الكتاب: فتح العزيز
المؤلف: عبد الكريم الرافعي
الجزء: ٣
الوفاة: ٦٢٣
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

فتح العزيز
شرح الوجيز
وهو الشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 ه‍
..
الجزء الثالث
دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم
1

قال (كتاب الصلاة)
(وفيه سبعة أبواب
الباب الأول في المواقيت وفيه ثلاثة فصول)
(الأول) في وقت الرفاهية: أما الظهر فيدخل وقته بالزوال وهو عبارة عن ظهور زيادة الظل لكل
شخص في جانب المشرق ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشخص (م زح) مثله من موضع الزيادة
2

الكلام في الصلاة حواه في سبعة أبواب أو لها في المواقيت وصدر الشافعي كتاب الصلاة بهذا الباب لان
أهم الصلوات الوظائف الخمس وأهم ما يعرف منها مواقيتها لأنها بدخول الوقت تجب وبخروجه تفوت وفي
الباب ثلاثة فصول أولها في وقت الرفاهية والثاني في وقت العذر وفي كلام الشافعي رضي الله عنه أن الوقت
وقتان وقت مقام ورفاهية ووقت عذر وضرورة قال الشارحون المقام الإقامة والرفاهية الفسحة
والدعة يقال فلان رافه إذا كان حاضرا غير ظاعن وفلان في رفاهية من عيشه أي خفض ودعة
واتفقوا على أن الغرض بهما في كلامه شئ واحد وهو وقت المترفه الذي ليس به عذر ولا ضرورة
وهو الوقت الأصلي للصلوات واختلفوا في العذر والضرورة فمنهم من قال وقت العذر غير وقت
3

الضرورة فالعذر ما يرخص في التقديم والتأخير من غير إلجاء إليه وهو السفر والمطر والضرورة
ما تدفع وتلجئ إليه وذلك في الصبي يبلغ والمجنون يفيق والكافر يسلم والحائض النفساء ينقطع
دمهما وعلى هذا قالوا الأوقات ثلاثة لكن الشافعي رضي الله عنه جعلهما على قسمين وجعل وقتا
في حيز ووقتين في حيز لما بينهما من التناسب ومنهم من قال العذر والضرورة واحد وأراد به
وقت الصبي يبلغ ومن في معناه وإذا عرفت ذلك فاعلم أن صاحب الكتاب جعل الفصل الأول
في وقت الرفاهية والثاني في وقت الضرورة وسماها وقت العذر كأنه وافق الفرقة الصائرة إلى أن
4

المراد بالعذر والضرورة واحدا فأما الفصل الأول فالأصل فيه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن النبي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمنى جبريل عند باب البيت مرتين فصلي بي الظهر حين
زالت الشمس) (1) وروى حين كان الفي مثل الشراك (وصلي بين العصر حين كان كل شئ بقدر ظله
وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلي بي العشاء حين غاب الشفق وصلي بي الفجر حين حرم
5

الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلي به الظهر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بي
العصر حين صار ظل كل شئ مثليه وصلي بي المغرب للغدر الأول لم يؤخرها وصلي بي العشاء حين
ذهب ثلث الليل وصلى بي الفجر حين أسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك
6

والوقت فيما بين هذين الوقتين) ويروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وأبي هريرة وأبي موسى
وجابر وأنس وغيرهم رضي الله عنهم ولهذا الحديث بدأ الأئمة بصلاة الظهر ووقتها يدخل
بالزوال وبيانه ان الشمس إذا طلعت وقع ظل كل شاخص في جانب المغرب طويلا ثم ما دامت الشمس ترتفع
فالظل ينقض حتى إذا بلغت كبد السماء وهي حالة الاستواء انتهي نقصانه وقد لا يبقى له ظل أصلا
وذلك في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطوال أيام السنة وإذا بقي فهو مختلف المقدار باختلاف
البلاد والفصول ثم إذا مالت الشمس إلى جانب المغرب فإن لم يبق ظل عند الاستواء حدث
الآن في جانب المشرق وان بقي شئ زاد الآن وتحول إلى المشرق فحدوثه أو زيادته هو الزوال
ثم إذا صار ظل الشاخص مثله من أصل الشاخص ان لم يبق شئ من الظل عند الاستواء أو من نهاية القدر الباقي في
7

حالة الاستواء أن بقي شئ فقد خرج وقت الظهر وقوله في الكتاب وهو عبارة عن ظهور
زيادة الظل يريد به أغلب الأحوال وهو بقاء الظل في حالة الاستواء وان قل فأما إذا لم يبق شئ عند
الاستواء فالزوال بظهور الظل ولا معنى للزيادة لكنه نادر لا يكون الا في يوم واحد من السنة
في بعض البلدان وقوله ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشخص مثله من موضع الزيادة
جار على الغالب أيضا كما بيناه فإذا كان الشاخص ذراعين مثلا والباقي من ظله عند الاستواء ربع
ذراع فإنما يخرج الوقت إذا صار الظل ذراعين وربع ذراع وأراد بوقت الاختيار ما اشتمل عليه
بيان جبريل عليه السلام بعد وقت الفضيلة الا تراه يقول في وقت العصر ووقت الفضيلة في الأول
وبعده وقت الاختيار وفسر بعضهم وقت الاختيار بما يشتمل عليه بيان جبريل من غير التقييد
8

بكونه بعد وقت الفضيلة وعلى هذا فوقت الاختيار ينقسم إلى وقت الفضيلة والي ما بعده وليكن
قوله إلى أن يصير ظل الشيخ مثله معلما بالحاء لان عند أبي حنيفة يبقى وقت الظهر إلى أن يصير
9

ظل الشئ مثليه ثم يدخل وقت العصر وبالميم أيضا لان عند مالك يبقي وقت الظهر إلى أن يصير
ظل الشئ مثليه ولكن إذا صار ظل الشئ مثليه دخل وقت العصر ومن مصير الظل مثل إلى
10

مصيره مثليه وقت لكل واحدة من الصلاتين هكذا روى مذهبه طائفة من أصحابنا وروى آخرون
أنه قال يدخل وقت العصر بمصير الظل مثله ولا يخرج وقت الظهر حتى يمضي قدر أربع ركعات
11

وهذا القدر هو المشترك بين الصلاتين ويروى هذا عن المزني أيضا فلنضف الزاي إلى الحاء والميم
قال (وبه يدخل وقت العصر (ح ز) ويتمادى (م) إلى غروب الشمس: ووقت الفضيلة
12

في الأول وما بعده: ووقت الاختيار إلى مصير الظل مثليه: وبعده وقت الجواز إلى الاصفرار
ووقت الكراهية عند الاصفرار)
13

إذا صار ظل الشئ مثله فقد دخل وقت العصر لما روينا من حديث ابن عباس وقد يوهم الخبر اشتراكا بين
الظهر والعصر في قدر من الوقت كما حكيناه عن مالك لأنه قال صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ
مثله وصلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل الشئ مثله وأوله الشافعي على أنه ابتدأ العصر في اليوم الأول
حين صار ظل الشئ مثله وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشئ مثله ودليل التأويل ما روى
14

عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر) (1) ثم يمتد وقت
15

العصر إلى غروب الشمس لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل
أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك
16

العصر) (1) وفيه وجه آخر واليه ذهب أبو سعيد الإصطخري أنه لا يمتد إلى غروب الشمس بل آخر
وقت العصر إذا صار ظل الشئ مثليه لأنه لو زاد عليه لبينه جبريل عليه السلام وعلى ظاهر المذهب وقت
الاختيار إلى مصير الظل مثليه وبعده وقت الجواز بلا كراهية إلى اصفرار الشمس ومن اصفرار
17

الشمس إلى الغروب وقت الكراهية ومعناه أنه يكره تأخيرها إليه روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا
لا يذكر الله فيها الا قليلا) (3) واما ما يتعلق بألفاظ الكتاب فقوله وبه يدخل وقت العصر ينبغي
18

أن يعلم بالحاء لما قدمناه وقوله ويمتد إلى غروب الشمس بالواو للوجه المنسوب إلى الإصطخري فان قلت
قال الشافعي في المختصر (ثم لا يزال وقت الظهر قائما حتى يصير ظل كل شئ مثله فإذا جاوز ذلك
بأقل زيادة فقد دخل وقت العصر) ظاهر هذا يقتضي اعتبار زيادة على مصير الظل مثله ليدخل
وقت العصر وذلك ينافي قوله وبه يدخل وقت العصر ظاهر وهل في ذلك اختلاف قول أو وجه
أم كيف الحال فالجواب انه لا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا وكلام
الشافعي محمول على أن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف الا بزيادة الظل على المثل والا فتلك الزيادة
من وقت العصر وقوله ووقت الفضيلة في الأول لا يختص به العصر بل وقت فضيلة جميع الصلوات
أول أوقاتها على ما سيأتي لكن اجتماع الأوقات الأربعة الفضيلة والاختيار والجواز والكراهية
من خاصية العصر والصبح وما عداهما إما ذات وقتين الفضيلة والاختيار كالظهر واما ذات ثلاث
أوقات الفضيلة والاختيار والجواز كالعشاء والعصر أول الصلاتين المخصوصتين بالأوقات الأربعة
19

في الترتيب المذكور فهذا هو الداعي إلى تقسيم وقت العصر إلى الفضيلة وغيرها
قال (وقلت المغرب يدخل بغروب الشمس ويمتد (م) إلى غروب الشفق في قول وعلى قول إذا
مضى بعد الغروب وقت وضوء وأذان وإقامة وقدر خمس (و) ركعات فقد انقضى (ح) الوقت لان
جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد وعلى هذا فلو شرع في الصلاة فمد آخر الصلاة
إلى وقت غروب الشفق ففيه وجهان) *
لا خلاف في أن وقت المغرب يدخل بغروب الشمس والاعتبار بسقوط قرصها وهو
20

ظاهر في الصحارى واما العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى من شعاعها شئ على
أطراف الجدران وقلل الجبال ويقبل الظلام من المشرق روي أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا
أقبل الظلام من هاهنا) وأشار إلى المشرق (وأدبر النهار إلى من ههنا) وأشار إلى المغرب (فقد أفطر
الصائم) (1) والى متي يمتد وقت المغرب فيه قولان القديم أنه يدوم وقتها إلى غيبوبة الشفق لما روى
21

عن بريدة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال (صل معنا هذين) يعني
اليومين إلى أن قال (وصلي بي المغرب في اليومين الثاني قبل أن يغيب الشفق) (1) وروى في الصحيح أن
22

النبي صلى الله عليه وسلم قال (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) (1) ويعبر عن هذا القول بان للمغرب
وقتين كسائر الصلوات وفي الجديد إذا مضى قدر وضوء وستر عورة واذان وإقامة وخمس ركعات فقد
انقضى الوقت لان جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد ولو كان لها وفتان لبين
كما في سائر الصلوات ثم معلوم أن ما لابد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيحتمل
التأخير بعد الغروب قدر ما يشتغل بها والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل ويحتمل أيضا اكل
23

لقم يكسر بها سورة الجوع وفي وجه ما يمكن تقديمه على الوقت كالطهارة وستر العورة يحط عن
الاعتبار وفي وجه لا يعتبر خمس ركعات وإنما يعتبر ثلاث ركعات ويعبر عن هذا القول بان للمغرب
وقتا واحدا يعتبر تقديره بالفعل وعلى هذا القول لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل يجوز
24

أن يستديم صلاته إلى أن ينقضي هذا الوقت ان قلنا أن الصلاة التي وقع بضعها في الوقت وبعضها
بعد الوقت أداء وانه يجوز تأخيرها إلى أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك لا محالة وان قلنا لا يجوز
25

ذلك في الصائر الصلوات ففي المغرب وجهان أحدهما المنع كسائر الصلوات وأصحهما أن يجوز مدها إلى
غروب الشفق لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قرأ سورة الأعراف في المغرب) (1) فظاهر المذهب القول
الجديد واختار طائفة من الأصحاب القول الأول ورجحوه وعندهم أن المسألة مما يفتى فيها على
26

القديم وإذا عرفت ذلك فعد إلى ألفاظ الكتاب وعلم قوله ويمتد إلى غروب الشفق بالميم لان مذهب
مالك مثل القول الجديد في أظهر الروايتين وقوله فقد انقضى الوقت بالحاء والألف لان مذهبهما مثل
القول القديم ولفظ الوضوء بالواو وكذا قوله وقدر خمس ركعات لما حكينا من الوجهين وادعى القاضي
الروياني أن المذهب اعتبار الثلاث دون الخمس وقوله وعلى هذا فلو مد آخر الصلاة إلى غروب الشفق
فوجهان فيه إشارة إلى أن الوجهين مبنيان على قولنا ان في سائر الصلوات لا يجوز الاتيان بها بحيث يقع بعضها
بعد الوقت لا ما إذا جوزنا ذلك فلا اختصاص للامتداد بغروب الشفق مهما كان الشروع في
الوقت المضبوط *
قال (ووقت العشاء يدخل بغيبوبة الشفق وهو الحمرة (ح) التي تلي الشمس دون البياض
والصفرة ثم يمتد وقت الاختيار إلى ثلث الليل على قول وإلى النصف على قول ووقت الجواز
إلى طلوع الفجر (و)) *
إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء لما روينا من خبر جبريل عليه السلام والشفق هو الحمرة
وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة والمزني حيث قالا هو البياض الذي يعقب الحمرة ويروى
عن أحمد أن الاعتبار في الصحراء بالحمرة وفي البنيان بالبياض لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله
27

عنهما عن النبي صلى أنه قال (الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) (1) والي متى
يمتد وقت الاختيار فيه قولان أصحهما إلى ثلث الليل لبيان جبريل عليه السلام والثاني إلى نصف
28

الليل وبه قال أبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل
صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل) (1) وعن أحمد روايتان كالقولين ثم يستمر وقت الجواز إلى
طلوع الفجر الثاني وفيه وجه آخر انه إذا ذهب وقت الاختيار على اختلاف القولين فقد ذهب
وقت الجواز أيضا أما على قول الثلث فلحديث جبريل عليه السلام حيث قال (الوقت ما بين هذين
29

الوقتين وأما على قول النصف فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (وقت العشاء ما بينك
وبين نصف الليل) (1) والي هذا الوجه ذهب الإصطخري وكذلك أبو بكر الفارسي فيما حكي المعلق
30

عن الشيخ أبي محمد والمذهب الأول واحتجوا له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى
مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة) (1) وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس التفريط
في النوم وإنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) (2) ظاهره يقتضي امتداد
وقت وإنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى) ظاهره يقتضي امتداد
وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى ولا يخفى عليك مما ذكرناه المواضع المستحقة للعلامات من
ألفاظ الكتاب وان قوله ووقت الجواز إلى طلوع الفجر المراد منه الفجر الثاني وقوله في تفسير
الشفق دون البياض والصفرة لا كلام في أن البياض خارج عن تفسير الشفق عندنا وانه لا يعتبر
غروبه وأما الصفرة فقد ذكر امام الحرمين في النهاية أن أول وقت العشاء يدخل بزوال الحمرة
والصفرة والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ترق إلى تنقلب صفرة ثم يبقى بياض قال وبين غيبوبة
31

الشمس إلى زوال الصفرة ما بين الصادق إلى طلوع قرن الشمس وبين زوال الصفرة إلى انمحاق
البياض يقرب مما بين الصبح الصادق والكاذب ونقل صاحب الكتاب في البسيط هذا الكتاب
لكن الذي يوافق اطلاق المعظم ما ذكرناه في هذا الموضع وهو الاكتفاء بغيبوبة الحمرة ولفظ
الشافعي رضي الله عنه دال عليه ألا تراه يقول في المختصر وإذا غاب الشفق وهو الحمرة فهو أول
وقت العشاء ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب
عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلدان إليهم ذكره
القاضي حسين في فتاويه
32

قال (ووقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الصادق المستطير ضوءه لا بالفجر الكاذب الذي يبدو
مستطيلا كذنب السرحان ثم ينمحق أثره ثم يتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار ووقت الجواز
إلى الطلوع) *
يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق ولا عبرة بالفجر الكاذب والصادق هو
المستطير الذي لا يزال ضوء يزداد ويعترض في الأفق سمى مستطيرا لانتشاره قال الله تعالى (كان
شره مستطيرا) والكاذب يبدون مستطيلا ذاهبا في السماء ثم ينمحق وتصير الدنيا أظلم مما كانت
والعرب تشبهه بذنب السرحان لمعنيين أحدهما طوله والثاني أن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل
33

كما أن الشعر يكثر على أعلى ذنب الذئب دون أسفله روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يغرنكم
الفجر المستطيل فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير) (1) ويتمادى وقت الاختيار إلى الاسفار
لحديث جبريل عليه السلام وهل يزيد الوقت عليه قال أبو سعيد الإصطخري لا والمذهب انه
يبقي وقت الجواز إلى طلوع الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم (ومن أدرك ركعة من الصبح قبل
أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) ثم من الاسفار إلى طلوع الحمرة جواز بلا كراهية ووقت طلوع
الحمرة وقت الكراهية فيكره تأخير الصلاة إليها من غير عذر ذكره الشيخ أبو محمد وكذلك
أورده في التهذيب فيحصل للصبح أربعة أوقات كما للعصر وقوله ووقت الجواز إلى الطلوع إن كان
المراد منه ما تشترك فيه حالة الكراهية وحالة عدمها فلا مخالفة بينه وبين ما حكيناه ولكنه خص
34

اسم الجواز بما لا كراهة معه في فصل العصر الا تراه يقول وبعده وقت الجواز إلى الاصفرار
ووقت الكراهية عند الاصفرار فيشبه أن يريد بالجواز ههنا مثل ذلك أيضا وحينئذ يكون ما ذكره مخالفا
لما حكيناه والله أعلم *
قال (ثم يقدم (و ح) أذان هذه الصلاة على الوقت في الشتاء لسبع بقي من الليل وفي الصيف بنصف
سبع وقيل يدخل وقت أذانها بخروج وقت اختيار العشاء ثم ليكن للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما
قبل الصبح والاخر بعده)
35

صلاة الصبح تختص في حكم الاذان بأمور ذكر منها ههنا شيئين أحدهما أنه
يجوز تقديم أذانها على دخول الوقت خلافا لأبي حنيفة لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله
36

عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى
ابن أم مكتوم) والمعني فيه ايقاظ النوام فان الوقت وقت النوم والغفلة ليتأهبوا للصلاة وقال الشيخ
يحيى اليميني في البيان ذكر بعض أصحابنا انه إذا جرت عادة أهل بلد بالاذان بعد طلوع الفجر
37

لم يقدم فيها الاذان على الوقت كيلا يشتبه عليهم الامر وهذا التفصيل غريب وليكن قوله ثم يقدم
معلما بالواو مع الحاء لذلك ثم في القدر الذي يجوز به التقديم وجوه ذكر منها في الكتاب وجهين أحدهما
انه يقدم في الشتاء لسبع بقي من الليل وفى الصيف لنصف سبع بقي من الليل روى عن سعد القرظي
38

قال (كان الاذان على عهد رسول لله صلى الله عليه وسلم في الشتاء لسبع بقي من الليل وفي الصيف
لنصف سبع) (1) وهذا القدر لا يعتبر تحديدا وإنما يعتبر تقريبا والغرض ان يتأهب الغافلون لأسباب
الصلاة وفي التنبيه قريبا من السحر ما يحصل هذا المقصود والثاني أنه إذا خرج وقت اختيار العشاء إما
الثلث وإما النصف على اختلاف القولين فقد دخل وقت أذان الصبح لأنه لا يخاف اشتباه أحد
الأذانين بالآخر فان الظاهر أن العشاء لا تؤخر عن وقت الاختيار والوجه الثالث أن وقته النصف الأخير
من الليل ولا يجوز قبل ذلك وان قلنا إن وقت اختيار العشاء لا يجاوز ثلث الليل وشبه ذلك بالدفع
39

من المزدلفة والمعني فيه ذهاب معظم الليل والرابع حكاه القاضي أبو القاسم بن كج وآخرون أن جميع الليل
وقت له كما أنه وقت لنية صوم الغد * واحتج له باطلاق قوله صلى الله عليه وسلم (أن بلا لا يؤذن بليل)
وأظهر الوجوه إنما هو الأول ولم يفصل في التهذيب بين الصيف والشتاء واعتبر السبع على الاطلاق
تقريبا وكل هذا في الاذان أما الإقامة فلا تقدم على الوقت بلا خلاف وهذا الفصل ليس من أحكام
الاذان الا أن الشافعي رضي الله عنه ذكره في هذا الموضع لتعلقه بالمواقيت وتأسى به الأصحاب (الثاني)
يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل الصبح والاخر بعده كما كان لمسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم والأول أولي بالإقامة وان لم يكن الا مؤذن واحد فيؤذن مرتين مرة
قبل الصبح وأخرى بعده ويجوز أن يقتصر على مرة واحدة اما قبل الصبح أو بعده أو بعض
الكلمات قبل الصبح وبعضها بعده فإذا اقتصر على مرة فالأولى أن تكون بعد الصبح على المعهود
في سائر الصلوات *
قال (قاعدة: تجب الصلاة بأول (ح) الوقت وجوبا موسعا (ح) فلو مات في وسط الوقت قبل الأداء عصى
على أحد الوجهين ولو أخر حتى خرج بعض الصلاة عن الوقت ففي كونه أداء ثلاثة أوجه وفي الثالث
يجعل القدر الخارج قضاء (ح)
40

الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ومعنى كونه موسعا أنه له أن يؤخرها إلى آخر الوقت
ولا يأثم: وعند أبي حنيفة تجب بآخر الوقت لكن لو صلي في أول الوقت سقطا لفرض * لنا قوله
تعالي (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والامر للوجوب ولو أخر من غير عذر ومات في أثناء الوقت
فهل يعصي فيه وجهان أحدهما نعم لأنه ترك الواجب وأصحهما لا لأنه أبيح له التأخير بخلاف ما لو
أخر الحج بعد الوجوب فمات بعد امكان الأداء يعصي لان آخر الوقت غير معلوم وأبيح له التأخير
بشرط أن يبادر الموت فإذا مات قبل الفعل أشعر الحال بتقصيره وتوانيه وفي الصلاة آخر الوقت
معلوم فلا ينسب إلى التقصير ما لم يؤخر عن الوقت ولو وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها بعد
خروج الوقت فقد حكى صاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه ولم يفرق بين أن يكون الواقع في الوقت
ركعة أو دونها (أحدها) أن الكل أداء اعتبارا بأول الصلاة (والثاني) أن الكل قضاء اعتبارا
بالآخر فإنه وقت سقوط الفرض بما فعل (والثالث) أن الواقع في الوقت أداء وفي الخارج قضاء كما أنه
لو وقع الكل في الوقت كان أداء وإذا وقع خارجه كان قضاء والذي ذكره معظم لأصحاب الفرق
بين أن يكون الواقع في الوقت ركعة فصاعدا أو دونها واقتصروا على وجهين أصحهما انه ان وقع
في الوقت ركعة فالكل أداء والا فالكل قضاء وبه قال ابن خيران لقوله صلى الله عليه وسلم
41

(من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) (1) وأيضا فان للركعة من التأثير
ما ليس لغيرها الا يرى أنه تدرك الجمعة بركعة ولا تدرك بما دونها والوجه الثاني ان ما وقع في
الوقت أداء والخارج عنه قضاء وأورد امام الحرمين الأوجه الثلاثة المذكورة في الكتاب ولكن
بعد الفرض في الركعة ثم قال إن الأئمة ذكروا الركعة فيما يقع في الوقت وكان شيخي يرد ذلك
إلى تفصيل المذهب فيما يدرك به أصحاب الضرورات الفرض قال والذي ذكره غير بعيد وإذا عرفت
ذلك فإن كان صاحب الكتاب أراد بالبعض الذي أطلقه الركعة فذلك والا فهو جرى على المنقول
42

عن الشيخ أبى محمد * ثم فيما يدرك به أصحاب الضرورة الفرض قولان أحدهما ركعة والثاني تكبيرة
فرض الخلاف في مطلق البعض تكون جوابا على هذا القول الثاني وليكن قوله يجعل القدر الخارج
قضاء معلما بالألف لان القاضي الروياني روى أن عند احمد إذا وقعت ركعة من الصلاة في الوقت
فالكل أداء كما هو الصحيح عندنا ولا بأس باعلامه بالحاء لان عند أبي حنيفة لو طلعت الشمس
في خلال صلاة الصبح بطلت ولا يعتد بها لا قضاء ولا أداء وسلم انه لو غربت الشمس في خلال الصلاة من
43

عصر يومه لا تبطل الصلاة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا أدرك أحدكم سجدة
من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن
بطلع الشمس فليتم صلاته) (1) ومتى قلنا الخارج عن الوقت قضاء أو قلنا الكل قضاء لم يجز للمسافر
قصر تلك الصلاة على قولنا إن القصر لا مدخل له في القضاء وهل يجوز بأخير الصلاة إلى حد
يخرج بعضه عن الوقت ان قلنا إنها مقضية أو ان بعضها مقضى فلا وان قلنا مؤداة فقد حكي امام
الحرمين عن أبيه تريد الجواب في لا لك ومال إلى أنه لا يجوز وهذا هو الذي أورده في التهذيب
من غير ترديد وبناء على خلاف ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسمع الجميع لكن مدها بطول
القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم ولا يكره أيضا في أظهر الوجهين
44

قال (ثم تعجيل الصلاة أفضل (ح) عندنا وفضيلة الأولية بأن تشتغل بأسباب الصلاة
كما دخل الوقت وقليل تتمادى الفضيلة إلى نصف وقت الاختيار ويستحب تأخير العشاء على أحد
القولين ويستحب الابراد بالظهر في شدة الحر إلى وقوع الظل الذي يمشى فيه الساعي إلى الجماعة
وفى الابراد بالجمعة وجهان لشدة الخطر في فواتها)
45

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أول الوقت رضوان الله وآخر الوقت
عفو الله (1) قال الشافعي رضى الله إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه
46

أن يكون للمقصرين وروى أن النبي صلى الله عليه وإله وسلم قال (أفضل الأعمال الصلاة لأول
وقتها) (1) (وبم تحصل فضيلة الأولية حكى الامام فيه ثلاثة أوجه أقربها عنده وهو الذي ذكره صاحب
التقريب انها تحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة كالطهارة كما دخل الوقت فإنه لا يعد حينئذ متوانيا
ولا مؤخرا والثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت لان معظم الوقت باق ما لم يمض النصف
فيكون موقعا للصلاة في حد الأول والى هذا مال الشيخ أو محمد واعتبر نصف وقت الاختيار
49

والثالث لا تحصل الفضيلة الا إذا قدم ما يمكن تقديمه من الأسباب لينطبق الوقت على أول دخول
الوقت وعلى هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة الأولية وعلى الأول لا يشترط تقديم ستر العورة
كالطهارة وعن الشيخ أبي محمد اشتراطه لان ستر العورة لا تختص بالصلاة والشغل الخفيف
كأكل لقم وكلام قصير لا يمنع ادراك الفضيلة ولا يكلف العجلة على خلاف العادة) (7) ولنتكلم
في الصلاة واحدة واحدة أما الظهر فيستحب فيها التعجيل الا إذا اشتد الحر وظاهر المذهب أنه
50

يستحب الابراد به لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر
من فيح جهنم) (1) ومن الأصحاب من قال الابراد رخصة فلو تحمل القوم المشقة وصلوا في أول الوقت
فهو أفضل والأول المذهب ثم الابراد المحبوب أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد
الذي يأتيه الناس من بعد بقدر ما يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة فلا ينبغي أن
51

يؤخر عن النصف الأول من الوقت ولو كانت منازل القوم قريبة من المسجد أو حضر جمع في موضع
ولا يأتيهم غيرهم فلا يبردون بالظهر وفيه قول آخر أنهم يبردون بها ولو أمكنهم المشي إلى
المسجد في كن أو في ظل أو كان يصلى منفردا في بيته فلا أبراد أيضا وفي وجه يستحب الابراد
فمن قال بالابراد في هذه الصور احتج باطلاق الخبر ومن منع قال المعنى المقتضى للابراد دفع
المشقة والتأذي بسبب الحر وليس في هذه الصور كبير مشقة وهذا هو الأظهر وهل يختص الاستحباب
52

بالبلاد الحارة أم لا: فيه وجهان منهم من قال لا وبه قال الشيخ أبو محمد لان التأذي في اشراق
الشمس حاصل في البلاد المعتدلة أيضا وهذا بخلاف النهي عن استعمال المشمس يختص بالبلاد
الحارة على الظاهر لان المحذور الظني لا يتوقع مما يشمس في البلاد المعتدلة ومنهم من قال باختصاصه
بالبلاد الحارة وبه قال الشيخ أبو علي لان الامر هين في غيرها وهذا أظهر وحكاه القاضي ابن
كج عن نص الشافعي رضي الله عنه وهل يلحق صلاة الجمعة بالظهر في الابراد: فيه وجهان أحدهما
53

نعم كالظهر في سائر الأيام والثاني لا لشدة الخطر في فواتها فإنها إذا أخرت ربما تكاسلوا فيها
وإذا حضروا فلابد من تقديم الخطبة ولان الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر وهذا أظهر وأما
العصر والمغرب فالأفضل تعجيلهما في جميع الأحوال وأما العشاء ففيها قولان أظهرهما ان تعجيلها
أفضل كسائر الصلوات لعموم الاخبار والثاني أن تأخيرها أفضل ما لم يجاوز وقت الاختيار لقوله
54

صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه) (1) واما
الصبح فيستحب فيها التعجيل أيضا مطلقا لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت) كان النساء
ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن
من الغلس) (2) وينبغي ان يعرف مما يتعلق بنظم الكتاب اثنين أحدهما أن كلمة عندنا في قوله ثم
55

تعجيل الصلاة أفضل عندنا على خلاف عادة الكتاب ثم ليس فيه كبير فائدة فانا إذا أطلقنا
الكلام أطلقناه بما عندنا لا بما عند غيرنا وغايته الإشارة إلى خلاف في المسألة لكن لا يعرف به
المخالف من هو وانه ماذا يقول ولا تغنى عن الرموز التي هي عادة الكتاب فليكن قوله هو
أفضل معلما بالحاء لان عند أبي حنيفة الأفضل في صلاة الصبح الاسفار بها وفي العصر التأخير
56

ما لم تتغير الشمس وفي العشاء التأخير ما لم يجاوز ثلث الليل وساعدنا في المغرب على استحباب
التعجيل وكذلك في الظهر إذا لم يشتد الحر وليكن معلما بالميم أيضا لما روي عن مالك انه يستحب
تأخير الظهر إلى أن يصير الفئ قدر ذراع وفي العصر أيضا يستحب التأخير قليلا والثاني أن
قوله تعجيل الصلاة أفضل يشمل الصلاة كلها وقوله بعد ذلك يستحب تأخير العشاء على قول
ويستحب الابراد استثناء في الحقيقة عما أطلقه أولا وإن لم يكن لفظه لفظ الاستثناء وينبغي أن
يعلم قوله ويستحب الابراد بالواو للوجه الصائر إلى أنه رخصة
57

قال (فرع من اشتبه عليه الوقت يجتهد ويستدل بالأوراد وغيرها فان وقعت صلاته في الوقت
أو بعده فلا قضاء عليه وان وقعت قبل الوقت قضى على أحد القولين وكذا في طلب شهر رمضان
والقادر على درك اليقين بالصبر هل له المبادرة بالاجتهاد في أول الوقت فيه وجهان) *
إذا اشتبه عليه وقت الصلاة بغيم أو حبس في موضع مظلم أو غيرهما اجتهد واستدل عليه
بالدرس والأعمال والأوراد وما أشبهها ومن جملة الامارات صياح الديك المجرب إصابة صياحه
للوقت وكذلك أذان المؤذنين في يوم الغيم إذا كثروا وغلب على الظن لكثرتهم انهم
لا يخطئون والأعمى يجتهد في الوقت كالبصير وإنما يجتهدان إذا لم يخبرهما عدل عن دخول الوقت
عن مشاهدة فلو قال رأيت الفجر طالعا أو الشفق غاربا فلا مساغ للاجتهاد ووجب قبول قوله ولو
58

أخبر عن اجتهاد فليس للبصير القادر على الاجتهاد تقليده والاخذ بقوله وهل للأعمى ذلك فيه
وجهان أصحهما نعم ويسوغ له الاجتهاد والتقليد جميعا ويترتب على هذا الاعتماد على أذان المؤذن
فإن كان بصيرا لم يعتمد عليه في يوم الغيم لأنه يؤذن عن اجتهاد ويعتمد عليه في يوم الصحو إذا
كان المؤذن عدلا عالما بالمواقيت لأنه يؤذن عن مشاهدة وإن كان أعمى فهل يعتمد عليه فيه الوجهان
المذكوران في جواز التقليد له وحكى في التهذيب وجهين في تقليد المؤذن من غير فرق بين الأعمى
59

والبصير وقال الأصح الجواز * واحتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم سلم (المؤذنون أمناء الناس على
صلواتهم) ويحكي أن ابن سريح ذهب إليه والتفصيل أقرب وهو اختيار القاضي الروياني وغيره
وإذا لزم الاجتهاد فصلي من غير اجتهاد لزمه الإعادة وان وقعت صلاته في الوقت وان لم يكن دلالة
أو كانت ولم يغلب على ظنه شئ أخر إلى أن يغلب على ظنه دخول الوقت والاحتياط أن يؤخر
ان لم يغلب على ظنه انه لو أخر عنه خرج الوقت وعند أبي حنيفة في يوم الغيم يؤخر الظهر ويعجل
60

العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء وحكم الفجر كما ذكر في غير يوم الغيم وهل يجتهد إذا قدر
على الصبر إلى استيقان دخول الوقت فيه وجهان أحدهما وهو اختيار الأستاذ أبى اسحق الأسفرايني
انه لا يجتهد للقدرة على الايقاع في الوقت يقينا وأظهرهما انه يجتهد إذ لا قدرة على اليقين في حالة
الاشتباه وهذا كالخلاف فيما إذا اشتبه عليه اناء ان ومعه ماء طاهر بيقين: فان قلت وما من حالة
الا ويمكن الصبر فيها إلى درك اليقين فان الأوقات في المضي والاشتباه إنما يقع في أوائلها فإذا
صبر زال الاشتباه قلنا يجوز أن يكون محبوسا في مطمورة لا يعرف شيئا من الأوقات أصلا ولا يدرى
أن الساعة التي هو فيها ليل أو نهار ويجوز في حق غيره أيضا الا يحصل له يقين أصلا بأن لا يعرف
61

في يوم اطباق الغيم هل دخل وقت الظهر أم لا ولا يعرف انه ان دخل هل بقي أم لا ثم إذا اجتهد وصلي
فإن لم يتبين الحال فذاك وان تبين نظران وقعت صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه:
وما فعله بعد الوقت قضاء أو أداء فيه وجهان أصحهما انه قضاء حتى لو كان مسافرا يجب عليه
62

إعادة الصلاة تامة إذا قلنا لا يجوز قصر القضاء فان وقعت صلاته قبل الوقت نظر ان أدرك الوقت
أعاد ولا فقولان وكل ذلك خلافا ووفاقا يجرى فيما إذا اشتبه شهر رمضان على الأسير فاجتهد
وأخطأ:، وأصح القولين وجوب الإعادة وهما مبنيان على أن المفعول بعد الوقت قضاء كما في غير
حالة الاشتباه أو أداء قائم مقام الواقع في الوقت لمكان العذر فان قلنا بالأول لم يعتد بما تقدم على الوقت
63

وان قلنا بالثاني اعتد به *
قال * (الفصل الثاني في وقت المعذورين) *
(ونعني بالعذر ما يسقط القضاء كالجنون والصبا والحيض والكفر ولها ثلاثة أحوال
الأولي أن يخلوا عنها آخر الوقت بقدر ركعة كما لو طهرت الحائض قبل الغروب بقدر ركعة يلزمها
64

العصر (ز) وكذا بقدر تكبيرة (م ز) على أقيس القولين) *
ذكرنا في أول الباب أن الغرض من هذا الفصل هو الكلام في الوقت الذي سماه الشافعي
رضي الله عنه وقت الضرورة سواء قلنا إنه ووقت العذر شئ واحد أم لا والمراد من وقت الضرورة الوقت
الذي يصير فيه الشخص من أهل لزوم الصلاة عليه بزوال الأسباب المانعة من اللزوم وهي الصبي والجنون
والكفر والحيض وفي معنى الجنون الاغماء وفي معنى الحيض النفاس ثم لهذه الأسباب أحوال
ثلاثة لأنها اما أن لا تستغرق وقت الصلاة أو تستغرقه وان لم تستغرقه فاما أن يوجد في أول
65

الوقت ويخلو عنها آخره أو يكون بالعكس من ذلك (الحالة الأولي) أن يوجد في أول الوقت ويخلو
عنها آخره كما لو طهرت عن الحيض أو النفاس في آخر الوقت فننظر ان بقي من الوقت قدر ركعة
فصاعدا لزمها فرض الوقت واحتجوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من
66

الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
فقد أدرك العصر) والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وإنما يلزم فرض الوقت بادراك قدر
الركعة بشرط وهو أن تمتد السلامة عن الموانع قدر امكان فعل الطهارة وتلك الصلاة أما لو عاد
مانع قبل ذلك فلا مثاله إذا بلغ الصبي في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه
67

أو طهرت حائض ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت فان مضي في حال السلامة
قدر ما يسع أربع ركعات بعد الطهارة لزم العصر والا فلا هذا إذا كان الباقي من الوقت مقدار ركعة أما إذا كان
الباقي مقدار تكبيرة أو فوقها ودون ركعة ففي لزوم فرض الوقت به قولان في الجديد أصحهما وبه
قال أبو حنيفة نعم لأنه أدرك جزءا من الوقت فصار كما لو أدرك قدر ركعة ولان الادراك الذي
68

تعلق به الايجاب تستوى فيه الركعة وما دونها ألا ترى أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء يسير
من الصلاة لزمه الاتمام كما لو اقتدى به في ركعة ثم اللزوم على هذا القول إنما يكون بالشرط الذي
69

ذكرناه فيما إذا بقي قدر ركعة والقول الثاني وبه قال المزني أنه لا يلزم به فرض الوقت لان الادراك
في الخبر منوط بمقدار ركعة وصار كما إذا أدرك من الجمعة ما دون ركعة لا يكون مدركا لها هذا
مذهبه في القديم ويحكى عن مالك مثل ذلك وقد نقل الناقلون الجديد اللزوم والقديم منعه اقتصارا
من قولي الجديد على ما يقابل القديم وقوله في الكتاب ونعني بالعذر ما يسقط القضاء أي إذا
70

استغرق الوقت واستبشع بعضهم عند الكفر من الاعذار وقال الكافر غير معذور بكفره
ولا معنى للاستبشاع بعد العناية وتفسير العذر بما يسقط القضاء ولا يشك أن القضاء ساقط عن
الكافر ويجوز أن يعد عذرا بعد الاسلام لأنه غير مؤاخذ بما تركه في حال الكفر وقوله وكذا
بقدر تكبيرة معلم بالميم والزاي *
قال (وهل يلزمها الظهر بما يلزم به العصر فيه قولان فعلى قول يلزم وعلى الثاني لابد من
زيادة أربع ركعات على ذلك حتى يتصور الفراغ من الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده وهذه
الأربع في مقابلة الظهر والعصر فيه قولان ويظهر فائدته في المغرب والعشاء)
71

ما ذكرناه من لزوم فرض الوقت بادراك ركعة أو بما دونها على أحد القولين يشمل الصلوات
كلها ثم الصلوات التي يتفق في آخر وقتها زوال العذر اما أن تكون صلاة لا يجمع بينها وبين
ما قبلها أو صلاة يجمع بينهما وبين ما قبلها على ما سيأتي كيفية الجمع في بابه فالقسم الأول هو الصبح
72

والظهر والمغرب فلا يلزم بزوال العذر في آخر وقت الواحدة من هذه الصلوات سوى تلك الصلاة
والقسم الثاني هو العصر والعشاء فيجب على الجملة بادراك وقت العصر الظهر وبادراك وقت
العشاء المغرب خلافا لأبي حنيفة والمزني قال صاحب المعتمد وقول مالك يشبه ذلك لنا ما روى
عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهما انهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر
(بركعة يلزمها المغرب والعشاء) وأيضا فان وقت العصر وقت الظهر في حاله العذر ففي حالة الضرورة
وهي فوق العذر أولى وإذا عرفت ذلك فينبغي أن يعرف أن صاحب الكتاب إنما فرض الكلام
في وقت العصر حيث قال في الفصل السابق كما لو طهرت الحائض قبل الغروب لان العصر من القسم
الثاني فأراد ان يرتب لزوم الظهر عليه بعد بيان حكم العصر فقال وهل يلزمها الظهر بما يلزم به
العصر إلى آخره وشرح ذلك أن الشافعي رضي الله عنه بعد الجزم بأن الظهر قد يلزم بادراك وقت
العصر اختلف قوله في أنه بما ذا يلزم فأصح قوليه انه يلزم بما يلزم به العصر وذلك ركعة على قول
73

وتكبيرة على قول ووجهه انا جعلنا وقت العصر وقتا للظهر ومعلوم انه لو أدرك من وقت الظهر ركعة
أو تحريمة يلزمه الظهر فكذلك إذا أدرك من وقت العصر لأنا لا نعتبر امكان فعل الصلاتين
فيكفي ادراك وقت مشترك والقول الثاني انه لا يلزم به بل لابد من زيادة أربع ركعات بعد ذلك القدر
لان إنما نجعلها مدركة للصلاتين حملا على الجمع وإنما يتحقق صورة الجمع إذا تمت إحدى الصلاتين
74

وبعض الأخرى في الوقت ثم الأربع الزائدة تقع في مقابله الظهر أو العصر فيه قولان وليسا بمنصوصين
لكنهما مخرجان ولذلك عبر الصيدلاني وقيره عنهم بوجهين أصحهما أن الأربع في مقابلة الظهر
لأنها السابقة وعند الجمع لابد من تقديمهما وجوبا أو استحبابا على ما سيأتي في موضعه. لأنه لو لم
يدرك الا قدر ركعة أو تحريمة لما لزمه الظهر على هذا القول الذي عليه تفرع وإذا زال قدر الأربع
75

لزم الظهر فدل على أن هذه الزيادة في مقابلة الظهر والثاني انها في مقابلة العصر لان الظهر ههنا
تابعة للعصر في الوقت واللزوم فإذا اقتضي الحال الحكم بادراك الصلاتين وجب أن بكون الأكثر
في مقابلة المتبوع والأقل في مقابلة التابع وفائدة هذا الخلاف الأخير لا يظهر في هذه الصورة وإنما
يظهر في المغرب والعشاء وذلك أن في لزوم المغرب بما يلزم به العشاء قولين كما في لزوم الظهر بما
76

يلزم به العصر أصح القولين انه يلزم به والثاني لابد من زيادة على ذلك فان قلنا في الصورة الأولي
الأربع في مقابلة الظهر كفى ههنا قدر ثلاث ركعات للمغرب زيادة على ما يلزم به العشاء وان قلنا إنها
في مقابلة العصر وجب أن يزيد قدر أربع ركعات وقوله في الكتاب حتى تتصور الفراغ من
الظهر فعلا ثم يفرض لزوم العصر بعده المراد منه ما قد مضي أن صورة الجمع إنما يتحقق إذا تمت
77

إحدى الصلاتين وبعض الأخرى في الوقت وتعيين الظهر ولزوم العصر بعده كأنه مبنى على أن
الظهر لابد من تقديمه عند الجمع *
قال (وهل تعتبر مدة الوضوء مع الوقت الذي ذكرناه فعلى قولين) *
هل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة أو صلاتي الجمع ادراك زمان الطهارة
78

فيه قولان أحدهما نعم لان الصلاة إنما تمكن بعد تقديم الطهارة وأصحهما لا لأن الطهارة لا تختص
بالوقت ولا تشترط في الالزام وإنما يشترط في الصحة ألا ترى أن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب
على تركها وإذا جمعت بين الأقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر الذي يلزم به كل صلاة
79

من ادراك آخر وقتها أربعة أقوال أصحهما قدر تكبيرة وثانيها هذا مع زمان طهارة
وثالثها قدر ركعة ورابعها هذا مع زمان طهارة وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه
الأربعة وخامسها قدر أربع ركعات مع تكبيرة وسادسها هذا مع زمان طهارة وسابعها قد خمس
80

ركعات وثامنها هذا مع زمان طهارة وفيها يلزم به العشاء مع المغرب مع هذه الثمانية أربعة أخرى
أحدها ثلاث ركعات وتكبيرة والثاني هذا مع زمان طهارة والثالث أربع ركعات والرابع هذا
مع زمان طهارة *
قال (فان زال الصبي بعد أداء وظيفة الوقت فلا يجب (ح وز) اعادتها وكذا يوم الجمعة وإن أدرك
الجمعة بعد الفراغ من الظهر على أحد الوجهين وكذا لو بلغ الصبي بالسن في أثناء الصلاة واستمر
عليها وقع عن الفرض) *
جميع ما ذكرنا فيما إذا كان زوال العذر قبل أداء وظيفة الوقت وهكذا يكون حال ما سوى
الصبي من الاعذار فإنها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة فأما الصبي فيجوز أن يزول بعد أداء وظيفة
81

الوقت أو في أثنائها لأنها لا تمنع الصحة وان منع الوجوب فإذا صلي الصبي وظيفة الوقت ثم بلغ
وقد بقي شئ من الوقت اما بالسن أو بالاحتلام فيستحب له ان يعيد وهل يجب عليه الإعادة
ظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه لا يجب لأنه أدى وظيفة الوقت وصحت منه فلا تلزمه
الإعادة كالأمة إذا صلت مكشوفة الرأس ثم عتقت والوقت باق لا تعيد وخرج ابن سريج انه يجب
لان ما أداه في حال الصغر واقع في حال النقصان فلا يجزى عن الفرض بعد حصول الكمال
في الوقت والمفعول مع النقصان كغير المفعول وهذا مذهب أبي حنيفة والمزني ورواه القاضي
الروياني عن مالك قال وعن أحمد روايتان ولا فرق عند ابن سريج بين أن يكون الباقي من الوقت
82

حين بلغ قليلا أو كثيرا وعن الإصطخري انه ان بلغ والباقي من الوقت ما يسع لتلك الصلاة
لزمت الإعادة والا فلا ولو بلغ في أثناء الصلاة وإنما يكون ذلك بالسن فقد قال الشافعي رضي الله عنه
أحببت أن يتم ويعيد ولا يتبين لي أن عليه الإعادة واختلفوا في معناه بحسب الاختلاف
فيما إذا بلغ بعد الصلاة فقال جمهور الأصحاب يجب الاتمام وتستحب الإعادة أما وجوب الاتمام
فلان صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب فيها فيلزمه اتمامها وقد تكون العبادة تطوعا في الابتداء
ثم يجب اتمامها كحج التطوع وكما إذا ابتدأ الصوم وهو مريض ثم شفى وكما لو شرع في صوم التطوع
ثم نذر اتمامه يجب عليه الاتمام وأما استحباب الإعادة فليؤدي الصلاة في حال الكمال ومعنى
83

قوله أحببت أن يتم ويعيد عند هؤلاء هو استحباب الجمع بينهما وهذا الوجه هو الذي ذكره في
الكتاب حيث قال وقع عن الفرض وقال ابن سريج الاتمام يستحب والإعادة واجبة وهذا
خلاف قوله ولا يبين لي أن عليه الإعادة والاصطخري جرى على التفصيل الذي سبق وقال إذا
كان الباقي قدرا لا يسع للصلاة أشبه ما إذا بلغ في أثناء صوم يوم من رمضان لا يجب عليه القضاء
لان الباقي لا يسع صوم يوم: واعلم أن مسألة الصوم قد سلم فيها أبو حنيفة والمزني نفى القضاء تعليلا
بما ذكره الإصطخري واختلف سائر أصحابنا في تعليله منهم من ساعدهم على هذا التعليل وقال بقية
اليوم لا يسع الصوم ولا يمكن ايقاع بعضه في الليل بخلاف الصلاة يمكن ايقاع بعضها بعد خروج
84

الوقت ومنه من علل بأن الصوم المأتي به صحيح واقع عن الفرض وينبنى على هاتين العلتين
ما إذا بلغ وهو مفطر فعلى التعليل الأول لا قضاء عليه وعلى الثاني يجب وعن ابن سريح أنه يجب
القضاء في الصوم كما في الصلاة بلغ مفطرا أو صائما هذا في غير الجمعة من الصلوات أما إذا صلي
الظهر يوم الجمعة ثم بلغ والجمعة غير فائتة بعد هل يلزمه حضورها من قال في سائر الصلوات تلزم
الإعادة أولي أن يقول باللزوم ههنا ومن نفى الإعادة في سائر الصلوات اختلفوا ههنا على وجهين
أحدهما وبه قطع ابن الحداد أنه يجب عليه الجمعة لأنه لم يكن من أهل الفرض حين صلى الظهر وقد
كمل حاله بالبلوغ بخلاف سائر الصلوات لأنه بالبلوغ لا ينتقل إلى فرض أكمل مما فعل وههنا
ينتقل إلى الجمعة وهو أكمل من الظهر الا ترى أمنها تتعلق باهل الكمال وبخلاف المسافر والعبد
85

إذا صليا الظهر ثم أقام المسافر وعتق العبد وأدركا الجمعة لا يلزمهما الجمعة لأنهما حين صليا الظهر
كانا من أهل الفرض والوجه الثاني وهو الأصح أنها لا تلزم كسائر الصلوات ومنعوا قوله أنه ليس
من أهل الفرض لأنه مأمور بالصلاة مضروب على تركها ولا يعاقب أحد على ترك التطوع وعن
86

الشيخ أبي زيد يخرج هذا الخلاف على الخلاف في أن المتعدى بترك الجمعة هل يعتد بظهره قبل
فوات الجمعة لان الصبي مأمور بحضور الجمعة فإذا بلغ ولم يصل الجمعة كان مؤديا للظهر قبل فوات الجمعة ولا يخفى بعد حكاية هذه المذاهب الحاجة إلى أعلام قوله فلا يجب اعادتها بالحاء والميم
87

والألف والزاي وبالواو لما ذكره ابن سريج والاصطخري وكذا اعلام قوله وقع عن الفرض
بهذه العلامات وكذا أعلام قوله وكذا يوم الجمعة ما سوى الواو من العلامات * قال (الحالة الثانية أن يخلو أول الوقت فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع
88

الصلاة لزمتها ولا يلزم بأقل من ذلك وقيل لا يلزم ما لم تدرك جميع الوقت في صورة الطريان وأما العصر
فلا يلزم بادراك أول وقت الظهر لان وقت الظهر لا يصلح للعصر في حق المعذورة ما لم يفرغ من
فعل الظهر) *
هذه الحالة الثانية عكس الأولي وهي ان يخلو أول الوقت عن الاعذار المذكورة ثم يطرأ منها في آخر
الوقت ما يمكن أن يطرأ منها وهو الحيض أو النفاس والجنون والاغماء واما الصبي فلا يتصور عروضه
والكفر وان تصور عروضه لكنه لا يسقط القضاء كما سيأتي فإذا حاضت في أثناء الوقت نظر في القدر
الماضي من الوقت إن كان قدر ما يسع لتلك الصلاة استقرت في ذمتها وعليها القضاء إذا طهرت
89

لأنها أدركت من الوقت ما يمكن فيه فعل الفرض فلا يسقط بما يطرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد
الحول وأمكن الأداء لا تسقط الزكاة وعن مالك انه لا تلزمها تلك الصلاة ما لم تدرك آخر الوقت
وبه قال أبو حنيفة قال الكرخي في مختصره وإن كانت طاهرة فحاضت في آخر الوقت فلا قضاء
عليها وخرج ابن سريح مثل ذلك على أصل الشافعي رضي الله عنه وقال لا يلزم القضاء ما لم تدرك
جميع الوقت اخذا مما لو سافر الرجل في أثناء الوقت يجوز له القصر وان مضى من الوقت ما يسع
للصلاة الثانية واعلم أن في تلك المسألة أيضا تخريجا مما نحن فيه لأنه لا يقصر وقد ذكر الاختلاف
في المسألتين جميعا في الكتاب في باب صلاة المسافرين نشرحه في موضعه إن شاء الله تعالى ثم
على ظاهر المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو طولت صلاتها فحاضت في أثنائها والماضي
90

من الوقت يسع تلك الصلاة لو خففت لزمها القضاء ولو كان الرجل مسافرا فطرأ عليه جنون واغماء
بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه قضاؤها لأنه لو قصر لأمكنه أداؤها
ولا يعتبر مع امكان فعل الصلاة زمان امكان الطهارة من الوقت لأن الطهارة يمكن تقديمها على الوقت
الا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة على الوقت كالتيمم وطهارة المستحاضة وإن كان الماضي
من الوقت دون ما يسع لتلك الصلاة لم تلزم تلك الصلاة وقال أبو يحيى البلخي من أصحابنا إذا أدرك
من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة على اختلاف القولين المذكورين في آخر الوقت لزمه القضاء
اعتبار الأول الوقت بآخره حكاه أبو علي صاحب الافصاح فمن بعده عنه وخطأ فيما قال لأنه لم
يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض فأشبه ما لو هلك النصاب بعد الحول وقبل امكان
الأداء ويخالف آخر الوقت لأنه أدرك جزءا من الوقت أمكن البناء على ما أوقعه فيه بعد خروج
الوقت ثم ذكرنا في الحالة الأولى ان من الصلوات ما إذا أدرك صاحب العذر آخر وقتها لزمه التي
91

قبلها معها كالظهر يلزم بادراك آخر وقت العصر والمغرب يلزم بادراك آخر وقت العشاء واما ههنا
فالعصر لا يلزم بادراك وقت الظهر ولا العشاء بادراك وقت المغرب خلافا لأبي يحيى البلخي حيث
قال إذا أدرك من وقت الظهر ثمان ركعات ثم طرأ العذر لزم الظهر والعصر كما لو أدرك ذلك من
وقت العصر لزمه الصلاتان معا والفرق على ظاهر المذهب ان الحكم لزوم الصلاتين إذا أدرك
وقت العصر مأخوذ من الجمع بينهما عند قيام سببه ولان كل واحدة منهما مؤداة في وقت الأخرى
ومعلوم ان وقت الظهر إنما يكون وقتا للعصر على سبيل تبعية العصر للظهر ألا ترى انه إذا جمع
بالتقديم لم يجز له تقديم العصر على الظهر فإذا لم يفعل الظهر فليس وقتها بوقت العصر واما وقت
العصر فليس وقتا للظهر على سبيل تبعية الظهر للعصر ألا ترى انه إذا جمع بالتأخير جاز له تقديم
الظهر على العصر بل هو أولي على وجه ومتعين على وجه كما سيأتي في باب الجمع وكان وقت العصر
وقتا للظهر من غير التوقف على فعل العصر فلهذا المعنى افترق الطرفان: جئنا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب
اما قوله فإذا طرأ الحيض وقد مضى من الوقت مقدار ما يسع للصلاة ليس المراد منه مطلق الصلاة بل
المراد أخف ما يمكن من الصلاة بصفة العصر ان وجد المعنى المجوز للعصر على ما بيناه قوله لزمتها
92

معلم بالخاء والميم لما قدمناه ولا حاجة إلى اعلامه بالواو إشارة إلى تخريج ابن سريح لان قوله بعد
ذلك وقيل لا يلزم ما لم يدرك جميع الوقت في صورة الطريان وهو ذلك التخريج: ثم اعلم أن الحكم
بلزوم الصلاة إذا أدرك من الوقت ما يسعها لا يختص بما إذا كان المدرك من أول الوقت بل لو كان
المدرك من وسطه لزمت الصلاة أيضا ونظيره ما إذا أفاق مجنون في أثناء الوقت وعاد جنونه في
الوقت أو بلغ ثم جن أو أفاقت مجنونة ثم حاضت وقوله ولا يلزم بأقل من ذلك معلم بالواو للوجه
المشهور عن البلخي وقد حكاه القاضي ابن كج عن غيره من الأصحاب أيضا وكذلك قوله فأما
العصر فلا يلزم بادراك أول الظهر وليس لفظ الأول في قوله بادراك أول الظهر لتخصيص الحكم
به فان العصر لا يلزم بادراك آخر وقت الظهر أيضا بل بادراك جميعه وإنما جرى لفظ الأول في
مقابلة الاخر في الحالة الأولى وقوله لان وقت الظهر لا يصلح للعصر إلى آخره المراد منه ما شرحناه
في الفرق بين الأول والاخر وأراد بالمعذور ههنا الذي يجمع لسفر أو مطر بخلاف ما في أول
الفصل فإنه أراد بالمعذور ثم صاحب الضرورة على ما سبق ايضاحه: واعلم أن الأخيرة من صلوات
الجمع وان لم يلزم بادراك وقت الأولي لكن الأولى منهما قد يلزم بادراك وقت الأخيرة كما أنها
93

تلزم بادراك آخر وقتها مثاله إذا أفاق المغمى عليه في أول وقت العصر قدر ما يسع للعصر والظهر
جميعا لزمناه فإن كان مقيما فالمعتبر قدر ثمان ركعات وإن كان مسافرا يقصر كفى قدر أربع ركعات
ويقاس المغرب والعشاء في جميع ما ذكرناه بالظهر والعصر والله الموفق *
قال (الحالة الثالثة أن يعم العذر جميع الوقت فيسقط القضاء ولا تلحق الردة بالكفر بل
يجب (م ح) القضاء على المرتد (م ح) والصبي يؤمر بالصلاة بعد سبع سنين ويضرب على تركها بعد العشر وان لم
يكن عليه قضاء والاغماء في معنى الجنون (ح) قل أو كثر وزوال العقل بسكر أو بسبب محرم لا يسقط القضاء
ولو سكر ثم جن فلا يقضي أيام الجنون ولو ارتد ثم جن قضي أيام الجنون ولو ارتدت أو سكرت
ثم حاضت لا يلزمها قضاء أيام الحيض لان سقوط القضاء عن المجنون رخصة وعن الحائض
عزيمة) *
قوله أن يعم العذر جميع الوقت فيه شيئان أحدهما انه فسر العذر من قبل بما يسقط القضاء
والمراد ما إذا استغرق جميع الوقت كما تقدم فكأنه قال أن يعم ما يسقط القضاء فيسقط القضاء
94

وغير هذا أجود منه وليس في قولنا إذا وجد ما يسقط القضاء يسقط القضاء في مثل هذا المقام
كثير فائدة: والثاني ان قوله جميع الوقت ليس المراد منه الأوقات المخصوصة بالصلوات وكيف وقد
ذكرنا انه إذا زالت الضرورة في آخر وقت العصر لزم الظهر أيضا مع أنه عم العذر جميع وقت
الظهر فإذا المراد منه وقت الرفاهية والضرورة جميعا وغرض الفصل أن الأسباب المانعة من لزوم
الصلاة وقد عددناها من قبل مسقطة للقضاء أما الحيض فإنه يمنع وجوب الصلاة وجوازها ويسقط
القضاء على ما سبق في كتاب الحيض وأما الكفر فالكافر الأصلي مخاطب بالشرائع على أشهر
وجهي أصحابنا في الأصول لكن إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر لقوله تعالي
(قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) والمعنى فيه أن ايجاب القضاء ينفره عن الاسلام
والردة لا تلحق بالكفر بل يجب على المرتد قضاء صلوات أيام الردة خلافا لأبي حنيفة حيث قال
الردة تسقط قضاء صلوات أيام الردة والصلوات المتروكة قبلها أيضا * لنا انه التزم الفرائض بالاسلام
فلا يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين: فاما الصبي فلا تجب عليه الصلوات قال صلى الله عليه
وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق) (1)
95

فلا يؤمر أحد ممن لا تجب عليه الصلاة بفعلها سوى الصبي فإنه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين
96

سنين ويضرب على تركها إذا بلغ عشرا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال (مروا أولادكم
بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) (1) قال الأئمة
فيجب على الاباء والأمهات تعليم الأولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع والضرب على تركها بعد
العشر وذكروا في اختصاص الضرب بالعشر معنيين أحدهما انه زمان احتمال البلوغ بالاحتلال
فربما بلغ ولا يصدق والثاني انه حينئذ يقوى ويحتمل الضرب واحتج بعض أصحابنا بهذا على
97

انه لا يجوز أن يختن الصبي قبل العشر لان ألم الختان فوق ألم الضرب ويؤمر بالصوم أيضا ان
أطاقه كما يؤمر بالصلاة وأجرة تعليم الفرائض من مال الطفل فإن لم يكن له مال فعلى الأب وان لم
يكن فعلى الام وهل يجوز أن تعطي الأجرة من مال الطفل على تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض
من القرآن والأدب فيه وجهان: وأما المجنون فلا صلاة عليه أيضا للخبر والأصل ان من لا تجب
عليه العبادة لا يجب عليه قضاؤها وإنما خالفنا ذلك في حق النائم والناسي لما روى أنه صلى الله
98

عليه وسلم قال (إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) (1) والاغماء في معنى
الجنون يستوي قليله وكثيره في اسقاط القضاء إذا استغرق وقت العذر والضرورة خلافا لأبي
حنيفة حيث قال لا تسقط الصلاة بالاغماء ما لم يزد على يوم وليلة ولا حمد حيث قال إنه لا يسقط
القضاء قل أو كثر لنا القياس على الجنون ولا يلحق بالجنون زوال العقل لسبب محرم كشرب
مسكرا أو دواء مزيل للعقل بل يجب عليه القضاء لأنه غير معذور وهذا إذا تناول الدواء وهو عالم
بأنه مزيل للعقل من غير حاجة كما إذا اشرب المسكر وهو عالم انه مسكر أما إذا لم يعلم أن الدواء مزيل
للعقل وأن الشراب مسكر فلا قضاء عليه كما في الاغماء ولو عرف ان جنسه مسكر لكن ظن أن ذلك
القدر لا يسكر لقلته فليس ذلك بعذر ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء عليه وان
فعله عبثا قضى ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو ارتد ثم جن قضى أيام الجنون وما قبلها إذا
أفاق واسلم تغليظا على المرتد ولو سكر ثم جن قضى بعد الإفاقة صلوات المدة التي ينتهي إليها
السكر لا محالة وهل يقضى صلوات أيام الجنون فيه وجهان أحدهما نعم لان السكران يغلظ عليه
امر الصلاة كما يغلظ على المرتد وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يقضي صلوات أيام
الجنون والفرق ان من جن في ردته مرتد في جنونه حكما ومن جن في سكره ليس بسكران في
99

دوام جنونه قطعا (الثاني) لو ارتدت المرأة ثم حاضت أو سكرت ثم حاضت فلا تقضي أيام الحيض
ولا فرق بين اتصالها بالردة واتصالها بالسكر بخلاف الجنون حيث افترق الحال بين اتصاله بالردة
وبين اتصاله بالسكر والفرق ان سقوط القضاء عن الحائض ليس من باب الرخص والتحقيقات
بل هو عزيمة فإنها مكلفة بترك الصلاة والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة كما ليس مخاطبا بفعلها
100

وإنما أسقط القضاء عنه تخفيفا فإذا كان مرتدا لم يستحق التخفيف ومما يوضح الفرق انها لو شربت
دواء حتى حاضت لا يلزمها القضاء بخلاف ما لو شربت دواء يزيل العقل وكذلك لو شربت
دواء حتى ألقت الجنين ونفست لا يجب عليها قضاء الصلوات على المذهب الصحيح لان سقوط
الصلاة عن الحائض والنفساء عزيمة: فالحاصل ان من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء
فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ومن أمر بالترك فامتثل الامر لا يتوجه أن يؤمر بالقضاء وهذا يشكل لفصل
الصوم فان الحائض مأمورة بترك الصوم ثم تؤمر بالقضاء الا أن ذلك معدول به عن القياس اتباعا
للنص: والمواضع المستحقة للعلامات من الفصل بينة والذي لا بأس بذكره قوله ولو ارتد ثم جن
قضي أيام الجنون ينبغي أن يعلم قوله قضي بالحاء لان عند أبي حنيفة لا قضاء في الردة فكيف يؤمر
في ايجاب قضاء أيام الجنون
101

قال الفصل الثالث في الأوقات المكروهة وهي خمسة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد
صلاة العصر حتى تغرب الشمس ووقت الطلوع إلى أن يرتفع قرص الشمس ووقت الاستواء إلى أن تزول
الشمس ووقت اصفرار الشمس إلى وقت تمام الغروب) *
الأوقات المكروهة خمسة وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل وهي بعد صلاة الصبح حتى تطلع
102

الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس (1) ووجه تعلق
النهى فيهما بالفعل ان صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصلهما ومن
103

صلاهما فان عجلهما في أول الوقت طال في حقه وقت الكراهية وان أخرهما قصر وثلاثة أوقات
يتعلق النهي فيهما بالزمان وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح ويستولي سلطانها بظهور
شعاعها فان الشعاع يكون ضعيفا في الابتداء وعند استواء الشمس حتى تزول وعند اصفرار الشمس
104

حتى يتم غروبها لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان
فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت
فارقها: ونهي عن الصلاة في هذه الأوقات) (1) وقوله ومعها قرن الشيطان قيل معناه قوم الشيطان
وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات نهى عن الصلاة فيها لذلك وقيل معناه ان الشيطان
يقرب رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له ولك ان تعلم قول
105

المصنف إلى أن يرتفع قرص الشمس بالوا ولان من الأصحاب من قال يخرج وقت الكراهية
بطلوع القرصة بتمامها ولم يعتبر الارتفاع وايراده في الوسيط يشعر بترجيح هذا الوجه وظاهر المذهب
الأول ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا ارتفعت فارقها) واعلم أن حالة الاصفرار
داخلة في الوقت الثاني وهو ما بعد العصر حتى تغرب الشمس لكن في حق من صلي العصر وحالة
الطلوع إلى الارتفاع متصلة بما بعد الصبح في حق من صلي الصبح وذكر بعضهم في العبارة
106

على الوقت الأول من أوقات الكراهية انه ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح
وعلى هذا فتنقص أوقات الكراهية عن الخمسة وربما انقسم الواحد منها إلى متعلق بالفعل والي
متعلق بالزمان
107

قال (وذلك في كل صلاة لا سبب لها بخلاف الفائتة وصلاة الجنازة وسجود التلاوة
وتحية المسجد وركعتي الطواف وفى الاستسقاء تردد وركعتا الاحرام مكروهة لان سببها
متأخر) *
الأوقات المكروهة لا ينهي فيها عن الصلاة عن علي الاطلاق بل عن بعض أنواعها وما ورد فيها
من النهى المطلق محمول على ذلك البعض فالغرض من هذا الفصل بيان ما ينهى عنه من الصلوات
في هذه الأوقات وما لا ينهي عنه وقوله وذلك في كل صلاة لا سبب لها أي النهي والكراهة
108

وقول الأصحاب في هذا المقام صلاة لا سبب لها وصلاة لها سبب ما أرادوا به مطلق السبب إذ
ما من صلاة الا ولها سبب ولكن أرادوا بقولهم صلاة لها سبب ان لها سببا متقدما على هذه
الأوقات أو مقارنا لها وبقولهم صلاة لا سبب لها أي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن فعبروا بالمطلق
عن المقيد وقد يفسر قولهم لا سبب لها بأن الشارع لم يخصها بوضع وشرعية بل هي التي يأتي بها
الانسان ابتداء وهي النوافل المطلقة وعلى هذا التفسير فكل ما لا سبب له مكروه لكن كل ماله
سبب ليس بجائز ألا ترى أن ركعتي الاحرام لهما سبب بهذا التفسير وهما مكروهتان كما سنذكر
إن شاء الله ولفظ الكتاب يوافق التفسير الأول لأنه خص النهي والكراهة بما لا سبب له من
الصلوات ثم إنه عد أنواعا من الصلوات التي لها سبب فمنها الفائتة فلا تكره في هذه الأوقات لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاد أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها لا وقت لها
غيره) (1) ويستوى في الجواز قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذها وردا له ومنها صلاة الجنازة
109

روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (يا علي لا تؤخر أربعا) (1) وذكر منها الجنازة إذا حضرت: ومنها
سجود التلاوة فلا يكره في هذه الأوقات لان سبب سجدة التلاوة قراءة القرآن وهي مقارنة لهذه
الأوقات فلا يؤخر عن وقتها وفى معناه سجود الشكر فان سببه السرور الحادث فليس ذكرهما في
هذا الموضع لكونهما من أنواع الصلاة لكن لأنهما كالصلاة في الشرائط والأحكام ومنها تحية
المسجد فان اتفق دخوله في هذه الأوقات لغرض في الدخول كاعتكاف ودرس علم وقراءة فيه
لم تكره التحية لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى
يصلي ركعتين) (2) ولان سبب التحية هو الدخول في المسجد وقد اقترن بهذه الأوقات ولو دخلها في
110

هذه الأوقات ليصلي التحية لا لحاجة في الدخول فهل يكره فيه وجهان أحدهما لا لما سبق وأقيسهما
نعم كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات ويدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
(لا يتحرى أحدكم لصلاة قبل طلوع الشمس وغروبها) و (1) ومنهم من لا يفصل ويجعل في التحية
وجهين على الاطلاق وينسب القول بالكراهية إلى عبد الله الزبيري رضي الله عنه وليكن قوله
111

وتحية المسجد معلما بالواو لما حكيناه ومنها ركعتا الطواف فلا يكرهان في هذه الأوقات لأنهما
يؤديان بعد الطواف بسببهما موجود في هذه الأوقات ومنها صلاة الاستسقاء وفيها وجهان عبر عنهما
المنصف بالتردد أحدهما إنما يكره لان الغرض منها الدعاء والسؤال وهو لا يفوت بالتأخير فأشبهت
صلاة الاستخارة وهذا هو الذي ذكره صاحب التهذيب وآخرون وأظهرهما انها لا تكره لان
الحاجة الداعية أيها موجودة في الوقت ومن قال بهذا قد يمنع الكراهة في صلاة الاستخارة أيضا
ومن هذه الصلوات صلاة الخسوف فإنها لو أخرت عن هذه الأوقات فربما انجلت الشمس وفاتت
112

الصلوات ومنها إذا تطهر في هذه الأوقات جاز له أن يصلي ركعتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال لبلال (حدثني بارجي عمل عملته في الاسلام فانى سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة
قال ما عملت عملا أرجى عندي انى لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار الا صليت بذلك
الطهور ما كتب لي أن أصلي) (1) وهل يلحق ركعتا الاحرام بهذه الصلوات فيه وجهان أحدهما نعم
لحاجته إلى الاحرام في هذه الأوقات بالحج أو العمرة وأصحهما وهو المذكور في الكتاب لا: لان
سببهما الاحرام وهو متأخر عنهما وقد يتفق بعدهما وقد يعوق دونه عائق ولك أن تعلم قوله وذلك
في كل صلاة لا سبب لها بالحاء لأنه يقتضى حصر النهى في الصلاة التي لا سبب لها في الأوقات
الخمسة جميعا وعند أبي حنيفة الوقتان اللذان يتعلق النهى فيهما بالفعل يكره فيهما التطوع ولا يكره
فيهما الفرض ولا بأس بأن يصلي فيهما على الجنازة ويقضي فوائت الفرائض ويسجد للتلاوة والسهو
ولكن لا يصلى المنذورة ولا ركعتي الطواف والتطوعات وأما في الأوقات الثلاثة فلا تجوز صلاة ما
الا عصر اليوم عند غروب الشمس فلو دخل في تطوع قال يقطعه ويقضيه في الوقت المأمور به فلو
مضي فيه أساء وأجزأه وان صلى فيها فرضا أو واجبا أعاد الا عصر يومه وصلاة الجنازة وسجدة
التلاوة ولك ان تعلمه بالميم والألف أيضا لأنه روى عن مالك انه يقضى الفرائض في الأوقات
الخمسة ولا يصلي فيها النافلة سواء كان لها سبب أو لم يكن وبه قال احمد واستثنى على مذهبه ركعتا
113

الطواف وصلاة الجماعة مع امام الحي وأبو حنيفة يكره اعادتها في الجماعة لنا ما تقدم وأيضا ما روى أنه
صلى الله عليه وسلم (1) (دخل بيت أم سلمة رضي الله عنها بعد صلاة العصر وصلي ركعتين فسألته
114

عنهما فقال أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) وروى
115

انه صلى الله عليه وسلم (رأى قيس بن قهد يصلى ركعتين بعد الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقال إني
لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم بنكر عليه) (1) ويتبين مما
نقلناه انه لو علم الفائتة وما بعدها بالحاء لجاز وقد ورد الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية وقيل
يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة وورد أيضا باستثناء مكة فلا تكره صلاة
ولا طواف في وقت من الأوقات *
116

(فرع) لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهية انعقدت على أحد الوجهين كالصلاة في الحمام الصلاة
المنهي عنها في الأوقات الخمسة على التفصيل الذي وضح لا ينهي عنها على الاطلاق عندنا بل يستثنى
عنها زمان ومكان أما الزمان فهو يوم الجمعة فيستثنى وقت الاستواء يوم الجمعة ولا تكره فيها التطوعات
117

خلافا لأبي حنيفة ومالك وأحمد لنا ما روى أنه صلى الله عليه وآله (نهى عن الصلاة نصف النهار
حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة) (1) وهل يستثنى باقي الأوقات الخمسة يوم الجمعة فيه وجهان أحدهما
نعم كوقت الاستواء تخصيصا للجمعة وتفضيلا وقد روى (أن جهنم لا تسجر يوم الجمعة) وأصحهما لا: لان
118

الرخصة وردت في وقت إذ استواء فيبقى الباقي على عموم النهي فان قلنا بالوجه الأول جاز النقل
في وقت الاستواء وغيره لكل أحد فيه وجهان أحدهما نعم لمطلق قوله (الا يوم الجمعة) وايراد المصنف
يقتضى ترجيح هذا الوجه لأنه حكم بالاستثناء ثم روى عن بعضهم تخصيص الاستثناء بمن يغشاه
119

النعاس وبترجيحه قال صاحب التهذيب وغيره واحتجوا عليه أيضا بما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم
(كره الصلاة نصف النهار الا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر الا يوم الجمعة) والوجه الثاني انه لا يجوز
التنفل لكل أحد لان المعني المرخص لا يشمل الكل وذكروا في الترخيص ومعنيين أحدهما
ان الناس عند الاجتماع يوم الجمعة يشق عليهم مراعاة الشمس والتمييز بين حالة الاستواء وما قبلها
120

وما بعدها فخفف الامر عليهم بتعميم الترخيص والثاني أن الناس يبتكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون
إلى طرد النعاس بالتنفل كيلا يبطل وضوءهم فيفتقرون في إعادة الوضوء إلى تخطى رقاب الناس
فعلى المعنيين جميعا المتخلف القاعد في بيته وقت الاستواء لعذر أو غير عذر ليس له التنفل فيه
وأما الذي حضر الجمعة فقضية المعنى الأول تجويز التنفل له مطلقا وقضية المعني الثاني تخصيص
121

الجواز بالذي يبتكر إليها ثم يغلبه النعاس أما الذي لم يبتكر ولم يؤذه النعاس فلا يجوز له ذلك وقول
صاحب الكتاب وقيل يختص بذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة يوافق المعنى الثاني من
جهة اعتبار غشيان النعاس ولكن قضية تجويز التنفل بمن يغشاه النعاس وان لم يبتكر إليها وفى
كلام غيره ما يقتضى اعتبار التبكير وكون غلبة النعاس لطول الانتظار واعلم أن قوله وقد ورد
122

الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية ظاهره يقتضى استثناء جميع الأوقات الخمسة كما حكيناه وجها
عن بعض الأصحاب ولكن قوله وهل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس يبين انه أراد بالأول وقت
الاستواء لا غير وفيه اشتهر الخبر وهو الأصح في المذهب وأما المكان فقد روى عن أبي ذر ان
123

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد
صلاة الصبح حتى تطلع الشمس) (1) الا بمكة واختلف الأصحاب في هذا الاستثناء ومنهم من قال
مكة كسائر البلاد في أوقات الكراهة والاستثناء لركعتي الطواف فان له أن يطوف متى شاء وإذا
124

طاف بالبيت يصلى ركعتي الطواف لأنها صلاة لها سبب والأصح وهو المذكور في الكتاب أن
مكة تخالف سائر البلاد لشرف البقعة وزيادة فضيلة الصلاة فلا يحرم فيها عن استكثار الفضيلة بحال
125

ويدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (يا بنى عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا
فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار) (1) وليكن قوله فلا يكره فيها صلاة
معلما بالواو للوجه الأول وبالحاء والميم لان عندهما لا فرق بين مكة وسائر البلاد ثم ليس المراد من مكة
126

نفس البلد بل جميع الحرم للاستواء في الفضيلة وفى وجه يختص بالاستثناء المسجد الحرام وما عداه
كسائر البلاد والمشهور الصحيح الأول ومتي ثبت النهى والكراهة فلو تحرم بالصلاة المنهية هل
127

ينعقد أم لا هذا هو الذي رسمه فرعا في الكتاب وفيه وجهان أحدهما نعم كالصلاة في الحمام
لا خلاف في انعقادها مع ورود النهى وأظهرهما لا كما لو صام يوم العيد لا يصح وعلى هذين الوجهين
يخرج ما لو نذر أن يصلي في الأوقات المنهية ان قلنا تصح الصلاة فيها يصح النذر وان قلنا لا تصح
فلا يصح النذر كما لو نذر صوم يوم العيد فان صححنا النذر فالأولى أن يصلى في وقت آخر كمن
128

نذر أن يضحي شاة بسكين مغصوب يصح نذره ويذبحها بسكين غير مغصوب وأما إذا نذر صلاة
مطلقا فله أن يفعلها في الأوقات المكروهة فإنها من الصلوات التي لها سبب كالفائتة ونختم الفصل
بشيئين أحدهما ان قوله في أول الفصل في الأوقات المكروهة وهي خمسة يقتضى الحصر في الخمسة
المذكورة وهو المشهور والحصر في الخمسة حكم باثبات الخمسة ونفى الزائد لكن في كلام الأصحاب
حكاية وجهين في أن بعد طلوع الفجر هل يكره ما سوى ركعتي الفجر من النوافل أم لا أحدهما
129

نعم وبه قال أبو حنيفة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتا
الفجر) (1) والثاني لا وبه قال مالك لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع
الشمس)) والمفهوم من صلاة الصبح هو الفريضة فالتخصيص بالفريضة يدل على عدم الكراهة قبلها
والوجه الثاني هو الذي يوافق كلام معظم الأصحاب حيث قالوا بأن النهي في الوقتين يتعلق بالفعل
والا فإذا ثبتت الكراهة من طلوع الفجر لم يختلف زمان الكراهة بتقديم الصبح وتأخيرها طولا
وقصرا وهذا استدلال بين على ترجيح هذا الوجه وصرح به الشيخ أبو محمد وغيره لكن ذكر
صاحب الشامل أن ظاهر المذهب هو الوجه الأول ولم يورد في التتمة سواه وان قلنا به دخل وقت
الكراهية بطلوع الفجر فان عد ما قبل صلاة الصبح وقتا بانفراده زاد الأوقات المكروهة على
خمسة وان جعل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقتا واحدا وأدرجنا وقت الاصفرار فيما بعد
130

صلاة العصر كما سبق عادت الأوقات المكروهة إلى أربعة وان نضم حالة الطلوع إليه فتعود
الأوقات المكروهة إلى ثلاثة والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في آخرين ما أطلقوا الوجهين في الكراهة
من حين طلوع الفجر لكن نقلوا الوجهين في كراهة التنفل بعد ركعتي الفجر وذلك يقتضي الجزم بنفي الكراهة
قبل أن يصلي ركعتي الفجر وما يتعلق بالحصر على ما بينته لا يختلف بالطريقين (الثاني) إذا فاتته راتبة أو نافلة
اتخذها وردا فقد ذكرنا انه يجوز أن يقضيها في أوقات الكراهة ويدل عليه ما سبق من حديث أم سلمة ثم
إذا فعل ذلك فهل له أن يداوم على تلك الصلاة في وقت الكراهة فيه وجهان أحدهما نعم لان في
131

حديث أم سلمة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم (داوم على ركعتين بعد ذلك) (1) وعليه حمل ما روى
132

عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد
العصر الا صلى ركعتين) (1) وأصحهما انه لا يجوز لعموم الأخبار الناهية وما فعله رسول الله صلى الله
133

عليه وسلم كان مخصوصا به فإنه كان يداوم على عمل وقد روى عن عائشة رضي الله عنها ان
النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي بعد العصر وينهى عنها) (1) فان قلنا بالأول فهذه الحالة مما
تستثنى عن عموم أخبار النهي
134

قال (باب الثاني في الاذان وفيه ثلاثة فصول)
(الأول) في محله وهو مشروع سنة على أظهر الرأيين في الجماعة الأولي من صلوات الرجال في كل
مفروضة مؤداة وفى الجماعة الثانية في المسجد المطروق قولان وفى جماعة النساء ثلاثة أقوال وفى
الثالث انها تقيم ولا تؤذن ولا ترفع الصوت بحال وفى المنفرد في بيته ثلاثة أقوال وفى الثالث إنما
يؤذن ان انتظر حضور جمع فان قلنا لا يؤذن ففي اقامته خلاف وان قلنا يؤذن فيستحب رفع
الصوت ولا أذان في غير مفروضة كصلاة الخسوف والاستسقاء والجنازة والعيدين بل ينادى لها
الصلاة جامعة وفى الصلاة جامعة وفى الصلاة الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال وفى الثالث يقيم ولا يؤذن (ح) ولو قدم العصر
إلى وقت الظهر فيؤذن للظهر ويقيم لكل واحدة ولو أخر الظهر إلى العصر يؤديهما بإقامتين (ح)
135

بلا أذان (و) بناء على أن الظهر كالفائتة فلا يؤذن لها) * لا شك أن الاذان دعاء إلى الصلاة اعلام للوقت ولكن
لا يدعي به إلى كل صلاة بل إلى بعض الصلوات وليس دعاء على أي وجه اتفق بل له كيفية
مخصوصة ولا يدعو به كل أحد بل بعض الناس فتمس الحاجة إلى بيان الصلاة التي هي محل الاذان
وبيان كيفية الاذان وصفات المؤذن فتكلم في هذه الأمور في ثلاثة أصول وافتتح القول في الأول
بذكر الخلاف في أنه سنة أم فرض كفاية ولو قدم هذه المسألة على الفصول أجمع وقصر كلام
الفصل الأول على بيان الصلوات التي شرع فيها الاذان سنة كان أم فرضا كان أليق بترجمة الفصل
وكذلك فعل في الوسيط واختلفوا في الأذان والإقامة أهما سنتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه
أصحها انهما سنتان لأنهما للاعلام والدعاء إلى الصلاة فصار كقوله الصلاة جامعة في العيدين ونحوهما
136

ولأنه صلى الله عليه وسلم (جمع بين الصلاتين وأسقط الاذان من الثانية) والجمع سنة فلو كان
137

الاذان واجبا لما تركه لسنة والوجه الثاني انهما فرضا كفاية لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
قال (صلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) وظاهر الامر للوجوب
ولأنه من شعائر الاسلام فليؤكد بالفريضة وهذان الوجهان هما اللذان أرادهما المصنف بالرأيين
والثالث انهما مسنونتان في غير الجمعة وفرضا كفاية في الجمعة لأنها اختصت بوجوب الجماعة فيها
138

فاختصت بوجوب الدعاء إليها وبالوجه الثالث قال ابن خيران ونسبه القاضي بن كج والشيخ أبو حامد
إلى أبي سعيد الإصطخري ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث فان قلنا هما
سنة فلو اتفق أهل بلد على تركها هل يقاتلون عليه فيه وجهان أصحهما لا كسائر السنن وينسب إلى أبى
اسحق المروزي والثاني نعم لأنه من شعائر الاسلام فلا يمكن من تركه وان قلنا هما فرضا كفاية فإنما يسقط
الحرج باظهارها في البلدة أو القرية بحيث يعلم جميع أهلها انه قد أذن فيها لو أصقوا ففي القرية الصغيرة
يؤذن في موضع واحد والبلدة الكبيرة لابد منه في مواضع ومحال فلو امتنع قوم منها قوتلوا
ومن قال بافتراضهما في صلاة الجمعة خاصة فقد اختلفوا: منهم من قال الاذان الواجب هو الذي
يقام بين يدي الخطيب فإنه الذي يختص بالجمعة فلا يبعد ايجابه كالجماعة والخطبة وغيرهما وهذا
ما حكاه الشيخ أبو محمد عن أحمد بن سيان من أصحابنا قال الشيخ ووجدت لفظ الوجوب في هذا
139

الاذان نصا للشافعي رضي الله عنه فلعله أراد توكيد أمره ومنهم من قال يسقط الوجوب بالاذان
الذي يؤتى به لصلاة الجمعة وان لم يكن بين يدي الخطيب ولك أن تعلم قوله مشروع سنة بالألف لان بعض
أصحاب احمد ذكر ان الأذان والإقامة فرضان على الكفاية عندهم وبالميم لان في تعليق الشيخ أبي
حامد أن مالكا يقول بوجوب الاذان ويلزم الإعادة ما بقي الوقت فان ذهب الوقت وصلى من
غير أذان جاز * ونعود بعد هذا إلى بيان محمد الاذان وقد ضبطه المصنف فقال محله الجماعة الأولي
من صلاة الرجال الرجال في كل مفروضة مؤداة وفيه خمسة قيود أولها الجماعة فالمنفرد في الصحراء أو في
140

المصر هل يؤذن الجديد أنه يؤذن لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد
الخدري رضي الله عنه (1) (انك رجل تحب الغنم والبادية فإذا دخل عليك وقت الصلاة فأذن وارفع
141

صوتك فإنه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر الا شهد لك يوم القيامة) (1) وحكي عن القديم
انه لا يؤذن لان المقصود من الاذان الابلاغ والاعلام وهذا لا ينتظم في المنفرد وقال بعض
أصحابنا انه كان يرجو حضور جمع اذن والا فلا وحمل حديث أبي سعيد على أنه كان ينتظر حضور
غلمانه ومن معه في البادية هذا إذا لم يبلغ المنفرد اذان المؤذنين وأما إذا بلغه فالخلاف فيه مرتب
على هذا الخلاف وأولى بان لا يؤذن كآحاد الجمع فان قلنا لا يؤذن المنفرد فهل يقيم فيه وجهان أحدهما
لا كالاذان وأصحهما نعم لأنهما للحاضرين فيقيم لنفسه وإذا قلنا يؤذن فهل يرفع الصوت فيه وجهان
142

أصحهما نعم لحديث أبي سعيد والثاني ان انتظر حضور جمع رفع والا فلا ولا شك في أنه إذا أذن
يقيم: وأعلم أن هذا الترتيب يشتمل عليه كلام امام الحرمين وهذا الذي اقتبسه منه المصنف الا أنه جعل
الفرق بين أن ينتظر حضور جمع أولا ينتظر قولا وأطلق في المسألة ثلاثة أقوال والامام لم يروه
الا عن بعض الأصحاب والجمهور اقتصروا على ذكر المذهب المنسوب إلى الجديد ولم يتعرضوا
143

لخلاف نعم حكى القول القديم في التتمة ولكن إذا كان المنفرد يصلى في المصر خاصة ولم يطرده في
المنفرد في الصحراء: وقوله في الكتاب وفى المنفرد في بيته تخصيص البيت بالذكر يمكن أن يحمل على
موافقة ما رواه في التتمة لكنه لم يرد ذلك بل طرد الخلاف في السفر والحضر في الوسيط واما الفرق
بين أن يرجو حضور جمع ولا يرجوا فسنبين في الاذان للفائتة أنه من أين اخذ وليكن قوله وان قلنا يؤذن -
144

فيستحب رفع الصوت مرقوما بالواو لما قدمناه ويدل على استحباب الاذان للمنفرد وعلى أن الإقامة
أولى بالرعاية ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان أحدكم بأرض فلاة فدخل عليه دقت
صلاة فان صلي بغير أذان ولا إقامة صلى وحده وان صلي بإقامة صلى بصلاته ملكاه فان صلي باذان وإقامة
صلي خلفه صف من الملائكة أولهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب) (1) ويستثنى عما ذكرنا من أن المفرد
يرفع صوته بالاذان صورة وهي ما إذا صلي في مسجد أقيمت الجماعة فيه وانصرفوا فههنا لا يرفع الصوت
لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى سيما في يوم الغيم وثانيها كونها جماعة أولي ومهما أقيمت
الجماعة في مسجد ثم حضر قوم فإن لم يكن له امام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه وإن كان ففيه وجهان
أصحهما أنه يكره وبه قال أبو حنيفة وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يسن لهم
145

الاذان حكى امام الحرمين عن رواية صاحب التقريب فيه قولين أحدهما لا لان كل واحد منهم يدعو بالاذان
الأول وقد أجاب بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولي بعد الاذان والثاني نعم لان الاذان
الأول قد انتهى حكمه بإقامة الجماعة الأولي لكن الاذان الثاني لا يرفع فيه الصوت كيلا يلتبس الامر
على الناس وهذا أظهر والأول مذهب أبي حنيفة قال الكرخي في مختصره ولا يؤذن في مسجد له امام
معروف مرتين واما ذكر المصنف المطروق في صورة المسألة فليس للتقييد لان رواية صاحب التقريب مطلقة
ولعله إنما ذكره لان إقامة الجماعة بعد الجماعة إنما تتفق غالبا في المساجد المطروقة والله أعلم: وثالثهما صلاة
الرجال ففي جماعة النساء ثلاثة أقوال حكاها في النهاية أصحها وهو نصه في الام والمختصر أنه يستحب لهن
الإقامة دون الاذان اما أن الاذان لا يستحب فلان الاذان للابلاغ والاعلام ولا يحصل ذلك
الا برفع الصوت وفى رفع النساء الصوت خوف الافتتان وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
146

أنه قال ليس على النساء اذان واما ان الإقامة تستحب فلأنها لاستفتاح الصلاة واستنهاض الحاضرين
فيستوي فيها الرجال والنساء فلو أذنت على هذا القول من غير رفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله
تعالى والثاني انه لا أذان ولا إقامة أما الاذان فلما سبق واما الإقامة فلأنها تبع الاذان والثالث
انه يستحب الأذان والإقامة لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تؤذن وتقيم ثم لا يختص
هذا الخلاف بما إذا صلين جماعة بل وهو جار في المرأة المنفردة ولكن بالترتيب على الرجل ان
قلنا لا يؤذن الرجل المنفرد فالمرأة أولى وان قلنا يؤذن ففي المرأة هذا الخلاف وقوله ولا يرفع
الصوت بحال أي لا ترفع المؤذنة صوتها فوق ما تسع وأحبها ويحرم عليها أن تزيد على ذلك قال
في النهاية وحيث قلنا في أذان الجماعة الثانية في المسجد الذي أقيم فيه الجماعة الأولي والاذان الراتب
انه لا يرفع صوته فلا يعنى به أن الأولى أن لا يرفع فان الرفع أولي في حقه ولكن يعني به انه يعتد
باذانه دون الرفع ورابعها المفروضة فليس في غير المفروضة اذان ولا إقامة سواء فيه الصلاة التي
147

يسن له الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء واتى لا يسن كصلاة الضحي لأنه لم ينقل الامر به
عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ولكن ينادى لصلاة
العيدين والكسوفين والاستسقاء الصلاة جامعة وكذلك لصلاة التراويح إذا أقيمت جماعة
واختلف الناقلون في صلاة الجنازة فعدها المصنف في جملة ما يستحب فيه هذا النداء وكذلك فعله
القاضي ابن كج وآخرون وقال الشيخ أبو حامد وطبقته لا يستحب لها الأذان والإقامة ولا هذا
النداء ووافقهم صاحب التهذيب فلا بأس بأعلام قوله بل ينادى لها الصلاة جامعة لهذا السبب
148

وخامسها المؤداة ففي الفائتة ثلاثة أقوال الجديد انه لا يؤذن لها لما روى عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال (حسبنا عن الصلاة يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هو يا من الليل فدعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام للظهر فصلاها ثم أقام للعصر فصلاها ثم أقام للمغرب فصلاها
149

ثم أقام للعشاء فصلاها ولم يؤذن لها مع الإقامة) والقديم انه يؤذن لها وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقال (احفظوا علينا صلاتنا) (1) يعنى الفجر فضرب على اذانهم
فما أيقظهم الا حر الشمس فقاموا فساروا هينة ثم نزلوا فتوضأوا واذن بلال فصلوا ركعتي الفجر
وركبوا وقال في الاملاء ان أمل اجتماع قوم يصلون معه اذن والا فلا قال الأئمة الاذان في
150

الجديد حق الوقت وفى القديم حق الفريضة وفى الاملاء حق الجماعة وهذا الخلاف
في الاذان اما الإقامة فنأتي بها على الأقوال كلها ثم استفيد من هذا الخلاف شيئان أحدهما أن
الفرق في المنفرد بين ان ينتظر حضور جمع أولا ينتظر مخرج من قول الاملاء مصيرا إلى أن الاذان
حق الجماعة حكى تخريجه منه عن أبي إسحاق المروزي والثاني ظهور القول بان المنفرد في المؤداة هل
يؤذن لها وجب ان يرتب فنقول ان قلنا المؤداة لا يؤذن لها فالفائتة أولي وان قلنا يؤذن ففي الفائتة
151

خلاف ولو أقيمت الفائتة جماعة فلا جريان للقول الثالث: واعلم بعد هذا ان قول المصنف وفى صلاة
الفائتة المفروضة ثلاثة أقوال لفظ المفروضة مستغنى عنها فانا عرفنا بالتقييد سابقا ان غير المفروضة
لا اذان لها إذا كانت مؤداة فكيف يتوهم لها الاذان إذا كانت مؤداة فائتة ثم قوله فيه ثلاثة
أقوال في الثالث يقيم ولا يؤذن يقتضي أن يكون أحد الأقوال انه يؤذن لها والثاني لا يؤذن لها ولا يقيم والثالث
ما ذكره وتكون هذه الأقوال حينئذ على مثال ما قدمه في جماعة النساء لكن سهو ههنا بلا شك
فقد أطبقت النقلة على أن الفائتة يقيم لها وإنما الأقوال في الاذان وأن ثالثها الفرق بين ان ينتظر
حضور جمع أولا ينتظره وقد نقله المصنف على الصحة في الوسيط فقال في الجديد يقيم ولا يؤذن
152

وفى القديم يقيم ويؤذن وفى الاملاء ان انتظر حضور جمع اذن والا اقتصر على الإقامة وهي متفقة
على أنه يقيم لها وهذا كله في الفائتة الواحدة فإن كانت عليه فوائت وقضاها على التوالي ففي الاذان
للأولى هذه الأقوال ولا يؤذن لما عداها بلا خلاف ويقيم لكل واحدة منها الأولي وغيرها وعند
أبي حنيفة يتخير فيما بعد الأولى ان شاء اذن وأقام وان شاء اقتصر على الإقامة ولو والي بين
فريضة وقت وفائتة فان قدم فريضة الوقت اذن وأقام لها واقتصر على الإقامة للفائتة وان قدم الفائتة
153

أقام لها وفى الاذان الأقوال وأما فريضة الوقت فقد قال في النهاية ان قلنا يؤذن للفائتة فلا يؤذن
للمؤداة بعدها كي يتوالى الأذانان وان قلنا يقتصر للفائتة على الإقامة فيؤذن للأداء بعدها ويقيم
والأظهر انه يقتصر لصلاة الوقت بعد الفائتة على الإقامة بكل حال لحديث أبي سعيد الخدري
فإنه لم يأمر للعشاء بالاذان وإن جمع بين صلاتي جمع بسفر أو مطر فان قدم الأخيرة إلى وقت الأولي
كتقديم العصر إلى الظهر فيؤذن ويقيم للأولى ويقتصر للثانية على الإقامة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
154

(جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر باذن وإقامتين) (1) وأيضا فإنه لو اذن للثانية
لأخل بالموالاة وهي مرعية عند التقديم لا محالة وإن أخر الأولى إلى وقت الثانية كتأخير الظهر إلى
العصر أقام لكل واحدة منهما ولم يؤذن للعصر محافظة على الموالاة وأما الظهر فتجرى فيه أقوال
الفائتة لأنها تشبهها من جهة انها خارجة عن وقتها الأصلي والأصح انه لا يؤذن لها أيضا لان النبي
155

صلى الله عليه وسلم (جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء بإقامتين من غير
أذان) (1) قال امام الحرمين قدس الله روحه وينقدح أن يقول يؤذن قبل الظهر وان قلنا الفائتة
لا يؤذن لها اما لأنها مؤداة ووقت الثانية وقت الأولى عند العذر واما لان اخلاء صلاة العصر
عن الاذان وهي واقعة في وقتها بعيد فيقدر الاذان الواقع قبل صلاة الظهر للعصر وقد يؤذن
الانسان لصلاة ويأتي بعده بتطوع وغيرها إلى أن تتفق الإقامة وتخلله لا يقدح في كون الاذان لتلك
الصلاة * وعند أبي حنيفة يصلى للمغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة ولا يقيم للعشاء ويجوز ان
يعلم بالواو قوله بلا اذان وكذا قوله في حالة التقديم فيؤذن للظهر لأنه لتخصيص الاذان بالظهر
وقد حكي القاضي أبو القاسم بن كج ان أبا الحسن بن القطان خرج وجها انه يؤذن لكل واحدة
156

من صلاتي الجمع قدم أو اخر وقوله على أن الظهر كالفائتة فلا يؤذن لها هذا وحده لا يوجب
نفى الاذان فيهما لكنه يفيد نفى الاذان للظهر واما العصر فإنما لا يؤذن لها لمعنى الموالاة ويلزم
من مجموع الامرين أن يكون أداؤهما بلا اذان وقد نجد في بعض النسخ التعرض لسبب نفى
الاذان للعصر أيضا والله أعلم وإذا عرفت ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان القيود الخمسة مختلف فيها
كلها سوى القيد الرابع وان الظاهر عدم اعتبار الأول والثاني واعتبار الثالث والخامس *
(فرع) - لا يشرع الاذان في الصلاة المنذورة كذلك رواه صاحب التهذيب
وغيره
ويخرج عن الضابط بقيد الجماعة فان الجماعة لا يشرع فيها *
قال (الفصل الثاني في صفة الاذان وهو مثني مثني والإقامة فرادى على الادراج: والترجيع
مأمور به وكذا التثويب في اذان الصبح على القديم وهو الصحيح: والقيام والاستقبال شرط
للصحة في أحد الوجهين ثم يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يحول صدره عن القبلة)
157

الفصل ينتظم مسائل (أحدها) الاذان مثني والإقامة فرادى خلافا لأبي حنيفة حيث قال الإقامة
كالاذان الا أنه يزاد فيها كلمة الإقامة لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه قال (كان الاذان على
158

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى والإقامة فرادى الا أن المؤذن كأن يقول قد قامت الصلاة
مرتين) ثم قولنا الاذان مثنى ليس المراد منه ان جميع كلماته مثناة لان كلمة لا إله إلا الله في آخره لا يؤتي
159

بها الا مرة واحدة فكلمة التكبير يؤتى بها في أوله أربع مرات خلافا لمالك حيث قال لا يؤتى
بالتكبير في أوله الا مرتين لنا أن أبا محذورة كذلك (حكاه عن تلقين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم إياه) وكذلك هو في قصة رؤيا عبد الله بن زيد في الاذان وهي مشهورة وقولنا الإقامة فرادى
160

لا نعنى به أن جميع كلماتها موحدة بل كلمة التكبير مثناة في الابتداء والانتهاء
وكذلك كلمة الإقامة هذا قوله في الجديد وفى القديم لا يقول هذه الكلمات الا مرة وبه قال
161

مالك لما روى أنه (أمر بلالا أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة) وهذا يقتضى ايتار جميع الكلمات
وحجة الجديد ما قدمنا من خبر ابن عمر رضي الله عنهما ومنهم من يقتصر في حكاية القديم على
162

إفراد كلمة الإقامة دون التكبير ويجوز أن يعلم قوله والإقامة فرادى مع الحاء بالواو لان محمد بن إسحاق
بن خزيمة من أصحابنا قال إن رجع في الاذان ثني الإقامة وإلا أفردها جمعا بين الاخبار في
163

الباب وذكر في التهذيب أنه قول للشافعي رضي الله عنه لما روى عن أبي محذورة أن النبي صلى الله
عليه وسلم (علمه الاذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشر كلمة) (الثانية) المستحب أن يرتل الاذان
ويدرج الإقامة والترتيل أن يأتي بكلماتها مبينة من غير تمطيط يجاوز الحد والادراج أن يأتي بالكلمات حدرا
164

من غير فصل لما روى عن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت
فاحدر) والترسل هو الترتيل (الثالثة) ينبغي أن يرجع في أذانه خلافا لأبي حنيفة واحمد والترجيع
165

هو أن يأتي بالشهادة مرتين مرتين بصوت خفيض ثم يمد صوته فيأتي بكل واحدة منهما مرتين
أخريين بالصوت الذي افتتح الاذان به لنا ما روى عن أبي محذورة قال (القي على رسول الله صلي
166

الله عليه وسلم التأذين بنفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله الا إله إلا الله
اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله ثم قال أرجع فمد صوتك اشهد
ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله وذكر باقي الاذان ووافقنا
مالك على أنه يرجع لكن الصيدلاني روى من مذهبه أنه لا يزيد في كلمات الاذان بل الترجيع
167

أن يقول مرة أشهد أن لا إله إلا الله ثم مرة اشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع فيمد صوته ويعيد
الكلمتين مرة مرة بصوت عال ثم أن المصنف لم يزد في الكتاب على كون الترجيع مأمورا به
والامر به يشمل المستحق والمستحب فمن أي القسمين هو الأصح أنه مستحب ولو تركه لم يضر كالتثويب
ولان المقصود الاعلام والابلاغ والذي يأتي به بصوت خفيض لا يسمعه الا من حوله فلا يتعلق
به ابلاغ وفيه وجه اخر انه مستحق فيه كسائر الكلمات المأمور بها ومنهم من يحكيه قولا الرابعة
168

التثويب في أذان الصبح ورد الخبر به وهو أن يقول بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين
ثم يأتي بباقي الاذان وسمي تثويبا من قولهم ثاب إلى الشئ أي عاد والمؤذن يعود به إلى الدعاء إلى الصلاة بعد
ما دعا إليها بالحيعلتين وفيه طريقان أحدهما وهو المذكور في الكتاب ان فيه قولين القديم انه
يثوب والجديد انه لا يتوب والثاني القطع بأنه يثوب وبه قال مالك وأحمد لما روى عن بلال رضى
169

الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تثوبن في شئ من الصلاة الا في صلاة
الفجر) (1) وبهذه الطريقة قال أبو علي الطبري والشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج وحكاها الصيدلاني
واعتمدها قال هؤلاء وإنما كرهه في الجديد معللا بأن أبا محذورة لم يحكه وقد ثبت عن أبي محذورة
170

أنه قال (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان وقال وإذا كنت في اذان الصبح فقلت
حي على الفلاح فقل الصلاة خير من النوم مرتين) (2) فيحتمل انه لم يبلغه عن أبي محذورة وبنى
التثويب في القديم على رواية غيره ويحتمل انه يلغه في القديم ونسيه في الجديد وعلى كل حال فاعتماده
في الجديد على خبر أبي محذورة وروايته فكأنه قال مذهبي ما ثبت في حديثه ومن أثبت القولين
171

قال المسألة مما يفتى فيها على القديم * وأما أبو حنيفة فقد روى عنه مثل مذهبنا وروى أنه يمكث بعد
الاذان بقدر عشرين آية ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين وقال إنه التثويب ثم المشهور
في التثويب القطع بأنه ليس بركن في الاذان وقال امام الحرمين فيه احتمال عندي من جهة انه يضاهي
كلمات الاذان في شرع رفع الصوت به فكان أولي بالخلاف من الترجيع وقوله وكذا التثويب
172

في اذان الصبح مطلق يشمل الاذان الأول والثاني للصبح لكن ذكر في التهذيب انه إذا أذن مرتين
وثوب في الأول لا يثوب في الثاني على أصح الوجهين (الخامسة) ينبغي أن يؤذن ويقيم قائما لان
الملك الذي رآه عبد الله بن زيد في المنام أذن قائما وكذلك كان يفعل بلال وغيره من مؤذني
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أبلغ في الاعلام فلو ترك القيام مع القدرة ففيه وجهان
أصحهما ان الأذان والإقامة صحيحان لحصول أصل الابلاغ والاعلام ولأنه يجوز ترك القيام في صلاة
النفل ففي الاذان أولي الا انه يكره ذلك الا إذا كان مسافرا فلا بأس بأن يؤذن راكبا قاعدا
والثاني انه لا يعتد بأذانه وإقامته كما لو ترك القيام في الخطبة وهذا لان شرائط الشعار تتلقى من استمرار
173

الخلق واتفاقهم وهذا مما استمروا عليه وينبغي أن يستقبل فيهما القبلة بمثل ما قدمناه ولو تركه وأذن
174

مستديرا ففيه الخلاف المذكور في ترك القيام ويستحب الالتفات في الحيلعتين يمينا وشمالا وذلك
175

بأن يلوي رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة أو يزيل قدميه عن مكانهما لما روى عن أبي جحيفة
176

قال (رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدبر)
وكيفيته أن يلتفت يمينا فيقول حي على الصلاة مرتين ثم يلتفت شمالا فيقول حي على الفلاح مرتين وهذا
هو الأصح وعليه العمل وبه قال أبو حنيفة وعن القفال انه يقسم كل حيعلة على الجهتين فيقول
حي على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن يساره وكذلك قوله حي على الفلاح ولفظ الكتاب يصلح لهذا
الوجه بأن يكون المعنى انه يلتفت في كل حيعلة يمينا وشمالا ولكنه لم يرد ذلك وإنما أراد الهيأة
المشهورة والمعنى يستحب أن يلتفت في الحيعلتين يمينا في الأولى وشمالا في الثانية ثم حكى صاحب
البيان على الوجه الأول وجهين فيما يفعل إلى تمام كل واحدة من الحيعلتين (أحدهما) انه يلتفت يمينا
177

ويقول حي على الصلاة مرتين ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلتفت شمالا ويقول حي على الفلاح مرتين
وهذا ما عليه العمل والثاني يلتفت يمينا ويقول حي على الصلاة مرة ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلتفت
يمينا ويقول حي على الصلاة مرة أخرى وكذلك يفعل بالجهة الثانية وإنما اختصت الحيعلتان بالالتفات
دون سائر الاذان لان سائر الاذان ذكر الله تعالى وهنا خطاب الادمي فلا يعدل عن القبلة فيما
178

ليس بخطاب الادمي وهذا كالسلام في الصلاة ويلتفت فيه ولا يلتفت في سائر الأذكار وإنما
لم يستحب في الخطبة أن يلتفت يمينا وشمالا لان ألفاظها تختلف والغرض منها الوعظ والافهام
فلا يخص بعض الناس بشئ منها كيلا يختل الفهم بذهاب بعض الكلام عن السماع وههنا الغرض
الاعلام بالصوت وذلك يحصل بكل حال وفي الالتفات اسماع النواحي وهل يستحب الالتفات
179

في الإقامة فيه وجهان أشهرهما نعم كما في الاذان والثاني لا لان المقصود منها اعلام الحاضرين
فلا حاجة إلى الالتفات الا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه وليكن قوله ولا يحول صدره عن القبلة
معلما بالحاء والألف لان عند أبي حنيفة وأحمد ان أذن على المنارة دار عليها وان أذن على وجه
الأرض اقتصر على الالتفات
قال (ورفع الصوت في الاذان ركن) *
180

ينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالاذان وأن يبالغ فيه ما لم يجهده وروى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (يغفر للمؤذن مدى صوته) (1) ثم الاذان ينقسم إلى ما يأتي به الانسان لنفسه وإلى ما يأتي به
للجماعة أما الأول فيكفي فيه أن يسمع نفسه على المشهور لان الغرض منه الذكر دون الاعلام وقال
الامام الاقتصار على اسماع النفس يمنع كون المأتي به أذانا وإقامة فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده
لو حضر ثم نفر بخلاف الذي قدمناه في أن المنفرد إذا أذن هل يرفع صوته مفروض على المشهور
في أنه هل يستحب الرفع وعلى ما ذكره الامام في أنه هل يعتد به دون الرفع وأما الاذان للجماعة
فقد نقل عن نصه انه لو جهر بشئ من الاذان وخافت بشئ لم يكن عليه إعادة ما خافت به
كما لو أسر بالقراءة في موضع الجهر وللأصحاب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه لا باس بالاسرار جريا
181

على ظاهر النص (وثانيها) انه لا يجوز الاسرار بالكل ولو أسر بكلمة أو بكلمتين فلا بأس والنص
محمول على هذه الحالة (وأصحها) وبه قال صاحب الافصاح أنه لا يجوز الاسرار بشئ منه لان ذلك
مما يبطل مقصود الاذان وهو الابلاغ والاعلام والنص محمول على أذان المنفرد وقد عرفت بما ذكرنا
ان لفظ الكتاب محمول على أذان الجماعة ثم هو معلم بالواو للوجهين الآخرين وأما الإقامة فلا يكفي
فيها الاقتصار على اسماع النفس كما في الاذان على الأصح ولكن الرفع فيها دون الرفع في الاذان
لأنها للحاضرين *
قال (والترتيب في كلمات الاذان شرط ولو عكسها لا يعتد بها وان طول السكوت في أثنائها
فقولان ولو بنى عليه غيره فقولان مرتبان وأولى بالبطلان ولو ارتد في أثناء الاذان بطل وان قصر
الزمان على أحد القولين لان الردة تحبط العبادة) *
182

لعلك تقول لم عد رفع الصوت ركنا والترتيب شرطا فاعلم أن ليس في هذا كثير شئ
وكلاهما مما لابد منه ولو عد الترتيب ركنا في الاذان كما فعل في الوضوء لم يبعد لكن يمكن ان
يقال ركن الشئ ما يفوت بفواته المقصود من ذلك الشئ والشرط زينة الشئ وتتمته
وإذا كان كذلك فرفع الصوت مما يفوت بفواته المقصود من الاذان وهو الاعلام والترتيب زينة
وهيئة للكلمات ولهذا فرقنا بين الترتيب وسائر الأركان في الوضوء فجعلنا النسيان عذرا فيه دون
غيره على قول على أن الظن أنه ما قصد تحقيق فرق بينهما وفى سياق كلامه في الوسيط ما يفهم ذلك
وغرض الفصل انه يعتبر في الاذان شيئان أحدهما الترتيب بين كلماته لان النبي صلى الله عليه وسلم
(علمه مرتبا) فيتبع ولأنه لو لم يكن لها ترتيب خاص لا ورث ذلك اختلال الاعلام والابلاغ
183

فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة ويبنى على القدر المنتظم ولو ترك بعض الكلمات من
خلاله اتى به وأعاد ما بعده الثاني الموالاة لان غرض الاعلام يبطل إذا تخلل الفصل الطويل ويظن
السامعون انه لعب أو تعليم ويتعلق بهذا الشرط مسائل (إحداها) لو سكت في أثناء الاذان يسيرا
لم يضر لان مثله يقع للنفس والاستراحة ولا ينقطع به الولاء وان طول السكوت فقد حكي في
الكتاب فيه قولين وبناهما امام على القولين في الطهارة وهذا أولي باعتبار الموالاة فيه كيلا يلتبس
الامر على السامعين ولا يبطل غرض الاعلام فان اعتبرها الموالاة بطل الماتي به بالسكوت الطويل
ووجب الاستئناف والا فله البناء على المأتى به وبنى بعض الأصحاب القولين على القولين في جواز
184

البناء على الصلاة إذا سبقه الحدث (الثانية) لكلام في خلال الاذان بمطلقه لا يبطله لأنه ليس
بآكد من الخطبة وهي لا تبطل به ولكن ينظر إن كان يسيرا لم يضر كما في الخطبة وكما في السكوت
اليسير هذا هو المشهور وعن الشيخ أبي محمد تردد في تنزيل الكلام اليسير إذا رفع الصوت
به منزلة السكوت الطويل لان الكلام أشد جرا للبس من السكوت وان تكلم بكلام كثير
ففيه قولان مرتبان على السكوت الطويل وهو أولى بابطال الولاء لما ذكرنا وإذا خرج عن
أهلية الاذان بغير الردة كما إذا أغمي عليه أو نام في خلال الاذان فهو على هذا التفصيل إن كان
يسيرا أو زال على قرب لم يضر وجاز البناء عليه وان طال ففيه القولان وان خرج عن أهلية
الاذان بالردة فسيأتي واعلم أن صاحب الافصاح والعراقيين قالوا يجوز البناء في هذه الصور وان
طال الفصل وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه لكن الأشبه وجوب الاستئناف عند تخلل
الفصل الطويل لأنهم اتفقوا على اشتراط الترتيب في الاذان وما يقتضى اشتراط الترتيب فيه هو
بعينه يقتضي اشتراط الموالاة وهذا هو الذي أورده الصيدلاني والشيخ أبو علي وتابعهما صاحب
التهذيب وغيره وحملوا كلام الشافعي رضي الله عنه على الفصل اليسير ثم في الاغماء والنوم يستحب
الاستئناف وان لم يجب أما لقصر الزمان أو على قولنا انه لا يضر وان طال الزمان وكذلك يستحب
185

الاستئناف في الكلام والسكوت الكثيرين وان قلنا إنهما لا يبطلان ولا يستحب الاستئناف
إذا كانا يسيرين (الثالثة) المستحب ان لا يتكلم في اذانه بشئ فلو عطس حمد الله تعالى في نفسه
وبنى ولو سلم عليه انسان أو عطس لم يجب ولم يشمت حتى يفرغ ولو أجاب أو شمت أو تكلم بما
فيه مصلحة لم يكره وان ترك المستحب وان رأى أعمى يكاد يقع في بئر فلابد من إنذاره (الرابعة)
إذا لم يحكم ببطلان الاذان بالفصل المتخلل فله ان يبني على اذانه وهل لغيره البناء عليه فيه قولان
بناهما بعضهم على جواز الاستخلاف في الصلاة وقال إن جوزنا صلاة واحدة بامامين ففي الاذان
أولى وان لم نجوز ففي الاذان قولان والفرق ان الاذان لا يتأثر بالكلام اليسير والاغماء بخلاف
الصلاة ومنهم من بناهما على جواز البناء على خطبة الخطيب إذا أغمي عليه في أثنائها وهما قريبان
لان الخلاف في الخطبة أيضا مبنى على قولي الاستخلاف في الصلاة ولذلك إذا جوزنا البناء شرطنا
أن يكون الذي يبنى ممن سمع الخطبة من أولها ومنهم من رتب بناء غيره علي بنائه على اذان
نفسه عند طول الفصل وهو أولي بالبطلان لان صدور الاذان من رجلين أبلغ في إثارة اللبس وهذا
الترتيب هو المذكور في الكتاب وظاهر المذهب المنع من بناء الغير عليه (الخامسة) لو ارتد بعد
186

الفراغ من اذانه ثم أسلم وأقام جاز لكن المستحب ان لا يصلي باذانه وإقامته بل يعيد غيره الاذان
ويقيم لان ردته تورث شبهة في حاله ولو ارتد في خلال الاذان لم يجز البناء عليه في الردة بحال لان
اذان الكافر لا يعتد به كما سيأتي ولو عاد إلى الاسلام فهل يجوز البناء عليه منهم من يحكى فيه
قولين وكذلك فعل المصنف ومنهم من رواهما وجهين وهم الأكثرون وإنما كان كذلك لأنهما
ليسا بمنصوصين لكن روى عن نصه في الاذان انه لا يبنى وفي المعتكف إذا ارتد ثم أسلم انه
يبني فخرجوهما على قولين أحدهما وبه قال أبو حنيفة انه لا يجوز البناء لأنه عبادة واحدة فتحبط
بعروض الردة فيها كالصلاة وغيرها وأصحهما الجواز والردة إنما تمنع العبادة في الحال فلا تبطل ما
مضى الا إذا اقترن بها الموت وتخرج عليه الصلاة ونحوها من العبادات لأنها لا تقبل الفصل بحال
187

وقطع بعضهم بهذا الوجه الثاني وحمل كلام الشافعي رضي الله عنه على ما إذا أطال زمان الردة
فالحاصل في الردة طريقان أحدهما طرد الخلاف في مطلق الارتداد طال زمانه أم قصر وعلى هذا
فللبطلان عند طول الزمان مأخذان طول الفصل وكون الردة مبطلة للعبادة والطريقة الثانية
تخصيص الخلاف بما إذا طال الزمان الارتداد وتجويز البناء إذا قصر جزما وعلى هذا فالردة بمثابة
الاغماء والكلام وغيرهما وهل لغير المرتد البناء على اذانه فيه خلاف الذي سبق وكذا لو مات
في خلال الاذان وقوله ولو ارتد في أثناء الاذان بي ل وان قصر الزمان على أحد القولين جرى
على الطريقة الأولى واثبات للخلاف في طول الزمان وقصره تعليلا بان الردة مبطلة للعباد *
قال (الفصل الثالث في صفة المؤذن ويشترط أن يكون مسلما عاقلا ذكرا فلا يصح اذان
كافر وامرأة ومجنون وسكران مختبط ويصح أذان الصبي المميز) *
الصفات المعتبرة في المؤذن تنقسم إلى مستحقة ومستحبة فبدأ بالمستحقة وهي الاسلام والعقل
والذكورة أما الاسلام فلا يصح أذان الكافر لأنه ليس من أهل العبادة ولأنه لا يعتقد مضمون
الكلمات ولا الصلاة التي هي دعاء إليها فاتيانه به ضرب من الاستهزاء ثم الكفار ضربان أحدهما
188

الذين يستمر كفرهم مع الاتيان بالاذان وهم العيسوية فرقة من اليهود ويقولون محمد رسول الله
إلى العرب خاصة فلا ينافي لفظ الاذان مقالتهم والثاني سائر الكفار وفى الحكم باسلامهم
بكلمتي الشهادة في الاذان وجهان نقلهما صاحب البيان أحدهما لا نحكم لأنه يأتي به على سبيل
الحكاية وأصحهما وهو المشهور في الكتب انه يحكم بالاسلام كما لو تكلم بالشهادتين باستدعاء
غيره فعلى هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الاتيان بالاذان ولكنه لا يعتد باذانهم لوقوع أوله في
الكفر وأما العقل فهو شرط فلا يصح أذان المجنون لأنه ليس أهلا للعبادة وفي أذان الكسران
وجهان مبنيان على الخلاف في تصرفاته واعتبار قصده وأصحهما وهو المذكور في الكتاب انه يلحق
بالمجنون تغليظا للامر عليه وإنما شرط كونه مخبطا إشارة إلى أن الذي هو في أول النشوة ومبادي
النشاط يصح أذانه كسائر تصرفاته لانتظام قصده وفعله وأما الذكورة فلا يصح من المرأة أن
تؤذن للرجال كما لا يجوز ان تؤمهم وكذلك لا يعتد باذان الخنثى المشكل للرجال وأما أذان المرأة
لنفسها ولجماعة النساء فقد سبق حكمه وقوله ولا يصح أذان كافر وامرأة المراد منه ما إذا أذنت
للرجال وإن كان الكلام مطلقا ويصح الاذان من الصبي المميز لوجود الشرائط الثلاث وصار كإمامته
للبالغين وليكن قوله ذكرا وقوله وامرأة مرقوما بالحاء لان المحكى عن أبي حنيفة أنه يعتد بأذانها
للرجال وبالواو لان صاحب التتمة روى وجها مثل ذلك وليكن قوله ويصح اذان الصبي
المميز معلما بالواو أيضا لان صاحب التتمة روى وجهان انه لا يعتد بأذانه ومأخذ الوجهين
الغريبين تنزيل الاذان منزلة الاخبار لأنه بناء عن دخول الوقت وخبر المرأة مقبول وخبر
الصبي غير مقبول *
قال (ويستحب الطهارة في الاذان ويصح بدونها والكراهية في الجنب أشد وفي الإقامة أشد)
189

يستحب الطهارة في الاذان ولا تجب خلافا لأحمد وبعض أصحابه لنا ما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (حق وسنة ان لا يؤذن الرجل الا وهو طاهر) وهذا يقتضى الاستحباب
190

وينفى الوجوب وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤذن الا متوضئ) وأيضا فإنه يدعو
إلى الصلاة فينبغي أن يكون هو بصفة تمكنه ان يصلى والا فهو واعظ غير متعظ فلو اذن وأقام
جنبا أو محدثا فقد فعل مكروها ولكن يحسب أذانه لحصول مقصوده وكونه اهلا واذان الجنب
أشد كراهة من اذن المحدث لان الجنابة أغلظ وما يحتاج إليه الجنب لتمكنه الصلاة فوق ما يحتاج إليه
المحدث والإقامة مع أي واحد من الحدثين اتفقت أشد كراهة من الاذان مع ذلك الحدث لان
الإقامة يتعقبها الصلاة وتكون بعد حضور القوم فان انتظروه ليتظهر ويعود شق عليهم
والا ساءت الظنون فيه واتهم بالكسل في الصلاة *
قال (وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت ليكون أرق لسامعيه وليكن عدلا ثقة لتقلده
عهدة المواقيت) *
191

مما يستحب في المؤذن أن يكون صيتا لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد
(القه على بلال فإنه أندى منك صوتا) (1) والمعنى فيه زيادة الابلاغ والاسماع ولهذا يستحب أن يضع إصبعيه
في صماخي اذنيه لتنسد خروق الاذنين فيكون اجمع للصوت وان يؤذن على موضع عال من منارة
وسطح ونحوهما ومما يستحب فيه أن يكون حسن الصوت لان النبي صلى الله عليه وسلم
اختار أبا محذورة لحسن صوته ولان الدعاء إلى العبادة جذب للنفوس إلى خلاف ما تقتضيه طباعها
فإذا كان الداعي حلو المقال رقت قلوب السامعين فيكون ميلهم إلى الإجابة أكثر ومما يستحب
فيه أن يكون عدلا لمعنيين أحدهما ان السنة أن يؤذن على موضع عال وحينئذ يشرف على العورات
فإذا كان عدلا غض البصر وأمن منه والثاني انه يتقلد عهدة المواقيت فإذا كان فاسقا لم يؤمن
أن يؤذن قبل الوقت وهذا المعنى هو الذي ذكره في الكتاب فان قلت قد قدمتم فيما سبق
خلافا في أنه هل يجوز الاعتماد على أذان المؤذن أم لا فان جاز فربما يؤذن قبل الوقت فيفطر الصائم
ويصلي المبادر فيلزم المحذور أما إذا لم يجز فكل يعمل بعلمه واجتهاده فلا يستمر هذا المعنى قلنا
192

الاذان قبل الوقت غير محسوب ولا يؤمن أن يقدمه على الوقت فيكون القوم مصلين بغير أذان وكل
أحد وان اجتهد للصلاة لا يجتهد للاذان فظهر المحذور على التقدير الثاني أيضا وأما قوله عدلا ثقة
فلعلك تقول لم جمع بين اللفظين فاعلم أنهما جميعا موجودان في كلام الشافعي رضي الله عنه واختلف
الأصحاب منهم من قال إنه تأكيد في الكلام ومنهم من قال أراد عدلا في دينه ثقة في العلم بالمواقيت
ومنهم من قال أراد عدلا إن كان حرا ثقة إن كان عبدا لان العبد لا يوصف بالعدالة لكن
يوصف بالثقة والأمانة *
قال (والإمامة أفضل من التأذين على الأصح لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها)
كل واحد من الاذان والإمامة عمل فيه فضيلة ثم لا يخلو اما أن تكون الإمامة أفضل من
الاذان أو بالعكس أو لا يكون واحد منهما أفضل من الاخر ورابع هذه الأقسام محال
وأما القسم الثالث وهو التسوية بينهما فهو وجه غريب لبعض الأصحاب حكاه صاحب البيان وغيره
وأما القسمان الأولان ففيهما وجهان مشهوران أحدهما أن الإمامة أفضل لان الرسول صلى الله عليه
وسلم واظب عليها دون الاذان وكذا الخلفاء بعده والثاني أن الاذان أفضل لقوله صلى الله عليه
وسلم (الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين) (1) والأمين
أحسن حالا من الضمين والدعاء بالمغفرة خير من الدعاء بالارشاد واعتذر الصائرون إلى هذا
الوجه عن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاذان بوجوه (أحدها) انه إذا قال حي على الصلاة
193

لزم أن يتحتم حضور الجماعة لأنه أمر ودعاء وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة فتركه
شفقة على أمته (والثاني) انه لو أذن لكان اما أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله وليس ذلك بجزل
والقائل محمد الرسول صلى الله عليه وسلم واما أن يقول أشهد أني رسول الله وهو تغيير
لنظم الاذان (والثالث) انه ما كان يفرغ للمحافظة على الاذان لاشتغاله بسائر مهمات الدين من الجهاد
وغيره والصلاة لابد من اقامتها بكل حال فآثر الإمامة فيها والي هذا الوجه أشار عمر رضي
عنه بقوله (لولا الخليفي لاذنت) ولمن نصر الوجه الأول أن يقول لا أسلم أنه لو اذن لتحتم الحضور
وإنما يلزم ذلك أن لو كان الامر والدعاء في هذا الموضع للايجاب ومعلوم ان الأوامر منقسمة إلى
ما يكون للايجاب والى ما يكون للاستحباب وأما الثاني فلم قلتم انه لو قال اشهد ان محمدا رسول الله
لاختلت الجزالة ألا ترى ان الله تعالى يقول (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب) ولم يقل
194

وخشيني بالغيب ونظائر ذلك لا تحصى ثم ما قولكم في كلمة الشهادة في التشهد أكان يقول اشهد ان
محمدا رسول الله أو يقول أشهد أني رسول الله فإن كان الأول فلا اختلال وإن كان الثاني وهو المنقول
فلم احتمل تغيير النظم منه ثم ولا يحتمل ههنا وأما الثالث فلا نسلم أن الاشتغال بسائر المهمات يمنع من الاذان
مع حضور الجماعة وإقامة الصلوات في أول الوقت وبتقدير التسليم فلا شك انه كان له أوقات فراغ
فينبغي ان يؤذن في تلك الأوقات وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي اختاره كثيرون من أصحابنا
منهم الشيخ أبو حامد واتباعه أن الاذان أفضل وغلطوا من صار إلى تفضيل الإمامة وبالغوا فيه
وتابعهم صاحب التهذيب وعكس المصنف ذلك فجعل تفضيل الإمامة أصح والذي فعله أولى وبه
قال صاحب التقريب والقفال والشيخ أبو محمد وغيرهم ورجحه القاضي الروياني أيضا وحكاه عن
نص الشافعي رضي الله عنه في كتاب الإمامة وعلل بان الإمامة أشق فيكون الفضل فيها أكثر
وتوسط بعض علمائنا بين المذهبين منهم أبو علي الطبري والقاضي بن كج والمسعودي والقاضي الحسين
فقالوا ان علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وما ينوب فيها واستجمع خصالها فالامامة أفضل له
وإلا فالاذان أفضل وأما الجمع بين الاذان والإمامة فلا يستحب لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم
195

ولا أمر به ولا السلف الصالح بعده وأغرب القاضي ابن كج فقال الأفضل لمن يصلح لهما أن يجمع بينهما
ولعله أراد الاذان لقوم والإمامة لآخرين والله أعلم *
قال (وللامام أن يستأجر المؤذن من بيت المال وهل لآحاد الناس ذلك فيه خلاف) *
المؤذن يستحب له التطوع بالاذان لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من أذن سبع
سنين محتسبا كتبت له براءة من النار) (1) فإن لم يتطوع وطمع في شئ ففيما يصرف إليه طريقان
أحدهما إدرار رزق عليه والثاني أن يعطي أجرة في إجارة والمذكور في الكتاب هو الثاني فأما
الطريق الأول فللامام أن يرزق المؤذن من مال المصالح وهو خمس خمس الفئ والغنيمة المضاف
196

إلى الله تعالى ورسوله ولا يرزقه من أربعة أخماس خمسها لأنها لأقوام مخصوصين كالزكاة وكذا لا يرزقه
من أربعة أخماس الغنيمة لأنها للغانمين وفي أربعة أخماس الفئ قولان يأتي ذكرهما في موضعهما إن شاء الله
تعالى ان جعلناها للمصالح جاز أن يرزقه منها والا فلا: ثم إنما يرزق عند الحاجة وعلى قدر
الحاجة فلو وجد فاسقا يتطوع بالاذان فله أن يرزق أمينا لا يتطوع وفيه وجه بعيد ولو وجد أمينا يتطوع وثم آخر
حسن صوتا منه فهل يجوز أن يرزقه فيه وجهان أحدهما وينسب إلى ابن سريج نعم والثاني ويحكي عن القفال
لا وإذا كان في البلد مساجد فإن لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين تحصل بهم
الكفاية ويتأدى الشعار وان أمكن فوجهان أحدهما يجمع ويقتصر على رزق واحد نظرا لبيت
المال والثاني يرزق الكل حتى لا تتعطل المساجد ولو لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالأهم وهو رزق
197

مؤذن الجامع واذان صلاة الجمعة أهم من غيره وكما يجوز الرق من بيت المال يجوز للامام ان
يرزق من مال نفسه وكذلك للواحد من الرعايا وحينئذ لا حجر يرزق كم شاء ومتي شاء واما الطريق
الثاني وهو ان يستأجر على الاذان ويعطي اجرة عليه فهل يجوز ذلك فيه وجهان أحدهما وبه قال
أبو حنيفة واحمد انه لا يجوز لأنه عمل يعود نفعه إلى الأجير فلا يصح الاستئجار عليه كالاستئجار
على القضاء لا يجوز وان جاز ان يرزق القاضي من بيت المال وهذا اختيار الشيخ أبى حامد ويقال
ابن ابن المنذر نقله عن الشافعي رضي الله عنه وأصحهما انه يجوز وبه قال مالك لأنه عمل معلوم
يجوز اخذ الرزق عليه فيجوز اخذ الأجرة عليه ككتبة المصاحف وعلى هذا فهل يختص الجواز
بالامام أم يجوز لكل واحد فيه وجهان أحدهما انه يختص بالامام أو من اذن له الامام لأنه من
الشعائر والمصالح العامة والامام هو القوام بها فيصرف مال بيت المال إلى هذه الجهة وأظهرهما أنه يجوز
لآحاد الناس من أهل المحلة وغيرهم الاستئجار عليه ما مالهم كالاستئجار على الحج وتعليم القرآن
ويحصل من هذا الترتيب ثلاثة أوجه المنع المطلق والجواز المطلق والفرق بين الامام وغيره وقد
ذكرها المصنف جميعا في باب الإجارة من الكتاب وان لم يذكر في الامام خلافا في هذا الموضع
فلو أعلمت قوله وللامام أن يستأجر بالواو مع الحاء والألف لكان صحيحا والمذكور في الإجارة
يشتمل على القدر المذكور ههنا مع زيادة فلو طرحه لما ضر وإذا فرعنا على جواز الاستئجار فإنما
نجوز للامام الاستئجار من بيت المال حيث يجوز له الرزق منه خلافا ووفاقا وذكر في التهذيب
أنه لا يحتاج إلى بيان المدة إذا استأجر من بيت المال بل يكفي أن يقول استأجرتك لتؤذن
198

في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا وان استأجر من مال نفسه أو استأجر واحد
من عرض الناس ففي اشتراط بيان المدة وجهان قال والإقامة تدخل في الاستئجار للاذان فلا يجوز
الاستئجار على الإقامة إذ لا كلفة فيها وفى الاذان كلفة لمراعاة الوقت وليست هذه الصورة بصافية
عن الاشكال *
قال (فرع) إذا كثر المؤذنون فلا يستحب ان يتراسلوا بل إن اتسع الوقت ترتبوا ثم من
اذن أولا فهو يقيم فان تساووا أقرع بينهم ووقت الإقامة منوط بنظر الامام ووقت الاذان
بنظر المؤذن) *
الفرع يشتمل على قاعدتين أحدهما يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله
صلى الله عليه وسلم بلال وابن أم مكتوم (1) ومن الفوائد فيه أن يؤذن أحدهما لصلاة الصبح قبل الفجر والاخر
بعده كما تقدم وتجوز الزيادة لكن الاحب ان لا يزاد على أربعة فقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة
199

من المؤذنين ولم يزد الخلفاء الراشدون على هذا العدد وإذا ترشح للاذان اثنان فصاعدا فلا يستحب
ان يتراسلوا بالاذان إذ لم يفعله مؤذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ينظر ان وسع
الوقت ترتبوا فان تنازعوا في البداية أقرع بينهم وان ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرا أذنوا
متفرقين في افطار المسجد فإنه أبلغ في الاسماع وإن كان صغيرا وقفوا معا واذنوا وهذا إذا لم يؤد
اختلاف الأصوات إلى تشويش فان أدى لم يؤذن الا واحد فان تنازعوا أقرع بينهم روى أنه صلى
الله عليه وسلم قال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه لاستهموا
عليه) (1) وإذا انتهى الامر إلى الإقامة فان أذنوا على الترتيب فالأول أولى بالإقامة لما روى عن زياد
الصدائي قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال
200

أن يقيم فقال صلى الله عليه وسلم (أن أخا صدا قد أذن ومن أذن فهو يقيم) (1) وهذا إذا لم
يكن مؤذن راتب أو كان السابق هو المؤذن الراتب فاما إذا سبق غير المؤذن الراتب فأذن فهل
يستحق ولاية الإقامة فيه وجهان أحدهما نعم لاطلاق الخبر وأظهرهما لا لأنه مسئ بالتقدم وفي
القصة المروية كان بلال غائبا وزياد أذن باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قلنا ولاية
201

الإقامة لمن أذن أولا فليس ذلك على سبيل الاستحقاق بل لو اذن واحد وأقام غيره اعتد به روى أن عبد الله
ابن زياد (لما القى الاذان على بلال فأذن قال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده يا رسول الله قال
فأقم أنت) (1) وحكى صاحب التتمة وغيره وجها انه لا يعتد به تخريجا من قول الشافعي رضي عنه انه لا يجوز
ان يخطب واحد ويصلي آخر فهذا إذا أذنوا على الترتيب أما إذا أذنوا معا فان اتفقوا على إقامة واحد فذاك
والا أقرع بينهم ولا يقيم في المسجد الواحد الا واحد فإنها لا سننها ض الحاضرين الا إذا لم تحصل الكفاية
بواحد وقيل لا بأس بأن يقيم ومعا أيضا أن لم يؤد إلى التشويش: ونعود إلى لفظ لكتاب قوله فلا يستحب
ان يتراسلوا بل إن وسع الوقت ترتبوا نفى لاستحباب التراسل مطلقا وبيان لما يستحب على أحد
التقديرين وهو سعة الوقت وكان اللائق أن يبين معه حكم التقدير الثاني فالتعرض لأحدهما والسكوت
عن الثاني ترك غير مستحسن لا إيجاز فان قلت تقييد الترتيب بما إذا وسع الوقت يفيد أن الحكم
بخلافه فيما إذا لم يسع الوقت قلنا نعم لكن لا يفيد الا انهم لا يترتبون ولا يعرف من ذلك أنهم
202

يؤذنون جميعا لان ههنا قسما آخر وهو انه لا يؤذن الا أحدهم وبتقدير انه يفيد انهم يؤذنون جميعا
اما وحده أو بقرينة قوله بعد ذلك فان استووا أقرع بينهم لكنه لا يفيد انهم يؤذنون مجتمعين
أو متفرقين في نواحي المسجد فإذا القدر المذكور لا يفيد معرفة الحكم المطلوب وأما الإقامة فقد
بين حكمها على التقديرين وأما إذا أذنوا مرتبا فحيث قال ثم من أذن أولا فهو يقيم وأما إذا أذنوا
203

معا فحيث قال فان استووا أقرع بينهم والمعنى فان استووا في الاذان وتنازعوا في الإقامة والا فلو سلموها لواحد فلا حاجة إلى القرعة وقوله من أذن أولا فهو يقيم وإن كان مطلقا لكنه محمول على
ما إذا لم يكن السابق مسيئا بمبادرة المؤذن الراتب كما قدمناه ثم الحكم بأنه يقيم استحقاق أو استحباب
قد ذكرناه (الثانية) وقت الاذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه إلى مراجعة الامام ووقت الإقامة
منوط به نظر الامام فإنما يقيم المؤذن عند إشارته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (المؤذن
أملك بالاذان والامام أملك بالإقامة) (1) والمعنى فيه أن الإقامة سببها ان تعقبها الصلاة على الاتصال والصلاة
إلى الامام فينبغي أن يكون عازما على الشروع عند تمامها ولهذا لم يقولوا بترتيب الإقامة عند كثرة
المؤذنين لان ما سوى الإقامة الأخيرة لا يتصل بها الصلاة ونختم الباب بذكر محبوبات مما يتعلق
بالاذان أهملها المصنف (منها) أن يكون المؤذن ممن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض
صاحبته الاذان في آبائهم إذا وجد وكان عدلا صالحا له وان يصلى المؤذن ومن يسمع الاذان على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاذان ويقول اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة
204

القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وان يجب
من يسمع الاذان المؤذن فيقول مثل ما يقول وإن كان السامع جنبا أو محدثا الا في الحيعلتين فإنه
يقول لا حول ولا قوة الا بالله والا في كلمة الإقامة فإنه يقول أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي
أهلها والا في التثويب فإنه يقول صدقت وبررت وفي وجه يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من
النوم فإن كان في قراءة أو ذكر فيستحب أن يقطعهما ويجيب فان ذلك لا يفوت ولو كان في الصلاة
فالمستحب لا يجيب حتى يفرغ منها بل يكره أن يجيب في أظهر القولين لكن لو أجاب
205

بما استحببناه لم تبطل صلاته لأنها أذكار نعم لو قال حي على الصلاة أو تكلم بكلمة التثويب بطلت
صلاته لأنه كلام ولو أجاب في خلال الفاتحة استأنفها فان الإجابة في الصلاة غير محبوبة ويستحب
أن يقول من سمع أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وادبار نهارك فاغفر لي ويستحب الدعاء
بين الأذان والإقامة وأن يتحول المؤذن إلى موضع آخر للإقامة
قال (الباب الثالث في الاستقبال: والنظر فيه في ثلاثة أركان (الأول) لصلاة ويتعين الاستقبال
في فرائضها (و) الا في القتال فلا تؤدى فريضة على الراحلة ولا منذورة أن قلنا يسلك بها مسلك واجب
الشرع ولا صلاة الجنازة (ح) لان الركن الأظهر فيها القيام)
206

قال الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الآية وروى أنه صلى الله عليه وسلم
(دخل البيت ودعى في نواحيه ثم خرج وركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه القبلة) (1) واعلم أن
الاستقبال يفتقر إلى مستقبل ومستقبل وهو المسمي قبلة ولابد من حالة يقع فيها الاستقبال ومعلوم
ان الاستقبال لا يجب في غير حالة الصلاة والحاجة تمس إلى الكلام في الأمور
الثلاثة فلذلك قال والنظر فيه في ثلاثة أركان وهي الصلاة القبلة والمستقبل أولها الصلاة وتنقسم
إلى فرائض ونوافل أما الفرائض فيتعين الاستقبال فيها الا في حالة واحدة وهي حالة شدة الخوف
في القتال فإنه يأتي بها بحسب الامكان قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر
رضي الله عنهما (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) قال نافع لا أراه ذكر ذلك الا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقوله في الكتاب إلا في القتال يعنى به حالة شدة الخوف لا مطلق القتال
ثم الشرط أن يكون القتال مباحا على ما سيأتي في صلاة الخوف إن شاء الله تعالى ويلتحق بهذا
الخوف ما إذا انكسرت السفينة فبقي على لوح منها وخاف الغرق لو ثبت على جهة القبلة وكذلك
سائر وجوه الخوف فليس القتال معنيا لعينه وإنما المعتبر الخوف وأما النوافل فكذلك يجب
الاستقبال فيها الا في حالة الخوف وفى السفر على ما سيأتي فالمستثنى في قسم الفرائض حالة واحدة
وفي قسم النوافل حالتان والشافعي رضي الله عنه عبر عن الفرض بعبارة أخرى من غير تقسيم
الصلوات إلى الفرائض والنوافل فقال لا تجوز الصلاة من غير الاستقبال الا في حالتين إحداهما
النافلة في السفر والثانية شدة الخوف فان قيل الاستثناء لا ينحصر في هاتين الحالتين ألا ترى أن
المريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة ولا يطيق التوجه معذور وكذلك المربوط على الخشبة قلنا الكلام
في القادر على أن يصلي متوجها فاما العاجز فلا يكلف بما ليس في وسعه ولا حاجة إلى استثنائه من
موارد امكان التكليف وإذا عرفت هذه المقدمة فيتفرع عليها انه لا يجوز فعل الفريضة على الراحلة
لاختلال امر الاستقبال وينبغي أن تعرف من قوله فلا يؤدى فريضة على الراحلة شيئين (أحدهما)
انه ليس المراد منه الأداء الذي هو ضد القضاء فان الفريضة كما لا تؤدى على الراحلة لا تقتضي
207

أيضا وإنما المراد منه الفعل (والثاني) انه وإن كان مطلقا لكن الفرض ما إذا لم يلحقه خوف فاما
إذا خاف الانقطاع عن الرفقة لو نزل لأداء الفريضة أو خاف على نفسه أو ماله من وجه آخر فله ان
يصلي على الدابة لكنه يعيد إذا نزل وهل يجوز فعل المنذورة على الراحلة يبنى على أصل سبق
ذكره وهو أن المنذورة من العبادة عند الاطلاق يحمل على أقل واجب ويعطى أحكام الواجبات
أم لا ان قلنا لا جاز ذلك وان قلنا نعم لم يجز وهو الصحيح والمحكى عن نصه في الام ولك أن
تعلم قوله ولا منذورة بالحاء لان أبا الحسن الكرخي حكى في مختصره انه لا يصلي على الراحلة صلاة
نذر أوجبها وهو بالأرض فان أوجب صلاة وهو راكب أجزأه فعلها على الدابة واما صلاة الجنازة
ففي جواز فعلها على الراحلة ثلاثة طرق بيناها في التيمم والظاهر ما ذكره في الكتاب وهو المنع
لان الركن الأظهر فيها القيام وفعلها على الراحلة يمحو صورة القيام وذكر بعضهم للمنع معني آخر
سنذكره من بعد ويجب أن يكون قوله ولا صلاة جنازة مرقوما بالواو لما تقدم *
قال (ولا تصح الفريضة على بعير معقول وفى أرجوحة معلقة بالحبال لأنهما ليسا للقرار بخلاف
السفينة الجارية لان المسافر محتاج إليها وبخلاف الزورق المشدود على الساحل لأنها كالسرير والماء كالأرض)
فعل الفريضة عل الراحلة كما يشتمل على الاخلال بأمر القيام والاستقبال ففيه شئ آخر
وهو إقامة الفريضة على ما لا يصلح للقرار وفى اشتراط اقامتها على ما يصلح للقرار كلام فأراد
المصنف ان يبين ان امتناع فعل الفريضة على الراحلة ليس لاختلال أمر الاستقبال فحسب بل
من شرط الفريضة فعلها على ما هو للقرار وهذا الشرط فائت إذا أقيمت على الراحلة وفقه
الفصل أن استقرار المصلي في نفسه شرط فليس له أن يصلي الفريضة وهو سائر ماش
لان المشئ يشتمل على الحركات والأصل أنه لا يحتمل أصلا فخالفنا في النوافل في السفر لما سيأتي
208

وهل يجوز فعلها على الدابة نظر ان أخل فعلها بالقيام أو الاستقبال فلا يجوز وان أمكنه اتمام أركان
الصلاة بأن كان في هودج أو على سرير موضوع على الدابة فالذي ذكره المصنف أن الفريضة
لا تصح وإن كانت الدابة واقفة معقولة واتبع فيه امام الحرمين حيث قال لا تقام الفريضة على الراحلة
وإن كان المصلى قادرا على المحافظة على الأركان كلها مستقبلا وكان البعير معقولا لأنه مأمور
بأداء الفرائض متمكنا على الأرض أوما في معناها وليست الدابة للاستقرار عليها وكذلك القول في
الأرجوحة المشدودة بالحبال فإنها لا نعد في العرف مكان التمكن وهو مأمور بالتمكن والاستقرار وهذا بخلاف
السفينة حيث تصح الصلاة فيها وإن كانت تجرى وتتحرك بمن فيها كالدواب تتحرك بالراكبين
لان ذلك إنما يجوز لمساس الحاجة إلى ركوب البحر وتعذر العدول في أوقات الصلاة عنه فجعل الماء
على الأرض كالأرض وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة على الأرض وألحق بالسفينة الجارية
209

الزورق المشدود على الساحل تنزيلا له منزلة السرير وللماء منزلة الأرض وتحركه تسفلا وتصعدا
كتحرك السرير ونحوه على وجه الأرض فلا يمنع صحة الفريضة وأما الزورق الجاري فهل للمقيم
في بغداد وغيره إقامة الفريضة فيه مع تمام الأركان والافعال قال امام الحرمين فيه احتمال وتردد
ظاهر فان الافعال تكثر بجريان الزواريق وهو قادر على دخول الشط وإقامة الصلاة قال وان
احتمل رجال سرير أو عليه انسان لم يصح عليه الفرض فإنه محمول الناس فكان كمحمول البهائم
هذا كلامهما ولا يخفى أن من حكم بالمنع والدابة معقولة فلان يحكم به وهي سائرة أولي وأورد أكثر
أصحابنا منهم صاحب المعتمد والحسين الفراء وأبو سعيد المتولي والقاضي الروياني وغيرهم أنه
يجوز فعل الفريضة على الدابة مع اتمام الافعال والأركان بأن كان في هودج أو على سرير ونحوهما
إذا كانت الدابة واقفة ولم يذكروا خلافا فيه وإن كانت سائرة ففيه وجهان (أحدهما) الجواز كما لو
صلي في سفينة جارية ومنهم من قاسه على ما لو صلي على سرير يحمله جماعة كأنهم اتخذوا هذه
الصورة متفقا عليها (وأصحهما) وهو المحكى عن نصه في الاملاء أنه لا يجوز لان سير الدابة
منسوب إليه ولهذا يجوز الطواف عليها وسير السفينة بخلافه فإنها بمثابة الدار في البر وأيضا
فان البهيمة لها اختيار في السير فلا يكاد يثبت على حالة واحدة والسفينة كما يسير تسير إذ لا اختيار
لها وإذا وقفت على ما حكيته تبين لك انه يجب أن يكون قوله ولا تصح الفريضة على بعير معلما
بالواو بل الظاهر الجواز إذا كانت الدابة واقفة على خلاف ما في الكتاب نقلا عن المذهب في معنى أما
النقل فقد بيناه وأما المعني فلان المصنف وامام الحرمين لم يريدا في التوجيه على أن المصلى في
الفريضة مأمور بالاستقرار على الأرض أو غيرها مما يصلح للقرار وهذا لا يسلمه أصحاب الطريقة الأخرى
إنما المسلم عندهم انه مأمور بالاستقرار في نفسه ثم هو مشكل بالزورق المشدود على الشط فإنه لا تتعلق
به الحاجة المفروضة في السفينة والزورق الجاريين وهو قادر على الخروج إلى الساحل والاستقرار على
الأرض فلم كان الزرق المشدود كالسرير على الأرض ولم تكن الدابة المعقولة كعدل أو متاع ساقط
على الأرض فان حاولت دفع الخلاف وقلت الفارقون بين أن تكون الدابة واقفة أو سائرة صوروا
المسألة فيما إذا كان في هودج أو سرير على الدابة وليس في الكتاب تعرض لذلك فلعل مسألة
الكتاب فيما إذا وقف على ظهر الدابة من غير سرير ونحوه وحينئذ لا يتنافى الكلامان لتغاير
الصورتين نعم يجب طلب الفرق والجواب ان هذا فاسد من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الدابة الواقفة
210

إذا لم تصلح للقرار فالمحمول عليها من السرير ونحوه أولى أن لا يصلح للقرار فمحال أن يمنع من
الوقوف عليها ولا يمنع من الوقوف على ما عليها (والثاني) ان الفارقين بأسرهم ما صوروا المسألة في
الهودج والسرير بل منهم من تعرض لذلك ايضاحا لان اتمام الأركان والافعال حينئذ يتيسر
ومنهم من فصل بين وقوف الدابة وسيرها من غير تعرض للسرير هذا الشيخ إبراهيم المروروذي
ذكر فيما علق عنه ان أمكنه القيام والاستقبال في جميع الفريضة على الدابة نظر إن كانت واقفة
جاز وإن كانت تسير فوجهان ولم يشترط أن يكون عليها سرير ونحوه (والثالث) انا حكينا عن
امام الحرمين انه الحق ما إذا احتمل السرير رجال فصلي عليه بما إذا صلى على ظهر الدابة وذلك
يوضح انه لا فرق بين أن يكون على الدابة سرير أم لا والله أعلم *
قال (أما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل راكبا وماشيا وفى السفر القصير قولان
ولا يجوز (و) في الحضر) *
تكلمنا في حكم إقامة الفرائض على الرواحل وأما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل
عند السير راكبا كان أو ماشيا متوجها إلى طريقه لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما (ان النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به) (1) وخالف أبو حنيفة في الماشي
ويحكى مثله عن أحمد فليكن قوله وماشيا معلما برقميهما لنا أن الانسان قد يكون له أوراد
ووظائف ويحتاج إلى السفر لمعاشه فلو منع من التفل في سيره لفاته أحد أمرين اما أوراده أو مصالح معاشه
211

ولا فرق في ذلك بين الراكب والماشي وهل يختص ذلك بالسفر الطويل فيه قولان أحدهما وبه قال مالك
نعم كالقصر والفطر وأصحهما لا: لاطلاق الخبر الذي رويناه وروى مثله عن جابر ولان الحاجة كما تمس
إلى الاسفار الطويلة تمس إلى الاسفار القصيرة أو هي أغلب ومنهم من قطع بالجواز في السفر القصير
وامتنع من اثبات خلاف فيه فلك ان تعلم بالواو لفظ القولين من قوله وفي السفر القصير قولان
واما في الحضر فظاهر المذهب انه لا يجوز ترك استقبال القبلة في النوافل وهي والفرائض سواء
في امر القيام وذلك لان الغالب من حال المقيم اللبث والاستقرار وقال أبو سعيد الإصطخري
يجوز للحاضر ترك لاستقبال فيها والتنفل متوجها إلى مقصده في الترددات لان المقيم أيضا محتاج
إلى التردد في دار اقامته وعلى هذا فالراكب والراجل سواء وذكر في التتمة ان هذا اختيار القفال
ولم يحكه غيره عن اختياره على هذا الاطلاق لكن الشيخ أبا محمد ذكر انه اختار الجواز بشرط
أن يكون مستقبلا في جميع الصلاة فليكن قوله ولا يجوز في الحضر معلما بالواو لمكان هذا الوجه
ثم يتعلق بلفظ الكتاب في الفصل مباحثتان (أحداهما) أنه قال اما النوافل فيجوز اقامتها في السفر
الطويل ولفظ النوافل تدخل فيه الرواتب وغيرها فما ليس بفرض فهل يشمل الجواز الكل أم لا
والجواب أن طائفة من أصحابنا منهم القاضي ابن كج ذكروا أنه لا تقام صلاة العيدين والكسوفين
والاستسقاء على الراحلة وإنما تقام الرواتب وصلاة الضحى وما يكثر ويتكرر واما هذه الصلوات
فهي نادرة فأشبهت صلاة الجنازة وبهذا العلة منع بعضهم صلاة الجنازة على الراحلة وهذه العلة
والتي قدمناها من نحو صورة القيام ينبغي أن تختلفا في التفريع إذا صلاهما على الراحلة قائما وقضية
هذه العلة المنع وقضية تلك العلة الجواز وبه أجاب امام الحرمين رحمه الله وقضية لفظ الكتاب
اطلاق القول في النوافل بالجواز وهو الظاهر عند الأكثرين ولذلك قالوا في ركعتي الطواف
ان قلنا بالافتراض فلا تؤدى على الراحلة والا فتؤدى ولم يبالوا بالندرة وقال في التهذيب يستوي
فيه الرواتب وغيرها مما ليس بفرض (والثانية) أنه قال راكبا وماشيا والركوب كما يستعمل في الدابة
يستعمل في السفينة فيقال ركب السفينة أو الدابة وركب البحر فهل يجوز أن يتنفل في السفينة حيث ما توجهت
كما يجوز على الدابة والجواب لا حكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ذلك لأنه متمكن من الاستقبال
ولهذا نقول لو كان في هودج على الدابة يتمكن فيه من الاستقبال يلزمه ذلك على الصحيح كما سيأتي
واستثنى في العدة عن راكبي السفينة الملاح الذي يسيرها فله أن يتنفل إلى حيث توجه لان تكليفه
212

الاستقبال يقطعه عن النافلة أو عن عمله وسيره *
قال (ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة وقيل يجب الاستقبال عند التحرم (و) وقيل لا يجب
إلا إذا كان العنان بيده ثم صوب الطريق بدل عن القبلة في دوم الصلاة ولا يصلي راكب
التعاسيف إذ ليس له صوب معين وان حرف الدابة عمدا عن صوب الطريق بطلت صلاته وإن كان
ناسيا لم تبطل ان قصر الزمان لكن يسجد للسهو وان طال ففي البطلان خلاف يجرى مثله
في الاستدبار ناسيا وإن كان بجماع الدابة بطل ان طال الزمان وان قصر فوجهان ثم على الراكب
أن يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود (ح) اخفض من الركوع وإن كان في مرقد أتم السجود
والركوع) * المتنفل في سيره أما راكب أو ماش ولابد في الحالتين من النظر في الاستقبال وكيفية
الافعال فبدأ بالكلام في الراكب ثم تكلم في الماشي أما الراكب فاما أن يكون على سرج ونحوه
ولا يمكنه اتمام السجود والركوع والاستقبال في جميع صلاته واما أن يكون في مرقد يمكنه ذلك فاما في
الحالة الأولى فلا يمنع من الصلاة بتعذر الاستقبال في جميعها ولكن هل يجب عليه أن يستقبل
القبلة عند التحرم فيه وجوه (أحدها) لا كما في دوام الصلاة لان تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش
عليه سيره (والثاني) نعم ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال ثم يخفف الامر في الدوام كما أن النية
يشترط اقترانها بالتكبير ولا يشترط في دوام الصلاة فعلى هذا الوجه لو تعذر الاستقبال في تلك
الحالة لم تصح الصلاة أصلا (والثالث) انه ان سهل عليه الاستقبال عند التحرم وجب والا فلا فلو
كانت الدابة واقفة وأمكنه الانحراف عليها إلى القبلة لو أدارها إليها أو كانت سائرة والزمام في يده
ولاحران بها فالاستقبال سهل وإن كانت مقطرة أو صعبة الإدارة لحرانها فهو عسير أما الاشتراط
عند السهولة فلما روى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سافر وأراد
أن يتطوع استقبل القبلة بناقته وكبر ثم صلي حيث وجهه ركابه) (1) وأما عدم الاشتراط عند الصعوبة
فلدفع المشقة واختلال أمر السير عليه ولهذا رخصنا في ترك الاستقبال في دوام الصلاة وهذه
الوجوه الثلاثة هي التي أوردها في الكتاب واعلم أن الأكثرين سكتوا عن الوجه الثاني واقتصروا
213

على ايراد الأول والثالث لكن حكاه الصيدلاني وتابعه امام الحرمين والمصنف على نقله ثم
ايراد الكتاب يقتضي أن يكون عدم الاشتراط مطلقا أظهر لأنه قال ولا يضر انحراف الدابة
عن القبلة ثم ذكر الوجهين الآخرين والمذهبيون إذا أطلقوا الحكم ثم قالوا وقيل كذا كان إشارة
منهم إلى ترجيح الأول الا إذا نصوا على خلافه لكن الذي رجحه معظم الأئمة إنما هو الوجه
الثالث وفيه جمع بين الخبر والمعنى كما تقدم ثم ظاهر لفظه في حكاية الوجه الثالث يقتضى الايجاب
فيما إذا كان العنان بيده ونفيه في غير هذه الحالة لكن لو كانت الدابة واقفة وسهل الانحراف عليه
يلزمه ذلك على هذا الوجه وان لم يكن العنان بيده فكأنه جعل هذا مثالا الصورة سهولة الاستقبال
ليلحق به ما هو في معناه ويمكن أن يكون الذي حكاه ثانيا وجها مغايرا الوجه الثالث الذي قدمنا
روايته فان الصيدلاني وغيره نقلوا كما نقله المصنف لكن الأول أقرب فان الفرق بين ما إذا كان
العنان بيده وبين سائر صور السهولة بعيد وفى لفظ الكتاب شئ آخر يحتاج إلى تأويله وذلك
أنه قال ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ومعلوم أنه لا اعتبار بانحراف الدابة واستقبالها وإنما
الاعتبار بحال الراكب حتى لو استقبل عند التحرم حصل الغرض وارتفع الخلاف وإن كانت الدابة
منحرفة واقفة كانت أو سائرة فإذا المعنى ولا يضر انحرافه على الدابة أو لانحراف الدابة وما أشبه
ذلك وفى المسألة وجه رابع وهو أنه لو كانت الدابة متوجهة به عند افتتاح الصلاة أما إلى القبلة
أو طريقه تحرم بالصلاة كما هو ولو كانت منحرفة به إلى غيرها لم يجز التحرم إلا إلى القبلة لان تكليف
صرف الدابة عن صوب الطريق إذا كانت متوجهة إليه قد يعسر أما عند الانحراف إلى غير القبلة
والطريق فلابد من صرفها فيصرفها إلى القبلة أولا ثم إلى الطريق فليس فيه كثير عسر وإذا
شرطنا الاستقبال عند التحرم ففي اشتراطه عند السلام وجهان أحدهما يشترط لأنه أحد طرفي
الصلاة ولهذا اعتبرنا نية الخروج على رأى اعتبارا بالطرف الأول وأصحهما لا يشترط كما في سائر
الأركان وهذا قضية نظم الكتاب لأنه قال لا يضر الانحراف ولم يستثن على بعض الوجوه
سوى حالة التحرم وإذا عرفت الخلاف في التحريم والتحلل فاعرف أن فيما عداهما من أركان الصلاة يجعل
صوب الطريق بدلا عن القبلة وكذلك عند التحرم والتحلل إذا لم يشترط فيهما الاستقبال وإنما
كان كذلك لان المصلي لابد وأن يستمر على جهة واحدة ليجتمع همه ولا يتوزع فكره وجعلت
تلك الجهة جهة الكعبة لشرفها فإذا عدل عنها لحاجة السير فليلزم الجهة التي قصدها محافظة على
214

المعنى المقتضي للاستمرار على الجهة الواحدة: ثم الطريق في الغالب لا يستد بل يشتمل على معاطف
يلقاها السالك يمنة ويسرة فيتبعه كيف ما كان لحاجة السير وإنما قال صوب الطريق لأنه لا يشترط
أن يكون سلوكه في نفس الطريق المعبد فقد يعدل المسافر عند لزحمة ودفع غبار ونحوهما فالمعتبر
الصوب دون نفس الطريق * ويتعلق بهذه القاعدة مسائل (إحداها) ليس لراكب التعاسيف ترك
الاستقبال في ى شئ من صلاته وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر أخرى إذ ليس له صوب
ومقصد معين وقوله ولا يصلي راكب التعاسيف معناه أنه لا ينتفل متوجها إلى حيث تسير دابته
كما يفعله غيره لا أنه لا ينتفل أصلا فان هذا الرجل لو تنفل مستقبلا في جميع صلاته أجزأه ولو كان
له مقصد معلوم لكن لم يسر في طريق معين فهل يتنفل مستقبلا صوبه فيه قولان أظهرهما نعم
لان له مقصدا معلوما والثاني لا: إذ لم يسلك طريقا مضبوطا وقد لا يؤدى سيره إلى مقصده (الثانية)
لو انحرف عن صوب الطريق أو انحرفت الدابة عنه فيبنى ذلك على ما لو انحرف المصلي على الأرض
عن القبلة وينظر فيه إن استدبر القبلة في صلاته أو تحول إلى جهة أخرى عمدا بطلت صلاته وان
فعله ناسيا للصلاة فان تذكر على القرب وعاد إلى الاستقبال لم تبطل صلاته كما لو تكلم في صلاته
ناسيا بكلام قليل وان طال الفصل ففي البطلان وجهان كما لو تكلم ناسيا بكلام كثير أصحهما
البطلان ذكره الصيدلاني وصاحب التهذيب لان الصلاة لا تحتمل الفصل الطويل ولان ذلك مما
يندر والثاني الصحة كما لو قصر الزمان للعذر وهو الذي ذكره المحاملي وطبقته ولو أماله انسان عن
جهة القبلة قهرا وطال الزمان بطلت صلاته فان عاد إلى الاستقبال على قرب فوجهان أصحهما
البطلان والفرق بين النسيان وقهر الغير إياه أن النسيان مما يكثر ويعم والاكراه في مثل ذلك
يندر ولهذا المعني نقول لو أكره على الكلام في صلاته تبطل صلاته على الصحيح بخلاف النسيان
جئنا إلى الانحراف عن صوب الطريق أو تحريف الدابة عنه فلو فعل ذلك عمدا فقد قال في الكتاب
بطلت صلاته وهذا غير مجرى على اطلاقه لأنه لو انحرف إلى جهة القبلة لا تبطل صلاته وكيف
تبطل وقد توجه إلى الجهة التي هي الأصل فإذا المراد ما إذا حرف الدابة عن صوب الطريق إلى غير
جهة القبلة أو انحرف عليها وهكذا قيده سائر الأئمة وإنما حكمنا بالبطلان لما ذكرنا من كون هذه
الجهة قائمة مقام جهة القبلة وان حرف الدابة أو انحرف عليها إلى غير القبلة ناسيا فان تذكر وعاد
على قرب لم تبطل صلاته وان طال الزمان فوجهان كما ذكرنا في استدبار المصلى على وجه الأرض
ناسيا والأصح البطلان ولو أخطأ وظن أن الذي توجه إليه طريقه فهو كما لو انحرف ناسيا للصلاة ولو
215

انحرف إلى غير القبلة لجماح الدابة فهذه الصورة تشبه ما لو أماله غيره قهرا فان طال الزمان بطلت
صلاته وذكر الشيخ أبو حامد انها لا تبطل كما ذكر في النسيان فقوله بطل معلم بالواو لذلك
وان قصر فقد حكى في الكتاب فيه وجهين كما روينا في صورة الإمالة ولم يأت امام الحرمين
بحكاية الخلاف في الجماح لكن قال قد ذكرنا في مثل هذه الصورة خلافا فيمن يصرف عن
القبلة والظاهر ههنا أن الصلاة لا تبطل لان جماح الدابة مما يعم به البلوى بخلاف صرف الرجل فهو
نادر لا يعهد وان أراد ان الظاهر القطع بهذا والامتناع من تخريجه على الخلاف في صورة الصرف
لأنه قال بعد الفرق بين الصورتين ولهذا قطع الأئمة بان جماح الدابة في زمن قريب لا يبطل الصلاة
ولم أر ما يخالف هذا للأصحاب فالامر على ما ذكرناه فإذا بحثت وجدت كتب الأصحاب متفقة
على أن الصلاة لا تبطل في صورة جماح الدابة إذا ردها على القرب على أن الأكثرين سووا بين
صورة النسيان وصورة الجماح سواء منهم الحاكم بالصحة عند طول الزمان والحاكم بالبطلان و
يتبين من هذا أن المصنف كالمنفرد برواية الوجهين في بطلان الصلاة عند قصر المدة في صورة
الجماع فاعلم ذلك (الثالثة) إذا لم يحكم بالبطلان في النسيان والجماح فهل يسجد للسهو اما عند النسيان
فقد ذكر في الكتاب أنه يسجد للسهو عند قصر الزمان وهكذا حكي الصيدلاني والامام
وصاحب التهذيب ووجهه أن التحريف عمدا مبطل للصلاة فإذا اتفق سهوا اقتضى سجود السهو
لكن الشيخ أبا حامد في طائفة حكوا عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يسجد للسهو إذا عاد
عن قريب فان طال الزمان فحينئذ يسجد فليكن قوله يسجد للسهو معلما بالواو لذلك وأما عند
الجماح فمنهم من قال لا يسجد إذا لم نحكم ببطلان الصلاة لأنه لم يوجد منه ترك مأمور ولافعل
منهي والذي وجد فعل الدابة ومنهم من قال وهو الأظهر يسجد وفعل الدابة كفعله وطريقة
الشيخ أبي حامد ههنا كما في النسيان فالحاصل في الجماح ثلاثة أوجه يسجد: لا يسجد يفرق بين أن
يطول الزمان أو يقصر وفي النسيان لا يصلح الا وجهان وهذا كله متفرع على
ظاهر المذهب وهو ان السهو في النافلة يقتضي السجود كما في الفريضة وحكي قول أنه لا مدخل لسجود
السهو في النافلة بحال هذا تمام الكلام في استقبال الراكب على السرج ونحوه: وأما كيفية اقامته
الأركان فليس عليه وضع الجبهة على عرف الدابة ولا على السرج والاكاف لما فيه من المشقة وخوف
الضرر من نزقات الدابة ولكن ينحني للركوع والسجود إلى الطريق ويجعل السجود أخفض
من الركوع قال امام الحرمين والفصل بينهما عند التمكن محتوم والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن
216

يبلغ غاية وسعه في الانحناء وأما كيفية سائر الأركان فبينة (الحالة الثانية) أن يكون الراكب في
مرقد ونحوه يسهل عليه الاستقبال واتمام الأركان فعليه الاستقبال في جميع الصلاة كراكب السفينة
إذ لا مشقة عليه في ذلك وينبغي أن يتم الركوع والسجود أيضا فلو اقتصر على الايماء كان بمثابة
المتمكن على الأرض إذا تنفل مضطجعا مقتصرا على الايماء وفي جوازه وجهان مذكور ان في
موضعهما وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا يلزم الاستقبال ولا اتمام
الركوع والسجود في المحمل الواسع كما لا يجب على راكب السرج ذلك وفرق بينه وبين السفينة
بان حركة راكب السفينة لا تؤثر فيها وحركة راكب الدابة تؤثر في المحمل فيخاف الضرر فإذا
قوله أتم الركوع والسجود ينبغي أن يعلم بالواو لما رواه ابن كج أو للوجه الصائر إلى تجويز
التنفل موميا مضطجعا الا أن لا يريد بقوله أتم انه يلزم ذلك بل يريد انه الأحسن والأولى والظاهر
إرادة اللزوم
قال (وأما الماشي فاستقباله كمن بيده زمام دابته فيركع ويسجد ويقعد لا ينافي هذه الأركان
ولا يمشى الا في حال القيام وفيه قول أنه يومئ بذلك كله)
لما فرغ من الكلام في استقبال الراكب وكيفية اقامته الأركان اشتغل بالكلام فيهما
في حق الماشي وقد حكى الأصحاب على طبقاتهم عن نص الشافعي رضي الله عنه أن الماشي يركع
ويسجد على الأرض ولا يقتصر على الايماء لسهولة الامر عليه بخلاف الراكب فان اتمامها عسير
عليه أو متعذر والنزول لهما أعسر وأشق وزاد الشيخ أبو محمد فحكي مع ذلك عن نصه أنه يقعد
في موضع التشهد أيضا ويسلم ولا يمشى الا في حال القيام وتابعه امام الحرمين والمصنف فقال ويركع ويسجد
ويقعد لا ينافي هذه الأركان إلى آخره ونفى الشيخ أبو حامد والعراقيون من أصحابنا هذه الزيادة
وقالوا لا يجب القعود بل يمشى في حال التشهد كما في حال القيام وهو ظاهر المذهب لطول زمان
التشهد كالقيام وهذا ما أورده الشيخ الحسين وأبو سعيد المتولي ثم ذكر امام الحرمين ان ابن
سريج خرج قولا انه لا يلبث ولا يضع جبهته على الأرض بل يومئ راكعا وساجدا كالراكب لان كثرة
اللبث قد يفضى إلى الانقطاع عن الرفقة ويشوش عليه أمر السفر وعلى هذا فيجعل السجود
أخفض من الركوع كالراكب ولا يقعد في التشهد وحكي الشيخ أبو محمد هذا القول المنسوب إلى
ابن سريج عن القفال وانه أول نص الشافعي رضي الله عنه على الاستحباب قال الشيخ ثم
217

وجدت ما ذكره القفال منصوصا للشافعي رضي الله عنه فحصل في الأركان يتمها
الماشي لابثا أم لا قولان منصوص ومخرج على ما ذكره في الكتاب أو منصوصان على ما رواه
الشيخ ويترتب على ما ذكرناه القول في استقبال القبلة أما إذا قلنا أنه يركع ويسجد ويقعد
لا ينافيها فلا شك في أنه يستقبل القبلة فيها ويتحلل عن صلاته وهو مستقبل وإذا لزم الاستقبال
في هذه الأحوال فهو عند التحرم ألزم فان الراكب يستقبل عند التحرم على الأظهر وان لم يستقبل
في سائر الأفعال والأركان وان استثنينا حالة التشهد عن النص وقلنا لا يقعد فيها بل يمشى ففي
وجوب الاستقبال عند السلام وجهان كما قدمناهما في الراكب وأما إذا قلنا بالاقتصار على الايماء
فلا يجب الاستقبال في الركوع والسجود ولا في التشهد وحكمه في التحرم حكم الراكب الذي بيده
زمام دايته والحاصل من الخلاف الذي سبق في هذا الراكب وجهان أظهرهما لزوم الاستقبال
فكذلك في الماشي وإذا عرفت هذا فلك في عبارة الكتاب أعني قوله أما الماشي فاستقباله كمن
بيده زمام دابته نظران (أحدهما) أنه أطلق الكلام اطلاقا ولم يقيد بحالة التحرم ومعلوم أن استقبال
الماشي ليس كاستقبال من بيده زمام دابته على الاطلاق فان الراكب لا يؤمر بالاستقبال في الركوع
والسجود وإن كان بيده زمام دابته والماشي يؤمر به على الأظهر (والثاني) انه قيد بحالة التحرم
لكن هذا الكلام اما أن يكون موصولا بما بعده أو يكون منقطعا عنه مستقلا بنفسه فإن كان
موصولا بما بعده على معنى أنه مقول على قولنا أنه يركع ويسجد ويقعد لابثا فيكون هذا اثباتا
للخلاف في الاستقبال مع الحكم باتمام هذه الأركان لان استقبال الراكب الذي بيده زمام دابته
مختلف في وجوبه ولا خلاف في وجوب الاستقبال عند التحرم على هذا المذهب كذلك ذكره
امام الحرمين وغيره وهو المعقول وإن كان مستقلا بنفسه منقطعا عما بعده كان هذا اثباتا للخلاف
في أنه هل يلزمه الاستقبال عند التحرم على الاطلاق والظاهر القطع بأنه يلزمه ذلك لأن الظاهر
أنه يتم الركوع والسجود وحينئذ لا خلاف فيه على ما ذكرنا وإنما الخلاف فيه على القول المخرج
فكان ينبغي أن يرتب قوله استقبال الماشي كمن بيده زمام دابته على القول المخرج كما نقله الامام
وقوله في حكاية القول المخرج انه يومي في ذلك كله يرجع إلى الركوع والسجود دون القعود وان عمم
218

اللفظ فإنه لا إيماء إلى القعود بل يعتدل قائما بعده الايماء بالسجود ويتشهد فيقع قيامه بدلا عن القعود
كما يقع القعود بدلا عن القيام في حق العاجز عن القيام ثم صوب الطريق حيث لا يجب استقبال القبلة
يكون بدلا عن القبلة في حق الماشي كما ذكرناه في الراكب ويعود فيه المسائل السابقة *
قال (فرع لو مشى في نجاسة قصدا فسدت صلاته بخلاف لو وطئ فرسه نجاسة ولا يلزمه المبالغة
في التحفظ عند كثرة النجاسة في الطريق) * يجب أن يكون ما يلاقى الراكب وثيابه طاهرا من
السرج وغيره ولو بالت الدابة أو وطئت نجاسة لم يضر لان تلك النجاسة لا تلاقى بدنه وثيابه
ولا هو حامل لها بل لو كان السرج نجسا فالقي عليه ثوبا طاهرا وصلي عليه جازا ما لو أوطأ الدابة نجاسة
فالذي ذكره في الكتاب أن ذلك لا يضره كما لو وطئت بنفسها وكذلك أورده صاحب النهاية
لكن قال في التتمة لو سيرها على النجاسة عمدا بطلت صلاته لامكان التحرز عنها فليكن قوله
بخلاف ما لو أوطأ فرسه نجاسة معلما بالواو وأما الماشي فلا كلام في أنه لو مشي على نجاسة قصدا فسدت
صلاته لأنه يصير ملاقيا لها بخفة الملبوس ولا يجب عليه التحفظ والاحتياط في المشي لان النجاسات
تكثر في الطرف وتكليفه التحفظ يشوش عليه غرض السير ولو انتهى إلى نجاسة ولم يجد معدلا
عنها فقد قال امام الحرمين فيه احتمال قال يو لا شك أنها لو كانت رطبة فمشى عليها بطلت صلاته
وإن كان عن غير قصد لأنه يصير حاملا للنجاسة وما سبق في النجاسة اليابسة (واعلم) أنه يشترط
في جواز التنفل راكبا وماشيا دوام السفر والسير فلو بلغ المنزل في خلال الصلاة وجب اتمام الصلاة
متمكنا متوجها إلى القبلة وينزل إن كان راكبا ولو دخل بلد اقامته فعليه النزول أول ما دخل البنيان
واتمام الصلاة مستقبلا الا إذا جوزنا للمقيم التنفل على الراحلة وكذلك لو نوى الإقامة ببلدة أو قرية
ولو مر ببلدة مجتازا فله اتمام الصلاة راكبا وإن كان له بها أهل فهل يصير مقيما بدخولها قولان
إن قلنا نعم وجب النزول والاتمام وحيث أمرناه بالنزول فذلك عند تعذر البناء على الدابة فلو لم
يتعذر بان أمكنه الاستقبال واتمام الافعال عليها وهي واقفة جاز ويشترط أيضا الاحتراز عن الافعال
التي لا يحتاج إليها فلو ركض الدابة للحاجة إليه فلا بأس ولو أعداها بغير عذر أو كان ماشيا فعدا
قصدا بغير عذر بطلت صلاته في أصح الوجهين *
قال (الركن الثاني القبلة ومواقف المستقبل مختلفة فالمصلى في جوف الكعبة يستقبل أي جدار
شاء ويستقبل الباب وهو مردود وإن كان مفتوحا والعتبة مرتفعة قدر موخرة الرحل جاز
219

ولو انهدمت الكعبة والعياذ بالله صحت صلاته خارج العرصة متوجها إليها كمن صلى على أبى قبيس
والكعبة تحته ولو صلى فيها لم يجز (ح م) إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقية حائط والواقف على السطح
كالواقف على العرصة فلو وضع بين يديه شيئا لا يكفيه ولو غرز خشبة فوجهان) * مسائل الركن مبنية
على النظر في موقف المصلي وهو اما ان لا يكون وراء الكعبة أو يكون وراءها وإن كان وراءها فاما أن يكون
في المسجد الحرام أو وراءه وإن كان وراءه فاما أن يكون بمكة أو المدينة أو غيرهما والفصل يشتمل على القسم
الأول وهو أن لا يكون وراء الكعبة وحينئذ له ثلاثة أحوال لأنها اما أن تكون على هيئتها مبنية
أو تنهدم والعياذ بالله فيقف في عرصتها وإذا كانت على هيئتها مبنية فاما أن يقف في جوفها أو على
سطحها (الحالة الأولي) أن يقف في جوفها فتصح صلاته فريضة كانت أو نافلة خلافا لمالك واحمد في
الفريضة لنا أنه صلى متوجها إلى بعض أجزاء الكعبة فتصح صلاته كالنافلة وكما لو توجه إليها من خارج
ثم يتخير في استقبال أي جدار شاء لأنها أجزاء البيت ويجوز أن يستقبل الباب أيضا إن كان مردودا
فان باب البناء معدود من أجزائه الا ترى أنه يدخل في بيعه وإن كان مفتوحا نظر في العتبة
إن كانت قدر مؤخرة الرحل صحت صلاته وإن كانت دونها فلا: ومؤخرة الرحل ثلثا ذراع إلى ذراع
تقريبا قال امام الحرمين وكان الأئمة راعوا في اعتبار هذا القدر أن يكون في جلوسه يسامت
بمعظم بدنه الشاخص ولكنه يكون في القيام خارجا بمعظم بدنه عن المسامتة فليخرج على الخلاف
فيما إذا وقف على طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة وليكن قوله والعتبة مرتفعة قدر
مؤخرة الرحل معلما بالوا ولأنه مذكور قيدا في الجواز وقد حكي في البيان عن الشيخ أبى حامد
وابن الصباغ أنه يكفي للجواز أن تكون العتبة شاخصة باي قدر كان وان قل لأنه استقبل جزءا
من البيت وكذا قوله جاز لان امام الحرمين حكى وجها آخر أنه لا يكفي أن يكون الشاخص قدر
المؤخرة بل يجب أن يكون بقدر قامة المصلي طولا وعرضا ليكون مستقبلا بجميع بدنه الكعبة والعتبة
لا تبلغ هذا الحد غالبا فلا تصح الصلاة إليها على هذا الوجه (الحالة الثانية) أن تنهدم الكعبة حاشاها
ويبن وضعها عرصة فان وقف خارجها وصلى إليها جاز لان المتوجه إلى هواء البيت والحالة هذه
يسمى مستقبلا وصار كمن صلى على جبل أبي قبيس والكعبة تحته يجوز لتوجهه إلى هواء البيت
ولو صلى فيها فالحكم فيه كالحكم في الحالة الثالثة وهو أن يقف على سطحها فينظر ان لم يكن
بين يده شئ شاخص من نفس الكعبة ففيه وجهان أحدهما وبه قال أبو حنيفة وابن
220

سريج يجوز كما لو وقف خارج العرصة متوجها إلى هواء البيت وأصحهما وهو المذكور
في الكتاب أنه لا يجزئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهي عن الصلاة على ظهر
الكعبة) (1) ولأنه والحالة هذه مصل على البيت لا إلى البيت وخص بعضهم نقل الجواز
عن ابن سريج بصورة العرصة دون السطح لكن قال امام الحرمين لا شك انه يجزئه في ظهر الكعبة
وصرح في التهذيب بنقل الجواز عنه في الواقف على ظهر الكعبة فلا فرق وإن كان بين يده
شاخص من نفس الكعبة فإن كان قدر مؤخرة الرجل جاز والا فلا كما ذكرنا في العتبة ويجرى
الوجهان الآخران المذكوران في العتبة فيما نحن فيه أحدهما اشتراط كون الشاخص بقدر قامة
المصلى والثاني الاكتفاء بأي قدر كان وإذا عرف ذلك فلو وضع بين يديه متاعا لم يكفه وان استقبل
بقية حائط أو شجرة نبتت في العرصة جاز وكذا لو جمع ترابها تلا واستقبله أو حفر حفرة ووقف
فيها وكذا لو وقف في آخر السطح أو العرصة وتوجه إلى الجانب الآخر وكان الجانب الذي
وقف فيه أخفض من الجانب الذي استقبله يجوز ولو نبتت حشيشة وعلت قال في النهاية لا حكم
لها في الاستقبال والحق صاحب التهذيب الزرع بالشجرة وما ذكره الامام أظهر ولو غرز عصا
أو خشبة فوجهان أحدهما يكفي لحصول الاتصال بالغرز ولذلك تعد الأوتاد المغروزة من الدار
وتدخل في البيع وأصحهما لا كما لو وضع متاعا بين يده ومطلق الغرز لا يوجب كون المغروز
من البناء والأوتاد جرت العادة بغرزها لما فيها من المصالح فقد تعد من البناة لذلك والوجهان في
الغرز المجرد أما لو كانت مثبتة أو مسمرة كفت للاستقبال نعم قال امام الحرمين الخشبة وإن كانت
مثبتة فبدن الواقف خارج عن محاذاتها من الطرفين فيكون على الخلاف الذي يأتي ذكره فيمن
وقف على طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة *
221

قال (والواقف في المسجد لو وقف على طرف ونصف بدنه في محاذاة الركن ففي صحة صلاته
وجهان ولو امتد صف مستطيل قريب من البيت فالخارج عن سمت البيت لا صلاة له وهؤلاء قد
يفرض تراخيهم إلى آخر باب المسجد فتصح صلاتهم لحصول اسم الاستقبال) *
سنذكر اختلاف قول في أن المطلوب في الاستقبال عين الكعبة أو جهتها وذلك الخلاف في
حق البعيد عن الكعبة أما الحاضر في المسجد الحرام فيجب عليه لا محالة استقبال عين الكعبة لأنه قادر عليه
وقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم (دخل البيت ثم خرج فاستقبله وصلي ركعتين ثم قال هذه
القبلة) أشار إلى عين الكعبة وحصر القبلة فيها وإذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث صور (إحداها)
لو وقف على طرف من أطراف البيت وبعض بدنه في محاذاة ركن والباقي خارج ففي صحة صلاته
وجهان أحدهما تصح لأنه توجه إلى الكعبة بوجهه وحصل أصل الاستقبال وأصحهما لا تصح لأنه
يصدق ان يقال ما استقبل الكعبة إنما استقبلها بعضه (الثانية) الامام يقف خلف المقام والقوم
يقفون مستديرين بالبيت فلو استطال الصف خلفه ولم يستديروا فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة
باطلة لأنهم لا يسمون مستقبلين وذكر صاحب التهذيب وغيره من أصحابنا ان أبا حنيفة يصحح صلاة
الخارجين عن محاذاة الكعبة لان الجهة كافية عنده وعلم لهذا قوله في الكتاب والخارج عن
222

سمت البيت لا صلاة له بالحاء لكن أبا الحسن الكرخي وغيره من أصحاب أبي حنيفة فصلوا
وقالوا الفرض على المصلي استقبال القبلة وإصابة عينها إذا قدر عليها أو الجهة إذا لم يقدر على عينها
وهذا يدل على أنه إنما يكتفى بالجهة في حق البعيد الذي لا يقدر على إصابة العين لا مطلقا (الثالثة)
لو تراخى الصف الطويل ووقفوا في آخر باب المسجد صحت صلاتهم لان المتبع اسم الاستقبال
وهو يختلف بالقرب والبعد ولهذا يزول اسم الاستقبال عن القريب بانحراف يسير ولا يزول عن
البعيد مثله والمعنى فيه أن الحرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازداد واله محاذاة كغرض
الرماة وغيره *
قال (والواقف بمكة خارج المسجد ينبغي أن يسوى محرابه بناء على عيان الكعبة فإن لم يقدر
استدل عليها بما يدل عليها) *
المصلى بمكة خارج المسجد إن كان يعاين الكعبة كمن هو على جبل أبى قبيس صلى إليها
بالمعاينة ولو سوى محرابه بناء على العيان صلى إليه أبدا لأنه يستيقن الإصابة ولا حاجة في كل صلاة
إلى معاينة الكعبة وفي معنى المعاين المكي الذي نشأ بمكة وتيقن إصابة الكعبة وان لم يشاهدها
حين يصلي وأما إذا لم يعاين الكعبة ولا تيقن الإصابة فيستدل بما أمكنه ويسوى محرابه بناء على
الأدلة هذا ما ذكره في الكتاب وحكاه في النهاية عن العراقيين وانهم قالوا لا يكلف الرقي إلى
سطح الدار مع امكان العيان واعتمدوا فيه ما صادفوا أهل مكة عليه في جميع الأعصار قال وفيه
نظر عندي فان اعتماد الاجتهاد بمكة مع امكان البناء على العيان بعيد وسنذكره في الركن الثالث
إن شاء الله تعالى ما يزداد به هذا الفصل وضوحا *
قال (والواقف بالمدينة ينزل محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه منزلة الكعبة
فليس له الاجتهاد فيه بالتيامن والتياسر وهل ذلك في سائر البلاد فعلى وجهين) *
223

محراب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة نازل منزلة الكعبة لأنه لا يقر على الخطأ فهو صواب
قطعا وإذا كان كذلك فمن يعاينه يستقبله ويسوى محرابه عليه اما بناء على العيان أو استدلالا كما
ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه إلى جهة أخرى بالاجتهاد بحال وفى معني المدينة سائر البقاع
التي صلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذلك المحاريب المنصوبة في
بلاد المسلمين وفى الطرق التي هي جادتهم يتعين التوجه إليها ولا يجوز الاجتهاد معها وكذلك في
القرية الصغيرة ان نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد على العلامة المنصوبة في الطريق الذي
يندر مرور الناس بها أو يستوى فيه مرور المسلمين والكفار وفى القرية الخربة التي لا يدري انها
من بناء المسلمين أو الكفار ولابد من الاجتهاد في هذه المواضع وإذا منعنا من الاجتهاد في الجهة
فهل يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر اما في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ولو تخيل
عارف بأدلة القبلة أن الصواب فيه أن يتيامن أو يتياسر فليس له ذلك وخياله باطل وأما في
سائر البلاد فعلى وجهين أصحهما ولم يذكر الأكثرون سواه أنه يجوز لان الخطأ في الجهة مع استمرار
الخلق واتفاقهم ممتنع لكن الخطأ في الانحراف يمنة ويسرة مما لا يبعد ويقال أن عبد الله بن المبارك
كأن يقول بعد رجوعه من الحج تياسروا يا أهل مرو والثاني أنه لا يجوز لان احتمال إصابة الخلق
الكثير أقرب وأظهر من احتمال إصابة الواحد وهذا يستوى فيه الجهة والانحراف يمنة ويسرة
وفصل القاضي الروياني وغيره بين البلاد بعد المدينة فجعلوا قبلة الكوفة صوابا يقينا كقبلة المدينة
لأنه صلي إليها الصحابة ولم يجعلوا قبلة البصرة يقينا وقضية هذا الكلام جواز الاجتهاد في التيامن
والتياسر في قبلة البصرة دون الكوفة وفيما علق عن ابن يونس القزويني مثل هذا الفرق فإنه قال
قبله الكوفة قد صلي إليها علي كرم الله وجهه مع عامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا اجتهاد
مع اجماع الصحابة رضي الله عنهم قال واختلف أصحابنا في قبلة البصرة فمنهم من قال هي صواب
أيضا كقبلة الكوفة ومنهم من جوز فيها الاجتهاد وفرق بان قبلة الكوفة نصبها علي رضي الله عنه
وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غروان والصواب في فعل علي رضي الله عنه أقرب ثم حكى في قبلة
سائر البلاد وجهين وجعل أصحهما جواز الاجتهاد فيها وهذا أن عنى به الاجتهاد في الجهة من أصلها
فهو بعيد بمرة بل الذي قطع به معظم الأصحاب منع ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها
بين أهلها وان عنى به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني
224

بعيد أيضا لان كل واحدة منهما قد دخلها الصحابة وسكتوا وصلوا إليها فإن كان ذلك مما يفيد
اليقين وجب استواؤهما فيه وان لم يفد اليقين فكذلك والله أعلم *
قال (الركن الثالث في المستقبل فالقادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد والقادر على الاجتهاد
لا يجوز له التقليد والأعمى العاجز يقلد شخصا مكلفا مسلما عارفا بأدلة القبلة وليس للمجتهد ان يقلد
غيره وان تحير في الحال في نظره صلي على حسب حاله وقضى وقيل يقلد ويقضى وقيل إنه يقلد
ولا يقضى واما البصير الجاهل بالأدلة ان قلد يلزمه القضاء الا إذا قلنا لا يجب تعلم أدلة القبلة على كل
بصير فعند ذلك ينزل منزلة الأعمى) * المصلى اما أن يقدر على معرفة القبة يقينا أو لا يقدر عليها فان
قدر على اليقين فليس له الاجتهاد كالقادر على العمل بالنص لا يجوز له الاجتهاد وحكى القاضي
225

الروياني وجهين فيما إذا استقبل المصلي حجر الكعبة وحده بناء على هذا الأصل وقال الأصح
المنع لان كونه من البيت غير مقطوع به وإنما هو مجتهد فيه فلا يجوز العدول عن اليقين إليه ثم المعرفة
يقينا قد تحصل بالمعاينة وقد تحصل بغير المعاينة كالناشئ بمكة يعرف القبلة أو بامارات تفيده اليقين
وان لم يعاين كما سبق وكما لا يجوز للقادر على اليقين الاجتهاد لا يجوز له الرجوع إلى قول الغير أيضا وان
لم يقدر على درك اليقين فلا يخلوا ما أن يجد من يخبره عن القبلة عن علم وكان المخبر ممن يعتمد قوله أولا يجد
فان وجد رجع إلى قوله ولم يجتهد أيضا كما في الوقت إذا أخبره عدل عن طلوع الفجر يأخذ بقوله ولا
يجتهد وكذلك في الحوادث إذا روى العدل خبرا يؤخذ به وكل ذلك قبول الخبر من أهل الرواية وليس من
التقليد في شئ ويشترط في المخبر أن يكون عدلا يستوى فيه الرجل والمرأة والحر والعبد وفى وجه لا تشترط
العدالة بل يقبل خبر الفاسق لأنه لا يتهم في مثل ذلك والمذهب الأول ولا يقبل خبر الكافر
بحال وفى الصبي بعد التمييز وجهان كما في رواية أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والأكثرون
على أنه لا يقبل: ثم الاخبار عن القبلة قد يكون صريحا وقد يكون دلالة اما الصريح فلا يخفى وأما
الدلالة فنصب المحاريب في المواضع التي يعتمد عليها كما سبق في التفصيل ولا فرق في لزوم الرجوع
إلى الخبر بين أن يكون الشخص من أهل الاجتهاد وبين أن لا يكون حتى أن الأعمى يعتمد
المحراب إذا عرفه بالمس حيث يعتمد البصير بالرؤية وكذا البصير إذا دخل المسجد في ظلمة الليل
226

اعتمد المحراب بالمس هكذا ذكر صاحب التهذيب وغيره وقال في العدة إنما يعتمد الأعمى على
المس إذا شاهد محراب المسجد قبل العمي أما لو لم يشاهد فلا يعتمد عليه ولو اشتبهت عليه طيقان المسجد فلا شك
انه يصبر حتى يخبره غيره صريحا وان خاف فوات الوقت صلي على حسبن الحال وأعاد هذا إذا
وجد من يخبره عن علمه وكان ممن يعتمد قوله أما إذا لم يجد فلا يخلو اما أن يكون قادرا على الاجتهاد
أو لا يكون فان قدر على الاجتهاد لزمه الاجتهاد والتوجه إلى الجهة التي يظنها جهة القبلة ولا تحصل
القدرة على الاجتهاد الا بمعرفة أدلة القبلة وهي كثيرة صنفوا لذكرها كتبا مفردة وأضعفها الرياح
لأنها تختلف وأقواها القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا
جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا للقبلة هكذا يكون بناحية الكوفة وبغداد وهمذان
وقزوين الري وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش وليس على القادر على الاجتهاد ان
يقلد غيره فيعمل باجتهاده كما في الأحكام الشرعية ولو فعل يلزمه القضاء ولا فرق بين أن يخاف
فوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد أو أتمه وبين أن لا يخاف في أنه لا يقلد لكن عند ضيق الوقت يصلي لحق الوقت
كيفما كان ثم يجتهد ويقضي وقال ابن سريج يقلد عند خوف الفوات وقال في النهاية لو كان
في نظره وعلمه ان وقت الصلاة ينتهي قبل انتهاء نظره فيقلد ويصلي في الوقت أم يتمادى إلى تمام
الاجتهاد في نظره هذا كما لو تناوب جمع على بئر وعلى أن النوبة لا تنتهي إليه الا بعد الوقت وقد
227

ذكرنا خلافا في أنه هل يصبر أم يتيمم ويصلي في الوقت فتحصل من هذا الكلام وجه ثالث
انه يصبر إلى تمام اجتهاد ولا يصلي وان فات الوقت لا كيفما كان ولا بالتقليد وما ذكرناه من
الاجتهاد مستمر في حق الغائب عن مكة فأما الحاضر بمكة إذا لم يعاين الكعبة لحائل بينه وبين
الكعبة نظر إن كان الحائل أصليا كالجبل فله الاجتهاد والاستقبال بالاستدلال ولا يكلف صعود
الجبل أو دخول المجسد لما فيه من المشقة وإن كان الحائل حادثا كالأبنية فوجهان أحدهما
لا يجوز لان الفرض في مثل هذا الموضع قبل حدوث البناء إنما هو المعاينة دون الاجتهاد فلا يتغير
بما طرأ من البناء وأصحهما الجواز كما في الحائل الأصلي لما في تكليف المعاينة من المشقة
وما ذكره في الكتاب قبل هذا الفصل ان الواقف بمكة خارج المسجد إذا لم يعاين الكعبة
يستدل عليها بما يدل عليها كأنه جواب على هذا الوجه ولو خفيت الدلائل على المجتهد اما لتغيم
اليوم أو لكنه محبوسا في ظلمة فتحير لذلك أو لتعارض الدلائل عنده ففي المسألة ثلاثة طرق أظهرها
ان فيها قولين أصحهما عند الأكثرين أنه لا يقلد لأنه قادر على الاجتهاد والتحير عارض وقد يزول
عن قريب والثاني وهو اختيار ابن الصباغ أنه يقلد لأنه عجز عن استبانة الصواب بنظره فأشبه
الأعمى والطريق الثاني القطع بالقول الأول والثالث القطع بالثاني فإذا قلنا لا يقلد فيصلي كيف اتفق
228

ويقضى كالأعمى لا يجد من يقلده يصلى لحق الوقت ويقضى وان قلنا إنه يقلد فهل يقضى ذكر في
النهاية أنه على وجهين مبنيين على القولين في لزوم القضاء إذا صلي بالتيمم لعذر نادر لا يدوم كما سيأتي
بنظائره وقضية هذا الكلام أن يكون الأظهر وجوب القضاء على قولنا أنه يقلد كما أن الأظهر لزوم
القضاء على من تيمم في الحضر لفقد الماء ولكن الذي أورده الجمهور تفريعا على قولنا أنه يقلد
أنه لا قضاء عليه كالأعمى إذا صلى بالتقليد ثم قال امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف المذكور
في تحير المجتهد موضعه ما إذا ضاق الوقت وخشي الفوات فاما في أول الوقت ووسطه يمتنع التقليد لا محالة
إذ لا حاجة إليه ثم قال وفى المسألة نوع احتمال وسببه الالحاق بالتيمم في أول الوقت مع العلم بأنه
ينتهي إلى الماء في آخر الوقت وهذا آخر الكلام في القادر على الاجتهاد. أما العاجز عنه فينقسم
إلى عاجز لا يمكنه تعلم الأدلة كالأعمى والى عاجز يمكنه التعلم: أما الأول فالأعمى لا سبيل له إلى معرفة
أدلة القبلة لأنها تتعلق بالبصر فالواجب عليه التقليد كالعامي في الأحكام وإنما يجوز تقليد المكلف
المسلم العدل العارف بأدلة القبلة يستوى فيها لرجل والمرأة والحر والعبد وتقليد الغير هو قبول قوله
المستند إلى الاجتهاد حتى أن الأعمى لو أخبره بصير بمحل القطب منه وهو عالم بدلالته أو قال رأيت
الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة كان الاخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد ولو وجد
مجتهدين واختلف اجتهادهما قلد من شاء منهما والا حب أن يقلد الأوثق والأعلم عنده وقيل يجب
لذلك فان تساوى قول اثنين عنده تخير وقيل يصلي مرتين إلى الجهتين وفى معنى الأعمى البصير
229

الذي لا يعرف الآلة وليس له أهلية معرفتها فيقلد كالأعمى لأن عدم البصرة أشد من عدم البصر
(القسم الثاني) لعاجز الذي يمكنه التعلم فيبني أمره على أن تعلم أدلة القبلة هل هو من فروض الأعيان
أم لا وفيه وجهان أحدهما لا بل هو من فروض الكفايات كالعلم بأحكام الشريعة ولان الحاجة إلى
استعمالها نادرة فان الاشتباه مما يندر وأصحهما أنه من فروض الأعيان كان الصلاة وشرائطها بخلاف تعلم
الأحكام فإنه يحتاج إلى زمن طويل وتحمل مشقة كبيرة فان قلنا لا يجب التعلم فله أن يصلى بالتقليد ولا يقضي
كالأعمى وان قلنا بعين فليس له التقليد فان قلد قضي لتقصيره وإذا ضاق الوقت عن أن تعلم فهو كالعالم
إذا تحير في اجتهاده وقد قدمنا الخلاف فيه: وارجع بعد هذا إلى ما يتلق بلفظ الكتاب خاصة فأقول أما قوله
فالقادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد فاعلم أن القادر على معرفها وإن كان يمتنع عليه الاجتهاد لكن امتناع
الاجتهاد لا يختص به لان من وجد عد لا يخبره عن القبلة أخبارا أيستند إلى علم في زعم المخبر يمتنع عليه الاجتهاد
ومع أن قوله لا يحصل المعرفة فان قلت قوله يحصل الظن وان لم تحصل المعرفة والفقهاء كثيرا
230

ما يعبرون بلفظ العلم والمعرفة عن الظن وعن المشترك بين العلم والظن لالتحاق الظن بالعلم في كونه
معمولا به في الشرعيات فلعله أراد بالمعرفة ذلك و الجواب أن لفظ المعرفة وإن كان يستعمل فيما
ذكرت لكنه ما أراد به في هذا الموضع إذ العلم اليقيني الا تراه يقول في الوسيط فإن كان قادرا
على معرفة جهة القبلة يقينا لم يجزله الاجتهاد على أنه لا يمكن إرادة المشترك بين العلم والظن في هذا
السياق لان الاجتهاد يفيد ضربا من الظن فإذا كان المراد من المعرفة المشترك دخل القادر على
الاجتهاد في قوله فالقادر على معرفة القبلة وحينئذ لا ينتظم الحكم بأنه لا يجوز له الاجتهاد
وأما قوله والقادر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد فإنه يفيد ما يفيده قوله بعد ذلك وليس للمجتهد
أن يقلد غيره فالثاني تكرار والغالب على الظن أنه إنما أعاده تمهيد البناء مسألة التحير عليه لكن
المحوج إلى الإعادة لهذا الغرض توسيط حكم الأعمى بين الكلامين فلو عقب الكلام الأول بمسألة
التحير وأخر حكم الأعمى لاستغنى عن ذلك وأما قوله والأعمى العاجز يقلد شخصا إلى آخره فليعلم
المكلف بالواو لان في كلام الأصحاب وجها انه يجوز تقليد الصبي وهو كالخلاف المذكور في الرجوع
إلى أخباره ثم الصفات المذكورة غير كافية في المقلد بل يشترط فيه شئ آخر وهو العدالة وليس لفظ
العاجز للتقليد فان كل أعمى عاجز وإنما هو وصف له وتنبيه على المعني المجوز للتقليد ومسألة التحرير
قد أطلق الخلاف فيها وهو محمول على ما إذا ضاق الوقت كما حكيناه من قبل وقوله أما البصير الجاهل
231

بالأدلة ان قلد يلزمه القضاء ليس مجرى على اطلاقه أيضا لان البصير الجاهل إذا كان بحيث لا يمكنه
التعلم فهو كالأعمى يقلد ولا يقضى كما تقدم *
قال (ثم مهما صلي بالاجتهاد فتيقن الخطأ وبان جهة الصواب وجب (ح م) عليه القضاء على أحد
القولين فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا بالاجهاد ففي القضاء قولان مرتبان وأولى أن
يجب عليه ومن صلي أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات ولم يتعين له الخطأ فلا
قضاء (و) عليه) *
المصلي بالاجتهاد إذا ظهر له الخطأ في اجتهاده فله ثلاث أحوال (أحدها) أن يظهر له الخطأ قبل
الشروع في الصلاة (والثانية) أن يظهر بعد الفراغ منها (والثالثة) أن يظهر في أثنائها أما الحالة الأولى
فهي غير مذكورة في الكتاب وحكمها أن ننظر ان تيقن الخطأ في اجتهاده أعرض عن مقتضاه
وتوجه إلى الجهة التي نعلمها أو يعلمها أو يظنها جهة الكعبة وان ظن الخطأ في اجتهاده وظن أن الصواب
جهة أخرى فإن كان دليل الاجتهاد الثاني أوضح عنده من الأول اعرض عن مقتضي
الأول وإن كان دليل الأول أوضح عنده جرى على مقتضاه وان تساويا تخير وقيل
يصلي إلى الجهتين مرتين وأما الحالة الثانية وهي ان يظهر الخطأ يقينا أو ظنا والقسمان مذكوران في الكتاب أما القسم
232

الأول وهو ان يظهر الخطأ يقينا ففي وجوب القضاء قولان أصحهما الوجوب لأنه تعين له الخطأ
فيما يأمن مثله في القضاء فلا يعتد بما فعله كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه واحترزوا بقولهم فيما
يأمن مثله في القضاء عن الخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا يجب القضاء لان مثله غير مأمون في القضاء
ويمكن أن يقال في قولنا تعيين الخطأ ما يفيد هذا الاحتراز لان الامر ثم مبني على رؤية الهلال ولا يقين
بكون الرأيين مصيبين أو على استكمال العدد وهو مبني على الرؤية في الشهور المتقدمة والإصابة فيها
مظنونة والمبنى على المظنون مظنون والقول الثاني انه لا يجب القضاء لأنه ترك القبلة تعذر فأشبه تركها
في حالة المسايفة قال الصيدلاني ومعنى القولين انه كلف الاجتهاد لا غير أو كلف التوجه
إلى القبلة فان قلنا بالأول فلا قضاء وان قلنا بالثاني وجب القضاء وبالقول الثاني قال أبو حنيفة ومالك واحمد
والمزني وقوله في الكتاب وجب القضاء معلم برقمهم جميعا وللمسألة نظائر منها ما إذا اجتهد في وقت الصلاة
فتبين تعد انقضاء الوقت انه أخطأ بالتقديم أو اجتهد المتحوس في الصيام فوافق اجتهاده شعبان
وتبين بعد انقضاء رمضان ففي وجوب القضاء قولان قال امام الحرمين وهذا إذا لم يتأت
الوصول إلى اليقين فان بأتى ذلك فالوجه القطع بوجوب القضاء وان اجتهاده إنما يغنى بشرط
الإصابة ومنها ما إذا رأوا سوادا فظنوه عبوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان الخطأ ففي القضاء
قولان ومنها ما إذا دفع الزكاة إلى رجل ظنه فقيرا فبان غنيا ففي الضمان قولان ثم اختلفوا في موضع
233

القولين فيما نحن على طريقين قال الأكثرون القولان جاريا فيما إذا تبين الصواب يقينا
مع يقين الخطأ وفيما إذا لم يتبين اصواب يقينا مع يقين الخطأ ولا فرق ومنهم من قال القولان فيما
إذا بان يقين الخطأ مع يقين الصواب أما إذا تيقن الخطاء دون الصواب فلا يخب القضاء بحال
لأنه لا يأمن الخطأ في القضاء أيضا فأشبه خطأ الحجيج في الوقوف بعرفة فإنهم لما لم يأمنوا مثله
في القضاء لم يلزمهم القضاء وهذا معنى قوله في الكتاب فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا باجتهاد
ففي القضاء قولان مرتبان وأولا بأن لا يجب ومتى رتب المذهبيون صورة على صورة في الخلاف
وجعلوا الثانية أولي بالنفي أو الاثبات حصل في الصورة المرتبة طريقان أحدهما طرد الحلاف والثاني
234

القطع بما في الصورة الأخيرة أولى به من النفي أو الاثبات وقد يعبر عن هذا الغرض بعبارة أخرى
مثل ان يقال فيما نحن فيه هل يجب القضاء عند تيقن الخطأ فيه ثلاثة أقوال يجب: لا يجب: يفرق
بين أن يتيقن معه الصواب فيجب وبين أن لا يتيقن فلا يجب والأظهر طريقة طرد القولين واعترض
امام الحرمين على التشبيه بخطأ الحجيج بأن قال الخطأ ثم غير مأمون في السنين المستقبلة بحال وههنا
ان لم يأمن الخطأ في حالة الاشتباه فيمكنه الصبر حتى ينتهي إلى بقعة يستيقن فيها الصواب وما
ذكرناه من الخلاف في أن المجتهد إذا بان له يقين الخطأ هل يقضى يجرى بعينه في حق الأعمى
ذي قلده (القسم الثاني) ان يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة ظنا وذلك لا يوجب القضاء لان
235

الاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد الا ترى ان القاضي لو قضى باجتهاده ثم تغير اجتهاده لا ينقض قضاؤه
أول وينبنى على هذا ما لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربعة اجتهادات فلا يجب عليه
قضاء واحدة منها لان كل واحدة منها مؤداة باجتهاد لم يتعين فيه الخطأ هذا ظاهر المذهب وهو
الذي ذكره في الكتاب وعن صاحب التقريب وجهان آخران أحدهما يجب عليه قضاء الكل
لان الخطأ مستيقن في ثلاث صلوات منها وان لم يتعين فأشبه ما إذا فسدت عليه صلاة من صلوات
وحكى في التتمة هذا الوجه عن الأستاذ أبى اسحق الأسفرايني والثاني انه يجب قضاء ما سوى
الصلاة الأخيرة ويجعل الاجتهاد الأخير ناسخا لما قبله وعلى هذا الحلاف لو صلى صلاتين إلى جهتين
باجتهادين أو ثلاثا إلى ثلاث جهات باجتهادات فعلى ظاهر المذهب لا قضاء عليه وعلى الوجه
الثاني يقضي الكل وعلى الثالث يقضي ما سوى الأخيرة واعلم أنا سنذكر خلافا في أنه إذا صلي
بالاجتهاد هل يجب عليه تجديد الاجتهاد للصلاة الثانية وحكم هذه الصورة لا يختلف بين ان
236

توجب تجديد الاجتهاد فيجدد وبين الا نوجب لكن اتفق له ذلك *
قال (وان تيقن انه استدبر وهو في أثناء الصلاة يحول وبناء الا إذا قلتا يجب القضاء
عند الخطأ فههنا أولى بالابطال كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين أما إذا ظهر الخطأ يقينا
أو ظنا ولكن لم يظهر جهة الصواب فان عجز عن الدرك بالاجتهاد بطلت صلاته وان قدر على
ذلك على القرب ففي البطلان قولان مرتبان على تيقن الصواب وأولى بالبطلان لأجل
التحير في الحال) *
هذا الفصل لبيان الحالة الثالثة وهي أن يظهر الخطأ في الاجتهاد في أثناء الصلاة ولا يخلو أما
أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ وأما أن لا يكون كذلك فهما ضربان (الضرب الأول)
237

أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ فننظر إن كان الخطأ مستيقنا فنبي ذلك على القولين في
وجوب القضاء عند ظهور يقين الخطأ بعد الصلاة إن فلنا يجب بطلت صلاته ههنا ولزمه الاستئناف
جهتين كالحادثة الواحدة لا يتصور امضاؤها بحكمين مختلفين وأصحهما أنه ينحرف إلى جهة الصواب
ويبنى على صلاته احتسابا لما مضي من صلاته كما يحتسب بجميع صلاته على هذا القول إذا بان يقين
الخطأ بعد الصلاة ولا ننكر إقامة الصلاة الواحدة إلى جهتين الا ترى أن أهل قباء كذلك فعلوا (1)
وإن كان الخطأ ظاهرا بالاجتهاد فقد ذكرنا أنه إذا وقع ذلك بعد الصلاة لم يؤثر فإذا اتفق في أثنائها فهو
238

على هذين الوجهين أو القولين وأصحهما أنه ينحرف ويبني لان الامر بالاستئناف نقض لما أدى
من الصلاة والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والثاني أنه استأنف كيلا يجمع في صلاة واحدة بين
جهتين فعلى الوجه الأول لو صلي أربع ركعات إلى أربع جهات بأربعة اجتهادات فلا إعادة عليه
كما ذكرنا في الصلاة وخص في التهذيب رواية الوجهين بما إذا تغير اجتهاده وكان الدليل الثاني
أوضح من الأول فاما إذا كان الدليل الثاني مثل الأول أو دونه قال لا يتحول بل يتم صلاته إلى
تلك الجهة ولا إعادة عليه ولك أن تقول إن كان الدليل الثاني دون الأول فلا يتغير الاجتهاد
ولا يظهر الخطأ لان أقوى الظنين لا يترك بأضعفهما وإن كانا مثلين فقضيته التوقف والتحير وحينئذ
لا يكون الصواب ظاهرا فتكون الصورة من الضرب الثاني وسنذكر حكمه (الضرب الثاني)
أن لا يظهر الصواب مع ظهور الخطأ فان عجز عن درك الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت
صلاته إذ لا سبيل إلى الاستمرار على الخطأ ولا وقوف على جهة الصواب لينحرف وان قدر على
ذلك على القرب فهل يبني وينحرف أم يستأنف يعود فيه الخلاف الذي ذكرناه في الضرب
الأول بالترتيب وههنا أولي بان يستأنف لان ثم يمكن من الانحراف إلى الصواب كما ظهر الخطأ
239

وههنا بخلافه فإنه متحير في الحال مثال هذا الضرب عرف أن قبلته يسار المشرق والسماء
متغيمة فتوجه إلى جهة على ظن أنها يسار المشرق فانقشع الغيم بحذائه وظهر كوكب قريب من الأفق
فقد علم الخطأ يقينا إذ بين له أنه مشرق أو مغرب ولم يعلم الصواب إذ لم يعرف أنه مشرق
أو مغرب ثم قد يعرف الصواب على القرب بان يرتفع الكوكب فيعلم أنه مشرق أو ينط فيعلم
أنه مغرب ويترتب على ذلك معرفة القبلة وقد يعجز عن ذلك بان يطبق الغيم ويستمر الالتباس
ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب مما ذكرناه (اعلم) انا قسمنا الضرب الأول قسمين أحدهما أن يستيقن
الخطأ والثاني أن لا يستيقنه فقوله وأن تيقن أنه استدر هو القسم الأول من هذا الضرب فان
المستيقن للاستدبار عارف بالصواب أيضا مع معرفة الخطأ بقينا وفرق تعد
تيقن الخطأ بين أن يظهر الصواب يقينا أو ظنا وأن كانت الصورة المذكورة في الكتاب هو يقين
الصواب مع يقين الخطأ وقوله تحول وبنى جواب على قولنا انه إذا بان يقين الخطأ بعد الصلاة
لا يجب عليه القضاء وقد روينا وجهين على هذا القول فما ذكره جواب على أصحهما ثم أشار إلى التفريع
240

على القول الثاني بقول الا إذا قلنا يجب القضاء عند الخطأ أي إذا أوجبنا القضاء عند ظهور الخطأ
يقينا بعد الصلاة فنحكم ببطلان الصلاة عند ظهوره في أثنائها ولا يعتد بما أتى به بل البطلان ههنا
أولي كيلا بجمع في صلاة بين جهتين وأما القصم الثاني من هذا الضرب فهو غير مذكور في
الكتاب وحكمه قريب من حكم القسم الأول لأنا وان رتبنا الحكم ثم على القولين في أن تعين
الخطأ بعد الصلاة هل يوجب القضاء كما سبق فلا يحصل الا وجهان أحدهما انه يبنى والثاني انه
يستأنف وهما جاريان في القسم الثاني على ما بينا ولهذا قال في الوسيط وان تبين بالاجتهاد انه
مستدبر فحكمة حكم المتيقن نعم يختلف التوجيه بحسب القسمين كما قدمناه وأما قوله أما إذا ظهر
الخطأ يقينا أو ظنا إلى آخر فهو الضرب الثاني وههنا صرح بالتسوية بين تيقن الخطأ وظنه وقوله ففي البطلان قولان مرتبان على يقين الصواب أي يقين الصواب مع الخطأ وهو صورة الاستدبار
وقد ذكر فيها قولين انه تبطل صلاته أو يبني وهذه مرتبة عليها والله أعلم *
241

قال (ولو بان له الخطأ في التيامن والتياسر فهل هو كالخطأ في الجهة فعلى وجهين يرجع حاصلهما
إلى أن بين المشتد في الاستقبال وبين الأشد تفاوتا عند الحاذق فهل يجب طلب الأشد أم يكفي حصول
أصل الاشتداد فعلى وجهين) *
جميع ما ذكرنا من الأحوال الثلاث فيما إذا بان له الخطأ في الجهة فاما إذا كانت الجهة واحدة
وبان له الخطأ في التيامن والتياسر فهذا يستدعي تقديم أصل وهو ان المطلوب بالاجتهاد عين الكعبة
أم جهتها وفيه قولان أظهرهما أن المطلوب عين الكعبة لظاهر قوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره)
وقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي تقدم ذكره مشيرا إلى العين (هذه القبلة) وهما مطلقان ليس
فيهما فصل بين القريب والبعيد والثاني أن المطلوب جهة الكعبة لان حرم الكعبة صغير يستحيل
أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفى بالجهة ولهذا تصح صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة
ومعلوم أن بعضم خارجون عن محاذاة العين وهذا القول يوافق والمنقول عن أبي حنيفة وهو أن المشرق
قبلة أهل المغرب والمغرب قبلة أهل المشرق والجنوب قبلة أهل الشمال والشمال قبلة أهل الجنوب
242

وعن مالك ان الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل مكة ومكة قبلة أهل الحرم والحرم
قبلة أهل الدنيا: وإذا ثبت هذا الأصل فنقول الخطأ في التيامن والتياسر ان ظهر بالاجتهاد وكان
ذلك بعد الفراع من الصلاة فلا يقتضي وجوب الإعادة لان الخطأ في الجهة والحالة هذه لا يؤثر
ففي التيامن والتياسر أولى وإن كان في أثناء الصلاة فينحرف ويبنى ولا يعود فيه الخلاف المذكور
في نظيره من الخطأ في الجهة لأنا استبعدنا الصلاة الواحدة إلى جهتين مختلفين فاما الالتفات اليسير
فإنه لا يبطل الصلاة وإن كان عمدا أما إذا ظهر الخطأ في التيامن والتياسر يقينا فيبني على أن الفرض
إصابة عين الكعبة أم إصابة جهتها فان قالا الفرض إصابة الجهة فلا اثر لهذا الخطأ في وجوب
الإعادة ان ظهر بعد الصلاة ولا في وجوب الاستئناف ان ظهر في في أثنائها وان قلنا الفرض إصابة
العين ففي الإعادة والاستئناف القولان المذكوران في الخطأ في الجهة ثم قال صاحب التهذيب
وغيره لا يستيقن الخطأ في الانحراف مع بعد المسافة عن مكة وإنما يظن أما إذا قربت المسافة
فكل منهما ممكن وهذا كالتوسط بين اختلاف أطلقه أصحابنا العراقيون في أنه هل يتيقن الخطأ
في الانحراف من غير معاينة الكعبة بلا فرق بين قرب المسافة وتعدها فقالوا قال الشافعي رضي
الله عنه لا يتصور ذلك الا بالمعاينة وقال بعض الأصحاب يتصور والله أعلم هذا شرح المسألة: واما قوله يرجع حاصلهما إلى أن بين المستند في الاستقبال إلى آخره فهو كلام نحا فيه نحو امام الحرمين
243

رحمة الله عليهما وذلك أنهما حكيا ان الأصحاب بنوا الخلاف في خطا التيامن والتياسر على الخلاف
في أن مطلوب المجتهد عين الكعبة أو جهتها واعترضا على هذه العبارة فقالا محاذاة الجهة غير كافية لان
القريب من الكعبة إذا خرج عن محاذاة العين لا تصح صلاته وإن كان مستقبلا للجهة ومحاذاة
العين لا يمكن اعتبارها فان البعيد عن الكعبة على مسافة شاسعة لا يمكنه إصابة العين ومسامتتها
والمحال لا يطلب وأيضا فالصف الطويل في آخر المسجد تصح صلاة جميعهم مع خروج بعضهم
عن محاذاة العين وإذا بطل ذلك فما موضع الخلاف وما معنى العين والجهة ذكرنا ان الانحراف
اليسير لا يسلب أسم الاستقبال عن البعيد عن الكعبة في المسجد وإن كان يسلبه نعن القريب
من الكعبة وإذا لم يسلبه عن البعيد الواقف في المسجد فأولى أن لا يسلبه عن الواقف في أقصى
المشرق والمغرب ثم البصير بأدلة القبلة يجعل التفات البعيد وانحرافه على درجتين (أحدهما) لانحراف
السالب لاسم الاستقبال وهو الكثير منه وأن يولي الكعبة يمينه أو يساره والثاني
الانحراف الذي لا يسلب اسم الاستقبال وفى هذه الدرجة مواقف يظن الماهر في الأدلة أن بعضها
أشد من بعض وان شملها أصل الشداد فهل يجب طلب الأشد أم لا فيه الخلاف وربما أشعر
كلام امام الحرمين باثبات درجات التفات بقطع البصير بأنه يسلب اسم الاستقبال والتفات
يقطع بأنه لا يسلبه والتفات يظن أنه لا يسلب لكنه لا يقطع به فهل تجوز القناعة بالشداد المظنون
244

أم يجب طلب المقطوع به فيه الخلاف هذا ما ذكراه والجمهور على التعبير عن الخلاف بالعين
والجهة واتفق العراقيون والقفال على ترجيح القول الصائر إلى أن المطلوب العين ولهم أن يقولوا
لا نسلم ان التعيد لا يمكنه إصابة عين الكعبة بل عليه ربط الفكر في اجتهاده بالعين دون الجهة
وأما الصف الطويل فلا نسلم خروج بعضهم عن محاذاة العين وذلك لان التباعد من الحرم الصغير
يوجب زيادة محاذاة العين كما تقديم *
قال (فروع أربعة (الأول) إذا صلى الظهر باجتهاد فهل يلزمه الاستئناف للعصر
فعلى وجهين (الثاني) لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين فلا يقتدى أحدهما بالآخر (الثالث إذا تحرم
المقلد في الصلاة فقال له من هو دون مقلده أو مثله أخطأ بك فلان لم يلزمه قبوله وإن كان أعلم فهو كتغير
اجتهاد البصير في أثناء صلاته في نفسه ولو قطع بخطأه وهو عدل لزمه القبول لان قطعه أرجح من
ظن غيره (الرابع) ولو قال البصير الأعمى الشمس وراءك وهو عدل فعلى الأعمى قبوله لأنه اختار
عن محسوس لا عن اجتهد) * ختم الباب بفروع (أحدهما) إذا صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم دخل عليه وقت صلاة أخرى
أو أراد قصاء فائتة فهل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد للفريضة الثانية وجهان أحدهما لا لان
الأصل استمرار الظن الأول فيجرى عليه إلى أن يتبين خلافه وأظهر نعم سعيا في إصابة الحق
245

لان الاجتهاد الثاني ان وافق الأول تأكد الظن وان خاله فكذلك لان تغير الاجتهاد لا يكون
الا لامارة أقوى من الامارة الأولي وآكد الظنين أقرب إلى اليقين وهذان الوجهان كالوجهين
في طلب الماء في التيمم وكالوجهين في المفتى إذا استفتى عن واقعة واجتهد وأجاب فاستفتى مرة
أخرى عن تلك الواقعة هل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد وأما النوافل فلا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد
لها كما لا يحتاج إلى تجديد التيم لها ذكره صاحب التهذيب وغيره: فان قلت ذكرتم ان الوجهين
في وجوب تجديد الطلب مخصوصان بما إذا لم يبرح من مكانه فهل الامر كذلك ههنا قلنا في كلام
تعض الأصحاب ما يقتضى تخصيص الوجهين تما إذا كان في ذلك المكان ههنا أيضا لكن الفرق
ظاهر لان الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في موضع أخر والأدلة المعرفة لكون الجهة جهة
القبلة لا تختلف بالمكانين فان أكثرها سماوية ولا تختلف دلالاتها بالمسافات القريبة (الثاني)
لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين فكل واحد منهما يعمل باجتهاده ولا يفتدى أحدهما بالآخر
فان كل واحد منهما مخطئ عند الثاني فصار كما لو اختلف اجتهادهما والاناءين والثوبين ولو اجتهد
جماعة وتوافق اجتهادهم فأمهم واحد منهم ثم تغيير اجتهاد واحد من المأمومين فعليه أن يفارقه
وينحرف إلى الجهة الثانية وهل عليه أن يستأنف أم له البناء فيه الخلاف الذي قدمناه في تغيير
الاجتهاد في أثناء الصلاة وللخلاف ههنا مأخذ آخر وهو انا سنذكر خلافا في أن المأموم هل أنه يفارق الامام أم وهل يفترق الحال بين أن يفارق بعذر أو غير عذر ثم منهم من قال هذه المفارقة
246

بعذر ومنهم من قال هو مقصر بترك امعان البحث والنظر ولو عذر ولو تغير اجتهاد الامام فينحرف
إلى الجهة الأخرى اما بانيا أو مستأنفا على الخلاف الذي بق وهم يفارقونه ولو اختلف اجتهاد
رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة فان فان أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو الاختلاف في
الجهة فلا يقتدى أحدهما بالآخر والا فلا بأس (الثلاث) إذا شرع المقلد في الصلاة بالتقليد ثم قال
له عدل أخطأ بك من قادته فلا يخلو اما أن يقول ذلك عن اجتهاد أيضا أو عن علم ومعاينة فهما
حالتان (فأما في الإحالة الأولى) فننظر إن كان قول الأول أرجح عنده وأولى بالاتباع اما لزيادة
عدالته وهدايته إلى الأدلة فلا اعتبار بقول الثاني إذا الأقوى لا يرفع بالأضعف وإن كان قول الثاني
مثل قول الأول أو لم يعرف انها مثلان أو أحدهما أقوى من الاخر فكذلك أثر لقول الثاني
وإن كان قول الثاني أرجح عند قهو كتغير اجتهاد البصير المجتهد في نفسه فيعود فيه الخلاف
المقدم في أنه يبنى أو يستأنف كذا هو في التهذيب وغيره ولو أخبره المجتهد الثاني بعد الفرع من
247

الصلاة لم يلزم الإعادة وإن كان قول الثاني أرجح كما لو تغير اجتهاد بعد الفراع وقوله فقال له
من هو دون مقلده أو مثله أراد به هذه الحالة الأولى أي قال ذلك عن اجتهاد واما قوله لم يلزمه
قبوله فلعلك تقول قد عرفت انه لا يلزمه فهل يجوز قبوله فالجواب ان هذا يرتب على أن المقلد
إذا وجد مجتهدين قبل الشروع في الصلاة أحدهما أعلم من الاخر فهل يجب عليه ان يأخذ بقول
الأعلم أم يتخير فان قلنا بالأول فلا قبوله وان قلنا بالثاني ففيه خلاف لأنه ان بنى كان مصليا
للصلاة الواحدة جهتين وان استأنف كان مبطلا للفرض من غير ضرورة وفى نظائر كل واحد
منهما خلاف (الحالة الثانية) ان يخبره عن علم ومعاينة فيجب لرجوع إلى قوله لاستناده إلى اليقين واعتماد الأولى
على الاجتهاد ولا فرق ههنا بين أن يكون قول الثاني أصدق عنده أو لا يكون ومن هذا القبيل أن يقول
الأعمى أنت مستقبل للشمس أو مستدبر والأعمى يعرف ان قبلته ليست في صوب الشرق ولا المغرب
فيجب قبول قوله ويكون هذا ويكون هذا بمثابة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في اثنا الصلاة فيلزمه الاستئناف
على الصحيح ولو قال الثاني انك على الخطأ قطعا فكذلك يجب قبوله فان قطعه أرجح من ظن الأول
248

فينزل قطعه منزلة الاخبار عن محسوس ثم القاطع بالخطأ قد يخبر عن الصواب به وقد يخبر
عنه مجتهدا ويجب قبوله على التقديرين لبطلان تقليد الأول بقطعه ولا يمكن أن يكون قطعه بالخطأ عن
249

اجتهاد فان الاجتهاد لا يفيد القطع فلا عبرة بالعبارة الفارغة عن المعنى وكل ما ذكرناه مفروض
فيما إذا اخبره الثاني عن الصواب والخطأ جميعا فأما إذا أخبره عن الخطأ على وجه يجب قبوله ولم
250

يخبره هو ولا غير عن الصواب فهو كتغير اجتهاد المجتهد في الصلاة وقد سبق حكمه والله أعلم: فان
قلت وعد في الكتاب بأربعة فروع ولم يذكر الا ثلاثة المذكورة في هذا الفصل
251

لم يعدها في الوسيط الا ثلاثة فروع وجعل في أولها فرعا آخر وههنا عدها أربعة من غير ذلك
المضموم فيجوز ان يقال جعل حالتي الفرع الأخير فرعين ويجوز غير ذلك والامر فيه هين *
قال (الباب الرابع في كيفية الصلاة)
252

(وأركانها أحد عشر التكبير والقراءة والقيام والركوع والاعتدال عنه والسجود والقعدة
بين السجدتين مع الطمأنية في الجميع والتشهد الأخير والقعود فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
والسلام (ح) والنية بالشرط أشبه) *
الصلاة في الشريعة عبارة عن الافعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ولابد من رعاية أمور
أخر ليقع الاعتداد بتلك الافعال وتسمى هذه الأمور شروطا وتلك الأفعال أركان فجعل هذا
الباب في الأركان والذي يليه في الشروط ولابد من معرفة الفرق بينهما (اعلم) أن الركن والشرط
253

يشتركان في أنه لابد منهما وكيف يفترقان منهم من قال يفترقان العام والخاص ولا معنى
للشرط الا ما لابد منه فعلى هذا كل ركن شرط ولا ينعكس وقال الأكثرون ويفترقان افتراق
الخاصين ثم فسر قوم الشرط بما يتقدم على الصلاة كالطهارة وستر العورة والأركان بما تشتمل عليه
الصلاة ويرد على هذا ترك الكلام والفعل الكثير وسائر المفسدات فاتها لا تقديم على الصلاة
وهي معدودة من الشروط دون الأركان ولك أن تفرق بينهما بعبارتين (أحدهما) أن تقول يعنى
بالأركان المفروضات المتلاحقة التي أوله الكبير وآخرها التسليم ولا يلزم التروك فإنها دائمة
ولا تلحق ونعني بالشروط ما عداها من المفروضات (والثانية) ان نقول يعنى بالشرط ما يعتبر
في الصلاة بحيث يقارن كل معتبر سواه وبالركن ما يعتبر لا على هذا الوجه: مثاله الطهارة تعتبر
مقارنتها للركوع والسجود وكل أمر معتبر ركنا كان أو شرطا والركوع معتبر لا على هذا الوجه
إذا تبين ذلك فحقيقة الصلاة تتركب من هذه الأفعال المسماة أركان وما لم يشرع فيها لا يسمي شارعا
في الصلاة وان تطهر وستر العورة واستقبل وهذا واضح في عرف الشرع واطلاقاته ثم إن المصنف
عد الأركان أحد عشر يعني أجناسها ثم منها ما لا يتكرر كالسلام ومنها ما يتكرر اما في الركعة الواحدة كالسجود أو بحسب عدد الركعات كالركوع ولم يعد الطمأنينة في الركوع وغيره أركانا
254

بل جعلنا في كل ركن كالجزء منه والهيثة التابعة له وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي ((ثم
اركع حتى تطمئن راكعا) (1) وضم صاحب التخليص إلى الأركان المذكورة استقبال
القبلة واستحسنه القفال وصوبه ومن فرض نية الخروج والموالاة والصلاة على آل النبي صلى الله عليه
وسلم الحقها بالأركان ومنهم من ضم إلى الأحد عشر التي ذكرها الترتيب في الافعال وهكذا
أورد صاحب التهذيب ويظهر عده من الأركان على العبارة الثانية في تفسير الركن وأما النية فقد حكي
الشيخ أبو حامد وغيره وجهين في أنها من قبيل الشرائط أو من الأركان أحدهما وهو الأشبه عند
صاحب الكتاب أنها من الشرائط لأن النية تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عن الصلاة والا لكانت
متعلقة بنفسها ولا اقترن إلى نية أخرى وأظهرهما عند الأكثرين انها من الأركان لاقترانها بالتكبير
وانتظامها مع سائر الأركان ولا يبعد أن تكون من الصلاة وتتعلق بسائر الأركان ويكون قول الناوي
أصلي عبارة بلفظ الصلاة عن سائر الأركان تعبيرا باسم الشئ عن معظمه وبهذا الطريق سماها
المصنف في الصوم ركنا والا فما الفرق ولك أن تعلم قوله وأركانها أحد عشر بالواو لما حكينا
من الاختلاف على أن أكثره يرجع إلى التعبيرات وكيفية العد وحظ المعني لا يختلف وأبو حنيفة وسائر
العلماء رحمة الله عليهم يخالفون في بعض الأركان المذكورة وسنذكر مذهبهم عند تفصيل القول فيها
فان الغرض الآن تزاحم جملة وإذا ذكرنا مذهبهم تبينت المواضع المحتاجة إلى العلامات من هذا الفصل *
255

قال (والابعاض أربعة القنوت والتشهد الأول والقعود فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
وعلى الأول في التشهد الأخير على أحد القولين وهذه الأربعة تجبر بالسجود وما عداها فسنن
لا تجبر بالسجود).
للصلاة مفروضات ومندوبات أما المفروضات فهي الأركان والشروط وأما المندوبات فقسمان
مندوبات يشرع في تركها سجود السهو ومندوبات لا يشرع فيها ذلك والتي تقع في القسم الأول تسمى
أبعاضا ومنهم من يخصها باسم المسنونات وتسمى التي تقع في القسم الثاني هيئات قال امام الحرمين وليس
في تسميتها ابعاضا توقيف ولعل معناها أن الفقهاء قالوا يتعلق السجود ببعض السنن دون بعض والتي
يتعلق بها السجود أقل مما لا يتعلق ولفظ البعض في أقل قسمي الشئ أغلب اطلاقا فلذلك سميت هذه
الابعاض وذكر بعضهم أن السنن المجبورة بالسجود قد تأكد أمرها وجاوز حد سائر السنن وبذلك
القدر من التأكيد شاركت الأركان فسميت ابعاضا تشبيها بالأركان التي هي ابعاض واجزاء حقيقة
وسيأتي وجه شرعية سجود السهو فيها في باب السجدات وقد ذكرها المصنف في ذلك الباب ولو لم يتعرض ها
في هذا الموضع لما ضر لكنه لما ترجم الباب بكيفية الصلاة وعدت هذه السنن من ابعاضها استحسن ذكرها
في هذا الموضع أيضا ثم إنه عدها أربعة أحدها القنوت وثانيها التشهد الأول وثالثا القعود فيه ورابعا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وسلم فيه وفى استحبابها قولان يذكر ان من بعد فان قلنا
256

بالاستحباب فهو من الابعاض والحق بهذه الأربعة شيئان أحدهما الصلاة على الآل في التشهد الثاني ان
قلنا إنها مستحبة لا واجبة وكذلك في التشهد الأول ان استحببناها تفريعا على استحباب الصلاة على
الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الخامس قد ذكره في الكتاب في باب السجدات ونشرح الخلاف فيه من بعد إن شاء الله تعالى والثاني القيام للقنوت عد بعضنا برأسه وقراءة القنوت بعضا آخر
حتى لو وقف ولم يقرأ يسجد للسهو وهذا هو الوجه إذا عددنا التشهد بعضا والقعود له بعضا آخر وقد
أشار إلى هذا التفصيل في القنوت امام الحرمين قدس الله روحه وصرح به في التهذيب ثم كون
القنوت بعضا لا يختص بصلاة الصبح بل هو بعض في الوتر أيضا في النصف الأخير من رمضان
وقوله وما عداها فسنن لا تجبر بالسجود ينبغي ان يعلم بالحاء والميم والألف لما سيأتي في باب سجود السهو *
قال (الركن الأول التكبير ولتكن النية مقرونة به بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة
ويقرن القصد إلى هذا المعلوم بأول التكبير ويبقى مستديما للقصد والعلم إلى آخر التكبير فلو عزبت
بعد التكبير لم يضر ولو غربت قبل تمام التكبير فوجهان) *
لما لم يعد النية ركنا خلط مسائلها بمسائل التكبير لان وقت النية هو التكبير ويجب أن تكون النية مقارنة
للتكبير خلافا لأبي حنيفة واحمد حيث قالا لو تقدمت النية على التكبير يلزمان يسير ولم يعرض شاغل
عن الصلاة جاز الدخول في الصلاة بتلك النية لنا ان التكبير أول أفعال العبادة فيجب مقارنة النية
له كالحج وغيره ولهذا لو تقدمت بزمان طويل لم يجز بخلاف الصوم لما في اعتبار المقارنة ثم من
عسر مراقبة طلوع الفجر ولهذا يحتمل فيه التقدم بالزمان الطويل ثم في كيفية المقارنة وجهان أحدهما
أنه يجب ان يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ويفرغ منها مع الفراغ من
التكبير وأصحهما أنه لا يجب ذلك بل لا يجوز لان التكبير من الصلاة فلا يجوز الاتيان بشئ منه قبل
تمام النية وعلى تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليا عن تمام النية المعتبرة وهذا هو الذي ذكره
في الكتاب حيث قال ويقرن القصد إلى هذا المعلوم بأول التكبير ثم اختلفوا على هذا الوجه
فقال قوم منهم أبو منصور بن مهران شيخ الأودني يجب أن تتقدم النية على التكبير ولو بشئ يسير
ليأمن من تأخر أولها عن أول التكبير واستشهد عليه بالصوم وقال الأكثرون لا يجب ذلك ولو
قدم فالاعتبار للنية المقارنة بخلاف الصوم فان التقديم كان لورود الشرع بالتبييت ثم سواء قدم أو
لم يقدم فهل يجب استصحاب النية إلى أن يفرغ من التكبير فيه وجهان أحدهما لا لان ما بعد أول التكبير
257

في حكم الاستدامة واستصحاب النية في دوام الصلاة لا يجب وأصحهما نعم لأن النية مشروطة
في الانعقاد والانعقاد لا يحصل الا بتمام التكبير الا ترى أنه لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير
يبطل تيممه واما بعد التكبير فلا يشترط استصحاب النية ولا يضر غروبها لما في تكليف استصحابها
من العسر واما قوله بحيث يحضر في العلم صفات الصلاة إلى آخره فهو بيان لحقيقة النية
وما تفتقر إليه وذلك أن النية قصد والقصد يتعلق بمقصود ولابد وأن يكون المقصود معلوما فالناوي
يحضر في ذهنه أو لا ذات الصلاة وما يجب التعرض لها من صفاتها كالظهرية والعصرية وغيرهما
كما سيأتي ثم يقصد إلى هذا المعلوم ويجعل قصده مقارنا لأول التكبير ولا يغفل عن تذكره حتى يتم
التكبير وقوله ويبقى مستديما للقصد والعلم إلى آخر التكبير ينبغي أن يتنبه فيه لشيئين أحدهما أنه لو لم
يتعرض في مثل هذا الموضع للعلم لكان الفرض حاصلا لان المستدام هو القصد إلى الصلاة بصفاتها
المعتبرة ولا يمكن استدامة هذا القصد الا باستدامة حضور المقصود في الذهن وهو العلم والثاني أن هذا
الكلام بيان لما ينبغي أن يفعله المصلي ثم هو واجب أو مسنون قد بينه آخرا بقوله وان عزبت قبل
تمام التكبير فوجهان ان قلنا يجوز فالاستدامة مسنونة والا فواجبة *
قال (ولو طرأ في دوام الصلاة ما يناقض جزم النية بطل كما لو نوى الخروج في الحال أو في الراكعة
الثانية أو تردد في الخروج ولو علق نية الخروج بدخول شخص فيه وجهان أحدهما يبطل في الحال
وهو الاقيس والثاني لا يبطل لأنه قد لا يدخل فيستمر على مقتضي النية فعلى هذا ان دخل ففي
البطلان وجهان) * (1)
استدامة النية وان لم يكن شرطا في دوام الصلاة الا أن الامتناع عما يناقض جزم النية شرط
فان هذا هين وإن كان الأول عسيرا وهذا كالايمان لا يشترط فيه استحضار العقد الصحيح على
الدوام ولكن يستدام حكمه ويشترط الامتناع عما يناقضه إذا تبين ذلك فنقول لو نوى الخروج
من الصلاة في أثنائها بطلت صلاته فان هذه النية تناقض قصده الأول ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر
فكذلك تبطل صلاته لما بين التردد والجزم من التنافي قال امام الحرمين والمراد من هذا التردد أن
يطرأ له الشك المناقض للجزم واليقين ولا عبرة بما يجرى في الفكر أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون
الحال فان ذلك مما يبتلي به الموسوس وقد يقع له ذلك في الايمان بالله تعالى أيضا فلا مبالاة به ولو نوى
الخروج من صلاته في الركعة الثانية أو علق الخروج بشئ آخر يقع في صلاته لا محالة بطلت صلاته
258

في الحال لأنه قطع موجب النية فان موجبها الاستمرار على الصلاة إلى انتهائها وهذا يناقضه وحكي
في النهاية عن كلام الشيخ أبى على أنه لا تبطل صلاته في الحال ولو رفض هذا التردد قبل الانتهاء
إلى الغاية المضروبة صحت صلاته فال بأس باعلام قوله أو في الراكعة الثانية بالواو لهذا الكلام
وإن كان غريبا ولو علق نية الخروج بدخول الشخص ونحوه مما يجوز عروضه في الصلاة وعدمه فهل
تبطل صلاته في الحال فيه وجهان أصحها نعم كما لو قال إن دخل فان تركت الاسلام فإنه يكفر في الحال
وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية لا تنعقد صلاته بلا خلاف والثاني لا تبطل في الحال فان ذلك المعلق
عليه ربما لا يوجد فتبقى النية على استمرارها فعلى هذا لو دخل الشخص ووجدت الصفة المعلق عليها
فهل تبطل الصالة حينئذ فيه وجهان عند الشيخ أبى محمد أنها لا تبطل إذا لو بطلت لبطلت في الحال
القيام التردد فإذا لم تبطل لم يكن لهذا التردد وكان وجوده وعدمه بمثابة واحدة وقطع الأكثرون
بأنها تبطل عند وجود الصفة فإنه مقتضى تعليقه قال امام الحرمين ويظهر على هذا أن يقال يتبين عند
وجود الصفة أن الصلاة بطلت من وقت التعليق لان بوجود الصفة يعلم أن التعليق خالف مقتضى
النية المعتبرة في الصلاة وموضع الوجهين المفرعين على الوجه الثاني ما إذا وجدت الصفة وهو ذا هل
عن التعليق المقدم أما إذا لم يكن ذاهلا فال خلاف في بطلان صلاته وليكن قوله ولو طرأ في دوام
الصلاة ما يناقض جزم النية بطل معلما بالحاء لان عنده لا أثر لنية الخروج لا في الحال ولا في المال و
للتردد في الخروج وليس قوله ما يناقض جزم النية مجرى على اطلاقه لان الغفلة عن جزم النية يناقضه وهي
غير قادحة على ما سبق والمراد ما عدا الغفلة (واعلم) أنه لو لم ينو الخروج مطلقا ولكن نوى الخروج من
الصلاة التي شرع فيها وصرفها إلى غيرها كان كقصد الخروج المطلق في أن الصلاة المشروع فيها تبطل
ثم ينظران صرف فرضنا إلى فرض كما لو شرع في الظهر ثم صرفها إلى العصر لا يصير عصرا وان
صرف فرضا إلى سنة راتبة أو بالعكس فكذلك وفى بقاء صلاته نفلا في هذه الصورة قولان
تذكرهما من بعد *
قال (ولو شك في أصل النية ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة كركوع بطل وان لم
يمض وقصر الزمان لم يبطل ولو طال فوجهان والصوم يبطل بالتردد في الخروج على أحد الوجهين لأنه
ليس له عقد وتحريم يؤثر القصد فيه) *
الفصل يشتمل على مسألتين وثانيتهما في النظم الكتاب أولاهما بالتقديم لمضاهاتها المسائل المتقدمة
259

على هذا الفصل فنقدمها ونقول لو تردد الصائم في أنه هل يخرج من صومه أو لا أو علق نية الخروج
بدخول شخص فقد ذكر المعظم أن صومه لا يبطل واشعر كلامهم بنفي الخلاف فيه وذكر ابن الصباغ
في كتاب الصوم أن أبا حامد حكى فيه وجهين كما سنذكره في الصورة الآتية ولو جزم نية الخروج ففيه
وجهان أحدهما تبطل كما في الصلاة وأظهرهما وبه قال أبو حنيفة لا كما في الحج والفرق بين الصوم والصلاة
أن الصلاة يتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره والصوم بخلافه فان الناوي ليلا يصير شارعا
في الصوم بطلوع الفجر وخارجا منه بغروب الشمس وان لم يكن له شعور بهما وإذا كان كذلك كان
تأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم ولهذا يجوز تقديم النية على أول الصوم وتأخيرها في الجملة
عن أوله ولا يجوز ذلك في الصلاة والمعنى فيه أن الصلاة أفعال وأقوال والصوم ترك وامساك والافعال
إلى النية أحوج من الترك إذا تقرر ذلك فقوله في الكتاب وكذا يحرم الخروج مقطوع عما قبله على
ما أشعر به كلام المعظم ولا جريان للوجهين في صورة التردد وعلى ما رواه ابن الصباغ يجوز صرف
الوجهين إلى الصورتين والأول هو قضية ايراده في الوسيط (المسألة الأخرى) لو شك في صلاته أنه هل
أتى بالنية المعتبرة في ابتدائها سواء شك في أصلها أو بعض شروطها فينظر ان أحديث على الشك
ركنا فعليا كالركوع والسجود بطلت صلاته وان أحدث ركنا قوليا كالقراءة وتشهد فهل هو كالفعلي
حتى تبطل الصلاة بمضيه على الشك أيضا اختلف الناقلون فيه فمنهم من قال لا فرق بان المأتى به على التردد
غير محسوب فلابد من اعادته والأركان الفعلية إذا زيدت عمد أبطلت الصلاة ولئن عد معذورا
في الإعادة فهو غير معذور في الانشاء على الشك بل كان من حقه التوقف واما الأركان القولية فزيادتها
عمدا لا تبطل الصلاة فلا يضر أحداثها على التردد وهذه الطريقة هي المذكورة في الكتاب فإنه قال ومضى
مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وقصد به الاحتراز عن القراءة والتشهد ومد الطمأنينة وهذا مبني على ظاهر المذهب في أنه لا تبطل الصلاة بتكرير الفاتحة والتشهد عمدا بخلاف تكرير الركوع والسجود
وفيه وجه منقول عن أبي الوليد النيسابوري وغيره ان تكرير الفاتحة كتكرار الركوع فلا فرق على ذلك الوجه
ومنهم من سوى بين الأركان القولية والفعلية وعللوا بان البطلان بان المأتى به على الشك إذا لم يكن
محسوبا فالاشتغال به تلاعب بالصلاة فليمتنع مما ليس من الصلاة ولا فائدة فيه وليتوقف إلى التذكر
وهذه الطريقة أظهر وبه قال العراقيون ورووها عن نص الشافعي رضي الله عنه وليكن قوله لا يزداد
مثله في الصلاة مسلما بالواو لأنه مذكور للتقييد ولا تقييد على هذه الطريقة الأخيرة وان لم يحدث شيئا من
260

فروض الصلاة على التردد حتى يذكر النية نظر أن قصر الزمان لم يضر أيضا لأنه قد أتى بما يليق
بالحال حيث لم يحدث على الشك قولا ولا تقصير منه في عروضه وأظهرهما البطلان لانقطاع نظم
الصلاة وندرة مثل هذا الشك وشبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا كثر الكلام ناسيا والفرق بين طول
الزمان وقصره سيأتي في نظائر المسألة *
قال (ثم كيفية النية أن ينوى الأداء أو الظهر وهل يجب التعرض للفرضية والإضافة إلى الله
عز وجل فوجهان والنية بالقلب لا باللسان وأما النوافل فلابد من تعيين الرواتب بالإضافة وغير
الرواتب يكفي فيها نية الصلاة مطلقة) *
الصلاة قسمان فرائض ونوافل أما الفرائض فيتعين فيها قصد أمرين بلا خلاف (أحدهما) فعل
الصلاة لتمتاز عن سائر الأفعال فلا يكفي اخطار نفس الصلاة بالبال مع الغفلة عن الفعل (الثاني) تعيين
الصلاة المأتى بها من ظهر وعصر وجمعة لتمتاز عن سائر الصلوات ولا يجزئه نية فريضة الوقت عن
نية الظهر والعصر في أصح الوجهين لأنه لو تذكر فائتة غير الظهر في وقت الظهر كان الاتيان بها
فيه اتيانا في الوقت قال صلى الله عليه وسلم (فليصلها إذا ذكرها فان ذلك وقتها) وقتها (1) ليست
هي بظهر ولا يصح الظهر بنية الجمعة وفيه وجه ضعيف وتصح الجمعة بنية الظهر المقصورة ان قلنا إنها
ظهر مقصورة وان قلنا هي صلاة على حيالها لم تصح ولا تصح بنية مطلق الظهر على التقديرين واختلفوا
في اعتبار أمور سوى هذين الامرين منها التعريض للفرضية في اشتراطه وجهان أداء كانت الفريضة
أو قضاء أحدهما وبه قال ابن أبي هريرة لا يشترط لان الشافعي قال في الصبي يصلي ثم يبلغ في آخر الوقت
يجزئه ولو كانت نية الفرض مشروطة لما أجزأه ذلك لأنه لم ينو الفريضة وأظهرهما عند الأكثرين
وبه قال أبو إسحاق تشترط لان الظهر قد يوجد من الصبي وممن صلى منفردا ثم أعادها في الجماعة
ولا يكون فرضا فوجب التمييز ولك ان تقول قولنا المصلى ينوى الفرضية اما ان يعنى بالفريضة في
هذا المقام كونها لازمة على المصلي بعينه أو كونها من الصلوات اللازمة على أهل الكمال أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلنلخصه أولا ثم لنبحث عن لزومه وان عنينا الأول وجب ان لا ينوى الصبي
261

الفريضة بلا خلاف ولم يفرق الأئمة بين الصبي والبالغ بل أطلقوا لوجهين وأيضا فإنهم قالوا فيمن
صلى منفردا ثم أدرك جماعة الصحيح أنه ينوى الفرض بالثاني وهو غير لازم عليه وان عنينا
الثاني فمن تعرض للظهر والعصر فقد تعرض لإحدى الصلوات اللازمة على أهل الكمال وكونها ظهرا أخص
من كونها صلاة لازمة عليهم والتعرض للأخص يغني عن التعرض للأعم ولهذا كان التعرض للصلاة مغنيا
عن التعرض للعبادة ونحوها من الأوصاف وبهذا البحث يضعف ما ذكر في توحيه الوجهين ومنها
الإضافة إلى الله تعالى بأن يقول لله أو فريضة الله فيها وجهان أحدهما وبه قال بن القاص يشترط
ليتحقق معني الاخلاص وأصحهما عند الأكثرين لا يشترط لان العبادة لا تكون الا لله تعالي ومنها
التعرض لكون المأتي به قضاء أو أداء في اشتراطه وجهان أحدهما يشترط أنه ليمتاز كل واحد منها عن
الآخر كما يشترط التعرض للظهر والعصر والثاني وهو الأصح عند الأكثرين أنه لا يشترط بل يصح
الأداء بنية القضاء وبالعكس لان القضاء والأداء كل واحد منهما يستعمل بمعنى الآخر قال الله تعالى
فإذا قضيتم مناسككم أي أديتم ويقال قضيت الدين وأديته بمعنى واستشهدوا لهذا الوجه
بنص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو صلى يوم الغيم بالاجتهاد ثم بان انه صلي بعد الوقت يحكم
بوقوعه عن القضاء مع أنه نوى الأداء ولك أن تقول القول بأن النية الأداء هل تشترط في الأداء
ونية القضاء هل تشترط في القضاء وفرض الخلاف فيه منقدح لكن قولنا هل يصح الأداء بنية القضاء
وبالعكس أما أن يعنى به أن يتعرض في الأداء لحقيقته ولكن يجرى في قلبه أو على لسانه لفظ
القضاء وكذلك في عكسه أو يعنى به انه يتعرض في الأداء حقيقة القضاء وفى القضاء لحقيقة الأداء أو شيئا آخر ان عنينا به شيئا آخر فلابد من معرفته أولا وان عنينا الأول فلا ينبغي ان يقع النزاع
في جوازه لأن الاعتبار في النية بما في الضمائر ولا عبرة بالعبارات وان عنينا الثاني فلا ينبغي أن يقع
نزاع في المنع لان قصد الأداء مع العلم بخروج الوقت والقضاء مع العلم ببقاء الوقت هزء وعبث
فوجب ان لا ينعقد به الصلاة كما لو نوى الظهر ثلاث ركعت أو خمسا ومنها التعرض لاستقبال القبلة
شرطه بعض أصحابنا واستبعده الجمهور لأنه اما شرط أو ركن وليس على الناوي التعرض لتفاصيل
الأركان والشرائط ومنها التعرض لعدد الركعات شرطه بعضهم والصحيح خلافه الآن الظهر إذا
لم يكن قصر الا يكون الا أربعا (القسم الثاني) النوافل وهي ضربان أحدهما النوافل المتعلقة بوقت
أو سبب فيشترط فيها أيضا نية فعل الصلاة والتعيين فينوي سنة الاستسقاء والخسوف وسنة عيد
262

الفطر والتراويح والضحى وغيرها وفى الرواتب يعين بالإضافة فيقول أصلي ركعتي الفجر أو راتبة الظهر أو سنة العشاء وفى الرواتب وجه ان ركعتي الفجر لابد فيهما من التعيين بالإضافة وفيما عداهما
يكفي نية أصل الصلاة الحاقا لركعتي الفجر بالفرائض لتأكدها والحاقا لسائر الرواتب بالنوافل
المطلقة وفى الوتر ينوى سنة الوتر ولا يضيفها إلى العشاء فإنها مستقلة بنفسها وإذا زاد على واحدة
ينوى بالجميع الوتر كما ينوى في جميع ركعات التراويح وحكى القاضي الروياني وجوها اخر أحدها
انه ينوى بما قبل الواحدة صلاة الليل والثاني ينوى سنة الوتر والثالث مقدمة الوتر ويشبه أن تكون هذه الوجوه في الأولوية دون الاشتراط وهل يشترط التعرض للنفلية في هذا الضرب
اختلف كلام النافلين فيه وهو قريب من الخلاف في اشتراط التعريض للفريضة في الفرائض والخلاف
في التعرض للقضاء والأداء والإضافة إلى الله تعالى يعود ههنا أيضا الضرب الثاني النوافل المطلقة فيكفي
فيما نية فعل الصلاة لأنها أدنى درجات الصلاة فإذا قصد الصلاة وجب ان يحصل له ولم يذكروا ههنا خلافا في
التعرض للنفلية ويمكن أن يقال قضية اشتراط قصد الفريضة لتمتاز الفرائض عن غيرها اشتراط التعرض للنفلية
ههنا بل التعريض لخاصيتها وهي الاطلاق والانفكاك عن الأسباب والأوقات كالتعرض لخاصية الضرب الأول من النوافل ثم النية في جميع العبارات معتبرة بالقلب فلا يكفي النطق مع غفلة القلب ولا يضر
عدم النطق ولا النطق بخلاف ما في القلب كما إذا قصد الظهر وسبق لسانه إلى العصر وحكي صاحب
الافصاح وغيره عن بعض أصحابنا أنه لابد من التلفظ باللسان لان الشافعي رضي الله عنه قال في
الحج ولا يلزمه الا ذا أحرم وينوى بقلبه أن يذكره بلسانه وليس كالصلاة التي لا تصح الا بالنطق قال
الجمهور لم يرد الشافعي رضي الله عنه اعتبار التلفظ بالنية وإنما أراد التكبير فان الصلاة به تنعقد وفى الحج يصير محرما من غير لفظ ولو عقب النية بقوله إن شاء الله بقلب أو باللسان فان
قصد التبرك أو وقوع الفعل بمشيئة الله تعالى لم يضره وان قصد الشك لم تصح صلاته وأعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب فأقول قوله أن ينوى الأداء والظهر قصد بلفظ الأداء التعرض لشيئين
أحدهما أصل الفعل وهذا لابد منه وثاني الوصف المقابل للقضاء وهو الوقوع في الوقت وهذا فيه
خلاف بين الأصحاب كما سبق وما ذكره جواب على وجه اشتراط نية الأداء في الأداء فليكن
كلمة الأداء معلمة بالواو وقوله والنية بالقلب لا باللسان معلم بالواو للوجه الذي حكيناه فيه وهذه
المسألة لا تختص بنية الفرائض ولا بنية النوافل بل تعمهما فلو ذكرها في أول المسألة النية أو آخرها
263

لكان أحسن من ذكرها بين قسم الفرائض والنوافل وقوله ولابد من تعيين الرواتب بالإضافة
معلم بالواو أو أيضا للوجه المنقول فيهما سوى ركعتي الفجر ثم أهم الرواتب في المشهور للنوافل التابعة للفرائض
وهي التي أرادها بلفظ الرواتب في باب صلاة التطوع لكن لا يمكن حمل اللفظ في هذا الموضع عليها
وحدها لأنه قال وغير الرواتب يكفي فيه نية غير كافية في صلاة العيد
وأخواتها مع أنها غير النوافل التابعة للفرائض *
قال (ولو نوى الفرض قاعدا وهو قادر على القيام لم ينعقد فرضه وهل ينعقد نفلا فيه قولان وكذا الخلاف في التحريم بالظهر قبل الزوال وكل حالة تنافى الفرضية دون النفلية هذا حكم النية) *
الأصل الجامع لهذه المسائل أن من أتي بما ينافي الفرضية دون النفلية اما في أول صلاته أو في أثنائها
وبطل فرضه فهل تبقى صلاته نافلة أم تبطل مطلقا فيه قولان ذكر الأئمة أنهما مأخوذان بالنقل
والتخريج من نصوص مختلفة للشافعي رضي الله عنه في صور هذا الأصل فمنها لو دخل في الظهر
قبل الزوال لا يصح ظهر أو نص أنه ينعقد نفلا كذلك رواه الصيدلاني وتابعه صاحب التهذيب
ولو تحرم بالفرض منفردا فجاء الامام وتقدم ليصلى بالناس قال أحببت أن يسلم عن ركعتين تكونان
نافلة له ويصلي الفرض في الجامعة فقد صحح النفل مع ابطال الفرض مع ابطال الفرض ونص فيما إذا وجد القاعد خفة في
أثناء الصلاة فلم يقم انه تبطل الصلاة رأسا ولو قلب فرضه نفلا بلا سبب يدعو إليه فقد حكي ابن كج عن نصه أن صلاته تبطل فجعل الأئمة في هذه الصور وأخواتها كلها قولين أحدهما أن صلاته
لا تبطل بالكلية وتكون نفلا لان الاختلال إنما وقع في شرط الفرض لا في شرط الصلاة طلقها
وقد نوى صلاة بصفة الفريضة فان بطلت الصفة يبقى قصد الصلاة مطلقا وهذا القصد مصروف
إلى النافلة والثاني انها تبطل لان المنوي هو الفرض والنفل غير منوي فإذا لم يحصل المنوي فلان
لا يحصل غير المنوي كان أولي وهذان القولان كالقولين فيما إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج هل
ينعقد عمرة أم لا ولتوجيههما شبه بتوجيه القولين فيم إذا قال لفلان على الف من ممن الخمر هل يلغو جميع
كلامه أم تلغو الإضافة ويلزمه ومن صور هذا الأصل ما إذا نوى الفرض قاعدا وهو قادر
على القيام والمسبوق إذا وجد الامام في الركوع فبادر إلى الركوع واتى ببعض تكبيرة الاحرام
بعد مجاوزة حد القيام فلا يصح الفرض فيهما وهل يكون نفلا فيه القولان واما الأصح من القولين فقد ذكر
الأصحاب انه مختلف باختلاف الصور ففي إذا تحرم بالظهر فان قبل الزوال إن كان عالما بحقيقة
264

الحال فالأصح البطلان لأنه متلاعب بصلاته وإن كان يظن دخول الوقت لاجتهاد فتبين خلافه فالأصح انها تكون نفلا لأنه نوى التقرب إلى الله تعالى وبنى قصد الفرض على اجتهاد فإذا ظهر الخطأ حسن
ان لا يضيع سعيه وفيما إذا تحرم بالفرض منفردا ثم أقيمت الجماعة فانفرد بركعتين وسلم الأصح أن
صلاته تبقى نفلا لأنه قصد النفل بعد الاعراض عن الفرض وإنما فعل ذلك لأمر محبوب وهو
استئناف الصلاة بالجماعة وفيما إذا وجد القاعد خفة فلم يقم أو قلب فرضه إلى النفل لا لسبب وعذر
الأظهر البطلان لان الخروج عن الفرض بغير عذر وابطاله مما لا يجوز وفيما إذا نوى الفرض قاعدا
وهو قادر على القيام الأظهر البطلان أيضا لتلاعبه بالصلاة واما مسألة المسبوق فإن كان عالما بأنه
لا يجوز ايقاع التكبيرة فيما بعد مجاوزة حد القيام فالأظهر البطلان وإن كان جاهلا فالأظهر أنها تنعقد
نفلا كما ذكرنا في التحرم بالظهر قبل الزوال *
قال (اما حكم التكبير فتتعين كلمته على القادر فلا تجزئ (ح) ترجمته ولو قال الله الأكبر فلا بأس لأنه
لم يغير النظم والمعنى ولو قال الله جليل أكبر فوجهان لتغير النظم ولو قال الأكبر الله نص على أنه لا يجوز ونص في قوله عليكم السلام أنه يجوز لأنه يسمى تسليما وذلك لا يسمي تكبيرا وقيل
قولان بالنقل والتخريج) *
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) (1) والكلام في التكبير في القادر والعاجز أما القادر فيتعين عليه كلمته فلا يجوز له العدول
إلى ذكر آخر وان قرب منها كقوله الرحمن أجل والرب أعظم بل لا يجزئه قوله الرحمن أو الرحيم
265

أكبر أيضا ولا يجزئه ترجمة التكبير بلسان آخر وخالفنا أبو حنيفة في الفصلين جميعا فحكم باجزاء
الترجمة وباجزاء التسبيح والتهليل وسائر الأذكار والأدعية الا أن يذكر اسما على سبيل النداء
266

كقوله يا الله أو يقول اللهم اغفر لي ونحوه من الأدعية لنا أنه صلى الله عليه وسلم (كان يبتدئ
الصلاة بقوله الله أكبر) هكذا روته عائشة رضي الله عنها وقد قال صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) (1) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور
مواضعه ويستقبل القبلة فيقول الله أكبر) (2) وحكى القاضي ابن كج وجها لأصحابنا أنه تنعقد الصلاة
بقوله الرحمن أكبر والرحيم أكبر كله اعتبر لفظ الكبرياء على ذلك ولم يعتبر اسما من أسماء الله
تعالى بخصوصه ولو قال الله الأكبر أجزأه لان زيادة الألف واللام لا تبطل لفظة التكبير ولا المعني
بل قول القائل الله الأكبر يشتمل على ما يشتمل عليه قوله الله أكبر مع زيادة مبالغة في التعظيم
للاشعار بالاختصاص والزيادة التي لا تغير النظم لا المعنى لا تقدح كزيادة المد حيث يحتمله وكقوله
الله أكبر من كل شئ أو أكبر أو أجل وأعظم وقال مالك واحمد لا يجزئه قوله الله أكبر لظاهر
الخبر السابق وحكي قول عن القديم مثل مذهبهما وممن حكاه القاضي أبو الطيب الطبري
ذكران أبا محمد الكرابيسي نقل عن الأستاذ أبي الوليد روايته فليكن قوله فلا بأس مرقوما بالميم
والألف والقاف ولو قال الله الجليل أكبر ففي انعقاد الصلاة به وجهان أظهرهما الانعقاد لأن هذه
الزيادة لا تبطل اسم التكبير ومعناه فأشبه الزيادة في قوله الله الأكبر والثاني المنع لتغير النظم منها
بخلاف قوله الله الأكبر فان الزائد ثم غير مستقل ولا مفيد ويجرى هذا الخلاف فيما إذا أدخل بين
كلمتي التكبير شيئا آخر من نعوت الله تعالى بشرط أن يكون قليلا كقوله الله عز وجل أكبر وما أشبهه
فاما إذا كثر الداخل بينهما كقوله الله الذي لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس أكبر
267

فلا يجزئه لأن هذه الزيادة تخرج المأتي به عن أن يسمى تكبيرا في اللغة ولهذا السبب لا يجوز أن
يقف بين كلمتيه وقفة متفاحشة ولو عكس فقال الأكبر الله فظاهر كلامه في الام والمختصر
انه لا يجوز ونص في الام على أنه لو قال في آخر الصلاة عليكم السلام يجزئه وإن كان مكروها
فاختلف الأصحاب على طريقين أظهرهما تقرير النصين والفرق أنه مأمور بالتكبير وقول القائل
الأكبر الله يسمى تكبيرا وعند السلام هو مأمور بالتسليم وقوله عليكم السلام يسمى تسليما
ولأصحاب الطريق الثاني ان ينازعوا في تحقيق هذا الفرق فيقولوا ذاك يسمى تكبيرا
إن كان هذا يسمى تسليما والثاني أن المسألتين على القولين نقلا وتخريجا أحدهما
الجواز لان المعنى واحد قدم أو أخر فصار كما لو ترك الترتيب في التشهد وأظهرهما
المنع لما سبق من الظواهر ويتأيد بترك الترتيب في الفاتحة وأصحابنا
العراقيون حكوا في عكس التكبير وجهين بدل القولين بالنقل والتخريج وهما
متقاربان والخلاف في قوله الأكبر الله يجرى في قوله أكبر الله أيضا وقيل لا يجزئ أكبر الله بلا
خلاف ويجب على المصلي أن يحترز في لفظ التكبير عن زيادة تغير المعنى بأن يقول الله أكبر فينقلب
الكلام استفهاما أو يقول الله اكبار فالاكبار جمع كبر وهو الطبل ولو زاد واوا بين الكلمتين
أما ساكنة أو متحركة فقد عطل المعنى فلا يجزئه أيضا ويجب أن يكبر بحيث يسمع نفسه ويجب
أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام *
قال (أما العاجز فيلزمه ترجمته ولا يجزئه ذكر آخر لا يؤدى معناه والبدوي يلزمه قصد البلدة
لتعلم كلمة التكبير على أحد الوجهين ولا يجزئه الترجمة بدلا بخلاف المتيمم) *
العاجز عن جميع كلمة التكبير أو بعضها له حالتان (إحداهما) أنه لا يمكنه كسب القدرة
عليها فإن كان لخرس ونحوه حرك لسانه أو شفتيه ولهاته بالتكبير بحسب ما يمكنه وإن كان ناطقا
لكن لم يطاوعه لسانه على هذه الكلمة فيأتي بترجمتها لأنه ركن عجز عنه فلابد له من بدل
وترجمته أولي ما يجعل بدلا عنه لأدائها معناها ولا يعدل إلى سائر الأذكار بخلاف ما لو عجز عن
الفاتحة لا يعدل إلى الترجمة لان القرآن معجز وسائر السور تشتمل أيضا على النظم المعجز بخلاف
الترجمة وينبغي أن يعلم قوله ولا يجزئه ذكر أخر بالحاء لان أبا حنيفة يجوز سائر الأذكار في حال القدرة
ففي حال العجز أولى وإنما قال لا يؤدى معناه لأنه لو أدى كان كالترجمة بلغة أخرى وترجمة
التكبير بالفارسية (خداى بزركتر) ذكر الشيخ أبو حامد والقاضي الروياتي فلو قال خداى بزرك وترك
صيغة التفضيل لم يجز لقوله الله الكبير وجميع اللغات في الترجمة سواء فتخير بينهما وقيل السريانية
268

والعبرانية قد انزل الله بهما كتابا فان أحسنهما لم يعدل عنهما والفارسية بعدهما أولى من التركية
والهندية (والحالة الثانية) أن يمكنه كسب القدرة عليها اما بالتعلم من إنسان أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيفة عليه فليزمه ذلك فلو كان بدويا لا يجد في موضعه من يعلمه الكلمة فهل يلزمه المسير
إلى بلدة أو قرية لتعلمها فيه وجهان أحدهما لا بل له الاقتصار على الترجمة بدلا كما لا يلزمه الانتقال
ليتطهر بالماء ويجزئه التيمم بدلا وأصحهما نعم لأنه قادر على السير والتعلم وإذا تعلم عاد إلى موضعه
وانتفع بالكلمة طول عمره بخلاف التيمم فان استصحاب الماء للمستقبل لا يمكن ومفارقة الموضع
بالكلية قد يشق عليه ويدل على الفرق بين المفصلين ان العادم في أول الوقت يجوز له ان يتيمم
ولا يلزمه التأخير ليصلي بالوضوء كما سبق والجاهل بالكلمة لا يجوز له الاقتصار على الترجمة في أول
الوقت إذا أمكنه التعلم والآتيان بها في آخر الوقت فان قلت وهل على العاجز قضاء الصلوات التي
اتي بها بلا تكبير فالجواب أما في الحالة الأولي فلا لان العبادة المختلة إذا قضيت فإنما تقضي بعد
ارتفاع الخلل وثم لا يتوقع ارتفاعه واما في الحالة الثانية فان ضاق الوقت أو كان بليدا لا يمكنه
التعلم الا في يوم فصاعدا لم يلزمه قضاء الصلوات المؤداة بالترجمة في الحال لأنه معذور ولا تقصير منه
ولو أخر التعلم مع القدرة فإذا ضاق وقت الصلاة فلابد من أن يصلي بالترجمة لحرمة الوقت وههنا
يلزمه القضاء لتفريطه بالتأخير وفيه وجه آخر ضعيف *
قال (وسنن التكبير ثلاث ان يرفع يديه مع التكبير إلى حذو المنكبين في قول والي أن تحاذي
رؤوس الأصابع أذنيه في قول والى أن تحاذي أطراف أصابعه اذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه
في قول ثم قيل يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير عند ارسال اليد وقيل يبتدئ الرفع مع التكبير
وقيل يكبر ويداه قارتان بعد الرفع وقبل الارسال ثم إذا أرسل يديه وضع اليمني على كوع (ح) اليسرى
تحت صدره) *
لما فرغ من ذكر ما يجب رعايته في التكبير عدل إلى بيان السنن وذكر منها ثلاثا (أحدها)
رفع اليدين عند التكبير وقد حكي في بعض نسخ الكتاب في قدر الرفع ثلاثة أقوال أحدها ان يرفع
يديه إلى حذو المنكبين والثاني انه يرفعها إلى أن تحاذي رؤوس أصابعه اذنيه والثالث إلى أن تحاذي أطراف أصابعه اذنيه وابهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه وليس في بعض النسخ الا ذكر
القول الأول والثاني ويمكن ان يحتج للقول الأول بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه انه صلى الله
269

عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة) (1) وللقول الثاني بما روى عن وائل بن
حجر انه صلى الله عليه وسلم لما كبر رفع يديه حذو أذنيه) (2) وللثالث لاستعمال هذين الخبرين
وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم (رفع إلى شحمة أذنيه) (3) واعرف في ما نقله شيئين أحدهما أن
المراد من القول الأول وهو الرفع إلى حذو المنكبين ان لا يجاوز بأصابعه منكبيه هذا قد صرح
به إمام الحرمين وقوله في حكاية القول الثاني والى ان تحاذي رؤوس أصابعه أذنيه كأنه يريد
شحمة الاذنين وأسافلهما والا فلو حاذت رؤوس أصابعه أعلى الاذنين حصلت الهيئة المذكورة في
القول الثالث وارتفع الفرق والثاني انه كالمنفرد بنقل الأقوال الثالثة في المسألة أو بنقل القولين لان معظم
الأصحاب لم ينقلوا فيه اختلاف قول بلا اقتصر بعضهم على ما ذكره في المختصر انه يرفع يديه إذا
كبر حذو منكبه واقتصر آخرون على الكيفية المذكورة في القول الثالث وبعضهم جعلها تفسيرا
لكلامه في المختصر وللشافعي رضي الله عنه فيها حكاية مشهورة مع أبي ثور والكرابيسي حين قدم بغداد ولم أر حكاية الخلاف في المسألة الا للقاضي ابن كج وامام الحرمين لكنهما لم يذكرا الا القول
الأول والثالث فظهر تفرده بما نقل من القولين أو الثلاثة وكلامه في الوسيط لا يصرح بها جميعا
وكيف ما كان فظاهر المذهب الكيفية المذكورة في القول الثالث واما أبو حنيفة فالذي رواه
الطحاوي والكرخي انه يرفع يديه حذو اذنيه وقال القدوري يرفع بحيث يحاذي ابهامه شحمة
270

أذنيه وهذا يخالف القول الأول وذلك بعض أصحابنا منهم صاحب التهذيب أن مذهبه رفع
اليدين بحيث تحاذي الكفان الاذنين وهذا بخلاف القول الثالث فلك أن تعلمهما معا بالحاء
للروايتين ولو كان المصلي مقطوع اليدين أو إحداهما من المعصم رفع الساعد وإن كان القطع من المرفق
رفع عظم العضد في أصح الوجهين تشبيها بالرافعين ولو لم يقدر على رفعهما أو رفع أحداهما القدر المنون بل كان إذا رفع زاد أو نقص اتي بالممكن فان قدر عليهما جميعا فالزيادة أولي (الثانية) في وقت
الرفع وجوه أحدهما أنه يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير مع ابتداء الارسال وينهيه مع انتهائه روى
ذلك عن أبي حميد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وثانيها ان يبتدئ الرفع مع
ابتداء التكبير ويروى ذلك عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) وثالثها أن يرفع ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما فيكون التكبير بين الرفع والارسال ويروى ذلك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم (3) وذكر في التهذيب أن هذا أصح لكن الأكثرين على ترجيح الوجه الثاني المنسوب
إلى رواية وائل وهو انه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير واختلفوا على هذا في انتهائه فمنهم من
قال يجعل انتهاء الرفع والتكبير معا كما جعل ابتداؤهما معا ومنهم من قال يجعل انتهاء التكبير والارسال
معا وقال الأكثرون الاستحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس
271

أتم الباقي وان فرغ مهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو ترك رفع اليدين حتى أتى ببعض التكبير
272

رفعهما في الباقي وان أتمه لم يرفع بعد ذلك (الثالثة) يسن بعد التكبير وحط اليدين من رفعهما أن يضع
273

اليمنى اليسرى خلافا لمالك في إحدى الروايتين عنه حيث قال يرسلهما لنا ما روي أنه صلى الله
274

عليه وآله وسلم قال (ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على
الشمال في الصلاة) (1)
275

ثم المستحب أن يأخذ بيمينه على شماله بأن يقبض بكفه اليمني كوع اليسرى وبعض
276

الرسغ والساعد خلافا لأبي حنيفة حيث قال يضع كفه اليمني على ظهر كفه اليسرى من
277

غير أخذ كذلك رواه أصحابنا * لنا ما روي عن وائل انه صلى الله عليه وسلم
278

(كبر ثم أخذ شماله بيمينه) (1)
279

ويروى عنه (ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد) (1) ويتخير بين
بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ذكره القفال لان القبض
280

باليمنى على اليسرى حاصل في الحالتين ثم يضع يديه كما ذكرنا تحت صدره وفوق سرته خلافا لأبي
حنيفة حيث قال يجعلهما تحت سرته وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ويحكى عن أبي إسحاق المروزي
من أصحابنا لنا ما روى عن علي رضي الله عنه انه فسر قوله تعالي (فصل لربك وانحر) بوضع اليمين
على الشمال تحت النحر ويروى أن جبريل عليه السلام كذلك فسره للنبي صلى الله عليه وسلم
إذا عرفت ذلك فاعلم قوله وضع اليمنى بالميم وقوله على كوع اليسرى بالحاء لأنه يقول يضع على ظهر كفه
اليسرى دون الكوع وقوله تحت صدره بالحاء والألف والواو ولك أن تبحث عن لفظ الارسال
الذي أطلقه في هذه السنة والتي قبلها وتقول كيف يفعل المصلى بعد رفع اليدين عند التكبير أيدلي
يديه كما يفعله الشيعة في دوام القيام ثم يضمهما إلى الصدر أم يحطهما ويضمهما إلى الصدر من غير
أن يدليهما والجواب ان المصنف ذكر في الاحياء انه لا ينفض يديه يمينا وشمالا إذا فرغ من التكبير
281

لكن يرسلهما ارسالا خفيفا رفيقا ثم يستأنف وضع اليمين على الشمال قال وفى بعض الأخبار
انه كان يرسل يديه إذا كبر فإذا أراد ان يقرأ وضع اليمنى على اليسرى فهذا ظاهر في أنه يدلى
ثم يضمهما إلى الصدر قال صاحب التهذيب وغيره المصلي بعد الفرغ من التكبير يجمع بين يديه
وهذا يشعر بالاحتمال الثاني ونختم الفصل بكلامين أحدهما ان لمضايق ان ينازع في عد هذا المندوب
الثالث من سنن التكبير ويقول إنه واقع بعد التكبير مقارن لحال القيام فكان عده من سنن القيام
أولي وكذلك فعل أبو سعد المتولي والثاني ان ظاهر قوله وسنن التكبير ثلاث حصر سننه فيها
وله مندوبات أخر منها أن يكشف يديه عند الرفع للتكبير وأن يفرق بين أصابعه تفريقا وسطا وان
لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يمططه وهو أن يبالغ في مده بل يأتي به مبينا والأولى في فيه الحذف
282

لما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال (التكبير جزم والتسليم جزم) (1) أي لا يمد وفيه وجه
انه يستحب فيه المد والأول هو ظاهر المذهب بخلاف تكبيرات الانتقالات فإنه لو حذفها على باقي انتقاله عن
الذكر إلى أن يصل إلى الركن الثاني وههنا الأذكار مشروعة على الاتصال بالتكبير *
قال (الركن الثاني القيام وحده الانتصاب مع الاقلال فان عجز عن الاقلال انتصب متكئا فان
عجز عن الانتصاب قام منحنيا فإن لم يقدر الا على حد الراكعين قعد فان عجز عن الركوع والسجود
دون القيام قال (ح) وأوما بهما) *
القيام بعينه ليس ركنا في مطلق الصلاة بخلاف التكبير والقراءة لان القعود في النفل جائز
مع القدر على القيام فإذا الركن هو القيام أو ما يقوم مقامه فيحسن أن لا يعد القيام بعينه ركنا بل
يقال الركن هو القيام أو ما في معناه وإذا عرف ذلك فنقول اعتبر في حد القيام أمرين الانتصاب
والاقلال أما الاقلال فالمراد منه أن يكون مستقلا غير مستند ولا متكئ على جدار وغيره وهذا
الوصف قد اعتبره امام الحرمين وأبطل صلاة من اتكأ في قيامه من غير حاجة وضرورة وأن كان
283

منتصبا وتابعه المصنف عليه وحكي صاحب التهذيب وغيره انه لو استند في قيامه إلى جدار أو انسان
صحت صلاته مع الكراهة قالوا ولا فرق بين أن يكون استناده بحيث لو رفع السناد لسقط وبين
أن لا يكون كذلك مهما كان منتصبا وفى بعض التعاليق انه إن كان بحيث لو رفع السناد لسقط
لم تجزه صلاته فيحصل من مجموع ذلك ثلاثة أوجه أحدهما وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز
الاتكاء عند القدرة بحال والثاني الجواز ولعله أظهر لان المأمور به القيام ومن أنتصب متكئا فهو
قائم والثالث الفرق بين الحالتين وهذا الكلام في الاتكاء الذي لا يسلب اسم القيام أما لو اتكأ بحيث
لو رفع قدميه عن الأرض لأمكنه فهذا معلق نفسه بشئ وليس بقائم ولو لم يقدر على الاقلال انتصب متكئا
فان الانتصاب ميسور له إن كان الاقلال معسورا والميسور لا يسقط بالمعسور وحكي في التهذيب وجها آخر
انه لا يلزمه القيام والحالة هذه بل له أن يصلي قاعدا فليكن قوله انتصب متكئا مرقوما بالواو لهذا الوجه أما
الانتصاب فلا يخل به أطراق الرأس وإنما يعتبر نصب الفقار فليس للقادر عليه أن يقف مائلا إلى اليمين أو
اليسار زائلا عن سنن القيام ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين لأنه مأمور بالقيام ويصدق أن يقال
هذا راكع لا قائم وان لم يبلغ انحناؤه حد الركوع لكن كان أقرب إليه منه إلى الانتصاب فوجهان
أظهرهما انه لا يجوز أيضا هذا عند القدرة على الانتصاب فاما إذا لم يقدر عليه بل تقوس ظهره لكبر
أو زمانة وصار في حد الراكعين فقد قال في الكتاب انه يقعد لان حد الركوع يفارق حد القيام
فلا يتأدى هذا بذاك وذكر امام الحرمين مثل ما ذكره استنباطا عن كلام الأئمة فقال الذي دل
عليه كلامهم انه يقعد ولا يجزئه غيره لكن الذي ذكره العراقيون من أصحابنا وتابعهم صاحب
التهذيب والتتمة انه لا يجوز له القعود بل يجب عليه أن يقوم فإذا أراد ان يركع زاد في الانحناء ان قدر
عليه ليفارق الركوع القيام في الصورة وهذا هو المذهب فان الواقف راكعا أقرب إلى القيام من
العقود فلا ينزل عن الدرجة القرب إلى البعدى وقد حكي القاضي ابن كج ذلك عن نص الشافعي
رضي الله عنه فيجب اعلام قوله قعد بالواو ومعرفة ما فيه ولو عجز عن الركوع والسجود دون
القيام لعلة بظهره تمنعه من الانحناء لزمه القيام خلافا لأبي حنيفة لنا انه مستطيع للقيام فيلزمه لما
284

روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمران بن الحصين (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم
تستطع فعلى جنب) (1) ولأنه عجز عن ركن فلا يسقط عنه غيره كما لو عجز عن القيام لا تسقط عنه القراءة
ثم إذا انتهى إلى الركوع والسجود يأتي بهما على حسب الطاقة فيحني صلبه بقدر الامكان فإن لم
يطلق حنى رقبته ورأسه فان احتاج فيه إلى الاعتماد على شئ أو إلى أن يميل على جنبه لزمه ذلك فإن لم
يطق الانحناء أصلا أومأ بهما
قال (ولو عجز عن القيام قعد كيف شاء لكن الاقعاء مكروه وهو أن يجلس على وركيه
وينصب ركبتيه والافتراض أفضل في قول والتربع في قول وقيل ينصب ركبته اليمنى كالقارئ يجلس
بين يدي القرئ ليفارق جلسة التشهد) *
إذا عجز عن القيام في صلاة الفرض عدل إلى القعود لما سبق في خبر عمران ولا ينقص ثوابه
لمكان العذر ولا يعني بالعجز عدم التأتي فحسب بل خوف الهلاك وزيادة المرض ولحوق المشقة الشديدة
في معناه ومن ذلك خوف الغرق ودوران الرأس في حق راكب السفينة ولو حبس الغازون في مكمن
فأدركتهم الصلاة ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير فلهم ان يصلوا قعودا لكن يلزمهم القضاء
فان هذا سبب نادر وإذا قعد المعذور فلا يتعين للقعود هيثة بل يجزئه جميع هيئات القعود لاطلاق
الخبر الذي تقدم لكن يكره الاقعاء هذا في القعود وفى جميع قعدات الصلاة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
285

(نهي ان يقعي الرجل في صلاته) (1) ويروى أنه قال (لا تقعوا اقعاء الكلاب) (2) واختلفوا في تفسيره
على ثلاثة أوجه أحدها أن الاقعاء أن يفترش رجليه ويضع أليتيه على عقبيه والثاني أن يجعل يديه
على الأرض ويقعد على أطراف أصابعه والثالث وهو الذي ذكره في الكتاب ان الاقعاء هو
الجلوس على الوركين ونصف الفخذين والركبتين وهذا أظهر لان الكلب هكذا يقعد وبهذا فسره
أبو عبيدة لكن زاد فيه شيئا آخر وهو وضع اليد ين على الأرض وما الأولي من هيئات القعود فيه
286

قولان ووجهان أحد القولين أن يقعد متربعا لما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم (لما صلى جالسا
تربع) (1) ويروى هذا عن مالك واحمد وأبي حنيفة ثم يركع متربعا أم يفترش إذا أراد الركوع عن أبي
حنيفة وأصحابه فيه اختلاف رواية وأصحهما أنه يقعد مفترشا لأنه قعود لا يعقبه سلام فأشبه التشهد
الأول وسيأتي معنى الافتراش في موضعه وتأويل الخبر انه ربما لم يمكنه الجلوس على هيئة الافتراش
أو أراد تعليم الجواز والا فالتربع ضرب من التنعم لا يليق بحال العبادة ويجرى القولان فيما إذا قعد
في النافلة واما الوجهان فأحدهما وقد ذكره في الكتاب أنه ينصب ركبته اليمنى ويجلس على رجله
اليسرى كالقارئ يجلس بين يدي المقرئ ولا يتربع لما ذكرنا ولا يفترش لتفارق هيئة الجلوس
هنا هيئة الجلوس في التشهد وهذا يحكي عن القاضي الحسين والوجه الثاني حكى في النهاية أن بعض
المصنفين ذكر انه يتورك في هذا القعود ويمكن أن يوجه هذا بان مدة القيام طويلة وهذا القعود
بدل عنه فاللائق به التورك كما في آخر الصلاة واما الافتراش فإنما يؤمر به عند الاستيفاز وإذا عرفت
ما ذكرناه فلا يخفى عليك ان تفسير الاقعاء من لفظ الكتاب ينبغي أن يعلم بالواو وقوله الافتراش
أفضل بالميم والألف والحاء وكذلك ينصب ركبتيه اليمني وقوله ليفارق جلسة التشهد بعض التوجيه
معناه لا يفترش لهذا المعنى ولا يتربع لأنه هيئة تنعم واما هذه فهي لائقة بالتعظيم *
قال (ثم إن قدر القاعد على الارتفاع إلى حد الركوع يلزمه ذلك في الركوع فإن لم يقدر فيركع
قاعدا إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام فان عجز عن وضع الجبهة
انحنى للسجود وليكن السجود اخفض منه للركوع) *
حكم المصنف بان القاعد لو قدر على الارتفاع عند الركوع إلى حد الراكعين عن قيام لزمه
ذلك ذكره امام الحرمين ووجهه بان الركوع مقدور عليه فلا يسقط بالمعجوز عنه وهذا الكلام
مفرع منهما على أن من بلغ انحناؤه حد الركوع يقعد فاما إذا فرعنا على أنه يقف كذلك وهو الأظهر
على ما تقدم فلا تجئ هذه المسألة الا أن يفرض لحوق ضرر في الوقوف قدر القيام دون الوقوف
قدر الركوع فيحنئذ يقعد لخوف الضرر لا بسبب الانحناء ويرتفع عند الركوع واما من لا يقدر على
287

الارتفاع فنتكلم في ركوعه قاعدا ثم في سجوده فاما ركوعه فقد ذكر الأئمة فيه عبارتين أحداهما
انه ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنصب كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب فيعرف
النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائما ويقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر
قامته فينحني بمثل تلك النسبة والثانية وهي المذكورة في الكتاب أنه ينحي إلى حد تكون النسبة
بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام ومعناه ان أكمل الركوع عند القيام أن ينحني بحيث
يستوى ظهره ورقبته ويمدهما وحينئذ تحاذي جبهته موضع سجوده وأقله أن ينحني بحيث تنال
راحتاه ركبتيه وحينئذ يقابل وجهه أو بعض وجهه ما وراء ركبته من الأرض ويبقى بين الموضع
المقابل وبين موضع السجود مسافة فيراعي هذه النسبة في حال القعود فأقل ركوع القاعد ان ينحني قدر
ما يحاذي وجهه وراء ركبة من الأرض والأكمل أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده
ولا يخفى انه لا منافاة بين العبارتين وكل واحدة منهما مؤدية للغرض واما السجود فلا فرق فيه بينه
وبين القادر على القيام هذا قدر القاعد على الركوع والسجود فان عجز لعلة بظهره أو غيرها
أتى بالقدر الممكن من الانحناء ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة على الأرض للسجود
فقد قال في الكتاب أنه ينحني للسجود أخفض منه للركوع ويجب ههنا معرفة شيئين أحدهما أن
هذا الكلام غير مجرى على اطلاقه ولكن للمسألة ثلاث طرق أوردها صاحب النهاية (إحداها)
أن يقدر على الانحناء إلى أقل الركوع أعني ركوع القاعدين ولا يقدر على الزيادة عليه فلا يجوز
تقسيم المقدور عليه الأنحاء إلى الركوع والسجود بان يصرف إلى الركوع وتمامه إلى السجود
حتى يكون الانحناء للسجود أخفض وذلك لأنه يتضمن ترك الركوع مع القدرة عليه بل يأتي بالمقدور
عليه مرة للركوع ومرة للسجود وان استويا (الثانية) أن يقدر على أكمل ركوع القاعدين من غير زيادة
فله أن يأتي به مرتين ولا يلزمه الاقتصار للركوع على حد الأقل حتى يظهر التفات بينه وبين السجود
فان المنع من اتمام الركوع حالة الركوع بعيد (الثالثة) أن يقدر على أكمل الركوع وزيادة فيحب
ههنا أن يقتصر على حد الكمال للركوع ويأتي بالزيادة للسجود لان لان الفرق بين الركوع والسجود
واجب عند الامكان وهو ممكن ههنا قال امام الحرمين وليس هذا عريا عن احتمال فليتأمل إذا
288

عرفت ذلك تبين أنه لا يجب أن يكون الانحناء للسجود أخفض منه للركوع في الصورة الأولي الثانية
بل لو وجب ايماء في الصورة الثالثة الثاني أن ظاهر كلامه يقضى الاكتفاء بجعله الانحناء
للسجود اخفض منه للركوع لقوله في الراكب المتنفل يومئ للركوع والسجود ويجعل السجود أخفض
منه للركوع فإنه يكفيه ارتفاع التفات بينهما على ما تقديم وليس الامر على الظاهر ههنا بل يلزمه مع
جعل الانحناء للسجود اخفض ان يقرب جبهه من الأرض أقصى ما يقدر عليه حتى قال الأصحاب
لو أمكنه ان يسجد على صدغه أو عظم رأس الذي فوق الجبهة وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته
أقرب إلى الأرض يلزمه ان يسجد عليه فإذا كان الأحسن أن يقول يجعل السجود اخفض من
الركوع ويقرب جبهته من الأرض بقدر الامكان فجميع بينهما وكذلك فعله في الوسيط
289

قال (فان عجز عن القعود صلي (ح) على جنبه الأيمن (و) مستقبلا بمقاديم (ح) بدنه إلى القبلة كالموضوع
(و) في اللحد فان عجز فيومئ (ح) بالطرف أو يجرى الافعال على قلبه لقوله صلى الله عليه وسلم سلم إذا
أمرتكم بشئ فأتوا ما استطعتم) *
ذكرنا أن العجز عن القيام يتحقق بتعدده وفى معناه ما إذا لحقه خوف ومشقة شديدة
وأما العجز عن القعود فهو معتبر به ولم يفرق الجمهور بينهما وقال في النهاية لا أكتفي في ترك القعود
بما اكتفى به في ترك القيام بل يشترط فيه تصور العقود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل
الحاقا له بالمرض الذي يعدل بسببه إلى التيمم إذا عرف فنقول العاجز عن القعود كيف
يصلي فيه وجهان من قال قولان أصحهما أنه يضطجع على جنبه الأيمن مستقيلا بوجهه مقدم
بدنه القبلة كما يضجع الميت في اللحد وبهذا قال احمد وهو المذكور في الكتاب ووجهه قوله صلى الله عليه
وسلم في حديث عمران (فإن لم تستطع فعلى جنب) وعلى هذا لو اضطجع على جنبه الأيسر مستقبلا جاز الا انه ترك سية التيامن والثاني أنه يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة فإنه إذا
290

رفع وسادته قليلا كان وجه إلى القبلة وإذا أوما بالكوع والسجود كان ايماؤه في صوب القبلة والمضطجع على
الجنب إذا أومأ لا يكون ايماؤه في صوب القبلة وبهذا قال أبو حنيفة وهذا الخلاف فيمن قدر على الاضطجاع
والاستلقاء أما إذا لم يقدر الا على إحدى الهيئتين اتى بها وذكر امام الحرمين أن هذا الخلاف ليس راجعا إلى الأول
بخلاف ما سبق من الكلام هيئة القاعد وإنما هو خلاف فيما يجب لان امر الاستقبال يختلف به وفى المسألة وجه
ثالث ضعف انه يضطجع على جنبه الأيمن وأخمصاه إلى القبلة وإذا صلى على الهيئة المذكورة فان قدر
على بهما والا أومأ بهما منحنيا وقرب جبهته من الأرض بحسب الامكان
وجعل السجود أخفض من الركوع فان عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه فإن لم يقدر على
تحريك الأجفان أجرى أفعال الصلاة على قبله وان اعتقل لسانه أجرى القرآن والأذكار على
قلبه وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة خلافا لأبي حنيفة هيث إذا عجز عن الايماء بالرأس
لا يصلي ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ثم يقضى بعد البرء ولمالك حيث قال لا يصلي ولا تقضى لنا ما
291

روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يصلي المريض قائما فإن لم
يستطع صلي جالسا فإن لم يستطع السجود أومأ وجعل السجود أخفض من الركوع فإن لم يستطع صلى على جنبه
292

الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يستطع صلى على قفاه مستلقيا وجعل رجليه مستقبل القبلة) وجه الاستدلال أنه قال
293

أومأ بطرفه وفيه دليل على أن العاجز عن القعود يصلي على جنبه الأيمن فان عجز حينئذ يستلقي واحتج في الكتاب
294

* للترتيب المذكور بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم)
ولا يتضح الاحتجاج به في هذا الخبر أمر بالاتيان بما يشتمل عليه المأمور عند العجز
عن ذلك المأمور فإنه قال فاتوا منه ما استطعتم والقعود المعدول إليه عند العجز لا يشتمل عليه القيام
المأمور بن حتى يكون مستطاعا من المأمور به وكذلك الاضطجاع لا يشتمل عليه القعود وأجراء
الافعال على القلب لا تشتمل عليه الافعال المأمور بها الا ترى أنه إذا اتي بالافعال ولم يحضرها
في ذهنه حين ما يأتي بها أجزأته صلاته فلا تكون هذه المسائل متناولة بالخبر ولنعد إلى أمور
تتعلق بلفظ الكتاب قوله فان عجز عن القعود صلي على جنبه الأيمن كلمة صلى قد اعلم في النسخ
بالخاء لان المصنف روى في الوسيط أن أبا حنيفة رحمة الله عليه قال إذا عجز عن القعود سقطت
الصلاة لكن هذا النقل لا يكاد يلقى في كتبهم ولا في كتب أصحابنا وإنما الثابت عن أبي حنيفة
اسقاط الصلاة إذا عجز عن الايماء بالرأس فإذا موضوع العلامة بالحاء قوله فيومئ بالطرف
وليعلم بالميم أيضا لما قدمنا حكايته وبالواو أيضا لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا
وجها مثل مذهب أبي حنيفة وقوله على جنبه الأيمن ينبغي أن يرقم بالحاء لان عنده يستلقي على
ظهره وكذلك بالواو إشارة إلى الوجه الصائر إلى مثل مذهبه وكذلك قوله مستقبلا بمقاديم
بدنه القبلة بالواو إشارة إلى الوجه الثالث وقوله أو يجرى الافعال على قلبه ليست كلمة أو
للتخيير بل للترتيب واعلم أن جميع ما ذكره من أول الركن إلى هذه الغاية من ترتيب المنازل
والهيئات مفروض في الفرائض فاما النوافل فسنذكر حكمها في الفرع الثالث *
295

قال (فروع ثلاثة (الأول) من به رمد لا يبرأ الا بالاضطجاع فلا قيس أن يصلي مضطجعا
وان قدر على القيام ولم ترخص عائشة وأبو هريرة لابن عباس رضي الله عنه فيه) *
القادر على القيام إذا أصابه رمد وقال له طبيب يوثق بقوله ان صليت مستلقيا أو مضطجعا
أمكن مداواتك والا خفت عليك العمي فهل له أن يستلقي أو يضطجع بهذا العذر فيه وجهان أحدهما وبه
قال الشيخ أبو حامد لما لما روى أن ابن عباس رضي الله عنهما لما وقع الماء في عينه قال له الأطباء
ان مكثت سبعا لا تصلى الا مستلقيا عالجناك فسأل عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وغيرهم من
الصحابة رضي الله عنهم فلم يرخصوا له في ذلك فترك المعالجة وكف بصره ويروي هذا الوجه
عن مالك وأظهرهما وبه قال أبو حنيفة واحمد له ذلك كما يجوز له الافطار في رمضان بهذا العذر وكما يجوز
ترك الوضوء والعدول إلى التيمم به ولأنه يجوز ترك القيام لما فيه من المشقة الشديدة والمرض
المضجر فلان يجوز تركه لذهاب البصر كان اولي ولو كانت المسألة بحاها وأمره الطبيب بالعقود
فقد قال امام الحرمين الذي أراه أنه يجوز القعود بلا خلاف وبنى هذا على ما حكيناه عنه في
أنه يجوز ترك القيام بما لا يجوز به ترك القعود قال ولهذا فرض شيوخ الأصول الخلاف في
المسألة في صورة الاضطجاع وسكنوا عن صورة القعود والمفهوم من كلام غيره أنه لا فرق والله أعلم *
قال (الثاني مهما وجد القاعد خفة في أثناء الفاتحة فليبادر إلى القيام وليترك القراءة في النهوض
إلى أن يعتدل ولو مرض في قيامه فليقرأ في هويه وان خف بعد الفاتحة لزمه القيام دون الطمأنينة
ليهوى إلى الركوع فان خف في الركوع فبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكعين) *
إذا عجز المصلي في أثناء صلاته عن القيام قعد وبنى وكذا لو كان يصلي قاعدا فعجز عن
القعود في أثناء صلاته يضطجع ويبني ولو كان يصلي قاعدا فقدر على القيام في صلاته يقوم ويبنى
وكذا لو كان يصلى مضطجعا فقدر على القيام أو القعود يأتي بالمقدور عليه ويبنى خلافا لأبي حنيفة في
هذه الصورة الأخيرة حيث قال يستأنف لنا انه قدر على الركن المعجوز عنه في صلاته فيعدل
296

إليه ويبنى كما لو صلي قاعدا فقدر على القيام إذا عرف ذلك فنقول تبدل الحال أما أن يكون من
النقصان إلى الكمال أو بالعكس (القيم الأول) كما إذا وجد القاعد قدرة القيام لخفة المرض ينظر
فيه ان اتفق ذلك قبل القراءة قام وقرأ قائما فإن كان في أثناء القراءة فكذلك يقوم ويقرأ بقية
الفاتحة في القيام ويجب أن يترك القراءة في النهوض إلى أن ينتصب ويعتدل فلو قرأ بعض الفاتحة في
نهوضه لم يحسب وعليه ان يعيده لان حالة النهوض دون حالة القيام وقد قدر على أن يقرأ في أكمل
الحالتين وان قدر بعد القراءة وقيل الركوع فيلزمه القيام أيضا ليهوى منه إلى الركوع * ولا يلزمه
الطمأنينة في هذا القيام فإنه غير مقصود لنفيه وإنما الغرض منه الهوى إلى الركوع * (1) لا غير ويستحب
في هذه الأحوال إذا قام ان يعيد الفاتحة لتقع في حالة الكمال ولو وجد المريض الخفة في ركوعه
قاعدا نظر ان وجدها قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ولا يجوز له أن
ينتصب قائما ثم يركع لأنه لو فعل ذلك لكان قد زاد ركوعا وان وجدها بعد الطمأنينة فقد تم
ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين وفى لفظ الكتاب ما ينبه على افتراق هاتين الحالتين في
وجوب الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام وان لم يصرح بذكرهما لأنه قيد الخفة في الركوع بما
قبل الطمأنينة فيشعر بأنه لو خف بعد الطمأنينة كان الامر بخلافة وقوله كفاه ان يرتفع يفهم أن هذا
الكافي لابد منه وانه يجب عليه الارتفاع منحنيا إلى حد الراكعين عن قيام وهذا التفصيل ذكره
امام الحرمين هكذا بعد ما حكى عن الأصحاب انهم قالوا يجوز ان يرتفع راكعا ولم ينصوا على أنه
يجب ذلك (واعلم) انهم لم يفرقوا في جواز الارتفاع إلى حد الراكعين بين ان يخف قبل الطمأنينة
وبعدها لأنه لابد له من القيام للاعتدال أما مستويا أو منحنيا فإذا ارتفع منحنيا فقد اتي بصورة

(1) ما بين النجمتين زائد في بعض النسخ
297

ركوع القائمين في ارتفاعه الذي لابد فلم يمنع منوه بخلاف ما لو انتصب قائما ثم ركع فإنه زاد ما هو مستغن
عنه فقلنا ببطلان صلاته ولو خف المريض في الاعتدال عن الركوع قاعدا فإن كان قبل إن يطمئن
لزمه أن يقول للاعتدال ويطمئن فيه بخلاف ما إذا خف بعد القراءة فقام ليهوى منه إلى الركوع
حيث لا تجب الطمأنينة فيه لما سبق ولإن كان بعد الطمأنينة فهل يلزمه ان يقوم ليسجد عن قيام حكى
في التهذيب فيه وجهين أحدهما نعم كما يلزمه إذا خف بعد القراءة ليركع عن قيام وأظهرهما لا لان
الاعتدال ركن قصير فلا يمد زمانه نعم لون اتفق ذلك في الركعة الثانية من صلاة الصبح قبل القنوت
فليس له ان يقنت قاعدا ولو فعل بطلت صلاته بل يقوم ويقنت (واما القسم الثاني) وهو ان يتبدل حاله
من الكمال إلى النقصان كما إذا مرض في صلاته فعجز عن القيام فيعدل فيه إلى المقدور عليه
بحسب الامكان فان اتفق في أثناء الفاتحة فيجب عليه إدامة القراءة في هويه لان حالة الهوى
أعلى من حالة القعود *
قال (الثالث القادر على القعود لا يتنفل مضطجعا على أحد الوجهين إذ ليس الاضطجاع
كالقعود فإنه يمحه صورة الصلاة) *
النوافل يجوز فعلها قاعدا مع القدرة على القيام لكن الثواب يكون على النصف من ثواب
298

القائم لما روى عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلي قاعدا فله نصف أجر القائم
ومن صلي نائما فله نصف اجر القاعد) (1) ويروى (وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد) (2) ولو تنفل
مضطجعا مع القدرة على القيام والقعود فهل يجوز فيه وجهان أحدهما لا لان قوام الصلاة بالافعال فإذا اضطجع فقد ترك معظمها وانمحت صورتها بخلاف القعود فان صورة الصلاة تبقي منظومة
299

معه أصحهما الجواز لما روينا من الخبر ثم المضطجع في صلاة الفرض ان قدر على الركوع والسجود يأتي
بهما كما تقدم وههنا الخلاف في جواز الاضطجاع جار في جواز الاقتصار على الايماء لكن الأظهر منع الاقتصار
على الايماء ثم قال الامام ما عندي أن من يجوز الاضطجاع يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد
والتكبير وغيرهما على ذكر القلب وبهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وان ارتكبه من صار إليه كان طاردا
للقياس لكنه يكون خارجا عن الضبط مقتحما ولمن جوز الاضطجاع أن يقول ما روينا من الخبر
صريحا في جواز الاضطجاع فليجز ثم المضطجع وان جوزنا له الاقتصار على الايماء في الركوع
والسجود فلا يلزم من جواز الاقتصار على الايماء في الافعال جواز الاقتصار على ذكر القلب في الأذكار فان الافعال أشق من الأذكار فهي أولي بالمسامحة ولا فرق في النوافل بين الرواتب
وصلاة العيدين وغيرهما وقال القاضي ابن كج في شرحه صلاة العيدين والاستسقاء والخسوف لا يجوز
فعلها عن قعود كصلاة الجنازة *
قال (الركن الثالث القراءة ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب (م ح) ثم التعوذ (م) بعده
من غير جهر (و) وفى استحباب التعود في كل ركعة وجهان) *
لركن القراءة سنتان سابقتان واخريان لاحقتان اما السابقتان فأولاهما دعاء الاستفتاح فيستحب للمصلي
إذا كبر ان يستفتح بقوله (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
300

المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا من
المسلمين) خلافا لمالك حيث قال لا يستفتح بعد التكبير إلا بالفاتحة والدعاء والتعوذ يقدمهما على
التكبير ولأبي حنيفة واحمد حيث قالا يستفتح بقوله سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
وتعالي جدك ولا إله غيرك لنا ما روى عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
301

أنه (كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي إلى أخره وقال في أخره وانا أول المسلمين)
لأنه صلى الله عليه وسلم أول مسلمي هذه الأمة وروى أنه كأن يقول بعده (اللهم أنت الملك
لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربى وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي
ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها الا أنت واصرف
عنى سيئها لا يصرف على سيئها الا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والمهدى من هديت
انا بك واليك لا ملجأ ولا منجى منك الا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك) وروى بعد
قولة والخير كله في يديك (والشر ليس إليك) قال المزني أي لا يضاف إليك على انفراده وقيل أي
لا يتقرب به إليك زيادة على ما ذكرنا أولا نستحبها للمنفرد والامام إذا علم رضاء المأمومين بالتطويل
إذا عرفت ذلك فاعلم قوله ودعاء الاستفتاح بعد التكبير مستحب بالميم واللفظ لا يقتضي الاعلام
بالحاء والألف لأنهما يساعدان على أنه يستفتح قبل القراءة بشئ وإنما يخالفان في أنه بم يستفتح وكل
واحد من الذكرين أعني وجهت وسبحانك اللهم يسمي دعاء الاستفتاح وثناءه وليس في لفظ
الكتاب تعرض للأول بعينه الا انه هو الذي أراده فلذلك اعلم بهما أيضا ومن ترك دعاء
الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى تعوذ أو شرع في الفاتحة لم يعد إليه ولم يتداركه في سائر الركعات وفرع عليه ما لو أدرك الامام المسبوق في التشهد الأخير فكبر وقعد فسلم
الامام كما قعد يقوم ولا يقرأ دعاء الاستفتاح * لفوات وقته بالقعود ولو سلم الامام قبل قعوده يقعد
302

ويقرأ دعاء الاستفتاح ولا فرق في دعاء الاستفتاح بين الفريضة غيرها وحكى بعض الأصحاب
ان السنة في دعاء الاستفتاح أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ثم يقول وجهت وجهي
إلى آخره جمعا بين الاخبار (1) ويحكى هذا عن أبي إسحاق المروزي وأبى حامد وغيرهما الثانية يستحب بعد
303

دعاء الاستفتاح ان يتعوذ خلافا لمالك الا في قيام رمضان لنا ما روى عن جبير بن مطعم وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة (1) وصيغة التعوذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذكره الشافعي رضي الله
304

عنه وورد في لفظ الخبر وحكى القاضي الروياني عن بعض أصحابنا الأحسن أن يقول أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم ولا شك ان كلا منهما جائز مؤد لغرض وكذا كل ما يشتمل على الاستعاذة بالله
من الشيطان وهل يجهر به فيه قولان أحدهما انه يستحب الجهرية في الصلاة الجهرية كالتسمية والتأمين وأصحهما
وهو المذكور في الكتاب ان المستحب فيه الاسرار بكل حال لأنه ذكر مشروع بين التكبير والقراءة
فيسن فيه الاسرار كدعاء الاستفتاح وذكر الصيدلاني وطائفة من الأصحاب ان الأول قوله القديم
والثاني الجديد وحكي في البيان القولين على وجه آخر فقال أحد القولين انه يتخير بين الجهر
والاسرار ولا يرجح والثاني انه يستحب فيه الجهر ثم نقل عن أبي على الطبري انه يستحب الاسرار
به فيحصل في المسألة ثلاثة مذاهب * ثم استحباب التعوذ يختص بالركعة الأولى أم لا منهم من قال لا بل يسن في كل ركعة الا انه في الركعة الأولى أكد وحكوا ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه
اما انه يستحب في كل ركعة فلظاهر قوله تعالي (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من شيطان الرجيم)
305

وقد وقع الفصل بين القراءة خارج الصلاة بشل ثم عاد إليها يستحب
له التعوذ وأما ان الاستحباب في الركعة الأولي أكد فلان افتتاح قراءته في صلاته إنما يكون في الركعة الأولي وقد اشتهر ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشتهر في سائر
الركعات ومنهم من قال فيه قولان أحدهما الاستحباب لما ذكرنا والثاني لا يستحب في سائر الركعات ويروى ذلك
عن أبي حنيفة كما لو سجد للتلاوة في قراءته ثم عاد إلى القراءة لا يعيد
306

التعوذ وكأن رابطة الصلاة تجعل الكل قراءة واحدة وعلى هذا فلو كتركه في الركعة الأولى عمدا
أو سهوا تدارك في الثانية بخلاف دعاء الاستفتاح وسواء أثبتنا الخلاف في المسألة أم لا فالأظهر
انه يستحب في كل ركعة وبه فكل قال القاضي أبو الطيب الطبري وامام الحرمين والروياني وغيرهم وبعضهم يروى في المسألة وجهين بدل القولين ومنهم امام الحرمين والمصنف *
307

قال (ثم الفاتحة بعده متعينة (ح) ترجمتها مقامها ويستوي فيه الإمام والمأموم (ح) في السرية والجهرية (ح) الا في ركعة المسبوق ونقل المزني سقوطها عن المأموم في الجهرية) *
للمصلي حالتان إحداهما أن يقدر على قراءة الفاتحة والثانية أن لا يقدر عليها فاما في الحالة
الأولى فيتعين عليه قراءتها في القيام أو ما يقع بدلا عنه ولا يقوم مقامها شئ آخر من القرآن
ولا ترجمتها وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال الفرض من القراءة آية من القرآن
308

سواء كانت طويلة أو قصيرة وبأي لسان قرأ جاز وإن كان ترك الفاتحة مكروها والعدول إلى
لسان آخر إساءة * لنا ما روى عن عبادة بن الصامت انه صلى الله عليه وسلم وسلم قال (لا صلاة
لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) (1) ولا فرق في تعيين الفاتحة بين الإمام والمأموم في الصلاة السرية
: وفى الجهرية قولان ت أحدهما انها لا تجب على المأموم وبه قال مالك واحمد لما روى أنه صلي
309

الله عليه وسلم (انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم فقال رجل نعم
يا رسول الله فقال مالي أنازع بالقرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه بالقراءة) وأصحهما أنها
310

تجب عليه أيضا لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال (كنا خلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصحبه وسلم في صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال لعلكم
تقرؤن خلفي قلنا نعم قال لا تفعلوا ذلك الا بفاتحة الكتاب) (1) وهذا القول يعرف بالجديد ولم يسمعه المزني من الشافعي رضي الله عنه فنقله عن بعض أصحابنا عنه يقال إنه
أراد الربيع واما القول الأول فقد نقله سماعا عن الشافعي رضي الله عنه * وقال أبو حنيفة لا يقرأ
المأموم لا في السرية ولا في الجهرية وحكى القاضي ابن كج ان بعض أصحابنا قال به وغلط فيه (التفريع) ان قلنا
لا يقرأ المأموم في الجهرية فلو كان أصم أو كان بعيدا لا يسمع قراءة الإمام فهل يقرأ فيه وجهان
أصحهما نعم ولو جهر الامام في صلاة السر أو بالعكس فالاعتبار بالكيفية المشروعة في الصلاة أم
بفعل الامام فيه وجهان قال صاحب التهذيب أصحهما ان الاعتبار بصفة الصلاة وهذا ظاهر
لفظ المصنف حيث قال سقوطها عن المأموم في الجهرية والصلاة جهرية وان أسر الامام بها والذي
ذكره المحاملي حكاية عن نص الشافعي رضي الله عنه يقتضي الاعتبار بفعل الامام وهو الموافق
الموجه الأصح في المسألة المتقدمة وهل يسن للمأموم على هذا القول أن يتعوذ روى في البيان
فيه وجهين أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة لأنه لا يقرأ والثاني نعم لأنه ذكر سرى فيشارك الامام فيه كما لو أسر
بالفاتحة وإذ قلنا المأموم يقرأ فلا يجهر بحيث يغلب جاره ولكن يأتي بها سرا بحيث يسمع نفسه
لو كان سميعا فان ذلك أدنى القراءة ويستحب للإمام على هذا القول أن يسكت بعد قراءة
311

الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة ذكره في التهذيب وإذا عدت إلى ألفاظ الكتاب عرفت أن
قوله متعينة وقوله ولا تقوم ترجمتها مقامها لم أعلم كل واحد منهما بالحاء وقوله يستوى فيه الإمام والمأموم
ينبغي ن يعلم بالحاء ثم إن كان المراد استواءهما في معنى الفاتحة فالحاء عليه كهو على قوله
متعينة فان أبا حنيفة لا يقول بتعينها على الامام ولا على المأموم فقوله يخالف قول القائل
باستوائهما في تعينها عليهما لأنه يقول باستوائهما في عد تعينها عليهما وإن كان المراد استواءهما
في أصل ركن القراءة فتكون الحاء أشار إلى أن القراءة غير واجبة على المأموم أصلا بخلاف الامام وليعلم
هذا الموضع بالواو أيضا للوجه الذي نقله القاضي ابن كج وقوله والجهرية بالميم والألف لما روينا من مذهبهما
وقوله الا في ركعة المسبوق إنما استثناها لان من أدرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة على ما سيأتي وان لم يقرأ
الفاتحة في تلك الركعة ثم كيف يقول أيتحمل الامام عنه الفاتحة أم لا يجب عليه أصلا فيه مأخذان
للأصحاب وفى هذا الاستثناء إشارة إلى أن اشتمال الصلاة على القراءة في الجملة غير كاف بل هي
312

واجبة في كل ركعة من ركعات الصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا تجب القراءة في الفرائض
الا في ركعتين فإن كانت الصلاة ذات ركعتين فذاك وإن كانت أكثر من ركعتين فالواجب
القراءة في ركعتين وفيما سواهما يتخير بين أن يقرأ أو يسبح أو يسكت ولمالك حيث قال تجب
القراءة في معظم الركعات ففي الثلاثية يقرأ في ركعتين وفى الرباعية في ثلاث ركعات ويروى هذا
عن أحمد والمشهور عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن أبي سعيد الخدري أنه قال (أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة) (1) وقوله ونقل المزني أي سماعا عن الشافعي
313

رضي الله عنه والا فقد نقل القول الأول أيضا عن غيره عن الشافعي كما ذكرنا وهما جميعا مذكوران في المختصر *
314

قال (ثم بسم الله الرحمن الرحيم آية (ح م) منها وهي آية من كل سورة أما مع الآية الأولى
أو مستقلة بنفسها على أحد القولين) *
315

التسمية آية من الفاتحة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قرأ فاتحة الكتاب فقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم وعدها آية منها) (1) وروى أنه قال (إذا قرأ تم فاتحة الكتاب فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم
فإنها أم القرآن والسبع المثاني وان بسم الله الرحمن الرحيم أية منها) (2) وأما حكم التسمية في سائر
السور سوى سورة براءة لأصحابنا فيه طريقان أحدهما ان في كونها من القرآن في أول سائر السور
316

قولين أصحهما انها من القرآن لأنها مثبتة في أولها بخط المصحف (1) فتكون من القرآن كما الفاتحة
ولم تكن كذلك لما أثبتوها بخط القرآن والثاني انها ليست من القرآن وإنما كتبت للفصل بين
السورتين لما روي عن ابن عباس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين
حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم) (2) والطريقة والثانية وهي الأصح انها من القرآن في أول سائر
318

السور أيضا بلا خلاف وإنما الخلاف في أنها آية مستقلة منها أم هي مع صدر السورة آية ولا يستبعد
التردد في كونها آية أو بعض آية في أول السور مع القطع بأنها آية من أول الفاتحة الا يرى أنهم
اتفقوا على آية من سورة النمل وان الحمد الله رب العالمين آية تامة من الفاتحة وهو
بعص آية في قوله تعالي (وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين) فأحد القولين انها بعض الآية
319

من سائر السور لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (سورة تشفع لقارئها وهي ثلاثون آية ألا وهي
الملك) (1) وتلك السورة ثلاثون آية سوى التسمية وأصحهما انها آية تامة كما في أول الفاتحة (واعلم) ان
جمهور أصحابنا لم ينقلوا الطريقتين جميعا باقتصار على نقل الثانية والأكثرون على نقل الأولي
لكن جمع بينهما الصيدلاني وتابعه امام الحرمين وغيره هذا مذهبا * وقال مالك ليست التسمية
320

من القرآن الا من سورة النمل وهو أشهر الروايتين عن أبي حنيفة وقال بعض أصحابه مذهبه
انها آية في كل موضع أثبتت فيه لكنها ليست من السورة وإذا عرفت ذلك فعندنا بجهر المصلى
بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفى السورة بعدها خلافا لمالك حيث قال لا يقرأها أصلا
لا في الجهرية ولا في السرية ولأبي حنيفة حيث قال يسر بها وقال أحمد الا انه يوجب ذلك
في كل ركعة لان التسمية عنده من الفاتحة وأبو حنيفة يأمر بها الا استحبابا ويقال إنه لا يأمر
321

بها الا في الركعة الأولي كالتعوذ لنا ما روى عن ابن عمر أنه قال (صليت خلف النبي صلى الله عليه
سلم وأبى بكر وعمر وكانوا يجهرون بالتسمية) (1) وعن علي وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم
(كان يجهر بها في الصلاة بين السورتين (2) واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله آية منها معلم بالميم
الحاء وكذا قوله من كل سورة ولا يخفى ان المراد ما سوى براءة ويروى عن أحمد ان التسمية
حيث أثبتت آية وليست من السورة ورأيت في رؤس المسائل لبعض أصحابه انها ليست من
الفاتحة ولا من سائر السور والمشهور عنه في كتب أصحابنا انه يوافقنا في كونها من القرآن وإنما
322

يخالف في الجهر فعلى غير المشهور لكن الكلمتان معلمين بالألف أيضا وقوله وهي آية من كل
سورة إلى آخر سورة إلى آخره كلامان أحدهما ان ظاهر قوله وهي آية من كل سورة انها آية مستقلة لأنها
إذا كانت مع صدر السورة آية وإنما تكون بعض آية وإذا كان كذلك فلا يحسن
ان يرتب عليه التردد فيه انها مستقلة أم لا فان الشئ إذا أثبتناه لا ينظم مثار التردد فيه معني الكلام
انها من جملة السور معدودة من القرآن وهل هي آية مستقلة فيه الخلاف والثاني ان لفظ الكتاب
يمكن تنزيله على الطريقة الثاني بأن يجعل جازما بأنها من السورة وترد الخلاف إلى أنها مستقلة أم لا
323

ويكون تقدير الكلام اما مع الآية الأولي على أحد القولين أو مستقلة بنفسها على أحد القولين
وهذا الذي اراده ويمكن تنزيله على ذكر الخلاف الذي أشمل عليه الطريقان جميعا بأن يصرف
قوه على أحد القولين إلى أول الكلام وهو قوله وهي آية من كل سورة والقول المقابل له انها
ليست من السور ويجعل الترديد في قوله اما مع الآية الأولى أو مستقلة بنفسها إشارة إلى الخلاف
المذكور في الطريقة الثانية تفريعا على أنا من القرآن وإذا انتظم التردد في أنها آية على
استقلالها لم لا بعد القطع بأنها من القرآن ينتظم التردد فيه بعد اثبات الخلاف تفريعا على أنها
من القرآن *
324

قال (ثم كل حرف وتشديد ركن وفى ابدال الضاد بالظاء تردد) *
لا شك ان فاتحة الكتاب عبارة عن هذه الكلمات المنظومة والكلمات المنظومة مركبة
325

من الحروف المعلومة وإذا قال الشارع صلى الله عليه وسلم (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) (1) فقد وقف
الصلاة جملتها والموقوف على أشياء مفقودة عند فقد بعضها كما هو مفقود عند فقد كلها فلو
أخل بحرف منها لم تصح صلاته ولو خفف حرفا مشددا فقد أخل بحرف لان المشدد حرفان مثلان
أولهما ساكن فإذا خفف فقد أسقط أحدهما ولو ابدل حرفا بحرف فقد ترك الواجب وهل يستثني
ابدال الضاد في قوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) بالظاء ذكروا فيه وجهين أحدهما نعم
فيحتمل ذلك لقرب المخرج وعسر التمييز بينهما وأصحهما لا يستثني ولو ابدل كان كابدال غيرهما
من الحروف وكما لا يتحمل الاخلال بالحروف لا يتحمل اللحن المخل المعنى كقوله أنعمت عليهم
326

وإياك نعبد بل تبطل صلاته ان تعمد ويعيد على الاستقامة ان لم يتعمد ويسوغ القراءات السبع
وكذا القراءة الشاذة ان لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه وقوله ثم كل حرف
وتشديد ركن يجوز ان يريد به انه ركن من الفاتحة لان ركن الشئ أحد الأمور التي يلتئم منها
ذلك الشئ ويجوز ان يريد به انه ركن من الصلاة لان الفاتحة من أركان الصلاة وجزء الجزء جزء والأول
أصوب لئلا تخرج أركان الصلاة عن الضبط *
قال (ثم الترتيب فيها شرط فلو قرأ النصف الأخير أولا لم يجزه ولو قدم آخر التشهد فهو
كقوله عليكم السلام والموالاة أيضا شرط بين كلماتها فلو قطعها بسكوت طويل وجب الاستئناف
(و) وكذا بتسبيح يسير الا ماله سبب في الصلاة كالتأمين لقراءة الإمام والسؤال والاستعاذة
أو سجود التلاوة عند قراءة الإمام آية سجدة أو رحمة أو عذاب فان الولاء لا ينقطع على أحد الوجهين
ولو ترك الموالاة ناسيا ففيه تردد ولو طول ركنا قصيرا ناسيا لم يضر) *
327

الفصل يشتمل على جملتين مشروطتين في الفاتحة (أحداهما) الترتيب فيجب رعايتها لان الاتيان
بالنظم المعجز مقصود والنظم والترتيب ومناط البلاغة والاعجاز فلو قدم مؤخرا على مقدم
نظر إن كان عامدا بطلت قراءته وعليه الاستئناف وإن كان ساهيا عاد إلى الموضع الذي أخل منه
بالترتيب فقرأ منه قال الصيدلاني الا أن يطول فيستأنف وعلى كل حال لا يعتد بالمؤخر الذي قدمه
وينبغي ان يحمل قوله فلو قدم النصف الأخير قبل الأول لم يجزه على هذا أي لا يجزئه النصف
الأخير فاما النصف الأول فهل يجزئه ويبنى عليه أم يلزمه الاستئناف فيه التفصيل الذي ذكرناه
ولو أخل بترتيب التشهد نظر أن غير تغييرا مبطلا للمعني فليس ما جاء به محسوبا وان تعمده بطلت
صلاته لأنه أتى بكلام غير منظوم قصدا وان لم يبطل المعنى وكان كل واحد من المقدم والمؤخر
مفيدا مفهوما ففيه الطريقان المذكوران فيما إذا عكس لفظ السلام فقال عليكم السلام والأظهر
الجواز لأنه لا يتعلق بنظمه اعجاز وقوله ولو قدم آخر التشهد يعني به هذه (الحالة الثانية) وهي أن لا يغير المعنى
وإن كان اللفظ مطلقا واعلم أن تغيير الترتيب على وجه يبطل المعنى كما يفرض في التشهد يفرض
في الفاتحة فوجب أن يقال ثم أيضا إذا غير تغييرا مبطلا للمعنى عمدا تبطل صلاته والثانية الموالاة
بين كلماتها والاخلال بها على ضربين (أحدهما) أن يكون الشخص عامدا فيه فان سكت في أثنائها
نظر ان طالت مدة السكوت وذلك بان يشعر مثل ذلك السكوت بقطعه القراءة واعراضه عنها
اما اختيار أو لعائق فتبطل قراءته ويلزمه الاستئناف لأنه صلى الله عليه وسلم (كان يوالي في قراءته)
وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) (1) وروى امام الحرمين والمصنف في الوسيط وجها آخر عن العراقيين
328

أن ترك الموالاة بالسكوت الطويل عمدا لا يبطل القراءة وأعلم لهذا الوجه قوله وجب الاستئناف
بالواو وان قصرت مدة السكوت فلا يؤثر لان السكوت اليسير قد يكون لتنفس وسعال ونحوهما
فلا يشعر بقطع القراءة ونظيره التفريق اليسير في الوضوء لا يؤثر وان أوجبنا الموالاة فيه وهذا إذا
لم ينو مع السكوت قطع القراءة فان نواه والسكوت يسير ففيه وجهان حكيا عن الحاوي أحدهما
انه لا تبطل القراءة أيضا لان السكوت اليسير لا اثر له بمجرده ولا للنية بمجردها فلا يضر انضمام أحدهما
إلى الآخر وأصحهما وهو الذي ذكره المعظم انها تبطل ويجب الاستئناف لا قران الفعل بنية القطع
وقد تؤثر النية مع الفعل فيما لا يؤثر فيه أحدهما الا ترى ان نية التعدي من المودع لا توجب كون الوديعة
مضمونة عليه وكذلك مجرد النقل من موضع إلى موضع وإذا اقترنا صارت مضمونة عليه وإنما
لم تؤثر مجرد النية ههنا بخلاف نية قطع الصلاة فإنها تؤثر فيها لأن النية ركن في الصلاة تجب ادامتها
حكما إن لم تجب ادامتها حقيقة ولا يمكن ادامتها حكما مع نية القطع فتبقى الافعال بالنية وقراءة
الفاتحة لا تفتقر إلى نية خاصة فلا يؤثر فيها نية القطع فلو اتى بتسبيح أو تهليل في أثنائها أو قرأ آية
أخرى فيها بطلت الموالاة قل ذلك أم كثر لان الاشتغال بغيرها يغير النظم ويوهم الاعراض عنها
وهذا فيما لا يؤمر به في الصلاة اما ما يؤمر به وتتعلق به مصلحة الصلاة كما إذا أمن الإمام والمأموم
في خلال الفاتحة فأمن معه أو قرأ الامام آية رحمة فسألها المأموم أو آية عذاب فاستعاذ منه أو آية سجدة
329

فسجد المأموم معه أو فتح على الامام قراءته ففي بطلان الموالاة في جميع ذلك وجهان أحدهما
وبه قال الشيخ أبو حامد تبطل كما لو فتح على غير امامه أو أجاب المؤذن أو عطس فحمد الله تعالى وأصحهما وبه قال
صاحب الافصاح والقاضي أبو الطيب والقفال لا تبطل لأنه ندب إلى هذه الأمور في الصلاة
لمصلحتها فالاشتغال بها عند عروض أسبابها لا يجعل قادحا وهذا مفرع على استحباب هذه
الأمور للمأموم وهو المشهور وفيه وجه آخر ثم لم يجروا هذا الخلاف في كل مندوب إليه فان الحمد
عند العطاس مندوب إليه وإن كان في الصلاة وهو قاطع للموالاة ولكن في المندوبات التي تختص
بالصلاة وتعد من صلاحها وقوله الإمالة سبب في الصلاة محمول على هذا ولما كان السكوت مبطلا
للموالاة بشرط أن يكون طويلا وكان التسبيح مبطلا من غير هذا الشرط قيد في لفظ الكتاب
السكوت بالطويل وجعل التسبيح بوصف كونه يسيرا مبطلا للموالاة تنبيها على الفرق بينهما ثم
لا يخفى أن ما يبطل يسيره فكثيره أولى ان يبطل (الضرب الثاني) أن يخل بالموالاة ناسيا ونذكر
330

أولا مسألة وهي أنه لو ترك الفاتحة ناسيا هل تجزئه صلاته الجديد وهو المذهب أن لا يعتد بتلك
الركعة بل إن تذكر بعد ما ركع عاد إلى القيام وقرأ وإن تذكر بعد القيام إلى الركعة الثانية صارت
هذه الركعة أولاه ويلغو ما سبق ووجهه الأخبار الدالة على اعتبار الفاتحة والالحاق بسائر الأركان وقال في
القديم تجزئه صلاته تقليد العمر رضي الله عنه (فإنه نسي القراءة في صلاة المغرب فقيل له في ذلك
فقال كيف كان الركوع والسجود قالوا كان حسنا قال فلا بأس) وقد ذكرت ما قيل في الفرق
بين الفاتحة وسائر الأركان في فصل الترتيب في الوضوء إذا عرف ذلك فنقول إذا ترك الموالاة
ناسيا فالذي ذكره الجمهور ونقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا تنقطع الموالاة وله أن يبني
وليس هذا تفريعا على القول القديم في ترك الفاتحة ناسيا بل نقلوا ذلك مع القول بأنه إذا ترك
الفاتحة ناسيا لم يعتد بالركعة ومال إمام الحرمين إلى أنه ينقطع الولاء بالنسيان إذا قلنا النسيان
331

ليس بعذر في ترك الفاتحة حتى لا يجزئه ما اتي به كما لو ترك الترتيب نايبا وتابعه الامام الغزالي
رحمه الله فجعل المسألة على التردد واعترض امام الحرمين قدس الله روحه على كلام الجمهور فقال
ترك الولاء إذا كان مما تختل به القراءة فجريانه النسيان وجب أن يكون بمثابة ترك القراءة ناسيا
حتى لا يعذر به وللجمهور أن يقولوا سلمت في هذا الاعتراض مقدمة مطلقة وهي ان ترك الولاء
مما تختل به القراءة وعندنا لا تختل به القراءة الا عند التعمد فان قال إذا اختلت به عند التعمد
وجب ان تختل عند النسيان كما أن ترك القراءة من أصلها لا يفترق حكمه في الحالتين فلهم أن
332

يقولوا في الفرق الموالاة هيئة في الكلمات تابعة لها فإذا ترك القراءة فقد ترك التابع والمتبوع وإذا
ترك الموالاة فقد ترك التابع دون المتبوع فلا يبعد أن يجعل النسيان عذرا ههنا ولا يجعل عذرا ثم
ونظيره غسل الأعضاء في الوضوء لا يحتمل تركها عمدا ولا سهوا وترك المولاة سهوا يحتمل على الأظهر
وان أوجبنا فيه الموالاة واما ما ذكره من ترك الترتيب ناسيا فقد فرق الشيخ أبو محمد بينه
وبين الموالاة بأن امر الموالاة أهون ألا ترى انه لو أخل المصلى بترتيب الأركان ناسيا فقدم
333

السجود على الركوع لم يعتد بالسجود المقدم ولو أخل بالموالاة بان طول ركنا في الصلاة
ناسيا لم يضر واعتد بما أتي به وكذلك لو ترك سجدة من الركعة الأولي أقيمت السجدة المأتي بها
في الركعة الثانية مقامها وان اختلت الموالاة ولهذا يحتمل غير أفعال الصلاة في خلالها إذا كانت
يسيرة كالخطوة وقبل الحية ونظائرهما مع أنها تخل بصورة الموالاة فلا يلزم من جعل النسيان عذرا في أضعف المعتبرين جعله عذرا في أقواهما وقد حكي الامام بعض هذا الفرق عن الشيخ ولم يعترض
عليه بأزيد مما سبق وربما وجه النص المنقول في أن ترك الموالاة ناسيا لا يضر بمسائل ترك الموالاة ناسيا
334

في الصلاة كتطويل الركن القصير ونحوه والله أعلم وينكشف لك من هذا الشرح ما السبب الداعي
إلى ايراد المصنف مسألة تطويل الركن القصير في خلال مسائل القراءة ومن لم يعرف هذا السبب
ولم تكن فيه غباوة فإنه يتعجب من ذلك وليس في لفظ الكتاب ما ينبه عليه وأما تسمية كل
واحد من الترتيب والموالاة شرطا والحروف والتشديدات أركانا فقد تقدم في باب الاذان ما يناظر
ذلك والقول فيهما قريب *
قال (أما العاجز فلا تجزئه ترجمته (ح) بخلاف التكبير بل يأتي بسبع آيات من القرآن متوالية
لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة فإن لم يحسن فمتفرقة فإن لم يحسن فيأتي بتسبيح وتهليل لا تنقص
حروفه عن حروف الفاتحة) *
ذكرنا أن للمصلى حالتين أحداهما أن يقدر على قراءة الفاتحة وما ذكرناه إلى الآن كلام
فيها والثانية أنه لا يقدر فيلزمه كسب القدرة عليها اما بالتعلم أو التوسل إلى مصحف يقرأها منه
335

سواء قدر عليه بالشرى أو الاستئجار أو الاستعارة فإن كان بالليل أو كان في ظلمة فعليه تحصيل
السراج أيضا عند الامكان فلو امتنع عن ذلك مع الامكان فعليه إعادة كل صلاة صلاها إلى أن
قد ر على قراءتها وإذا تعذر التعلم عليه أو تأخر لضيق الوقت أو بلادته وتعذرت القراءة من
المصحف أيضا فكيف يصلى هذا غرض الفصل وجملته أن لا تجزئه الترجمة وخلاف أبي حنيفة
يعود ههنا بطريق الأولى ويخالف التكبير حيث يعد العاجز إلى ترجمته لما قدمناه أن نظم القرآن
معجز وهو المقصود فيراعى ما هو أقرب منه واما لفظ التكبير فليس بمعجز ومعظم الفرض معناه
فالترجمة أقرب إليه وإذا عرفت ذلك فينظر ان أحسن غير الفاتحة من القران فيجب عليه ان يقرأ
سبع آيات من غيرها ولا يجوز له العدول إلى الذكر لان القران بالقرآن أشبه ولا يجوز أن ينقص
336

عدد الآيات الماتى بها عن السبع وإن كانت طويلة لان عدد الآي مرعى فيها قال الله تعالى
سبعا من المثاني (وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع آيات) (1) فيراعي هذا العدد في بدلها وهل
يشترط مع ذلك أن لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة فيه وجهان أحدهما لا ويكفى اعتبار
اعتبار الآيات كما لو فاته صوم يوم طويل يجوزه قضاؤه في يوم قصير ولا ينظر إلى الساعات وأصحهما
وهو المذكور في الكتاب انه يشترط لأنها معتبرة في الفاتحة وقد أمكن اعتبارها في البدل فأشبهت
الآيات وهذان الوجهان في جملة الفاتحة مع جملة البدل فلا يمتنع أن يجعل آيتين بدلا عن آية
337

وفى وجه يجب ان تعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة على الترتيب وينبغي أن تكون مثلها
أو أطول منها ويحكى هذا عن الشيخ أبى محمد ثم إن أحسن سبع آيات متوالية بالشرط المذكور لم يجز العدول
إلى المتفرقة فان المتوالية أشبه بالفاتحة وان لم يحسنها اتي بها متفرقة واستدرك امام الحرمين فقال لو كانت
الآيات المفرودة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله (ثم نظر) فيظهر ان لا نأمره بقراءة
338

هذه الآيات المتفرقة ونجعله كمن لا يحسن شيئا من القرآن أصلا ولو كان ما يحسنه من القران دون
السبع كآية أو آيتين ففيه وجهان أحدهما انه يجب عليه ان يكرر حتى يبلغ قدر الفاتحة وأصحهما
انه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر للباقي هذا كله إذا أحسن شيئا من القرآن أما إذا لم يحسن فيجب
عليه ان يأتي بالذكر كلا تسبيح والتهليل خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يلزمه الذكر ويقف ساكنا
339

بقدر القراءة ولمالك حيث قال لا يلزمه الذكر ولا الوقوف بقدر القراءة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال (1) (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما امره الله فإن كان لا يحسن شيئا من القرآن فليحمد الله
340

وليكبره) وروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال (اني لا أستطيع أن آخذ شيئا من
القران فعلمني ما يجزيني في صلاتي فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول
ولا قوة الا بالله) (1) ثم هل يتعين شئ من الأذكار أم يتخير فيها فيه وجهان أحدهما ان
الكلمات المذكورة في الخبر الثاني متعينة لظاهر الامر وعلى هذا اختلفوا منهم من قال تكفيه هذه
341

الكلمات الخمس لأنه قال علمني ما يجزيني في صلاتي والنبي صلى الله عليه وسلم علمه هذه
الكلمات وبهذا قال أبو علي الطبري والقاضي أبو الطيب ومنهم من قال يضم إليها كلمتين أخريين
حتى تصير سبعة أنواع فيكون كل نوع بدلا عن آية والمراد بالكلمات ههنا أنواع الذكر لا الألفاظ
المفردة وأصحهما انه لا يتعين شئ من الأذكار وبه قال أبو إسحاق المروزي وهذا هو الذي ذكره
في الكتاب لأنه أطلق فقال فيأتي بتسبيح وتهليل وعلى هذا فتعرض الخبر للكلمات الخمس جرى
على سبيل التمثيل وهل يشترط ان لا تنقص حروف ما يأتي به عن حروف الفاتحة وجهان كما ذكرنا
فيما إذا أحسن غير الفاتحة من القرآن والأصح وهو المذكور في الكتاب انه شرط ثم قال امام
الحرمين لا يرعي ههنا الا الحروف بخلاف ما إذا أحسن غير الفاتحة من القرآن فإنه يراعي عدد الآيات
وفى الحروف الخلاف وقال في التهذيب يجب أن يأتي بسبعة أنواع من الذكر ويقام كل نوع
342

مقام آية وهذا أقرب تشبيها لمقاطع الأنواع بغايات الآيات وهل الأدعية المحضة كالاثنية فيه تردد
للشيخ أبى محمد قال امام الحرمين والأشبه ان ما يتعلق بأمور الآخرة كالاثنية دون ما يتعلق بالدنيا
ويشترط ان لا يقصد بالذكر ألماني به شيئا آخر سوى البدلية كما إذا استفتح أو تعوذ على قصد
إقامة سنتهما ولكن لا يشترط قصد البدلية فيهما ولا في غيرهما من الأذكار في أظهر الوجهين وان
لم يحسن شيئا من القران والأذكار فعليه ان يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع وكل ما ذكرناه فيما إذا
لم يحسن الفاتحة أصلا *
343

قال (فإن لم يحسن النصف الأول منها اتي بالذكر بدلا عنه ثم يأتي بالنصف الأخير *
أصل المسألة ان من يحسن بعض الفاتحة دون بعض يكرره أم يأتي به ويبدل الباقي فيه وجهان
وقيل قولان (أحدهما) انه يكرر ما يحسنه قدر الفاتحة ولا يعدل إلى غيره لان بعضها أقرب إلى الباقي
من غيرها فصار كما إذا أحسن غيرها من القرآن لا يعدل إلى الذكر (وأصحهما) انه يأتي به وببدل
الباقي لان الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا ويدل عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم (امر
ذلك السائل بالكلمات الخمس) ومنها الحمد لله وهذه الكلمة من جملة الفاتحة ولم يأمره بتكريرها
344

وهذا الخلاف فيما إذا كان يحسن للباقي بدلا أما إذا لم يحسن الا ذلك البعض فيكرره بلا خلاف
إذا تقرر ذلك فلو أحسن النصف الثاني دون الأول فقد قال في الكتاب يأتي بالذكر بدلا عن
النصف الأول ثم يأتي بالنصف الثاني وهذا جواب على الوجه الأصح ويجب أن يقدم البدل للنصف
الأول على قراءة النصف الثاني رعاية للترتيب كما يجب الترتيب في أركان الصلاة وفى كلمات الفاتحة
وحكي في التهذيب وجها انه لا يشترط التريب بين البدل والأصل وكيف ما قرأ جاز وأما إذا
فرعنا على الوجه الأول وهو انه يكرر القدر الذي يحسنه فلا يأتي في هذه الصورة لنصف الأول
ببدل بل يكرر النصف الأخير وليعلم لهذا الوجه قوله اتي بالذكر بدلا عنه بالواو وكذا قوله ثم
يأتي بالنصف الأخير لان كلمة ثم للترتيب وقد ذكرنا وجها أنه لا يجب الترتيب ولو كان الامر
بالعكس فكان يحسن النصف الأول دون الثاني فعلى الوجه الأول يكرره وعلى الأصح يأتي
بالنصف الأول ثم بالذكر بدلا عن الثاني *
قال (قان تعلم قبل قراءة البدل لزمه قراءتها وإن كان بعد الركوع فلا وإن كان قبل الركوع
وبعد الفراغ فوجهان)
345

جميع ما سبق فيما إذا استمر العجز عن القراءة في الصلاة فاما إذا تعلم الفاتحة في أثنائها أو لقنه
انسان أو أحضر مصحف وتمكن من القراءة منه فينظر ان اتفق ذلك قبل الشروع في قراءة البدل
فعليه أن يقرأ الفاتحة وإن كان في خلال قراءة البدل مثل ان اتى بنصف الأذكار ثم قدر على قراءة
الفاتحة فعليه قراءة النصف الأخير وفى الأول وجهان أحدهما لا يجب كما إذا شرع في صوم الشهرين
ثم قدر على الاعتاق لا يلزمه العدول إلى الاعتاق وأظهرهما يجب كما إذا وجد الماء قبل تمام التيمم
يبطل تيممه وإن كان ذلك بعد قراءة البدل وبعد الركوع فلا يجوز الرجوع وقد مضت تلك الركعة
على الصحة وإن كان بعد القراءة وقبل الركوع فوجهان أحدهما عليه قراءة الفاتحة لان محل القراءة باق
وقد قدر عليها وأظهرهما لا يجب لان البدل قد تم وتأدى الفرض وبه وأشبه ما لو اتي المكفر
بالبدل ثم قدر على الأصل أو صلى بالتيمم ثم قدر على الوضوء ويجوز أن يعلم قوله لزمه قراءتها
بالواو لان قوله قبل قراءة البدل يتناول ما إذا لم يشرع في البدل أصلا وما إذا شرع لكن لم
346

يتمه حتى تعلم الفاتحة وقد ذكرنا في الصورة الثانية وجهين ويجوز أن يعلم قوله فوجهان في الصورة
الأخيرة أيضا لان صاحب البيان ذكر طريقا آخر أنه لا يجب قراءة الفاتحة وجها واحدا *
قال (ثم بعد الفاتحة سنتان أحداهما التأمين مع تخفيف الميم ممدودة أو مقصورة وفى جهر الامام
به خلاف والا ظهر الجهر وليؤمن المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده) *
بينا أن لركن القراءة سنتين لاحقتين فاشتغل بذكرهما حين فرغ من أحكام الفاتحة إحداها
التأمين فيستحب لكل من قرأ الفاتحة خارج الصلاة أو في الصلاة أن يقول عقيب الفراغ آمين
ثبت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) معنى الكلمة ليكن كذلك وفيها لغتان القصر والمد
347

والميم مخففة في الحالتين وينبغي أن يفصل بينها وبين قوله ولا الضالين بسكتة لطيفة تمييزا بين
القرآن وغيره ويستوى في استحبابها الإمام والمأموم والمنفرد ويجهر بها الامام والمنفرد في صلاة
الجهر تبعا للقراءة وقد روى عن وائل بن حجر (صليت خلف النبي صلى اله عليه وسلم
فلما قال ولا الضالين ت آمين ومد بها صوته) (1) أما المأموم فقد نقل عن القديم انه يؤمن جهرا
أيضا وعن الجديد أنه لا يجهر واختلف الأصحاب فقال الأكثرون في المسألة قولان أحدهما
348

أنه لا يجهر كما لا يجهر بالتكبيرات إن كان الامام يجهر بها وأصحهما وبه قال احمد انه يجهر لما روى عن
عطاء قال (كنت اسمع الأئمة وذكر ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ويقول من خلفهم آمين
349

حتى أن للمسجد للجة) (2) ويروى عن أبي هريرة قال كان إذا امن رسول الله صلى الله عليه وسلم
امن من خلفه حتى كان للمسجد ضجة) (1) ولان المقتدى متابع للامام في التأمين فإنه إنما يؤمن لقراءته
فيتبعه في الجهر كما يتبعه في التأمين ومنهم من أثبت قولين في المسألة ولكن لا على الاطلاق
350

بل فيما إذا جهر الامام أما إذا لم يجهر الامام فيجهر المأمون ليتنبه الامام وغيره ومنهم من حمل النصين
على حالين فحيث قال لا يجهر المأمومون أراد ما إذا قل المقتدون أو صغر المسجد وبلغ صوت
الامام القول فيكفي اسماعه إياهم التأمين كأصل القراءة وان كثر القوم يجهرون حتى يبلغ الصوت
الكل والأحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الامام لا قبله ولا بعده لما روى عن أبي هريرة
351

رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمن الامام امنت الملائكة فامنوا فان من
وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) (1) فإن لم يتفق ذلك أمن عقيب تأمينه * واما لفظ
الكتاب فلك ان تعلم قوله التأمين بالميم لأنه روى مالك أنه لا يسن التأمين للمصلى أصلا وعنه رواية
أخرى أن الامام لا يؤمن في الجهرية ورواية أخرى ان الإمام والمأموم يؤمنان لكن يسران وهو
352

مذهب أبي حنيفة ولذلك اعلم قوله والأظهر الجهر بعلامتهما وقوله ممدودة أو مقصورة التأنيث على تقدير
الكلمة وقوله وفى جهر المأموم به خلاف أي الصلاة الجهرية واما في السرية فالمحبوب الاسرار لمأموم
وغيره بلا خلاف ثم قوله خلاف يجوز أن يريد به قولين جوابا على الطريقة المشهورة ويجوز ان يريد به
طريقين وهما الأول والثالث فقد ذكرهما في الوسيط فإن كان الأول فقوله والأظهر الجهر أي من القولين وإن كان
الثاني فالمعنى والأظهر مما قيل في المسألة انه يجهر *
قال (الثانية السورة وهي مستحبة للامام والمنفرد في ركعتي الصبح والأوليين من غيرهما وفى
الثالثة والرابعة قولان منصوصان الجديد انها تستحب (ح) وإن كان العمل على القديم والمأموم لا يقرأ السورة
في الجهرية بل يستمع وان لم يبلغه الصوت ففي قراءته وجهان) *
353

يسن للامام والمنفرد قراءة سورة بعد الفاتحة في ركعة الصبح والأوليين من سائر الصلوات
لما سيأتي وأصل الاستحباب يتأدى بقراءة شئ من القرآن لكن السورة أحب حتى أن السورة
القصير أولي من بعض سورة طويلة وروى القاضي الروياني عن أحمد انه يجب عنده قراءة شئ من
القرآن وهل يسن قراءة السورة في الثالثة من المغرب وفي الثالثة والرابعة من الرباعيات فيه قولان
354

الجديد أنها تسن لكن تجعل السورة فيهما أقصر لما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان (نقرأ في الصلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة
قدر ثلاثين آية وفى الأخريين قدر خمس عشرة آية وفى العصر في الركعتين الأوليين في كل
355

ركعة قدر خمس عشرة آية وفى الأخريين وقدر نصف ذلك) والقديم وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد
أنها لا يتسن لما روى عن أبي قتادة أن النبي صلى الله واله وسلم (1) (كان يقرأ في الظهر في
الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفى الركعتين الأخيريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية ويطول
356

في الركعة الأولى يطول في الثانية) هل يفضل الركعة الأولى على الثانية فيه وجهان أظهرهما لا ويدل
عليه حديث أبي سعيد والثاني وبه قال الامام السرخسي نعم ويدل عليه حديث أبي قتادة ويجرى
الوجهان في الركعتين الأخرتين ان قلنا تستحب فيهما السورة وقال أبو حنيفة يستحب تفصيل
الأولى على الثانية في الفجر خاصة ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل كالحجرات نعم
357

في الركعة الأولى من صبح يوم الجمعة يستحب قراءة ألم السجدة وفى الثانية هل أتى ويقرأ في الظهر
بما يقرب من القراءة في الصبح وفى العصر والعشاء بأوساط المفصل وفى المغرب بقصاره وأما
المأموم فلا يقرأ السورة في الصلاة التي يجهر بها الامام وهو يسمع صوته بل ينبغي ان ينصت
358

ويستمع قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ولهذا يستحب الامام أن يسكت
بعد الفاتحة قدر يقرأ فيه المأموم الفاتحة كيلا يفوته استماع الفاتحة ولا استماع السورة وإن كانت
359

الصلاة سرية أو جهرية والمأموم لا يسمع لبعد أو صمم فوجهان أحدهما انه لا يقرأ لما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال (إذا كنتم خلفي فلا تقرؤا الا بفاتحة الكتاب) (1) وأصحهما يقرأ كالمنفرد
وإنما لا يؤمر بالقراءة حيث يستمع ليستمع وأما الحديث فله سبب وهو ان أعرابيا راسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم في قراءة الشمس وضحاها فتعسرت القراءة على رسول الله صلى اله عليه
وسلم فلما تحلل عن صلاته قال ذلك ويستحب للقارئ في الصلاة وخارج الصلاة أن يسأل الرحمة
إذا مر بآية رحمة وأن يتعوذ إذا مر بآية عذاب وأن يستح إذا مر بآية تسبيح وأن يتفكر إذا
مر بآية مثل ذلك وأن يقول بلي وانا على ذلك من الشاهدين إذا قرأ أليس الله بأحكم الحاكمين
360

ويقول آمنا بالله إذا قرأ فبأي حديث بعده يؤمنون والمأموم يفعل ذلك لقراءة الإمام وقوله في
الكتاب فقولان منصوصان التصريح بكونها منصوصين يعرف انهما ليسا ولا واحد منهما
مخرج ولا يتوهم من ذلك أنه إذا أرسل ذكر القولين كان ثم تخريج كما أن التعرض للقديم والجديد
يعرف تاريخ القولين ولا يلزم من ارسال القولين أن يكون أحدهما قديما ولآخر جديدا
361

وقوله وإن كان العمل على القديم إشارة إلى ترجيح القول القديم وبه أفتي الأكثرون وجعلوا المسألة
من المسائل التي يفتي فيها على القديم ونازع الشيخ أبو حامد وطائفة فيه ورجحوا الجديد (واعلم)
أن مسألة جهر المأموم بالتأمين من جملة تلك المسائل إذا أثبتنا الخلاف فيها كما تبين في الفصل
السابق وقوله والمأموم لا يقرأ السورة في الجهرية إلى آخره التعرض لحكم قراءته في الجهرية واهما له
362

في السرية فيه أشار بأنه يقرأ في السرية وهو الأظهر كما بيناه وان لم يكن متفقا عليه *
قال (الركن الرابع الركوع وأقله أن ينحني بحيث تنال راجتاه وكبتيه ويطمئن (ح) بحيث
ينفصل هويه عن ارتفاعه ولا يجب الذكر) *
363

تكلم في أقل الركوع ثم في اكمله ما أقله فقد ذكر فيه شيئين لا بد منهما (أحدهما) ان ينحني بحيث
364

تنال راحتاه ركبتيه يقال أنه ورد في لفظ الخبر (1) ومعناه أن يصير بحيث لو أراد أن يضع
راحتيه على ركبتيه لتمكن وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين وفي لفظ الانحناء
إشارة إلى أنه لو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب لم يكن ذلك ركوعا وان صار بحيث
365

لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه لن نيلهما ركبتيه لم يكن بالانحناء قال امام الحرمين ولو مزج
الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع الراحتين على الركبتين بهما جميعا لم يعتد بما جاء به ركوعا
366

أيضا ثم أن لم يقدر على أن ينحني إلى الحد المذكور الا بمعين أو الاعتماد على شئ أو بان ينحني
على شق لزمه ذلك وان لم يقدر انحنى القدر المقدور عليه وان عجز أومأ بطرفه عن قيام (واعلم)
367

ان الذي ذكره في هذا الموضع هو حد ركوع القائمين فاما إذا كان يصلي قاعدا فقد صار حد
أقل ركوعه وأكمله مذكورا في فصل القيام (والثاني) ان يطمئن خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا تجب
368

الطمأنينة لنا ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه (1) (ان رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
في ناحية المسجد فصلي ثم جاء فسلم عليه فقال صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ارجع فصل
فإنك لم تصل فرجع فصلي ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال علمني يا رسول الله فقال إذا قمت إلى الصلاة
369

فاسبغ الوضوء استقبل القبلة فكبر اقرأ بما يتيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا)
ومعنى الطمأنينة في الركوع أن يصبر تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هويه عن ارتفاعه
370

منه فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهوى ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة وزيادة الهوى
لا تقوم مقام الطمأنينة فهذا بيان الامرين اللذين لابد منهما وأما قوله ولا يجب الذكر فالغرض
371

من ذكره ههنا بيان خروجه عن حد الأقل خلافا لا حمد فإنه يحكي عنه ايجاب التسبيح في الركوع
والسجود مرة واحدة وكذلك ايجاب التكبير للركوع والسجود لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يأمر المسئ
صلاته بالذكر فيهما) ويجوز أن (يع‍)؟ الأقل شئ آخر وهو أن (لا)؟ به غير الركوع
لان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه لو قرأ في صلاته آية سجدة فهوى ليسجد للتلاوة ثم بدا له
372

بعد ما بلغ حد الراكعين ان يركع لم يعتد بذلك عن الركوع لأنه لم يقطع القيام لقصد الركوع بل
يجب عليه أن يعود إلى القيام ثم يركع وسيأتي لهذا نظائر ولك أن تعلم قوله بحيث تنال راحتاه ركبتيه
(؟؟؟) القاضي ابن كج حكى عن ابن حنيفة أنه لا يعتبر ذلك ويكتفى بأصل الانحناء *
373

قال (وأكمله أن ينحني بحيث يستوى ظهره وعنقه وينصب ركبتيه عليهما ويضع كفيه عليهما يجافي
الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز في الانحناء حد الاستواء ويقول الله أكبر رافعا يديه عند الهوى
ممدودا على قول ومحذوفا على قول كيلا يغير المعنى بالمد ويقول سبحان ربى العظيم ثلاثا ولا يزيد
الإمام على الثلاث) *
374

الكلام في أكمل الركوع يقع في جملتين (إحداهما) في هيئته وهي أن ينحني بحيث يستوى ظهره
وعنقه ويمدهما كالصفحة الواحدة فلا تكون رأسه ورقبته أخفض من ظهره ولا أعلي يروى أن رسول
375

الله صلى الله عليه وسلم (كان يستوى في الركوع بحيث لو صب الماء على ظهره لاستمسك وروى
376

انه صلى الله عليه وسلم (عن التذبيح في الصلاة) وفى رواية (نهى ان يذبح الرجل في الركوع
كما يذبح الحمار) (1) والتذبيح ان يبسط ظهره ويطأطئ رأسه فتكون رأسه أشد انحطاطا من أليتيه وهذا اللفظ
377

يذكر بالدال والأول أشهر وينبغي للراكع ان ينصب ساقيه إلى الحقو ولا يثني ركبتيه وهذا هو
الذي اراده بقوله وينصب ركبتيه ويستحب له وضع اليدين على الركبتين واخذهما بهما ويفرق بين أصابعه
378

حينئذ ويوجههما نحو القبلة روى أنه صلى الله على وسلم (كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع
كالقابض عليهما) (1) ويفرج بين أصابعه فإن كان اقطع أو كانت إحدى يديه عليلة فعل بالأخرى ما ذكرنا
379

فإن لم يمكنه وضعهما على الركبتين أرسلهما: ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه فقد روي أن النبي صلى الله عليه
380

وسلم (كان يفعل ذلك) والمرأة لا تجافى فإنه استر لها والخنثى كالمرأة: اما قوله ولا يجاوز في الانحناء
381

الاستواء فالمراد استواء الظهر والرقية وفى قوه أولا وأكمله ان ينحني بحيث يستوى ظهره وعنقه
382

ما يفيد هذا الغرض فانا إذا عرفنا استحاب استواء الظهر والعنق نعرف انه لا ينبغي ان يجاوز الاستواء
383

فاعادته ثانيا اما أن تكون تأكيدا أو يكون الغرض الإشارة إلى أن المجاوزة مكروهة قصية للنهي
384

عن التذبيح وعلى هذا فالإعادة لا تكون لمحض التأكيد إذ لا يلزم من استحباب الشئ أن يكون تركه
منهيا عنه مكروها وعلى كل حال فلو ذكر قوله ولا يجاوز متصلا بالكلام الأول لكان أحسن
385

(الجملة الثانية) في الذكر المستحب فيه ويستحب ان يكبر للركوع لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه
386

ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود) (1) ويبتدئ به في ابتداء
387

الهوى وهل يمده فيه قولان القديم وبه قال أبو حنيفة لا يمده بل يحذف لما روى أنه صلى الله عليه
وسلم قال (التكبير جزم) (1) أي لا يمد ولأنه لو حاول المد لم يأمن أن يجعل المد على غير موضعه فيغير
388

المعني مثل ان يجعله على الهمزة فيصير استفهاما والجديد انه يمده إلى تمام الهوى حتى لا يخلو جزء
من صلاته عن الذكر والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يمدها من الركن المنتقل
389

عنه إلى أن يصحل في المنتقل إليه ويرفع يديه إذا ابتدأ التكبير خلافا لأبي حنيفة لنا ما روى عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا كبر وإذا ركع
وإذا رفع رأسه من الركوع) (1) ويستحب أن يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وذلك أدني درجات
390

الكمال لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (1) (قال ركع أحدكم فقال سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد
391

تم ركوعه وذلك أدناه فإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربى الاعلي ثلاثا فقدم سجوده وذلك
392

أدناه) واستحب بعضهم ان يضيف إليه وبحمده وقال إنه ورد في بعض الأخبار (1) والأفضل أن يضيف
إليه (اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخفي وعظمي
وعصبي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله رب العالمين) فقد روى ذلك الخبر (2)
394

وهو أتم الكمال وحكى عن الحاوي ان أتم الكمال من سبع تسبيحات إلى إحدى عشرة وأوسطه
395

ثم الزائد على أدنى الكمال من سبع تسبيحات إلى أحدي عشرة وأوسطه خمس
396

أدنى الكمال إنما يستحب للمنفرد اما الامام فلا يزيد على التسبيحات الثلاث كيلا يطول على القوم وقال
القاضي الروياني في الحلية لا يريد على خمس تسبيحات وذكره غيره أيضا فليكن قوله ولا يزيد الامام
397

على الثلاث معلما بالواو واستحباب التخفيف للامام فيها إذا لم يرض القوم بالتطويل أما إذا كان
398

الحاضرون لا يريدون ورضوا بالتطويل فيسوي في أتم الكمال ويكره قراءة القرآن
في الركوع والسجود (1) *
قال (ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن (ح) ويستحب رفع اليدين إلى المكبين ثم يخفض يديه بعد
الاعتدال ويقول وعند رفعه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويستوى (ح) فيها الإمام والمأموم والمنفرد) *
الاعتدال ركن في الصلاة لكنه غير مقصود في نفسه ولذلك عند ركنا قصيرا فمن حيث
399

أنه ركن عده في ترجمة الأركان في أول الباب ومن حيث أنه ليس مقصودا في نفسه جعله ههنا
400

تابعا للركوع وأوردهما في فصل وهكذا بالجلسة بين السجدتين وقال أبو حنيفة
لا يجب الاعتدال وله أن ينحط من الركوع ساجدا وعن مالك روايتان (أحدهما) كمذهبنا
401

الأخرى كمذهب إلى حنيفة لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته (ثم ارفع حتى
تعتدل قائما) ولو كان يصلي قاعدا لمرض فيعود إلى القعود بعد الركوع وبالجملة فالاعتدال الواجب
أن يعود بعد الركوع إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع فلو ركع عن قيام وسقط في ركوعه
نظر ان لم يطمئن في ركوعه فعليه أن يعود إلى الركوع ويعتدل منه وان اطمأن فيعتدل قائما
ويسجد منه ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك في أنه هل تم اعتداله وجب عليه أن يعتدل قائما
402

ويعيد السجود وتجب الطمأنينة في الاعتدال كما تجب في الركوع وقال في النهاية في قلبي من
الطمأنية في الاعتدال شئ فان النبي صلى الله عليه وسلم في المسئ صلاته ذكر الطمأنينة
في الركوع والسجود ولم يذكرها في الاعتدال وللقعدة بين السجدتين فقال (ثم ارفع رأسك حتى
تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسا قال وفي كلام
الأصحاب ما يقتضي التردد فيها والمنقول هو الأول ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين إلى
403

حذو المنكبين فإذا اعتدل قائما حطهما وقال أبو حنيفة لا يرفع لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع
وإذا رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) ويستحب أن
يقول عند الارتفاع سمع الله لمن حمده ويكون ابتداؤه برفع الرأس من الركوع ورفع اليدين
404

والتسميع دفعة واحدة فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد وروينا في خبر ابن عمر (ولك الحمد)
والروايتان معا صحيحتان ويستوى في الذكرين الإمام والمأموم والمنفرد خلافا لمالك وأبي حنيفة
حيث قالا لا يزيد الإمام على سمع الله لمن حمده ولا المأموم على ربنا ولك الحمد وأما المنفرد فقد
روى صاحب التهذيب عنهما أنه يجتمع بين الذكرين ثم روى مثل مذهبهما عن أحمد والأشهر عن
405

احمد انه يجمع الامام والمنفرد بينهما ولا يزيد المأموم على ربنا لك الحمد ويستحب أن يزاد
فيه ما روى عن عبد الله بن أبي أوفى قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع
قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد)
406

وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (1) (كأن يقول مع ذلك أهل أثناء والمجد حق ما قال
407

العبد كلنا لك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد والامام
408

لا يأتي بهذه الزيادة الأخيرة ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب قوله ثم يعتدل عن ركوعه ويطمئن
إشارة منه إلى واجب الاعتدال لذلك قال عقبيه ويستحب رفع اليدين ليمتاز واجبه عن مسنونه
409

واعلم أن واجب الاعتدال لا ينحصر في الامرين المذكورين بل له واجب ثالث وهو أن
لا يقصد بالارتفاع شيئا اخر حتى لو رأى حية في ركوعه فاعتدل فزعا منها لم يعتد به وواجب
رابع وهو أن لا يطوله فلو طول عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته على الأصح لأنه ركن قصير
وسيأتي الكلام فيه من بعد في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى وقوله ويستحب رفع اليدين
410

إلى المنكبين يجوز أن يعلم لفظ إلى المنكبين بالوا أو ولان رفع اليدين في الاعتدال وفي الركوع مثل رفعهما
في حالة التحريم وقد سبق ثم ذكر الخلاف في أنه يرفع إلى المنكبين أو يزيد فيعود ذلك الخلاف
ههنا وقوله ويقول عند رفعه سمع الله لمن حمده يجوز أن يكون المعني عند رفعه رأسه من الركوع ويجوز أن يكون المعنى عند رفعه اليدين لان المستحب في الرفعين المقارنة فما يقارن هذا يقارن
411

ذلك أيضا وظاهر الكلام يوهم أن يكون قوله سمع الله لمن حمده وقوله ربنا لك الحمد عند الرفع
لكن المستحب أن يكون الأول في حال الرافع والثاني بعد أن يعتدل قائما كما بيناه ولك أن تعلم قوله
عند الرفع بالواو ولان القاضي ابن كج ذكر أنه يبتدئ بقوله سمع الله لمن حمده وهو راكع ثم
إذا ابتدأ به اخذ في الرأس واليدين وقوله يستوى فيه الامام والمنفرد معلم بالحاء والميم وعلى
رواية صاحب التهذيب بالألف أيضا *
قال (ويستحب (ح) القنوت في الصبح وان نزلت بالمسلمين نازلة ورأي الامام القنوت في سائر
412

الصلوات فقولان ثم الجهر بالقنوت مشروع على الظاهر والمأموم يؤمن فإذا لم يسمع صوته قنت على أحد القولين)
413

لما كان القنوت مشروعا في حال الاعتدال ذكره متصلا بالكلام في الاعتدال وإذا كاره
(واعلم) أن القنوت يشرع في صلاتين أحدهما من النوافل وهي الوتر في النصف الآخرين من رمضان
414

وسيأتي في باب النوافل والثانية من الفرائض وهي الصبح فيستحب القنوت فيها في الركعة الثانية خلافا
415

لأبي حنيفة حيث قال لا يستحب وعن أحمد أن القنوت الأئمة يدعون للجيوش فان ذهب إليه ذاهب فلا بأس لنا
416

ما روى النبي صلى الله عليه وسلم (قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم تركه) (1) فاما في الصبح
417

فلم يقنت حتى فارق الدنيا (1) وروى ذلك عن خلفائه الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين ومحله بعد الرفع
419

من الركوع خلافا لمالك حيث قال يقنت قبل الركوع لنا ما روى (1) عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله
420

عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم (قنت بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة) () والقنوت أن يقول
421

(اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن تولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت
425

انك تقضى ولا يقضى عليك لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) هذا القدر
426

يروى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله والامام لا يخص نفسه بل يذكر
430

بلفظ الجمع وزاد العلماء ولا يعز من عاديت (قبل تباركت ربنا وتعاليت وبعده) فلك لحمد على ما قضيت أستغفرك
432

وأتوب إليك ولم يستحسن القاضي أبو الطيب كلمة ولا يعز من عاديت وقال لا تضاف العداوة إلى الله تعالى
433

قال سائر الأصحاب ليس ذلك ببعيد قال الله تعالى (فان الله عدو للكافرين) وهل يسن فيه الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم فيه وجهان (أحدهما) لا لأن أخبار القنوت لم ترد بها واظهر هما وبه قال الشيخ أبو محمد نعم لأنه
434

روى في حديث الحسن أنه قال صلى الله عليه وسلم تباركت ربنا وتعاليت عليه النبي وسلم وأيضا
فقد قال الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال المفسرون أي لا أذكر الا وتذكر معي (1) إذا عرفت ذلك فقوله
435

ويستحب القنوت في الصبح ينبغي ان يعلم بالحاء والألف لما ذكرناه ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لان أبا الفضل
ابن عبدان حكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال المستحب ترك القنوت في صلاة الصبح إذا صار شعار
قوم من المبتدعة إذ الاشتغال به تعريض النفس للتهمة وهذا غريب وضعيف وهل تتعين كلمات القنوت
فيه وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره المصنف في الوسيط نعم كالتشهد وأظهرهما عند الأكثرين لا بخلاف
436

التشهد لأنه فرض أو من جنس الفرض وعلى هذا قالوا الوقت بما روى عن عمر رضي الله عنه كان حسنا
وسنذكره في باب النوافل إن شاء الله تعالى واما ما عدا الصبح من الفرائض (1) فقال معظم الأصحاب
437

ان نزلت بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط فيقنت فيها أيضا في الاعتدال عن ركوع الركعة الأخيرة كما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بئر معونة على ما سبق وان لم تنزل نازلة ففيه قولان أصحهما الا يقنت
لان النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت فيها والثاني انه يتخير ان شاء قنت والا فلا وعن الشيخ أبي محمد
انه قلب هذا التريب فقال إن لم تكن نازلة فلا قنوت الا في الصبح وإن كانت نازلة فعلى قولين: وجه
438

المنع القياس على سائر أركان الصلاة وركعاتها لا يراد فيها الدعاء بنزول النوازل وهذه الطريقة الثانية هي
التي أوردها في الكتاب فإنه خص القولين بما إذا أنزلت نازلة اشعارا بأنها إذا لم تنزل فلا قنوت في غير الصبح
بحال وينبغي ان يعلم قوله فقولان بالواو لان أصحاب الطريقة الأولي قالوا يقنت عند نزول النازلة
ونفوا الخلاف فيه واما قوله ورأي الامام القنوت في سائر الصلوات فليس على معني ان جواز القنوت
439

فيها للناس موقوف على رأى الامام واذنه بل من أراد القنوت جاز له ذلك وكأنه أراد القوم
إذا صلوا جماعة فقال إن رأى قنت والقوم يتبعونه كما في الصبح وان أراد ترك ولا بد للمقتدين
من الترك أيضا وفيه إشارة إلى أنه لا يستحب القنوت في غير الصبح بحال وإنما الكلام في الجواز
فحيث يجوز فالامر فيه إلى اختيار المصلى وهذا قضية كلام أكثر الأئمة ومنهم من يشعر ايراده
440

بالاستحباب والله أعلم (1) ثم الامام
في صلاة الصبح هل يجهر بالقنوت فيه وجهان (أحدهما)
لا كالتشهد وسائر الدعوات المشروعة في الصلاة (وأظهرهما) انه يجهر لأنه روى الجهر به عن
441

رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله على الظاهر أي من هذين الوجهين وقوله
مشروع أي بصفة الاستحباب وليس المراد مجرد الجواز ولفظ الكتاب وإن كان مطلقا
442

فالوجهان في الامام أنما المنفرد فيسر به كسائر الأذكار والدعوات ذكره التهذيب وأما المأموم
فالقول فيه مبنى على الوجهين في الامام إن قلنا لا يجهر الامام به فيقنت المأموم كما يقنت الامام قياسا
443

على سائر الأذكار وإن قلنا يجهر الامام به فإن كان المأموم يسمع صوته فوجهان (أصحهما) وهو المذكور
في الكتاب أنه يؤمن ولا يقنت لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
(كان يقنت ونحن نؤمن خلفه) (1) والثاني ذكره ابن الصباغ أنه يتخير بين أن يؤمن وبين أن قنت معه
فعلى الأول فيماذا يؤمن فيه وجهان حكاما القاضي الروياني وغيره أوفقهما لظاهر لفظ الكتاب
أنه يؤمن في الكل وأظهرهما أنه يؤمن في القدر الذي هو دعاء أما في الثناء فيشاركه أو يسكت وإن كان
لا يسمع صوت الامام لبعد وغيره وقلنا أنه لو سمع لا من فههنا وجهان أحدهما يقنت والثاني يؤمن
كالوجهين في قراءة السورة إذا كان لا يسمع صوت الامام وإنما لم يجر الخلاف على قولنا الامام يسر
بالقنوت مع جريانه في قراءة السورة في الصلاة السرية على الجملة مجهور بها والقنوت إذا لم
444

ير الجهر به ينزل منزلة سائر الأذكار فيشارك المأموم الامام فيه لا محالة فهذا حكم الجهر بالقنوت في
الصبح وأما في سائر الصلوات إذا قنت فيها فايراده في الوسيط يشعر بأنه يسر في السريات وفي الجهريات
الخلاف المذكور في الصبح وإطلاق غيره يقتضى طرد الخلاف في الكل (1) وحديث بئر معونة يدل
على أنه كان يجهر به في جميع الصلوات وهل يسن رفع اليدين في القنوت فيه وجهان أحدهما نعم لما روى
445

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دعوت فادع ببطون كفيك
فإذا فرغت فاسمح راحتيك على وجهك) (1) وقد روى الرفع في القنوت عن ابن مسعود بل عن عمر وعثمان
446

رضي الله عنهم وهو اختيار أبى زيد والشيخ أبى محمد وابن الصباغ وهو الذي ذكره
447

في الوسيط وأظهرهما عند صاحبي المهذب والتهذيب أنه لا يرفع لما روى عن أنس رضي الله عنه أن
448

النبي صلى الله عليه وسلم (لم يكن يرفع اليد الا في ثلاثة مواطن الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة) (1)
وهذا اختيار القفال واليه ميل امام الحرمين فان قلنا لا يرفع فذاك وان قلنا يوضع فوجهان في أنه هل يمسح
بهما وجهه قال في التهذيب أصحهما أنه لا يمسح *
449

قال (الركن الخامس السجود وأقله وضع الجبهة على الأرض مكشوفة بقدر ما ينطلق عليه الاسم وفي
وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان فان أوجبنا وضع اليدين ففي كشفهما قولان وكشف الجبهة
واجب وان سجد على طرته (ح) أو كور عمامته (ح) أو طرف كمه المتحرك بحركته لم يجز (ح) والتنكس واجب
في السجود وهو استعلاء الأسافل ولو تعذر التنكس بمرض وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها
في أظهر الوجهين) *
450

الكلام في السجود في الأقل والأكمل (أما الأقل) فهذا الفصل يتكلف ببيانه وفيه مسائل (أحدها)
فيما يجب وضعه على مكان السجود ولابد من وضع الجبهة خلافا لأبي حنيفة حيث قال الجبهة والأنف
يجزئ وضع كل واحد منهما عن الاخر ولا تتعين الجبهة * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا) ولا يجب وضع جميع الجبهة
على الأرض بل يكفي وضع ما يقع عليه الاسم منها وذكر القاضي ابن كج ان أبا الحسين بن القطان
حكى وجها انه لا يكفي وضع البعض لظاهر خبر ابن عمر والمذهب الأول لما روى عن جابر رضي الله
451

عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر) (1) ولا يجزى وضع
الجبين عن وضع الجبهة وهما جانبا الجبهة وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين على مكان السجود
فيه قولان (أحدهما) وبه قال احمد يجب وهو اختيار الشيخ أبي على لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
452

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن اسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين
453

والركبتين وأطراف القدمين) (1) ويروى على سبعة آراب * وأظهرهما لا يجب وبه قال أبو حنيفة ويروى
عن مالك أيضا لأنه لو وجب وضعها لوجب الايماء بها عند العجز وتقريبها من الأرض كالجبهة فان
454

قلنا يجب فيكفي وضع جزء من كل واحد منها والاعتبار في اليدين بباطن الكف وفي الرجلين
ببطون الأصابع وإن قلنا لا يجب فيعتمد على ما شاء منها ويرفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع
الجميع هذا هو الغالب أو المقطوع به ولا يجب وضع الأنف على الأرض في السجود خلافا لأحمد في
إحدى الروايتين حيث قال يجب وضعه مع الجبهة لنا ما سبق من حديث جابر رضي الله عنه ومعلوم
455

أن من سجد بأعلى الجبهة لا يكون أنفه على الأرض (الثانية) يجب كشف الجبهة في السجود لما روى عن
خباب قال (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا
أي لم يزل شكوانا -) ولا يجب كشف الجميع بل يكفي ما يقع عليه الاسم كما في الوضع ويجب أن يكون
المكشوف من الموضوع على الأرض فلو كشف شيئا ووضع غيره لم يجز وإنما يحصل الكشف إذا لم يكن بينه
وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه فلو سجد على طرته أو كور عمامته لم يجز لأنه لم يباشر
456

بجبهته موضع السجود وقال أبو حنيفة يجوز السجود على كور العمامة على الناصية والكم وعلى اليد أيضا
457

إذا لم تكن مرفوعة عن الأرض بحيث لا يبقى اسم السجود وعن أحمد روايتان كالمذهبين واختلف
458

نقل أصحابنا عن مالك * لنا حديث خباب وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الزق
جبهتك بالأرض) (1) ولو سجد على طرف كمه أو ذيله نظر إن كان يتحرك بحركته قياما وقعودا لم يجز
462

ككور العمامة وان طال وكان لا يتحرك بحركته فلا بأس لأنه في حكم المنفصل عنه فأشبه ما لو سجد على
ذيل غيره وإذا أوجبنا وضع الركبتين والقدمين فلا نوجب كشفهما اما الركبتان فلأنهما من العورة أو
463

متصلان بالعورة فلا يليق بتعظيم الصلاة كشفهما واما القدمان فلانه قد يكون ماسحا على الخف وفى كشفهما
ابطال طهارة المسح وتفويت تلك الرخصة واما اليدان إذا أوجبنا وضعهما ففي كشفهما قولان أحدهما يجب
464

لحديث خباب وأصحهما لا يجب لان المقصود من السجود اظهار هيئة الخضوع وغاية التواضع
وقد حصل ذلك بكشف الجبهة وأيضا فلانه قد يشق ذلك عند شدة الحر والبرد بخلاف الجبهة
فإنها بارزة بكل حال فان أوجبنا الكشف كفى كشف البعض من كل واحدة منهما كما ذكرنا في
الجبهة (الثالثة) إذا هو من الاعتدال ووضع الجبهة وسائر أعضائه على الأرض فلوضع أعالي
465

أعضائه مع الأسافل ثلاث هيئات (إحداها) أن تكون الأعالي أعلى كما لو وضع رأسه على شئ مرتفع
وكان رأسه أعلي من حقوه فلا يجزئه ذلك لان اسم السجود لا يقع على هذه الهيئة فصار كما لو أكب
ومدر جليه (والثانية) أن تكون الأسافل أعلي فهذه هيئة التنكس وهي المطلوبة ومهما كان المكان
مستويا فيكون الحقو أعلي لا محالة وإن كان موضع الرأس مرتفعا قليلا فقد ترتفع أسافله
وتحصل هذه الهيئة أيضا (والثالثة) ان يتساوي الأعالي والأسافل لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه
466

الأسافل ففيها تردد للشيخ أبى محمد وغيره والأظهر أنه أغير مجزية أيضا وهذا هو المذكور في الكتاب
وكذلك أورد صاحب التهذيب حيث قال وحد السجود أن تكون أسافل بدنه أعلى من أعاليه فلو تعذرت
467

هذه الهيئة لمرض أو غيره فهل يجب وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة عليها أم يكفي انهاء الرأس
إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شئ فيه وجهان حكاهما في النهاية (أظهرهما) عند صاحب
الكتاب انه يجب وضع شئ ليضع الجبهة عليه لان الساجد يلزمه هيئة التنكس ووضع الجبهة فإذا
تعذر أحد الامرين يأتي بالثاني محافظة على الواجب بقدر الامكان (والثاني) انه لا يجب ذلك لان
هيئة السجود فاتتة وان وضع الجبهة على شئ فيكفيه الانحناء بالقدر الممكن وهذا أشبه بكلام
الأكثرين ولا خلاف أنه لو عجز عن وضع الجبهة على الأرض وقدر على وضعها على سادة مع
رعاية هيئة التنكس يلزمه ذلك ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف كما تقدم نظيره هذا
شرح مسائل الكتاب: واما ما يتعلق بألفاظه (فقوله) وأقله وضع الجبهة يجوز أن يعلم بالحاء لان عنده
الجبهة غير متعينة كما سبق (وقوله) مكشوفة كذلك لان عنده يجوز أن يسجد على كور العمامة وقوله
بقدر ما ينطلق عليه الاسم يجوز ان يرجع إلى القدر الموضوع منها ويجوز أن يرجع إلى المكشوف
468

وعلى التقديرين فليعلم بالواو إشارة إلى الوجه الذي حكاه ابن القطان (وقوله) فان أوجبنا وضع اليدين
ففي كشفهما قولان بعد ذلك القولين فيهما وفي الركبتين والقدمين جميعا ففيه تنبيه على أن كشف
الركبتين والقدمين لا يجب لا خلاف (وقوله) وكشف الجبهة واجب لا حاجة إليه بعد قوله أولا
مكشوفة واعلم أنه يعتبر في أقل السجود وراء ما ذكره أمور (أحدها) الطمأنينة كما في الركوع خلافا
لأبي حنيفة وكأنه ترك ذكرها ههنا اكتفاء بما سبق (والثاني) لا يكفي في وضع الجبهة الامساس بل
يحب ان يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه حتى تستقر جبهته وتثبت قال صلى الله عليه
وسلم (مكن جبهتك من الأرض) فلو كان يسجد على قطن أو حشيش أو على شئ محشو بهما
فعن الشيخ أبى محمد انه ينبغي ان يتحامل قدر ما يظهر اثره على يده لو فرضت تحته وقال في التهذيب
469

ينبغي ان يتحامل عليه حتى ينكس وتثبت جبهته عليه فإن لم يفعل لم يجزه والكلامان متقاربان وقال امام الحرمين بل يكفي عندي ان يرخي رأسه ولا يقله ولا حاجة إلى التحامل كيفما فرض موضع السجود
لان الغرض ابداء هيئة التواضع وذلك لا يحصل بمجرد الامساس فإنه ما دام يقل رأسه كان كالضنين
بوضعه فإذا أرخى حصل الغرض بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل واليه الإشارة
بقول عائشة رضي الله عنها (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجوده كالخرقة البالية) (1) وهذا
470

ما أورده المصنف في الوسيط (الثالث) ينبغي ان لا يقصد بهويه غير السجود فلو سقط على الأرض من
الاعتدال قبل قصد الهوى للسجود لم يحسب بل يعود إلى الاعتدال ويسجد منه ولو هوى ليسجد
فسقط على الأرض بجبهته نظران وضع جبهته على الأرض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود وان لم تحدث هذه
النية يحسب ولو هوى ليسجد فسقط على جنبه فانقلب واتى بصورة السجود على قصد الاستقامة والاشتداد
لم يعتد به وان قصد السجود اعتد به والله أعلم *
قال (اما أكمل السجود فليكن أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه (ح م) وليكبر عند الهوى ولا يرفع
اليد ويقول سبحان ربى الاعلي ثلاث مرات ويضع الانف مع الجبهة مكشوفا ويفرق بين ركبتيه ويجافي مرفقيه
وجنبيه ويقل بطنه عن فخذيه وهو التخويه والمرأة لا تخوى ويضع يديه بإزاء منكبيه منشورة
الأصابع ومضمومتها) *
471

السنة أن تكون أول ما يقع من الساجد على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم أنفه وجبهته خلافا لمالك
حيث قال يضع يديه قبل ركبتيه وربما خير فيه * لنا ما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال (كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) ويبتدئ التكبير مع
ابتداء الهوى وهل يمد أو يحذف فيه ما سبق من القولين ولا يرفع اليد مع التكبير ههنا لما روى عن ابن عمر
472

رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان لا يرفع يديه في السجود) (1) ويقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا لما روينا من الخبر (2) في فصل الركوع وذلك أدناه والأفضل أن يضيف إليه ما روى عن علي رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم (أنه كأن يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي
خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين) (3) وهذا أتم الكمال وما ذكرناه في فصل
الركوع ان المستحب لذمام ماذا وللمنفرد ماذا يعود كله ههنا ويستحب للمنفرد أن يجتهد في الدعاء في
سجوده ويضع الساجد الانف مع الجبهة مكشوفا لما روى عن أبي حميد قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا سجد مكن أنفه وجبهته من الأرض ونجى يديه عن جنبيه ووضع كيفية حذو منكبيه (4) ويجوز أن يعلم قوله
ويضع الانف بالألف لأنه معدود من السنن وقد بينا ان إحدى الروايتين عن أحمد ان الجمع بين وضع الأنف
والجبهة واجب ويستحب له أن يفرق بين ركبتيه وبين مرفقيه وجنبيه وبين بطنه وفخذيه: أما التفريق
بين الركبتين فمنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأخبار (5) وأما بين المرفقين والجنبين
473

فقد رواه أبو حميد (1) كما سبق وأما بين البطن والفخذين فقد روى عن البراء رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (2) وهذه الجملة يعبر عنها بالتخوية وهو ترك الخواء بين الأعضاء روى أنه صلى الله عليه
وسلم (كان إذا سجد خوي في سجود) (3) والمرأة لا تفعل ذلك بل تضم بعضها إلى بعض فإنه أستر لها ويضع
474

يديه بإزاء منكبيه لما سبق من حديث أبي حميد (1) ولتكن الأصابع منشورة ومضمومة مستطيلة في جهة
القبلة لما روى عن وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد ضم أصابعه) (2)
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة) (3) قال الأئمة
وسنة أصابع اليدين إذا كانت منشورة في جميع الصلاة التفريج المقتصد الا في حالة السجود وينبغي
475

ان لا يفرش ذراعيه بل يرفعهما وأما أصابع القدمين فيوجهها إلى قدميه وتوجيهها إلى
القبلة إنما يحصل بالتحامل عليها والاعتماد على بطونها وقال في النهاية الذي صححه الأئمة انه يضع
أطراف الأصابع على الأرض من غير تحامل والأول أظهر والله أعلم *
قال (ثم يجلس مفترشا (ح) بين السجدتين حتى يطمئن ويضع يديه قريبا من ركبتيه منشورة
الأصابع ويقول اللهم اغفر لي واجبرني وعافني وارزقني واهدني) *
476

يجب أن يعتدل جالسا بين السجدتين خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا لا يجب بل يكفي
ان يصير إلى الجلوس أقرب وربما قال أصحاب أبي حنيفة يكفي أن يرفع رأسه قدر ما يمر السيف
477

* عرضا بين جبهته وبين الأرض * لنا قوله صلى الله عليه وسلم في خبر المسئ صلاته (ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) ويجب فيه الطمأنينة لأنه
478

قد روى في بعض الروايات (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا) وينبغي ان لا يقصد بالارتفاع شيئا
479

آخر وان لا يطول الجلوس كما ذكرنا في الاعتدال عن الركوع والسنة أن يرفع رأسه مكبرا لما تقدم من
الخبر وكيف يجلس المشهور وهو الذي ذكره في الكتاب انه يجلس مفترشا لما روى عن أبي حميد
الساعدي رضي الله عنه في وصفه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (1) (فلما رفع رأسه من السجدة الأولى
480

ثنى رجله اليسرى وقعد عليها وحكى قول آخر أنه يضجع قدميه ويجلس يروى
ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما فليعلم قوله مفترشا بالقاف لذلك وبالميم أيضا لان أصحابنا
481

حكوا عن مالك أنه أمر بالتورك في جميع جلسات الصلاة ويضع يديه على فخذيه قريبا من ركبتيه
منشورة الأصابع قال في النهاية ولو انعطف أطرافها على الركبة فلا بأس ولو تركها على الأرض من
482

جانبي فخذ به كان كارسالها في القيام ويقول في جلوسه اللهم اغفر لي واجبرني وعافني وارقني
واهدني وقال أبو حنيفة لا يسن فيه ذكر: لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم كأن يقول ذلك ويروي وارحمني بدل واجبرني *
قال (ثم يسجد سجدة أخرى مثلها ثم يجلس جلسة خفيفة للاستراحة ثم يقوم مكبرا واضعا
يديه على الأرض كما يضع العاجن) *
483

مضمون الفصل مسألتان (أحداهما) أنه يسجد السجدة الثانية مثل السجدة الأولى في واجباتها
ومندوباتها بلا فرق (الثانية) إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في ركعة لا يعقبها تشهد
484

فما الذي يفعل نص في المختصر أنه يستوي قاعدا ثم ينهض وفي الام أنه يقوم من
485

السجدة وللأصحاب فيه طريقان (أحدهما) أن فيها قولين (أحدهما) انه يقوم من السجدة
الثانية ولا يجلس وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لما روى عن وائل أن
النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائما) (وأصحهما) وهو المذكور
486

في الكتاب انه يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم وتسمي هذه الجلسة جلسة الاستراحة ووجهه ما روى
عن مالك بن الحويرث انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم (يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض
487

حتى يستوى) قاعدا ووصف أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (فذكر هذه الجلسة) (والطريق الثاني) قال أبو إسحاق المسألة على حالتين
488

إن كان بالمصلي ضعف لكبر وغيره جلس للاستراحة والا فلا (فان قلنا) لا يجلس المصلي للاستراحة
فيبتدئ التكبير مع ابتداء الرفع وينهيه مع استوائه قائما ويعود قول الحذف كما تقدم (وان قلنا) يجلس
فمتى يبتدئ التكبير فيه وجهان (أحدهما) أنه يرفع رأسه غير مكبر ويبتدئ التكبير جالسا ويمده إلى أن
يقوم لان الجلسة للفصل بين الركنين فإذا قام منها وجب أن يقوم بتكبير كما إذا قام إلى الركعة الثالثة ويحكى
هذا عن اختيار القفال (وأصحهما) أنه يرفع رأسه مكبرا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (1) (كان يكبر في كل خفض
ورفع) فعلى هذا فمتى يقطع فيه وجهان (أحدهما) أنه يمده إلى أن يقوم ويخفف الجلسة حتى لا يخلو
شئ من صلاته عن الذكر وهذان الوجهان الأخيران كأنهما المفرعان على أن التكبير يمد ولا يحذف وإذا
489

لم يميز الابتداء عن الانتهاء حصل في وقت التكبير ثلاثة أوجه وصاحب الكتاب أورد منها في الوسيط (الأول)
الذي اختاره القفال والثاني الذي قال به أبو إسحاق ولم يورد الثالث الذي هو الأظهر عند جمهور الأصحاب
وكذلك
490

فعل إمام الحرمين والصيدلاني وقوله ههنا ثم يقوم مكبرا بعد قوله ثم يجلس لاختيار القفال وهو أبعد
الوجوه عند الأكثرين ويجب أن يعلم قوله مكبرا بالواو إشارة إلى الوجه الثاني وهو أنه يقوم عن الجلسة غير مكبر
والي الوجه الثالث أيضا فإنه عند القائلين به لا يقوم مكبرا إنما يقوم متمما للتكبير ولا خلاف في أنه لا يكبر تكبيرتين
والسنة في هيئة جلسة الاستراحة الافتراش كذلك رواه أبو حميد (1) ثم سواء قام من جلسة الاستراحة
أو من السجدة فإنه يقوم معتمدا على الأرض بيديه فلا فلأبي حنيفة حيث قال يقوم معتمدا على صدور قدميه
ولا يعتمد بيديه على الأرض: لنا ما روى عن مالك بن الحويرث (2) رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فلما رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى واستوى قاعدا قام واعتمد على الأرض بيديه) وعن أين
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع
العاجن (3) قال صاحب المجمل العاجن هو الذي إذا نهض اعتمد على يديه كبرا كأنه يعجن أي الخمير ويجور
أن يكون معنى الخبر كما يضع عاجن الخمير وهما متقاربان
491

قال (الركن السادس التشهد) الأول سنة والقعود فيه على هيئة الافتراش (م) لأنه مستوفز
للحركة والمسبوق يفترش في التشهد الأخير لاستيفازه ومن عليه سجود السهو هل يفترش فيه خلاف
والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى ويجلس عليها وينصب القدم اليمنى ويضع أطراف الأصابع على الأرض
والتورك سنة في التشهد الأخير (ح) وهو أن يضع رجليه كذلك ثم يخرجهما من جهة يمينه ويمكن وركه
من الأرض) *
492

أدرج في هذا الركن أركانا ثلاثة (القعود) (والتشهد) (والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) ولو فصل
العقود والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عنهما لجاز كما فصل القيام عن القراءة فان القيام
للقراءة كالقعود لهما وهكذا فعل في ترجمة الأركان وعدها ثلاثة: وففه الفصل أن التشهد والقعود
ينقسمان إلى واقعين في آخر الصلاة كتشهد الصبح وتشهد الركعة الرابعة من الظهر والي واقعين لا في آخر
493

الصلاة كالتشهد بعد الثانية من الظهر (فالأول) من القسمين مفروض مسنون ثم لا يتعين للعقود
هيئة متعينة فيما يرجع إلى الاجزاء بل يجزئه القعود على أي وجه كان لكن السنة في العقود في آخر الصلاة
التورك وفي العقود الذي لا يقع في اخرها الافتراش وقال احمد إن كانت الصلاة ذات تشهدين تورك في الاخر
وإن كانت ذات تشهد واحد افترش فيه والافتراش أن يضجع الرجل اليسرى بحيث يلي ظهرها الأرض
ويجلس عليها وينصب اليمنى ويضع أطراف أصابعها على الأرض موجهة إلى القبلة والتورك أن يخرج رجليه
وهما على هيئتهما في الافتراش من جهة يمينه ويمكن الورك من الأرض وقال أبو حنيفة السنة في العقودين
494

الافتراش وقال مالك السنة فيهما التورك: لنا ما روي عن أبي حميد الساعدي (1) انه وصف صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال (فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمني فإذا جلس في الركعة
الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته) والفرق من جهة المعنى ان المصلي في التشهد
الأول
مستوفز للحركة يبادر إلى القيام عند تمامه وذلك عن هيئة الافتراش أهون وأما الجلسة الأخيرة فليس
بعدها عمل فيناسبها التورك الذي هو هيئة السكون والاستقرار ويترتب على هذه القاعدة مسألتان
(إحداهما) المسبوق إذا جلس مع الامام في تشهده الأخير يفترش ولا يتورك نص عليه لأنه مستوفز يحتاج
إلى القيام عند سلام الامام ولأنه ليس آخر صلاته والتورك إنما ورد في آخر الصلاة وحكى الشيخ أبو محمد
وجها عن بعض الأصحاب انه يتورك متابعة لامامه وذكر أبو الفرج البزار ان أبا طاهر الزيادي
حكي في المسألة - هذين الوجهين ووجها ثالثا (انه) إن كان محل تشهد المسبوق كأن أدرك ركعتين
من صلاة الامام جلس منتصبا والا جلس متوركا لان أصل الجلوس لمحض المتابعة فيتابعه في هيئته
أيضا والأكثرون على الوجه الأول (الثانية) إذ قعد في التشهد الأخير وعليه سجود سهو فهل يفترش أم
يتورك فيه وجهان (أحدهما) يتورك لأنه قعود آخر الصلاة وقال الروياني في التلخيص وهو ظاهر المذهب
495

(والثاني) انه يفترش ذكره القفال وساعده الأكثرون لأنه يحتاج بعد هذا القعود إلى عمل وهو السجود
فأشبه التشهد الأول بل السجود عن هيئة التورك أعسر من القيام عنها فكان أولى بان لا يتورك وأيضا
فلانه جلوس يعقبه سجود فأشبه الجلوس بين السجدتين وينبغي ان يعلم قوله والتشهد الأول مسنون
بالألف لان احمد يقول بوجوبه: لنا أنه صلى الله عليه وسلم (قام من اثنين من الظهر أو العصر ولم يجلس فسبح
الناس به فلم يعد فلما كان آخر صلاته سجد سجدتين ثم سلم) ولو كان واجبا لعاد إليه ولما جبره السجود ولا تخفي
سائر المواضع المستحقة للعلامات (وقوله) ويضع أطراف الأصابع على الأرض كذلك أي منتصبة (وقوله)
في التورك ان يضجع رجليه كذلك أي عمل هيئتهما في الافتراش فاليمني منصوبة مرفوعة العقب
واليسرى مضجعة *
قال (ثم اليد اليسرى على طرف الركعة منشورة مع التفريج المقتصد واليد اليمنى يضعها كذلك
لكن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة وفي الابهام أوجه (قيل) يرسلها (وقيل) يحلق الابهام
والوسطى (وقيل) يضمها إلى الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثا وعشرين ثم يرفع مسبحته في الشهادة عند
قوله الا الله وفي تحريكها عند الرفع خلاف) *
496

السنة في التشهدين جميعا ان يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
(1) (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) وينبغي ان ينشر أصابعه ويجعلها قريبة
من طرف الركبة بحيث تسامت رؤسها الركبة وهل يفرج بين أصابع اليسرى أو يضمها الذي ذكره في الكتاب
أنه يفرج تفريجا مقتصدا وهذا هو الأشهر الا تراهم قالوا لا يؤمر بضم الأصابع مع نشرها إلا في السجود
على ما قدمناه وحكى الكرخي وغيره من أصحاب الشيخ أبى حامد أنه يضم بعضها إلى بعض حتى الابهام
ليتوجه جميعها إلى القبلة وهكذا ذكر القاضي الروياني فليكن قوله مع التفريج معلما بالواو وأما كونه مقتصدا
فليس من خاصية هذا الموضع بل لا يؤمر بالتفريج المتفاحش في موضع ما اما اليد اليمنى فيضعها على طرف
الركبة
اليمنى كما ذكرنا في اليسرى وهو المراد من قوله فيضعها كذلك ولكن لا ينشر جميع أصابعه بل يقبض الخنصر
والبنصر ويرسل المسبحة وفيما يفعل بالابهام والوسطي ثلاثة أقاويل أحدها انه يقبض الوسطى مع البنصر ويرسل
497

الابهام مع المسبحة لما روى أنه أبا حميد الساعدي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر انه كان يفعل
هكذا) (1) والثاني أنه يحلق بين الابهام والوسطي لما روى عن وائل بن حجر ان النبي صلى الله عليه وسلم
فعل هكذا) (2) وفي كيفية التحليق وجهان (أحدهما) أنه يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الابهام (وأصحهما)
498

انه يحلق بينهما برأسيهما والقول (الثالث) وهو الأصح انه يقضيها لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمني وقبض أصابعه
كلها وأشار بالإصبع التي تلي الابهام) (1) وفي كيفية وضع الابهام على هذا القول وجهان (أحدهما) أنه يضعها
على أصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين لما روي عن ابن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم (كان يضع ابهامه عند الوسطى) (2) وأظهرهما انه يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة
وخمسين لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليمني على
ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة) (3) ثم قال ابن الصباغ وغيره كيفما فعل من هذه
الهيئات فقد أتى بالسنة لان الاخبار قد وردت بها جميعا وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يضع مرة
499

هكذا ومرة هكذا وعلى الأقوال كلها فيستحب له أن يرفع مسبحته في كلمة الشهادة إذا بلغ همزة الا الله
خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يرفعها * لنا ما سبق انه كان يشير بالسبابة وهل يحركها عند الرفع فيه
وجهان (أحدهما) نعم لما روى عن وائل رضي الله عنه قال (ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه
فرأيته يحركها) (1) (وأصحهما) لا لما روى عن ابن الزبير رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
ى يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته) (2) (وقوله) في الكتاب ويقبض الخنصر والبنصر
والوسطى ان أراد بالقبض ههنا القدر الذي يشارك فيه الوسطى الخنصر والبنصر وهو ترك البسط
والارسال فهذا لا خلاف فيه وان أراد أنه يصنع بالوسطى ما يصنع بالخنصر والبنصر فهذا تنازع فيه
قول التحليق فاعرفه واما التعبير عن الخلاف المذكور بالأوجه فإنما اقتدى فيه بامام الحرمين
500

وعامة الأصحاب حكوه أقوالا منصوصة للشافعي رضي الله عنه معزية إلى كتبه (وقوله) يرسلها
هو القول الأول والتحليق (الثاني) والذي ذكره آخر أحد الوجهين على القول الثالث (وقوله) ثم يرفع
501

معلم بالحاء (وقوله) عند قوله الا الله يجوز ان يعلم بالواو لان الكرخي حكى وجهين في
كيفية الإشارة بالمسبحة (أصحهما) انه يشير بها وقت التشهد وهو الذي ذكره الجمهور (والثاني) أنه
يشير بها في جميع التشهد *
502

قال (أما التشهد الأخير فواجب (ح م) والصلاة على الرسول عليه السلام واجبة معه (ح م) وعلى الآل
قولان وهل تسن الصلاة على الرسول في الأول قولان) *
القعود للتشهد الأخير والتشهد فيه واجبان خلافا لأبي حنيفة حيث قال القعود بقدر التشهد واجب
ولا يجب قراءة التشهد فيه ولمالك حيث قال لا يجب لا هذا ولا ذاك. لنا أن ابن مسعود رضي الله عنه
قال (كانا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل) (1) إلى آخره دل
على أنه قد فرض ثم التشهد الأخير إنما يكون لصلاة لها تشهد أول وقد تكون الصلاة بحيث لا يشرع
فيها الا تشهد واحد كالصبح والجمعة فحكمه حكم التشهد الأخير في ذات التشهدين والعبارة الجامعة أن
يقال: التشهد الذي يعقبه التحلل عن الصلاة واجب وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد
الواجب خلافا لأبي حنيفة ومالك * لنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (لا يقبل الله صلاة الا بطهور والصلاة على) (2) وهل تجب الصلاة على الآل فيه قولان
503

وبعضهم يقول وجهان (أحدهما) تجب لظاهر ما روى أنه قيل يا رسول كيف نصلي عليك فقال (قولوا
504

(1) (اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد (وأصحهما) لا وإنما هي سنة تابعة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهل يسن الصلاة على الرسول في التشهد الأول فيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد لا لأنها
505

مبنية على التخفيف روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان في التشهد الأول كمن يجلس على الرضف) (1)
وهي الحجارة المحماة وذلك يشعر بأنه ما كان يطول بالصلاة الدعاء (وأصحهما) ويروي عن مالك أنها
تسن لأنها ذكر يجب في الجلسة الأخيرة فيسن في الأولي كالتشهد وأما الصلاة فيه على الآل
فتبنى على ايجابها في التشهد الأخير ان أوجبناها ففي استحبابها في الأول الخلاف المذكور في الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم وان لم نوجبها وهو الأصح فلا نستحبها في الأول وإذا قلنا لا تسن
506

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأول فصلي عليه كان ناقلا للركن إلى غير موضعه وفي بطلان
الصلاة به كلام يأتي في باب سجود السهو وكذا إذا قلنا لا يصلي على النبي صلي عليه وسلم في
507

القنوت وهكذا الحكم إذا أوجبنا الصلاة على الآل في الأخير ولم نستحبها في الأول فاتي بها وآل
النبي صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب نص عليه الشافعي رضي الله عنه وفيه وجه أن
كل مسلم آله *
قال (ثم أكمل التشهد مشهور وأقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهو القدر المتكرر
في جميع الروايات وأوجز ابن سريج بالمعنى وقال التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام علينا وعلى عباد
508

الله الصالحين أشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا رسوله) *
الكلام في أكل التشهد ثم في أقله: أما أكمله فاختار الشافعي رضي الله عنه ما رواه ابن عباس
رضي الله عنهما (1) وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله
509

وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله هكذا
روى الشافعي رضي الله عنه (1) وروى غيره السلام عليك السلام علينا باثبات الألف واللام وهما
صحيحان ولا فرق (2) وحكى في النهاية عن بعضهم أن الأصل اثبات الألف واللام
وقال أبو حنيفة واحمد الأفضل ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) (3) وقال مالك الأفضل ان
يتشهد بما علمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على المنبر وهو (التحيات لله الزاكيات لله الطيبات
510

لله الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) (1) كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه
ووجه اختيار الشافعي رضي الله عنه يستوى في الخلاف عن أن الامر فيه قريب فان الفضيلة
تتأدى بجميع ذلك ثم جمهور الأصحاب على أنه لا يقدم التسمية لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان أول
ما يتكلم به عند القعدة التحيات لله (2) وعن أبي على الطبري وغيره من أصحابنا أن الأفضل أن يقول
511

بسم الله وبالله التحيات ويروى بسم الله خير الأسماء نقل عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابنا أن الأفضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات
والطيبات لله (1) ليكون آتيا بما اشتملت عليه الروايات كلها: واما الأقل فالمنقول عن نص الشافعي
رضي الله عنه أن أقل التشهد التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هكذا روى أصحابنا العراقيون
وتابعهم القاضي الروياني وكذا صاحب التهذيب الا انه نقل وأشهد أن محمدا رسوله وأسقط
الصيدلاني في نقل نصه كلمة وبركاته وجعل صيغة الشهادة الثانية وأشهد أن محمدا رسول الله وهذا
هو الذي أورده في الكتاب وحكاية القاضي بن كج فإذا حصل الخلاف في المنقول عن الشافعي
رضي الله عنه في ثلاثة مواضع (أحدها) في كلمة وبركاته (والثاني) في كلمة وأشهد في الكرة الثانية
(والثالث) في لفظ الله في الشهادة الثانية فمنهم من اكتفى بقوله رسوله ثم نقلوا عن ابن سريج في الأقل
طريقة أخرى وهي التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله
إلا الله وأن محمدا رسوله هذا ما ذكره في الكتاب ورواه طائفة وأسقط بعضهم لفظ السلام الثاني
واكتفى بأن يقول أيها النبي وعلى عباد الله الصالحين وأسقط بعضهم لفظ الصالحين ويحكى هذا
عن الحليمي ووجه ذلك بان لفظ العباد مع الإضافة ينصرف غالبا إلى الصالحين كقوله تعالي (عينا
يشرب بها عباد الله) ونظائره فاستغنى بالإضافة عنه ثم قال الأئمة كأن الشافعي رضي الله عنه اعتبر
512

في حد الأقل ما رآه مكررا في جميع الروايات ولم يكن تابعا لغيره به الروايات أو كان
تابعا لغيره جوز حذفه وابن سريح نظره إلى المعنى وجوز حذف ما يتغير به المعنى واكتفى
بذكر السلام عن الرحمة والبركة وقال وابن بدخولها فيه: وقوله في الكتاب وهو القدر المتكرر في جميع
الروايات وأوجر ابن سريج بالمعني الشارة إلى هذا الكلام لكن لم بتعرض إلا للتكرر في جميع
الروايات ولابد من التعرض للوصف الأخير وهو أن لا يكون تابعا للغير وإلا فالصلوات والطيبات
متكررة جميع الروايات وقد جوز حذفها * واعلم أن ما ذكره الأصحاب من اعتبار التكرر وعدم
التبعية أن جعلوه ضابطا لحد الأقل فذلك وان عللوا حد الأقل به ففيه إشكال لان التكرر في الروايات
يشعر بأنه لابد من القدر المتكرر فاما انه مجزى فلا ومن الجائر أن يكون المجرى هذا القدر مع ما تفردت
به كل رواية: ولك أن قوله في طريقة الشافعي رضي الله عنه وأشهد في الكرة الثانية بالواو وكذا
كلمة السلام الثاني والصالحين في طريقة ابن سريج إشارة إلى ما سبق من الخلاف *
513

قال (ويقول بعد اللهم صلى على محمد على آل محمد ثم ما بعده مسنون إلى قوله حميد مجيد ثم الدعاء بعده مسنون وليختر كل من الدعاء أعجبه إليه)
514

أقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول اللهم صل على محمد ولو قال صلى الله
على محمد أو صلى الله على رسوله جاز وفي وجه يجوز أن يقتصر على قوله صلى الله عليه وسلم
والكناية ترجع إلى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كلمة الشهادة وهذا نظر إلى المعنى: وأقل
الصلاة على الآل أن يقول وآله ولفظ الكتاب يشعر بأنه يجب أن يقول وعلى آل محمد لأنه
ذكر ذلك ثم حكم بان ما بعده مسنون والأول هو الذي ذكره صاحب التهذيب وغيره والأولى
أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد
515

وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد. روى كعب بن عجرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كيفية الصلاة عليه فأمرهم (1) بذلك قال الصيدلاني ومن الناس من
يزيد وارحم محمدا: وآل محمد كما رحمت على إبراهيم وربما يقول كما ترحمت على إبراهيم قال وهذا
لم يرد في الخبر وهو غير فصيح فإنه لا يقال ترحمت عليه وإنما يقال رحمته وأما الترحم ففيه معنى
التكلف والتصنع فلا يحسن اطلاقه في حق الله تعالى * ثم يستحب الدعاء في التشهد الأخير بعد
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة خلافا لأبي حنيفة
حيث قال لا يدعو الا بما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يدعو بما يشبه كلام الناس ومن أصحابه من قال يجزى الدعاء بما لا يطلب الا من الله تعالى فاما إذا
دعا بما يمكن أن يطلب من الآدميين بطلت صلاته: وقال احمد إذا قال اللهم ارزقني جارية حسناء
ونحو ذلك فسدت صلاته * لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه في آخر حديث التشهد أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) (2) وروى أنه قال (وليدع بعد ذلك بما شاء)
والأفضل أن يكون دعاؤه لأمور الآخرة وما ورد في الخبر أحب من غيره ومن ذلك (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أسرفت وما أنت اعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله
516

إلا أنت) (1) وأيضا (اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح
الدجال) (2) وأيضا (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) (3) (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر
الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك انك أنت الغفور الرحيم) (4) وقوله ثم الدعاء بعده مسنون
أي في التشهد الأخير فاما في الأول فيكره بل لا يصلي على الآل أيضا على الصحيح كما سبق ويجوز
ان يعلم قوله مسنون بالواو لأنه يقتضى الاستحباب مطلقا وقد ذكر الصيدلاني في طريقته أن
المستحب للامام أن يقتصر على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليخفف على
من خلفه فان دعا جعل دعاءه دون قدر التشهد ولا يطول وأما المنفرد فلا بأس له بالتطويل هذا
517

ما ذكره والظاهر الذي نقله الجمهور أنه يستحب للامام الدعاء كما يستحب لغيره ثم الأحب أن
يكون الدعاء أقل من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تبع لهما فان زاد لم
يضر الا أن يكون إماما فيكره له التطويل وقوله وليتخير معلم بالحاء والألف لما روينا ويجوز أن يعلم
بالواو أيضا لان امام الحرمين حكى في النهاية عن شيخه انه كان يتردد في مثل قوله اللهم ارزقني
جارية صفتها كذا ويميل إلى المنع منه وانه يبطل الصلاة *
قال (فرع العاجز عن التشهد يأتي بترجمته كتكبيرة التحرم والعاجز عن الدعاء بالعربية لا يدعو
بالعجمية بحال وفى سائر الأذكار هل يأتي بترجمتها بالعجمية فيه خلاف) *
لا يجوز لمن أحسن التشهد بالعربية ان يعدل إلى ترجمته كالتكبير وقراءة الفاتحة فان عجز
أتى بترجمته كتكبيرة الاحرام بخلاف القرآن لا يأتي بترجمته لان نظمه معجز كما سبق والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الآل ان أوجبناها كالتشهد واما ما عدا الواجبات من
لألفاظ المشروعة في الصلاة إذا عجز عنها بالعربية فقد قسمها المصنف قسمين (أحدهما) الدعاء فمنعه
من أن يدعو بالعجمية مطلقا (والثاني) سائر الأذكار كثناء الاستفتاح والقنوت وتكبيرات الانتقالات
وتسبيحات الركوع والسجود فقد روى منها في الوسيط ثلاثة أوجه (أحدها) ليس له أن يأتي
بترجمتها لأنها مسنونة لا ضرورة إلى الاتيان بها (والثاني) أنه يأتي بمعانيها ويقيمها مقام العربية كالتكبير
والتشهد (والثالث) ما يجبر تركه بالسجود يأتي بترجمته ومالا فلا وقضية هذه الطريقة المنع من أن
يأتي بالترجمة عند القدرة على العربية بطريق الأول ولم يجعل امام الحرمين الدعاء قسما على اطلاقه
لكن قال ليس للمصلي أن يخترع دعوة بالعجمية يدعو بها في صلاته وإن كان له أن يدعو بغير
الدعوات المأثورة بالعربية ثم حكي الوجوه الثلاثة في الأذكار المسنونة وايراده يشعر بالمنع من
الذكر المخترع كالدعاء المخترع وتطرد الوجوه في الدعاء المسنون كما في سائر الأذكار المسنونة
ولا فرق وصرح سائر الأصحاب بهذا الذي أشعر به كلامه فقالوا إذا عجز عن الأذكار العربية والأدعية
المسنونة هل يأتي بترجمتها فيه وجهان (أحدهما) لا لأنه لا ضرورة إليها بخلاف الواجبات (وأصحهما)
518

نعم ليجوز فضلها ولو أحسن العربية فهل يجوز له أن يأتي بالترجمة فيه وجهان (أصحهما) لا يجوز كما
في التكبير والتشهد ولو فعل تبطل الصلاد ذكر في التهذيب هذين الوجهين فيما إذا دعا بالعجمية
مع القدرة على العربية وأطلقهما في بعض التعاليق في جميع الأذكار إذا عرفت ذلك فقوله والعاجز عن
الدعاء لا يدعو بالعجمية بحال ان أراد به الدعاء المخترع الذي لم يؤثر كما ذكره امام الحرمين فلا
يلزم منه المنع من أن يأتي العاجز بترجمة الدعاء المسنون بعد التشهد جزما بل يجرى فيه الخلاف
المذكور في سائر الأذكار وان أراد به مطلق الدعاء فما الفرق بين الدعاء المسنون وبين التسبيح
المسنون ولم يمنع من ترجمة أحدهما جزما ويجعل ترجمة الآخر على الخلاف ويلزم على ذلك أن لا يأتي
بترجمة اللهم اغفر لي وارحمني في الجلوس بين السجدتين وظاهر لفظه الاحتمال الثاني ولذلك اعلم
بالواو إشارة إلى الوجه المجوز للترجمة مع القدرة على العربية فإنه أولى بتجويزها عند العجز ويجوز
أن يعلم بالحاء أيضا لان أبا حنيفة بجوز ترجمة القرآن وإن كان قادرا على نظمه فترجمة الدعاء عند
العجز أولي بأن يجوزها واعلم أنه إذا حمل كلامه على المحمل الثاني أشبه أن يكون هو منفردا بنقل
الفرق بين الدعاء وغيره والله أعلم) *
قال (الركن السابع السلام وهو واجب ولا يقوم (ح) مقامه اضداد الصلاة وأقله أن يقول السلام
عليكم ولو قال سلام عليكم فوجهان وفي اشتراط نية الخروج وجهان وأكمله السلام عليكم
ورحمة الله مرتين (ح م) في الجديد مع الالتفات من الجانبين بحيث ترى خداه ومع نية السلام على من على جانبيه
من الجن والإنس والملائكة والمقتدى ينوى الرد على امامه بسلامه) *
519

(لما وصف السلام بكونه ركنا فلو لم يقل وهو واجب لما ضره لان ركن الصلاة
لابد وأن يكون واجبا وإذا ذكرهما فينبغي أن يعلما بالحاء وكذلك قوله ولا يقوم مقامه اضداد الصلاة
لان عند أبي حنيفة لو أتي بما ينافي الصلاة اختيارا من حديث أو كلام خرج به عن الصلاة وقام
مقام السلام قال ولو كان ناسيا فلا يخرج به من الصلاة ولا تبطل صلاته لكن يتوضأ ويبنى ولو وقع
ذلك من غير اختياره كانقضاء مدة المسح ورؤية المتيمم الماء في الصلاة تبطل صلاته: لنا قوله صلى الله عليه
وسلم (وتحليلها التسليم) (1) جعل التحليل بالتسليم فوجب أن لا يحصل بغيره ثم القول في أقل السلام
وأكمله: أما الأقل فهو أن يقول السلام عليكم ولابد من هذا النظم لان النبي صلى الله عليه وسلم
كذلك كان يسلم وهو كاف لأنه تسليم وقد قال صلى الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) ولو قال سلام
عليكم فوجهان (أحدهما) أنه لا يجزئه لأنه نقص الألف واللام فأشبه ما لو قال سلام عليكم من غير
تنوين وأظهرهما أنه يجزئه ويقوم التنوين مقام الألف واللام كما في التشهد يجزئه السلام وسلام ولو
قال السلام عليكم فقد سبق حكمه في فصل التكبير ولا يجزئه قوله السلام عليك ولا سلامي عليك ولا سلام الله
عليكم ولا السلام عليهم وما لا يجزئ فيبطل الصلاة إذا قاله عمدا سوى قوله السلام عليهم فإنه
دعاء لا على وجه الخطاب وهل يجب أن ينوى الخروج من الصلاة بسلامه فيه وجهان (أحدهما)
نعم وبه قال ابن سريج وابن القاص ويحكي عن ظاهر نصه في البويطي لأنه ذكر واجب في إحدى
طرفي الصلاة فتجب فيه النية كالتكبير ولان نظم السلام يناقض الصلاة في وصفه من حيث هو
خطاب الآدميين ولهذا لو سلم قصدا في الصلاة بطلت صلاته فإذا لم يقترن به نية صارفة إلى قصد
التحلل كان مناقضا (والثاني) لا يجب وبه قال أبو حفص بن الوكيل وأبو الحسين بن القطان ووجهه
القياس على سائر العبادات لا يجب فيها نية الخروج لأن النية تليق بالاقدام دون الترك وهذا هو
الأصح عند القفال واختيار معظم المتأخرين وحملوا نصه على الاستحباب (فان قلنا) تجب نية الخروج
فلا تحتاج إلى تعيين الصلاة عند الخروج بخلاف حالة الشروع فان الخروج لا يكون الا عن المشروع
فيه ولو عين غير ما هو فيه عمدا بطلت صلاته على هذا الوجه ولو سهي سجد للسهو وسلم
ثانيا مع النية بخلاف ما إذا قلنا لا تجب نية الخروج فإنه لا يضر الخطأ في التعيين وعلى وجه الوجوب
ينبغي أن ينوى الخروج مقترنا بالتسليمة الأولي فلو سلم ولم ينو بطلت صلاته ولو نوى الخروج
520

قبل السلام بطلت صلاته أيضا ولو نوى قبله الخروج عنده فقد قال في النهاية لا تبطل صلاته بهذا
ولكنه لا يكفيه بل يأتي بالنية مع السلام ويجب على المصلى أن يوقع السلام في حال القعود إذا قدر
عليه: واما الأكمل فهو أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وهل يزيد على مرة واحدة الجديد انه
يستحب أن يقوله المصلي مرتين لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله) (1) ويحكى عن
القديم قولان (أحدهما) أن المستحب تسليمة واحدة لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم (كان يسلم تسليمه واحدة تلقاء وجهه) (والثاني) أن غير الامام يسلم تسليمة واحدة ويفرق في
حق الامام بين أن يكون في القوم كثرة أو كان حول المسجد لغط فيستحب
أن يسلم تسليمتين ليحصل الابلاغ وان قلوا ولا لغط ثم فيقتصر على تسليمة واحدة فان قلنا
يقتصر على تسليمة فتجعل تلقاء وجهه كما روى عن عائشة رضي الله عنهما (2) وان قلنا بالصحيح وهو انه يسلم
تسليمتين فالمستحب أن يلتفت في الأولى عن يمينه وفي الأخرى عن شماله وينبغي أن يبتدئ بها مستقبل
القبلة ثم يلتفت بحيث يكون انقضاؤها مع تمام الالتفات وكيف يلتفت قال الشافعي رضي الله عنه في
المختصر حتى يري خداه وحكى الشارحون أن الأصحاب اختلفوا في معناه (منهم) من قال معناه حتى
يرى خداه من كل جانب ومنهم من قال حتى يرى من كل جانب خده وهو الصحيح لما روى أن
521

النبي صلى الله عليه وسلم (كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن
وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر) (1) ثم المصلى إن كان إماما فيستحب له
أن ينوى بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة وعلى الجن والإنس وبالثانية السلام
على من على يساره منهم والمأموم ينوى مثل ذلك ويختص بشئ آخر وهو انه إن كان على يمين
الامام ينوى بالتسليمة الثانية الرد على الامام وإن كان على يساره ينويه بالتسليمة الأولي وإن كان
في محاذاته ينويه بأيهما شاء وهو في التسليمة الأولى أحب ويحسن أن ينوى بعض المأمومين الرد على
522

البعض روى عن سمرة قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أنفسنا وان ينوى
بعضنا على بعض) (1) وقال علي رضي الله عنه ((2) كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى قبل الظهر أربعا
523

وبعدها أربعا وقبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين
ومن معهم من المؤمنين) وأما المنفرد فينوي بهما السلام على من على جانبيه من الملائكة وكل منهم
ينوى بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة أيضا ان لم نوجبها فقوله في الكتاب مرتين ينبغي أن
يعلم بالميم لان المنقول عن مالك أن الاختيار للامام والمنفرد الاقتصار على تسليمة واحدة وأما
المأموم فيسلم تسليمتين ويروى عنه استحباب الاقتصار على التسليمة الواحدة مطلقا وقال احمد في
أصح الروايتين التسليمتان جميعا واجبتان مطلقا فيجوز ان يعلم قوله مرتين بالألف لان عنده ليس
ذلك من حد الكمال ويجوز ان يعلم به قوله وأقله السلام عليكم أيضا وقوله بحيث يرى خداه
أراد به المعني الثاني الصحيح على ما صرح به في الوسيط فليكن مرقوما بالواو
للوجه الأول *
قال (خاتمة لا ترتيب في قضاء الفوائت لكن الأحب تقديم الفائتة على المؤداة
الا إذا ضاق وقت الأداء فان تذكر فائتة وهو في المؤداة أتم التي هو فيها ثم اشتغل بالقضاء)
إذا فتت الفريضة وجب قضاؤها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها) (1) امر المعذور بالقضاء ويلزم مثله في حق غير المعذور بطريق الأولي وينبغي
ان يقضى على الفور محافظة على الصلاة وتنزيه الذمة وهل يجب ذلك فيه كلام أخرناه إلى كتاب الحج لان
صاحب الكتاب أورد المسألة ثم وإذا قضى فائتة الليل بالليل جهر فيها وإذا قضى فائتة النهار بالنهار لم يجهر
فيها وان قضى فائتة الليل بالنهار وبالعكس فالاعتبار بوقت القضاء في أصح الوجهين وبوقت الأداء
524

في الثاني وإذا فاتته صلاة فالمستحب في قضائها الترتيب لان النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع
صلوات يوم الخندق فقضاها على الترتيب (1) ولا يستحق في قضائها الترتيب وكذا لا يستحق الترتيب
بين الفائتة وصلاة الوقت خلافا لمالك وأبي حنيفة واحمد: لنا أنها عبادات مستقلة والترتيب فيها
من توابع الوقت وضروراته فلا يبقى معتبرا في القضاء كصيام أيام رمضان ولنفصل المذاهب فيه
اما عندنا فيجوز تقديم الفائتة المؤخرة على المقدمة وتأخير المقدمة ولو دخل عليه وقت فريضة
وتذكر فائتة نظر إن كان وقت الحاضرة واسعا فالمستحب له أن يبدأ بالفائتة ولو عكس صحتا وإن كان
الوقت ضيقا بحيث لو بدأ بالفائتة لفاتته الحاضرة فيجب أن يبدأ بالحاضرة كيلا تفوت ولو عكس
صحتا أيضا وان أساء ولو أنه تذكر الفائتة بعد شروعه في صلاة الوقت أتمها سواء كان الوقت
واسعا أو ضيقا ثم يقضي الفائتة ويستحب ان يعيد صلاة الوقت بعدها ولا تبطل بتذكر الفائتة
الصلاة التي هو فيها روى أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال (إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها
وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلي التي نسي) (1) وقال أبو حنيفة يجب
525

* الترتيب في قضاء الفوائت ما لم يدخل في حد التكرار بان لا تزيد على صلوات يوم وليلة فان زادت
جار التنكيس وكذا لو كان عليه فائتة ودخل وقت الحاضرة ان دخلتا مع ما بينهما في حد التكرار
لم يجب إعادة الترتيب والا وجب الترتيب ولم يجز تقديم الحاضرة مع تذكر الفائتة الا ان يخشى
فوت الحاضرة فله تقديمها وان تذكرها في خلال صلاة الوقت بطلت ان وسع الوقت فيقضي
الفائتة ثم يعيد صلاة الوقت وإن كان الوقت ضيقا فلا تبطل وان تذكرها بعد ما فرغ من صلاة
الوقت فقد مضت على الصحة ويشتغل بقضاء الفائتة ومذهب مالك يقرب من هذا لكن نقل عنه
انه يستحب إذا تذكر الفائتة في خلال الحاضرة ان يتمها ثم يقضى الفائتة ثم يعيد الحاضرة ونقل
أيضا أنه إذا تذكرها بعد الفراغ من الحاضرة فعلية قضاء الفائتة وإعادة الحاضرة ولا يجعل النسيان
526

عذرا في سقوط الترتيب وقال احمد يجب الترتيب في قضاء الفوائت وان كثرت حتى لو تذكر
فائتة ولم يعدها حتى طالت المدة وهو يأتي بصلوات الوقت فعليه فضاء تلك الفائتة وإعادة جميع
ما صلي بعدها قال ولو تذكر فائتة وهو في الحاضرة يجب عليه اتمامها وقضاء الفائتة وإعادة الحاضرة
إذا عرفت ذلك لم يخف عليك اعلام قوله لا ترتيب في قضاء الفوائت بعلامتهم جميعا وكذا اعلام
قوله أتم التي هو فيها بالحاء لأنها تبطل عنده وبالميم لأنا نعني بقولنا أتم انه يجب عليه الاتمام ومالك
لا يوجبه ولا حاجة إلى اعلامه بالألف وقوله لكن الأحب تقديم الفائتة على المؤداة الا إذا ضاق
527

وقت الأداء أي فيجب تقديم المؤداة ولا يجوز تقديم الفائتة وليس سلب الا حبيبة واعلم أن
هذه المسائل لا اختصاص لها بباب صفة الصلاة لكن طرفا منها مذكور في المختصر في أواخر
هذا الباب فتبرك المصنف بترتيب المزني رحمه الله أو الشافعي رضي الله عنه وجعلها خاتمة الباب *
528