أم كبيرا، بل الظاهر الاكتفاء بكونه منضما إلى عياله ولو في وقت يسير، كالضيف
إذا نزل عليه قبل الهلال وبقي عنده ليلة العيد وإن لم يأكل عنده، وكذلك فيما إذا نزل
بعده على الأحوط لزوما، أما إذا دعا شخصا إلى الإفطار ليلة العيد لم يكن من
العيال، ولم تجب فطرته على من دعاه.
(مسألة 85): إذا بذل لغيره مالا يكفيه في نفقته لم يكف ذلك في صدق كونه
41

عياله، فيعتبر في العيال نوع من التابعية.
(مسألة 86): من وجبت فطرته على غيره سقطت عنه. نعم، إذا لم يخرجها
من وجبت عليه غفلة أو نسيانا ونحو ذلك مما يسقط معه التكليف عنه واقعا،
فالأظهر وجوب إخراجها عليه، وكذلك إذا كان المعيل فقيرا، فإنها تجب على
العيال إذا كان غنيا وواجدا لسائر الشروط.
(مسألة 87): إذا ولد له ولد بعد خروج الشهر لم تجب عليه فطرته، وأما إذا
ولد له مولود قبل خروجه أو ملك مملوكا أو تزوج امرأة، فإن كانوا عيالا له
وجبت عليه فطرتهم، وإلا فعلى من عال بهم، وإذا لم يعل بهم أحد وجبت فطرة
الزوجة على نفسها إذا كانت غنية وواجدة لسائر الشروط، ولم تجب على المولود،
وأما المملوك ففيه التفصيل المتقدم.
(مسألة 88): إذا كان شخص عيالا لاثنين، فإن صدق عليه عنوان
العيلولة لكل منهما مستقلا وجبت فطرته على كل منهما كذلك، غاية الامر أنها
تسقط عن ذمة كل منهما بقيام الآخر بها، وإن لم يصدق عليه عنوان العيلولة
لكل منهما لم تجب فطرته على اي منهما؛ لأن الواجب إنما هو فطرة العيال على
المعيل، والمفروض أنه ليس عيالا لا لهذا لا لذاك بل هو عيال لهما معا، يعني
للمجموع، والمجموع ليس فردا ثالثا، وعلى هذا فلو كانت فطرته واجبة عليهما
لكانت واجبة على المجموع، لا أن نصفها واجب على أحدهما ونصفها الآخر
واجب على الآخر؛ لأن الفطرة واجبة بوجوب واحد، ووجوب كل جزء منها
وجوب ضمني لا وجوب مستقل، ولكن مع هذا لا يترك الاحتياط.
(مسألة 89): الضابط في جنس الفطرة أحد أمرين: إما أن يكون من الغذاء
الغالب في البلد كاللبن والزبيب والأرز ونحوها، أو يكون من الحنطة أو الشعير أو
42

التمر أو الزبيب أو الأقط، وإن لم يكن من الغذاء الغالب فيه. فالفطرة إذا كانت من
أحد هذه الأطعمة الخاصة فهو يجزئ وإن لم يكن من القوت الغالب، وأما إذا لم
تكن من أحدها، فلابد أن تكون من القوت الغالب في البلد وإلا فلا يجزئ،
والأحوط - لزوما - أن يكون صحيحا، ويجزي دفع القيمة من النقدين وما
بحكمها من الأثمان، والمدار قيمة وقت الأداء لا الوجوب، وبلد الإخراج لا بلد
المكلف.
(مسألة 90): المقدار الواجب صاع، وهو أربعة أمداد وكل مد مائة وثلاثة
وخمسون مثقالا صيرفيا وربع ربع مثقال المساوي لثلاثة أرباع الكيلو تقريبا،
ومقدار الصاع بحسب الكيلو ثلاث كيلوات تقريبا، ولا يجزي ما دون الصاع من
الجيد وإن كانت قيمته تساوي قيمة صاع من غير الجيد، كما لا يجزي الصاع
الملفق من جنسين، ولا يشترط اتحاد ما يخرجه عن نفسه مع ما يخرجه عن
عياله، ولا اتحاد ما يخرجه عن بعضهم ومع ما يخرجه عن البعض الآخر.
فصل
وقت إخراجها من طلوع الفجر من يوم العيد، ويمتد إلى أن يصلي صلاة
العيد، ولا يجوز له تأخير إخراجها إلى ما بعد الصلاة. نعم، من لم يصل صلاة العيد
جاز له تأخير إخراجها إلى الزوال وإن كانت رعاية الاحتياط أولى وأجدر،
وأما إذا عزلها فيجوز له التأخير في الدفع إذا كان لغرض عقلائي، كما مر في زكاة
الأموال، فإن لم يدفع ولم يعزل حتى زالت الشمس، فالأحوط - استحبابا -
الإتيان بها بقصد القربة المطلقة.
(مسألة 91): الظاهر جواز تقديمها في شهر رمضان، وإن كان الأحوط -
43

استحبابا - التقديم بعنوان القرض.
(مسألة 92): يجوز عزلها في مال مخصوص من تلك الأجناس أو من
النقود بقيمتها، والظاهر أن العزل لا يتحقق بتعيينها في مقدار من ماله على نحو
الإشاعة، وكذلك لا يتحقق في المال المشترك بينه وبين غيره.
(مسألة 93): إذا عزلها تعينت، فلا يجوز تبديلها، وإن أخر دفعها إلى
المستحق مع وجوده وتسامح وتماهل في ذلك إلى أن تلفت ضمنها. نعم، إذا كان
التأخير لغرض صحيح وأهم وتلفت لم يضمنها، على أساس أن الضمان وعدمه
يدوران مدار صدق التفريط وعدمه كما تقدم في زكاة المال.
(مسألة 94): لا يجوز نقلها إلى غير بلد التكليف مع وجود المستحق فيه،
وأما مع عدم وجوده فهل يجوز ذلك؟
والجواب: أنه لا يجوز أيضا - على الأظهر - إذا كان هناك فقراء من غير
أهل الولاية، فإنه حينئذ يقسمها بينهم شريطة أن لا يكونوا من النواصب، نعم
إذا كانت هناك مصلحة أهم جاز النقل، كما أن للفقيه ذلك إذا رأى فيه مصلحة،
مصرفها مصرف الزكاة من الأصناف الثمانية على الشرائط المتقدمة.
(مسألة 95): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتحل فطرة الهاشمي
على الهاشمي وغيره، والعبرة على المعيل دون العيال، فلو كان العيال هاشميا دون
المعيل لم تحل فطرته على الهاشمي، وإذا كان المعيل هاشميا والعيال غير هاشمي
حلت فطرته على الهاشمي.
(مسألة 96): يجوز إعطاؤها إلى المستضعف من أهل الخلاف عند عدم
القدرة على المؤمن.
44

(مسألة 97): يجوز للمالك أن يتولى دفعها إلى الفقراء مباشرة أو بالتوكيل،
وعلى كلا التقديرين هو بنفسه يتولى النية كما تقدم في زكاة المال.
(مسألة 98): الأحوط - استحبابا - أن لا يدفع للفقير أقل من صاع، إلا إذا
اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك.
(مسألة 99): يستحب تقديم الأرحام، ثم الجيران، وينبغي الترجيح بالعلم
والدين والفضل.
والله سبحانه أعلم والحمد لله رب العالمين
45

كتاب الخمس
وفيه مبحثان:
المبحث الأول
فيما يجب الخمس فيه
وهي امور:
الأول: الغنائم:
المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم، يجب فيها الخمس إذا كان
القتال بإذن الإمام (عليه السلام)، وأما إذا كان من دون إذنه، فإن كان في زمن الحضور مع
إمكان الاستئذان منه ومع ذلك لم يستأذن، فالغنيمة كلها للإمام (عليه السلام)، وإن كان في
زمن الغيبة، فإن كان بإذن الفقيه الجامع للشرائط ففيها الخمس، وإن كان من
46

دون إذنه فالأظهر إنها للإمام (عليه السلام) أيضا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القتال من
أجل الدعوة إلى الإسلام أو غيرها، أو من أجل الدفاع عن بلد الإسلام عند
هجومهم عليه. وقد تسأل: أن وجوب الخمس هل هو مختص بالغنائم المنقولة أو
يشمل غير المنقولة أيضا كالأراضي والأشجار ونحوها؟
والجواب: أن الشمول غير بعيد، ويتحصل من ذلك أن وجوب الخمس في
الغنائم مشروط بشرطين:
أحدهما: أن تكون بالقتال وهراقة الدماء، والآخر أن يكون بأمر
الإمام (عليه السلام) وإذنه في زمن الحضور، وإذن الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة،
وإلا فهي كلها للإمام (عليه السلام)، وعلى هذا فالغنيمة كلها تقسم أخماسا، خمس منها لله
وللرسول (صلى الله عليه وآله) وأربعة أخماس منها تقسم بين المقاتلين، هذا إذا كانت الغنيمة من
المنقولات، وأما إذا كانت من غيرها فتبقى أربعة أخماس منها في ملك المسلمين
وقد تسأل: أنه إذا غار المسلمون على الكفار وأخذوا أموالهم فهل تدخل في
الغنائم؟
والجواب: أنها تدخل فيها إذا كانت الغارة بإذن ولي الأمر وإلا فهي كلها
للإمام (عليه السلام).
(مسألة 100): ما يؤخذ منهم بغير القتال من غيلة أو سرقة أو ربا أو دعوى
باطلة فليس فيه خمس الغنيمة، بل خمس الفائدة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(مسألة 101): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين
دينارا على الأصح، نعم يعتبر أن لا تكون غصبا من مسلم، أو غيره ممن هو
محترم المال، وإلا وجب ردها إلى مالكها، أما إذا كان في أيديهم مال للحربي
بطريق الغصب أو الأمانة أو نحوهما جرى عليه حكم مالهم.
47

(مسألة 102): يجوز أخذ مال الناصب أينما وجد، فإذا اخذ وجب
تخميسه فورا كتخميس المعادن والغوص وغنائم دار الحرب، ولا يدخل في
خمس الفائدة.
الثاني: المعدن:
كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والعقيق والفيروزج والياقوت
والكحل والملح والقير والنفط والكبريت ونحوها. والأحوط - استحبابا - إلحاق
مثل الجص والنورة وحجر الرحى وطين الغسل ونحوها مما يصدق عليه اسم
الأرض، وكان له خصوصية في الانتفاع به وإن كان الأظهر وجوب الخمس فيها
من جهة الفائدة، ولا فرق في المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة كما
أنه لا فرق بين أن يكون من الظاهر أو الباطن، ونقصد بالظاهر ما يكون
طبيعته المعدنية متكونة على سطح الأرض ويبدو جوهره من دون جهد
وعمل، ونقصد بالباطن ما تكون طبيعته متكونة في أعماق الأرض ولا يبدو
جوهره من دون بذل جهد وعمل في سبيل الوصول إليه.
(مسألة 103): يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، وهو ما بلغت
قيمة ما اخرج من المعدن وأنجز عشرين دينارا من الذهب المسكوك، وكل دينار
شرعي يساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
المعدن ذهبا أو فضة أو غيرهما.
وقد تسأل: أنه هل يكفي في وجوب الخمس بلوغ هذا المقدار قبل استثناء
مؤنة الإخراج والتصفية أو أن يكون ذلك بعد الاستثناء؟
والجواب: الأظهر كفاية بلوغ المقدار المذكور قبل استثناء المؤنة، فإذا بلغ
ذلك المقدار اخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المؤنة.
48

(مسألة 104): لا يعتبر في بلوغ النصاب وحدة الإخراج عرفا، فإذا
أخرجه دفعات متعددة - كما إذا أخرج كمية منه في يوم أو أسبوع وكمية أخرى
في يوم أو أسبوع آخر وهكذا - وبلغ مجموع ما أخرج في ضمن أسبوعين أو أكثر
النصاب كفى في وجوب الخمس. نعم، إذا أخرج كمية منه فصرفها ثم أخرج كمية
أخرى فصرفها وهكذا فلا خمس؛ لأن كل واحدة منها لم تبلغ حد النصاب،
والمجموع وإن بلغ إلا أنه لا وجود له فعلا، فالمعيار في وجوب الخمس إنما هو
ببلوغ المجموع النصاب إذا كان موجودا فعلا، سواء كان إخراجه دفعة واحدة أم
دفعات متعددة.
(مسألة 105): إذا اشترك جماعة في إخراج المعدن فهل يكفي بلوغ مجموع
الحصص النصاب أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا يكفي؛ لأن كل فرد من أفراد المكلف مأمور
بإخراج الخمس من حصته إذا بلغت النصاب لا مطلقا.
(مسألة 106): إن المعدن إذا كان في الأرض المملوكة بملكية خاصة، فهل هو
من توابعها وملك لمالكها أو أنه ليس تابعا لها؟
والجواب: أنه ليس تابعا لها وخاضعا للأرض في مبدأ الملكية؛ لأن مصدر
علاقة الفرد بالأرض ومبدأها إنما هو عملية الإحياء، ومن الواضح أن الناتج من
هذه العملية إنما هو علاقة المحيي بالأرض فحسب، ولا يمتد أثرها إلى المعادن
الموجدة فيها وغيرها من الثروات الطبيعية التي لها كيان مستقل في مقابل
الأرض، وعلى هذا فإذا أخرجه غيره فهو له لا لمن ملك الأرض، غاية الأمر أنه
لا يجوز له أن يقوم بإخراجه إذا استلزم التصرف في الأرض. نعم، يجوز له أن
يقوم بذلك من طريق آخر لا يستلزم التصرف فيها، وهذا بخلاف المعادن أو
49

غيرها من الثروات الطبيعية في الأراضي المفتوحة عنوة، فإنها خاضعة للأرض
في مبدأ الملكية، على أساس أن مبدأ ملكية تلك الأراضي هو استيلاء المقاتلين
عليها بالقهر والغلبة، ومن الواضح أن الاستيلاء عليها استيلاء على ما فيها من
المعادن أو غيرها في أعماقها، وكذلك الحال في المعادن الموجودة في أعماق
الأراضي الموات فإنها - كالأراضي - ملك للإمام (عليه السلام).
(مسألة 107): إذا شك في بلوغ النصاب وعدمه لم يجب عليه الاختبار وإن
كان بإمكانه ذلك.
الثالث: الكنز:
وهو المال المذخور في موضع، أرضا كان أم جدارا أم غيرهما، فإنه
لواجده، وعليه الخمس. هذا فيما إذا كان المال المدخر ذهبا أو فضة مسكوكين
بسكة المعاملة، وأما في غيرهما ففي وجوب الخمس من جهة الكنز إشكال،
والأحوط - وجوبا - إخراج خمسه فورا بقصد الأعم من خمس الفائدة أو الكنز،
ويعتبر في جواز تملك الكنز أن لا يعلم أنه لمسلم فعلا، سواء وجده في دار الحرب
أم في دار الإسلام، مواتا كان حال الفتح أم عامرة، أم في خربة باد أهلها، سواء
كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن، ويشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب،
وهو أدنى مرتبة نصابي الذهب والفضة في وجوب الزكاة، ولا فرق في ذلك بين
إخراجه دفعة واحدة أو دفعات، ويكفي في وجوب الخمس فيه بلوغ النصاب
قبل استثناء المؤنة، ولكن اخراج الخمس منه يكون بعد استثناء المؤنة وإن علم
أنه لمالك محترم بالفعل، فإن كان معلوما رد المال إليه، وإن كان مجهولا عنده جرى
عليه حكم اللقطة، فإن كان ذات علامة مميزة وجب التعريف بها سنة كاملة،
وبعد السنة إذا لم يوجد فهو مخير بين التصدق مع الضمان والتعامل به معاملة ماله
50

إلى أن يجيء له طالب، فإن جاء فهو المطلوب وإلا فعليه أن يوصي به في وصيته،
وإن لم يكن ذا علامة أو أنه كان ولكن لا يمكن التعريف بها أو أنه بلا أثر وفائدة،
فحكمه التصدق وإن لم يعلم بوجود مالك محترم له فعلا، وإن علم بوجوده قبل
مئات السنين ولكن لا يحتمل بقائه في قيد الحياة، وحينئذ فإن علم بوجود
الوارث له فعلا، فإن كان معلوما رد المال إليه، وإن كان مجهولا فالحكم فيه كما مر،
وإن لم يعلم بوجود الوارث له فعلا فهو لواجده وعليه خمسه، وبكلمة: أن هنا
أربعة موضوعات:
1 - الكنز.
2 - اللقطة.
3 - المجهول مالكه وصفا وعينا أو وصفا لا عينا.
4 - المعروف مالكه المفقود عينا.
(مسألة 108): الكنز عبارة عن المال المدفون في الأرض أو الجدار أو
غير ذلك وليس له مالك محترم فعلا، فإذا وجده شخص فهو له، بلا فرق بين
أن يكون في الأراضي الخربة بالأصالة أو بالعارض أو في الأراضي المعمورة
طبيعيا أو بشريا أو في الأراضي الخاضعة لمبدأ الملكية العامة، كالأراضي
المفتوحة عنوة أو الخاضعة لمبدأ الملكية الخاصة، فعلى جميع التقادير فهو
لواجده؛ لأن ملكيته مرتبطة بوجود أمرين: أحدهما وجدانه، والآخر أن
لا يكون له مالك محترم بالفعل ولو بالاستصحاب، فإذا يجب على واجده
الخمس بشرطين:
الأول: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة.
51

الثاني: أن يبلغ النصاب.
(مسألة 109): اللقطة بالمعنى الأخص عبارة عن المال الضائع غير
الحيوان، وله مالك محترم بالفعل ومجهول عينا ووصفا، ولها أحكام خاصة،
منها: أن على الملتقط أن يقوم بتعريفها سنة كاملة شريطة توفر امور:
الأول: أن لا يكون جازما بعدم جدواه لليأس عن وجدان صاحبها.
الثاني: أن تكون ذات علامة مميزة.
الثالث: أن لا يكون فيه تعريض النفس للخطر، فإذا توفرت هذه الامور
وجب عليه تعريفها طول السنة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون قيمتها أقل من
الدرهم أو أكثر، ومنها: أن الملتقط إذا لم يجد صاحبها بعد التعريف سنة كاملة
يكون مخيرا بين التصدق بها مع الضمان وبين جعلها في عرض ماله، ويجري عليها
ما يجري على ماله حتى يجيء لها طالب، وإلا فعليه أن يوصي بها في وصيته،
ومنها: جواز تملكها على المشهور إذا لم تكن ذات علامة مميزة قابلة للتعريف،
ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع. نعم، إذا وجد حيوانا في البراري أو الجبال أو
الفلوات الخالية من السكان وكان مما لا يقوى على حفظ نفسه والامتناع من
السباع، جاز له أن يأخذه بقصد التملك كالشاة ونحوها.
(مسألة 110): المال المجهول مالكه إن كان مالكه معلوما عينا ومجهولا
مكانا، فحينئذ إن أمكن الفحص عنه وجب، وإلا تصدق به، وإن كان مجهولا
عينا ومكانا فالحكم أيضا كذلك.
(مسألة 111): المال المعروف مالكه المفقود عينا فحكمه وجوب الفحص
عنه ببذل أقصى جهده في سبيل الوصول إليه، فإن قدر عليه فهو المطلوب، وإلا
52

فهو كسبيل ماله حتى يجيء صاحبه، وإن لم يجيء فيوصي به وإذا انقطع الأمل
فحكمه التصدق.
(مسألة 112): إذا وجد الكنز في الأرض المبتاعة كالبساتين أو الدار، فإن
كان المشتري واثقا ومطمئنا أنه من البائع المباشر وجب أن يرده إليه، وإن كان
واثقا ومتأكدا بأنه من أحد الأيادي التي مرت عليها، وحينئذ فإن علم ببقاء
المالك إجمالا في قيد الحياة ولو ببقاء وارثه، وجب عليه تعريفه لهم، فإن عرفه
واحد منهم فهو له، وإلا فالمرجع القرعة، وتعيين المالك بها، وإن علم بعدم بقاء
مدخره في قيد الحياة ولا يعلم بوجود الوارث له، فعندئذ إن لم يعرفه أحد هؤلاء
فهو لواجده وعليه خمسه، وكذلك الحال إذا وجده في ملك شخص آخر كان تحت
يده بإجارة أو نحوها.
(مسألة 113): إذا اشترى دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع، فإن لم
يعرفه كان له، شريطة أن لا يعلم بأن له مالكا موجودا فعلا ولكنه مجهول، وإلا
فيدخل في اللقطة وتترتب عليه أحكامها التي تقدمت، وكذا الحكم في الحيوان
غير الدابة، مما كان تحت يد البائع، وأما إذا اشترى سمكة ووجد في جوفها مالا،
فهو له من دون تعريف، إذا لم يعلم بأنه ملك لمالك محترم فعلا، وإلا جرى عليه ما
مر من الأحكام، ولا يجب في جميع ذلك الخمس بعنوان الكنز بل يجري عليه
حكم الفائدة والربح.
الرابع: الغوص:
ما اخرج من البحر بالغوص من الجوهر وغيره، لا مثل السمك ونحوه من
الحيوان، فالأظهر وجوب الخمس فيه وإن لم تبلغ قيمته دينارا.
(مسألة 114): إذا اخرج بآلة من دون غوص فالأظهر جريان حكم
53

الغوص عليه.
(مسألة 115): الظاهر أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما
يخرج منها بالغوص.
(مسألة 116): لا إشكال في وجوب الخمس في العنبر إن أخرج بالغوص،
بل الأظهر وجوبه فيه إن اخذ من وجه الماء أو الساحل.
الخامس: الأرض:
الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فإنه يجب فيها الخمس على
الأقوى، ولا فرق بين الأرض الخالية وأرض الزرع وغيرها كالبساتين، وأما إذا
اشترى الدار أو الحمام أو الدكان، فهل يجب الخمس في أراضيها أو لا؟
والجواب: أنه لا يخلو عن إشكال وإن كان الأحوط - وجوبا - الخمس،
ولا يختص الحكم بالشراء بل يجري في سائر المعاوضات أو الإنتقال المجاني أيضا.
(مسألة 117): إذا اشترى الأرض ثم أسلم لم يسقط الخمس، وكذا إذا باعها
من مسلم، فإذا اشتراها منه ثانيا وجب خمس آخر، فإن كان الخمس الأول دفعه
من العين كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس الباقية، وإن كان دفعه من غير
العين كان الخمس الثاني خمس تمام العين. نعم، إذا كان المشتري من الشيعة جاز
له التصرف فيها، من دون إخراج الخمس؛ لأن خمسها انتقل إلى ذمة البائع.
(مسألة 118): يتعلق الخمس برقبة الأرض المشتراة، ويتخير الذمي بين
دفع خمس العين ودفع قيمته، فلو دفع أحدهما وجب القبول، وإذا كانت الأرض
مشغولة بشجرة أو بناء، فإن اشتراها على أن تبقى مشغولة بما فيها بأجرة أو مجانا
قوم خمسها كذلك، وإن اشتراها على أن يقلع ما فيها قوم أيضا كذلك.
54

(مسألة 119): إذا اشترى الذمي الأرض، وشرط على المسلم البائع أن
يكون الخمس عليه، أو أن لا يكون فيها الخمس بطل الشرط، وإن اشترط أن
يدفع الخمس عنه صح الشرط، ولكن لا يسقط الخمس إلا بالدفع.
السادس: المال المخلوط بالحرام:
إذا لم يتميز، ولم يعرف مقداره، ولا صاحبه، فإن عليه أن يخرج خمسه،
شريطة أن تكون نسبة احتمال الاختلاط بمقدار الخمس محفوظة بين أنحاء نسب
الاحتمالات؛ إذ لو علم المالك أن نسبة الحرام إلى الحلال في المال المختلط أكثر من
الخمس أو أقل منه ولا يحتمل أن تكون نسبة الاختلاط بمقدار الخمس، فلا
معنى لإيجاب إخراج الخمس عليه، والأحوط صرفه بقصد الأعم من المظالم
والخمس، فإن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه، سواء كان الحرام بمقدار
الخمس، أم كان أقل منه أم كان أكثر منه، والأحوط - استحبابا - أن يكون بإذن
الحاكم الشرعي، وإن علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح، وإن لم يرض
المالك بالصلح جاز الاقتصار على دفع الأقل إليه إن رضي بالتعيين، وإلا تعين
الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم الدعوى، وحينئذ إن رضي بالتعيين فهو،
وإلا أجبره الحاكم عليه، وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه، ويكون التعيين
بالتراضي بينهما.
(مسألة 120): إذا علم قدر المال الحرام ولم يعلم صاحبه بعينه بل علمه
في عدد محصور، وجب التخلص من الجميع باسترضائهم، فإن لم يمكن ففي
المسألة وجوه، أقربها العمل بالقرعة في تعيين المالك، وكذا الحكم إذا لم يعلم
قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور.
(مسألة 121): إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس، فإن علم بجنسه
55

ومقداره فإن عرف صاحبه رده إليه، وإن لم يعرفه، فإن كان في عدد محصور،
وجب استرضاء الجميع، وإن لم يمكن عمل بالقرعة، وإن كان في عدد غير محصور
تصدق به عنه، والأحوط - استحبابا - أن يكون بإذن الحاكم الشرعي، وإن علم
جنسه وجهل مقداره جاز له في إبراء ذمته الاقتصار على الأقل، فإن عرف المالك
رده إليه، وإلا فإن كان في عدد محصور وجب استرضاء الجميع، فإن لم يمكن رجع
إلى القرعة وإلا تصدق به عن المالك، والأحوط - استحبابا - أن يكون بإذن
الحاكم، وإن لم يعرف جنسه وكان قيميا وكان قيمته في الذمة، فالحكم كما لو
عرف جنسه، وإن لم يعرف جنسه وكان مثليا، فإن أمكن المصالحة مع المالك تعين
ذلك، وإلا فلا يبعد العمل بالقرعة بين الأجناس.
(مسألة 122): إذا تبين المالك بعد دفع الخمس فالظاهر عدم الضمان له.
(مسألة 123): إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس،
وجب عليه دفع الزائد أيضا إذا لم يكن الدفع من باب الخمس، وإذا علم أنه
أنقص جاز له استرداد الزائد على مقدار الحرام إذا كان باقيا، وإلا فلا شيء
عليه، وأما إذا كان من باب الخمس، فالأظهر عدم وجوب دفع الزائد إذا كان
الحرام أكثر من الخمس، ولا استرداد الزائد إذا كان الحرام أنقص منه.
(مسألة 124): إذا كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو
الوقف العام أو الخاص فلا يحل المال المختلط به بإخراج الخمس، بل يجري عليه
حكم معلوم المالك، فيراجع ولي الخمس أو الزكاة أو الوقف العام أو الخاص
بالتراضي معه أو التصالح أو القرعة.
(مسألة 125): إذا كان مال المالك الحلال الذي اختلط به الحرام متعلقا
للخمس، فلا بد حينئذ من أن تلحظ نسبة الحرام إليه باستثناء خمسه، على
56

أساس أنه مال غيره فلا يكون من ماله المختلط، وموضوع المسألة ماله الحلال
الذي اختلط به الحرام لا الأعم منه ومن المال المشترك بينه وبين غيره، مثال ذلك
إذا كان عنده مائة دينار مثلا مخلوطة بالحرام وعلم بأن الحلال من ذلك المبلغ
متعلق للخمس، وعندئذ فإذا فرضنا أن خمسة وسبعين دينارا في المثال من المال
المخلوط حلال جزما، فطبيعة الحال كان - خمسه وهو خمسة عشر دينارا - مال
غيره فلا يحسب من ماله المخلوط، فإذن يكون ماله المخلوط عنده خمسة وثمانين
دينارا، وعلى هذا فلا تظهر الثمرة بين أن يخمس الحلال أولا ثم المال المختلط وبين
العكس، فإن الواجب عليه إخراج خمس مبلغ خمسة وثمانين دينارا بعنوان المال
المختلط، سواء كان ذلك قبل تخميس الحلال أم كان بعده، ومن هذا القبيل ما إذا
كان عنده خمسة وسبعون دينارا مخلوطة بالحرام، وعلم أن الحلال منه متعلق
للخمس، وحينئذ فإذا فرضنا أن خمسين دينارا في المثال من المال المخلوط حلال
جزما، كان خمسه - وهو عشرة دنانير - بما أنه مال غيره فلا يحسب من ماله
المخلوط، فإذن يكون ماله المخلوط بالحرام عنده خمسة وستين دينارا لا خمسة
وسبعين، وعلى هذا فيجب عليه إخراج خمسه سواء كان قبل تخميس المال
الحلال أم كان بعده، ولا تظهر الثمرة بين الطريقين لإخراج الخمس، فعلى
كلا الطريقين يخمس مبلغ خمسة وستين دينارا بعنوان المال المخلوط
بالحرام.
(مسألة 126): إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه،
بالإتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته، وحينئذ أن عرف قدره دفعه
إلى مستحقه، وإن تردد بين الأقل والأكثر جاز له الاقتصار على الأقل،
والأحوط - استحبابا - دفع الأكثر.
57

السابع: الفائدة:
ما يفضل عن مؤنة سنة نفسه أو عياله من فوائد الصناعات والزراعات
والتجارات والإجارات وحيازة المباحات، والأقوى تعلقه بكل فائدة مملوكة له
كالهبة والهدية والجائزة والنذور والمال الموصى به ونماء الوقف الخاص أو العام
والميراث الذي لا يحتسب، أي: لا يكون ذلك بالحسبان والتصور، وهذا لا
يتوقف على أن يكون الوارث جاهلا بوجود المورث له في بلد آخر، بل يشمل ما
إذا علم بوجوده في بلده إلا أنه ليس في تصوره وحسبانه يوما من الأيام عادة أنه
يموت ويموت معه جميع من في طبقة متقدمة عليه وهو يظل حيا ويصل ميراثه
إليه، ولكن إذا اتفق ذلك بسبب حادثة أرضية أو سماوية ووصل ميراثه إليه كان
مما لا يحتسب ففيه الخمس، والظاهر عدم وجوب الخمس في المهر إذا كان بقدر
شؤون المرأة ومكانتها، وأما إذا كان زائدا فالأظهر وجوب الخمس في الزائد،
وأما عوض الخلع فلا يبعد وجوب الخمس فيه.
(مسألة 127): الأقوى إخراج خمس ما زاد عن مؤنته مما ملكه بالخمس أو
الزكاة أو الكفارات أو رد المظالم أو نحوها.
(مسألة 128): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق
بها، وقد أداه فنمت، وزادت زيادة منفصلة كالولد والثمر واللبن والصوف ونحوها
مما كان منفصلا، أو بحكم المنفصل - عرفا - فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة،
بل الظاهر وجوبه في الزيادة المتصلة أيضا، كنمو الشجر وسمن الشاة إذا كانت
للزيادة مالية عرفا، وأما إذا ارتفعت قيمتها السوقية بلا زيادة عينية فإن كان
الأصل قد اشتراه وأعده للتجارة يتجر به وجب الخمس في الارتفاع المذكور،
وإن لم يكن قد اشتراه، كما إذا ورث من أبيه بستانا قيمته مائة دينار فزادت
58

قيمته، وباعه بمائتي دينار لم يجب الخمس في المائة الزائدة، وإن كان قد اشتراه لا
للتجارة بل للاقتناء والحفاظ على العين، كما إذا اشترى دارا مثلا بغرض الانتفاع
من إجارتها مع الحفاظ على عينها فزادت قيمته، فهل يجب الخمس في زيادة
القيمة أو لا؟
والجواب: لا يبعد عدم الوجوب. ولتوضيح ذلك نذكر - فيما يلي - عددا
من الصور:
الصورة الاولى: رجل يقوم بالإتجار والاكتساب، سواء كان بالبيع
والشراء أم بالتصدير والإستيراد أم بإنشاء معمل صناعي استنتاجي أو
استخراجي، ولهذه الصورة حالات:
الاولى: أن يكون اتجاره بالأموال التي لم تمر عليها سنة عنده، ففي هذه
الحالة يجب عليه تخميس جميع ما عنده من الأموال والأرباح بقيمتها الحالية في
آخر السنة.
الثانية: أن يكون بالأموال التي مرت عليها سنة كاملة عنده بدون أن
يخرج خمسها، كما إذا كان رأس ماله غير مخمس، ففي هذه الحالة يجب عليه
تخميس جميع ما عنده من رؤوس الأموال فورا، وأما الأرباح - ومنها ارتفاع
القيمة - ففي آخر السنة.
الثالثة: أن يكون بالأموال المخمسة عنده، ففي هذه الحالة يجب عليه خمس
الأرباح في نهاية السنة، منها ارتفاع قيمة الأموال والبدائل الموجودة عنده فعلا
واستثناء رأس المال.
الرابعة: أن يكون رأس ماله مركبا من الأموال المخمسة وغير المخمسة،
59

ففي هذه الحالة إن علم النسبة فهو المطلوب وإن لم يعلم فعليه خمس المتيقن، أما في
المشكوك فإن كان أمره مرددا بين مال غير متعلق للخمس من الأول كالمال
الموروث أو المؤنة التي استغنى الإنسان عنها وجعلها رأس مال، وبين مال متعلق
للخمس، فالظاهر أنه لا شيء عليه، وإن كان الأولى والأجدر المصالحة مع
الحاكم الشرعي بنصف الخمس، وإن كان أمره مرددا بين مال متعلق للخمس
ولكنه أخرج خمسه قبل أن يجعله رأس المال، وبين مال متعلق له ولم يخرج
خمسه، فالظاهر وجوب خمسه عليه على أساس الاستصحاب ولا تصل النوبة
إلى المصالحة.
الصورة الثانية: رجل اشترى مالا لا بقصد الإتجار والاكتساب به، بل
يقصد الإقتناء والحفاظ على عين المال للانتفاع بها فعلا أو في المستقبل، كما إذا
اشترى دارا للاستفادة من منافعها أو اشترى أرضا بغاية الانتفاع منها في
المستقبل بجعلها دارا أو دكانا أو ما شاكل ذلك، ولهذه الصورة أيضا حالات:
الأولى: أنه اشترى ذلك المال بثمن لم تمر عليه سنة عنده، ففي هذه الحالة
يكون المال المذكور من فوائد سنته، فيجب عليه خمسه في نهاية السنة بقيمته
الفعلية.
الثانية: أنه اشتراه بثمن متعلق للخمس، ففي هذه الحالة يجب عليه أن
يؤدي خمس الثمن وقت الشراء دون المال المشترى، وإذا زادت قيمته السوقية
وارتفعت فهل الزيادة من الفوائد فيجب خمسها أو لا؟
والجواب: أن صدق الفائدة عليها عرفا لا يخلو عن إجمال ولا يبعد عدمه،
فلا يجب خمسها وإن كان الاحتياط في محله.
الثالثة: أنه اشترى بثمن مخمس، ففي هذه الحالة لا يجب عليه شيء لا
60

خمس الثمن لأنه مخمس ولا خمس المثمن لأنه ليس من فوائد السنة، وأما إذا
زادت قيمته السوقية وارتفعت فهل فيها الخمس أو لا؟ وقد مر أنه لا يبعد
عدم وجوب الخمس فيها وإن كان الاحتياط أولى وأجدر.
الصورة الثالثة: رجل ملك مالا لا بالبيع والشراء بل بالإرث، ولهذه
الصورة حالتان:
الاولى: أنه لا خمس فيه، ولكن إذا زادت قيمته السوقية وارتفعت فهل في
تلك الزيادة خمس أو لا؟
والجواب: أنه لا خمس فيها.
الثانية: أنه إذا باعه بتلك الزيادة فهل هي داخلة في الفائدة وفيها الخمس
أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا يصدق عليها الفائدة عرفا ولا خمس فيها؛ لأنه مما
ورثه من أبيه وباعه بكذا مبلغا ولا يقال: أنه استفاد منه كذا مقدارا.
الصورة الرابعة: إنسان ملك مالا بالهبة أو الحيازة، وهذا المال تارة
لا يكون متعلقا للخمس من الأول كما إذا ملكه قبل البلوغ، وأخرى يكون
متعلقا للخمس وأدى خمسه من نفس المال، وعلى كلا التقديرين فإذا زادت
قيمته السوقية وارتفعت بعد البلوغ في الفرض الأول وبعد إخراج خمسه في
الفرض الثاني وباعه بتلك الزيادة فهل فيها الخمس أو لا؟
والجواب: الأظهر أنه لا خمس فيها؛ لعدم صدق الفائدة عليها عرفا. نعم،
لو كان المال الموهوب متعلقا للخمس، فإذا أدى خمسه من مال آخر ملك خمسه،
وحينئذ فإذا زادت قيمته وارتفعت وباعه بتلك الزيادة كانت الزيادة بالنسبة إلى
61

خمسه فائدة. باعتبار أنها زيادة على ما بذل من المال عوضا عنه، وأما الزيادة
بالنسبة إلى أربعة أخماسه فلا تكون فائدة، ومن هذا القبيل ما إذا استغنى الإنسان
عما هو مؤنة له كالدار مثلا وبعد الاستغناء زادت قيمته السوقية وارتفعت وباعه
بتلك الزيادة، لم تصدق عليها أنها فائدة جديدة عرفا دخلت في ملكه لكي يجب
عليه خمسها، ومن هنا إذا نقصت قيمتها فلا يقال: إنه خسر.
(مسألة 129): الذين يملكون الأغنام يجب عليهم إخراج خمس نمآتها في
آخر السنة، بلا فرق بين النمآت المتصلة كالسمن، والمنفصلة كالصوف واللبن
والسخال المتولدة منها بعد استثناء ما يصرف منها طيلة السنة في مؤنتهم، وإذا
بيع شيء من ذلك في أثناء السنة وبقي مقدار من ثمنه، وجب إخراج خمسه أيضا،
وكذلك الحكم في سائر الحيوانات، فإنه يجب تخميس ما يتولد منها، إذا كان باقيا
في آخر السنة بنفسه أو ثمنه، هذا إذا كان أصل الأغنام مخمسة، كما إذا كانت إرثا
أو مشتراة بثمن مخمس، وإلا يجب عليهم تخميسها أو تخميس أثمانها أيضا.
(مسألة 130): إذا عمر بستانا وغرس فيه نخلا وشجرا للانتفاع بثمره لم
يجب إخراج خمسه، إذا صرف في تعميره وشراء نخيله وأشجاره مالا لم يتعلق
به الخمس كالموروث، أو مالا قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو مالا
فيه الخمس ولم يخرج خمسه. نعم، يجب عليه إخراج خمس هذا المال نفسه، كما
أنه يجب عليه خمس الزيادة العينية فيما غرسه من النخيل والأشجار في نهاية
السنة على جميع فروض المسألة، بلا فرق بين أن يكون غرس الأشجار
والنخيل بغاية الاستفادة من منافعها كأغصانها وأثمارها وغيرهما؛ لإشباع
حاجاته الذاتية حسب شؤونه ومكانته أو بغاية الاتجار والتداول بها أصولا
وفروعا لخلق منفعة جديدة. نعم، يفترق الأول عن الثاني في نقطتين:
62

الأولى: أن الغرض من غرس الأشجار والنخيل إن كان الإتجار والتداول
بها بقصد خلق فائدة جديدة تعلق الخمس بارتفاع قيمتها أيضا، بينما إذا كان
الغرض منه الاستفادة الشخصية من منافعها فحسب، فلا خمس فيه إلا إذا باعها
بتلك الزيادة، فعندئذ تدخل الزيادة في فائدة السنة الثانية، أنه يجب على الأول
إخراج خمس زيادتها العينية المتصلة والمنفصلة في نهاية كل سنة ما دامت تزيد
كذلك، بينما يجب إخراج خمسها على الثاني إلى أن بلغت حد الإثمار والانتفاع بها،
فإذا بلغت إلى هذا الحد أصبحت من المؤونة فعلا، فإذا نمت وزادت بعد ذلك
كانت الزيادة في أعيان المؤونة ولا خمس فيها.
وأما إذا صرف في تعمير البستان وتشجيره من ربح أثناء السنة، فيجب
عليه إخراج خمس نفس ما عمره في البستان وما شجره فيه في نهاية السنة
بالقيمة الحالية، وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديدا في السنة الثانية،
وإن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه، مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه
ويغرسه، وكذا إذا نبت جديدا لا بفعله، كالفسيل وغيره إذا كان له مالية.
وبالجملة: كل ما يحدث جديدا من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج
خمسه في آخر السنة بعد استثناء المؤنة. نعم، إذا باعه بأكثر مما صرفه عليه من
ثمن الفسيل، واجرة الفلاح وغير ذلك وجب الخمس في الزائد، ويكون الزائد
من أرباح سنة البيع، وأما إذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان، وجب
الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة وإن لم يبعه كما عرفت.
(مسألة 131): إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها في أثناء السنة،
ولم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة أو لغرض آخر ثم رجعت قيمتها في رأس السنة
إلى رأس مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة. نعم، إذا بقيت الزيادة إلى آخر
63

السنة واستقر وجوب الخمس فيها ولم يبعها عمدا ومن دون عذر ولم يخرج
خمسها، وبعد ذلك نقصت قيمتها، فيضمن خمس النقص على الأظهر؛ باعتبار
أن ذلك مستند إلى تقصيره.
(مسألة 132): المستثناة من خمس الأرباح والفوائد التي تحصل للإنسان
أثناء السنة من التجارة وغيرها المؤنة وهي متمثلة في أمرين:
أحدهما: مؤنة تحصيل الأرباح والفوائد طيلة السنة.
والآخر: مؤنة سنته.
والمراد من مؤنة التحصيل كل ما يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على
الفوائد والأرباح، كمصارف تصدير البضائع أو استيرادها إلى بلاد اخرى،
واجرة النقل والانتقال، والدلال، والكاتب والحارس والصانع والدكان
وضرائب الدولة وغير ذلك، فإن جميع هذه المصارف يخرج طوال فترة السنة من
الأرباح والفوائد، وإخراج الخمس من الباقي، ومن هذا القبيل ما ينقص من ماله
في سبيل الحصول على الربح كالمصانع والمعامل والسيارات وآلآت الصناعة
والطبابة والخياطة والزراعة وغير ذلك، فإن كل ما يرد على تلك الأموال من
النقص بسبب استعمالها أثناء السنة يتدارك من الربح. مثلا إذا اشترى سيارة
بعشرين الف دينار وآجرها سنة بأربعة آلاف دينار، ونقصت قيمة السيارة
نهاية السنة من جهة الاستعمال ووصلت إلى ثمانية عشر ألف دينار، لم يجب
الخمس إلا في الألفين، والألفان الباقيان من المؤنة، والمراد من مؤنة السنة التي
يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يصرفه الإنسان في معاش نفسه وعياله على
النحو اللائق بحاله وفي صدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه المناسبة لمقامه
وضيافة أضيافه اللائقة بمكانته وشأنه ووفاء حقوقه اللازمة عليه بنذر أو كفارة
64

أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ، أو فيما يحتاج إليه من
دابة وجارية، وكتب وأثاث، وفي تزويج أولاده وختانهم وغير ذلك، فمؤنة كل
إنسان طوال السنة مصرفه الإعتيادي حسب ما تتطلب مكانته وشأنه في كل
الجهات الداخلية والخارجية، بلا فرق بين أن يكون الصرف فيها على نحو
الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة أو الكراهة، ثم إن المراد من المؤنة المستثناة
من خمس الفائدة والربح ليس مقدار مؤنة الشخص بحسب حاله ومقامه وإن لم
يصرفه طوال السنة، بل المراد منها ما يصرفه فعلا طيلة السنة، وأما لو صرف
منها أقل مما يتطلب شأنه ومكانته وقتر على نفسه وعياله وسائر جهاته، فيكون
المستثنى المقدار المصروف وهو الأقل، ويجب عليه إخراج الخمس من الباقي، كما
أنه إذا تبرع متبرع له بنفقته أو بعضها لا يستثنى له مقدار التبرع من أرباحه، بل
يحسب ذلك من الربح الذي لم يصرف في المؤنة، وأيضا لابد أن يكون الصرف
على النحو اللائق بمقامه، فإن زاد عليه وجب خمس الزائد، وإذا كان المصرف
سفها وتبذيرا لا يستثنى المقدار المصروف، بل يجب فيه الخمس، والظاهر أن
المصرف إذا كان راجحا شرعا لم يجب فيه الخمس وإن كان غير متعارف، كمن
يتصدى لذلك ولا تتطلبه مكانته المالية، وذلك كتأسيس مسجد أو مدرسة دينية
أو الإنفاق على الضيوف بأكثر مما هو مقتضى شأنه.
(مسألة 133): مبدأ السنة من حين ظهور الربح والفائدة، بلا فرق في ذلك
بين ربح التجارة والصناعة والمهنة والحرفة وغير ذلك، وتستثنى مؤنة السنة من
الربح من حين وجوده وظهوره فإن لكل ربح سنة تخصه، ومن الجائز أن يجعل
الإنسان لنفسه رأس سنة تسهيلا لأمره، فيحسب مجموع وارداته من مختلف
أنواع التكسب من التجارة والزراعة والصناعة والمهنة وغيرها في آخر السنة
ويخمس ما زاد على مؤنته، كما يجوز له أن يجعل لكل نوع بخصوصه رأس سنة،
65

فيخمس ما زاد عن مؤنته في نهاية تلك السنة.
(مسألة 134): قد تسأل: أن من حصل على مال بهبة أو كسب، وأراد أن
يجعله رأس مال للتجارة أو الصنعة أو المهنة قبل أن تنتهي سنته بغرض الإعاشة
من أرباحه وفوائده فهل هو مستثنى من الخمس أو لا؟
والجواب: أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فإذا كان هناك شخص
تتطلب مكانته الاجتماعية وشأنه وجود رأس مال له يقوم بالإتجار به ويعيش
من أرباحه وفوائده بما يليق بمقامه، على أساس أن اشتغاله كعامل مضاربة أو
بناء أو صانع لا يليق به ومهانة له، فهو يعتبر مؤنة له ومستثنى من الخمس، وإذا
كان هنالك شخص لا تتطلب مكانته ذلك ولم يكن اشتغاله كعامل مضاربة أو
بناء أو صانع مهانة له فلا يعتبر مؤنة له، وعليه فلا يستثنى من الخمس، وضابط
ذلك: أن من تتطلب مكانته الاجتماعية وجود رأس مال له للإتجار والاكتساب
به لإشباع حاجياته اللائقة بحاله، على أساس أن اكتسابه كصانع أو عامل
لإشباع حاجاته لا يليق بمكانته، ففي هذه الحالة يعتبر رأس المال من مؤنته
كسائر مؤنته من المسكن والملبس والمأكل والمشرب والمركب وغير ذلك ولا
خمس فيه. هذا من دون فرق بين أن يكون بمقدار مؤنة سنته أو أكثر أو أقل، ومن
لا تتطلب مكانته الاجتماعية ذلك، فلا يعتبر من مؤنته بل عليه أن يخرج خمسه في
نهاية السنة، وكذلك أصحاب المهن كالطبيب ونحوه، فإن الوسائل والأدوات
التي تتوقف ممارسة الطبيب مهنته عليها بمثابة رأس المال له وتعتبر من مؤنته،
على أساس أن ممارسته العمل كعامل مضارب أو صانع أو حارس مهانة له،
وعلى هذا فإذا كان توفيرها من أرباح السنة وفوائدها، فلا يجب عليه خمسها في
آخر السنة.
66

ونذكر مثالين لذلك:
الأول: طبيب عنده مال من أرباح سنته كهدية أو جائزة أو نحوها،
ويصرف ذلك المال في شراء الوسائل والأدوات الطبية وأجرة المكتب والحارس
وغير ذلك بغرض ممارسة مهنته كطبيب، وصرف ما يحصل منها في مؤنته اللائقة
بحاله، على أساس أن عمله كصانع أو عامل لا يليق بشأنه ومكانته، وليست
لديه موارد اخرى كالتجارة أو نحوها، ففي هذه الحالة لا يجب عليه إخراج
الخمس من تلك الوسائل والأدوات وغيرها في نهاية السنة، لأنها تعتبر مؤنة له
فلا خمس فيها.
الثاني: خياط يكون في أمس الحاجة إلى توفير الوسائل والأدوات
الخياطية لممارسة مهنته كخياط لإشباع حاجاته المناسبة لمقامه، على أساس أن
عمله كصانع خياط لا يناسب شأنه ولا يليق بمكانته، وفي هذه الحالة إذا كان
عنده مال من أرباح السنة وكان كافيا لتوفير الوسائل والأدوات الخياطية له،
فإنه إذا اشترى به تلك الوسائل والأدوات ومارس مهنته بها، ويصرف ما يحصل
منها في مؤنته فلا خمس فيها، وقد تسأل: أن من كان بحاجة إلى رأس مال إما
للإتجار به أو لممارسة مهنته كطبيب مثلا، فإن كان ما نتج منه وحصل بقدر مؤنته
السنوية اللائقة بحاله فلا خمس فيه كما مر، وإن كان أزيد منه بمعنى: أنه يقصد من
وراء ذلك خلق منفعة جديدة زائدا على ما يصرف في مؤنته، فعندئذ هل يخمس
رأس المال أو لا؟
والجواب: أنه يخمس بالنسبة كما يخمس الزائد من الربح. نعم، إذا لم يكن
بحاجة إلى جعل ما عنده من الربح والفائدة رأس مال له، على أساس أنه يعيش
بما يناسب مقامه من دون ذلك فلا يكون مستثنى من الخمس.
67

(مسألة 135): كل ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من
الأرباح كما مر، ولا يفرق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف وحصوله فيما
بعد، فكما لو صرف مالا في سبيل إخراج معدن، استثني ذلك منه بعد إخراجه،
ولو كان الإخراج بعد مضي سنة أو أكثر، فكذلك لو صرف مالا في سبيل
حصول الربح في سنته، ومن ذلك النقص الوارد على المصانع والسيارات وآلات
المصانع وغير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح والفائدة كما مر.
(مسألة 136): لا فرق في مؤنة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول
والمشروب، وما ينتفع به - مع بقاء عينه - مثل الدار والفرش والأواني ونحوها
من الآلات المحتاج إليها، فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح وإن بقيت
للسنين الآتية. نعم، إذا كان عنده شيء منها قبل الاكتساب فلا يجوز استثناء
قيمته من الربح، بل حاله حال من لم يكن محتاجا إليها.
(مسألة 137): يجوز إخراج المؤنة من الربح، وإن كان له مال غير مال
التجارة، فلا يجب إخراجها من ذلك المال، ولا التوزيع عليهما.
(مسألة 138): إذا زاد ما اشتراه للمؤنة من الحنطة والشعير والسمن
والسكر وغيرها، وجب عليه إخراج خمسه، أما المؤن التي يحتاج إليها - مع
بقاء عينها - إذا استغنى عنها، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، سواء كان
الاستغناء عنها بعد السنة - كما في حلي النساء الذي يستغنى عنه في عصر
الشيب - أم كان الاستغناء عنها في أثناء السنة كالثياب التي لبسها شهرا أو
شهرين ثم استغنى عنها، أو الدار التي اشتراها بربح أثناء السنة وسكن فيها
ستة أشهر مثلا ثم استغنى عنها وهكذا.
(مسألة 139): إذا كانت الأعيان المصروفة في مؤنة السنة كالسكر والطحين
68

والتمن وغيرها، قد اشتراها من ماله المخمس فزادت قيمتها حين الاستهلاك في
أثناء السنة، لم يجز له استثناء قيمة زمان الاستهلاك، بل يستثني قيمة الشراء، كما
إذا اشترى تلك الأعيان لمؤنة السنة بثمن متعلق للخمس، فزادت قيمته بعد
الشراء وارتفعت قبل استعمالها وصرفها، فإن الواجب عليه إخراج خمس الثمن
فحسب دون قيمة زمن الاستعمال.
(مسألة 140): ما يدخره من المؤن كالحنطة والدهن ونحو ذلك، إذا بقي منه
شيء إلى السنة الثانية وكان أصله مخمسا فإذا زادت قيمته لم يجب خمس الزيادة،
كما أنه لو نقصت قيمته لم يجبر النقص من الربح.
(مسألة 141): إذا اشترى بعين الربح شيئا، فتبين الاستغناء عنه، وجب
إخراج خمسه، وكذا إذا اشترى عالما بعدم الاحتياج إليه كبعض الفرش الزائدة
والجواهر المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة والبساتين والدور التي يقصد
من وراء ذلك الاستفادة بنمائها، فإنه لا يراعي في الخمس رأس مالها، بل قيمتها
وإن كانت أقل منه، وكذا إذا اشترى الأعيان المذكورة بالذمة، ثم وفى من الربح لم
يلزمه إلا خمس قيمة العين آخر السنة باعتبار أنها الفائدة.
(مسألة 142): من جملة المؤن مصارف الحج واجبا كان أو مستحبا، وإذا
استطاع في أثناء السنة من الربح ولم يحج - ولو عصيانا - وجب خمس ذلك
المقدار من الربح ولم يستثن له، وإذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة،
وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراج
الخمس وجب الحج وإلا فلا، أما الربح المتمم للاستطاعة في سنة الحج فلا خمس
فيه. نعم، إذا لم يحج - ولو عصيانا - وجب إخراج خمسه.
(مسألة 143): إذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشترى في السنة الاولى
69

عرصة لبناء دار له، وفي الثانية خشبا وحديدا، وفي الثالثة آجرا مثلا وهكذا،
فهل يكون ما اشتراه في السنين السابقة من المؤن المستثناة من الخمس أو لا؟
والجواب: أن مكانة الشخص وشأنه لدى الناس إذا اقتضت أن تكون له
دار يسكن فيها، على أساس أن سكناه في دار وقف أو إجارة لا يليق بمكانته
ومقامه، وفي نفس الوقت هو لا يتمكن من بناء دار إلا بهذه الطريقة التدريجية،
فهو من مؤنته ولا خمس فيه، وأما إذا لم تقتض مكانته ذلك فلا يكون ما اشتراه
في السنين السابقة من المؤن له المستثناة من الخمس بل عليه إخراج خمسه.
(مسألة 144): إذا آجر نفسه سنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة
الإجارة من أرباح تلك السنة، وما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية من أرباح
تلك السنين، بمعنى أن الأجرة الواقعة بإزاء العمل في كل سنة من أرباح تلك
السنة، وأما إذا باع ثمرة بستانه سنين كان كل الثمن من أرباح سنة البيع، باستثناء
ما يجبر به النقص الوارد على مالية البستان، من جهة كونه مسلوب المنفعة في
المدة الباقية بعد انتهاء السنة، مثلا: إذا كان له بستان يساوي عشرة آلاف دينار،
فباع ثمرته عشرة سنين بأربعة آلاف دينار، وصرف منها في مؤنته ألف دينار،
فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثة آلاف دينار، لم يجب الخمس في تمام الثلاثة،
بل لابد من استثناء مقدار يجبر به النقص الوارد على مالية البستان، من جهة
كونه مسلوب المنفعة تسع سنين، فإذا فرضنا أنه لا يساوي كذلك بأزيد من ثمانية
آلاف دينار، لم يجب الخمس إلا في ألف دينار فقط، وبذلك يظهر الحال فيما إذا
أجر داره - مثلا - سنين متعددة.
(مسألة 145): إذا دفع من السهمين أو أحدهما، ثم بعد تمام الحول حسب
موجوداته ليخرج خمسها، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة، فعليه أن
70

يضم المدفوع إلى الأرباح الموجودة وحسب المجموع وأخرج خمسه، مثال
ذلك: إذا دفع خمسا من فائدة أثناء السنة ألف دينار مثلا، ثم بعد نهاية السنة
يحسب الفائدة، فإذا بقت منها تسعة آلاف دينار، فوظيفته أن يضم ما دفعه
خمسا في أثناء السنة وهو الألف إلى الفائدة الباقية عنده بعد انتهائها وهي
تسعة آلاف دينار فيصير المجموع عشرة آلاف دينار، ويكون خمسها ألفين
وقد أدي الألف منهما وبقي ألف آخر، ولا يجوز أن يحسب خمس تسعة آلاف
دينار - وهو الألف وثمانمائة دينار - ويستثني منه ما دفعه - وهو الألف -
ويعطي الباقي وهو ثمانمائة.
(مسألة 146): الدين على نوعين:
أحدهما: أن لا يكون له ما بإزاء في الخارج.
ثانيهما: يكون له ما بإزاء فيه، كما إذا استدان مبلغا واشترى به قطعة أرض
أو دار أو غيرها، وهي موجودة عنده فعلا أو اشتراها في الذمة.
أما النوع الأول فيكون أدائه من المؤنة، ولا فرق فيه بين أن يكون الدين
في سنة الربح أو قبلها للمؤنة أم لغيرها، تمكن من أدائه قبل ذلك أم لا.
وكذلك لا فرق بين الدين العرفي والدين الشرعي كالخمس والزكاة
والنذور والكفارات وأروش الجنايات وقيم المتلفات وشروط المعاملات، فإنه
إن أداها من الفائدة في سنتها لم يجب الخمس فيها، وإلا وجب الخمس، وقد
تسأل: أن الدين إذا كان للمؤنة بعد ظهور الربح، فهل يستثنى من الفائدة في
نهاية السنة أو لا؟
والجواب: أن الاستثناء لا يخلو عن إشكال، والأحوط إخراج الخمس
71

منه.
وأما النوع الثاني فإن كان الدين مقارنا لظهور الفائدة أو متأخرا عنه،
وحينئذ فإن أداه من تلك الفائدة، انتقل خمسها إلى ما بإزائه من الأعيان
الخارجية وتصبح تلك الأعيان من فائدة السنة، فيجب خمسها بقيمتها الفعلية في
نهاية السنة، سواء زادت قيمتها أم نقصت، وإن كان متقدما على ظهورها لم يجز
أن يؤديه من تلك الفائدة المتأخرة إلا بعد إخراج خمسها، على أساس أن نفس
الأعيان المذكورة ليست من المؤنة لكي يعتبر أداء ثمنها ولو من الربح المتأخر
مؤنة، ولا أداء قيمتها من ربح هذه السنة.
(مسألة 147): إذا اتجر برأس ماله مرارا متعددة في السنة فخسر في بعض
تلك المعاملات في وقت، وربح في آخر، فإن كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له
يجبر الخسران بالربح على الأقوى، فإن تساوى الخسران والربح فلا خمس، وإن
زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، وإن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه
وصار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة. وأما إذا كان
الربح بعد الخسران فالأقوى عدم الجبر، وهل يجري الحكم المذكور فيما إذا وزع
رأس ماله على تجارات متعددة، كما إذا اشترى ببعضه حنطة، وببعضه سمنا،
فخسر في أحدهما وربح في الآخر أو لا؟
والجواب: أنه لا يجري على الأظهر أو لا أقل من الاحتياط في المسألة،
وكذلك الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال بتلف سماوي وإن كان بعد ظهور
الربح أو صرف منه في نفقاته ومؤنته، ومن ذلك ما إذا أنفق من ماله غير مال
التجارة في مؤنته وإن كان بعد حصول الربح، وكذلك حال أهل المواشي، فإنه إذا
باع بعضها لمؤنته، أو مات بعضها أو سرق، فلا يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل
72

له قبل ذلك على الأظهر، أو لا أقل من الاحتياط، وعليه فلا يجبر النقص الوارد
على الامهات بقيمة السخال المتولدة التي هي من فائدة السنة على الأقرب، وإن
كان النقص بعد تولدها.
(مسألة 148): إذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة والزراعة، فربح في
أحدهما وخسر في الآخر، ففي جبر الخسارة بالربح إشكال بل منع، والأقوى
عدم الجبر.
(مسألة 149): إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب، ولا من
مؤنته فلا يجبر.
(مسألة 150): إذا انهدمت دار سكناه، أو تلف بعض أمواله - مما هو من
مؤنته - كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج إليها ونحو ذلك، ففي الجبر من
الربح إشكال، والأظهر عدم الجبر. نعم، يجوز له تعمير داره وشراء مثل ما تلف
من المؤن أثناء سنة الربح، ويكون ذلك من التصرف في المؤنة المستثناة من
الخمس.
(مسألة 151): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما، فاستقاله
البائع فأقاله، لم يسقط الخمس بعد تعلقه وتنجزه. نعم، إذا كان من شأنه أن يقيله
- كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن - فلا خمس من جهة أنه لا
يصدق عليه الفائدة عرفا.
(مسألة 152): إذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف الخمس ورجع
عليه الحاكم، وكذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاء لدين أو هبة أو عوضا
لمعاملة، فإنه ضامن للخمس، ويرجع الحاكم عليه، ولا يجوز الرجوع على من
انتقل إليه المال إذا كان مؤمنا، وإذا كان ربحه حبا فبذره فصار زرعا، وجب
73

خمس الحب لا خمس الزرع، وإذا كان بيضا فصار دجاجا، وجب عليه خمس
البيض لا خمس الدجاج، وإذا كان ربحه أغصانا فغرسها فصارت شجرا، وجب
عليه خمس الشجر لا خمس الغصن، فالتحول إذا كان من قبيل التولد وجب
خمس الأول، على أساس أن ما هو موجود فعلا لم يكن متعلقا للخمس، وما كان
متعلقا للخمس - وهو الموجود الأول - قد تلف، فضمن خمسه، وإذا كان من قبيل
النمو وجب خمس الثاني؛ باعتبار أن متعلق الخمس باق بعينه والاختلاف إنما هو
في الصفات.
(مسألة 153): إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر
مما وجب عليه، لم يجز له احتساب الزائد عوضا عما يجب عليه في السنة التالية.
نعم، يجوز له أن يرجع به على الفقير مع بقاء عينه وكذا مع تلفها إذا كان عالما
بالحال.
(مسألة 154): إذا جاء رأس الحول، وكان ناتج بعض الزرع حاصلا دون
بعض، فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته، ويخمس بعد إخراج المؤن، وما لم
تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة. نعم، إذا كان له أصل موجود له
قيمة اخرج خمسه في آخر السنة، والفرع يكون من أرباح السنة اللاحقة، مثلا في
رأس سنته كان بعض الزرع له سنبل، وبعضه قصيل لا سنبل له وجب عليه
إخراج خمس جميع الزرع مما له سنبل فعلا وما لا سنبل له، وإذا ظهر سنبله في
السنة الثانية كان من أرباحها، لا من أرباح السنة السابقة.
(مسألة 155): إذا كان الغوص وإخراج المعدن مكسبا كفاه إخراج خمسهما،
ولا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب.
(مسألة 156): المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس إذا عال بها الزوج،
74

وكذا إذا لم يعل بها الزوج وزادت فوائدها على مؤنتها، بل وكذا الحكم إذا لم
تكسب، وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره، فإنه يجب عليها في آخر السنة
إخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال. وبالجملة يجب على كل مكلف أن
يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها قليلا كان أم كثيرا،
ويخرج خمسه كاسبا كان أم غير كاسب.
(مسألة 157): الظاهر اشتراط البلوغ في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به
الخمس من أرباح المكاسب والكنز، والغوص، والمعدن والأرض التي يشتريها
الذمي من المسلم، فلا يجب الخمس في مال الصبي على الولي ولا عليه بعد البلوغ
غير الحلال المختلط بالحرام، فإنه يجب على الولي إخراج الخمس منه، وإن لم
يخرج فيجب عليه الإخراج بعد البلوغ، وأما العقل فاعتباره لا يخلو عن إشكال
ولا يبعد ثبوت الخمس في مال المجنون، وحينئذ فإن كان له ولي فهو يقوم
بإخراج خمس ماله، وإلا فالحاكم الشرعي.
(مسألة 158): إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤنة، فارتفعت
قيمته، كان اللازم إخراج خمسه عينا أو قيمة، فإن المال حينئذ بنفسه من
الأرباح، وأما إذا اشترى شيئا بعد انتهاء سنته ووجوب الخمس في ثمنه، فإن
كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضا عينا أو قيمة، وأما إذا كان
الشراء في الذمة - كما هو الغالب - وكان الوفاء به من الربح غير المخمس، فلا يجب
عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته ما لم
يبعه، وإذا علم أنه أدى الثمن من ربح لم يخمسه، ولكنه شك في أنه كان أثناء السنة
ليجب الخمس في ارتفاع القيمة أيضا، أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا
بمقدار الثمن فقط، فالأحوط - لو لم يكن أظهر - وجوب الخمس في ارتفاع القيمة
75

أيضا.
(مسألة 159): من لا يحاسب نفسه سنين متمادية، أما غفلة أو تماهلا
وتسامحا أو عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي، ثم انتبه إلى حاله أو بنى على أن
يحاسب نفسه في كل ما مضى من السنين السابقة فماذا يصنع؟ والجواب: أنه يقسم
أمواله إلى مجموعتين:
الاولى: الأموال التي تكون مؤنة له فعلا أو كانت مؤنة كالمسكن والملبس
والمركب والمأكل والمشرب وغيرها، أي: كل ما تتطلب حاجياته بحسب مكانته
وشأنه، ففي هذه المجموعة من الأموال إن علم بأنه اشتراها بالأرباح التي لم تمر
عليه سنة كاملة فلا خمس فيها ولا شيء عليه، وإن علم بأنه اشتراها بالأرباح
التي مرت عليها سنة، فعلية خمس أثمانها وقت الشراء، أو علم بأنه اشترى داره
مثلا في سنة لم يكن عنده ربح في هذه السنة، أو كان ولكنه لا يزيد على مصارفه
اليومية، ففي مثل ذلك يجب عليه خمس ثمن الدار في وقت الشراء، وإن علم
بالزيادة فيه ولكن علم أن الزيادة أقل من ثمن الدار، وجب عليه حينئذ إخراج
خمس مقدار التفاوت، مثلا إذا اشترى دارا لسكناه بعشرة آلاف دينار، وكان
يعلم بأن ربحه في سنة الشراء يزيد على مصارفه اليومية بمقدار أربعة آلاف دينار،
وجب إخراج خمس ستة آلاف دينار، وكذا إذا اشترى أثاثا للبيت وغيرها مما
تتطلب حاجياته اللائقة بحاله بخمسة آلاف دينار مثلا، وقد ربح من تجارته في
هذه السنة زائدا على مؤنته اليومية ألفي دينار، وجب إخراج خمس ثلاثة آلاف
دينار، وإذا علم أنه لم يربح في بعض السنين أصلا حتى بمقدار مصارفه اليومية
وأنه كان يصرف من أرباح السنين السابقة، وجب عليه إخراج خمس ثمن
مصارفه، وأما إذا لم يعلم بالحال أي: أنها جميعا مشتراة من أرباح السنة أو
جميعا مشتراة من أرباح السنين السابقة، فالأظهر عدم وجوب الخمس عليه
وإن كان الأولى والأجدر به أن يصالح الحاكم الشرعي بنصف الخمس، وإذا
76

علم بالحال بالنسبة إلى بعض هذه المجموعة دون بعضها الآخر، فإن ما علم
حاله ترتب عليه حكمه، وما لم يعلم حاله فالأحوط الأولى المصالحة مع
الحاكم الشرعي بدفع نصف الخمس وان كان الأقوى عدم وجوب شي عليه.
نعم، إذا علم إجمالا بأن بعض هذه المجموعة قد اشتراه بأرباح قد مرت عليها
سنة ولكنه لا يعلم مقداره وأنه نصف المجموعة أو أكثر أو أقل، وجب حينئذ
المصالحة مع الحاكم الشرعي بنصف الخمس.
الثانية: الأموال التي تكون زائدة على متطلبات حياته اليومية من النقود
والعقارات وغيرهما، وفي هذه المجموعة من الأموال يجب عليه خمس كل النقود
الموجودة عنده فعلا، وأما غيرها فإن كانت من أموال التجارة وهو يتجر بها
بلون من ألوانها، وجب عليه إخراج خمسها بقيمتها الفعلية، وإن لم تكن من
أموال التجارة، فإن علم أنه اشتراها بالأرباح التي مرت عليها السنة، وجب
عليه خمس أثمانها وقت الشراء فقط دون ارتفاع قيمتها وإن كان أولى وأحوط،
وإن لم يعلم بذلك - سواء أكان عالما بشرائها بأرباح السنة أم لا - وجب خمسها
بقيمتها الفعلية، كما أنه إذا كان يعلم بأن قسما من تلك الأموال من أرباح وفوائد
السنة الحالية، لم يجب عليه إخراج خمسه إلا في آخر السنة وإن كان إخراجه
أحوط وأجدر، ولا سيما إذا علم بأنه يبقى إلى نهاية السنة.
بقي هنا حالتان:
الاولى: أنه يعلم في طول هذه الفترة والسنين بصرف الأرباح والفوائد في
معاش نفسه وعائلته اللائقة بحاله من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وفي
صدقاته وزياراته وجوائزه وهداياه وضيافة ضيوفه وختان أولاده وتزويجهم
وغيرها، مما يتفق للإنسان في فترة حياته كالوفاء بالحقوق الواجبة عليه بنذر أو
كفارة أو أرش جناية أو أداء دين وما شاكل ذلك، وفي هذه الحالة فمرة كان يعلم
بأنه في كل سنة من هذه السنين قد صرف في حاجياته تلك من الأرباح التي لم تمر
77

عليها سنة، وأخرى يعلم بأنه في كل سنة من تلك السنين قد صرف فيها من
الأرباح التي مرت عليها سنة، وثالثة لا يعلم بالحال، وعلى الأول فلا شيء عليه،
وعلى الثاني ضمن خمس قيمة تلك الأرباح في وقت الصرف، وعلى الثالث
فالظاهر أنه لا شيء عليه وإن كان الأولى والأجدر به المصالحة مع الحاكم
الشرعي بنصف الخمس، ومن هنا يظهر حكم ما إذا علم بالحال في بعض السنين
دون بعضها الآخر أو في بعض تلك الأشياء دون بعضها كما مر.
الثانية: أنه قد كان يعلم بوجود خسارة في تجارته أو صناعته في بعض
تلك السنوات، وحينئذ فإن علم مقدار الخسارة أو التلف تفصيلا في تلك الأموال
ضمن خمسه، وإن علم مقدارها إجمالا ضمن خمس المقدار المتيقن منه دون
الزائد، وإن لم يعلم بالخسارة أو التلف منها أو علم بعدمها فلا شيء عليه.
(مسألة 160): قد عرفت أن رأس السنة أول ظهور الربح، لكن إذا أراد
المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة واستئناف
رأس سنة جديدة، كما يجوز تبديل رأس سنة من شهر إلى شهر آخر للأرباح
الآتية، ويجوز جعل السنة عربية ورومية وفارسية وغيرها.
(مسألة 161): يجب على المكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد مما
أدخره في بيته من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والحمص والعدس
والفاصوليا والسكر والشاي والنفط والغاز والسمن والفحم وغيرها من أمتعة
البيت ومتطلباته. وإذا كان عليه دين استدانه لمؤنة هذه السنة ومساويا لما زاد
من تلك الأعيان، أو كان أكثر منه أو أقل، فهل يسقط عنه الخمس إذا كان بقدر
الدين أو أقل، أو خمس ما به التفاوت إذا كان أكثر من الدين؟
والجواب: أن المشهور هو السقوط، على أساس أن الدين إذا كان للمؤنة
ولم يف به خلال السنة استثنى مقداره عن الخمس في آخر السنة، ولكنه لا يخلو
عن إشكال، والأحوط والأجدر وجوب إخراج الخمس من الزائد وعدم
78

استثنائه عنه، وإذا بقيت من تلك الأعيان الزائدة إلى السنة الآتية فأدى الدين
المذكور في أثناء تلك السنة من أرباحها، فهل تصبح الأعيان المذكورة من أرباح
وفوائد السنة الثانية، فلا يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مؤنة تلك السنة
أو لا؟
والجواب: أنها لا تصبح أرباحا لها عوضا عن أرباحها التي أدى الدين
المذكور بها، على أساس انها ليست بديلا عن تلك الأرباح حتى تقوم مقامها، بل
الواجب عليه حينئذ في المسألة إخراج خمس الأرباح أولا ثم أداء الدين بها؛
باعتبار أن أداء الدين إنما هو من المؤنة إذا لم يكن ما بإزائه موجودا، وأما إذا كان
له ما بإزاء في الخارج وأمكن أدائه به فلا يكون أدائه من أرباح السنة الاخرى
من المؤنة، وإذا أراد أدائه بها فعليه أولا تخميسها ثم الأداء.
(مسألة 162): إذا اشترى أعيانا لغير المؤنة كدار للإيجار مثلا أو بستان أو
أرض بأرباح أثناء السنة أو بما وصل إليه بهبة أو جائزة، وكان عليه دين للمؤنة
يساويها في القيمة، وكان الدين بعد ظهور الربح فهنا صورتان:
الاولى: أن الأعيان المذكورة إذا بقيت عنده إلى آخر السنة، فهل يجب
عليه خمس تلك الأعيان على الرغم من أنه مديون للمؤنة بما يعادلها أو لا؟
والجواب: أن المشهور عدم وجوب الخمس فيها وأنها مستثناة منه، على
أساس أنها بديل الدين للمؤنة ولكنه مشكل، والأحوط - وجوبا - إخراج
الخمس منها.
الثانية: أن المكلف إذا أدى الدين المذكور في السنة الثانية من أرباحها،
فهل يجب عليه أولا خمس الربح ثم أداء الدين به أو لا؟
والجواب: نعم، يجب عليه ذلك على أساس أن أداء الدين السابق إنما هو
من المؤنة إذا لم يكن له ما بإزاء في الخارج، وأما إذا كان ما بإزاء فيه ويكفي للوفاء
به، ومع ذلك إذا أراد المكلف أن يؤديه من أرباح السنة الاخرى، لم يكن ذلك
79

الأداء من المؤنة، وعليه أن يخمس تلك الأرباح أولا ثم يؤدي الدين بها، والمقام
كذلك؛ إذ كان بإمكانه أن يؤدي الدين المذكور من نفس تلك الأعيان المشتراة
الموجودة عنده فعلا وكفايتها به، ومع هذا إذا أراد أن يؤديه من أرباح السنة
الاخرى، فعليه تخميسها أولا ثم الأداء.
ودعوى: أنه إذا أدى الدين في السنة الثانية بأرباحها أصبحت الأعيان
المذكورة من أرباح هذه السنة وفوائدها، غاية الأمر إن وفى تمام الدين المساوي
لقيمة هذه الأعيان صار تمام الأعيان من فوائد السنة وإن وفى لنصف الدين كان
نصف الأعيان من أرباح تلك السنة، وإن وفى ربعه كان ربعها من أرباحها وهكذا،
وعلى هذا فيعامل مع تلك الأعيان معاملة أرباح السنة وفوائدها، فإن بقيت إلى
آخر السنة ولم تصرف في المؤنة وجب إخراج خمسها وإلا فلا شيء عليه.
مدفوعة: بأن تلك الأعيان من أرباح السنة الماضية، وعلى هذا فإن لم يكن
المكلف مديونا للمؤنة وجب عليه تخميسها في آخر السنة، وإن كان مديونا
للمؤنة بما يساوي قيمة تلك الأعيان وماليتها فلا خمس فيها على المشهور، على
أساس أن الدين إذا كان للمؤنة وكان بعد ظهور الربح، استثنى من الأرباح في
نهاية السنة عن الخمس، وبما أن هذه الأعيان في المسألة تقدر بقدر الدين المذكور
فتكون مستثناة عنه، ولكن مر أنه لا يخلو عن إشكال، والأحوط - وجوبا - عدم
الاستثناء، وبكلمة: أن تلك الأعيان تكون من أرباح السنة الاولى، وهي في تلك
السنة إما مستثناة من الخمس بملاك المؤنية، أو أن خمسها مبني على الاحتياط.
وعلى كلا التقديرين لا يعقل صيرورتها من أرباح السنة الآتية بأداء الدين منها،
على أساس أنها إنما تصير من أرباحها إذا كانت مشتراة في هذه السنة بالذمة بعد
ظهور الربح ثم يؤدي ثمنها من أرباحها، فإنها حينئذ أصبحت من فوائدها لا مثل
الأعيان المذكورة التي هي مشتراة في السنة الاولى، وعلى هذا فبما أن أداء هذا
الدين ليس من مؤنة السنة الثانية، على أساس أن له ما بإزاء في الخارج، فيجب
80

تخميس الربح أولا ثم الأداء. نعم، إذا تلفت تلك الأموال بتلف سماوي لا ضماني،
فعندئذ لا خمس فيما يؤديه لوفاء الدين من الأرباح، على أساس أنه ليس للدين
وقتئذ ما بإزاء في الخارج أمكن الوفاء به، وعليه فيكون أدائه من المؤنة فلا
خمس فيه. أجل، إذا كانت العين المشتراة في الذمة من المؤن، كما إذا اشترى دارا
كذلك للسكنى فسكنها، ثم وفى في السنة الثانية أو الثالثة ثمنها، لم يجب عليه خمس
الدار ولا ثمنها باعتبار أنها من المؤنة.
(مسألة 163): يجب على كل من يدفع خمس ماله في السنة الاولى من ربح
السنة الثانية أن يدفع إما الربع بدل الخمس، بأن يدفع عن كل مائة خمسة
وعشرين، وعن كل ألف مائتين وخمسين وهكذا، أو يدفع خمس الأرباح
والفوائد أولا، ثم خمس الأرباح السابقة، على أساس أن دفع خمس تلك الأرباح
من أرباح السنة الثانية ليس من مؤنة تلك السنة ما دامت تلك الأرباح
موجودة، لكي يكون مستثنى من الخمس. نعم، لو تلفت بحادثة سماوية أو
أرضية، فحينئذ يكون أداء خمسها من الأرباح اللاحقة من المؤنة ومستثنى من
الخمس.
(مسألة 164): إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية - مثلا - في وجه
من وجوه البر، وجب عليه الوفاء بنذره، فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها
قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه، وإن لم يصرفه حتى انتهت السنة
وجب عليه إخراج خمسه، كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه
بعد إكمال مؤنته.
(مسألة 165): إذا كان رأس ماله مائة دينار مثلا فاستأجر دكانا بعشرة
دنانير، واشترى آلات للدكان بعشرة، وفي آخر السنة وجد ماله بلغ مائة دينار،
كان عليه خمس الآلات فقط، ولا يجب إخراج خمس اجرة الدكان؛ لأنها من
مؤنة التجارة، وكذا اجرة الحارس، والحمال والضرائب التي يدفعها إلى الدولة
81

والسرقفلية، فإن هذه المؤن مستثناة من الربح، والخمس إنما يجب فيما زاد عليها
كما عرفت. نعم، إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقا
في أخذها من غيره، وجب تقديم ذلك الحق في آخر السنة، وإخراج خمسه، فربما
تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية وربما تنقص وربما تساوي.
(مسألة 166): إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح، ثم دفعه تدريجا
من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن، بل يجب فيه الخمس، وكذا لو
صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة، فإن وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من
المؤن، بل يجب فيه الخمس إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين
موجودة، وإذا كان عوضا عن خمس عين أو أعيان تالفة، فوفاؤه يحسب من
المؤن، ولا خمس فيه كما مر.
(مسألة 167): إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها دينا في
ذمة الناس، فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه، وإن لم يمكن تخير بين أن
ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه أخرج خمسه وكان من أرباح
السنة السابقة، لا من أرباح سنة الاستيفاء، وبين أن يقدر مالية الديون فعلا
فيدفع خمسها بإذن الحاكم الشرعي، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد
على ما قدر قيمة للدين من أرباح سنة الاستيفاء.
(مسألة 168): يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله وإن جاز تأخير الدفع
إلى آخر السنة - احتياطا - للمؤنة، فإذا أتلفه ضمن الخمس، وكذا إذا أسرف في
صرفه أو وهبه أو اشترى أو باع على نحو المحاباة، إذا كانت الهبة أو الشراء أو
البيع غير لائقة بشأنه، وإذا علم أنه ليس عليه مؤنة في باقي السنة، فالأحوط أن
يبادر إلى دفع الخمس، ولا يؤخره إلى نهاية السنة.
(مسألة 169): إذا مات المكتسب أثناء السنة - بعد حصول الربح -
فالمستثنى هو المؤنة إلى حين الموت، لا تمام السنة.
82

(مسألة 170): إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه من الأموال،
فهل يجب على الوارث أن يؤدي خمسه أو لا؟
والجواب: الأقرب أنه لا يجب وإن كان أولى وأجدر، وإذا علم أنه أتلف
مالا له قد تعلق به الخمس واشتغلت ذمته به، وجب إخراجه من أصل تركته،
كغيره من الديون.
(مسألة 171): إذا اعتقد بوجود ربح في تجارته أو كسبه ودفع الخمس
منه ثم تبين عدمه، انكشف أنه لا خمس في ماله، وحينئذ فله أن يرجع به على
المعطى له مع بقاء عينه، وكذا مع تلفها إذا كان عالما بالحال، وأما إذا ربح في
أول السنة، فدفع الخمس منه باعتقاد عدم حصول مؤنة زائدة، فتبين عدم
كفاية الربح لتجدد مؤنة لم تكن محتسبة، لم يجز له الرجوع إلى المعطى له، حتى
مع بقاء عينه فضلا عما إذا تلفت.
(مسألة 172): الخمس بجميع أقسامه وإن كان متعلقا بالعين بنحو
المشاع، إلا أن المالك مخير بين دفع الخمس من نفس العين ودفعه بقيمته من
النقدين، ولا يجوز له الدفع من غيرهما إلا بإذن الحاكم الشرعي، ولا يجوز له
التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه، بل الأظهر عدم التصرف في
بعضها أيضا وإن كان مقدار الخمس باقيا في البقية، وإذا ضمنه في ذمته بإذن
الحاكم الشرعي صح، ويسقط الحق من العين، فيجوز التصرف فيها.
(مسألة 173): لا بأس بالشركة مع من لا يخمس، أما لاعتقاده بعدم
وجوب الخمس في الشرع تقصيرا أو قصورا أو لعصيانه وعدم مبالاته بأمر
الدين، ولا يلحقه وزر من قبل شريكه، على أساس أنه مكلف بإخراج الخمس
من حصته في الربح، ولا يكون مكلف بإخراجه من حصة شريكه فيه، فإذا
أخرجه من حصته كفى ولا شيء عليه، وبكلمة: أن رأس المال بينهما وإن كان
مختلطا من المال المخمس وغيره، إلا أنه لا مانع من تصرفه فيه إذا كان ممن شمله
83

أخبار التحليل كما هو المفروض. نعم، لا يجوز تصرف شريكه فيه باعتبار أنه
تارك للخمس عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي، كما أن له أن يحسب خمس
حصته من الفائدة قبل تقسيمها، شريطة أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي،
فإذا صنع ذلك كانت حصته مخمسة وله حينئذ إفرازها بالتقسيم.
(مسألة 174): يحرم الإتجار بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس،
لكنه إذا اتجر بها عصيانا أو لغير ذلك، فالظاهر صحة المعاملة إذا كان طرفها
مؤمنا وينتقل الخمس إلى البدل، كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة، وينتقل
الخمس إلى ذمة الواهب، وعلى الجملة: كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس
أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجانا يملكه فيجوز له التصرف فيه،
وقد أحل الأئمة - سلام الله عليهم - ذلك لشيعتهم تفضلا منهم عليهم، وكذلك
يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء، فيما إذا أباحوها لهم من دون تمليك،
ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس إذا كان مقصرا.
المبحث الثاني
مستحق الخمس ومصرفه
(مسألة 175): يقسم الخمس في زماننا - زمان الغيبة - نصفين: نصف لإمام
العصر الحجة المنتظر - عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعل أرواحنا فداه - وقد
تسأل: هل أنه ملك لشخص الإمام (عليه السلام) أو لمنصبه (عليه السلام) وهو الإمامة والزعامة؟
والجواب: أنه ملك للمنصب، فمن أجل ذلك يكون أمره بيد الفقيه الجامع
للشرائط في زمن الغيبة، ونصف لبني هاشم: أيتامهم، ومساكينهم، وأبناء
سبيلهم، ويشترط في هذه الأصناف جميعا الإيمان، كما يعتبر الفقر في الأيتام،
ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولو كان غنيا في بلده، إذا لم يتمكن من
84

السفر بقرض ونحوه على ما عرفت في الزكاة. والأحوط - وجوبا - اعتبار أن لا
يكون سفره معصية، ولا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده، والأظهر عدم
اعتبار العدالة في جميعهم.
(مسألة 176): الأقوى أن لا يعطي الفقير أكثر من مؤنة سنته ولو مرة
واحدة، ويجوز البسط والاقتصار على إعطاء صنف واحد، بل يجوز الاقتصار
على إعطاء واحد من صنف واحد.
(مسألة 177): المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب، أما إذا كان بالأم
فلا يحل له الخمس وتحل له الزكاة، ولا فرق في الهاشمي بين العلوي والعقيلي
والعباسي وإن كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي.
(مسألة 178): لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة، ويكفي في الثبوت
الشياع والاشتهار في بلده، كما يكفي كل ما يوجب الوثوق والاطمئنان به.
(مسألة 179): لا يجوز على الأظهر إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على
المعطي. نعم، إذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي جاز ذلك.
(مسألة 180): قد تسأل: أن المالك هل يستقل في التصرف في سهم السادة
وإيصاله إلى مستحقيه أو أن أمره بيد الفقيه الجامع للشرائط؟ والجواب: لا يبعد
أن يكون أمره بيده كسهم الإمام (عليه السلام) أو لا أقل أنه الأحوط.
(مسألة 181): النصف الراجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة
والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه، وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه،
إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه، ومصرفه ما يوثق برضاه (عليه السلام) بصرفه فيه، كدفع
ضرورات المؤمنين من السادات زادهم الله تعالى شرفا وغيرهم، والمصالح العامة
للدين والمذهب واللازم مراعاة الأهم فالأهم، ومن أهم مصارفه في هذا الزمان
الذي قل فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه، وترويج
الشرع المقدس، ونشر قواعده وأحكامه ومؤنة أهل العلم الذين يصرفون
85

أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين، وإرشاد
الضالين، ونصح المؤمنين ووعظهم، وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك مما يرجع إلى
إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلو درجاتهم عند ربهم تعالى شأنه وتقدست
أسماؤه، والأظهر مراجعة المرجع الأعلم في ذلك.
(مسألة 182): يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود
المستحق، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلا وتسامحا في أداء الخمس، ولكن
ذلك لابد أن يكون بإذن الفقيه الجامع للشرائط، أما سهم الإمام (عليه السلام) فعلى
أساس أن أمره في زمن الغيبة يرجع إليه وهو يتصرف فيه حسب ما يراه، ولا
يجوز لأي واحد التصرف فيه من دون إذنه وإجازته، فالمالك وإن كانت له
الولاية على عزل الخمس وإفرازه إلا أن إيصاله إلى الفقيه إذا توقف على النقل،
فلابد أن يكون ذلك بإذنه، فلو نقل من دون الإذن منه وتلف في الطريق ضمن،
ولا يبعد أن يكون الأمر في سهم السادة أيضا كذلك. نعم، إذا كان للفقيه وكيل في
البلد جاز دفعه اليه، وكذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه،
ثم ينقله إليه، فإنه لو تلف فلا ضمان عليه.
(مسألة 183): إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك، فاللازم
عدم التساهل والتسامح في أداء الخمس منه، وأما حكم نقله من بلده إلى بلد
الفقيه فيظهر مما مر.
(مسألة 184): الأظهر أن للمالك عزل الخمس وإفرازه عن ماله وتعيينه في
مال مخصوص، فإذا عزل تعين ولكن نقله إلى بلد الفقيه أو المستحق لابد أن
يكون بالإذن كما مر. نعم، إذا قبضه وكالة عن الحاكم الشرعي فرغت ذمته، ولو
نقله بإذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن.
(مسألة 185): إذا كان له دين في ذمة المستحق وأراد احتسابه من الخمس،
فلابد أن يكون ذلك بإذن ولي الخمس وإلا لم يجز.
86

(مسألة 186): يتعين على المالك إخراج خمس ماله من نفس العين أو من
أحد النقدين، أما إذا أراد أن يخرجه من مال آخر فلا يجزي إلا أن يكون بإذن
الحاكم الشرعي.
(مسألة 187): لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس أو الزكاة
ويرده على المالك هدية وهبة وهكذا، إلا إذا كانت هناك مصلحة عامة دينية
تتطلب ذلك.
مسائل
نذكر فيما يلي عدد من المسائل التطبيقية التي يكثر ابتلاء أهل الخمس بها:
الاولى: إذا آجر شخص داره أو محل تجارته سنين كعشرة سنوات مثلا
بأجرة تقدر بعشرين ألف دينار، كانت الأجرة تماما من فائدة سنة الإجارة،
شريطة استثناء مبلغا منها يساوي ما ورد من النقص على مالية الدار أو المحل من
جهة أنها أصبحت مسلوبة المنفعة في السنين الآتية وجبره به، وما بقي من الأجرة
بعد الجبر فهو من فائدة السنة، مثلا إذا قدر قيمة الدار بثلاثين ألف دينار وقدر
قيمتها مسلوبة المنفعة في تلك السنين بعشرين ألف دينار، وعلى هذا فيستثنى من
الأجرة - وهي عشرون ألف دينار - مقدار ما يجبر به النقص الوارد على مالية
الدار أو المحل في تلك المدة وهو عشرة آلاف دينار، فيبقى من الأجرة عشرة آلاف
وهي فائدة سنة الإجارة، فإن بقيت كلها أو بعضها إلى نهاية السنة وجب عليه
خمسها.
الثانية: الأشجار التي غرسها شخص فهي على قسمين:
أحدهما: أنه غرسها للمؤنة والآخر لغيرها، أما القسم الأول فله حالتان:
الاولى: أن تلك الأشجار لا تزيد عن مؤنته ومتطلبات حاجياته اللائقة
بحاله.
87

الثانية: أنها تزيد عنها.
أما في الحالة الاولى فإن كانت مكانته الاجتماعية تتطلب أن يكون له
مثل هذه الأشجار من البداية، وإن لم تبلغ إلى حد الاستفادة من أثمارها أو
غصونها فهي من المؤنة له، ولا يجب خمسها في تمام أدوارها من البداية إلى
النهاية، وإلا فيجب عليه خمس نموها في كل سنة إلى أن تبلغ حد الاستفادة،
وعندئذ فلا يجب خمس نموها؛ باعتبار أنها أصبحت مؤنة فعلا، وأما في الحالة
الثانية ففي الفرض الأول يجب خمس نموها في كل سنة بنسبة الزيادة لا مطلقا
إلى أن تبلغ حد الإنتاج والأثمار، فإذا أثمرت وجب خمس الزائد من ثمرها في
كل عام، وفي الفرض الثاني يجب خمس نموها في كل سنة إلى أن تصل حد
الإنتاج.
وأما القسم الثاني فله أيضا حالتان:
الاولى: أنه غرسها بغرض الإتجار بأعيانها وأغصانها وسائر منافعها
بالبيع والشراء والمداولة بها.
الثانية: أنه غرسها بغاية الانتفاع من أعيانها في تأسيس البنايات
والعمارات وغيرها، وفي كلتا الحالتين يجب عليه خمس نموها في كل عام، وكذلك
زيادة قيمتها في الحالة الاولى، وأما في الحالة الثانية فالأقرب عدم وجوب خمس
زيادة قيمتها السوقية وإن كان الاحتياط في محله.
الثالثة: إذا نمت الأشجار وكبرت ولكن قيمتها السوقية نقصت لسبب أو
آخر، فهل يجب في هذه الحالة خمس نموها أو يجبر به ما ورد عليها من النقص في
قيمتها؟
والجواب: الأقرب وجوب خمس النمو وعدم جبر النقص به.
الرابعة: إذا ملك شخص الأرض الزراعية فله حالات:
1 - أنها وصلت إليه بالإرث.
88

2 - أنه قام بإحيائها وتوفير شروط الانتفاع بها والاستفادة منها.
3 - أنه اشتراها من أجل هذه الغاية، أما في الحالة الاولى فلا يجب عليه
خمسها، وأما في الحالة الثانية فإن كانت الأرض التي قام بإحيائها من متطلبات
مكانته عند الناس وشأنه لإشباع حاجاته وتأمين مؤنته اللائقة بمقامه فلا
خمس فيها، وإلا فعليه أن يخمسها كلا أو بعضا، وأما في الحالة الثالثة فالحكم
فيها كالحكم في الحالة الثانية. نعم، إن كان ثمنها متعلقا للخمس وجب إخراج
خمسه أيضا.
الخامسة: يجوز إعطاء المالك خمس ما أفاده في السنة الماضية من ربح
السنة الثانية شريطة توفر أمرين:
الاولى أن يخمس الربح اللاحق أولا ثم يدفعه عوضا عن خمس الربح
السابق، وأن يكون ذلك بإذن ولي الخمس، والآخر أن يدفع منه الربع، فإذا دفع
الربع منه كفى عن كلا الخمسين.
السادسة: إذا اشترى أعيانا في الذمة لغير المؤنة كالبستان أو الدار أو
الأرض أو السيارة أو غيرها، فإن كانت عنده فائدة من تجارته أو مهنته في وقت
الشراء وأدى ثمنها من تلك الفائدة، أصبحت نفس هذه الأعيان فائدة السنة،
فيجب عليه أن يدفع خمسها بقيمتها الفعلية في آخر السنة، وإن لم تكن عنده
فائدة في ذلك الوقت، وإنما تحققت بعد ذلك في زمن متأخر، لم يجز أن يؤدي ثمن
تلك الأعيان من هذه الفائدة المتأخرة إلا بعد إخراج خمسها؛ باعتبار أن أداء ثمنها
لا يعتبر من مؤنة هذه السنة ما دامت الأعيان موجودة وقائمة.
السابعة: إذا ملك شخص المواشي والأنعام بالشراء أو الهبة فله حالات:
1 - أن مكانته الاجتماعية تتطلب أن يكون مالكا لعدد من المواشي
لإشباع حاجياته المناسبة لمقامه، وفي هذ الحالة لا يجب عليه إخراج الخمس
منها. نعم، إذا كانت أزيد وجب خمس الزائد.
89

2 - أنه جمع المواشي شراء أو هبة بغاية الانتفاع بها في المستقبل، من دون
أن تتطلب مكانته الاجتماعية ذلك، وفي هذه الحالة يجب عليه إخراج خمس
الجميع في آخر السنة.
3 - أن غرضه بذلك الإتجار بها بالبيع والشراء والتصدير والإستيراد، وفي
هذه الحالة إذا كانت مكانته الاجتماعية تتطلب أن يكون لديه عدد من المواشي
والأنعام يقوم بالعمل فيه كتاجر، على أساس أن قيامه بالعمل فيه كعامل نقصا
ومهانة له، كان ذلك العدد مؤنة له فلا خمس فيه، وإلا وجب الخمس في الجميع
بدون استثناء.
الثامنة: إذا نذر أو عاهد على أن يصرف ثلث فوائده السنوية في وجوه
البر والإحسان، وجب عليه الوفاء به، فإن صرف في تلك الجهة قبل نهاية السنة
فلا موضوع للخمس، وإن لم يصرف فيها إلى أن انتهت السنة وجب عليه خمسه.
التاسعة: قد تسأل: هل تعتبر نية القربة في دفع الخمس إلى أهله؟
والجواب: أن المعروف والمشهور بين الأصحاب هو الاعتبار، ولكنه لا
يخلو عن إشكال، والأحوط - وجوبا - أن لا يترك نية القربة.
90

كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر
من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله
تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر وأولئك هم المفلحون).
فالآية تدل على لزوم وجود طائفة بين الامة في كل عصر تتحمل
مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبكلمة: تتحمل مسؤولية الجهاد
العقائدي والفكري في سبيل الله عن طريق التفقه بالدين وحمله إلى الأقطار
الإسلامية، وهذه الطائفة متمثلة في علماء الامة، فإنهم يتحملون هذه المسؤولية
ويقومون بنشر الأفكار الإسلامية وأحكامها بين الطائفة والامة عن طريق نشر
الكتب والكراسات، وإرسال المبعوثين إلى الأقطار والبلدان الإسلامية، وغير
ذلك من الطرق الممكنة المتاحة لهم، كما أن على الطائفة والمؤمنين القبول منهم
والتعاون في ذلك، وأن لا يظلوا متفرجين وغير مبالين، هذا من ناحية، ومن
ناحية اخرى أن المراد من الآية الشريفة ظاهرا مطلق تبليغ الأحكام ونشرها
91

بشكل عام الشامل لإرشاد الجاهل أيضا.
ومن ناحية ثالثة أن وظيفة الامة عامة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والفساد والظلم لكي تتاح الفرصة لإيجاد الأمن والعدالة في ساحة الامة
وينص عليه قوله (صلى الله عليه وآله): " كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم
تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر فقيل له (صلى الله عليه وآله): ويكون ذلك يا رسول الله
قال (صلى الله عليه وآله): نعم. فقال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف فقيل
له (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، ويكون ذلك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم وشر من ذلك كيف بكم
إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ".
وما ورد عنه (عليه السلام): " أن بالأمر بالمعروف تقام الفرائض وتأمن المذاهب،
وتحل المكاسب، وتمنع المظالم، وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا
يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا
لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم
ناصر في الأرض ولا في السماء ".
(مسألة 188): يجب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر وجوبا
كفائيا، وإن قام به واحد سقط عن غيره، وإذا لم يقم به واحد أثم الجميع واستحقوا
العقاب.
(مسألة 189): إذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا، فإذا أمر به
كان مستحقا للثواب، وإن لم يأمر به لم يكن عليه إثم ولا عقاب.
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر امور:
الأول: أن يكون الشخص عالما بالمعروف والمنكر في الشريعة المقدسة،
92

وأما إذا كان جاهلا بذلك، فلا موضوع لوجوبهما عليه.
الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر وتأثيره فيه، وانتهاء المنهي
عن المنكر بالنهي وقبوله، فإذا لم يحتمل ذلك، وعلم أن الشخص الفاعل لا يبالي
بالأمر أو النهي ولا يكترث بهما لم يجب عليه شيء.
الثالث: أن يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف، وارتكاب المنكر
فإذا كانت هناك أمارة على الإقلاع وترك الإصرار لم يجب شيء، بل لا يبعد
عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن ترك واجبا، أو فعل حراما ولم يعلم أنه
مصر على ترك الواجب، أو فعل الحرام ثانيا، أو أنه منصرف عن ذلك أو نادم
عليه لم يجب عليه شيء. هذا بالنسبة إلى من ترك المعروف، أو ارتكب المنكر
خارجا، وأما من يريد ترك المعروف، أو ارتكاب المنكر، فيجب أمره
بالمعروف ونهيه عن المنكر وإن لم يكن قاصدا إلا المخالفة مرة واحدة.
الرابع: أن يكون المعروف والمنكر منجزا في حق الفاعل، فإن كان معذورا
في فعله المنكر أو تركه المعروف؛ لاعتقاده أن ما فعله مباح وليس بحرام أو أن ما
تركه ليس بواجب، وكان معذورا في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم
اجتهادا أو تقليدا لم يجب شيء. نعم، قد يجب من باب الإرشاد كما إذا كان
المعروف أو المنكر مما قد اهتم الشارع به.
الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر في
النفس أو في العرض أو في المال، على الآمر أو على غيره من المسلمين، فإذا لزم
الضرر عليه، أو على غيره من المسلمين لم يجب شيء، والظاهر أنه لا فرق بين
العلم بلزوم الضرر والظن به والاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق
الخوف. هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الأمر أو النهي، وأما إذا أحرز ذلك فلابد من
93

رعاية الأهمية، فقد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب
الضرر أيضا، فضلا عن الظن به أو احتماله.
(مسألة 190): الظاهر أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا
يختص بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على
العلماء وغيرهم، والعدول والفساق والسلطان والرعية والأغنياء والفقراء، وقد
تقدم أنه إن قام به واحد سقط الوجوب عن غيره، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع
واستحقوا العقاب.
المشهور أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:
الاولى: الإنكار بالقلب، بمعنى: إظهار كراهة المنكر، أو ترك المعروف، إما
بإظهار الإنزعاج من الفاعل، أو الإعراض والصد عنه، أو ترك الكلام معه، أو
نحو ذلك من فعل أو ترك يدل على كراهة ما وقع منه.
الثانية: الإنكار باللسان والقول بأن يعظه وينصحه ويذكر له ما أعد الله
سبحانه للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعده الله
تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنات النعيم.
الثالثة: الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، ولكل واحدة من
هذه المراتب مراتب أخف وأشد، والمشهور الترتب بين هذه المراتب، فإن كان
إظهار الإنكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه، وإلا أنكر باللسان، فان لم يكف
ذلك أنكر بيده، ولكن الظاهر أن القسمين الأولين في مرتبة واحدة فيختار الآمر
أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما، وقد يلزمه الجمع بينهما، وأما القسم الثالث فهو
مترتب على عدم تأثير الأولين، والأحوط - لزوما - في هذا القسم الترتيب بين
مراتبه، فلا ينتقل إلى الأشد، إلا إذا لم يكف الأخف.
94

(مسألة 191): إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز
الانتقال إلى الجرح والقتل وجهان، بل قولان أقواهما العدم، وكذا إذا توقف على
كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما أو إعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو
نحوهما، فإن الأقوى عدم جواز ذلك، وإذا أدى الضرب إلى ذلك خطأ أو عمدا
فالأقوى ضمان الأمر والناهي لذلك، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية إن كان
عمدا والخطأ إن كان خطأ. نعم، يجوز للإمام ونائبه ذلك إذا كان يترتب على
معصية الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله، وحينئذ لا ضمان عليه.
(مسألة 192): يتأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق
المكلف بالنسبة إلى أهله، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات،
كالصلاة وأجزائها وشرائطها - بأن لا يأتوا بها على وجهها لعدم صحة القراءة
والأذكار الواجبة، أو لا يتوضؤا وضوء صحيحا أو لا يطهروا أبدانهم ولباسهم
من النجاسة على الوجه الصحيح - أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدم، حتى
يأتوا بها على وجهها، وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذا إذا رأى منهم التهاون
في المحرمات كالغيبة والنميمة والعدوان من بعضهم على بعض أو على غيرهم أو
غير ذلك من المحرمات، فإنه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية.
(مسألة 193): إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق، وعلم أنه
غير مصر عليها لكنه لم يتب منها، وجب أمره بالتوبة فإنها من الواجب، وتركها
كبيرة موبقة. هذا مع التفات الفاعل إليها، أما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها
إشكال، والأحوط - استحبابا - ذلك.
95

فائدة
قال بعض الأكابر قدس سره: (إن من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدها، خصوصا بالنسبة إلى رؤساء الدين أن
يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه،
ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإن ذلك منه
سبب تام لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر، خصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ
الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكل مقام مقالا، ولكل داء دواء، وطب النفوس
والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
خاتمة
وفيها مطلبان
الأول: في ذكر امور هي من المعروف:
منها: الإعتصام بالله تعالى حيث قال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي
إلى صراط مستقيم).
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " أوحى الله عز وجل إلى داود: ما اعتصم بي عبد
من عبادي دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات
والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له المخرج من بينهن ".
ومنها: التوكل على الله سبحانه الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه
والقادر على قضاء حوائجهم. وإذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل؟ أعلى
96

نفسه أم على غيره مع عجزه وجهله؟!
قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " الغنى والعز يجولان، فإذا ظفر بموضع من التوكل
أوطنا ".
ومنها: حسن الظن بالله تعالى، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما قال:
" والذي لا اله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن
عبده المؤمن؛ لأن الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن
به الظن، ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه ".
ومنها: الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله، قال الله تعالى: (إنما
يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: " فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره
خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر
يسرا، إن مع العسر يسرا ".
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان ".
وقال (عليه السلام): " الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من
ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك ".
ومنها: العفة، قال أبو جعفر (عليه السلام): " ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن
وفرج ".
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد
97

جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت اولئك فاولئك
شيعة جعفر ".
ومنها: الحلم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما أعز الله بجهل قط، ولا أذل بحلم
قط ".
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره
على الجاهل ".
وقال الرضا (عليه السلام): " لا يكون الرجل عابدا حتى يكون حليما ".
ومنها: التواضع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر
خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر
الموت أحبه الله تعالى ".
ومنها: إنصاف الناس ولو من النفس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سيد الأعمال
إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال ".
ومنها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن
عيوب المؤمنين ".
وقال (صلى الله عليه وآله): " إن أسرع الخير ثوابا البر، وإن أسرع الشر عقابا البغي، وكفى
بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وأن يعير الناس بما لا
يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه ".
ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " من
أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه، ومن
98

أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ".
ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من زهد في
الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وانطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها
ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام ".
وقال رجل: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني
بشيء حتى آخذ به. فقال (عليه السلام): " أوصيك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وإياك
أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): (ولا تمدن
عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وقال تعالى: (فلا
تعجبك أموالهم ولا أولادهم) فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فإنما كان قوته من الشعير وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا
أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن
الخلائق لم يصابوا بمثله قط ".
الثاني: في ذكر بعض الامور التي هي من المنكر:
منها: الغضب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل
العسل ".
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " الغضب مفتاح كل شر " وقال أبو جعفر (عليه السلام): " إن
الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قومه
وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما
رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت ".
99

ومنها: الحسد، قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام): " إن الحسد ليأكل الإيمان
كما تأكل النار الحطب " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذات يوم لأصحابه: " إنه قد دب
إليكم داء الامم من قبلكم، وهو الحسد، ليس بحالق الشعر، ولكنه حالق الدين،
وينجي فيه أن يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه
المؤمن ".
ومنها: الظلم، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في
ماله أو في ولده " وقال (عليه السلام): " ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ
من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم ".
ومنها: كون الإنسان ممن يتقى شره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " شر الناس عند
الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم ".
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): " ومن خاف الناس لسانه فهو في النار ".
وقال (عليه السلام): " إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه ".
ولنكتف بهذا المقدار.
والحمد لله أولا وآخرا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
100

المعاملات
101

كتاب التجارة
وفيه مقدمة وفصول:
مقدمة
التجارة في الجملة من المستحبات الأكيدة في نفسها، وقد تستحب لغيرها،
وقد تجب - كذلك - إذا كانت مقدمة لواجب أو مستحب، وقد تكره لنفسها أو
لغيرها، وقد تحرم كذلك، والمحرم منها أصناف، وهنا مسائل:
(مسألة 194): تحرم ولا تصح التجارة بالخمر، وباقي المسكرات والميتة،
والكلب غير الصيود، والخنزير، ولا فرق في الحرمة بين بيعها وشرائها، وجعلها
أجرة في الإجارة، وعوضا عن العمل في الجعالة، ومهرا في النكاح، وعوضا في
الطلاق الخلعي، وأما سائر الأعيان النجسة، فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها
منافع محللة مقصودة كبيع العذرة للتسميد والدم للتزريق، وكذلك تجوز هبتها
والاتجار بها بسائر أنحاء المعاوضات.
(مسألة 195): لا يجوز بيع الميتة والخمر والخنزير والكلب غير الصيود،
103

وقد تسأل: أن هذه الأعيان النجسة التي لا مالية لها بنظر الشارع ولا يعترف
الشارع بملكية الإنسان لها، فهل يثبت الحق لمن وضع يده عليها أو كانت في
حوزته، كما إذا صار خله خمرا أو ماتت دابته أو اصطاد كلبا غير كلب الصيود أو
غير ذلك أو لا يثبت؟
والجواب: أن ثبوت الحق له بها شرعا لا يخلو عن إشكال بل منع وإن كان
الاحتياط بعدم مزاحمة من كانت تلك الأعيان بيده في محله.
(مسألة 196): قد تسأل: هل يجوز بيع الميتة الطاهرة كميتة السمك و
الجراد ونحوهما أو لا؟
والجواب: أن الجواز غير بعيد إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند
العرف والعقلاء بحيث إنهم يبذلون المال بإزائها وإن كان الأحوط تركه.
(مسألة 197): يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة إذا كانت لها منفعة
محللة معتد بها.
(مسألة 198): قد تسأل: هل يجوز بيع عذرة غير مأكول اللحم منها عذرة
الإنسان وبيع دهن الميتة والدم أو لا؟
والجواب: الظاهر الجواز، على أساس أن لها منافع معتد بها لدى العرف
والعقلاء مثل التسميد بالعذرات والإشعال والطلي بدهن الميتة النجسة والصبغ
بالدم وغير ذلك.
(مسألة 199): يجوز بيع الأرواث الطاهرة وكذلك الأبوال الطاهرة.
(مسألة 200): الأعيان المتنجسة كالدبس والعسل والدهن والسكنجبين
وغيرها إذا لاقت النجاسة، يجوز بيعها والمعاوضة عليها إذا كانت لها منفعة محللة
104

معتد بها عند العرف والعقلاء، بل لو لم تكن لها منفعة محللة كذلك وإن كان
الأحوط ترك البيع، والمعاوضة في هذه الحالة، وعلى كلا التقديرين يجب على
البائع إعلام المشتري بالنجاسة.
(مسألة 201): يحرم الإتجار والمداولة بآلآت اللهو كالمزامير والأصنام
والصلبان والطبول وآلات القمار كالشطرنج ونحوه بغاية الأغراض المحرمة
وإشاعتها وترويجها، ولا إشكال في أن منها الصفحات الغنائية (الأسطوانات)
لصندوق حبس الصوت، وكذلك الأشرطة المسجل عليها الغناء، وأما الصندوق
نفسه فهو كالراديو من الآلات المشتركة، فيجوز بيعهما كما يجوز أن يستمع منها
الأخبار والقرآن والتعزية ونحوها مما يباح استماعه، وقد تسأل هل التلفاز من
آلات اللهو، فلا يجوز بيعه ولا استعماله ولا عمله أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا يعد لدى العرف العام من آلات اللهو كآلات القمار
ونحوه، بل غايته أنه من الآلات المشتركة، حينئذ فيجوز بيعه وشرائه واستعماله
وتصنيعه وإصلاحه. نعم، لا يجوز استعماله فيما هو محرم شرعا، كمشاهدة الأفلام
الخلاعية المثيرة للشهوة المترتبة عليها المفاسد الاجتماعية والعائلية، وأما
استعماله في الأفلام التي لا تترتب على مشاهدتها مفاسد أخلاقية فلا مانع منه،
بل قد تترتب عليها فوائد علمية أو تجريبية حرفية أو فنية، وعليه فتختص
الحرمة باستعماله في الجهات اللهوية المثيرة للشهوة الشيطانية، وأما المسجلات
فلا بأس ببيعها واستعمالها.
(مسألة 202): كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم تصنيعها وإصلاحها
وأخذ الأجرة على ذلك، وهل يجب عليه أعدامها ولو بكسرها وتغيير هيئتها أو
لا؟
105

والجواب: الأقرب عدم وجوب ذلك وإن كان أحوط، ويجوز بيع موادها
من الخشب والنحاس والحديد، وقد تسأل: هل يصح بيع تلك المواد في ضمن
هيئتها وبدون كسرها وتغييرها أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا مانع منه ولا سيما إذا كان واثقا بأن المشتري يقوم
بكسرها وتغييرها والاستفادة من موادها، بل لا يبعد جواز ذلك مطلقا وإن لم
يكن واثقا بأن المشتري يقوم بذلك.
(مسألة 203): تحرم المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكة المعمولة من
أجل غش الناس بها، فلا يجوز جعلها عوضا أو معوضا عنه في المعاملة إذا
كان الآخر جاهلا بالحال، وأما مع علمه بها فالظاهر الجواز، وقد تسأل: هل
تكون حرمة الغش تكليفية ووضعية معا أو تكليفية فحسب؟
والجواب: الأقرب أنها تكليفية فحسب، وأما المعاملة فهي صحيحة
وضعا، ولكن يثبت للمشتري الخيار. نعم، تجوز المعاملة وتصح مع الإعلام
وبيان الواقع، وإن قلنا بالبطلان من دون ذلك، وفي وجوب كسرها إشكال،
والأظهر عدمه.
(مسألة 204): يجوز بيع السباع، كالهر والأسد والذئب ونحوها إذا كانت لها
منفعة محللة معتد بها، وكذا يجوز بيع الحشرات والمسوخات إذا كانت كذلك،
كالعلق الذي يمص الدم ودود القز ونحل العسل والفيل، أما إذا لم تكن لها منفعة
محللة، فهل يجوز بيعها أو لا؟
والجواب: لا يبعد جوازه، إذا كانت لها مالية لدى العرف والعقلاء بل
مطلقا.
106

(مسألة 205): المراد بالمنفعة المحللة المعتد بها الفائدة التي هي باعثة
للتنافس بين العقلاء على اقتناء العين بسببها، ولا فرق بين أن تكون حاجة
الإنسان إليها في حال الاختيار أو في حال الاضطرار، كالأدوية والعقاقير المحتاج
إليها للتداوي.
(مسألة 206): لا بأس ببيع أو اني الذهب والفضة للتزيين أو لمجرد الاقتناء،
بل للاستعمال في غير الأكل والشرب على الأظهر، وهل يجوز بيعهما ممن يعلم أنه
يستعملها في الأكل والشرب أو لا؟
والجواب: أنه يجوز على الأقرب.
(مسألة 207): هل يجوز بيع المصحف الشريف على الكافر ويصح أو لا؟
والجواب: لا يبعد جوازه في نفسه وضعا وتكليفا، ولا سيما إذا كان غرض
الكافر من الشراء الاطلاع على الأحكام الإسلامية ومعارفها، ومن هنا يظهر أنه
لا بأس بتمكينه منه لإرشاده وهدايته واطلاعه على الإسلام ومعارفه. نعم، لا
يجوز كل ذلك إذا أدى إلى هتك حرمة المصحف وتنقيص شأنه وكرامته، وأما
الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى، فالظاهر جواز بيعها على
الكافر، وكذا كتب أحاديث المعصومين (عليهم السلام) كما يجوز تمكينه منها.
(مسألة 208): يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا، أو الخشب - مثلا -
ليعمل صنما، أو آلة اللهو أو نحو ذلك، سواء أكان تواطؤهما على ذلك في ضمن
العقد أم في خارجه، وإذا باع واشترط الحرام صح البيع وفسد الشرط، وكذا
تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمر، أو تحرز فيها، أو يعمل فيها شيء
من المحرمات، وكذا تحرم ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرهما لحمل
الخمر، والثمن والأجرة في ذلك محرمان، وأما بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا،
107

أو إجارة السكن ممن يعلم أنه يحرز فيه الخمر، أو يعمل بها شيئا من المحرمات،
من دون تواطئهما على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله، فالأظهر جوازه.
(مسألة 209): تحرم عملية تمثيل ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان
وتجسيمها خارجا، وتجوز هذه العملية لغير ذوات الأرواح من الشجر والشمس
والقمر ونحوها، وقد تسأل: هل يجوز تصويرها مجردا عن المادة، كما إذا قام
المصور برسم صورة إنسان أو حيوان على الحائط أو الوسادة أو الخشب أو
الشجر أو غير ذلك أو لا؟
والجواب: أن جوازه غير بعيد وإن كان الأحوط تركه، وعلى هذا فلا يجوز
أخذ الأجرة على عملية التمثيل والتجسيم، ويجوز أخذها على عملية التصوير
المجرد، كما أنه لا بأس بالتصوير الفوتوغرافي المتعارف في عصرنا، وأما تمثيل
شخص مقطوع الرأس فهل هو جائز أو لا؟ أن جوازه غير بعيد؛ لعدم صدق
تمثيل الإنسان عليه إلا بالعناية. نعم، لو كان تمثيلا له على هيئة خاصة مثل تمثيله
جالسا أو واضعا يديه خلفه أو نحو ذلك مما يعد تمثيلا تاما له، فالظاهر هو
الحرمة، بل الأمر كذلك فيما إذا كان التمثيل ناقصا ولكن النقص لا يكون دخيلا في
الحياة، كتمثيل إنسان مقطوع اليد أو الرجل، ويجوز اقتناء الصور وبيعها وإن
كانت مجسمة أو ذوات أرواح على كراهة.
(مسألة 210): الغناء حرام، وهو صوت وقع بكيفية خاصة ولهجة
مخصوصة، وهي الكيفية اللهوية لدى العرف العام ولم يرد في الشرع تحديد
مفهومه بحدود معينة كما وكيفا، فلذلك يكون المعيار فيه إنما هو بالصدق العرفي،
ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة قرآن أو دعاء أو رثاء أو غيرها.
بيان ذلك: أن قراءة القران أو الدعاء أو الرثاء إذا كانت بلهجة فصيحة
108

وصوت فائق في الحسن والأداء، ولكن كانت فارغة عن الكيفيات والضمائم
اللهوية فليست بغناء، حتى إذا فرض أنها توجب تهييج المستمع وتحريكه
والتذاذه معنويا. نعم، لو كانت موجبة كذلك جنسيا لم يجز استماعها، لا من جهة
أنها غناء، بل من جهة أن استماعها يوجب إثارة الجنس وتهييج الشهوة، وعلى
هذا فتجوز قراءة القرآن أو الدعاء بصوت جميل وبلهجة فصيحة وبليغة، فإنها
ليست بغناء ما دامت خالية عن الضمائم اللهوية. نعم، لا يجوز استماعها لمن يؤثر في
نفسه جنسيا ويحرك شهوته، ويجوز لمن لا يؤثر في نفسه كذلك وإن أثر فيها
معنويا، وبكلمة: أن صدق الغناء على صوت في العرف العام مرتبط بأن يكون
ذلك الصوت بكيفية ولهجة خاصة في الأداء والحركات، وهي الكيفية اللهوية،
وهو بهذه الكيفية واللهجة غناء عرفا ومناسب لمجالس اللهو واللعب دون
غيرها، ولا فرق في ذلك بين أن تكون تلك اللهجة بصوت جميل وحسن أو لا
تكون، كما أنه لافرق بين أن يكون المضمون مضمونا عقلانيا أولا؛ لأن المعيار في
صدق الغناء إنما هو بالكيفيات والضمائم لا بالصوت بما هو ولا بالمضمون، وقد
تسأل: أن قراءة شعر أو نثر يرتبط بالقضايا العشقية كالغزل إذا لم تكن بالكيفية
اللهوية فهل تجوز أو لا؟
الجواب: أن الجواز غير بعيد، إذا لم يكن هناك محذور آخر كالتكلم
بالباطل ونحوه، ولكن قد يؤثر المضمون اللهوي في تحقق الغناء عرفا، إذا كانت
قرائته بصوت ولهجة مهيجة محركة، وإن لم تكن بكيفية لهوية مناسبة لمجالس
اللهو واللعب، بحيث لو كان مضمون المقروء عقلانيا كالقرآن أو الدعاء أو
نحوهما لا لهويا، لم تكن قرائته بهذا الصوت واللهجة غناء عرفا، وأما استماعها إذا
لم يصدق عليها الغناء، فإن كان موجبا لتهييج الشهوة وإثارتها لم يجز، وإلا فلا
مانع منه، ومع ذلك فرعاية الاحتياط بالترك أولى وأجدر، ويستثنى من ذلك
109

غناء النساء في الأعراس بشروط:
الأول: أن لا يضم إليها محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل.
الثاني: أن لا يدخل الرجال عليهن.
الثالث: أن لا يسمع أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة، وإلا حرم
ذلك.
(مسألة 211): معونة الظالمين في ظلمهم بل في كل محرم حرام، واما
معونتهم في غير المحرمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها، وقد تسأل:
أن الموظفين في الدولة هل هم من أعوان الظلمة أو لا؟ والجواب: أنهم ليسوا
بكافة طبقاتهم من أعوانهم. نعم، ممن كان منهم يعاونوا الظالمين في ظلمهم
كانوا من أعوانهم وآثمين، ودعوى: أن مثله بما أنه يعد من أعوانهم والمنسوبين
إليهم فلذلك تحرم عليه معونتهم حتى في الامور المباحة، مدفوعة: بأن المحرم
عليه إنما هو معونتهم في تطبيق ظلمهم وتنفيذه خارجا وفي ممارستهم
لارتكاب المحرمات لا مطلقا.
(مسألة 212): اللعب بآلات القمار كالشطرنج والدوملة، والطاولي وغيرها
مما أعد لذلك حرام مع الرهن، ويحرم على الغالب أخذ الرهن من المغلوب ولا
يملكه، وهل يحرم اللعب بها إذا لم يكن رهن أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه يحرم مطلقا كان هناك رهن أم لا، ويحرم اللعب بغير
تلك الآلات مع الرهن لا مطلقا، كالمراهنة على كرة القدم وحمل الوزن الثقيل، أو
على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك، ويحرم أخذ الرهن، وأما إذا لم يكن رهن
فالأظهر الجواز.
110

(مسألة 213): عمل السحر وتعلمه وتعليمه والتكسب به حرام، والمراد منه
ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما، وقد تسأل:
أن تسخير الجن أو الملائكة أو الإنسان هل هو من السحر أو لا؟ والجواب: أن
كونه من السحر لا يخلو عن إشكال بل منع، ثم إن التسخير هل هو حرام
كالسحر أو لا؟
والجواب: الأقرب أنه ليس بحرام، إلا إذا كان مضرا بالمسحور الذي يحرم
الإضرار به.
(مسألة 214): القيافة حرام، وهي الإخبار عن إلحاق الناس بعضهم
ببعض، استنادا إلى علامات خاصة فيه التي لا اعتبار بها لدى الشرع، وحيث إن
هذه العلائم لا تفيد الا الاحتمال أو الظن، فمن أجل ذلك كان الإخبار عن الإلحاق
به في الواقع جزما استنادا إليها محرما؛ لأنه من الإخبار بغير العلم.
(مسألة 215): الشعبذة - وهي إراءة غير الواقع في أعين الناس واقعا،
بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة - محرمة إذا ترتب عليها عنوان محرم،
كالإضرار بمؤمن أو هتك حرمته أو غير ذلك، وإلا فلا.
(مسألة 216): الكهانة حرام، وهي الإخبار عن المغيبات، بدعوى: أن
بعض الجان يخبره بذلك. نعم، إذا كان إخباره هذا مستندا إلى بعض الأمارات
والعلائم الخفية ولم يكن عن جزم، فلا بأس، وكذا لو فرض حصول الوثوق
والاطمئنان بصحة تلك الإمارات، فعندئذ جاز إخباره عنها مستندا إلى ذلك.
(مسألة 217): النجش حرام على الأحوط، وهو أن يزيد الرجل في ثمن
السلعة، وهو لا يريد شراءها، بل لأن يسمعه غيره فيزيد لزيادته، سواء أكان
ذلك عن مواطاة مع البائع أم لا.
111

(مسألة 218): التنجيم هو الإخبار عن الحوادث، مثل الرخص والغلاء
والحر والبرد والمطر وصفاء الجو ونحوها حسب اختلاف الفصول، استنادا إلى
الحركات الفلكية فيها والطوارئ الطارئة على الكواكب من الاتصال بينها أو
الانفصال أو الاقتران، أو نحو ذلك إذا كان مبنيا على الحدس والاجتهاد الظني أو
الاحتمال، فلا يجوز الإخبار بوقوع تلك الحوادث واقعا وجزما، وإذا كان مبنيا
على الوسائل العلمية الحديثة والحسابات الفلكية الدقيقة التي كثيرا ما تؤدي إلى
الاطمئنان والوثوق بوقوعها، جاز الإخبار به.
(مسألة 219): الغش حرام. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من غش
أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه، وسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه " ويكون
الغش بإخفاء الأدنى في الأعلى، كمزج الجيد بالرديء وبإخفاء غير المراد في
المراد، كمزج الماء باللبن، وبإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعا، مثل رش
الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة، وبإظهار شيء على خلاف
جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب، وقد
يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه، كما إذا احرز البائع اعتماد
المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب، فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع
ليظهر له عيبه، فإن عدم إعلام البائع بالعيب - مع اعتماد المشتري عليه - غش له.
(مسألة 220): الغش وإن كان حراما إلا أن المعاملة لا تفسد به. نعم، يثبت
الخيار للمغشوش، إلا في بيع المطلي بماء الذهب أو الفضة، فإنه يبطل فيه البيع،
ويحرم الثمن على البائع، وكذا أمثاله مما كان الغش فيه موجبا لاختلاف الجنس.
(مسألة 221): لا تصح الإجارة على العبادات التي لا تشرع إلا أن يأتي بها
الأجير عن نفسه مجانا، واجبة كانت أو مستحبة، عينية كانت أو كفائية، فلو
112

استأجر شخصا على فعل الفرائض اليومية، أو نوافلها أو صوم شهر رمضان، أو
حجة الإسلام أو تغسيل الأموات، أو تكفينهم أو الصلاة عليهم، أو غير ذلك من
العبادات الواجبة أو المستحبة، لم تصح الإجارة، إذا كان المقصود أن يأتي بها
الأجير عن نفسه. نعم، لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة
أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة جاز، وكذا لو استأجره على الواجب -
غير العبادي - كوصف الدواء للمريض، أو العلاج له، أو نحو ذلك، فإنه يصح،
وكذا لو استأجره لفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام، كتعليم بعض علوم
الزراعة والصناعة والطب، ولو استأجره لتعليم الحلال والحرام فيما هو محل
الابتلاء، فالأظهر الصحة وإن كان الأولى ترك ذلك، ولا إشكال في الصحة
والجواز فيما لا يكون محلا للإبتلاء.
(مسألة 222): يحرم النوح بالباطل، يعني: الكذب، ولا بأس بالنوح بالحق.
(مسألة 223): يحرم هجاء المؤمن، ويجوز هجاء غير المؤمن، وكذا الفاسق
المبتدع؛ لئلا يؤخذ ببدعته.
(مسألة 224): يحرم الفحش، وهو القول المتضمن لتنقيص الغير وهدر
كرامته، ومنه ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس، شريطة أن
يكون فحشا بأن يستلزم هتك حرمة غيره، وأما مجرد ذكره والتكلم به - كما إذا
كان في مقام بيان حكمه أو كان من باب المثال - فلا يكون محرما، كيف وقد صرح
به باسمه في غير واحد من الروايات؟!
(مسألة 225): تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل، وأما الرشوة على
استنقاذ الحق من الظالم فجائزة وإن حرم على الظالم أخذها.
(مسألة 226): يحرم حفظ كتب الضلال مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو
113

لغيره، فلو أمن من ذلك أو كانت هناك مصلحة أهم جاز، وكذا يحرم بيعها
ونشرها.
(مسألة 227): يحرم على الرجل لبس الذهب حتى التختم به ونحوه، وأما
التزين به من غير لبس - كتلبيس مقدم الأسنان به - فالظاهر جوازه.
(مسألة 228): يحرم الكذب، وهو الإخبار بما ليس بواقع، ولا فرق في
الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل. نعم، إذا تكلم بصورة
الخبر هزلا بلا قصد الحكاية والإخبار فلا بأس به، ومثله التورية، بأن يقصد
المتكلم من الكلام الصادر منه معنى له واقع، ولكنه غير ظاهر منه، كما أنه يجوز
الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل يجوز الحلف كاذبا حينئذ،
ويجوز الكذب أيضا للإصلاح بين المؤمنين، والأحوط - استحبابا - الاقتصار
فيهما على صورة عدم إمكان التورية، وأما الكذب في الوعد - بأن لا يفي بوعده
في وقته - فالظاهر جوازه على كراهة شديدة. نعم، لو كان حال الوعد بانيا على
الخلف وعدم الوفاء، فالظاهر حرمته، وكذا الأظهر وجوب الإجتناب عن وعد
أهله بشيء وهو لا يريد أن يفي به.
(مسألة 229): تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر، إلا مع القيام بمصالح
المؤمنين، وعدم ارتكاب ما يخالف الشرع المبين، ويجوز - أيضا - مع الإكراه من
الجائر بأن يأمره بالولاية، ويتوعده على تركها، بما يوجب الضرر بدنيا أو ماليا
عليه، أو على من يتعلق به بحيث يكون الإضرار بذلك الشخص إضرارا بالمكره
عرفا، كالإضرار بأبيه أو أخيه أو ولده أو نحوهم ممن يهمه أمرهم. أجل، لو كان
الضرر الواصل به من قبله قابلا للتحمل، ولكن مفسدة قبول الولاية منه على
الإسلام والمسلمين أكثر بكثير من ذلك الضرر، لم يجز له أن يقبل الولاية منه.
114

(مسألة 230): ما يأخذه السلطان المخالف المدعي للخلافة العامة من
الضرائب المجعولة على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز شراؤه وأخذه منه
مجانا، بلا فرق بين الخراج - وهو ضريبة النقد - والمقاسمة - وهي ضريبة السهم
من النصف والعشر - ونحوهما، وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة، وتبرأ ذمة المالك
بالدفع إليه، شريطة أن يكون مجبورا في ذلك وغير متمكن من الامتناع عن
الدفع إليه، وإلا فلا تبرأ ذمته، بل الظاهر أن الأمر كذلك إذا لم تأخذها الحكومة
مباشرة وإنما حولت شخصا على المالك في أخذها منه، فإنه إذا أخذها برأت ذمة
المحول عليه إذا كان مجبورا كما مر، وفي جريان الحكم المذكور فيما يأخذه السلطان
المسلم المؤالف أو المخالف الذي لا يدعي الخلافة العامة أو الكافر إشكال بل منع.
(مسألة 231): إذا دفع إنسان مالا له إلى آخر ليصرفه في طائفة من الناس،
وكان المدفوع إليه منهم، فإن فهم من الدافع الإذن في الأخذ من ذلك المال جاز له
أن يأخذه منه، مثل أحدهم أو أكثر على حسب الإذن، وإن لم يفهم الإذن منه
كذلك، لم يجز الأخذ، وإن دفع له شيئا مما له مصرف خاص كالزكاة ليصرفه في
مصارفه فله أن يأخذ منه بمقدار ما يعطيه لغيره إذا كان هو أيضا من مصارفه،
ولا يتوقف الجواز فيه على إحراز الإذن من الدافع.
(مسألة 232): جوائز الظالم حلال وإن علم إجمالا أن في ماله حراما، وكذا
كل ما كان في يده يجوز أخذه منه وتملكه والتصرف فيه بإذنه، إلا أن يعلم أنه
غصب، فلو أخذ منه - حينئذ - وجب رده إلى مالكه أن عرف بعينه، فإن جهل
وتردد بين جماعة محصورة، فإن أمكن استرضاؤهم وجب، وإلا رجع في تعيين
مالكه إلى القرعة، وإن تردد بين جماعة غير محصورة تصدق به عن مالكه مع
الإذن من الحاكم الشرعي على الأحوط الأولى إن كان مأيوسا عن معرفته، وإلا
115

وجب الفحص عنه وإيصاله إليه.
(مسألة 233): يكره بيع الصرف، وبيع الأكفان، وبيع الطعام وبيع العبيد، كما
يكره أن يكون الإنسان جزارا أو حجاما، ولا سيما مع الشرط بأن يشترط أجرة،
ويكره أيضا التكسب بضراب الفحل، بأن يؤجره لذلك، أو بغير إجارة بقصد
العوض، أما لو كان بقصد المجانية فلا بأس بما يعطي بعنوان الهدية.
(مسألة 234): اليانصيب عبارة عن الأوراق التي تصدر من قبل البنوك أو
الشركات بأسعار محددة وتعرض في الأسواق وتباع وتشترى وتعين لها جوائز
خاصة لمن يخرج السحب الأول والثاني والثالث وهكذا على رقم بطاقته، وقد
تسأل: هل يجوز شراء هذه البطاقات والتعامل بها بشرط الدخول في عملية
السحب وبأمل الحصول على الجائزة المقررة أو لا؟
والجواب: أنه لا يبعد جوازه، ودعوى: أن التعامل بها بالشرط المذكور
لون من ألوان القمار فلا يجوز، مدفوعة: بعدم صدق القمار عليه عرفا؛ لأن
القمار مأخوذ من المقامرة وهي جعل الرهن على اللعب، سواء كان اللعب
بالآلات أم كان من دونها، وعلى الأول سواء كان بالآلات المخصوصة المعدة
للقمار أم بغيرها، غاية الامر إن كان بالآلات المخصوصة فهو حرام مطلقا وإن
كان من دون الرهن، وفي المقام لا لعب لا بالآلات ولا من دونها، بل شراء
البطاقات والتعامل بها بأمل حصول الفائدة وأخذ الجائزة من البنك المتعهد
بها، وهو ليس لون من ألوان اللعب، وقد تسأل: أن البطاقة بما أنه لا مالية لها،
فيكون بذل المال بإزائها من الأكل بالباطل، فلا يجوز؟
والجواب: أن البطاقة في نفسها وإن كانت كذلك، إلا أنها تكتسب المالية
بلحاظ ما يترتب عليها وهو حق الدخول في عملية السحب، فإذن لا يكون
116

بذل المال بإزائها من الأكل بالباطل، وقد يكون المال المبذول بإزاء البطاقة
مضمون للباذل وله إرجاعه متى شاء بإرجاع البطاقة، وفي مثل ذلك يكون
شراؤها لفرضين:
الأول: الحفاظ على أصل رأس ماله.
الثاني: بعرض الدخول في عميلة السحب، وفي هذه الصورة لا مانع من
شرائها شرعا، حتى ولو قلنا بعدم الجواز في الصورة الاولى كما لا يخفى، ولكن مع
هذا فالأحوط والأولى أن لا يتعامل بها لا بيعا ولا شراء.
(مسألة 235): يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه، كما يجوز أخذ
العوض في مقابله على ما تقدم.
(مسألة 236): يحرم حلق اللحية على الأحوط دون العارضين، ويحرم
أخذ الأجرة عليه كذلك، إلا إذا كان ترك الحلق يوجب سخرية ومهانة شديدة
لا تحتمل عند العقلاء، فيجوز حينئذ.
آداب التجارة
(مسألة 237): يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع وفاسده ويسلم من
الربا، ومع الشك في الصحة والفساد لا يجوز له ترتيب آثار الصحة، بل يتعين
عليه الاحتياط، ويستحب أن يساوي بين المتبايعين، فلا يفرق بين المماكس
وغيره بزيادة السعر في الأول أو بنقصه، أما لو فرق بينهم لمرجحات شرعية
كالعلم والتقوى ونحوهما، فالظاهر أنه لا بأس به، ويستحب أن يقيل النادم
ويشهد الشهادتين عند العقد، ويكبر الله تعالى عنده، ويأخذ الناقص ويعطي
117

الراجح.
(مسألة 238): يكره مدح البائع سلعته، وذم المشتري لها، وكتمان العيب إذا لم
يؤد إلى غش وإلا حرم كما تقدم، والحلف على البيع، والبيع في المكان المظلم
الذي يستتر فيه العيب، بل كل ما كان كذلك، والربح على المؤمن زائدا على مقدار
الحاجة، وعلى الموعود بالإحسان، والسوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس،
وأن يدخل السوق قبل غيره ومبايعة الأدنين، وذوي العاهات والنقص في
أبدانهم، والمحارفين، وطلب تنقيص الثمن بعد العقد، والزيادة وقت النداء لطلب
الزيادة، أما الزيادة بعد سكوت المنادي فلا بأس بها، والتعرض للكيل أو الوزن
أو العد أو المساحة إذا لم يحسنه حذرا من الخطأ، والدخول في سوم المؤمن بل
الأحوط تركه، والمراد به الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري، أو بذل مبيع له غير
ما بذله البائع، مع رجاء تمامية المعاملة بينهما، فلو انصرف أحدهما عنه، أو علم
بعدم تماميتها بينهما فلا كراهة، وكذا لو كان البيع مبنيا على المزايدة، وأن يتوكل
بعض أهل البلد لمن هو غريب عنها، بل الأحوط - استحبابا - تركه، وتلقي
الركبان الذين يجلبون السلعة وحده إلى ما دون أربعة فراسخ، فلو بلغ أربعة
فراسخ فلا كراهة، وكذا لو اتفق ذلك بلا قصد، والظاهر عموم الحكم لغير البيع
من المعاملة، كالصلح والإجارة ونحوهما.
(مسألة 239): يحرم الإحتكار، وهو حبس الطعام والامتناع من بيعه
لانتظار زيادة القيمة فيه، مع حاجة المسلمين اليه وعدم وجود الباذل له غيره،
والظاهر اختصاص الحكم بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت لا
غير وإن كان الأحوط - استحبابا - الحاق الملح بها.
وقد تسأل: أن ما يحتاج إليه عامة المسلمين - ما عدا الطعام - من الملبس
118

والمسكن والمركب وغيرها من اللوازم والمتطلبات الحياتية اليومية، هل يحرم
احتكاره أو يجوز؟
والجواب: أن جوازه غير بعيد ما دام لم يترتب على احتكار تلك الأشياء
اختلال بالنظام والهرج والمرج، وإلا لم يجز، فإذا وصل إلى هذه الحالة، فإن قام
المحتكر بعرض هذه الأشياء في الأسواق فهو المطلوب، وإلا أجبره الحاكم
الشرعي على ذلك، بل للحاكم الشرعي منعه عن أصل الإحتكار وفكه إذا رأى
فيه مصلحة عامة للإسلام والمسلمين وإن لم يصل إلى حد اختلال النظام.
الفصل الأول
العقد وشروطه
البيع غالبا هو نقل المال بعوض بما هو مال لا لخصوصية فيه بحده
الشخصي، بل لحفظ مالية فيه، وقد يكون من جهة خصوصية فيه لتعلق
غرضه الشخصي، فيبيع لإشباعه، والاشتراء هو إعطاء المشتري الثمن عوضا
عن مال، ولكن تارة يكون الدافع من ورائه تعلق غرضه الشخصي به، كما إذا
دفع عوضا عن حاجياته الضرورية من المأكل والملبس والمشرب والمسكن
والمركب، كالسيارة أو نحوها والفرش والظرف وغيرها من اللوازم والمتطلبات
الحياتية لكل إنسان، واخرى يكون الدافع من ورائه الحفاظ على مالية ماله
فيه بالإتجار والمداولة به، كما إذا طلب من الشركة في الداخل أو الخارج شراء
أجناس معينة في ضمن قائمة مرسلة إليها بسعر محدد، فإذا وافقت الشركة على
119

ذلك تم الشراء، ويقوم المشتري حينئذ بإرسال ثمنها المحدد إليها مباشرة أو
بواسطة البنك، وقد تكون هناك معاملة مستقلة لا ينطبق عليها اسم البيع ولا
الشراء، وهي مبادلة مال بمال من دون أن ينظر من ورائها كون أحدهما بديلا
عن الثمن والآخر عن المبيع، بل ينظر إلى كل منهما بنحو المعنى الاسمي دون
المعنى الحرفي، كمبادلة دار بدار أخرى وسيارة بسيارة اخرى وكتاب بكتاب
آخر وهكذا، ولا بأس بها؛ لأنها داخلة في التجارة عن تراض.
الشروط
(مسألة 240): يعتبر في البيع الإيجاب والقبول، ويقع بكل لفظ دال على
المقصود وإن لم يكن صريحا فيه، مثل: بعت وملكت وبادلت ونحوها في الإيجاب،
ومثل: قبلت ورضيت وتملكت واشتريت ونحوها في القبول، ولا تشترط فيه
العربية، كما لا يقدح فيه اللحن في المادة أو الهيئة، ويجوز إنشاء الإيجاب بمثل:
اشتريت وابتعت وتملكت، وإنشاء القبول بمثل: شريت وبعت وملكت.
(مسألة 241): إذا قال: بعني فرسك بهذا الدينار، فقال المخاطب: بعتك
فرسي بهذا الدينار، ففي صحته وترتب الأثر عليه بلا ان ينضم إليه إنشاء القبول
من الآمر إشكال بل منع، إذا كان مقصود المشتري طلب البيع لا إنشاء القبول
بنحو الأمر، وأما إذا كان مقصوده إنشاء القبول بنحو الأمر والاستيجاب
للإيجاب المتأخر من البائع، فلا يبعد الصحة، وكذلك الحكم في الولي عن الطرفين
أو الوكيل عنهما، فإنه لا يكتفي فيه بالإيجاب من دون القبول.
(مسألة 242): يعتبر في تحقق العقد الموالاة عرفا بين الإيجاب والقبول، فلو
قال البائع: بعت، فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف البائع عن البيع لم
120

يتحقق العقد، ولم يترتب عليه الأثر، أما إذا لم ينصرف وكان ينتظر القبول حتى
قبل، صح، كما أنه لا يعتبر وحدة المجلس، فلو تعاقدا بالهاتف فأوقع أحدهما
الإيجاب وقبل الآخر صح، أما المعاملة بالمكاتبة فالأظهر الصحة، إذا لم ينصرف
البائع عن بيعه وكان ينتظر القبول من المشتري وقبل، شريطة أن يكون كل منهما
في مقام الإنشاء.
(مسألة 243): الظاهر اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول في العوضين،
أي: الثمن والمثمن، فلو قال: بعتك هذا الفرس بمائة دينار، فقال المشتري: اشتريت
هذا الحمار بمائة دينار أو هذا الفرس بمائة درهم، لم يصح العقد، وقد تسأل: هل
يعتبر التطابق بينهما في الشروط وتوابع العقد أيضا، كما إذا قال البائع: بعتك هذا
الكتاب بعشرة دنانير بشرط أن تخيط ثوبي، فقال المشتري: قبلت هذه الكتاب
بعشرة دنانير بشرط أن أخيط عباءتك، أو من دون شرط؟
والجواب: أنه لا يعتبر. نعم يثبت للبائع خيار تخلف الشرط حينئذ،
باعتبار أن التزام البائع بالبيع كان معلقا على قبول المشتري الشرط، فإذا لم يقبل
لم يكن البائع ملتزما بالوفاء به، ومن هنا إذا أسقط البائع الشرط صح البيع ولزم.
نعم، لو قال البائع: بعتك هذه الفرس بمائة دينار، فقال المشتري: اشتريت كل
نصف منه بخمسين دينار، صح، وكذا في غيره مما كان الاختلاف فيه بالإجمال
والتفصيل.
(مسألة 244): إذا تعذر اللفظ لخرس ونحوه، قامت الإشارة مقامه وإن
تمكن من التوكيل، وكذا الكتابة مع العجز عن الإشارة، أما مع القدرة عليها ففي
تقديم الإشارة أو الكتابة وجهان بل قولان، والأظهر الجواز بكل منهما، بل لا
بأس بذلك حتى مع التمكن من اللفظ، شريطة أن تكون مفهمة للمعنى.
121

(مسألة 245): الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة، بأن ينشئ البائع البيع بإعطائه
المبيع إلى المشتري، وينشئ القبول بإعطاء الثمن إلى البائع، ولا فرق في صحتها بين
المال الخطير والحقير، وقد تحصل بإعطاء البائع المبيع وأخذ المشتري بلا إعطاء
منه، كما لو كان الثمن كليا في الذمة أو بإعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له بلا
إعطاء منه، كما لو كان المثمن كليا في الذمة.
(مسألة 246): الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في
البيع العقدي من شرائط العقد والعوضين والمتعاقدين، كما أن الظاهر ثبوت
الخيارات فيه التي يأتي شرحها في ضمن المسائل القادمة - إن شاء الله تعالى -
على نحو ثبوتها في البيع العقدي.
(مسألة 247): الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل
الإيقاعات إلا في موارد خاصة، كالنكاح والطلاق والعتق والتحليل والنذر
واليمين، والظاهر جريانها في الرهن والوقف أيضا.
(مسألة 248): يصح الشرط في البيع المعاطاتي، سواء أكان شرط خيار في
مدة معينة أم شرط فعل أم غيرهما، فلو أعطى كل منهما ماله إلى الآخر قاصدين
البيع، وقال أحدهما في حال التعاطي: جعلت لي الخيار إلى سنة - مثلا - وقبل
الآخر صح شرط الخيار، وكان البيع خياريا.
(مسألة 249): لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد، سواء
أعلم حصوله بعد ذلك، كما إذا قال: بعتك إذا هل الهلال أم جهل حصوله، كما لو
قال: بعتك إذا ولد لي مولود ذكر، ولا على أمر مجهول الحصول حال العقد، كما إذا
قال: بعتك إن كان اليوم يوم الجمعة مع جهله بذلك، أما مع علمه به، فالوجه
الجواز، بل لا يبعد الجواز في الأول أيضا.
122

(مسألة 250): إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد، فإن علم برضا
البائع بالتصرف فيه حتى مع فساد العقد، جاز له التصرف فيه، وإلا وجب عليه
رده إلى البائع، وإذا تلف - ولو من دون تفريط - وجب عليه رد مثله إن كان مثليا
وقيمته إن كان قيميا، وكذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع بالبيع الفاسد، وإذا كان
المالك مجهولا جرى عليه حكم المال المجهول مالكه، ولا فرق في جميع ذلك بين
العلم بالحكم والجهل به، ولو باع أحدهما ما قبضه بالبيع الفاسد كان البيع
فضوليا، وتوقف صحته على إجازة المالك، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني
شروط المتعاقدين
وهي كما يلي:
الأول: اعتبار البلوغ فيهما، فلا يصح عقد الصبي وتصرفه في ماله مستقلا
وإن كان مميزا ورشيدا ومأذونا من الولي. نعم، إذا كان مأذونا فيه من قبل الولي
وكالة عنه فلا بأس، على أساس أن تصرفه فيه هو تصرف الولي في الحقيقة،
وكذا إذا كان تصرفه في غير ماله بإذن المالك بعنوان الوكالة عنه، وإن لم يكن باذن
الولي.
الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون وإن كان قاصدا إنشاء البيع.
الثالث: الاختيار، فلا يصح بيع المكره، وهو من يأمره ظالم بالبيع إكراها،
بحيث يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله من الضرر لو خالفه وترك البيع، ففي
123

هذه الحالة إذا صدر منه بيع لم يكن عن طيب نفسه، فمن أجل ذلك يكون باطلا،
فبطلان عقد المكره من جهة أنه فاقد لطيب النفس الذي هو معتبر في صحة
العقد، ومن هنا إذا أكره أحد على بيع داره مثلا، وكان متمكنا من التفصي عن
الإكراه ودفعه لسبب أو آخر ولكنه لم يفعل وباع داره، فالظاهر صحته لأنه صدر
منه عن طيب نفسه ورضائه، ولهذا لو لم يكن البيع مكروها له وقد أمره الظالم
بالبيع فباع صح، وكذا لو أمره بدفع المال له، وكان تحصيل ذلك المال موقوفا على
بيع المكره فباع فإنه يصح، مثال ذلك إذا أمره ظالم بدفع مقدار من المال إليه كالف
دينار وهو لم يتمكن من ذلك إلا ببيع داره فباعها، فإنه يصح بيعها باعتبار أنه
مقدمة لدفع الضرر عنه.
(مسألة 251): إذا أكره أحد الشخصين على بيع داره، كما لو قال الظالم: فليبع
زيد أو عمرو داره، فباع أحدهما داره بطل البيع، إلا إذا علم إقدام الآخر على
البيع، فإنه حينئذ إذا باع صح، لأنه باع بطيب نفسه ومن دون إكراه.
(مسألة 252): لو أكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل، ولو باع
الآخر بعد ذلك صح، وأما إذا باعهما جميعا دفعة واحدة، فهل يبطل البيع في
الجميع، أو في أحدهما فقط دون الآخر، أو يصح في الجميع وجوه، والأقوى
الوجه الثاني، وقد تسأل: أنه على هذا ما هو المعين للبيع الصحيح عن بيع الفاسد؟
والجواب: أن تعيين ذلك بيد البائع واختياره لا بالقرعة، على أساس أن ما تعلق
به طيب النفس، إنما هو بيع أحد المبيعين على نحو الكلي في المعين، وتعيين الكلي
وتطبيقه على فرده في الخارج إنما هو بيد البائع واختياره.
(مسألة 253): لو أكرهه على بيع دابته، فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة،
وصح بيع الولد.
124

(مسألة 254): يعتبر في بطلان بيع المكره عدم تمكنه من التفصي بالتورية أو
نحوها، فلو كان متمكنا من دفع الإكراه بها ومع ذلك لم يفعل وباع، فبطبيعة الحال
لم يكن بيعه عن إكراه بل هو عن طيب نفسه ورضائه فصح، على أساس أن صحة
المعاملة تدور مدار تحقق طيب النفس، ولا موضوعية للإكراه، ولا يدور فساد
المعاملة مداره، فإذا كان البائع قادرا على دفع الإكراه عنه بالتورية أو بسبب آخر
ومع ذلك إذا لم يدفع وباع صح بيعه، مثلا إذا أكرهه ظالم على بيع داره فباعها - مع
قدرته على التورية - صح.
(مسألة 255): المراد من الضرر الذي يخافه - على تقدير عدم الاتيان بما
اكره عليه - ما يعم الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه، وعلى بعض من يتعلق
به ممن يهمه أمره، فلو لم يكن كذلك فلا إكراه، فلو باع حينئذ، صح البيع.
البيع الفضولي
الرابع من شرائط المتعاقدين: قدرة العاقد على التصرف بأن يكون مالكا
أو وكيلا عنه، أو مأذونا منه، أو وليا عليه، فلو لم يكن العاقد قادرا على التصرف
لم يصح البيع، بل توقفت صحته على إجازة القادر على ذلك التصرف، مالكا كان
أو وكيلا عنه، أو مأذونا عنه، أو وليا عليه، فإن أجاز صح، وإن رد بطل، وهذا هو
المسمى بعقد الفضولي، والمشهور أن الإجازة بعد الرد لا أثر لها، ولكنه لا يخلو
عن إشكال بل لا يبعد نفوذها، وأما الرد بعد الإجازة فلا أثر له جرما.
(مسألة 256): لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي، فإن أجازه المالك
صح، ولا أثر للمنع السابق في البطلان.
125

(مسألة 257): إذا علم من حال المالك أنه يرضى بالبيع فباعه، لم يصح
وتوقفت صحته على الإجازة.
(مسألة 258): إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك، أو
لبنائه على ذلك، كما في الغاصب، فأجازه المالك، صح البيع ويرجع الثمن إلى
المالك.
(مسألة 259): لا يكفي في تحقق الإجازة الرضا الباطني، بل لابد من الدلالة
عليه بالقول مثل: رضيت، وأجزت، ونحوهما، أو بالفعل مثل أخذ الثمن، أو بيعه،
أو الإذن في بيعه، أو إجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك.
(مسألة 260): الظاهر أن الإجازة ناقلة لا كاشفة عن صحة العقد من حين
وقوعه كشفا حكميا، على أساس أن الإجازة وان تعلقت بالعقد السابق إلا أن
تعلقها به من الآن، وعليه فبطبيعة الحال يكون استناد العقد إلى المالك، والنقل
والانتقال من هذا الحين؛ لأن المعيار إنما هو بزمان التعلق لا بزمان المتعلق لأن
العقد من زمان التعلق أصبح عقد المالك مشمولا لدليل الصحة لا من زمن
المتعلق، وإلا لزم تقدم المعلول على العلة، وبكلمة: أن الكشف الحقيقي غير
معقول، والكشف الحكمي بمعنى حكم الشارع من حين الإجازة بالملكية من
حين العقد لا يرجع إلى معنى محصل، لأن العقد من حين تعلق الإجازة به مشمول
لدليل الإمضاء، وموضوع لترتيب الآثار عليه شرعا، ومتصف بالصحة لا من
حين صدوره لغرض أنه من هذا الحين ليس بمجاز وإنما صار مجازا من حين
الإجازة، ويترتب على هذا أن نماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك
للمشتري، ونماء المبيع في هذا الحين ملك للبائع.
(مسألة 261): لو باع باعتقاد كونه وليا أو وكيلا فتبين خلافه، فإن إجازة
126

المالك صح وإن رد بطل، ولو باع باعتقاد كونه أجنبيا فتبين كونه وليا أو وكيلا
صح، ولم يحتج إلى الإجازة، ولو تبين كونه مالكا، فهل يصح البيع أو أن صحته
تتوقف على الإجازة؟ والجواب: أن صحته تتوقف على الإجازة، على أساس أن
رضاه بالبيع بصفته كونه أجنبيا لا يستلزم رضاه به بصفة كونه مالكا، فمن أجل
ذلك إن رضي به صح وإلا فلا.
(مسألة 262): لو باع مال غيره فضولا، ثم ملكه قبل إجازة المالك ففي
صحته - بلا حاجة إلى الإجازة أو توقفه على الإجازة أو بطلانه رأسا وجوه،
أقواها أوسطها، باعتبار ان بيعه بصفة كونه فضوليا لا يستلزم رضاه لهذا البيع إذا
صار مالكا له، وصحة البيع تدور مدار رضا المالك وطيب نفسه.
(مسألة 263): لو باع مال غيره فضولا فباعه المالك من شخص آخر صح
بيع المالك، ويصح بيع الفضولي - أيضا - إن إجازة المشتري.
(مسألة 264): إذا باع الفضولي مال غيره ولم تتحقق الإجازة من المالك،
فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال، وإن كانت في يد البائع جاز للمالك
الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على كل
من البائع والمشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري
أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها، إن كانت مثلية، وبقيمتها إن كانت قيمية.
(مسألة 265): المنافع المستوفاة مضمونة، وللمالك الرجوع بها على من
استوفاها وكذا الزيادات العينية، مثل اللبن والصوف والشعر والسرجين
ونحوها، مما كانت له مالية، فإنها مضمونة على من استولى عليها كالعين، أما
المنافع غير المستوفاة من العين، فالظاهر ضمانها عليه كالعين، على أساس أنها
تلفت تحت يده الضامنة.
127

(مسألة 266): المعيار في المثلي تساوي أفراد الصنف الواحد أو النوع
الواحد في الخصوصيات التي تختلف باختلافها رغبات الناس، ونقصد بالتساوي
التقارب في الصفات والخصوصيات كالدرهم والدينار ونحوهما، دون التساوي
الحقيقي.
والقيمي: ما لا تكون أفراده كذلك، فالآلات والظروف والأقمشة المعمولة
في المعامل والمصانع في هذا الزمان من المثلي، والجواهر الأصلية من الياقوت
والزمرد والألماس والفيروزج ونحوها من القيمي.
(مسألة 267): الظاهر أن المدار في القيمة المضمون بها القيمي قيمة زمان
القبض وهو يوم الغصب لا زمان التلف، ولا زمان الأداء.
(مسألة 268): إذا لم يمض المالك البيع الفضولي فلذلك صور:
الاولى: أن على البائع أن يرد الثمن المسمى إلى المشتري عينا إن كان
موجودا، وإلا فبدله.
الثانية: أن عين المبيع إن كانت في يد البائع وجب عليه أن يردها إلى
مالكها، وأن كانت في يد المشتري فكذلك، وأما إذا كانت تالفة تحت يده، فحينئذ
إن رجع المالك على المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة، فهل له الرجوع على
البائع ومطالبته بما دفعه من بدل العين أو لا؟
والجواب: ليس له الرجوع عليه بما يعادل الثمن وإن كان مغرورا؛ باعتبار
أن تقديم البائع هذا المبلغ له لم يكن مجانا لكي يكون ضمانه عليه، بل كان مع
العوض، نعم إذا لم يرد البائع الثمن إليه فله الرجوع عليه والمطالبة به، وإذا كان بدل
العين أزيد من الثمن فله الرجوع على البائع في الزائد، على أساس أن تقديم الزائد
128

له لما كان مجانا وبعنوان أنه ملكه، فهو المتلف له عرفا وضمانه عليه، وأما إذا لم
يكن المشتري مغرورا - كما إذا كان عالما بالحال - فلا يحق له الرجوع على البائع
وان كان عالما بالحال؛ لأن الواجب على المشتري في هذه الحالة الامتناع عن
تسليم العين وأخذها، فإذا أخذها من يد البائع وجب عليه ردها إلى مالكها؛ لأن
يده عليها يد ضمان، وإذا لم يردها وبقيت في يده إلى أن تلفت، فعليه ضمانها من
المثل أو القيمة.
الثالثة: أن المالك إذا رجع على البائع وأخذ منه بدل العين من المثل أو
القيمة، فهل له الرجوع على المشتري أو لا؟
والجواب: أن البائع وإن كان عالما بالحال والمشتري جاهلا بها، فله
الرجوع على المشتري بمقدار الثمن المسمى إذا لم يكن قد قبض الثمن منه، ولكن
ليس له الرجوع عليه في الزائد على الثمن، على أساس أنه المتلف عرفا للزائد
بتقديمه للمشتري مجانا وبعنوان أنه ملكه، وبكلمة: أن تقديم العين له بما يعادل
الثمن لم يكن مجانا، بل كان مع العوض ومضمونا. نعم، تقديم ما يزيد عليه في
المالية له كان مجانا، فلذلك يكون ضمانه عليه. أما إذا كان المشتري عالما بالحال
فللبائع الرجوع عليه ومطالبته بالزائد، سواء أكان البائع عالما بالحال أيضا أم لا،
وذلك لأن المشتري إذا كان يعلم بأن البائع فضولي وغير مالك للعين، لم يجز له
أخذها منه، فإذا أخذها والحال هذه وجب عليه ردها إلى مالكها عينا إن كانت
موجودة وإلا فبدلها بمقتضى اليد، وإذا رجع المالك على البائع في هذه الحالة،
فللبائع أن يرجع إلى المشتري كما هو الحال في مسألة تعاقب الأيدي، وإذا رجع
إلى المشتري فيها فالمشتري لا يرجع على البائع.
الرابعة: أن المالك إذا رجع إلى المشتري في بدل منافع العين، فهل له أن
129

يرجع على البائع في جميع الخسارات التي خسرها للمالك إذا كان جاهلا بالحال،
ومعتقدا بأن البائع مالك للعين وليس بفضولي، إما بإخباره بذلك أو من الخارج،
والبائع عالم بها؟
والجواب: أنه ليس لذلك ضابط كلي في جميع موارد منافع العين من
المنفصلة والمتصلة والمستوفاة وغيرها؛ لأن قاعدة رجوع المغرور إلى الغار لم
تثبت كقاعدة شرعية كلية؛ لقصور في دليلها، وعلى هذا فضمان البائع الغار لمنافع
العين منوط بكونه المتلف لها عرفا بتسليط المشتري عليها مجانا وبعنوان أنها
ملكه، وهذا يختلف باختلاف المنافع، فإن كانت من الأعيان المنفصلة كنتاج
الحيوان أو صوفه أو لبنه أو ثمرة الأشجار وغيرها، ففي مثل ذلك إذا رجع المالك
على المشتري فليس له أن يرجع على البائع، على أساس عدم استيلاء البائع على
تلك المنافع ليكون ضامنا لها، ولا فرق في ذلك بين أن تكون تلك المنافع مستوفاة
من قبل المشتري أو لا، فإنه على كلا التقديرين يكون ضمانها عليه؛ باعتبار أنها
تلفت تحت يده، وقد تسأل: هل للمالك في هذا الفرض الرجوع على البائع
ومطالبته ببدل المنافع التالفة أو لا؟
والجواب: ليس له الرجوع عليه ومطالبته به، على أساس أنه ليس ضامنا
لها، وإن كانت المنافع من توابع العين كمنافع الدار التي هي متمثلة في حيثية
السكنى فيها التابعة لها في الملكية والاستيلاء - ففي مثل ذلك - لو رجع المالك على
المشتري فله أن يرجع على البائع، على أساس أن تلك المنافع لما كانت تحت يد
البائع واستيلائه، فتقديمها للمشتري بعنوان أنها ملكه وقبول المشتري ذلك
جاهلا بالحال إتلاف لها منه عرفا، فيكون ضامنا، وأما المشتري فهو وأن
يضمنها ولكن ضمانه ليس في عرض ضمان البائع؛ إذ لا يمكن أن يكون لمال واحد
130

بدلان عرضيان، أحدهما في ذمة فرد والآخر في ذمة آخر، بل إنه في طوله، بمعنى:
أن ضمانه بدل عن ضمانه المستقر في ذمته فإذا أدى ما في ذمته للمالك ملك ما في
ذمة البائع، وله حينئذ أن يرجع إليه.
(مسألة 269): المال غير المملوك لشخص كالزكاة المعزولة، ومال الوقف
المجعول مصرفا في جهة معينة أو غير معينة، أو في مصلحة شخص أو أشخاص،
فإن كان تحت يد غاصب، فعلى الولي أن يرجع إليه مع وجوده وكذا مع تلفه وإذا
تعاقبت الأيدي عليه فقد مر حكمه.
(مسألة 270): قد تسأل: أن الضمان في مسألة تعاقب الأيدي هل هو بنحو
الوجوب الكفائي أو التخييري؟
والجواب: الظاهر أنه ليس بنحو الوجوب الكفائي، سواء فيه القول بتعلقه
بطبيعي المكلف على نحو صرف الوجود أم بالأفراد ولا بنحو الوجوب
التخييري، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى أنه لا يمكن أن يكون لمال واحد
بدلان في عرض واحد، أحدهما في ذمة فرد والآخر في ذمة آخر، وفي ضوء ذلك
فضمان الغاصب الأخير الذي تلف المال تحت يده واستيلائه، هو اشتغال ذمته
ببدل التالف مباشرة من المثل أو القيمة واستقراره فيها، وأما ضمان الغاصب
الأول، فبما أنه لا يمكن أن يكون بمعنى اشتغال ذمته ببدل التالف في عرض ضمان
الغاصب الأخير، فلابد أن يكون بأحد معنيين تاليين:
الأول: أن يكون ضمانه في طول ضمان الغاصب الأخير، بمعنى: أنه ضامن
بدل ما في ذمته طولا، ونتيجة ذلك أن المالك إذا رجع إلى الغاصب الأخير وأخذ
البدل منه برأت ذمته، فإذا برأت سقطت ذمة الغاصب الأول بسقوط موضوعها
وهو ذمة اللاحق، وإذا رجع إلى الغاصب السابق وأخذ البدل منه ملك السابق ما
131

في ذمة اللاحق، بمعنى: أن ذمته برأت من المالك واشتغلت للسابق.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون السابق واحدا أو متعددا، غاية الأمر إذا
كان متعددا فكل سابق منه ضامن لما في ذمة اللاحق، فإذا فرضنا أن الأيدي التي
مرت على العين أكثر من ثلاث، فإذا رجع المالك إلى صاحب اليد الأولى، فله أن
يرجع إلى صاحب الثانية، كما أن له أن يرجع إلى صاحب الأخيرة الذي استقر
الضمان عليه. هذا إذا كان استقرار الضمان على الغاصب الأخير، وأما إذا كان على
الأول، كما إذا كان غارا ومتلفا للمال عرفا بتقديمه للثاني مجانا بعنوان أنه ماله،
فيكون الأمر بالعكس تماما، فإن الأول ضامن لبدل العين مباشرة، والثاني
والثالث ضامن لبدل ما في ذمته طولا. هذا، ولكن إثبات هذا النحو من الضمان في
المقام بقاعدة اليد لا يخلو عن إشكال بل منع.
الثاني: أن ضمان الغاصب الأول للعين المغصوبة، إنما هو بمعنى: أن تأديتها
إلى أهلها الأعم منها ومن بدلها في عهدته ومسؤوليته شرعا، بدون أن تكون
ذمته مشغولة بشيء، ولا يخرج عن عهدته ومسؤوليته بانتقالها من يده إلى يد
الثاني، وكذلك لا تخرج عن عهدة الثاني بانتقالها من يده إلى يد الثالث، وحينئذ
فإذا تلفت في يد الثالث اشتغلت ذمته خاصة ببدلها من المثل أو القيمة دون
السابق، فإن ضمانه ليس ضمانا لنفس المال، وإنما هو ضمان لأدائه وإيصاله إلى
صاحبه، غاية الأمر ما دامت العين موجودة فهو ضامن لإيصالها، وإذا تلفت عند
اللاحق فهو ضامن لإيصال بدلها، وعلى هذا فإذا رجع المالك إلى الغاصب الأول
فله أن يرجع إلى الثاني. لأنه بأداء قيمة الدين يملك الدين في ذمة الثاني، وإذا
رجع إلى الثاني فهو لا يرجع إلى الأول، على أساس أنه ضامن لنفس البدل
مباشرة، فإذا أداه فرغت ذمته بذلك ولا شيء عليه بعده. ودعوى أنه لا دليل
132

على هذا النوع من الضمان مدفوعة: بأن الدليل عليه في المقام قاعدة اليد، وأما في
سائر الموارد فهو قسم من الضمان المعاملي وثابت شرعا وارتكازا وبمقتضى:
(أوفوا بالعقود) ومنه قبول البنك للكمبيالة، فإنه لا يمكن تفسيره على أساس
عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف، وهو نقل الدين من ذمة إلى ذمة آخر، فإن
البنك لا يقصد ذلك وإنما يقصد تعهده للدائن بالأداء وتحصيل الدين من المدين،
ومن هذا القبيل إذا أخذ الشخص المسؤولية عن أداء الدين للدائن على عاتقه،
بأن يقول للدائن أنا مسؤول ومتعهد بأداء دينك وأنه سيؤدي إليك، فالضمان هنا
ليس ضمانا لنفس مبلغ الدين، وإنما هو ضمان لأدائه مع بقاء الدين في ذمة المدين.
(مسألة 271): لو باع إنسان ملكه وملك غيره صفقة واحدة صح البيع فيما
يملك، وتوقفت صحة بيع غيره على إجازة المالك، فإن إجازة صح وإلا فلا،
وحينئذ يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فله فسخ البيع بالإضافة إلى ما
يملكه البائع.
(مسألة 272): طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن أن يقوم كل من
المالين بقيمته السوقية، فيرجع المشتري بحصة من الثمن نسبتها إلى الثمن نسبة
قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ماله عشرة وقيمة مال
غيره خمسة والثمن ثلاثة، يرجع المشتري بواحد الذي هو ثلث الثمن ويبقى للبائع
اثنان وهما ثلثا الثمن. هذا، إذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة ونقصها، أما
لو كان الأمر كذلك، وجب تقويم كل منهما في حال الانضمام إلى الآخر، ثم تنسب
قيمة كل واحد منهما إلى مجموع القيمتين، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، مثلا إذا
باع الجارية وابنتها بخمسة، وكانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستة وفي حال
الانضمام أربعة وقيمة ابنتها بالعكس، فمجموع القيمتين عشرة، فإن كانت الجارية
133

لغير البائع رجع المشتري بخمسين - وهما اثنان من الثمن - وبقي للبائع ثلاثة
أخماس، وإن كانت البنت لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن - وهو
ثلاثة - وبقي للبائع اثنان.
(مسألة 273): إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السوية، فباع
أحدهما نصف الدار، فإن قامت القرينة على أن المراد نصف نفسه أو نصف غيره،
أو نصف في النصفين، عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة على شيء من ذلك
حمل على نصف نفسه لا غير.
(مسألة 274): يجوز للأب والجد للأب - وإن علا - التصرف في مال الصغير
بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكل منهما مستقل في الولاية، فلا يعتبر الإذن
من الآخر، كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما، ولا أن تكون مصلحة في تصرفهما بل
يكفي عدم المفسدة فيه، إلا أن يكون التصرف تفريطا منهما في مصلحة الصغير،
كما لو اضطر الولي إلى بيع مال الصغير، وأمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل، فلا
يجوز له البيع بقيمة المثل، فإن فيه تفويتا لمصلحة الصغير، وكذا لو دار الأمر بين
بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل وزيادة درهمين لاختلاف الأماكن أو الدلالين،
أو نحو ذلك لم يجز البيع بالأقل، إلا إذا كانت فيه مصلحة له، والمدار في كون
التصرف مشتملا على المصلحة أو عدم المفسدة، إنما هو بنظر الولي إذا كان من
أهل الخبرة في ذلك التصرف، وإلا فعليه أن يرجع فيه إلى أهل الخبرة، فلا يجوز
التصرف بدون الرجوع إليهم.
(مسألة 275): يجوز للأب والجد التصرف في نفس الصغير بإجارته لعمل
أو جعله عاملا في المعامل والمصانع والقيام بتربيته العلمية والدينية والأخلاقية
وسائر شؤونه مثل تزويجه وغيره، شريطة أن تكون له في هذه التصرفات
134

مصلحة، أو إذا لم تكن له فيها مصلحة أو كانت مفسدة، ولكنها كانت أقل من
مفسدة جعله مهملا وعاطلا. نعم، ليس لهما طلاق زوجته، وهل لهما فسخ نكاحه
عند حصول المسوغ للفسخ، وهبة المدة في عقد المتعة أو لا؟ وجهان والثبوت
أقرب.
(مسألة 276): إذا أوصى الأب أو الجد إلى شخص بالولاية بعد موته على
القاصرين نفذت الوصية، وصار الموصى إليه وليا عليهم بمنزلة الموصي تنفذ
تصرفاته، ويشترط فيه الرشد والأمانة ولا تشترط فيه العدالة على الأقوى. كما
يشترط في صحة الوصية فقد الآخر، فلا تصح وصية الأب بالولاية على الطفل
مع وجود الجد، ولا وصية الجد بالولاية على حفيده مع وجود الأب، ولو أوصى
أحدهما بالولاية على الطفل بعد فقد الآخر لا في حال وجوده، ففي صحتها
إشكال ولا يبعد الصحة، لأن مرجع ذلك إلى جعل الولاية في حالة خاصة وهي
حالة فقد الأب والجد معا.
(مسألة 277): ليس لغير الأب والجد للأب والوصي لأحدهما ولاية على
الصغير ولو كان عما أو اما أو جدا للأم أو أخا كبيرا، فلو تصرف أحد هؤلاء في
مال الصغير أو في نفسه أو سائر شؤونه لم يصح، وتوقف على إجازة الولي.
(مسألة 278): تكون الولاية على الطفل للحاكم الشرعي مع فقد الأب
والجد والوصي لأحدهما، ومع تعذر الرجوع إلى الحاكم فالولاية لعدول
المؤمنين، لكن الأحوط الاقتصار على صورة لزوم الضرر في ترك التصرف فيه،
كما لو خيف على ماله التلف - مثلا - فيبيعه العادل؛ لئلا يتلف، ولا يعتبر حينئذ أن
تكون في التصرف فيه غبطة وفائدة، بل لو تعذر وجود العادل - حينئذ - لم يبعد
جواز ذلك لسائر المؤمنين، ولو اتفق احتياج المكلف إلى دخول دار الأيتام
135

والجلوس على فراشهم، والأكل من طعامهم وتعذر الاستئذان من وليهم لم يبعد
جواز ذلك إذا عوضهم عن ذلك بالقيمة، ولم يكن فيه ضرر عليهم وإن كان
الأحوط تركه، وإذا كان التصرف مصلحة لهم جاز من دون حاجة إلى عوض.
والله سبحانه وتعالى العالم.
الفصل الثالث
شروط العوضين
يشترط في المبيع أن يكون عينا، سواء أكان موجودا في الخارج أم في
الذمة، وسواء أكانت الذمة ذمة البائع أم غيره، كما إذا كان له مال في ذمة غيره
فباعه لشخص ثالث، فلا يجوز بيع المنفعة كمنفعة الدار، ولا بيع العمل كخياطة
الثوب، وأما الثمن فيجوز أن يكون عينا أو منفعة أو عملا.
(مسألة 279): المشهور على اعتبار أن يكون المبيع والثمن مالا يتنافس فيه
العقلاء، فكل ما لا يكون مالا - كبعض الحشرات - لا يجوز بيعه ولا جعله ثمنا،
ولكن الظاهر عدم اعتبار ذلك وإن كان الاعتبار أحوط.
(مسألة 280): الحقوق مطلقا من قبيل الأحكام، فكما لا يصح بيعها لا
يصح جعلها ثمنا. نعم، في مثل حق التحجير القابل للانتقال، يجوز جعل متعلق
الحق بما هو كذلك ثمنا، ويجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق، حتى فيما إذا لم
يكن قابلا للانتقال، وكان قابلا للإسقاط، كما يجوز جعل الإسقاط ثمنا، فيملك
البائع على المشتري الإسقاط، فيجب عليه ذلك بعد البيع، بل يجوز جعل متعلق
136

الحق - بما هو متعلقه - مبيعا، كبيع الأرض المحياة بناء على أن الإحياء إنما يمنح
الحق للمحيي بها دون الملك كما هو الظاهر.
(مسألة 281): يشترط في البيع أن لا يكون غرريا على الأحوط، وتكفي
المشاهدة فيما تعارف بيعه بالمشاهدة، ولا تكفي في غير ذلك، بل لابد أن يكون
مقدار كل من العوضين كيلا أو وزنا أو عدا أو مساحة معلوما، ولا بأس بتقديره
بغير ما هو المتعارف تقديره به كبيع المكيل بالوزن، وبالعكس إذا لم يكن البيع
غرريا، وإذا كان الشيء مما يباع في حال بالمشاهدة، وفي حال أخرى بالوزن أو
الكيل، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة وفي المخازن بالوزن، والحطب محمولا
على الدابة بالمشاهدة وفي المخزن بالوزن، واللبن المخيض يباع في السقاء
بالمشاهدة وفي المخازن بالكيل، فصحة بيعه مقدرا أو مشاهدا تابعة للمتعارف
على الأحوط.
(مسألة 282): يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر، كيلا أو وزنا، أو
عدا إذا كان ثقة وإن لم يكن عدلا، ولو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري
بالخيار بين أن يفسخ المعاملة ويسترد الثمن بكامله من البائع، وبين أن يمضيها بتمام
الثمن، ولو تبينت الزيادة في المبيع كان البائع بالخيار بين فسخ المعاملة وإمضائها
بتمام المبيع، وأما ما قيل من: أن البيع بالنسبة إلى مقدار النقيصة في الأول ومقدار
الزيادة في الثاني باطل - بمعنى أن مقدار ثمن النقيصة باق في ملك المشتري على
الأول، والزيادة على المبيع باقية في ملك البائع على الثاني، فيرجع المشتري
حينئذ على البائع بثمن النقيصة، ويرجع البائع على المشتري بالزيادة - فهو
ضعيف ولا يبتني على أصل.
(مسألة 283): العلم بالعوضين الرافع للغرر يتم بأحد الطرق التالية:
137

الأول: بالكيل والوزن إذا كان المبيع من المكيل أو الموزون.
الثاني: بالتقدير الكمي عرضا وطولا، كما إذا كان المبيع أرضا أو ما
شاكلها.
الثالث: بالمشاهدة أعم من المشاهدة الفعلية أو السابقة.
الرابع: بإخبار البائع بنوعية المبيع وأوصافه وخصوصياته وغيرهما إذا
كان ثقة.
الخامس: إخبار أهل الفن والخبرة بذلك، فلو اشترى سلعا اعتباطا
وبدون تحقيق ثم ظهر الخلاف، فإن كان في النوع أو الجنس بطل البيع، وإن كان في
الوصف صح ولم يثبت له الخيار أيضا، على أساس أنه أقدم على شرائه كذلك،
والخيار إنما يثبت إذا كان الشراء مبنيا على وصف الصحة ولو ارتكازا، أو على
اشتراط الوصف الكمالي في ضمن العقد.
(مسألة 284): إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء، بأن كان موزونا في بلد
ومعدودا في آخر ومكيلا في ثالث، فالظاهر أن المدار في التقدير بلد المعاملة،
ولكن يجوز البيع بالتقدير الآخر أيضا إذا لم يكن فيه غرر، وإلا فالأحوط تركه.
(مسألة 285): قد يؤخذ الوزن شرطا في المكيل أو المعدود، أو الكيل
شرطا في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس بشرط أن يكون كيلها
صاعا، فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك؛ لرقة الدبس، أو يبيعه عشرة أذرع من
قماش بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال، فيتبين أن وزنها تسعمائة؛ لعدم إحكام
النسج، أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان، بشرط أن يكون وزنه مائة مثقال،
فيتبين أن وزنه مائتا مثقال؛ لغلظة خيوطه ونحو ذلك، مما كان التقدير فيه
138

ملحوظا صفة كمال للمبيع لا مقوما له، والحكم أنه مع التخلف بالزيادة أو
النقيصة يكون الخيار للمشتري؛ لتخلف الوصف، فإن أمضى العقد كان عليه تمام
الثمن، والزيادة للمشتري على كل حال.
(مسألة 286): يشترط معرفة جنس العوضين في صحة البيع، وأما معرفة
صفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها، كالألوان والطعوم والجودة والرداءة والرقة
والغلظة والثقل والخفة ونحو ذلك، فهي على الأحوط الأولى، أما ما لا يوجب
اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته وإن كان مرغوبا عند قوم وغير مرغوب
عند آخرين. والمعرفة إما بالمشاهدة أو بتوصيف البائع أو بالرؤية السابقة.
(مسألة 287): يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكا للمتعاملين،
كما هو الحال في أكثر البيوع والمعاملات الواقعة بين الناس والمتداولة بينهم، سواء
أكانا من الأعيان الخارجية أو كانا في الذمم أو ما يكون في حكم الملك، كبيع
أموال لجهة خاصة من الجهات، مثل بيع ولي الزكاة بعض الأعيان الزكوية
وشراء البديل لها بثمنها وهو العلف، وبيع ولي الموقوفة بعض أدواتها ولوازمها
إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وعليه فلا يجوز بيع ما ليس في حوزته واختياره،
كبيع السمك في الماء والطير في الهواء، وشجر البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز وما
شابه ذلك.
(مسألة 288): يصح للراهن بيع العين المرهونة بإذن المرتهن، وكذلك لو
أجازه بعد وقوعه، والأظهر صحة البيع مع عدم إجازته أيضا، إلا أنه يثبت
الخيار حينئذ للمشتري إذا كان جاهلا بالحال حين البيع.
(مسألة 289): لا يجوز بيع الوقف إلا في موارد:
منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالحيوان المذبوح
139

والجذع البالي والحصير المخرق وغيرها مما يؤدي بقاؤه إلى التلف والضياع.
ومنها: أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به مع كونه ذا منفعة
يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفا، كالدار التي انهدمت وصارت عرصة، فإنه وإن كان
بالإمكان إجارتها عرصة بأجرة قليلة غير معتد بها في مقابل أجرة الدار، ولكن
إذا بيعت واشترى بثمنها خانا أو دكانا كان نفعه كالأول.
ومنها: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلة المنفعة أو كثرة
الخراج أو كون بيعه أنفع بكثير من بقائه، أو احتياجهم الشديد إلى عوضه، أو
غير ذلك من ضرورة دعت إلى ذلك.
ومنها: ما إذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم، بحيث لا يؤمن
معه من تلف النفوس والأموال.
ومنها: ما لو علم أن الواقف لاحظ في قوام الوقف عنوانا خاصا في العين
الموقوفة، مثل كونها بستانا أو حماما فيزول ذلك العنوان، فإنه يجوز البيع حينئذ
ويشتري بديلا له إن أمكن، وإلا فيصرف ثمنه في الأقرب فالأقرب إلى غرض
الواقف.
ومنها: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن
المنفعة المعتد بها عرفا، واللازم حينئذ تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء، ثم
يبيع ويشتري مكانه ما يقوم مقامه - ولو في الجملة - إن أمكن، وإلا فيصرف
الثمن فيما هو الأقرب فالأقرب.
(مسألة 290): ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في
المساجد، فإنها لا يجوز بيعها على كل حال. نعم، يجري في مثل الخانات الموقوفة
140

للمسافرين وكتب العلم والمدارس والرباطات الموقوفة على الجهات الخاصة أو
العامة.
(مسألة 291): إذا جاز بيع الوقف، فإن كان من الأوقاف غير المحتاجة إلى
المتولي، كالوقف على الأشخاص المعينين لم تحتج إلى إجازة غيرهم، وإلا فإن كان
له متول خاص فاللازم مراجعته، ويكون البيع بإذنه، وإلا فالأظهر مراجعة
الحاكم الشرعي، والاستئذان منه في البيع، كما أن الأظهر أن يشتري بثمنه ملكا،
ويوقف على النهج الذي كان عليه الوقف الأول. نعم، لو خرب بعض الوقف جاز
بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر، كتعميره وسائر لوازمه إذا
كان بحاجة إلى ذلك، وإلا فيصرف في وقف آخر إذا كان موقوفا على نهج وقف
الخراب مراعاة للأقرب فالأقرب. وإذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به
وأمكن بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه، فهل يتعين ذلك أو يجوز بيع الجميع
ويشتري مكانه بديلا له وإن كان دونه؟
والجواب: أن أيا منهما أنفع وأقرب إلى مقصود الواقف فهو المتعين.
(مسألة 292): لا يجوز بيع الأمة إذا كانت ذات ولد لسيدها ولو كان حملا
غير مولود، وكذا لا يجوز نقلها بسائر النواقل، وإذا مات ولدها جاز بيعها، كما
يجوز بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى، وفي هذه المسألة فروع كثيرة لم
نتعرض لها؛ لقلة الابتلاء بها.
(مسألة 293): لا يجوز بيع رقبة الأرض الخراجية، وهي الأرض المفتوحة
عنوة العامرة حين الفتح، فإنها ملك للمسلمين عامة، ولا فرق بين أن تكون فيها
آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرها وأن لا تكون. نعم، يجوز للبائع في
الفرض الأول بيعها، على أساس ما فيها من الحق المتعلق بها الناشئ من العمل
141

والجهد في سبيل إيجاد وتوفير صفة ذات قيمة اقتصادية فيها، ولكن ذلك إنما هو
بيع للحق المتعلق بها دون رقبة الأرض، ولا يجوز لأي أحد التصرف فيها إلا
بإذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام وهو الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، وقد
تسأل: أن تلك الأراضي إذا كانت بيد الخلفاء وسلاطين الجور، فهل يتوقف
جواز التصرف فيها على إذنهم ولا يجوز من دونه أو لا؟
والجواب: أنه لا يتوقف على إذنهم فيه إذ لا ولاية لهم على تلك الأراضي،
ولكن بما أن لكل فرد من شملته أخبار التحليل حقا فيها وهو لا يتمكن من
ممارسة حقه من دون مراجعة هؤلاء، على أساس أنها كانت تحت استيلائهم
وسيطرتهم خارجا، فتكون المراجعة إنما هي من أجل استيفاء حقه فيها
وممارسته، لا من أجل أن جواز تصرفه فيها يتوقف على إذنه وتقبيله، ولو ماتت
الأرض العامرة حين الفتح، فهل تنقطع بذلك علاقة المسلمين عنها نهائيا أو لا؟
والجواب: أنها لا تنقطع بذلك، فإن ملك المسلمين إنما هو رقبة الأرض
وإن كانت ميتة، وعلى هذا فإذا قام فرد بإحيائها كان أحق بها من دون أن يملك
رقبتها، وإذا تركها حتى ماتت زال حقه بزوال سببه وهو الإحياء؛ لأن كل فرد
يملك نتيجة عمله وجهده، وهي خلق شروط فيها التي يتيح له فرصة الاستفادة
منها والانتفاع بها، فإذا ماتت تلك الشروط بإهمالها مات حقه، وحينئذ فيجوز
لغيره أن يقوم بإحيائها بلا حاجة إلى إذنه، وإذا أحياها السلطان المدعي للخلافة
على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية.
(مسألة 294): في تعيين أرض الخراج إشكال بل منع، فإن العلماء
والمؤرخين وإن ذكروا أراضي كثيرة وأنها من الأراضي الخراجية وملك
للمسلمين منها أرض العراق، ولكن لم يثبت شيء من ذلك، على أساس أن
142

ملكية المسلمين للأراضي الخراجية منوطة بتوفر أمرين:
أحدهما: أخذها من الكفار بالجهاد المسلح وقهرا.
والآخر: أن يكون ذلك الأخذ بإذن الإمام (عليه السلام) وحيث أنه لم يثبت أن
الفتوحات بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وفي زمن الخلفاء كانت بإذن الإمام (عليه السلام) فلم
يثبت أن الأراضي المأخوذة في تلك الفتوحات ملكا للمسلمين، بل هي من
الأنفال. هذا إضافة إلى أن أمر الأراضي بكلا نوعيها بيد الإمام (عليه السلام) وله أن
يتصرف فيها بما يرى من تقبيل وإجارة ونحوهما، فلا ثمرة من هذه الناحية بين
كون تلك الأراضي ملكا للمسلمين وكونها ملكا للإمام (عليه السلام) هذا من ناحية، ومن
ناحية أخرى أن الأرض المفتوحة عنوة بشروطها ملك للمسلمين عامة، بلا
فرق بين أن تكون معمورة بشرية أو طبيعية أو ميتة، وعلى هذا فلا أثر للشك في
أنها حين الفتح كانت ميتة أو معمورة.
(مسألة 295): يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدورا على تسليمه،
فلا يجوز بيع الجمل الشارد أو الطير الطائر أو السمك المرسل في الماء، ولا فرق
بين العلم بالحال والجهل بها، ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادرا على
أخذها من الغاصب صح، كما أنه يصح بيعها على الغاصب أيضا وإن كان البائع لا
يقدر على أخذها منه، ثم دفعها إليه.
(مسألة 296): لو علم بالقدرة على التسليم، فباع فانكشف الخلاف بطل،
ولو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة. هذا شريطة أن يكون
جادا في الإنشاء، ولكنه مع العلم بالعجز وبطلان البيع لا يمكن أن يكون جادا فيه
وقاصدا له واقعا.
(مسألة 297): لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه، لكن علم
143

بحصولها بعده، فإن كانت المدة يسيرة صح، وإذا كانت طويلة لا يتسامح بها، فإن
كانت مضبوطة كسنة أو أكثر، فالظاهر الصحة مع علم المشتري بها وكذا مع
جهله بها، لكن يثبت الخيار للمشتري، وأما إذا كانت غير مضبوطة، كما لو باعه
دابة غائبة يعلم بحضورها، لكن لا يعلم زمانه وأنه بعد شهر أو شهرين أو سنة أو
أكثر، فالظاهر أنه صحيح أيضا، أما مع علم المشتري بالحال فواضح، وأما مع
جهله بها، فيثبت له الخيار إما من جهة تأخير التسليم أو من جهة الغرر.
(مسألة 298): إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان وكيلا في
إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكيلا في المعاملة كعامل
المضاربة، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك، فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في
صحة المعاملة، فإذا لم يقدرا بطل البيع.
(مسألة 299): يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة إذا كانت ذات قيمة معتد
بها.
الفصل الرابع
الخيارات
وهي كما يلي: 1 - خيار المجلس 2 - خيار الحيوان 3 - خيار الشرط
4 - خيار الغبن 5 - خيار التأخير 6 - خيار الرؤية 7 - خيار العيب.
الخيار: حق يمنح صاحبه السلطنة على العقد فسخا وإمضاء.
144

(1) خيار المجلس
أي: مجلس البيع، فإنه إذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري الخيار في
المجلس ما لم يفترقا، فإذا افترقا - عرفا - لزم البيع وانتفى الخيار، وإن كان المباشر
للعقد الوكيل كان الخيار للمالك، إذا كان الوكيل وكيلا في إجراء الصيغة فقط؛ إذ
ليس له حينئذ الفسخ عن المالك، وإن كان وكيلا في تمام المعاملة وشؤونها كان له
الفسخ عن المالك، والمدار على اجتماع المباشرين وافتراقهما لا المالكين، ولو فارقا
المجلس مصطحبين بقي الخيار لهما حتى يفترقا، ولو كان الموجب والقابل واحدا
وكالة عن المالكين أو ولاية عليهما ففي ثبوت الخيار إشكال، والأظهر العدم.
(مسألة 300): هذا الخيار يختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات.
(مسألة 301): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد، كما يسقط
بإسقاطه بعد العقد.
(2) خيار الحيوان
كل من اشترى حيوانا - إنسانا كان أو غيره - ثبت له الخيار ثلاثة أيام
مبدؤها زمان العقد، وإذا كان العقد أول النهار كان الخيار في ثلاثة أيام تامة
وليلتان متوسطتان، وأما الليلة الاولى والرابعة فهما خارجتان عن فترة الخيار،
وإذا كان في أثناء النهار كأول الزوال - مثلا - كان الخيار في ثلاثة أيام ملفقة
وثلاثة ليالي تامة، وإذا لم يفترق المتبايعان حتى مضت ثلاثة أيام سقط خيار
الحيوان، وبقي خيار المجلس.
(مسألة 302): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما يسقط
145

بإسقاطه بعده، وبالتصرف في الحيوان تصرفا يدل على إمضاء العقد واختيار
عدم الفسخ، بل لا يبعد أن يكون التصرف فيه مطلقا مانعا عن الفسخ وإن لم يدل
على الإمضاء، مثال ذلك: رجل اشترى جارية، فإذا لامسها أو قبلها أو نظر إلى
ما كان يحرم عليه قبل الشراء سقط خياره، مع أن مثل هذا التصرف لا يدل على
الإمضاء مطلقا، وأوضح من ذلك ما إذا أحدث المشتري فيه عيبا أو نقصا، فإن
خياره يسقط بذلك جزما.
(مسألة 303): يثبت هذا الخيار للبائع أيضا إذا كان الثمن حيوانا.
(مسألة 304): يختص هذا الخيار أيضا بالبيع، ولا يثبت في غيره من
المعاوضات.
(مسألة 305): إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدة الخيار كان تلفه
من مال البائع، ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان دفعه اليه، وكذلك إذا حدث
فيه نقص أو عيب في خلال الأيام الثلاثة، فإنه على البائع.
(3) خيار الشرط
والمراد به: الخيار المجعول باشتراطه في العقد، أما لكل من المتعاقدين أو
لأحدهما بعينه أو لأجنبي.
(مسألة 306): لا يتقدر هذا الخيار بمدة معينة، بل يجوز اشتراطه في أي مدة
كانت قصيرة أو طويلة، متصلة أو منفصلة عن العقد. نعم، لابد من تعيين مبدأها
وتقديرها بقدر معين، ولو ما دام العمر، وهل يجوز جعل الخيار مدة غير محدودة
قابلة للزيادة والنقيصة أو لا؟
146

والجواب: أن المشتري إن قبل البيع مع هذا الشرط المجهول صح، وإن قبل
بدونه، فإن رضي البائع بذلك صح أيضا والغي الشرط، وإن لم يقبل المشتري مع
الشرط المذكور أو لم يقبل البائع بدون ذلك، بطل البيع من أصله.
(مسألة 307): إذا جعل الخيار شهرا كان الظاهر منه المتصل بالعقد، وكذا
الحكم في غير الشهر من السنة أو الأسبوع أو نحوهما، وإذا جعل الخيار شهرا
مرددا بين الشهور احتمل البطلان من جهة عدم التعيين، لكن الظاهر الصحة،
فإن مرجع ذلك هو جعل الخيار في تمام تلك الشهور.
(مسألة 308): لا يجوز اشتراط الخيار في الإيقاعات، كالطلاق والعتق
ونحوهما على الأحوط، ولا يصح جعل الخيار في العقود الإذنية، كالعارية
والوديعة والوكالة والجعالة، ويصح في العقود اللازمة ما عدا النكاح، وهل يصح
جعله في العقود الجائزة كالهبة ونحوها أو لا؟
والجواب: لا يبعد صحة جعله فيها.
(مسألة 309): يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدة معينة متصلة بالعقد، أو
منفصلة عنه، على نحو يكون له الخيار في حال رد الثمن بنفسه مع وجوده أو ببدله
مع تلفه، ويسمى بيع الخيار فإذا مضت مدة الخيار، لزم البيع وسقط الخيار وامتنع
الفسخ، وإذا فسخ في المدة من دون رد الثمن أو بدله مع تلفه لا يصح الفسخ، وكذا
لو فسخ قبل المدة فلا يصح الفسخ إلا في المدة المعينة، في حال رد الثمن أو رد بدله
مع تلفه، ثم إن الفسخ إما أن يكون بإنشاء مستقل في حال الرد، مثل فسخت
ونحوه، أو يكون بنفس الرد، على ان يكون إنشاء الفسخ بالفعل وهو الرد، لا
بقوله: فسخت، ونحوه.
(مسألة 310): المراد من رد الثمن إحضاره عند المشتري وتمكينه منه، فلو
147

أحضره كذلك، جاز له الفسخ وإن امتنع المشتري من قبضه.
(مسألة 311): الظاهر أنه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع برد بعض الثمن،
كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.
(مسألة 312): إذا تعذر تمكين المشتري من الثمن لغيبة أو جنون أو نحوهما
مما يرجع إلى قصور فيه، فالظاهر أنه يكفي في صحة الفسخ تمكين وليه ولو كان
الحاكم الشرعي أو وكيله، فإذا أمكنه من الثمن جاز له الفسخ وإلا فلا، ويصبح
العقد حينئذ لازما.
(مسألة 313): نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري، كما أن
نماء الثمن للبائع.
(مسألة 314): لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى انتهاء مدة الخيار،
التصرف الناقل للعين من هبة أو بيع أو نحوهما، ولو تلف المبيع كان ضمانه على
المشتري، ولا يسقط بذلك خيار البائع، إلا إذا كان المقصود من الخيار المشروط
خصوص الخيار في حال وجود العين، بحيث يكون الفسخ موجبا لرجوعها
نفسها إلى البائع، لكن الغالب الأول.
(مسألة 315): إذا كان الثمن المشروط رده دينا في ذمة البائع، كما إذا كانت
ذمته مشغولة للمشتري بمال، وباع البائع داره مثلا من المشتري بذلك المال في
ذمته، وجعل الخيار له مشروطا برده إلى سنة، كفى في رد ذلك المال الذي هو
الثمن، رد فرده خارجا، وإذا كان الثمن عينا في يد البائع ثبت الخيار له إذا دفعها إلى
المشتري، وإذا كان الثمن كليا في ذمة المشتري فدفع منه فردا إلى البائع بعد وقوع
البيع، فالظاهر كفاية رد فرد آخر منه في صحة الفسخ.
148

(مسألة 316): لو اشترى الولي شيئا للمولى عليه ببيع الخيار، فارتفع
حجره قبل انقضاء المدة كان الفسخ مشروطا برد الثمن إليه، ولا يكفي الرد إلى
وليه، ولو اشترى أحد الوليين كالأب ببيع الخيار، جاز الفسخ بالرد إلى الولي
الآخر كالجد، إلا أن يكون المشروط الرد إلى خصوص الولي المباشر للشراء.
(مسألة 317): إذا مات البائع - قبل اعمال الخيار - انتقل الخيار إلى ورثته،
فلهم الفسخ بردهم الثمن إلى المشتري ويشتركون في المبيع على حساب سهامهم
في الإرث، ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصح للبعض الآخر الفسخ لا في تمام
المبيع ولا في بعضه، ولو مات المشتري كان للبائع الفسخ برد الثمن إلى ورثته. هذا
شريطة أن لا يجعل الشرط رد الثمن إلى خصوص المشتري مباشرة، وإلا فلا
يقوم وارثه مقامه.
(مسألة 318): يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري برد المبيع إلى البائع
والظاهر منه عند الإطلاق رد نفس المبيع، فلا يكفي رد البدل حتى مع تلفها، إلا
أن تقوم هناك قرينة على إرادة ما يعم رد البدل عند التلف، كما هو الغالب في رد
الثمن، فإن البائع يبيع داره مثلا بالبيع الخياري من جهة حاجته إلى الثمن، فلا محالة
يتصرف فيه ولا يبقى عينه، وحينما أراد رده رد بدله، ويجوز أيضا اشتراط الخيار
لكل منهما عند رد ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.
(مسألة 319): لا يصح اشتراط خيار فسخ البيع برد البدل مع وجود
العين؛ لأن معنى الفسخ: حل العقد، وهو يتطلب رجوع نفس العين إلى ملك
مالكها الأول، فاشتراط رجوع بدلها إليه مناف لحقيقة الفسخ، وكذلك لا يصح
شرط رد القيمة في المثلي أو المثل في القيمي عند التلف.
(مسألة 320): يسقط هذا الخيار بانقضاء المدة المجعولة له مع عدم الرد،
149

وبإسقاطه بعد العقد.
(4) خيار الغبن
إذا باع شخص شيئا بأقل من قيمة مثله في العرف العام وكان جاهلا بذلك
فهو مغبون، فيثبت له الخيار، وكذلك إذا اشترى سلما بأكثر من قيمة مثله، ولا
يثبت له هذا الخيار إذا كان عالما بالحال.
(مسألة 321): يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجبا
للغبن عرفا، بأن يكون مقدارا لا يتسامح به عند غالب الناس، فلو كان جزئيا
غير معتد به لقلته لم يوجب الخيار، وحده بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث
بالخمس، ولكن لا أصل لشيء من ذلك، فإنه لا يمكن تحديده بنسبة معينة
لاختلافه باختلاف المعاملات، فالمعاملات التجارية الكبيرة يكفي في صدق
الغبن فيها التفاوت بنسبة عشر العشر بل الأقل، على أساس أن حجم المعاملات
والمداولات كل ما كانت كبيرة، فقد يكون تفاوت السعر فيها بنسبة واحدة في
الألف غبنا، فإذن لا يمكن جعل ضابط عام لذلك، بل في كل مورد لابد من لحاظ
حجم المعاملة فيه ونسبة التفاوت في السعر إليه. نعم، في المعاملات العادية
المتداولة بين الناس يوميا، فلا يكون التفاوت بهذه النسبة غبنا، فالمدار فيها إنما
هو بعدم المسامحة في الزيادة والنقيصة لدى العرف والعقلاء بالنسبة إلى القيمة
السوقية من جهة، وبالنسبة إلى البيع اللازم الخياري من جهة أخرى، فإن
الزيادة إن كانت عشرين في المائة مثلا فهي غبن في البيع اللازم، كما إذا اشترى ما
يساوى مائة دينار بمائة وعشرين دينارا، وليست بغبن في البيع الخياري، وكذلك
الحال في النقيصة.
150

(مسألة 322): الظاهر كون الخيار المذكور ثابتا من حين العقد لا من
حين ظهور الغبن، على أساس أن منشأه تخلف الشرط الضمني، وهو اشتراط
المشتري على البائع ارتكازا على أن لا يبيع أكثر من القيمة السوقية، فإذا باع
بأكثر منها ثبت الخيار للمشتري وإن كان جاهلا بذلك وكذلك البائع على
المشتري بأن لا يشتري بأقل منها، وعليه فلو فسخ قبل ظهور الغبن صح
فسخه مع ثبوت الغبن واقعا، ثم إن المدار في الغبن على القيمة حال العقد، فلو
زادت بعده - وإن كان ذلك قبل اطلاع المغبون على النقصان حين العقد - لم
ينفع في سقوط الخيار، كما أنها لو نقصت قيمته بعده لم يؤثر في ثبوت الخيار.
(مسألة 323): ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ، ولو
بذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول، بل يتخير بين فسخ البيع من أصله
وإمضائه بتمام الثمن المسمى. نعم، لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صح الصلح
وسقط الخيار، ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.
يسقط الخيار المذكور بأمور:
الأول: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن، ولو أسقطه بزعم كون
التفاوت عشرة فتبين كونه مائة، فإن كان المقصود إسقاط مرتبة خاصة من
الغبن، ثم تبين كونه أزيد لم يسقط الخيار، وإن كان المقصود إسقاط الخيار من دون
خصوصية لمرتبة خاصة من الغبن دون الأخرى، ثم تبين كونه أزيد فلا أثر له،
وكذلك الحال إذا صالح على إسقاط الخيار، فإن كانت المصالحة على مرتبة خاصة
من الغبن، ثم تبين كونه أزيد بطلت المصالحة، وإن كانت المصالحة على إسقاط
الخيار من دون خصوصية لمرتبة من الغبن دون أخرى سقط الخيار وإن تبين
كونه أزيد.
151

الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه
عشرة فتبين أنه مائة، جرى فيه التفصيل السابق.
الثالث: تصرف المغبون - بائعا كان أو مشتريا فيما انتقل إليه - تصرفا يدل
على الالتزام بالعقد. هذا إذا كان بعد العلم بالغبن، أما لو كان قبله فالمشهور على
عدم السقوط به، ولكنه بإطلاقه لا يخلو عن إشكال، فإنه قد يدل على الالتزام
بالعقد، كما إذا كان تصرفه فيه بالبيع أو بالإتلاف أو نحو ذلك. نعم، إذا لم يدل على
ذلك - كما هو الغالب في التصرف حال الجهل بالغبن - فلا يسقط الخيار به، ولو
كان متلفا للعين أو مخرجا لها عن الملك أو مانعا عن الاسترداد كالاستيلاد.
(مسألة 324): إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع، فإن كان المبيع
موجودا عند المشتري استرده منه، وإن كان تالفا بفعله أو بغير فعله رجع بمثله
إن كان مثليا، وبقيمته إن كان قيميا، وإن وجده معيبا بفعله أو بغير فعله أخذه مع
أرش العيب، وإن وجده خارجا عن ملك المشتري - بأن نقله إلى غيره بعقد لازم
كالبيع أو الهبة المعوضة أو لذي الرحم - فالظاهر أنه بحكم التالف، فيرجع عليه
بالمثل أو القيمة، وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين بشرائها أو استيهابها، بل
لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة والبيع بخيار، فلا يجب عليه الفسخ وإرجاع
العين، بل لو اتفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غير ذلك، بعد
دفع البدل من المثل أو القيمة، لم يجب عليه دفعها إلى المغبون. نعم، لو كان رجوع
العين إليه قبل دفع البدل، وجب ارجاعها إليه، وأولى منه في ذلك لو كان رجوعها
إليه قبل فسخ المغبون، بلا فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق وإن
يكون بعقد جديد، فإنه يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون، ولا
يجتزي بدفع البدل من المثل أو القيمة، على أساس أن دفع نفس العين إذا كان
152

ممكنا فلا تصل النوبة إلى البدل، وإذا كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ
البائع المغبون لكنه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم كالإجارة اللازمة، أو بعقد
جائز كالإجارة المشروط فيها الخيار، لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع
إمكانها، بل يدفع العين وأرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة المنفعة مدة
الإجارة.
(مسألة 325): إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف في المبيع
تصرفا مغيرا له فلذلك حالات:
الأولى: أن يكون تغييره بالنقيصة.
الثانية: بالزيادة.
الثالثة: بالامتزاج.
أما على الأولى، فيطلب من المشتري المبيع مع أرش النقيصة، فإذا دفع
المشتري ذلك فقد أدى حقه ولا شيء عليه، وأما على الثانية فالزيادة على
نحوين:
أحدهما: أن تكون زيادة صفتية دون عينية، سواء أكانت صفة محضة -
كطحن الحنطة وصياغة الفضة وقصارة الثوب وغيرها - كانت مشوبة بالعين
كصبغ الثوب ونحوه، وحينئذ فإن كانت صفة محضة أو صفة مشوبة بالعين، فإن لم
تكن لها مالية لعدم زيادة قيمة العين بها فالمبيع كله للبائع ولا شيء للمشتري،
وكذلك إن كانت لها مالية ولكن لم تكن بفعل المشتري، كما إذا اشترى منه عصى
عوجاء فاعتدلت أو خلأ قليل الحموضة فزادت حموضته، وإن كانت لها مالية
وكانت بفعل المشتري، فهل الصفة ملك للمشتري وهو شريك مع الفاسخ
153

بالقيمة أو لا؟
والجواب: أنها ليست ملكا له لكي يكون شريكا معه في القيمة، غاية
الأمر أن عمله إن كان في ملك غيره وكان بأمره لكان مضمونا بأجرة المثل، لا أنه
شريك معه في مالية المال.
وثانيهما: أن تكون الزيادة عينية، وهذه الزيادة تارة كون متصلة وغير
قابلة للإنفصال كسمن الحيوان ونمو الشجر ونحوهما، وأخرى تكون منفصلة
وقابلة للفصل كالثمرة على الشجرة والبناء على الأرض والغرس والزرع فيها
ونحوهما، وعندئذ فإن كانت الزيادة العينية من قبيل الأول كسمن الحيوان ونمو
الشجر ونحوها فلا شيء للمشتري، فإن الحيوان ما دام في ملك المشتري فالزيادة
ملك له تبعا للحيوان لا بملكية مستقلة، وإذا انتقل الحيوان إلى البائع انتقل بكل
أجزائه، وإن كانت من قبيل الثاني كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع
وغير ذلك، كانت الزيادة للمشتري، وحينئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة ضرر
على المشتري حال الفسخ، كان للبائع إلزام المشتري بفصلها كاللبن والثمر، بل له
ذلك وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها، وإذا أراد المشتري فصلها فليس
للبائع منعه عنه، وإذا أراد المشتري فصل الزيادة بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم
البناء، فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه، وعليه طم الحفر وتسوية
الأرض ونحو ذلك، وأما على الثالثة - وهي ما إذا كان التغيير بالامتزاج بغير
الجنس - فحكمه حكم التالف يضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة، سواء
عد المبيع مستهلكا عرفا - كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء - أم لم يعد مستهلكا، بل
عد موجودا على نحو المزج مثل خلط الخل بالعسل أو السكر، فإن الفاسخ
بفسخه يملك الخل مثلا، والمفروض أنه لا وجود له، وإنما الموجود طبيعة ثالثة
154

حصلت من المزج، فلا مناص حينئذ من الضمان بالمثل أم القيمة بل الحال كذلك
في الخلط بجنسه كخلط السمن بالسمن، سواء كان الخلط بمثله أو كان بالأجود
أم بالأردأ، فإن اللازم بعد الفسخ رد شخص المبيع، فإن لم يمكن من جهة المزج،
وجب رد بدله من المثل أو القيمة.
(مسألة 326): إذا فسخ المشتري المغبون وكان قد تصرف في المبيع تصرفا
غير مسقط لخياره لجهله بالغبن، فتصرفه أيضا تارة لا يكون مغيرا للعين،
وأخرى يكون مغيرا لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج، وتأتي فيه الصور المتقدمة
وتجري عليه أحكامها، وهكذا لو فسخ المشتري المغبون، وكان البائع قد تصرف
في الثمن أو فسخ البائع المغبون وكان هو قد تصرف في الثمن تصرفا غير مسقط
لخياره، فإن حكم تلف العين ونقل المنفعة ونقص العين وزيادتها ومزجها بغيرها
وسائر الصور التي ذكرناها هناك، جار هاهنا على نهج واحد.
(مسألة 327): الظاهر أن الخيار في الغبن ليس على الفور، فلو أخر إنشاء
الفسخ عالما عامدا لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ
وعدمه، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة لم يسقط خياره، فضلا عما لو أخره
جاهلا بالغبن أو بثبوت الخيار للمغبون أو غافلا عنه أو ناسيا له، فيجوز له
الفسخ إذا علم أو التفت.
(مسألة 328): الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاملة مبنية على المماكسة
صلحا كانت أو إجارة أو غيرهما.
(مسألة 329): إذا اشترى شيئين صفقة بثمنين كشاة بعشرة وفرس
بعشرين، وكان مغبونا في شراء الفرس، جاز له الفسخ، فإذا فسخ فللبائع الخيار
في بيع الشاة لتبعض الصفقة.
155

(مسألة 330): إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماوي وكان قيميا
ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التالف، وفي كونها قيمة زمان التلف أو زمان
الفسخ أو زمان الأداء وجوه أقواها الثاني، على أساس أن ذمته اشتغلت بها
للمغبون من زمن الفسخ، ولو كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء،
ولو كان بإتلاف أجنبي، ففي رجوع المغبون بعد الفسخ على الغابن أو على
الأجنبي أو يتخير في الرجوع على أحدهما وجوه أقواها الأول، ويرجع الغابن
على الأجنبي، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف، فإنه إن كان
التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، وإن كان بآفة سماوية أو بفعل
المغبون أو بفعل أجنبي رجع على المغبون بقيمة يوم الفسخ، ورجع المغبون على
الأجنبي إن كان هو المتلف، وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف
العين.
(5) خيار التأخير
إطلاق العقد يقتضي أن يكون تسليم كل من العوضين فعليا، فلو امتنع
أحد الطرفين عنه أجبر عليه، فإن لم يسلم كان للطرف الآخر فسخ العقد، بل لا
يبعد جواز الفسخ عند الامتناع قبل الإجبار أيضا، ولا يختص هذا الخيار بالبيع
بل يجري في كل معاوضة. نعم، يختص البيع بخيار آخر وهو المسمى بخيار
التأخير، ويتحقق فيما إذا باع سلعة ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع حتى يجيء
المشتري بالثمن، فإن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام كان أحق بالسلعة، وإلا فللبائع
فسخ البيع، ولو تلفت السلعة عند البائع كانت من ماله، سواء أكان التلف في
الثلاثة أم بعدها، حال ثبوت الخيار أم بعد سقوطه ما دامت السلعة في حيازته
156

وبيته.
(مسألة 331): الظاهر أن قبض بعض الثمن كلا قبض، وكذا قبض بعض
المبيع.
(مسألة 332): المراد بالثلاثة أيام: الأيام البيض، بلا فرق بين أن تكون تامة
أم ملفقة، إلا أنها إذا كانت تامة تدخل فيها الليلتان المتوسطتان فقط دون
غيرهما، وإذا كانت ملفقة تدخل الليالي الثلاث المتوسطات.
(مسألة 333): يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم اشتراط تأخير تسليم
أحد العوضين، وإلا فلا خيار.
(مسألة 334): لا إشكال في ثبوت الحكم المذكور فيما لو كان المبيع شخصيا،
وأما إذا كان كليا في الذمة، فهل يثبت للبائع هذا الخيار أو لا؟ والجواب: أن ثبوته
لا يخلو عن إشكال، بل لا يبعد عدم ثبوته.
(مسألة 335): ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر والبقول واللحم في بعض
الأوقات يثبت الخيار فيه عند دخول الليل، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في
المبيع كيف يشاء، ويختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي.
(مسألة 336): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الثلاثة، وفي سقوطه بإسقاطه
قبلها، وباشتراط سقوطه في ضمن العقد إشكال، والأظهر السقوط، والظاهر
عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع، ولا بمطالبة البائع
للمشتري بالثمن، إلا أن تكون كاشفة عن رضاه بالمعاملة. نعم، الظاهر سقوطه
بأخذه الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة لا بعنوان العارية أو الوديعة، ويكفي
ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة بعض القرائن.
157

(مسألة 337): في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان: أقواهما
الثاني، فلا يسقط بالتأخير عن الأيام الثلاثة إلا بأحد المسقطات.
(6) خيار الرؤية
ويتحقق فيما لو رأى شيئا ثم اشتراه فوجده على خلاف ما رآه، أو اشترى
موصوفا غير مشاهد فوجده على خلاف الوصف، فإن للمشتري الخيار بين
الفسخ والإمضاء.
(مسألة 338): لا فرق في الوصف الذي يكون تخلفه موجبا للخيار بين
وصف الكمال الذي تزيد به المالية لعموم الرغبة فيه، وغيره إذا اتفق تعلق غرض
للمشتري به سواء أكان على خلاف الرغبة العامة مثل كون العبد اميا لا كاتبا ولا
قارئا أم كان مرغوبا فيه عند قوم ومرغوبا عنه عند قوم آخرين مثل اشتراط
كون القماش أصفر لا أسود.
(مسألة 339): الخيار هنا بين الفسخ والرد، وبين ترك الفسخ وإمساك العين
مجانا، وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ، كما أنه لا يسقط الخيار
ببذل البائع الأرش، ولا بإبدال العين بعين اخرى واجدة للوصف.
(مسألة 340): كما يثبت الخيار للمشتري عند تخلف الوصف يثبت للبائع
عند تخلف الوصف، إذا كان قد رأى المبيع سابقا، فباعه بتخيل أنه على ما رآه،
فتبين خلافه، أو باعه بوصف غيره فانكشف خلافه.
(مسألة 341): المشهور أن هذا الخيار على الفور، ولكن الأقرب عدمه.
(مسألة 342): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الرؤية بل قبلها، وبالتصرف
158

بعد الرؤية إذا كان دالا على الالتزام بالعقد، وكذا قبل الرؤية إذا كان كذلك، وفي
جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد وجهان: أقواهما ذلك، فيسقط به.
(مسألة 343): مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية، ولا يجري في بيع
الكلي، فلو باع كليا موصوفا ودفع إلى المشتري فردا فاقدا للوصف لم يكن
للمشتري الخيار، وإنما له المطالبة بالفرد الواجد للوصف. نعم، لو كان المبيع كليا
في المعين، كما لو باعه صاعا من هذه الصبرة الجيدة، فتبين الخلاف كان له الخيار.
(7) خيار العيب
وهو فيما لو اشترى شيئا فوجد فيه عيبا، فإن له الخيار بين الفسخ برد
المعيب وإمضاء البيع، فإن لم يمكن الرد جاز له الإمساك والمطالبة بالأرش، ولا
فرق في ذلك بين المشتري والبائع، فلو وجد البائع عيبا في الثمن كان له الخيار
المذكور.
(مسألة 344): يسقط هذا الخيار بالالتزام بالعقد، بمعنى: اختيار عدم
الفسخ، ومنه التصرف في المعيب تصرفا يدل على اختيار عدم الفسخ.
موارد جواز طلب الأرش
لا يجوز فسخ العقد بالعيب في موارد، وإنما يتعين جواز المطالبة بالأرش
فيها:
الأول: تلف العين.
159

الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو عتق أو هبة أو نحو ذلك.
الثالث: التصرف الخارجي في العين الموجب لتغيير العين، مثل تفصيل
الثوب وصبغه وخياطته ونحوها.
الرابع: التصرف الاعتباري فيها الموجب لعدم إمكان ردها مثل إجارة
العين ورهنها.
الخامس: إذا أحدث فيه عيبا بعد قبضه من البائع، فإنه يمنع من الفسخ
وكذلك إذا حدث فيه عيب لا بفعل المشتري، وفي جميع هذه الموارد ليس له
فسخ العقد برده. نعم، يثبت له الأرش إن طالبه. نعم، إذا كان حدوث عيب
آخر في زمان خيار آخر للمشتري - كخيار الحيوان مثلا - جاز رده.
(مسألة 345): يسقط الأرش دون الرد فيما لو كان العيب لا يوجب نقصا
في المالية، كالخصاء في الحيوان إذا اتفق تعلق غرض نوعي به بحيث صارت
قيمة الخصي تساوي قيمة الفحل، وإذا اشترى ربويا بجنسه فظهر عيب في
أحدهما، قيل: لا أرش حذرا من الربا، لكن الأقوى جواز أخذ الأرش، فإنه
غرامة وليس جزءا من العوض.
يسقط الرد والأرش بأمرين:
الأول: العلم بالعيب قبل العقد.
الثاني: تبرؤ البائع من العيوب، بمعنى: اشتراط عدم رجوع المشتري عليه
بالثمن أو الأرش.
(مسألة 346): إذا ادعى المشتري عدم سماع التبري من البائع بعد اعترافه
بأنه تبرأ لم يسمع منه. نعم، إذا ادعى المشتري أن البائع لم يتبرأ والبائع يدعي
160

التبري فالقول قول المشتري وعلى البائع الإثبات.
(مسألة 347): الأقوى أن هذا الخيار أيضا ليس على الفور.
(مسألة 348): المراد من العيب ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الأصلية،
سواء أكان نقصا مثل العور والعمى والصمم والخرس والعرج ونحوها أم زيادة
مثل الإصبع الزائد واليد الزائدة، أما ما لم يكن على خلاف مقتضى الخلقة
الأصلية لكنه كان عيبا عرفا مثل كون الأرض موردا لنزول العساكر، فهل يثبت
الأرش في ذلك، إذا لم يمكن الرد أو لا؟
والجواب: الظاهر ثبوت الأرش.
(مسألة 349): إذا كان العيب موجودا في أغلب أفراد ذلك الصنف مثل
الثيبوبة في الإماء، فالظاهر عدم جريان حكم العيب عليه.
(مسألة 350): لا يشترط في العيب أن يكون موجبا لنقص المالية. نعم، لا
يثبت الأرش إذا لم يكن كذلك كما تقدم.
(مسألة 351): كما يثبت الخيار بالعيب الموجود حال العقد، كذلك يثبت
بالعيب الحادث بعده قبل القبض، فيجوز رد العين به، وفي جواز أخذ الأرش به
قولان: أظهرهما عدم الجواز. نعم، إذا كان العيب الحادث في المبيع أدى إلى نقصه
كما، لا مالية فحسب، فهو على البائع، وللمشتري أن يطالبه برد جزء من الثمن
الذي هو بإزاء ذلك النقص، ولكن هذا ليس بأرش بل بطلان البيع بالنسبة إلى
ذلك الجزء، على أساس أن الثمن يقسط على أجزاء المبيع.
(مسألة 352): يثبت خيار العيب في الجنون والجذام والبرص والقرن إذا
حدث بعد العقد إلى انتهاء السنة من تاريخ الشراء.
161

(مسألة 353): كيفية أخذ الأرش أن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا،
وتلاحظ النسبة بينهما ثم ينقص من الثمن المسمى بتلك النسبة، فإذا قوم صحيحا
بثمانية ومعيبا بأربعة وكان الثمن أربعة ينقص من الثمن النصف وهو اثنان وهكذا.
ويرجع في معرفة قيمة الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة، وتعتبر فيهم الأمانة
والوثاقة.
(مسألة 354): إذا اختلف أهل الخبرة في قيمة الصحيح والمعيب، فإن اتفقت
النسبة بين قيمتي الصحيح والمعيب على تقويم بعضهم مع قيمتها على تقويم
البعض الآخر فلا إشكال، كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة،
وبعضهم الصحيح بستة والمعيب بثلاثة، فإن التفاوت على كل من التقويمين يكون
بالنصف فيكون الأرش نصف الثمن، وإذا اختلفت النسبة - كما إذا قوم بعضهم
الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة، وبعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بستة - ففيه
وجوه وأقوال، والذي تقتضيه القواعد لزوم الأخذ بقول أقواهم خبرة،
والأحوط والأولى التصالح.
(مسألة 355): إذا اشترى شيئين بثمنين صفقة، فظهر عيب في أحدهما كان
له الخيار في رد المعيب وحده، فإن اختار الرد كان للبائع الفسخ في الصحيح، وكذا
إذا اشترى شيئين بثمن واحد، فإن له أن يرد المعيب فقط، على أساس أن الثمن
يقسط عليهما، فإذا فعل ذلك كان للبائع فسخ العقد في الصحيح، كما أن له أن
يردهما معا.
(مسألة 356): إذا اشترك شخصان في شراء شيء فوجداه معيبا، جاز
لأحدهما الفسخ في حصته، ويثبت الخيار للبائع حينئذ على تقدير فسخه.
(مسألة 357): لو زال العيب قبل ظهوره للمشتري، فالأظهر عدم سقوط
162

الخيار، فيجوز له الرد مع إمكانه، وإلا طالب بالأرش.
(مسألة 358): إذا اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا، لم يجز فسخ
العقد بردها وله أن يطالب بالأرش. نعم، إذا كانت حبلى جاز له الرد مع عشر
قيمتها، وإذا اشترط أنها عذراء ثم وجدها ثيبا، فله الرد أو المطالبة بفضل القيمة
بينها وبين الثيب وهو الأرش.
تذنيب في أحكام الشرط
كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، كما إذا باعه
فرسا بثمن معين واشترط عليه أن يخيط له ثوبه، فإن البائع يستحق على
المشتري الخياطة بالشرط، فتجب عليه خياطة ثوب البائع، ويشترط في
وجوب الوفاء بالشرط امور:
منها: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، ويتحقق هذا في موردين:
الأول: أن يكون العمل بالشرط غير مشروع في نفسه، كما إذا استأجره
للعمل في نهار شهر رمضان بشرط أن يفطر، أو يبيعه شيئا بشرط أن يرتكب
محرما من المحرمات الآلهية.
الثاني: أن يكون الشرط بنفسه مخالفا لحكم شرعي، كما إذا زوجه امرأة
بشرط أن يكون طلاقها بيده، أو باعه مالا أو وهبه بشرط أن لا يرثه منه ورثته
أو بعضهم وأمثال ذلك، فإن الشرط في جميع هذه الموارد باطل.
ومنها: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون
له ثمن أو أجرة الدار بشرط أن لا تكون لها اجرة.
163

ومنها: أن يكون مذكورا في ضمن العقد صريحا أو ضمنا، كما إذا قامت
القرينة على كون العقد مبنيا عليه ومقيدا به، إما لذكره قبل العقد أو من أجل
التفاهم العرفي، مثل اشتراط التسليم حال استحقاقه أو ارتكازه في الأذهان
عرفا، فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنيا عليه عمدا أو سهوا، لم يجب الوفاء
به.
ومنها: أن يكون مقدورا عليه، بل لو علم عدم القدرة لم يمكن إنشاء
الالتزام به عن جد.
(مسألة 359): لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري بيعه منه ثانيا
ولو بعد حين. نعم، لا يجوز ذلك فيما إذا اشترط على المشتري أن يبيعه بأقل مما
اشتراه، أو يشترط المشتري على البائع بأن يشتريه بأكثر مما باعه، والبيع في
هذين الفرضين محكوم بالبطلان.
(مسألة 360): لا يعتبر في صحة الشرط أن يكون منجزا، بل يجوز فيه
التعليق، كما إذا باع داره وشرط على المشتري أن يكون له السكنى فيها شهرا إذا
لم يسافر، بل الظاهر جواز اشتراط أمر مجهول أيضا، إلا إذا كانت الجهالة موجبة
لأن يكون البيع غرريا، فعندئذ يمكن القول ببطلان الشرط دون البيع.
(مسألة 361): الظاهر أن فساد الشرط لا يسري إلى العقد المشروط فيه،
فيصح العقد ويلغى الشرط.
(مسألة 362): إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط، فهل للمشروط
له اجباره عليه أو لا؟ قيل: نعم؛ على أساس أنه مالك للمشروط عليه، وله
استنقاذ حقه منه بأي وسيلة متاحة له، ولكن الظاهر أنه ليس للمشروط له
ذلك، لأن المتبادر من شرط الفعل عرفا هو أن اللام في موارده - كقولنا على
164

ان تخيط لي ثوبي مثلا - متعلقة بالالتزام، بمعنى: أن البائع يلتزم للمشتري
بالخياطة لا أن الخياطة للمشتري يلتزم بها وينشأها.
(مسألة 363): إذا تعذر الشرط على المشروط عليه بسبب من الأسباب،
عن قصور كان أم تقصير ولم يتمكن من ممارسته خارجا، كان للمشروط له
الخيار في الفسخ، وهل له ترك الفسخ والمطالبة بقيمة الشرط أو لا؟
والجواب: ليس له ذلك على الأظهر.
الفصل الخامس
أحكام الخيار
الخيار حق من الحقوق، فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه، ويحرم منه
من يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر أو الرق، ويحجب عنه ما يحجب عن إرث
المال، ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلقا بمال يحرم منه الوارث كالأرض التي
لا ترث منها الزوجة، فهل ترث الزوجة من الخيار فيها أو لا؟ والجواب: أن فيه
تفصيلا، فإن الميت إذا باع أرضا وكان له الخيار في ذلك، ورثت زوجته من الخيار
كسائر الورثة؛ على أساس انتفاعها به، وأما إذا اشترى أرضا كذلك فهي لا ترث
من الخيار؛ لعدم انتفاعها به، ودليل الإرث قاصر عن شمول ذلك باعتبار أن
الأرض في هذه الصورة كانت من تركة الميت ولا ترث منها زوجته، وإذا فسخ
الورثة البيع انتقلت الأرض إلى ملك مالكها الأول، ورجع الثمن إلى ملك من
خرجت الأرض عن ملكه، فلذلك لا تنتفع الزوجة لا من إعمال هذا الخيار ولا
165

من عدم إعماله وإمضاء البيع، فمن أجل ذلك لا ترث، وكذا الحكم بالنسبة إلى
الحبوة المختصة بالابن الأكبر المحروم منها سائر الورثة.
(مسألة 364): إذا تعدد الوارث للخيار، فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم
من دون انضمام الباقين إليه في تمام المبيع ولا في حصته، إلا إذا رضي من عليه
الخيار فيصح في حصته.
(مسألة 365): إذا فسخ الورثة بيع مورثهم، فإن كان عين الثمن موجودا
دفعوه إلى المشتري، وإن كان تالفا أو بحكمه اخرج من تركة الميت كسائر ديونه
وإن لم تكن له تركة فهل هو على الميت أو على الورثة؟
والجواب: أنه على الميت؛ على أساس أن ذمة الميت قد اشتغلت ببدل
التالف - وهو الثمن - بمجرد فسخ الوارث البيع، وفي مقابل ذلك - لا محالة - انتقل
المبيع إليه لا إلى الوارث؛ لأنه ليس طرفا للعقد، ولا معنى لاشتغال ذمته ببدل
التالف، فعندئذ يجب على الوصي أو الوارث أن يؤدي دين الميت من المبيع
المردود، فإن بقي منه شيء فهو للوارث.
(مسألة 366): لو كان الخيار لأجنبي عن العقد فمات، لم ينتقل الخيار إلى
وارثه.
(مسألة 367): إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من مال
البائع، وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدة الخيار في خيار الشرط إذا كان الخيار
للمشتري، أما إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد القبض، فالأظهر
أنه من مال المشتري.
166

الفصل السادس
ما يدخل في المبيع
من باع شيئا دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه دون غيره،
ويعرف قصدهما بما يدل عليه لفظ المبيع وصفا أو بالقرينة العامة أو الخاصة، فمن
باع بستانا دخل فيه الأرض والشجر والنخل والطوف والبئر والناعور
والحظيرة ونحوها مما هو من أجزائها أو توابعها، أما من باع أرضا فلا يدخل فيها
الشجر والنخل الموجودان، وكذا لا يدخل الحمل في بيع الام ولا الثمرة في بيع
الشجرة. نعم، إذا باع نخلا فإن كان التمر مؤبرا فالتمر للبائع، ويجب على المشتري
إبقائه على الاصول بما جرت العادة على البقاء، وإن لم يكن مؤبرا فهو للمشتري و
يختص هذا الحكم ببيع النخل، أما في نقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من
سائر الشجر فالثمر فيه للبائع مطلقا وإن لم يكن مؤبرا، هذا إذا لم تكن قرينة على
دخول الثمر في بيع الشجر أو الشجر في بيع الأرض أو الحمل في بيع الدابة، أما إذا
قامت القرينة على ذلك، وإن كانت هي الاعتياد والتعارف الخارجي عمل عليها،
وكان جميع ذلك للمشتري حينئذ.
(مسألة 368): إذا باع الشجر وبقي الثمر للبائع - مع اشتراط بقائه - واحتاج
الشجر إلى السقي، جاز للبائع سقيه وليس للمشتري منعه، وإذا لم يحتج إلى السقي
لم يجب على البائع سقيه وإن أمره المشتري بذلك، ولو تضرر أحدهما بالسقي
والآخر بتركه، ففي تقديم حق البائع أو المشتري وجهان بل قولان: أرجحهما
الأول إن اشترط الإبقاء، وإلا فالأرجح الثاني.
167

(مسألة 369): إذا باع بستانا واستثنى نخلة مثلا، فله الممر إليها والمخرج منها
ومدى جرائدها وعروقها من الأرض، وليس للمشتري منع شيء من ذلك.
(مسألة 370): إذا باع دارا دخل فيها الأرض والبناء الأعلى والأسفل، إلا
أن يكون الأعلى مستقلا من حيث المدخل والمخرج، فيكون ذلك قرينة على عدم
دخوله، وكذا يدخل في بيع الدار السرداب والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة
في البناء، وكذا السلم المثبت، بل لا يبعد دخول ما فيها من نخل وشجر وأسلاك
كهربائية وأنابيب الماء ونحو ذلك مما يعد من توابع الدار حتى مفتاح الغلق، فإن
ذلك كله داخل في المبيع، إلا مع الشرط.
(مسألة 371): الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكونة فيها تدخل
في بيعها إذا كانت تابعة للأرض عرفا، وأما إذا لم تكن تابعة لها كالمعادن المكنونة
في جوف الأرض، فالظاهر أنها غير مملوكة لأحد ويملكها من يخرجها، وكذلك
لا تدخل في بيع الأرض الأحجار المدفونة فيها والكنوز المودعة فيها ونحوها.
الفصل السابع
التسليم والقبض
يجب على المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد إذا لم يشترطا
التأخير، ولا يجوز لواحد منهما التأخير مع الإمكان إلا برضا الآخر، فإن امتنعا
أجبرا، ولو امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه أجبر الممتنع، ولو اشترط أحدهما
تأخير التسليم إلى مدة معينة جاز، وليس لصاحبه الامتناع عن تسليم ما
168

عنده حينئذ.
(مسألة 372): يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار أو ركوب الدابة
أو زرع الأرض أو نحو ذلك من الانتفاع بالمبيع مدة معينة.
(مسألة 373): التسليم الواجب على المتبايعين في المنقول وغيره هو التخلية
برفع المانع عنه والإذن لصاحبه في التصرف.
(مسألة 374): إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية قبل قبض المشتري،
انفسخ البيع، وكان تلفه من مال البائع ورجع الثمن إلى المشتري، وكذا إذا تلف
الثمن قبل قبض البائع.
(مسألة 375): يكفي في القبض الموجب للخروج عن الضمان التخلية بالمعنى
المتقدم في غير المنقولات كالأراضي، وأما في المنقولات فلا بد فيها من الاستيلاء
عليها خارجا، مثل أخذ الدرهم والدينار واللباس وأخذ لجام الفرس أو ركوبه.
(مسألة 376): في حكم التلف تعذر الوصول إليه، كما لو سرق أو غرق أو
نهب أو أبق العبد أو أفلت الطائر أو نحو ذلك.
(مسألة 377): لو أمر المشتري البائع بتسليم المبيع إلى شخص معين فقبضه
كان بمنزلة قبض المشتري، وكذلك لو أمره بإرساله إلى بلده أو بلد آخر فأرسله
كان بمنزلة قبضه، ولا فرق بين تعيين المرسل معه وعدمه.
(مسألة 378): إذا أتلف المبيع البائع أو الأجنبي الذي يمكن الرجوع إليه في
تدارك خسارته، فالأقوى صحة العقد وللمشتري الرجوع على المتلف بالبدل
من مثل أو قيمة، وهل له الخيار في فسخ العقد لتعذر التسليم أو لا؟ إشكال،
والأظهر ذلك.
169

(مسألة 379): إذا حصل للمبيع نماء فتلف الأصل قبل قبض المشتري كان
النماء للمشتري.
(مسألة 380): لو حدث في المبيع عيب قبل القبض كان للمشتري الرد، كما
تقدم.
(مسألة 381): لو باع جملة فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة
إلى التالف ورجع إليه ما يخصه من الثمن، وكان له الخيار في الباقي.
(مسألة 382): يجب على البائع تفريغ المبيع عما فيه عن متاع أو غيره،
فإن كان المبيع من قبيل الدار وجب عليه تفريغها وتخليتها من جميع ما يكون
مانعا عن الاستفادة بها من الأمتعة وغيرها، وإن كان من قبيل الأراضي
المزروعة، فإن كان عليها زرع ولم يبلغ وقت حصاده، وجب عليه إزالته منها،
إلا إذا اشترط على المشتري بقائه عليها إلى وقت الحصاد مع الأجرة أو
بدونها، ولو كانت له عروق تضر بالانتفاع بالأرض كالقطن والذرة ونحوهما،
أو كانت في الأرض حجارة مدفونة، وجب عليه إزالتها وتسوية الأرض، ولو
كان مما لا يمكن إفراغ المبيع منه إلا بتخريب شيء من الأبنية، وجب تخريبه ثم
إصلاحه وتعمير البناء.
(مسألة 383): من اشترى شيئا ولم يقبضه، فإن كان مما لا يكال ولا يوزن
جاز له بيعه قبل قبضه، وكذا إذا كان مما يكال أو يوزن وكان البيع برأس المال، أما
لو كان بربح فالأظهر عدم جوازه، هذا إذا باع على غير بائعه، وأما إذا باعه على
بائعه، فالظاهر جوازه مطلقا وإن كان بالمرابحة، وإذا ملك ما يكال أو يوزن بغير
الشراء كالإرث أو الصداق أو الصلح، فهل يجوز بيعه قبل القبض أو لا؟
والجواب: الأظهر الجواز مطلقا وإن كان بالمرابحة.
170

الفصل الثامن
النقد والنسيئة
من باع ولم يشترط تأجيل الثمن كان الثمن حالا، فللبائع المطالبة به بعد
انتهاء العقد، كما يجب عليه أخذه إذا دفعه إليه المشتري، وليس له الامتناع من
أخذه.
(مسألة 384): إذا اشترط تأجيل الثمن يكون نسيئة لا يجب على المشتري
دفعه قبل الأجل وإن طالبه به البائع، ولكن يجب على البائع أخذه إذا دفعه إليه
المشتري قبله، إلا أن تكون قرينة على كون التأجيل حقا للبائع أيضا.
(مسألة 385): يجب أن يكون الأجل معينا لا يتردد فيه بين الزيادة
والنقصان، فلو جعل الأجل قدوم زيد أو (الدياس) أو الحصاد أو جذاذ الثمر أو
نحو ذلك، فإن رضى البائع بذلك صح البيع وإلا بطل.
(مسألة 386): لو كان الأجل في الواقع محددا معينا لا يزيد ولا ينقص كأول
الحمل أو الميزان، ولكن المتعاقدين جاهلان بذلك، فهل يصح البيع إلى ذلك
الأجل أو لا؟
والجواب: يصح مع التراضي وإلا فلا، وكذلك لو كان الاجل أول الشهر
القابل مع التردد في الشهر الحالي بين الكمال والنقصان، فإن الظاهر فيه الصحة.
(مسألة 387): لو باع شيئا بثمن نقدا أو بأكثر منه مؤجلا، بأن قال: بعتك
الفرس بعشرة نقدا وبعشرين إلى سنة، فقبل المشتري، فهل يصح ذلك أو لا؟
171

والجواب: الظاهر أنه صحيح وإن نسب إلى المشهور البطلان.
(مسألة 388): لا يجوز تأجيل الثمن الحال بل مطلق الدين بأزيد منه، بأن
يزيد فيه مقدارا ليؤخره إلى أجل، وكذا لا يجوز أن يزيد في الثمن المؤجل ليزيد في
الأجل، ويجوز عكس ذلك، بأن يعجل المؤجل بنقصان منه على وجه الإبراء بل
على وجه المعاوضة أيضا، هذا إذا لم يكن الدين من المكيل أو الموزون، وأما إذا
كان منه فلا يجوز النقصان منه على وجه المعاوضة، لأنه ربا.
(مسألة 389): وهل يجوز بيع الأكثر المؤجل بالأقل الحال في غير ما يكال
ويوزن، كما إذا كان زيد مدينا من عمرو بمبلغ مائة دينار مؤجلا إلى ستة أشهر
مثلا وباعه نقدا بتسعين دينارا أو لا؟
والجواب: أن جوازه لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد عدمه، هذا لا من جهة
لزوم الربا؛ إذ لا ربا هنا، بل من جهة النص. نعم، إذا كان فيما يكال ويوزن فعدم
جوازه من جهة لزوم الربا، كما إذا كان زيد مدينا لبكر بمائة من من الحنطة مؤجلا
إلى خمسة أشهر مثلا، فلا يجوز لبكر أن يبيعه بتسعين من نقدا وحالا؛ لأنه ربا،
ولا يجوز للدائن في الدين المؤجل أن يزيد في الأجل على أن ينقد المدين بعضه
قبل حلول الأجل.
(مسألة 390): إذا اشترى شيئا نسيئة، جاز شراؤه منه قبل حلول الأجل
أو بعده بجنس الثمن أو بغيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا عنه حالا كان
البيع الثاني أو مؤجلا. نعم، إذا اشترط البائع على المشتري في البيع الأول أن يبيعه
عليه بعد شرائه بأقل مما اشتراه به، أو شرط المشتري على البائع في البيع الأول
أن يشتريه منه بأكثر مما اشتراه منه، فإن المشهور فيه البطلان، ولكنه لا يخلو عن
إشكال.
172

ملحق
في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية
التعامل بين البائع والمشتري تارة يكون بملاحظة رأس المال الذي اشتراه
به البائع السلعة، واخرى لا يكون كذلك، والثاني يسمى مساومة وهذا هو
الغالب المتعارف، والأول تارة يكون بزيادة على رأس المال والاخرى بنقيصة
عنه وثالثة بلا زيادة ولا نقيصة، والأول يسمى مرابحة والثاني مواضعة والثالث
يسمى تولية.
(مسألة 391): إذا قال صاحب السلعة: بعتك هذه السلعة برأس مالها بزيادة
عشرة في المائة أو بنقصان عشرة في المائة أو بلا زيادة ولا نقيصة، فلذلك
حالات:
الأولى: أن المشتري يعلم من الخارج مقدار رأس المال، ففي هذه الحالة إذا
قبل المشتري صح البيع، سواء كان بالمرابحة أم بالمواضعة أم بالتولية.
الثانية: أن المشتري يكون واثقا ومطمئنا بأن البائع لا يكذب عليه، ففي
هذه الحالة أيضا إذا قبل صح، بلا فرق بين الأقسام الثلاثة المذكورة.
الثالثة: أن المشتري لا يعلم بالحال ولا يدري أن ما قاله البائع صحيح
ومطابق للواقع أو لا، ففي هذه الحالة إذا قال البائع: بعتك هذه السلعة بمائة دينار
بزيادة نسبة عشرة بالمائة على رأس مالها، وقبل المشتري صح أيضا سواء علم
برأس المال بعد ذلك عند تسليم الثمن وأخذ المثمن أم لم يعلم. نعم، إذا ظهر كذب
البائع ثبت له الخيار.
173

(مسألة 392): إذا قال البائع: بعتك هذا الفرس بألف دينار بزيادة نسبة
عشرة في المائة على رأس ماله، وقبل المشتري صح وإن لم يعرف أن رأس ماله
تسعمائة دينار، وكذلك الحكم في المواضعة، كما إذا قال: بعتك بألف دينار بخسارة
نسبة عشرة في المائة، والتولية، كما إذا قال: بعتك برأس ماله وهو ألف دينار مثلا.
نعم، إذا تبين أن البائع كاذب في ذلك ثبت له الخيار.
(مسألة 393): إذا اشترى المتاع بالثمن المؤجل فليس له أن يبيعه مرابحة إلا
بالأجل الذي اشتراه به، فإن باعه مرابحة نقدا ولم يخبره بالأجل لم يقع نقدا، بل
وقع موجلا بنفس ذلك الأجل.
(مسألة 394): إذا اشترى جملة صفقة بثمن، لم يصح له بيع أفرادها مرابحة
بالتقويم، إلا بعد إعلام أنه قوم أفرادها كلا بحده.
(مسألة 395): إذا تبين كذب البائع في إخباره برأس المال، كما إذا أخبر أن
رأس ماله مائة وباع بربح عشرة، وكان في الواقع رأس المال تسعين صح البيع،
وتخير المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد وهو مائة
وعشرة.
(مسألة 396): إذا اشترى سلعة بثمن معين مثل مائة دينار ولم يعمل فيها
شيئا، كان ذلك رأس مالها وجاز له الإخبار بذلك، أما إذا عمل في السلعة عملا،
فإن كان بأجرة جاز ضم الأجرة إلى رأس المال، فإذا كانت الأجرة عشرة جاز له
أن يقول: بعتك السلعة برأس مالها مائة وعشرة وربح كذا.
(مسألة 397): إن باشر العمل بنفسه وكانت له اجرة، لم يجز له أن يضم
الأجرة إلى رأس المال، بل يقول: رأس المال مائة وعملي يساوي كذا، أو بعتكها
بما ذكر وربح كذا.
174

(مسألة 398): إذا اشترى معيبا فرجع على البائع بالأرش كان الثمن ما بقي
بعد الأرش، ولو أسقط البائع بعض الثمن تفضلا منه أو مجازاة على الإحسان، لم
يسقط ذلك من الثمن، بل رأس المال هو الثمن في العقد.
الفصل التاسع
الربا
وهو قسمان:
الأول: ما يكون في المعاملة.
الثاني: ما يكون في القرض، ويأتي حكمه، أي: حكم الثاني في كتاب
القرض إن شاء الله تعالى.
أما الأول: فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية في أحدهما، كبيع
مائة كيلو من الحنطة بمائة وعشرين منها، أو خمسين كيلوا من الحنطة بخمسين
كيلوا حنطة ودينار، أو زيادة حكمية، كبيع عشرين كيلوا من الحنطة نقدا
بعشرين كيلوا من الحنطة نسيئة، وهل يختص تحريمه بالبيع أو يجري في غيره من
المعاوضات أو لا؟ قولان، والأظهر اختصاصه بما كانت المعاوضة فيه بين العينين،
سواء أكانت بعنوان البيع أم الصلح، مثل أن يقول: صالحتك على أن تكون هذه
العشرة التي لك بهذه الخسمة التي لي، أما إذا لم تكن المعاوضة بين العينين، كأن
يقول: صالحتك على أن تهب لي تلك العشرة وأهب لك هذه الخمسة، أو يقول:
أبرأتك عن الخمسة التي لي عليك بشرط أن تبرئني عن العشرة التي لك علي
175

ونحوهما، فالظاهر الصحة.
يشترط في تحقق الربا في المعاملة أمران:
الأول: اتحاد الجنس والذات عرفا وإن اختلفت الصفات، فلا يجوز بيع
مائة كيلو من الحنطة الجيدة بمائة وخمسين كيلوا من الرديئة، ولا بيع عشرين
كيلوا من الأرز الجيد كالعنبر بأربعين كيلوا منه أو من الرديء كالحويزاوي، أما
إذا اختلفت الذات فلا بأس، كبيع مائة وخمسين كيلو من الحنطة بمائة كيلوا من
الأرز.
الثاني: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون، فإن كانا مما يباع
بالعد كالبيض والجوز فلا بأس، فيجوز بيع بيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين.
(مسألة 399): المعاملة الربوية باطلة مطلقا من دون فرق بين العالم
والجاهل سواء أكان الجهل جهلا بالحكم أم كان جهلا بالموضوع، وعليه فيجب
على كل من المتعاملين رد ما أخذه إلى مالكه على ما تقدم في المسألة (250).
(مسألة 400): الحنطة والشعير في الربا جنس واحد، فلا يباع مائة كيلو من
الحنطة بمائتي كيلو من الشعير وإن كانا في باب الزكاة جنسين، فلا يضم أحدهما
إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده نصف نصاب حنطة ونصف نصاب
شعير لم تجب فيهما الزكاة.
(مسألة 401): الظاهر أن العلس ليس من جنس الحنطة، والسلت ليس من
جنس الشعير.
(مسألة 402): اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان، فيجوز
بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر، وكذا الحكم في لبن الغنم ولبن البقر،
176

فإنه يجوز بيعهما مع التفاضل.
(مسألة 403): التمر بأنواعه جنس واحد، والحبوب كل واحد منها جنس
فالحنطة والأزر والماش والذرة والعدس وغيرها كل واحد جنس، والفلزات من
الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص وغيرها كل واحد منها جنس
برأسه.
(مسألة 404): الضأن والمعز جنس واحد والبقر والجاموس جنس واحد
والإبل العراب والبخاتي جنس واحد، والطيور كل صنف يختص باسم فهو
جنس واحد في مقابل غيره، فالعصفور غير الحمام وكل ما يختص باسم من
الحمام جنس في مقابل غيره، فالفاختة والحمام المتعارف جنسان، والسمك
جنس واحد على قول وأجناس على قول آخر وهو أقوى.
(مسألة 405): الوحشي من كل حيوان مخالف للأهلي، فالبقر الأهلي يخالف
الوحشي، فيجوز التفاضل بين لحميهما، وكذا الحمار الأهلي والوحشي، والغنم
الأهلي والوحشي.
(مسألة 406): كل أصل مع ما يتفرع عنه جنس واحد، وكذا الفروع بعضها
مع بعض كالحنطة والدقيق والخبز، وكالحليب واللبن والجبن والزبد والسمن،
وكالبسر والرطب والتمر والدبس.
(مسألة 407): إذا كان الشيء مما يكال أو يوزن وكان فرعه لا يكال ولا
يوزن جاز بيعه مع أصله بالتفاضل، كالصوف الذي هو من الموزون، والثياب
المنسوجة منه التي ليست من الموزون، فإنه يجوز بيعها به مع التفاضل، وكذلك
القطن والكتان والثياب المنسوجة منهما.
177

(مسألة 408): إذا كان الشيء في حال موزونا أو مكيلا وفي حال اخرى
ليس كذلك، لم يجز بيعه بمثله متفاضلا في الحالة الأولى وجاز في الحالة الثانية.
(مسألة 409): لا بأس ببيع لحم حيوان بحيوان حي من غير جنسه، كبيع
لحم الغنم ببقر، والأحوط عدم جواز بيع لحم حيوان بحيوان حي بجنسه كبيع لحم
الغنم بغنم وإن كان الأظهر الجواز فيه أيضا.
(مسألة 410): إذا كان للشيء حالتان حالة رطوبة وحالة جفاف، كالرطب
يصير تمرا والعنب يصير زبيبا والخبز اللين يكون يابسا، يجوز بيعه جافا بجاف
منه ورطبا برطب منه متماثلا، ولا يجوز متفاضلا، وأما بيع الرطب منه بالجاف
متماثلا، ففيه إشكال، والأظهر الجواز على كراهة، ولا يجوز بيعه متفاضلا حتى
بمقدار الزيادة بحيث إذا جف يساوي الجاف.
(مسألة 411): إذا كان الشيء يباع جزافا في بلد ومكيلا أو موزونا في آخر
فلكل بلد حكمه، وجاز بيعه متفاضلا في الأول ولا يجوز في الثاني، وأما إذا كان
مكيلا أو موزونا في غالب البلاد، فالأحوط لزوما أن لا يباع متفاضلا مطلقا.
(مسألة 412): يتخلص من الربا بضم غير الجنس إلى الطرف الناقص، بأن
يبيع مائة كيلو من الحنطة ودرهما بمائتي كيلو من الحنطة، وبضم غير الجنس إلى
كل من الطرفين ولو مع التفاضل فيهما، كما لو باع درهمين ومائتي كيلو من الحنطة
بدرهم ومائة كيلو منها.
(مسألة 413): المشهور على أنه لا ربا بين الوالد وولده، فيجوز لكل منهما
بيع الآخر مع التفاضل، وكذا بين الرجل وزوجته، وبين المسلم والحربي إذا أخذ
المسلم الزيادة ولكنه مشكل، والأحوط - وجوبا - تركه. نعم، يجوز أخذ الربا من
الحربي بعد وقوع المعاملة من باب الاستنقاذ.
178

(مسألة 414): الأظهر حرمة الربا بين المسلم والذمي، ولكن إذا وقعت
المعاملة الربوية بينهما، جاز للمسلم أن يأخذ الربا منه وهو الزائد تطبيقا لقاعدة
الإلزام، بل مطلقا استنقاذا.
(مسألة 415): الأوراق النقدية لما لم تكن من المكيل والموزون لا يجري فيها
الربا فيجوز التفاضل في البيع بها، لكن إذا لم تكن المعاملة شخصية لابد في صحة
المعاملة من امتياز الثمن عن المثمن، كبيع الدينار العراقي في الذمة بالدينار الكويتي
أو بالريال الإيراني مثلا، وهل يجوز بيع كل عملة بمثلها في الذمة، كبيع الدينار
العراقي بمثله فيها والدينار الكويتي والريال الإيراني وهكذا؛ لكي يتخلص بذلك
من محذور القرض الربوي أو لا؟ والجواب: أن هناك نظريتين:
الأولى: أن الأوراق النقدية التي لا تمثل ذهبا ولا فضة ولا تدخل في
المكيل أو الموزون، فبدلا عن أن يقرض البنك أو غيره مائة دينار بمائة وعشرين
دينارا إلى شهرين مثلا، فيكون قرضا ربويا يبيع مائة دينار بمائة وعشرين
دينارا مؤجلة إلى شهرين، والثمن هنا وإن زاد على المثمن مع وحدة الجنس،
ولكن ذلك لا يحقق الربا المحرم في البيع ما لم يكن العوضان من المكيل أو الموزون،
والدينار الورقي بما أنه ليس من المكيل أو الموزون، فبالإمكان التوصل بهذا
الطريق إلى نتيجة القرض الربوي عن طريق البيع من دون محذور الربا.
الثانية: أن ذلك وإن كان بيعا صورة، إلا أنه في الواقع قرض ربوي
بتقريبين:
الأول: أن البيع متقوم بالمغايرة بين الثمن والمثمن ولا مغايرة بينهما في
المقام؛ لأن الثمن ينطبق على نفس المثمن مع زيادة، ولكن هذا التقريب غير تام؛ إذ
يكفي في صدق مفهوم البيع عرفا المغايرة بينهما الناشئة من كون المثمن عينا
179

خارجية والثمن أمرا كليا في الذمة، ومجرد قابلية الثمن للانطباق ضمنا على المثمن
لا ينافي المغايرة المقومة لعنوان البيع، وإلا للزم عدم صحة بيع القيمي بجنسه في
الذمة مع الزيادة، كبيع فرس بفرسين في الذمة مع أنه منصوص، وهذا يكشف
عن أن هذا المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع.
الثاني: أن المرتكز لدى العرف العام هو أن حقيقة القرض عبارة عن
تبديل العين الخارجية بمثلها في الذمة، فكل معاملة مؤدية إلى ذلك فهي قرض
وإن كان المنشأ فيها التمليك بعوض، ولكن هذا التقريب لو تم لكان بيع مائة دينار
بمثلها في الذمة قرضا عرفا ولكنه لا يخلو عن إشكال؛ لأن حقيقة البيع لدى
العرف والعقلاء مغايرة لحقيقة القرض، فإن الأولى متمثلة في تمليك عين بعوض،
والثانية في تمليك عين على وجه الضمان، وعلى هذا فإن قصد في المقام تمليك العين
الخارجية بعوض - وهو الكلي في الذمة - فهو بيع ولا يصدق عليه عنوان
القرض، وإن قصد تمليكها على وجه الضمان من دون قصد المعاوضة، فهو قرض
ولا يصدق عليه عنوان البيع.
(مسألة 416): المشهور بين الفقهاء جواز بيع الدين بأقل منه، إذا لم يكن
الدين من الذهب أو الفضة ولا من المكيل أو الموزون، كالدين المباع بأقل منه
بعملية الخصم بين الناس وعملاء البنك، ولكنه لا يخلو عن إشكال، والأقرب أنه
باطل، ولا يحق للمشتري أن يطالب من المدين أكثر مما دفعه إلى الدائن، فإن
ذمته إنما ظلت مشغولة بما دفعه المشتري فحسب وبرأت عن الزائد بمقتضى
النصوص. نعم، إن للمسألة علاجا آخر ينتج نفس النتيجة، وهو أن المستفيد
بالورقة التجارية ذات الأجل المحدود وقبل حلول موعده يتقدم بها إلى البنك
للحصول على قيمتها، ويقوم البنك بدفعها بعد اقتطاع مبلغ معين يتكون من
180

فائدة المبلغ المذكور في الورقة التجارية من يوم الدفع إلى يوم الاستحقاق لقاء
الخدمة التي يقوم البنك بها، كأجرة الكتاب وتحصيل قيمة الورقة إذا كانت تدفع
في مكان آخر غير المكان الموجود به وغيرهما وعندئذ فلا محذور، من دون فرق
بين أن يكون أخذ الأجرة من باب الجعالة أو الإجارة.
(مسألة 417): ما يتعارف في زماننا من إعطاء سند بمبلغ من الأوراق
النقدية من دون أن يكون في ذمته شيء، فيأخذه آخر فينزله عند شخص ثالث
بأقل منه فالظاهر عدم جواز ذلك. نعم، لا بأس به في المصارف غير الأهلية
بجعل ذلك وسيلة إلى أخذ مجهول المالك والتصرف فيه بعد إصلاحه بمراجعة
الحاكم الشرعي. وهنا طريق آخر للتخلص من الربا، وهو أن ما يقتطعه البنك
من قيمة الكمبيالة إنما هو لقاء قيام البنك بالخدمة له، كتسجيل الدين وتحصيله
وغيرهما، وعندئذ فلا بأس به، سواء كان ذلك بعنوان الجعالة أم كان بعنوان
الإجارة، وأما أخذ محرر الكمبيالة تمام قيمتها من المستفيد فلا يكون ربا، فإنه إنما
هو بملاك أن المستفيد حيث أحال البنك على الموقع والمحرر بقيمتها، أصبحت
ذمته مدينة له بما يساوي المبلغ.
الفصل العاشر
بيع الصرف
وهو بيع الذهب أو الفضة بالذهب أو الفضة، ولا فرق بين المسكوك منهما
وغيره.
181

(مسألة 418): المشهور لدى الفقهاء أن التعامل بالذهب أو الفضة يتوقف
شرعا على شرطين:
الأول: المساواة في الكمية بين الثمن والمثمن عند بيع الذهب بالذهب
والفضة بالفضة، فإذا زاد أحدهما على الآخر كان ربا وهو محرم. ولا تعتبر
المساواة بينهما إذا كانا مختلفين، بأن كان الثمن فضة والمثمن ذهبا أو بالعكس،
فإن زيادة أحدهما على الآخر في هذه الصورة لا تكون ربا.
الثاني: أن يتم القبض والإقباض بين البائع والمشتري في مجلس العقد،
فلو افترقا قبل القبض والإقباض بطل البيع، ولكن هذا الشرط صحيح في بيع
الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب، وأما في بيع الذهب بالذهب أو الفضة
بالفضة فهو لا يخلو عن إشكال، بل لا يبعد عدم اعتباره فيه، وعليه فالأقرب
صحة بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة بدون التقابض في مجلس العقد،
ونتيجة ذلك أن التعامل إذا كان بالذهب أو الفضة فالمعتبر في صحته أمر
واحد؛ لأن الثمن والمثمن إذا كانا معا من الذهب أو الفضة، فالمعتبر هو المساواة
بينهما دون التقابض في المجلس على الأقرب وإن كان التقابض أحوط وأجدر،
وإذا كان الثمن من ذهب أو فضة والمثمن من نوع آخر، فالمعتبر هو التقابض
بينهما في المجلس دون المساواة.
(مسألة 419): لو باع النقد مع غيره بنقد آخر صفقة واحدة ولم يتقابضا
حتى افترقا، صح في غير النقد وبطل في النقد.
(مسألة 420): لو فارقا المجلس مصطحبين وتقابضا قبل الافتراق، صح
البيع.
(مسألة 421): لا يشترط التقابض في الصلح الجاري في النقدين، بل تختص
182

شرطيته بالبيع.
(مسألة 422): لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقدية كالدينار
العراقي والتومان الإيراني والدولار الأمريكي والباون الإنجليزي وغيرها من
الأوراق المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين، فيصح بيع بعضها ببعض وإن
لم يتحقق التقابض قبل الافتراق، كما أنه لا زكاة فيها.
(مسألة 423): إذا كان له في ذمة غيره دين من أحد النقدين، فباعه عليه
بنقد آخر وقبض الثمن قبل التفرق صح البيع، ولا حاجة إلى قبض المشتري ما في
ذمته.
(مسألة 424): لو كان له دين على زيد فباعه على عمرو بنقد آخر
وقبضه من عمرو ووكل عمرو زيدا على قبض ما في ذمته، ففي صحته بمجرد
التوكيل اشكال، بل لا يبعد عدم الصحة حتى يقبضه زيد ويعينه في مصداق
بعينه.
(مسألة 425): إذا اشترى منه دراهم معينة بنقد ثم باعها عليه أو على غيره
قبل قبضها لم يصح البيع الثاني، فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرق صح البيع
الأول، فإن أجاز البيع الثاني وأقبضه صح البيع الثاني أيضا، وإذا لم يقبضها حتى
افترقا بطل البيع الأول والثاني.
(مسألة 426): إذا كان له دراهم في ذمة غيره فقال له: حولها دنانير في ذمتك
فقبل المديون صح ذلك، وتحول ما في الذمة إلى دنانير وإن لم يتقابضا، وكذا لو كان
له دنانير في ذمته فقال له: حولها دراهم وقبل المديون، فإنه يصح وتتحول
الدنانير إلى دراهم، وكذلك الحكم في الأوراق النقدية إذا كانت في الذمة، فيجوز
تحويلها من جنس إلى آخر.
183

(مسألة 427): لا يجب على المتعاملين بالصرف إقباض المبيع أو الثمن، حتى
لو قبض أحدهما، لم يجب عليه إقباض صاحبه، ولو كان للمبيع أو الثمن نماء قبل
القبض كان لمن انتقل عنه لا لمن انتقل إليه.
(مسألة 428): الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجة في المعاملة بها،
يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها سواء أكان غشها مجهولا أم معلوما، وسواء
أكان مقدار الغش معلوما أم مجهولا، وإن لم تكن رائجة، فلا يجوز خرجها
وإنفاقها والمعاملة بها إلا بعد إظهار حالها.
(مسألة 429): يجوز صرف المسكوكات من الفضة أو النحاس إلى
أبعاضها، ولو مع التفاضل بين الأصل وأبعاضه كما هو الغالب. نعم، لا يجوز ذلك
في المسكوكات الذهبية، فإنها من الموزون، فلا يجوز تصريفها إلى أبعاضها مع
التفاضل إلا مع الضميمة.
(مسألة 430): يكفي في الضميمة التي يتخلص بها عن الربا الغش الذي
يكون في الذهب والفضة المغشوشين، إذا كان الغش غير مستهلك وكانت له قيمة
في حال كونه غشا، ولا يكفي أن تكون له قيمة على تقدير التصفية لا مطلقا، فإذا
كان الطرفان مغشوشين كذلك صح مع التفاضل، وإذا كان أحدهما مغشوشا دون
الآخر جاز التفاضل، شريطة أن تكون الفضة الخالصة زائدة على الفضة
المغشوشة حتى تقع تلك الزيادة في مقابل الغش، ولا يصح إذا كانت الفضة زائدة
في المغشوش.
(مسألة 431): الآلات المحلاة بالذهب يجوز بيعها بالذهب الخالص، شريطة
أن يكون الذهب الخالص أكثر من الذهب المحلاة به وإلا لم يجز. نعم، لو بيع
السيف بالسيف وكان كل منهما محلى جاز مطلقا وإن كانت الحلية في أحدهما أكثر
184

من الحلية في الآخر، على أساس أنه ليس من بيع الذهب بالذهب.
(مسألة 432): الكلبتون المصنوع من الفضة، يجوز بيعه بالفضة إذا كانت
الفضة الخالصة زائدة على فضة الكلبتون وزنا، حتى تكون تلك الزيادة بإزاء
مادة أخرى منه وهي الإبريسم، والمصنوع من الذهب يجوز بيعه بالذهب، إذا
كان الذهب الخالص أكثر من ذهبه وزنا، حتى يكون الزائد في مقابل مادة أخرى
منه شريطة أن تكون لتلك المادة قيمة فعلا.
(مسألة 433): إذا اشترى شخص فضة معينة بفضة أو بذهب وقبضها قبل
التفرق، ثم تبين الخلاف فلذلك حالات:
الأولى: أن المشتري بعد القبض وجدها جنسا آخر، كما إذا وجد أن ما
وقع عليه البيع رصاص، أو نحاس وليس بفضة، وفي هذه الحالة بطل البيع، على
أساس أن ما قصد بالبيع غير موجود وما هو موجود لم يقصد به، نظير ما لو باعه
بغلة فظهرت فرسا، فإنه باطل ولا مجال للمطالبة بالبدل.
الثانية: أنه وجد بعضها من جنس المبيع وبعضها من غير جنسه، وفي هذه
الحالة صح البيع في الأول؛ لتوفر شروط الصحة فيه، وبطل في الثاني؛ لعدم
توفرها، ويثبت للمشتري حينئذ خيار تبعض الصفقة، فإن امضى البيع بالنسبة
إلى ما هو من جنس المبيع قسط الثمن، فعلى البائع رد باقي الثمن إليه، وإن فسخه
فعليه رد تمام الثمن.
الثالثة: أنه وجدها فضة معيبة، فعندئذ لا تخلو الحال من أن يكون العيب
في تمام المبيع أو في بعضه، فعلى الأول تخير المشتري بين رد الجميع وإمساكه، كما
هو الحال في سائر المعيبات، وليس له حق رد البعض إلا إذا رضى البائع بذلك،
ولا طلب البدل؛ لأن البيع إنما وقع على العين الشخصية لا على الكلي في الذمة،
185

وعلى الثاني تخير بين رد الجميع وإمساكه ورد المعيب فقط وإمساك الصحيح،
غاية الأمر يثبت حينئذ خيار تبعض الصفقة للبائع. وقد تسأل: هل يثبت الأرش
في هذه الحالة إذا لم يكن بإمكان المشتري الرد أو لا؟
والجواب: الظاهر ثبوت الأرش بناء على ما هو الصحيح من أنه غرامة
خارجية قد ثبت بالروايات الخاصة وليس جزء الثمن، حتى يلزم من أخذه زيادة
المعيب على الصحيح وهي ربا إذا كان العوضان متجانسين، كبيع الذهب بالذهب
أو الفضة بالفضة.
(مسألة 434): إذا اشترى فضة في الذمة بفضة أو بذهب، وبعد القبض وجد
المشتري أن المقبوض من جنس آخر كصفر أو نحاس أو رصاص فلذلك أيضا
حالات:
الأولى: أنه وجده كذلك قبل التفرق، ففي هذه الحالة له المطالبة بتبديل
الفرد المدفوع بفرد المبيع، على أساس أن المبيع كلي في الذمة والمدفوع إذا لم يكن
مصداقا له كان له حق المطالبة به ما لم يحصل التفرق، فإذا دفع البائع البدل وقبضه
المشتري قبله صح البيع.
الثانية: أنه وجده كذلك بعد التفرق، ففي هذه الحالة بطل البيع ووجب على
البائع رد الثمن إليه، ولا يكفي في صحته تبديل الفرد المدفوع بفرد المبيع.
الثالثة: أنه وجده فضة معيبة، ففي هذه الحالة تخير المشتري بين رد
المقبوض ومطالبة البائع بالبدل وبين الرضا به، ولا يحق له أن يفسخ البيع من
أصله إلا إذا امتنع البائع من التبديل، وأما الأرش فهو غير ثابت في المقام، لا على
أساس أنه يؤدي إلى الربا؛ لما مر من أنه غرامة خارجية ليس بجزء الثمن، بل من
جهة أن المبيع كلي في الذمة ولا يتصور فيه العيب وما هو معيب في الخارج ليس
186

بمبيع، فلذلك كان للمشتري أن يطالب البائع بالفرد الصحيح بدل الفرد المعيب.
(مسألة 435): لا يجوز أن يشتري من الصائغ أو غيره خاتما أو غيره من
المصوغات من الفضة أو الذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة اجرة الصياغة بل إما
أن يشتريه بغير جنسه، أو بأقل من مقداره من جنسه مع الضميمة ليتخلص من
الربا، أو بمقداره من جنسه من دون الضميمة، وتراضيا بينهما على اجرة الصياغة.
(مسألة 436): لو كان له على زيد نقود كالليرات الذهبية، وأخذ منه شيئا
من المسكوكات الفضية كالدراهم، فإن كان الأخذ بعنوان الاستيفاء، ينقص من
الليرات في كل زمان أخذ فيه بمقدار ما أخذ بسعر ذلك الزمان، فإذا كان الدين
خمس ليرات وأخذ منه في الشهر الأول عشر دراهم وفي الثاني عشرا، وفي
الثالث عشرا، وكان سعر الليرة في الشهر الأول خمسة عشر درهما، وفي الثاني
اثني عشر درهما، وفي الثالث عشر دراهم، نقص من الليرات ثلثا ليرة في الشهر
الأول وخمسة أسداسها في الثاني وليرة تامة في الثالث، وإن كان الأخذ بعنوان
القرض كان ما أخذه دينا عليه لزيد وبقي دين زيد عليه، وفي جواز احتساب
أحدهما دينه وفاء عن الآخر إشكال، والأظهر الجواز، وتجوز المصالحة بينهما
على إبراء كل منهما صاحبه مما له عليه، وأما إذا كانت الدراهم المأخوذة تدريجا
قد أخذت بعنوان الأمانة، فإذا اجتمع عنده من الدراهم بمقدار الليرات، جاز له
احتسابها وفاء لما يطلبه منه من الليرات.
(مسألة 437): إذا أقرض زيدا نقدا معينا من الذهب أو الفضة، أو أصدق
زوجته مهرا كذلك، أو جعله ثمنا في الذمة مؤجلا أو حالا فتغير السعر، لزمه
النقد المعين، ولا اعتبار بالقيمة وقت اشتغال الذمة. وقد تسأل: أن الأوراق
النقدية التي لا تمثل الذهب أو الفضة، كالدينار والريال والروبية وغيرها
187

المتداولة في الأسواق في العصر الحاضر، قد ترتفع قيمتها وتتصاعد بسبب
ظروف اقتصادية زاهرة، وقد تنزل قيمتها وتنقص شديدا في ظروف اقتصادية
تعسة، فإذا فرضنا أن شخصا مدين من تلك الأوراق لزيد وكانت قيمتها
مرتفعة وقت القرض ومخففة وقت الأداء، فهل يضمن ماليتها وقت القرض، أو
أن الواجب عليه دفع تلك الأوراق مهما كانت ماليتها حين الدفع؟
والجواب: أن الأوراق المالية بما أنها مثلية، فيكون الثابت في الذمة مثلها لا
ماليتها فحسب؛ لما مر من أن حقيقة القرض تمليك عين على وجه الضمان بمثلها.
مثال ذلك: إذا كان شخص مدينا لآخر بألف دينار عراقي، كان الواجب عليه بعد
حلول الأجل دفع ألف دينار إليه، زادت ماليته في إطار الدينار أم نقصت، فإذا
فرضنا أن مالية الدينار كانت في وقت القرض أزيد مما هي في وقت الأداء، بحيث
تكون مالية كل دينار في وقت القرض تساوي مالية ثلاثة دنانير أو أكثر في
وقت الأداء، لم يجب عليه دفع ثلاثة آلاف دينار اليه بدل الألف أو أكثر منه، على
أساس أن ما يثبت في ذمته وقت القرض هو ألف دينار عراقي لا ماليته بقطع
النظر عن خصوصيته. نعم، يضمن مالية الدينار في إطاره فقط لا مطلقا، وعليه
دفعه في موعده زادت أم نقصت، ومن هنا إذا زادت ماليته في وقت الأداء عما
كانت في وقت القرض، بحيث تساوي مالية كل دينار في وقت الأداء مالية
دينارين في وقت القرض، لم يكتف بدفع خمسمائة دينار إليه بدل الألف المساوية
له في المالية.
(مسألة 438): لا يجوز بيع درهم جيد بدرهم رديء بشرط صياغة خاتم
مثلا، ويجوز أن يقول له: صغ لي هذا الخاتم وأبيعك درهما جيدا بدرهم رديء،
على أن يكون البيع جعلا لصياغة الخاتم، كما يجوز أيضا أن يشتري منه مثقال
188

فضة رديئة مصوغا خاتما بمثقال فضة جيدة غير مصوغ.
(مسألة 439): لو باع عشر روبيات بليرة ذهبية إلا عشرين فلسا صح،
بشرط أن يعلما مقدار نسبة العشرين فلسا إلى الليرة بل مطلقا وإن لم يعلما مقدار
النسبة تفصيلا.
(مسألة 440): المصوغ من الذهب والفضة معا، لا يجوز بيعه بالذهب فقط
أو بالفضة كذلك بلا زيادة لأنه ربا، بل إما أن يباع بأحدهما مع الزيادة ليكون
المجموع بإزاء المجموع أو يباع بهما معا أو بجنس آخر غيرهما.
(مسألة 441): الظاهر أن ما يقع في التراب عادة من أجزاء الذهب والفضة
ويجتمع فيه عند الصائغ - وقد جرت العادة على عدم مطالبة المالك بها - ملك
للصائغ نفسه، والأحوط - استحبابا - أن يتصدق به عن مالكه مع الجهل به
والاستئذان منه مع معرفته، ويطرد الحكم المذكور في الخياطين والنجارين
والحدادين ونحوهم، فيما يجتمع عندهم من الأجزاء المنفصلة من أجزاء الثياب
والخشب والحديد، ولا يضمنون شيئا من ذلك وإن كانت له مالية عند العرف، إذا
كان المتعارف في عملهم انفصال تلك الأجزاء.
الفصل الحادي عشر
في السلف
ويقال له السلم أيضا، وهو ابتياع مال كلي مؤجل بثمن حال، عكس
النسيئة، ويقال للمشتري المسلم (بكسر اللام) وللبائع المسلم إليه وللثمن
189

المسلم وللمبيع المسلم (بفتح اللام) فيه.
(مسألة 442): يجوز في السلف أن يكون المبيع والثمن من غير النقدين مع
اختلاف الجنس، أو عدم كونهما أو أحدهما من المكيل والموزون، كما يجوز أن
يكون أحدهما من النقدين والآخر من غيرهما ثمنا كان أو مثمنا، ولا يجوز أن
يكون كل من الثمن والمثمن من النقدين اختلفا في الجنس أو اتفقا.
يشترط في السلف امور:
الأول: أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها،
كالجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها، كالخضر والفواكه والحبوب
والجوز واللوز والبيض والملابس والأشربة والأدوية وآلات السلاح وآلات
النجارة والنساجة والخياطة وغيرها من الأعمال والحيوان والإنسان وغير ذلك،
وإذا باعها بأوصافها المضبوطة، ثم في وقت حلول الأجل أعطى البائع المشتري
دون تلك الأوصاف أو فوقها، فلا بأس إذا كان مع التراضي وطيب النفس، وأما
ما لا يمكن ضبط أوصافه، كالجواهر واللآلئ والبساتين وغيرها مما لا ترتفع
الجهالة والغرر فيها إلا بالمشاهدة، فإن باعه بالأوصاف ورضي المشتري
بذلك، ثم ظهر خلافها فهل يبطل البيع؟
والجواب: أنه لا يبطل على الأظهر، بل يثبت للمشتري الخيار.
الثاني: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة.
الثالث: قبض الثمن قبل التفرق على الأحوط، ولو قبض البعض صح فيه،
وأما في الباقي فالبطلان فيه مبني على الاحتياط كما مر، ولو كان الثمن دينا في ذمة
البائع، فالأقوى الصحة إذا كان الدين حالا، وأما إذا كان مؤجلا فهل يصح؟
190

والجواب: ان صحته غير بعيدة وان كان الاحتياط في محلة، واما إذا جعل
الثمن كليا في ذمة المشتري، فله أن يحاسب به ماله في ذمة البائع المسلم إليه بديلا
عن الثمن.
الرابع: تقدير المبيع ذي الكيل بالكيل والوزن بالوزن والعد بالعد.
الخامس: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيام أو بالشهور أو السنين
أو نحوها، ولو جعل الأجل زمان الحصاد أو الدياس أو الحظيرة بطل البيع على
الأحوط، ويجوز فيه أن يكون قليلا كيوم ونحوه وأن يكون كثيرا كعشرين سنة.
السادس: أن يكون البائع قادرا على تسليم المبيع في وقت الحلول، أو
في البلد الذي اشترط المشتري عليه التسليم في ذلك البلد وإن لم يكن قادرا
بسبب أو آخر بطل البيع.
(مسألة 443): إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المسلم فيه في بلد العقد،
إلا أن تقوم قرينة على الإطلاق أو على تعيين غيره فيعمل على طبقها، والأقوى
عدم وجوب تعيينه في العقد إذا لم يقتض إطلاقه ذلك، إلا إذا اختلفت الأمكنة في
صعوبة التسليم فيها ولزوم الخسارة المالية، بحيث يكون الجهل بها غررا فيجب
تعيينه حينئذ.
(مسألة 444): إذا جعل الأجل شهرا قمريا أو شمسيا أو شهرين، فإن كان
وقوع المعاملة في أول الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر، وإن كان في أثناء الشهر
فالمراد من الشهر، مجموع ما بقي منه مع إضافة مقدار من الشهر الثاني يساوي
الماضي من الشهر الأول وهكذا.
(مسألة 445): إذا جعل الأجل جمادى أو ربيعا حمل على أولهما من تلك
191

السنة وحل بأول جزء من ليلة الهلال، وإذا جعله الجمعة أو الخميس حمل على
الجمعة الأولى أو الخميس الأول من تلك السنة، وحل بأول جزء من نهار اليوم
المذكور.
(مسألة 446): إذا اشترى شيئا سلفا، جاز بيعه من بايعه قبل حلول الأجل
وبعده بجنس آخر، أو بجنس الثمن بشرط عدم الزيادة حالا كان أم مؤجلا، وأما
بيعه من غيره قبل حلول الأجل فهل يجوز أو لا؟
والجواب: لا يبعد جوازه، سواء كان بجنس آخر أم بجنس الثمن مع الزيادة
أو النقيصة أو التساوي وإن كان حالا، ومع هذا فالأحوط والأولى ترك ذلك.
هذا في غير المكيل والموزون، وأما فيهما فلا يجوز بيعهما قبل القبض مرابحة مطلقا
كما تقدم.
(مسألة 447): إذا دفع البائع المسلم فيه دون الصفة لم يجب على المشتري
القبول، ولو رضي بذلك صح، وكذلك إذا دفع أقل من المقدار، وتبرأ ذمة البائع إذا
أبرأ المشتري الباقي، وإذا دفعه على الصفة والمقدار وجب عليه القبول، وإذا دفع
فوق الصفة، فإن كان شرط الصفة راجعا إلى استثناء ما دونها فقط وجب القبول
أيضا، وإن كان راجعا إلى استثناء ما دونها وما فوقها لم يجب القبول، ولو دفع
إليه زائدا على المقدار أيضا لم يجب القبول، وفي كلا الفرضين إذا قبل ورضى
فلا بأس.
(مسألة 448): إذا حل الأجل ولم يتمكن البائع من دفع المسلم فيه، تخير
المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن بلا زيادة ولا نقيصة، وبين أن ينتظر إلى أن
يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر، ولو تمكن من دفع بعضه وعجز عن
الباقي، كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه والانتظار، وفي جواز فسخه في الكل
192

حينئذ إشكال، والأظهر الجواز. نعم، لو فسخ في البعض جاز للبائع الفسخ في
الكل.
(مسألة 449): لو كان المبيع موجودا في غير البلد الذي يجب التسليم فيه،
فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده جاز، وإلا فإن أمكن وتعارف نقله إلى بلد
التسليم وجب على البائع نقله، وإلا فيجري الحكم المتقدم من الخيار بين الفسخ
والانتظار.
(مسألة 450): إذا ظهر العيب في الفرد المدفوع من المبيع إلى المشتري في
وقت بلوغ الأجل، تخير بين رده والمطالبة بالبدل، وبين قبوله ورضاه بذلك ولا
أرش في المقام كما مر، وإذا ظهر العيب في الثمن تخير البائع بين رد البيع وفسخه
وبين الإمضاء، وإذا سقط الرد فله أن يطالب بالأرش، هذا إذا لم يكن الثمن كليا في
الذمة، وإلا فهو مخير بين الإمضاء والقبول وبين الرد والمطالبة بالبدل فحسب، إذا
كان ظهور العيب في الفرد المدفوع قبل التفرق، وأما إذا كان بعده، فليس بإمكانه
رد الفرد المدفوع المعيب ومطالبة الفرد الصحيح للثمن؛ لاستلزام ذلك قبض الثمن
بعد التفرق وهو باطل على الأحوط كما تقدم. نعم، له في هذه الحالة أن يطالب
المشتري بأحد أمرين: أما بتبديل الفرد المدفوع المعيب بالفرد الصحيح، بأن
يكون الفرد الصحيح بدلا عن الفرد المعيب الذي تعين الثمن فيه لا عن الثمن نفسه،
فتكون مبادلة بين الفردين، وأما ان يطلب منه الأرش باعتبار أن الثمن تعين
في الفرد المعيب، وفي هذا الفرض حيث إن البائع لا يتمكن من رده فله أن
يطالب بالأرش، وهذا البيان لا يجري في طرف المبيع إذا ظهر العيب في الفرد
المدفوع منه، على أساس أنه لا يعتبر في قبضه أن يكون قبل التفرق وإن أمكن
ذلك.
193

الفصل الثاني عشر
بيع الثمار والخضر والزرع
لا يجوز بيع ثمرة النخل والشجر قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة،
ويجوز بيعها عامين فما زاد وعاما واحدا مع الضميمة على الأقوى، وأما بعد
ظهورها، فإن بدا صلاحها أو كان البيع في عامين أو مع الضميمة جاز بيعها بلا
إشكال، أما مع انتفاء الثلاثة، فالأقوى الجواز والأحوط العدم.
(مسألة 451): بدو الصلاح في الثمر هو كونه قابلا للأكل في العادة وإن كان
أول أوان أكله.
(مسألة 452): يعتبر في الضميمة المجوزة لبيع الثمر قبل بدو صلاحه أن
تكون مما يجوز بيعه منفردا، ويعتبر كونها مملوكة للمالك، وكون الثمن لها وللمنضم
إليه على الإشاعة، ولا يعتبر فيها أن تكون متبوعة على الأقوى، فيجوز كونها
تابعة.
(مسألة 453): يكتفي في الضميمة في ثمر النخل مثل السعف والكرب
والشجر اليابس الذي في البستان.
(مسألة 454): لو بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها مع اصولها جاز بلا إشكال.
(مسألة 455): إذا ظهر بعض ثمر البستان جاز بيع ثمرته أجمع الموجودة
والمتجددة في تلك السنة في المستقبل، وإن لم تظهر فعلا سواء اتحدت الشجرة
أو تكثرت، وسواء اتحد الجنس أو اختلف، وكذلك لو أدركت ثمرة بستان جاز
194

بيعها مع ثمرة بستان آخر لم تدرك ثمرته.
(مسألة 456): إذا كانت الشجرة تثمر في السنة الواحدة مرتين، ففي جريان
حكم العامين عليها إشكال، لا يبعد الجريان.
(مسألة 457): إذا باع الثمرة سنة أو سنتين أو أكثر، ثم باع أصولها على
شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة، بل تنتقل الأصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة في
المدة المعينة، وله الخيار في الفسخ مع الجهل.
(مسألة 458): لا يبطل بيع الثمرة بموت بائعها، بل تنتقل الأصول إلى ورثة
البائع بموته مسلوبة المنفعة، وكذا لا يبطل بيعها بموت المشتري بل تنتقل إلى
ورثته.
(مسألة 459): إذا اشترى ثمرة فتلفت قبل قبضها انفسخ العقد، وكانت
الخسارة من مال البائع كما تقدم ذلك في أحكام القبض، وتقدم أيضا إلحاق
السرقة ونحوها بالتلف، وحكم ما لو كان التلف من البائع أو المشتري أو
الأجنبي.
(مسألة 460): يجوز لبائع الثمرة أن يستثني ثمرة شجرات أو نخلات بعينها،
وأن يستثنى حصة مشاعة كالربع والخمس، وأن يستثني مقدارا معينا كمائة
كيلو، لكن في هاتين الصورتين لو خاست الثمرة وزع النقص على المستثنى
والمستثنى منه على النسبة، ففي صورة استثناء حصة مشاعة يوزع الباقي بتلك
النسبة، وأما إذا كان المستثنى مقدارا معينا، فطريقة معرفة النقص تخمين الفائت
بالثلث أو الربع مثلا فيسقط المقدار المستثنى بتلك النسبة، فإن كان الفائت الثلث
يسقط منه الثلث وإن كان الربع يسقط الربع وهكذا.
195

(مسألة 461): يجوز بيع الثمرة على النخل والشجرة بكل شيء يصح أن
يجعل ثمنا في أنواع البيوع من النقود والأمتعة والحيوان والطعام والمنافع والأعمال
وغيرها.
(مسألة 462): لا تجوز المحاقلة وهي بيع ثمرة النخل تمرا كانت أم رطبا أو
بسرا أو غيرها بالتمر من ذلك النخل سواء كان موضوعا على الأرض أم على
النخل، وأما بيعها بثمرة غيره سواء كان في الذمة أم كان معينا في الخارج،
فالظاهر جوازه وإن كان الترك أحوط.
(مسألة 463): الظاهر أن الحكم المزبور لا يختص بالنخل، فلا يجوز بيع ثمر
غير النخل بثمره أيضا ويسمى ذلك بالمزابنة، وأما بيعه بغير ثمره، فلا إشكال فيه
أصلا.
(مسألة 464): يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمر في أصله من النخل أو الشجر
بثمن زائد على ثمنه الذي اشتراه به أو ناقص أو مساو سواء أباعه قبل قبضه أم
بعده.
(مسألة 465): لا يجوز بيع الزرع بذرا قبل ظهوره. نعم، يجوز بيعه بعنوان
البذر، كما يجوز تبعا لبيع الأرض، وأما بعد ظهوره وطلوع خضرته فيجوز للمالك
أن يبيعه، وحينئذ فإن شاء المشتري قصله، وإن شاء أبقاه مع اشتراط الإبقاء على
المالك في ضمن العقد أو بإذن منه، فإن أبقاه المالك حتى يسنبل كان له السنبل
وعليه أجرة الأرض إذا لم يشترط عليه الإبقاء مجانا، وإن قصله قبل أن يسنبل،
فعندئذ إن ظلت أصول الزرع في ملك مالكها كان نموها في ملكه، وإن انتقلت إلى
ملك المشتري مع الزرع كان نموها حتى إذا سنبلت في ملكه، شريطة أن لا يكون
معرضا عنها، وحينئذ فعليه اجرة الأرض إذا لم يرض المالك ببقائها فيها مجانا،
196

وأما إذا لم يرض بالبقاء فيها حتى مع الأجرة فيجب عليه تخليتها من ماله، فإن
امتنع عنها فللمالك إجباره عليها ولو بالرجوع إلى الحاكم الشرعي إن أمكن،
وإلا فله قلعها.
(مسألة 466): يجوز بيع الزرع لا مع أصله، بل قصيلا إذا كان قد بلغ أوان
قصله أو قبل ذلك على أن يبقى حتى يصير قصيلا أو قبل ذلك، فإن قطعه ونمت
الأصول حتى صارت سنبلا كان السنبل للبائع، وإن لم يقصعه كان لصاحب
الأرض إلزامه بقطعه وله إبقاؤه والمطالبة بالأجرة، فلو أبقاه فنمى حتى سنبل
كان السنبل للمشتري، وليس لصاحب الأرض إلا مطالبة الأجرة، وكذا الحال
لو اشترى نخلا.
(مسألة 467): لو اشترى الجذع بشرط القلع فلم يقلعه ونما كان النماء
للمشتري.
(مسألة 468): يجوز بيع الزرع محصودا، ولا يشترط معرفة مقداره بالكيل
أو الوزن، بل تكفي فيه المشاهدة.
(مسألة 469): لا تجوز المحاقلة وهي بيع سنبل الحنطة بالحنطة منه وسنبل
الشعير بالشعير منه، بل وكذا بيع سنبل غير الحنطة والشعير من الحبوب بحب
منه.
(مسألة 470): الخضر كالخيار والباذنجان والبطيخ لا يجوز بيعها قبل
ظهورها، ويجوز بعد ظهورها وانعقادها وتناثر وردها مع المشاهدة لقطة واحدة
أو لقطات، والمرجع في تعيين اللقطة عرف الزراع.
(مسألة 471): لو كانت الخضرة مستوردة كالشلغم والجزر ونحوهما،
197

فالظاهر جواز بيعها أيضا.
(مسألة 472): إذا كانت الخضر مما يجز كالكراث والنعناع واللفت ونحوها،
يجوز بيعها بعد ظهورها جزة وجزات، ولا يجوز بيعها قبل ظهورها كذلك على
الأحوط، والمرجع في تعيين الجزة عرف الزراع كما سبق، وكذا الحكم فيما يخرط
كورق الحناء والتوت، فإنه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطة وخرطات.
(مسألة 473): إذا كان نخل أو شجر أو زرع مشتركا بين اثنين، جاز أن
يتقبل أحدهما حصة صاحبه بعد خرصها بمقدار معين فيتقبلها بذلك المقدار، فإذا
خرص حصة صاحبه بوزنة مثلا جاز أن يتقبلها بتلك الوزنة زادت عليها في
الواقع أو نقصت عنها أو ساوتها.
(مسألة 474): الظاهر أنه لا فرق بين أن يكون الشركاء اثنين أو أكثر وكون
المقدار المتقبل به منها وفي الذمة. نعم، إذا كان منها فتلفت الثمرة فلا ضمان على
المتقبل، بخلاف ما لو كان في الذمة، فإنه باق على ضمانه، والظاهر أنه صلح على
تعيين المقدار المشترك فيه في كمية خاصة على أن يكون اختيار التعيين بيد
المتقبل، ويكفي فيها كل لفظ دال على المقصود، بل تجري فيها المعاطاة كما في
غيرها من العقود.
(مسألة 475): إذا مر الإنسان بشيء من النخل أو الشجر، جاز له أن يأكل -
مع الضرورة العرفية - من ثمره بلا إفساد للثمر أو الأغصان أو الشجر أو غيرها.
(مسألة 476): الظاهر جواز الأكل للمار وإن كان قاصدا له من أول الأمر،
ولا يجوز له أن يحمل معه شيئا من الثمر، وإذا حمل معه شيئا حرم ما حمل، ولم يحرم
ما أكل، وإذا كان للبستان جدار أو حائط أو علم بكراهة المالك، ففي جواز الأكل
إشكال، والمنع أظهر.
198

(مسألة 477): لا بأس ببيع العرية - وهي النخلة الواحدة - لشخص في دار
غيره، فيبيع ثمرتها قبل أن تكون تمرا منه بخرصها تمرا.
الفصل الثالث عشر
في بيع الحيوان
يجوز استرقاق الكافر الأصلي إذا لم يكن معتصما بعهد أو ذمام سواء أكان
في دار الحرب أم كان في دار الإسلام، وسواء أكان بالقهر والغلبة أم بالسرقة أم
بالغيلة، ويسري الرق في أعقابه وإن كان قد أسلم.
(مسألة 478): المرتد الفطري والملي لا يجوز استرقاقهما على الأقوى.
(مسألة 479): لو قهر حربي حربيا آخر، فباعه ملكه المشتري، وإن كان
أخاه أو زوجته أو ممن ينعتق عليه كأبيه وامه، وفي كونه بيعا حقيقة وتجري عليه
أحكامه إشكال، وإن كان أقرب.
(مسألة 480): يصح أن يملك الرجل كل أحد غير الأب والأم والجد وإن
علا لأب كان أو لام، والولد - وإن نزل - ذكرا كان أو أنثى، والمحارم وهي الأخت
والعمة والخالة وإن علون، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن، ولا فرق في
المذكورين بين النسبيين والرضاعيين.
(مسألة 481): إذا وجد السبب المملك فيما لا يصح ملكه اختيارا، كان
السبب كالشراء أو قهريا كالإرث انعتق قهرا.
199

(مسألة 482): لو ملك أحد الزوجين صاحبه - ولو بعضا منه - استقر الملك
وبطل النكاح.
(مسألة 483): يكره أن يملك الرجل غير هؤلاء من ذوي قرابته كالأخ
والعم والخال وأولادهم.
(مسألة 484): تملك المرأة كل أحد غير الأب والأم والجد والجدة والولد
وإن نزل ذكرا كان أو أنثى نسبيين كانوا أو رضاعيين.
(مسألة 485): الكافر لا يملك المسلم ابتداء، ولو أسلم عبد الكافر بيع على
مسلم وأعطى ثمنه.
(مسألة 486): كل من أقر على نفسه بالعبودية حكم عليه بها مع الشك إذا
كان عاقلا بالغا مختارا.
(مسألة 487): لو اشترى عبدا فادعى الحرية لم يقبل قوله إلا بالبينة.
(مسألة 488): يجب على مالك الأمة إذا أراد بيعها وقد وطأها أن يستبرئها
قبل بيعها بحيضة إذا كانت تحيض، وبخمسة وأربعين يوما من حين الوطء إن
كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض.
(مسألة 489): لو باعها من دون الاستبراء صح البيع، ووجب على المشتري
استبراؤها، فلا يطأها إلا بعد حيضة أو مضي المدة المذكورة.
(مسألة 490): إذا لم يعلم أن البائع استبرأها أو وطأها، وجب عليه
الاحتياط في استبرائها، وإذا علم أن البائع لم يطأها أو أنه استبرأها لم يجب عليه
استبراؤها، وكذا إذا أخبره صاحبها بأنه قد استبرأها أو أنه لم يطأها إذا كان
أمينا.
200

(مسألة 491): لا يجب الاستبراء في أمة المرأة، إلا أن يعلم أنها موطوءة
وطئا محترما، ولا في الصغيرة ولا في اليائسة ولا في الحائض حال البيع. نعم، لا
يجوز وطؤها حال الحيض.
(مسألة 492): لا استبراء في الحامل. نعم، لا يجوز وطؤها في القبل إلا بعد
مضي أربعة أشهر وعشرة أيام من زمان حملها، فإن وطأها وقد استبان حملها
عزل استحبابا، فإن لم يعزل فالأحوط - لو لم يكن أقوى - عدم جواز بيع الولد،
بل وجب عتقه وجعل شيء له من ماله يعيش به.
(مسألة 493): يثبت وجوب استبراء البائع للأمة قبل البيع لكل مالك يريد
نقلها إلى غيره ولو بسبب غير البيع، وكذلك وجوب استبراء المشتري قبل
الوطء، يثبت لكل من تنتقل إليه الأمة بسبب وإن كان إرثا أو استرقاقا أو
نحوهما، فلا يجوز له وطؤها إلا بعد الاستبراء.
(مسألة 494): يجوز شراء بعض الحيوان مشاعا كنصفه وربعه، ولا يجوز
شراء بعض معين منه كرأسه وجلده إذا لم يكن مما يطلب لحمه، بل كان المقصود
منه الإبقاء للركوب أو الحمل أو نحوهما.
(مسألة 495): لو كان الحيوان مما يطلب لحمه جاز شراء بعض معين منه،
لكن لو لم يذبح لمانع - كما إذا كان في ذبحه ضرر مالي - كان المشتري شريكا
بنسبة الجزء، وكذا لو باع الحيوان واستثنى الرأس والجلد، وأما إذا اشترك اثنان
أو جماعة وشرط أحدهم لنفسه الرأس والجلد، فإنه يكون شريكا بنسبة المال
لا بنسبة الرأس والجلد.
(مسألة 496): لو قال شخص لآخر: اشتر حيوانا بشركتي، صح ويثبت
البيع لهما على السوية مع الإطلاق، ويكون على كل واحد منهما نصف الثمن، ولو
201

قامت القرينة على كون المراد الاشتراك على التفاضل كان العمل عليهما.
(مسألة 497): لو دفع المأمور عن الآمر بالشراء شركة ما عليه من جزء
الثمن، فإن كان الأمر بالشراء على وجه الشركة قرينة على الأمر بالدفع عنه رجع
الدافع عليه بما دفعه عنه، وإلا كان متبرعا وليس له الرجوع عليه به.
(مسألة 498): لو اشترى أمة فوطأها فظهر أنها ملك لغير البائع، كان
للمالك انتزاعها منه وله على المشتري عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر
إن كانت ثيبا، ولو حملت منه كان عليه قيمة الولد يوم ولد حيا، ويرجع المشتري
على البائع بما اغترمه للمالك إن كان جاهلا.
(مسألة 499): الأقوى أن العبد يملك، فلو ملكه مولاه شيئا ملكه، وكذا لو
ملكه غيره أو حاز لنفسه شيئا إذا كان بإذن المولى، ولا ينفذ تصرفه - فيما ملكه
- بدون إذن مولاه.
(مسألة 500): إذا اشترى كل من العبدين المأذونين من مولاهما بالشراء
صاحبه من مولاه، فإن اقترن العقدان وكان شراؤهما لأنفسهما بطلا، وإن كان
شراؤهما للسيدين فالأقوى الصحة، وإن ترتبا صح السابق، وأما اللاحق فهو
باطل إن كان الشراء لنفسه، وإن كان الشراء لسيده صح إذا كان إذنه بالشراء
مطلقا، وأما إذا كان مقيدا بعبديته، فصحته تتوقف على إجازته.
(مسألة 501): لو وطأ الشريك جارية الشركة حد بنصيب غيره، فإن
حملت قومت عليه وانعقد الولد حرا، وعليه قيمة حصص الشركاء من الولد عند
سقوطه حيا، بل يحتمل عليه بمجرد الوطء مع احتمال الحمل.
(مسألة 502): يستحب لمن اشترى مملوكا تغيير اسمه وإطعامه شيئا من
202

الحلاوة والصدقة عنه بأربعة دراهم ولا يريه ثمنه في الميزان.
(مسألة 503): الأحوط عدم التفرقة بين الام والولد قبل الاستغناء عن
الام، أما البهائم فيجوز فيها ذلك ما لم يؤد إلى إتلاف المال المحترم.
خاتمة
في الإقالة
وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر، والظاهر جريانها
في عامة العقود اللازمة حتى الهبة اللازمة غير النكاح والضمان، وفي جريانها في
الصدقة إشكال، وتقع بكل لفظ يدل على المراد وإن لم يكن عربيا، بل تقع بالفعل
كما تقع بالقول، فإذا طلب أحدهما الفسخ من صاحبه فدفعه إليه كان فسخا
وإقالة، ووجب على الطالب إرجاع ما في يده إلى صاحبه.
(مسألة 504): لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان، فلو
أقال كذلك بطلت، وبقي كل من العوضين على ملك مالكه.
(مسألة 505): إذا جعل له مالا في الذمة أو في الخارج ليقيله بأن قال له:
أقلني ولك هذا المال، أو أقلني ولك علي كذا - نظير الجعالة - فالأظهر الصحة.
(مسألة 506): لو أقال بشرط مال عين أو عمل، كما لو قال للمستقيل:
أقلتك بشرط أن تعطيني كذا أو تخيط ثوبي فقبل صح.
(مسألة 507): لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة.
203

(مسألة 508): في قيام وارث المتعاقدين مقام المورث في صحة الإقالة
إشكال والظاهر العدم. نعم، تجوز الإستقالة من الوارث والإقالة من الطرف
الآخر.
(مسألة 509): تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه، ويتقسط
الثمن حينئذ على النسبة، وإذا تعدد البائع أو المشتري تصح الإقالة بين أحدهما
والطرف الآخر بالنسبة إلى حصته، ولا يشترط رضا الآخر.
(مسألة 510): تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحة الإقالة، فإذا
تقايلا رجع كل عوض إلى صاحبه الأول، فإن كان موجودا أخذه، وإن كان تالفا
رجع بمثله إن كان مثليا وبقيمته يوم الفسخ إن كان قيميا.
(مسألة 511): الخروج عن الملك ببيع أو هبة أو نحوهما بمنزلة التلف، وتلف
البعض - كتلف الكل - يستوجب الرجوع بالبدل عن البعض التالف.
(مسألة 512): العيب في يد المشتري يستوجب الرجوع عليه بالأرش مع
الإقالة.
204

كتاب الشفعة
وفيه فصول:
إذا باع أحد الشريكين حصته على ثالث كان لشريكه أخذ المبيع بالثمن
المجعول له في البيع، ويسمى هذا الحق بالشفعة.
فصل
في ما تثبت فيه الشفعة
(مسألة 513): تثبت الشفعة في بيع مالا ينقل إذا كان يقبل القسمة،
كالأراضي والدور والبساتين بلا إشكال، وهل تثبت فيما ينقل كالآلات والثياب
ونحوهما أو لا؟
والجواب: الأظهر الثبوت، وكذلك فيما لا ينقل إذا لم يقبل القسمة، كالضيقة
205

من الأنهار والطرق والآبار وغيرها، وأما ثبوتها في السفينة والنهر والطريق
والحمام والرحى فهو لا يخلو عن إشكال. نعم، تثبت الشفعة في المملوك المشترك
للشريك إذا باع الشريك الآخر حصته منه، وأما في مطلق الحيوان فالأظهر عدم
ثبوتها.
(مسألة 514): لا تثبت الشفعة بالجوار، فإذا باع أحد داره فليس لجاره
الأخذ بالشفعة.
(مسألة 515): إذا كانت داران مختصة كل واحدة منهما بشخص وكانا
مشتركين في طريقهما، فبيعت أحدى الدارين مع الحصة المشاعة من الطريق،
تثبت الشفعة لصاحب الدار الاخرى سواء أكانت الداران قبل ذلك مشتركتين
وقسمتا أم لم تكونا كذلك.
(مسألة 516): يجري هذا الحكم في الدور المختصة كل واحدة منها بواحد مع
الاشتراك في الطريق، فإذا بيعت واحدة منها مع الحصة من الطريق ثبتت الشفعة
للباقين.
(مسألة 517) إذا بيعت إحدى الدارين بلا ضم حصة الطريق إليها لم تثبت
الشفعة للشريك في الطريق.
(مسألة 518): هل تثبت الشفعة للشريك إذا باع شريكه الآخر حصته من
الطريق وحدها أو لا؟
والجواب: الظاهر أنها تثبت.
(مسألة 519): وقد تسأل: هل يختص الحكم المذكور بالدار، أو يعم غيرها
من الاملاك المفروزة المشتركة في الطريق، كالدكاكين والخانات والأراضي
206

المزروعة وغيرها؟
والجواب: الظاهر عدم اختصاصه بالدار.
(مسألة 520): ألحق جماعة بالطريق النهر والساقية والبئر فإذا كانت
الداران المختصة كل منهما بشخص مشتركتين في نهر أو ساقية أو بئر، فبيعت
أحدهما مع الحصة من النهر أو الساقية أو البئر، كان لصاحب الدار الاخرى
الشفعة في الدار أيضا، وفيه إشكال بل منع.
(مسألة 521): لا تثبت الشفعة إلا في بيع حصة مشاعة من العين المشتركة،
فلا شفعة بالجوار، فلو باع أحد داره أو عقاره ليس لجاره حق الشفعة، وكذلك لا
شفعة في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصته المفروزة، ومن هنا إذا بيع
المقسوم منضما إلى حصة من المشاع صفقة واحدة، كان للشريك في المشاع
الأخذ بالشفعة في الحصة المشاعة بما يخصها من الثمن بعد توزيعه، وليس له
الأخذ بها في المقسوم.
(مسألة 522): تختص الشفعة في غير المساكن والأرضين بالبيع، فإذا انتقل
الجزء المشاع بالهبة المعوضة أو الصلح أو غيرهما فلا شفعة للشريك، وأما في
المساكن والأرضين فهل تختص الشفعة فيهما بالبيع أو تعم غيره أيضا، كالهبة
المعوضة والصلح وغيرهما؟
والجواب: أن العموم لا يخلو عن إشكال ولا يبعد اختصاصها بالبيع.
(مسألة 523): إذا كانت العين بعضها ملكا وبعضها وقفا، فبيع الملك لم يكن
للموقوف عليهم الشفعة على الأقوى وإن كان الموقوف عليه واحدا.
(مسألة 524): إذا بيع الوقف في مورد يجوز بيعه، ففي ثبوت الشفعة للشريك
207

قولان: أقربهما ذلك.
(مسألة 525): يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركة بين
اثنين، فإذا كانت مشتركة بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم شفعة،
وإذا باعوا جميعا إلا واحدا منهم، ففي ثبوت الشفعة له إشكال بل منع. نعم، تثبت
الشفعة في الطريق المشترك إلى الدور، وإن كان مشتركا بين أكثر من اثنين كما مر.
(مسألة 526): إذا كانت العين بين شريكين، فباع أحدهما بعض حصته
ثبتت الشفعة للآخر.
فصل
في الشفيع
(مسألة 527): الأحوط اعتبار الإسلام في الشفيع، فإذا كان المشتري
مسلما فلا شفعة للكافر عليه وإن اشترى من كافر، وتثبت للمسلم على الكافر
وللكافر على مثله.
(مسألة 528): يشترط في الشفيع أن يكون قادرا على أداء الثمن، فلا تثبت
للعاجز عنه وإن بذل الرهن أو وجد له ضامن، إلا أن يرضى المشتري بذلك. نعم،
إذا ادعى غيبة الثمن اجل ثلاثة أيام، وإذا ادعى أن الثمن في بلد آخر، فلينتظر به
مقدار ما سافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف بزيادة ثلاثة أيام، فإن لم
يحضر الثمن في هذه المدة، فلا شفعة له، كما أن مبدأ الثلاثة زمان الأخذ بالشفعة
ومطالبتها لا زمان البيع.
208

(مسألة 529): إذا كان التأجيل إلى زمان نقل الثمن من البلد الآخر زائدا
على المقدار المتعارف المعتاد، بحيث يكون التأجيل إلى المقدار الزائد مستندا إلى
تسامحه وتماهله، فالظاهر سقوط الشفعة.
(مسألة 530): إذا كان الشريك غائبا عن بلد البيع وقت البيع، فهل له
الأخذ بالشفعة إذا حضر البلد، علم بالبيع وإن كانت الغيبة طويلة أو لا؟
والجواب: نعم له الأخذ بها وإن كانت الغيبة طويلة.
(مسألة 531): إذا كان له وكيل مطلق في البلد أو في خصوص الأخذ
بالشفعة، جاز لذلك الوكيل الأخذ بالشفعة عنه.
(مسألة 532): تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيها أو صبيا أو مجنونا،
فيأخذ لهم الولي بها، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح، وكذا الصبي على
الأقوى.
(مسألة 533): تثبت الشفعة للمفلس إذا رضي المشتري ببقاء الثمن في ذمته
أو استدان الثمن من غيره أو دفعه من ماله بإذن الغرماء.
(مسألة 534): إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة،
لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد والعقل، أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة
منه في حقهم، فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والرشد.
(مسألة 535): إذا كان المبيع مشتركا بين الولي والمولى عليه، فباع الولي
عنه، جاز له أن يأخذ بالشفعة على الأقوى.
(مسألة 536): إذا باع الولي عن نفسه، فإنه يجوز له أن يأخذ بالشفعة
للمولى عليه، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكا مع الموكل.
209

فصل
في الأخذ بالشفعة
(مسألة 537): الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويكون
بالقول مثل أن يقول: أخذت المبيع المذكور بثمنه، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن
ويستقل بالمبيع.
(مسألة 538): لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه، بل إما أن
يأخذ الجميع أو يدع الجميع.
(مسألة 539): الشفيع يأخذ بقدر الثمن إذا كان مثليا لا بأكثر منه ولا بأقل
سواء كانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة.
(مسألة 540): في ثبوت الشفعة فيما إذا كان الثمن قيميا - بأن يأخذ المبيع
بقيمته - وجهان، لا يخلو أولهما عن وجه.
(مسألة 541): إذا غرم المشتري شيئا من اجرة الدلال أو غيرها أو تبرع به
للبائع من خلعة ونحوها، لم يلزم الشفيع تداركه.
(مسألة 542): إذا حط البائع شيئا من الثمن للمشتري، لم تكن للشفيع
تنقيصه.
(مسألة 543): الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة، فيسقط مع المماطلة
والتأخير بلا عذر، ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر، كجهله بالبيع أو جهله
210

باستحقاق الشفعة، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا، أو كون المشتري زيدا فبان
عمرا، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس، أو أنه واحد فبان اثنين أو
العكس، أو أن المبيع النصف بمائة، فتبين أنه الربع بخمسين، أو كون الثمن ذهبا
فبان فضة، أو لكونه محبوسا ظلما أو بحق يعجز عن أدائه، وكذا أمثال ذلك من
الأعذار.
(مسألة 544): المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها
المبادرة على النحو المتعارف والمعتاد الذي جرت به العادة، فإذا كان مشغولا
بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.
(مسألة 545): إذا كان مشغولا بأكل أو شرب لم يجب قطعه، ولا يجب عليه
الإسراع في المشي.
(مسألة 546): يجوز له أن كان غائبا انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفا، أو
انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره، وقضاء وطره من الحمام إذا
علم بالبيع وهو في الحمام، وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله. نعم، يشكل
مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجبا للطعن فيه،
وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداء، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه
المماطلة والمسامحة عرفا.
(مسألة 547): إذا كان غائبا عن بلد البيع وعلم بوقوعه، وكان يتمكن من
الأخذ بالشفعة بالتوكيل فلم يبادر إليه، سقطت الشفعة.
(مسألة 548): لابد في الأخذ بالشفعة من إحضار الثمن، ولا يكفي قول
الشفيع: أخذت بالشفعة في انتقال المبيع إليه، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو
عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري، لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك
211

الشفيع، وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.
(مسألة 549): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز
للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول، فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه
في صحته له، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه، فيصح البيع الأول.
(مسألة 550): إذا زادت العقود على اثنين، فإن أخذ بالسابق بطل اللاحق
ويصح مع إجازته، وإن أخذ باللاحق صح السابق، وإن أخذ بالمتوسط صح ما
قبله وبطل ما بعده، ويصح مع إجازته.
(مسألة 551): إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة لازمة أو غير
لازمة أو بجعله صداقا أو غير ذلك مما لا شفعة فيه، كان للشفيع الأخذ بالشفعة
بالنسبة إلى البيع، فتبطل التصرفات اللاحقة له.
(مسألة 552): الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط، ويجوز تعويض المال
بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط،
فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح وكان آثما، ومعطي العوض مخير بين الفسخ
ومطالبة العوض، وأن يطالبه بأجرة المثل للإسقاط، والظاهر صحة الأخذ
بالشفعة على الثاني أيضا. ويصح الصلح عليه نفسه فيسقط بذلك.
(مسألة 553): الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الإنتقال إلى
غير الشفيع.
(مسألة 554): إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة، فالظاهر
سقوطها خصوصا إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.
(مسألة 555): المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة، فإذا
212

أخذ بها وكان جاهلا به لم يصح، لكن الصحة لا تخلو من وجه.
(مسألة 556): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.
(مسألة 557): إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط، وجاز له أخذ الباقي بتمام
الثمن من دون ضمان على المشتري.
(مسألة 558): إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة، فإن كان التلف بفعل
المشتري ضمنه.
(مسألة 559): إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضا، فيما
إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض، وإلا فلا يكون ضامنا،
وحينئذ فإذا أراد الشفيع ان يأخذ بالشفعة يأخذ بالباقي بتمام الثمن ولا ينقص منه
ما قابل التالف من المبيع.
(مسألة 560): هل ينتقل حق الشفعة إلى الورثة كسائر الحقوق الشرعية
أو لا؟
والجواب: أن ذلك غير بعيد، وعلى هذا فبما أنه ينتقل إلى مجموع الورثة،
فلا يحق لأي واحد منهم أن يأخذ به من دون موافقة الآخرين.
(مسألة 561): إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط، وكذا إذا شهد على
البيع أو بارك للمشتري، إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بذلك بعد البيع.
(مسألة 562): إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب، وكانت حصة
الغائب بيد ثالث، فباعها بدعوى الوكالة عن الغائب، جاز الشراء منه والتصرف
فيه، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد اطلاعه على البيع أو لا؟
والجواب: أنه إن كان واثقا ومطمئنا بصدقه في دعوى الوكالة عنه فله
213

الأخذ بالشفعة، وإلا فليس له ذلك، وحينئذ فإذا حضر الشريك الغائب وصدق
مدعي الوكالة، فإن كان قد أخذ الشريك الحاضر بالشفعة فهو، وإلا فله الأخذ
بها فعلا، وأما إذا حضر الغائب فإن أنكر وكالته كان القول قوله بيمينه، فإذا
حلف انتزع الحصة من يد الشفيع إذا كان أخذا بها، وكان عليه الأجرة إن كانت
ذات منفعة مستوفاة بل مطلقا، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة
إذا كان التفويت مستندا إليه.
(مسألة 563): إذا كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن
المؤجل، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل، ويجوز أيضا الأخذ بالثمن حالا إن رضي
المشتري به، أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.
(مسألة 564): الشفعة لا تسقط بالإقالة، فإذا تقايلا جاز للشفيع الأخذ
بالشفعة فينكشف بطلان الإقالة، فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن
للبائع، كما كان الحال قبلها كذلك.
(مسألة 565): إذا كان للبائع خيار رد العين، فالظاهر أن الشفعة لا تسقط
به، لكن البائع إذا فسخ يرجع المبيع إليه، وحينئذ فيسقط حق الشفعة بسقوط
موضوعه، بل الظاهر ثبوت سائر الخيارات أيضا، ومع الفسخ يرجع المبيع إلى
البائع وتنتفي الخيارات بانتفاء موضوعها.
(مسألة 566): إذا كانت العين معيبة، فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا
أرش، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة، فإن كان عالما به فلا شيء له، وإن كان جاهلا
كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش، وإذا كان المشتري جاهلا كان له
الأرش ولا خيار له في الرد، على أساس أن المبيع انتقل إلى الشفيع، وإذا أخذه
الشفيع بالشفعة كان له الرد، فإن لم يمكن الرد لم يبعد رجوعه على المشتري
214

بالأرش حتى إذا كان قد أسقطه عن البائع.
(مسألة 567): إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع،
فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع، وإذا اطلع الشفيع عليه دون
المشتري، فليس له مطالبة البائع بالأرش، ولا يبعد جواز مطالبة المشتري به إن
لم يمكن الرد.
215

كتاب الإجارة
وفيه فصول:
وهي المعاوضة على المنفعة عملا كانت أو غيره، فالأول مثل إجارة
الخياط للخياطة والبناء للبناء والطبيب للطبابة وهكذا، والثاني مثل إجارة
الدار والدكان والأرض وغيرها.
(مسألة 568): لابد فيها من الإيجاب والقبول، فالإيجاب مثل قول الخياط:
آجرتك نفسي، وقول صاحب الدار: آجرتك داري، والقبول مثل قول
المستأجر: قبلت، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر، مثل: استأجرتك لتخيط
ثوبي واستأجرت دارك، فيقول المؤجر: قبلت وهكذا، بل يكفي فيهما كل لفظ
يدل على ذلك، ويجوز أن يكون الإيجاب بالقول والقبول بالفعل وبالعكس،
وتجري فيها المعاطاة أيضا كما في سائر المعاملات.
(مسألة 569): يشترط في المتعاقدين امور:
الأول: العقل ولا إشكال في اعتباره فيهما سواء أكانا بالأصالة أم كانا
216

بالوكالة.
الثاني: البلوغ، وهو معتبر فيهما إذا كانا بالأصالة دون ما إذا كانا بالوكالة،
إذ لا مانع من نفوذ تصرف الصبي المميز العاقل في مال غيره وكالة كالبيع
والشراء ونحوهما.
الثالث: الاختيار، وهو معتبر فيهما، فإن العاقد إذا أكره على بيع ماله أو
إجارة داره أو على شراء شيء له كان العقد باطلا. نعم، لو أكره شخص غيره على
بيع ماله مثلا فباع صح، ولا يكون إكراهه على بيع مال غيره مانعا عن صحته.
الرابع: عدم الحجر، وهو شرط في صحة تصرف الشخص في ماله من
البيع أو الإجارة أو نحوها، ولا يكون شرطا في صحة تصرفه في مال غيره وكالة.
الخامس: عدم السفه، وهو أيضا كذلك، فإنه محجور من التصرف في ماله
دون مال غيره وكالة.
السادس: عدم الرقية، وهو معتبر في تصرفه في ماله بناء على أنه يملك كما
هو الصحيح، ولا يعتبر في تصرفه في مال غيره إذا كان مأذونا ووكيلا عنه.
يشترط في كل من العوضين امور:
الأول: أن يكون معلوما على نحو لا يلزم منه الغرر، وهذا وإن كان
مشهورا بين الأصحاب، إلا أن اعتباره في صحة العقد منه الإجارة لا يخلو عن
إشكال بل منع؛ إذ لا دليل على أن البيع الغرري الذي هو مورد النبوي المعروف
باطل فضلا عن غيره كالإجارة أو نحوها، على أساس أن النبوي لا يصلح أن
يكون دليلا. نعم، الغرر في عقد البيع أو الإجارة يوجب الخيار للمغبون لا بطلان
العقد، ومع ذلك فالاحتياط في محله، وعليه فإن كانت الأجرة من المكيل أو
217

الموزون أو المعدود تعرف بالكيل أو الوزن أو العد، وإذا كانت من غيره، فأما أن
يعرف بالمشاهدة أو بالوصف أو بغير ذلك مما ترتفع به الجهالة.
(مسألة 570): لا يعتبر العلم بمقدار المنفعة فيما لا غرر مع الجهل به، كما في
إجارة السيارة - مثلا - إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة، فإن المنفعة حينئذ
أمر عادي متعارف، ولا بأس بالجهل بمقدارها ولا بمقدار زمان السير. وفي غير
ذلك يعتبر العلم بالمقدار حتى لا تكون الإجارة غررية، وهو إما بتقدير المدة مثل
سكنى الدار سنة أو شهرا، أو المساحة مثل ركوب الدابة فرسخا أو فرسخين، أو
من البلد الفلاني إلى البلد الفلاني، أو يوما أو يومين أو نحو ذلك، وأما بتقدير
موضوعها مثل خياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقته وغلظته، أو خياطة
يوم أو يومين أو أكثر، ولابد من تعيين الزمان في الأولين، فإذا استأجر الدار
للسكنى سنة والدابة للركوب شهرا مطلقا من دون تعيين الزمان أصلا بطلت
الإجارة، إلا أن تكون هناك قرينة على التعيين، ولو إطلاق العقد الذي يقتضي
التعجيل حالا.
(مسألة 571): الظاهر عدم اعتبار تعيين الزمان في الإجارة على مثل
خياطة ثوب أو ثوبين أو أكثر، أو على بناء غرفة أو غرفتين وهكذا، فإن الواجب
على الأجير في هذه الحالة الإتيان بالعمل المستأجر عليه في فترة متعارفة، على
نحو لا يصدق أنه تسامح وتماهل في إنجاز العمل.
الثاني: أن يكون مقدورا على تسليمه، فلا تصح إجارة العبد الآبق وإن
ضمت إليه ضميمة على الأقوى.
الثالث: أن تكون العين المستأجر ذات منفعة، فلا تصح إجارة الأرض
التي لا ماء لها للزراعة.
218

الرابع: أن تكون العين مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها، فلا تصح إجارة
الخبز للأكل.
الخامس: أن تكون المنفعة محللة، فلا تصح إجارة المساكن لإحراز
المحرمات كالخمر ونحوها، أو الدكاكين والمحلات لبيعها، أو الدابة لحملها، ولا
إجارة الجارية للغناء.
السادس: تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة، فلا تصح إجارة
الحائض والجنب للمكث والتواجد في المسجد، ولا للإجتياز عن المسجدين
الحرمين.
(مسألة 572): إذا آجر مال غيره توقفت صحة الإجارة على إجارة المالك،
وإذا آجر مال نفسه وكان محجورا عليه لسفه أو رق توقفت صحتها على إجازة
الولي، وإذا كان مكرها توقفت على الرضا بالعقد.
(مسألة 573): إذا آجر السفيه نفسه لعمل، فهل تصح إجارته أو لا؟
والجواب: الأظهر عدم الصحة.
(مسألة 574): إذا استأجر دابة للحمل أو للركوب، فهل يلزم تعيين الحمل
كما في الأول، وتعيين الراكب كذلك في الثاني أو لا؟
والجواب: أنه غير لازم، لأن عقد الإجارة في كلا الموردين منصرف إلى ما
هو المتعارف والمعتاد بين الناس، وأما الجهل بالزيادة أو النقيصة في الحمل بمقدار
لا يعتد به، فلا يضر ولا يوجب غررية الإجارة، كما أن الجهل بأن الراكب رجل
أو امرأة سمين أو ضعيف لا يضر، ومن هنا لا يوجب اختلاف الراكب أو الحمل
غالبا اختلافا في المالية. نعم، قد يوجب اختلاف الحمل اختلافا فيها لدى
219

الناس، فعندئذ يلزم التعيين حتى لا تكون الإجارة غررية، وكذلك إذا استأجر
دابة لحرث جريب من الأرض، فإنه لا يلزم تعيين الأرض إلا إذا كان اختلاف
الأرض في ذلك موجبا لاختلاف الأجرة، فإن الأرض إذا كانت سهلة كان
حرثها أسهل بمراتب من حرث الأرض الصلبة، فلذلك تختلف الأجرة
باختلافها.
(مسألة 575): إذا قال: آجرتك الدار شهرا أو شهرين فهل تبطل الإجارة
أو لا؟ والجواب: الأظهر عدم بطلانها، على أساس أنه لا غرر فيها، لأن اجرة
الشهر معلومة وكذلك اجرة الشهرين، وأما الجهل بالمدة فبمجرده لا يوجب
البطلان، هذا إضافة إلى ما مر من أن الغرر لا يوجب بطلان المعاملة لا شرعا
ولا لدى العرف والعقلاء، وإنما يوجب الخيار وعدم التزام المغرور بالوفاء
بالمعاملة، ومن هنا يظهر أنه إذا قال: آجرتك كل شهر بدرهم صح في الشهر
الأول وفي غيره معا على الأظهر، وكذا إذا قال: آجرتك شهرا بدرهم فإن
زدت فبحسابه، أما إذا كان ذلك بعنوان الجعالة، بأن تجعل المنفعة لمن يعطي
درهما أو كان من قبيل الإباحة بالعوض، بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما،
فلا إشكال فيه.
(مسألة 576): إذا قال: إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته
بدرزين فلك درهمان، فإن قصد الجعالة - كما هو الظاهر - صح، وكذلك إن قصد
الإجارة على الأظهر، ومن هذا القبيل إذا قال: إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن
خطته غدا فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة: أن في الإجارة
تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد، وكذا تشتغل ذمة المستأجر
بالعوض، ولأجل ذلك صارت عقدا، وليس ذلك في الجعالة، فإن اشتغال ذمة
220

المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبدا،
ولأجل ذلك صارت إيقاعا.
(مسألة 577): إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان
أو آلة أو وصف، فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئا على عمله، فان لم
يمكن العمل ثانيا تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة
المثل للعمل المستأجر عليه، فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه اجرة المثل، وإن أمكن
العمل ثانيا وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.
(مسألة 578): إذا استأجره على عمل بشرط، بأن كان إنشاء الشرط في
ضمن عقد الإجارة، كما إذا استأجره على خياطة ثوبه واشترط عليه قراءة سورة
من القرآن، فخاط الثوب ولم يقرأ السورة، كان له فسخ الإجارة، وعليه حينئذ
اجرة المثل وله إمضاؤه ودفع الأجرة المسماة، والفرق بين القيد والشرط: أن
متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص، وأما في
موارد الإشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل، لكن الالتزام العقدي معلق
على الالتزام بما جعل شرطا.
(مسألة 579): إذا استأجر سيارة إلى كربلاء - مثلا - بدينار واشترط على
نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهارا أعطاه دينارين صح.
(مسألة 580): لو استأجر سيارة - مثلا - إلى مسافة بدينارين، واشترط
على المؤجر أن يعطيه دينارا واحدا إن لم يوصله نهارا صح ذلك.
(مسألة 581): إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهارا بدينارين أو
ليلا بدينار، بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مرددا بينهما، فهل تبطل
الإجارة أو لا؟
221

والجواب: الأظهر عدم بطلانها.
(مسألة 582): إذا استأجرها على أن يوصله إلى كربلاء وكان من نيته زيارة
ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين،
استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان، وأما إذا استأجرها على ان
يوصله إلى كربلاء يوم عرفة مثلا ولم يوصله، فإن كان ذلك لضيق الوقت أو لمانع
آخر، فتبطل الإجارة إذا لم يكن ضيق الوقت أو المانع الآخر مستندا إلى تسامح
الأجير وتماهله، وإلا فالإجارة صحيحة وللمستأجر أن يطالبه بالأجرة التي
يتقاضاها الاجراء عادة في مثل ذلك.
فصل
وفيه مسائل تتعلق بلزوم الإجارة
(مسألة 583): الإجارة من العقود اللازمة، لا يجوز فسخها إلا بالتراضي
بينهما، أو يكون للفاسخ الخيار، بلا فرق بين أن يكون إنشائها بالصيغ الخاصة أو
الألفاظ الدالة عليه أو يكون بالمعاطاة.
(مسألة 584): لا يشترط في صحة الإجارة أن تكون مدتها متصلة بزمان
وقوع العقد، فلو أجر داره في سنة قادمة، أو في شهر مستقبل صح.
(مسألة 585): إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم
تنفسخ الإجارة، بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، وإذا
كان المشتري جاهلا بالإجارة أو معتقدا قلة المدة فتبين زيادتها، كان له فسخ
222

البيع وليس له المطالبة بالأرش، وإذا فسخت الإجارة - والحال هذه - رجعت
المنفعة إلى البائع لا إلى المشتري.
(مسألة 586): لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع، بين أن
يكون البيع على المستأجر وغيره، وتظهر الثمرة إذا كان البيع على المستأجر فيما إذا
فسخت الإجارة، فإن المنفعة ترجع إلى البائع، وتبقى العين مسلوبة المنفعة مدة
الإجارة عند المستأجر الذي اشتراها، وللبائع حينئذ أن يطالبه بقيمة المنفعة.
(مسألة 587): إذا باع المالك العين على شخص وآجرها وكيله مدة معينة
على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زمانا، بطلت الإجارة وصح البيع
مسلوب المنفعة مدة الإجارة، ويثبت الخيار حينئذ للمشتري.
(مسألة 588): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر، حتى فيما
إذا استأجر دارا على أن يسكنها بنفسه فمات، على أساس أن ملكيته للمنفعة لا
تكون مقيدة بحياته بل هي مطلقة، غاية الأمر قد اشترط عليه المؤجر أن ينتفع
من العين المستأجرة بنفسه ومباشرة، وعليه فإذا مات ترتب على موته أمران:
أحدهما: انتقال ملكية المنفعة إلى ورثته. والآخر: ثبوت الخيار للمؤجر
من جهة تخلف الشرط، فيتخير بين أن يمضي الإجارة إلى آخر فترة عمرها وبين
أن يفسخها، فإذا فسخها فعليه أن يرد من الأجرة للمستأجر بالنسبة إلى الفترة
الباقية من مدة الإجارة التي لم يستوف المنفعة في تلك المدة على الأظهر، وإن كان
الأولى والأجدر التصالح بينهما برد المستأجر تمام الأجرة المسماة إلى المؤجر بديلا
عن اجرة المثل للمنفعة المستوفاة. نعم، إذا أجر شخص نفسه لعمل بنفسه
ومباشرة كخياطة ثوب أو كتابة شيء أو بناية دار مثلا وهكذا، فإنه إذا مات قبل
أن يمضي زمان يتمكن فيه من الوفاء بالإجارة بطلت؛ على أساس أن موته
223

كاشف عن عدم قدرته على العمل المستأجر عليه، هذا شريطة أن يكون عنوان
المباشرة قيدا للعمل المستأجر عليه، وأما إذا كان شرطا وكان متعلق الإجارة
نفس العمل، فلا تبطل بموته وإن كان قبل مضي ذلك الزمان من جهة إمكان قيام
شخص آخر مقامه في الوفاء بها. نعم، يثبت خيار تخلف الشرط للمستأجر.
(مسألة 589): إذا آجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة،
فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت، وإذا آجرها البطن السابق ولاية منه
على العين لمصلحة البطون جميعها، لم تبطل بانقراضه.
(مسألة 590): إذا آجر نفسه للعمل بلا قيد المباشرة، فإنها لا تبطل بموته إذا
كان متمكنا منه ولو بالتسبيب، ويجب حينئذ أداء العمل من أصل تركته كسائر
الديون.
(مسألة 591): إذا آجر الولي مال الصبي في مدة تزيد على زمان بلوغه صح،
وإذا آجر الولي الصبي كذلك، ففي صحتها في الزيادة إشكال بل منع، حتى إذا
كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك.
(مسألة 592): إذا آجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في
أثنائها، لم تبطل الإجارة إذا لم تكن الخدمة منافية لحق الزواج، وإلا بطلت، فإن
وجوب الوفاء بالإجارة لا يصلح أن يزاحم وجوب إطاعة الزوج في حقوقه
الواجبة عليها، على أساس أن: " شرط الله قبل شرطكم " ولا فرق في ذلك بين
أن يكون زمان الإجارة مقدما على زمان التزويج بها أو مقارنا أو متأخرا.
(مسألة 593): إذا آجرت نفسها عند التزويج، توقفت صحة الإجارة على
إجازة الزوج فيما ينافي حقه، ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.
224

(مسألة 594): إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثم أعتقه قبل انتهاء مدة
الإجارة لم تبطل الإجارة، وتكون نفقته في كسبه إن أمكن له الإكتساب لنفسه في
غير زمان الخدمة، وإن لم يمكن فمن بيت المال، وإلا فهي على المسلمين كافة.
(مسألة 595): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا، فإن كان عالما به
حين العقد فلا أثر له، وإن كان جاهلا، فإن كان موجبا لفوات بعض المنفعة -
كخراب بعض بيوت الدار - قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة
الفائتة، وله فسخ العقد من أصله. هذا، إذا لم يكن الخراب قابلا للانتفاع أصلا ولو
بغير السكنى، وإلا لم يكن له إلا خيار العيب، وإن كان العيب موجبا لعيب في
المنفعة مثل عرج الدابة، كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش، وإن لم
يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة كان له الخيار أيضا، كما إذا
كانت الدابة مقطوعة الاذن أو الذنب، فإن ذلك قد يؤدي إلى قلة رغبة الناس في
إيجارها الموجبة لقلة الأجرة؛ لأن الأجرة تتفاوت قلة وكثرة باختلاف رغبات
الناس. نعم، إذا لم يكن مثل هذا العيب موجبا لقلة الأجرة ونقصانها لم يوجب
الخيار أيضا، وكذا له الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد سواء أكان قبل القبض
أم بعده وإن كان في أثناء المدة. هذا إذا كانت العين شخصية، أما إذا كانت كلية
وكان الفرد المقبوض معيبا، كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ، وإذا
تعذر الصحيح، كان له الخيار في أصل العقد.
(مسألة 596): إذا وجد المؤجر عيبا في الأجرة وكان جاهلا به كان له
الفسخ، وليس له المطالبة بالأرش، وإذا كانت الأجرة كليا فقبض فردا معيبا
منها، فليس له فسخ العقد، بل له المطالبة بالصحيح، فإن تعذر كان له الفسخ. هذا
إذا كانت الأجرة منفعة أو كانت كليا وإن كانت عينا، وأما إذا كانت الأجرة عينا
225

شخصية، فظهر كونها معيبة قبل العقد، فلا يبعد ثبوت الأرش فيها إذا لم يمكن
الرد؛ إذ هناك فرق بين كون الأجرة منفعة شخصية معيبة وبين كونها عينا
شخصية كذلك، فإن الأول غير مشمول لدليل الأرش؛ لأن مورده العين
الخارجية دون الأعم منها ومن المنفعة، وأما الثاني فشمول دليل الأرش له غير
بعيد؛ لأن مورده وإن كان البيع، إلا أن شموله لكل عين خارجية معيبة منقولة
بعوض لا يخلو عن قوة.
(مسألة 597): يجري في الإجارة خيار الغبن وخيار الشرط - حتى
للأجنبي - وخيار العيب، وخيار تخلف الشرط وتبعض الصفقة، وتعذر التسليم
والتفليس والتدليس والشركة، وخيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن،
ولا يجري فيها خيار المجلس، ولا خيار الحيوان.
(مسألة 598): إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال، وإذا
حصل أثناء المدة، فالأظهر أنه يوجب انفساخ العقد في المدة الباقية لا من الأول،
فيرجع المستأجر إلى الأجرة بالنسبة إلى ما مضى.
فصل
وفيه مسائل في أحكام التسليم في الإجارة
إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في
الإجارة على الأعمال بنفس العقد، وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس
العقد، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل إلا في حال تسليم الأجرة،
226

وليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة إلا في حال تسليم المنفعة، ويجب على
كل منهما تسليم ما عليه تسليمه إلا إذا كان الآخر ممتنعا عنه.
(مسألة 599): إذا كانت الإجارة متعلقة بالنفس، كما إذا أجر شخص نفسه
على عمل، فتارة لا يكون العمل متعلقا بمال المستأجر بيد المؤجر، وأخرى
متعلقا بماله بيده، والأول كما إذا آجره على الصلاة والصيام عن الميت والحج أو
حفر بئر في دار المستأجر وهكذا، والثاني كما إذا آجره على خياطة ثوبه أو
صياغة خاتمه أو كتابة كتابه وهو بيده، أي: بيد المؤجر، فتسليم المنفعة على الأول،
إنما هو بتسليم العمل وإنجازه بكامله، وعلى الثاني بتسليم العين كالثوب أو الخاتم
إلى المالك بعد إتمام العمل فيها وإكماله، وليس للأجير في كلا الفرضين المطالبة
بالأجرة قبل إتمام العمل إلا إذا كان المؤجر قد اشترط عليه تقديم الأجرة صريحا
أو كانت العادة جارية على ذلك، كما في الإجارة على الحج عن الميت أو الحي
العاجز، كذلك ليس للمستأجر المطالبة بالعين المستأجرة إذا كانت الإجارة
متعلقة بالعين، كالدار أو الدكان أو غير ذلك أو العمل المستأجر عليه، كما في المقام
مع تأجيل الأجرة، إلا إذا كان قد شرط ذلك أو جرت العادة عليه، وإذا امتنع
المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة، جاز للمستأجر
إجباره على تسليم العين، كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها، وله
إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها
من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة، ومع الفسخ في الأثناء فهل يرجع بتمام
الأجرة، وعليه اجرة المثل لما مضى أو يرجع إلى الأجرة بالنسبة إلى المدة الباقية
فقط؟ الظاهر هو الثاني، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع
بذل المؤجر للعين المستأجرة.
227

(مسألة 600): إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير،
فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط، استحق
الأجير المطالبة بالأجرة، فإذا كان أجيرا على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة
وقبل دفعه إلى المستأجر، استحق الأجير مطالبة الأجرة، فإذا كان الثوب
مضمونا على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطا، وإلا لم يستحق عليه
شيئا.
(مسألة 601): يجوز للأجير - بعد إتمام العمل - حبس العين إلى أن يستوفي
الأجرة، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.
(مسألة 602): إذا تلف العين المستأجرة قبل انتهاء المدة بطلت الإجارة،
فإن كان التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل لم يستحق المالك على المستأجر
شيئا، وإن كان بعد القبض بمدة كان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار، فإن فسخ
فقد مر أن الأظهر أنه يرجع على المؤجر بالأجرة بالنسبة إلى الفترة الباقية من
عمر الإجارة لا بتمام الأجرة المسماة، على أساس أن فسخ العقد وإنشائه من الآن،
فلا يمكن أن يكون أثره - وهو حل العقد وانفساخه - من حين وقوع العقد
وصدوره، وأما إذا لم يفسخ فأيضا الأمر كذلك، يعني أن الأجرة قسطت على
النسبة وكان للمالك حصة من الأجرة على نسبة المدة. هذا إذا تلفت العين بتمامها،
وأما إذا تلف بعضها ولم يمكن الانتفاع به، تبطل الإجارة بنسبته من أول الأمر إذا
كان التلف من الأول، وإذا كان في أثناء المدة تبطل الإجارة بنسبته من الأثناء في
الفترة الباقية فحسب لا من حين العقد، ويثبت الخيار للمستأجر حينئذ أيضا
بالنسبة إلى الباقي خيار تبعض الصفقة.
(مسألة 603): إذا قبض المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف منفعتها
228

حتى انقضت مدة الإجارة، كما إذا استأجر دابة أو سفينة للركوب أو حمل المتاع
فلم يركبها ولم يحمل متاعه عليها، أو استأجر دارا وقبضها ولم يسكنها حتى
مضت المدة استقرت عليه الأجرة، وكذا إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع
المستأجر من قبضها واستيفاء المنفعة منها حتى انقضت مدة الإجارة، وكذا
الحكم في الإجارة على الأعمال، فإنه إذا بذل الأجير نفسه للعمل وامتنع
المستأجر من استيفائه، كما إذا استأجر شخصا لخياطة ثوبه في وقت معين فهيأ
الأجير نفسه للعمل، فلم يدفع المستأجر إليه الثوب حتى مضى الوقت، فإنه
يستحق الأجرة سواء اشتغل الأجير في ذلك الوقت بشغل لنفسه أو غيره أم لم
يشتغل، كما لافرق - على الأقوى - في الإجارة الواقعة على العين، بين أن يكون
العين شخصية مثل أن يؤجره الدابة فيبذلها المؤجر للمستأجر فلا يركبها حتى
يمضي الوقت، وأن تكون كلية كما إذا أجره دابة كلية فسلم فردا منها إليه أو
بذله له حتى انقضت المدة، فإنه يستحق تمام الأجرة على المستأجر، كما لا فرق
في الإجارة الواقعة على الكلي بين تعيين الوقت وعدمه إذا كان قد قبض فردا
من الكلي بعنوان الجري على الإجارة، فإن الأجرة تستقر على المستأجر في
جميع ذلك وإن لم يستوف المنفعة. هذا إذا كان عدم الاستيفاء باختياره.
(مسألة 604): إذا كان عدم الاستيفاء لعذر، فإن كان عاما مثل نزول المطر
المانع من السفر على الدابة أو في السفينة حتى انقضت المدة بطلت الإجارة،
وليس على المستأجر شيء من الأجرة، على أساس أن مثل هذه المنفعة التي هي
غير قابلة للتحقق والاستيفاء خارجا في فترة الإجارة كالمعدوم، فلا تكون
مملوكة للمؤجر حتى يملكها للمستأجر، وإن كان العذر خاصا بالمستأجر، كما إذا
مرض فلم يتمكن من السفر، فلا إشكال في الصحة فيما لم تشترط فيه المباشرة،
بل الأقوى الصحة فيما إذا اخذت مباشرته في الاستيفاء أيضا، إذا كان الأخذ على
229

نحو الشرطية، بأن يكون مصب الإجارة مطلق الركوب أو السكنى ولكن
مشروطا بكون الراكب أو الساكن خصوص المستأجر، وأما إذا كان على نحو
القيدية فهل تصح الإجارة أو لا؟ والجواب: الأقرب الصحة أيضا؛ لأن عجز
المستأجر خاصة عن الاستيفاء لا يمكن أن يكون قيدا لمتعلق الإجارة، فإن
متعلقها ومصبها منفعة الدار، وهي عبارة عن صلاحية الدار للسكنى ومنفعة
الدابة وهي صلاحيتها للركوب، وأما تمكن المستأجر من الانتفاع بها فهو
خارج عن متعلق الإجارة، فإذا لا مانع من صحة الإجارة حينئذ على كلا
التقديرين؛ لأن الفرق بينهما إنما هو في مقام الإثبات، وأما في مقام الثبوت فلا
فرق بينهما.
(مسألة 605): إذا استأجر طبيبا لقلع ضرسه أو لعملية اخرى، وبعد عقد
الإيجار زال الموجب للعملية، فهل تبطل الإجارة أو لا؟
والجواب: أن ذلك يختلف باختلاف الموارد، فإذا آجر طبيبا لشق بطن
المرأة الحامل مثلا وإخراج طفلها منه، على أساس أنها لا تقدر على الولادة أو
تشق عليها مشقة شديدة، وبعد العقد وتعيين موعد العملية ولدت، ففي مثل ذلك
لا يبعد الحكم ببطلان الإجارة، وأما إذا آجره لقلع ضرسه وبعد العقد طاب
وزال الألم، فلا يبعد الحكم بصحة الإجارة، ولا سيما إذا احتمل عود الألم بعد فترة
أو لم يحتمل ولكنه أراد قلعه بسبب أو آخر، ولا دليل على حرمة قلعه إذا برئ من
الألم.
(مسألة 606): إذا لم يستوف المستأجر المنفعة في بعض المدة، جرت الأقسام
المذكورة بعينها وجرت عليه أحكامها.
(مسألة 607): إذا غصب العين المستأجرة غاصب فتعذر استيفاء المنفعة،
230

فإن كان الغصب قبل القبض، تخير المستأجر بين الفسخ، فيرجع على المؤجر
بالأجرة إن كان قد دفعها إليه والرجوع على الغاصب بأجرة المثل، وإن كان
الغصب بعد القبض تعين الثاني، وكذلك إذا منعه الظالم من الانتفاع بالعين
المستأجرة من دون غصب العين، فيرجع عليه بالمقدار الذي فوته عليه من
المنفعة.
(مسألة 608): إتلاف المستأجر للعين المستأجرة بمنزلة قبضها واستيفاء
منفعتها، فتلزمه الأجرة.
(مسألة 609): إذا أتلفها المؤجر تخير المستأجر بين الفسخ والرجوع عليه
بالأجرة، وبين الرجوع عليه بقيمة المنفعة.
(مسألة 610): إذا أتلفها الأجنبي، فإن كان بعد القبض رجع المستأجر عليه
بالقيمة، وإن كان قبل القبض تخير بين الفسخ والرجوع إلى المؤجر بالأجرة،
وبين الإمضاء والرجوع إلى المتلف بالقيمة.
(مسألة 611): إذا آجره دارا فانهدمت، فإن خرجت عن الانتفاع بها نهائيا
بطلت الإجارة، فإن كان ذلك قبل أن يسكن فيها وكان بعد القبض رجع
المستأجر على المؤجر بتمام الأجرة، وإن كان ذلك بعد أن يسكن فيها رجع عليه
بالنسبة، وإن خرجت عن الانتفاع بالنسبة بطلت الإجارة كذلك، وأما في الباقي
فيثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة، وأما إذا انهدم بعضها في وقت لا حاجة
للمستأجر إليه، كما لو انهدم بعض جدار السطح أو قسم من السرداب في فصل
الشتاء مثلا وبادر المؤجر إلى تعميره وتجديد بنائه على نحو لم يتضرر المستأجر
بوجه، فلا فسخ ولا انفساخ، وأما إذا لم يبادر إلى تعميره أو بادر إليه ولكنه
يتوقف على وقت معتد به فيتضرر به المستأجر، ففي مثل ذلك تبطل الإجارة
231

بالنسبة إلى المقدار المهدوم ويرجع المستأجر على المؤجر بما يقابله من الأجرة،
كما أن له خيار تبعض الصفقة وفسخ الإجارة في الجميع، فإذا فسخ فإن كان في
ابتداء مدة الإيجار رجع على المؤجر بتمام الأجرة، وإن كان في أثناء المدة رجع إلى
الأجرة بالنسبة، أي: بنسبة الفترة الباقية منها على الأظهر كما مر.
(مسألة 612): المواضع التي تبطل فيها الإجارة، لا فرق بين أن يكون المالك
عالما بالبطلان فيها أو جاهلا به.
(مسألة 613): تجوز إجارة الحصة المشاعة من العين، لكن لا يجوز تسليمها
إلى المستأجر إلا بإذن الشريك إذا كانت العين مشتركة.
(مسألة 614): يجوز أن يستأجر اثنان دارا أو دابة فيكونان مشتركين في
المنفعة، فيقتسمانها بينهما كالشريكين في ملك العين.
(مسألة 615): يجوز أن يستأجر شخصين لعمل شيء معين، كحمل متاع أو
غيره أو بناء جدار أو هدمه أو غير ذلك فيشتركان في الأجرة، وعليهما معا القيام
بالعمل الذي استؤجرا عليه.
(مسألة 616): لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى، فيجوز
أن يؤجر داره سنة مثلا متأخرة عن العقد بسنة أو أقل أو أكثر، ولابد من تعيين
مبدأ المدة، وإذا كانت المدة محدودة وأطلقت الإجارة ولم يذكر البدأ، انصرف إلى
الاتصال.
(مسألة 617): إذا آجره دابة كلية ودفع فردا منها فتلف، كان على المؤجر
دفع فرد آخر.
232

فصل
مسائل في أحكام التلف
(مسألة 618): العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إذا تلفت أو
تعيبت إلا بالتعدي أو التفريط، وإذا اشترط المؤجر ضمانها على المستأجر بمعنى:
أداء قيمتها أو أرش عيبها بنحو شرط الفعل صح، وأما إذا اشترط عليه بمعنى:
اشتغال ذمته بمثلها أو قيمتها على تقدير تلفها بنحو شرط النتيجة فهل هو
صحيح أو لا؟
والجواب: الأظهر أنه صحيح، ولا نقصد بشرط الضمان واشتغال الذمة في
المقام نقل الدين من ذمة إلى ذمة الذي هو مفاد عقد الضمان لكي يقال: إنه غير
متصور هنا، بل نقصد به التعهد بالشيء وجعله في عهدة الشخص ومسؤوليته،
وهذا التعهد يؤدي إلى اشتغال ذمته ببدله من المثل أو القيمة على تقدير تلفه، وفي
المقام اشترط المؤجر على المستأجر تعهده بالعين المستأجرة وجعلها في عهدته
ومسؤوليته المؤدي إلى اشتغال ذمته ببدلها من المثل أو القيمة على تقدير تلفها،
وهذا معنى آخر للضمان يتصور في الديون والأعيان الخارجية معا.
(مسألة 619): العين التي للمستأجر بيد الأجير الذي آجر نفسه على عمل
فيها كالثوب الذي أخذه ليخيطه، لا يضمن تلفه أو نقصه إلا بالتعدي أو التفريط.
(مسألة 620): إذا اشترط المستأجر ضمان العين على الأجير بمعنى: أداء
قيمتها أو أرش عيبها صح الشرط، بل لا يبعد صحته إذا كان بنحو شرط النتيجة
233

أيضا. ودعوى: أن مفاد الإشتراط تمليك الشرط للمشروط له، وهذا إنما يتصور
في موارد شرط الفعل، كاشتراط الخياطة أو الكتابة أو غيرها؛ لأن معناه: تمليك
الفعل للمشروط له، ولا يتصور ذلك في موارد شرط النتيجة؛ لأن الشرط فيها
نفس الملكية والضمان، والملكية حكم شرعي غير قابلة للتمليك، فلا يعقل
اشتراطها.
مدفوعة: بأن مفاد الإشتراط في موارد شرط الفعل ليس هو تمليك
الشرط، بل هو التزام المشروط عليه بالشرط للمشروط له، وهذا المعنى هو
المتفاهم العرفي من الشرط، واللام في مثل قولنا عند الاشتراط: عليك أن تخيط
لي ثوبي مثلا، لا تدل على الملك، بل تدل على أن المشروط عليه ملتزم بخياطة
الثوب للمشروط له، فتكون متعلقة للالتزام، وعلى هذا فمعنى شرط النتيجة في
المقام: جعل الضمان لا بمعنى الضمان العقدي، وهو نقل الشيء من ذمة إلى ذمة، فإنه
لا يتصور بالنسبة إلى المال الخارجي، بل بمعنى: التعهد بالشيء وجعله في
مسؤولية الشخص، ويؤدي هذا التعهد إلى الضمان واشتغال ذمته بقيمته على
تقدير التلف، والضمان بهذا المعنى عقلائي يتصور في الديون والأعيان الخارجية
معا، وعلى هذا فلا مانع من اشتراط المستأجر على المؤجر ضمان العين المستأجرة
على تقدير تلفها، ويكفي في صحة هذا الشرط ووجوب الوفاء به عمومات أدلة
الشروط، هذا إضافة إلى النصوص الخاصة، وهنا اشكال آخر وهو أن شرط
الضمان باطل لا من جهة أنه غير متصور، بل من جهة أنه مخالف لما دل على عدم
ضمان الأمين، فيكون من الشرط المخالف للكتاب.
والجواب: أن شرط الضمان لا يكون مخالفا لما دل على عدم ضمان
المستأجر، لا من جهة أنه يوجب خروج المستأجر عن كونه مستأجرا حتى
234

يكون حاكما عليه، لوضوح أنه لا يوجب ذلك، بل من جهة أن الروايات
النافية للضمان ناظرة إلى نفيه بقاعدة اليد المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء
والمتشرعة، ودالة على خروج يد المستأجر عن هذه القاعدة، وأما اشتراط
الضمان عليه في المقام، فليس بمعنى اشتراط أن يده سبب له لكي يكون مخالفا
لروايات عدم سببية يد المستأجر للضمان، وبالنتيجة يكون مخالفا للكتاب
والسنة، بل بمعنى: جعل الضمان عليه ابتداء بالشرط، أي: جعله بنفس الإنشاء
به على تقدير التلف، أو فقل: إن الضمان المعاملي على نحوين:
أحدهما: نقل العين من ذمة إلى ذمة، وهذا هو مفاد عقد الضمان، والآخر:
تعهد الشخص بالشيء وجعله في مسؤوليته المؤدي إلى اشتغال ذمته بقيمته
على تقدير التلف وضمانه بها، ومن الواضح أن جعله ابتداء بالشرط على
المستأجر لا ينافي عدم سببية يده للضمان، فإذن لا تنافي بينه وبين الروايات
النافية له، ثم إن هناك طائفة أخرى من الروايات تنص على عدم ضمان الأمين،
وصدق هذا العنوان على المستأجر أو العامل في باب المضاربة أو نحوها، إنما
هو على أساس إذن المالك له في وضع يده على المال وتسليطه عليه، فيكون
هذا الوصف، أي وصف الأمين منتزعا من تسليط المالك وإذنه مطلقا، وإذا
كان مقيدا بالضمان فلا ينتزع منه، فإذن يكون جعل الضمان على المستأجر
بالشرط حاكما على تلك الطائفة من الروايات ورافعا لموضوعها، فالنتيجة أنه
لا مانع من اشتراط ضمان المستأجر بنحو شرط النتيجة، ولا يكون مخالفا لما
دل على عدم ضمان الأمين، ومن هنا يظهر أن الشرط في المقام ليس بمعنى
الالتزام في ضمن التزام، بل بمعنى: تقييد الإذن والتسليط بوضع اليد على المال
على وجه الضمان.
(مسألة 621): إذا تلف محل العمل في الإجارة أو أتلفه أجنبي، فإن كان قبل
235

مضي زمان يمكن فيه إتمام العمل بطلت الإجارة، ورجعت الأجرة تماما إلى
المستأجر إذا كان التلف أو الإتلاف قبل العمل، وبعضا إذا كان ذلك في الأثناء،
وإن كان بعده صحت، وهل يضمن المؤجر قيمة العمل أو لا؟
والجواب: أنه يضمن، على أساس أنه متمكن من تسليم العمل في فترة قد
مضت.
مثال ذلك: زيد أجر عمروا على أن يخيط ثوبه مثلا وتلف الثوب عند
عمرو بتلف سماوي، فإن كان التلف قبل أن تمر فترة كان بإمكان عمرو خياطة
الثوب بكامله بطلت الإجارة، على أساس عدم تمكن المؤجر من تسليم العمل في
تلك الفترة، ورجعت الأجرة إلى المستأجر تماما أو بعضا كما مر، وإن كان بعد أن
تمر فترة كان بإمكانه الخياطة بكاملها صحت، وعليه قيمة الخياطة فيدفعها إلى
المستأجر، وأما إذا أتلفه الأجنبي، فيضمن للمستأجر بدله من المثل أو القيمة
مطلقا، أي: سواء أكانت الإجارة باطلة أم لا، وسواء أكان الإتلاف قبل مرور
فترة أم بعده.
(مسألة 622): إذا أتلفه المستأجر كان إتلافه بمنزلة قبضه، فيستحق الأجير
عليه تمام الأجرة.
(مسألة 623): إذا أتلفه الأجير ضمن ويرجع المستأجر عليه ببدله، كما أنه
مخير بين فسخ العقد وإمضائه، فإن أمضى جاز له مطالبة الأجير بقيمة العمل
الفائت.
(مسألة 624): المدار في القيمة على زمان الضمان.
(مسألة 625): كل من آجر نفسه لعمل في مال غيره إذا أفسد ذلك المال
236

ضمن، كالحجام إذا جنى في حجامته، والختان في ختانه، وهكذا كالخياط
والنجار والحداد إذا أفسدوا. هذا إذا تجاوز الحد المأذون فيه، أما إذا لم يتجاوز ففي
الضمان إشكال والأظهر العدم، وكذا الطبيب المباشر للعلاج بنفسه إذا أفسد. هذا
إذا لم يبلغ الفساد حد الموت، وأما إذا بلغ حد الموت مستندا إلى الختان أو
الحجامة أو الطبابة فالظاهر الضمان؛ لأن دم المسلم لا يذهب هدرا كما نطق به
النص. نعم، إذا كان الطبيب واصفا للدواء من دون أن يكون آمرا بشربه لم
يضمن.
(مسألة 626): إذا تبرأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليه بذلك ولم
يقصر في الاجتهاد، فهل يبرأ من الضمان بالتلف إذا كان مباشرا للعلاج أو لا؟
والجواب: أن براءته من الضمان بالموت لا تخلو عن إشكال، بل لا يبعد الضمان
وعدم البراءة.
(مسألة 627): إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره فانكسر،
ضمنه مع التفريط في مشيه، ولا يضمنه مع عدمه، وكذلك إذا عثر فوقع ما على
رأسه على إناء غيره فكسره.
(مسألة 628): إذا قال للخياط: إن كان هذا القماش يكفيني قميصا فاقطعه
فقطعه فلم يكفه ضمن، على أساس أن أمره بالقطع كان معلقا على الكفاية ومع
عدم الكفاية، فلا أمر بالقطع ولا إذن به، وأما إذا قال له: هل يكفيني قميصا فقال:
نعم، فقال: اقطعه فقطعه فلم يكفه، فالظاهر أنه لا ضمان، على أساس أن أمره
بالقطع كان مطلقا وإن كان الداعي إليه اعتقاده بقول الخياط.
(مسألة 629): إذا آجر عبده لعمل فأفسده، فالأظهر كون الضمان في كسبه،
فإن لم يف فعلى ذمة العبد يتبع به بعد العتق، وإن عجز فلا شيء عليه وإن كان
237

الأحوط والأولى أن يدفع مولاه. هذا إذا لم يكن جناية على نفس أو طرف، وإلا
تعلق برقبته وللمولى فداؤه بأقل الأمرين: من الأرش والقيمة إن كانت خطأ،
وإن كانت عمدا تخير ولي المجني عليه بين قتله واسترقاقه على تفصيل يأتي في
محله.
(مسألة 630): إذا آجر دابته لحمل متاع فعثرت فتلف أو نقص، فلا ضمان
على صاحبها إلا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب، وإذا كان غيره السبب كان
هو الضامن.
(مسألة 631): إذا استأجر سفينة أو دابة لحمل متاع فنقص أو سرق لم
يضمن صاحبها، ولو شرط عليه أداء قيمة التالف أو أرش النقص صح
الشرط ولزم العمل به، وأما لو اشترط عليه الضمان فهل يصح أو لا؟
والجواب: أنه لا يبعد صحته كما مر.
(مسألة 632): إذا حمل الدابة المستأجرة أكثر من المقدار المقرر بينهما
بالشرط أو لأجل التعارف، فتلفت أو تعيبت ضمن ذلك، وعليه اجرة المثل
للزيادة مضافة إلى الأجرة المسماة، وكذا إذا استأجرها لنقل المتاع مسافة معينة
فزاد على ذلك.
(مسألة 633): إذا استأجر دابة لحمل المتاع مسافة معينة فركبها أو
بالعكس، لزمته الأجرة المسماة واجرة المثل للمنفعة المستوفاة، وكذا الحكم في
أمثاله مما كانت فيه المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المقصودة بالإجارة، بلا فرق
بين الإجارة الواقعة على الأعيان كالدار والدابة، والإجارة الواقعة على الأعمال،
كما إذا استأجره لكتابة فاستعمله في الخياطة.
238

(مسألة 634): إذا استأجر العامل للخياطة، فاشتغل العامل بالكتابة
للمستأجر عمدا أو خطأ لم يستحق على المستأجر شيئا.
(مسألة 635): إذا استأجر دابة لحمل متاع زيد فحملها المالك متاع عمرو،
لم يستحق اجرة لا على زيد ولا على عمرو.
(مسألة 636): إذا أجر دابة معينة من زيد للركوب إلى مكان معين، فركب
غيرها عمدا أو خطأ، لزمته الأجرة المسماة للاولى واجرة المثل للثانية، وإذا اشتبه
فركب دابة عمرو، لزمته اجرة المثل لها مضافة إلى الأجرة المسماة لدابة زيد.
(مسألة 637): إذا استأجر سفينة لحمل الخل المعين مسافة معينة، فحملها
خمرا مع الخل المعين، استحق المالك عليه الأجرة المسماة واجرة المثل لحمل الخمر
لو فرض أنه كان حلالا.
(مسألة 638): يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها أو
يكبحها باللجام على النحو المتعارف المألوف إلا مع منع المالك، وإذا تعدى عن
المتعارف أو مع منع المالك ضمن نقصها أو تلفها إذا وقع، وفي صورة الجواز لا
ضمان للنقص على الأقوى.
(مسألة 639): صاحب الحمام لا يضمن الثياب أو نحوها لو سرقت، إلا إذا
جعلت عنده وديعة وقد تعدى أو فرط.
(مسألة 640): إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق، لم يضمن إلا مع التقصير في
الحفظ، والظاهر أن غلبة النوم لا تعد من التقصير، إلا إذا نام بعد الغلبة اختيارا
بحيث كان بإمكانه أن لا ينام ويقاوم غلبة النوم. نعم، إذا اشترط عليه أداء القيمة
إذا سرق المتاع وجب الوفاء به، وهل يستحق الأجرة أو لا؟ والجواب:
239

لا يستحق في الصورتين، على أساس أن الإجارة إنما كانت على حفظ المتاع
بتخيل أنه قادر عليه، ثم تبين أنه عاجز ولا يملك القدرة على الحفظ.
(مسألة 641): إنما يجب تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر إذا توقف
استيفاء المنفعة على تسليمها، كما في إجارة آلات النساجة والنجارة والخياطة أو
كان المستأجر قد اشترط ذلك وإلا لم يجب، فمن استأجر سفينة للركوب لم يجب
على المؤجر تسليمها إليه.
(مسألة 642): يكفي في صحة الإجارة ملك المؤجر المنفعة وإن لم يكن مالكا
للعين، فمن استأجر دارا جاز له أن يؤجرها من غيره وإن لم يكن مالكا لنفس
الدار، فإذا توقف استيفاء المنفعة على تسليمها، وجب على المؤجر الثاني تسليمها
إلى المستأجر منه، ولا يحق لمالك العين أن يمنع عن التسليم ولم يأذن به، فإن
مقتضى إطلاق العقد أنه مأذون بالإيجار الثاني وتسليط المستأجر منه على العين،
وعليه فافتراض عدم الإذن منه في ذلك خلف، وإذا لم يتوقف استيفاء المنفعة على
التسليم، كالسفينة والسيارة لم يجب على المؤجر الأول تسليمها إلى الثاني إلا إذا
اشترط عليه ذلك، كما أنه لا يجوز للمؤجر الثاني تسليمها إلى المستأجر منه وإن
اشترط عليه، على أساس أنه تصرف في مال الغير من دون أن يقتضي عقد
الإجارة إذنه فيه، ومن هنا لو اشترط ذلك لكان الشرط باطلا. نعم، إذا إذن له
المالك فلا بأس، كما أنه في الصورة السابقة التي يجب فيها تسليم المؤجر الثاني إلى
المستأجر منه لا يجوز التسليم إلا إذا كان المستأجر منه أمينا، فإذا لم يكن أمينا
وسلمها إليه كان ضامنا، هذا إذا كانت الإجارة مطلقة، أما إذا كانت مقيدة - كما إذا
استأجر دابة لركوب نفسه - فلا تصح إجارتها من غيره، فإذا آجرها من غيره
بطلت الإجارة، فإذا ركبها المستأجر الثاني وكان عالما بالفساد كان آثما، ويضمن
240

للمالك اجرة المثل للمنفعة المستوفاة وللمؤجر اجرة المثل للمنفعة الفائتة وإن كان
المؤجر عالما بالحال نعم، إذا كان المستأجر الثاني جاهلا بالحال والمؤجر عالما
بها، يرجع إلى المؤجر بما غرمه للمالك.
(مسألة 643): إذا آجر الدابة للركوب، واشترط على المستأجر استيفاء
المنفعة بنفسه أو أن لا يؤجرها من غيره فآجرها، فهل تبطل الإجارة أو أنها
صحيحة، ولكن يثبت الخيار للمالك من جهة تخلف الشرط؟ فيه قولان الأقرب
هو القول الأول، على أساس أن المرتكز من هذا الشرط في المقام ليس هو تعليق
الالتزام بالعقد على عدم إجارتها من غيره، بل قصر سلطنة المشروط عليه وهو
المستأجر في المقام، وتحديدها بتصرفاته فيها مباشرة الكاشف عن عدم رضاه
بتصرفات غيره فيها، فإذا لم يكن راضيا بها لم تصح الإجارة عليها؛ لأنها من
الإجارة على الحرام.
(مسألة 644): إذا استأجر الدكان مثلا مدة، فانتهت المدة وجب عليه
إرجاعه إلى المالك، ولا يجوز له إيجاره من ثالث إلا بإذن المالك، كما لا يجوز له
أخذ مال من ثالث ليمكنه من الدكان المسمى في عرفنا (سرقفلية) إذا لم يشترط له
ذلك، إلا إذا رضي المالك به. وإذا مات المستأجر والحال هذه، لم يجز لوارثه أخذ
(السرقفلية) إلا إذا رضي المالك به، فإذا أخذها برضا المالك لم يجب إخراج ثلث
للميت منها إذا كان قد أوصى به؛ لأنها ليست من تركته، إلا إذا كان رضا المالك
مشروطا بإخراج الثلث.
(مسألة 645): السرقفلية التي تصبح حقا مشروعا للمستأجر مرتبطة بما
يلي:
شخص يستأجر المحل من المالك ويشترط عليه الامور التالية:
241

الأول: أنه له حق البقاء في المحل متى أراد، وعدم حق للمالك بإلزامه
بالتخلية.
الثاني: أن له انتقال هذا الحق منه إلى غيره في أي وقت شاء من دون أي
حق للمالك بالتدخل فيه ومنعه عن ذلك.
الثالث: أن يحدد اجرة المحل شهريا أو سنويا بمبلغ معين من دون حق
للمالك أن يزيد عليه ما دام هو في المحل.
الرابع: أن كل ذلك يكون لقاء مبلغ من المستأجر للمالك، فإذا اشترط
المستأجر على المالك تلك الامور في ضمن العقد لقاء المبلغ المعين زائدا على
الأجرة الشهرية أو السنوية وقبل المالك، أصبح المستأجر صاحب حق في المحل
كالمالك، والمالك أصبح أجنبيا عنه، وحينئذ فله أن يبيع هذا الحق متى أراد
وبأكثر مما أعطاه للمالك، وله أن يصالح مع غيره في مقابل التنازل عن هذه الحق
وهكذا، ويدخل في أرباح مكاسبه، ويجب عليه إخراج الخمس منه كسائر
الأرباح والفوائد في آخر السنة، وإذا مات صار إرثا كسائر أمواله وحقوقه، وإذا
أوصى بالثلث وجب إخراج الثلث منه أيضا.
(مسألة 646): إذا استأجر المحل من المالك واشترط عليه حق البقاء فيه
ما دام هو في قيد الحياة، أو جيلا بعد جيل مع اجرة شهرية محدودة لقاء مبلغ معين
يدفع للمالك من دون أن يشترط عليه أن يكون له حق انتقال المحل إلى غيره، ففي
هذه الصورة لا يسمح له شرعا إلا البقاء فيه فحسب متى شاء من دون حق
الإنتقال له. نعم، له حينئذ أن يأخذ مبلغا من المالك لقاء التنازل عن هذا الحق
وتخلية المحل.
(مسألة 647): إذا استأجر المحل من المالك من دون أي شرط عليه في ضمن
242

العقد، فله الحرية التامة في التصرف فيه، وبعد انتهاء فترة الإجارة فله إلزام
المستأجر بتخلية المحل، كما أن له أن يزيد في الأجرة إذا وافق بالإجارة منه مرة
ثانية، وليس للمستأجر أي حق للإعتراض على ذلك، ولا يسمح له شرعا أن
يأخذ مبلغا من المستأجر الجديد لقاء التنازل عن المحل الذي تحت تصرفه، إلا إذا
استغل قانون منع الملاك عن إجبار المستأجرين على تخلية المستغلات والزيادة
في بدل الإيجار والإلتجاء إليه في الامتناع عن التخلية، وقبول الزيادة وأخذ
السرقفلية من غيره إزاء التخلية عن المحل، فإن كل ذلك لا يجوز له شرعا، أي: لا
أخذ السرقفلية ولا التصرف في المحل من دون رضا المالك فإنه غصب وحرام،
وقد تسأل: أن المحلات المستأجرة بعد صدور القانون المذكور، هل تبتني إجارتها
على ذلك القانون بنحو الشرط الضمني، على أساس أنه معهود ومرتكز في أذهان
الملاك والمستأجرين، حتى يكون لامتناع المستأجرين عن تخلية المحلات أو
الزيادة في بدل الإيجار أو تنازلهم للغير لقاء مبلغ معين مبرر شرعي؟
والجواب: أن ابتناء إجارات تلك المحلات على ذلك القانون بنحو الشرط
الضمني بعيد، باعتبار أن ذلك القانون من منظار الشرع لا قيمة له، والإجارات
المذكورة بما أنها متبادلة بين المتشرعة، فبطبيعة الحال تكون واقعة على طبق
الموازين الشرعية ارتكازا، وأما استغلال كثير منهم هذا القانون في الخارج
والامتناع عن التخلية أو زيادة الأجرة لا يكشف عن هذا الشرط الضمني، بل
هو كاشف عن عدم مبالاتهم بالدين في مقابل اهتمامهم بالدنيا، هذا إضافة إلى أنه
يمكن أن يكون بناء المستأجر على ذلك، ولكن لا يمكن أن يكون بناء المالك عليه.
(مسألة 648): يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن
يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجرها به وبالمساوي، وكذا بالأكثر منه إذا
243

أحدث فيها حدثا أو كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة، بل يجوز
أيضا مع عدم الشرطين المذكورين عدا الدار والدكان والحانوت والأجير
والسفينة، فلا يجوز إجارته بالأكثر حينئذ، والأحوط إلحاق الرحى والبيت بها،
بل الأحوط إلحاق الأرض أيضا وإن كان الأقوى فيها الجواز.
(مسألة 649): كما لا يجوز أن يؤجر تمام العين المستأجرة بأكثر مما
استأجرها به، لا يجوز أن يؤجر بعضها أيضا بأكثر مما استأجر به تمام العين، كما
إذا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأكثر من
عشرة دراهم إلا أن يحدث فيها حدثا، وأما إذا آجره بأقل من العشرة فلا
إشكال، والأقوى الجواز بالعشرة أيضا.
(مسألة 650): إذا استأجر على عمل من غير اشتراط المباشرة ولا مع
الانصراف إليها، يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الأجرة أو الأكثر، ولا
يجوز بالأقل إلا إذا أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبل خياطة ثوب بدرهمين
ففصله أو خاط منه شيئا ولو قليلا، فإنه يجوز أن يستأجر غيره على خياطته
بدرهم، بل لا يبعد الاكتفاء في جواز الإستيجار بالأقل بشراء الخيوط والإبرة.
(مسألة 651): في الموارد التي يتوقف العمل المستأجر عليه على تسليم العين
إلى الأجير، إذا جاز للأجير أن يستأجر غيره على العمل الذي استؤجر عليه،
جاز له أن يسلم العين إلى الأجير الثاني، نظير ما تقدم في تسليم العين المستأجرة
إلى المستأجر الثاني.
(مسألة 652): إذا استأجر للعمل بنفسه مباشرة، ففعله غيره قبل مضى
زمان يتمكن فيه الأجير من العمل، بطلت الإجارة ولم يستحق الأجير الأجرة،
وكذلك إذا استؤجر على عمل في ذمته لا بقيد المباشرة، ففعله غيره لا بقصد
244

التبرع عنه، وأما إذا فعله بقصد التبرع عنه كان أداء للعمل المستأجر عليه
واستحق الأجير الأجرة.
(مسألة 653): إجارة الأجير على قسمين:
الأول: أن تكون الإجارة واقعة على منفعته الخارجية من دون اشتغال
ذمته بشيء، نظير إجارة الدابة والدار ونحوهما من الأعيان المملوكة.
الثاني: أن تكون الإجارة واقعة على عمل في ذمة الأجير، فلذلك حالتان:
الحالة الاولى: أنها واقعة على جميع منافعه في مدة معينة كشهر أو أقل أو
أكثر، وفي هذه الحالة لا يسمح له في تلك المدة العمل لنفسه ولا لغيره لا تبرعا
ولا بإجارة ولا بجعالة، على أساس أن تمام منافعه مملوكة لغيره، فلا يكون
تصرفه فيها جائزا ولا ممضاة شرعا. نعم، لا بأس ببعض الأعمال التي تنصرف
عنها الإجارة ولا تشملها ولا تكون منافية لما شملته، كما أنه إذا كان مورد
الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار مثلا، فإنه حينئذ لا مانع من الاشتغال في
الليل لنفسه أو لغيره تبرعا أو بإجارة أو جعالة، إلا إذا أدى ذلك إلى عدم تمكنه
من القيام بما استؤجر عليه في النهار، فإنه حينئذ لا يجوز له الاشتغال بالليل،
وعلى هذا فإذا خالف الأجير وعمل في فترة الإجارة ما ينافي حق المستأجر
فلذلك صور:
الاولى: أنه أتى بالأعمال التي كانت موردا للإجارة لنفسه، وفي هذه
الصورة تخير المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الأجرة منه إذا كان
غير آت بشيء من الأعمال المذكورة، وبين إمضاء الإجارة ومطالبة الأجير بقيمة
المنفعة الفائتة وقد تسأل: أن المستأجر إذا فسخ الإجارة بعد عمل الأجير ببعض
تلك الأعمال، فهل له استرجاع تمام الأجرة أو بالنسبة؟
245

والجواب: أنه لا يبعد الثاني، على أساس أن الإجارة في الواقع تنحل
بانحلال أجزاء العمل المستأجر عليه وتوزع الأجرة عليها بالنسبة، فإذا سلم
الأجير بعض العمل إلى المستأجر دون الجميع ثبت له الخيار، فإذا فسخ عقد
الإيجار كان مقتضاه رجوع ما كان من الأجرة بإزاء ما لم يسلم إليه من العمل
دون تمامها، بنكتة أن الفسخ معناه: حل العقد من حينه لامن الأول وهو لا يتطلب
أكثر من هذا، مثال ذلك: زيد آجر نفسه من عمرو في يوم الخميس من طلوع
الشمس إلى غروبها بتمام منافعه فيه، فإذا أمره المستأجر فيه بخياطة ثوب
واشتغل بها إلى الظهر ثم خالف وعمل بقية اليوم لنفسه، ففي مثل ذلك قد سلم
الأجير نصف منفعة اليوم إلى المستأجر وأتلف عليه نصفها الآخر، وعلى هذا فإذا
فسخ المستأجر العقد استحق استرجاع نصف الأجرة دون تمامها؛ باعتبار أنه
تسلم ما يقابل نصفها من العمل المستأجر عليه، ولكن - مع هذا - فالأحوط أن
يصالح المستأجر مع الأجير في استرجاع تمام الأجرة، أو أخذ الأجير أجرة المثل
لما أتى به من العمل المستأجر عليه.
الثانية: أنه عمل بها لغيره تبرعا، وفي هذه الصورة أيضا تخير المستأجر
بين الفسخ والامضاء على تفصيل قد مر الآن، وهل له مطالبة المتبرع له بقيمة
العمل أو لا؟
والجواب: لا يحق له ذلك حتى إذا كان المتبرع له هو الآمر بالتبرع؛ لأن
المتلف للعمل إنما هو الأجير نفسه، فلا مبرر لضمان غيره، فإن المبرر له أحد
أمرين:
إما الإتلاف أو اليد المضمونة، والفرض أن المتبرع له لا يكون متلفا، ولا
كون المنفعة تحت يده، وأما الأمر بالإتلاف فليس هو بنفسه من موجبات
246

الضمان، ومن هنا لو أمر زيد بكرا أن يتلف مال عمرو فاتلفه باختياره وإرادته، لم
يكن الآمر ضامنا.
الثالثة: أنه عمل لغيره بعنوان الإجارة أو الجعالة، وفي هذه الصورة تخير
المستأجر بين فسخ الإجارة أو إمضائها، وبين إجازة الإجارة الثانية أو الجعالة،
على أساس أنها فضولية تتوقف صحتها على إجازته، فإذا أجازها صحت
وانتقلت الأجرة أو الجعل المسمى فيها إليه، ولا يجوز له أن يرجع إلى المستأجر
الثاني ويطالبه بقيمة العمل التالف؛ لأنه كالمتبرع له فليس بضامن.
الحالة الثانية: أن مورد الإجارة منفعة خاصة له كالخياطة أو الكتابة أو
نحوها دون جميع منافعه، وفي هذه الحالة لا يسمح له أن يعمل ذلك العمل الخاص
لنفسه أو لغيره لا تبرعا ولا بإجارة أو جعالة، فإذا خالف ومارس العمل لنفسه،
تخير المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الأجرة منه وإمضائها والمطالبة
بقيمة المنفعة الفائتة، وكذلك إذا عمل به لغيره تبرعا، وأما إذا عمل به لغيره
بعنوان الإجارة أو الجعالة، فله إمضاء تلك الإجارة أو الجعالة، باعتبار أنها
فضولية، فإذا أجازها جازت وانتقلت الأجرة أو الجعل المسمى فيها إليه. نعم، لا
مانع في هذه الحالة من أن يعمل عملا لنفسه أو لغيره بإجارة أو جعالة إذا لم يكن
منافيا للعمل المستأجر عليه، كما إذا آجر نفسه الصوم في يوم عن زيد مثلا، فإنه
لا ينافي أن يمارس عملية الخياطة أو الكتابة فيه لنفسه أو لغيره متبرعا أو بإجارة
أو جعالة، ثم أن الإجارة في هذه الحالة بما أنها تكون على العمل في ذمة المؤجر،
فتارة تؤخذ مباشرته للعمل قيدا على نحو وحدة المطلوب، وتارة على نحو تعدد
المطلوب، فإن كانت على النحو الأول جاز له كل عمل لا ينافي الوفاء بالإجارة،
ولا يجوز له ما ينافيه، سواء أكان من نوع العمل المستأجر عليه أم من غيره، وإذا
247

عمل ما ينافيه تخير المستأجر بين فسخ الإجارة والمطالبة بقيمة العمل الفائت
المستأجر عليه، وإذا آجر نفسه لما ينافيه، بطلت من جهة عدم تمكنه من تسليم
العمل المستأجر عليه الذي هو شرط في صحة الإجارة. نعم، لو فسخت الإجارة
الأولى بالتقايل والتراضي بينهما، صحت الثانية من جهة أنه صار حينئذ متمكنا
من التسليم في وقته وهو يكفي في الصحة وإن لم يكن متمكنا منه في وقت العقد،
وبكلمة: أن الإجارة الثانية محكومة بالبطلان، على أساس أنها فاقدة للشرط
وهو تمكن الأجير من تسليم العمل المستأجر عليه؛ باعتبار أن صحة الإجارة
الاولى تؤدي إلى عجزه عن التسليم وعدم تمكنه منه، وأما إجازة المستأجر
الأول للإجارة الثانية فلا أثر لها؛ لأنها لم تقع على ماله أو حقه، وإنما المانع عن
صحتها ووجوب الوفاء بها صحة الإجارة الأولى ووجوب الوفاء بها كما مر،
وأما إن كانت على النحو الثاني - وهو تعدد المطلوب - فالظاهر صحة الإجارة
الثانية، غاية الأمر يثبت خيار تخلف الشرط للمستأجر الأول، على أساس أن
الإجارة الثانية على ضوء كون قيد المباشرة شرطا لا تنافي صحة الإجارة
الاولى، وإنما تنافي شرطها ولا يترتب عليه إلا الخيار.
فصل
وفيه مسائل متفرقة
(مسألة 654): لا تصح إجارة الأرض للزرع بما يحصل منها كحنطة أو
شعير مقدارا معينا، كما لا تصح إجارتها بالحصة من زرعها مشاعة ربعا أو نصفا،
وتصح إجارتها بالحنطة أو الشعير في الذمة، ولو كان من جنس ما يزرع فيها،
248

والأقوى صحة إجارتها بما يحصل منها من الحبوب غير الحنطة والشعير، وقد
تسأل ان الأجرة معدومة فعلا، فإذا كانت معدومة كذلك فكيف تصح الإجارة
بها؟
والجواب: أن تعهد المستأجر بدفعها في ظرفها خارجا يجعلها بمثابة
الموجود في الذمة، فلذلك لا مانع من الإجارة بها. هذا إضافة إلى أن مثل هذه
الإجارة كما أنها ليست غررية؛ باعتبار أن تحقق الأجرة في ظرفها متأكد
ومضمون ليست سفهائية أيضا، بل هي إجارة عقلائية متعارفة لدى العرف
والعقلاء، ولا مانع من كونها مشمولة للعمومات.
(مسألة 655): تصح إجارة حصة مشاعة من أرض معينة، فيكون
المستأجر شريكا مع المالك، كما تصح إجارة حصة منها على نحو الكلي في المعين.
(مسألة 656): لا تصح إجارة الأرض مدة طويلة كعشرين سنة أو أكثر
لتوقف مسجدا؛ لأن المعتبر فيه التأبيد والدوام، ولا يمكن أن يجتمع مع
التوقيت. نعم، تصح إجارتها لتعمل مصلى يصلي فيه أو يتعبد فيه أو نحو ذلك من
أنواع الانتفاع، ولا يترتب عليها أحكام المسجد.
(مسألة 657): يجوز استئجار الشجرة لفائدة الإستظلال ونحوه، كربط
الدواب ونشر الثياب، ويجوز استئجار البستان لفائدة التنزه.
(مسألة 658): يجوز استئجار الإنسان للاحتطاب والاحتشاش والاستقاء
ونحوها، فإن كانت الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة وحدها أو مع غيرها،
ملك المستأجر العين المحازة وإن قصد الأجير نفسه أو شخصا آخر غير
المستأجر، وإن كانت واقعة على العمل في الذمة، فإن قصد الأجير تطبيق العمل
المملوك على فعله الخاص، بأن كان في مقام الوفاء بعقد الإجارة ملك المستأجر
249

المحاز أيضا، وإن لم يقصد ذلك بل قصد الحيازة لنفسه أو غيره فيما يجوز الحيازة له،
كان المحاز ملكا لمن قصد الحيازة له، وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالأجرة
المسماة، والإمضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوته عليه.
(مسألة 659): يصح استئجار المرأة للإرضاع بل للرضاع أيضا، بمعنى: أن
الطفل ينتفع منها ويتغذى بلبنها مدة معينة وإن لم يكن بفعل منها أصلا، ولا يعتبر
في صحة إجارتها لذلك إذن زوجها ورضاه، بل ليس له أن يمنعها عن ذلك إذا لم
يكن منافيا لحقه، وحينئذ فإن اشترطت المرأة المرضعة شروطا بالنسبة إلى
الطفل وزمان الرضاع ومكانه وكميته في كل يوم، أو اشترط المستأجر عليها
شروطا لزم الوفاء بها، والتخلف منها يوجب الخيار للآخر، وأما إذا لم تكن هناك
شروط لا من قبل المرأة المرضعة ولا من قبل المستأجر، فالمعيار إنما هو
بالمتعارف والمعتاد، فإذا كانت المرأة المرضعة أو الطفل خارجة عن المتعارف
والمعتاد ثبت الخيار للآخر، وقد تسأل: هل لها أخذ الأجرة من زوجها على
إرضاع ولده كان منها أم من زوجته الاخرى؟
والجواب: نعم، لها ذلك، وقد تسأل: أن المرأة إذا كانت خلية فآجرت
نفسها للإرضاع أو غيره من الأعمال، ثم تزوجت، فإن لم يكن العمل المستأجر
عليه منافيا لحق الزوج ومزاحما فلا إشكال، وإن كان منافيا له، فهل يقدم حق
المستأجر على حق الزوج أو بالعكس؟
والجواب: الظاهر تقديم حق الزوج على المستأجر، فإن وجوب الوفاء
بالإجارة لا يصلح أن يزاحم وجوب إطاعة الزوج في حقوقه الواجبة عليها،
على أساس أن شرط الله قبل شرطكم كما في النص، ولا فرق في ذلك بين أن
يكون زمان التزويج مقدما على زمان الإجارة أو مقارنا له أو متأخرا عنه، لأن؛
250

وجوب الوفاء بالإجارة في كل آن وزمان منوط بأن لا يكون هناك إلزام من قبل
الله تعالى على خلافه وإلا فلا وجود له، وعلى هذا فإذا وقع التزاحم بين حق
الزوج وحق المستأجر قدم الأول على الثاني، وإن كان حدوثه متأخرا زمانا عن
حدوثه.
(مسألة 660): لا بأس باستئجار الشاة والمرأة مدة معينة للانتفاع بلبنها
الذي يتكون فيها بعد الإيجار، وكذلك استئجار الشجرة للثمرة والبئر للاستقاء،
وفي جواز استئجارها للمنافع الموجودة فيها فعلا من اللبن والثمر والماء إشكال،
بل منع لعدم صدق الإجارة عليه.
(مسألة 661): تصح الإجارة لكنس المسجد، والمشهد، ونحوهما وإشعال
سراجهما ونحو ذلك.
(مسألة 662): لا تصح الإجارة عن الحي في العبادات الواجبة إلا في الحج
عن المستطيع العاجز عن المباشرة، وتجوز في المستحبات كالزيارات ونحوها،
ولكن في جوازها فيها على الإطلاق حتى في مثل الصلاة والصيام المستحبين
إشكالا بل منعا.
(مسألة 663): تصح الإجارة عن الميت في الواجبات والمستحبات، وتصح
أيضا الإجارة على أن يعمل الأجير عن نفسه ويهدي ثواب عمله إلى غيره.
(مسألة 664): إذا أمر غيره بإتيان عمل فعمله المأمور، فإن قصد المأمور
التبرع لم يستحق اجرة، وإن كان من قصد الآمر دفع الأجرة، وإن قصد الأجرة
استحقها، وإن كان من قصد الآمر التبرع إلا أن تكون هناك قرينة على قصد
المجانية، كما إذا جرت العادة على فعله مجانا أو كان المأمور ممن ليس من شأنه
فعله بأجرة أو نحو ذلك، مما يوجب ظهور الطلب في المجانية، وأما إذا أمره آمر
251

بعمل له اجرة، فأتى به المأمور استنادا إلى أمره من دون أن يقصد المجانية وإن لم
يقصد الأجرة أيضا، فهل عليه ضمان أو لا؟ والجواب: الظاهر أن عليه الضمان.
(مسألة 665): إذا استأجره على الكتابة أو الخياطة، فمع إطلاق الإجارة
يكون المداد والخيوط على الأجير، كما هو المتعارف والمعتاد في مثل ذلك في
الخارج، وأما إذا كانت الإجارة على البناية، فتوفير المواد لها من الطابوق
والجص والإسمنت والحديد وغيرها على المستأجر دون الأجير، إلا إذا اشترط
في ضمن عقد الإيجار أن توفيرها عليه، وهذا بخلاف الإجارة على الحج عن
الميت أو الحي العاجز أو الصلاة عن الميت، فإن مقتضى إطلاق عقد الإجارة أن
تهيئة مقدمات الحج من الزاد والراحلة وتحصيل الجواز وتأشير الدخول وغير
ذلك على الأجير دون المستأجر، وكذلك الحال في الصلاة، فهذا يختلف باختلاف
الموارد وليس له معيار كلي في جميع تلك الموارد.
(مسألة 666): يجوز استئجار الشخص للقيام بكل ما يراد منه مما يكون
مقدورا له ويتعارف قيامه به، والأقوى أن نفقته حينئذ على نفسه لا على
المستأجر، إلا مع الشرط أو قيام القرينة ولو كانت هي العادة، كالأجير للخدمة
في سفر الحج والأجير الملازم للإنسان ليلا ونهارا.
(مسألة 667): يجوز أن يستعمل العامل ويأمره بالعمل من دون تعيين
اجرة، ويكون عليه اجرة المثل لاستيفاء عمل العامل، وليس من باب الإجارة
ولا الجعالة بل من باب العمل مع الضمان، ولكن ذلك مكروه.
(مسألة 668): إذا استأجر أرضا مدة معينة فغرس فيها أو زرع ما يبقى بعد
انقضاء تلك المدة، فإذا انقضت المدة جاز للمالك أن يأمره بقلعه، وكذا إذا
استأجرها لخصوص الزرع أو الغرس، وليس له الإبقاء من دون رضا المالك وإن
252

بذل الأجرة، كما أنه ليس له المطالبة بالأرش إذا نقص بالقلع، وكذلك إذا غرس ما
لا يبقى فاتفق بقاؤه لبعض الطوارئ على الأظهر.
(مسألة 669): خراج الأرض المستأجرة - إذا كانت خراجية - على المالك.
نعم، إذا شرط أن تكون على المستأجر صح على الأقوى
(مسألة 670): لا بأس بأخذ الأجرة على ذكر مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام)
وفضائل أهل البيت (عليهم السلام) والخطب المشتملة على المواعظ ونحو ذلك، مما له فائدة
عقلائية دينية أو دنيوية.
(مسألة 671): يجوز الاستئجار للنيابة عن الأحياء والأموات في العبادات
التي تشرع فيها النيابة دون مالا تشرع فيه، كالواجبات العبادية مثل الصلاة
والصيام عن الأحياء، وتجوز عن الأموات. وتجوز الإجارة على تعليم الحلال
والحرام وتعليم الواجبات مثل الصلاة والصيام وغيرهما مما هو محل الابتلاء وان
كان الأحوط الترك، اما إذا لم يكن محل الابتلاء فلا إشكال فيه أصلا.
ولا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. نعم،
الظاهر أنه لا بأس بأخذ الأجرة على حفر القبر على نحو خاص من طوله
وعرضه وعمقه. أما أخذ الأجرة على مسمى حفر القبر اللازم، فلا يجوز ولا
تصح الإجارة عليه.
(مسألة 672): إذا بقيت أصول الزرع في الأرض المستأجرة للزراعة
فنبتت، فإن أعرض المالك عنها فهي لمن سبق إليها، بلا فرق بين مالك الأرض
وغيره. نعم، لا يجوز الدخول في الأرض إلا بأذنه وإن لم يعرض عنها فهي له.
(مسألة 673): إذا استأجر شخصا لذبح حيوان فذبحه على غير الوجه
253

الشرعي فصار حراما ضمن، وكذا لو تبرع بلا إجارة فذبحه كذلك.
(مسألة 674): إذا استأجر شخصا لخياطة ثوب معين مثلا لا بقيد المباشرة،
جاز لغيره التبرع عنه فيه، وحينئذ يستحق الأجير الأجرة المسماة لا العامل، وإذا
خاطه غيره لا بقصد النيابة عنه بطلت الإجارة، إذا لم يمض زمان يتمكن فيه
الأجير من الخياطة، وإلا ثبت الخيار للمستأجر. هذا فيما إذا لم تكن الخياطة من
غير الأجير بأمر من المستأجر أو بإجارته ثانية، وإلا فالظاهر أن الأجير
يستحق الأجرة، لأن التفويت حينئذ مستند إلى المستأجر نفسه، كما إذا كان هو
الخائط. وأما الخائط فيستحق على المالك اجرة المثل إن خاط بأمره، وأما إذا كان
قد استأجره ثانية للخياطة، فقيل: أن الإجارة الثانية باطلة ويكون للخائط
اجرة المثل، ولكن الأظهر صحتها واستحقاق الأجير الأجرة المسماة وإن خاط
بغير أمره ولا إجازته لم يستحق عليه شيئا وان اعتقد أن المالك أمره بذلك.
(مسألة 675): إذا استأجره ليوصل متاعه إلى بلد كذا في مدة معينة
فسافر بالمتاع، وفي أثناء الطريق حصل مانع عن الوصول بطلت الإجارة، فإن
كان المستأجر عليه نفس إيصال المتاع لم يستحق شيئا، وإن كان مجموع السفر
وايصال المتاع على نحو تعدد المطلوب، استحق من الأجرة بنسبة ما حصل من
قطع المسافة إلى مجموع المستأجر عليه، أما إذا كان على نحو وحدة المطلوب،
فالأظهر عدم استحقاقه شيئا.
(مسألة 676): إذا كان للأجير الخيار في الفسخ لغبن أو تخلف شرط أو
وجود عيب أو غيرها، فإن فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء له، وإن كان بعد
تمام العمل كان له اجرة المثل، وإن كان في أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من اجرة
المثل، إلا إذا كان مجموع العمل ملحوظا بنحو وحدة المطلوب، كما إذا استأجره
254

على الصلاة أو الصيام، فإنه لو فسخ في الأثناء لم يكن له شيء، وكذا إذا كان
الخيار للمستأجر، ويحتمل بعيدا أنه إذا كان المستأجر عليه هو المجموع على نحو
وحدة المطلوب ففسخ المستأجر في الأثناء - كما إذا استأجره على الصلاة ففسخ
في أثنائها - أن يستحق الأجير بمقدار ما عمل من اجرة المثل.
(مسألة 677): إذا استأجر عينا مدة معينة ثم اشتراها في أثناء المدة،
فالإجارة باقية على صحتها، وإذا باعها في أثناء المدة، ففي تبعية المنفعة للعين
وجهان، أقواهما ذلك.
(مسألة 678): تصح إجارة الأرض للانتفاع بزرعها أو غيره مدة معينة،
وجعل الأجرة تعميرها من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار ونحو
ذلك، ولا بد من تعيين مقدار التعمير كما وكيفا.
(مسألة 679): تصح الإجارة على الطبابة ومعالجة المرضى، سواء أكانت
بمجرد وصف العلاج أم بالمباشرة، كجبر الكسير وتضميد القروح والجروح
ونحو ذلك.
(مسألة 680): تصح المقاطعة على العلاج بقيد البرء إذا كانت العادة تقتضي
ذلك، كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدمات غير
اختيارية للأجير، وكانت توجد عادة عند إرادة العمل.
(مسألة 681): لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا من
بلد الميت إلى (النجف) مثلا، وآخر من (النجف) إلى (المدينة)، وثالثا من المدينة
إلى (مكة)، بل لابد من أن يستأجر من يسافر من البلد بقصد الحج إلى أن يحج؛
لأنه الظاهر منه.
(مسألة 682): إذا استؤجر للصلاة عن الميت فنقص بعض الأجزاء أو
255

الشرائط غير الركنية سهوا، فإن كانت الإجارة على الصلاة الصحيحة - كما هو
الظاهر عند الاطلاق - استحق تمام الأجرة، وكذلك إن كانت على نفس الأعمال
المخصوصة، وكان النقص على النحو المتعارف، كما إذا صلى من دون أذان أو اكتفى
في ذكر الركوع أو السجود بالتسبيحات الصغيرة ثلاث مرات وإن كان على
خلاف المتعارف، كما إذا صلى من دون إقامة أو من دون قنوت أو يكتفي
بالتسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين مرة واحدة، نقص من الأجرة
بمقداره، باعتبار أن تلك الخصوصيات داخلة في الإجارة.
(مسألة 683): إذا استؤجر بختم القرآن الشريف، فالأحوط الترتيب بين
السور، والظاهر لزوم الترتيب بين آيات السور وكلماتها، وإذا قرأ بعض الكلمات
غلطا والتفت إلى ذلك بعد الفراغ من السورة أو الختم، فإن كان بالمقدار المتعارف
لم ينقص من الأجرة شيء، وإن كان بالمقدار غير المتعارف، ففي إمكان تداركه
بقراءة ذلك المقدار صحيحا إشكال، والأحوط للأجير أن يقرأ السورة من مكان
الغلط إلى آخرها.
(مسألة 684): إذا استؤجر للصلاة عن (زيد) فاشتبه وصلى عن (عمرو)،
فإن كان على نحو الخطأ في التطبيق - بأن كان مقصودة الصلاة عمن استؤجر
للصلاة عنه فأخطأ في اعتقاده أنه عمرو - صح عن زيد واستحق الأجرة وإن
كان على نحو آخر - بأن يصلي عنه عامدا أو ملتفتا إلى أنه لم يستأجر للصلاة عنه
- لم يستحق الأجرة ولم يصح عن زيد. نعم، إذا علم بأن ذمة عمرو مشغولة بتلك
الصلوات وقصد بها التبرع عنه صح، ولكن لم يستحق شيئا.
(مسألة 685): الموارد التي يجوز فيها استئجار البالغ للنيابة في العبادات
المستحبة، يجوز فيها أيضا استئجار الصبي، والله سبحانه العالم.
256

كتاب المزارعة
المزارعة هي الاتفاق بين مالك الأرض والزارع على زرع الأرض
بحصة من حاصلها.
يعتبر في المزارعة امور:
الأول: الإيجاب من المالك، والقبول من الزارع بكل ما يدل على تسليم
الأرض للزراعة، وقبول الزارع لها، من لفظ كقول المالك للزارع مثلا: سلمت
إليك الأرض لتزرعها، فيقول الزارع: قبلت، أو فعل دال على تسليم الأرض
للزارع وقبول الزارع لها من دون كلام، ولا يعتبر فيها العربية والماضوية، كما لا
يعتبر تقديم الإيجاب على القبول، ولا يعتبر أن يكون الإيجاب من المالك والقبول
من الزارع، بل يجوز العكس.
الثاني: أن يكون كل من المالك والزارع بالغا وعاقلا ومختارا، وأن يكون
المالك متمكنا من التصرف في الأرض، فلو كان ممنوعا منه لسفه أو فلس أو
كانت منفعتها مملوكة لغيره، لم تصح المزارعة، وكذلك العامل بأن يكون متمكنا
257

من التصرف فيها بكامل حريته، فلو كان عمله مملوكا لغيره بالإجارة أو نحوها،
أو كان هناك عائق آخر من عمله فيها، لم تصح.
الثالث: أن يكون نصيبهما من تمام حاصل الأرض، فلو جعل لأحدهما
أول الحاصل وللآخر آخره بطلت المزارعة، وكذا الحال لو جعل الجميع
لأحدهما.
الرابع: أن تجعل حصة كل منهما على نحو الإشاعة كالنصف والثلث
ونحوهما، فلو قال للزارع: ازرع وأعطني ما شئت، لم تصح بعنوان المزارعة،
وكذلك لو عين للمالك أو الزارع مقدار معين كعشرة أطنان، وقد تسأل: أن تعيين
المدة بالأشهر أو السنين أو الفصل هل يعتبر في صحة المزارعة أو لا؟
والجواب: أنه لا يعتبر فيها، فلو قال المالك للعامل: ازرع هذه الأرض
على الثلث كفى وإن لم يعين نوع الزرع من الحنطة أو الشعير أو نحوهما ولا يكون
في ذلك غرر هذا إضافة إلى أن الغرر لا يوجب البطلان، وإنما يوجب الخيار
فحسب.
السادس: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح، وأما إذا
لم تكن كذلك - كما إذا كانت الأرض سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو نحوها - بطلت
المزارعة.
السابع: تعيين الزرع، إذا كان بينهما اختلاف نظر في ذلك، وإلا لم يلزم
التعيين.
الثامن: تعيين الأرض وحدودها ومقدارها في الجملة. نعم، لو عين كليا
موصوفا على وجه لا يكون فيه غرر - كمقدار جريب من هذه القطعة من
258

الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها - صحت، بل وإن اختلفت أجزاؤها، فإن
غاية ما يوجب اختلافها الغرر دون البطلان؛ لما مر.
التاسع: تعيين ما عليهما من المصارف كالبذر ونحوه، بأن يجعل على
أحدهما أو كليهما، ويكفي في ذلك المتعارف الخارجي؛ لانصراف الإطلاق فيه.
(مسألة 686): يجوز للعامل أن يزرع الأرض بنفسه أو بغيره أو بالشركة
مع غيره. هذا فيما إذا لم يشترط المالك عليه المباشرة، وإلا لزم أن يزرع بنفسه.
(مسألة 687): لو أذن شخص لآخر في زرع أرضه على أن يكون الحاصل
بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما، فهل هو من المزارعة المصطلحة أولا؟
والجواب: الظاهر أنه من المزارعة المصطلحة، على أساس ما مر من أنه لا
يعتبر في إنشاء مضمونها لفظ خاص وصيغة مخصوصة، بل بكل ما يكون دالا
عليه وان كان فعلا خارجيا، وكذلك الحال لو أذن لكل من يتصدى للزرع من
دون أن يعين شخصا معينا، بأن يقول: كل من زرع أرضي هذه فله نصف
حاصلها أو ثلثه، فإنه بذلك أنشأ ملكية نصف الحاصل لمن يتصدى للزرع
خارجا، كما أن تصديه كذلك قبول له.
(مسألة 688): قد تسأل: هل يجوز اشتراط مقدار معين من الحاصل
لأحدهما في ضمن عقد المزارعة أو لا؟
والجواب: أن اشتراط هذا المقدار وإن كان لمالك البذر، فلا مانع منه ولا
ينافي مقتضى عقد المزارعة، فإن مقتضاه اشتراكهما في النتاج بنسبة معينة بحسب
القرار الواقع بينهما ولو كان على البعض، وإن كان لغير مالك البذر، فان كان مرده
إلى أن هذا المقدار من الحاصل دخل في ملكه ابتداء، فهو باطل على القاعدة
259

ومخالف لقانون المعاوضة، وإن كان مرده إلى أنه يكون ملكا له في طول دخوله في
ملك المالك بنحو شرط النتيجة فلا بأس به، وأما إن كان البذر مشتركا بينهما،
فحينئذ إذا اشترط مقدار معين من الحاصل لأحدهما، فإن لم يكن هذا المقدار
بضميمة حصته أكثر من نسبته اشتراكه في البذر صح ولا بأس به، وإن كان أكثر
ففيه التفصيل المتقدم. نعم، يجوز جعل هذا المقدار المعين لأحدهما بإضافة حصته
في نفس عقد المزارعة لا بالشرط الخارجي، ويجوز استثناء مقدار البذر من
الحاصل لمن كان البذر منه، واستثناء مقدار خراج السلطان وما يصرف في تعمير
الأرض.
(مسألة 689): إذا عين المالك نوعا خاصا من الزرع من حنطة أو شعير أو
نحو ذلك في ضمن عقد المزارعة، تعين ذلك على الزارع، فلا يجوز له التعدي عنه،
ولكن لو تعدى إلى غيره وزرع نوعا آخر منه، فللمالك الخيار بين الفسخ
والامضاء، فإن فسخ رجع على العامل بأجرة مثل المنفعة الفائتة للأرض. وأما
الحاصل فهو للعامل إن كان البذر له، وإن كان البذر للمالك فله المطالبة ببدله
أيضا، وعلى تقدير البذل كان الحاصل للعامل أيضا، وليست له مطالبة المالك
بأجرة العمل مطلقا؛ باعتبار أن عمله هذا ليس بإذنه. هذا إذا علم المالك بذلك
بعد بلوغ الحاصل، وأما إذا علم به قبل بلوغه فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة،
وإلزام العامل بقطع الزرع أو إبقائه بالأجرة أو مجانا إن كان البذر له، وأما إذا كان
للمالك، فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وبدل البذر أيضا، ومع بذله يكون الزرع
للعامل. هذا إذا كان على نحو الإشتراط، وأما إذا كان التعيين على نحو التقييد
بطلت المزارعة، وحكمه ما تقدم في فرض الفسخ.
(مسألة 690): إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع، فإن كان البذر للمالك كان
260

الزرع له، ويضمن للزارع ما صرفه من الأموال، وكذا اجرة عمله واجرة الآلات
التي استعملها في الأرض، وإن كان البذر للزارع فالزرع له، ويضمن للمالك اجرة
الأرض وما صرفه المالك واجرة أعيانه التي استعملت في ذلك الزرع. ثم إن
رضي المالك والزارع ببقاء الزرع في الأرض بالأجرة أو مجانا فهو، وإن لم يرض
المالك بذلك، جاز له إجبار الزارع على إزالة الزرع وإن لم يدرك الحاصل وتضرر
بذلك، وليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض ولو بأجرة، كما أنه
ليس للمالك إجبار الزارع على إبقاء الزرع في الأرض ولو مجانا. وكذلك الحال فيما
إذا انقضت مدة المزارعة الصحيحة ولم يدرك الحاصل.
(مسألة 691): يصح أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا على ذمته من
ذهب أو فضة أو نحوهما مضافا إلى حصته.
(مسألة 692): المزارعة عقد لازم، لا ينفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار
الشرط أو بخيار تخلف بعض الشروط المشترطة فيه، ولا ينفسخ بموت أحدهما
فيقوم الوارث مقامه. نعم، ينفسخ بموت الزارع إذا قيدت المزارعة بمباشرته
للعمل.
(مسألة 693): إذا ترك الزارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتى
انقضت المدة، فإن كانت الأرض في تصرفه وكان تركه بلا عذر، يضمن منفعة
الأرض للمالك التي قد فاتت تحت يده واستيلائه على الأرض من دون رضاه
وعدوانا تطبيقا لقاعدة ضمان الغاصب للمنافع كالأعيان، نظير من غصب دار
غيره، فإنه ضامن لمنفعتها الفائتة تحت يده غصبا، ولا يضمن له اجرة مثل العمل،
على أساس أنه لا يكون مملوكا له، ولا فرق في ضمانه في هذه الصورة بين أن
يكون المالك عالما بالحال أو غير عالم بها، وإن لم تكن الأرض تحت يده بل كانت
261

تحت يد المالك، فحينئذ إن كان المالك مطلعا على ذلك، فالظاهر عدم ضمان
الزارع، فإن فوت المنفعة في هذه الحالة مستند إلى ترك المالك الانتفاع بأرضه
اختيارا لا إلى الزارع، وإن لم يكن المالك مطلعا فالظاهر ضمانه؛ لأن فوتها في
هذه الحالة مستند إليه لا إلى المالك.
(مسألة 694): يجوز لكل من المالك والزارع عند بلوغ الحاصل وإدراكه،
تقبل حصة الآخر بحسب الخرص بمقدار معين بالتراضي، فلو تبين بعد ذلك
زيادتها أو نقيصتها فعلى المتقبل تمام ذلك المقدار، سواء كان أقل من حصة
صاحبة أو أكثر منها، ولا يجوز ذلك قبل بلوغ الحاصل وإدراكه؛ لأنه من
تقسيم المعدوم وهو بحاجة إلى دليل، ثم أن صحة الخرص منوطة بكون المقدار
المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع، فلا يصح جعله من نوع آخر من ذلك
الحاصل، والأظهر اللزوم بعد القبول والتراضي، ولو تلف الزرع أو بعضه بعد
الخرص كان عليهما، على أساس أن الملحوظ في المقدار المعين إنما هو نسبته إلى
المجموع، فإذا ورد النقص على المجموع، ورد عليه أيضا بنفس النسبة.
(مسألة 695): إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع أو
قبل إدراكه بطلت المزارعة، وإذا غرق بعضها تخير المالك والعامل في الباقي بين
الفسخ والإمضاء.
(مسألة 696): الأظهر جواز عقد المزارعة بين أكثر من اثنين، بأن تكون
الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من رابع، وكذا
الحال إذا وقع العقد بين جماعة على النحو المذكور.
(مسألة 697): لا فرق في صحة عقد المزارعة بين أن يكون البذر من المالك
أو العامل أو منهما معا، ولكن كل ذلك يحتاج إلى تعيين وجعل في ضمن العقد، إلا
262

أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق، وكذا لا فرق بين أن تكون
الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل، كما أنه لا يلزم أن يكون
تمام العمل على العامل، فيجوز أن يكون عليهما، وكذا الحال في سائر التصرفات
والآلات. والضابط: أن كل ذلك تابع للجعل في ضمن العقد.
(مسألة 698): إذا وجد مانع في الأثناء قبل ظهور الزرع أو قبل بلوغه
وإدراكه - كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، أو استولى عليه الماء ولم يمكن
قطعه، أو وجد مانع لم يمكن رفعه - فالظاهر بطلان المزارعة من الأول؛ لكشفه
عن عدم قابلية الأرض للزراعة، وعليه فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر
فإن كان البذر للمالك فعليه اجرة مثل عمل العامل، وإن كان للعامل فعليه اجرة
مثل أرضه.
(مسألة 699): إذا كانت الأرض التي وقعت المزارعة عليها مغصوبة، وكان
البذر من العامل بطلت المزارعة بالإضافة إلى المزارع، فإن أجاز المالك عقد
المزارعة وقع له، وإلا كان الزرع للزراع وعليه اجرة المثل لمالك الأرض، ويرجع
فيما خسره إلى المزارع إن كان مغرورا من قبله، بحيث تكون خسارته مستندة إليه
عرفا، وإلا فليس له الرجوع إليه. وإذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وإدراكه،
كان المالك مخيرا أيضا بين الإجازة والرد فإن رد، فله الأمر بالإزالة أو الرضا
ببقائه ولو بأجرة، وعلى الزارع اجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، ويرجع إلى
المزارع بالخسارة مع الغرور كما تقدم.
(مسألة 700): تجب على كل من المالك والزارع الزكاة إذا بلغت حصة كل
منها حد النصاب، وتجب على أحدهما إذا بلغت حصته كذلك. هذا إذا كان الزرع
مشترك بينهما من الأول أو من حين ظهور الثمر قبل صدق الاسم. وأما إذا كان
263

الاشتراك بعد صدق الاسم أو من حين الحصاد والتصفية، فالزكاة على صاحب
البذر فقط، سواء أكان هو المالك أم العامل دون غيره، وهل يصح هذا الاشتراك
أو لا؟ والجواب: الظاهر أنه لا مانع منه؛ لأنه تابع للقرار الواقع بينهما في عقد
المزارعة.
(مسألة 701): الباقي في الأرض من أصول الزرع بعد الحصاد وانقضاء
المدة، إذا نبت في السنة الجديدة وأدرك، فحاصله في العام الآتي لمالك البذر، فإن
كان البذر لهما فهو لهما، وإن كان لأحدهما فله. نعم، إذا أعرض عنه فهو لمن
استولى عليه، سواء أكان مالك الأرض أم كان غيره، غاية الأمر لا يجوز استيلاء
غير صاحب الأرض عليه إلا برضاه؛ باعتبار أنه يستلزم التصرف فيها.
(مسألة 702): إذا اختلف المالك والزارع في المدة، فادعى أحدهما الزيادة
والآخر القلة فالقول قول منكر الزيادة، ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة، فالقول
قول صاحب البذر المدعي للقلة. وأما إذا اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل
أو العوامل على أيهما، فالمرجع التحالف، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة
على أساس عدم إمكان تحقق المزارعة من دون ذلك، فإذا تحققها بحاجة إلى عقد
جديد.
(مسألة 703): إذا قصر الزارع في تربية الأرض وتوفير الشروط لها
للانتفاع بها وقل الحاصل، فهل يضمن أو لا؟
والجواب: أنه لا يضمن نسبة التفاوت في الحاصل، لعدم صدق الإتلاف
عليها، ومن دونه لا مبرر له، ولكن لا يبعد أن يضمن نسبة المنفعة الفائتة
للأرض؛ باعتبار أن فوتها مستند إلى تقصيره وتسامحه، ولا فرق في ذلك بين أن
يكون البذر له أو للمالك. نعم، إذا كان هناك تقصير منه في زرع الحبوب في
264

الأرض - كما إذا زرعها فيها قبل توفير الشروط لها - فحينئذ إن كانت الحبوب
للمالك ضمن المقدار التالف منها، وإلا فلا شيء عليه، كما أنه لو قصر في تربية
الزرع بعد وجوده وأدى تقصيره وتسامحه فيها إلى تلف مقدار منه، ضمن.
(مسألة 704): قد تسأل: أن العقد إذا كان واجدا لجميع الشرائط، وحصل
الفسخ في الأثناء، إما بالتقايل أو بخيار الشرط لأحدهما أو بسبب آخر، فهل
يكون معناه رفع العقد من الأول وفرضه كأن لم يقع نهائيا أو لا؟
والجواب: الأقرب الثاني، لأن معنى الفسخ: حل العقد من حينه، ولا يعقل
أن يكون الفسخ من الآن، وأثره وهو حل العقد من السابق، وعلى هذا فإن كان
مفاد عقد المزارعة اشتراك المالك والعامل في الزرع من حين ظهوره، فقد ظل
الزرع مشتركا بينهما إلى حين الفسخ، ومن هذا الحين ينتقل الزرع إلى ملك
صاحب البذر فقط، وحينئذ فإن كان البذر لمالك الأرض، فعليه أن يدفع بدل
ذلك الأجرة التي يتقاضاها الأجراء عادة في مثل ذلك العمل للعامل، وإن كان
للعامل فعليه أن يدفع بديلا عن ذلك قيمة منفعة الأرض التي استوفاها لحد
الآن، وأما بقاء الزرع بعد ذلك فهو منوط بإذن مالك الأرض به مجانا أو مع
الأجرة، وإلا فعلى العامل قطعه وتخلية الأرض منه، وإن كان مفاد العقد اشتراكهما
في الحاصل من حين ظهوره فحينئذ إن فسخ العقد قبل ظهور الحاصل ظل
الزرع في ملك من له البذر، سواء أكان المالك أم الزارع. نعم، إذا كان المالك
فالزارع أن يرجع عليه ويطالبه بأجرة المثل وهي الأجرة التي يتقاضاها
الاجراء عادة في مثل ذلك العمل، وإذا كان الزارع، فللمالك أن يرجع عليه
ويطالبه بقيمة منفعة الأرض التي استوفاها بزرع بذره فيها، وإن فسخ العقد
بعد ظهور الحاصل وقبل إدراكه، رجع الحاصل إلى ملك صاحب البذر من
265

الآن، وعليه فإن كان صاحب البذر هو المالك اشتغلت ذمته للعامل بأجرة
مثل عمله لحد الآن، وإن كان هو العامل اشتغلت ذمته بقيمة منفعة الأرض
التي استوفاها، وإن كان كلاهما معا، كما إذا كان البذر بينهما مشتركا ظل
الحاصل كذلك بنفس النسبة، وحينئذ فللمالك أن يرضى ببقاء حصة العامل
على الأرض مجانا أو مع الأجرة، كما أن له أن يطلب منه قطعها وتخلية الأرض
منها، وأما على القول الأول - وهو أن معنى الفسخ إنهاء العقد من الأول - فإن
وقع الفسخ في الأثناء، فحينئذ إن كان البذر للزارع كان الزرع له، وللمالك أن
يرجع عليه ويطالبه بقيمة منفعة الأرض التي استوفاها من الأول بزرع بذره
فيها، ولا شيء للزارع عليه، وإن كان البذر للمالك كان الزرع له وللزارع أن
يرجع عليه ويطالبه بأجرة المثل لعمله الذي بذله فيها بأمره من حين البدء في
الزرع، ولا شيء للمالك عليه، ولا فرق على هذا القول بين أن يكون مبدأ
الاشتراك بينهما من البذر أو من الزرع أو من ظهور الحاصل. نعم، لو كان
البذر مشتركا بينهما ظل الزرع مشتركا بينهما بعد الفسخ أيضا، وحكمه ما تقدم.
(مسألة 705): قد تسأل: هل مقتضى إطلاق عقد المزارعة، كون مبدأ
الاشتراك من حين ظهور الزرع أو من حين ظهور الحاصل؟
والجواب: الظاهر أن مقتضى إطلاق العقد هو الثاني، إلا إذا كانت هناك
قرينة على الأول.
(مسألة 706): لو ادعى المالك على الزارع عدم العمل بما اشترط عليه في
ضمن عقد المزارعة من بعض الأعمال، أو ادعى تقصيره فيه على وجه يضر
بالزراعة أو تقصيره في الحفظ أو نحو ذلك، وأنكره الزارع، فالقول قوله.
وكذلك الحال في كل مورد ادعى أحدهما شيئا وأنكره الآخر ما لم يثبت ما
266

ادعاه شرعا.
(مسألة 707): إذا أوقع المتولي للوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة
على البطون إلى مدة حسب ما يراه صالحا لهم لزم، ولا يبطل بالموت، وأما إذا
أوقعه البطن المتقدم من الموقوف عليهم ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة، بطل
العقد من ذلك الحين، إلا إذا أجاز البطن اللاحق.
(مسألة 708): يجوز لكل من المالك والعامل بعد ظهور الحاصل أن يصالح
الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غير جنسه بعد التخمين بحسب
المتعارف في الخارج، بل يجوز ذلك قبل ظهور الحاصل مع الضميمة.
(مسألة 709): لا يعتبر في عقد المزارعة على الأرض أن تكون قابلة للزرع
من حين العقد وفي السنة الاولى، بل يصح العقد على أرض بائرة وخربة لا تصلح
للزرع، إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أكثر. وعليه فيجوز للمتولي
أن يزارع الأراضي الموقوفة وقفا عاما أو خاصا التي أصبحت بائرة إلى
عشر سنين أو أقل أو أكثر حسب ما يراه صالحا.
267

كتاب المساقاة
المساقاة هي اتفاق شخص مع آخر على سقي أشجار مثمرة وإصلاح
شؤونها إلى مدة معينة بحصة من أثمارها، ويشترط فيها امور:
الأول: الإيجاب والقبول، ويكفي فيه كل ما يدل على المعنى المذكور من
لفظ أو فعل أو نحوهما، ولا يعتبر فيها العربية ولا الماضوية.
الثاني: البلوغ والعقل والاختيار، وأما عدم الحجر لسفه أو فلس، فهو إنما
يعتبر في المالك دون العامل محضا. نعم، يعتبر فيه أن لا يكون عمله مملوكا لأخر
بإجارة أو نحوها.
الثالث: أن تكون أصول الأشجار مملوكة عينا ومنفعة أو منفعة فقط، أو
يكون تصرفه فيها نافذا بولاية أو وكالة أو تولية.
الرابع: أن تكون معلومة ومعينة عندهما إجمالا.
الخامس: يكفي تعيين مدة العمل والسقي فيها ببلوغ الثمرة المساقى عليها،
ولا يضر اختلاف تلك المدة زيادة ونقيصة باختلاف الجو من حيث الحرارة
268

والبرودة والاعتدال، ولا حاجة إلى تعيينها بالأشهر أو السنين، فإن تعيينها بها
لابد أن يكون بمقدار تبلغ فيه الثمرة، فلو كان أقل من ذلك بطلت المساقاة.
السادس: تعيين الحصة وكونها مشاعة في الثمرة، فلا يجوز أن يجعل للعامل
ثمرة شجر معين دون غيره. وقد تسأل: هل يجوز أن يجعل للعامل مقدار معين
من الثمرة كطن مثلا بالإضافة إلى الحصة المشاعة له أو لا؟
والجواب: إن كان ذلك بالشرط في ضمن عقد المساقاة، وكان مدلوله
دخول هذا المقدار في ملكه ابتداء فهو باطل على القاعدة، وإن كان مدلوله دخوله
في ملكه في طول دخوله في ملك المالك بنحو شرط النتيجة، فلا يبعد صحته.
نعم، يجوز اشتراط ذلك للمالك مضافا إلى الحصة المشاعة، ولا يلزم منه المحذور
المذكور.
وقد تسأل: أن المزارعة والمساقاة ونحوهما من المعاملات بما أنها تتضمن
تمليك المعدوم، فمقتضى القاعدة فيها الفساد؛ لعدم كونها مشمولة لعمومات
الصحة؟
والجواب: الظاهر أن هذه المعاملات معاملات شائعة بين الناس
ومتعارفة، وليست من المعاملات السفهائية لدى العقلاء حتى لا تكون مشمولة
للعمومات، بل هي معاملات عقلائية ومشمولة لها، ودعوى: أنها تتضمن تمليك
المعدوم، فيرد عليها: أنه إن أريد به تمليك المعدوم بما هو معدوم، فهو غير معقول؛
لأن المعدوم بما هو ليس بشيء حتى يعقل تمليكه، وإن أريد به: أن الحاصل من
الزرع وكذا الثمرة من الشجرة معدوم حين انشاء تمليك حصة منه للعامل، فيرد
عليه: أن الأمر وإن كان كذلك، إلا أن معناه ليس تمليك الحاصل والنتاج في حال
كونه معدوما، بل معناه: إنشاء ملكية مقدار منه للعامل من حين ظهوره وبروزه
269

في الخارج، ولا مانع من ذلك، أي: من إنشاء ملكية شيء مقيدة بقيد متأخر
زمانا، كما هو الحال في الوصية التمليكية، وفي الوقف على البطون اللاحقة، ومن
الواضح أن جعل ملكية شيء كذلك لا يكون لدى العرف والعقلاء من جعل
ملكية شيء معدوم، كي يكون على خلاف قانون المعاوضة، ودعوى: أن لازم
ذلك انفكاك المنشأ عن الإنشاء وهو مستحيل، مدفوعة: بأن المنشأ في عالم الجعل
والاعتبار عين الإنشاء، والاختلاف بينهما بالاعتبار، ولا يمكن انفكاكه عنه
كالإيجاد والوجود في عالم التكوين، فإن الوجود عين الإيجاد ولا اختلاف بينهما
إلا بالاعتبار، وأما المنشأ في عالم المجعول فلا مانع من تأخره عن الإنشاء زمانا؛
باعتبار أن وجوده في هذا العالم متوقف على وجود موضوعه في الخارج، وعلى
هذا فالملكية الإنشائية في المقام عين الإنشاء، ويستحيل انفكاكه عنه، والملكية
الفعلية متأخرة عنه وهي غير منشأة به، فالنتيجة على ضوء هذا الأساس أن
المرجع عند الشك في صحة عقد المزارعة أو المساقاة وفساده من جهة الشك في
اعتبار شيء فيه العمومات، ومقتضاها الصحة، كما هو الحال في البيع والإجارة
ونحوهما.
السابع: تعيين ما على المالك من الامور وما على العامل من الأعمال،
ويكفي الانصراف أو إذا كان هناك قرينة على التعيين.
الثامن: أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو بعده قبل البلوغ، إذا كان
محتاجا إلى السقي ونحوه، وأما إذا لم يحتج إلى ذلك، فصحتها بلحاظ القطف
والحفظ محل إشكال بل منع.
التاسع: أن تكون المعاملة على أصل ثابت، وأما إذا لم يكن ثابتا - كالبطيخ
والباذنجان ونحوهما - فالظاهر عدم وقوع المساقاة عليها، ولكن لا مانع من
270

كونها معاملة مستقلة إذا كانت مع تراضي الطرفين لوضوح أنها ليست من
المعاملات السفهائية عند العقلاء حتى لا تكون مشمولة للعمومات، وعليه فلا
تتوقف صحتها على دليل خاص، ولا تصح المساقاة على الأشجار غير المثمرة
كالصفصاف والغرب ونحوهما، تصح على الشجر الذي ينتفع بورقه كالحناء
ونحوه.
(مسألة 710): يصح عقد المساقاة في الأشجار المستغنية عن السقي بالمطر أو
بمص رطوبة الأرض إذا احتاجت إلى أعمال اخرى.
(مسألة 711): يجوز اشتراط شيء من الذهب أو الفضة للعامل أو المالك
زائدا على الحصة من الثمرة، وهل يجب الوفاء به إذا لم تسلم الثمرة أو لا؟ قولان،
بل أقوال، أظهرها الوجوب، بلا فرق بين أن يكون الشرط للمالك وأن يكون
للعامل، ولا بين صورة عدم ظهور الثمرة أصلا، وصورة تلفها بعد الظهور.
(مسألة 712): يجوز تعدد المالك واتحاد العامل، فيساقي الشريكان عاملا
واحدا، ويجوز العكس فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلا والنصف
الآخر لهما، ويجوز تعددهما معا.
(مسألة 713): خراج الأرض على المالك، وكذا بناء الجدران وعمل
الناضح ونحو ذلك مما لا يرجع إلى الثمرة، وإنما يرجع إلى غيرها من الأرض أو
الشجرة.
(مسألة 714): يملك العامل مع إطلاق العقد الحصة في المساقاة من حين
ظهور الثمرة، وإذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصة من حين تحقق العقد.
(مسألة 715): المشهور أن عقد المغارسة باطل، وهي أن يدفع شخص
271

أرضه إلى غيره ليغرس فيها، على أن تكون الأشجار المغروسة بينهما بالسوية أو
بالتفاضل، على حسب القرار الواقع بينهما، ولكنه لا يخلو عن إشكال، والأقرب
الصحة.
(مسألة 716): يبطل عقد المساقاة بجعل تمام الحاصل للمالك، حيث إنه ليس
بعقد مساقاة؛ لأن عمل العامل يكون حينئذ بلا عوض، وإذا انتفى عقد المساقاة
كان الحاصل بكامله للمالك، ولا يستحق العامل على المالك شيئا، أما مع علمه
بفساد العقد وعدم استحقاقه شيئا من الحاصل، فقد أقدم على التبرع مجانا، وما
مع جهله بالحال فلأنه وإن تخيل لزوم العمل عليه بملاك وجوب الوفاء بالعقد
وعدم قصده التبرع، إلا أن مجرد ذلك لا يكفي في الضمان واستحقاقه الأجرة على
عمله، فإن الموجب للضمان أحد أمرين:
الأول: وجود العقد الصحيح، وهو مفقود في المقام على الفرض.
الثاني: صدور العمل منه بأمر الغير لا بقصد التبرع، وهو أيضا مفقود؛
لأن أمر المالك بالعمل في مفروض المسألة يكون بالمجانية لا بالضمان، وأما إذا
جعل تمام الحاصل للعامل، فهل هو صحيح أو لا؟
والجواب: أنه وإن لم يكن صحيحا بعنوان عقد المساقاة، إلا أنه لا مانع
من الحكم بصحته، بعنوان أنه معاملة مستقلة بينهما؛ إذ للمالك أن يجعل تمام
الحاصل للعامل في مقابل عمله بسقاية الأصول والحفاظ عليها، فإنه أمر عقلائي
وليس بسفهي ومشمول للعمومات. نعم، إذا كان بطلان المساقاة من جهة أخرى
وجب على المالك أن يدفع للعامل اجرة مثل عمله حسب المعتاد والمتعارف.
(مسألة 717): عقد المساقاة لازم، لا يبطل ولا ينفسخ إلا بالتقايل
والتراضي أو الفسخ ممن له الخيار ولو من جهة تخلف بعض الشروط التي
272

جعلاها في ضمن العقد أو بعروض مانع موجب للبطلان.
(مسألة 718): إذا مات المالك قام وارثه مقامه ولا تنفسخ المساقاة، وإذا
مات العامل قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيدا، فإن لم يقم
الوارث بالعمل ولا استأجر من يقوم به، فهل للحاكم الشرعي أن يستأجر من
مال الميت من يقوم بالعمل، ويقسم الحاصل بين المالك والوارث أو لا؟
والجواب: أن المشهور وإن كان ذلك، ولكنه لا يخلو عن إشكال، والأظهر ثبوت
الخيار للمالك حينئذ، وأما إذا اخذت المباشرة في العمل قيدا انفسخت المعاملة.
(مسألة 719): مقتضى إطلاق عقد المساقاة كون الأعمال التي تتوقف تربية
الأشجار وسقيها عليها والآلات مشتركة بين المالك والعامل، بمعنى: أنهما عليهما
لا على خصوص واحد منهما: نعم، إذا كان هناك تعيين أو انصراف في كون شيء
على العامل أو المالك فهو المتبع، والضابط: أن كون عمل خاص أو آلة خاصة
على أحدهما دون الآخر تابع للجعل في ضمن العقد بتصريح منهما أو من جهة
الانصراف من الإطلاق، وإلا فهو عليهما معا.
(مسألة 720): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال،
فهل للمالك إجباره على العمل المزبور أو لا؟
والجواب: ليس له ذلك على الأظهر، وإنما له الخيار وحق الفسخ من جهة
تخلف الشرط. نعم، له حق الإجبار على العمل الذي يكون موردا للعقد لا
للشرط.
(مسألة 721): لا يعتبر في المساقاة أن يكون العامل مباشرا للعمل بنفسه إن
لم تشترط عليه المباشرة، فيجوز له أن يستأجر شخصا في بعض أعمالها أو في
تمامها وعليه الأجرة، كما أنه يجوز أن يشترط كون اجرة بعض الأعمال على
273

المالك.
(مسألة 722): إذا كان البستان مشتملا على أنواع من الأشجار، كالنخل
والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه، فلا يعتبر العلم بمقدار كل واحد من
هذه الأنواع تفصيلا في صحة المساقاة عليها، بل يكفي العلم الإجمالي بها على نحو
يرتفع معه الغرر.
(مسألة 723): لا فرق في صحة المساقاة بين أن تكون على المجموع بالنصف
أو الثلث أو نحوهما، وبين أن تكون على كل نوع منها بحصة مخالفة لحصة نوع
آخر، كأن تجعل في النخل النصف مثلا وفي الكرم الثلث وفي الرمان الربع وهكذا.
(مسألة 724): تصح المساقاة مرددا، مثلا بالنصف إن كان السقي بالناضح،
وبالثلث إن كان السقي بالسيح، ولا يضر هذا المقدار من الجهالة بصحتها.
(مسألة 725): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر في عقد المساقاة شيئا
من الذهب أو الفضة أو غيرهما، سواء أكان بنحو شرط الفعل أم كان بنحو شرط
النتيجة، وقد تسأل: أنه إذا تلف بعض الثمرة أو كلها، فهل ينقص عما اشترط
أحدهما على الآخر من ذهب أو فضة أو نحوهما بنسبة ما تلف من الثمرة على
الأول أو لا؟ وهل يسقط الشرط تماما على الثاني أو لا؟
والجواب: أن الشرط المذكور إن كان منوطا بسلامة الثمرة وعدم تلفها لا
كلا ولا بعضا سقط بتلفها ولو بعض منها، على أساس أن المعلق عليه الشرط، هو
سلامة الثمرة كلا وهي لم تبق سالمة كذلك، وإن كان منوطا بسلامة الثمرة بالنسبة،
فحينئذ إن تلف جميع الثمرة بآفة سماوية أو غيرها، سقط جميع الشرط أيضا، وإن
تلف بعضها سقط من الشرط بالنسبة، وإن كان منوطا بصحة العقد لم يسقط
الشرط أصلا وإن تلف جميع الثمرة. نعم، إذا بطل العقد حينئذ بطل الشرط أيضا،
274

باعتبار أنه معلق على العقد الصحيح.
(مسألة 726): إذا ظهر بطريق شرعي أن الأصول في عقد المساقاة مغصوبة
فعندئذ إن أجاز المالك المعاملة صحت المساقاة بينه وبين العامل وإلا بطلت،
وكان تمام الثمرة للمالك، وللعامل اجرة المثل يرجع بها إلى الغاصب.
(مسألة 727): إذا كان ظهور غصب الاصول بعد تقسيم الثمرة وتلفها،
فعندئذ للمالك أن يرجع إلى الغاصب فقط بتمام عوضها، وله أن يرجع إلى كل منهما
بمقدار حصته، وليس له أن يرجع إلى العامل بتمام العوض.
(مسألة 728): تجب الزكاة على كل من المالك والعامل إذا بلغت حصة كل
منها حد النصاب، فيما إذا كانت الشركة قبل زمان الوجوب، وإلا فالزكاة على
المالك فقط.
(مسألة 729): إذا اختلف المالك والعامل في اشتراط شيء على أحدهما
وعدمه، فالقول قول منكره.
(مسألة 730): لو اختلف المالك والعامل في صحة العقد وفساده، قدم قول
مدعي الصحة.
(مسألة 731): لو اختلف المالك والعامل في مقدار حصة العامل، فالقول
قول المالك المنكر للزيادة، وكذا الحال فيما إذا اختلفا في المدة.
وأما إذا اختلفا في مقدار الحاصل زيادة ونقيصة - بأن يطالب المالك
العامل بالزيادة - فالقول قول العامل، ولا تسمع دعوى المالك على العامل
الخيانة أو السرقة أو الإتلاف، أو كون التلف بتفريط منه ما لم تثبت شرعا بعد ما
كان المفروض أن العامل كان أمينا له.
275

كتاب الجعالة
الجعالة من الإيقاعات، لابد فيها من الإيجاب عاما مثل: من رد عبدي
الأبق أو بنى جداري فله كذا، أو خاصا مثل: إن خطت ثوبي فلك كذا.
ولا يحتاج إلى القبول، لأنها ليست معاملة بين طرفين حتى يحتاج إلى
قبول، بخلاف المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها، بل إنها في الحقيقة استحقاق
الجعل المحدد بملاك ضمان عمل الغير بأمره به لا على وجه التبرع، ومن هنا تكون
الجعالة بحسب الارتكاز العرفي منحلة إلى جزئين:
الجزء الأول: الأمر العام أو الخاص بالعمل الذي تكون له اجرة المثل في
نفسه، وقابل للضمان بالأمر به، والآخر تعيين الأجرة بإزاء ذلك العمل، والجزء
الأول من الجعالة هو ملاك الضمان، ويكون الضمان هناك من قبيل ضمان الغرامة لا
الضمان المعاوضي.
الجزء الثاني: يحدد قيمة العمل المضمون بضمان الغرامة، وهي اجرة المثل،
فإنها الأصل في الضمان، وتصح على كل عمل محلل مقصود عند العقلاء وله اجرة.
276

ويجوز أن يكون مجهولا، كما يجوز في العوض أن يكون مجهولا، إذا كان بنحو لا
يؤدي إلى التنازع، مثل: من رد عبدي فله نصفه أو هذه الصبرة أو هذا الثوب.
وإذا كان العوض مجهولا محضا، مثل: من رد عبدي فله شيء بطلت، وكان للعامل
اجرة المثل.
(مسألة 732): إذا تبرع العامل بالعمل فلا اجرة له، سواء أجعل لغيره أم لم
يجعل.
(مسألة 733): يجوز أن يكون الجعل من غير المالك، كما إذا قال: من خاط
ثوب زيد فله درهم، فإذا خاطه أحد لزم القائل الدرهم دون زيد.
(مسألة 734): يستحق الجعل بالتسليم إذا كان المجعول عليه التسليم، أما إذا
كان المجعول عليه غيره، كما إذا قال: من أوصل عبدي إلى البلد كان له درهم،
استحق العامل الدرهم بإيصاله إلى البلد وان لم يسلمه إلى أحد، وإذا قال: من
خاط هذا الثوب فله درهم، استحق الخياط الدرهم بمجرد الخياطة.
(مسألة 735): الجعالة جائزة، يجوز للجاعل الرجوع فيها قبل العمل، وفي
جواز الرجوع في أثنائه إشكال، فإن صح رجوعه فيها، فلا إشكال في أن للعامل
اجرة المقدار الذي عمله.
(مسألة 736): إذا جعل جعلين بأن قال: من خاط هذا الثوب فله درهم، ثم
قال: من خاط هذا الثوب فله دينار، كان العمل على الثاني، فإذا خاطه الخياط
لزم الجاعل الدينار لا الدرهم. ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا
الدينار، وإذا لم تكن قرينة على العدول من الأول إلى الثاني وجب الجعلان معا.
(مسألة 737): إذا جعل جعلا لفعل قابل لاشتراك جماعة في إيجاده، كبناية
277

بيت أو خياطة ثوب متعدد الجوانب أو أثواب، فإذا اشترك جماعة في إيجاده
فأوجدوه، كان الجعل المحدد يقسم للجميع بينهم على نسبة عمل كل واحد منهم
فيه، وإذا كان الفعل قابلا للتعدد وجودا وصدر من كل واحد منهم مستقلا، كان
لكل واحد منهم جعل مستقل، كما إذا قال الجاعل: كل من قرأ هذا الكتاب فله
كذا مبلغا، فإذا قرأه أفراد متعددة كل منهم مستقلا، كان لكل منهم جعل كذلك.
(مسألة 738): إذا جعل جعلا لمن رده من مسافة معينة فرده من بعضها،
كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع، وإذا جعل جعلا على
دلالة مكان الشارد مثلا فدله على مكانه استحق الجعل.
(مسألة 739): إذا تنازع العامل والمالك في الجعل وعدمه أو في تعيين
المجعول عليه أو القدر المجعول عليه أو في سعي العامل، كان القول قول المالك.
(مسألة 740): إذا تنازع العامل والمالك في تعيين الجعل ففيه إشكال،
والأظهر أنه مع التنازع في قدره يكون القول قول مدعي الأقل، ومع التنازع في
ذاته يكون القول قول الجاعل في نفي دعوى العامل، وتجب عليه التخلية بين ما
يدعيه للعامل وبينه.
(مسألة 741): التأمين على حياة الإنسان وأمواله وممتلكاته من المعاملات
المستحدثة وهو صحيح شرعا، على أساس أن التأمين إما أن يكون من
صغريات باب الضمان المعاوضي أو من صغريات الهبة المعوضة أو أنه معاملة
مستقلة، وتخريجه على الأول: أن الضمان المعاملي على نحوين:
أحدهما: نقل الدين من ذمة فرد إلى ذمة فرد آخر، والآخر التعهد بالشيء
وجعله في مسؤولية، ويؤدي هذا التعهد إلى اشتغال ذمته بقيمته على تقدير
التلف، وهذا النحو من الضمان يتصور في الديون والأعيان، فإذا تعلق التعهد
278

بالدين فلا يتطلب نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمة الضامن، بل يتطلب تعهد
الضامن بوفاء ذلك الدين، وعلى هذا فنقول: إن حقيقة عقد التأمين الضمان بالمعنى
الثاني؛ لأن شركة التأمين أو البنك تتعهد بدفع المبلغ المؤمن عليه في حالات
خاصة، كحدوث الوفاة أو المرض أو غيره من الحوادث أو ما يتلف من ممتلكات
الإنسان في مقابل الحصول على مقدار من المال يتفق الطرفان عليه، فإذا تعهدت
الشركة بذلك، وقبل الطرف الآخر المؤمن له بحسب الشروط والقرار الواقع
بينهما تحقق الضمان شرعا، فإذا كان التأمين على الحياة فالشركة متعهدة بدفع
المبلغ المؤمن عليه عند الوفاة، وإذا كان على الصحة فهي متعهدة لدفع المبلغ
المذكور عند تدهور حالته الصحية أو تمارس علاجه مباشرة، وإذا كان على المال
فهي متعهدة بدفع المبلغ عند التلف منه. والتأمين المعبر عنه في هذا العصر
بال‍ " سيكورته " صحيح بعنوان الضمان المعاوضي.
وتخريجه على الثاني: أن من أراد التأمين على نفسه أو ماله يصدر
خطابا إلى الشركة يتضمن الطلب منها بتحمل الخسارة لو حدث حادث بمالي أو
نفسي لقاء هبتي مبلغا معينا شهريا، فإذا وافقت الشركة على ذلك، وتسجل على
نفسها جميع ما اشترط في الخطاب عليها كانت تلك قبولا منها لهذه الهبة
المشروطة.
وتخريجه على الثالث: إذا توافق الطرفان، أي: الشركة وطالب التأمين
وتعاقدا بينهما، بموجب وثيقة تصدرها الشركة لهذا الغرض، وتذكر فيها جميع
الشروط المطلوبة، فتشمل المعاملة حينئذ على الإيجاب والقبول والرضا من
الطرفين، وفي نفس الوقت لا تكون المعاملة معاملة سفهية، على أساس أن
الشركة لا تقدم على المعاملة والمعاقدة مع طالب التأمين، ولا توقع على الوثيقة
279

إلا بعد حصول الاطمئنان بالنفع، وكذلك طالب التأمين، فتكون المعاملة حينئذ
معاملة عقلائية، وحيث أنه لا ينطبق عليها شيء من العناوين الخاصة
للمعاملات الشرعية، فهي معاملة مستقلة، وبما أنها نوع من التجارة عن
تراض فيحكم بصحتها.
280

كتاب السبق والرماية
(مسألة 742): لابد فيهما من إيجاب وقبول، وإنما يصحان في السهام،
والحراب والسيوف والإبل، والفيلة والخيل والبغال والحمير، ولا يبعد صحة
المسابقة في جميع الآلات المستعملة في الحرب، كالآلات المتداولة في زماننا
بغرض الحفاظ على حدود البلاد الإسلامية.
(مسألة 743): يجوز أن يكون العوض عينا ودينا، وأن يبذله أجنبي أو
أحدهما أو من بيت المال، ويجوز جعله للسابق وللمحلل وليس المحلل شرطا.
(مسألة 744): لابد في المسابقة من تعيين الجهات التي يكون الجهل بها
موجبا للنزاع، فلابد من تقدير المسافة والعوض وتعيين الدابة أو غيرها، ولابد
في الرماية من تقدير عدد الرمي وعدد الإصابة وصفتها من الخزق أو الخرق،
والأول ما ينفذ في الهدف والثاني ما يخرج منه، وقدر المسافة، والغرض ما
يقصد إصابته وهو الرقعة والهدف ما يجعل فيه الغرض، والعوض ونحو ذلك.
(مسألة 745): إذا قالا بعد أن أخرج كل منهما سبقا من نفسه وأدخلا
281

محلا: من سبق منا ومن المحلل فله العوضان، فمن سبق من الثلاثة فهما له، فإن
سبقا فلكل ماله، وإن سبق أحدهما والمحلل، فللسابق ماله ونصف الآخر والباقي
للمحلل.
(مسألة 746): المحلل هو الذي يدخل بين المتراهنين ولا يبذل معهما عوضا،
بل يجري دابته بينهما أو في أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد، على أنه إن سبق
بنفسه أو مع غيره أخذ العوض أو بعضه على حسب الشرط، وإن لم يسبق لم
يغرم شيئا.
(مسألة 747): إذا فسد العقد فلا اجرة للغالب ويضمن العوض إذا ظهر
مستحقا للغير مع عدم أجازته وعدم كون الباذل غارا، ويحصل السبق بتقدم
العنق أو الكتد، وهو العظم الناتئ بين الظهر وأصل العنق إذا لم تكن قرينة على
خلاف ذلك.
282

كتاب الشركة
(مسألة 748): الشركة قد تتحقق قهرا بين اثنين أو أزيد، كما إذا ورثوا
دارا أو بستانا أو أرضا أو غير ذلك، وقد تتحقق اختيارا بالعمل لا بالعقد،
كما إذا قام شخصان بإحياء أرض موات بالاشتراك أو حفر بئر أو عين كذلك
أو قلع شجر أو جمع حطب وغير ذلك، وقد تتحقق بالمزج، كما إذا مزج حنطة
بحنطة أو دقيق أحداهما بالاخرى أو دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو دهن
بدهن، سواء أكانا من جنس واحد أم من جنسين.
وقد تتحقق بالعقد، فإذا قال مالك العين كالدار أو نحوها مثلا: شاركتك
فيها، وقال الآخر: قبلت، حصلت الشركة بينهما في العين، وتترتب عليها
أحكامها، وإذا كانت لكل منهما عين، وقال أحدهما: شاركتك فيها، وقبل
الآخر أصبحت عينه مشتركة بينهما، وإذا قال الآخر: شاركتك وقبل الأول
صارت عينه مشتركة بينهما، فتكون الشركة في العينين، وهناك قسم آخر من
الشركة، وهو ما إذا اشترى أحد سلعة، وقال لآخر: انقد ثمنها على أن يكون
الربح بينهما، فإذا قبل الآخر وانقد ثمنها، حصلت الشركة بينهما في السلعة.
283

(مسألة 749): الشركة عقد جائز، فيجوز لكل من المتعاقدين فسخه، فإذا
فسخ أحدهما لم يجز للآخر التصرف في المال المشترك فيه، وينفسخ عقد الشركة
بعروض الموت أو الجنون أو الحجر بفلس أو سفه لأحد الشريكين، ويكره
مشاركة الذمي.
(مسألة 750): تصح الشركة العقدية في الأموال والأعيان الخارجية، وأما
في الديون والمنافع، فالمشهور عدم صحتها فيهما، ولكنه لا يخلو عن إشكال،
وأما في الأعمال بأن يتعاقدا على أن تكون اجرة عمل كل منهما مشتركة بينهما،
سواء كانا متفقين في العمل، كما إذا كان كلاهما خياطا مثلا أم مختلفين فيه، كما
إذا كان أحدهما خياطا والآخر نجارا أو بناء وهكذا، فهل تصح أو لا؟
والجواب أن الصحة لا تخلو عن إشكال، والأحوط ترك ذلك. نعم، لو صالح
كل منهما صاحبه، على أن يكون نصف منفعة نفسه بنصف منفعة صاحبه مدة
معينة، فقبل الآخر صح، وكان عمل كل منهما مشتركا بينهما بالصلح.
(مسألة 751): لو تصالح العاملان في ضمن عقد آخر لازم على أن يعطي كل
منهما نصف أجرته للآخر، صح ذلك ووجب العمل بالشرط.
(مسألة 752): هل تصح الشركة في الوجوه، بأن يتعاقدا على أن يشتري
كل منهما مالا بثمن في ذمته إلى أجل، ثم يبيعانه ويكون ربحه بينهما والخسران
عليهما؟ والجواب: أن صحتها محل إشكال والأحوط الترك.
(مسألة 753): لا تصح شركة المفاوضة على الأحوط، بأن يتعاقدا على أن
يكون ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو زراعة أو إرث أو غير ذلك بينهما،
وما يرد على كل منهما من غرامة تكون عليهما معا.
(مسألة 754): لو تعاقدا في شركة الوجوه أو شركة المفاوضة على ما ذكر،
284

فالأحوط أن يتصالحا في الربح والخسارة في ضمن عقد آخر لازم، على أنه إن
ربح أحدهما أعطى صاحبه نصف ربحه وإن خسر أحدهما تدارك صاحبه
نصف خسارته.
(مسألة 755): تقدم أن الشركة في المال تتحقق باستحقاق شخصين فما زاد
مالا واحدا عينا كان أو دينا بإرث أو وصية أو بفعلهما معا كما تتحقق بمزج أحد
المالين بالآخر، على نحو يرتفع الامتياز بينهما مع الاتحاد في الجنس، كمزج الحنطة
بالحنطة أو مع الاختلاف فيه.
(مسألة 756): يلحق كلا من الشريكين من الربح والخسران بنسبة ماله،
فإن تساويا في الحصة كان الربح والخسران بينهما بالسوية، وإن اختلفا فبالنسبة.
(مسألة 757): إذا اشترطا المساواة في الربح مع اختلاف الحصص أو
اشترطا الاختلاف مع تساوي الحصص، صح إذا كان للمشروط له عمل، وأما
إذا لم يكن له عمل بإزائه، فهل يصح هذا الشرط أو لا؟ والجواب: أنه إن اريد
بهذا الشرط أن الزائد من الربح ينتقل إليه ويدخل في ملكه ابتداء، فهو شرط
باطل على القاعدة، ولا يكون نافذا ولو بالصلح عليه؛ لأنه مخالف لقانون
المعاوضة، وإن اريد به أن الزائد من الربح يدخل في ملكه في طول دخوله في ملك
الآخر بنحو شرط النتيجة، فلا بأس به.
(مسألة 758): لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة من
دون إذن شريكه، وإذا أذن له في نوع من التصرف، لم يجز التعدي إلى نوع آخر.
نعم، إذا كان الاشتراك في أمر تابع مثل البئر والطريق غير النافذ والدهليز و
نحوها، مما كان الانتفاع به مبنيا عرفا على عدم الاستئذان، جاز التصرف وإن لم
يأذن الشريك.
285

(مسألة 759): إذا كان ترك التصرف موجبا لنقص العين، كما لو كانا
مشتركين في طعام، فإذا لم يأذن أحدهما في التصرف رجع الشريك إلى الحاكم
الشرعي ليأذن في أكله أو بيعه أو نحوهما؛ ليسلم من الضرر إن أمكن، وإلا
فيجوز له التصرف فيه بمقدار حصته.
(مسألة 760): إذا كانا شريكين في دار - مثلا - فتعاسرا، وامتنع أحدهما من
الإذن في جميع التصرفات، بحيث أدى ذلك إلى الضرر، رجع الشريك إلى الحاكم
الشرعي ليأذن في التصرف الأصلح حسب نظره إن أمكن، وإلا فيجوز له
التصرف في ماله المشترك.
(مسألة 761): إذا طلب أحد الشريكين القسمة، فإن لزم الضرر منها
لنقصان في العين أو القيمة بما لا يتسامح فيه عادة، لم تجب إجابته، وإلا وجبت
الإجابة ويجبر عليها لو أمتنع.
(مسألة 762): إذا طلب الشريك بيع ما يترتب على قسمته، نقص ليقسم
الثمن، فإنه تجب الإجابة ويجبر الشريك عليها لو أمتنع.
(مسألة 763): إذا اشترط أحد الشريكين في عقد لازم عدم القسمة إلى
أجل بعينه، لم تجب الإجابة حينئذ إلى أن ينتهي الأجل.
(مسألة 764): يكفي في تحقق القسمة تعديل السهام ثم القرعة، وفي الاكتفاء
بمجرد التراضي وجه، لكن الأحوط - استحبابا - خلافه.
(مسألة 765): تصح قسمة الوقف مع الملك الطلق، ولا تصح قسمة الوقف
في نفسه إذا كانت منافية لشرط الواقف، وإلا صحت.
(مسألة 766): الشريك المأذون أمين، لا يضمن ما في يده من المال المشترك
286

ألا بالتعدي أو التفريط، وإذا ادعى التلف قبل قوله مع يمينه، وكذلك يقبل قوله
مع يمينه إذا ادعى عليه التعدي أو التفريط فأنكر.
287

كتاب المضاربة
المضاربة هي أن يدفع الإنسان مالا إلى غيره ليتجر فيه، على أن يكون
الربح بينهما بالنصف أو الثلث أو نحو ذلك، ويعتبر فيها امور:
الأول: الإيجاب والقبول، ويكفي فيها كل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل أو
نحو ذلك، ولا يعتبر فيهما العربية ولا الماضوية.
الثاني: البلوغ والعقل والاختيار في كل من المالك والعامل. وأما عدم
الحجر من سفه أو فلس، فهو إنما يعتبر في المالك دون العامل. نعم، يعتبر في العامل
أن لا يكون عمله مملوكا لآخر بالإجارة أو نحوها.
الثالث: تعيين حصة كل منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك، إلا أن يكون
هناك تعارف خارجي ينصرف إليه الإطلاق.
الرابع: أن يكون الربح بينهما، فلو شرط مقدار منه لأجنبي، فهل هو
صحيح أو لا؟ والجواب: أن مرجع هذا الشرط إن كان إلى دخول هذا المقدار من
الربح في ملك الأجنبي ابتداء، فهو باطل جزما ومخالف لقانون المعاوضة، وإن
288

كان إلى دخوله في ملكه في طول دخوله في ملك المالك بنحو شرط النتيجة،
فالظاهر أنه لا بأس به. نعم، إذا اشترط على الأجنبي عمل فيها صح الشرط
المذكور وإن قلنا ببطلان شرط النتيجة.
الخامس: أن يكون العامل قادرا على التجارة فيما كان المقصود مباشرته
للعمل، فإذا كان عاجزا عنه لم تصح. هذا إذا اخذت المباشرة قيدا، وأما إذا كانت
شرطا لم تبطل المضاربة، ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلف الشرط. وأما إذا
كان العامل عاجزا عن التجارة حتى مع الاستعانة بالغير، بطلت المضاربة. ولا
فرق في البطلان بين تحقق العجز من الأول، وطروه بعد حين، فتنفسخ المضاربة
من حين طرو العجز.
(مسألة 767): الأقوى صحة المضاربة بغير الذهب والفضة المسكوكين
بسكة المعاملة من الأوراق النقدية ونحوها، وفي صحتها بالمنفعة إشكال
والأقرب الصحة، وكذلك الحال في الدين.
(مسألة 768): لا يعتبر في صحة المضاربة أن يكون المال بيد العامل، فلو
كان بيد المالك وتصدى العامل للمعاملة صحت.
(مسألة 769): مقتضى عقد المضاربة الشركة في الربح، ويكون لكل من
العامل والمالك ما جعل له من الحصة نصفا أو ثلثا أو نحو ذلك، وإذا وقع فاسدا،
كان للعامل اجرة المثل وللمالك تمام الربح.
(مسألة 770): يجب على العامل أن يقتصر على التصرف المأذون فيه، فلا
يجوز التعدي عنه، فلو أمره أن يبيعه بسعر معين أو بلد معين أو سوق معين أو
جنس معين، فلا يجوز له التعدي عن النوع المأذون فيه من التجارة، ولو تعدى
إلى غيره من أنواع التجارة، فإن أجاز المالك فهو المطلوب، وإن لم يجز، فعندئذ ان
289

خسر فيها فالخسارة عليه، كما انه لو تلف المال كله كان ضامنا؛ لأن التلف مستند
إلى تقصيره وتعديه عن حدود المأذون والمسموح له، فلا تكون يده يد أمين، وإن
ربح فيها كان الربح بينهما، وبكلمة: أن المالك إذا اشترط على العامل ما يرجع إلى
تقييد عمله واتجاره بالبيع والشراء، كان ذلك من تقييد الإذن، وأنه مجاز في
المقدار المأذون دون أكثر منه، ولازم ذلك بطلان تجارته في غير الحدود المأذون
فيها، وعدم استحقاقه شيئا لا من الربح ولا اجرة المثل، ولكن مقتضى الروايات
الصحة والربح بينهما وهو المتعين.
(مسألة 771): لا يعتبر في صحة المضاربة أن يكون المال معلوما قدرا
ووصفا، كما لا يعتبر ن يكون معينا، فلو أحضر المالك مالين وقال قارضتك
بأحدهما صحت وإن كان الأحوط أن يكون معلوما كذلك ومعينا.
(مسألة 772): لا خسران على العامل من دون تفريط، وإذا اشترط المالك
على العامل أن تكون الخسارة عليهما كالربح في ضمن العقد، فهل يصح هذا
الشرط أو لا؟ والجواب: أنه لا يبعد صحته في نفسه، ودعوى: أنه فاسد من جهة
أنه مخالف لما دل على عدم ضمان الأمين، فيكون من الشرط المخالف للكتاب
والسنة، مدفوعة: بأن عنوان الأمين انما ينتزع للعامل في باب المضاربة من
تسليط المالك على ماله مطلقا، والإذن له في التصرف فيه كذلك، وأما إذا كان
التسليط والإذن منه مقيدا بالضمان على تقدير التلف، فلا منشأ لانتزاع عنوان
الأمين له، فيكون شرط الضمان على هذا الأساس حاكما على دليل نفي الضمان
عن الأمين. هذا إضافة أن مفاد أدلة عدم ضمان العامل هو نفي الضمان عنه باليد.
يعني، أن يده ليست يد مضمنة، ومفاد هذا الشرط هو جعل الضمان عليه ابتداء
على تقدير التلف، لا أن يده يد مضمنة، فلا تنافي بين الأمرين، فالنتيجة أن
290

مقتضى القاعدة جواز جعل الضمان على عامل المضاربة، بمعنى: التعهد وجعل
المال في العهدة والمسؤولية، سواء كان ذلك بعقد مستقل أم كان بشرط في ضمن
عقد ما بنحو شرط النتيجة، وكذلك الحال في سائر الامناء كالأجير ونحوه، إلا أن
الالتزام بذلك في خصوص عامل المضاربة لا يخلو عن إشكال بل منع؛ للنص
الخاص في المسألة الظاهر في أن استحقاق المالك من الربح لا يجتمع مع ضمان
العامل الخسارة، فإذا ضمنها العامل فليس للمالك إلا رأس ماله، ومعنى ذلك
بطلان المضاربة، وقد تسأل: هل النص يشمل اشتراط التدارك بنحو شرط
الفعل لا شرط النتيجة أو لا؟
والجواب لا يبعد الشمول؛ لأنه وإن لم يكن تضمينا واقعا وبالمعنى الدقيق،
إلا أنه مشمول لإطلاق قوله (عليه السلام) في الحديث: " من ضمن تاجرا فليس له إلا
رأس ماله " إذ يصدق على من اشترط عليه التدارك أنه ضمنه.
(مسألة 773): إذا كان لشخص مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها،
فضاربه عليه صح ذلك.
(مسألة 774): إذا كان المال في يده غصبا أو لغيره مما تكون اليد فيه يد ضمان
فضاربه عليه، فهل يرتفع الضمان بذلك أو لا؟ قولان، الأقوى هو الأول، وذلك
لأن عقد المضاربة في نفسه وإن لم يقتض رضا المالك ببقاء المال في يده؛ لما عرفت
من أنه لا يعتبر في صحته كون المال بيد العامل، إلا أن عقد المضاربة من المالك
على ذلك المال قرينة عرفية على رضاه ببقاء هذا المال في يده وتصرفه فيه. نعم،
إذا لم تكن قرينة على ذلك لم يرتفع الضمان.
(مسألة 775): عقد المضاربة جائز من الطرفين، فيجوز لكل منهما فسخه،
سواء كان قبل الشروع في العمل أم بعده، كان قبل تحقق الربح أم بعده، كما أنه لا
291

فرق في ذلك بين كونه مطلقا أو مقيدا إلى أجل خاص.
(مسألة 776): لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو
غيره، إلا مع إذن المالك عموما أو خصوصا، وعليه فلو خلط من دون إذنه ضمن
ما تلف تحت يده من ذلك المال، ولكن هذا لا يضر بصحة المضاربة، بل هي باقية
على حالها والربح بينهما على النسبة.
(مسألة 777): يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة التصرف حسب ما
يراه مصلحة من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس. نعم، لا يجوز له أن يسافر
به من دون إذن المالك، إلا إذا كان هناك تعارف ينصرف الإطلاق إليه، وعليه فلو
خالف وسافر وتلف المال ضمن، وكذا الحال في كل تصرف وعمل خارج عن
عقد المضاربة.
(مسألة 778): مع إطلاق العقد يجوز البيع حالا ونسيئة، إذا كان البيع نسيئة
أمرا متعارفا في الخارج يشمله الإطلاق، وأما إذا لم يكن أمرا متعارفا، فلا يجوز
من دون الإذن الخاص.
(مسألة 779): لو خالف العامل المضارب وباع نسيئة من دون إذنه، فعندئذ
إن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو، وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء، فإن أجاز
صح البيع، وإلا بطل.
(مسألة 780): إطلاق العقد لا يقتضي بيع الجنس بالنقد، بل يجوز بيع
الجنس بجنس آخر أيضا. نعم، لو كان الجنس من الأجناس التي لا رغبة للناس
فيها أصلا، فعندئذ لا يجوز ذلك؛ لانصراف الإطلاق عنه.
(مسألة 781): يجب على العامل بعد عقد المضاربة العمل بما يعتاد بالنسبة
292

إليه، وعليه أن يتولى ما يتولاه التاجر لنفسه من الامور المتعارفة في التجارة
اللائقة بحاله، فيجوز له استئجار من يكون متعارفا استئجاره، كالدلال والحمال
والوزان والكيال والمحل وما شاكل ذلك. ومن هنا يظهر أنه لو استأجر فيما كان
المتعارف مباشرته فيه بنفسه، فالأجرة من ماله لا من الوسط، كما أنه لو تولى ما
يتعارف الاستئجار، جاز له أن يأخذ الأجرة ان لم يتصد له مجانا.
(مسألة 782): نفقة سفر العامل من المأكل والمشرب والملبس والمسكن
واجرة الركوب وغير ذلك مما يصدق عليه النفقة من رأس المال، إذا كان السفر
بإذن المالك، ولم يشترط نفقته عليه، وكذلك الحال بالإضافة إلى كل ما يصرف
من الأموال في طريق التجارة، فإنه يجب أن يكون ذلك بإذن المالك، أما
تصريحا من جهة أنه المعتاد والمتعارف في طريق التجارة. نعم، ما يصرفه مما لا
تتوقف عليه التجارة فعلى نفسه. والمراد من النفقة هي اللائقة بحاله، فلو أسرف
حسب عليه. نعم، لو قتر على نفسه أو حل ضيفا عند شخص لا يحسب له.
(مسألة 783): إذا كان شخص عاملا لاثنين أو أكثر أو عاملا لنفسه ولغيره،
توزعت النفقة على نسبة العملين على الأظهر، لا على نسبة المالين كما قيل.
(مسألة 784): لا يشترط في استحقاق العامل النفقة تحقق الربح، بل ينفق
من أصل المال. نعم، إذا حصل الربح بعد هذا تحسب منه، ويعطى المالك تمام رأس
ماله، ثم يقسم الربح بينهما.
(مسألة 785): إذا مرض العامل في السفر، فإن لم يمنعه من شغله، فله أخذ
النفقة. نعم، ليس له أخذ ما يحتاج إليه للبرء من المرض، وأما إذا منعه عن شغله
فليس له أخذ النفقة، إلا إذا كانت هناك قرينة على ذلك، أو اشترط عليه أن
تكون نفقة العلاج من المرض عليه في السفر كان أم في الحضر.
293

(مسألة 786): إذا فسخ العامل عقد المضاربة في أثناء السفر أو انفسخ،
فنفقة الرجوع عليه لا على المال المضارب به، وكذلك إذا انفسخ العقد بموت أو
غيره، وأما إذا كان الفسخ من قبل المالك، فهل نفقة رجوع العامل عليه أو على
المالك؟
والجواب: لا يبعد كون نفقة الرجوع عليه أيضا لا على المالك؛ إذ لا مبرر
لأخذ النفقة من المال المضارب به بعد فسخ العقد وحله، ولا التزام من المالك
بكون نفقاته في سفره عليه مطلقا حتى بعد حل العقد.
(مسألة 787): إذا اختلف المالك والعامل في أنها مضاربة فاسدة أو قرض،
ولم يكن هناك دليل معين لأحدهما، فقد يكون الاختلاف من جهة أن العامل
يدعي القرض ليكون الربح له، والمالك يدعي المضاربة؛ لئلا يكون عليه غير
اجرة المثل ويكون الربح له، ففي مثل ذلك يتوجه الحلف على المالك، باعتبار أن
قوله مطابق للأصل. بمعنى: أنه لا يكون مطالبا بالإثبات، وعلى العامل الإثبات،
على أساس أنه يدعي قرضا، يعني: انتقال المال من المالك إليه، فيكون مطالبا
بإثباته شرعا، وإلا فعلى المالك اليمين، وبعدها يحكم بكون الربح للمالك، وثبوت
اجرة المثل عليه للعامل. وقد يكون من جهة أن المالك يدعى القرض لدفع
الخسارة عن نفسه أو لعدم اشتغال ذمته للعامل بشيء، والعامل يدعي المضاربة
الفاسدة بكون الخسارة على المالك واشتغال ذمته له، فيكون المقام من التداعي،
على أساس أن كلا منهما يدعي شيئا، فيكون مطالبا بإثباته شرعا، وبعد
التحالف يكون الخسارة على المالك وعدم اشتغال ذمته للعامل. هذا إذا كان
الاختلاف بينهما في كونها مضاربة فاسدة أو قرضا، وأما إذا كان الاختلاف بينهما
في أنها مضاربة فاسدة أو بضاعة، بأن يدعي العامل المضاربة الفاسدة والمالك
294

البضاعة، فالظاهر في هذه الصورة أن يكون الربح تماما للمالك بعد حلف المالك،
ولا يكون للعامل اجرة المثل.
(مسألة 788): يجوز أن يكون المالك واحدا والعامل متعددا، سواء أكان
المال أيضا واحدا أم كان متعددا، وسواء أكان العمال متساوين في مقدار الجعل في
العمل أم كانوا متفاضلين، وكذا يجوز أن يكون المالك متعددا والعامل واحدا.
(مسألة 789): إذا كان المال مشتركا بين شخصين وقارض واحد واشترطا
له النصف وتفاضلا في النصف الآخر، بأن جعل لأحدهما أكثر من الآخر مع
تساويهما في رأس المال، أو تساويا فيه، بأن كانت حصة كل منهما مساوية لحصة
الآخر مع تفاضلهما في رأس المال، فهل هذا صحيح بعنوان المضاربة أو لا؟
والجواب: أن فيه تفصيلا، فإن مرجع هذا الجعل إن كان إلى دخول الزائد في ملك
من لا يستحقه بعنوان المضاربة ابتداء، فهو باطل على القاعدة كما مر، وإن كان إلى
دخوله في ملكه في طول دخوله في ملك المالك بنحو شرط النتيجة فلا يبعد
صحته.
(مسألة 790): تبطل المضاربة بموت كل من المالك والعامل، أما على الأول
فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته، فإبقاء المال بيد العامل يحتاج إلى
مضاربة جديدة. وأما على الثاني فلفرض الإذن به وانتفائه بموته.
(مسألة 791): لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله أو يستأجر شخصا
إلا بإذن المالك، كما لا يجوز أن يضارب غيره إلا بإذنه، فلو فعل ذلك من دون إذنه
وتلف ضمن. نعم، لا بأس بالاستئجار أو التوكيل في بعض المقدمات على ما هو
المتعارف في الخارج المنصرف إليه الإطلاق.
(مسألة 792): يجوز لكل من المالك والعامل أن يشترط على الآخر في
295

ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كخياطة ثوب أو نحوها، أو إيقاع بيع أو صلح
أو وكالة أو قرض أو نحو ذلك، ويجب الوفاء بهذا الشرط، سواء أتحقق الربح
بينهما أم لم يتحقق، وسواء أكان عدم تحقق الربح من جهة مانع خارجي أم من
جهة ترك العامل العمل بالتجارة.
(مسألة 793): مقتضى عقد المضاربة خارجا ملكية العامل لحصته من حين
ظهور الربح، ولا تتوقف على الإنضاض أو القسمة. نعم، لو عرض بعد ذلك
خسران أو تلف على الربح السابق، يجبر بالربح اللاحق الذي يحصل بعد ذلك
إلى أن تستقر ملكية العامل. وهل يكفي في الاستقرار قسمة تمام الربح والمال
بينهما فحسب من دون فسخ المضاربة خارجا، أو لا يكفي؟ وجهان، الظاهر هو
الأول لأنها فسخ فعلي لوضوح أن المالك إذا أخذ رأس ماله مع حصته من الربح،
وأخذ العامل حصته منه لم يبق بعد ذلك موضوع للمضاربة، وعليه فلا يكون
التلف بعد القسمة محسوبا من الربح بل هو على مالكه.
(مسألة 794): إذا ظهر الربح وتحقق في الخارج، فطلب أحدهما قسمته، فإن
رضي الآخر فلا مانع منها، وإن لم يرض، فإن كان هو المالك فليس للعامل
إجباره عليها، على أساس أن الربح وقاية لرأس المال، وملكية العامل له بالظهور
متزلزلة، فلو عرض عليه خسران أو تلف يجبر به، فان الربح - بمقتضى عقد
المضاربة - متعلق لحق المالك، فلا يجوز التصرف فيه من دون إذنه ما لم ينته أمده،
وإن كان هو العامل فالظاهر أن للمالك إجباره عليها.
(مسألة 795): إن اقتسما الربح ثم عرض الخسران، فإن حصل بعده ربح
جبر به إذا كان بمقداره أو أكثر، وأما إذا كان أقل منه وجب على العامل رد أقل
الأمرين من مقدار الخسران وما أخذه من الربح.
296

(مسألة 796): إذا باع العامل حصته من الربح أو وهبها أو نحو ذلك، ثم
طرأت الخسارة على مال المضاربة، وجب على العامل دفع أقل الأمرين من قيمة
ما باعه أو وهبه ومقدار الخسران، ولا يكشف الخسران اللاحق عن بطلان البيع
أو الهبة أو نحوهما، بل هو في حكم التلف.
(مسألة 797): لا فرق في جبر الخسارة بالربح بين الربح السابق واللاحق
ما دام عقد المضاربة باقيا، بل الأظهر الجبر وإن كانت الخسارة قبل الشروع في
التجارة، كما إذا سرق في أثناء سفر التجارة قبل الشروع فيها أو في البلد قبل
الشروع في السفر. هذا في تلف البعض، وأما لو تلف الجميع قبل الشروع في
التجارة، فالظاهر أنه موجب لبطلان المضاربة. هذا في التلف السماوي، وأما إذا
أتلفه العامل أو الأجنبي، فالمضاربة لا تبطل إذا أدى المتلف بدل التالف، وأما إذا
امتنع عن ذلك فللمالك إجباره ولو بالرجوع إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 798): إذا أخذ المالك مقدارا من رأس المال مع مقدار من الربح، ثم
حصل الخسران أو التلف، يجبر بالربح السابق عدا المقدار الشائع منه في الذي
أخذه المالك من رأس المال، على أساس أن المضاربة قد انفسخت بالنسبة إلى
ذلك المقدار المأخوذ منه، فينحصر رأس المال بالباقي، ويكون العامل حينئذ
مالكا لحصته من الربح في المقدار المذكور كالمالك، ومعه لا موضوع لجبران ما
يقع من الخسارة أو التلف على رأس المال الجديد به؛ لأن الفسخ بالنسبة إلى ذلك
المقدار موجب لاستقرار ملكه فيه، كما هو الحال في فسخ العقد في الجميع.
(مسألة 799): فسخ عقد المضاربة أو انفساخه تارة يكون قبل الشروع في
العمل واخرى بعده وقبل ظهور الربح، وعلى كلا التقديرين لا شيء للمالك ولا
عليه، وكذا العامل، من دون فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك.
297

(مسألة 800): لو كان الفسخ من العامل بعد السفر باذن المالك، وصرف
مقدار من رأس المال في نفقته، فهل هو على المالك أو لا؟ والجواب: الأقرب أنه
ليس عليه بل على العامل، بل لا يبعد كونه عليه وإن كان الفسخ من المالك، حيث
إنه لا موجب لضمانه ما صرفه العامل في السفر، فإن إذنه في التصرف فيه مشروط
بشرط متأخر، وهو تحقق التجارة الخارجية ولا يكون مطلقا، فإذا لم تتحقق فلا
إذن.
(مسألة 801): إذا كان الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح، فإن رضي
كل من المالك والعامل بالقسمة فلا كلام، وإن لم يرض أحدهما أجبر عليها.
(مسألة 802): إذا كانت في مال المضاربة ديون، فهل يجب على العامل
أخذهما بعد الفسخ أو الانفساخ أو لا؟ وجهان، والوجوب إن لم يكن أقوى فهو
أحوط.
(مسألة 803): لا يجب على العامل بعد الفسخ إلا التخلية بين المالك وبين
ماله، وأما الإيصال إليه فلا يجب، إلا إذا أرسله إلى بلد آخر، فعندئذ الأظهر
وجوب الرد إلى بلده.
(مسألة 804): إذا اختلف المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه
العامل، بأن ادعى المالك الزيادة وأنكرها العامل، قدم قول العامل مع يمينه إذا لم
تكن للمالك بينة عليها. ولا فرق في ذلك بين كون رأس المال موجودا أو تالفا مع
ضمان العامل.
(مسألة 805): إذا اختلفا في مقدار نصيب العامل، بأن يدعي المالك الأقل
والعامل يدعي الأكثر، فالقول قول المالك.
298

(مسألة 806): إذا ادعى المالك على العامل الخيانة والتفريط، فالقول قول
العامل.
(مسألة 807): لو ادعى المالك على العامل أنه شرط عليه، بأن لا يشتري
الجنس الفلاني أو لا يبيع من فلان أو نحو ذلك، والعامل ينكره، فالقول قول
المالك، فإن الشك يرجع إلى أن المالك هل أذن فيما يدعيه العامل أو لا، فالأصل
عدمه.
(مسألة 808): لو ادعى العامل التلف وأنكره المالك، قدم قول العامل، وكذا
الحال إذا ادعى الخسارة أو عدم الربح أو عدم حصول المطالبات، مع فرض كونه
مأذونا في المعاملات ذات النسيئة.
(مسألة 809): لا فرق في سماع قول العامل في هذه الفروض بين أن تكون
الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده، بل الأظهر سماع قوله حتى فيما إذا ادعى بعد
الفسخ التلف بعده.
(مسألة 810): إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة، فإن كان معلوما
بعينه فلا كلام، وإن علم بوجوده في التركة من غير تعيين فيأخذ المالك مقدار
ماله منها، ولا يكون المالك شريكا مع الورثة بالنسبة.
(مسألة 811): إذا كان رأس المال مشتركا بين شخصين فضاربا واحدا، ثم
فسخ أحد الشريكين دون الآخر، فالظاهر بقاء عقد المضاربة بالإضافة إلى
حصة الآخر.
(مسألة 812): إذا أخذ العامل مال المضاربة وأبقاه عنده ولم يتجر به إلى مدة
قليلة أو كثيرة، لم يستحق المالك عليه غير أصل المال وإن كان عاصيا في تعطيل
299

مال الغير.
(مسألة 813): إذا اشترط العامل على المالك في عقد المضاربة عدم كون
الربح جابرا للخسران المتقدم على الربح أو المتأخر عنه، فالظاهر الصحة.
300

كتاب الوديعة
وهي من العقود الجائزة، ومفادها الائتمان في الحفظ.
(مسألة 814): يجب على الودعي حفظ الوديعة بمجرى العادة، وإذا عين
المالك محرزا تعين، فلو خالف ضمن، إلا مع الخوف إذا لم ينص المالك على
الخوف، وإلا ضمن حتى مع الخوف.
(مسألة 815): يضمن الودعي الوديعة لو تصرف فيها تصرفا منافيا
للاستئمان وموجبا لصدق الخيانة، كما إذا خلطها بماله بحيث لا تتميز، أو أودعه
كيسا مختوما ففتح ختمه، أو أودعه طعاما فأكل بعضه، أو دراهم فاستقرض
بعضها.
(مسألة 816): إذا أودعه كيسين فتصرف في أحدهما ضمنه دون الآخر.
(مسألة 817): إذا كان التصرف لا يوجب صدق الخيانة، كما إذا كتب على
الكيس بيتا من الشعر أو نقش عليه نقشا أو نحو ذلك، فإنه لا يوجب ضمان
الوديعة وإن كان التصرف حراما؛ لكونه غير مأذون فيه.
301

(مسألة 818): يجب على الودعي علف الدابة وسقيها، ويرجع به على
المالك.
(مسألة 819): إذا فرط الودعي ضمن، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى المالك
أو الإبراء منه.
(مسألة 820): يجب على الودعي أن يحلف للظالم ويوري إن أمكن، ولو أقر
له ضمن.
(مسألة 821): يجب رد الوديعة إلى المودع أو وارثه بعد موته وإن كان
كافرا، إلا إذا كان المودع غاصبا، فلا يجوز ردها إليه، بل يجب ردها إلى مالكها،
فإن ردها إلى المودع ضمن. ولو جهل المالك عرف بها، فإن لم يعرفه تصدق بها
عنه، فإن وجد ولم يرض بذلك، فالأظهر عدم الضمان، ولو أجبره الغاصب على
أخذها منه لم يضمن.
(مسألة 822): إذا أودعه الكافر الحربي، فالأحوط أنه تحرم عليه الخيانة
ولا يصح له تملك المال ولا بيعه.
(مسألة 823): إذا اختلف المالك والودعي في التفريط أو قيمة العين، كان
القول قول الودعي مع يمينه، وكذلك إذا اختلفا في التلف إن لم يكن الودعي متهما.
(مسألة 824): إذا اختلف المالك والودعي في الرد، فلا يبعد أن يكون القول
قول الودعي مع يمينه، وكذلك إذا اختلفا في أنها دين أو وديعة مع التلف.
(مسألة 825): لا يصح إيداع الصبي والمجنون، فإن لم يكن مميزا لم يضمن
الوديعة حتى إذا اتلف، وكذلك المجنون.
(مسألة 826): إذا كان الودعي صبيا مميزا ضمن بالإتلاف، ولا يضمن
302

بمجرد القبض، ولاسيما إذا كان بإذن الولي، وفي ضمانه بالتفريط والإهمال إشكال،
والأظهر الضمان.
303

كتاب العارية
وهي التسليط على العين للانتفاع بها مجانا.
(مسألة 827): كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها،
وتجوز إعارة ما تملك منفعته وإن لم تملك عينه.
(مسألة 828): ينتفع المستعير على العادة الجارية، ولا يجوز له التعدي عن
ذلك، فإن تعدى ضمن، ولا يضمن مع عدمه، إلا أن يشترط عليه الضمان أو تكون
العين من الدينار والدرهم، بل مطلقا وإن لم يكونا مسكوكين، ولو اشترط عدم
الضمان فيهما صح.
(مسألة 829): إذا نقصت العين المستعارة بالاستعمال المأذون فيه لم تضمن،
وإذا استعار من الغاصب ضمن، فإن كان جاهلا رجع على المعير بما أخذ منه إذا
كان قد غره.
(مسألة 830): إذا أذن له في انتفاع خاص، لم يجز التعدي عنه إلى غيره وإن
كان معتادا.
304

(مسألة 831): تصح الإعارة للرهن، وللمالك المطالبة بالفك بعد المدة،
ولا يبطل الرهن بها.
(مسألة 832): إذا لم يفك للرهن جاز بيع العين في وفاء الدين، فإن كان
الرهن عارية ضمن المستعير العين بما بيعت به، إلا أن تباع بأقل من قيمة المثل،
وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير الفك إشكال، والظاهر عدم الضمان إلا مع
اشتراطه.
305

كتاب اللقطة
وهي المال الضائع الذي لا يد لأحد عليه المجهول مالكه.
(مسألة 833): الضائع إما إنسان أو حيوان أو غيرهما من الأموال.
الأول: يسمى لقيطا.
الثاني: يسمى ضالة.
الثالث: يسمى لقطة بالمعنى الأخص.
(مسألة 834): لقيط دار الإسلام محكوم بحريته، وكذا لقيط دار الكفر إذا
كان فيها مسلم أو ذمي يمكن تولده منه، ووارثه الإمام إذا لم يكن له وارث،
وكذلك الإمام عاقلته، وإذا بلغ رشيدا فأقر برقيته قبل منه.
(مسألة 835): قد تسأل: أن لقيط دار الكفر إذا لم يكن فيها مسلم أو ذمي
يمكن تولده منه، هل يجوز استرقاقه أو لا؟ والجواب: ان استرقاقه لا يخلو عن
إشكال، والأحوط تركه.
306

(مسألة 836): أخذ اللقيط واجب على الكفاية إذا توقف عليه حفظه، فإذا
أخذه كان أحق بتربيته وحضانته من غيره، إلا أن يوجد من له الولاية عليه
لنسب أو غيره، فيجب دفعه إليه حينئذ، ولا يجزي عليه حكم الإلتقاط.
(مسألة 837): ما كان في يد اللقيط من مال محكوم بأنه ملكه.
(مسألة 838): يشترط في ملتقط الصبي البلوغ والعقل والحرية، فلا
اعتبار بالتقاط الصبي والمجنون والعبد إلا بإذن مولاه، بل يشترط الإسلام فيه
إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه، فلو التقط الكافر صبيا في دار الإسلام لم يجر
على التقاطه أحكام الالتقاط ولا يكون أحق بحضانته.
(مسألة 839): إن وجد اللقيط متبرعا بنفقته انفق عليه، وإلا فإن كان له
مال أنفق عليه منه بعد الاستئذان من الحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه، وإلا
أنفق الملتقط من ماله عليه ورجع بها عليه إن لم يكن قد تبرع بها، وإلا لم يرجع.
لقطة الحيوان المسماة بالضالة
(مسألة 840): إذا وجد حيوان في غير العمران كالبراري والجبال والآجام
والفلوات ونحوها من المواضع الخالية من السكان، فإن كان الحيوان يحفظ نفسه
ويمتنع عن السباع لكبر جثته أو سرعة عدوه أو قوته كالبعير والفرس
والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه، سواء أكان في كلأ وماء أم لم يكن فيهما،
إذا كان صحيحا يقوي على السعي إليهما، فإن أخذه الواجد حينئذ كان آثما
وضامنا له، وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئا من
307

نمائه - كلبنه وصوفه - كان عليه مثله أو قيمته. وإذا ركبه أو حمله حملا كان عليه
أجرته، ولا يبرأ من ضمانه إلا بدفعه إلى مالكه. نعم، إذا يئس من الوصول إليه
ومعرفته، تصدق به عنه بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط.
(مسألة 841): إن كان الحيوان الضالة لا يقوى على الامتناع من السباع،
جاز أخذه كالشاة وأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير ونحوها، وقد تسأل: هل
يجب عليه التعريف أو أنه بأخذه إياه واستيلائه عليه يصبح مالكا لها ولا شيء
عليه بعد ذلك؟ والجواب: الأظهر هو الثاني، وهو مدلول الروايات التي تنص
على أن من أصاب الضالة بالفلاة فهي له أو لأخيه أو للذئب، وهذا يعني: أن
الواجد لو لم يأخذها لنفسه، فإما أن يأخذها غيره أو يأكلها الذئب، وقد تسأل:
أنه إذا أخذها وتصرف فيها بالأكل أو البيع أو غير ذلك، فهل يضمن قيمتها
لصاحبها أو لا؟
والجواب: أن الضمان وإن كان مشهورا، ولكن الأقرب عدمه، حتى إذا
جاء صاحبها وطلبها منه، فإنه لا يجب عليه دفع شيء له؛ لأن مقتضى الروايات
أنها لواجدها، من دون أي إشعار فيها أنها له على وجه الضمان مطلقا أو إذا
طالبه بها، ثم إن ما ذكرناه من عدم الضمان إنما هو فيما إذا كان أمر الضالة مرددا
بين ثلاثة احتمالات، إما أنها للواجد أو لغيره أو للذئب، وأما إذا كان هناك
احتمال رابع - هو انها للمالك - فلا يمكن الحكم بعدم الضمان.
(مسألة 842): إذا ترك الحيوان صاحبه في الطريق، فإن كان قد أعرض عنه،
جاز لكل أحد تملكه كالمباحات الأصلية ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه عن
جهد وكلل بحيث لا يقدر أن يبقى عنده ولا يقدر أن يأخذه معه، فإذا كان الموضع
الذي تركه فيه لا يقدر الحيوان على التعيش فيه، لأنه لا ماء ولا كلاء ولا يقوي
308

الحيوان فيه على السعي إليهما، جاز لكل أحد أخذه وتملكه، وأما إذا كان الحيوان
يقدر فيه على التعيش، لم يجز لأحد أخذه ولا تملكه، فمن أخذه كان ضامنا
له، وكذا إذا تركه عن جهد، وكان ناويا للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه.
(مسألة 843): إذا وجد الحيوان في العمران، وهو المواضع المسكونة التي
يكون الحيوان فيها مأمونا كالبلاد والقرى وما حولها مما يتعارف وصول الحيوان
منها إليه، لم يجز له أخذه ومن أخذه ضمنه، ويجب عليه التعريف إذا أمكن، ويبقى
في يده مضمونا إلى أن يؤديه إلى مالكه، فإن يئس منه تصدق به بإذن الحاكم
الشرعي على الأحوط. نعم، إذا كان غير مأمون من التلف عادة لبعض الطوارئ،
وكان واثقا بذلك، فهل يجري عليه حكم الحيوان الواجد في الصحراء أو لا؟
والجواب: أنه لا يجري، فإن وظيفته التعريف إن أمكن، فإن يئس وانقطع أمله
عن وجدان صاحبه تصدق به، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيره بين أجر الصدقة
وبين قيمة الحيوان، فإن اختار الأول فهو المطلوب، وإلا فعليه أن يدفع قيمته إليه
وله أجرها.
(مسألة 844): إذا دخلت الدجاجة أو السخلة في دار إنسان، لا يجوز له
أخذها، ويجوز إخراجها من الدار وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها، أما إذا
أخذها ففي جريان حكم اللقطة عليها إشكال بل منع، وعليه التعريف بها حتى
يحصل اليأس من معرفة مالكها، ثم إذا شاء يتصدق بها وبعد ذلك إذا جاء مالكها،
فإن رضى بالتصدق فهو، وإن طالبه بها، وجب أن يدفع إليه قيمتها وله أجر
الصدقة.
(مسألة 845): إذا احتاجت الضالة إلى نفقة، فإن وجد متبرع بها أنفق
عليها، وإلا أنفق عليها من ماله ورجع بها على المالك.
309

(مسألة 846): إذا كان للضالة نماء أو منفعة استوفاها الآخذ يكون ذلك بدل
ما أنفقه عليها، ولكن لابد أن يكون ذلك بحساب القيمة، وإذا زاد فالزائد للمالك.
(مسألة 847): اللقطة بالمعنى الأخص، وهي عبارة عن المال الضائع غير
الحيوان والإنسان وله مالك محترم بالفعل مجهول، ولها أحكام خاصة، منها: أن
على الملتقط أن يقوم بتعريفها سنة كاملة شريطة توفر امور:
الأول: أن لا يكون جازما بعدم فائدة للتعريف لليأس عن وجدان
صاحبها.
الثاني: أن تكون ذات علامة مميزة.
الثالث: أن لا يكون فيه تعريض النفس للخطر، فإذا توفرت هذه الامور
الثلاثة وجب عليه تعريفها طول السنة برجاء أن يجد صاحبها، ولا فرق في ذلك
بين أن تكون قيمتها أقل من الدرهم أو أكثر منه، ومنها: أن الملتقط إذا لم يجد
صاحبها بعد التعريف يكون مخيرا بين التصدق بها مع الضمان وبين جعلها في
عرض ماله، ويجري عليها ما يجري على ماله حتى يجيء لها طالب، وإلا فيوصي
بها في وصيته وبين تملكها، ومنها: أنها إذا لم تكن ذات علامة مميزة قابلة
للتعريف، فالمشهور على جواز تملكها، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع.
(مسألة 848): لو انكسرت سفينة في البحر، فما أخرجه من متاعها فهو
لصاحبها، وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه إذا كان صاحبه قد تركه.
(مسألة 849): المشهور أن اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها
بمجرد الأخذ، ولا يجب فيها التعريف ولا الفحص عن مالكها. ثم إذا جاء المالك
فإن كانت العين موجودة ردها إليه، وإن كانت تالفة لم يكن عليه البدل، ولكنه لا
310

يخلو عن إشكال، لما مر من أنه لا فرق في وجوب التعريف وغيره من الأحكام
بين أن تكون قيمة اللقطة أقل من الدرهم أو أكثر.
(مسألة 850): مر أنه يجب على الملتقط تعريف اللقطة والفحص عن مالكها
عند توفر شروط التعريف، فإن لم يعرفه، فإن كان قد التقطها في الحرم، فالأظهر
أن يتصدق بها عن مالكها وليس له تملكها، وإن التقطها في غير الحرم تخير بين
الامور الثلاثة المتقدمة: تملكها، والتصدق بها مع الضمان، وابقائها أمانة في يده بلا
ضمان إلى أن يجيء صاحبها.
(مسألة 851): يتخير الملتقط بين أن يتصدق بها عينا أو قيمة، والمدار في
القيمة على مكان الإلتقاط وزمانه دون غيره من الأمكنة والأزمنة، ومر أنه لا
فرق في ذلك بين أن تكون قيمته أقل من الدرهم أو أكثر.
(مسألة 852): المراد من الدرهم ما يساوي (6 / 12) حمصة من الفضة
المسكوكة، فإن عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفية وربع مثقال.
(مسألة 853): إذا كان المال الملتقط مما لا يمكن تعريفه، إما لأنه لا علامة فيه
كالمسكوكات المفردة والمصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه الأزمنة، أو لأن
مالكه قد سافر إلى البلاد البعيدة التي يتعذر الوصول إليها، أو لأن الملتقط يخاف
من الخطر والتهمة إن عرف به، أو نحو ذلك من الموانع سقط التعريف، والأظهر
التصدق به عنه، وجواز التملك لا يخلو من إشكال بل منع.
(مسألة 854): تجب المبادرة إلى التعريف من حين الإلتقاط إلى تمام السنة
على وجه التوالي العرفي، بحيث لا يصدق أنه تسامح فيه وتماهل، فإن لم يبادر إليه
كان عاصيا، ولكن لا يسقط وجوب التعريف عنه، بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك
إلى أن ييأس عن المالك. وكذا الحكم لو بادر إليه من حين الالتقاط، ولكن تركه
311

بعد ستة أشهر مثلا حتى تمت السنة، فحينئذ إن انقطع أمله عن معرفة المالك فهو،
وإلا فعليه أن يواصل في الفحص والتعريف، فإذا تم التعريف تخير بين التصدق
والإبقاء للمالك والتملك.
(مسألة 855): إذا كان الملتقط قد ترك المبادرة إلى التعريف من حين
الإلتقاط لعذر، أو ترك الاستمرار عليه كذلك إلى انتهاء السنة، فالحكم كما تقدم.
نعم، مع اليأس عن المالك تخير بين الامور الثلاثة.
(مسألة 856): لا تجب مباشرة الملتقط للتعريف، فتجوز له الاستنابة فيه بلا
اجرة أو بأجرة، والأقوى كون الأجرة عليه لا على المالك وإن كان الالتقاط بنية
إبقائها في يده للمالك.
(مسألة 857): إذا عرفها سنة كاملة، فقد عرفت أنه يتخير بين التصدق
وغيره من الامور المتقدمة، ولا يشترط في التخيير بينهما اليأس القطعي من
معرفة المالك.
(مسألة 858): إذا كان الملتقط يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في التعريف
على السنة، فالأظهر لزوم التعريف حينئذ، وعدم جواز التملك أو التصدق.
(مسألة 859): إذا كانت اللقطة مما لا تبقى كالخضر والفواكه واللحم ونحوها،
جاز أن يقومها الملتقط على نفسه ويتصرف فيها بما شاء من أكل ونحوه ويبقى
الثمن في ذمته للمالك، والأحوط أن يكون بإذن الحاكم الشرعي أن أمكن، كما
يجوز له أيضا بيعها على غيره ويحفظ ثمنها للمالك، والأحوط أن يكون بيعها على
غيره أيضا بإذن الحاكم الشرعي، ولا يسقط التعريف عنه على الأحوط، بل
يحفظ صفاتها ويعرف بها سنة، فإن وجد صاحبها دفع إليه الثمن الذي باعها به أو
القيمة التي في ذمته، وإلا لم يبعد جريان التخيير المتقدم على ثمنه.
312

(مسألة 860): إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر، وجب عليه
التعريف بها سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه، وإن لم يجده ووجد الملتقط الأول
جاز دفعها إليه إذا كان واثقا بأنه يعمل بوظيفته، وعليه إكمال التعريف سنة ولو
بضميمة تعريف الملتقط الثاني، فإن لم يجد أحدهما حتى تمت السنة، جرى التخيير
المتقدم من التملك أو التصدق أو الإبقاء للمالك.
(مسألة 861): قد عرفت أنه يعتبر تتابع التعريف طوال السنة، فقال
بعضهم: يتحقق التتابع بأن لا ينسى اتصال الثاني بما سبقه، ويظهر أنه تكرار
لما سبق، ونسب إلى المشهور أنه يعتبر فيه أن يكون في الأسبوع الأول كل يوم
مرة، وفي بقية الشهر الأول كل اسبوع مرة، وفي بقية الشهور كل شهر مرة.
وكلا القولين مشكل، واللازم الرجوع إلى العرف فيه وصدق أنه عرفها سنة
كامله. ولا يبعد صدقه إذا كان في كل ثلاثة أيام، هذا إذا كان التعريف
بالإعلان، وأما إذا كان بإلصاق المنشور على الجدار أو نحوه في مظان وجود
المالك فيه، فلا حاجة إلى التكرار؛ لأن المنشور ما دام موجودا وملتصقا به فهو
تعريف.
(مسألة 862): يجب أن يكون التعريف في موضع الإلتقاط، حيث يحتمل
عود المالك إليه وتواجده فيه، ولا يجزئ في غيره.
(مسألة 863): إذا كان الإلتقاط في طريق عام أو في السوق أو ميدان البلد
ونحو ذلك، وجب أن يكون التعريف في مجامع الناس كالأسواق ومحل إقامة
الجماعات والمجالس العامة ونحو ذلك، مما يكون مظنة وجود المالك فيه.
(مسألة 864): إذا كان الالتقاط في القفار والبراري، فإن كان فيها نزال
عرفهم، وإن كانت خالية فالأحوط التعريف في المواضع القريبة التي هي مظنة
313

وجود المالك فيها.
(مسألة 865): إذا التقط في موضع الغربة، جاز له السفر واستنابة شخص
أمين في التعريف، ولا يجوز السفر بها إلى بلده.
(مسألة 866): إذا التقطها في منزل السفر، جاز له السفر بها والتعريف بها في
بلد المسافرين.
(مسألة 867): إذا التقط في بلده، جاز له السفر واستنابة أمين في التعريف.
(مسألة 868): اللازم في عبارة التعريف مراعاة ما هو أقرب إلى تنبيه
السامع لتفقد المال الضائع وذكر صفاته، فلا يكفي أن يقول: من ضاع له شيء أو
مال، بل لابد أن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة أو إناء أو ثوب، أو نحو ذلك مع
الاحتفاظ ببقاء إبهام للقطة، فلا يذكر جميع صفاتها. وبالجملة يتحرى ما هو
أقرب إلى الوصول إلى المالك، فلا يجدي المبهم المحض ولا التعين المحض، بل أمر
بين الأمرين.
(مسألة 869): إذا وجد مقدارا من الدراهم أو الدنانير، وأمكن معرفة
صاحبها بسبب بعض الخصوصيات التي هي فيها مثل العدد الخاص والزمان
الخاص والمكان الخاص وجب التعريف، ولا تكون حينئذ مما لا علامة له الذي
تقدم سقوط التعريف فيه.
(مسألة 870): إذا التقط الصبي أو المجنون اللقطة، فلوليهما أو غيره التعريف
بها سنة، وبعد التعريف - سواء أكان من الولي أم من غيره - يجري التخيير
المتقدم.
(مسألة 871): إذا تملك الملتقط اللقطة بعد التعريف، ثم عرف صاحبها، فإن
314

كانت العين موجودة أخذها، وليس به إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو
القيمة، كما أنه ليس للملتقط إلزام المالك بأخذ البدل عوضا عن العين، وإن كانت
تالفه أخذ مثلها أو قيمتها.
(مسألة 872): إذا تصدق الملتقط بها ثم عرف صاحبها، وحينئذ فإن رضى
بالتصدق كان له أجره، وأن لم يرض به وطالب بها فعلى الملتقط أن يغرم له المثل
إن كانت مثلية، والقيمة إن كانت قيمية، وله أجر التصدق، وليس للمالك الرجوع
بالعين على المتصدق عليه إن كانت موجودة، ولا بالمثل أو القيمة إن كانت
مفقودة.
(مسألة 873): اللقطة أمانة في يد الملتقط لا يضمنها إلا بالتعدي عليه أو
التفريط بها، ولا فرق بين مدة التعريف وما بعدها. نعم، إذا تملكها أو تصدق بها
بعد التعريف ضمنها إذا جاء صاحبها ولم يرض على ما مر.
(مسألة 874): المشهور أن الملتقط إذا دفع اللقطة إلى الحاكم الشرعي سقط
عنه وجوب التعريف، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، فإن الحاكم الشرعي إن
قبلها فعليه التعريف، وإلا فعلى الملتقط، هذا إضافة إلى أنه لا يجوز له أن يقبلها
بعنوان الولاية؛ إذ لا ولاية له عليه قبل التعريف.
(مسألة 875): إذا شهدت البينة بأن مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه
وسقط التعريف، سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده قبل التملك.
نعم، إذا كان بعد التملك فقد مر أن الأقرب عدم وجوب دفعها إليه وإن كان
أحوط.
(مسألة 876): إذا تلفت العين قبل التعريف، فان كانت غير مضمونة - بأن لم
يكن تعد أو تفريط - سقط التعريف، وإذا كانت مضمونة لم يسقط، وكذا إذا كان
315

التلف في أثناء التعريف، ففي الصورة الاولى يسقط التعريف، وفي الصورة الثانية
يجب إكماله، فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.
(مسألة 877): إذا ادعى اللقطة مدع وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وكذا إذا
وصفها بصفاتها الموجودة فيها مع حصول الاطمئنان بصدقه، ولا يكفي مجرد
التوصيف، بل لا يكفي حصول الظن أيضا.
(مسألة 878): إذا عرف المالك وقد حصل للقطة نماء متصل دفع إليه العين
والنماء، سواء حصل النماء قبل التصدق أم بعده.
(مسألة 879): إذا حصل للقطة نماء منفصل، فإن حصل قبل التملك كان
للمالك، وإن حصل بعده كان للملتقط على الأظهر.
(مسألة 880): إذا لم يعرف المالك وقد حصل للقطة نماء، فإن كان متصلا
ملكه الملتقط تبعا لتملك اللقطة، وأما إذا كان منفصلا، ففي جواز تملكه إشكال،
والأظهر التصدق به.
(مسألة 881): لو عرف المالك ولكن لم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى
وكيله، فإن أمكن الاستيذان منه في التصرف فيها ولو بمثل الصدقة عنه أو دفعها
إلى أقاربه أو نحو ذلك تعين، وإلا تعين التصدق بها عنه.
(مسألة 882): إذا مات الملتقط، فإن كان بعد التعريف والتملك انتقلت إلى
وارثه كسائر أملاكه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملك، فهل يقوم الوارث مقامه
في التخيير بين الأمور الثلاثة أو لا؟
والجواب: لا يبعد ذلك. وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه، فهل يقوم
الوارث مقامه فيه أو في إتمامه؟ والجواب: أنه غير بعيد. وعليه فإذا تم التعريف،
316

تخير الوارث بين الامور الثلاثة، وإن كان الأحوط والأجدر به في هذا الفرض أن
يتصدق به عنه إذا حصل له اليأس عن الوصول إلى مالكه.
(مسألة 883): إذا وجد مالا في صندوقه ولم يعلم أنه له أو لغيره، فإن كان
لا يدخل أحد يده في صندوقه فهو له، وإن كان يدخل أحد يده في صندوقه عرفه
إياه إن أمكن، فإن عرفه دفعه إليه، وإن أنكره فهو له، وإن جهله لم يبعد الرجوع
إلى القرعة، كما في سائر موارد تردد المال بين مالكين. هذا إذا كان الغير محصورا،
أما إذا لم يكن، فلا يبعد أن تكون الوظيفة الرجوع إلى القرعة من الأول دون
التعريف، وحينئذ فإن خرجت القرعة باسم غيره، فحص عنه وعرف وبعد
اليأس منه تصدق به عنه.
(مسألة 884): إذا وجد مالا في داره ولم يعلم أنه له أو لغيره، فإن لم يدخلها
أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها،
جرى عليه حكم اللقطة.
(مسألة 885): إذا تبدلت عباءة إنسان بعباءة غيره أو حذاؤه بحذاء غيره،
فإن علم أن الذي بدله قد تعمد ذلك جاز له أخذ البدل من باب المقاصة، فإن
كانت قيمته أكثر من مال الآخر تصدق بالزائد إن لم يمكن إيصاله إلى المالك، وإن
لم يعلم أنه قد تعمد ذلك، فإن علم رضاه بالتصرف جاز له التصرف فيه، وإلا
جرى عليه حكم مجهول المالك، فيفحص عن المالك، فإن يئس منه، ففي جواز
أخذه وفاء عما أخذه إشكال بل منع، والأظهر التصدق به وإن كان الأحوط
الاولى أخذه وفاء، ثم التصدق به عن صاحبه.
317

كتاب الغصب
وهو حرام عقلا وشرعا، ويتحقق بالاستيلاء على مال الغير ظلما
وجعله تحت يده وتصرفه، بلا فرق فيه بين المنقول وغيره كالعقارات، ولابين
الأعيان والمنافع، وعلى هذا فإذا كان مستوليا على تمام المال بالاستقلال
عدوانا ضمن التمام، وإذا كان على بعضه ضمن ذلك البعض، كما لو سكن الدار
قهرا مع المالك ضمن النصف لو كانت بينهما بنسبة واحدة، ولو اختلفت فبتلك
النسبة، ويضمن المنفعة إذا كانت مستوفاة، وكذا إذا فاتت تحت يده، ولو غصب
الحامل ضمن الحمل.
(مسألة 886): لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة فشردت، أو من
القعود على بساطه فسرق، أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يضمن من
جهة الغصب؛ لعدم كون المال تحت يده، فلو هلكت الدابة أو تلف البساط أو
انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان اليد، وأما
ضمانه من جهة الاتلاف، فإن كان إتلافها مستندا إليه ضمن وإلا فلا.
(مسألة 887): لو غصب من الغاصب تخير المالك في الاستيفاء ممن شاء،
318

فإن رجع على الأول رجع الأول على الثاني، وإن رجع على الثاني لم يرجع على
الأول، على أساس استقرار الضمان عليه.
(مسألة 888): إذا استولى على حر وحبسه فتلف عنده، فلا ضمان على
المستولي لا عينه ولا منفعته وإن كان الحر صغيرا، إلا أن يكون تلفه مستندا إليه.
(مسألة 889): إذا منع حرا عن عمله لم يضمن، إلا إذا كان أجيرا خاصا
لغيره فيضمن لمن استأجره، ولو كان أجيرا له لزمته الأجرة، ولو استعمل الحر
فعليه اجرة عمله.
(مسألة 890): لو أزال القيد عن العبد المجنون أو الفرس ضمن جنايتهما،
وكذا الحكم في كل حيوان جنى على غيره من إنسان أو حيوان أو غيرهما، فإن
صاحبه يضمن جنايته إذا كان بتفريط منه، إما بترك رباطه أو بحله من الرباط إذا
كان الحيوان من شأنه أن يربط وقت الجناية للتحفظ منه.
(مسألة 891): لو انهار جدار الجار فوقع على إنسان أو حيوان أو غيرهما،
فصاحب الدار ضامن إذا كان عالما بالانهيار فلم يصلحه أو يهدمه وتركه حتى
انهدم فأصاب عينا فأتلفها. وكذا لو كان الجدار في الطريق العام، فإن صاحب
الجدار ضامن للتلف الحاصل من انهدامه إذا لم يبادر إلى قلعه أو إصلاحه، وضمان
صاحب الجدار في الفرضين مشروط بجهل التالف بالحال إن كان إنسانا، وبجهل
مالكه إن كان من الأموال، فلو وقف شخص تحت الجدار المنهار أو ربط حيوانه
هناك مع علمه بالحال فانهدم الجدار، فتلف الإنسان أو الحيوان لم يكن على
صاحب الجدار ضمان.
(مسألة 892): ضمان الإنسان يتعلق بذمته في ماله لا على عاقلته.
319

(مسألة 893): لو فتح بابا فسرق غيره المتاع ضمن السارق.
(مسألة 894): لو أجج نارا من شأنها السراية إلى مال الغير فسرت إليه
ضمنه، وإذا لم يكن من شأنها السراية، فاتفقت السراية بتوسط الريح أو غيره
لم يضمن.
(مسألة 895): يضمن المسلم للذمي الخمر والخنزير بقيمتهما عندهم مع
الاستتار، وهل يثبت للمسلم حق اختصاص بهما إذا استولى عليهما لغرض
صحيح أو لا؟
والجواب: أن ثبوته لا يخلو عن إشكال، وعلى هذا فلو أتلفهما ففي ثبوت
الضمان عليه تأمل، ولا يبعد عدمه.
(مسألة 896): يجب رد المغصوب، فإن تعيب ضمن الأرش، فإن تعذر الرد
ضمن مثله، ولو لم يكن مثليا ضمنه بقيمته يوم الغصب، والأحوط - استحبابا -
التصالح لو اختلفت القيمة من يوم غصبه إلى يوم أدائه.
(مسألة 897): لو أعوز المثل في المثلي ضمن قيمة يوم الأداء.
(مسألة 898): لو زادت القيمة للسوق فنقصت لم يضمنها، ولو زادت الصفة
ثم نقصت ضمنها، فعليه رد العين وقيمة تلك الزيادة، كما لو غصبت دابة
مهزولة ثم سمنت الدابة، أو عبدا جاهلا ثم تعلم صنعة فزادت قيمتها بذلك، ثم
هزلت الدابة أو نسي العبد الصنعة، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت
تحت يده ثم زالت. نعم، لو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها.
(مسألة 899): لو زادت القيمة لنقص بعضه مما له مقدر كالجب فعليه دية
الجناية، ولو زادت العين زيادة حكمية أو عينية كانت الزيادة للمالك وإن كانت
320

مستندة إلى فعل الغاصب. نعم، إذا كانت الزيادة ملك الغاصب، كما إذا غرس في
الأرض المغصوبة شجرا رجع الغاصب بها وعليه أرش نقصان الأرض لو
نقصت، وليس للغاصب الرجوع بأرش نقصان عينه إلى المالك.
(مسألة 900): لو غصب عبدا وجنى عليه بما فيه قيمته، كأن قطع لسانه
أو أنفه أو يديه أو رجليه، فهل عليه دفع العبد مع قيمته إلى مولاه أو لا؟
والجواب: الأظهر أن عليه دفع القيمة فحسب وأخذه العبد بديلا عن
قيمته، وليس لمولاه إلا المطالبة بالقيمة.
(مسألة 901): لو امتزج المغصوب بجنسه، فإن كان بما يساويه، شارك
المالك بقدر كميته وإن كان بأجود منه أو بالأدون، فله أن يشارك بقدر ماليته،
وله أن يطالب الغاصب ببدل ماله، وكذا لو كان المزج بغير جنس المغصوب، فإن
لم يؤد ذلك إلى التلف أو نقص القيمة، فله أن يشارك الغاصب بقدر ماليته وإلا
يطالبه ببدل ماله.
(مسألة 902): لو اشترى شيئا جاهلا بالغصب، رجع بالثمن على الغاصب،
وبما غرم للمالك عوضا عما لا نفع له في مقابله أو كان له فيه نفع، ولو كان عالما فلا
رجوع بشيء مما غرم للمالك.
(مسألة 903): لو غصب أرضا فزرع فيها زرعا كان الزرع له وعليه
الأجرة للمالك، والقول قول الغاصب في مقدار القيمة مع اليمين وتعذر البينة.
(مسألة 904): يجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو قهرا،
وإذا انحصر استنقاذ الحق بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك، ولا يجوز له مطالبة
الغاصب بما صرفه في سبيل أخذ الحق.
321

(مسألة 905): إذا كان له دين على آخر وامتنع من أدائه، وصرف مالا في
سبيل تحصيله، لا يجوز له أن يأخذه من المدين، إلا إذا اشترط عليه ذلك في ضمن
معاملة لازمة.
(مسألة 906): إذا وقع في يده مال الغاصب جاز أخذه مقاصة، ولا يتوقف
على إذن الحاكم الشرعي، كما لا يتوقف ذلك على تعذر الاستيفاء بواسطة الحاكم
الشرعي.
(مسألة 907): لا فرق في مال الغاصب المأخوذ مقاصة بين أن يكون من
جنس المغصوب وغيره، كما لا فرق بين أن يكون وديعة عنده وغيره.
(مسألة 908): إذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من ماله، أخذ منه حصة
تساوي ماله، وكان بها استيفاء حقه، ولا يبعد جواز بيعها أجمع واستيفاء دينه من
الثمن، والأحوط أن يكون ذلك بإجازة الحاكم الشرعي، ويرد الباقي من الثمن إلى
الغاصب.
(مسألة 909): لو كان المغصوب منه قد استحلف الغاصب، فحلف على
عدم الغصب لم تجز المقاصة منه.
322

كتاب إحياء الموات
المراد بالموات: الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها إما لعدم المقتضي
لإحيائها وإما لوجود المانع عنه، كانقطاع الماء عنها أو استيلاء المياه أو الرمال
أو الأحجار أو السبخ عليها أو نحو ذلك.
(مسألة 910): الموات على نوعين:
1 - الموات بالأصل، وهو ما لم تعرض عليه حياة أصلا، لا بشريا
ولا طبيعيا، كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح الجبال ونحو ذلك.
2 - الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة
والعمران، كالأرض التي باد أهلها.
(مسألة 911): يجوز لكل أحد إحياء الأرض الموات بالأصل، وهل
عملية الإحياء توجب علاقة المحيي بالأرض على مستوى الملك أو على
مستوى الحق؟
والجواب: الأظهر أنها توجب على مستوى الحق دون الملك، على
323

أساس أن رقبة الأرض ملك للإمام (عليه السلام) وظلت في ملكه، وقد تسأل: هل
يعتبر في الإحياء إذن الإمام (عليه السلام) أو لا؟
والجواب: الأقرب أنه معتبر، ثم إن هذا الإذن قد ثبت على نحو الإطلاق
لكل من شملته أخبار التحليل، فإذا قام بعملية الإحياء، فلا يحتاج إلى إذن
خاص من الإمام (عليه السلام) أو نائبه.
(مسألة 912): الموات بالعارض على أقسام:
الأول: ما لا يكون له مالك، وذلك كالأراضي الدارسة المتروكة والقرى
أو البلاد الخربة والقنوات الطامسة التي كانت للامم الماضية، التي لم يبق منها
أحد، بل ولا اسم ولا رسم، أو أنها تنسب إلى طائفة لم يعرف عنهم سوى
الاسم.
الثاني: ما يكون له مالك مجهول لم يعرف شخصه.
الثالث: ما يكون له مالك معلوم.
أما القسم الأول: فحاله حال الموات بالأصل، ولا يجري عليه حكم
مجهول المالك.
وأما القسم الثاني من الأراضي الخربة: فهل يجوز القيام بعملية احيائها
أو يعامل معها معاملة الأرض المجهول مالكها؟ والجواب: أنه على القول بأن
عملية الإحياء تمنح علاقة المحيي بالأرض على مستوى الحق دون الملك، يجوز
القيام بإحيائها، على أساس سقوط حق المحيي عنها باندراسها وخرابها
بسقوط موضوعه، ولا يبقى له بعد ذلك أي حق فيها، وأما على القول بأنها
تمنح علاقة المحيي بها على مستوى الملك، فلا تخرج الأرض عن ملكه
324

باندراسها وخرابها، وعلى ضوء هذا القول يعامل مع تلك الأراضي معاملة
المجهول مالكها، فيجب الفحص عنه، وبعد اليأس وانقطاع الأمل عن الظفر به
يرجع إلى الحاكم الشرعي، وحينئذ فإما أن يشتريها منه إذا كانت المصلحة في
الشراء ويصرف ثمنها على الفقراء من قبل أصحابها، أو يستأجرها بأجرة
معينة، أو يقدر لها اجرة المثل وتصرف الأجرة على الفقراء، وهذا فيما إذا لم يعلم
بإعراض مالكها عنها، وإلا جاز إحياؤها وتملكها بلا حاجة إلى الإذن أصلا،
وقد تسأل: أن الأقرب هل هو القول الأول أو الثاني؟ والجواب: الأقرب القول
الأول، وعلى هذا فلا فرق بين هذا القسم من الأراضي والقسم الأول منها في
هذا الحكم. نعم، على القول الثاني، فإن أعرض المالك عنها جاز لكل أحد
إحياؤها، وإن لم يعرض، فإن إبقاها مواتا للانتفاع بها على تلك الحال من
حشيشها أو قصبها أو جعلها مرعى لدوابها وأنعامها أو أنه كان عازما على
إحيائها، وإنما أخر ذلك لانتظار وقت صالح له أو لعدم توفر الآلات والأسباب
المتوقف عليها الإحياء ونحو ذلك، ففي جميع هذه الحالات لا يجوز لأحد أن
يقوم بإحيائها والتصرف فيها من دون إذن مالكها، بل مطلقا الا إذا رأى
الحاكم الشرعي مفسدة في تعطيلها.
أما القسم الثالث من الأراضي الخربة: فإذا علم بأن إبقاء تلك الأراضي
معطلة، إنما هو من جهة عدم الاعتناء بها، على أساس عدم حاجته إليها فعلا،
لا أنه أعرض عنها، فهل يجوز إحياءها لغيره؟ والجواب: المشهور جواز
إحيائها، إذا كان سبب ملك المالك الأول عملية الإحياء، وعدم الجواز إذا كان
سببه عملية الشراء أو الإرث، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع؛ لأن عملية
الإحياء لو كانت سببا للملك لم يكن فرق بينها وبين عملية الشراء أو الإرث
أو غيره، فكما أن على الثاني لا يجوز التصرف في تلك الأراضي بإحيائها
325

وتوفير الشروط للاستفادة منها من دون إذن أصحابها، فكذلك على الأول؛
لأن ملكيتها المتعلقة برقبتها لا تزول بزوال الحياة عنها؛ لأنها جهة تعليلية لا
تقييدية، وأما إذا كانت سببا للحق دون الملك - كما هو الأظهر - فيجوز
التصرف فيها بعد زوال الحياة عنها وخرابها؛ لأن الحق متمثل في حياتها، فما
دامت حية متعلقة له، فإذا ماتت وخربت خرجت عن مورده، وبكلمة: أن
المحيي إنما يملك نتيجة عمله دون نفس الأرض، وهي خلق الشروط فيها التي
تتيح للفرد فرصة الاستفادة منها والانتفاع بها، وما دامت تلك الشروط فيها
متوفرة والفرصة متاحة فعلاقته بها ثابتة، سواء كان يمارس الانتفاع بها أم لم
يمارس، وأما إذا زالت تلك الفرصة والشروط عنها، فقد زالت علاقته بها
أيضا، على أساس أنها كانت معلولة لهذه الشروط والفرصة، ولافرق في ذلك
بين أن يكون موتها مستندا إلى تركه الممارسة للانتفاع بها والاستفادة منها
بالاختيار، أو مستندا إلى مانع خارجي. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى أنه
على هذا القول لا فرق في جواز التصرف في تلك الأراضي وإحيائها، بين أن
يكون منشأ علاقة أصحابها بها عملية الإحياء أو عملية الشراء ونحوه، على
أساس أن مصدر علاقة الإنسان بالأرض مباشرة إنما هو عملية الإحياء
وكذلك بسائر ثرواتها الطبيعية، وأما الأسباب الاخرى فهي أسباب ثانوية لها
وفي طولها، وعلى هذا فمن كانت علاقته بالأرض على مستوى الحق بعملية
الإحياء، فشراء الأرض ميتة لا يوجب إلا منح المشتري نفس العلاقة التي
كانت له، فإن حقيقة البيع منح البائع نفس علاقة المشتري بالثمن، ومنح
المشتري نفس علاقة البائع بالمبيع، فإن كانت على مستوى الملك كانت كذلك،
وإن كانت على مستوى الحق كانت كذلك، ولا يتصور أن تكون علاقة البائع
بالمبيع على مستوى الحق، ولكن البيع يوجب منح المشتري العلاقة به على
326

مستوى الملك، وحيث إن سببية الشراء أو الإرث أو الهبة أو غير ذلك سببية
ثانوية، فلابد وأن تنتهي في نهاية المطاف إلى سببية الإحياء، فلا وجه للتفصيل
بين ما إذا كان سبب علاقة الإنسان بالأرض الإحياء أو الشراء أو غيره.
(مسألة 913): كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة والقرى الدارسة التي
باد أهلها، كذلك يجوز حيازة موادها وأجزائها الباقية من الأخشاب
والأحجار والآجر وما شاكل ذلك، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك.
(مسألة 914): الأراضي الموقوفة التي طرأ عليها الموتان والخراب على
أقسام:
1 - ما لا يعلم كيفية وقفها أصلا، وأنها وقف خاص أو عام أو أنها
وقف على الجهات أو على أقوام.
2 - ما علم أنها وقف على أقوام ولم يبق منهم أثر، وعلى طائفة لم يعرف
منهم سوى الاسم خاصة.
3 - ما علم أنها وقف على جهة من الجهات، ولكن تلك الجهة غير
معلومة أنها مسجد خاص أو مدرسة خاصة أو مشهد أو مقبرة كذلك أو غير
ذلك، فالجهة الموقوف عليها مجهولة عينا ووصفا.
4 - ما علم أنها وقف على أشخاص ولكنهم غير معلومين بأشخاصهم
وأعيانهم، كما إذا علم أن مالكها وقفها على ذريته مع العلم بوجودهم فعلا،
ولكنهم غير معلومين بأشخاصهم وأعيانهم.
5 - ما علم أنها وقف على جهة معينة أو أشخاص معلومين بأعيانهم.
6 - ما علم إجمالا بأن مالكها قد وقفها، ولكن لا يدري أنه وقفها على
327

جهة كمدرسته المعينة أو أنه وقفها على ذريته المعلومين بأعيانهم، ولم يكن
طريق شرعي لإثبات وقفها على أحد الأمرين.
أما القسم الأول والثاني: فالظاهر أنهما من الأنفال، ولا إشكال في جواز
إحيائهما شرعا، فحالهما من هذه الناحية حال سائر الأراضي الموات.
وأما القسم الثالث: فالأقوى أن أمره راجع إلى الحاكم الشرعي، على
أساس أنه وقف، فلا يجوز التصرف فيه من دون إذن المتولي وهو فعلا
منحصر به، وعليه فمن يقوم بإحيائه وعمارته بزرع أو نحوه، يراجع الحاكم
الشرعي ويأخذه منه مزارعة أو إجارة أو يشتري منه، ويصرف حصة الوقف
على الأول وثمنه على الثاني في وجوه البر والإحسان مع مراعاة الأقرب
فالأقرب.
وكذلك الحال في القسم الرابع.
وأما القسم الخامس: فيجب على من أحياه وعمره اجرة مثله،
ويصرفها في الجهة المعينة إذا كان الوقف عليها ويدفعها إلى الموقوف عليهم
المعينين، إذا كان الوقف عليهم، ويجب أن يكون التصرف بإجازة المتولي أو
الموقوف عليهم.
وأما السادس: فيجب على من يقوم بعمارته وإحيائه اجرة مثله، ويجب
صرفها في الجهة المعينة بإجازة من الذرية، كما أنه يجب عليه أن يستأذن في
تصرفه فيه منهم أو من المتولي لتلك الجهة إن كان، وإلا فمن الحاكم الشرعي أو
وكيله، وإذا لم يجز الذرية الصرف في تلك الجهة، فينتهي الأمر إلى القرعة في
تعيين الموقوف عليه كما يأتي.
328

(مسألة 915): من أحيى أرضا مواتا تبعها حريمها بعد الإحياء، وحريم
كل شيء مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به، ولا يجوز لأحد أن يحيي هذا
المقدار من دون رضا صاحبه.
(مسألة 916): حريم الدار عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج منها
في الجهة التي يفتح إليها باب الدار ومطرح ترابها ورمادها ومصب مائها
وثلوجها وما شاكل ذلك عند الحاجة كما هو الغالب في القرى والأرياف، وأما
في البلاد - ولا سيما في العصر الحاضر - فلا يتوقف جمع ترابها على وجود
مكان له، وأما الرماد فلا وجود له فعلا، وأما ماؤها وثلوجها فلا يتوقفان على
وجود مصب لها على وجه الأرض.
(مسألة 917): حريم حائط البستان ونحوه مقدار مطرح ترابه والآلات
والطين والجص، إذا احتاج إلى الترميم والبناء لدى الحاجة والتوقف.
(مسألة 918): حريم النهر مقدار مطرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى
الإصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه إذا توقف عليه، وإلا فلا
يكون حريما، وهذا يختلف باختلاف الأزمنة.
(مسألة 919): حريم البئر موضع وقوف النازح إذا كان الاستسقاء منها
باليد، وموضع تردد البهيمة والدولاب، والموضع الذي يجتمع فيه الماء للزرع
أو نحوه ومصبه ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة والتوقف.
(مسألة 920): حريم العين ما تحتاج إليه في الانتفاع منها على نحو ما مر
في غيرها.
(مسألة 921): حريم القرية ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها ومصالح
329

أهلها من مجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومجمع أهاليها
لمصالحهم، ومسيل مائها والطرق المسلوكة منها وإليها، ومدفن موتاهم ومرعى
ماشيتهم ومحتطبهم وما شاكل ذلك. كل ذلك بمقدار حاجة أهل القرية، بحيث
لو زاحم مزاحم لوقعوا في ضيق وحرج، وهي تختلف باختلاف سعة القرية
وضيقها وكثرة أهلها وقلتهم وكثرة مواشيها ودوابها وقلتها وهكذا، وليس
لذلك ضابط كلي غير ذلك، ومن هنا تختلف حاجة القرية سعة وضيقا
باختلاف الأزمنة، فإنها تحتاج في الأزمنة السابقة إلى موارد الاحتطاب، وأما
في زماننا هذا فتستغني عنها بقيام شيء آخر مقام الحطب، فعندئذ تخرج تلك
الموارد عن كونها حريما للقرية.
(مسألة 922): حريم المزرعة ما يتوقف عليه الانتفاع منها ويكون من
مرافقها، كمسالك الدخول إليها والخروج منها ومحل بيادرها وحظائرها
ومجتمع سمادها ونحو ذلك، كل ذلك بمقدار الحاجة.
(مسألة 923): الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم
لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون تملكهم لها بالإحياء باقية على إباحتها
الأصلية، فلا يجوز لهم منع غيرهم من الانتفاع بها، ولا يجوز لهم أخذ الأجرة
ممن ينتفع بها، وإذا قسموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة
صحيحة، فيجوز لكل من المتقاسمين التصرف فيما يختص بالآخر بحسب
القسمة. نعم، إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك كانت من
حريم أملاكهم، ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم في ذلك وتعطيل حوائجهم.
(مسألة 924): للبئر حريم آخر، وهو أن يكون الفصل بين بئر وبئر
اخرى بمقدار لا يكون في إحداث البئر الثانية ضرر على الأولى، من جذب
330

مائها تماما أو بعضا أو منع جريانه من عروقها، وهذا هو الضابط الكلي في
جميع أقسامها.
(مسألة 925): للعين والقناة أيضا حريم آخر، وهو أن يكون الفصل بين
عين وعين اخرى وقناة وقناة ثانية في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع، وفي
الأرض الرخوة ألف ذراع. ولكن الظاهر أن هذا التحديد غالبي، حيث إن
الغالب أن يندفع الضرر بهذا المقدار من البعد وليس تعبديا. وعليه فلو فرض
أن العين الثانية تضر بالأولى وينقص ماؤها مع هذا البعد، فالظاهر عدم جواز
إحداثها، ولابد من زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو يرضى به مالك الأولى،
كما أنه لو فرض عدم لزوم الضرر عليها في إحداث قناة اخرى في أقل من هذا
البعد، فالظاهر جوازه بلا حاجة إلى الإذن من صاحب القناة الأولى، ولا فرق
في ذلك بين إحداث قناة في الموات وبين إحداثها في ملكه، فكما يعتبر في الأول
أن لا يكون مضرا بالأولى فكذلك في الثاني، كما أن الأمر كذلك في الآبار
والأنهار التي تكون مجاري للماء، فيجوز إحداث بئر يجري فيها الماء من منبعها
قرب بئر اخرى كذلك، وكذلك إحداث نهر قرب آخر، وليس لمالك الأول
منعه إلا إذا استلزم ضررا، فعندئذ يجوز منعه.
(مسألة 926): يجوز إحياء الموات التي هي في أطراف القنوات والآبار
وتعميرها بجعلها مزرعة أو بستانا أوما شاكل ذلك، شريطة أن يكون الإحياء
في غير المقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع من تلك القنوات والآبار، وأما
اعتبار البعد المذكور في القنوات والآبار فإنما هو بالإضافة إلى إحداث قناة أو
بئر اخرى فقط.
(مسألة 927): إذا لم تكن الموات من حريم العامر ومرافقه على النحو
331

المتقدم، جاز إحياؤها لكل أحد وإن كانت بقرب العامر، ولا تختص بمن يملك
العامر ولا أولوية له.
(مسألة 928): الظاهر أن حريم الأملاك ليس ملكا ولا حقا للملاك،
سواء أكان حريم قناة أم بئر أم قرية أم بستان أم دار أم نهر أو غير ذلك، وإنما
لا يجوز لغيره مزاحمته فيه باعتبار أن انتفاعه من ملكه يتوقف عليه.
(مسألة 929): لا حريم للأملاك المتجاورة، مثلا لو بنى المالكان
المتجاوران حائطا في البين لم يكن له حريم من الجانبين، وكذا لو بنى أحدهما
في نهاية ملكه حائطا أو غيره لم يكن له حريم في ملك الآخر كما هو الحال في
البلدان.
(مسألة 930): يجوز لكل مالك أن يتصرف في ملكه بما شاء ما لم يستلزم
ضررا على جاره، وإلا فالظاهر عدم جوازه، كما إذا تصرف في ملكه على نحو
يوجب خللا في حيطان دار جاره أو حبس ماء في ملكه، بحيث تسري
الرطوبة إلى بناء جاره أو أحدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار، فأوجب
فساد مائها أو حفر بئرا بقرب بئر جاره، فأوجب نقصان مائها. والظاهر عدم
الفرق بين أن يكون النقص مستندا إلى جذب البئر الثانية ماء الأولى، وأن
يكون مستندا إلى كون الثانية أعمق من الأولى. نعم، لا مانع من تعلية البناء
وإن كانت مانعة عن الاستفادة من الشمس أو الهواء.
(مسألة 931): إذا لزم من تصرفه في ملكه ضرر معتد به على جاره، ولم
يكن مثل هذا الضرر أمرا متعارفا فيما بين الجيران، لم يجز له التصرف فيه، ولو
تصرف وجب عليه رفعه. هذا إذا لم يكن في ترك التصرف ضرر على المالك،
وأما إذا كان في تركه ضرر عليه لا يقل من الضرر على جاره، ففي جواز
332

تصرفه عندئذ وعدمه وجهان، والأقرب جوازه وإن كان الأحوط الأولى
تركه. كما أن الأقرب ضمانه للضرر الوارد على جاره إذا كان مستندا إليه عرفا،
مثلا لو حفر بالوعة في داره تضر ببئر جاره، وجب عليه طمها، إلا إذا كان فيه
ضرر على المالك، وعندئذ ففي وجوب طمها وعدمه وجهان، والأقرب عدم
وجوبه. نعم الظاهر عدم جريان هذا الحكم لو كان حفر البئر من الجار
متأخرا عن حفر البالوعة.
(مسألة 932): من سبق من المؤمنين إلى أرض عامرة طبيعية - كما إذا
كانت ذات أشجار وقابلة للانتفاع - كان أحق بها، ولا يتحقق السبق إليها إلا
بالاستيلاء عليها وصيرورتها تحت سلطانه وفي حوزته وخروجها من إمكان
استيلاء غيره عليها.
(مسألة 933): قد حث في الروايات الكثيرة على رعاية الجار وحسن
المعاشرة مع الجيران وكف الأذى عنهم وحرمة إيذائهم، وقد ورد في بعض
الروايات: أن الجار كالنفس وان حرمته كحرمة أمه، وفي بعضها الآخر: أن
حسن الجوار يزيد في الرزق ويعمر الديار ويزيد في الأعمار. وفي الثالث: من
كف أذاه عن جاره أقاله الله عثرته يوم القيامة، وفي الرابع: ليس منا من لم
يحسن مجاورة من جاوره، وغيرها مما قد أكد في الوصية بالجار وتشديد الأمر
فيه.
(مسألة 934): يستحب للجار الإذن في وضع خشب جاره على حائطه
مع الحاجة، ولو أذن جاز له الرجوع قبل البناء عليه، وكذا بعد البناء إذا لم
يضر الرفع، وإلا فالظاهر عدم جوازه.
(مسألة 935): لو تداعيا جدارا لا يد لأحدهما عليه، فهو للحالف منهما
333

مع نكول الآخر، ولو حلفا فهو لهما وإن نكلا فالمرجع القرعة، ولو اتصل
الجدار ببناء أحدهما دون الآخر أو كان له عليه طرح، فهو له مع اليمين باعتبار
أنه تحت يده وتصرفه.
(مسألة 936): إذا اختلف مالك العلو ومالك السفل كان القول قول مالك
السفل في جدران البيت، وقول مالك العلو في السقف وجدران الغرفة
والدرجة، وأما المخزن تحت الدرجة فلا يبعد كونه لمالك السفل، وطريق العلو
في الصحن بينهما والباقي للأسفل.
(مسألة 937): يجوز للجار عطف أغصان شجر جاره عن ملكه إذا تدلت
عليه، فإن تعذر عطفها قطعها بإذن مالكها، فإن امتنع أجبره الحاكم الشرعي.
(مسألة 938): راكب الدابة أولى بها من قابض لجامها، ومالك الأسفل
أولى بالغرفة المفتوح بابها إلى الجار من الجار مع التنازع واليمين وعدم البينة.
(مسألة 939): يعتبر في تملك الموات أن لا تكون مسبوقة بالتحجير من
غيره، ولو أحياها من دون إذن المحجر لم يحصل له الحق فيها، ويتحقق
التحجير بكل ما يدل على إرادة الإحياء، كوضع الأحجار في أطرافها أو حفر
أساس أو حفر بئر من آبار القناة الدارسة الخربة، فإنه تحجير بالإضافة إلى
بقية آبار القناة، بل هو تحجير أيضا بالإضافة إلى الأراضي الموات التي تسقي
بمائها بعد جريانه، فلا يجوز لغيره إحياؤها، وبكلمة: أن التحجير إنما يوجب
حق الأولوية إذا كان مقدمة للإحياء وشروعا فيه لا مطلقا.
(مسألة 940): لو حفر بئرا في الموات بالأصل لإحداث قناة فيها،
فالظاهر أنه تحجير بالإضافة إلى أصل القناة وبالإضافة إلى الأراضي الموات
التي يصل إليها ماؤها بعد تمامها، وليس لغيره إحياء تلك الأراضي.
334

(مسألة 941): التحجير كما عرفت يفيد حق الأولوية ولا يفيد الملكية،
ولكن مع ذلك لا بأس بنقله إلى غيره ببيع أو غيره بنقل متعلقه، فإن الحق -
بما هو حكم شرعي - غير قابل للانتفاع بنفسه بقطع النظر عن انتقال متعلقه.
(مسألة 942): يعتبر في كون التحجير مانعا تمكن المحجر من القيام بعمارته
وإحيائه، فإن لم يتمكن من إحياء ما حجره لمانع كالفقر أو العجز عن تهيئة
الأسباب المتوقف عليها الإحياء، جاز لغيره إحياؤه، وكذلك إذا كان متمكنا
من الإحياء ولكن كان غرضه من التحجير الاستيلاء والسيطرة على المحجر
من دون إرادة إحيائه فعلا، فإنه لا يوجب حق الأولوية له ولا يمنع من إحياء
غيره.
(مسألة 943): لو حجر زائدا على ما يقدر على إحيائه لا أثر لتحجيره
بالإضافة إلى المقدار الزائد.
(مسألة 944): لو حجر الموات من كان عاجزا عن إحيائها، لم يحصل له
حق فيها لكي يكون له نقله إلى غيره بصلح أو هبة أو بيع أو نحو ذلك.
(مسألة 945): لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن
يكون بالتوكيل والاستيجار، وعليه فالحق الحاصل بسبب عملهما للموكل
والمستأجر لا للوكيل والأجير.
(مسألة 946): إذا وقع التحجير عن شخص نيابة عن غيره ثم أجاز
النيابة، فهل يثبت الحق للمنوب عنه أو لا؟ وجهان لا يبعد عدم الثبوت.
(مسألة 947): إذا انمحت آثار التحجير، فإن كان من جهة إهمال المحجر
بطل حقه وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن من جهة إهماله وتسامحه وكان
335

زوالها من دون اختياره، كما إذا أزالها عاصف ونحوه، ففي بطلان حقه إشكال
بل منع.
(مسألة 948): اللازم على المحجر أن يشتغل بالعمارة والإحياء عقيب
التحجير، فلو أهمل وترك الإحياء وطالت المدة، فهل يجوز لغيره إحياءه من
دون اذنه أو لا؟
والجواب: أن الجواز غير بعيد، على أساس أن التحجير بعنوانه لا
يوجب حدوث حق للمحجر وإنما يوجب ذلك باعتبار أنه شروع في عملية
الإحياء، فإذا ترك المحجر العملية متسامحا ومتماهلا ومن دون أي عذر ومانع
وطالت مدة الترك، لم يصدق عليه عرفا أنه شروع فيها ومقدمة لها، ومن هنا
إذا كان التحجير بعنوان الاستيلاء والسيطرة على الأراضي الشاسعة لا بفرض
إحيائها واستثمارها والاستفادة من ثرواتها، فلا قيمة له ولا يمنع عن قيام الغير
بإحيائها، بلا فرق في ذلك بين أن يكون متمكنا من إحيائها فعلا ولكنه لا
يريد الإحياء، وإنما كان قصده السيطرة عليها برجاء أنها تفيده في المستقبل، أو
لا يكون متمكنا من إحياء كلها فعلا، فعلى كلا التقديرين لا أثر للتحجير ولا
يوجب حق الأولوية له بها، ولكن مع هذا فالأحوط والأولى في المقام أن
يرفع أمره إلى الحاكم الشرعي مع بسط يده أو وكيله، فيلزم المحجر بأحد
أمرين: إما الإحياء أو رفع اليد عنه. نعم، إذا أبدى عذرا مقبولا - كعدم توفر
المواد للإحياء أو نحو ذلك - يمهل بمقدار زوال عذره، فإذا اشتغل بعده بالتعمير
ونحوه فهو، وإلا بطل حقه وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن الحاكم موجودا،
فالظاهر سقوط حق المحجر إذا أهمل بمقدار يعد عرفا تعطيلا له، والأحوط
الأولى مراعاة حقه إلى ثلاث سنين.
336

(مسألة 949): الظاهر أنه لا يعتبر في حصول الحق بالإحياء قصده، بل
يكفي قصد الإحياء والانتفاع به بنفسه أو من هو بمنزلته، فلو حفر بئرا في
مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته كان أحق بها، ولكن إذا ارتحل وأعرض
عنها فهي مباحة للجميع.
(مسألة 950): لابد في صدق إحياء الموات من العمل فيه إلى حد يصدق
عليه أحد العناوين العامرة، كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر والقناة
والنهر وما شاكل ذلك، ولذلك يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة، فما
اعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما
شاكلها، وعليه فحصول الحق تابع لصدق أحد هذه العناوين ويدور مداره
وجودا وعدما، وعند الشك في حصوله يحكم بعدمه.
(مسألة 951): الأظهر أن الإعراض عن الملك يوجب زواله، فإذا أعرض
المالك عن ملكه صار كالمباح الأصلي، فيجوز لكل فرد حينئذ أن يأخذه، فإذا
أخذه ملك.
337

كتاب المشتركات
المراد بالمشتركات: الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمياه
والمعادن.
(مسألة 952): الطرق على قسمين نافذ وغير نافذ، أما الأول فهو الطريق
المسمى بالشارع العام والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرف لأحد فيه
بأحياء أو نحوه، ولا في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو نهر أو مزرعة أو غرس
أشجار ونحو ذلك مما يزاحم المارة عادة، هذا في غير الطريق المسبل، وسوف
يأتي حكمه والفرق بينه وبين الطريق العام في الأرض الموات. وأما حفر بالوعة
فيه ليجتمع فيها ماء المطر ونحوه، فلا إشكال في جواز؛ لكونها من مصالحه
ومرافقه. وكذا لا بأس بحفر سرداب تحته إذا أحكم أساسه وسقفه. كما أنه لا
بأس بالتصرف في فضائه بإخراج روشن أو جناح أو فتح باب أو نصب ميزاب
أو غير ذلك.
والضابط: أن كل تصرف في فضائه لا يكون مضرا بالمارة جائز.
338

(مسألة 953): لو أحدث جناحا على الشارع العام ثم انهدم أو هدم، فإن
كان من قصده تجديده ثانيا، فالظاهر أنه لا يجوز للآخر اشتغال ذلك الفضاء، وإن
لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.
(مسألة 954): الطريق الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو أرض مباحة
لكونه محاطا بالدور من جوانبه الثلاثة، وهو المسمى بالسكة المرفوعة والدريبة،
فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون كل من كان حائط داره
إليه، وهو مشترك بينهم من صدره إلى ساقه، وحكمه حكم سائر الأموال
المشتركة، فلا يجوز لكل واحد منهم التصرف فيه بدون إذن الآخرين. نعم، يجوز
لكل منهم فتح باب آخر وسد الباب الأول.
(مسألة 955): لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها
للاستطراق إلا بإذن أربابها. نعم، له فتح ثقبة وشباك إليها، وأما فتح باب لا
للاستطراق، بل لمجرد دخول الهواء أو الاستضاءة، فالظاهر أنه لا مانع منه.
(مسألة 956): يجوز لكل من أصحاب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق
والتردد منها إلى داره بنفسه وعائلته ودوابه، وكل ما يتعلق بشؤونه من دون إذن
باقي الشركاء وإن كان فيهم القصر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
(مسألة 957): يجوز لكل أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامة
كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك، ما لم يكن مزاحما
للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه، كما أنه ليس لأحد مزاحمته
في قدر ما يحتاج إليه بوضع متاعه والوقوف للمعاملة وغير ذلك.
(مسألة 958): إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه، فإن كان
جلوسه جلوس استراحة ونحوها بطل حقه، وإن كان لحرفة ونحوها، فإن كان
339

قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي العود بطل حقه أيضا، فلو جلس في محله
غيره لم يكن له منعه.
(مسألة 959): قد تسأل: أن قيامه عنه إن كان قبل استيفاء غرضه وإنجاز
مهامه مع قصده العود إليه مرة اخرى، فهل يسقط حقه بذلك أو لا؟
والجواب: أن السقوط غير بعيد حتى إذا بقي منه فيه متاع أو رجل أو
بساط، على أساس أن الثابت لكل فرد حق الانتفاع فيه فما دام أنه يمارس هذا
الحق، فلا يجوز لغيره أن يزاحمه، وأما إذا ترك الانتفاع منه فقد انتفى حقه بانتفاء
موضوعه. وعلى هذا فالإنسان ما دام جالسا في الطريق للاستراحة أو للبيع
والشراء أو لغرض آخر، فلا يجوز لغيره مزاحمته، وأما إذا قام من مكانه، فلا يبقى
له حق فيه؛ لأن حقه الجلوس، فإذا قام منه سقط بسقوط موضوعه، فعندئذ
يجوز لغيره الجلوس فيه ولا يحق له أن يمنعه عن ذلك، وكذلك الحال في المسجد
ونحوه مما تكون نسبته إلى الجميع على حد سواء، فإذا صلى شخص في المسجد أو
جلس فيه لقراءة القرآن أو غيرها، فما دام يمارس عمله فيه فلا يحق لأي فرد
آخر أن يزاحمه، وأما إذا قام منه فلا حق له فيه بعد ذلك وإن كان ناويا العود إليه
مرة اخرى والصلاة فيه، ومن هنا إذا أخذ مكان فرد منه بالقوة وصلى فيه كانت
صلاته صحيحة وإن كان آثما، وهذا شاهد على أن المكان ليس متعلقا بحقه، نعم
لو كانت فترة الخروج منه والقيام قليلة جدا، بحيث لا تضر بوحدة الجلوس
عرفا واتصاله، فعندئذ يبقى حقه ببقاء تواجده فيه، كما إذا قام لشرب ماء لا يبعد
منه إلا خطوات أو لغسل يديه أو وجهه أو نحو ذلك، فلا يقال عرفا: أنه قام من
مكانه، ولا يضر باستمرار جلوسه وتواجده فيه عرفا تخلل فترات القيام في
أثنائه الذي هو أمر اعتيادي في مجلس واحد.
340

(مسألة 960): يتحقق الشارع العام بامور:
الأول: كثرة الاستطراق والتردد ومرور القوافل والوسائل النقلية في
الأرض الموات.
الثاني: جعل الإنسان ملكه شارعا عاما وتسبيله تسبيلا دائميا لسلوك
كافة الناس فيه، فإذا جعل ملكه كذلك لم يجز لأحد التصرف فيه بإحياء أو نحوه،
وإن لم يكن مزاحما للمارة على أساس أنه وقف، فلا يجوز التصرف في الوقف مما
ينافي جهته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون حده سبعة أذرع أو أقل أو أكثر،
وسواء كان الزائد على الخمسة موردا - للحاجة كما هو الغالب في زماننا هذا - أم
لا، وبذلك يمتاز الطريق المسبل عن الطريق المبتكر في الأرض الموات، فإنه يجوز
التصرف في الزائد على الخمسة إذا لم تكن مزاحمة للمارة.
الثالث: من الطريق العام هو الواقع بين الأراضي العامرة للناس، كما إذا
فرض وجود قطعة من الأرض الموات بين تلك الأراضي العامرة وأصبحت تلك
القطعة طريقا عاما للناس من جهة كثرة الاستطراق والمرور منها، وليس لهذا
الطريق حد خاص سعة وضيقا، فإنه على ما هو عليه القطعة المذكورة من السعة،
فلا يجب على الملاك توسعته إذا كان أقل من خمسة أذرع، وإن فرض أنه أصبح
ضيقا على المارة إلا بتدخل ولي الفقيه على أساس مصلحة عامة. نعم، إذا كان
زائدا على الخمسة ولم يكن الزائد موردا للحاجة، جاز التصرف في الزائد بإحياء
أو نحوه، وكذلك الحال فيما لو سبل شخص في وسط أرضه العامرة أو في أحد
أطرافها المجاور لأرض غيره مقدارا معينا لعبور الناس، فإنه لا يزيد ولا ينقص.
(مسألة 961): إذا كان الشارع العام واقعا بين الموات بكلا طرفيه أو أحد
طرفيه، فلا يجوز إحياء ذلك الموات بمقدار يوجب نقص الشارع عن خمسة
341

أذرع، فإن ذلك حد الطريق المعين من قبل الشرع، وعليه فلو كان الإحياء إلى
حد لا يبقى للطريق خمسة أذرع وجب عليه هدمه. نعم، لو أحيى شخص من
أحد طرفيه، ثم أحيى آخر من طرفه الآخر بمقدار يوجب نقصه عن حده، لزم
على الثاني هدمه دون الأول.
(مسألة 962): إذا انقطعت المارة عن الطريق غير المسبل، إما لعدم المقتضي
أو لوجود المانع أو حدوث طريق آخر يوجب الاستغناء عن الطريق الأول، زال
حكمه، بل ارتفع موضوعه وعنوانه، وعليه فيجوز التصرف فيه بإحياء أو غيره،
وقد تسأل: أن الطريق العام المبتكر في الأرض الموات بما أنه لا يخضع لمبدأ الحق
الخاص أو العام، وإنما الثابت هو عدم جواز مزاحمة المارة فيه، فهل يجوز تبديله
بطريق آخر وتغييره أو لا؟
والجواب: أنه يجوز إذا لم تكن فيه مزاحمة للمارة فيه، على أساس أنه ليس
فيه تفويت لحقها، وكذلك الحال في الطريق بين الأراضي العامرة، فإنه يجوز
لأصحاب تلك الأراضي تبديله بطريق آخر بهذا الشرط.
(مسألة 963): إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبلا فلا
يجوز لأحد إحياء ما زاد عليها وتملكه. وأما إذا كان غير مسبل، فإن كان الزائد
موردا للحاجة لكثرة المارة والوسائط النقلية كما في العصر الحديث، فلا يجوز
ذلك أيضا، وإلا فلا مانع منه.
(مسألة 964): الطريق العام بين بلدين أو أكثر ولا سيما في البلدان الكبيرة
المزدحمة بالسكان بحاجة إلى توسع أكثر بكثير من الحد المنصوص في الرواية
لإشباع حاجة الناس في النقل والانتقال من هنا وهناك بالوسائل النقلية
الحديثة، ولا موضوعية للحد المذكور للطريق العام، فإنه إنما هو بلحاظ حاجة
342

الناس فيختلف سعة الطريق وضيقه باختلاف الحاجة في كل بلد وقرية.
(مسألة 965): يجوز لكل مسلم أن يتعبد ويصلي في المسجد، وجميع
المسلمين فيه شرع سواء، ولا يجوز لأحد أن يزاحم الآخر فيه إذا كان الآخر
سابقا عليه، لكن الظاهر تقدم الصلاة على غيرها، فلو أراد أحد أن يصلي فيه
جماعة أو فرادى، فلا يجوز لغيره أن يزاحمه ولو كان سابقا عليه، كما إذا كان
جالسا فيه لقراءة القرآن أو الدعاء أو التدريس، بل يجب عليه تخلية ذلك المكان
للمصلي. ولا يبعد أن يكون الحكم كذلك حتى لو كان اختيار المصلي هذا المكان
اقتراحا منه، فلو اختار المصلي مكانا مشغولا بغير الصلاة ولو اقتراحا، يشكل
مزاحمته بفعل غير الصلاة وإن كان سابقا عليه.
(مسألة 966): من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفردا، فليس لمريد الصلاة
فيه جماعة منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذ أن يخلي المكان للجامع
إذا وجد مكانا آخر فارغا لصلاته، ولا يكون مناعا للخير.
(مسألة 967): إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه
بطل حقه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره، فليس له منعه وإزعاجه. وأما إذا كان
ناويا للعود، فإن بقي رحله فيه، فالمشهور بقاء حقه، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل
منع، على أساس أن المكان ليس متعلقا لحقه، فإن حقه إنما هو الصلاة فيه، فما دام
هو مشغول فيها لا يحق لأي فرد أن يزاحمه ويمنعه عن ذلك، فإذا فرغ منها ثم قام
من مكانه انتهى حقه بانتهاء موضوعه وإن كان ناويا العود إليه، ويجوز لغيره أن
يصلي مكانه.
(مسألة 968): وقد تسأل: أن وضع الرحل في موضع من المسجد، هل
يوجب حق الأولوية فيه أو لا؟
343

والجواب: الأقرب أنه لا يوجب حق الأولوية فيه، بلا فرق في ذلك بين أن
يكون الفصل بين وضع الرحل فيه ومجيئه زمان طويل أو قصير، باعتبار أن لكل
فرد حقا أن يصلي في أي موضع من المسجد شاء وأراد، شريطة أن لا يكون
الموضع مشغولا بالصلاة من قبل غيره، ووضع الرحل فيه لا يحدث له حقا فيه،
وعليه فيجوز لغيره رفع الرحل عنه والصلاة في مكانه، إذا كان شغل المحل على
نحو لا يمكن الصلاة فيه إلا برفعه. وهل أنه يضمنه برفعه أو لا؟ وجهان الظاهر
عدم الضمان؛ إذ لا موجب له بعد جواز رفعه للوصول إلى حقه وهو الصلاة فيه.
(مسألة 969): المشاهد المشرفة كالمساجد، فإن لكل فرد حقا أن يمارس ما
هو المطلوب فيها من الزيارة والدعاء وقراءة القرآن والصلاة في أي نقطة منها
شاء، وما دام هو مشغول فيها بشيء من الأعمال المذكورة لا يجوز لأي أحد أن
يزاحمه ويمنعه من ذلك، وإذا فرغ وقام من مكانه سقط حقه بسقوط موضوعه،
من دون فرق بين أن يكون ناويا العود إليه أو لا، وحينئذ فلا مانع من أن يمارس
غيره العمل فيه، وإذا عاد الأول لم يجز له أن يزاحمه ويمنعه عن العمل.
(مسألة 970): جواز السكنى في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان
لكيفية وقف الواقف، فإذا خصها الواقف بطائفة خاصة كالعرب أو العجم، أو
بصنف خاص كطالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه أو الكلام مثلا، فلا
يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها. وأما بالنسبة إلى مستحقي السكنى
بها فهي كالمساجد، فمن حاز غرفة وسكنها فهو أحق بها، ولا يجوز لغيره أن
يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت المدة، إلا إذا اشترط الواقف مدة خاصة
كخمس سنين مثلا، فعندئذ يلزمه الخروج بعد انقضاء تلك المدة بلا مهلة.
(مسألة 971): إذا اشترط الواقف اتصاف ساكنها بصفة خاصة، كأن يكون
344

معيلا، أو يكون مشغولا بالتدريس أو بالتحصيل، فإذا تزوج أو طرأ عليه العجز
لزمه الخروج منها. والضابط أن حق السكنى - حدوثا وبقاء - تابع لكيفية وقف
الواقف بتمام شروطه، فلا يجوز السكنى لفاقدها حدوثا أو بقاء.
(مسألة 972): لا يبطل حق السكنى لساكنها بالخروج لحوائجه اليومية
من المأكول والمشروب والملبس وما شاكل ذلك، كما لا يبطل بالخروج منها
للسفر يوما أو يومين أو أكثر، وكذلك الأسفار المتعارفة التي تشغل مدة من
الزمن كالشهر أو الشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى الحج أو الزيارة،
أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نية العود وبقاء رحله ومتاعه، فلا بأس بها
ما لم تناف شرط الواقف. نعم، لابد من صدق عنوان ساكن المدرسة عليه، فإن
كانت المدة طويلة بحيث توجب عدم صدق العنوان عليه بطل حقه.
(مسألة 973): إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل
خاصة أو في جميع الليالي، لم يجز لساكنها أن يبيت في مكان آخر، ولو بات فيه
بطل حقه.
(مسألة 974): لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته، إلا إذا
كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليتها معدة لسكنى طالب واحد.
(مسألة 975): الربط وهي المساكن المعدة لسكنى الفقراء أو الغرباء
كالمدارس في جميع ما ذكر.
(مسألة 976): المياه على نوعين:
أحدهما: المياه المكشوفة على سطح الأرض كالبحار والأنهار والعيون
العامرة طبيعية.
345

ثانيهما: المياه المكنوزة في أعماق الأرض التي لا يمكن الوصول إليها إلا من
خلال عمليات الحفر وبذل الجهد، كمياه الآبار والعيون العامرة بشرية، والمياه
بكلا نوعيها خاضعة لمبدأ الملكية العامة، سواء كانت في الأراضي الموات أم
كانت في الأراضي المفتوحة عنوة، فعلى الأول فهي من الأنفال وملك للإمام (عليه السلام).
وعلى الثاني فهي ملك للمسلمين كالأراضي.
وعلى كلا التقديرين فكل من شملته أخبار التحليل، كما أنه مأذون في
القيام بعملية إحياء هذه الأراضي جميعا والاستفادة من ثرواتها الطبيعية، كذلك
أنه مأذون في الاستفادة من مياهها المكنوزة والمكشوفة، فإن لكل فرد منهم
حق الانتفاع بها بقدر ما هو نتيجة عمله وجهده، ولا يجوز لأي أحد منهم أن
يزاحم الآخر في ذلك ويمنعه منه، وعلى هذا فمياه الشطوط والأنهار الكبار
كدجلة والفرات وما شاكلهما، أو الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو
السيول أو ذوبان الثلوج وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو في أراضي الموات
وغير ذلك من المشتركات في الانتفاع، وكذلك المياه المكنوزة في أعماق
الأرض.
(مسألة 977): إن الفرد لا يملك المياه المكشوفة طبيعيا بالحيازة والاستيلاء
عليها ما دامت المياه في مكانها الطبيعي؛ لأن الإسلام لم يعترف بالحيازة على
أساس القوة والتحكيم على الآخرين في ميدان المنافسة، وإنما اعترف بها على
أساس العمل وبذل الجهد في سبيل ذلك من دون مزاحمة الآخرين، وعلى هذا
فكل ماء جرى بنفسه أو اجتمع في مكان بلا يد خارجية عليه، فهو من المباحات
الأصلية، فمن حازه بإناء أو سحب منها بآلة أو حفر حفيرة وأوصلها بها أو
استجد نهرا وأوصله بها أو نحو ذلك، مما يوجب جعلها في حوزته فهو أحق به،
346

ولا يجوز لغيره أن يزاحمه فيه.
(مسألة 978): مياه الآبار والعيون والقنوات التي يصل الإنسان إليها من
خلال عمليات الحفر وبذل الجهد والعمل في سبيل اكتشافها، أصبحت موردا
لعلاقة الإنسان العامل بها على مستوى الحق دون الملك. نعم، لو كانت هذه
العمليات وبذل الجهد لاكتشافها والوصول إليها قبل تشريع الأنفال لمنحت
علاقة العامل بها على مستوى الملك.
(مسألة 979): إذا شق نهرا من ماء مباح - سواء كان بحفره في أرض مملوكة
له أم بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا - كان أحق بما يدخل فيه من الماء، ولا
يجوز لغيره أن يزاحمه فيه.
(مسألة 980): إذا كان النهر لأشخاص متعددين، كان كل منهم أحق بمقدار
حصته من النهر، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية، اشتركوا في الماء
بالسوية، وإن كانت بالتفاوت استحقوا الماء بتلك النسبة، ولا تتبع نسبة استحقاق
الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
(مسألة 981): الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال
المشتركة، فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه من دون إذن الباقين.
وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كل وقت
وزمان وبأي مقدار شاء، جاز له ذلك.
(مسألة 982): إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر، فإن تراضوا بالتناوب
والمهاياة بالأيام أو الساعات فهو، وإلا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء،
بأن توضع في فم النهر حديدة مثلا ذات ثقوب متعددة متساوية، ويجعل لكل
منهم من الثقوب بمقدار حصته. فإن كانت حصة أحدهم سدسا والآخر ثلثا
347

والثالث نصفا، فلصاحب السدس ثقب واحد، ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب
النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع ستة.
(مسألة 983): القسمة بحسب الأجزاء لازمة. والظاهر أنها قسمة إجبار،
فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها. وأما القسمة بالمهاياة
والتناوب، فهي ليست بقسمة حقيقة حتى تكون لازمة، بل هي موقوفة على
التراضي بينهم، فيجوز لكل منهم الرجوع عنها. نعم، الظاهر عدم جواز رجوع
من استوفى تمام نوبته دون الآخر.
(مسألة 984): إذا اجتمع جماعة على ماء مباح من عين أو واد أو نهر أو نحو
ذلك، كان للجميع حق السقي منه والانتفاع به بقدر حاجته، وليس لأحد منهم
شق نهر فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين. وعندئذ فإن
كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلا كان الحق للأسبق فالأسبق في
الإحياء إن كان، وإلا قدم الأعلى فالأعلى والأقرب إلى فوهة العين أو أصل
النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع،
وإلا قدم الأسبق فالأسبق، أي: من كان شق نهره أسبق من شق نهر الآخر.
وهكذا إن كان هناك سابق ولاحق، وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه، ثم
ما يليه وهكذا.
(مسألة 985): تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة
حقهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم، واما إذا لم يقدم عليها إلا البعض لم
يجبر الممتنع، كما أنه ليس للمقدمين مطالبته بحصته من المؤنة، إلا إذا كان اقدامهم
بالتماس منه وتعهده ببذل حصته.
(مسألة 986): إذا كان النهر مشتركا بين القاصر وغيره، وكان اقدام غير
348

القاصر متوقفا على مشاركة القاصر، إما لعدم اقتداره من دونه أو لغير ذلك،
وجب على ولي القاصر - مراعاة لمصلحته - مشاركته في الإحياء والتعمير وبذل
المؤنة من مال القاصر بمقدار حصته.
(مسألة 987): مر أن الأقرب إلى فوهة النهر أو العين أولى من الأبعد،
شريطة أن لا يكون الأبعد أسبق منه في الإحياء وحيازة الماء، فإذا لم يكن
فللأقرب أن يأخذ من الماء أو يحبسه للزرع إلى الشراك وللشجر إلى القدم
وللنخل إلى الساق، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه وهكذا الأقرب فالأقرب.
(مسألة 988): لو كان للإنسان رحى على نهر مملوك لغيره، لم يجز للغير
تحويل النهر من مجراه إلى مجرى آخر بحيث يوجب تعطيل هذه الرحى إلا بإذن
صاحبها، وكذلك غير الرحى من الأشجار المغروسة على حافتيه أو غيرها.
(مسألة 989): قد تسأل: هل يجوز لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن
رعي مواشيه أو لا؟
والجواب: لا يجوز له ذلك، إلا أن يكون المرعى ملكا له، فيجوز له حينئذ
أن يحميه.
(مسألة 990): المعادن على نوعين:
الأول: المعادن الظاهرة، هي التي تكون طبيعتها المعدنية ظاهرة وبارزة،
سواء كان الوصول إليها بحاجة إلى بذل جهد وعمل - كما إذا كانت في أعماق
الأرض - أم لم يكن، وذلك كالملح والقير والكبريت والمومياء والفيروزج وما
شاكل ذلك.
الثاني: المعادن الباطنة وهي التي لا يبدو جوهر معدنيتها إلا ببذل جهد
349

وعمل في سبيل إنجازه، وذلك كالذهب والفضة فإن المادة الذهبية لا تصبح ذهبا
بشكله الكامل الا بعد التصفية والتطوير العملي، ثم إن كلا النوعين من المعادن
خاضعان لمبدأ الملكية العامة إذا كانا في الأراضي الموات أو المفتوحة عنوة،
ويسمح لكل من شملته أخبار التحليل الانتفاع منهما على حد سواء، بحسب بذل
الجهد وإنفاق العمل في سبيل حيازتها وإحيائها، ولا يجوز لأي أحد أن يزاحم
الآخر في ذلك، وعلى هذا فالأولى تخضع لمبدأ الحق بالحيازة، فمن حاز منها شيئا
كان أحق به قليلا كان أو كثيرا، وبقي الباقي على الاشتراك في الانتفاع.
والثانية: تخضع لمبدأ الحق بالإحياء بعد اكتشافها والوصول إليها.
(مسألة 991): إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله وعطله متعمدا، لم تحصل له
علاقة بالمعدن حتى على مستوى الحق، غاية الأمر لا يجوز اكتشافه والوصول
إليه واستخراجه من الطريق الذي هو قام بحفره، ولكن لا مانع من القيام بالحفر
لاكتشافه والوصول إليه من طريق آخر واستخراجه من ذلك الطريق. نعم، لو
كان طريق الوصول إليه منحصرا بما حفره ذلك الشخص، فعندئذ لا يبعد سقوط
حقه إذا طالت مدة الإهمال والتعطيل بدرجة سقط الحفر عن الانتفاع به
والاستفادة منه، وإلا فللحاكم الشرعي أو وكيله إجباره على إتمام العمل أو رفع
اليد عنه، إذا رأى في ذلك مصلحة. نعم، لو أبدى عذرا أمهله إلى أن يزول عذره
ثم يلزمه على أحد الأمرين.
(مسألة 992): قد تسأل: أن المعادن سواء كانت في أعماق الأرض أم كانت
متكونة على وجهها، هل تخضع للأرض في مبدء الملكية أو لا؟
والجواب: أن ملكية الأرض إذا كانت مجعولة من قبل الله تعالى ابتداء -
كجعل ملكية الأراضي الموات للامام (عليه السلام) والأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين
350

كافة - فكل ما فيها من المعادن والمياه وغيرها من الثروات الطبيعية ملك له (عليه السلام)
إذا كانت في أراضي الموات وللمسلمين إذا كانت في الأراضي المفتوحة عنوة، وإذا
كانت مجعولة بأسباب خاصة كالإحياء والشراء ونحوهما لم تخضع الأرض في
مبدأ الملكية، فإن عملية الإحياء إنما توجب علاقة المحيي بالأرض، سواء كانت
على مستوى الملك أم كانت على مستوى الحق، ولا توجب علاقته بالمعادن
سواء كانت في أعماق الأرض أم كانت على وجهها؛ لأنها موجودة مستقلة في
مقابل وجود الأرض، ونسبتها إليها نسبة المظروف إلى الظرف، وعلى هذا فمن
أحيا أرضا كان أحق بها، ولا يوجب حصول الحق له بما كان فيها من الثروات
الطبيعية، كالمعادن والمياه ونحوهما التي لها كيان مستقل، وقد مر أن أحقية
الشخص للمعادن على وجه الأرض مرتبطة بالحيازة بحسب بذل الجهد والعمل
فيها، وأما أحقيته للمعادن في أعماق الأرض، فإنما هي باكتشافها والوصول إليها
بالحفر، وبكلمة: أن مصدر علاقة الإنسان بالمواد المعدنية إنما هو عملية
استخراجها إذا كانت في أعماق الأرض، وهذا يعني: أن الإنسان يملك المادة التي
استخرجها، ولا يملك شيئا منها ما دام يظل في موضعه الطبيعي. نعم، هو
باكتشافها والوصول إليها من خلال عملية الحفر، أصبح أحق بها من الآخرين،
وهذا الحق إنما هو على أساس أنه خلق بعمله وجهده.
هذه فرصة الانتفاع بها والاستفادة منها، وما دامت تلك الفرصة
موجودة، فقد ظل حقه وإن لم يمارس عملية الانتفاع والاستفادة منها، وليس
لأي فرد أن يستخدم الحفرة التي حفرها في سبيل الوصول إليها واستخراجها من
دون إذنه، كما ليس له أن يزاحمه في استخدامها، وإذا كانت المعادن متكونة على
وجه الأرض، ملكها بعملية الأخذ والاستيلاء عليها خارجا بحسب ما بذله من
الجهد والعمل في سبيل ذلك، ويتحصل من ذلك أن المناجم والمعادن الموجودة في
351

الأراضي المملوكة بالملكية الخاصة لا تخضع الأرض في مبدأ الملكية ولا في
مبدأ الحقية إذا كانت متعلقة للحق.
(مسألة 993): قد تسأل: هل يسمح للفرد أن يحوز من المعادن والمناجم
كمية أكبر من قدر حاجته أو لا؟
والجواب: نعم، له ذلك بحسب إمكاناته المادية والعلمية والاستفادة من
الوسائل الحديثة والتقنيات المتطورة، فإذا افترضنا أن فردا من جهة توفر تلك
الوسائل عنده استخرج من المواد المعدنية من أعماق الأرض أو حاز من المناجم
المتكونة على وجه الأرض بكمية كبيرة جدا وبدون كونه مزاحما للآخرين في
الانتفاع بها ملك تلك الكمية، على أساس أن الإسلام قد اعترف بأن كل فرد
يملك نتيجة عمله مهما كانت، وأن كل فرد حر في ممارسة أي نشاط اقتصادي
مشروع بحسب طاقاته وإمكاناته في الإطار العام الإسلامي، وقد أكد الإسلام
على ذلك وأمر به ونهى عن الكسل والتسامح والإهمال.
(مسألة 994): لو قال المالك: اعمل ولك نصف الخارج من المعدن، فلا يبعد
أن يكون ذلك من باب الإجارة، بجعل أجرته نصف ما أخرجه من المواد
المعدنية، ودعوى: أن الأجرة مجهولة، فمن أجل ذلك لا تصح الإجارة، مدفوعة:
بأن صاحب المعدن بحسب تجاربه وخبرته واثق ومطمئن بأن ما يستخرج منه لا
يقل عادة عن كذا مقدار، فإذا كان الأجير واثقا بذلك فلا مانع من إجارته، غاية
الأمر إذا ظهر بعد ذلك أنه مغبون فسخ الإجارة، ويمكن أن يكون ذلك جعالة،
فإن حقيقة الجعالة ضمان عمل الغير بأمره به، وهذا نحو من ضمان الغرامة في
الأعمال على حد ضمان الغرامة في الأموال، وبإمكان الجاعل تحديد الجعل، وهو
أجرة مثل العمل، بمقدار مجدد، وما نحن فيه كذلك، ويمكن أن يكون ذلك معاملة
مستقلة، وحيث إنها كانت مع التراضي فيحكم بصحتها.
352

كتاب الدين والقرض
(مسألة 995): لا تعتبر الصيغة في القرض، فلو دفع مالا إلى أحد بقصد
القرض وهو تمليك عين على وجه الضمان بمثلها إن كانت مثلية، وبقيمتها إن
كانت قيمية، وأخذه المدفوع له بهذا القصد صح القرض.
(مسألة 996): الأولى ترك الدين مع القدرة، ولو استدان وجبت نية القضاء
مهما أمكن، والإقراض أفضل من الصدقة.
(مسألة 997): يعتبر في القرض أن يكون المال عينا، فلو كان دينا أو منفعة
لم يصح القرض. نعم، يصح إقراض الكلي في المعين، كإقراض درهم من درهمين
خارجيين.
(مسألة 998): يعتبر في القرض أن يكون المال مما يصح تملكه، فلا يصح
إقراض الخمر والخنزير، ولا يعتبر فيه تعيين مقداره وأوصافه وخصوصياته التي
تختلف المالية باختلافها، سواء أكان مثليا أم قيميا. نعم، على المقترض تحصيل
العلم بمقداره وأوصافه مقدمة لأدائه، وهذا أجنبي عن اعتباره في صحة القرض.
353

(مسألة 999): يعتبر في القرض القبض، فلا يملك المستقرض المال المقترض
إلا بعد قبضه.
(مسألة 1000): إذا كان المال المقترض مثليا كالحنطة والشعير والذهب
والفضة ونحوها، ثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض، وعملية أداء المثل سواء
أبقى على سعره وقت الأداء أم زاد أم تنزل، وليس للمقرض مطالبة المقترض
بالقيمة، فإذا اقترض دينارا عراقيا مثلا، فالثابت في ذمته هو الدينار العراقي دون
قيمته، فإذا تنزل سعره وقت الأداء - وإن كان فاحشا - لم يحق للمقرض أن
يطالبه بقيمته، كما أنه إذا زاد سعره كذلك، لم يجز للمقترض أن يكتفي بأداء قيمته
وقت القرض، فإن الواجب عليه أن يؤدي نفس الدينار، سواء أزاد سعره أم
نقص. نعم، يجوز الأداء بالقيمة مع التراضي، والعبرة عندئذ بالقيمة وقت الأداء.
وإذا كان قيميا ثبتت في ذمته قيمته وقت القرض.
(مسألة 1001): إذا أقرض إنسان عينا، وقبضها المقترض فرجع المقرض
وطالب بالعين، لا تجب إعادة العين على المقترض.
(مسألة 1002): لا يتأجل الدين الحال إلا باشتراطه في ضمن عقد لازم،
ويصح تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه، ولا يصح تأجيل الحال بإضافة شيء؛ لأنه
ربا.
(مسألة 1003): ليس للدائن الامتناع عن قبض الدين من المدين في أي
وقت كان إذا كان الدين حالا، وأما إذا كان مؤجلا فكذلك بعد حلوله. وأما قبل
حلوله، فهل للدائن حق الامتناع من قبوله أو لا؟ فيه وجهان والظاهر أنه ليس
له ذلك، إلا إذا علم من الخارج أن التأجيل حق للدائن أيضا.
(مسألة 1004): يحرم اشتراط زيادة في القدر أو الصفة على المقترض، لكن
354

الظاهر أن القرض لا يبطل بذلك، بل يبطل الشرط فقط، ويحرم أخذ الزيادة، فلو
أخذ الحنطة مثلا بالقرض الربوي فزرعها جاز له التصرف في حاصله، وكذا
الحال فيما إذا أخذ مالا بالقرض الربوي، ثم اشترى به ثوبا. نعم، لو اشترى شيئا
بعين الزيادة التي أخذها في القرض لم يجز التصرف فيه.
(مسألة 1005): لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين أن تكون الزيادة
راجعة إلى المقرض وغيره، فلو قال: أقرضتك دينارا بشرط أن تهب زيدا أو
تصرف في المسجد أو المأتم درهما، لم يصح، وكذا إذا اشترط أن يعمر المسجد أو
يقيم المأتم أو نحو ذلك مما لوحظ فيه المال فإنه يحرم، ويجوز قبولها مطلقا من غير
شرط، كما يجوز اشتراط ما هو واجب على المقترض، مثل: أقرضتك بشرط أن
تؤدي زكاتك أو دينك مما كان مالا لازم الأداء، وكذا اشتراط ما لم يلحظ فيه
المال، مثل: أن تدعو لي أو تدعو لزيد: أن تصلي أنت أو تصوم، من غير فرق بين
أن ترجع فائدته للمقرض أو المقترض وغيرهما، فالمدار في المنع ما لوحظ فيه
المال ولم يكن ثابتا بغير القرض، فيجوز شرط غير ذلك، ولو شرط موضع
التسليم لزم، وكذا إذا اشترط الرهن، ولو شرط تأجيله في عقد لازم صح ولزم
الأجل، بل الظاهر جواز اشتراط الأجل في عقد القرض نفسه، فلا يحق للدائن
حينئذ المطالبة قبله.
(مسألة 1006): لو أقرضه شيئا وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من
قيمته أو يؤجره بأقل من أجرته دخل في شرط الزيادة، فلا يجوز. وأما إذا باع
المقترض المقرض شيئا بأقل من قيمته أو اشترى منه شيئا بأكثر من قيمته
وشرط عليه أن يقرضه مبلغا من المال جاز، ولم يدخل في القرض الربوي.
(مسألة 1007): يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض في قرض المثلي أن
355

يؤديه من غير جنسه، بأن يؤدي بدل الدراهم دنانير وبالعكس، ويلزم عليه هذا
الشرط إذا كانا متساويين في القيمة، أو كان ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترضه.
(مسألة 1008): إنما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، وأما إذا
شرطها للمقترض فلا بأس به، كما إذا أقرضه عشرة دنانير على أن يؤدي تسعة
دنانير، كما لا بأس أن يشترط المقترض على المقرض شيئا له.
(مسألة 1009): يجب على المدين أداء الدين فورا عند مطالبة الدائن إن قدر
عليه، ولو ببيع سلعته ومتاعه أو عقاره أو مطالبة غريمة أو استقراضه إذا لم يكن
حرجيا عليه أو إجارة أملاكه. وأما إذا لم يقدر عليه بذلك، فهل يجب عليه
التكسب اللائق بحاله والأداء منه أو لا؟ لا يبعد وجوبه. نعم، يستثنى من ذلك بيع
دار سكناه وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمل وخادمه ونحو ذلك، مما يحتاج إليه ولو
بحسب حاله وشؤونه.
والضابط: هو كل ما احتاج إليه بحسب حاله وشرفه، وكان بحيث لولاه
لوقع في عسر وشدة أو حزازة ومنقصة. ولا فرق في استثناء هذه الأشياء بين
الواحد والمتعدد، فلو كانت عنده دور متعددة واحتاج إلى كل منها لسكناه ولو
بحسب حاله وشرفه لم يبع شيئا منها، وكذلك الحال في الخادم ونحوه. نعم، إذا لم
يحتج إلى بعضها أو كانت داره أزيد مما يحتاج إليه، وجب عليه بيع الزائد. ثم إن
المقصود من كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر على بيعها لأدائه،
ولا يجب عليه ذلك. وأما لو رضى هو بذلك وقضى به دينه، جاز للدائن أخذه
وإن كان ينبغي له أن لا يرضى ببيع داره.
(مسألة 1010): لو كانت عنده دار موقوفة عليه لم يسكنها فعلا، ولكنها
كافية لسكناه، وله دار مملوكة، فإن لم تكن في سكناه في الدار الموقوفة أية حزازة
356

ومنقصة، فالأحوط بل الأظهر أن عليه أن يبيع داره المملوكة لأداء دينه.
(مسألة 1011): لو كانت عنده بضاعة أو عقار زائدة على مستثنيات الدين
ولكنها لا تباع إلا بأقل من قيمتها السوقية، وجب عليه بيعها بالأقل لأداء دينه.
نعم، إذا كان التفاوت بين القيمتين بمقدار لا يتحمل عادة ولا يصدق عليه اليسر
في هذه الحال لم يجب.
(مسألة 1012): يجوز التبرع بأداء دين الغير سواء أكان حيا أم كان ميتا
وتبرأ ذمته به، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التبرع به بإذن المدين أو بدونه، بل
وإن منعه المدين عن ذلك.
(مسألة 1013): لا يتعين الدين فيما عينه المدين، وإنما يتعين بقبض الدائن، فلو
تلف قبل قبضه فهو من مال المدين، وتبقى ذمته مشغولة به.
(مسألة 1014): إذا مات المدين حل الأجل، ويخرج الدين من أصل ماله،
وإذا مات الدائن بقي الأجل على حاله، وليس لورثته مطالبته قبل انقضاء الأجل.
وعلى هذا فلو كان صداق المرأة مؤجلا، ومات الزوج قبل حلوله، استحقت
الزوجة مطالبته بعد موته. وهذا بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فإنه ليس لورثتها
المطالبة قبل حلول الأجل، وهل يلحق بموت الزوج طلاقه أو لا؟
فيه وجهان، الظاهر هو الإلحاق؛ لانصراف اشتراط التأجيل إلى جواز
التأخير مع بقاء الزوجية.
(مسألة 1015): لا يلحق بموت المدين حجره بسبب الفلس، فلو كانت عليه
ديون حالة ومؤجلة، قسمت أمواله بين أرباب الديون الحالة ولا يشاركهم
أرباب الديون المؤجلة.
357

(مسألة 1016): لو غاب الدائن وانقطع خبره، وجب على المستدين نية
القضاء والوصية به عند الوفاة، فإن جهل خبره ومضت مدة يقطع بموته فيها،
وجب تسليمه إلى ورثته، ومع عدم معرفتهم أو مع عدم التمكن من الوصول إليهم
يتصدق به عنهم. ويجوز تسليمه إلى الورثة مع انقطاع خبره بعد مضي عشر
سنين وإن لم يقطع بموته، بل يجوز ذلك بعد مضي أربع سنين من غيبته إذا فحص
عنه في هذه المدة.
(مسألة 1017): لا تجوز قسمة الدين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم
أشخاص متعددة، كما إذا افترضنا أنهما باعا مالا مشتركا بينهما من أشخاص
عديدة أو ورثا من مورثهما دينا على أشخاص، ثم قسما الدين بينهما بعد التعديل،
فجعلا ما في ذمة بعضهم لأحدهما، وما في ذمة الباقي لآخر لم تصح، ويبقى الدين
على الاشتراك السابق بينهما. نعم، إذا كان لهما دين مشترك على واحد، جاز
لأحدهما أن يستوفي حصته منه ويتعين الباقي في حصة الآخر، وهذا ليس من
تقسيم الدين المشترك في شيء.
(مسألة 1018): تحرم على الدائن مطالبة المدين إذا كان معسرا، بل عليه
الصبر والنظرة إلى الميسرة.
(مسألة 1019): إذا اقترض دنانير مثلا، ثم أسقطتها الحكومة عن الاعتبار
وجاءت بدنانير اخرى غيرها، كانت عليه الدنانير الأولى. نعم، إذا اقترض
الأوراق النقدية المسماة ب‍ " اسكناس " ثم أسقطت عن الاعتبار، لم تسقط ذمة
المقترض بأدائها، بل عليه أداء قيمتها في زمن الإسقاط.
(مسألة 1020): قد تسأل: هل يصح بيع الدين بأقل منه أو لا؟
والجواب: أنه لا يخلو عن إشكال بل لا يبعد عدم صحته، فإذا باع الدائن
358

دينه بأقل منه، فلا يستحق المشتري من المدين الا بقدر ما دفعه إلى البائع،
ويعتبر الزائد ساقطا من ذمة المدين رأسا، وعلى هذا فتخريج خصم الكمبيالة
على أساس بيع الدين بأقل منه مشكل، وبكلمة: أن نتيجة بيع الدين بأقل منه
بمقتضى ظاهر النصوص سقوط الزائد عن ذمة المدين، ولا تكون مشغولة بعد
البيع إلا بما دفعه المشتري إلى الدائن من المبلغ بعنوان الثمن وبرائتها عن الزائد،
ومع هذا فالاحتياط بالتصالح في محله.
(مسألة 1021): لا يصح بيع الدين بالدين، ولا فرق فيه بين أن يكون
العوضان كلاهما دينا قبل البيع، كما إذا كان زيد مدينا لعمرو بحنطة في ذمته،
وعمرو مدينا لزيد بدينار كذلك، فإنه لا يجوز بيع تلك الحنطة بذلك الدينار في
الذمة؛ لأنه من بيع الدين بالدين أو يكون أحدهما دينا قبل البيع، فإنه حينئذ
يجوز بيعه بثمن حاضر، ولا يجوز بيعه بثمن في الذمة؛ لأنه داخل في بيع الدين
بالدين الممنوع شرعا.
(مسألة 1022): يجوز للمسلم قبض دينه من الذمي من ثمن ما باعه من
المحرمات، ولو أسلم الذمي بعد البيع لم يسقط استحقاقه المطالبة بالثمن، وليس
للعبد الاستدانة من دون إذن المولى، فإن فعل يضمن العين فيرد ما أخذ، ولو
تلفت ففي ذمته مثله أو قيمته، ولو أذن المولى له لزمه دون المملوك وإن أعتق،
وغريم المملوك أحد غرماء المولى، ولو أذن له في التجارة فاستدان لها، الزم المولى
مع إطلاق الإذن، وإلا تبع به بعد العتق.
(مسألة 1023): يجوز دفع مال إلى شخص في بلد ليحوله إلى صاحبه في بلد
آخر إذا كان له مال على ذمة صاحبه في ذلك البلد، بلا فرق بين أن يكون
التحويل بأقل مما دفعه أو أكثر.
359

(مسألة 1024): ما أخذه بالربا في القرض وكان جاهلا، سواء كان جهله
بالحكم أم بالموضوع، ثم علم بالحال، فإن تاب فما أخذه له وعليه أن يترك فيما
بعد.
(مسألة 1025): إذا ورث مالا فيه الربا، فإن كان مخلوطا بالمال الحلال،
فليس عليه شيء، وإن كان معلوما ومعروفا وعرف صاحبه رده إليه، وإن لم
يعرف عامله معاملة المال المجهول مالكه.
خاتمة
إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة سيما لذوي الحاجة منهم؛ لما فيه من
قضاء حاجة المؤمن وكشف كربته، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كشف عن مسلم كربة
من كرب الدنيا كشف الله عنه كربه يوم القيامة " وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أقرض مؤمنا
قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى
يؤديه "، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن
جبل احد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات وإن رفق به في طلبه تعدى
على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه
أخوه المسلم ولم يقرضه حرم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين ".
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله إلا حسب
الله له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع ماله إليه " وعنه (عليه السلام) أيضا: " مكتوب
على باب الجنة الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر " إلى غير ذلك من
الروايات.
360

كتاب الرهن
ولابد فيه من الإيجاب والقبول من أهله، ولا يعتبر في الإيجاب والقبول
التلفظ، بل يتحققان بالفعل أيضا، وفي اشتراط الإقباض إشكال أقواه ذلك.
(مسألة 1026): يشترط في الرهن أن يكون المرهون عينا مملوكة يمكن
قبضها ويصح بيعها، وأن يكون الرهن على حق ثابت في الذمة عينا كان أو
منفعة.
(مسألة 1027): يتوقف رهن غير المملوك للراهن على إجازة مالكه، ولو
ضم مملوك غيره إلى مملوكه فرهنهما، لزم الرهن في ملكه وتوقف في الضميمة على
إجازة مالكها.
(مسألة 1028): يلزم الرهن من جهة الراهن.
(مسألة 1029): رهن الحامل ليس رهنا للحمل وإن تجدد.
(مسألة 1030): فوائد الرهن للمالك، والرهن على أحد الدينين ليس رهنا
على الآخر، ولو استدان من الدائن دينا آخر وجعل الرهن على الأول رهنا
361

عليهما صح.
(مسألة 1031): يجوز للولي أن يرهن مال المولى عليه مع مصلحته.
(مسألة 1032): المرتهن ممنوع من التصرف بغير إذن الراهن، ولا بأس
بتصرف الراهن في المرهون تصرفا لا ينافي حق الرهانة، ولا يجوز له التصرف
المنافي من دون إذن المرتهن، وتقدم حكم بيع الراهن العين المرهونة مع علم
المشتري وجهله في شروط العوضين.
(مسألة 1033): لو شرط المرتهن في عقد الرهن استيفاء منافع العين في مدة
الرهن مجانا، فإن لم يرجع ذلك إلى الاشتراط في القرض أو في تأجيل الدين
صح، وكذلك ما لو شرط استيفاءها بالأجرة مدة، وإذا صح الشرط لزم العمل
به إلى نهاية المدة وإن برئت ذمة الراهن من الدين.
(مسألة 1034): لو شرط الراهن في عقد الرهن وكالة المرتهن أو غيره في
البيع لم ينعزل ما دام حيا.
(مسألة 1035): لو أوصى الراهن إلى المرتهن أن يبيع العين المرهونة ويستوفي
حقه منها، لزمت الوصية وليس للوارث إلزامه برد العين واستيفاء دينه من مال
آخر.
(مسألة 1036): حق الرهانة موروث، فإذا مات المرتهن قامت ورثته مقامه.
(مسألة 1037): المرتهن أمين لا يضمن من دون التعدي والتفريط، ويضمن
مع التفريط لمثله إن كان مثليا وإلا فلقيمته يوم التعدي. نعم، لو شرط الراهن
ضمانه على تقدير التلف، فالظاهر أنه نافذ، ولا ينافي ذلك كونه أمينا كما تقدم
تفصيله في كتاب الإجارة والمضاربة.
362

(مسألة 1038): إذا وقع الخلاف بين الراهن والمرتهن في قيمة العين المرهونة،
فادعى الراهن أن قيمتها ألف دينار مثلا وادعى المرتهن أنها تسعمائة دينار،
فالقول قول المرتهن مع يمينه، وكذلك إذا كان الاختلاف بينهما في التفريط وعدمه،
فإن القول قول المرتهن في عدم التفريط مع يمينه، وأما إذا كان الاختلاف بينهما في
مقدار الدين، فادعى الراهن الأقل والمرتهن الأكثر فالقول قول الراهن مع يمينه.
(مسألة 1039): المرتهن أحق بالعين المرهونة من باقي الغرماء إذا صار
الراهن مفلسا، ولو فضل من الدين شيء شاركهم في الفاضل، ولو فضل من
الرهن وله دين بغير رهن تساوي الغرماء فيه.
(مسألة 1040): لو تصرف المرتهن من دون إذن الراهن ضمن وعليه الأجرة.
(مسألة 1041): إذا أذن الراهن في بيع العين المرهونة قبل الأجل فباعها، فلا
يجوز له التصرف في الثمن إلا بإذن الراهن حتى بعد الأجل، باعتبار أنه ماله، فلا
يجوز له استيفاء حقه منه إلا إذا امتنع بعد الأجل، فعندئذ يجوز له الاستيفاء من
دون الإذن، كما أنه لو لم يأذن في البيع حينئذ وامتنع من وفاء الدين، جاز للمرتهن
البيع والاستيفاء بلا إذن، والأحوط - استحبابا - مراجعة الحاكم الشرعي.
(مسألة 1042): لو كان الرهن على الدين المؤجل، وكان مما يفسد قبل الأجل
كالأثمار، فإن شرط الراهن عدم بيعه قبل الأجل بطل الرهن، وإلا لزم بيعه
ويجعل ثمنه رهنا، فإن باعه الراهن أو وكيله فهو، وإن امتنع أجبره الحاكم، فإن
تعذر باعه الحاكم أو وكيله ومع فقده باعه المرتهن.
(مسألة 1043): لو خاف المرتهن جحود الوارث عند موت الراهن ولا بينة
له جاز أن يستوفي حقه من الرهن مما في يده.
363

(مسألة 1044): قد تسأل: أن ما هو المتعارف في بعض البلدان من أن المالك
لا يؤجر داره مثلا إلا أن يدفع المستأجر مبلغا معينا مسبقا، وفي مقابل دفع هذا
المبلغ فالمالك يقبل الإجارة بأقل من اجرة المثل وهل هذا جائز شرعا أو لا؟
والجواب: أنه يمكن تخريج ذلك فقهيا بأوجه متعددة:
الوجه الأول: أن المستأجر يقبل دفع المبلغ المذكور للمالك بشروط:
1 - أن لا يحق للمالك أن يخرجه من الدار بعد انتهاء فترة الإجارة، فإذا كان
يرغب للسكنى فيها، كان المالك ملزما بتجديد الإجارة مرة اخرى وهكذا.
2 - أن لا يزيد على الأجرة التي عينها في بداية الإجارة لكل شهر أو سنة
في الشهر الآتي أو السنة الاخرى وهكذا.
3 - أن يكون له انتقال هذا الحق منه إلى غيره من دون الرجوع إلى المالك،
وعلى ضوء هذا التخريج الفقهي إذا قبل المالك تلك الشروط فلا إشكال في جواز
دفع المستأجر شرعا المبلغ المحدد للمالك مقدمة، وجواز أخذ المالك له شرعا.
الوجه الثاني: أن المبلغ المذكور رهن ووثيقة على الإجارة مع إذن
المستأجر للمؤجر بالتصرف فيه بكمال الحرية مع الضمان، ولا نعني بالضمان
الضمان بالقرض، وهو التمليك على وجه الضمان بالمثل أو القيمة، لكي يجيء محذور
الربا، بل الضمان بالعقد وهو المسمى بالضمان المعاملي فإنه على نوعين: أحدهما:
نقل الدين من ذمة إلى ذمة اخرى، والآخر التعهد بالشيء وجعله في عهدته
ومسؤوليته مع بقائه في ملك مالكه، ومرد هذا التعهد إلى اشتغال ذمة المتعهد
ببدله على تقدير التلف، والضمان هنا من النوع الثاني، ثم إن المؤجر يشترط على
المستأجر أن يكون الربح ملكا له بنحو شرط النتيجة، لا بمعنى: أنه يدخل في
364

ملكه ابتداء، فإنه شرط مخالف لقانون المعاوضة والتبعية شرعا، بل بمعنى: أنه
يدخل في ملكه في طول دخوله في ملك المستأجر، وهذا لا بأس به، وفي مقابل
ذلك يشترط المستأجر على المؤجر أن يتنازل عن الأجرة الاعتيادية ويؤجر
بأقل من اجرة المثل، وعلى ضوء هذا التخريج الفقهي أيضا لا إشكال في المسألة
شرعا.
الوجه الثالث: أن دفع المبلغ المذكور قرض من المستأجر للمؤجر، ولكن
بجعل القرض شرطا في ضمن الإجارة، فيؤجر المالك بأقل من اجرة المثل
مشروطا بإقراض المستأجر مبلغا معينا له. نعم، لو شرط المستأجر على المؤجر
أن يؤجر بأقل من اجرة المثل في ضمن عقد القرض فهو ربا ومحرم.
(مسألة 1045): إذا اختلفا فادعى أحدهما أن العين وديعة، وادعى الآخر
أنها رهن، فالقول قول مدعي الوديعة إذا رجعت إلى دعوى ثبوت الدين وعدم
ثبوته، على أساس أن من يدعي أنها الوديعة عنده ينكر الدين، ومن يدعي أنها
رهن يثبت الدين، فمن أجل ذلك يكون القول قول مدعي الوديعة، وأما إذا لم
ترجع إليها، فالقول قول من يدعي أنها رهن، فإنه يدعي في الحقيقة عدم جواز
رجوع المالك إليها، ومن يدعي أنها وديعة يدعي جواز رجوع المالك إليه،
فلذلك يكون القول قول مدعي الرهن دون الوديعة.
365

كتاب الحجر
وأسبابه امور:
الأول: الصغر، فالصغير ممنوع من التصرف، حتى يبلغ ويعلم بنبت الشعر
الخشن على العانة أو الاحتلام، من دون فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، أو إكمال
خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الأنثى، وأما الحيض في الأنثى فهل هو علامة
للبلوغ أو لا؟ والجواب: أنه كاشف عن سبق البلوغ لا أنه علامة له، والصبي كما
أنه لا ينفذ تصرفه في أمواله لا ينفذ تصرفه في ذمته، فلا يصح منه البيع والشراء
في الذمة ولا الاقتراض وإن بلغ في وقت الأداء، وكذا لا ينفذ منه التزويج
والطلاق ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملا في المضاربة والمزارعة ونحو
ذلك، إلا بعد البلوغ والرشد، ونقصد بالرشد زائدا على البلوغ أنه صفة في
الإنسان التي تبعث صاحبها على السلوك العقلائي في التصرف في أمواله
ومعاملاته وتمنعه عن الإفساد والصرف في الوجوه غير اللائقة وغير العقلائية.
الثاني: الجنون، فلا يصح تصرفه إلا في أوقات إفاقته.
366

الثالث: السفه، فيحجر السفيه من التصرف في أمواله شرعا، ولا يكون
تصرفه فيها نافذا، والظاهر اختصاص حجره بأمواله، فيجوز أن يكون وكيلا
من قبل غيره في التصرف في أمواله كالبيع والشراء ونحوها، ويعلم الرشد
بإصلاح ماله عند اختباره، بحيث يسلم من المغابنات والتصرفات غير العقلائية،
ولا يزول الحجر مع فقد الرشد وإن طعن في السن، ويثبت الرشد في الرجال
بشهادة أمثالهم، وفي النساء بشهادة الرجال وكذلك بشهادتهن.
الرابع: الملك، فلا ينعقد تصرف المملوك من دون إذن مولاه، ولو ملكه
مولاه شيئا ملكه على الأصح، وكذا غيره إذا كان بإذن المولى.
الخامس: الفلس ويحجر على المفلس بشروط أربعة:
1 - ثبوت ديونه عند الحاكم. 2 - حلولها. 3 - قصور أمواله عنها.
4 - مطالبة أربابها من الحاكم المنع، والحجر من جهة مماطلته على غراماته، وإذا
حجر عليه الحاكم لم يجز تصرفه في ماله.
(مسألة 1046): قد تسأل: أن المفلس بعد الحجر والمنع عن التصرف في
أمواله إذا اقترض أو اشترى في الذمة، فهل يشارك المقرض أو البائع الغرماء أو
لا؟
والجواب: أن المشهور عدم المشاركة، على أساس أن أمواله بعد الحجر
أصبحت متعلقة لحق الغرماء الموجودين حين حكم الحاكم بالحجر، وعلى هذا
فالاقتراض أو الاشتراء في الذمة لا يوجب اشتراك المقرض أو البائع معهم؛
لاستلزامه تضييع حقهم، ولكنه لا يخلو عن إشكال، ولا يبعد الاشتراك باعتبار
أن الثابت شرعا هو أن المدين إذا ماطل على غرمائه ورفع الأمر إلى الحاكم
الشرعي، أمره الحاكم بتقسيم أمواله بينهم بحسب حصصهم فإن امتنع يقوم
367

الحاكم الشرعي بذلك، وليست هناك أي إشارة إلى أن أمواله أصبحت متعلقة
لحق الغرماء؛ إذ ليس هنا إلا حكم الحاكم بتقسيم الأموال والمنع من التصرف
فيها، ولا دلالة فيه على أن حقهم تعلق بها، ولا دليل على انه ممنوع من كل
التصرف حتى من الاقتراض والشراء في الذمة وغيرهما، وعلى هذا فإذا اقترض
أو اشترى في الذمة، فإن كان قبل القسمة شارك المقرض أو البائع مع الغرماء فيها
على الأظهر، كما أن المال المقروض أو المبيع يدخل في القيمة كسائر أمواله، ومن
هنا يظهر حكم ما إذا أتلف مال غيره بعد أمر الحاكم بالقسمة وقبل أعمالها
خارجا.
وأولى من ذلك ما إذا أقر المفلس بدين سابق أو بعين كذلك، فإنه نافذ
حتى لو قلنا بأن أمواله متعلقة لحق الغرماء، وعدم جواز تصرفه فيها، على
أساس أن اقراره بذلك ليس تصرفا في أمواله بعد الحجر من جديد، بل هو
اعتراف منه بدين سابق وأن صاحبه من الغرماء، وكذلك اعترافه بالعين فإنه
ليس تصرفا منه في أمواله من جديد حتى يكون ممنوعا، بل هو اعتراف بحق
شخص قبل الحجر، وعلى هذا فإن كانت العين موجودة فعلا أخذها صاحبها،
وإن كانت في الذمة شارك صاحبها مع الغرماء.
(مسألة 1047): للمفلس إجازة بيع الخيار وإمضائه، وهل له فسخه أيضا
أو لا؟ الظاهر أن له ذلك، باعتبار أنه ليس من التصرف في ماله بعد الحجر من
جديد، بل هو إعمال حقه الثابت له قبل الفلس والحجر، ولا مانع منه حتى
على القول بأن أمواله متعلقة لحق الغرماء.
(مسألة 1048): إذا وجد البائع عين ماله في أموال المفلس التي اشتراها منه
في الذمة، فإن كان قبل حلول الأجل، فلا خيار له بين أن يأخذ العين وبين
368

الضرب مع الغرماء، وإن كان بعد حلول الأجل كان له الخيار بينهما، فله حينئذ
أن يفسخ البيع ويأخذ العين من بين أمواله، وبين أن يشارك مع الغرماء بالثمن.
(مسألة 1049): إذا زادت في العين المبيعة زيادة متصلة، فهل هي تتبع
الأصل، فيرجع البائع إليها إذا فسخ العقد ورجع إلى العين أو لا؟
والجواب: أن الزيادة المتصلة إذا كانت من قبيل السمن والطول ونحوهما
مما لا يمكن انفصاله عنها، فهي كالأصل ترجع إلى البائع، وأما إذا كانت من
قبيل الصوف والثمرة للشجرة ونحوهما مما يمكن انفصاله عن الأصل، فالظاهر
أنها لا ترجع إلى البائع، على أساس أنها مال زائد على أصل المبيع، والفسخ
إنما يقتضي رجوع المبيع إلى البائع من حينه لا من الأول، ومن هنا يظهر حال
الزيادة المنفصلة.
(مسألة 1050): قد تسأل: أن المقرض إذا وجد العين المقترضة في أموال
المفلس، فهل يسوغ له أن يأخذ العين أو يشارك مع الغرماء؟
والجواب: إن كان ذلك قبل حلول الأجل، فلا حق له لا في أخذ العين ولا
في المشاركة مع الغرماء، وإن كان بعده كان من أحد الغرماء، ولا يجوز له أن يأخذ
العين لأنها ملك للمفلس وذمته مشغولة ببدلها من المثل أو القيمة، ولا يكون
فلسه سببا لخروجها عن ملكه ودخولها في ملك المقرض مرة ثانية، فلا يكون
المقرض كالبائع.
(مسألة 1051): إذا وجد البائع عين ماله مخلوطا بجنسها أو بغير جنسها من
المفلس، فهل له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله أو يشارك مع الغرماء؟
والجواب: أن الخلط إذا كان على نحو لا يعد ماله عرفا من التالف، فله
369

الفسخ والرجوع إلى عين ماله، كما إذا كان المبيع حنطة وقد خلطها بحنطة اخرى
أو بشعير، وإن عد تالفا كان من أحد الغرماء.
(مسألة 1052): زيد اشترى من خالد فرسا مثلا في الذمة، ثم مات زيد قبل
أن يوفي ثمنه، وكان الفرس موجودا في تركته، فحينئذ إن فسخ البائع البيع رجع
الفرس إليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما تركه وافيا بدين غرمائه أو لا، أما
على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن الفرس بشخصه ملك للبائع ولا يحسب
من تركته لكي يوزع على غرمائه، فإن التركة إنما توزع عليهم بالنسبة إذا ظلت
في ملك الميت، والفرض أن الفرس في المثال قد خرج عن ملكه بفسخ البائع
وعاد إلى ملكه مرة ثانية، فمن أجل ذلك لا معنى لأن يكون البائع من أحد غرماء
الميت ويوزع الفرس - كغيره - على الجميع بالنسبة، وأما إذا لم يفسخ البيع فيكون
البائع من أحد الغرماء؛ لأن الفرس حينئذ - كغيره من تركته - ملك للميت،
وذمته مشغولة للبايع بثمنه.
(مسألة 1053): إذا اشترى حبا فزرعه وأحصد أو بيضة فأحضنها وصار
منها فرخ ثم صار المشتري مفلسا، ففي هذه الحالة إذا فسخ البائع البيع فليس له
أخذ ما حصده أو الفرخ؛ لأنه ليس عين ماله، بل يرجع إليه بالبدل في ذمته من
المثل أو القيمة، وعندئذ يكون البائع من أحد الغرماء.
(مسألة 1054): للشفيع أخذ الشقص، ويضرب البائع مع الغرماء، وإذا كان
في التركة عين زكوية قدمت الزكاة على الديون، وكذلك الخمس، وإذا كانا في ذمة
الميت كانا كسائر الديون.
(مسألة 1055): لو أفلس بثمن أم الولد بيعت أو أخذها البائع بعد موت
الولد، وأما قبله ففيه إشكال، والجواز أظهر.
370

(مسألة 1056): لا يحل مطالبة المعسر ولا إلزامه بالتكسب إذا لم يكن من
عادته وكان عسرا عليه، ولا بيع دار سكناه اللائقة بحاله ولا عبد خدمته ولا
غيره مما يعسر عليه بيعه، كما تقدم في كتاب الدين.
(مسألة 1057): لا يحل بالحجر الدين المؤجل، ولو مات من عليه الدين حل،
ولا يحل بموت صاحبه.
(مسألة 1058): ينفق على المفلس من ماله إلى يوم القسمة، وعلى عياله، ولو
مات قدم الكفن وغيره من واجبات التجهيز.
(مسألة 1059): يقسم المال على الديون الحالة بالتقسيط، ولو ظهر دين حال
بعد القسمة نقضت وشاركهم، ومع القسمة يطلق سراحه من الحبس ويزول
الحجر بالأداء.
(مسألة 1060): الولاية في مال الطفل والمجنون والسفيه إذا بلغا كذلك للأب
والجد له، فإن فقدا فللوصي إذا كان وصيا في ذلك، فإن فقد فللحاكم، وفي مال
السفيه والمجنون اللذين عرض عليهما السفه والجنون بعد البلوغ للحاكم خاصة.
371

كتاب الضمان
الضمان هو نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن للمضمون
له، وهو مفاد عقد الضمان.
(مسألة 1061): يعتبر في الضمان الإيجاب من الضامن، والقبول من المضمون
له بكل ما يدل على تعهد الأول بالدين، ورضا الثاني بذلك.
(مسألة 1062): الأظهر اعتبار التنجيز في عقد الضمان، فالتعليق على أمر
مشكوك الحصول باطل.
وهنا معنى آخر للضمان، وهو: تعهد الشخص بالشيء وجعله في
مسؤوليته، ومرد هذا التعهد إلى اشتغال ذمته بقيمته على تقدير التلف، كما إذا
تعهد المستأجر بالعين المستأجرة، ومعنى هذا التعهد: أنه جعلها على عهدته
ومسؤوليته، ومرجع ذلك إلى اشتغال ذمته بقيمتها على تقدير تلفها، وإذا كان هذا
التعهد متعلقا بالدين فهو لا يتطلب نقل الدين إلى ذمة المتعهد من ذمة المدين، بل
يتطلب تعهد المتعهد بوفاء ذلك الدين: بمعنى أنه جعل نفسه مسؤولة عن إداء
372

الدين، أي: عن خروج المدين عن عهدة الدين وتفريغ ذمته، ومن هنا ليس
للدائن أن يرجع ابتداء على الضامن وهو المتعهد ويطالبه بالدين لأن الضامن
بهذا المعنى ليس مسؤولا مباشرا عن الدين، كما هو كذلك في الضامن بالمعنى
الأول، بل هو مسؤول ومتعهد بأداء المدين دينه وخروجه عن عهدته، ومثل هذا
التعهد يوجب ثقة الدائن بأن دينه مضمون، واستحقاقه المطالبة من الضامن
والمتعهد إذا امتنع المدين عن الوفاء والأداء، فإذا امتنع عن ذلك اشتغلت ذمة
المتعهد بالأداء، على أساس أن أداء الدين ذو قيمة مالية، وهي قيمة الدين، فإذا
تلف الأداء على الدائن بامتناع المدين عنه قصورا أو تقصيرا، فأصبح مضمونا
على المتعهد بمقتضى تعهده، وتشتغل ذمته بقيمة الأداء التي هي قيمة الدين، ومن
هنا يظهر أن الضمان بهذا المعنى لا يرجع إلى ضم ذمة إلى ذمة أو ضم مسؤولية إلى
مسؤولية، فإن معنى الضم هو: أن كلا الشخصين من المدين والضامن مسؤول
أمام الدائن في عرض واحد، وله أن يرجع إلى أي منهما شاء، وهذا بخلاف المقام،
فإن المدين مسؤول عن ذات المبلغ ومشغول الذمة بها، والضامن مسؤول عن
أداء المدين ذلك المبلغ وخروجه عن عهدة مسؤوليته أمامه، فلهذا لا يرجع
الدائن إلى الضامن ابتداء، بل بعد امتناع المدين عن الأداء قصورا أو تقصيرا،
فتكون مسؤولية الضامن في طول مسؤولية المدين، ومن الضمان بهذا المعنى ما إذا
تعهد ثالث للبائع بوفاء المشتري للثمن، فإن معنى ذلك: أن المشتري إذا امتنع عن
الوفاء والأداء كان للبائع أن يرجع إلى الضامن وهو المتعهد؛ لأن مرجع تعهده إلى
اشتغال ذمته بقيمة الأداء عند امتناع المشتري عنه، ومنه قبول البنك للكمبيالة،
فإن نتيجته اشتغال ذمة البنك بقيمة الكمبيالة، لكن لا في عرض اشتغال ذمة
المدين ولا بدلا عنه، بل في طول امتناعه عن الأداء كما مر.
وهذا الضمان موافق للارتكاز العقلائي ويتصور في الديون والأعيان
373

الخارجية معا، وهو نوع من الضمان المعاملي ومشمول للعمومات، ثم إن الضمان
بهذا المعنى ليس ضمانا مطلقا ومنجزا، بل هو مشروط ومعلق على التلف أو
امتناع المدين عن الأداء.
(مسألة 1063): يعتبر في الضامن والمضمون له البلوغ والعقل والاختيار،
وأما في المديون فلا يعتبر شيء من ذلك، فلو ضمن شخص ما على المجنون أو
الصغير من الدين صح.
(مسألة 1064): إذا دفع الضامن ما ضمنه إلى المضمون له، رجع به إلى
المضمون عنه إذا كان الضمان بطلبه، وإلا لم يرجع.
(مسألة 1065): إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن عن تمام الدين برأت ذمته،
ولا يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه، وإذا أبرأ ذمته عن بعضه برئت عنه، ولا
يرجع إلى المضمون عنه بذلك المقدار، وإذا صالح المضمون له الضامن بالمقدار
الأقل، فليس للضامن مطالبة المضمون عنه إلا بذلك المقدار دون الزائد، وكذا
الحال لو ضمن الدين بمقدار أقل من الدين برضا المضمون له. والضابط: أن
الضامن لا يطالب المضمون عنه إلا بما خسر دون الزائد، ومنه يظهر أنه ليس له
المطالبة في صورة تبرع أجنبي لأداء الدين.
(مسألة 1066): عقد الضمان لازم، فلا يجوز للضامن فسخه، ولا للمضمون
له، بلا فرق في ذلك بين الضمان بالمعنى الأول أو الثاني.
(مسألة 1067): قد تسأل: هل يثبت الخيار لكل من الضامن والمضمون له
بالاشتراط أو بغيره؟
والجواب: أن الثبوت لا يخلو عن قوة؛ إذ لا مانع من أن يشترط لكل من
374

الضامن والمضمون له الخيار في عقد الضمان، ولا ينافي مقتضاه، فإنه انتقال الدين
من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، أو تعهد الضامن بالأداء عند امتناع
المدين، وإذا ثبت الخيار وفسخ العقد كان مقتضاه انتقال الدين من ذمة الضامن
إلى مكانه الأول، وهو ذمة المضمون عنه في الضمان بالمعنى الأول، ورفع التعهد
والمسؤولية عن الضامن في الضمان بالمعنى الثاني، ورجوعه إلى حالته الأولى،
وهي الحالة قبل التعهد والمسؤولية، ولا مانع من ذلك؛ لأن فسخ العقد معناه حله
ورفع مقتضاه، سواء كان مقتضاه التعهد بشيء وقبول مسؤوليته، أم نقل مال من
ملك شخص إلى ملك آخر، أومن ذمة فرد إلى ذمة فرد آخر.
(مسألة 1068): إذا كان الدين حالا وضمنه الضامن مؤجلا، فيكون الأجل
للضمان لا للدين، فلو أسقط الضامن الأجل وأدى الدين حالا، فله مطالبة
المضمون عنه كذلك، وكذا إذا مات الضامن قبل انقضاء الاجل المذكور، فإنه قد
حل، وإذا أداه الورثة من تركته، كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
(مسألة 1069): إذا كان الدين مؤجلا وضمنه شخص كذلك، ثم أسقط
الأجل وأدى الدين حالا، فليس له مطالبة المضمون عنه قبل حلول الأجل.
وكذا الحال إذا مات الضامن في الأثناء، فإن المضمون له يأخذ المال المضمون من
تركته حالا، ولكن ليس لورثته مطالبة المضمون عنه قبل حلول الأجل.
(مسألة 1070): إذا كان الدين مؤجلا وضمنه شخص حالا بإذن المضمون
عنه، وأدى الدين، فالظاهر جواز الرجوع إليه بعد أداء الدين؛ لأنه المتفاهم
العرفي من إذنه بذلك.
(مسألة 1071): إذا كان الدين مؤجلا وضمنه بأقل من أجله - كما إذا كان
أجله ثلاثة أشهر مثلا وضمنه بمدة شهر وأداه بعد هذه المدة، وقبل حلول الأجل
375

- فليس له مطالبة المضمون عنه بذلك قبل انقضاء الأجل الأول، وهو أجل
الدين، وإذا ضمنه بأكثر من أجله، ثم أسقط الزائد وأداه، فله مطالبة المضمون
عنه بذلك، وكذا الحال إذا مات الضامن بعد انقضاء أجل الدين وقبل انقضاء المدة
الزائدة.
(مسألة 1072): إذا أحتسب المضمون له ما على ذمة الضامن خمسا أو زكاة
بإجازة من الحاكم الشرعي أو صدقة، فالظاهر أن للضامن أن يطالب المضمون
عنه بذلك، وكذا الحال إذا أخذه منه ثم رده إليه بعنوان الهبة أو نحوها، وهكذا إذا
مات المضمون له وورث الضامن ما في ذمته.
(مسألة 1073): يجوز الضمان بشرط الرهانة من المضمون عنه.
(مسألة 1074): إذا كان على الدين الثابت في ذمة المضمون عنه رهن، فهو
ينفك بالضمان بانفكاك موضوعه، على أساس أن الدين ينتقل به من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فلا يبقى موضوع للرهن على الدين في ذمته،
وكذلك ينفك بالضمان بالمعنى الثاني، فإن الضامن إذا تعهد بالأداء لو امتنع المدين
عنه وجعله في عهدته ومسؤوليته، لم يبق موضوع للرهن والوثيقة.
(مسألة 1075): إذا ضمن شخصان مثلا عن واحد، فلا يخلو من أن يكون إما
بنحو العموم المجموعي أو بنحو العموم الاستغراقي، فعلى الأول يقسط الدين
عليهما، وعلى الثاني يكون كل واحد منهما ضامنا بالمعنى الثاني، وهو تعهد كل
منهما بأداء الدين إذا امتنع المدين عنه، وأما الضمان بالمعنى الأول - وهو انتقال
الدين إلى ذمة كل منهما في عرض الآخر - فهو غير متصور، وأما على نحو تعاقب
الأيدي فقد تقدم أن ضمان غير من تلف المال تحت يده من الأيادي السابقة،
بمعنى: التعهد وجعل إيصال المال إلى صاحبه في عهدتها ومسؤوليتها لا اشتغال
376

ذمتها ببدله من المثل أو القيمة على الأظهر، وعلى هذا فإذا أبرأ المضمون له في
المقام أحدهما بخصوصه، برأت ذمته من التعهد والمسؤولية دون الآخر.
(مسألة 1076): إذا كان مديونا لشخصين، صح ضمان شخص لهما أو لأحدهما
المعين، ولا يصح ضمانه لأحدهما لا على التعيين، حتى الضمان بالمعنى الثاني وهو
التعهد والالتزام بالأداء عند امتناع المدين عنه، فإن متعلقه إذا لم يكن معينا
خارجا فلا أثر له، وكذا الحال إذا كان شخصان مديونين لواحد، فضمن عنهما
شخص، فإن كان ضمانه عنهما أو عن أحدهما المعين صح، وإن كان عن أحدهما لا
على التعيين لم يصح.
(مسألة 1077): إذا كان المديون فقيرا وضمن شخص عنه، لم يجز له أن يفي
الدين من الخمس أو الزكاة أو المظالم. ولا فرق في ذلك بين أن تكون ذمة الضامن
مشغولة بها فعلا أم لا.
(مسألة 1078): إذا كان الدين الثابت على ذمة المدين خمسا أو زكاة، صح أن
يضمن عنه شخص للحاكم الشرعي أو وكيله بكلا معنيي الضمان.
(مسألة 1079): إذا ضمن شخص في مرض موته صح الضمان، ويخرج المال
المضمون من أصل تركته. هذا إذا كان الضمان بالمعنى الأول، وأما إذا كان بالمعنى
الثاني - وهو جعل أداء الدين في عهدته ومسؤوليته - فهل الأمر كذلك أيضا أو
لا؟ والجواب: نعم، وذلك لما مر من أن مرده إلى اشتغال ذمته بقيمة الأداء على
تقدير امتناع المدين عنه وهي قيمة الدين، وعلى هذا فهو مدين، وإذا مات أخرج
دينه من أصل تركته، وحينئذ فإن كان الضمان بإذن المضمون عنه ترجع الورثة
إلى المضمون عنه وإلا فلا.
(مسألة 1080): يصح أن يضمن شخص للمرأة نفقاتها الماضية. وأما ضمانه
377

لنفقاتها الآتية فالظاهر أنه لا مانع منه أيضا، على أساس أنها دين على الزوج،
فإذا ضمن عنه انتقلت إلى ذمة الضامن، وأما ضمانها بمعنى آخر وهو التعهد بها
على تقدير امتناع الزوج عن الإنفاق، فلا إشكال فيه. وأما نفقة الأقارب فلا
يصح ضمانها بمعنى: نقل الدين من ذمة إلى ذمة بلا إشكال لأنها مجرد تكليف
ولا ذمة في البين. نعم، لا بأس بضمانها بمعنى التعهد بها على تقدير الامتناع عن
الإنفاق.
(مسألة 1081): يصح ضمان الأعيان الخارجية بمعنى: كون العين في عهدة
الضامن ومسؤوليته، وأثر ذلك وجوب رد بدلها من المثل أو القيمة عند تلفها
والامتناع من ردها. ومن هذا القبيل ضمان شخص عهدة الثمن للمشتري، إذا ظهر
المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع من جهة اخرى، والضابط: أن الضمان في
الأعيان الخارجية بمعنى التعهد لا بمعنى الثبوت في الذمة، فهو قسم آخر من
الضمان كما تقدم شرحه.
(مسألة 1082): لا يصح ضمان درك ما يحدثه المشتري في الأرض المشتراة
من بناء أو غرس أو نحو ذلك، إذا ظهر كون الأرض مستحقة للغير، بمعنى اشتغال
ذمته به فعلا؛ لأنه غير معقول؛ إذ لم يحدث المشتري فيها شيئا حتى تكون ذمته
مشغولة بدركه بعد، وأما ضمانه بمعنى التعهد به على التقدير المذكور، فلا مانع منه.
(مسألة 1083): إذا قال شخص لآخر: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه،
فألقاه ضمنه، سواء أكان لخوف غرق السفينة أم لمصلحة اخرى من خفتها أم
نحوها، وهكذا إذا أمره بإعطاء دينار مثلا لفقير أو أمره بعمل لآخر أو لنفسه،
فإنه يضمن إذا لم يقصد المأمور المجانية.
(مسألة 1084): إذا اختلف الدائن والمدين في أصل الضمان - كما إذا ادعى
378

المديون الضمان وأنكره الدائن - فالقول قول الدائن، وهكذا إذا ادعى المديون
الضمان في تمام الدين، وأنكره المضمون له في بعضه.
(مسألة 1085): إذا ادعى الدائن على أحد الضمان فأنكره، فالقول قول
المنكر، وإذا اعترف بالضمان واختلفا في مقداره، بأن يدعي الدائن الضمان في تمام
الدين ويدعي الضامن الضمان في بعضه أو في اشتراط التعجيل، إذا كان الدين
مؤجلا، بأن يدعي الدائن التعجيل ويدعي الضامن عدمه، فالقول قول الضامن،
وإذا اختلف الدائن والمدين في اشتراط التأجيل مع كون الدين حالا، أو في وفائه
للدين، أو في إبراء المضمون له، كما إذا ادعى المدين اشتراط التأجيل والدائن
عدمه أو الوفاء بالدين، والدائن عدم الوفاء أو الإبراء والدائن عدمه، فإن القول
قول الدائن في جميع هذه الفروض.
(مسألة 1086): إذا اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه أو في
وفاء الضامن للدين، أو في مقدار الدين المضمون، أو في اشتراط شيء على
المضمون عنه، قدم قول المضمون عنه في جميع هذه الموارد.
(مسألة 1087): إذا أنكر المدعى عليه الضمان، ولكن استوفى المضمون له
الحق منه بإقامة بينة، فليس له مطالبة المضمون عنه؛ لاعترافه بأن المضمون له
أخذ المال منه ظلما.
(مسألة 1088): إذا ادعى الضامن الوفاء، وأنكر المضمون له وحلف، فليس
للضامن الرجوع إلى المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك.
(مسألة 1089): يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن زيد دين عمرو، ويضمن
بكر عن زيد وهكذا، فتبرأ ذمة غير الضامن الأخير وتشتغل ذمته للدائن، فإذا
أداه رجع به إلى سابقه وهو إلى سابقه وهكذا إلى أن ينتهي إلى المدين الأول، هذا
379

إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه، وإلا فلا رجوع عليه، فلو كان ضمان زيد بغير
إذن عمرو، وكان ضمان بكر بإذن زيد وأدى بكر الدين، رجع به إلى زيد ولا
يرجع زيد إلى عمرو.
380

كتاب الحوالة
الحوالة هي تحويل المدين ما في ذمته من الدين إلى ذمة غيره بإحالة
الدائن عليه.
(مسألة 1090): يعتبر في الحوالة الإيجاب من المحيل والقبول من المحال بكل
ما يدل عليهما من لفظ أو فعل أو كتابة.
(مسألة 1091): يشترط في المحيل والمحال البلوغ والعقل والرشد، كما يعتبر
عدم التفليس في المحيل إلا في الحوالة على البريء، فإنه يجوز فيها أن يكون المحيل
مفلسا، ويعتبر في المحيل والمحال الاختيار، وفي اعتباره في المحال عليه إشكال،
والأظهر عدم الاعتبار إلا في الحوالة على البريء أو بغير الجنس، فيعتبر عندئذ
قبول المحال عليه برضاه واختياره.
(مسألة 1092): يعتبر في الحوالة أن يكون الدين ثابتا في ذمة المحيل، فلا
تصح الحوالة مما يستقرضه.
(مسألة 1093): يشترط في الحوالة أن يكون المال المحال به معينا، فإذا كان
381

شخص مدينا لآخر بمن من الحنطة ودينار، لم يصح أن يحيله بأحدهما من غير
تعيين. نعم، يصح أن يحيله بالجامع وجعل تعيينه بيد المحال.
(مسألة 1094): يكفي في صحة الحوالة تعين الدين واقعا وإن لم يعلم المحيل
والمحال بجنسه أو مقداره حين الحوالة. فإذا كان الدين مسجلا في الدفتر، فحوله
المدين على شخص قبل مراجعته فراجعه، وأخبر المحال بجنسه ومقداره صحت
الحوالة.
(مسألة 1095): للمحال أن لا يقبل الحوالة وإن لم يكن المحال عليه فقيرا ولا
مماطلا في أداء الحوالة.
(مسألة 1096): لا يجوز للمحال عليه البريء مطالبة المال المحال به من المحيل
قبل أدائه إلى المحال، وإذا تصالح المحال مع المحال عليه على أقل من الدين، لم يجز
أن يأخذ من المحيل إلا الأقل.
(مسألة 1097): لا فرق في المال المحال به بين أن يكون عينا في ذمة المحيل، أو
منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، كخياطة ثوب ونحوها، بل ولو مثل الصلاة
والصوم والحج والزيارة والقراءة وغير ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن تكون
الحوالة على البريء أو على المشغول ذمته، كما لا فرق بين أن يكون المال المحال به
مثليا أو قيميا.
(مسألة 1098): الحوالة عقد لازم، فليس للمحيل والمحال فسخه. نعم، لو
كان المحال عليه معسرا حين الحوالة، وكان المحال جاهلا به جاز له الفسخ بعد
علمه بالحال وإن صار غنيا فعلا لأن الخيار لا يزول بتبدل فقره باليسار، وأما إذا
كان حين الحوالة موسرا أو كان المحال عالما بإعساره، فليس له الفسخ، أما على
الأول فلأن الفقر الطارئ لا يوجب الخيار، وأما على الثاني فلأنه لا يجب على
382

المحال قبول الحوالة، ولو كان على غير مماطل لأنه غير ملزم بقبول الدين من غير
المدين له مباشرة، ولكن إذا قبلها لزم وإن كانت على فقير معسر، وعلى هذا فإذا
علم بإعسار المحال عليه، ومع ذلك قبل الحوالة عليه فلا خيار له.
(مسألة 1099): يجوز جعل الخيار لكل من المحيل والمحال والمحال عليه.
(مسألة 1100): لو أدى المحيل نفسه الدين، فإذا كان بطلب من المحال عليه
وكان مدينا، فله أن يطالب المحال عليه بما أداه، وأما إذا لم يكن بطلبه، أو لم
يكن مدينا له، فليس له ذلك.
(مسألة 1101): إذا تبرع أجنبي عن المحال عليه برأت ذمته، وكذا إذا ضمن
شخص عنه برضا المحال.
(مسألة 1102): إذا طالب المحال عليه المحيل بما أداه، وادعى المحيل أن له عليه
مالا وأنكره المحال عليه، فالقول قوله مع عدم البينة، فيحلف على برائته.
(مسألة 1103): تصح الحوالة بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة من السيد
على مكاتبه، سواء أكانت قبل حلول النجم أم بعده، وبها يتحرر المكاتب لبراءة
ذمته لمولاه، وتشتغل ذمته للمحال، ولا يتوقف تحرره على قبوله الحوالة، لفرض
أنه مدين لمولاه.
(مسألة 1104): إذا كان للمكاتب دين على أجنبي، فأحال المكاتب سيده
عليه بمال الكتابة، فقبلها صحت الحوالة وينعتق المكاتب، سواء أدى المحال عليه
المال للسيد أم لا.
(مسألة 1105): إذا اختلف الدائن والمدين في أن العقد الواقع بينهما كان
حوالة أو وكالة، فمع عدم قيام البينة يقدم قول منكر الحوالة، سواء أكان هو
383

الدائن أم المدين.
(مسألة 1106): إذا كان زيد مدينا لبكر بالدينار العراقي، وبكر مدينا
لعمرو بالعملة الأجنبية كالتومان الإيراني مثلا، فأحال بكر عمروا على زيد،
فإن كانت الحوالة بالعملة الأجنبية، فهي حوالة على البريء، باعتبار أن ذمة
زيد مشغولة بالدينار العراقي الداخلي دون العملة الأجنبية، فصحة هذه الحوالة
منوطة بقبول المحال عليه، وإن كان الغرض منها المحاولة لتسديد الدين الذي
عليه من عمرو، فهو من الوفاء بغير الجنس، فإذا رضى الدائن بذلك فلا مانع
منه، ويمكن أن تصبح الحوالة هنا حوالة على المدين واقعا إذا سبقتها مبادلة بين
العملة الداخلية والعملة الأجنبية، بأن يبيع بكر ما في ذمة زيد من العملة
الداخلية بالعملة الأجنبية، فإذا قبل زيد اشتغلت ذمته بالعملة الأجنبية، وبعد
ذلك إذا أحال بكر عمروا على زيد بالعملة الأجنبية، كانت من الحوالة على
المدين، هذا كله في التحويل الخارجي وأما في التحويل الداخلي، كما إذا كان
كل من زيد وبكر في المثال مدينا بالعملة الداخلية، فتكون الحوالة حوالة على
المدين.
384

كتاب الكفالة
الكفالة هي التعهد بإحضار المدين وتسليمه إلى الدائن عند طلبه ذلك.
(مسألة 1107): تصح الكفالة بالإيجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده
والتزامه، والقبول من الدائن بكل ما يدل على رضاه بذلك.
(مسألة 1108): يعتبر في الكفيل العقل والبلوغ والاختيار والقدرة على
إحضار المدين وعدم السفه، ولا يشترط في الدائن البلوغ والرشد والعقل
والاختيار، فتصح الكفالة للصبي والسفيه والمجنون إذا قبلها الولي.
(مسألة 1109): تصح الكفالة بإحضار المكفول إذا كان عليه حق مالي، ولا
يشترط العلم بمبلغ ذلك المال.
(مسألة 1110): إذا كان المال ثابتا في الذمة، فلا شبهة في صحة الكفالة، وأما
إذا لم يكن ثابتا في الذمة فعلا، ولكن وجد سببه كالجعل في عقد الجعالة
وكالعوض في عقد السبق والرماية وما شاكل ذلك، ففي صحة الكفالة في هذه
الموارد إشكال، والصحة أقرب.
385

(مسألة 1111): الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل إلا
بالإقالة، أو بجعل الخيار له.
(مسألة 1112): إذا لم يحضر الكفيل المكفول، فأخذ المكفول له المال من
الكفيل، فإن لم يأذن المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء، فليس للكفيل
الرجوع عليه والمطالبة بما أداه، وإذا أذن في الكفالة والأداء أو أذن في الأداء
فحسب، كان له أن يرجع عليه، وإن أذن له في الكفالة دون الأداء، فالظاهر
عدم رجوعه عليه بما أداه، وإن كان غير متمكن من إحضاره عند طلب
المكفول له ذلك.
(مسألة 1113): يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار
المكفول، فإذا احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر، ولم تكن فيها مفسدة دينية
وجبت الاستعانة به.
(مسألة 1114): إذا كان المكفول غائبا واحتاج إحضاره إلى مؤنة، فالظاهر
أنها على الكفيل، إلا إذا كان صرفها بإذن من المكفول.
(مسألة 1115): إذا نقل المكفول له حقه الثابت على المكفول إلى غيره ببيع أو
صلح أو حوالة أو هبة، بطلت الكفالة.
(مسألة 1116): إذا أخرج أحد من يد الغريم مديونه قهرا أو حيلة بحيث لا
يظفر به ليأخذ منه دينه، فهو بحكم الكفيل يجب عليه إحضاره لديه، وإلا فيضمن
عنه دينه، ويجب عليه تأديته له.
(مسألة 1117): ينحل عقد الكفالة بامور: الأول: أن يسلم الكفيل المكفول
إلى المكفول له. الثاني: أن يؤدي دينه. الثالث: ما إذا أبرأ المكفول له ذمة المدين.
الرابع: ما إذا مات المدين. الخامس: ما إذا رفع المكفول له يده عن الكفالة.
386

كتاب الصلح
الصلح عقد شرعي للتراضي والتسالم بين شخصين في أمر من تمليك عين
أو منفعة أو إسقاط دين أو حق أو غير ذلك مجانا، أو بعوض.
(مسألة 1118): الصلح عقد مستقل ولا يرجع إلى سائر العقود وإن أفاد
فائدتها، فيفيد فائدة البيع إذا كان الصلح على عين بعوض، وفائدة الهبة إذا كان
على عين بغير عوض، وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض، وفائدة الإبراء
إذا كان على إسقاط حق أو دين.
(مسألة 1119): أركان الصلح ثلاثة: المصالح والمتصالح والمصالح عليه، وهو
مال الصلح، ويعتبر في الأول والثاني البلوغ والعقل والاختيار وجواز التصرف
فيما يقع الصلح عليه، بأن لا يكون محجورا بالسفه وغيره، ويعتبر في المصالح عليه
صحة التملك بأن لا يكون خمرا أو خنزيرا، ومتى توفرت شروطه صار لازما من
الطرفين، وتجري فيه جميع الخيارات إلا خيار المجلس والحيوان والتأخير.
(مسألة 1120): إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح،
سواء أكان مع العوض أم بدونه. وكذا إذا تعلق بدين على غير المصالح له أو حق
387

قابل للانتقال، كحقي التحجير والاختصاص، ومنه حق الاختصاص لمن بيده
الأراضي المفتوحة عنوة، وإذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا الحال
إذا تعلق بحق قابل للإسقاط وغير قابل للنقل والانتقال، كحق الشفعة ونحوه.
وأما ما لا يقبل الإنتقال ولا الإسقاط، فلا يصح الصلح عليه، ومنه حق
مطالبة الدين الثابت للدائن في الدين الحال، ومنه حق المدين أن لا يقبل أداء
الدين في غير بلد الدين، ومنه حق الدائن أن لا يقبل تسلم الدين إلا في بلده،
ومنه حق العزل الثابت للموكل في الوكالة، ومنه حق الرجوع الثابت للزوج في
الطلاق الرجعي، ومنه حق الرجوع في البذل الثابت للزوجة في الخلع، وغير
ذلك.
(مسألة 1121): يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين، كأن يصالح شخصا
على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدة، أو على أن يكون جذوع سقفه على
حائطه، أو يجري ما على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، أو يكون
الممر والمخرج من داره أو بستانه، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على
أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك. ولا فرق فيه بين أن يكون
بلا عوض أو معه.
(مسألة 1122): يجري الفضولي في الصلح، كما يجري في البيع ونحوه.
(مسألة 1123): لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به، فإذا اختلط مال أحد
الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو
بالاختلاف، كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين، ولا يفرق في
ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذرا، وما إذا لم يكن متعذرا.
(مسألة 1124): يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء
388

من المدعي به أو بشيء آخر، حتى مع إنكار المدعى عليه، ويسقط بهذا الصلح
حق الدعوى، وكذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر، فليس
للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهرا، ولا يحل لغير
المحق ما يأخذه بالصلح، إلا إذا كان معذورا في اعتقاده بأنه محق، وذلك مثل ما إذا
ادعى شخص على آخر بدين فأنكره، ثم تصالحا على النصف، فهذا الصلح وإن
أثر في سقوط الدعوى، ولكن المدعي لو كان محقا فقد وصل إليه نصف حقه،
ويبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر، وحينئذ فإن كان المنكر معذورا في اعتقاده
ويرى نفسه محقا لم يكن عليه إثم، وإلا فهو آثم، ويجب عليه أن يدفع نصفه الآخر
إليه أيضا. نعم، لو رضي المدعي بالصلح به عن جميع ما في ذمته، فقد سقط حقه.
(مسألة 1125): لو قال المدعى عليه للمدعي: صالحني، لم يكن ذلك منه
إقرارا بالحق؛ لما عرفت من أن الصلح يصح مع الإقرار والإنكار. وأما لو قال:
بعني أو ملكني، كان إقرارا.
(مسألة 1126): يتحقق الصلح بكل ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك،
ولا تعتبر فيه صيغة خاصة.
(مسألة 1127): لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها
سنة مثلا، ويتصرف في لبنها ويعطي له مقدارا معينا من الدهن مثلا صحت
المصالحة، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض
مقدار معين من دهن أو غيره، صحت الإجارة.
(مسألة 1128): لا يحتاج إسقاط الحق أو الدين إلى القبول. وأما المصالحة
عليه فتحتاج إلى القبول.
(مسألة 1129): لو علم المديون بمقدار الدين، ولم يعلم به الدائن وصالحه
389

بأقل منه، لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد، إلا أن يعلم برضا الدائن بالمصالحة بهذا
المقدار، حتى لو علم بمقدار الدين أيضا.
(مسألة 1130): لا تجوز المصالحة على مبادلة مالين من جنس واحد، إذا
كان مما يكال أو يوزن مع العلم بالزيادة في أحدهما على الأحوط الأولى، ولا
بأس بها مع احتمال الزيادة.
(مسألة 1131): لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين لشخصين على شخص
واحد، كما إذا كان زيد مديونا لعمرو بعشرة أمنان من حنطة مثلا ومديونا لخالد
بعشرة أمنان من شعير، أو على شخصين مع التفاضل وإن كان الدينان من المكيل
أو الموزون وكانا من جنس واحد، على أساس أن التفاضل إنما هو ربا في بيع
المكيل أو الموزون لا في مطلق المعاملة. نعم، لو فرض أن الصلح ليس بعقد
مستقل بل هو بيع في مثل المقام بصورة الصلح، لم تجز إلا إذا كانا متساويين في
الكيل أو الوزن، أو لم يكونا من جنس واحد، ولكن مع هذا فالأحوط والأولى
ترك المصالحة مع التفاضل إذا كان العوضان في المال المصالح عليه من المكيل أو
الموزون.
(مسألة 1132): يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه، إذا كان الغرض
إبراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقدا. هذا فيما إذا كان الدين من
جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون، بل قد مر أن الأظهر
جواز الصلح فيه بأقل منه على نحو تكون النتيجة هي المعاوضة والمبادلة بينهما
دون الإبراء، وإن كان الأولى والأجدر تركه، وأما في غير ذلك فلا إشكال في
جواز الصلح بالأقل، سواء كان الأقل دينا أم كان غيره، وقد تسأل: هل يجوز بيع
الدين المؤجل بالأقل نقدا أو لا؟ والجواب: أن جوازه لا يخلو عن إشكال كما
390

تقدم، بلا فرق في ذلك بين بيع الدين المؤجل بالأقل حالا أو بيع الدين الحال
بالأقل، وعلى هذا فبيع الكمبيالات المؤجلة من البنوك والمصارف بالأقل نقدا لا
يخلو عن إشكال.
(مسألة 1133): عقد الصلح لازم في نفسه حتى فيما إذا كان بلا عوض
وكانت فائدته فائدة الهبة، ولا ينفسخ إلا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ
من جعل له حق الفسخ في ضمن الصلح.
(مسألة 1134): لا يجري خيار الحيوان ولا خيار المجلس ولا خيار التأخير
في الصلح. نعم، لو أخر تسليم المصالح به عن الحد المتعارف، أو اشترط تسليمه
نقدا فلم يعمل به، فللآخر أن يفسخ المصالحة، لكن من جهة تخلف الشرط لا من
جهة التأخير، وأما الخيارات الباقية فهي تجري في عقد الصلح.
(مسألة 1135): لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ، وأما الأرش - وهو
أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب - ففيه إشكال، ولا يبعد عدمه.
(مسألة 1136): لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهة
خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهة عامة في حياة المصالح أو بعد
وفاته صح، ولزم الوفاء بالشرط.
(مسألة 1137): الأثمار والخضر والزرع يجوز الصلح عليها قبل ظهورها في
عام واحد من دون ضميمة وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر.
(مسألة 1138): إذا كان لأحد الشخصين سلعة تسوى عشرين درهما مثلا،
وللآخر سلعة تسوى ثلاثين، واشتبهتا ولم تتميز إحداهما عن الأخرى، فإن
تصالحا على أن يختار أحدهما فلا إشكال، وإن تشاجرا بيعت السلعتان وقسم
الثمن بينهما بالنسبة، فيعطى لصاحب العشرين سهمان وللآخر ثلاثة أسهم. هذا
391

فيما إذا كان المقصود لكل من المالكين المالية، وأما إذا كان مقصود كل منهما
شخص المال من دون نظر إلى قيمته وماليته، كان المرجع في التعيين هو القرعة.
392

كتاب الإقرار
والإقرار إخبار عن حق ثابت على المخبر أو نفي حق له على غيره، ولا
يختص بلفظ، بل يكفي كل لفظ دال على ذلك عرفا ولو لم يكن صريحا، وكذا
تكفي الإشارة المعلومة.
(مسألة 1139): لا يعتبر في نفوذ الإقرار صدوره من المقر ابتداء، واستفادته
من الكلام بالدلالة المطابقية أو التضمنية، فلو استفيد من كلام آخر - على نحو
الدلالة الإلتزامية - كان نافذا أيضا، فإذا قال: الدار التي أسكنها اشتريتها من
زيد، كان ذلك إقرارا منه بكونها ملكا لزيد سابقا، وهو يدعي انتقالها منه إليه،
ومن هذا القبيل ما إذا قال أحد المتخاصمين في مال للآخر: بعنيه، فإن ذلك يكون
اعترافا منه بمالكيته له.
(مسألة 1140): يعتبر في المقر به أن يكون مما لو كان المقر صادقا في إخباره،
كان للمقر له إلزامه ومطالبته به، وذلك بأن يكون المقر به مالا في ذمته أو عينا
خارجية أو منفعة أو عملا أو حقا، كحق الخيار والشفعة وحق الاستطراق في
ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب الميزاب على سطح داره وما شاكل ذلك،
393

وأما إذا أقر بما ليس للمقر له إلزامه به، فلا أثر له، كما إذا أقر بأن عليه لزيد شيئا
من ثمن خمر أو قمار ونحو ذلك، لم ينفذ إقراره.
(مسألة 1141): إذا أقر بشيء ثم عقبه بما يضاده وينافيه، فإن كان رجوعا
عن إقراره لم يسمع ولا أثر له. فلو قال لزيد: لك علي عشرون دينارا، ثم قال: لا
بل عشرة دنانير، الزم بالعشرين، وأما إذا لم يكن رجوعا، بل كان قرينة على
بيان مراده، لم ينفذ الإقرار إلا بما يستفاد من مجموع الكلام، فلو قال لزيد: لك علي
عشرون دينارا إلا خمسة دنانير، كان هذا إقرارا على خمسة عشر دينارا فقط،
ولا ينفذ إقراره إلا بهذا المقدار.
(مسألة 1142): يشترط في المقر التكليف والحرية، فلا ينفذ إقرار الصبي
والمجنون ولا إقرار العبد بالنسبة إلى ما يتعلق بحق المولى من دون تصديقه مطلقا،
ولو كان مما يوجب الجناية على العبد نفسا أو طرفا، وأما بالنسبة إلى ما يتعلق به
نفسه مالا كان أو جناية، فيتبع به بعد عتقه، وينفذ إقرار المريض في مرض موته
على الأظهر.
(مسألة 1143): يشترط في المقر له أهلية التملك، ولو أقر للعبد فهو له - لو قيل
بملكه - كما هو الظاهر.
(مسألة 1144): لو قال: له علي مال الزم به، فإن فسره بما لا يملك لم يقبل.
(مسألة 1145): لو أقر شخص بعين لزيد، ثم أقر بها لعمرو، فإن العين تدفع
للأول، ويغرم بدلها من المثل أو القيمة للثاني، على أساس أن لازم إقراره أنه قد
أتلف العين على عمرو، فيكون ضامنا لبدلها من المثل أو القيمة، وهذا إقرار على
نفسه فيكون حجة؛ إذ لا فرق في حجية الإقرار بين المدلول المطابقي والمدلول
الالتزامي، فإنه كما يكون حجة في الأول كذلك يكون حجة في الثاني، وإذا أقر
394

بالنقد كان الظاهر منه نقد البلد، إلا إذا كانت هناك قرينة، وكذلك إذا أقر بالكيل
أو الوزن.
(مسألة 1146): لو أقر بالمظروف لم يدخل الظرف، ولو أقر بالدين المؤجل
ثبت المؤجل، ولم يستحق المقر له المطالبة به قبل الأجل، ولو أقر بالمردد بين
الأقل والأكثر ثبت الأقل.
(مسألة 1147): لو قال: هذه الدار التي بيدي لأحد هذين الشخصين الزم
بالتعيين، فإن عين أحدهما فالدار له، إلا إذا ادعى الآخر أنه صاحب الدار، ويعلم
المقر بذلك، فحينئذ كان له إلزام المقر على اليمين بعدم العلم بالحال، فإن حلف المقر
على ذلك سقطت دعواه العلم عليه، وأما دعواه أصل ملكية الدار فهي ظلت
بحالها، وعندئذ فإن تمكن من إقامة بينة على ما ادعاه من ملكية الدار كانت الدار
له، وإلا فعلى من عينه المقر اليمين، وإن لم يعين المقر أحدهما وادعى عدم المعرفة
بالحال وصدقاه في ذلك، سقط عنه الإلزام بالتعيين، وعلى هذا فإن ادعى كل منهما
ملكية الدار، فإن كانت لأحدهما بينة دون الآخر، فالدار له، وإن لم تكن لأي
منهما بينة، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكم له، وأما إذا كانت لكل منهما
بينة أو حلف كلاهما معا سقطت الدعوى، وحينئذ فهل يحكم بالتصالح بينهما
وتنصيف الدار، أو يرجع إلى القرعة وتعيين المالك بها؟ فيه وجهان الأظهر الوجه
الثاني.
(مسألة 1148): لو أبهم المقر به ثم عين وأنكره المقر له، فإن كان المقر به دينا
على ذمة المقر سقط حقه، ولا أثر للإقرار حينئذ، ولا يطالب المقر بشيء وإن كان
عينا خارجية، قيل: إن للحاكم الشرعي انتزاعها من يده بمقتضى إقراره، ولكن
الظاهر عدمه، على أساس أنه يؤخذ بإقراره، بملاك أنه يثبت به الحق على نفسه
395

للمقر له، فإذا فرض أن المقر له قد أسقط حقه عنه وأنكره، ظل إقراره بلا أثر،
وحينئذ فإن علم المقر بأن المقر له كان مشتبها وأن له عليه حقا، وجب إيصاله
إليه بأي وسيلة متاحة له، وإن لم يكن ذلك، فإن انقطع أمله عن إيصاله إليه نهائيا
تصدق به من قبله، وإلا فعليه الانتظار إلى أن يتمكن، وإن حصل له التردد من
إنكار المقر له واحتمل أن المال لغيره، فعندئذ بما أن أمره يدور بين كونه للمقر له
أو لغيره فيرجع إلى القرعة، ولو قال: لك أحد هذين المالين مما كان تحت يده، الزم
بالتعيين، فإن عين في أحدهما اخذ به، وحينئذ فإن صدقه المقر له فهو المطلوب،
وإن أنكره سقط حقه، وعلى هذا فإن كان المقر عالما بالحال وباشتباه المقر له
وجب رد ماله إليه بأي طريق متاح له، وإن لم يمكن ذلك، فإن يئس عن ذلك
نهائيا تصدق به من قبله، وإلا فعليه أن ينتظر، وأما إذا ادعى المقر له ملكية غير
ما عينه المقر، فعليه أن يثبت ذلك، وإلا فالقول قول المقر مع يمينه، وإن لم يعين في
أحدهما وادعى عدم العلم بالحال، فحينئذ إن ادعى المقر له العلم بملكية أحدهما
معينا، قبل منه؛ لعدم المعارض له، وإلا فالمرجع القرعة. هذا إذا كان المال مالا
خارجيا تحت يد المقر، وأما إذا كان في الذمة، فلا مجال للرجوع إلى القرعة، فلابد
عندئذ من التراضي والتصالح بينهما.
(مسألة 1149): لو ادعى البائع المواطاة على الإشهاد وأنه لم يقبض الثمن،
كان عليه إقامة البينة عليها أو إحلاف المشتري على إقباض الثمن.
(مسألة 1150): إذا أقر بولد أو أخ أو اخت أو غير ذلك، نفذ إقراره مع احتمال
صدقه في ما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث ونحو
ذلك، وأما بالنسبة إلى غير ما عليه من الأحكام ففيه تفصيل، فإن كان الإقرار
بالولد فيثبت النسب بإقراره مع احتمال صدقه وعدم المنازع إذا كان الولد صغيرا
396

وكان تحت يده، ولا يشترط فيه تصديق الصغير ولا يلتفت إلى إنكاره بعد
بلوغه، ويثبت بذلك النسب بينهما وبين أولادهما وسائر الطبقات. وأما في غير
الولد الصغير فلا أثر للإقرار إلا مع تصديق الآخر، فإن لم يصدقه الآخر لم يثبت
النسب، وإن صدقه ولا وارث غيرهما توارثا، وفي ثبوت التوارث مع الوارث
الآخر إشكال، والأظهر عدمه وإن كان الاحتياط في محله، وكذلك في تعدي
التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتى إلى أولادهما، فإنه لم يثبت وإن كان
الاحتياط أولى وأجدر، ولو أقر بولد أو غيره، ثم نفاه بعد ذلك لزم إقراره ولا أثر
لنفيه.
(مسألة 1151): لو أقر الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه، ولو كان مساويا
دفع بنسبة نصيبه من الأصل، ولو أقر باثنين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما،
فيعمل بالإقرار ولكن تبقى الدعوى قائمة بينهما، ولو أقر بأولى منه في الميراث، ثم
أقر بأولى من المقر له أولا، كما إذا أقر العم بالأخ، ثم أقر بالولد، فإن صدقه المقر له
أولا دفع إلى الثاني، وإلا فإلى الأول ويغرم للثاني على تفصيل قد مر في المسألة
(1145).
(مسألة 1152): لو أقر الولد بآخر، ثم أقر بثالث وأنكر الثالث الثاني، كان
للثالث النصف وللثاني السدس، ولو كانا معلومي النسب لا يلتفت إلى إنكاره،
وكذلك الحكم إذا كان للميت ولدان وأقر أحدهما له بثالث وأنكره الآخر، فإن
نصف التركة حينئذ للمنكر وثلثها للمقر وللمقر له السدس. وإذا كانت للميت
زوجة وأخوة مثلا، وأقرت الزوجة بولد له، فإن صدقتها الاخوة كان ثمن التركة
للزوجة والباقي للولد، وإن لم تصدقها أخذت الاخوة ثلاثة أرباع التركة
وأخذت الزوجة ثمنها والباقي وهو الثمن للمقر له.
397

(مسألة 1153): يثبت النسب بشهادة عدلين ولا يثبت بشهادة رجل
وامرأتين ولا بشهادة رجل ويمين، ولو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين
كان أولى منهما ويثبت النسب، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب، ويثبت الميراث
إذا لم يكن لهما ثالث، وإلا كان إقرارهما نافذا في حقهما دون غيرهما.
398

كتاب الوكالة
ولابد في الوكالة من الإيجاب والقبول بكل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل،
ولا يعتبر فيها اتصال القبول بالإيجاب، كما لا يشترط فيها التنجيز، فلو علقها
على شرط غير حاصل حال العقد أو مجهول الحصول حينه فالظاهر الصحة،
ويصح تصرف الوكيل حينئذ عند تحقق الشرط.
(مسألة 1154): الوكالة جائزة من الطرفين، ولكن يعتبر في عزل الموكل له
بإعلامه به، فلو تصرف قبل علمه به صح تصرفه.
(مسألة 1155): تبطل الوكالة بموت الوكيل، وتلف متعلقها، وبإيقاع الموكل
متعلق الوكالة، كما إذا وكل شخصا في بيع داره ثم قام بنفسه ببيعها ومباشرة.
(مسألة 1156): قد تسأل: هل تبطل الوكالة بجنون الموكل أو بإغمائه أو لا؟
والجواب: الأظهر أنها لا تبطل بذلك، على أساس أنه لا دليل على البطلان
غير دعوى الإجماع في المسألة وهي غير ثابتة.
(مسألة 1157): يصح التوكيل في الطلاق سواء كان الزوج غائبا أم حاضرا،
399

بل يصح توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها وكالة، أو بأن توكل الغير
عن الزوج أو عن نفسها، فإذا اشترطت الزوجة على الزوج في ضمن عقد
النكاح الوكالة منه في طلاق نفسها إذا لم ينفق عليها مدة ستة أشهر أو أقل أو
أكثر، أو كان غائبا عنها في تلك المدة، أو أمر آخر صح، ولها أن تطلق نفسها
بنفسها أو بتوكيل غيرها وكالة إذا لم يف بالشرط، وقد تسأل: هل يصح لها أن
تشترط عليه الوكالة في الطلاق عند عروض الجنون أو الإغماء عليه أو لا؟
والجواب: أن الصحة لا تخلو عن قوة.
(مسألة 1158): تصح الوكالة فيما لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه مباشرة،
ويعلم ذلك ببناء العرف والمتشرعة عليه.
(مسألة 1159): الوكيل المأذون لا يجوز له التعدي حتى في تخصيص
السوق، إلا إذا علم أنه ذكره من باب أحد الأفراد.
(مسألة 1160): لو عمم الموكل التصرف صح تصرف الوكيل مع المصلحة
مطلقا إلا في الإقرار. نعم، إذا: قال أنت وكيلي في أن تقر علي بكذا لزيد مثلا،
كان هذا إقرارا منه لزيد به.
(مسألة 1161): الإطلاق في الوكالة يقتضي البيع والشراء حالا وبثمن
المثل وبنقد البلد وابتياع الصحيح دون الأعم، وتسليم المبيع وتسليم الثمن
بالشراء والرد بالعيب.
(مسألة 1162): يصح التوكيل في الخصومة والمرافعة عند الحاكم الشرعي،
بأن يوكل كل من المدعي والمدعى عليه شخصا من قبله في القيام بوظائفهما في
مقام المرافعة والخصومة، فالشخص إذا كان وكيلا ومحاميا عن المدعي،
400

فوظيفته إثارة الدعوى على المدعى عليه وإقامة البينة وتعديل الشهود وطلب
الحلف منه إذا لم تكن عنده بينة وغير ذلك، وإذا كان وكيلا ومحاميا عن
المدعى عليه، فوظيفته إنكار ما ادعاه المدعي وإقامة البينة على جرح الشهود
والحلف إذا طولب منه، ثم إن هذا التوكيل لا يتطلب التوكيل في القبض
وبالعكس.
(مسألة 1163): يشترط أهلية التصرف في الوكيل والموكل، فيصح توكيل
الصغير فيما جاز له مباشرته كالوصية في ماله إذا بلغ عشرا، ويجوز أن يكون
الصغير وكيلا ولو بدون إذن وليه.
(مسألة 1164): لو وكل العبد بإذن مولاه صح.
(مسألة 1165): ليس للوكيل أن يوكل غيره بغير إذن الموكل.
(مسألة 1166): للحاكم الشرعي التوكيل عن السفهاء والبلهاء.
(مسألة 1167): يستحب لذوي المروءات التوكيل في مهماتهم.
(مسألة 1168): لا يتوكل الذمي على المسلم على المشهور، ولكن الأظهر
الجواز.
(مسألة 1169): لا يضمن الوكيل إلا بتعد أو تفريط، ولا تبطل وكالته به.
(مسألة 1170): القول قول الوكيل مع اليمين وعدم البينة في عدم التعدي
والتفريط، وكذلك في العزل والعلم به والتصرف، وفي قبول قوله في رد المال إلى
الموكل إشكال، والأظهر العدم.
(مسألة 1171): لو ادعى الوكيل التلف فالقول قوله إلا إذا كان متهما،
فيطالب بالبينة.
401

(مسألة 1172): القول قول منكر الوكالة، سواء كان من الأصيل أم من
الأجنبي، وإذا اختلف الوكيل مع الموكل، فادعى الوكيل الإذن في بيع سلعة
بثمن معين وأنكر الموكل ذلك، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فعلى الوكيل
استعادة العين إن كانت موجودة، وإلا فبدلها من المثل إن كانت مثلية والقيمة
إن كانت قيمية.
(مسألة 1173): لو زوج زيد امرأة من عمرو بدعوى الوكالة فأنكرها
عمرو، فحينئذ إن كانت لزيد بينة على الوكالة فالصداق على الموكل، وإن لم
تكن له بينة، فإن حلف عمرو على عدم الوكالة، فعلى زيد نصف الصداق
للمرأة، وعلى هذا فان كان عمرو صادقا في إنكاره الوكالة فالحكم كما مر، وان
كان كاذبا في إنكاره لها فعليه إما أن يطلقها أو يمسكها، وعلى كلا التقديرين
فالصداق عليه لا على زيد؛ لأنه وكيل منه وقد عمل بوكالته فلا شيء عليه،
وان لم يفعل شيئا من الأمرين، فإن علمت المرأة بكذبه رفعت أمرها إلى
الحاكم الشرعي لكي يطالب منه النفقة أو الطلاق، فإن امتنع عن كليهما معا
طلقها الحاكم الشرعي.
(مسألة 1174): لو وكل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا إذا
كانت هناك دلالة على توكيل كل منهما على الاستقلال.
(مسألة 1175): لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلا بشاهدين عدلين.
(مسألة 1176): لو أخر الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل مع القدرة
والمطالبة ضمن.
(مسألة 1177): الوكيل المفوض إليه المعاملة بحكم المالك يرجع عليه
البائع بالثمن، ويرجع عليه المشتري بالمثمن، وترد عليه العين بالفسخ بعيب
ونحوه ويؤخذ منه العوض.
402

(مسألة 1178): يجوز التوكيل فيما لا يتمكن الموكل منه فعلا شرعا إذا كان
تابعا لما يتمكن منه، كما إذا وكله في شراء دار له وبيعها أو وكله في شراء عبد
وعتقه أو في تزويج امرأة وطلاقها ونحو ذلك، وأما التوكيل فيه استقلالا، بأن
يوكله في بيع دار يملكها بعد ذلك أو في تزويج امرأة معتدة بعد انقضاء عدتها
أو في طلاق امرأة يتزوجها بعد حين ونحو ذلك، ففي صحته إشكال والأقرب
الصحة. ويجوز التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما واعتبارهما في
صحة العقد، كما في القرض والرهن وبيع الصرف وفي موارد عدم لزومهما
كذلك، كما إذا باع داره من زيد ووكل عمرو في قبض الثمن، فإن قبض الوكيل
في جميع هذه الموارد بمنزلة قبض الموكل، ولا يعتبر في صحة التوكيل حينئذ
قدرة الموكل على القبض خارجا، فيجوز لمن لا يقدر على أخذ ماله من
غاصب أن يوكل من يقدر على أخذه منه، فيكون أخذه بمنزلة أخذ الموكل.
(مسألة 1179): تصح الوكالة في حيازة المباحات، وهي عبارة عن
استيلاء العامل عليها بإنفاق عمل وبذل جهد في سبيل ذلك، ولا يكفي
استيلائه عليها بالقوة والتحكم على الآخرين، فإذا وكل شخصا في حيازتها
وقام الوكيل بعمليتها من قبل الموكل، منحت علاقة الموكل بها على مستوى
الحق دون الوكيل.
(مسألة 1180): إذا وكل شخصا لاستيفاء حق له على غيره، فجحد من
عليه الحق لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه لإثبات الحق عليه، إلا إذا
كان وكيلا في ذلك أيضا.
(مسألة 1181): لا بأس بجعل جعل للوكيل، ولكنه إنما يستحق الجعل
بالإتيان بالعمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له جعلا لم
403

يكن للوكيل أن يطالب به إلا بعد إتمام العمل. نعم، له المطالبة به قبل حصول
القبض والإقباض.
(مسألة 1182): لو وكله في قبض ماله على شخص من دين فمات المدين
قبل الأداء بطلت الوكالة، وليس للوكيل مطالبة الورثة. نعم، إذا كانت الوكالة
عامة وشاملة لأخذ الدين - ولو من الورثة - لم تبطل الوكالة، وكان حينئذ
للوكيل مطالبة الورثة بذلك.
404

كتاب الهبة
والهبة تمليك عين مجانا من دون عوض وهي عقد يحتاج إلى إيجاب
وقبول، ويكفي في الإيجاب كل ما دل على التمليك المذكور من لفظ أو فعل أو
إشارة، ولا تعتبر فيه صيغة خاصة ولا العربية، ويكفي في القبول كل ما دل على
الرضا بالإيجاب من لفظ أو فعل أو نحو ذلك.
(مسألة 1183): يعتبر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم
الحجر عليه بسفه أو فلس أو ملك.
(مسألة 1184): تصح الهبة من المريض في مرض الموت وإن زاد عن
الثلث، كما يصح سائر تصرفاته من بيع أو صلح أو نحو ذلك.
(مسألة 1185): تصح الهبة في الأعيان المملوكة وإن كانت مشاعة، ولا
تبعد أيضا صحة هبة ما في الذمة لغير من هو عليه ويكون قبضه بقبض
مصداقه. ولو وهبه ما في ذمته كان ابراء.
(مسألة 1186): يشترط في صحة الهبة القبض، ولابد فيه من إذن الواهب
405

إلا أن يهبه ما في يده، فلا حاجة حينئذ إلى قبض جديد ولا تعتبر الفورية في
القبض، ولا كونه في مجلس العقد، فيجوز فيه التراخي عن العقد بزمان كثير،
ومتى تحقق القبض صحت الهبة من حينه، فإذا كان للموهوب نماء سابق على
القبض قد حصل بعد الهبة كان للواهب دون الموهوب له، وإذا وهبه شيئين
فقبض الموهوب له أحدهما دون الآخر، صحت الهبة في المقبوض دون غيره.
(مسألة 1187): للأب والجد ولاية القبول والقبض عن الصغير والمجنون
إذا بلغ مجنونا. أما لو جن بعد البلوغ، فولاية القبول والقبض للحاكم على
المشهور، لكنه لا يخلو عن إشكال، والاحتياط لا يترك، ولو وهب الولي
أحدهما وكانت العين الموهوبة بيد الولي لم يحتج إلى قبض جديد.
(مسألة 1188): يتحقق القبض في غير المنقول بالتخلية ورفع الواهب يده
عن الموهوب وجعله تحت استيلاء الموهوب له وسلطانه، ويتحقق في المنقول
بوضعه تحت يد الموهوب له.
(مسألة 1189): ليس للواهب الرجوع بعد الإقباض إن كانت لذي رحم
أو بعد التلف أو مع التعويض، وفي جواز الرجوع مع التصرف خلاف،
والأقوى جوازه إذا كان الموهوب باقيا بعينه، فلو صبغ الثوب أو قطعه أو
خاطه أو نقله إلى غيره لم يجز له الرجوع، وله الرجوع في غير ذلك، فإن عاب
فلا أرش، وإن زادت زيادة منفصلة فهي للموهوب له، وإن كانت متصلة فإن
كانت غير قابلة للانفصال كالطول والسمن وبلوغ الثمرة ونحوها فهي تتبع
الموهوب، وإن كانت قابلة للانفصال كالعيون والثمرة ونحوهما ففي التبعية
إشكال، والأظهر عدمها، وأن الزيادة للموهوب له بعد رجوع الواهب أيضا.
(مسألة 1190): في إلحاق الزوج أو الزوجة بذي الرحم في لزوم الهبة
406

إشكال، والأقرب عدمه.
(مسألة 1191): لو مات الواهب والموهوب له قبل القبض بطلت الهبة،
وانتقل الموهوب إلى ورثة الواهب.
(مسألة 1192): لو مات الواهب أو الموهوب له بعد القبض لزمت الهبة،
فليس للواهب الرجوع إلى ورثة الموهوب له، كما أنه ليس لورثة الواهب
الرجوع إلى الموهوب له.
(مسألة 1193): لا يعتبر في صحة الرجوع علم الموهوب له، فيصح
الرجوع مع جهله أيضا.
(مسألة 1194): في الهبة المشروطة يجب على الموهوب له العمل بالشرط،
فإذا وهبه شيئا بشرط أن يهبه شيئا، وجب على الموهوب له العمل بالشرط،
فإذا تعذر أو امتنع المتهب من العمل بالشرط جاز للواهب الرجوع في الهبة،
بل الظاهر جواز الرجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشرط.
(مسألة 1195): في الهبة المطلقة لا يجب التعويض على الأقوى، لكن لو
عوض المتهب لزمت الهبة، ولم يجز للواهب الرجوع.
(مسألة 1196): لو بذل المتهب العوض ولم يقبل الواهب لم يكن تعويضا.
(مسألة 1197): العوض المشروط إن كان معينا تعين، وإن كان مطلقا
أجزأ اليسير إلا إذا كانت قرينة من عادة أو غيرها على إرادة المساوي.
(مسألة 1198): لا يشترط في العوض أن يكون عينا، بل يجوز أن يكون
عقدا أو إيقاعا، كبيع شيء على الواهب أو إبراء ذمته من دين له عليه أو نحو
ذلك.
407

كتاب الوصية
الوصية على قسمين:
1 - تمليكية: وهي عبارة عن إنشاء تمليك عين أو منفعة من تركته
لزيد أو للفقراء مثلا بعد وفاته، فيكون إنشاء التمليك من الآن وتحقق المنشأ
وفعليته بعد الوفاة، ولا مانع من ذلك لأن هذا ليس من تعليق الإنشاء حتى
يكون باطلا، بل الإنشاء فعلي ومنجز، وفعلية المنشأ معلقة على الموت الذي
هو بمثابة الموضوع له، وبكلمة: أن لكل حكم شرعي مجعول في الشريعة
المقدسة مرحلتين: الأولى مرحلة الجعل والإنشاء على الموضوع المقدر وجوده
في الخارج والثانية مرحلة المجعول وهي مرحلة فعلية الحكم المجعول والمنشأ
بفعلية موضوعه فيه، والمعلق إنما هو فعلية الحكم دون إنشائه، وما نحن فيه
من هذا القبيل، فإن الموصي قد أنشأ ملكية عين أو منفعة على الموضوع المقدر
وجوده خارجا وهو الموت، وعلى هذا فبطبيعة الحال تتوقف فعلية المجعول
والمنشأ على فعلية موضوعه في الخارج.
2 - عهدية: بأن يأمر بالتصرف بشيء يتعلق به من بدن أو مال، كأن
408

يأمر بدفنه في مكان معين، أو زمان معين، أو يأمر بأن يعطى من ماله أحد، أو
يستناب عنه في الصوم والصلاة من ماله، أو يوقف ماله، أو يباع، أو نحو ذلك،
فإذا وجه أمره بذلك إلى شخص معين فقد جعله وصيا عنه وجعل له ولاية
التصرف في أمواله، وإن لم يوجه أمره بذلك إلى شخص معين ولم تكن قرينة
على التعيين، - كما إذا قال: أوصيت بأن يحج عني أو يصام عني أو نحو ذلك،
فلم يجعل له وصيا معينا - كان تنفيذه من وظائف الحاكم الشرعي.
(مسألة 1199): الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول، سواء جعل له وصيا
أم لم يجعل. وأما الوصية التمليكية، فكما إذا قال: هذا المال لزيد بعد مماتي،
فالمشهور احتياجه إلى القبول من الموصى له، لكن الأظهر عدمه.
(مسألة 1200): تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت، إذا لم
يطمئن المكلف بالتمكن من الامتثال بها مع التأخير، كقضاء الصلاة والصيام
وأداء الكفارات والنذور ونحوها من الواجبات البدنية وغيرها، فتجب المبادرة
إلى أدائها. وإذا ضاق الوقت عن أدائها وجب الإيصاء والإعلام بها على
الأقوى، إلا أن يعلم بقيام الوارث أو غيره به.
(مسألة 1201): إذا كان عنده أمانات من الناس وأموال كالوديعة والعارية
ومال المضاربة ونحوها، مما يكون تحت يده وسلطانه، وجب عليه ردها إلى
أهلها إذا كانوا مطالبين لها، وإلا لم يجب، إلا إذا لم تكن له ثقة بورثته وخاف
منهم عدم الأداء. ويجب عليه الإيصاء بها والإشهاد عليها إذا كان الأداء
متوقفا عليهما، وإلا لم يجب ذلك، وكذا يجب عليه أداء ديون الناس الحالة، ومع
عدم تمكنه منه أو كونها مؤجلة يجب الوصية بها وإن لم يخف الموت، وكذلك
إذا كان عليه خمس أو زكاة أو مظالم، فإنه يجب عليه أداءها إن أمكن، وإلا
409

فعليه أن يوصي بها، ولا فرق في ذلك بين أن تكون له تركة تفي بها أو لا، إذا
احتمل وجود متبرع من الورثة أو غيرهم ولو في المستقبل أو أداها الحاكم
الشرعي من بيت المال.
(مسألة 1202): يكفي في تحقق الوصية كل ما دل عليها من لفظ صريح أو
غير صريح أو فعل وإن كان كتابة أو إشارة بلا فرق بين صورتي الاختيار
وعدمه، بل يكفي وجود مكتوب بخطه أو بإمضائه، بحيث يظهر منه إرادة
العمل به بعد موته، وإذا قيل له هل أوصيت أو لا؟ فقال: لا، فقامت البينة على
أنه قد أوصى، كان العمل على البينة ولم يعتد بخبره لأنه لا يصلح أن يعارض
البينة. نعم، إذا كان قاصدا بإنكاره هذا إنشاء العدول عن الوصية تحقق
العدول، على أساس أنه لا معارض له، وكذا الحكم لو قال: نعم، وقامت البينة
على عدم الوصية منه، فإنه إن قصد الإخبار كان العمل على البينة، وإن قصد
إنشاء الوصية صح الإنشاء وتحققت الوصية.
(مسألة 1203): المشهور أن رد الموصى له الوصية في الوصية التمليكية
مبطل لها، إذا كان الرد بعد الموت ولم يسبق بقبوله، ولكنه لا يخلو عن إشكال
بل منع، أما إذا سبقه القبول بعد الموت أو في حال الحياة فلا أثر له، وكذا الرد
حال الحياة.
(مسألة 1204): لو أنشأ الموصي تمليك عينين بإيجاب واحد لزيد مثلا بعد
وفاته، فقبل زيد أحدهما ورد الآخر، فلا شبهة في صحة الوصية فيما قبل، وهل
تصح فيما رد أيضا الأظهر الصحة كما مر، ويكون الرد لاغيا ولا قيمة له، وكذا
لو أوصى له بشيء واحد فقبل في بعضه ورد في البعض الآخر، فإنه لا أثر
للرد.
410

(مسألة 1205): لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها؛ لأنها ملك
للموصى له، قبل الوصية أم لا.
(مسألة 1206): إذا مات الموصى له قام وارثه مقامه في انتقال العين
الموصى بها إليه حتى إذا فرض أن الموصى له رد الوصية ولم يقبلها؛ لما مر من
أنه لا أثر لرده، ولا فرق في ذلك بين أن يكون موت الموصى له في حياة
الموصي أو بعد وفاته على الأظهر الأقوى.
(مسألة 1207): الظاهر أن الوارث يتلقى المال الموصى به من مورثه
الموصى له إذا مات بعد موت الموصي، فتخرج منه ديونه ووصاياه، ولا ترث
منه الزوجة إذا كان أرضا، وترث قيمته إن كان نخلا أو بناء، وأما إذا مات
الموصى له قبل الموصى، فالظاهر أن ورثة الموصى له يتلقون الموصى به من
الموصي نفسه، فلا يجري عليه حكم تركة الميت الموصى له، وفي كلتا الصورتين
المدار على الوارث للموصى له عند موته إذا كان قبل موت الموصي، لا الوارث
عند موت الموصي.
وأما إذا مات الوارث في حياة الموصي أيضا، فهل ينتقل المال الموصى
به إلى ورثته أو لا، الأظهر هو الإنتقال.
(مسألة 1208): إذا أوصى إلى أحد أن يعطي بعض تركته لشخص مثلا،
فهل يجري الحكم المذكور وهو الانتقال إلى الوراث لو مات الشخص في حياة
الموصي أو لا؟ والجواب: الأظهر الجريان.
(مسألة 1209): يشترط في الموصي امور:
الأول: البلوغ، فلا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشرا وكان قد عقل،
411

وكانت وصيته في وجوه الخير والمعروف لأرحامه. وفي نفوذ وصيته لغير
أرحامه إشكال ولا يبعد عدم نفوذها.
الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون والمغمى عليه والسكران حال
جنونه وإغمائه وسكره، وإذا أوصى حال عقله ثم جن أو سكر أو اغمي عليه
لم تبطل وصيته، وفي اعتبار الرشد فيه إشكال، والأظهر عدم اعتباره.
الثالث: الاختيار، فلا تصح وصية المكره.
الرابع: الحرية، فلا تصح وصية المملوك في أمواله إلا أن يجيز مولاه،
وهل تصح وصيته في غير ماله، كما إذا أوصى أن يدفن في مكان معين أو يصلي
عليه العالم الفلاني أو غير ذلك، مما لا يتوقف تنفيذها على صرف مال أكثر من
المصرف المتعارف لتجهيز الميت الاعتيادي أو لا؟
والجواب: أن صحتها لو لم تكن أظهر، فلا أقل أنها موافقة للاحتياط، وإذا
أوصى ثم انعتق وأجازها صحت وإن لم يجزها المولى.
الخامس: أن لا يكون قاتل نفسه، فإذا أوصى بعد ما أحدث في نفسه
ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك، لم تصح وصيته إذا كانت
في ماله، أما إذا كانت في غيره من تجهيز ونحوه صحت، وكذا تصح الوصية إذا
فعل ذلك لا عن عمد، بل كان خطأ أو سهوا أو كان لا بقصد الموت، بل
لغرض آخر أو على غير وجه العصيان، مثل الجهاد في سبيل الله، وكذا إذا
عوفي ثم أوصى، واما إذا أوصى بعدما فعل السبب، أي: سبب القتل، ثم عوفي
ثم مات فهل تصح وصيته أو لا؟ والجواب: أن صحتها غير بعيدة.
(مسألة 1210): إذا أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك، ثم أحدث فيها
412

صحت وصيته وإن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها.
(مسألة 1211): تصح الوصية من كل من الأب والجد بالولاية على الطفل
مع فقد الآخر، ولا تصح مع وجوده.
(مسألة 1212): للفقيه الجامع للشرائط ولاية على الأطفال القصر الذين
فقدوا الأب والجد من قبل الأب، وله أن يجعل من يرى صالحا وليا وقيما
عليهم بكافة شؤونهم الحياتية وجهاتهم الفردية والاجتماعية، كالمحافظة على
أنفسهم وأموالهم والتصرف فيهما بما يرى فيه مصلحة لهم، وتربيتهم وتعليمهم
بما فيه صلاح لهم دينيا ودنيويا، ولا ينعزل هو عن الولاية بموت الفقيه، فإنه
ليس كالوكيل من قبله الذي ينعزل بموته.
(مسألة 1213): لو أوصى وصية تمليكية لصغير من أرحامه أو من غيرهم
بمال، ولكنه جعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم لم يصح هذا الجعل،
بل يكون أمر ذلك المال للأب والجد مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما.
نعم، لو أوصى أن يبقى ماله بيد الوصي حتى يبلغ ثم يملكه له صح. وكذا إذا
أوصى أن يصرف ماله عليه من دون أن يملكه له.
(مسألة 1214): يجوز أن يجعل الأب أو الجد الولاية والقيمومة على
الأطفال لاثنين أو أكثر، كما يجوز أن يجعل الناظر على القيم المذكور، بمعنى:
كونه مشرفا على عمله أو بمعنى: كون العمل بنظره وتصويبه كما يأتي في الناظر
على الوصي.
(مسألة 1215): إذا قال الموصي لشخص: أنت ولي وقيم على أولادي
القاصرين وأولاد ولدي ولم يقيد الولاية بجهة بعينها، جاز له التصرف في جميع
الشؤون المتعلقة بهم من حفظ نفوسهم وتربيتهم وحفظ أموالهم والإنفاق
413

عليهم واستيفاء ديونهم ووفاء ما عليهم من نفقات أو ضمانات أو غير ذلك من
الجهات.
(مسألة 1216): إذا قيد الموصي الولاية بجهة دون جهة، وجب على الولي
الاقتصار على محل الإذن دون غيره من الجهات، وكان المرجع في الجهات
الاخرى الحاكم الشرعي.
(مسألة 1217): يجوز للقيم والولي على اليتيم أن يأخذ اجرة مثل عمله
التي يتقاضاها الاجراء عادة على مثل ذلك العمل إذا كانت له اجرة، ولا فرق
في ذلك بين أن يكون غنيا أو فقيرا وإن كان الأولى ترك أخذها إذا كان غنيا.
فصل
في الموصى به
(مسألة 1218): يشترط في الموصى به أن يكون مما له نفع محلل معتد به،
سواء أكان عينا موجودة أم معدومة إذا كانت متوقعة الوجود، كما إذا أوصى بما
تحمله الجارية، أو الدابة، أو تثمره الشجرة، أو منفعة لعين موجودة، أو معدومة
متوقعة الوجود، أو حق من الحقوق القابلة للنقل، مثل حق التحجير ونحوه، لا
مثل حق القذف ونحوه، مما لا يقبل الانتقال إلى الموصى له.
(مسألة 1219): إذا أوصى لزيد بالخمر القابلة للتخليل، أو التي ينتفع بها
في غير الشرب، أو أوصى بآلآت اللهو إذا كان ينتفع بها إذا كسرت، صح.
(مسألة 1220): يشترط في الموصى به أن لا يكون زائدا على الثلث، فإذا
414

أوصى بما زاد عليه بطل الإيصاء في الزائد، إلا مع إجازة الوارث. وإذا أجاز
بعضهم دون بعض نفذ في حصة المجيز دون الآخر، وإذا أجازوا في بعض
الموصى به وردوا في غيره، صح فيما أجازوه وبطل في غيره.
(مسألة 1221): لا إشكال في الإجتزاء بالإجازة بعد الوفاة، وفي الإجتزاء
بها حال الحياة قولان أقواهما الأول.
(مسألة 1222): ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي ولا
بعد وفاته، كما لا أثر للرد إذا لحقته الإجازة.
(مسألة 1223): لا فرق بين وقوع الوصية حال مرض الموصي وحال
صحته، ولا بين كون الوارث غنيا أو فقيرا.
(مسألة 1224): لا يشترط في نفوذ الوصية قصد الموصي أنها من الثلث
الذي جعله الشارع له، فإذا أوصى بعين غير ملتفت إلى ذلك وكانت بقدره أو
أقل، صح.
(مسألة 1225): إذا أوصى بثلث ما تركه، ثم أوصى بشيء وقصد كونه من
ثلثي الورثة، فإن أجازوا صحت الثانية، وإلا بطلت.
(مسألة 1226): إذا أوصى بعين وقصد كونها من الأصل نفذت الوصية في
ثلثها، وتوقفت في ثلثيها على إجازة الورثة، كما إذا قال: فرسي لزيد وثلثي من
باقي التركة لعمرو، فإنه تصح وصيته لعمرو، وأما وصيته لزيد فتصح إذا رضي
الورثة، وإلا صحت في ثلث الفرس، وكان الثلثان للورثة.
(مسألة 1227): إذا أوصى بعين كالدار مثلا، ولم يوص بالثلث، فإن كانت
الدار بقدر ثلث مجموع التركة كانت الوصية نافذة، وإن كانت زائدة على الثلث
415

نفذت في الثلث، وتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة.
(مسألة 1228): إذا أوصى الميت بعين معينة أو بمقدار كلي من المال كألف
دينار، يلاحظ في كون الموصى به بمقدار الثلث أو أقل أو أكثر، بالإضافة إلى
مجموع أموال الموصي حين الموت، لا حين الوصية. فإذا أوصى لزيد بعين كانت
بقدر نصف أمواله حين الوصية، وصارت حين الموت بمقدار الثلث، إما لنزول
قيمتها أو لارتفاع قيمة غيرها أو لحدوث مال له لم يكن حين الوصية، صحت
الوصية في تمامها.
(مسألة 1229): إذا كانت العين حين الوصية بمقدار الثلث، فصارت أكثر
من الثلث حال الموت، إما لزيادة قيمتها أو لنقصان قيمة غيرها أو لخروج
بعض أمواله عن ملكه، نفذت الوصية بما يساوي الثلث، وبطلت في الزائد، إلا
إذا أجاز الورثة.
(مسألة 1230): إذا أوصى بكسر مشاع كالثلث، فإن كان حين الوفاة
مساويا له حين الوصية، فلا إشكال في صحة الوصية بتمامه، وكذا إذا كان أقل
فتصح فيه بتمامه حين الوفاة، أما إذا كان حين الوفاة أكثر منه حين الوصية - كما
لو تجدد له مال - فهل يحب إخراج ثلث الزيادة المتجددة أيضا أو يقتصر على
ثلث المقدار الموجود حين الوصية؟ والجواب: أنه يجب إخراج ثلث مجموع
أمواله من الزيادة المتجددة وغيرها، على أساس أن المرتكز في ذهن الموصي
من الوصية بالثلث هو ثلث ما تركه من الأموال بعد وفاته، ولا نظر له إلى
ثلث أمواله حين الوصية على نحو بشرط لا، ولهذا لو سأله سائل عن مقصوده
بالثلث، لأجاب أنه ثلث ما تركه بعد الوفاة، إلا إذا قامت قرينة على أنه أراد
الوصية بثلث الأعيان الموجودة حين الوصية لا غير، فإذا تبدلت أعيانها، لم
416

يجب إخراج شيء، أو تقوم القرينة على إرادة الوصية بمقدار ثلث الموجود
حينها، وإن تبدلت أعيانها، فلا يجب إخراج الزائد، كل ذلك خلاف ظاهر
الوصية بالثلث وبحاجة إلى قرينة. وكذا إذا كان كلامه محفوفا مما يوجب إجمال
المراد، فإنه يقتصر حينئذ على القدر المتيقن وهو الأقل.
(مسألة 1231): يحسب من التركة ما يملكه الميت بعد الموت كالدية في
الخطأ، وكذا في العمد إذا صالح عليها أولياء الميت، وكما إذا نصب شبكة في
حياته فوقع فيها صيد بعد وفاته، فيخرج من جميع ذلك الثلث إذا كان قد
أوصى به.
(مسألة 1232): إذا أوصى بعين تزيد على ثلثه في حياته، وبضم الدية
ونحوها تساوي الثلث، نفذت وصيته فيها بتمامها.
(مسألة 1233): إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من الأصل من
الديون المالية، أعم من الشرعية والعرفية، ونفقات حجة الإسلام إذا كانت
عليه، فإذا أخرج جميع ذلك من التركة كان ثلث الباقي منها مورد العمل بالوصية.
مسألة 1234): إذا كان عليه دين فأبرأه الدائن بعد وفاته أو تبرع متبرع
في أدائه بعد وفاته، لم يكن مستثنى من التركة وكان بمنزلة عدمه.
(مسألة 1235): لابد في إجازة الوارث الوصية الزائدة على الثلث من
إمضاء الوصية وتنفيذها، ولا يكفي فيها مجرد الرضا النفساني.
(مسألة 1236): إذا عين الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعين، وإذا فوض
التعيين إلى الوصي، فعينه في عين مخصوصة تعين أيضا، بلا حاجة إلى رضا
الوارث. وإذا لم يحصل منه شيء من ذلك، كان ثلثه مشاعا في التركة، ولا يتعين
417

في عين بعينها بتعيين الوصي إلا مع رضا الورثة.
(مسألة 1237): الواجبات المالية تخرج من الأصل وإن لم يوص بها
الموصي، وهي الأموال التي اشتغلت بها ذمته مثل المال الذي اقترضه والمبيع
الذي باعه سلفا وثمن ما اشتراه نسيئة وعوض المضمونات وأرش الجنايات
ونحوها، ومنها الخمس والزكاة والمظالم، وأما الكفارات والنذور ونحوها،
فالظاهر أنها لا تخرج من الأصل.
(مسألة 1238): إذا تلف من التركة شيء بعد موت الموصي، وجب إخراج
الواجبات المالية من الباقي وإن استوعبه، وكذا إذا غصب بعض التركة.
(مسألة 1239): إذا تمرد بعض الورثة عن وفاء الدين، فهل يسقط من
الدين ما يلزم في حصته، أو يجب على غيره وفاء الجميع من حصته؟
والجواب: لا يجب عليه أن يسدد تمام الدين من حصته، فإذا كان الدين
بقدر ثلث التركة، فليس عليه إلا أن يدفع ثلث ما عنده من أجل الدين، ومن
هذا القبيل ما إذا اختلف الورثة فأقر بعضهم بأن على الميت حجة الإسلام وأنكر
الآخرون، فإنه ليس على المقر أن يسدد كل نفقات الحج من حصته الخاصة به،
بل عليه أن يسدد ما يلزم في حصته، فإذا فرضنا أن نفقة الحج بقدر خمس التركة،
فليس عليه إلا أن يبذل خمس ما عنده من أجل الحج، وحينئذ فإن اتفق وجود
متبرع بسائر النفقة أدى إليه خمس ما عنده، وإلا تصرف في كامل حصته ولا
شيء عليه، ثم إذا وفى غيره تمام الدين، سواء أكان بإذن الحاكم الشرعي أم لا، فله
أن يرجع على المتمرد ويطالبه بالمقدار الذي يلزم في حصته، وفي فرض عدم
التمكن من أخذ ما يلزم من حصته، يجوز له التقاص من أمواله بهذا المقدار.
(مسألة 1240): الحج الواجب بالاستطاعة من قبيل الدين يخرج من
418

الأصل، وأما الحج النذري فيخرج من الثلث.
(مسألة 1241): إذا أوصى بوصايا متعددة متضادة، كان العمل على الثانية
وتكون ناسخة للأولى، فإذا أوصى بعين شخصية لزيد، ثم أوصى بها لعمرو
أعطيت لعمرو، وكذا إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى به لعمرو.
(مسألة 1242): إذا أوصى بثلثه لزيد، ثم أوصى بنصف ثلثه لعمرو، كان
الثلث بينهما على السوية.
(مسألة 1243): إذا أوصى بعين شخصية لزيد، ثم أوصى بنصفها لعمرو،
كانت الثانية ناسخة للأولى بمقدارها.
(مسألة 1244): إذا أوصى بوصايا متعددة غير متضادة وكانت كلها مما
يخرج من الأصل، وجب إخراجها من الأصل وإن زادت على الثلث.
(مسألة 1245): إذا كانت الوصايا كلها واجبات لا تخرج من الأصل،
كالواجبات البدنية والكفارات والنذور اخرجت من الثلث، فإن زادت على
الثلث وأجاز الورثة اخرجت جميعها، وإن لم يجز الورثة ورد النقص على
الجميع بالنسبة، سواء أكانت مرتبة - بأن ذكرت في كلام الموصي واحدة بعد
اخرى كما إذا قال: اعطوا عني صوم عشرين شهرا وصلاة عشرين سنة - أم
كانت غير مرتبة، بأن ذكرت جملة واحدة كما إذا قال: إقضوا عني عباداتي مده
عمري صلاتي وصومي. فإذا كانت تساوي قيمتها نصف التركة، فإن أجاز
الورثة نفذت في الجميع وإن لم يجز الورثة ينقص من وصية الصلاة الثلث ومن
وصية الصوم الثلث. وكذا الحكم إذا كانت كلها تبرعية غير واجبة، فإنها إن
زادت على الثلث وأجاز الورثة، وجب إخراج الجميع، وإن لم يجز الورثة ورد
النقص على الجميع بالنسبة.
419

(مسألة 1246): إذا كانت الوصايا المتعددة مختلفة بعضها واجب يخرج من
الأصل، وبعضها واجب لا يخرج من الأصل، كما إذا قال: اعطوا عني ستين
دينارا عشرين دينارا زكاة وعشرين دينارا صلاة وعشرين دينارا صوما،
فإن وسعها الثلث اخرج الجميع، وكذلك إن لم يسعها وأجاز الورثة. أما إذا لم
يسعها ولم يجز الورثة، فيقسم الثلث على الجميع، وما يجب إخراجه من أصل
التركة يلزم تتميمه منها. فإن كان الميت قد ترك مائة دينار يخرج من أصل
تركته عشرة دنانير للزكاة، ثم يخرج ثلثه ثلاثون دينارا فيوزع على الزكاة
والصلاة والصوم. وكذا الحال فيما إذا تعددت الوصايا وكان بعضها واجبا يخرج
من الأصل، وبعضها تبرعية. نعم، إذا لم يمكن التتميم من التركة تعين التتميم
من الثلث في كلتا الصورتين.
(مسألة 1247): إذا تعددت الوصايا وكان بعضها واجبا لا يخرج من
الأصل، وبعضها تبرعية ولم يف الثلث بالجميع ولم يجزها الورثة، ففي تقديم
الواجب على غيره إشكال وكلام. والأظهر هو التقديم، وعلى هذا فإذا أوصى
بالواجبات المالية كالخمس أو الزكاة أو حجة الإسلام، وأوصى بالواجبات
البدنية كالصلاة والصيام، وأوصى بوجوه البر والإحسان كاطعام الفقراء
أو الزيارة أو نحوها، فإن أطلق ولم يعين المخرج من الثلث، بدأ بالواجب المالي
أولا، فيخرج من أصل التركة، فإذا بقي منها شي يعين ثلثه ويصرف منه في
الواجب البدني ووجوه البر والإحسان، فإن وفى بهما فهو المطلوب، وإلا نفذ
الأول على الأظهر وألغى الثاني، وإن عين من الثلث، فإن اتسع الثلث للكل
فهو المطلوب، وإن لم يتسع إلا لنصف النفقة التي تتطلبها كل تلك الامور
الموصى بها، فهل يخرج الخمس أو الزكاة أو نفقة الحج من الثلث أولا، فإن بقي
منه يصرف في الثاني والثالث أو لا؟
420

والجواب: أن الثلث يوزع على الجميع بنسبة النصف، فيخرج نصف
الواجب المالي من الثلث والنصف الآخر من باقي التركة، ولكن بما أنه يقدم
الوصية بالواجب البدني، كالصلاة والصيام - كما مر - على الوصية بوجوه البر
والإحسان، فيصرف الباقي من الثلث في نفقات الواجب البدني، فإن زاد عنها
يصرف الزائد في وجوه البر والإحسان، والا ألغيت الوصية بها.
(مسألة 1248): المراد من الوصية التبرعية الوصية بوجوه البر والخيرات
بما لا يكون واجبا عليه في حياته، سواء أكانت تمليكية - كما إذا قال: فرسي
لزيد بعد وفاتي - أم عهدية كما إذا قال: تصدقوا بفرسي بعد وفاتي.
(مسألة 1249): إذا أوصى بثلثه لزيد من دون تعيينه في عين شخصية،
يكون الموصى له شريكا مع الورثة، فله الثلث ولهم الثلثان، فإن تلف من
التركة شيء كان التلف على الجميع، وإن حصل لتركته نماء كان النماء مشتركا
بين الجميع.
(مسألة 1250): إذا أوصى بصرف ثلثه في مصلحة من الواجبات
والمستحبات، يكون الثلث باقيا على ملكه، فإن تلف من التركة شيء كان
التلف موزعا عليه وعلى بقية الورثة، وإن حصل النماء كان له منه الثلث.
(مسألة 1251): إذا عين ثلثه في عين معينة تعين كما عرفت، فإذا حصل
منها نماء كان النماء له وحده، وإن تلف بعضها أو تمامها اختص التلف به ولم
يشاركه فيه بقية الورثة.
(مسألة 1252): إذا أوصى بثلثه مشاعا، ثم أوصى بشيء آخر معينا، كما
إذا قال: أنفقوا علي ثلثي وأعطوا فرسي لزيد، وجب إخراج ثلثه من غير
الفرس وتصح وصيته بثلث الفرس لزيد، وأما وصيته بالثلثين الآخرين من
421

الفرس لزيد، فصحتها موقوفة على إجازة الورثة، فإن لم يجيزوا بطلت كما
تقدم. وإذا كان الشيء الآخر غير معين خارجا، كما إذا قال: أنفقوا علي ثلثي
وأعطوا زيدا مائة دينار، توقفت الوصية بالمائة على إجازة الورثة، فإن
أجازوها في الجميع صحت في تمامها، وإن أجازوها في البعض صحت في
بعضها، وإن لم يجيزوا منها شيئا بطلت في جميعها، ونحوه إذا قال: أعطوا ثلثي
لزيد وأعطوا ثلثا آخر من مالي لعمرو، فإنه تصح وصيته لزيد ولا تصح
وصيته لعمرو إلا بإجازة الورثة، أما إذا قال: أعطوا ثلثي لزيد، ثم قال: أعطوا
ثلثي لعمرو، كانت الثانية ناسخة للأولى كما عرفت، والمدار على ما يفهم من
الكلام.
(مسألة 1253): لا تصح الوصية في المعصية، فإذا أوصى بصرف مال في
معونة الظالم أو في ترويج الباطل كتعمير الكنائس والبيع ونشر كتب الضلال،
بطلت الوصية.
(مسألة 1254): إذا كان ما أوصى به جائزا عند الموصي باجتهاده أو
تقليده، وليس بجائز عند الوصي كذلك، لم يجز للوصي تنفيذ الوصية، وإذا كان
الأمر بالعكس، وجب على الوصي العمل بها.
(مسألة 1255): إذا أوصى بحرمان بعض الورثة من الميراث، فلم يجز ذلك
البعض لم يصح. نعم، إذا لم يكن قد أوصى بالثلث وأوصى بذلك، وجب العمل
بالوصية بالنسبة إلى الثلث لغيره، فإذا كان له ولدان وكانت التركة ستة،
فأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث، اعطي زيد اثنين وأعطي الآخر أربعة.
وإذا أوصى لسدس ماله لأخيه وأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث، اعطي
أخوه السدس واعطي زيد الثلث واعطي ولده الآخر النصف.
422

(مسألة 1256): إذا أوصى بمال زيد بعد وفاة نفسه لم يصح وإن أجازها
زيد، على أساس أن هذه الوصية لا يمكن أن تكون وصية للموصي نفسه؛
لأنها متعلقة بمال الغير لا بما تركه من الأموال بعد وفاته، كما لا يمكن أن تكون
وصية لزيد باعتبار أنه بعد حي، والوصية لكل فرد متعلقة بما تركه من
الأموال بعد موته، فلذلك لا تصبح هذه الوصية وصية له بعد إجازته أيضا.
وإذا أوصى بمال زيد بعد وفاة زيد فأجازها زيد صح، على أساس أنها
بإجازته تصبح وصية له.
(مسألة 1257): قد عرفت أنه إذا أوصى بعين من تركته لزيد، ثم أوصى
بها لعمرو كانت الثانية ناسخة للأولى ووجب عليه دفع العين لعمرو، فإذا
اشتبه المتقدم والمتأخر تعين الرجوع إلى القرعة في تعيينه.
(مسألة 1258): إذا دفع إنسان إلى آخر مالا وقال له: إذا مت فأنفقه عني،
ولم يعلم أنه أكثر من الثلث أو أقل أو مساو له، أو علم أنه أكثر واحتمل أنه
مأذون من الورثة في هذه الوصية، أو علم أنه غير مأذون من الورثة، لكن
احتمل أنه كان له ملزم شرعي يقتضي إخراجه من الأصل، فهل يجب على
الوصي العمل بالوصية حتى يثبت بطلانها أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز له التصرف فيه وإنفاقه جميعا، على أساس أن جواز
التصرف فيه منوط باحراز انه لا يزيد من الثلث، وبكلمة: أن جواز التصرف فيه
عملا بالوصية مرتبط بإحراز صحتها، وهي مشكوكة ولا يمكن التمسك بأصالة
الصحة في المقام؛ لعدم إحراز ولايته على الوصية بهذا المال جميعا.
(مسألة 1259): إذا أوصى بشيء لزيد وتردد بين الأقل والأكثر اقتصر
على الأقل، وإذا تردد بين المتبائنين عين بالقرعة.
423

فصل
في الموصى له
(مسألة 1260): الأظهر صحة الوصية العهدية للمعدوم، على أساس أنها
لا تتضمن إنشاء التمليك، فإذا كان الموصى له متوقع الوجود في المستقبل، مثل
أن يوصي بإعطاء شيء لأولاد ولده الذين لم يولدوا حال الوصية ولا حين
موت الموصي، فيبقى المال الموصى به في ملك الموصي، فإن ولدوا بعد ذلك
اعطي لهم وإلا صرف في الأقرب فالأقرب إلى نظر الموصي.
(مسألة 1261): هل تصح الوصية التمليكية للمعدوم إلى زمان موت
الموصي الذي وجد بعد موته بفترة طويلة أو قصيرة أو لا؟
والجواب: أن الوصية المذكورة إن كانت للموجود في زمان موته، فحينئذ
إن كان الموصى له موجودا فيه صحت الوصية وإلا بطلت، وإن كانت للأعم من
الموجود فيه والموجود بعده بفترة زمنية، فلا بأس بها، فإن الموصى له متى وجد
- وإن كان بعد موته بزمن كثير - ملك، كما إذا أوصى بأن المال الفلاني ملك لمن
يولد من أولادي في الطبقة الثالثة بحسب السلسلة الطولية بعد مماتي ولو بسنين
عديدة متمادية، فإن هذه الوصية صحيحة ولا بأس بها، وعليه فإذا وجد الموصى
له بعد موته بسنين كثيرة ملك، فبالنتيجة أن الوصية التمليكية لا تصح للمعدوم،
بل لابد أن تكون للموجود ولو في المستقبل، وأما كونه موجودا في زمن موت
الموصي أو وجد بعد موته بفترة قصيرة أو طويلة، فهو تابع لكيفية جعل
424

الموصي الوصية.
(مسألة 1262): لو أوصى لحمل في بطن امرأة، فإن ولدته حيا ملك
الموصى به، وإلا بطلت الوصية ورجع المال إلى ورثة الموصي.
(مسألة 1263): تصح من الموصي الوصية للذمي والحربي، كما تصح
لمملوكه وام ولده ومدبره ومكاتبه.
(مسألة 1264): قد تسأل: هل تصح الوصية لمملوك غيره قنا كان أو
غيره أو لا تصح وإن أجاز مولاه؟
والجواب: أن الصحة غير بعيدة، وإن كانت على خلاف الاحتياط. نعم، إذا
كان مكاتبا مطلقا وقد أدى بعض مال الكتابة، فيصح من الوصية له قدر ما تحرر
منه بدون شبهة تذكر.
(مسألة 1265): إذا كان ما أوصى به لمملوكه بقدر قيمته أعتق ولا شيء
له. وإذا كان أكثر من قيمته أعتق وأعطى الزائد، وإن كان أقل منها أعتق
واستسعى في الزائد، سواء أكان ما أوصى له به بقدر نصف قيمته أم أكثر أم
أقل.
(مسألة 1266): إذا أوصى لجماعة ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا بمال،
اشتركوا فيه على السوية، إلا أن تكون قرينة على التفضيل.
(مسألة 1267): إذا أوصى لأبنائه وبناته أو لأعمامه وعماته أو أخواله
وخالاته أو أعمامه وأخواله، فإن الحكم في الجميع التسوية، إلا أن تقوم القرينة
على التفضيل، فيكون العمل على القرينة.
425

فصل
في الوصي
(مسألة 1268): يجوز للموصي أن يعين شخصا أمينا واثقا لتنفيذ وصاياه
ويقال له: الوصي، ويشترط فيه امور:
الأول: البلوغ على المشهور، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، ولا
مانع من الوصاية إلى غير البالغ، إذا كان رشيدا وأمينا، وإن كان الأحوط
الأولى أن يكون تصرفه بإذن وليه أو الحاكم الشرعي، كما أن الأولى أن ينضم
إليه رجل كامل، وأما إذا قيد الموصي جعل الوصايا إلى الصبي بكون تصرفه
فيما تركه من الأموال حسب الوصية بعد بلوغه، فلا شبهة في صحته؛ لأنه في
الحقيقة من جعل الوصية للبالغ.
الثاني: العقل، فلا تصح الوصية إلى المجنون في حال جنونه، سواء أكان
مطبقا أم أدواريا، وإذا أوصى إليه في حال العقل، فهو وصي في هذه الحالة لا
مطلقا، فإذا جن فلا يكون وصيا، وإذا أفاق واستعاد عقله فهو وصي، ومن
هنا يصح جعل الوصايا للمجنون الأدواري في حال إفاقته وعقله، كما إذا نص
الموصي على ذلك.
الثالث: الإسلام، إذا كان الموصي مسلما على المشهور، ولكنه لا يخلو
عن إشكال بل منع؛ إذ لا مانع من جعل الوصايا إلى الكافر إذا كان ثقة وأمينا،
على أساس أن ذلك هو المطلوب من الوصي، وأما الجهات الاخرى ككونه
فاسقا أو كافرا أو غير ذلك، فلا ترتبط بما هو المطلوب منه.
426

(مسألة 1269): الظاهر عدم اعتبار العدالة في الوصي، بل يكفي فيه
الوثوق والأمانة، بأن يكون أمينا على أموال الميت والتصرف فيها حسب ما
أوصاه، وليس المطلوب منه أن يكون جديرا بالاقتداء به. هذا في الحقوق
الراجعة إلى غيره، كأداء الحقوق الواجبة والتصرف في مال الأيتام ونحو ذلك.
أما ما يرجع إلى نفسه، كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات
والقربات ووجوه البر والإحسان، ففي اعتبار الوثوق به إشكال، والأظهر عدم
اعتباره.
(مسألة 1270): ظهر مما مر أن الوصي إذا ارتد لم تبطل وصايته على
الأقوى، ولكن بناء على اعتبار الإسلام فيه، فإذا ارتد وبطلت ثم تاب ورجع
إلى الإسلام فأسلم، فهل تعود إليه وصايته مرة اخرى أو لا؟ والجواب: أن
الإعادة لا تخلو عن إشكال، إلا إذا نص الموصى على عودها، أو يظهر ذلك من
إطلاق وصيته.
(مسألة 1271): إذا أوصى إلى عادل ففسق، فإن ظهر من القرينة التقييد
بالعدالة بطلت الوصية، وإن لم يظهر من القرينة التقيد بالعدالة لم تبطل، شريطة
أن يكون الوصي ثقة إذا كانت الوصية على أداء حقوق الناس وأموالهم.
(مسألة 1272): لا تجوز الوصية إلى المملوك على الأحوط، إلا باذن سيده
أو معلقة على حريته.
(مسألة 1273): تجوز الوصاية إلى المرأة على كراهة، والأعمى والوارث.
(مسألة 1274): إذا أوصى إلى صبي وبالغ، فمات الصبي قبل بلوغه أو بلغ
مجنونا، ففي جواز انفراد البالغ بالوصية قولان: الأقوى عدم جواز الانفراد، إذا
كان جعل الوصية إليهما على نحو الانضمام، وللحاكم الشرعي حينئذ أن يضم
427

إليه آخر وإلا فلا.
(مسألة 1275): يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام
وعلى نحو الاستقلال، فإن نص على الأول فليس لأحدهما الاستقلال
بالتصرف لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه، وإذا عرض لأحدهما ما
يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه، ضم الحاكم آخر إلى الآخر،
وإن نص على الثاني جاز لكل منهما الاستقلال، وأيهما سبق نفذ تصرفه، وإن
اقترنا في التصرف مع تنافي التصرفين، بأن باع أحدهما على زيد والآخر على
عمرو في زمان واحد بطلا معا، ولهما أن يقتسما الثلث بالسوية أو بغير السوية.
وإذا سقط أحدهما عن الوصاية، انفرد الآخر ولم يضم إليه الحاكم آخر، وإذا
أطلق الوصاية إليهما ولم ينص على الانضمام والاستقلال، جرى عليه حكم
الانضمام، إلا إذا كانت قرينة على الانفراد، كما إذا قال: وصيي فلان وفلان، فإذا
ماتا كان الوصي فلانا، فإنه إذا مات أحدهما استقل الباقي ولم يحتج إلى أن
يضم إليه الحاكم آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.
(مسألة 1276): إذا قال: زيد وصيي، فإن مات فعمرو وصيي، صح
ويكونان وصيين مترتبين، وكذا يصح إذا قال: وصيي زيد، فإن بلغ ولدي فهو
الوصي.
(مسألة 1277): يجوز أن يوصي إلى وصيين أو أكثر، ويجعل الوصاية إلى
كل واحد في أمر بعينه لا يشاركه فيه الآخر.
(مسألة 1278): إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام، فتشاحا لاختلاف
نظرهما اجتهادا أو تقليدا، أو يرى كل منهما الصلاح في ضد ما يقوله الآخر،
فإن لم يكن مانع لأحدهما بعينه من الانضمام إلى الآخر، أجبره الحاكم على
428

ذلك، وإن لم يكن مانع لكل منهما من الانضمام أجبرهما الحاكم عليه، وإن كان
لكل منهما مانع من الانضمام، جاز للحاكم استبدالهما بغيرهما إذا رأى فيه
مصلحة، كما أن له عزل أحدهما وضم شخص إلى الآخر.
(مسألة 1279): إذا قال: أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصي فلانا إن
استمر على طلب العلم مثلا صح، فحينئذ إن استمر على طلب العلم كان
وصيا، وإن انصرف عنه بطلت وصايته وتولى تنفيذ وصيته الحاكم الشرعي.
(مسألة 1280): إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصية، ضم إليه الحاكم من
يساعده، وإذا ظهرت منه الخيانة ضم إليه أمينا يمنعه عن الخيانة، فإن لم يمكن
ذلك، عزله ونصب غيره.
(مسألة 1281): إذا مات الوصي قبل تنجيز تمام ما أوصى إليه به، نصب
الحاكم الشرعي وصيا لتنفيذه. وكذا إذا مات في حياة الموصي ولم يعلم هو
بذلك أو علم ولم ينصب غيره، ولم يكن ما يدل على عدوله عن أصل الوصية.
(مسألة 1282): ليس للوصي أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصى إليه
به، وإن كان عاجزا عن تنفيذه بنفسه ومباشرة، إلا أن يكون مأذونا من قبل
الموصي في الإيصاء إلى غيره نصا أو بالإطلاق الظاهر في ذلك ولو بمناسبة
الحكم والموضوع.
(مسألة 1283): الوصي أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، فإذا تسامح
وقصر في مورد وخان فيه ضمن في ذلك المورد، وأما في سائر الموارد التي لم
يتحقق منه فيها الخيانة والتقصير، فهل يضمن التالف في تلك الموارد أيضا أو
لا؟ والجواب: نعم، وذلك لأن معنى عدم ضمان الأمين: أن يده على المال ليست
يد مضمنة ومستثناة من قاعدة اليد، وعليه فإذا خان الوصي في مورد وقصر
429

عامدا وملتفتا فيه، تكشف ذلك عن أنه ليس تأمين، يعني: يده ليست يد
أمانة، بل هي مضمنة عند التلف وإن لم يكن بتفريط منه، لا أن خيانته في ذلك
المورد تكشف عن أنه ليس بأمين فيه فحسب، دون سائر الموارد التي لم يظهر
منه فيها الخيانة، فإنه أمين فيها؛ لوضوح أنه إذا ظهر من الشخص خيانة في
مورد كشف عن أنه خائن وغير قابل للائتمان به مطلقا.
(مسألة 1284): إذا عين الموصي للوصي عملا خاصا أو قدرا خاصا أو
كيفية خاصة، وجب الاقتصار على ما عين ولم يجز له التعدي، فإن تعدى كان
خائنا، وإذا أطلق له التصرف بأن قال له: أخرج ثلثي وأنفقه، عمل بنظره،
ولابد من ملاحظة مصلحة الميت، فلا يجوز له أن يتصرف كيف شاء وإن لم
يكن صلاحا للميت أو كان غيره أصلح مع تيسر فعله على النحو المتعارف،
ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربما يكون الأصلح أداء العبادات
الاحتياطية عنه، وربما يكون الأصلح أداء الحقوق المالية الاحتياطية، وربما
يكون الأصلح أداء حق بعينه احتياطي دون غيره أو أداء الصلاة عنه دون
الصوم، وربما يكون الأصلح فعل المقربات والصدقات وكسوة العراة ومداواة
المرضى ونحو ذلك من وجوه البر والخير. هذا إذا لم يكن هناك تعارف يصلح
أن يكون قرينة على تعيين مصرف له بعينه، وإلا كان عليه العمل.
(مسألة 1285): إذا قال: أنت وصيي ولم يعين شيئا، ولم يعرف المراد منه،
وأنه تجهيزه أو صرف ثلثه أو شؤون اخرى كان لغوا، إلا إذا كان هناك تعارف
يكون قرينة على تعيين المراد، كما يتعارف في كثير من مدن العراق أنه وصي في
إخراج الثلث وصرفه في مصلحة الموصي وأداء الحقوق التي عليه وأخذ
الحقوق التي له ورد الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها. نعم، في شموله
430

للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط أن لا يتصدى
لأمورهم إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي، وعدم نصب الحاكم الشرعي غيره
إلا بإذن منه.
(مسألة 1286): يجوز للموصي إليه أن يرد الوصية في حال حياة الموصي،
بشرط أن يبلغه الرد وكان بإمكانه نصب غيره بديلا عنه، ولا يجوز له الرد
بعد موت الموصي، سواء قبلها قبل الرد أم لم يقبلها، وقد تسأل: هل يجوز له
الرد إذا لم يكن بإمكان الموصي نصب غيره مكانه أو لا؟ والجواب: أن جوازه
في هذه الحالة لا يخلو عن إشكال، بل لا يبعد عدم جوازه.
(مسألة 1287): الرد السابق على الوصية لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو: لا
أقبل أن توصي إلي، فأوصى عمرو إليه، لزمته الوصية، إلا أن يردها بعد ذلك
على الشرط المذكور.
(مسألة 1288): لو أوصى إلى أحد فرد الوصية، فأوصى إليه ثانيا مع أنه
كان بإمكانه أن يوصي إلى فرد آخر غيره، وهو لجهله بالحال لم يردها ثانية،
فهل هي لازمة عليه أو لا؟
والجواب: أن لزومها لا يخلو عن إشكال بل منع؛ لانصراف نصوص لزوم
الوصية على الوصي عن مثل هذا الفرض.
(مسألة 1289): إذا رأى الوصي أن تفويض الأمر إلى شخص في بعض
الأمور الموصى بها أصلح للميت، جاز له تفويض الأمر إليه، كأن يفوض أمر
العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات، ويفوض
أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها، ويفوض أمر الكفارات التي
أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفية القسمة عليهم وهكذا، على أساس
431

أنه واثق ومطمئن بالإذن من الموصى في مثل هذه التصرفات. وربما يفوض
الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كانت له خبرة في جميعها.
وقد لا يكون الموصي قد أوصى بامور معينة، بل أوصى بصرف ثلثه في
مصالحه وأوكل تعيين المصرف كما وكيفا إلى نظر الوصي، فيرى الوصي من هو
أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيتها فيوكل الأمر إليه، فيدفع الثلث إليه
بتمامه ويفوض إليه تعيين الجهات كما وكيفا، كما يتعارف ذلك عند كثير من
الأوصياء، حيث يدفعون الثلث الموصى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم،
فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرف ولو بواسطة التفويض إلى الغير. فلا
بأس أن يفوض الوصي أمر الوصية إلى غيره إلا أن تقوم القرينة على إرادة
الموصي منه المباشرة، فلا يجوز له حينئذ التفويض.
(مسألة 1290): لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلى غيره، بمعنى: عزل
نفسه عن الوصاية وجعلها له، فيكون غيره وصيا عن الميت بجعل منه.
(مسألة 1291): إذا بطلت وصاية الوصي لفوات شرطها، نصب الحاكم
الشرعي وصيا مكانه أو تولى الصرف بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعين وصيا
أصلا.
(مسألة 1292): إذا نسي الوصي مصرف المال الموصى به، وعجز عن
معرفته صرفه في وجوه البر التي يحتمل أن تكون مصرف المال الموصى به مع
مراعاة الأهم فالأهم. هذا إذا كان التردد بين احتمالات غير محصورة مرتبطة،
أما إذا تردد بين احتمالات محصورة مستقلة، فلا يبعد أن يكون المرجع في
تعيينها القرعة.
(مسألة 1293): يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي مشرفا
432

ومطلعا على عمله، بحيث لا يجوز للوصي أن يعمل بالوصية إلا باطلاع الناظر
وإشرافه عليه، فإذا عمل بدون إشرافه كان بدون إذن من الموصي وخيانة له،
وإذا عمل باطلاعه كان مأذونا فيه وأداء لوظيفته، ولا يجب على الوصي
متابعة مثل هذا الناظر في رأيه ونظره، فإذا أوصى الموصي باستنابة من يصلي
عنه، فاستناب الوصي زيدا وكان الناظر يريد استنابة عمرو ويراها أرجح، لم
يقدح ذلك في صحة استنابة زيد، وليس للناظر الاعتراض عليه في ذلك. نعم،
لو جعله ناظرا على الوصي، بمعنى: أن يكون عمل الوصي بنظره، ففي المثال
المذكور لا تصح استنابة زيد وتجب استنابة عمرو، لكن هذا المعنى خلاف
ظاهر جعل الناظر على الوصي.
والظاهر أن الوصي إذا خان لم يجب على الناظر - بما هو ناظر - معارضته
ومدافعته، حتى إذا كانت نظارته على النحو الثاني، ولا يضمن إذا لم يدافع ولم
يمنعه عن الخيانة. نعم، له الاعتراض عليه واطلاع الحاكم الشرعي بالحال، وإذا
مات الناظر لزم على الوصي الرجوع إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 1294): الوصية جائزة من طرف الموصي، فإذا أوصى بشيء جاز
له العدول إلى غيره.
(مسألة 1295): إذا أوصى إلى أحد جاز له العدول إلى غيره.
(مسألة 1296): إذا أوصى بأشياء جاز له العدول عن جميعها وعن بعضها،
كما يجوز له تبديل جميعها، وتبديل بعضها ما دام فيه الروح، إذا وجدت فيه
الشرائط المتقدمة من العقل والاختيار وغيرهما.
(مسألة 1297): إذا أوصى إلى شخص ثم أوصى إلى آخر، ولم يخبر الوصي
الأول بالعدول عنه إلى غيره فمات الموصي، فعمل الوصي الأول بالوصية، ثم
433

علم بالحال، وحينئذ فما صرفه من الثلث إن كان في غير مورد الوصية كان
ضمانه على الميت؛ لأنه المتلف عرفا بواسطة الوصي، فيخرج من أصل التركة،
باعتبار أنه دين، ثم يخرج الثلث من باقي التركة للوصي الثاني، وإن كان في
موردها كفى ذلك ولا موضوع عندئذ لصرف الثلث فيه مرة اخرى.
هذا، إذا لم يكن العدول عن الأول لسبب ظاهر يدل عليه، أما إذا كان
لسبب ظاهر كذلك، كما إذا هاجر الوصي الأول إلى بلاد بعيدة لا يتمكن عادة من
تنفيذ الوصايا في بلد الموصي، أو حدثت بينه وبين الوصي عداوة ومقاطعة تدل
على عدوله عنه، كان ما صرفه الوصي الأول من مال نفسه.
(مسألة 1298): يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول مثل أن يقول: رجعت
عن وصيتي إلى زيد وبالفعل، مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثم يوصي بوقفه،
ومثل أن يوصي بوقف عين أو بصرفها ثم يبيعها أو يهبها.
(مسألة 1299): لا يعتبر في وجوب العمل بالوصية مرور مدة طويلة أو
قصيرة، فإذا أوصى ثم مات بلا فصل وجب العمل بها، وكذا إذا مات بعد
مرور سنين. نعم، يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شك في الرجوع بنى على
عدمه.
(مسألة 1300): إذا قال الموصي: لو مت في هذا السفر كان الشخص
الفلاني وصيي وكانت وصيتي كذا وكذا، فإذا لم يمت في ذلك السفر ومات في
غيره لم يجب العمل بوصيته، ولم يكن الشخص المذكور وصيا له فيه، على
أساس أنه علق الوصية وتعيين الوصي على الموت في هذا السفر لا مطلقا. نعم،
إذا كان الداعي له على إنشاء الوصية خوف الموت في السفر الذي عزم عليه،
وجب العمل بوصيته وإن لم يمت في ذلك السفر، ولأجل ذلك يجب العمل
434

بوصايا الحجاج عند العزم على الحج، ومثلهم زوار الرضا (عليه السلام) والمسافرون
أسفارا بعيدة، فإن الظاهر أن هؤلاء وأمثالهم لم يقيدوا الوصية بالموت في ذلك
السفر خاصة، وإنما كان الداعي على الوصية خوف الموت في ذلك السفر،
فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقق الرجوع عنها.
(مسألة 1301): يجوز للوصي أن يأخذ اجرة مثل عمله إذا كانت له اجرة،
إلا إذا كان أوصى إليه، بأن يعمل مجانا، كما لو صرح الموصي بذلك أو كانت
هناك قرينة عليه، فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذ، ويجب عليه العمل بالوصية
إن كان قد قبل، أما إذا لم يقبل ففي الوجوب عليه إشكال، والأقرب العدم. هذا
بالنسبة إلى العمل الذي أوصى إليه فيه كالبيع والشراء وأداء الديون وصرف
ثلثه في وجوه البر والخير والصلاة والصيام، وما شاكل ذلك من الأعمال التي
جعلها تحت تصرفه وولايته. أما لو أوصى بأعمال اخرى، مثل أن يوصي إلى
زيد أن يحج عنه أو يصلي عنه أو نحو ذلك، لم يجب عليه القبول حتى لو لم يعلم
بذلك في حياة الموصي، ولو قبل في حياته فإن كان أوصى إليه بالعمل مجانا
مثل أن يحج فقبل، فهل يجوز له الرد بعد وفاته أو لا؟ لا يبعد جوازه، على
أساس أن قبوله العمل مجانا لا يكون إلا مجرد وعد له به ولا ينطبق عليه
عنوان ملزم، ولا تشمله روايات لزوم الوصية.
(مسألة 1302): إذا جعل له اجرة معينة بأن قال له: حج عني بمائة دينار،
كان إجارة، ووجب العمل بها وله الأجرة إذا كان قد قبل في حياته، وإلا فلا
يجب.
ولو كان بأجرة غير معينة عندهما بأن قال له: حج عني بأجرة المثل ولم
تكن اجرة المثل معلومة عندهما، وإن كانت محددة في الواقع، فقبل في حياته،
435

فالظاهر أن ذلك من باب الإجارة، فيجب العمل بها، على أساس أن اجرة المثل
معينة في الواقع لدى الاجراء الذين يتقاضونها عادة على مثل ذلك العمل، وإن لم
تكن معلومة عندهما، فلا مقتضى لفساد الإجارة حتى الغرر. ولو كان ذلك
بطريق الجعالة لم يجب العمل عليه، ولكن إذا عمل استحق الأجرة.
(مسألة 1303): تثبت الوصية التمليكية بشهادة مسلمين عادلين وبشهادة
مسلم عادل مع يمين الموصى له، وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين عادلتين
كغيرها من الدعاوى المالية.
(مسألة 1304): يثبت ربع الوصية التمليكية بشهادة امرأة مسلمة عادلة،
ونصفها بشهادة امرأتين مسلمتين عادلتين، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث
مسلمات عادلات، وتمامها بشهادة أربع مسلمات عادلات بلا حاجة إلى اليمين
في شهادتهن، وهذا الحكم بهذه الكيفية خاص بالوصية التمليكية.
(مسألة 1305): الوصية العهدية - وهي الوصاية بالولاية - لا تثبت إلا
بشهادة مسلمين عادلين.
(مسألة 1306): تثبت الوصية التمليكية والعهدية بشهادة كتابيين عدلين في
دينهما عند عدم عدول المسلمين، ولا تثبت بشهادة غيرهما من الكفار.
(مسألة 1307): تثبت الوصية التمليكية بإقرار الورثة جميعهم، إذا كانوا
عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولا. وإذا أقر بعضهم دون بعض ثبتت بالنسبة
إلى حصة المقر دون المنكر. نعم، إذا أقر منهم اثنان وكانا عدلين ثبتت الوصية
بتمامها، وإذا كان عدلا واحدا تثبت أيضا مع يمين الموصى له.
(مسألة 1308): تثبت الوصية العهدية بإقرار الورثة جميعهم، وإذا أقر
436

بعضهم ثبت بعض الموصى به على نسبة حصة المقر وينقص من حقه. نعم، إذا
أقر اثنان عدلان منهم ثبتت الوصية بتمامها.
(مسألة 1309): قد تسأل: أن الوصي هل يعمل على طبق نظره اجتهادا أو
تقليدا أو يعمل على طبق نظر الموصي؟
والجواب: أن نظره إن كان مطابقا لنظر الموصي اجتهادا أو تقليدا فهو
المطلوب، وإن كان مخالفا له، فإن كان نظره مطابقا للاحتياط دون نظر الموصي،
فعليه أن يعمل على طبق نظره، هذا إذا كان نظره مستندا إلى دليل اجتهادي،
وكان نظر الموصي باطلا عنده، وأما إذا كان نظره مستندا إلى أصل عملي كقاعدة
الاشتغال، ونظر الموصي إلى دليل اجتهادي أو أصل عملي كأصالة البراءة،
فبإمكانه أن يعمل على طبق نظر الموصي تنفيذا للوصية، كما أن له أن يعمل على
طبق نظره، وإن كان نظر الموصي مطابقا للاحتياط دون نظره، فعليه أن يعمل
على طبق نظر الموصي عملا بالوصية. هذا إذا كان المتصدي لتنفيذ الوصية
الوصي، وأما إذا كان المتصدي له الوارث، فهو يعمل على طبق نظره اجتهادا أو
تقليدا دون نظر الميت إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان نظر الميت موافقا
للاحتياط ونظر الوارث مخالفا له ومبنيا على الأصل العملي المؤمن كأصالة
البراءة دون الدليل الاجتهادي، ففي هذه الحالة الأحوط والأجدر به - وجوبا -
أن يعمل على طبق نظر الميت اجتهادا وتقليدا.
437

فصل
في منجزات المريض
(مسألة 1310): إذا تصرف المريض في مرض الموت تصرفا منجزا، فإن لم
يكن مشتملا على المحاباة، كما إذا باع بثمن المثل أو آجر بأجرة المثل، فلا
إشكال في صحته ولزوم العمل به. وإذا كان مشتملا على نوع من المحاباة
والعطاء المجاني، كما إذا أعتق أو أبرأ أو وهب هبة مجانية غير معوضة أو
معوضة بأقل من القيمة أو باع بأقل من ثمن المثل أو آجر بأقل من اجرة المثل
أو نحو ذلك، مما يستوجب نقصا في ماله، فالظاهر أنه نافذ كتصرفه في حال
الصحة، والقول: بأنه يخرج من الثلث - فإذا زاد عليه لم ينفذ إلا بإجازة
الوارث - ضعيف.
(مسألة 1311): إذا أقر المريض بعين أو دين لوارث أو لغيره، فإن كان
المقر مأمونا ومرضيا في نفسه، نفذ إقراره من الأصل، وإن كان متهما نفذ من
الثلث. هذا إذا كان الإقرار في مرض الموت، أما إذا كان في حال الصحة أو في
المرض غير مرض الموت، اخرج من الأصل وإن كان متهما.
(مسألة 1312): إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي، أو نحو ذلك، فهل هو باطل
أو لا؟ المشهور بطلانه، على أساس أنه يتضمن تعليق إنشاء الوقف على
الوفاة، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع؛ لأن الإنشاء فيه لا يكون معلقا، بل
هو منجز، فإن المعلق إنما هو فعلية المنشأ نظير من قال: هذا ملك لزيد بعد
438

وفاتي، وقد مر أنه ليس من تعليق الإنشاء على الوفاة، فإن المعلق إنما هو فعلية
المنشأ وهو الملكية. وعلى هذا فمن قال: داري وقف بعد وفاتي، فقد أنشأ
مفهوم الوقف من الآن، سواء أكان مفهومه التحرير أم التمليك، كما في الأوقاف
الخاصة، والمعلق إنما هو فعلية المنشأ ولا مانع من ذلك؛ لأن فعلية كل حكم
شرعي معلقة على وجود موضوعه في الخارج، وبكلمة: لا يمكن الحكم
ببطلان هذا الوقف من جهة التعليق. نعم، يمكن الحكم ببطلانه من جهة قصور
دليل الوقف عن شمول مثله في مقام الإثبات، فصحته في هذا المقام بحاجة إلى
دليل خاص وهو غير موجود، ومن هنا يفترق عن الوصية التمليكية والعهدية
والتدبير، فإن الدليل هناك موجود على الصحة دون الوقف هنا.
(مسألة 1313): إذا قال: بعت أو آجرت أو صالحت أو وقفت بعد وفاتي،
بطل ولا يجري عليه حكم الوصية بالبيع أو الوقف مثلا، بحيث يجب على
الورثة أن يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته، إلا إذا فهم من كلامه أنه يريد الوصية
بالبيع أو الوقف، فحينئذ كانت وصيته صحيحة ووجب العمل بها.
(مسألة 1314): إذا قال للمدين: أبرأت ذمتك بعد وفاتي، وأجازه الوارث
بعد موته برئت ذمة المدين، فإن إجازة الإبراء بنفسها تنازل من قبل الورثة
عن حقهم وإبراء لذمة المدين. هذا إذا كان الدين زائدا على ثلثه، وإلا فلا
يحتاج إلى الإجازة.
439

كتاب الوقف
والوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة والمنفعة، وقد ورد في فضله
والثواب عليه روايات كثيرة، وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" ليس يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي
تجري بعد موته، وصدقة مبتولة لا تورث، أو سنة هدي فهي يعمل بها بعده،
أو ولد صالح يدعو له ".
(مسألة 1315): لا يكفي في تحقق الوقف مجرد النية، بل لابد من إنشاء
ذلك بمثل: وقفت وحبست ونحوهما مما يدل على المقصود.
(مسألة 1316): الظاهر وقوعه بالمعاطاة، مثل أن يعطي إلى قيم مسجد أو
مشهد آلات الإسراج أو يعطيه الفراش أو نحو ذلك أو يفرش الفراش فيه
مباشرة.
بل ربما يقع بالفعل بلا معاطاة، مثل أن يعمر الجدار أو الأسطوانة الخربة
من المسجد أو نحو ذلك بعنوان جداره أو أسطوانته، فإن ذلك يكفي في كونه
440

جدارا أو أسطوانة له، فلا حاجة إلى إجراء صيغة الوقف.
(مسألة 1317): الوقف تارة يكون له موقوف عليه يقصد عود المنفعة إليه،
وتارة لا يكون كذلك، والثاني كوقف المسجد، فإن الواقف لم يلحظ في الوقف
منفعة خاصة، وإنما لاحظ مجرد حفظ العنوان الخاص وهو عنوان المسجدية،
وهذا القسم لا يكون له موقوف عليه.
(مسألة 1318): إذا لاحظ الواقف منفعة خاصة، مثل الصلاة أو الذكر أو
الدعاء أو نحوها من أنحاء العبادة، فقال: وقفت هذا المكان على المصلين أو
الذاكرين أو الداعين أو نحو ذلك، لم يصر مسجدا ولم تجر عليه أحكام المسجد،
وإنما يصير وقفا على الصلاة أو غيرها مما لاحظه الواقف، ويكون من القسم
الأول الذي له موقوف عليه، وهو الذي لاحظ الواقف فيه المنفعة، وهو على
أقسام:
القسم الأول: أن يلحظ عود المنفعة إلى الموقوف عليهم بصيرورتها
ملكا لهم، كما إذا قال: هذا المكان وقف على أولادي على أن تكون منافعه لهم،
أو هذه البستان وقف على أولادي على أن تكون ثمرتها لهم، فتكون المنافع
والثمرة ملكا لهم كسائر أملاكهم، تجوز المعاوضة منهم عليها ويرثها وارثهم،
وتضمن لهم عند طرو سبب الضمان، وتجب الزكاة على كل واحد منهم عند
بلوغ حصته النصاب.
القسم الثاني: أن يلحظ صرف المنافع على الموقوف عليهم من دون
تمليك، فلا تجوز المعاوضة من أحد الموقوف عليهم على حصته، ولا تجب فيها
الزكاة وإن بلغت النصاب، ولا يرثها وارث الموقوف عليه إذا مات قبل أن
تصرف المنفعة عليه، ولكن المنفعة تضمن بطرو سبب الضمان، وهذا القسم على
441

نوعين:
النوع الأول: أن يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، كما إذا قال: هذه الشجرة
وقف على أولادي يأكلون ثمرتها، وفي مثله لا يجوز للولي تبديلها والمعاوضة
عليها، بل يصرف نفس الثمرة عليهم ليأكلوها.
النوع الثاني: أن لا يلحظ فيه صرف شخص المنفعة، بل يلحظ الأعم
منها ومن بدلها، كما إذا قال: هذه البستان وقف على أولادي تصرف منفعتها
عليهم، سواء أكان تبديلها إلى عين اخرى - بأن يبدل الولي الثمرة بالحنطة أو
الدقيق أو الدراهم - أم ببذل نفسها لهم.
القسم الثالث: أن يلاحظ الواقف انتفاع الموقوف عليهم مباشرة
باستيفاء المنفعة بأنفسهم، مثل وقف خانات المسافرين والرباطات والمدارس
وكتب العلم والأدعية ونحوها.
وهذا القسم كما لا تجوز المعاوضة على منافعه لا من الموقوف عليهم ولا
من الولي لا توارث فيه، والظاهر ثبوت الضمان فيه أيضا إذا غصب المنفعة
غاصب كالأقسام السابقة. نعم، الظاهر عدم الضمان في مثل المساجد التي يكون
الوقف فيها تحريرا.
(مسألة 1319): الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه وإن
كان الاعتبار أحوط، ولا سيما في الوقف بلحاظ ملك المنفعة، سواء أكان عاما
مثل الوقف على العلماء أم خاصا مثل الوقف على أولاده، فيقبل في الأول
الحاكم الشرعي، وفي الثاني الموقوف عليهم من الطبقة الأولى.
(مسألة 1320): الأظهر عدم اعتبار القربة في صحة الوقف ولا سيما في مثل
442

الوقف على الذرية.
(مسألة 1321): يعتبر في صحة الوقف قبض الموقوف عليه أو قبض
وكيله أو وليه، فإذا مات قبل القبض بطل، ولا يعتبر في القبض الفورية، وفي
اعتبار إذن الواقف في القبض إشكال.
(مسألة 1322): يكفي في تحقق القبض في مثل الوقف على الذرية مثلا،
قبض الطبقة الأولى.
(مسألة 1323): إذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده وكانت العين
في يده، كفى ذلك في تحقق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر، وإذا كانت العين في
يد غيره، فلابد من أخذها منه ليتحقق قبض وليهم.
(مسألة 1324): إذا كانت العين بيد الموقوف عليه، كفى ذلك في قبضها ولم
يحتج إلى قبض جديد.
(مسألة 1325): يكفي في قبض غير المنقول رفع الواقف يده عنه واستيلاء
الموقوف عليهم عليه.
(مسألة 1326): في اعتبار القبض في صحة الوقف على الجهات العامة
إشكال، ولا يبعد عدم اعتباره، ولا سيما إذا كان من نية الواقف أن تبقى في يده
ويعمل بها على حسب ما وقف.
(مسألة 1327): بناء على اعتبار القبض في الوقف على الجهات العامة،
فالظاهر عدم الحاجة إلى قبض الحاكم، فإذا وقف مقبرة كفى في تحقق القبض
الدفن فيها، وإذا وقف مكانا للصلاة تكفي الصلاة فيه، وإذا وقف حسينية تكفي
إقامة العزاء فيها. وكذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين والدار على
443

سكنى العلماء والفقراء، فإنه يكفي في قبضها السكنى فيها.
(مسألة 1328): إذا وقف حصيرا للمسجد كفى وضعه في المسجد، وكذا في
مثل آلات المشاهد والمعابد والمساجد ونحوها، فإن الظاهر أنه يكفي في قبضها
وضعها فيها بقصد استعمالها.
(مسألة 1329): إذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو نحوها
فعمره عامر، فالظاهر كفاية ذلك في تمامية الوقف وإن لم يقبضه قابض، وإذا
مات لم يرجع ميراثا لوارثه كما عرفت.
(مسألة 1330): إذا وقف على أولاده الكبار فقبض واحد منهم صح
القبض في حصته ولم يصح في حصة الباقين، إلا أن يكون وكيلا منهم في ذلك.
(مسألة 1331): قد تسأل: أن ما يسمى وقفا عند أهل المواشي في العراق،
وهو أن الشخص يقصد نعجة أو بقرة باسم أحد الأئمة (عليهم السلام) أو لجهة اخرى،
على أن نتاجها إن كان ذكرا يذبح ويؤكل أو يباع، وإن كان انثى ظل
وقفا تابعا لامها ويكون منافعها من الصوف أو اللبن له، وهل يصح ذلك
وقفا أو لا؟
الجواب: أنه لا يصح وقفا؛ لأن النعجة لو كانت وقفا لكانت ملكا
للموقوف عليه وخارجة عن ملك المالك، فإذن تكون منافعها أيضا ملكا له ولا
تبقى في ملك المالك، فبقاء المنافع في ملكه لا يجتمع مع وقف العين، فالنتيجة أن
النعجات أو البقرات تبقى في ملك مالكها كسائر أمواله، ولا شيء عليه غير
تخميسها.
(مسألة 1332): المعروف والمشهور بين الأصحاب اعتبار التأبيد في الوقف
444

ولكنه لا يخلو عن إشكال، والاحتياط لا يترك، فإذا وقف داره لعالم إلى مدة
عشر سنوات مثلا، فالأحوط والأجدر به - وجوبا - أن يحتاط بتسليم الدار
إليه في تلك المدة. نعم، لو لم يصح ذلك وقفا، فهل يصح حبسا أو لا؟ الظاهر
أنه لا يصح، على أساس أن مفهوم الوقف غير مفهوم الحبس، والمنشأ إنما هو
الأول دون الثاني.
(مسألة 1333): يصح الوقف على من انقرض في المستقبل، وبعد
الانقراض فهل ترجع العين الموقوفة إلى ورثة الواقف حين الموت أو حين
الانقراض، أو أنها ترجع صدقة عامة تصرف في وجوه البر والخير؟
والجواب: الأقرب أنها ترجع إلى ورثته حين الانقراض، على أساس أن
انتقال العين الموقوفة إلى الواقف الميت ثانيا إنما هو في هذا الحين، فإذا كان انتقالها
إليه في ذلك الحين، فبطبيعة الحال كان انتقالها منه إلى ورثته في نفس ذلك الحين
أيضا لا حين الموت، وبكلمة: أن الواقف الميت إنما صار مالكا للعين مرة ثانية آن
الانقراض، فإذا لا محالة يكون ذلك الآن هو آن انتقال العين منه إلى ورثته لا آن
موته المتقدم عليه. وعلى هذا فإذا مات الواقف عن ولدين، ومات بعده أحد
الولدين عن ولد قبل انقراض الموقوف عليهم ثم انقرضوا، فعلى ما قويناه ترجع
العين إلى الولد الباقي له مباشرة؛ لأنه الوارث حين الانقراض، وعلى المشهور من
أن العين ترجع إلى ورثته حين الموت كان الوارث له كلا الولدين معا؛ لأنهما كانا
حيين حين الموت، وحينئذ فيصل نصيب أخيه إلى أبنه فيشاركه في العين.
(مسألة 1334): لا فرق فيما ذكرناه من صحة الوقف ورجوعه إلى ورثة
الواقف، بين كون الموقوف عليه مما ينقرض غالبا وبين كونه مما لا ينقرض
غالبا فاتفق انقراضه. نعم، يستثنى من ذلك ما إذا أظهر من القرائن أن
445

خصوصية الموقوف عليه ملحوظة بنحو تعدد المطلوب، بأن كان الواقف قد
أنشأ التصدق بالعين وكونه على نحو خاص، فإذا بطلت الخصوصية بقي أصل
التصدق، فإذا قامت القرينة على ذلك وانقرض الموقوف عليه لم يرجع إلى
الوارث أو ورثته، بل تبقى العين صدقة وتصرف منافعها في جهة اخرى
الأقرب فالأقرب.
(مسألة 1335): إذا وقف عينا على غيره وشرط عودها إليه عند الحاجة،
ففي صحته قولان والأظهر البطلان.
(مسألة 1336): المشهور أن التنجيز معتبر في صحة الوقف، فلو علقه على
أمر مستقبل معلوم التحقق أو متوقع الحصول، كما إذا قال زيد مثلا: وقفت
كتابي هذا من يوم الجمعة الآتية أو من رأس الشهر الآتي أو إذا ولد لي ذكر في
المستقبل لم يصح، ولكنه لا يخلو عن إشكال، فإن التعليق إن كان على أمر
مستقبل معلوم التحقق - كالمثال المذكور - فلا يبعد صحته، على أساس أن ما
هو معلق عليه إنما هو فعلية الوقف المنشأ دون إنشائه في عالم الاعتبار، فإنه
غير قابل للتعليق؛ إذ لا واقع له ما عدا اعتبار المعتبر في عالم الذهن، وعلى هذا
فمتى حصل المعلق عليه في الخارج صار الوقف فعليا ومتحققا ومشمولا لقوله
(عليه السلام): " الوقوف حسب ما يوقفها أهلها " بل لا يبعد الحكم بالصحة حتى فيما إذا
كان المعلق عليه أمرا مشكوكا، فإنه لو تحقق في ظرفه تحقق الوقف، ولكن مع
هذا فالأحوط والأجدر بالواقف أن يجدد صيغة الوقف إذا تحقق المعلق عليه
في ظرفه.
(مسألة 1337): إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي، فهل هو صحيح أو باطل؟
والجواب: أن صحته غير بعيدة بعين ما ذكرناه، ولكن مع هذا فالأحوط
446

للموقوف عليه أن يصالح مع الورثة. نعم، إذا كان المتبادر منه الوصية بالوقف فلا
إشكال، ويجب العمل بها عند تحقق شرائطها فيوقف بعده.
(مسألة 1338): يشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف،
فإذا وقف على نفسه بطل، وإذا قال: داري وقف علي وعلى أخي مثلا على نحو
التشريك، بطل الوقف في نصف الدار، وإذا كان على نحو الترتيب - بأن قصد
الوقف على نفسه ثم على غيره - كان الوقف من المنقطع الأول، فيبطل بالنسبة
إلى نفسه، وهل يبطل بالنسبة إلى غيره أيضا أو لا؟ المشهور البطلان ولكنه لا
يخلو عن الإشكال، بل لا يبعد صحته، ثم إنه على هذا القول هل يصح من حين
الوقف أو من بعد موت الواقف؟ الظاهر هو الثاني؛ لأنه إنما أنشأ الوقف لغيره
بعد موته لا من الآن، فكونه وقفا له من الآن بحاجة إلى دليل، ولا يكفي مجرد
إلغاء وقفه على نفسه، فإن الغائه لا يوجب خروج المال الموقوف عن ملكه،
بل هو باق في ملكه إلى أن يموت، كما هو الحال في سائر الوقف الترتيبي،
وكذلك في سائر الوقوف الطولية، فلو بدأ بالوقف على ما لا يصح الوقف عليه،
ثم بالوقف على ما يصح، كما إذا قال: وقفت بستاني هذا على عبد زيد مثلا، ثم
على زيد نفسه، ثم على أولاده وهكذا، فإن هذا الوقف وإن بطل على الطبقة
الأولى إلا أنه لا يبعد صحته على الطبقة الثانية، ولكن وقتئذ هل يصح هذا
الوقف من حينه أو بعد انقراض الطبقة الأولى؟
والجواب: أن الواقف إذا كان عالما ببطلان الوقف على الطبقة الأولى، كان
إنشاء الوقف منه عليها مجرد لقلقة لسان، فلا يمكن أن يكون جادا في إرادته،
فإذن وجوده كعدمه، وعليه فلا محالة يكون جادا في إنشاء الوقف وجعله على
الطبقة الثانية من حينه لا من حين انقراض الطبقة الاولى، فيكون المنشأ والمجعول
447

وقتئذ فعليا من هذا الحين، وإذا كان جاهلا بالحال ومعتقدا صحة الوقف على
الطبقة الأولى، كان جادا في إنشائه وجعله عليها بعد انقراض الأولى لا من حينه،
فيكون المنشأ به عندئذ فعليا بعد انقراض الأولى لا من الآن، وإن قصد الوقف
على غيره ثم على نفسه، بطل بالنسبة إلى نفسه فقط وكان من الوقف المنقطع
الآخر، وإن قال: هي وقف على أخي ثم على نفسي ثم على شخص آخر، بطل
الوقف بالنسبة إلى نفسه، وأما بطلانه بالنسبة إلى الشخص الآخر فهو غير معلوم
كما عرفت.
(مسألة 1339): إذا وقف على أولاده واشترط عليهم وفاء ديونه من
مالهم، عرفية كانت الديون أم شرعية كالزكاة والكفارات المالية صح، بل
الظاهر صحة الوقف إذا اشترط وفاء ديونه من حاصل الوقف أيضا.
(مسألة 1340): إذا وقف على جيرانه واشترط عليهم أكل ضيوفه أو
القيام بمؤنة أهله وأولاده حتى زوجته صح، وإذا اشترط عليهم نفقة زوجته
الواجبة عليه من مالهم صح، بل الظاهر الصحة مع اشتراطها من حاصل
الوقف أيضا.
(مسألة 1341): إذا وقف عينا له على وفاء ديونه العرفية والشرعية بعد
الموت، ففي صحته إشكال والأظهر البطلان، وكذا في ما لو وقفها على أداء
العبادات عنه بعد الوفاة؛ لأنه من الوقف على نفسه.
(مسألة 1342): إذا أراد التخلص من إشكال الوقف على النفس، فله أن
يملك العين لغيره ثم يقفها غيره على النهج الذي يريده من إدرار مؤنته ووفاء
ديونه ونحو ذلك. ويجوز له أن يشترط عليه ذلك في ضمن عقد التمليك، كما
يجوز له أن يؤجرها مدة ويجعل لنفسه خيار الفسخ، وبعد الوقف يفسخ
448

الإجارة فترجع المنفعة إليه لا إلى الموقوف عليهم، بل لا يبعد صحة وقف
العين مع اشتراط بقاء منافعها على ملكه مدة معينة كسنة أو غير معينة مثل
مدة حياته.
(مسألة 1343): يجوز انتفاع الواقف بالعين الموقوفة في مثل المساجد
والقناطر والمدارس ومنازل المسافرين وكتب العلم والزيارات والأدعية
والآبار والعيون ونحوها، مما لم تكن المنفعة معنونة بعنوان خاص مضاف إلى
الموقوف عليه، بل قصد مجرد بذل المنفعة وإباحتها للعنوان العام الشامل
للواقف. أما إذا كان الوقف على الانحاء الآخر مع كون الموقوف عليه عنوانا
كليا عاما، ففي جواز مشاركة الواقف إشكال والأظهر الجواز.
(مسألة 1344): إذا تم الوقف كان لازما لا يجوز للواقف الرجوع فيه، وإن
وقع في مرض الموت، لم يجز للورثة رده وإن زاد على الثلث.
فصل
في شرائط الواقف
(مسألة 1345): يعتبر في الواقف أن يكون جائز التصرف بالبلوغ والعقل
والاختيار، وعدم الحجر لسفه أورق أو غيرهما. فلا يصح وقف الصبي وان
بلغ عشرا. نعم، إذا أوصى بأن يوقف ملكه بعد وفاته على وجوه البر
والمعروف لأرحامه وكان قد بلغ عشرا وعقل، نفذت وصيته كما تقدم، وإذا
كان وقف الصبي بإذن الولي وكان ذا مصلحة، ففي بطلانه إشكال والأظهر
449

الصحة.
(مسألة 1346): يجوز للواقف جعل الولاية على العين الموقوفة لنفسه
ولغيره على وجه الاستقلال والاشتراك، كما يجوز له أيضا جعل الناظر على
الولي بمعنى: المشرف عليه أو بمعنى: أن يكون هو المرجع في النظر والرأي، ولا
فرق في المجعول له الولاية والنظارة بين العادل والفاسق. نعم، إذا خان الولي
ضم إليه الحاكم الشرعي من يمنعه عن الخيانة، فإن لم يمكن ذلك عزله.
(مسألة 1347): يجوز للمجعول له الولاية أو النظارة الرد وعدم القبول،
بل لا يبعد جواز الرد بعد القبول أيضا.
(مسألة 1348): يجوز أن يجعل الواقف للولي والناظر مقدارا معينا من ثمرة
العين الموقوفة أو منفعتها، سواء أكان أقل من اجرة المثل أم أكثر أم مساويا،
فإن لم يجعل له شيئا كانت له اجرة المثل إن كانت لعمله اجرة، إلا أن يظهر من
القرائن أن الواقف قصد المجانية.
(مسألة 1349): إذا لم يجعل الواقف وليا على الوقف كانت الولاية عليه
للحاكم الشرعي. نعم، إذا كان الوقف على نحو التمليك وكان خاصا كانت
الولاية عليه للموقوف عليه، فإذا: قال هذه الدار وقف لأولادي ومن بعدهم
لأولادهم وهكذا، فالولاية عليها وعلى منافعها تكون للأولاد، وإذا لم يكن
الوقف خاصا أو كان ولم يكن على نحو التمليك، بأن كان على نحو التصرف
وغيره من الأنواع، فالولاية للحاكم الشرعي.
(مسألة 1350): إذا جعل الواقف شخصا وليا أو ناظرا على الولي في نفس
العقد فليس له عزله. نعم، إذا فقد شرط الواقف، كما إذا جعل الولاية للعدل
ففسق أو جعلها للأرشد فصار غيره أرشد، أو نحو ذلك انعزل بذلك قهرا بلا
450

حاجة إلى عزل، وأما إذا جعله كذلك ابتداء لا في ضمن العقد فهل له عزله أو
لا؟ والجواب: أنه غير بعيد، فإن لزومه وعدم تمكنه شرعا من عزله بحاجة إلى
دليل. نعم، للشخص المذكور أن لا يقبل الولاية أو النظارة وله ردها.
(مسألة 1351): يجوز للواقف أن يفوض تعيين الولي على الوقف إلى
شخص بعينه، وأن يجعل الولاية لشخص ويفوض إليه تعيين من بعده.
(مسألة 1352): إذا عين الواقف للولي المجعول له الولاية جهة خاصة
اختصت ولايته بتلك الجهة، وكان المرجع في بقية الجهات الحاكم الشرعي،
وإن أطلق له الولاية كانت الجهات كلها تحت ولايته، فله الإجارة والتعمير
وأخذ العوض ودفع الخراج وجمع الحاصل وقسمته على الموقوف عليهم وغير
ذلك، مما يكون تحت ولاية الولي. نعم، إذا كان في الخارج تعارف تنصرف إليه
الولاية، اختصت الولاية بذلك المتعارف.
(مسألة 1353): لا يشترط في الواقف الإسلام، فيصح وقف الكافر إذا كان
واجدا لسائر الشرائط على الأقوى.
فصل
في شرائط العين الموقوفة
(مسألة 1354): يعتبر في العين الموقوفة أن تكون عينا موجودة، فلا يصح
وقف الدين ولا وقف الكلي ولا وقف المنفعة، فإذا قال: وقفت ما هو لي في ذمة
زيد من فرش أو إناء أو نحوهما، أو قال: وقفت فرسا أو عبدا من دون تعيين،
451

أو قال: وقفت منفعة داري، لم يصح في الجميع.
(مسألة 1355): يعتبر أن تكون العين مملوكة أو بحكمها، فلا يصح وقف
الحر والمباحات الأصلية قبل حيازتها، ويجوز وقف إبل الصدقة وغنمها
وبقرها إذا كان الواقف مالك العين الزكوية أو الحاكم الشرعي.
(مسألة 1356): يعتبر في العين الموقوفة أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع
بقائها، فلا يصح وقف الأطعمة والخضر والفواكه مما لا نفع فيه إلا بإتلاف
عينه، كما يعتبر أن يكون الانتفاع بها محللا، فلا يصح وقف آلات اللهو وآلات
القمار والصلبان ونحوها مما يحرم الانتفاع به، ويعتبر أن تكون المنفعة المقصودة
بالوقف محللة، فلا يصح وقف الدابة لحمل الخمر والخنزير.
(مسألة 1357): لا يعتبر في إنشاء الوقف أن تكون العين مما يمكن قبضه
حال الوقف، فإذا وقف العبد الآبق أو الجمل الشارد أو الطير الطائر وتحقق
القبض بعده، صح الوقف.
(مسألة 1358): لا إشكال في صحة وقف الثياب والأواني والفرش والدور
والبساتين والأراضي الزراعية والكتب والسلاح والحيوانات إذا كان ينتفع بها
بلون من ألوان الانتفاع، من الأكل والشرب واللبس والركوب والحمل واللبن
والوبر والشعر والصوف وغير ذلك، وكذا غيرها مما له منفعة محللة، ويجوز
وقف الدراهم والدنانير إذا كان ينتفع بها في التزيين، وأما وقفها لحفظ الاعتبار
ففيه إشكال بل منع لأنه ليس من المنفعة المطلوبة منها حتى يصح وقفها
بلحاظها.
(مسألة 1359): المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر واللبن
ونحوهما والمنفعة الفعلية مثل الركوب والحرث والسكنى وغيرها.
452

(مسألة 1360): لا يشترط في المنفعة أن تكون موجودة حال الوقف،
فيكفي أن تكون متوقعة الوجود في المستقبل مثل وقف الشجرة قبل أن تثمر،
ووقف الدابة الصغيرة قبل أن تقوى على الركوب أو الحمل عليها.
فصل
في شرائط الموقوف عليه
(مسألة 1361): يشترط في الموقوف عليه امور:
الأول: التعيين، فإذا وقف على المردد بين شيئين أو أشياء في الخارج
مثل أحد المسجدين أو أحد المشهدين أو أحد الولدين فيه لم يصح، على
أساس أنه لا واقع للفرد المردد. نعم، إذا وقف على الجامع بين أمرين أو امور
وهو عنوان أحدهما أو أحدها صح.
الثاني: يعتبر أن يكون الموقوف عليه موجودا حال الوقف إذا كان
خاصا، فلا يصح الوقف على المعدوم حاله، سواء أكان موجودا قبل ذلك - كما
إذا وقف على زيد الذي مات - أم يوجد بعد الوقف، مثل أن يقف على ولده
الذي سيولد، وأما إذا كان حملا لم ينفصل حين الوقف، ففي بطلان الوقف عليه
تأمل ولا يبعد صحته. نعم، إذا وقف على المعدوم تبعا للموجود، كما إذا وقف
على أولاده ثم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم وهكذا صح، وقد مر أن
الأظهر صحة الوقف على من يوجد في المستقبل.
(مسألة 1362): إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيوجد له على
453

نحو التشريك أو الترتيب صح، بل يصح على أن يكون بعد وجوده مقدما
عليهم، بمعنى: أن العين الموقوفة انتقلت منهم إليه بعد وجوده، على أساس أن
كيفية الوقف تابعة لجعل الواقف.
الثالث: أن لا يكون الوقف عليه على نحو الصرف في المعصية،
كالصرف في الزنى وشرب الخمر ونسخ كتب الضلال ونشرها وتدريسها
وشراء آلات الملاهي ونحو ذلك.
(مسألة 1363): يجوز وقف المسلم على الكافر في الجهات المحللة.
(مسألة 1364): يجوز الوقف على المملوك قنا كان أم غيره، كان الوقف
على نحو التمليك أم الصرف.
(مسألة 1365): إذا وقف على ما لا يصح الوقف عليه وما يصح على نحو
التشريك، بطل بالنسبة إلى حصة الأول وصح بالنسبة إلى حصة الثاني، وإن
كان على نحو الترتيب، فحينئذ إن كان الوقف على الأول مقدما على الوقف
على الثاني، فقد تقدم أنه لا يبعد صحته على الثاني، ومع هذا فالأحوط
والأجدر به أن يجدد الوقف عليه ثانيا، وإن كان مؤخرا كان من المنقطع
الآخر، فيصح فيما يصح الوقف عليه ويبطل فيما بعده.
(مسألة 1366): إذا وقف على ما يصح الوقف عليه ثم على ما لا يصح
الوقف عليه ثم على ما يصح الوقف عليه، كان من المنقطع الوسط، فيصح في
الأول، وهل يبطل فيما بعده مطلقا حتى في الأخير أو لا؟ فقد مر أنه لا يبعد
صحته فيه، بملاك أن الوقف على حسب ما يوقف أهله.
(مسألة 1367): إذا وقف على الزائرين أو الحجاج أو عالم البلد أو نحو
454

ذلك من العناوين العامة التي توجد لها أفراد في وقت ولا توجد في وقت آخر
صح، وإن لم يكن له فرد حين الوقف.
فصل
في بيان المراد من بعض عبارات الواقف
(مسألة 1368): إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد، فالمراد فقراء
المسلمين، وإذا كان الواقف من الشيعة، فالمراد فقراء الشيعة، وإذ كان كافرا
فالمراد فقراء أهل دينه، فإن كان يهوديا فالمراد فقراء اليهود، وإن كان نصرانيا
فالمراد فقراء النصارى وهكذا، وكذا إذا كان سنيا فالمراد فقراء السنة، وبما أن
أهل السنة على مذاهب اختص وقف أهل كل مذهب منهم لفقراء ذلك
المذهب.
(مسألة 1369): إذا وقف على الفقراء أو فقراء البلد أو فقراء بني فلان أو
الحجاج أو الزوار أو العلماء أو مجالس العزاء لسيد الشهداء (عليه السلام) أو خصوص
مجالس البلد، فالظاهر منه المصرف، فلا يجب الإستيعاب وإن كانت الأفراد
محصورة. نعم، إذا وقف على جميعهم وجب الإستيعاب، فإن لم يمكن لتفرقهم
عزل حصة من لم يتمكن من إيصال حصته إليه إلى زمان التمكن، وإذا شك في
عددهم اقتصر على الأقل المعلوم، والأحوط له التفتيش والفحص.
(مسألة 1370): إذا قال: هذا وقف على أولادي أو ذريتي أو أصهاري أو
أرحامي أو تلامذتي أو مشايخي أو جيراني، فالظاهر منه العموم، فيجب فيه
455

الإستيعاب.
(مسألة 1371): إذا وقف على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين من
الذكور والإناث والكبار والصغار، ولا يختص الوقف بمن كان الواقف معتقدا
بإسلامه. نعم، إذا كان الوقف على جماعة خاصة بنحو القضية الخارجية
كالوقف على المسلمين الموجودين في بغداد مثلا أو غيره، يمكن أن يكون نظره
إلى تخصيصه بمن اعتقد بإسلامه لا مطلقا، وإن كان ذلك أيضا بعيد؛ لأن نظر
الواقف في مثل هذه الموارد هو الوقف على المسلمين المتواجدين في هذا البلد
في مقابل طوائف اخرى فيه كاليهود والنصارى.
(مسألة 1372): إذا وقف على المؤمنين بنحو القضية الحقيقية، كان لكل من
المؤمنين الرجال والنساء والكبار والصغار، ولا يختص بمن كان الواقف معتقدا
بإيمانه، وحينئذ فإذا كان الواقف اثني عشريا اختص الوقف بالاثني عشرية
من الإمامية، ولا فرق بين الرجال والنساء والأطفال والمستضعفين ولا بين
العدول والفساق، كذا إذا وقف على الشيعة. نعم، إذا كان الواقف على الشيعة
من بعض الفرق الاخرى من الشيعة، فالظاهر منهم أعم من الاثني عشرية
وغيرهم ممن يكون معتقدا بخلافة الإمام علي (عليه السلام) بلا فصل وإن لم يكن اثني
عشريا.
(مسألة 1373): إذا وقف في سبيل الله تعالى أو في وجوه البر، فالمراد منه
مطلق عمل قربي.
(مسألة 1374): إذا وقف شخص على أرحامه أو أقاربه، فالمرجع في
تعيين ذلك وتحديد الموقوف عليهم سعة وضيقا العرف العام، على أساس أن
مفهوم الأرحام أو الأقارب مفهوم متسع الانطباق، ولا يمكن أن يقصد الواقف
456

كل ما ينطبق عليه هذا المفهوم المتسع، فمن أجل ذلك يرجع إلى العرف العام،
وإذا وقف على الأقرب ثم الأقرب، كان الظاهر منه أن الواقف أراد الوقف على
ترتيب الإرث وتسلسله الطولي، باعتبار أنه المعتاد والمتبادر من مثل هذا
الوقف.
(مسألة 1375): إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى. نعم،
إذا كان المفهوم في العرف الخاص لبعض البلاد خصوص الذكر، اختص به دون
الأنثى، وكذا الحال إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده، فإن المعيار في كل
مورد إذا لم يكن تنصيص من قبل الواقف على التعيين إنما هو بالعرف العام أو
الخاص.
(مسألة 1376): إذا وقف على اخوته اشترك الاخوة للأبوين والاخوة
للأب فقط والاخوة للأم فقط بالسوية، إذا لم تكن هناك قرينة على
الإختصاص، وكذا إذا وقف على أجداده، اشترك الأجداد لأبيه والأجداد
لامه، وكذا إذا وقف على الأعمام أو الأخوال، فإنه يعم الأعمام للأبوين وللأب
وللأم، وكذلك الأخوال، ولا يشمل الوقف على الاخوة، أولادهم ولا
الأخوات ولا الوقف على الأعمام والأخوال أعمام الأب والأم وأخوالهما
والعمات مطلقا والخالات كذلك.
(مسألة 1377): إذا وقف على أبنائه لم تدخل البنات، وإذا وقف على ذريته
يعم البنين والبنات من أولادهم بلا واسطة ومعها ذكورا وإناثا، كما أن الظاهر
من الوقف أنه تشريكي تشارك فيه الطبقات اللاحقة مع السابقة بالسوية، من
دون فرق بين الذكور والإناث في ذلك.
(مسألة 1378): إذا قال: هذا وقف على أولادي ما تعاقبوا وتناسلوا،
457

فالظاهر منه التشريك، وإذا قال: وقف على أولادي الأعلى فالأعلى، فالظاهر
منه الترتيب والتسلسل بحسب تسلسل أولاده، وإذا قال: وقف على أولادي
نسلا بعد نسل أو طبقة بعد طبقة أو طبقة فطبقة، فالظاهر منه أنه للترتيب،
فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمه ولا بنت الأخت خالتها وهكذا، كما أن
الظاهر من الوقف أنه على حد سواء بالنسبة إلى كل من الذكور والإناث في
كل طبقة من الطبقات المتسلسلة، ويمكن أن يجعل الواقف الترتيب بين
الطبقات بشكل آخر وهو الترتيب بين خصوص الآباء والأبناء في كل طبقة،
فإذا كانت هناك أخوة وكان لبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شيء ما دام الأب
حيا، فإذا مات الأب شارك أولاده أعمامهم وهكذا.
(مسألة 1379): إذا تردد الموقوف عليه بين عنوانين أو شخصين، فالمرجع
في تعيينه القرعة، وإذا شك في الوقف أنه ترتيبي أو تشريكي، فإن كان هناك
إطلاق في عبارة الواقف كان مقتضاه التشريك، وإن لم يكن فيها إطلاق أعطي
أهل المرتبة المحتملة التقدم حصتهم، وأقرع في الحصة المرددة بينهم وبين من
بعدهم، فيعطي من خرجت القرعة باسمه.
(مسألة 1380): إذا وقف على العلماء، فالظاهر منه علماء الشريعة، فلا
يشمل علماء الطب والنجوم والهندسة والجغرافيا ونحوهم. وإذا وقف على أهل
بلد اختص بالمواطنين والمجاورين منهم، ولا يشمل المسافرين وإن نووا إقامة
مدة فيه.
(مسألة 1381): إذا وقف على مسجد أو مشهد صرف نماؤه في مصالحه
من تعمير وفرش وسراج وكنس واجرة خادمه ونحو ذلك من مصالحه، وفي
جواز إعطاء شيء من النماء لإمام الجماعة إشكال، إلا أن تكون هناك قرينة
458

على إرادة ما يشمل ذلك فيعطي منه حينئذ.
(مسألة 1382): إذا وقف على الحسين (عليه السلام) صرف في إقامة عزائه مع بذل
الطعام فيه وبدونه، والأحوط إهداء ثواب ذلك إليه (عليه السلام) ولا فرق بين إقامة
مجلس للعزاء وأن يعطي الذاكر لعزائه (عليه السلام) في المسجد أو الحرم أو الصحن أو
البيت أو غير ذلك.
(مسألة 1383): إذا وقف على أن يصرف على ميت أو أموات، صرف في
مصالحهم الاخروية من الصدقات عنهم وفعل الخيرات لهم، وإذا احتمل
اشتغال ذمتهم بالديون المالية أو البدنية، صرف أيضا في إفراغ ذمتهم عنها.
(مسألة 1384): إذا وقف على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) صرف في إقامة
المجالس لذكر فضائلهم ومناقبهم ووفياتهم وبيان ظلاماتهم ونحو ذلك، مما
يوجب التبصر بمقامهم الرفيع، والأحوط إهداء ثواب ذلك إليهم (عليهم السلام) ولا فرق
في ذلك بين إمام العصر - عجل الله فرجه الشريف - وآبائه الطاهرين (عليهم السلام).
(مسألة 1385): إذا وقف على أولاده، فالأقوى العموم لأولاد أولاده
وأولادهم وإن سفلوا.
(مسألة 1386): إذا قال: هذا وقف على أولادي، فإذا انقرض أولادي
وأولاد أولادي فهو على الفقراء، فالأقوى أنه وقف على أولاده الصلبيين
وغيرهم على التشريك، وكذا إذا قال: وقف على أولادي، فإذا انقرضوا
وانقرض أولاد أولادي فهو على الفقراء، فإن الأقوى أنه أيضا على التشريك.
(مسألة 1387): إذا قال: هذا وقف على سكنى أولادي، فالظاهر أنه لا
يجوز أن يؤجروها ويقتسموا الأجرة، بل يتعين عليهم السكنى فيها، فإن أمكن
459

سكنى الجميع سكنوا جميعا، وإن تشاحوا في تعيين المسكن، فالمرجع نظر
الولي، فإن تعدد الأولياء واختلف نظرهم فالمرجع الحاكم الشرعي، وإذا
اختلف حكام الشرع فالمرجع القرعة، وإذا امتنع بعضهم عن السكنى حينئذ،
جاز للآخر الاستقلال فيها وليس عليه شيء لصاحبه، وإن تعذر سكنى
الجميع اقتسموها بينهم يوما فيوما أو شهرا فشهرا أو سنة فسنة، وإن اختلفوا
في ذلك وتشاحوا فالحكم كما سبق، وليس لبعضهم ترك السكنى وعدم الرضا
بالمهاياة ومطالبة الآخرين بالأجرة حينئذ بالنسبة إلى حصته.
(مسألة 1388): إذا قال: هذا وقف على الذكور من أولادي أو ذكور
أولادي نسلا بعد نسل أو طبقة بعد طبقة اختص بالذكور من الذكور، ولا
يشمل الذكور من الإناث.
(مسألة 1389): إذا قال: هذا وقف على اخوتي نسلا بعد نسل، فالظاهر
العموم لأولادهم الذكور والإناث.
(مسألة 1390): إذا قال: هذا وقف على أولادي ثم أولاد أولادي كان
الترتيب بين أولاده الصلبيين وأولادهم، فلا يشارك الأبناء آباءهم ولا يكون
بين أولاد أولاده وأولادهم ترتيب، بل الحكم بينهم على نحو التشريك، على
أساس أن الوقف عليهم إذا كان بالعطف بحرف الواو، فالظاهر منه التشريك،
وإذا كان بكلمة ثم أو (فاء) أو (بعد)، فالظاهر منه الترتيب.
(مسألة 1391): إذا وقف على زيد والفقراء، فالظاهر منه التنصيف، وكذا
إذا قال: هذا وقف على زيد وأولاد عمرو أو على أولاد زيد وأولاد عمرو أو
على العلماء والفقراء، فإن كل ذلك ظاهر في التشريك بنحو التنصيف.
(مسألة 1392): إذا وقف على الزوار، فالظاهر منه الاختصاص بغير أهل
460

المشهد ممن يأتي من الخارج للزيارة، وأما إذا قال: هذا وقف على كل من يزور
أمير المؤمنين (عليه السلام) أو الإمام الحسين (عليه السلام) فلا يبعد شموله لأهل البلد أيضا.
فصل
في بعض أحكام الوقف
(مسألة 1393): إذا تم الوقف، لا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل والتغيير
في الموقوف عليه بنقله منهم إلى غيرهم، وإخراج بعضهم منه، وإدخال أجنبي
عنهم معهم إذا لم يشترط ذلك، أما إذا اشترط إدخال من شاء معهم، فالظاهر
صحته، وحينئذ إذا دخل غيرهم معهم نفذ، وإذا لم يدخل أحد إلى أن مات بقي
الوقف على حاله الأولى، وإذا اشترط إخراج بعضهم فالظاهر صحته أيضا.
(مسألة 1394): العين الموقوفة تخرج من ملك الواقف وتدخل في ملك
الموقوف عليه، ويكون نماؤها له. نعم، إذا كان الوقف وقفا على الصرف لم
تدخل العين في ملك الموقوف عليه، بل يتعين صرف نماؤها في الجهة الموقوف
عليها على اختلاف كيفيات الوقف.
(مسألة 1395): إذا اشترط الواقف في الموقوف عليه شروطا في ضمن
الوقف، كما إذا وقف المدرسة على الطلبة وشرط عليهم أن يكونوا عدولا أو لا
تقل دراستهم عن السطوح العالية أو لا تزيد أعمارهم عن أربعين سنة ولا تقل
عن عشرين، وحينئذ فأي واحد منهم يفقد شرطا من تلك الشروط فيخرج
عن الوقف، ولا يجوز له عندئذ السكنى في المدرسة، وكذا إذا اشترط عليهم
461

التهجد في الليل، فإنه يجب عليهم العمل بالشرط فمن لم يعمل به، فالظاهر أنه
يخرج عن الوقف.
(مسألة 1396): إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم
لأجل بقائها وحصول النماء منها، فإن عين الواقف لها ما يصرف منها عمل
عليه، وإلا صرف من نمائها وجوبا مقدما على حق الموقوف عليهم، وإذا
احتاج إلى التعمير بحيث لولاه لم يبق للبطون اللاحقة، فالظاهر وجوبه وإن
أدى إلى حرمان البطن السابق، على أساس أن ذلك مقتضى وقفها على البطون
اللاحقة أيضا.
(مسألة 1397): الثمر الموجود على النخل أو الشجر حين إجراء صيغة
الوقف باق على ملك مالكها ولا يكون للموقوف عليه، وكذا الحمل الموجود
حين وقف الدابة واللبن والصوف الموجودان حين وقف الشاة، وكذا ما يتجدد
من الثمر أو الحمل أو اللبن أو الصوف ونحوها بعد إنشاء الوقف وقبل القبض
فيما يعتبر القبض في صحته.
(مسألة 1398): إذا وقف على مصلحة قريبة فانتفى موضوعها، كما إذا
وقف على مسجد فخرب أو مدرسة فخربت ولم يمكن تعميرها، أو غير
محتاجين إلى مصرف لكون المسجد أصبح متروكا من جهة انقطاع من يتكرر
وجوده فيه ويصلي، وكذلك المدرسة من جهة مهاجرة الطلبة منها، فصرف
المال فيهما حينئذ يكون تضييعا وهدرا، وعلى هذا فإن كان الوقف عليهما بنحو
تعدد المطلوب - كما هو الغالب - صرف نماء الوقف في مسجد أو مدرسة
اخرى في البلد إن أمكن، وإلا ففي وجوه البر الأقرب فالأقرب.
(مسألة 1399): إذا جهل مصرف الوقف، فإن كانت المحتملات متصادقة
462

صرف في المتيقن، كما إذا لم يدر أن الوقف وقف على العلماء مطلقا أو على
خصوص العدول منهم، أو لم يدر أن الوقف وقف على العلماء أو الفقراء، فإنه
يصرف في الفرض الأول على العلماء العدول، وفي الفرض الثاني على العلماء
الفقراء، وإن كانت المحتملات متباينة، فإن كانت غير محصورة تصدق به إذا
كان التصدق من الوجوه المحتملة للوقف، وإلا صرفه في وجه آخر من الوجوه
المحتملة، وإن كانت الوجوه محصورة، كما إذا لم يدر أن الوقف وقف على المسجد
الفلاني أو على المسجد الآخر أو أنه وقف لزيد أو لعمرو على نحو المصرف أو
على نحو التمليك، فالأقرب الرجوع إلى القرعة في تعيين الموقوف عليه.
(مسألة 1400): إذا آجر البطن الأول من الموقوف عليهم العين الموقوفة في
الوقف الترتيبي وانقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة، لم تصح الإجارة بالنسبة
إلى بقية المدة، وكذا الحكم في الوقف التشريكي إذا ولد في أثناء المدة من
يشارك الموقوف عليه المؤجر، فإنه لا تصح الإجارة بالنسبة إلى حصته،
والظاهر صحتها بالإجازة من البطن الثاني في الصورة الأولى ومن الشريك في
الصورة الثانية، فيكون للمجيز حصته من الأجرة ولا يحتاج إلى تجديد
الإجارة وإن كان أحوط. نعم، إذا كانت الإجارة من الولي لمصلحة الوقف
صحت ونفذت، وكذا إذا كانت لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على
ذلك، فإنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.
(مسألة 1401): إذا كانت للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات متنوعة كان
الجميع للموقوف عليه مع إطلاق الوقف، فإذا وقف الشجر أو النخل كانت
ثمرتهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة وإكمام
الطلع والفسيل ونحوها مما هو مبني على الانفصال للموقوف عليه، ولا يجوز
463

للمالك ولا لغيره التصرف فيها إلا على الوجه الذي اشترطه الواقف.
(مسألة 1402): الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما واستطال حتى صار نخلا
أو قلع من موضعه وغرس في موضع آخر فنما حتى صار مثمرا، لا يكون وقفا
بل هو من نماء الوقف، فيجوز بيعه وصرفه في الموقوف عليه، وكذا إذا قطع
بعض الأغصان الزائدة للإصلاح وغرس، فصار شجرة، فإنه لا يكون وقفا،
بل يجري عليه حكم نماء الوقف من جواز بيعه وصرف ثمنه في مصرف
الوقف.
(مسألة 1403): إذا خرب المسجد لم تخرج العرصة عن المسجدية وإن
تعذر تعميره، وكذا إذا خرجت القرية التي هو فيها حتى بطل الانتفاع به إلى
الأبد.
(مسألة 1404): غير المسجد من الأعيان الموقوفة إذا تعذر الانتفاع بها في
الجهة المقصودة للواقف لخرابها وزوال منفعتها، يجوز بيع بعضها وعمارة الباقي
للانتفاع به، فإن لم يمكن ذلك جاز بيعها وتبديلها بما يمكن الانتفاع به، وإن لم
يمكن ذلك أيضا صرف ثمنها في الجهة الموقوف عليها.
(مسألة 1405): إذا تعذر الانتفاع بالعين الموقوفة لانتفاء الجهة الموقوف
عليها، صرفت منافعها فيما هو الأقرب فالأقرب، فإذا كان الوقف وقفا على
إقامة عزاء الحسين (عليه السلام) في بلد خاص ولم يمكن ذلك، صرفت منافعه في إقامة
عزائه (عليه السلام) في بلد آخر، وإن لم يمكن ذلك أيضا فهل تصرف في زواره وسائر
شؤونه أو في إقامة عزاء باقي الأئمة (عليهم السلام)؟ والجواب: لا يبعد الثاني.
(مسألة 1406): إذا تعذر الانتفاع بالوقف لانقراض الموقوف عليه، تبطل
وقفيته ويرجع ملكا للواقف على ما تقدم، فإن لم يكن موجودا كان لورثته.
464

(مسألة 1407): إذا خرب الوقف ولم تبطل منفعته، بل بقيت له منفعة معتد
بها قليلة أو كثيرة، فإن أمكن تجديده وإن كان بإجارة مدة وصرف الإجارة
في العمارة، وجب ذلك، وإن لم يمكن فالظاهر بقاء الوقفية بحالها وتصرف
منافعه في الجهة الموقوف عليها.
(مسألة 1408): إذا وقف بستانا لصرف نمائها في جهة خاصة، فانقطع
عنها الماء حتى يبس شجرها أو انقلع شجرها وبقيت عرصة، فإن أمكن
إيجارها وجب ذلك، وصرفت الأجرة في الجهة الموقوف عليها. نعم، إذا فهم
من القرائن أن الوقفية قائمة بعنوان البستان، كما إذا وقفها للتنزه أو للاستظلال،
فإن أمكن بيعها وشراء بستان اخرى تعين ذلك، باعتبار أنه أقرب إلى نظر
الواقف، وإلا بطلت الوقفية بذهاب عنوان البستان وترجع ملكا للواقف.
(مسألة 1409): يجوز وقف البستان واستثناء نخلة منها، ويجوز له حينئذ
الدخول إليها بمقدار الحاجة، كما أن له إبقاءها مجانا وليس للموقوف عليهم
قلعها، وإذا انقلعت لم يبق للواقف حق في الأرض، فلا يجوز له غرس نخلة
اخرى مكانها، وكذا يجوز في وقف الدار استثناء غرفة منها، ولكن إذا خربت
الغرفة بقيت أرضها للواقف؛ لأنها جزء الغرفة ولا تكون وقفا.
(مسألة 1410): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك الطلق، جازت
قسمتها بتمييز الوقف عن الملك الطلق، ويتولى القسمة المالك للطلق ومتولي
الوقف، بل الأقوى جواز القسمة إذا تعدد الواقف والموقوف عليه، كما إذا كانت
دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما نصفه المشاع على أولاده، وكذا إذا
اتحد الواقف مع تعدد الموقوف عليه، كما إذا وقف مالك الدار نصفها على مسجد
ونصفها على مشهد، وكذا إذا اتحد الواقف والموقوف عليه إذا لم تكن القسمة
465

منافية للوقف، كما إذا وقف أرضا على أولاده الموجودين فعلا ومن يولد في
المستقبل، فإذا كان الموجودون منهم فعلا أربعة، جاز لهم اقتسامها أرباعا، فإذا
صار له ولد آخر بطلت القسمة وجاز اقتسامها أخماسا، فإذا مات اثنان منهم
بطلت القسمة وجاز اقتسامها أثلاثا، وهكذا.
(مسألة 1411): لا يجوز تغيير العين الموقوفة إذا علم من الواقف إرادة بقاء
عنوانها، سواء فهم ذلك من كيفية الوقف - كما إذا وقف داره على السكنى، فلا
يجوز تغييرها إلى الدكاكين - أم فهم من قرينة خارجية، بل إذا احتمل ذلك ولم
يكن في البين إطلاق يدل على جواز التغيير، لم يجز له ذلك. نعم، إذا كان هناك
إطلاق كذلك جاز للولي التغيير، فيبدل الدار إلى دكاكين والدكاكين إلى دار
وهكذا، وقد يعلم من حال الوقف إرادة بقاء العنوان ما دام له دخل في كثرة
المنفعة، فحينئذ لا يجوز التغيير ما دام الحال كذلك، فإذا قلت المنفعة جاز
التغيير.
(مسألة 1412): إذا انقلعت نخلة من البستان الموقوفة، فإن كان وقفها
للانتفاع بثمرها جاز بيعها وصرف ثمنها في البستان احتاج إليه، وإلا ففي الجهة
الموقوف عليها، وإذا وقفها للانتفاع بها بأي وجه كان، فإن أمكن الانتفاع بها
في جعلها سقفا أو عمدا أو نحو ذلك، لم يجز بيعها، وإن لم يمكن الانتفاع بها على
حالها أو لا انتفاع لها في هذه الحالة، جاز بيعها وصرف ثمنها في البستان مع
الحاجة، ومع عدمها في الجهة الموقوف عليها.
(مسألة 1413): الأموال التي تجمع لعزاء سيد الشهداء (عليه السلام) من صنف
خاص لإقامة مأتمهم أو من أهل بلد لإقامة مأتم فيها أو للأنصار الذين
يذهبون في زيارة الأربعين إلى كربلاء، الظاهر أنها من الصدقات التي يقصد
466

بها وجه الله تعالى غالبا المشروط صرفها في جهة معينة قربية، فلذلك لا يجوز
لمالكها الرجوع فيها؛ لأن ما كان لله لا يرجع، وإذا مات قبل صرفها، لا يجوز
لوارثه المطالبة بها، وكذا إذا أفلس، لا يجوز لغرمائه المطالبة بها، وإذا تعذر
صرفها في الجهة المعينة، يصرفها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى الجهة الخاصة
على الأحوط. نعم، إذا لم يكن الدافع وراء إعطاء المال للجهة المذكورة وجه الله
تعالى، بل الدافع وراء ذلك جهة اخرى دنيوية، وكان غرضه أن المال إذا لم
يصرف فيها رد إليه، وجب حينئذ رده إليه إذا لم يصرف في الجهة المطلوبة وإن
لم يطالب به، وأما إذا لم يعلم أنه أعطى المال لله أو لا، فحينئذ إذا لم يصرف في
تلك الجهة أو تعذر صرفه فيها، فهل يجوز أن يصرفه في جهة اخرى أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز؛ للشك في إذنه في ذلك، فلابد حينئذ من الرجوع إليه،
وبكلمة: أن الأموال المذكورة التي تجمع لمأتم الحسين (عليه السلام) على أقسام:
القسم الأول: ما يكون الدافع من ورائه وجه الله سبحانه.
القسم الثاني: ما يكون الدافع من ورائه شيئا آخر غير وجه الله
عزوجل، وفي هذا القسم مرة كان معرضا عن هذا المال وغير مريد إرجاعه
إليه ثانيا، وإن لم يصرف في تلك الجهة الخاصة، أو كان متعذرا وأمره بيد من
يكون متصديا على تلك الأموال، واخرى أنه لم يعرض عنه ويريد إرجاعه
إليه مرة اخرى إذا لم يصرف في موردها.
القسم الثالث: أن الدافع من وراء ذلك غير معلوم، وأنه الأول أو
الثاني، على أساس أن ما كان لله لا يرجع، وأما في القسم الثاني، فعلى الفرض
الأول فلا يحق له المطالبة به؛ لخروجه عن ملكه بالإعراض، وعلى الفرض
الثاني فيجب إرجاعه إليه؛ إذ لم يصرف في الجهة المعهودة، وإذا مات فإلى
467

ورثته، وإذا أفلس فإلى غرمائه، وأما في القسم الثالث، فلا يجوز التصرف فيه
في الجهة الاخرى بدون مراجعة صاحب المال والإذن منه، ولا يخفى أن الغالب
في هذه الموارد دفع المال بقصد التقرب وتعظيم الشعائر.
(مسألة 1414): لا يجوز بيع العين الموقوفة إلا في موارد ذكرناها في كتاب
البيع في المسألة (289).
(مسألة 1415): إذا كان غرض الواقف من الوقف حصول شيء فبان عدم
حصوله لا يكون ذلك موجبا لبطلان الوقف، فإذا علم أن غرض الواقف من
الوقف على أولاده أن يستعينوا به على طلب العلم أو الإقامة بالمشهد الفلاني
أو نحو ذلك، فلم يترتب الغرض المذكور عليه لم يكن ذلك موجبا لبطلان
الوقف، وهكذا الحال في جميع الأغراض والدواعي التي تدعو إلى إيقاع
المعاملات أو الإيقاعات، فإذا كان غرض المشتري الربح فلم يربح، لم يكن
ذلك موجبا لبطلان الشراء أو التسلط على الفسخ.
(مسألة 1416): الشرائط التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل عليها
إذا كانت مشروعة، فإذا اشترط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة أو لا يؤجر
على غير أهل العلم، لا تصح إجارته سنتين ولا على غير أهل العلم.
(مسألة 1417): تثبت الوقفية بالعلم وإن حصل من الشياع وبالبينة
الشرعية وبإقرار ذي اليد إن لم تكن اليد مستقلة، كما إذا كان جماعة في دار
فأخبر بعضهم بأنها وقف، حكم بها في حصته وإن لم يعترف غيره بها.
(مسألة 1418): إذا كان كتاب أو إناء قد كتب عليه أنه وقف، فالظاهر
الحكم بوقفيته. نعم، إذا كان بيد شخص وادعى ملكيته واعتذر عن الكتابة
بعذر، فهل يقبل منه ويصدق ويحكم بملكيته له، فيجوز حينئذ شرائه منه
468

والتصرف فيه بإذنه وغير ذلك من أحكام الملك أو لا؟ والجواب: أن تصديقه
والحكم بملكيته له لا يخلو عن إشكال بل منع، على أساس أن هذه الكتابة
أمارة نوعية على الوقف وتؤدي إلى الوثوق والاطمئنان به نوعا، حيث إن
الوقف قد يتحقق بنفس هذه الكتابة فلا يحتاج إلى صيغة ومؤنة زائدة،
وبكلمة: أن هذه الكتابة أمارة نوعية على الوقف تحكم على اليد.
(مسألة 1419): إذا وجدت ورقة في تركة الميت قد كتب عليها أن الشيء
الفلاني وقف، فإن كان عليه أمارة الاعتراف بالوقفية من توقيعه في ذيلها
ووضعها في ظرف مكتوب عليه هذه ورقة الوقف الفلاني أو نحو ذلك، مما
يكون ظاهرا في الاعتراف بالوقفية حكم بالوقفية، وإلا فلا يحكم بها وإن علم
أنها بخط المالك.
(مسألة 1420): لا فرق في حجية إخبار ذي اليد بين أن يكون إخبارا
بأصل الوقف وإن يكون إخبارا بكيفيته، من كونه ترتيبيا أو تشريكيا وكونه
على الذكور فقط أو على الذكور والإناث، وأنه على نحو التساوي أو على نحو
الاختلاف، كما أنه لا فرق في الإخبار بين أن يكون بالقول وأن يكون بالفعل،
كما إذا كان يتصرف فيه على نحو الوقف أو يتصرف فيه على نحو الوقف
الترتيبي أو التشريكي أو للذكور والإناث أو للذكور دون الإناث وهكذا، فإن
تصرفه إذا كان ظاهرا في الإخبار عن حاله كان حجة كمخبره القولي.
(مسألة 1421): إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية، كالغنم والبقر
والإبل لم تجب الزكاة فيها وإن اجتمعت فيها شرائط الزكاة، وأما إذا كان نماؤها
زكويا، كما إذا وقف بستانا، فإن كان الوقف على نحو التمليك لأشخاص
الموقوف عليهم، كما إذا قال: وقفت البستان لأولادي، فإن بلغت حصة واحد
469

منهم النصاب وجبت عليه الزكاة وإلا لم تجب، وإن كان الوقف على نحو التمليك
للعنوان، كما إذا قال: وقفت البستان على فقراء البلد غير قاصد لاستيعابهم، لم
تجب الزكاة على واحد منهم، إلا إذا أعطى الولي واحدا منهم بعض النماء قبل
زمان تعلق الزكاة وكان يبلغ النصاب، فإنه تجب الزكاة على من ملك منهم
واحدا كان أو أكثر، وكذلك لا تجب الزكاة على حاصل الوقف إذا كان على
نحو المصرف، كما إذا قال: وقفت البستان على تزويج أولادي أو على إطعام
الفقراء وكسوتهم ونحو ذلك.
ملحق فيه بابان:
الباب الأول
(في الحبس وأخواته)
(مسألة 1422): يجوز للمالك أن يحبس ملكه في كل جهة يصح الوقف
عليها، ولا يخرج المال بذلك عن ملكه، وحينئذ فإن كان حبسه مطلقا أو
مقيدا بالدوام لزم ما دامت العين ولم يجز له الرجوع فيه، وإن كان مقيدا بمدة
معينة لم يجز له الرجوع قبل انقضاء المدة، وإذا انتهت المدة انتهى التحبيس، فإذا
قال: فرسي تحبس على نقل الحجاج أو عبدي محبس على خدمة العلماء لزمت
ما دامت العين باقية، وإذا جعل المدة عشر سنين مثلا لزم في العشر وانتهى
بانقضائها، وقد تسأل: هل يعتبر في التحبيس قصد القربة أو لا؟ والجواب: أنه
غير معتبر.
470

(مسألة 1423): قد تسأل: هل يعتبر القبض في صحة التحبيس أو لا؟
والجواب: أنه غير معتبر، فإذا لم يكن معتبرا في الصحة فهل يعتبر في
لزومه. بمعنى: أنه لا يجوز للمالك الرجوع فيه بعد القبض ويجوز قبله؟ والجواب:
أن اعتباره فيه محل إشكال بل لا يبعد عدم اعتباره؛ لأنه بحاجة إلى دليل ولا
يوجد دليل عليه، فمقتضى الإطلاقات لزومه مع ما هو عليه من الشرط.
(مسألة 1424): إذا حبس ملكه على شخص فإن عين مدة كعشرة سنين
أو مدة حياة ذلك الشخص، لزم الحبس في تلك المدة وبعدها يرجع إلى
الحابس، وإذا مات الحابس قبل انقضاء المدة بقي الحبس على حاله إلى أن
تنتهي المدة فيرجع ميراثا، وإذا حبس عليه مدة حياة نفسه يعني: الحابس، لم
يجز له الرجوع ما دام حيا، فإذا مات رجع ميراثا، وإذا حبسه على شخص ولم
يذكر مدة معينة ولا مدة حياة نفسه ولا حياة المحبس عليه، فالظاهر أنه ليس
من التحبيس الواجب الوفاء به، فيجوز للمالك الرجوع فيه متى شاء.
(مسألة 1425): يلحق بالحبس السكنى والعمرى والرقبى، والأولى
تختص بالمسكن والأخيرتان تجريان فيه، وفي غيره من العقار والحيوانات
والأثاث ونحوها مما لا يتحقق فيه الإسكان، فإن كان المجعول الإسكان قيل
له: (سكنى) فإن قيد بعمر المالك أو الساكن قيل له أيضا: (عمرى) وإن قيده
بمدة معينة قيل له (رقبى) وإذا كان المجعول غير الإسكان، كما في الأثاث ونحوه
مما لا يتحقق فيه السكنى، لا يقال له سكنى بل قيل: (عمرى) إن قيد بعمر
أحدهما، و (رقبى) إن قيد بمدة معينة.
(مسألة 1426): الظاهر أن القبض فيها ليس شرطا في الصحة، بل ولا في
اللزوم، كما تقدم في الحبس.
471

(مسألة 1427): إذا أسكنه مدة معينة كعشر سنين أو مدة عمر المالك أو
مدة عمر الساكن، لم يجز الرجوع قبل انقضاء المدة، فإن انقضت المدة في الصور
الثلاث رجع المسكن إلى المالك أو ورثته.
(مسألة 1428): إذا قال له: أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك، لم يجز له
الرجوع في هذه السكنى ما دام الساكن موجودا أو عقبه، فإذا انقرض هو
وعقبه رجعت الدار إلى المالك.
(مسألة 1429): إذا قال له: أسكنتك هذه الدار مدة عمري، فمات الساكن
في حال حياة المالك، فإن كان المقصود السكنى بنفسه وتوابعه - كما يقتضيه
إطلاق السكنى - انتقلت السكنى بموته إلى المالك قبل وفاته، وإن كان المقصود
تمليك السكنى له انتقلت السكنى إلى وارثه ما دام المالك حيا، فإذا مات انتقلت
من ورثة الساكن إلى ورثة المالك. وكذا الحكم لو عين مدة معينة فمات الساكن
في أثنائها.
(مسألة 1430): إذا جعل السكنى له مدة حياته، كما إذا قال له: أسكنتك
هذه الدار مدة حياتك، فمات المالك قبل الساكن، لم يجز لورثة المالك منع
الساكن، بل تبقى السكنى على حالها إلى أن يموت الساكن.
(مسألة 1431): إذا جعل له السكنى ولم يذكر له مدة ولا عمر أحدهما،
فهل يصح ويلزم بالقبض أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه صحيح، ولكن لا يلزم بالقبض وللمالك الرجوع
بعد ذلك أي وقت شاء، ولا يجري ذلك في الرقبى والعمرى؛ لاختصاص
الأولى بالمدة المعينة والثانية بمدة عمر أحدهما، والمفروض انتفاء ذلك كله.
472

(مسألة 1432): إطلاق السكنى كما تقدم يقتضي أن يسكن هو وأهله
وسائر توابعه، من أولاده وخدمه وعبيده وضيوفه، بل دوابه إن كان فيها
موضع معد لذلك، وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من غلة وأوان وأمتعة،
والمدار على ما جرت به العادة من توابعه، وليس له إجارته ولا إعارته لغيره،
فلو آجره ففي صحة الإجارة بإجارة المالك وكون الأجرة له حينئذ إشكال بل
منع، على أساس أن مقتضى إطلاق السكنى في الدار أو نحوها ليس تمليك
منفعتها له حتى تكون قابلة للانتقال إلى غيره بإجارة أو إعارة، بل انتفاعه بها
بنفسه ومباشرة وهو غير قابل للانتقال.
(مسألة 1433): الظاهر ان (السكنى) و (العمرى) و (الرقبى) من العقود
المحتاجة في وجودها الاعتباري إلى إيجاب وقبول، يعتبر فيها ما يعتبر في
العقود، كما يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في غيره، وقد تقدم
ذلك في كتاب البيع، وأما الحبس فالظاهر اعتبار القبول فيه في الحبس على
الشخص، وعدم اعتباره في الحبس على الصرف في جهة معينة.
(مسألة 1434): الظاهر جواز بيع المحبس قبل انتهاء أجل التحبيس،
فتنتقل العين إلى المشتري على النحو الذي كانت عليه عند البائع، فيكون
للمحبس عليهم الانتفاع بالعين حسب ما يقتضيه التحبيس، ويجوز للمشتري
المصالحة معهم على نحو لا تجوز لهم مزاحمته في الانتفاع بالعين مدة التحبيس،
بأن يعطيهم مالا على أن لا ينتفعوا بالعين، أما المصالحة معهم على إسقاط حق
الانتفاع بها أو المعاوضة على حق الانتفاع بها، ففيه إشكال بل منع؛ لعين ما
مر.
473

الباب الثاني
(في الصدقة)
تواترت الروايات في الحث على الصدقة والترغيب فيها، وقد ورد: أنها
دواء المريض وبها يدفع البلاء وقد أبرم إبراما، وبها يستنزل الرزق وأنها تقع في
يد الرب قبل أن تقع في يد العبد وأنها تخلف البركة وبها يقضي الدين وأنها تزيد
في المال وأنها تدفع ميتة السوء والداء والدبيلة والحرق والغرق والجذام والجنون
إلى أن عد سبعين بابا من السوء، ويستحب التبكير بها، فإنه يدفع شر ذلك اليوم،
وفي أول الليل فإنه يدفع شر الليل.
(مسألة 1435): المشهور كون الصدقة من العقود، فيعتبر فيها الإيجاب
والقبول، ولكن الأظهر كونها الإحسان بالمال على وجه القربة، فإن كان
الإحسان بالتمليك احتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان بالإبراء كفى الإيجاب
بمثل أبرأت ذمتك، وان كان بالبذل كفى الإذن في التصرف وهكذا، فيختلف
حكمها من هذه الجهة باختلاف مواردها.
(مسألة 1436): المشهور اعتبار القبض فيها مطلقا، ولكن الظاهر أنه
لا يعتبر فيها كلية، وإنما يعتبر فيها إذا كان العنوان المنطبق عليه مما يتوقف على
القبض، فإذا كان التصدق بالهبة أو بالوقف اعتبر القبض، وإذا كان التصدق
بالإبراء أو البذل لم يعتبر وهكذا.
(مسألة 1437): يعتبر في الصدقة القربة فإذا وهب أو أبرأ أو وقف
بلا قصد القربة كان هبة وإبراء ووقفا ولا يكون صدقة.
(مسألة 1438): تحل صدقة الهاشمي على الهاشمي وعلى غيره حتى زكاة
474

المال وزكاة الفطرة، وأما صدقة غير الهاشمي، فإن كانت زكاة المال أو زكاة
الفطرة، فهي حرام على الهاشمي ولا تحل للمتصدق عليه ولا تفرع ذمة
المتصدق بها عنها، وإن كانت غيرهما فالأقوى جوازها، سواء أكانت واجبة -
كرد المظالم والكفارات وفدية الصوم - أم مندوبة، إلا إذا كانت من قبيل ما
يتعارف من دفع المال القليل لدفع البلاء، ونحو ذلك مما كان من مراسم الذل
والهوان، ففي جواز مثل ذلك إشكال.
(مسألة 1439): لا يجوز الرجوع في الصدقة إذا كانت هبة مقبوضة وإن
كانت لأجنبي على الأصح.
(مسألة 1440): تجوز الصدقة المندوبة على الغني والمخالف والكافر
والذمي.
(مسألة 1441): الصدقة المندوبة سرا أفضل، إلا إذا كان الإجهار بها
بقصد رفع التهمة أو الترغيب أو نحو ذلك مما يتوقف على الإجهار، أما الصدقة
الواجبة ففي بعض الروايات: أن الأفضل إظهارها، وقيل: الأفضل الإسرار بها،
والأظهر اختلاف الحكم باختلاف الموارد في الجهات المقتضية للإسرار
والإجهار.
(مسألة 1442): التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم،
والصدقة على القريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، وأفضل منها
الصدقة على الرحم الكاشح يعني: المعادي، ويستحب التوسط في إيصالها إلى
المسكين، ففي الخبر: لو جرى المعروف على ثمانين كفا لاجروا كلهم من غير أن
ينقص من أجر صاحبه شيء.
والله سبحانه العالم والموفق
475