الكتاب: منهاج الصالحين
المؤلف: الشيخ محمد إسحاق الفياض
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: أمير – قم
الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمد إسحاق الفياض
ردمك:
ملاحظات: ج٣ : المعاملات

منهاج الصالحين
المعاملات
فتاوى
سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ
محمد إسحاق الفياض
دام ظله
الجزء الثالث
1

اسم الكتاب:... منهاج الصالحين / ج 3
المؤلف:... سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله)
الناشر:... مكتب سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحق الفياض (دام ظله) قم
المطبعة:... أمير
الطبعة:... الاولى
الكمية:... 1000 نسخة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
3

كتاب النكاح
وفيه فصول:
الفصل الأول
النكاح ثلاثة: دائم ومنقطع، وملك يمين، ويفتقر الأول إلى العقد وهو
الايجاب والقبول بلفظ الماضي على الأحوط استحبابا كزوجت وأنكحت و
قبلت، وتجزي ترجمتها بشرط العجز عن العربية، وتجزي الإشارة مع العجز عن
النطق، ولو زوجت المرأة نفسها صح، ويشترط في تزويج البكر اذن الولي وهو
الأب أو الجد للأب على الأظهر، الا إذا منعها الولي عن التزويج بالكفؤ شرعا و
عرفا، فإنه تسقط ولايته حينئذ، وإذا تزوجت البكر بدون اذن وليها ثم أجاز
وليها العقد، صح بلا اشكال.
(مسألة 1): يجزي في صورة عقد النكاح الدائم أن تقول الزوجة
5

للزوج: زوجتك نفسي بمهر قدره الف دينار مثلا، فيقول الزوج قبلت، وإذا كانت
الزوجة قد وكلت وكيلا، قال وكيلها للزوج، زوجتك موكلتي هندا مثلا بمهر قدره
الف دينار، فيقول الزوج قبلت، وإذا كان الزوج قد وكلا وكيلا قالت الزوجة
لوكيل الزوج: زوجت موكلك زيدا مثلا نفسي بمهر قدره كذا دينار، فيقول
الوكيل: قبلت، وإذا كان كل من الزوج والزوجة قد وكل وكيلا، قال وكيل
الزوجة لوكيل الزوج: زوجت موكلك زيدا موكلتي هندا بمهر قدره كذا دينار،
فيقول وكيل الزوج: قبلت.
ويجوز لشخص واحد تولي طرفي العقد حتى الزوج نفسه، لكن الأحوط
استحبابا ان لا يتولى الزوج الايجاب عن الزوجة والقبول عن نفسه.
(مسألة 2): لا يشترط الشهود في صحة النكاح ولا يلتفت إلى دعوى
الزوجية بغير بينة مع حلف المنكر، كما إذا ادعى زيد زوجية هند وأنكرت هند،
فان القول قولها مع الحلف إذا لم تكن لزيد بينة عليها، ولا فرق في ذلك بين ان
يكون الرجل والمرأة متصادقين على الدخول أو لا، فإنه لا يصلح قرينة على
الزوجية، فلو رد اليمين فحلف المدعي حكم بها، كما انه يلزم المقر باقراره على كل
حال، ولو تصادقا على الزوجية ثبتت، هذا كله بحسب قواعد الدعوى بين
المدعي والمنكر في الظاهر، واما بحسب الواقع، فيجب على كل منهما العمل بما هو
تكليفه بينه وبين الله واقعا.
(مسألة 3): إذا زوج الأب واحدة من بناته المعينة عنده في الواقع من
رجل بدون الاسم أو الوصف أو الإشارة في الظاهر، وقبل الرجل ذلك، ثم بعد
ذلك يقع الخلاف بينهما، فقال الأب انما زوجتك ابنتي الكبيرة، وقال الرجل انما
قبلت زوجية بنتك الصغيرة، فهل يمكن الحكم بصحة هذا العقد؟
6

والجواب: ان مقتضى القاعدة البطلان، فان اصالة الصحة لا تجري في
المقام لعدم دليل خاص عليها، غير دعوى قيام سيرة المتشرعة، ولكن لا يمكن
اثبات هذا الدعوى بها، لعدم الطريق لنا إلى احرازها بين المتشرعة الأوائل، ولا
اتصالها بزمان المعصومين (عليهم السلام)، وأما المطلقات من الآيات والروايات فلا يمكن
التمسك بها في المقام، لان مورد التمسك بها انما هو الشك في اعتبار شيء جزء أو
شرطا في العقود بنحو الشبهة الحكمية، واما إذا كان الشك في وجود جزء أو
شرط بنحو الشبهة الموضوعية، فلا يمكن التمسك بها فضلا عما إذا كان الشك في
وجود شيء مقوم لها كتعيين المرأة المعقودة، فإنه من مقومات عقد النكاح، ولا
يكون المقام من موارد التحالف بينهما إذا لم تكن لأحدهما بينة، لأنه انما يكون في
فرض وجود مدعيين أو منكرين وليس المقام منه، فان كلا منهما يدعي شيئا ولا
يكون الآخر منكرا له، ولكن مقتضى صحيحة أبي عبيدة التفصيل في المقام بقوله
(عليه السلام): " ان كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم واحدة منهن، فالقول في ذلك قول
الأب، وعلى الأب فيما بينه وبين الله ان يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى ان
يزوجها إياه عند عقد النكاح، وان كان الزوج لم يرهن كلهن ولم يسم له واحدة
منهن عند عقد النكاح، فالنكاح باطل "، ولا مناص حينئذ من الالتزام بهذا
التفصيل، ولا اثر لاعراض المشهور عنها كما ذكرناه غير مرة.
(مسألة 4): يستحب لمن أراد التزويج أن يتخير البكر العفيفة الكريمة
الأصل، وصلاة ركعتين عند إرادة التزويج والدعاء بالمأثور وهو:
" اللهم اني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي
في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة ".
7

والاشهاد على العقد والاعلان به والخطبة امام العقد، وايقاعه ليلا و
صلاة ركعتين عند الدخول، والدعاء بالمأثور بعد ان يضع يده على ناصيتها و
هو:
" اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت
فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك
شيطان ". وأمرها بمثله ويسأل الله تعالى الولد الذكر.
(مسألة 5): يكره ايقاع العقد والقمر في العقرب، وتزويج العقيم و
الجماع في ليلة الخسوف ويوم الكسوف وعند الزوال الا يوم الخميس، وعند
الغروب قبل ذهاب الشفق، وفي المحاق وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، وفي أول
ليلة من الشهر الا رمضان، وفي ليلة النصف من الشهر وآخره، وعند الزلزلة و
الريح الصفراء والسوداء، ويكره مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة و
عاريا وعقيب الاحتلام قبل الغسل، والنظر في فرج المرأة، والكلام بغير الذكر،
والعزل عن الحرة بغير اذنها، وان يطرق المسافر أهله ليلا، ويحرم الدخول
بالزوجة قبل بلوغها تسع سنين.
(مسألة 6): يجوز للزوج ان يعزل عن الزوجة الحرة مع رضاها بشكل
تقليدي اعتيادي، وهو اخراج العضو المخصوص عن المكان المعهود قبل حدوث
قذف المني، وقذفه في خارج المكان، وقد تسأل هل يجوز العزل من دون
رضاها؟
والجواب: انه يجوز على الأظهر.
وقد تسأل هل يجوز للمرأة ان تجبر الرجل على العزل أو تقوم بتنحيه
نفسها أثناء العمل الجنسي عند ما تشعر قرب انزاله، مع ان الرجل لا يريد العزل
8

أو لا؟
والجواب: لا يجوز لها ذلك، لان الاستمتاع الجنسي جماعا كان أم غيره
حق للرجل باي طريق أراد، ولا يحق لها ان تزاحم الرجل في اختيار طريق
الاستمتاع، الا إذا كان ذلك الطريق مضرا بحالها أو حرجا عليها.
وقد تسأل هل يجوز للرجل استعمال الكيس الواقي بديلا عن العزل
بالطريق التقليدي الاعتيادي مع عدم رضا الزوجة بذلك أو لا؟
والجواب: الأقرب انه يجوز، لأنه من العزل لكن بطريق مستحدث، و
دعوى ان استخدام الكيس الواقي خلال الاستمتاع الجنسي مع المرأة جماعا وان
كان لا مانع منه من هذه الناحية، الا ان هناك مانعا آخر منه، وهو انه مصداق
لادخال جسم خارجي في مهبل المرأة، وهذا غير جائز، مدفوعة بان ادخال
الجسم الخارجي فيه وان كان غير جائز، الا ان صدقه على استعمال الكيس
المذكور خلال العملية لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدم الصدق عرفا، ومع
هذا فالأحوط والأجدر به ان لا يفعل ذلك من دون رضاها.
وقد تسأل هل يجوز استعمال الحبوب المانعة أو لا؟
والجواب: الظاهر انه يجوز، فإنها تؤدي إلى تلف النطفة قبل التخصيب و
التلقيح واستقرارها في الرحم على ما يقول أهل الخبرة، من ان الحبوب تمنع
مبيض المرأة من انتاج البويضة طيلة استعمالها، فتحدث عقمها موقتا.
واما اللولب، فحيث ان أهل الخبرة لا يجتمعون فيه على رأي واحد،
فان المنقول من بعضهم انه يقتل النطفة بعد استقرارها في جدار الرحم، ومن
آخر انه يمنع من استقرارها فيه ويتلفه قبل ذلك، فتكون الشبهة موضوعية، و
9

مقتضى القاعدة فيها وان كان اصالة البراءة، ولكن مع هذا فالاحتياط لا
يترك وجوبا ما لم تكن هناك ضرورة، هذا كله فيما إذا لم يكن في استعمال
الموانع ضرر خطير أو معتد به على المرأة، وإلا فلا يجوز.
(مسألة 7): يجوز للرجل ان ينظر إلى محاسن امرأة يريد التزويج
بها، وكفيها وشعرها وساقيها ورقبتها، وقد سمح الشارع له ذلك، شريطة ان
لا يكون بقصد التلذذ والشهوة، وإلا لم يجز. وهل يجوز النظر إلى سائر
جسدها ما عدا عورتها أو؟
والجواب: الأظهر عدم الجواز، نعم يجوز النظر إلى قامتها بل إلى
مشيتها على كراهة. وقد تسأل ان الرجل إذا كان بامكانه الاطلاع بحال المرأة
، وما هو متطلبات الزواج بها من طريق آخر، كاخبار النساء الموثقات،
سواء كانت من محارمه أم لا، فهل يجب عليه الاقتصار به أو؟
والجواب: الظاهر عدم وجوب الاقتصار به، وجواز نظره إليها حتى
في هذا الفرض، وعدم وجوب السعي عليه لتحصيل العلم بتوفر شروط
الزواج فيها من طريق آخر لاطلاق النصوص، نعم إذا كان الشخص مطلعا
بحال المرأة وفيها من الصفات الفاضلة مسبقا، بحيث لا يحصل له العلم بحالها
من النظر أكثر مما هو موجود عنده، لم يجز.
وقد تسأل هل يجوز له النظر إليها مكررا أو لا؟
والجواب: نعم إذا لم يحصل له الغرض المطلوب منه في المرة الأولى.
وقد تسأل هل يسمح له النظر إليها إذا علم بأنه يؤدي في نهاية المطاف
إلى الالتذاذ الشهوي أو لا؟
10

والجواب: نعم إذا كان الدافع الحقيقي النظر هو التزويج بها لا غيره.
وقد تسأل ان جواز النظر هل هو مشروط بكونه مريدا لتزويج المرأة
المنظورة خاصة، أو يكفي فيه إرادة مطلق التزويج بامرأة أو لا؟
والجواب: الظاهر انه مشروط بذلك، فلا يجوز له النظر بغاية تعيين
الزوجة، وانما يجوز له ذلك بغاية التزويج بها خاصة، وفرق بين الامرين.
(مسألة 8): قد تسأل هل يجوز النظر إلى النساء الكفار إذا لم تكن من
المبتذلات أو لا؟
والجواب: ان جواز النظر إليهن إذا لم تكن منها لا يخلو عن اشكال، بل
لا يبعد عدم جوازه، نعم إذا كن من المبتذلات جاز النظر إليهن، وكذلك
المبتذلات من النساء المسلمات، وهي التي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف،
كل ذلك شريطة ان لا يكون النظر اليهن بقصد التلذذ الجنسي والشهوي.
(مسألة 9): يجوز النظر إلى جميع المحارم، وهي النساء التي يحرم
نكاحهن مؤبدا لنسب أو سبب ما عدا العورة، وهي ما بين السرة والركبة
على الأقوى، هذا إذا لم يكن النظر بقصد التلذذ والشهوة وإلا لم يجر، وكذلك
يجوز نظرهن إلى محارمها من الرجال ما عدا العورة، وهي القبل والدبر،
بشرط أن لا يكون بقصد التلذذ والشهوة.
(مسألة 10): يحرم النظر إلى النساء الأجنبيات اللاتي إذا نهين ينتهين
عدا الوجه والكفين، واما فيهما فعلى الأحوط. وهل يحرم نظرهن إلى
الرجال الأجانب؟
والجواب: ان حرمته لا تخلو عن اشكال بل منع، ودعوى الملازمة
11

بين حرمة نظر الرجل إلى المرأة وبالعكس، مدفوعة بأنها وان كانت
مشهورة، الا ان السيرة من لدن زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زماننا هذا
جارية على نظر المرأة إلى وجه الرجل وكفيه بدون اي استنكار من الشرع
عن ذلك وفي أي مورد من الموارد، ومن هنا لم يرد في شيء من الروايات
السؤال عن حكم نظر المرأة إلى الرجل، بينما ورد فيها السؤال عن حكم نظر
الرجل إلى المرأة، فيكون ذلك امرا مرتكزا في أذهان المتشرعة، واما الآية
الشريفة، فلا تدل على حرمة النظر بالعين المجردة مطلقا، بل الظاهر منها
حرمة النطر بقصد التلذذ الجنسي والطمع فيه.
(مسألة 11): أخت الزوجة والربيبة والخامسة ليست من المحارم التي
يحرم على الرجل نكاحهن مؤبدا، وأما حرمة نكاح أخت الزوجة، فهي
موقتة اى ما دامت أخت الزوجة، فإذا طلق زوجته أو ماتت لم يصدق على
نكاحها نكاح أخت الزوجة حتى يكون حراما، واما الربيبة، فيجوز نكاحها
ما دام لم يدخل بأمها، فإذا دخل بها حرم نكاحها، واما الخامسة فيحرم عليه
نكاحها ما دامت عنده اربع نسوة في قيد النكاح، واما إذا طلق واحدة منهن
أو ماتت، فلا يكون نكاحها حينئذ نكاح الخامسة.
(مسألة 12): يحرم على الرجل الأجنبي لمس المرأة الأجنبية و
بالعكس مطلقا، وإن لم يكن بقصد التلذذ والشهوة، نعم يجوز له لمس الصبية
غير البالغة إذا لم يكن بقصد الشهوة، كما يجوز للمرأة لمس الصبي غير البالغ
من دون قصد ذلك.
(مسألة 13): إذا توقف علاج المرأة على النظر إليها دون اللمس، وجب
الاقتصار عليه، فلا يجوز اللمس، وإذا توقف على اللمس، جاز مقتصرا
12

على ما تتوقف عليه الطبابة والعلاج دون أكثر منه.
وقد تسأل هل يسوغ للمرأة المريضة ان تراجع الطبيب الأجنبي مع
وجود الطبيبة في البلد أو لا؟
والجواب: ان ذلك يختلف باختلاف نوع المرض، فان كان مما يعالج
بالرجوع إلى الطبيبة، فلا مبرر لرجوعها إلى الطبيب إذا استلزم الرجوع اليه
كشف ما لا يجوز كشفه امام الأجنبي بدون ضرورة، وان كان مما لا يعالج
بالرجوع اليه، باعتبار انه من اختصاصه، جاز لها الرجوع اليه، وبكلمة ان
المعيار في جواز رجوع المرأة إلى الطبيب وعدم جوازه انما هو بنوعية مرضها،
فان كان بامكانها علاجه عند المرأة الطبيبة، فلا يجوز لها أن تعرض نفسها على
الطبيب الأجنبي، وإلا جاز لها ذلك، واما إذا كان هناك طبيب ماهر وطبيبة
ماهرة، ففي مثل هذه الحالة إذا احتملت المرأة المريضة انه ليس بامكان الطبيبة
علاج مرضها، فهل يجوز لها الرجوع إلى الطبيب، على أساس اعتقادها بأنه أمهر
منها واقدر في العلاج أو لا؟
والجواب: لا يبعد الجواز في هذه الحالة، إذا كان الاحتمال المذكور احتمالا
عقلائيا.
(مسألة 14): يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفين عن غير
الزوج والمحارم، واما ستر الوجه والكفين عن غيرهما فعلى الأحوط، ولا يجب
على الرجل الستر مطلقا.
(مسألة 15): يجوز سماع صوت الأجنبية مع عدم التلذذ والريبة.
(مسألة 16): لا يجوز ترك وطء الزوجة الدائمة أكثر من أربعة أشهر إذا
13

كانت شابة، بل الحكم كذلك في المنقطعة على الأظهر.
وقد تسأل هل يختص هذا الحكم بالحاضر، اي من كانت زوجته عنده،
أو يشمل الغائب أيضا كالمسافر الذي لا يصحب زوجته معه أو لا؟
والجواب: الظاهر ان هذا الحكم يختص بمن كانت زوجته حاضرة عنده،
فلا يعم الغائب كالمسافر، فإذا سافر وطال سفره أكثر من أربعة أشهر فلا شيء
عليه.
الفصل الثاني: في الأولياء
وهم الأب والجد من قبل الأب، وهو أب الأب فصاعدا، والوصي
لأحدهما مع فقد الآخر، والحاكم الشرعي، والسيد بالنسبة إلى مملوكه، ولا
ولاية لغير هؤلاء من الام والجد من قبل الام والأخ وهكذا.
(مسألة 17): للأب والجد من قبل الأب ولاية على الصغيرين والمجنونين
المتصلين جنونهما بالبلوغ، وهل تثبت ولايتهما عليهما إذا كان جنونهما بعد البلوغ
لا متصلا به، أو ان الولاية للحاكم الشرعي؟
والجواب: لا يبعد ثبوت الولاية للكل، أو لا أقل من الاحتياط في
المسألة، بمعنى ان على الأب أو الجد من قبل الأب إذا أراد التصرف في المجنون أو
المجنونة، ان يستأذن من الحاكم الشرعي على الأحوط.
(مسألة 18): إذا زوج الأب أو الجد من قبل الأب ابنته الصغيرة في
حال صغرها، فلا خيار لها بعد بلوغها ورشدها، الا إذا كان العقد حين وقوعه
14

فيه مفسدة ومضارا عند العقلاء، فإنه حينئذ لا يصح الا بالإجازة بعد البلوغ و
الرشد، وكذلك الحال في الصغير.
وقد تسأل هل يجوز التمتع بالبكر بشرط عدم الدخول بها، والحفاظ على
كرامتها من دون اذن وليها، ويكون الهدف من وراء ذلك اما مجرد المحرمية معها
أو الاستمتاع بها بدون جماع أو لا؟
والجواب: ان الجواز لا يخلو عن اشكال، والأحوط والأجدر به وجوبا
ترك ذلك، نعم إذا زوج الأبوان الصغيرين ولاية، فالعقد صحيح، ولكن هل يثبت
لهما الخيار بعد البلوغ أو لا؟
والجواب: ان الثبوت غير بعيد.
(مسألة 19): لا ولاية للأب والجد على البالغ الرشيد، ولا على البالغة
الرشيدة إذا كانت ثيبا، واما إذا كانت بكرا فلهما الولاية عليها، فلا يجوز لها ان
تزوج نفسها بدون اذن وليها، كما ان الأظهر انه لا يجوز للولي تزويجها بدون اذنها
ورضاها، فيعتبر في صحة نكاحها رضا نفسها ورضا وليها معا، ولا فرق في ذلك
بين العقد الدائم والمتعة. ويكفي في اثبات اذنها سكوتها، الا إذا كانت هناك قرينة
على عدم الرضا، وإذا زالت بكارتها بالوطء شبهة أو زنا، فلا تترب عليها
احكام البكر، واما ذا أزالت بكارتها بغير الوطء، فهل يترتب عليها احكام البكر
؟
فالمعروف انها بمنزلة البكر وهو الأظهر.
(مسألة 20): يسقط اعتبار الاستجازة من الأب في تزويج البكر إذا
تعذرت الاستجازة لغيبته أو حبسه ونحوهما، أو كانت البنت بحاجة إلى
15

الزواج، وكذلك إذا منعها من التزويج بالكفو، نعم إذا منعها من التزويج بكفو
معين مع وجود كفو آخر، لم يسقط اعتبار اذنها.
(مسألة 21): الأقوى ان للوصي ولاية النكاح على الصبي إذا نص عليه
الموصي، وكذا على المجنون إذا اضطر إلى التزويج، والأحوط استئذان الحاكم
الشرعي.
(مسألة 22): للحاكم الشرعي الولاية على المجنون المتصل جنونه
بالبلوغ، إذا لم يكن له ولي مع ضرورته إلى التزويج، وفي ولايته على الصبي في
ذلك اشكال، والأظهر الثبوت مع ضرورته اليه.
(مسألة 23): في صحة تزويج السفيه اشكال، فالأظهر ان لا ينكح الا
باذن الولي وهو الأب أو الجد من قبل الأب ان كان، والا فالحاكم الشرعي، و
اما إذا كان رشيدا في المال غير رشيد في التزويج، فالأحوط له لو لم يكن أقوى
الاستئذان في تزويجه من الولي ان كان، وإلا فمن الحاكم الشرعي، وكذلك الحال
في السفيه.
(مسألة 24): للمولى الولاية على مملوكه ذكرا كان أم أنثى مطلقا.
(مسألة 25): لو زوج الولي الصغيرين توارثا، ولو كان المزوج غيره
فضوليا وقف على الإجازة، وحينئذ فان مات أحدهما قبل البلوغ بطل، وان
بلغ أحدهما وأجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر، فإذا بلغ الآخر وأجاز العقد،
فان احتمل عدم كون اجازته طمعا في الميراث وحلف على ذلك ورث، وإلا
فلا، ومن هنا إذا مات بعد الإجازة وقبل الحلف لم يرث، هذا إذا كان متهما
بأن الدافع من وراء اجازته الطمع في الإرث، واما إذا لم يكن متهما بذلك، كما
إذا أجاز قبل أن يعلم موته، أو كان المهر اللازم عليه أكثر مما يرث منه، أو أنه
16

لا مال له حتى يرث، فالظاهر انه يرث بدون الحلف.
(مسألة 26): كما يصح عقد الفضولي في البيع يصح في النكاح، فإذا عقد
شخص لغيره من دون اذنه، فأجاز المعقود له صح العقد، وإذا لم يجز بطل.
(مسألة 27): إذا وكلت المرأة شخصا على تزويجها، لم يصح له ان
يتزوجها إلا مع عموم الاذن منها، فإذا أذنت له في ان يتزوجها، فهل يجوز له أن
يتولى الايجاب عنها وكالة والقبول لنفسه أو لا؟
والجواب: الأحوط والأجدر به أن يوكل شخصا آخر يتولى الايجاب
عنها، أو توكل هي غيره في ايقاع الايجاب من قبلها.
(مسألة 28): إذا أكره الزوجان على العقد، ثم رضيا وأجاز العقد صح، و
كذلك الحكم في اكراه أحدهما، والأولى تجديد العقد في كلتا الصورتين.
الفصل الثالث: في المحرمات
وهي قسمان:
نسب وسبب
فالنسب: الام وان علت، والبنت وان سفلت، والأخت وبناتها وان
نزلن، والعمة والخالة وان علتا كعمة الأبوين والجدين، وخالتهما وبنات الأخ و
إن نزلن. واما السبب فأمور:
17

الاول: ما يحرم بالمصاهرة
(مسألة 29): من وطأ امرأة بالعقد أو الملك حرمت عليه أمها وان علت
سلسلتها الطولية نسبا كان أم رضاعا، وبناتها وان نزلت سلسلتها الطولية
كذلك، لابن كانت أو بنت تحريما مؤبدا، سواء سبقن على الوطء أم تأخرن عنه، و
سواء أكن في حجره أم لا، وقد تسأل هل تحرم البنت على الرجل إذا كان تولدها
بعد خروج الام عن زوجيته أو لا؟
والجواب: نعم، ولا فرق في الحرمة بينها وبين ما إذا كان تولدها قبل
خروجها عن الزوجية.
(مسألة 30): تحرم الموطوءة بالملك أو العقد، سواء أكان العقد دائميا أم
متعة على أبي الواطيء وان علت سلسلته التصاعدية بكلا طرفيها هما الأب و
الام، وعلى ولده وان نزلت سلسلته التنازلية كذلك، كما انه لا فرق بين ان يكون
الولد صلبيا أو رضاعيا.
(مسألة 31): تحرم معقودة كل من الأب والابن على الآخر مطلقا، وان لم
يدخل بها في طول السلسلتين التصاعدية والتنازلية، بدون فرق في ذلك بين
النسب والرضاع، ولا بين الدوام والمتعة.
(مسألة 32): قد تسأل ان الأمة المملوكة للأب إذا كانت ملموسة بشهوة
أو المنظور إلى شيء منها مما يحرم النظر اليه لغير المالك إذا كان بشهوة، فهل تحرم
على ابنه وبالعكس أو لا؟
والجواب: ان الحرمة لا تخلو عن قوة.
(مسألة 33): من عقد على امرأة ولم يدخل بها حرمت عليه أمها وان
18

علت أبدا، وتحرم بنتها على الأحوط وان نزلت، من بنت كانت أو ابن ما دامت
الأم في عقده، فان فارقها قبل الدخول، جاز له العقد على بنتها، ولو دخل بها
حرمت عليه البنت أبدا، ولم تحرم البنت على أبيه ولا على ابنه.
(مسألة 34): تحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا، وكذا بنت أختها وأخيها
إلا مع إذن العمة والخالة، ولو عقد من دون إذنهما فأجازتا صح على الأقوى، و
إن كان الأحوط استحبابا العقد من جديد، هذا بدون فرق بين الدوام والانقطاع،
ولا بين علم العمة والخالة وجهلهما، واما العكس وهو عقد الخالة على بنت
أختها والعمة على بنت أختها فهو جائز.
(مسألة 35): من زنا بخالته في قبلها أو دبرها حرمت عليه بناتها أبدا وان
نزلت، سواء أكانت من الابن أم البنت النسبية أم الرضاعية، شريطة أن يكون
الزنا بها قبل التزويج بابنتها، واما إذا كان بعده فلا يوجب الحرمة، على أساس
ان الحرام لا يحرم الحلال، ويلحق بالزنا بالخالة الزنا بالعمة على الأحوط
وجوبا.
(مسألة 36): الأقوى ان بنت المرأة المزني بها لا تحرم على الزاني، سواء
كانت موجودة قبل الزنا بها أم وجدت بعده. وقد تسأل هل تحرم بنت المرأة
الموطوء بها شبهة على الواطيء أو لا؟
والجواب: ان الوطي بالشبهة ان كان طارئا على التزويج بالبنت لم يوجب
حرمتها وإن كان قبله، فالمشهور انه يوجب الحرمة، ولكنه لا يخلو عن اشكال،
بل لا يبعد عدم الحرمة أيضا.
(مسألة 37): لا يلحق بالزنا التقبيل واللمس والنظر بشهوة ونحوها،
فلو قبل خالته أو عمته أو امرأة أخرى ولمسها أو نظر إليها بشهوة، لم تحرم
19

عليه بنتها.
(مسألة 38): الزنا والوطء بالشبهة الطارئان على العقد والدخول لا
يوجبان التحريم، فلو تزوج بنت خالته ودخل بها ثم زنى بخالته أو وطأها شبهة
، لم تحرم عليه بنتها كما مر.
(مسألة 39): المرأة المزني بها تحرم على آباء الزاني وأبنائه على الأظهر،
إذا كان الزنا سابقا على العقد، وإلا لم تحرم.
(مسألة 40): لا فرق في الزنا المحرم بين كونه اختياريا أو اجباريا أو
اضطراريا، ولا يكفي في نشر الحرمة ان يكون في حال النوم، وهل يعتبر ان
يكون الزاني بالغا أو لا؟
والجواب: ان اعتباره لا يخلو عن قوة، وان كان الاحتياط في محله، وهل
يعتبر في المزني بها ان تكون بالغة وإلا لم ينشر الحرمة؟
والجواب: الظاهر انه غير معتبر في الزنا بالخالة، فمن زنا بها في حال
صغرها كفى في حرمة بنتها عليه، واما في غيرها فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 41): يحرم على الرجل الحر في العقد الدائم ما زاد على أربع
حرائر من النساء، وفي الإماء ما زاد على الأمتين، وله أن يجمع بين حرتين و
أمتين أو ثلاث حرائر وأمة، ويحرم على العبد ما زاد على أربع إماء، وفي
الحرائر ما زاد على حرتين، وله أن ينكح حرة وأمتين، ولا يجوز نكاح
الأمة على الحرة إلا باذنها، ولو عقد بدونه كان باطلا بدون إجازتها، وأما
معها فالأظهر الصحة، ولو أدخل الحرة على الأمة ولم تعلم، فلها الخيار في
عقد نفسها، ولو جمعها في عقد واحد، صح عقد الحرة، وتوقف عقد الأمة
20

على إجازة الحرة.
(مسألة 42): إذا كان عند الرجل اربع نسوة وطلق واحدة منهن، وأراد
نكاح امرأة أخرى مكان المطلقة، فان كان الطلاق رجعيا لم يجز له ذلك إلا بعد
انتهاء العدة واكمالها تماما، وان كان بائنا، فهل يجوز له ذلك قبل الخروج من العدة
أو لا؟
والجواب: ان الجواز لا يخلو عن اشكال بل منع، نعم إذا ماتت إحداهن لا
يبعد جواز التزويج قبل اكمال العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وان كان
الاحتياط في محله، ومثل الموت الفسخ بعيب أو نحوه.
(مسألة 43): يحرم العقد على ذات البعل أو المعتدة ما دامتا كذلك، ولو
تزوجها جاهلا بالحكم أو الموضوع بطل العقد، فان دخل حينئذ حرمت عليه
أبدا، والوالد له وعليه مهر المثل للمرأة مع جهلها، والأحوط ان تتم عدة الأول
إن كانت معتدة وتستأنف عدة الثاني، والأظهر التداخل، ولو عقد عالما بالحكم و
الموضوع حرمت عليه أبدا بالعقد وان لم يدخل بها، وكذا إذا كانت المعتدة
المعقود عليها عالمة بهما، وان كان الرجل جاهلا بالحال وغير عالم، نعم لا أثر
لعلم المرأة ذات البعل بالمسألة، فالمعيار انما هو بعلم الرجل بها وجهله. ولا فرق
في العدة بين عدة الطلاق بائنا أو رجعيا، وعدة الوفاة وعدة وطء الشبهة، ولا
فرق في المعتدة بين الحرة والأمة، ولا في الدخول بين أن يكون في القبل والدبر، و
لا يلحق بالعدة مدة استبراء الأمة، لان أحد العنوانين يختلف عن عنوان الآخر
حكما وموضوعا، ولا بعقد وطء الشبهة لأنه ليس بعقد، ولا الوطء بالملك ولا
بالتحليل لعدم كونهما عقدا، والمدار على علم الزوج، فلا يقدح علم وليه أو
وكيله، على أساس انه لا ولاية لوليه
21

على تزويج ذات بعل أو معتدة له، ولو زوجها له ولاية لم يكن التزويج
مستندا إليه حتى توجب حرمتها عليه مؤبدة، وكذلك الحال في الوكيل.
(مسألة 44): لا يصح العقد على المرأة في المدة التي تكون بين
وفاة زوجها وعلمها بوفاته، وهل يجري عليها حكم العدة، قيل: لا، فلو عقد
على امرأة في تلك المدة لم تحرم عليه وان كان عالما ودخل بها، فله تجديد العقد
بعد العلم بالوفاة وانقضاء العدة بعده، ولكنه محل اشكال، بل الأقرب انها تحرم
عليه مؤبدا، على أساس انها ذات عدة من حين وفاة زوجها، غاية
الأمر انها ما دامت جاهلة بوفاته ترى نفسها مزوجة، وتترتب عليها آثارها مع
انها في الواقع محكومة بالاعتداد والتربص، وإذا علمت بوفاته شرعت في
الاعتداد والتربص وترتيب آثار العدة كترك الزينة ونحوها، لمكان حرمة الميت
إلى أربعة اشهر وعشرة أيام من حين العلم، لا انها مبدء العدة في الواقع في
مفروض المسألة.
(مسألة 45): إذا لعب الرجل بغلام فأوقبه حرمت عليه أبدا أم الغلام
وإن علت، وأخته وبنته وان سفلت على الأظهر، ولا فرق في ذلك بين النسبية
والرضاعية، ولو سبق عقدهن لم يحرمن، وان كان الأحوط الأولى الاجتناب. و
في عموم الحكم للواطيء إذا كان صغيرا أو كان الموطوء كبيرا، سواء كان
الواطيء صغيرا أم كبيرا اشكال، والأظهر العدم، ولا تحرم على الواطيء
بنت أخت الموطوء ولا بنت أخيه، كما لا تحرم على الموطوء أم الواطيء وبنته و
أخته.
(مسألة 46): لا يجوز وطء الزوجة قبل اكمال تسع سنين، بلا فرق بين
الدائمة والمنقطعة، ولو اصر على ذلك ودخل بها قبل اكمال تسع سنين
22

فأفضاها، فهل تحرم عليه مؤبدا أو لا؟
والجواب: الأقرب انها لا تحرم عليه كذلك، بل انها تظل على زوجيتها و
ان كانت مفضاة، نعم عليه دية الافضاء، وهي دينة النفس نصف دية الرجل،
شريطه ان يطلقها ولا يمسكها، والا فلا دية عليه، واما نفقتها فهي واجبة عليه،
سواء أكانت عنده أم انفصل عنها وطلقها، بل وأن تزوجت بعد الطلاق على
الأظهر، نعم لو أفضاها بعد التسع لم تحرم عليه أيضا، ولا تجب لها الدية مطلقا، و
تجب إذا أفضاها قبل التسع إذا كان قد طلقها كما مر، والأحوط الأولى الانفاق
عليها ما دامت حية، ولو أفضى الأجنبية لم تحرم عليه أيضا.
(مسألة 47): لا فرق في الاحكام المترتبة على الافضاء بين ان تكون
بالدخول في القبل أو الدبر، وهو عبارة عن ايجاد الفضوة وجعل الشيء متسعا،
بان يجعل مسلكي البول والغائط أو الحيض والغائط أو الجميع واحدا، وقد
تسأل هل يلحق بالزوجة في الاحكام المذكورة الموطوءة بشبهة أو زنا إذا
أفضاها قبل بلوغ تسع سنين أو لا؟
والجواب: لا يلحق بها، كما لا يلحق بالافضاء بدخول الافضاء بالأصبع
ونحوه ما عدا الدية.
(مسألة 48): إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب دون الافضاء ضمن
العيب، وإذا حصل عيب والافضاء معا ضمن قيمة العيب ودية الافضاء، وكذا
إذا حصل بالإصبع أو نحوه.
(مسألة 49): لو زنى بامرأة غير معتدة وذات بلع، لم يحرم نكاحها عليه،
والأظهر أن لا يتزوجها قبل استبرائها بحيضة، نعم إذا تزوج شخص
23

آخر غير من زنى بها، فهل يجب ان يكون بعد استبرائها بحيضة أو لا؟
والجواب: ان وجوب ذلك لا يخلو عن اشكال، والاحتياط لا يترك.
(مسألة 50): يجوز التزويج بالزانية، والأظهر ترك التزويج بالمشهورة
بالزنا قبل ان تظهر توبتها، والوجه في ذلك ان هنا ثلاث طوائف من الروايات:
الأولى: تنص على عدم جواز تزويج الزانية ما دام لم تظهر منها التوبة، و
مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين المشهورة المعلنة وغيرها.
الثانية: تنص على الجواز قبل ان تظهر منها التوبة، ومقتضى اطلاقها عدم
الفرق بين المشهورة وغيرها.
الثالثة: تنص على عدم جواز تزويج المشهورة الا ان تعرف منها التوبة، ثم
ان الطائفة الثالثة تقيد اطلاق الطائفة الثانية بغير المشهورة، فالنتيجة جواز
تزويج الزانية إذا لم تكن مشهورة، وإلا لم يجز، وهذا لا من جهة انقلاب النسبة
بين الطائفة الثانية والأولى، لأنا لا نقول به، بل من جهة انهما تسقطان بالمعارضة،
فالمرجع حينئذ يكون العام الفوقي، ومقتضاه جواز التزويج فيها.
(مسألة 51): لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا على
الأحوط الأولى، ولا فرق في ذات البعل بين الدائمة والمتمتع بها والحرة والأمة و
الصغيرة والكبيرة والعالمة والجاهلة، ولا في البعل بين الحر والعبد والصغير و
الكبير، ولا في الزاني بين العالم بكونها ذات بعل أو في العدة.
(مسألة 52): لا يلحق بذات البعل الأمة الموطوءة بالملك أو التحلل، كما
لا يحلق بالعدة الرجعية عدة البائنة، وعدة الوفاء، وعدة وطء الشبهة، ومدة
استبراء الأمة.
24

(مسألة 53): إذا زنت ذات البعل لم تحرم على بعلها.
(مسألة 54): إذا زنت المرأة بعد العقد عليها وقبل الدخول بها، فهل يبطل
العقد أو لا؟
والجواب: ان المعروف والمشهور بين الأصحاب عدم بطلان العقد، ولكنه
لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد البطلان ووجوب الحد عليها وعدم الصداق لها،
والأحوط والأجدر به ان يطلقها، ولو أراد التزويج بها مرة ثانية جدد العقد
عليها.
(مسألة 55): لو عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه أبدا،
سواء أكانت المرأة محرمة أيضا أم كانت محلة، وسواء أكان العقد بالمباشرة أم كان
بالوكالة، شريطة ان يكون عقد الوكيل في حال احرام الموكل، ولا فرق في ذلك
بين ان يكون الوكيل محرما أيضا أو محلا، وكانت وكالته في حال الاحرام أم قبله،
ولو كان جاهلا بطل العقد، ويجوز له ان يعقد عليها بعد خروجه عن الاحرام.
(مسألة 56): لو طلقت الحرة ثلاثا، حرمت على المطلق حتى تنكح
زوجا غيره وان كانت تحت عبد، ولو طلقت الأمة طلقتين، حرمت عليه حتى
تنكح زوجا غيره وان كانت تحت حر.
(مسألة 57): المطلقة تسعا للعدة بينها نكاحان ولو لرجل واحد، تحرم
على المطلق أبدا، بل لا يبعد تحريم المطلقة تسعا مطلقا كما يأتي.
(مسألة 58): لو طلق احدى زوجاته الأربع رجعيا، لم يجز ان ينكح بدلها
حتى تخرج من العدة، وكذلك لا يجوز ذلك في البائن أيضا على الأظهر، و
25

إذا ماتت الرابعة، فهل يجب عليه الصبر إلى أربعة اشهر وعشرة أيام أو لا؟
والجواب: ان وجوبه لا يخلو عن اشكال ولا يبعد عدمه، واما فسخ عقد
النكاح بعيب أو غيره، فهل يلحق بالطلاق؟
والجواب: انه لا يلحق به، فيجوز نكاح الخامسة بعد الفسخ بلا فصل.
(مسألة 59): لو عقد ذو الزوجات الثلاث على اثنتين مرتبا بطل الثاني،
ولو عقد عليهما دفعة، لم يبعد ان يكون له الخيار في تعيين أيتهما شاء، وكذا الحكم
في تزويج الأختين.
الثاني من أسباب التحريم
الرضاع
وله ثلاثة أركان:
1 - المرضعة.
2 - المرتضع.
3 - صاحب اللبن.
(مسألة 60): يشترط في نشر الحرمة بالرضاع العناصر التالية:
الاول: ان يكون اللبن الذي إرتضعه الطفل من امرأة ناتجا من ولادة عن
نكاح صحيح، فلو كانت امرأة در لبنها من غير ولادة، فأرضعت جارية أو
غلاما بذلك اللبن لم ينشر الحرمة، وكذا لو كان اللبن عن ولادة ولكنها كانت
عن زنا.
26

وهل يحلق الولادة عن وطء شبهة بالولادة عن نكاح صحيح؟
والجواب: ان الالحاق لا يخلو عن اشكال، والاحتياط لا يترك.
(مسألة 61): إذا تعدد النكاح الصحيح على امرأة، بان طلقها الزوج
الأول أو مات عنها وله منها لبن عن ولادة، أو كانت حاملا منه فوضعت حملها و
صارت ذات لبن، ثم تزوجت من آخر وصارت حاملا منه، فلها حالات:
الأولى: انها أرضعت جارية أو غلاما بهذا اللبن، ففي هذه الحالة لا شبهة في
ان اللبن للأول من دون فرق بين ان يكون الارضاع في العدة أو بعدها، على
أساس ان الطلاق أو الموت لا يقطع نسبة اللبن عنه.
الثانية: انها أرضعت به بعد ان تزوجت بآخر، ففي هذه الحالة أيضا يكون
اللبن للأول، من دون فرق بين ان يكون ارضاعها قبل الحمل من الثاني أو بعده،
ما دام اللبن لبن الولادة من الأول.
الثالثة: انها أرضعت بعد الحمل من الثاني وقبل الوضع في حال تجددت
الزيادة في اللبن التي تكون مستندة إلى الحمل، ففي هذه الحالة هل يتحقق نشر
الحرمة بالارتضاع من هذا اللبن أو لا؟
والجواب: ان الارتضاع منه إذا كان بمقدار لولا تلك الزيادة، لكان أيضا
موجبا لاشتداد العظم وانبات اللحم تحقق الرضاع المحرم وإلا فلا، ولا يتحقق
بخمس عشرة رضعة ولا بيوم وليلة، على أساس ان نشر الحرمة انما يتحقق
بخمس عشرة رضعة كاملة متوالية أو باليوم والليلة كذلك، إذا كان الارتضاع
من لبن الولادة لا من المركب منه ومن غيره، إلا ان يقال ان هذه
27

الزيادة لا تمنع عن صحة الاستناد، لان لبن المرأة في طول فترة الرضاع قد
يزيد وقد ينقص بسبب أو آخر ومنه الحمل، وعلى هذا فالاحتياط بالارتضاع
بخمس عشرة رضعة أو بيوم وليلة لا يترك.
الرابعة: إذا انقطع اللبن من الأول فترة ثم عاد بعد الحمل من الثاني، فهل
هو مستند إلى الأول؟
والجواب: انه غير مستند اليه إذا كانت فترة الانقطاع غير اعتيادية، و
على هذا فلا أثر للارتضاع منه، لأنه ليس من لبن الولادة.
الثاني: ان الرضاع المحرم قد قدر شرعا بالمقادير التالية:
1 - انبات اللحم وشد العظم عرفا.
2 - رضاع يوم وليله تماما.
3 - خمس عشرة رضعة كاملة.
ثم انه يعتبر في التقدير الثاني والثالث أمران:
1 - ان تكون الرضعة في كل مرة كاملة بمعنى امتلاء بطن الرضيع.
2 - ان لا يفصل بين رضاعات يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة رضاع
آخر، كما إذا أرضعت امرأة غلاما عشرة رضعة ثم أرضعته امرأة أخرى رضعة أو
رضعتين، ثم أكملت الأولى خمس عشرة رضعة، فان ذلك لا يكفي في التحريم، و
هذان الأمران غير معتبرين في التقدير الأخير.
وقد تسأل هل يضر الفصل بين الرضعات في الرضاع بخمس عشرة
رضعة بالاكل والشرب للغذاء أو لا؟
28

والجواب: انه يضر إذا كان بمقدار يقدح بالموالاة المعتبرة بين تلك
الرضعات عرفا وإلا فلا، كما إذا كان بمقدار يكون ذلك المقدار امرا اعتياديا
للأطفال في هذه السنين في الفترات بين رضاعاتهم، وكذلك الحال في الرضاع
بيوم وليلة، فان تغذي الطفل في هذه الفترة ان كان أزيد من المقدار المعتاد، فهو
مانع عن تحقق الرضاع المحرم وإلا فلا، نعم تغذي الطفل بالاكل والشرب لا
يضر بالرضاع المحرم باشتداد العظم وانبات اللحم وان كان كثيرا، على أساس ان
المعيار فيه انما هو باستناد ذلك إلى الرضاع، سواء كان بالاستقلال بالاشتراك.
(مسألة 62): قد تسأل هل تكفي عشر رضعات كاملة متوالية في نشر
الحرمة أو لا؟
والجواب: ان كفايتها لا تخلو عن اشكال، والأظهر عدم الكفاية، وإن
كان الاحتياط في محله.
الثالث: ان يكون الرضاع في خلال حولين، فإذا بلغ المرتضع حولين ثم
ارتضع منها، فلا أثر له.
الرابع: ان يكون اللبن من فحل واحد من امرأة واحدة، مثال الأول: امرأة
أرضعت غلاما أو جارية تمام النصاب من لبن فحلين، بان أرضعته بعض
الرضعات بلبن فحل ثم فارقته، وأكملت النصاب بلبن فحل آخر، فإنها وان
أرضعته النصاب كاملا، الا انه لما كان بلبن فحلين لم يوجب نشر الحرمة، ولكن
هذا الفرض نادر ولعله غير واقع في الخارج، وهناك فرض آخر، وهو ان
امرأتين أرضعت إحداهما صبيا بلبن فحل بعض الرضعات وأكملت الأخرى
النصاب بلبن فحل آخر، فان ذلك لا يوجب نشر الحرمة من جهتين:
29

الأولى: من جهة ان اللبن ليس من فحل واحد.
الثانية: ان النصاب الواحد لابد ان يكون من امرأة واحدة، ومثال الثاني:
امرأتان أرضعت إحداهما صبيا بعض الرضعات بلبن فحل وأكملت الأخرى
النصاب بلبن ذلك الفحل، فان ذلك لا يوجب نشر الحرمة، على أساس انه ليس
من امرأة واحدة، نعم إذا أرضعت إحداهما صبيا من لبن فحل كامل النصاب، و
أرضعت الأخرى صبية من لبن نفس الفحل كذلك، كان كل منهما رضاعا محرما،
وان بلغ على هذا المنوال عشرة نصابات كذلك، وبكلمة ان النصاب الواحد لابد
ان يكون بكامله من امرأة واحدة بلبن فحل واحد، وامام إذا كان من امرأتين،
فلا يوجب نشر الحرمة وان كان بلبن فحل واحد.
(مسألة 63): لا ينشر الرضاع الحرمة بين المرتضعين إلا مع اتحاد الفحل،
وإن تعددت المرضعة، فلو أرضعت امرأتان صبيين بلبن فحل واحد نشر الحرمة
بينهما، ولو أرضعت امرأة صبيين بلبن فحلين لم ينشر الحرمة بينهما.
الخامس: ان يكون الارتضاع من الثدي مباشرة، فلا يكفي لو وجز في
حلقه أو وصل إلى جوفه بآلة أو غير ذلك.
(مسألة 64): مع اجتماع هذه العناصر والشروط تصبح المرضعة أما
للرضيع وان علت، وذو اللبن أبا له وان علا، وإخوتهما أخوالا وأعماما له،
وأولادهما أولاد أخوال وأعمام وان نزلت، وأخواتهما عمات وخالات له، و
أولادهما أولاد عمات وخالات له وان نزلت، وأولادهما اخوة له.
(مسألة 65): إذا أرضعت امرأة زوجته الصغيرة حرمت المرضعة عليه، و
جاز له النظر إليها، فان الأم الرضاعية للزوجة بمنزلة الأم النسبية لها، و
30

كذلك تحرم زوجة الابن على أبيه الرضاعي، فإنها بمنزلة زوجة الابن النسبي.
تقدم ان الرضاع متقوم بثلاثة أركان، المرضعة والمرتضع وصاحب اللبن،
وتنشر الحرمة بين هذه الأركان على أساس ضوابط عامة.
الضابط الاول:
تنشر الحرمة من صاحب اللبن والمرضعة إلى المرتضع والمرتضعة و
فروعهما، على أساس انهما صارا أولادا لهما وأولادهما أبناء وبنات لهما وان
تنازلتا، ولا تنشر الحرمة منهما إلى أصولهما من الاباء والأجداد والأمهات و
الجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ولا إلى حواشيهما، اي من في
طبقتهما من الاخوة والأخوات وأولادهما.
الضابط الثاني:
تنشر الحرمة من المرتضع أو المرتضعة إلى صاحب اللبن والمرضعة و
أصولهما من الآباء والأمهات والأجداد والجدات، وحواشي الأصول من
الأعمام والعمات والأخوال والخالات وفروعهما من الأبناء والبنات وان
تنازلتا، وحواشيهما من الاخوة والأخوات وأولادهما، على أساس انهما أعمام و
عمات إذا كانتا من الأب الرضاعي، وأخوال وخالات إذا كانتا من الام
الرضاعية.
الضابط الثالث:
تنشر الحرمة بين أصول المرتضع أو المرتضعة، وفروع صاحب اللبن
ولادة ورضاعا، وفروع المرضعة ولادة لا رضاعا، ولكن هذا الضابط ثابت
بالنص الخاص، وإلا فمقتضى القاعدة عدم نشر الحرمة، الا على القول بعدم
31

المنزلة.
الضابط الرابع:
ان العناوين المحرمة شرعا من جهة الولادة والنسب سبعة: الأمهات و
البنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، فإذا
حصلت هذه العناوين بالرضاع كانت كالعناوين الحاصلة بالولادة في الحرمة،
بقانون ان ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع، ولا تحصل تلك العناوين بحصول ما
يلازمها نسبا وولادة إذا كان حصوله بالرضاع كأخت الأخ وأخت الابن وأم
الأخ وهكذا، فان هذه العناوين بأنفسها ليست من العناوين المحرمة في الشرع
المقدس، لان حرمة أخت الأخ على الأخ في النسب من جهة انها أخته لا من
جهة أنها أخت الأخ، وحرمة أخت الابن ولادة من جهة انها بنته لا من جهة
انها أخت لابن وهكذا، واما في الرضاع فبما ان عنوان أخت الأخ ليس ملازما
لعنوان الأخت وعنوان أخت الابن لعنوان البنت فلا يكون محرما، والخلاصة ان
الملازمة بين العناوين الأصلية كالأم والبنت والأخت ونحوها، والعناوين
الفرعية كأخت الأخ وأخت الابن وأم الأخ وهكذا، انما هي ثابتة إذا كانت
العلاقة بينهما بالولادة والنسب لا بالرضاع، فان أخت الأخ لرجل إذا كانت
نسبية، فهي أخته ومحرمة عليه، دون ما إذا كانت رضاعية، فإنها ليست أخته
حتى تكون محرمة عليه.
الضابط الخامس:
ان العناوين المحرمة بالمصاهرة كعنوان أم الزوجة وبنت الزوجة
المدخول بها وزوجة الأب وزوجة الابن، إذا حصلت تلك العناوين
بالرضاع حكم بالحرمة، كما إذا تزوج بامرأة ارتضعت بلبن فحل آخر غير
32

أبيها، فان لها اما رضاعية وهي ام زوجتها بالرضاع ومحرمة عليه كام زوجتها
بالنسب، ولا تتحقق هذه العناوين بتحقق ما يلازمها في النسب، فان ام ام الولد
في النسب حرام لا بعنوانها، بل باعتبار انها فيه ملازمة لعنوان محرم كام الزوجة،
وفي الرضاع بما انها لا تكون ملازمة له فلا تكون محرمة، وعلى هذا فبامكان
المكلف عند الشك ان يلتجأ إلى هذه الضوابط العامة لرفع الشك.
وقد تسأل ان الرجوع إلى هذه الضوابط العامة مبني على القول بعدم
عموم المنزلة، وإلا فلا مجال للرجوع إليها، فان عموم المنزلة حينئذ هو الحاكم في
المسألة؟
والجواب: ان الامر وان كان كذلك الا انه لا أساس للقول بعموم المنزلة، و
دعوى ان مقتضى قوله (عليه السلام) في النص " لان ولدها صارت بمنزلة ولدك " عموم
المنزلة، ومورده وان كان خاصا وهو خصوص أولاد الفحل وأولاد المرضعة
، ولكن مقتضى التعليل العموم.
والجواب: ان التعليل في النص مختص بمورده، فإنه ليس بشيء يعم غيره،
هذا إضافة إلى ان الحكم في المقام تعبدي يكون على خلاف القاعدة، فلا يمكن
التعدي عن مورده إلى سائر الموارد الا بقرينة ولا توجد قرينة عليه، ولمزيد من
التفصيل والتعرف على ذلك تطبيقيا نذكر جملة من الموارد التي ذهب بعض
الفقهاء إلى عموم المنزلة فيها.
المورد الأول:
إذا أرضعت امرأة أخاها بلبن فحلها فتوجد فيها حالتان:
الأولى: ان أخاها صار ولدا رضاعيا لفحلها، والأخرى ان المرأة
33

صارت أختا لولده وأخت الولد على الأب في النسب لأنها بنته، وفي الرضاع بما
انها ليست بنتا له فلا تكون محرمة عليه، الا بناء على القول بعموم المنزلة، بتنزيل
أخت الولد الرضاعي منزلة الأخت الولد النسبي في البنتية، ولكن مر انه غير
ثابت.
المورد الثاني:
إذا أرضعت امرأة ابن أخيها أو أختها فيوجد هنا أمران:
إحداهما ان ابن أخيها أو أختها صار ابنا لزوجها من الرضاع، والآخر ان
المرأة صارت عمة لابنه أو خالة له، وعمة الابن أو خالته حرام على الأب في
النسب، على أساس انها أخته لا بعنوان عمة الابن أو خالته، لأنه ليس من
العناوين المحرمة، وفي الرضاع بما انه لا يلازم كونها أختا له، فلا تحرم عليه الا
على القول بعموم المنزلة، بتنزيل عمة الابن الرضاعي أو خالته بمنزلة عمة الابن
النسبي أو خالته في الأختية وهو غير ثابت.
المورد الثالث:
إذا أرضعت امرأة طفلا فأصبحت المرأة اما له، وحينئذ فإذا كان للطفل
أخ، فهل تحرم المرضعة التي هي ام الطفل من الرضاع على أخيه؟
والجواب: ان أم الأخ في النسب حرام بعنوان انه ام له لا بعنوان أم الأخ،
فإنه ليس من العناوين المحرمة، وفي الرضاع بما انه لا يلازم هذا العنوان، فلا يحرم
عليه بعنوان أم الأخ، الا بناء على القول بعموم المنزلة، بتنزيل أم الأخ الرضاعي
منزلة أم الأخ النسبي في الأمية.
المورد الرابع:
34

امرأة إذا أرضعت ولد عمها أو خالها بلبن فحلها، صار الولد ولدا للفحل
من الرضاع، وحينئذ فبما ان الفحل أصبح أبا للولد، فهو في النسب حرام عليها
لأنه عمها أو خالها، وفى الرضاع بما انه لا يلازم كونه عما أو خالا لها، فلا يحرم
عليها الا على القول بعموم المنزلة.
المورد الخامس:
إذا أرضعت امرأة أخا زوجها أو أخته لأبويه أو أحدهما بلبنه، أصبحت
المرأة اما لأخيه أو أخته، وأم الأخ أو الأخت في النسب حرام على الأخ، لانها
أمه أو زوجة أبيه لا بعنوان أم الأخ أو الأخت، لأنه ليس من العناوين المحرمة، و
في الرضاع بما انه لا يلازم ذلك، فلا تحرم عليه إلا على القول بعموم المنزلة.
المورد السادس:
إذا أرضعت امرأة بلبن فحلها غلاما فيتحقق هنا أمران:
أحدهما: ان المرأة أصبحت أما للغلام من الرضاع وفحلها ابا له كذلك، و
الآخر ان أولاد الفحل وأولاد المرضعة الذين ارتضعوا مع الغلام من لبن هذا
الفحل، بما انهم أصبحوا اخوة له من الرضاع تنشر الحرمة بينه وبينهم، ولكن هل
تنشر الحرمة بين أولاد الفحل وأولاد المرضعة، وبين أولاد المرتضع الذين لم
يرتضعوا معهم من لبن فحل واحد أو لا؟
والجواب: لا تنشر الحرمة لعدم اتحاد الفحل، الا على القول بعموم المنزلة
، بتنزيل أخت الأخ من الرضاع بمنزلة الأخت وهو غير ثابت.
المورد السابع:
35

إذا أرضعت امرأتك ابن ابنتك بلبنك، صارت امرأتك اما لابن ابنتك و
هي في النسب حرام عليك لأنها بنتك، وفى الرضاع بما انه لا يلازم ذلك، فلا تحرم
عليك إلا على القول بعموم المنزلة.
المورد الثامن:
امرأة أرضعت بلبن زوجها أبن أخته، فهل تحرم على زوجها، على أساس
انها صارت اما لابن أخته وهي في النسب حرام عليه، لأنها أخته لا بعنوان أم
ابن الأخت، فإنه ليس من العناوين المحرمة، وفى الرضاع تكون بمنزلة الأخت؟
والجواب: ان الحرمة مبنية على القول بعموم المنزلة وهو غير ثابت
كما مر.
المورد التاسع:
امرأة أرضعت عم زوجها أو عمته أو خاله أو خالته، وبذلك أصبحت اما
لهم من الرضاعة، وأم عمه أو عمته في النسب حرام، لأنها جدته من طرف الأب
وأم خاله أو خالته فيه جدته من طرف الام، لا بعنوان ام العم أو العمة أو الخال أو
الخالة، لأنه ليس من العناوين المحرمة، وفى الرضاع بما ان هذا العنوان لا يكون
ملازما لعنوان الجدة، فلا تحرم المرأة على زوجها.
المورد العاشر:
امرأة أرضعت ابن ابن زوجها وبذلك أصبحت أما لابن ابنه، وأم ابن ابن
شخص حرام عليه في النسب، لأنها زوجة ابنه لا بعنوان أم الابن، فإنه ليس من
العناوين المحرمة في الشرع، وفي الرضاع بما انها لا تكون زوجة ابنه،
36

فلا تحرم عليه الا على القول بعموم المنزلة.
وهناك أمثلة أخرى يظهر حالها مما مر.
(مسألة 66): ظهر مما تقدم انه لا يجوز للمرتضع أن ينكح في أولاد
صاحب اللبن ولادة ورضاعا، وأولاد المرضعة ولادة فقط، على أساس انهم
أصبحوا اخوة وأخوات له من الرضاع، واما عدم حرمة أولاد المرضعة من
الرضاعة على المرتضع، فباعتبار انه لم يرتضع معهم من لبن فحل واحد.
(مسألة 67): إذا أرضعت امرأة ابن بنتها بلبن فحلها، حرمت البنت على
زوجها، وبطل نكاحها، على أساس انه لا يجوز لزوجها وهو أبو المرتضع أن
ينكح في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا، ولا فرق في ذلك بين ان تكون
المرضعة جدة الابن أو امرأته الأخرى. وكذلك إذا أرضعته جدته بلبن فحل
آخر، فإنها تحرم عليه بملاك حرمة أولاد المرضعة عليه.
(مسألة 68): مر انه يجوز لاخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا معه ان
ينكحوا في أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة، شريطة ان لا يكون هناك مانع
آخر من سبب أو نسب، كما إذا كان أولاد أبي المرتضع من امرأة ليست بنتا
لصاحب اللبن، واما إذا كانت بنتا له فلا يجوز، لان أولاده حينئذ كانوا أخوال أو
خالات لهم.
(مسألة 69): سبق ان الحرمة لا تنشر بين حواشي المرتضع وبين
المرضعة وفروعها، ولا بين صاحب اللبن وفروعه، فإذا كان للمرتضع أخ
لم يرتضع معه، جاز له ان يتزوج بالمرضعة أو احدى بناتها، وإذا كان له أخت لم
ترضع معه، جاز لها أن تتزوج بصاحب اللبن أو أحد أبنائه.
37

(مسألة 70): لو تزوج رضيعة يقل عمرها عن سنتين فأرضعتها زوجته
الكبيرة، حرمتا عليه ان كان قد دخل بالكبيرة، اما حرمة الصغيرة فلصيرورتها
بنتا له إذا كان الرضاع بلبنه، واما إذا كا بلبن غيره، فمن جهة إنها صارت بنت
زوجته المدخول بها. واما الكبيرة فلأنها صارت أم زوجة له وهي محرمة، واما
إذا لم تكن مدخولا بها، فحينئذ ان كان الرضاع بلبنه، كما إذا حملت منه بالجذب
أو بطريق آخر فولدت ثم أرضعت زوجته الصغيرة فالحكم منه كما مر، وان كان
الرضاع بلبن غيره، حرمت الزوجة الكبيرة باعتبار انها أم الزوجة، واما
الصغيرة التي هي بنت رضاعية لها، فهل تحرم على زوجها؟
والجواب: انها لا تحرم عليه مؤبدا، واما عقدها فهل ينفسخ، قيل
بالانفساخ، ولكنه لا يخلو عن اشكال ولا يبعد عدم الانفساخ، وان كان
الاحتياط بتحديد العقد عليها في محله بعد ان فارق الكبيرة قبل الدخول بها.
(مسألة 71): لو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة، فأرضعت
إحداهما زوجته الصغيرة بكامل النصاب، ثم أرضعتها الأخرى كذلك، حرمت
الأولى والصغيرة دون الثانية.
(مسألة 72): إذا تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأته الكبيرة بلبنه، حرمن
كلهن، سواء أرضعتهما على نحو الاجتماع أم على التعاقب، اما تحريم الكبيرة
فلأنها أصبحت أم الزوجة له، واما الصغيرتين فلأنهما صارتا ابنتيه، وان
أرضعتهما بلبن غيره، فان كانت الكبيرة مدخولا بها حرمن كلهن أيضا، اما
الكبيرة فبنفس الملاك المتقدم، واما الصغيرتين فلأنهما صارتا بالرضاع ابنتا
زوجته المدخول بها.
38

(مسألة 73): إذا زوج ابنه الصغير بابنه أخيه الصغيرة، ثم أرضعت الأبن
أو الأبنة جدتهما، انفسخ نكاحهما، لان الجدة ان كانت للأب، فحينئذ ان كان
المرتضع الأبن، أصبح عما لزوجته، باعتبار انه صار أخا رضاعيا لأبيه، وان
كانت البنت، أصبحت عمة لزوجها، لأنها صارت أختا لأبيه، وان كانت الجدة
المرضعة جدة للأم، فعندئذ ان كان المرتضع الذكر، أصبح خالا لزوجته، باعتبار
انه صار أخا أمها من الرضاع، وان كان الأنثى أصبحت خالة لزوجها، لأنها أخت
أمه من الرضاع.
(مسألة 74): إذا كان له زوجتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة،
فأرضعت أم الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة، انفسخ نكاحهما معا، باعتبار
ان الصغيرة أصبحت أختا لزوجته الكبيرة، والجمع بين الأختين في النكاح محرم.
(مسألة 75): إذا شك في تحقق شرط من شروط الرضاع المحرم، كما إذا
شك في بلوغ النصاب من العدد وفي الارتضاع من الثدي أو في وقوع الرضاع في
الحولين، كان مقتضى الأصل عدم تحققه.
(مسألة 76): يثبت الرضاع بشهادة اربع نسوة منفردات ليس معهن
رجل، كما يثبت بشهادة عدلين، ولا يثبت بشهادة المرضعة وأمه منفردين أو
منضمتين.
(مسألة 77): إذا أرضعت الأم الرضاعية للولد زوجته الصغيرة من لبن
فحل واحد، حرمت عليه مؤبدا وبطل نكاحها، لأنها صارت أختها الرضاعية و
هي محرمة، كما تحرم عليه أم أمه الرضاعية، لأنها جدته الرضاعية، والفرض ان
الام الرضاعية كالأم النسبية محرمة وان علت و
39

تصاعدت سلسلتها، وهل تحرم أم الأم الرضاعية له على أخيه؟
والجواب: انها لا تحرم عليه، لما مر من ان الحرمة بعنوان أم الام لم تثبت و
انما تثبت بعنوان الأمومة، وعلى هذا فحرمة أم الام في النسب من جهة انها أم لا
بعنوان أم الام، لانه ليس من العناوين المحرمة، واما في الرضاع فبما انها لا تكون
مساوية للام فلا تحرم.
(مسألة 78): الرضاع المحرم كما يمنع من النكاح لو كان سابقا يبطله
لو حصل لاحقا، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعته أمه أو ابنته أو أخته
أو بنت أخيه أو أخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعا كاملا، بطل
نكاحها وحرمت عليه، لصيرورتها بالرضاع أختا أو بنتا أو بنت أخ أو
أخت له.
(مسألة 79): قد تبين مما تقدم ان العلاقة الرضاعية القائمة بالعناصر
الثلاثة:
1 - المرضعة
2 - المرتضع أو المرتضعة
3 - صاحب اللبن
انما توجب نشر الحرمة إذا حصلت بها نفس العناوين المحرمة في الشريعة
المقدسة، وهي كما يلي: الام والبنت والأخت وبنت الأخ وبنت الأخت والعمة
والخالة، فإذا حصلت هذه العناوين المحرمة بالرضاع نشرت الحرمة على
التفصيل الذي قد مر كالحاصل بالولادة، ولا يكفي في نشرها حصول ما لو كان
حاصلا بالولادة، لكان ملازما مع أحد تلك العناوين
40

السبعة كأخت الأخ وأم الأخ وعمة الأخ وهكذا، الا على القول بعموم
المنزلة وهو غير ثابت، نعم قد ثبت التحريم بالتنزيل في باب الرضاع في مورد
واحد، وهو تحريم أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة على أبي المرتضع على ما
مر شرحه.
(مسألة 80): إذا أرضعت المرأة ابن بنتها أو بنت بنتها نصابا كاملا،
حرمت بنتها على زوجها، على أساس ان أولاد المرضعة محرمة على أبي المرتضع.
(مسألة 81): إذا كان له زوجتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة،
فأرضعت ام الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة، انفسخ نكاحهما معا، باعتبار ان
الصغيرة أصبحت أختا لزوجته الكبيرة، والجمع بين الأختين في النكاح محرم، و
اما التحريم بالمصاهرة، وهي علاقة ناشئة من النكاح بين أحد الزوجين وبعض
أقرباء الآخر، فهو يتوقف على تحقق أمرين:
1 - علقة الزواج
2 - القرابة
والرضاع انما يقوم مقام الثاني دون الأول.
(مسألة 82): يستحب ان يختار لرضاع الأولاد المرأة المسلمة المؤمنة
الوضيئة العاقلة العفيفة ذات الأوصاف الحسنة الحميدة، فان لللبن تأثيرا كبيرا
في المرتضع خلقا وخلقا وسجية، كما يشهد به علم الوراثة والتجربة، وتؤكد
على ذلك النصوص الكثيرة.
41

الثالث من أسباب التحريم
اللعان
اللعان، ويثبت به التحريم المؤبد، وكذا يثبت التحريم المؤبد بقذف الزوج
امرأته الخرساء. وفي ثبوت التحريم في قذف زوجته الصماء إشكال بل منع، وان
كان الاحتياط في محله.
الرابع من أسباب التحريم
الكفر
الكفر، فلا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية اجماعا، لا دواما
ولا انقطاعا، وفي الكتابية قولان أظهرهما الجواز في المنقطع. بل في الدائم أيضا، و
ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه، وفي عموم الحكم للمجوسية وان كانت من
الكتابية اشكال، بل لا يبعد عدم جوازه.
(مسألة 83): لا يجوز للمسلمة المرتدة أن تنكح المسلم على الأحوط، و
كذلك للمسلم المرتد أن ينكح المسلمة، ولا يجوز للمسلمة أن تنكح غير المسلم،
ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ في الحال، وكذلك بعد الدخول إذا
ارتد الزوج عن فطرة بل عن ملة أيضا على الأظهر، واما إذا ارتدت المرأة، سواء
كانت عن فطرة أم ملة، فالمشهور على ان انفساخ العقد يتوقف على انقضاء العدة
وفيه اشكال، والاحتياط لا يترك.
(مسألة 84): عدة زوجة المرتد عن فطرة عدة الوفاة، وعدتها عن المرتد
عن ملة عدة الطلاق.
42

(مسألة 85): لو أسلم زوج الكتابية ثبت عقده، ولو أسلمت زوجته دونه
قبل الدخول انفسخ العقد بل بعده أيضا على الأقوى، نعم إذا اسلم زوجها كان له
ان يتزوج بها إذا قبلت.
(مسألة 86): لو كان الزوجان غير كتابيين، فان اسلم الزوج، فالظاهر
بقائه على العقد وعدم انفساخه وإن كان قبل الدخول، وان أسلمت الزوجة
دون الزوج، فالظاهر انفساخ العقد وان كان بعد الدخول.
(مسألة 87): لو أسلم الزوج على أكثر من أربع غير كتابية وأسلمن
فاختار أربعا، انفسخ نكاح البواقي.
(مسألة 88): يصح نكاح المريض إذا دخل، وإذا مات في مرضه ولم
يدخل بطل العقد ولا مهر لها ولا ميراث، سواء مات بمرضه أم بسبب آخر من
قتل أو مرض آخر.
أما إذا مات بعد الدخول بها صح العقد وثبت المهر والميراث، ولو برئ
من مرضه فمات ولم يدخل بها، ورثته وكان لها نصف المهر.
(مسألة 89): لو تزوج امرأة وهي مريضة، فماتت في مرضها أو بعد ما
برئت ولم يدخل بها ورثها، وكان لها نصف المهر.
(مسألة 90): في ارث الزوج لو تزوجها في مرضه، فماتت قبل الدخول
بها، ثم مات الزوج في مرضه اشكال، ولا يبعد عدم الإرث، وان كان الاحتياط
في محله.
(مسألة 91): الظاهر ان النكاح في حال مرض الزوج إذا مات فيه قبل
الدخول بمنزلة العدم، فلا عدة عليها بموته، والظاهر عموم الحكم للأمراض
43

الطويلة التي تستمر سنين أيضا.
(مسألة 92): يجوز للمؤمنة ان تتزوج بالمخالف على كراهية، بل الأحوط
تركه، إلا إذا خيف عليها الضلال فيحرم، ويجوز العكس، إلا إذا خيف الضلال،
ويكره تزويج الفاسق، وتتأكد الكراهة في شارب الخمر.
(مسألة 93): نكاح الشغار باطل على الأحوط، وهو جعل نكاح امرأة
مهر أخرى.
(مسألة 94): يجوز تزويج الحرة بالعبد والهاشمية بغيره والعربية
بالعجمي وبالعكس.
(مسألة 95): لا يجوز التعريض بالخطبة لذات البعل ولا لذات العدة
الرجعية، ويجوز للمعتدة البائنة، وكذا من الزوج لها إلا أن تكون محرمة أبدا
عليه أو تحتاج إلى محلل.
الفصل الرابع: في عقد المتعة
ويشترط فيه الايجاب مثل أن تقول المرأة:
متعتك أو زوجتك أو أنكحتك نفسي، والقبول من الرجل مثل أن يقول:
قبلت، ويشترط فيه ذكر المهر، كما يشترط فيه أيضا ذكر أجل معين كشهر أو
شهرين أو سنة أو أقل أو أكثر، وقد تسأل هل يصح ان يجعل الاجل فترة زمنية
محددة لا تقل عن العمر الطبيعي للزوجين؟
44

والجواب: الظاهر انه لا مانع منه، وهل يترتب عليه حينئذ احكام عقد
الدوام أو انه متعة، وتترتب عليه احكامها؟
والجواب: انه متعة، ولا تترتب عليه احكام الدوام، على أساس انهما
مختلفان ثبوتا بالاطلاق والتقييد في مقام الانشاء، فلا يمكن رجوع أحدهما إلى
الآخر.
(مسألة 96): لو نسي ذكر الأجل في التمتع واعتبر زوجية المرأة بدونه
انعقد دائما، على أساس ان الزوجية في عقد التمتع حصة خاصة منها وهي
الزوجية في فترة زمنية محددة، فإذا نسي العاقد أنشأ تلك الحصة من الزوجية و
انشاء الزوجية المطلقة كان العقد دائميا، وليس هذا من انقلاب التمتع إلى الدوام بل
هو على القاعدة، وبكلمة ان قصد الدوام والاطلاق غير معتبر في العقد الدائم،
فان المعتبر فيه قصد طبيعي الزوجية وعدم قصد تخصصها بخصوصية خاصة،
كسنة أو شهر أو أسبوع أو غير ذلك، ولا فرق فيه بين ان يكون عدم قصد
الخصوصية عامدا وملتفتا أو ناسيا وغافلا، لان الاطلاق لا يحتاج إلى القصد،
لأنه امر عدمي، على أساس ما بنينا عليه من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من
تقابل الايجاب والسلب.
(مسألة 97): لا يصح عقد المتعة على غير الكتابية من الكفار، والأمة
على الحرة من دون إذنها، وبنت الأخ والأخت من دون إذن العمة والخالة، و
الأولى ترك المتعة بالزانية، وإذا كانت مشهورة بالزنا، فالأحوط لزوما ترك التمتع
بها.
(مسألة 98): لا تنحصر المتعة في عدد، فيجوز التمتع بما شاء الرجل من
النساء، كما لا ينحصر ملك اليمين في عدد، ولا حد للمهر قلة وكثرة، ويجوز
45

أن يكون المهر عملا كخياطة ثوب أو تعليم كتابة ونحوهما، كما يجوز أن يكون
حقا قابلا للانتقال كحق التحجير، ولو وهبها المدة قبل الدخول، ثبت نصف المهر
على الأظهر، ولو ماتت أو مات أو انقضت المدة لم ينقض منه شيء وان كان قبل
الدخول.
(مسألة 99): تملك المتمتع بها تمام المهر بالعقد وتسليم نفسها للاستمتاع
بها، لكنها لو أخلت ببعض المدة سقط من المهر بنسبته، ولا فرق بين كون
الاخلال لعذر أو غيره عدا أيام الحيض ونحوها مما يحرم عليه فيها الوطء. و
المدار في الاخلال على الاستمتاع بالوطء دون غيره من أنواع الاستمتاع، فلو
أخلت به مع التمكين من الوطء لم يسقط من المهر شيء، ولو لم تحضر في بعض
المدة لعجزه عن الاستمتاع بالوطء، ففي سقوط بعض المهر إشكال بل منع.
(مسألة 100): لو ظهر بطلان العقد اما بأن تبين ان لها زوجا أو أنها كانت
أخت زوجته أو أمها من الرضاع، فلا مهر لها قبل الدخول، واما بعد الدخول،
فان كانت المرأة جاهلة بالحال، فهل لها مهر المسمى أو المثل أو أقل الامرين؟
والجواب: الظاهر هو الثاني، على أساس ان العقد كان فاسدا، والوطي في
فترة قبل ظهور الحال كان وطء شبهة، فاذن يكون الواجب دفع مهر مثل وطء
في هذه الفترة إليها، واما إذا كانت عالمة بالحال، فلا مهر، لانها بغي
ولا مهر للبغي.
(مسألة 101): يلحق الولد بزوج المتمتع بها إذا وطأها وإن كان قد عزل، و
يلحق بالوطء الأنزال في فم الفرج، وليس للزوج حينئذ نفي الولد مع احتمال
تولده منه، ولو نفاه جزما انتفى ظاهرا بلا لعان إلا إذا كان قد أقر به
46

سابقا، وكذا الحكم في الأمة، على أساس انه لا يلاعن الرجل المرأة التي
يتمتع منها، كما يلاعن الحر الأمة ولا الذمية.
(مسألة 102): لو أبرأها المدة على ان لا تتزوج فلانا صح الابراء وصح
الشرط، فيجب عليها الوفاء به، لكنها لو تزوجت منه ولو عصيانا، صح زواجها
على الأظهر.
(مسألة 103): لو صالحها على ان يبرئها المدة وان لا تتزوج بفلان صح
الصلح، وجب عليه الابراء، فان امتنع أجبره الحاكم، فان تعذر تولاه الحاكم، و
لا يجوز لها ان تتزوج بفلان، لكنها إن تزوجت به صح التزويج، وان كانت
المصالحة على أن تتزوج بفلان وجب ذلك عليها، فان امتنعت أجبرها الحاكم،
فان تعذر اجبارها زوجها الحاكم منه، ولو صالحها على أن تكون بريئة من المدة
بنحو شرط النتيجة، صحت المصالحة، ولو أبرأها معلقا على شيء، مثل ان لا
تتزوج من فلان مثلا أو مطلقا، بطل الابراء.
(مسألة 104): تعتد الحائل بعد الأجل أو بعد الابراء بحيضتين كاملتين ولا
يكفي حيضة واحدة، ولا حيضة ودخول في الحيضة الثانية والوصول إلى
نصفها، فان كانت في سن من تحيض ولا تحيض فبخمسة وأربعين يوما، وفى
الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حرة، وإن كانت أمة اعتدت بشهرين
وخمسة أيام، وتعتد الحامل بأبعد الأجلين من المدة ووضع الحمل إن كان
الاعتداد للوفاة، بل لغيرها أيضا على الأحوط.
(مسألة 105): لا يصح للزوج تجديد العقد على المتمتع بها دائما أو منقطعا
قبل انقضاء الأجل، على أساس انه ان جدد العقد فعلا، فهو تحصيل الحاصل، و
ان جدده معلقا على انقضاء الأجل، فهو تعليق.
47

(مسألة 106): إذا اختلف الزوجان في الدوام والانقطاع، لم يبعد تقديم
قول مدعي الدوام بيمينه ان لم تكن بينة على الانقطاع.
(مسألة 107): هل يجوز جعل المدة منفصلة عن العقد، فيتزوجها متعة
شهرا معينا متأخرا عن العقد بشهر مثلا؟
والجواب: لا يبعد جوازه وان كان الاحتياط في محله.
(مسألة 108): يجوز للمتمتع بها أن تشترط على زوجها ان لا يدخل بها، و
يجب عليه الوفاء بالشرط، ولكنها إذا أسقطت الشرط، جاز له ذلك.
(مسألة 109): يجوز التمتع بالصغيرة وإن كانت المدة قليلة، لجواز
الاستمتاع بها بغير الوطء، وانما لا يجوز الدخول بها قبل بلوغها.
(مسألة 110): العقد متعة للصغير لمدة لا تكون قابلة للاستمتاع فيها، هل
يصح؟
والجواب: ان الصحة غير بعيدة، وان كان الاحتياط بترك المتعة له في
محله.
(مسألة 111): يجوز لولي الصغير إبراء المدة إذا كانت فيه مصلحة للصبي.
(مسألة 112): لا تجب نفقة الزوجة المتمتع بها على زوجها، إلا إذا اشترط
ذلك في عقد المتعة أو في ضمن عقد آخر لازم.
(مسألة 113): لا طلاق ولا لعان في المتعة، ولا توارث بينهما، إلا إذا
اشترط ذلك لهما أو لأحدهما، ومع الاشتراط ينفذ الشرط.
48

الفصل الخامس
في جواز الاستمتاع بالإماء ونكاحهن
(مسألة 114): يجوز وطء الأمة بالملك وسائر الاستمتاعات بها،
كالزوجة إذا لم تكن محرمه عليه بسبب ما، كما إذا كانت موطوءة الأب أو الابن
أو كانت منظورة أو ملموسة له بشهوة، ولا فرق في الأمة بين أن تكون مسلمة
أو كافرة، وقد تسأل هل يجوز وطء الأمة إذا كانت مشركة أو مرتدة أو لا؟
والجواب: الأقرب الجواز.
(مسألة 115): لا يجوز للعبد والأمة أن يعقدا لأنفسهما بغير إذن المولى،
فان فعل أحدهما ذلك، وقف على الإجازة.
(مسألة 116): لو أذن المولى في العقد للعبد، فالمهر والنفقة على المولى، و
يستقر المهر بالدخول.
(مسألة 117): لو تزوج عبد بأمة لغير مولاه، فالمعروف انه ان كان باذن
السيدين سابقا أو لاحقا فالولد لهما، وكذا لو لم يأذنا، ولو أذن أحدهما فقط،
فالولد للآخر مع جهل الزوجين بالحرمة في الصورتين، ولكن الخروج في الصور
الثلاث عن قاعدة تبعية الولد للأم في الملك لا يخلو من تأمل.
(مسألة 118): لو كان أحد الزوجين حرا فالولد مثله، ولو اشترط المولى
رقيته، فالأقوى إلغاء شرطه.
(مسألة 119): لو تزوج الحر الأمة من دون إذن المولى عالما، فهو زان و
49

الولد رق للمولى، ولو كان جاهلا سقط الحد دون المهر، وعليه قيمة الولد
لمولاها يوم سقوطه حيا، وكذلك الحكم لو ادعت الأمة الحرية، وعلى الأب فك
أولاده، ويلزم المولى دفعهم إليه، ولو عجز سعى في القيمة، ومع عدم الدخول لا
مهر.
(مسألة 120): لو تزوجت الحرة بعبد عالمة من دون إذن المولى، فلا مهر لها
والولد رق، ومع الجهل كان الولد حرا على المشهور ولا قيمة عليها، وعلى العبد
المهر يتبع به بعد العتق مع الدخول.
(مسألة 121): لو زنى الحر أو المملوك بمملوكه، فالولد لمولاها.
(مسألة 122): لو اشترى الزوج جزءا من زوجته بطل العقد، وتحل
بالتحليل من الشريك على قول قوي، ولو اشترت الزوجة زوجها أو جزءا منه،
بطل عقد النكاح بينهما.
(مسألة 123): لو أعتقت الأمة المزوجة، كان لها فسخ النكاح ان كان
زوجها رقا.
(مسألة 124): يجوز جعل العتق مهرا لمملوكته، سواء قدم العتق أم قدم
النكاح، والأولى تقديم النكاح، وإذا قدم العتق فليعطها شيئا للمهر.
(مسألة 125): أم الولد رق، ولا يجوز بيعها إلا في ثمن رقبتها إذا لم يكن
غيرها على تفصيل، وتنعتق بموت المولى من نصيب الولد، ولو عجز النصيب
سعت في قيمتها.
(مسألة 126): إذا بيعت الأمة المزوجة كان للمشتري فسخ النكاح، وكذا
إذا بيع العبد المزوج، ومع فسخ مشتري الأمة قبل الدخول لا مهر،
50

ولو أجاز قبله أو بعده، فالمهر للبائع.
(مسألة 127): إذا زوج المولى عبده بحرة أو أمة لغيره، فالطلاق بيد العبد،
ولو كان العبد والأمة لواحد، فالطلاق والفسخ بيد المولى.
(مسألة 128): يحرم لمن زوج أمته وطؤها ولمسها والنظر إليها بشهوة،
ما دامت في حبال الزوج، وكذلك إذا كانت في العدة.
(مسألة 129): ليس لأحد الشريكين وطء الأمة المشتركة بالملك، ويجوز
بالتحليل من شريكه كما سبق.
(مسألة 130): يجب على مشتري الجارية من الرجل استبراؤها بحيضه إذا
لم يستبرئها البائع، إلا إذا علم بعدم كونها موطوءة، وتقدم تفصيل ذلك في مسائل
بيع الحيوان.
(مسألة 131): لو اعتقها مولاها، جاز وطؤها بالعقد من غير استبراء، إلا
إذا علم كونها موطوءة بالوطء الصحيح، فان الأحوط لزوجها الاستبراء حينئذ.
(مسألة 132): لو حلل أمته لغيره، حلت له ولو كان مملوكه،
ولا يشترط فيه تعيين مدة ولا ذكر مهر ولا نفقة لها عليه،
ولا سلطان له عليها، وليس هو عقد نكاح ولا تمليك انتفاع ولا تمليك منفعة،
بل هو إذن في الانتفاع داخل في ملك اليمين، بأن يكون المراد منه ما يعم ذلك،
فتجري عليه أحكامه الثابتة له بما هو عام.
(مسألة 133): يختص التحليل بالإماء، ولا يجوز للحرة أن تحلل نفسها
لأحد، ولا تحل له بذلك.
51

(مسألة 134): إذا اطلق المالك التحليل حل للمحلل له جميع
الاستمتاعات، وان خصصه بمعين اختص الحل به ولا يحل ما سواه، ومع حرية
المحلل له ينعقد الولد حرا.
الفصل السادس
في العيوب الموجبة لخيار الفسخ
(مسألة 135): اما عيوب الرجل التي توجب الخيار للزوجة في فسخ عقد
الزواج فهي أربعة:
1 - الجنون: وإن تجدد بعد العقد، والوطء مع جهل المرأة، واما مع علمها
بالحال فلا خيار لها.
2 - العنن: وان تجدد بعد العقد، لكن لو تجدد بعد العقد والوطء - ولو مرة
واحدة - لم يوجب الخيار.
3 - الخصاء: إذا سبق على العقد مع تدليس الزوج وجهل الزوجة به، و
اما مع علمها به فلا خيار لها، كما انها لو رضيت به بعد ظهور الحال سقط خيارها
وليس لها الفسخ وان ندمت بعد ذلك، وإذا تجدد الخصاء بعد العقد وقبل الوطء
فهل يوجب الخيار؟
والجواب: الظاهر انه لا يوجب الخيار.
4 - الجب: وهو قطع الذكر بنحو لا يقدر معه على الوطء أصلا إذا سبق
52

على العقد أو تجدد قبل الوطء، أما إذا كان بعد الوطء ولو مرة واحدة، فالأقوى
انه لا يقتضي الخيار.
(مسألة 136): اما عيوب المرأة التي توجب الخيار للزوج في فسخ العقد
فهي سبعة: الجنون والجذام والبرص والقرن يقال له العفل، وهو لحم ينبت في
فم الرحم يمنع من الوطء، ومثله الرتق وهو التحام الفرج على وجه لا يبقى
مدخل فيه للذكر، والافضاء والعمى والاقعاد ومنه العرج البين وان لم يبلغ حد
الاقعاد، ويثبت الخيار للزوج فيما إذا كان العيب سابقا على العقد، وفي ثبوته في
المتجدد بعد العقد وقبل الوطء إشكال، والأحوط وجوبا إذا أراد الانفصال عنها
ان يطلقها أو يجمع بينه وبين الفسخ، وقد تسأل ان المرء إذا دخل على زوجته
جاهلا بالحال وقبل ان يجامعها علم بالعيب، فحينئذ ان رضى بها قبل المجامعة
سقط خياره، وان لم يعلم به الا بعد ما جامعها، فهل يسقط خياره أو لا؟
والجواب: الظاهر سقوط خياره.
(مسألة 137): الخيار من جهة العيب في الرجل أو المرأة يثبت في الدائم و
المنقطع، والأظهر انه ليس على الفور، فلا يسقط بالتأخير.
(مسألة 138): ليس الفسخ بالطلاق، ولا مهر مع فسخ الزوج قبل
الدخول، وللزوجة المسمى بعده، ويرجع به على المدلس ان كان، وإن كانت هي
المدلسة نفسها، فلا مهر لها، كما لا مهر لها مع فسخها قبل الدخول، إلا في العنة،
فيثبت نصفه للنص الخاص به.
(مسألة 139): إذا وقع الخلاف بين الزوج والزوجة فادعى الزوج فيها
الغفل أو الرتق أو الافضاء، والزوجة أنكرت ذلك العيب فيها، فالقول قول
53

الزوجة مع اليمين، ولا طريق للزوج إلى اثبات ذلك بالبينة، لانها من
العيوب التي لا يمكن الاطلاع عليها، الا من طريق اخبار نفس المرأة بها، نعم في
العيوب التي يمكن الاطلاع عليها، فبامكان المدعي إقامة البينة عليها.
(مسألة 140): إذا اختلف الزوج والزوجة فادعى الزوج الوطء بها،
وادعت الزوجة العنن فيه وعدم قدرته على الوطء، وحينئذ فان كانت الزوجة
ثيبا، فالقول قول الزوج عليه ان يحلف بأنه لقد جامعها، وان كانت بكرا، فعليها
ان تقيم البينة على ذلك من النساء الموثوقات، فان شهدن على انها عذراء، فعلى
الحاكم الشرعي ان يؤجله سنة، فان وصل إليها من خلال السنة جماعا، وإلا
فيقرق بينهما ولها نصف المهر، وان لم تكن لها بنية على ذلك، أو ان الزوج ادعى
وطيها دبرا، فعليه الحلف، فان حلف حكم بعدم جواز التفريق، واما إذا كان
الزوج عنينا فعلا ولا يقدر على الوطء
ولا يدعى ذلك، فعلى الزوجة ان ترفع الامر إلى الحاكم الشرعي وهو بعد رفع
الامر اليه يؤجل العنين إلى سنة، فان وطأها أو وطأ غيرها فلا فسخ، والا
فسخت ان شاءت ولها نصف المهر، وإن رضيت ان تقيم معه ثم طلبت الخبار بعد
ذلك، فقد سقط الخيار عنها ولا خيار لها، واما إذا امتنع الزوج من الحضور عند
الحاكم، جرى عليه حكم التأجيل غيابيا، فإذا انتهى الأجل ولم يقدر على الوطء
في هذه الفترة، فلها الفسخ إذا أرادت، ولا يتوقف على إذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 141): لو تزوجها على انها حرة فبانت أمة، فله الفسخ، ولا مهر
إلا مع الدخول، فيرجع به على المدلس، فان لم يكن المدلس مولاها، كان له
عشر قيمتها ان كانت بكرا وإلا فنصف العشر.
(مسألة 142): لو تزوجته على انه حر فبان عبدا، فلها الفسخ، ولها المهر
54

بعد الدخول لا قبله، وكذا إذا قال أنا من بني فلان فتزوجته على ذلك، فبان أنه
من غيرهم.
(مسألة 143): لو تزوجها على أنها بكر فبانت ثيبا، لم يكن له الفسخ. نعم
ينقص من المهر بمقدار ما به التفاوت بين البكر والثيب للنص الصحيح، ولا
يثبت الأرش في غير ذلك من العيوب.
الفصل السابع: في المهر
(مسألة 144): المرأة تملك المهر بالعقد، ويسقط نصفه بالطلاق قبل
الدخول، وكذا في موت أحدهما على الأظهر، ولو دخل بها قبلا أو دبرا استقر
المهر، وكذا إذا أزال بكارتها بإصبعه من دون رضاها.
(مسألة 145): إذا أزال غير الزوج بكارة المرأة باكراها بالوطء أو بغيره،
كان عليه مهر المثل بكرا.
(مسألة 146): يصح أن يكون المهر عينا أو دينا أو منفعة، ويجوز أن يكون
من غير الزوج، ولو طلقها الزوج قبل الدخول حينئذ رجع إليه نصف المهر لا إلى
الزوج.
(مسألة 147): لا يتقدر المهر قلة ولا كثرة، ولابد فيه من أن يكون
متعينا وإن لم يكن معلوما بالوصف أو المشاهدة، ولو أجله وجب تعيين
الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك، ولو كان
الأجل مبهما بحتا مثل إلى زمان ما أو ورود مسافر ما، صح العقد وصح المهر
55

أيضا على الأظهر، وسقط التأجيل.
(مسألة 148): لو لم يذكر المهر صح العقد، وكان لها مهر المثل مع الدخول،
وإذا طلقها قبل الدخول، فتستحق عليه ان يعطيها شيئا بحسب حاله من الغنى أو
الفقر واليسار والاعسار من دينار أو درهم أو ثوب أو غير ذلك، ويقال لذلك
الشئ المتعة، بل يصح العقد لو صرحت المرأة بعدم المهر، بأن قالت زوجتك
نفسي بلا مهر وقال الرجل قبلت صح، ويقال لها ذ العقد تفويض البضع وللمرأة
مفوضة البضع، ولو مات أحدهما قبل الدخول، فلا مهر ولا متعة، كما انه لو فسخ
العقد لسبب أو آخر قبل الدخول، لم تستحق شيئا لا مهر ولا متعة.
(مسألة 149): لو وطأ امرأة شبهة، كان لها مهر المثل، سواء أكان الوطء
بعقد باطل أو بلا عقد.
(مسألة 150): لو تزوجها بتفويض تعيين المهر وتقديره إلى أحد الزوجين
صح، ويلزم ما يحكم به ويعينه من له الحكم، فان كان الزوج فله أن يحكم بما شاء
بدون ان يتقدر بقدر لا في طرف الكثرة ولا في طرف القلة، وان كان الزوجة فلها
ان تحكم بما شائت في طرف القلة، واما في طرف الكثرة فحكمها بالمهر مشروط
بان لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم، ولو مات الحاكم قبل الحكم و
قبل الدخول فلها المتعة، وبعد الدخول فلها مهر المثل اى مثل هذه المرأة في
الصفات من السن والعفة والبكارة أو الثيب والعقل والأدب والكمال والجمال
وغير ذلك ان كان الحكم موكولا إلى الزوج، واما ان كان موكولا إلى الزوجة فلا
يبعد أن يكون مهر السنة.
56

(مسألة 151): لو تزوجها على خادم أو دار أو بيت من دون تعيين، كان
مهرها الحد المتوسط منها. ولو قال: على السنة فخمسمأة درهم.
(مسألة 152): لو تزوج الذميان على خمر صح، فان أسلما قبل القبض
فللزوجة القيمة، وان أسلم أحدهما قبله، فالظاهر لزوم القيمة أيضا،
ولو تزوج المسلم عليها، ففيه أقوال، أقواها صحة العقد وثبوت مهر المثل مع
الدخول بها، ولو أمهر المدبر بطل التدبير.
(مسألة 153): لو شرط في العقد محرما بطل الشرط دون العقد، ولو اشترط
أن لا يخرجها من بلدها لزم الشرط، ويجوز أن تشترط الزوجة على الزوج في
عقد النكاح أو غيره أن لا يتزوج عليها، ويلزم الزوج العمل به، ولكن لو تزوج
صح تزويجه، كما يجوز أن تشترط الوكالة على طلاق نفسها عند ارتكابه بعض
الأمور، من سفر طويل أو جريمة موجبة لحبسه أو غير ذلك، فتكون حينئذ
وكيلة على طلاق نفسها، ولا يجوز له عزلها، فإذا طلقت نفسها صح طلاقها.
(مسألة 154): القول قول الزوج في قدر المهر، ولو أنكره بعد الدخول،
لزمه أقل الامرين مما تدعيه الزوجة ومهر المثل، ولو إدعت المواقعة وأنكرها
الزوج، فالقول قوله مع يمينه.
(مسألة 155): لو زوج الأب ابنه الصغير، ضمن المهر ان لم يكن للولد مال،
وإلا كان المهر على الولد.
(مسألة 156): للمرأة الامتناع من التمكين قبل الدخول حتى تقبض المهر،
إلا أن يكون المهر موجلا، فلا يجوز لها الامتناع وإن حل الاجل، ولا فرق بين
الموسر والمعسر، وإذا مكنت من نفسها فليس لها الامتناع بعد ذلك
57

لأجل ان تقبض المهر، فلو امتنعت حينئذ صارت ناشزا.
(مسألة 157): لا يجوز للرجل ان يتصرف في صداق ابنته إذا كانت بالغة
رشيدة من دون إذنها، فلو قبض أبوها صداقها من زوجها ثم مات، فان كان
وكيلا عنها في ذلك، فليس لها ان تطالب زوجها به، وان لم يكن وكيلا من قبلها
فلها ان تطالبه، فإذا أدى الصداق لها، فللزوج ان يرجع إلى ورثة أبيها ويطالبهم
ببدل ما أخذ أبوهم منه إذا لم تكن عينه موجودة.
(مسألة 158): إذا جعل المهر من الأغنام كخمسين شاة مثلا ثم أرسل
الأغنام إلى المرأة، وبعد ذلك طلقها قبل ان يدخل بها وقد ولدت الأغنام، فهل
يرجع بنصفها ونصف أولادها أو لا؟
والجواب: ان حمل الأغنام ان كان عنده رجع بنصفها ونصف أولادها، و
ان لم يكن الحمل عنده، رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشيء،
ومن هنا يظهر انه لو حصل للمهر نماء بعد العقد كان لها خاصة، وإذا
طلقها قبل الدخول، استحق نصف ما وقع عليه العقد، ولا يستحق من النماء
شيئا.
(مسألة 159): يسوغ للمرأة أن تبرأ ذمة زوجها من المهر إذا شائت، وهل
لها ذلك في مرض موتها أيضا؟
والجواب: ليس لها ذلك في مرض موتها، نعم لو وهبت له في هذه الحالة
عن حد كانت الهبة نافذة في ثلثها فحسب.
(مسألة 160): قد تسأل هل يجوز ان يجعل أبو المرأة شريكا في المهر، بان
يجعل له شيئا معينا؟
58

والجواب: لا يصح ذلك، ولا يستحق الأب شيئا من المهر، نعم يجوز
للأب أو الام أو الأخت من أقارب البنت ان يأخذ شيئا من الزوج لقاء عمل
كارضاء البنت على الزواج معه والسعي في رفع بعض الموانع وغير ذلك من
العوائق، فإذا بذل المال له إزاء قيامه بهذه العملية وقام بها وأرضى البنت
بالزواج معه وتزوج بها، فليس له بعد ذلك استرجاع المال منه وان كان موجودا
بعينه، اجل لو بذل المال له مجانا بطيب نفسه بغاية جلب خواطره وارضائه و
تحبيب البنت، فإذا أراد استرجاعه منه بسبب أو آخر، جاز له ذلك ما دام المال
موجودا، نعم لو أعطى المال له لا بطيب نفسه، بل من أجل انه لو لم يعط لكان
مانعا عن زواجه بالبنت مع انها راضية به، جاز له أخذه منه عينا ان كان موجودا
، والا فبدله من المثل أو القيمة بأي طريق متاح له وان كان تقاصا، كما لا يجوز له
اخذ المال منه كذلك وتصرفه فيه.
(مسألة 161): إذا ابرأت الزوجة ذمة الزوج عن الصداق بأكمله، ثم ان
الزوج بسبب من الأسباب طلقها قبل الدخول بها، فهل له ان يطالبها بنصف
الصداق؟
والجواب: نعم له ذلك، وعلى الزوجة ان ترد النصف اليه، وكذلك الحال
إذا كان الصداق عينا خارجيا، كما إذا كان الف دينار مثلا وسلمه الزوج إلى
الزوجة بعد العقد ثم وهبته الزوجة تمام المبلغ، وبعد ذلك طلقها بسبب أو آخر
قبل الدخول بها، فله ان يرجع إليها ويطالبها بنصف الصداق، واما إذا أبرأته
النصف ثم طلقها قبل ان يدخل بها، فله النصف الباقي إذا كان موجودا، وإلا فبدله
من المثل أو القيمة.
59

الفصل الثامن: في القسمة والنشوز
(مسألة 162): قد تسأل هل تجب القسمة بالمبيت ابتداء بالسوية بين
الزوجات إذا كن أربعا؟
والجواب: ان الوجوب لا يخلو عن قوة، نعم إذا كن اقل من اربع جاز
التفاضل بينهن، فإذا كان عند الرجل امرأتان فله ان يبيت عند إحداهما ثلاث
ليال وعند الأخرى ليلة، وإن كان الأولى والا فضل التسوية وترك التفاضل، و
على هذا فإذا كانت عنده زوجة واحدة، وجب عليه المبيت عندها ليلة من اربع
ليال دون أكثر، وإذا كانت زوجتان، وجب عند كل واحدة منهما ليلة وهكذا، و
بكلمة ان كانت عنده اربع نساء، وجب عليه ان يبيت عند كل واحدة منهن ليلة
واحدة، وإذا كانت عنده ثلاث نساء، فهو حر في ليلة واحدة يضعها حيث يشاء،
وإذا كانت عنده اثنتان، فهو حر في ليلتين باقيتين، وإذا كانت عنده زوجة
واحدة، فهو حرفي ثلاث ليال الباقية.
(مسألة 163): يجوز للمرأة اسقاط حقها من القسم بعوض ومجانا، فإذا
خافت المرأة من زوجها نشوزا أو خافت ان يتزوج عليها أو يطلقها، جاز لها
اسقاط حق المبيت عنه أو شيء من نفقتها في مقابل انه لا يفعل ذلك، وإذا كانت
عنده زوجات متعددة لو وهبت إحداهن حق المبيت عندها، فهو حر في وضع
ليلتها حيث شاء، واما لو وهبته لضرتها فصار الحق لها، وحينئذ فهل يجب عليه
ان يبيت عندها ليلتين ليلة بالأصالة وليلة بالهبة؟
60

والجواب: انه لا يجب عليه الا إذا كان يقبل الهبة، وقد تسأل هل يجوز
اشتراط اسقاط حق القسم على المرأة في عقد النكاح أو لا؟
والجواب: نعم، فإذا اشترط وجب عليها الوفاء به بعد العقد، وهل يصح
اشتراط ذلك بنحو شرط النتيجة؟
والجواب: انه غير بعيد، لعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط وعدم
قصوره عن شمول ذلك، نعم لا يصح اشتراط عدم ثبوت هذا الحق لها شرعا،
فإنه شرط مخالف للكتاب والسنة، ثم ان المراد من المبيت عندها في مقابل
هجرها في المضاجع.
(مسألة 164): لا يجب على الزوج المبيت عند الزوجة من أول الليل إلى
الصبح، فان الواجب هو المبيت بالقدر المتعارف والمعتاد لدى الناس في كل بلد و
زمن، بحيث لا ينافيه بقائه خارج البيت بالمقدار المتعارف عادة كساعة أو
ساعتين أو أكثر، وكذا إذا كان ذلك اتفاقيا من اجل شغل وعمل، نعم إذا كان
الزوج حاضرا في البلد ولم يكن مسافرا، ومع ذلك كان يبقى في خارج البيت
أكثر من المقدار المعتاد والمتعارف بدون اي مبرر وموجب، فإنه لا يجوز في
قسمتها الا برضاها.
(مسألة 165): إذا تزوج حرة وأمة أو كتابية كان للحرة ليلتان من ثمان
ليالي وللأمة أو الكتابية ليلة من الثمان، واما في الخمس الباقية، فهو حر يضعها
حيث يشاء، وإذا تزوج بامرأة متعة فلا قسمة لها وان كانت متعددة، كما انه لا
قسمة للموطوءة بالملك، وإذا تزوج بامرأة وكانت عنده زوجة، فان كانت المرأة
بكرا، فليفضلها بسبع ليالي، وان كانت ثيبا فبثلاث، ويجوز التفضيل بين
الزوجات في الانفاق، وان كان الأولى والأفضل العدل فيه.
61

(مسألة 166): لو تزوج أربعا مرة واحدة، فهل الترتيب بينهن في المبيت
عند التشاح بالقرعة، أو انه بيد الزوج؟
والجواب: الظاهر انه بيد الزوج، على أساس ان له الولاية على القسمة و
المخاطب بها.
(مسألة 167): قد تسأل هل تسقط القسمة عن المسافر ما دام في السفر أو
لا؟
والجواب: انها تسقط عنه، سواء كان السفر لغرض ديني أم دنيوي، ولا
يجب عليه أن يستصحب معه احدى زوجاته، كما لا يجب عليه قضاء ما فات عنه
من المبيت عندهن، وبكلمة ان القسمة انما تجب عليه إذا كان عندهن لا مطلقا.
(مسألة 168): يجب على الزوجة التمكين والإطاعة من الزوج وإزالة
العوائق والمنفر عن ذلك، وإذا خاف النشوز منها كما إذا ظهرت اماراته، مثل
تغيير العادة والآداب في العمل والقول وسوء التعامل حتى في الحقوق الواجبة
عليها، قام الزوج بوعظها وهجرها في المضاجع، فان رجعت إلى الطاعة فهو
المطلوب، والا فله ان يقوم بضربها بما لا يستلزم الكسر ولا الادماء، ولو خافت
المرأة من نشوز زوجها، فلها مطالبته بحقوقها، كما ان لها ان تتنازل عن بعض
حقوقها أو كلها كالقسمة أو النفقة بغاية الاستمالة وإزالة المنفر، ويحل للزوج
قبول ذلك.
(مسألة 169): لو كره كل منهما صاحبه وخشي الشقاق بينهما، بعث الحاكم
حكما من أهل الزوج وحكما من أهل المرأة للاصلاح ورفع التنافر والشقاق بما
رأياه من الصلاح في الجمع أو الفراق، ووظيفتهما البحث والاجتهاد
62

والتحري عما هو السبب والعلة للشقاق بينهما، ثم يسعيان في اصلاح
أمرهما بما هو الأصلح، فإذا استقر عليه رأيهما فيه وحكما به نفذ على الزوجين، و
كان عليهما الرضا به شريطة ان يكون سائغا، كما لو شرطا على الزوج ان يسكن
الزوجة في البلد الفلاني أو المحلة الفلانية أو مسكن خاص أو عند أبويها أو لا
يسكن معها أقاربها من أمها أو أختها وهكذا، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر
المعجل إلى اجل أو تنازل من بعض حقوقها، واما إذا اتفق الحكمان على التفريق
بينهما، فليس لهما ذلك من دون الرجوع اليهما واستئمارهما في امر الطلاق و
البذل، فان اتفق الزوج والزوجة على ذلك فهو المطلوب، وان اختلفا في هذا فان
كان النشوز والتقصير من الزوجة، فعليها ان تصبر مع زوجها، وان كان التقصير
منهما فعليهما ذلك.
(مسألة 170): قد تسأل هل يصح ان يكون الحكمان من غير أهل الطرفين
أو لا؟
والجواب: الظاهر انه لا يصح إذا أمكن كونهما من أهل الطرفين، واما إذا
تعذر ذلك بسبب من الأسباب، فيجوز اختيارهما من غير أهلهما.
الفصل التاسع: في أحكام الأولاد
(مسألة 171): يلحق ولد المرأة بزوجها في الدائم والمنقطع
بشروط:
الأول: الدخول مع العلم بالانزال أو احتماله أو الانزال على فم
63

الفرج.
الثاني: مضي ستة اشهر من حين الوطء ونحوه.
الثالث: عدم التجاوز عن أقصى الحمل، وهو تسعة أشهر أو عشرة أشهر
أو سنة، والمشهور الأول ولكن لا يبعد القول الأخير.
(مسألة 172): لو غاب الزوج أو اعتزل زوجته أكثر من أقصى الحمل ثم
ولدت، لم يلحق الولد به.
(مسألة 173): القول قول الزوج في عدم الدخول، ولو اعترف به ثم أنكر
الولد، لم ينتف الا باللعان في الدائم.
(مسألة 174): لا يجوز للزاني إلحاق ولد الزنا به وإن تزوج بأمة بعد الزنا،
وكذا لو زنى بأمة فأحبلها ثم اشتراها.
(مسألة 175): لو تزوجت الحرة أو الأمة بآخر بعد طلاق الأول وأتت
بولد لأقل من ستة أشهر من عقد الثاني ودخوله بها فهو للأول، ويظهر كون
عقد الثاني في العدة، فتحرم عليه مؤبدا، وان كان الاتيان به لستة اشهر فصاعدا
من دخوله بها فهو للأخير، سواء أمكن كونه للأول، بأن لم تتجاوز أقصى مدة
الحمل من وطء الأول، أم لم يمكن بأن تجاوز المدة المذكورة من وطئه، ولو كان
الاتيان بولد لأقل من ستة أشهر من الثاني وأكثر من أقصى الحمل من وطء
الأول، فليس الولد لهما، وكذا الأمة لو بيعت بعد الوطء بالملك أو التزويج،
فوطأها المشتري أو زوجت، فوطأها الزوج.
(مسألة 176): إذا طلقت المرأة، فوطأها رجل في غير العدة الرجعية
شبهة وولدت المرأة بعد ذلك، فهل يلحق الولد بالمطلق أو الواطي أو يقرع
64

بينهما؟
والجواب: الأظهر هو الثاني، لان قاعدة الولد للفراش لا تنطبق على
المقام، باعتبار انها في مقابل العاهر وهو الزاني، والمفروض فيه ان وطء كل منهما
المرأة كان حلالا ويلحق به الولد، فلا ترجيح حينئذ لالحاقه بأحدها دون
الآخر، وكذا الحكم في المتمتع بها إذا وهبها زوجها المدة أو انتهت المدة ووطأها
رجل شبهة واشتبه الحاق الولد بهما، وإذا وطئت الزوجة أو المعتدة الرجعية
شبهة ثم ولدت وعلم لحوقه بالزوج أو الواطىء الحق به، وان اشتبه امره اقرع
بينهما وعمل على ما تقتضيه القرعة، على أساس ان قاعدة الولد للفراش لا
تنطبق على المقام.
(مسألة 177): لو ولدت زوجتان لزوجين أو لزوج واحد ولدين واشتبه
أحدهما بالآخر عمل بالقرعة.
(مسألة 178): الأمة إذا وطأها المولى فولدت ولدا الحق به الا إذا
نفاه، فيقبل نفيه ظاهرا، ولا يجوز له نفيه بغير جزم، ولو وطأها المولى
وجنبي فجورا فالولد للمولى، ولو وطأها المشتركون فتداعوه الحق بمن تخرجه
القرعة ويغرم للباقين حصصهم من قيمة الأمة وقيمة ولدها يوم سقوطه حيا.
(مسألة 179): لو وطأ المرأة أجنبي شبهة فحملت يلحق به الولد، فان كان
لها زوج، ردت عليه بعد العدة من الثاني.
(مسألة 180): المراد بوطء الشبهة، الوطء غير المستحق مع بناء الواطىء
على استحقاقه له، سواء كان معذورا فيه شرعا أم عقلا أم غير معذور.
65

(مسألة 181): إذا أدخلت المرأة مني رجل أجنبي في فرجها أثمت ولحق بها
الولد وبصاحب المني، فإذا كان الولد أنثى لم يجز لصاحب المني تزويجها، وكذا
الحكم لو أدخلت مني زوجها في فرجها فحملت منه، ولكن لا اثم عليها في ذلك.
(مسألة 182): يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من الحبوب والكيس
الوقائي على تفصيل تقدم في أول النكاح، وان لم يرض الزوج بذلك.
(مسألة 183): لا يجوز اسقاط الحمل وان كان نطفة، وفيه الدية، وهي
عشرون دينارا من الذهب كما يأتي شرح ذلك في المواريث.
ثم ان المراد من النطفة التي يحرم اسقاطها شرعا وفيه الدية، أول مراتب
تكون الجنين وهي النطفة المخلوطة من نطفتي الرجل والمرأة المستقرة
في رحمها التي تمثل بويضة المرأة المخصبة بحيمن الرجل، فإذا استقرت
البويضة الملقحة في جدار الرحم بدأت في النمو، وهذا مبدء تكون
الانسان وأولى مراحل الحمل، واما اسقاط النطفة قبل استقرارها في
الرحم، فلا مانع منه.
(مسألة 184): إذا وطأ الرجل زوجته فساحقت بكرا فحملت البكر،
استحقت الزوجة الرجم والبكر الجلد، وكان على الزوجة مهر البكر، ويلحق
الولد بصاحب النطفة كما يلحق بالبكر للنص.
(مسألة 185): يجب عند الولادة استبداد النساء والزوج بالمرأة.
(مسألة 186): يستحب غسل المولود والاذان في اذنه اليمنى والإقامة في
اليسرى وتحنيكه بتربة الحسين (عليه السلام) وبماء الفرات، وتسميته باسم أحد
66

الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وتكنيته (ولا يكنى محمد بابى القاسم)، وحلق
رأسه في اليوم السابع والعقيقة بعده والتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة وثقب
اذنه وختانه فيه، ويجب عليه الختان بعد البلوغ لو لم يختن قبله، وخفض
الجواري مستحب وان بلغن، والأولى ان يكون بعد بلوغها سبع سنين.
(مسألة 187): يستحب العقيقة استحبابا مؤكدا عن كل شخص صغيرا كان
أم كبيرا رجلا كان أم امرأة، وهي للذكر والأنثى سواء، وان كان الأولى ان يعق
عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى، ولا يعتبر فيها ما يعتبر من الشرائط في الهدي
الواجب، وان كان الأولى والأفضل ان تكون سالمة من العيوب وسمينة، و
الأولى ان لا يأكل الأب منها أو أحد من عيال الأب، والأحوط والأجدر للأم
الترك، وتجزي الشاة والبقرة والبدنة، والأولى ان تقطع جداول ويكره ان
تكسر العظام، ويستحب أن تعطي القابلة منها الربع ويقسم الباقي على المؤمنين
، وأفضل منه ان يطبخ ويعمل عليه وليمة، والأفضل ان يكون عددهم عشرة فما
زاد، كما ان الأفضل ان يكون ما يطبخ به ماء وملحا. واما ما اشتهر بين بعض
السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء ودفنها، فلم نعثر على مستنده.
(مسألة 188): من بلغ ولم يعق عنه، استحب له أن يعق عن نفسه.
(مسألة 189): لا يجزئ عن العقيقة التصدق بثمنها، ومن ضحى عنه
أجزأته الأضحية عن العقيقة.
(مسألة 190): أفضل المراضع الام، وللحرة الأجرة على الأب إذا لم يكن
للولد مال وإلا فمن ماله، ومع موته فمن مال الرضيع ان كان له مال،
والا فمن مال من تجب نفقته عليه كما يأتي بيانه، ولا تجبر على ارضاعه و
67

تجبر الأمة.
(مسألة 191): حد الرضاعة حولان، وتجوز الزيادة على ذلك، وأقله
واحد وعشرون شهرا على المشهور، والام أحق بالرضاعة إذا رضيت بما يرضى
به غيرها من أجرة أو تبرع.
(مسألة 192): الام أحق بحضانة الولد ان شاءت، إذا كانت حرة مسلمة
عاقلة مأمونة على الولد إلى سنتين وان كان أنثى، والأولى جعله في حضانة الام
إلى سبع سنين وان كان ذكرا.
(مسألة 193): لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو كان مملوكا أو كافرا
أو مجنونا، فالأم أولى به إلى ان يبلغ من الوصي للأب ومن الجد والجدة له و
غيرهما من أقاربه وان تزوجت.
(مسألة 194): لو ماتت الام في مدة الحضانة، فالأب أولى به من وصيها و
أبيها وأمها وغيرهما من أقاربها، وإذا فقد الأبوان، فأب الأب أولى به، ومع
فقده فالموصي لأحدهما، ومع فقده فثبوت حق الحضانة للأقرب من الأقارب
اشكال.
(مسألة 195): إذا بلغ الولد رشيدا أسقطت ولاية الأبوين عنه وكان له
الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما.
(مسألة 196): إذا طلبت الأم اجرة للرضاع زائدة على غيرها، أو وجد
متبرع به وكان نظر الأب الارضاع من غيرها، ففي سقوط حق الحضانة اشكال،
والأظهر سقوطه.
(مسألة 197): قد تسأل هل تسقط حضانة الام بالطلاق أو لا؟
68

والجواب: الظاهر عدم السقوط، وهل تسقط إذا تزوجت بعد الطلاق و
انقضاء العدة؟
والجواب: ان السقوط لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد عدمه، وهل تسقط
إذا زنت؟
والجواب: لا تسقط وان قلنا بسقوطها إذا تزوجت.
(مسألة 198): حق الحضانة الثابت للام يسقط باسقاطها، بخلاف حق
الحضانة الثابت للأب أو الجد، فإنه لا يسقط باسقاطه، على أساس ان المراد من
حق الحضانة للأم أحقيتها للرضاع من غيرها، فلذلك يجوز لها اسقاط هذا
الحق، واما حق الحضانة للأب أو الجد من قبل الأب، فهو بمعنى الولاية على
الطفل وهي غير قابلة للإسقاط.
(مسألة 199): الظاهر ان الام تستحق الأجرة على الحضانة، الا إذا كانت
متبرعة بها أو وجد متبرع بالحضانة.
(مسألة 200): إذا أخذ الأب أو غيره الطفل من أمه ولو عدوانا، لم يكن
عليه تدارك حق الحضانة بقيمة أو نحوها، باعتبار ان الأول عبارة عن أحقية الام
للرضاع من غيرها خلال الحولين، شريطة ان لا تطلب من الأب اجرة أكثر مما
تطلبه امرأة أخرى، وإلا فله ان ينزع الولد منها، وكذلك إذا وجدت المتبرعة له
مجانا والام لا تقبل الرضاع بدون اجرة، واما الثاني فهو من شؤون ولاية الأب أو
الجد، فلذلك لا يكون قابلا للاسقاط.
(مسألة 201): يصح اسقاط حق الحضانة المستقبلة كما يصح اسقاطه يوما
فيوما.
69

الفصل العاشر: في النفقات
وهي على اقسام:
الاول: نفقة الزوجة.
الثاني: نفقة الأقارب.
الثالث: نفقة المملوك انسانا كان أو حيوانا.
اما الاول: وهو نفقة الزوجة فقد حدد فيها أمران:
الاول: ان موضوع وجوب النفقة الزوجة الدائمة دون الأعم منها ومن
الموقتة، إلا إذا اشترط وجوب النفقة عليه في ضمن العقد في الموقتة.
الثاني: ان النفقة في الروايات قد حددت بالكسوة وما يقيم ظهرها،
كالمأكل والمشرب والمسكن والفرش والظرف وسائر ما له دخل في إقامة
ظهرها وحياتها اليومية، وهذا أدنى حد النفقة التي تجب على الزوج، ولو لم
يتمكن منها وجب التفريق بينهما إذا لم ترض الزوجة بالبقاء معه، ولكن وجوب
هذه النفقة عليه مشروط بان تكون الزوجة عنده، واما إذا خرجت من عنده
تاركة له من دون مسوغ شرعي واذن له، فلا تستحق النفقة ما دامت في الخارج
وغير حاضرة، واما إذا كانت حاضرة عنده ولكنها كانت ناشزة بامتناعها عن
التمكين للزوج والإطاعة له، فهل تسقط نفقتها؟
والجواب: ان السقوط لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدمه.
70

(مسألة 202): الظاهر ان من النفقة الواجبة على الزوج أجرة الحمام عند
حاجة الزوجة إلى التنظيف إذا لم يتهيأ لها مقدمات التنظيف في البيت، أو كان ذلك
عسرا عليها لبرد أو غيره، كما ان منها أجرة مصاريف الولادة والفصد والحجامة
عند الاحتياج اليهما، وكذلك أجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر
الاحتياج إليها عادة، بل لا يبعد ان يكون منها ما يصرف في سبيل علاج
الأمراض الصعبة التي يكون الابتلاء بها إتفاقيا، ولو احتاج إلى بذل مال خطير
ما لم يكن ذلك حرجيا.
(مسألة 203): لا تجب نفقة الزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف،
فان الارتكاز العرفي قرينة على اسقاطها في هذه المدة.
(مسألة 204): تجب النفقة للزوجة الدائمة وإن كانت ذمية أو أمة أو
صغيرة، فان طلقت رجعيا بقيت لها النفقة، فان طلقت بائنا أو مات الزوج،
فلا نفقة لها مع عدم الحمل، واما مع الحمل فتجب في الطلاق دون الموت،
وتقضي مع الفوات، فلو ماتت انتقلت إلى ورثتها.
واما الثاني: وهو نفقة الأقارب، فهي تمتاز عن نفقة الزوجة في نقطة، و
هي ان نفقة الزوجة بمثابة الدين على ذمة الزوج، ولا تسقط عن ذمته بامتناعه
عن الانفاق، ولا بعجزه عنه، بل هي تبقى في ذمته دينا، من دون فرق في ذلك بين
ان تكون الزوجة غنية أو فقيرة، بينما ان نفقة الأقارب مجرد تكليف من دون
ثبوتها في الذمة، فلذلك تسقط عن المنفق إذا كانت الأقارب غنية، كما انها تسقط
عنه إذا كان فقيرا لا يقدر عليها.
(مسألة 205): يجب على الولد الانفاق على الأبوين، كما يجب على الأب
الانفاق على الأولاد من الأبناء والبنات، وهل يسقط وجوب الانفاق على
71

المعيل إذا كان العيال قادرا على أخذ الحقوق مثل الزكاة والخمس؟
والجواب: انه لا يسقط إذا كانت في اخذها مهانة، بل مطلقا على الأظهر،
نعم يسقط وجوب الانفاق مع بذل الحقوق إليهم خارجا بدون المطالبة، كما انه
يسقط مع غناهم فعلا أو قدرتهم على التكسب اللائق بحالهم.
(مسألة 206): قد تسأل ان نفقة الأولاد هل هي واجبة على الأبوين وان
علا، ونفقة الأبوين على الأولاد وان نزلوا، أو أنها مختصة في كلا الطرفين بالطبقة
الأولى؟
والجواب: ان الأول لا يخلو عن قوة.
ثم ان المشهور وان كان عدم اختصاص وجوب الانفاق بالطبقة الأولى،
إلا انهم فرقوا بين سلسلة الآباء وسلسلة الأمهات، فتجب نفقة الولد ذكرا كان أم
أنثى على أبيه، ومع فقده أو عجزه فعلى جده للأب، ومع عدمه أو فقره فعلى جد
الأب وان علا مع مراعاة الأقرب فالأقرب، ولو فقدت الاباء أو كانوا عاجزين
عن الانفاق، فعلى أم الولد، ومع عدمها أو فقرها فعلى أبيها وأمها، وهكذا
الأقرب فالأقرب، وكذلك الحال في الفروع، وفى الفروع والأصول معا، وبكلمة
ان سلسلة الاباء مقدمة على سلسلة الأمهات، والأبناء على البنات، وفي كل
سلسلة لابد من مراعاة الأقرب فالأقرب، ومع اجتماع السلسلتين فالنفقة على
الاباء والأبناء على حد سواء، ولا تصل النوبة إلى الأمهات والبنات، نعم مع
فقدهما أو عجزهما عن الانفاق كانت عليهما كذلك، وهذا هو المشهور، ولكنه لا
يخلو عن اشكال بل منع، والأظهر عدم الفرق بين السلسلتين لا في الأصول ولا
في الفروع، فالأم في عرض الأب في سلسلة الأصول، والبنت في عرض الابن في
سلسلة الفروع.
72

(مسألة 207): نفقة النفس مقدمة على نفقة الزوجة، وهي مقدمة على نفقة
الأقارب.
(مسألة 208): المتبع في كيفية الانفاق على الأقارب ما هو المعتاد لدى
العرف العام، فإذا كان المنفق عليه ساكنا مع المنفق في دار واحدة، وجب عليه
الانفاق في داره، وإذا طلب منه الانفاق في مكان آخر، لم تجب اجابته، وإذا كان
ساكنا في دار أخرى، وجب عليه الانفاق في تلك الدار، وليس له الامتناع عن
ذلك، ولا يجب عليه تمليك النفقة له، لان الواجب عليه انما هو الانفاق فحسب.
واما الثالث: وهو نفقة المملوك فتجب على مولاه، وله ان يجعلها في
كسبه مع الكفاية، وإن لم يكف فعليه تكميله، وهل تجب على المالك نفقة البهائم؟
والجواب: المشهور وجوب ذلك، فان امتنع من الانفاق عليها ولو بتخلية
سبيلها للرعي، أجبره الحاكم الشرعي على بيعها أو الانفاق عليها أو ذبحها ان
كان من المذكاة، ولكنه لا يخلو عن اشكال وان كان أحوط.
(مسألة 209): الظاهر ان القدرة على النفقة ليست شرطا في صحة
النكاح، فإذا تزوجت المرأة الرجل العاجز أو طرأ العجز بعد العقد، لم يكن لها
الخيار في الفسخ لا بنفسها ولا بواسطة الحاكم، ولكن يجوز لها ان ترجع
امرها إلى الحاكم الشرعي، فيأمر زوجها بالطلاق، فان امتنع طلقها الحاكم
الشرعي، وإذا امتنع القادر على النفقة عن الانفاق، جاز لها أيضا أن ترفع
أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الامرين من الانفاق والطلاق، فان
امتنع عن الامرين ولم يكن الانفاق عليها من ماله، جاز للحاكم طلاقها، ولا
73

فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، نعم إذا كان الزوج مفقودا وعلمت
حياته، وجب عليها الصبر، وان لم يكن له مال ينفق عليها منه ولا ولي ينفق
عليها من مال نفسه. ويأتي في مبحث العدة التعرض لبقية احكام المفقود.
(مسألة 210): لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيتها بغير إذن زوجها، فيما إذا
كان خروجها منافيا لحق الاستمتاع بها بل مطلقا على الأحوط، فان خرجت
بغير اذنه كانت ناشزا، ولا يحرم عليها سائر الافعال بغير اذن الزوج، الا ان يكون
منافيا لحق الاستمتاع.
(مسألة 211): ما كان من النفقة يتوقف الانتفاع به على ذهاب عينه
كالطعام والشراب والصابون ونحوها، تملك الزوجة عينه، فلها مطالبة الزوج
بتمليكه إياها، ولها الاجتزاء بما يبذله لها منه، كما هو المتعارف، فتأكل وتشرب
من طعامه وشرابه، وأما ما تبقى عينه بالانتفاع به، فان كان مثل المسكن و
الخادم، فلا إشكال في كونه إمتاعا لا تمليكا، فليس لها المطالبة بتمليكها إياه، و
الظاهر ان الفراش والغطاء أيضا كذلك، وأما الكسوة ففي كونها كالأول أو
كالثاني إشكال، ولا يبعد ان الأول أقرب، ولا يجوز لها في القسم الثاني نقله إلى
غيرها، ولا التصرف فيه على غير النحو المتعارف والمعتاد بغير إذن الزوج، و
يجوز لها ذلك كله في القسم الأول.
(مسألة 212): مر أن الزوجة إذا خرجت من عند زوجها تاركة له من دون
مسوغ شرعي سقطت نفقتها، ويستمر السقوط ما دامت كذلك، فإذا رجعت
رجع الاستحقاق.
(مسألة 213): إذا نشز الزوج فلم يؤد إلى زوجته النفقة اللازمة من غير
عذر وتعذر رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ففي جواز نشوزها وامتناعها
74

عن القيام بحقوق الزوج حينئذ اشكال بل منع، فان عصيان الزوج بالامتناع عن
أداء حقوق الزوجة لا يكون مبررا لعصيانها كذلك، على أساس ان وجوب قيام
كل منهما بحق الاخر ليس من باب المعاوضة، بل من جهة ان عقد النكاح يقتضى
ثبوت حق لكل منهما على الآخر، فإذا امتنع أحدهما عن أداء حق الآخر وعصى
، لم يكن مبررا لامتناع الآخر وعصيانه، ومن هنا لو كان الزوج عاجزا عن
الانفاق على الزوجة وهي غير متمكنة من الرجوع إلى الحاكم الشرعي
لاستخلاص نفسها منه، فعليها ان تصبر معه، وفي هذه الحالة ليس لها الامتناع
عن التمكين للزوج ولا مبرر له.
(مسألة 214): إذا لم يكن للزوج مال ينفق منه على زوجته، وكان يتمكن
من الكسب وجب عليه، إلا إذا كان الكسب لا يليق به، فتبقى النفقة حينئذ دينا
عليه، وإذا تمكن من الاستذانة فهل تجب عليه؟
والجواب: نعم إذا كان واثقا ومطمئنا بالوفاء في وقته، واما إذا
لم يكن واثقا بذلك واحتمل عدم التمكن من الوفاء في موعده، فهل تجب أيضا؟
والجواب: الأقرب الوجوب.
(مسألة 215): نفقة الزوجة تقبل الاسقاط في كل يوم، اما الاسقاط في جميع
الأزمنة المستقبلية فلا يخل من اشكال، وان كان الجواز أظهر، وأما نفقة
الأقارب، فلا تقبل الاسقاط لأنهما واجبة تكليفا محضا.
(مسألة 216): يجزئ في الانفاق على القريب بذل النفقة في دار المنفق، ولا
يجب عليه تمليكها ولا بذلها في دار اخرى، ولو طلب المنفق عليه ذلك، لم تجب
اجابته، الا إذا كان عن عذر مانع له عن استيفاء النفقة في بيت المنفق من
75

حر أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك، مما يرجع إلى خلل في
محل الانفاق.
(مسألة 217): إذا وجب السفر على الزوجة لم تسقط نفقتها في السفر، و
وجب على الزوج القيام بها أما بذل اجور السفر ونحوها مما تحتاج اليه من حيث
السفر، فان كان السفر لشؤون حياتها، بأن كانت مريضة وتوقف علاجها على
السفر إلى طبيب، وجب على الزوج بذل ذلك، وإذا كان السفر أداء لواجب في
ذمتها فقط، كما إذا استطاعت للحج أو نذرت الحج الاستحبابي باذن الزوج، لم
يجب على الزوج بذل ذلك، كما لا يجب عليه أداء الفدية والكفارة وفداء الاحرام
ونحو ذلك من الواجبات التي لا تقوم بها حياتها، على أساس ان الواجب على
الزوج انما هو نفقة الزوج المحددة شرعا بالكسوة، وما يقيم ظهرها من الطعام و
الشراب والمسكن وغيرها، والمصارف المذكورة بما انها خارجة عن النفقة فلا
تجب عليه.
(مسألة 218): إذا اختلف الزوجان في الانفاق وعدمه مع اتفاقهما على
استحقاق النفقة، فالظاهر ان القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين ان يكون
الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلة عنها وغير ذلك.
(مسألة 219): إذا كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طلقت رجعيا،
فادعت الزوجة ان الطلاق كان بعد الوضع، فتستحق عليه النفقة، وادعى الزوج
انه كان قبل الوضع وقد انقضت عدتها، فلا نفقة لها، فالقول قول الزوجة مع
يمينها، فان حلفت استحقت النفقة، ولكن الزوج يلزم باعترافه، فلا يجوز له
الرجوع إليها.
(مسألة 220): إذا اختلفا في الاعسار واليسار، فادعى الزوج الاعسار
76

وانه لا يقدر على الانفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع
يمينه، نعم إذا كان الزوج موسرا وادعى تلف أمواله وانه صار معسرا، فأنكرته
الزوجة، كان القول قولها مع يمينها.
(مسألة 221): لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها و
حاجتها، بل تستحقها على زوجها وان كانت غنية غير محتاجة.
(مسألة 222): يتخير الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول كالخبز و
الطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك، وان يدفع إليها موادها كالحنطة و
الدقيق والأرز واللحم ونحو ذلك، مما يحتاج في اعداده للأكل إلى علاج ومؤنة،
فإذا اختار الثاني، كانت مؤنة الاعداد على الزوج دون الزوجة.
(مسألة 223): إذا عجز الزوج عن نفقة الزوجة لم تسقط عن ذمته.
77

كتاب الطلاق
(مسألة 224): الطلاق شرعا متقوم بأربعة عناصر:
الأول: المطلق.
الثاني: المطلقة.
الثالث: الصيغة.
الرابع: الاشهاد.
العنصر الاول: المطلق وشروطه
الاول: البلوغ: فلا يصح طلاق الصبي المميز ما لم يبلغ على الأحوط.
الثاني: العقل: فلا يصح طلاق المجنون وان كان جنونه أدواريا، إذا كان
الطلاق في دور الجنون.
الثالث: الاختيار: فلا يصح طلاق المكره الذي قد الزم على ايقاعه مع
78

التوعيد والتهديد على تركه.
الرابع: القصد: فلا يصح طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط و
الهازل الذي لا يقصد وقوع الطلاق عن جد، والسكران والمعتوه وهو المغلوب
على عقله.
(مسألة 225): لا يجوز ان يطلق ولى الصبي والسكران زوجتهما ولاية، و
قد تسأل هل يجوز لولي الصبي أن يهب مدة المتمتع بها كذلك أو لا؟
والجواب: ان جواز ذلك غير بعيد، ولا سيما إذا كانت هبتها في مصلحة
الصبي، واما عدم صحة طلاق الولي فإنما هو بالنص، والا فالصحة غير بعيدة.
العنصر الثاني: المطلقة وشروطها
الاول: ان تكون زوجة دائمة، فلا يصح طلاق المتمتع بها ولا الموطوء
بالملك.
الثاني: خلوها عن الحيض والنفاس إذا توفرت فيها أمور:
1 - ان تكون مدخولا بها.
2 - حائلا وغير حامل.
3 - المطلق حاضر أو غير غائب، فإذا توفرت هذه الأمور فيها لم يصح
طلاقها في حال الحيض أو النفاس، واما إذا لم تكن مدخولا بها أو كانت
ولكنها كانت حاملا أو كان زوجها المطلق غائبا وان لم تكن حاملا، فيصح
طلاقها على كل حال، وان كانت في حال الحيض أو النفاس بمقتضى قوله (عليه السلام)
79

" خمس يطلقن على كل حال الحامل المتبين حملها والتي لم يدخل بها زوجها و
الغائب عنها زوجها والتي لم تحض والتي قد جلست عن الحيض " ولا فرق في
ذلك بين ان يكون المطلق لها نفس الزوج أو وكيله، وقد تسأل هل يعتبر في صحة
طلاق الغائب عجزه عن العلم بحالها وهو غائب أو لا؟
والجواب: نعم، فإنه ان كان بامكانه التعرف بحالها وتحصيل العلم بها
بطريق من الطرق الاعتيادية، لم يجز له ان يطلقها بدون ذلك، ولو طلقها والحال
هذه، فتبين بعد ذلك وقوعه في حال الحيض بطل، وان لم يكن بامكانه ذلك، كما
إذا طالت فترة غيابه عنها، ولا طريق له إلى التعرف بحالها، ففي هذه الحالة لو
طلقها صح وان تبين بعد ذلك وقوعه في حال الحيض أو النفاس.
هاهنا فروع:
الفرع الاول: إذا سافر الزوج وغاب عن زوجته في طهر المواقعة، ففي هذه
الحالة إذا أراد أن يطلقها، فعليه ان يصبر وينتظر ان تمر بها فترة زمينة يحصل له
الوثوق والاطمئنان بحسب ما يعرف منها من عادتها الشهرية انها انتقلت من
طهر إلى طهر آخر، وبعد ذلك إذا طلقها صح وان تبين انه كان في حال الحيض.
الفرع الثاني: إذا سافر الزوج وغاب عنها في طهر لم يواقعها فيه، ففي هذه
الحالة له ان يطلقها في هذا الطهر متى شاء، ما دام يكون واثقا ببقائه أو لم يعلم
بانقضائه، وإلا فعليه الانتظار إلى ان يعلم عادة بانتقالها إلى طهر آخر، وحينئذ
فإذا طلقها صح وان تبين أنه وقع في حال الحيض.
الفرع الثالث: إذا سافر الزوج وغاب عنها في حال حيضها، ففي هذه
الحالة لم يجز طلاقها، إلا بعد ان تمر بها فترة زمنية يعلم بانقطاع دم حيضها، و
80

إذا مرت بها هذه الفترة الزمنية جاز طلاقها وصح مطلقا، ويلحق
بالغائب الحاضر الذي لا يقدر على التعرف بحال امرأته انها حايض أو طاهر
كالمحبوس ونحوه.
وقد تسأل ان المرأة إذا كانت في سن من تحيض، ولا تحيض الا في كل
ثلاثة أشهر مرة واحدة، فهل يصح طلاقها من الغائب متى شاء أو لا؟
والجواب: انه إذا غاب عنها في طهر المواقعة، لم يجز له ان يطلقها الا بعد
ثلاثة أشهر لكي يحصل له العلم بانتقالها من طهر إلى طهر آخر، وإذا غاب عنها
في طهر غير المواقعة، جاز ما دامت فيه.
الثالث: ان لا يكون الطلاق في طهر المواقعة، فلو طلقها في طهر قد جامعها
فيه بطل، إلا إذا كانت صغيرة أو يائسة أو حاملا أو غائبا عنها، ولم يعلم بحالها
انها حائض أو طاهر على ما مر شرحه، فان طلاق هذه الطوائف من النساء
صحيح على كل حال وإن تبين وقوعه في طهر المواقعة.
(مسألة 226): إذا أخبرت الزوجة انها طاهر فطلقها الزوج أو وكيله، ثم
أخبرت انها كانت حائضا حال الطلاق، لم يقبل خبرها الا بالبينة، ويكون العمل
على خبرها الأول ما لم يثبت خلافه.
(مسألة 227): قد تسأل ان من جامع زوجته في حال الحيض عامدا أو
خطأ، وبعد ان طهرت من الحيض طلقها، فهل يصح هذا الطلاق أو لا؟
والجواب: ان صحته لا تخلو عن اشكال، فالاحتياط لا يترك بتجديد
الطلاق في طهر آخر لم يواقعها فيه، ولا في حال حيضها قبل الطهر، وإذا
طلقها اعتمادا على استصحاب الطهر أو استصحاب عدم الدخول صح الطلاق
81

ظاهرا، أما صحته واقعا فهي تابعة لتحقق شرطه في الواقع، وهو وقوعه في طهر
غير المواقعة.
(مسألة 228): إذا كانت المرأة مسترابة بأن كانت لا تحيض وهي في سن
من تحيض، سواء أكان لعارض اتفاقي أم لعادة جارية في أمثالها، كما في أيام
ارضاعها أو في أوائل بلوغها، جاز طلاقها في طهر قد جامعها فيه، إذا كان قد
اعتزلها حتى مضت ثلاثة أشهر، فإنه إذا طلقها بعد مضي المدة المذكورة، صح
طلاقها وان كان في طهر المجامعة.
(مسألة 229): يشترط في صحة الطلاق تعيين المطلقة مع تعدد الزوجات،
فلو كانت له زوجة واحدة فقال: زوجتي طالق صح، ولو كانت له زوجتان أو
زوجات، فقال زوجتي طالق، فان نوى معينة منهما أو منها صح وقبل تفسيره، و
ان نوى غير معينة بطل، على أساس انه لم يقصد طلاق واحدة منها معينة في
الخارج، وحينئذ فأما ان يقصد الواحد المفهومي أو الواحد المصداقي، والأول لا
موطن له الا الذهن، والثاني لا وجود له في الخارج، لأنه من الفرد المردد، وهو
لا يتصور فيه.
(مسألة 230): يجوز التوكيل في الطلاق من الحاضر والغائب للحاضر و
الغائب.
العنصر الثالث: الصيغة
وهي التي يقع بها الطلاق كان يقول: أنت طالق وهي طالق أو فلانة
طالق، ولا يقع بمثل طلقت فلانة أو طلقتك أو أنت مطلقة أو فلانة مطلقة أو
82

أنت على حرام أو بريئة أو خلية أو ما شاكل ذلك.
(مسألة 231): لا يقع الطلاق بالكتابة ولا بالإشارة للقادر على النطق، و
يقع بهما للعاجز عنه.
وقد تسأل هل يصح ان يطلق عمن لا يقدر على التكلم كالأخرس وليه
أو لا؟
والجواب: لا يصح، وله أن يباشر الطلاق بنفسه بكل ما يمكن ابرازه به
من الكتابة أو الإشارة أو أي شيء آخر يدل عليه.
(مسألة 232): يشترط في صحة الطلاق عدم تعليقه على الشرط المحتمل
الحصول أو الصفة المعلومة الحصول متأخرا، فلو قال: إذا جاء زيد فأنت طالق،
أو إذا طلعت الشمس فأنت طالق، بطل. نعم إذا كان الشرط المحتمل الحصول
مقوما لصحة الطلاق، كما إذا قال: ان كنت زوجتي فأنت طالق، أو كانت الصفة
المعلومة الحصول غير متأخرة، كما إذا أشار إلى يده وقال ان كانت هذه يدي،
فأنت طالق، صح.
العنصر الرابع: الاشهاد
ويعتبر فيه أمور:
الأول: ايقاع الطلاق في حضور شاهدين عدلين.
الثاني: ان يكون الشاهدان مجتمعين حين سماع الطلاق، فلو سمع أحدهما ثم
سمع الآخر بانفراد، لم يقع الطلاق.
83

الثالث: ان يكون الشاهدان ذكرين، ولا تكفي شهادة النساء لا منفردات و
لا منضمات، ولا تعتبر في صحة شهادة الشاهدين معرفة المرأة المطلقة، فلو قال:
زوجتي هند طالق بمسمع الشاهدين صح، وان لم يكونا يعرفان هندا بعينها، بل و
ان اعتقدا غيرها، ولو طلقها وكيل الزوج لم تكف شهادة الزوج ولا شهادته، و
تكفي شهادة الوكيل على التوكيل عن الزوج في انشاء الطلاق، كما لا تعتبر في
صحة شهادتهما معرفة ان المطلق نفس زوجها أو وكيله أو وليه.
وقد تسأل هل العدالة المعتبرة في الشاهدين عدالة واقعية أو الأعم منها و
من الظاهرية، فعلى الأول لو كان الشاهدان عدلين باعتقاد المطلق، وكانا فاسقين
في الواقع لم يصح الطلاق، وعلى الثاني صح وان تبين بعد الطلاق انهما كانا
فاسقين؟
والجواب: الظاهر هو الأول، وعلى هذا فكل من علم بفسق الشاهدين،
فليس بامكانه ترتيب آثار الطلاق الصحيح عليه، كما انه لو تبين فسقهما عند
الزوج والزوجة بعد الطلاق، انكشف بطلانه وبقائهما على الزوجية.
فصل في اقسام الطلاق
الطلاق قسمان: بدعة وسنة.
(مسألة 233): الطلاق بدعة هو طلاق الحائض الحائل أو النفساء حال
84

حضور الزوج مع امكان معرفة حالها أو مع غيبته كذلك أو قبل المدة
المعتبرة، والطلاق في طهر المواقعة مع عدم اليأس والصغر والحمل، وطلاق
المستبرئة قبل انتهاء ثلاثة اشهر، وطلاق الثلاث اما مرسلا بان يقول: هي طالق
ثلاث، واما ولاءا بان يقول هي طالق، هي طالق، هي طالق، والكل باطل عدا
طلاق الثلاث ولاءا، فان فيه تصح واحدة ويبطل الزائد.
قاعدة الالزام
وهي تتمثل في ترتيب الشيعة الآثار الوضعية على عمل المخالف بما يعتقد
ويدين به، شريطة ان تكون تلك الآثار مخالفة لمذهب الشيعة، وعلى هذا
فموضوع القاعدة المخالف، وحكمها الزامه بما يدين به، وموردها كون الحكم
الملزم به مخالفا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة تمت
القاعدة نظرية وتطبيقية.
(مسألة 234): إذا طلق المخالف امرأته في طهر الواقعة أو في حال الحيض أو
النفاس أو حلف بالطلاق أو غير ذلك صح على مذهبه، ولكنه باطل على مذهب
الشيعة، ومع هذا يجوز للشيعي ان يتزوج بها بعد انقضاء العدة، على أساس
قاعدة الالزام التي يكون مفادها صحة طلاق المخالف واقعا بعنوان ثانوي، و
ترتيب آثار الطلاق الصحيح عليه كذلك، ولا فرق في ذلك بين ان تكون المرأة
شيعية أو سنية، فإنها لو كانت شيعية فالطلاق وان كان باطلا عندها، ولكن يجوز
لها بموجب قاعدة الالزام التزويج من رجل آخر، ومن هنا يظهر ان تطبيق
قاعدة الالزام في المسألة انما هو بملاك ان مفاد القاعدة ترتيب آثار الصحة عليها
واقعا إذا كانت صحيحة في مذهبه، وحينئذ فيجوز
85

لكل أحد التزويج بها.
(مسألة 235): لو طلق المخالف زوجته بقوله أنت طالق ثلاثا، صح وتحرم
عليه حتى تنكح زوجا آخر، ولكنه باطل عند الشيعة، ولم يقع لا الثلاث ولا
الواحد، نعم لو كرر صيغة الطلاق، فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق من دون
تخلل رجعة في البين قاصدا بذلك التعدد تقع واحدة، ولغت الاخريان عند
الشيعة، واما عند المخالف فتقع الجميع، ولا يجوز له الرجوع إليها، وعلى هذا فإذا
طلق المخالف زوجته ثلاثا، جاز للشيعي ان يتزوج بها بعد انقضاء العدة بموجب
قاعدة الالزام، ولا فرق في ذلك بين ان تكون المرأة شيعية أم سنية.
(مسألة 236): قد تسأل ان المخالف إذا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد
ثم استبصر بعد تمامية العدة، فهل يسوغ له التزويج بها كسائر افراد الشيعة، أم
يتوقف على ان تنكح زوجا غيره، كما إذا لم يستبصر؟
والجواب: الظاهر هو الأول، لأنه إذا استبصر خرج عن موضوع التحريم،
وتبدل بموضوع آخر على أساس ان جهة التشيع والتسنن جهة تقييدية
للموضوع، وعلى هذا فما دام المطلق ضل على مذهبه فالمرأة محرمة عليه واقعا ما
لم تنكح زوجا آخر غيره، وإذا استبصر بعد اكمال العدة وصار شيعيا، تبدل
بموضوع آخر وهو الشيعي، ويجوز له حينئذ التزويج بها بدون التوقف على ان
تنكح زوجا آخر غيره مسبقا، وبكلمة ان الطلاق في المقام لم يصدر منه بوصف
انه شيعي، وإنما صدر منه بوصف انه سني، فمادام هو متصف بهذا الوصف فالمرأة
محرمة عليه ما لم تنكح زوجا آخر غيره، واما إذا استبصر، فيصبح موضعا آخر
وينتفي الحكم عنه حينئذ بانتفاء موضوعه، و
86

عليه فيجوز له التزويج بها، ولا يتوقف على ان تنكح زوجا آخر غيره،
فيكون حاله حال سائر افراد الشيعة، نعم لو كان وصف التشيع والتسنن من
الجهات التعليلية وخارجا عن الموضوع، كان حاله بعد الاستبصار كحاله قبل
الاستبصار، فلا يحل له التزويج بها الا بعد ان تنكح زوجا غيره، ولا فرق في
ذلك بين كون المرأة المطلقة ثلاثا شيعية أو سنية، نعم إذا كان استبصاره قبل
انقضاء العدة وفي الأثناء لم يجز له الرجوع إليها بدون عقد، على أساس ان
الطلاق بائن وليس برجعي، وبذلك يختلف عن غيره من الشيعي، فإنه لا يجوز
لغيره ان يعقد عليها أثناء العدة.
(مسألة 237): إذا طلق المخالف زوجته في طهر المواقعة أو في حال الحيض
أو بلا حضور شاهدين عدلين ثم استبصر، فان كان استبصاره في أثناء العدة،
جاز له الرجوع إليها بدون عقد، كما كان ذلك جائزا له إذا لم يستبصر، واما إذا
كان بعد انقضاء العدة، فيجوز له التزويج بها، على أساس ان له ترتيب آثار
الطلاق الصحيح عليه بمقتضى قاعدة الالزام، كما يجوز لغيره من افراد الشيعة
التزويج بها بعد انقضاء العدة بنفس الملاك، وهناك فروع عديدة تبتني على
قاعدة الالزام، ولكن لا ضرورة إلى شرحها هنا.
(مسألة 238): الطلاق سنة قسمان: بائن ورجعي.
الأول: طلاق اليائسة والصغيرة غير البالغة تسعا، وغير المدخول بها ولو
دبرا، والمختلعة والمباراة مع استمرار الزوجة على البذل، والمطلقة ثلاثا بينها
رجعتان، ولو كان الرجوع بعقد جديد ان كانت حرة، والمطلقة طلقتين بينهما
رجعة ولو بعقد جديد ان كانت أمة.
الثاني: ما عدا ذلك كطلاق المرأة المدخول بها رجعيا، ويجوز للزوج
87

الرجوع فيه أثناء العدة.
(مسألة 239): الطلاق العدي هو ان يطلق زوجته مع اجتماع الشرائط، ثم
يراجع قبل خروجها من العدة فيواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، ثم يراجعها فيه و
يواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فتحرم عليه حتى تنكح زوجا آخر بعد العدة،
فإذا نكحت وخلت منه فتزوجها الأول بعد انقضاء العدة من الثاني، ثم إذا طلقها
ثلاثا أيضا على النهج السابق حرمت عليه حتى تنكح زوجا آخر، فإذا نكحت
آخر وخلت منه فتزوجها الأول، فإذا طلقها أيضا ثلاث على النهج السابق،
حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا إذا كانت حرة، اما إذا كانت أمة فإنها تحرم بعد كل
تطليقتين حتى تنكح زوجا آخر، وفي السادسة تحرم مؤبدا، وما عدا ذلك فليس
بعدي، وإذا لم يكن الطلاق عديا، فالمشهور انها لا تحرم المطلقة مؤبدا وان زاد
عدد الطلاق على التسع، لكنه لا يخلو من اشكال بل منع، والأظهر عدم الفرق
بين الطلاق العدي وغيره في ذلك.
(مسألة 240): المطلقة الحرة تحرم في الثالث حتى تنكح زوجا غيره، بدون
فرق بين ان تكون مطلقة بالطلاق الرجعي أم البائن، وعلى الثاني لا فرق بين ان
تكون مدخولا بها أو لا، والأمة المطلقة تحرم في الثاني كذلك حتى تنكح زوجا
غيره.
(مسألة 241): قد تسأل ان حرمة المرأة المطلقة في الثالثة إذا كان طلاقها
رجعيا، فهل هي مشروطة بالرجوع إليها أثناء العدة بعد كل تطليقة، أو يكفي
الرجوع إليها بالعقد الجديد أيضا بعد انقضاء العدة أو لا؟
والجواب: الأظهر كفاية الثاني أيضا.
وقد تسأل ان حرمتها هل هي مشروطة بالمواقعة بها بعد كل رجعة في
88

الطلاق الرجعي أو لا؟
والجواب: لا تكون مشروطة بها، كما لا تكون مشروطة بها في الطلاق
البائن.
وقد تسأل ان تزويج المطلقة بعد الطلقة الأولى أو الثانية بزوج آخر، هل
يهدم ما سبقه من الطلقة أو الطلقتين أو لا؟
والجواب: الأقرب انه هادم له، لا من جهة النص، فإنه معارض بما دل
على أنه ليس بهادم، بل من جهة العام الفوقي، وهو اطلاقات الأدلة، فان مقتضاه
اعتبار التوالي بين الطلقات الثلاث وعدم فصلها بطلاق
أجنبي.
(مسألة 242): الطلاق السني أقسام: سني بالمعنى الأعم، وهو كل طلاق
جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعي، وسني مقابل العدي، وهو ما يراجع فيه
في العدة من دون جماع، وسني بالمعنى الأخص، وهو ان يطلق الزوجة
فلا يراجعها حتى تنقضي العدة ثم يتزوجها.
(مسألة 243): المشهور انه يشترط في الزوج الذي يكون نكاحه محللا
للزوجة بعد ثلاث تطليقات في الحرة أو تطليقتين في الأمة أمور:
الأول: ان يكون الزوج المحلل بالغا، ولا يكفي غير البالغ وان كان مراهقا.
الثاني: ان يطأها، ولا يكفي من دون الوطء، بل لا يبعد اعتبار
الأنزال.
الثالث: أن يكون الوطء بالعقد لا بالملك أو الإباحة، ولا بالوطء حراما
89

أو شبهة.
الرابع: أن يكون بالعقد الدائم، ولا يكفي بالمتعة، وقد مر ان تزويجها بالغير
كما يهدم الطلقات الثلاث يهدم ما دونها أيضا، فلو نكحت زوجا آخر بعد تطليق
أو تطليقتين لم تحرم عليه إذا طلقها الثالثة، بل لابد في تحريمها عليه من ثلاث
تطليقات مستأنفة.
(مسألة 244): الرجوع الموجب لرجوع الزوجية من الايقاعات، فيصح
انشاؤه باللفظ مثل رجعت بك وراجعتك وارجعتك إلى نكاحي ونحو ذلك، و
بالفعل كالتقبيل بشهوة ونحو ذلك مما لا يحل الا للزوج، ولابد في تحقق الرجوع
بالفعل ان يكون بقصد انها زوجته المطلقة رجعية، فلو وقع من الساهي أو
باعتقاد انها غير المطلقة أو نحو ذلك لم يكن رجوعا، وهل يتحقق الرجوع
بالوطء وان لم يقصده به؟
والجواب: انه يتحقق إذا كان الوطء بعنوان انها زوجته، وان لم يكن قصد
الرجوع موجودا في أعماق نفسه، واما إذا وقع ذلك منه خطأ أو باعتقاد انها غير
مطلقة، فهل يتحقق به الرجوع؟
والجواب: ان تحقق الرجوع به لا يخلو عن اشكال.
(مسألة 245): لا يجب الاشهاد في الرجوع، فيصح بدونه وان كان الاشهاد
أفضل، ويصح فيه التوكيل، فإذا قال الوكيل: أرجعتك إلى نكاح موكلي أو
رجعت بك، قاصدا ذلك صح.
(مسألة 246): يقبل قول المرأة في انقضاء العدة بالحيض وبالشهور، على
أساس أنها مصدقة في العدة والحيض والطهر والحمل، ويقبل قول
90

الرجل في الطلاق حتى بعد انقضاء العقدة بالنسبة إلى أصل الطلاق، وعدم الحق
له على زوجته باقراره، وأما بالنسبة إلى حقوق الزوجة كمطالبتها النفقة للأيام
السابقة على اخباره بالطلاق، فلا يقبل قوله الا بالبينة، والا فالقول قولها مع
يمينها، ولو انكر الطلاق في العدة كان ذلك رجعة، ولو ارتد في العدة لم يصح
الرجوع لإنقطاع العلقة الزوجية بذلك وحصول البينونة بينهما.
(مسألة 247): يثبت الرجوع بمجرد ادعاء الزوج واخباره به إذا كان في
أثناء العدة. أما بعد انقضاء العدة إذا أخبر الزوج بالرجعة سابقا في العدة، فلا يقبل
منها الا بالبينة، وهل يقبل بشهادة شاهد وأحد ويمينه؟
والجواب: لا يبعد القبول، وكذا بشهادة شاهد وامرأتين.
(مسألة 248): إذا طلقها، فادعت الزوجة بعده ان الطلاق كان في الحيض و
أنكره الزوج، كان القول قوله مع يمينه، وإذا رجع الزوج وادعت الزوجة انقضاء
عدتها صدقت، وإذا علم بالرجوع وانقضاء العدة وشك في المتقدم والمتأخر،
فادعى الزوج تقدم الرجوع، وادعت الزوجة تأخره، ففي هذه الحالة ان كان
تاريخ الرجوع معلوما وتاريخ الانقضاء مجهولا، كان القول قول الزوج،
لاستصحاب بقاء العدة إلى زمان الرجوع، وبذلك يثبت ان الرجوع في زمان
كانت العدة باقية فيه، ويترتب عليه حينئذ اثره، وان كان تاريخ الانقضاء معلوما
وتاريخ الرجوع مجهولا، كان القول قول الزوجة، لاستصحاب عدم الرجوع إلى
زمان انقضاء العدة، وان كان تاريخ كليهما مجهولا لم يثبت شي من القولين، و
عندئذ فيكون المورد من موارد التداعي، فان أقام اي منهما البينة على ما ادعاه
فهو، والا فتصل النوبة إلى الحلف، فان حلف أحدهما دون الاخر فهو، وان حلفا
معا أو لم يحلف اي منهما، فالأحوط والأجدر وجوبا
91

في المسألة على الزوج اما ان يعقد عليها من جديد أو يطلقها.
فصل في موجبات العدة
الموجب الاول
الطلاق وما يلحق به من الفسخ والانفساخ
(مسألة 249): لا عدة في الطلاق على الصغيرة واليائسة وان دخل بهما، و
على غير المدخول بها قبلا ولا دبرا، ويتحقق الدخول بادخال الحشفة وان لم
ينزل، حراما كان كما إذا دخل في نهار الصوم الواجب المعين أو في حالة الحيض
أو حلالا.
(مسألة 250): إذا كانت المطلقة حرة وكانت مستقيمة الحيض ولم تكن
حاملا، فعدتها بالأقراء وهي ثلاثة قروء، فإذا مرت بها حيضتان ورأت الحيضة
الثالثة فقد انقضت عدتها وهي ثلاثة أطهار، وإذا كانت ممن لا تحيض وهى في
سن من تحيض لسبب من الأسباب كالمرض أو نحوه، فعدتها بالشهور وهي
ثلاثة أشهر بكاملها، سواء أكان انفصالها عن الزوج بالطلاق أم بالفسخ أو
الانفساخ، وإذا كانت مضطربة، سواء أكان اضطرابها من ناحية الحيض بان
تحيض مرة ولا تحيض مرة أخرى، أو تحيض بعد ستة أشهر أو أربعة أو ثلاثة
مرة واحدة، أم كان من ناحية شكها ووهمها في انها بلغت حد اليأس فلذلك لا
ترى دما، ولعل هذا هو المراد من قوله تعالى: (فان ارتبتم فعدتها ثلاثة أشهر)،
وبكلمة ان كل امرأة مطلقة إذا مرت بها ثلاثة أشهر
92

بكاملها، ولا ترى فيها دما، فقد انقضت عدتها ولا شي عليها، سواء
أكانت ترى الدم بعد ثلاثة أشهر أم لا، وكل امرأة تحيض منتظما، فإذا مرت بها
ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها، وان كانت في أقل من ثلاثة أشهر، وقد تسأل ان
المرأة إذا كانت في سن من تحيض وترى الدم في كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة
واحدة منتظما، فما هو عدتها إذا طلقت؟
والجواب: ان عدتها ثلاثة اقراء وان طالت إلى تسعة أشهر، وإذا اتفق
لسبب أو آخر انها بعد الطلاق لم تر الدم إلى ان مرت بها ثلاثة أشهر، ثم رأته في
الشهر الرابع أو الخامس وهكذا، فما هو عدتها؟
والجواب: الظاهر ان عدتها ثلاثة اشهر، وان كان الأولى والأجدر
التربص إلى سنة بل إلى خمسة عشر شهرا إذا كانت شابة.
(مسألة 251): المرأة المستحاضة الدامية التي لا ترى الطهر إذا طلقت، فهل
عدتها بالأقراء أو بالشهور؟
والجواب: الظاهر انها بالشهور حتى إذا كان لها موعد معين في كل شهر
بانتظام، ولمزيد من التعرف والتوضيح تطبيقيا نذكر مجموعة من الحالات:
الحالة الأولى: ان المرأة التي لها عادة منتظمة ومستقرة ولم تكن حاملا،
فعدتها بالأقراء، سواء أكانت عادتها مستقرة في كل شهر مرة واحدة أو مرتين،
أم في كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة واحدة بانتظام، ولا فرق في ذلك بين ان
يكون سبب الانفصال بينهما الطلاق أو الفسخ أو الانفساخ بأحد العيوب الموجبة
للخيار.
الحالة الثانية: ان كل امرأة مرت بها فترة طهر لا تقل عن ثلاثة أشهر
93

بالكامل، فعدتها بالشهور، سواء أكانت لها عادة مستقرة ومنتظمة في كل أربعة
اشهر مرة واحدة أم لم تكن، بان ترى الدم مرة بعد ثلاثة أشهر ومرة بعد أربعة
أشهر ومرة بعد خمسة أشهر وهكذا، ومثلها من تحيض في شهرين متواليين
مرة، ثم لا تحيض إلى أربعة اشهر أو خمسة أو أكثر وهكذا، ولا فرق في الأشهر
الثلاثة بين التامة والملفقة.
الحالة الثالثة: ان المرأة التي لا تدري لكبر ارتفاع حيضها أم لعارض،
فعدتها ثلاثة أشهر، وكذلك المرأة التي تياس من الولد.
الحالة الرابعة: المستحاضة الدامية التي لا ترى الطهر، فعدتها ثلاثة
أشهر وان كانت ذات عادة منتظمة.
وقد تسأل هل يعتبر في جعل العدة ثلاثة أشهر، أن تكون بكاملها
بيضاء، فلو حاضت في أثنائها كان الحيض هادما لها، وعليها حينئذ استئنافها من
جديد؟
والجواب: الظاهر ان ذلك غير معتبر فيه، ولا يكون الحيض اتفاقا في
أثنائها هادما لها.
(مسألة 252): عدة الأمة المزوجة إذا طلقت ولم تكن حاملا، إذا كانت ممن
تحيض وكانت مستقيمة الحيض طهران، فإذا رأت دم الحيضة الثانية فقد
خرجت من العدة ولا شي عليها، والأحوط انتظار انتهاء الحيضة الأخيرة، وان
كانت غير مستقيمة الحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما.
(مسألة 253): مر ان عدة طلاق الزوجة غير الحامل وهي التي لا
تحيض، وهي في سن من تحيض لخلقة أو لعارض من رضاع أو غيره، ثلاثة
94

أشهر ولو كانت ملفقة إن كانت حرة، وان كانت أمة فعدتها خمسة وأربعون
يوما.
(مسألة 254): المرأة الحامل إذا طلقت، فعدتها وضع حملها وهو أقرب
الأجلين، فإنها تنتهى بذلك وان كان وضعها من ساعتها، ولا فرق في ذلك بين ان
يكون حملها من زوجها بالدخول أو بإراقة الماء وفي المكان المخصوص، كما انه لا
فرق فيه بين ان تكون حرة أو أمة دائمة أو متعة. وقد تسأل هل تنتهى عدتها
بالسقط؟
والجواب: نعم انها تنتهي بالسقط وان كان غير تام، بل وان كان مضغة، و
قد تسأل ان ذات التوأمين هل تنتهي عدتها بوضع الأول؟
والجواب: الظاهر انها لا تنتهي الا بوضع الثاني والأخير.
(مسألة 255): إذا طلق الرجل امرأته، فادعت انها حامل، لزم الانتظار
بها إلى تسعة أشهر، فان ولدت فهو المطلوب، والا فيحتاط بثلاثة أشهر أخرى.
الموجب الثاني: الوفاة
(مسألة 256): عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ان كانت حرة ولم تكن
حاملا أربعة أشهر وعشرة أيام، وان كانت ملفقة صغيرة كانت أم كبيرة يائسة
كانت أم غيرها مسلمة كانت أم غيرها مدخولا بها أم غير مدخول بها دائمة
كانت أم متمتعا بها، ولا فرق في الزوج بين الكبير والصغير والحر والعبد و
العاقل وغيره، والظاهر كفاية أربعة أشهر هلالية وعشرة أيام، وان
95

كان الأولى ان تكون عددية، فتكون المدة مائة وثلاثين يوما، وان كانت
حرة حاملا فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل كما سبق.
(مسألة 257): عدة الأمة الحائل ذات الولد من الوفاة كعدة الحرة على
الأقوى أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء أكان الاعتداد من وفاة سيدها أم من
وفاة زوجها إذا كانت مزوجة، وكذلك غير ذات الولد من وفاة سيدها إذا كانت
موطوءة له. واما عدتها من وفاة زوجها، فهل هي أربعة أشهر وعشرة أيام، أو
أنها شهران وخمسة أيام؟
والجواب: ان الأول لو لم يكن أقوى فهو الأحوط. أما إذا كانت حاملا
فعدتها أبعد الأجلين من عدة الحائل ومن وضع الحمل.
(مسألة 258): يجب على المعتدة عدة الوفاة ترك التزويج بالغير ما دامت في
العدة، كما ان الأحوط والأجدر بها وجوبا ان تترك الزينة في هندامها ولباسها، و
تجتنب عن استعمال كل ما هو زينة في العرف العام كالكحل الأسود والطيب و
الحمرة ولبس الذهب كالقلادة، نعم لا بأس بممارستها ما لا يعد في العرف زينة
مثل تنطيف بدنها ولباسها وتقليم أطفارها ودخول الحمام وغيرها، ولا فرق في
ذلك بين المرأة المسلمة والذمية، ولا فرق في الزوج بين الكبير والصغير، و
الأقوى عدم ثبوت الحداد في الصغيرة، كما ان الظاهر اختصاص الحداد بالحرة،
بدون فرق بين الدائمة والمتمتع بها، ولا حداد على الأمة، والظاهر انه ليس
شرطا في العدة، فلو تركته عمدا أو لعذر، جاز لها التزويج بعد انقضاء العدة، ولا
يجب عليها استئنافها، والأقوى جواز خروجها من بيتها على كراهية الا
لضرورة، أو أداء حق أو فعل طاعة أو قضاء حاجة.
96

(مسألة 259): إذا وطأ أمته ثم أعتقها، اعتدت منه كالحرة بثلاثة أطهار ان
كانت مستقيمة الحيض، وإلا فبثلاثة أشهر.
(مسألة 260): إذا طلق زوجته رجعيا فمات في أثناء العدة، اعتدت عدة
الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، فان تمت فلا شي عليها بعد ذلك، واما لو
كان الطلاق بائنا، أكملت عدة الطلاق لا غير، حرة كانت أم أمة.
(مسألة 261): الحمل الذي يكون وضعه هو منتهى عدة الحامل، أعم مما
كان سقطا تاما وغير تام، حتى لو كان مضغة أو علقة كما مر في عدة
الطلاق.
(مسألة 262): إذا كانت حاملا باثنين لم تخرج من العدة الا بوضع الاثنين،
على أساس ان عدتها تنتهي بوضع حملها والفراغ منه، فما دامت لم توضع الولد
الثاني والأخير، فهي حامل ولم يفرغ منه.
(مسألة 263): لابد من العلم أو الاطمئنان بوضع الحمل، فلا يكفي الظن به
فضلا عن الشك، نعم يكفي قيام الحجة على ذلك كالبينة وان لم تفد
الظن.
(مسألة 264): تقدم ان عدة الحامل تنتهي بوضع حملها، وهل يعتبر في
ذلك الحاق الولد بزوجها؟
والجواب: الظاهر اعتبار ذلك، لان الحاق الولد به إذا لم يمكن، كما إذا
كان الزوج في بلدة أخرى بعيدا عن بلدة زوجته في فترة طويلة لا يمكن
انتساب الحمل إليه، ففي هذه الحالة إذا أراد الزوج ان يطلقها، فبطبيعة الحال
طلق زوجته من دون ان تكون حاملا منه، وحملها من غيره لا يرتبط بالعدة
97

منه، وظاهر نصوص الباب التي تدل على ان عدة الحمل تنتهي بوضع حملها، هو
ما إذا كان الحمل من المطلق لا مطلقا، كما هو مقتضى مناسبة الحكم والموضوع
الارتكازية، وعلى هذا فعدتها اما بالشهور أو بالأقراء على ما مر شرحه، ولا
اثر لوضع هذا الحمل لا بالنسبة اليه لأنه ليس منه، ولا بالنسبة إلى الزاني لأنه لا
عدة له، وحينئذ فإذا أكملت ثلاثة أشهر بعد الطلاق أو دخلت في الحيضة الثالثة
وان لم تضع حملها بعد فأصبحت حرة، وبكلمة ان الحمل من زنا لا قيمة له،
سواء أكانت الحامل مزوجة أم لا، وان كان الأولى والأجدر ان لا يتزوج بها الا
بعد أن تضع حملها، نعم لو كان الحمل من وطء شبهة قبل الطلاق أو بعده أثناء
العدة الرجعية، فلها عدتان، عدة بالنسبة إلى الواطي وهي تنتهي بوضع حملها، و
عدة بالنسبة إلى زوجها وهي تنتهي اما بالشهور أو الاقراء.
(مسألة 265): الغائب ان عرف خبره وعلمت حياته صبرت امرأته، وكذا
ان جهل خبره وانفق عليها وليه من مال الغائب أو من مال نفسه، وان لم يكن
للغائب مال ولم ينفق الولي عليها من مال نفسه، فان صبرت المرأة على ذلك فهو،
وان لم تصبر فلها ان ترفع امرها إلى لحاكم الشرعي، فيؤجلها أربع سنين ثم
يفحص عنه في الجهات التي فقد فيها، فان علم حياته صبرت، وان علم موته
اعتدت عدة الوفاة، وان جهل حاله وانقضت الأربع سنين، دعا الحاكم ولي
الزوج المفقود ومال له ان كان للمفقود مال انفق عليها، فان انفق فلا سبيل لها إلى
الزواج، وان أبى عن ذلك أمره الحاكم على أن يطلقها، فان امتنع أجبره، فان لم
يكن له ولى أو لم يكن اجباره طلقها الحاكم، ثم اعتدت عدة الوفاة، ولكن لا
يترتب عليها احكامها، ولهذا ليس عليها حداد فيها، وإذا جاء زوجها في أثناء
العدة فله الرجوع إليها ما لم تخرج عن العدة، فإذا
98

خرجت منها صارت أجنبية عن زوجها، وجاز لها ان تتزوج بمن شاءت،
فإذا تزوجت منه فلا سبيل له عليها.
(مسألة 266): لو كانت للغائب زوجات أخرى لم يرفعن أمرهن إلى
الحاكم، فهل يجوز للحاكم طلاقهن إذا طلبن ذلك، فيتجزي بمضي المدة المذكورة و
الفحص عنه بعد طلب إحداهن، أو يحتاج إلى تأجيل وفحص جديد؟ وجهان
أقربهما الأول.
(مسألة 267): لا يبعد الاجتزاء بمضي الأربع سنين بعد فقد الزوج مع
الفحص فيها وان لم يكن بتأجيل من الحاكم، ولكن الحاكم يأمر حينئذ بالفحص
عنه مقدارا ما في الناحية التي هو غاب فيها إن أمكن، ثم يأمر بالطلاق أو يطلق، و
الأحوط الأولى أن يكون التأجيل والفحص في تلك المدة من قبله.
(مسألة 268): لو فقد الزوج في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة، بحيث
دلت القرائن على عدم انتقاله منها، كفى البحث في ذلك البلد أو تلك الجهة.
(مسألة 269): لو تحقق الفحص التام عنه في مدة يسيرة، كما في العصر
الحاضر من جهة توفر وسائل الاتصال بكل النواحي التي يحتمل وجوده فيها، و
حصل اليقين بعدم وجوده هناك وانقطع الامل عن الوصول اليه، سقط وجوب
الفحص عنه في المدة الباقية، ولكن هل يجب الانتظار إلى ان تنتهي المدة بأكملها؟
والجواب: ان حصل من ذلك الوثوق والاطمئنان بعدم بقائه في قيد الحياة
لم يجب، وان احتمل وجوده في قيد الحياة، ولكنه اخفى نفسه عن الانظار وعاش
في مكان باسم المستعار وعنوان كاذب، وجب الانتظار لعل
99

الله يهديه ويرجع إلى بلده خلال تلك المدة، ثم ان الفحص الواجب هنا هو
الفحص بالمقدار المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد، ولا يجب الا في مظان
وجوده، ولا يعتني بمجرد امكان وجوده في بلد ما لم يكن عقلائيا.
(مسألة 270): لو تمت المدة ولم يعثر عليه، ولكنه احتمل وجدانه بمزيد من
الفحص بعدها فهل يجب؟
والجواب: لا يجب الفحص عنه في أكثر من المدة المذكورة.
(مسألة 271): لا فرق في المفقود بين المسافر ومن كان في معركة قتال ومن
انكسرت سفينته ففقد أو غير ذلك.
(مسألة 272): يجوز للحاكم الاستنابة في الفحص وان كان النائب
نفس الزوجة، ويكفي في النائب الوثاقة، ولا فرق في الزوج بين الحر والعبد، و
كذلك الزوجة، والظاهر اختصاص الحكم بالدوام، فلا يجري في المتعة.
(مسألة 273): الطلاق الواقع من الولي أو الحاكم رجعي تجب فيه النفقة، و
إذا حضر الزوج أثناء العدة، جاز له الرجوع بها، وإذا مات أحدهما في العدة
ورثه الآخر، ولو مات بعد العدة، فلا توارث بينهما.
(مسألة 274): المفقود المعلوم حياته، إذا ادعت زوجته عدم التمكن من
الصبر على هذه الحالة عادة واني أريد ما تريد النساء، فهل يجوز للحاكم ان
يطلقها، وكذلك المحبوس الذي لا يمكن اطلاقه من الحبس أبدا، ولا يمكن
الوصول اليه إذا لم تصبر زوجته على هذا الحال وترفع امرها
اليه؟
100

والجواب: انه ان كان هناك من ينفق عليها من مال زوجها إذا كان له مال،
أو مال نفسه بما تتطلب شؤونها من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وغير
ذلك، فعليها ان تصبر ولا حق لها ان تطلب الطلاق ولا كرامة، وان لم يكن هناك
من ينفق عليها، فللحاكم الشرعي اما ان يقوم بالانفاق عليها أو يطلقها، وقد
تسأل ان الفحص عن المفقود في طول اربع سنين إذا استلزم الوقوع في المعصية،
فهل تجوز المبادرة إلى طلاقها من دون الفحص؟
والجواب: انه لا تجوز إذا كان هناك من ينفق عليها، واما إذا لم يكن، فهل
لها ان ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتطالب بالنفقة أو الطلاق بعد ما لم يكن
الفحص عنه شرعا، كما هو المفروض؟
والجواب: نعم، وحينئذ فللحاكم الشرعي ان يأمر ولي الزوج بالانفاق
أو الطلاق، فان امتنع أجبره على ذلك، فان لم يمكن اجباره أو لم يكن له ولي طلقها
الحاكم، ثم تعتد عدة الطلاق وهي ثلاثة قروء أو شهور.
(مسألة 275): مر ان الزوج إذا كان ممتنعا من الانفاق على زوجته مع
استحقاقها النفقة عليها، رفعت امرها إلى الحاكم، فيأمر زوجها بالانفاق أو
الطلاق، فان امتنع عن كليهما طلقها الحاكم، والظاهر ان الطلاق حينئذ بائن، لا
يجوز للزوج الرجوع بها أثناء العدة، وعدتها عدة الطلاق.
الموجب الثالث: وطء الشبهة
(مسألة 276): عدة الموطوءة بشبهة عدة الطلاق، فان كانت حاملا
فبوضع الحمل، وان كانت حائلا مستقيمة الحيض فبالاقرار والا فبالمشهور،
101

وكذلك المفسوخ نكاحها بعد الدخول بفسخ فاسخ لعيب أو نحوه، أو بالانفساخ
لارتداد أو رضاع أو غيره، نعم إذا ارتد الزوج عن فطرة، فالعدة عدة الوفاة، اما
إذا كان الفسخ قبل الدخول فلا عدة عليها، والظاهر انه لا فرق في ذلك بين ان
تكون زوجة المرتد حرة أو أمة.
(مسألة 277): لا عدة على المزني بها من الزنا ان كانت حرة، ولا استبراء
عليها ان كان أمة، فيجوز لزوجها ان يطأها، ويجوز التزويج بها للزاني وغيره،
ولكن الأحوط الأولى ان لا يتزوج بها الا بعد استبرائها بحيضة.
(مسألة 278): الموطوءة شبهة لا يجوز لزوجها ان يطأها ما دامت في العدة،
وفي جواز سائر الاستمتاعات له اشكال، والأظهر الجواز وان كان الاحتياط
أولى وأجدر، وهل يجوز تزويجها في العدة لو كانت خلية؟
والجواب لا يجوز، نعم يجوز لواطيها ذلك.
(مسألة 279): مبدء عدة الطلاق من حين وقوعه، حاضرا كان الزوج أو
غائبا، ومبدء عدة الوفاة في الحاضر من حينها، وفي الغائب ومن بحكمه
كالمحبوس من حين بلوغ خبر الوفاة، بل لا يبعد ذلك في الحاضر إذا لم يبلغها خبر
وفاته الا بعد مدة، وفي عموم الحكم للأمة إذا مات من له العدة وعلمت به بعد
مدة اشكال بل لا يبعد عدمه، وكذلك الحال في عمومه للصغيرة والمجنونة، وهل
يشترط في تحقق البلوغ حجية الخبر؟ وجهان أظهرهما ذلك، ومبدء عدة الفسخ
من حينه، وكذا مبدء عدة وطء الشبهة، فإنه من حينه لا من حين زوال الشبهة
على الأظهر.
102

احكام العدد
الموجب الرابع: انتهاء المدة أو هبتها في المتعة
(مسألة 280): المرأة المتمتع بها إذا لم تكن حاملا وكانت مستقيمة الحيض
فعدتها حيضتان، فإذا مرت بها الحيضتان الكاملتان فقد انتهت عدتها، وان لم
تكن مستقيمة الحيض بان تحيض مرة بعد شهرين وأخرى بعد ثلاثة اشهر، أو
لا تحيض وهي في سن من تحيض، فعدتها خمسة وأربعون يوما، ولا فرق في
ذلك بين كون المتمتع بها حرة أو أمة، وإذا كانت حاملا فعدتها وضع حملها.
(مسألة 281): المطلقة بائنا بمنزلة الأجنبية في زمن العدة، لا تستحق فيه
اي نفقة على زوجها، ولا تجب عليها اطاعته، ولا يحرم عليها الخروج بغير اذنه،
واما المطلقة رجعيا، فهي بمنزلة الزوجة فيه ما دامت في العدة، فيجوز لزوجها
الدخول عليها بغير اذن، ويجوز بل يستحب لها اظهار زينتها له، وتجب عليه
نفقتها، وتجب عليها اطاعته، ويحرم عليها الخروج من بيته بغير اذنه على ما مر،
ويتوارثان إذا مات أحدهما في أثناء العدة، ولا يجوز له ان يخرجها من بيت
الطلاق إلى بيت آخر الا ان تأتي بفاحشة مبينة، كما إذا كانت بذيئة اللسان أو انها
تتردد على الأجانب أو انهم يترددون عليها، ولو اضطرت إلى الخروج بغير اذن
زوجها، فالأحوط ان يكون بعد نصف الليل وترجع قبل الفجر إذا تأدت
الضرورة بذلك.
(مسألة 282): إذا طلق زوجته بعد الدخول ورجع ثم طلقها قبل الدخول،
وجبت عليها العدة من حين الطلاق الثاني، وقيل لا عدة عليها، لأنه طلاق قبل
الدخول لكنه ضعيف، ولو طلقها بائنا بعد الدخول بها ثم عقد
103

عليها في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول، فهل يجري عليه حكم الطلاق
قبل الدخول أو لا؟
والجواب: نعم، بمعنى ان هذا الطلاق لا يوجب استيناف العدة من جديد،
وانما يرفع المانع عن المواصلة على العدة من الطلاق الأول، وبكلمة ان اثره انما
هو استمرار المرأة ومواصلتها على تلك العدة واتمامها فحسب بدون اي زيادة، و
من هنا لو لم يكن مسبوقا بذلك الطلاق لم يترتب عليه ذلك أيضا، وكذا الحكم في
المنقطعة إذا تزوجها فدخل بها ثم وهبها المدة ثم تزوجها ثانيا ووهبها المدة قبل
الدخول.
(مسألة 283): إذا طلق الرجل امرأته ثم حاضت بحيث لم يتخلل زمان طهر
بين الطلاق والحيض، لم يحسب ذلك الطهر الذي وقع فيه الطلاق من الأطهار
الثلاثة، واحتاجت في انتهاء عدتها إلى أطهار ثلاثة أخرى، فتنتهي عدتها رؤية
الحيضة الرابعة، ولو تخلل زمان طهر بين الطلاق والحيض، احتسب ذلك الطهر
اليسير من الأطهار الثلاثة، وانتهت عدتها برؤية الحيضة الثالثة.
(مسألة 284): إذا كانت المرأة تحيض بعد كل ثلاثة أشهر مرة، فطلقها في
أول الطهر ومرت عليها ثلاثة أشهر بيض، فقد خرجت من العدة وكانت عدتها
الشهور لا الأطهار، وإذا كانت تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة، بحيث لا تمر عليها
ثلاثة أشهر بيض لا حيض فيها، فهذه عدتها الأطهار لا الشهور كما مر، وإذا
اختلف حالها، فكانت تحيض في الحر مثلا في أقل من ثلاثة أشهر مرة وفى البرد
بعد كل ثلاثة اشهر مرة اعتدت بالسابق من الشهور والأطهار، فان سبق لها
ثلاثة أشهر بيض كانت عدتها، وان سبق لها ثلاثة أطهار كانت
104

عدتها أيضا. نعم إذا كانت مستقيمة الحيض وكانت شابة فطلقها ورأت
الدم مرة ثم ارتفع على خلاف عادتها وجهل سببه، وانه حمل أو بسبب آخر،
انتظرت تسعة أشهر من يوم طلاقها، فان لم تضع اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر
على الأحوط، ولا شيء عليها بعد ذلك.
(مسألة 285): إذا رأت الدم مرة ثم بلغت سن اليأس، أكملت العدة
بشهرين.
(مسألة 286): تختص العدة في وطء الشبهة بما إذا كان الواطء جاهلا،
سواء كانت الموطوءة عالمة أم جاهلة، اما إذا كان الواطء عالما والموطوءة
جاهلة، فالظاهر انه لا عدة له عليها، لأنه زان ولا عدة للزاني.
(مسألة 287): إذا طلق رجل زوجته طلاقا بائنا ثم وطأها شبهة، فهل
تتداخل العدتان، بمعنى ان عدة الشبهة هل تبدأ من حين وطيها أو انها تبدء بعد
انتهاء عدة الطلاق، فعلى الأول تتداخل العدتان دون الثاني؟
والجواب: الأظهر هو الأول، هذا بدون فرق بين أن تكون العدتان من
نوع واحد أو من نوعين، بان تكون احدى العدتين ثلاثة اقراء أو اشهر، و
الأخرى فترة الحمل، مثال الأول ما إذا كانت كلا العدتين بالشهور أو بالأطهار،
وحينئذ فان كان الوطء بالشبهة بعد طلاقها بشهر واحد أو طهر مثلا، تداخلت
العدتان في الشهرين أو الطهرين الباقيين، فإذا مر بها الشهران أو الطهران، فقد
انقضت عدة الطلاق وبقي شهر أو طهر واحد من عدة وطء الشبهة، ومثال الثاني
ما إذا كانت المرأة المطلقة حاملا، تداخلت العدتان في مدة الحمل، وحينئذ فان
كان وضع حملها بعد وطء الشبهة بشهرين، فقد انتهت عدة الطلاق وبقي شهر واحد من
عدة الشبهة، وان كان وضع حملها
105

بعد أكثر من ثلاثة اشهر، انتهت عدة الوطء باكمال الثلاثة وبقيت عدة الطلاق
إلى ان تضع، وان كان للمرأة حائلا ولكنها حملت بوطء الشبهة، فعندئذ تنتهي
عدة الطلاق باكمال الشهور أو الأطهار الثلاثة، وبقيت عدة الوطء إلى ان تضع،
وكذا إذا وطأها رجل شبهة ثم وطأها آخر كذلك، نعم لا ينبغي الاشكال في
التداخل إذا وطأها رجل شبهة مرة بعد أخرى.
(مسألة 288): إذا طلق زوجته غير المدخول بها، ولكنها كانت حاملا
بإراقته على فم الفرج، اعتدت عدة الحامل، وكان له الرجوع فيها كما مر.
فصل في الخلع والمباراة
هما نوعان من الطلاق البائن، فإذا انضم إلى أيهما تطليقتان اخريان،
حرمت الزوجة حتى تنكح زوجا غيره.
الخلع، الخالع، المختلعة
شروط الخلع
وهي كما يلي:
الشرط الأول: الفدية، وهي مال قد بذلته الزوجة لزوجها في مقابل ان
يطلقها ويخلعها ويجعلها حرة ومالكة لبضعها، ويعتبر في الفدية أمور:
1 - ان تكون قابلة للتملك، فلا يصح جعلها مما لا يكون قابلا للتمليك
106

والتملك شرعا، كالخمر والخنزير ونحوهما.
2 - ان تكون معلومة قدرا ووصفا في الجملة.
3 - ان يكون بذلها باختيار المرأة، فلا تصح الفدية مع اكراهها على بذلها،
سواء أكان الاكراه من الزوج أم من غيره، وقد تسأل هل يعتبر في الفدية ان
تكون بقدر المهر أو لا؟
والجواب: لا يعتبر ذلك، ويجوز ان تكون أكثر من المهر، كما يجوز أن
تكون اقل منه.
الشرط الثاني: كراهة الزوجة للزوج وتنفرها عنه، وعدم تمكنها عادة
من الإعاشة معه إعاشة سليمة وبدون اي حزازة ونفرة في البين، سواء أكان
لذلك منشأ ذاتي، كسوء خلقه أو قبح منظره أو دنو طبعه، أو عرضي، ككونه
شارب الخمر أو تارك الصلاة أو غير ذلك من الاعمال الخسيسة التي يمارسها في
الخارج، هذا كله مع عدم تقصيره في أداء حقوقها الواجبة عليه كالقسم والنفقة و
نحوهما، وقد تسأل ان كراهتها إذا كانت ناشئة من تقصيره في أداء حقوقها
الواجبة عليه، فهل تصلح للبذل والمطالبة بالطلاق الخلعي أو لا؟
والجواب: الظاهر انها لا تصلح لذلك، ولا يصح الطلاق بدافع هذا البذل
طلاقا خلعيا، وعليه فلو بذلته لان يطلقها فطلقها، فان قصد الطلاق الخلعي
فحسب لم يصح، وان قصد الطلاق الاعتيادي صح، سواء أكان البذل صحيحا كما
إذا بذلته تداعي طبيعي الطلاق خلعيا كان أم رجعيا بطيب نفسها، أم لا كما إذا
بذلته بإزاء الطلاق الخلعي فحسب، والسبب في ذلك ان بامكان المرأة ان تعالج
هذه المشكلة وتدفع عنها بإرجاع أمرها إلى الحاكم الشرعي، و
107

بعد الارجاع يطلب الحاكم الشرعي من زوجها النفقة أو الطلاق، فان
امتنع عن كليهما طلقها الحاكم ارغاما لأنفه، وبكلمة ان الزوجة إذا كانت كارهة
للزوج من غير ناحية تقصيره في أداء حقوقها الواجبة عليه من النفقة وغيرها، و
يعلم الزوج بهذه الكراهة من اختلاف سلوكها معه وآدابها اليومية، وقولها له
باني لا أطيع لك ولا اغتسل لك من جنابة ولا أقيم حدود الله فيك، وحينئذ
فللمرأة أن تطلب الطلاق من الزوج في مقابل ما بذلته له من المال، فإذا طلقها
على ذلك صح الطلاق خلعا، ومع انتفاء هذه الكراهة والنفرة، لم يصح خلعا ولم
يملك الزوج الفدية، وهل يعتبر أن تكون الكراهة بدرجة يخاف منها الوقوع في
الحرام كالزنا؟
والجواب: الظاهر عدم اعتبار ذلك، فالمعيار فيها ما عرفت.
الشرط الثالث: أن لا يكون الزوج كارها لها، وإلا لم يكن الطلاق خلعيا.
الشرط الرابع: حضور شاهدين عدلين حال ايقاع الخلع، فإذا وقع
بدون حضورهما بطل رأسا.
الشرط الخامس: أن لا يكون معلقا على شرط مشكوك الحصول كما مر
في الطلاق، نعم إذا كان معلقا على شرط كان الخلع متوقفا عليه، كما إذا قال
خلعتك ان كنت زوجتي أو ان كنت كارهة لي، صح، بل يصح التعليق على أمر
واقع، كما إذا قال خلعتك ان كان هذا اليوم يوم الجمعة، وكان في الواقع يوم
الجمعة.
108

شروط الخالع
وهي كما يلي:
الأول: البلوغ، فلا يصح الخلع من الصبي.
الثاني: العقل.
الثالث: الاختيار.
الرابع: القصد كما هو الحال في المطلق، فان نفس الشروط المعتبرة فيه
معتبرة في الخالع أيضا.
شروط المختلعة
وهي كما يلي:
الاول: ان لا تكون المرأة في حال الخلع حائضا أو نفساء، وإلا بطل
الخلع.
الثاني: ان تكون في طهر غير المواقعة، فلو كانت حائضا أو نفساء
أو طاهرة طهرا واقعها فيه الزوج، لم يصح الخلع، نعم اعتبار ذلك انما هو إذا كانت
قد دخل بها بالغة غير آيس حائلا وكان الزوج حاضرا، أما إذا لم تكن مدخولا
بها أو كانت صغيرة أو يائسة أو حاملا أو كان الزوج غائبا، صح خلعها و
ان كانت حائضا أو نفساء أو كانت في طهر المواقعة، نعم الغائب الذي
تقدر على معرفة حالها بحكم الحاضر، والحاضر الذي لا يقدر على معرفة حالها
بحكم الغائب على نحو ما تقدم في الطلاق، وقد تسأل هل يشترط في
109

الزوجة المختلعة البلوغ والعقل أو لا؟
والجواب: لا يشترط ذلك، فإذا خلعها تولى الولي البذل، نعم إذا كانت
الزوجة صبية غير مدركة ومميزة أو مجنونة كذلك، لم يصح خلعها من جهة عدم
توفر شرط صحته، وهو كراهة الزوجة للزوج، لا من جهة اعتبار البلوغ و
العقل فيها.
صيغة الخلع
(مسألة 289): الظاهر ان الخلع يقع بكل من صيغتي الطلاق والخلع بدون
ضم إحداهما بالأخرى، فإذا قال الزوج أنت طالق على كذا أو فلانة طالق على
كذا وقع الخلع وصح، كما انه يقع إذا قال خلعتك على كذا أو أنت مختلعة على كذا و
فلانة مختلعة على كذا، وان كان الأحوط والأولى الحاق أنت طالق أو هي طالق
به، وقد تسأل ان صيغة أنت مختلعة بالفتح أو بالكسر؟
والجواب: الظاهر انها بالفتح.
احكام الخلع
(مسألة 290): يجوز للزوجة الرجوع في الفدية كلا أو بعضا ما دامت في
العدة، وإذا رجعت كان للزوج الرجوع بها، وإذا لم يعلم الزوج برجوعها في
الفدية حتى خرجت عن العدة كان رجوعها بها لغوا، وكذا إذا علم برجوعها في
الفدية قبل خروجها من العدة، لكن كان الزوج لا يمكنه الرجوع بها، بأن
110

كان الخلع طلاقا ثالثا أو كان الزوج قد تزوج بأختها أو برابعة قبل
رجوعها بالبذل أو نحو ذلك، مما يمنع من رجوعه في العدة، على أساس ان الفدية
انما هي عوض عن ملك الزوجة بضعها، فإذا رجعت إليها فبطبيعة الحال ترجع
ملكية بضعها إلى الزوج بقانون المعاوضة، وحيث ان الثاني ممتنع فلا محالة يمتنع
الأول أيضا.
(مسألة 291): لا توارث بين الزوج والمختلعة، باعتبار ان عصمة الزوجية
قد انقطعت وحصلت البينونة بينهما ساعة ايقاع الخلع، نعم إذا رجعت الزوجة
إلى الفدية في أثناء العدة، وبعد ذلك مات أحدهما قبل انقضائها ورث، على
أساس أن رجوعها إلى الفدية يؤدي إلى انقلاب الطلاق البائن إلى الرجعى و
عود العلقة الزوجية بينهما.
(مسألة 292): تقدم ان الفدية المسلمة إذا كان مما لا يملكه المسلم كالخمر و
الخنزير لم تصح، وبطل الخلع، واما لو كانت مال الغير، فهل يصح الخلع ببذله؟
والجواب: انه لا يصح.
(مسألة 293): إذا خلعها على خل فبان خمرا بطل البذل، بل الخلع أيضا
على الأظهر، ولو خالعها على ألف ولم يعين بطل.
(مسألة 294): قد عرفت انه إذا بذلت له على أن يطلقها وكانت كارهة له،
فقال لها: أنت طالق على كذا، صح خلعها وان تجرد عن لفظ الخلع، أما إذا لم تكن
كارهة له، فلا يصح خلعها، وهل يصح طلاقها؟
والجواب: ان الزوج إذا كان معتقدا بكراهيتها قلبا وان تلك الكراهة
111

هي الدافع لها لبذل المال له والمطالبة منه بالطلاق، فحينئذ ان كان طلاقها
مبنيا على ذلك لم يصح، لان ما قصده وهو الطلاق الخلعي لم يقع، واما الطلاق
الإعتيادي وهو الطلاق بدون عوض لم يقصده، وإذا كان يعلم بعدم كراهتها له، و
مع ذلك إذا قام بطلاقها فطلقها، كان لا محالة يقصد به الطلاق الرجعي دون
الخلعي، فيصح حينئذ رجعيا، واما بذلها، فان كانت جاهلة بأنه لا يصح بدون
الكراهة فهو باطل، وان كانت تعلم بالحال ومع هذا بذلته لأنه يطلقها، كان المال
المبذول لا محالة هدية منها اليه مشروطا بطلاقها، وعندئذ وان صح الطلاق الا
انه رجعي لا خلعي.
(مسألة 295): إذا كان البدل من مال الزوجة، سواء أكان بالمباشرة أم
بالوكالة صح، وأما إذا لم يكن من مالها وكان من مال شخص آخر، وهو قد اذن
لها بان تجعل الفدية في ماله، وحينئذ فإذا قالت الزوجة لزوجها طلقني على فرس
زيد مثلا أو على خمسة آلاف دينار في ذمته، فهل يصح البذل ويكون الطلاق
خلعيا؟
والجواب: الظاهر انه لا يصح، على أساس ان صحة البذل مرتبطة بكون
المال المبذول ملكا للزوجة حتى تملك بضعها بإزائه، وإذا كان ملكا لغيرها، لم
يصلح ان يكون عوضا عن طلاقها بقانون المعاوضة، هذا إضافة إلى انه لو كان
ملكا لغيرها، فليس بامكانها الرجوع اليه، مع ان لها ذلك في الطلاق الخلعي، و
كذلك الحال لو بذلت المرأة مال غيرها باذنه لزوجها في مقابل طلاقها.
(مسألة 296): لو خالعها على عبد كاتب فتبين انه غير كاتب، فان رضي به
صح الخلع، وان رده بطل الخلع، وهل يصح طلاقها حينئذ بلا عوض؟
112

والجواب: ان صحته لا تخلو عن اشكال بل منع، لأنه غير مقصود للخالع
وما هو مقصوده لم يقع، وكذا لو خالعها على عين فتبين انها معيبة.
(مسألة 297): الأحوط المبادرة عرفا إلى ايقاع الخلع من الزوج بعد ايقاع
البذل من الزوجة بلا فصل، فإذا قالت له: طلقني على ألف درهم لزم أن يقول:
أنت طالق على ألف درهم بلا فصل عرفي.
(مسألة 298): يجوز ان يكون البذل والخلع بمباشرة الزوجين وبتوكيلهما و
بالاختلاف، فإذا وقع بمباشرتهما، فالأحوط الأولى ان تبدأ الزوجة فتقول: بذلت
لك كذا على ان تطلقني، فيقول الزوج أنت مختلعة على كذا فأنت طالق، وفي جواز
ابتداء الزوج بالطلاق وقبول الزوجة بعده اشكال، ولكن الجواز لا يخلو عن
قوة، وإذا كان بتوكليهما يقول وكيل الزوجة: بذلت لك كذا على أن تطلق موكلتي
فلانة، فيقول وكيل الزوج موكلتك فلانة زوجة موكلي مختلعة على كذا فهي
طالق، وجواز ابتداء وكيل الزوج وقبول وكيل الزوجة بعده غير بعيد كما تقدم.
المباراة
وهي تتفق مع الخلع في الشروط العامة المتقدمة وتفترق عنه فيما يلي:
1 - تعتبر في صحة المباراة كراهة كل من الزوجين الآخر، بينما تعتبر في
الخلع كراهة الزوجة للزوج فحسب.
2 - لا يكتفي في المباراة بقول الزوج لزوجته بارئتك على كذا بدون
اتباع ذلك بقوله، فأنت طالق أو هي طالق، بينما يكتفي في الخلع بقول الزوج
113

لزوجته أنت مختلعة كما مر.
3 - لا يأخذ الزوج من زوجته في المباراة أكثر من مهرها، بينما يجوز له في
الخلع أن يأخذ منها أكثر من مهرها.
(مسألة 299): طلاق المباراة بائن كطلاق الخلع، لا يجوز الرجوع فيه ما لم
ترجع الزوجة في البذل قبل انتهاء العدة، فإذا رجعت فيه في العدة، جاز له
الرجوع بها على ما تقدم في الخلع.
114

كتاب الظهار
الظهار وشروطه
وهي كما يلي:
الأول: ان يكون في حضور شاهدين عدلين بان سمعا قول المظاهر.
الثاني: ان لا يكون غرض المظاهر زجر المرأة عن فعل، كما لو قال لها ان
كلمتك مثلا فأنت علي كظهر امي، أو بعثها على فعل، كما لو قال لها ان تركت
الصلاة فأنت علي كظهر امي.
الثالث: ان لا يكون غرضه الاضرار بها، فإذا توفرت هذه الشروط صح
الظهار.
وصيغته: قول الزوج لزوجته أنت علي كظهر امي، أو زوجتي فلانه علي
كظهر امي.
115

(مسألة 300): في ثبوت الظهار في التشبيه بغير الظهر من اليد والرجل و
نحوهما اشكال والأقرب العدم، ويلحق بالأم جميع المحرمات النسبية، كالعمة و
الخالة وغيرهما، وهل تلحق المحرمات بالرضاع وبالمصاهرة بالنسبية في ذلك؟
والجواب: الالحاق لا يخلو عن اشكال بل منع.
المظاهر وشروطه
الأول: البلوغ: فلا يصح الظهار من الصبي.
الثاني: العقل: فلا يصح من المجنون.
الثالث: الاختيار والقصد: فلا يصح من المكره ولا من فاقد القصد
بالسكر أو الأغماء أو الغضب أو الغفلة أو غير ذلك.
المظاهرة وشروطها
الأول: ان تكون منكوحة بعقد دائم أو متعة، فلا يصح على الأجنبية وان
علقه على النكاح.
الثاني: ان تكون في طهر غير المواقعة إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها
تحيض، واما إذا كان غائبا عنها ولم يطلع بحالها أو يائسة أو صغيرة، فيصح وان
كان في طهر المواقعة.
الثالث: ان تكون مدخولا بها، والا لم يصح.
116

احكام الظهار
وهي في ضمن مسائل:
(مسألة 301): يصح مع التعليق على الشرط أيضا حتى الزمان على
الأقوى، كما إذا قال أنت علي كظهر امي ان فعلت كذا، فإذا فعلت تحقق
الظهار، أو إذا قال: أنت علي كظهر امي من أول الشهر الفلاني
وهكذا.
(مسألة 302): لو قيد الظهار بمدة كشهر أو سنة، ففي صحته اشكال ولا
تبعد الصحة.
(مسألة 303): يحرم الوطء بعد الظهار، فلو أراد الوطء لزمه التكفير اولا ثم
يطأها، فان طلق وراجع في العدة لم تحل حتى يكفر، ولو خرجت عن العدة ثم
تزوجها بعقد جديد ووطأها فلا شيء عليه، على أساس انها قد بانت منه و
ملكت نفسها وانقطعت العصمة بينهما، وكذلك لو كان الطلاق بائنا وتزوجها في
أثناء العدة ثم وطأها، ولو مات أحدهما أو إرتد بنحو لا يمكن الرجوع إلى
الزوجية، كما لو كان الارتداد قبل الدخول أو بعده وكان المرتد الرجل عن فطرة،
فلا كفارة.
(مسألة 304): لو وطأ المظاهر قبل التكفير عامدا، لزمته كفارتان إحداهما
للوطء والأخرى لإرادة العود اليه، وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء، كما انها
تتكرر بتكرر الظهار مع تعدد المجلس، بل مع اتحاده أيضا، ولو عجز عن الكفارة
فهل يجوز له وطيها؟
والجواب: انه لا يجوز على الأظهر، وهل يجزئ الاستغفار عن
117

الكفارة إذا عجز عنها؟
والجواب ان الاجزاء بعيد، والأقرب عدمه.
(مسألة 305): إذا رافعت المظاهرة زوجها إلى الحاكم، انظره الحاكم ثلاثة
أشهر من حين المرافعة، فيضيق عليه بعدها حتى يكفر أو يطلق.
118

كتاب الإيلاء
(مسألة 306): الايلاء هو ان يحلف الرجل باسم الله تعالى على ترك وطء
زوجته، ويقول: والله لا أجامعك والله لأغيظنك وغيرهما، وان يكون الايلاء
بقصد الاضرار بها، فلو كان لمصلحة وان كانت تلك المصلحة راجعة إلى الطفل لم
ينعقد ايلاء، بل انعقد يمينا وجرى عليه حكم الايمان.
(مسألة 307): يشترط في الايلاء وقوعه من بالغ كامل مختار قاصد وان
كان عبدا أو خصيا، أما الايلاء من المجبوب الذي لا يتمكن من الايلاج فهل
ينعقد؟
والجواب: الظاهر انه لا ينعقد.
(مسألة 308): لابد في الايلاء أن تكون المرأة منكوحة بالعقد الدائم
لا بالملك، وان تكون مدخولا بها، وان يولي مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر.
(مسألة 309): إذا رافعت الزوجة زوجها بعد الايلاء إلى الحاكم الشرعي
119

انظره الحاكم إلى أربعة أشهر من حين المرافعة، فان رجع وكفر بعد
الوطء، وإلا ألزمه بالطلاق أو الفئة والتكفير، ويحبس حتى يقبل أحدهما، فان
امتنع عن كليهما طلقها الحاكم، ولو طلق وقع الطلاق رجعيا أو بائنا على حسب
اختلاف موارده.
(مسألة 310): لو آلى مدة معينة تزيد عن أربعة أشهر، ودافع بعد المرافعة
حتى انقضت المدة، سقط حكم الايلاء وان اثم بالمدافعة من جهة انها تؤدى إلى
تفويت حقها، وإذا وطأها بعد ذلك فلا كفارة عليه، نعم لو وطأ قبل انقضاء المدة،
فعليه كفارة كما ان زوجته إذا صبرت عليه فلها ذلك، وان رفعته إلى الامام انظره
أربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك، اما ان ترجع إلى المناكحة واما ان تطلق، فان أبى
حبسه حتى يقبل أحدهما، وإلا فرق بينهما، وعليه الكفارة لو وطأ قبله.
(مسألة 311): لو ادعى الوطء فالقول قوله مع يمينه.
(مسألة 312): إذا انتهت مدة التربص وهي أربعة أشهر، وجب على
الزوج ايلاج الزوجة ووطيها ولها المطالبة بذلك، نعم إذا كان هناك ما يمنع من
الوطء كالحيض والمرض والاحرام وغير ذلك لم تكن لها المطالبة، فإنه حينئذ
داخل في فئة العاجز عن الوطء.
(مسألة 313): لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على
ترك الوطء فيه واحدا، ولا فرق فيه بين ان يقصد باليمين الثانية التأكيد أو يقصد
بها غير ما يقصد بالأولى، فان الزمان إذا كان واحدا فلا أثر لها.
120

كتاب اللعان
(مسألة 314): سبب اللعان قذف الزوجة بالزنا مع ادعاء والمشاهدة و
عدم البينة، ولا يجوز قذفها بالزنا مع الريبة ولا بالظن ببعض الأسباب والقرائن
المريبة، ولا بالشياع ولا باخبار الثقة ولا مع اليقين بذلك من دون المشاهدة، فلو
رماها بالزنا مع اليقين من دون الرؤية حد، الا إذا اعترفت المرأة بذلك أو أقام
البينة، وهل يثبت اللعان بانكار ولد يلحق به ظاهرا بدون القذف؟
والجواب: الظاهر ثبوته، ولا يسمع انكاره إلا به، شريطة احتمال الحاق
الولد به، كما إذا وضعته المرأة بعد ستة أشهر أو قبل تجاوز مدة أقصى الحمل من
وطيها حينئذ، فإنه يلحق به على أساس قاعدة الولد للفراش، ولا ينتفي عنه إلا
باللعان.
(مسألة 315): يشترط في الملاعن والملاعنة الشروط العامة للتكليف و
سلامة المرأة من الصميم والخرس ودوام النكاح والدخول، وصورته ان يقول
الرجل، اربع مرات: اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما قلته عن هذه المرأة،
121

ثم اشهد الخامسة ان لعنة الله علي ان كنت من الكاذبين. ثم تقول المرأة اربع
مرات: اشهد بالله انه لمن الكاذبين ثم تقول الخامسة: ان غضب الله علي ان كان من
الصادقين، فتحرم عليه أبدا، ويجب التلفظ بالشهادة وقيامها عند التلفظ، وبدء
الرجل وتعيين المرأة والنطق بالعربية مع القدرة، ويجوز غيرها مع التعذر، و
البدأة بالشهادة ثم باللعن في الرجل، والمرأة تبدأ بالشهادة ثم بالغضب، و
يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة عن
يساره وحضور من يستمع اللعان، والوعظ قبل اللعن والغضب.
(مسألة 316): إذا أقرت المرأة بما شهد عليها الرجل رجمت، وان أرادت ان
تدرأ عنها العذاب شهدت اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين، والخامسة ان
غضب الله عليها ان كان من الصادقين.
(مسألة 317): لو اكذب الملاعن نفسه بعد اللعان، فلا يحد للقذف
ولم يزل التحريم، ولو اكذب في أثنائه يحد، ولا تثبت احكام اللعان.
(مسألة 318): إذا اعترف الرجل بعد اللعان بالولد ورثه الولد، ولا يرثه
الأب ولا من يتقرب به، ولو اعترفت المرأة بعد اللعان بالزنا أربعا، ففي الحد تردد
والأظهر العدم، ولو ادعت المرأة المطلقة الحمل منه فأنكر الدخول، فأقامت بينة
بارخاء الستر، فالأقرب ثبوت اللعان، والله العالم بحقائق الأحكام.
(مسألة 319): لا يثبت اللعان بقذف المرأة الخرساء والصماء، ولكن لو
قذفها حرمت عليه مؤبدا من دون لعان.
122

كتاب العتق
وفيه فصول:
الفصل الاول: في الرق
(مسألة 320): يختص الاسترقاق بأهل الحرب وبأهل الذمة ان أخلو
بالشرائط على تفصيل في محله، فان أسلموا بقي الرق بحاله فيهم وفي أعقابهم.
(مسألة 321): يحكم على المقر بالرقية إذا كان مختارا بالغا.
(مسألة 322): لا يقبل قول مدعي الحرية إذا كان يباع في الأسواق الا
ببينة.
(مسألة 323): لا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وان علوا والأولاد و
ان نزلوا، ولا يملك الرجل المحارم بالنسب من النساء، ولو ملك أحد هؤلاء عتق،
وحكم الرضاع حكم النسب.
123

الفصل الثاني: في صيغة العتق
(مسألة 324): الصريح من صيغة العتق: أنت حر، وفي لفظ العتق إشكال
أظهره الوقوع به، ولا يقع بغيرهما ولا بالإشارة والكتابة مع القدرة، ولا يقع
معلقا على شرط ولا في يمين، كما إذا قال ان كلمت زيدا فعبدي حر، ولو شرط مع
العتق شيئا من خدمة وغيرها، جاز.
(مسألة 325): يشترط في المعتق البلوغ والاختيار والقصد والقربة، و
يشترط في المعتق بفتح الملك، وفي اشتراط اسلامه اشكال والأقرب العدم، و
يكره عتق المخالف، ويستحب أن يعتق من مضى عليه في ملكه سبع سنين
فصاعدا.
(مسألة 326): لو اعتق ثلث عبيده استخرج بالقرعة، ولو اعتق بعض
عبده عتق كله، ولو كان له شريك قومت عليه حصة شريكه، ولو كان معسرا
سعى العبد في النصيب.
(مسألة 327): لو اعتق الحبلى، فالوجه تبعية الحمل لها.
(مسألة 328): من أسباب العتق عمى المملوك وجذامه وتنكيل المولى به،
واسلام العبد وخروجه عن دار الحرب قبل مولاه، وكذا الاقعاد على المشهور
المدعى عليه الاجماع، ويحتمل ذلك في الجنون.
(مسألة 329): لو مات ذو المال وله وارث مملوك لا غير، اشترى من مولاه
واعتق وأعطي الباقي، ولا فرق بين المملوك الواحد والمتعدد.
124

الفصل الثالث: في التدبير
(مسألة 330): التدبير أن يقول المولى لعبده: أنت حر بعد وفاتي، ونحو ذلك
مما دل صريحا على ذلك من العبارات، ويعتبر صدوره من الكامل القاصد
المختار، فيعتق من الثلث بعد الوفاة كالوصية، وله الرجوع متى شاء، وهو متأخر
عن الدين.
(مسألة 331): لو دبر الحبلى اختصت بالتدبير دون الحمل، فلا يدبر مجرد
تدبيرها، هذا فيما إذا لم يعلم المولى بحملها، وإلا فلا تبعد التبعية، أما لو تجدد
الحمل من مملوك بعد التدبير، فإنه يكون مدبرا، وحينئذ يصح رجوعه في تدبير
الأم، ولا يصح رجوعه في تدبير ولدها على الأقوى.
(مسألة 332): ولد المدبر المولود بعد تدبير أبيه إذا كان مملوكا لمولاه مدبر،
ولا يبطل تدبير الولد بموت أبيه قبل مولاه، وينعتقون من الثلث، فان قصر
استسعوا.
(مسألة 333): إباق المدبر ابطال لتدبيره، وتدبير أولاده الذين ولدوا بعد
الإباق.
الفصل الرابع: في الكتابة
وهي قسمان: مطلقة ومشروطة.
(مسألة 334): المكاتبة المطلقة ان يقول المولى لعبده أو أمته: كاتبتك على
كذا على ان تودية في نجم كذا، اما في نجم واحد أو نجوم متعددة فيقول العبد:
125

قبلت، فهذا يتحرر منه بقدر ما يؤدي، وليس له ولا لمولاه فسخ الكتابة، وان
عجز يفك من سهم الرقاب، وفي وجوب ذلك تأمل.
(مسألة 335): المكاتب المطلق ان أولد من مملوكة تحرر من أولاده بقدر ما
فيه من الحرية، وان مات ولم يتحرر منه شيء كان ميراثه للمولى، وان تحرر منه
شيء كان لمولاه من ماله بقدر الرقية ولورثته الباقي، ويؤدون ما بقي من مال
الكتابة ان كانوا تابعين له في الحرية والرقية، ولو لم يكن له مال سعى الأولاد فيما
بقي على أبيهم، ومع الأداء ينعتقون، ولو أوصى أو أوصى له بشيء صح بقدر
الحرية، وكذا لو وجب عليه حد، ولو وطأ المولى أمته المكاتبة، حد بنصيب
الحرية.
(مسألة 336): المكاتبة المشروطة، ان يقول المولى بعد ما قاله في المطلقة،
فان عجزت فأنت رد في الرد، وهذا لا يتحرر منه شيء الا بأداء وجميع ما عليه،
فان عجز رد في الرق، وحد العجز أن يؤخر نجما عن وقته لا عن مطل، الا أن
يكون الشرط عدم التأخير مطلقا، والمدار في جواز الرد عدم القيام بالشرط، و
يستحب للمولى الصبر عليه.
(مسألة 337): لابد من صحة المكاتبة في المولى من جواز التصرف، وفي
العبد من البلوغ وكمال العقل، وفي العوض من كونه دينا مؤجلا على قول عينا
كان أو منفعة كخدمة سنة معلوما مما يصح تملكه.
(مسألة 338): إذا مات المكاتب في المشروطة بطلت الكتابة، وكان ماله و
أولاده لمولاه.
(مسألة 339): ليس للمكاتب أن يتصرف في ماله بغير الاكتساب الا بأذن
المولى، وينقطع تصرف المولى عن ماله بغير الاستيفاء باذنه.
126

(مسألة 340): لو وطأ مكاتبته فلها المهر، وليس لها أن تتزوج بدون اذن
المولى، وأولادها بعد الكتابة مكاتبون إذا لم يكونوا أحرارا، كما إذا كان زوجها
حرا.
127

كتاب الايمان والنذور
وفيه فصول:
الفصل الاول: في اليمين
(مسألة 341): ينعقد اليمين بالله وبأسمائه المختصة كمقلب القلوب والذي
نفسي بيده والذي خلق الحبة وبرء النسمة أو بما دل عليه جل وعلا ما ينصرف
إليه، كالرب والخالق والبارىء والرازق وما شاكلها، واما ما لا ينصرف اليه،
كالعالم والسميع والبصير والحي، فهل تنعقد اليمين به؟
والجواب: ان الانعقاد غير بعيد، وينعقد لو قال: والله لأفعلن أو بالله أو
برب الكعبة أو تالله أو أيم الله أو لعمر الله أو اقسم بالله أو احلف برب المصحف و
نحو ذلك، ولا ينعقد ما إذا قال وحق الله الا إذا قصد به الحلف بالله تعالى ولا
ينعقد اليمين بالبراءة من الله أو من أحد الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، ولا يبعد حرمة
اليمين بها.
128

(مسألة 342): يشترط في الحالف التكليف والقصد والاختيار، ولا ينعقد
في حال الغضب ولا الجبر ولا الاكراه، ويصح الحلف من الكافر، وينعقد على
الواجب أو المندوب أو المباح مع الأولوية أو ترك الحرام أو ترك المكروه أو ترك
المباح كذلك، ولو تساوى متعلق اليمين وعدمه في الدين والدنيا، فهل تنعقد اليمين
أو لا؟
والجواب: ان الانعقاد لا يخلو عن قوة.
(مسألة 343): لا يتعلق اليمين بفعل الغير، وتسمى يمين المناشدة، كما إذا
قال: والله لتفعلن، ولا بالماضي ولا بالمستحيل، فلا يترتب اثر على اليمين في جميع
ذلك.
(مسألة 344): تشترط في صحة اليمين القدرة على الوفاء بها في ظرفها و
وقتها، فلو حلف على أمر غير مقدور لم ينعقد، وكذا لو حلف على أمر ممكن و
مقدور في وقت الحلف، ولكن تجدد له العجز في وقت الوفاء بالمحلوف عليه أو
إلى الأبد.
(مسألة 345): يجوز ان يحلف على خلاف الواقع مع تضمن المصلحة
الخاصة، كدفع الظالم عن ماله أو مال المؤمن ولو مع امكان التورية، بل قد يجب
الحلف إذا كان به التخلص عن الحرام أو تخليص نفسه أو نفس مؤمن من الهلاك.
(مسألة 346): لا يمين للولد مع الأب ولا للزوجة مع الزوج ولا للعبد مع
المولى، بمعنى أن للأب حل يمين الولد، وللزوج حل يمين الزوجة وللمولى حل
يمين العبد، بل لا يبعد ان لا تصح يمينهم بدون اذنهم، كما لا يمين في معصية كتحريم
حلال أو تحليل حرام أو قطيعة رحم.
129

(مسألة 347): انما تجب الكفارة بحنث اليمين، بان يترك ما يجب فعله أو
يفعل ما يجب عليه تركه باليمين لا بالغموس، وهي اليمين كذبا على وقوع أمر،
فانها لا تنعقد حتى تجب الكفارة عليها، نعم انها محرمة شرعا، وبكلمة لا تنعقد
اليمين على ترك واجب أو فعل حرام، بل على ترك مستحب أو فعل مكروه،
شريطة ان لا يترتب عليه عنوان ثانوي راجح، والا انعقدت، كما انها تنعقد على
كل فعل أو ترك راجح، بل لا يبعد انعقادها على ما يتساوى طرفاه، وإذا انعقدت
وجب الوفاء بها، وإذا خالف ولم يف بها عامدا وملتقتا، فعليه الاثم والكفارة، و
لا يجوز الحلف الا مع العلم.
(مسألة 348): من حلف يمينا على شيء ثم رأى ان في مخالفتها خيرا من
الوفاء بها، جاز له المخالفة بل تكون أرجح منه.
الفصل الثاني: في النذر
(مسألة 349): يشترط في الناذر التكليف والاختيار والقصد واذن المولى
للعبد، وهل يعتبر في صحة نذر الزوجة إذا لم يكن متعلقا بمالها ولا منافيا لحق
زوجها اذنه؟
والجواب: الأقرب انه غير معتبر، نعم إذا كان نذرها متعلقا بمالها أو منافيا
لحق زوجها لم يصح الا بأذنه، ولا فرق في ذلك بين ان يكون نذرها في حال
الزوجية أو قبلها، فإنه على كلا التقديرين تتوقف صحته على اذنه اللاحق، وأما
نذر الولد، فالظاهر أنه لا ينعقد مع نهي والده عما تعلق به النذر، وينحل نهيه عنه
بعد النذر، ولا يبعد ان لا ينعقد عهد الولد بنهي والده وينحل بنهيه بعد العهد.
130

(مسألة 350): النذر اما نذر بر شكرا كقوله: ان رزقت ولدا فلله علي كذا، أو
استدفاعا لبلية كقوله: ان برئ المريض فلله على كذا، وإما نذر زجر كقوله: ان
فعلت محرما فلله علي كذا أو إن لم افعل الطاعة فلله علي كذا، وإما نذر تبرع كقوله:
لله علي كذا، ومتعلق النذر في جميع ذلك يجب ان يكون طاعة لله ومحبوبا له و
مقدورا للناذر في ظرفه، فلو لم يكن محبوبا له تعالى أو كان ولكن لم يكن مقدورا
له في ظرف الوفاء، لم يصح.
(مسألة 351): يعتبر في النذر ان يكون لله، فلو قال علي كذا ولم يقل لله لم
يجب الوفاء به. ولو جاء بالترجمة، فالأظهر وجوب الوفاء به.
(مسألة 352): لو نذر ولم يسم شيئا بطل ولا شيء عليه، وان كان الأولى و
الأجدر به ان يصلي ركعتين أو يصوم يوما أو يتصدق بشيء، وان سمى شيئا كما
إذا قال لله علي عمل طاعة وخير، وجب عليه الاتيان بما ينطبق عليه العمل
الطاعة والخير من الصلاة أو الصيام أو الصدقة، ولو نذر صوم حين كان عليه
ستة اشهر على الأحوط، ولو قال زمانا فخمسة اشهر كذلك، ولو نذر الصدقة
بمال كثير، فالمروي انه ثمانون درهما من الدرهم السكوك وعليه العمل، ولو نذر
عتق كل عبد قديم، عتق من مضى عليه ستة اشهر فصاعدا في ملكه، هذا كله إذا
لم تكن هناك قرينة تصرفه عنه، وإلا كان العمل عليها، ولو نذر عتق أول مملوك
يملكه فملك جماعة دفعة واحدة، فان قصد عتق الواحد عينه بالقرعة، وان قصد
عتق كل مملوك ملكه اولا، فعليه عتق الجميع.
(مسألة 353): لو عجز عما نذر سقط فرضه إذا استمر العجز، فلو تجددت
القدرة عليه في وقته وجب، وإذا اطلق النذر لا يتقيد بوقت، ولو قيده
131

بوقت معين أو مكان معين لزم.
(مسألة 354): لو نذر صوم يوم معين فاتفق له السفر أو المرض أو حاضت
المرأة أو نفست أو كان عبدا، افطر ولزمه القضاء.
(مسألة 355): لو نذر ان يجعل دابته أو عبده أو جاريته هديا لبيت الله تعالى
أو المشاهد، استعملت في مصالح البيت أو المشهد، فان لم يكن ذلك بيعت و
صرف ثمنها في مصالحه من سراج وفراش وتنظيف وتعمير وغير ذلك.
(مسألة 356): لو نذر شيئا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لولي، فالمدار على قصد الناذر، و
يرجع في تعيينه مع الشك إلى ظاهر كلام الناذر، ولو لم يقصد الا نفس هذا العنوان
، يصرف على جهة راجعة إلى المنذور له، كالانفاق على زواره الفقراء أو الانفاق
على حرمة الشريف ونحو ذلك، ولو نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة صرف
في مصارفه، فينفق على عمارته أو أنارته أو في شراء فراش له وما إلى ذلك من
شؤونه، والا يصرف في الأقرب فالأقرب منه.
الفصل الثالث: في العهود
(مسألة 357): العهد هو أن يقول الانسان عاهدت الله على فعل شيء
كالصلاة في أول الوقت مثلا أو على ترك شيء آخر، أو علي عهد الله انه متى كان
كذا فعلي أن افعل كذا، والظاهر انعقاده أيضا لو كان مطلقا غير معلق وهو لازم،
وهل يعتبر ان يكون متعلقه كمتعلق النذر راجحا؟
والجواب: لا يبعد ذلك، ولا ينعقد النذر بل العهد أيضا الا باللفظ، وان
132

كان الأحوط فيه ان لا يتخلف عما نواه.
(مسألة 358): لو عاهد الله ان يتصدق بجميع ما يملكه وخاف الضرر،
قومه وتصدق به شيئا فشيئا حتى يوفي، أو أوصى لشخص ثقة ان يتصدق بما
يملكه بعد وفاته.
133

كتاب الكفارات
(مسألة 359): الكفارة على أقسام:
منها مرتبة بلحاظ ان الاختيار مسلوب عن المكلف، بل عين له نوع
الكفارة على سبيل الترتيب ككفارة الظهار، وقتل الخطأ، فإنه يجب فيها على
المكلف اولا عتق رقبة مؤمنة، فان عجز صام شهرين متتابعين، فان عجز أطعم
ستين مسكينا، وكذلك كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال،
فإنه يجب فيها اطعام عشرة مساكين، فان عجز صام ثلاثة أيام، والأحوط ان
تكون متتابعات.
ومنها مخيرة به كفاه، باعتبار ان الاختيار بيد المكلف، فإنه مخير بين ثلاثة
أشياء: عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، فأي
واحد من هذه الأمور أتى به كفاه، وكان تكفيرا عما فعله من المخالفة، وذلك
ككفارة من أفطر يوما من شهر رمضان أو خالف عهد الله تعالى على شيء، فإنها
مخيرة بين عتق رقبة أو صيام شهرين أو اطعام ستين مسكينا.
134

ومنها ما يجتمع فيه أمران ككفارة الايلاء وكفارة اليمين وكفارة النذر حتى
نذر صوم يوم معين، إذ قد اجتمع فيها التخيير والترتيب، وهي عتق رقبة أو
اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فان عجز صام ثلاثة أيام متواليات.
ومنها كفارة الجمع، ككفارة قتل المؤمن عمدا وظلما، فان كفارته إذا أمهله
القصاص أن يجمع بين الامور الثلاثة، عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين و
اطعام ستين مسكينا، وكذلك الافطار على حرام في شهر رمضان على الأحوط.
(مسألة 360): إذا اشترك جماعة في القتل، وجبت الكفارة على كل واحد
منهم، وكذا في قتل الخطأ، غاية الامر إذا اشتركوا في القتل العمدي، فعلى كل
واحد منهم كفارة الجمع، وإذا اشتركوا في القتل الخطئي، فعلى كل واحد كفارة
على سبيل الترتيب.
(مسألة 361): إذا جامع المعتكف امرأة في اعتكافه بطل اعتكافه ووجبت
عليه الكفارة، والأحوط وجوبا ان يكفر على النحو الذي يكفر به الزوج في
كفارة الظهار.
(مسألة 362): إذا كان المقتول مهدور الدم شرعا كالزاني المحصن واللائط
والمرتد، فقتله غير الأمام، لم تجب الكفارة إذا كان باذنه، وأما ان كان بغير اذن
الامام، فهل يجب عليه القود والدية مع التراضي والكفارة؟
والجواب: الأقرب الوجوب، على أساس انه محقون الدم بالنسبة اليه،
فيكون هذا ظلما وعدوانا.
(مسألة 363): يحرم على الانسان ان يحلف يمين البراءة، بان يقول مثلا:
135

انه يبرأ عن الله تعالى أو من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) إذا فعل
كذا، فإذا حلف على هذا النحو كان آثما، وعليه ان يكفر كفارته إطعام عشرة
مساكين.
(مسألة 364): لا كفارة في جز المرأة شعرها في المصاب على الأظهر، وان
كان الأحوط والأجدر ان تكفر كفارة الافطار في شهر رمضان، كما انه لا كفارة
على الأظهر في نتف شعرها أو خدش وجهها إذا أدمته، أو شق الرجل ثوبه في
موت ولده أو زوجته، وان كان الأحوط والأولى أن يكفر كل منهما إذا فعل ذلك
كفارة يمين.
(مسألة 365): لو تزوج الرجل بامرأة ذات بعل أو في العدة الرجعية،
وجب عليه ان يفارقها فورا، ولكن هل عليه كفارة؟
والجواب: الأقرب انه لا كفارة عليه، وان كان الأحوط والأولى له أن
يكفر بخمسة أصوع من دقيق.
(مسألة 366): لو نام عن صلاة العشاء الآخرة حتى خرج الوقت، أصبح
صائما على الأحوط استحبابا.
(مسألة 367): لو نذر صوم يوم أو أيام فعجز عنه، فالأحوط أن يتصدق
لكل يوم بمد على مسكين.
(مسألة 368): من وجد ثمن الرقبة وأمكنه الشراء فقد وجد الرقبة، و
يشترط فيها الايمان بمعنى الاسلام وجوبا في القتل وكذا في غيره على الأظهر، و
الأحوط استحبابا اعتبار الايمان بالمعنى الأخص في الجميع، ويجزي الآبق، و
الأحوط استحبابا اعتبار وجود طريق إلى حياته، وأم الولد والمدبر إذا
136

نقض تدبيره قبل العتق، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا من مال
الكتابة.
(مسألة 369): من لم يجد الرقبة أو وجدها ولم يجد الثمن، انتقل إلى الصوم
خاصة في المرتبة والى الجامع بينه وبين الاطعام في المخيرة، ولا يبيع ثياب بدنه و
لا خادمه ولا مسكنة ولا غيرها مما يكون في بيعه ضيق وحرج عليه لحاجته
إليه.
(مسألة 370): كفارة العبد في الظهار بالنسبة إلى الصوم صوم شهر، وهو
نصف كفارة الحر، والمشهور على ان الكفارة في قتل الخطأ كذلك، لكنه لا يخلو
عن اشكال بل منع.
(مسألة 371): إذا عجز عن الصيام في المرتبة ولو لأجل كونه حرجا عليه،
وجب الاطعام، وله صورتان: إحداهما ان يسلم لكل مسكين مدا من الطعام و
هو ثلاثة أرباع الكيلو، والأحوط وجوبا ان يكون من الخبز أو الحنطة أو الدقيق
في كفارة اليمين، وأما في غيرها فيجزي مطلق الطعام كالتمر والأرز والأقط و
الماش والذرة ونحو ذلك من أنواع القوت، والأخرى ان يجعله وليمة للعدد
المقصود، مجتمعين أو متفرقين في أمكنة متعددة، فيقدم لهم وليمة بقدر يشبعهم، و
الأحوط وجوبا ان يهتم بالطعام فيجعله من متوسط الأطعمة التي يأكل منها هو
وأهل بيته ولا سيما في كفارة اليمين، والأحوط والأجدر وجوبا ان المكلف إذا
ابتلى بكفارة الظهار ان يقدم لكل مسكين مدان يعني كيلو ونصف الكيلو.
(مسألة 372): يجوز اطعام الصغار بتمليكهم وتسليم الطعام إلى وليهم
ليصرفه عليهم، ولو كان بالاشباع، فلا يعتبر اذن الولي على الأقوى، و
137

الأحوط احتساب الاثنين منهم بواحد.
(مسألة 373): يجوز التبعيض في التسليم والاشباع، فيشبع بعضهم ويسلم
إلى الباقين، ولكن لا يكفي التكرار مطلقا، بان يشبع واحدا مرات متعددة أو يدفع
اليه أمدادا متعددة من كفارة واحدة، واما إذا تعذر استيفاء تمام العدد فهل يكفي
التكرار؟
والجواب: انه لا يكفي وان كان الأحوط.
(مسألة 374): الكسوة لكل فقير ثوب وجوبا، وثوبان استحبابا بل هما
مع القدرة أحوط.
(مسألة 375): لابد من التعيين مع اختلاف نوع الكفارة إذا كانت متعددة.
(مسألة 376): يعتبر في المكفر البلوغ والعقل، وهل تعتبر في التكفير نية
القربة؟
والجواب: ان اعتبار القربة فيه لا يخلو عن قوة.
(مسألة 377): لا يكفي في الكفارات دفع القيمة النقدية إلى المساكين
مباشرة.
(مسألة 378): يشترط في الاشخاص الذين يشملهم اطعام الكفارة أمران:
الاول: الفقر.
الثاني: ان لا يكون هؤلاء ممن تجب نفقته على المكفر، كآبائه وأبنائه و
138

غيرهما، ولا مانع من دفعها إلى الأقارب الذين لا تجب نفقتهم عليه.
(مسألة 379): المدار في الكفارة المرتبة على حال الأداء، فلو كان قادرا على
العتق ثم عجز صام، ولا يستقر العتق في ذمته، ويكفي في تحقق الموجب للانتقال
إلى البدل فيها العجز العرفي في وقت، فإذا أتى بالبدل ثم طرأت القدرة أجزأ، بل
إذا عجز عن الرقبة فصام شهرا ثم تمكن منها، اجتزأ باتمام الصوم ولا شي عليه.
(مسألة 380): في كفارة الجمع إذا عجز عن العتق وجب الباقي وعليه
الاستغفار، وكذا إذا عجز عن غيره من الخصال.
(مسألة 381): يجب في الكفارة المخيرة التكفير بجنس واحد، فلا يجوز أن
يكفر بنصفين من جنسين بان يصوم شهرا ويطعم ثلاثين مسكينا.
(مسألة 382): الأشبه في الكفارة المالية وغيرها جواز التأخير بمقدار لا
يعد من المسامحة في أداء الواجب، ولكن المبادرة أحوط.
(مسألة 383): هناك عدة كفارات لم تثبت شرعا:
منها: كفارة عمل السلطان، وهي قضاء حوائج الاخوان.
ومنها: كفارة المجالس، وهي أن تقول عند قيامك منها: " سبحان ربك رب
العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ".
ومنها: كفارة الضحك، وهي ان تقول: " اللهم لا تمقتني ".
ومنها: كفارة الاغتياب، وهي الاستغفار للمغتاب.
ومنها: كفارة الطيرة، وهي التوكل.
139

ومنها: كفارة اللطم على الخدود، وهي الاستغفار والتوبة.
ومنها: كفارة الحيض.
(مسألة 384): إذا عجز المكلف عن الكفارة المخيرة لافطار شهر رمضان
وجب عليه الاستغفار، وهل يجب عليه التصدق بما يطيق؟
والجواب: ان وجوبه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدمه وان كان
التصدق أحوط وأجدر، ولكن إذا تمكن بعد ذلك، هل يلزمه التكفير؟
والجواب: انه غير بعيد.
(مسألة 385): إذا علم بأن عليه كفارة واحدة مخيرة - مثلا - ولم يعلم أنها
كفارة افطار صوم شهر رمضان، أو كفارة مخالفة العهد، كفاه ان يأتي بها قاصدا به
التكفير عما صدر عنه في الواقع.
140

كتاب الصيد والذباحة
لا يجوز أكل الحيوان من دون تذكية، والتذكية تكون بالصيد والذبح و
النحر وغيرها، فهنا فصول
فصل في الصيد
(مسألة 386): لا يحل الحيوان إذا اصطاده غير الكلب من أنواع الحيوان،
كالعقاب والباشق والصقر والبازي والفهد والنمر وغيرها، ويحل إذا
اصطاده الكلب من دون فرق بين السلوقي وغيره والأسود وغيره، فكل حيوان
حلال اللحم قد قتله الكلب بعقره وجرحه، فهو ذكي ويحل اكله كما إذا
ذبح.
(مسألة 387): يشترط في حلية صيد الكلب أمور:
الاول: أن يكون معلما للاصطياد، ويتحقق ذلك بأمرين:
أحدهما استرساله إذا أرسل، بمعنى انه متى أغراه صاحبه بالصيد، هاج
141

عليه وانبعث إليه.
ثانيهما: ان ينزجر إذا زجره، وهل يعتبر فيه الانزجار بالزجر حتى إذا كان
بعد ارساله؟
وجهان: أقواهما العدم، وقد تسأل هل يعتبر فيه ان لا يأكل مما يمسكه من
الصيد أو لا؟
والجواب: انه غير معتبر، فان اصطياده إذا كان بأمر صاحبه، كان الصيد
منسوبا اليه بالتسبيب والكلب بمنزلة آلة الصيد، باعتبار انه مأمور بأمره و
منزجر بزجره، فإذا كان الصيد صيده كان حلالا وان اكل منه، لأنه اكل من
المذكى، نعم إذا اصطاده لنفسه بأمر صاحبه كان حراما وان لم يأكل منه، ولا
موضوعية لاكله من الصيد، كما إذا كان معتادا، أجل قد يكون اكله كاشفا عن انه
اصطاد لنفسه لا بأمر صاحبه حتى يكون الصيد له.
الثاني: أن يكون بارساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون
ارسال لم يحل مقتوله، وكذا إذا أرسله لأمر غير الاصطياد من طرد عدو أو
سبع فاصطاد حيوانا، فإنه لا يحل، وإذا استرسل بنفسه فأغراه صاحبه لم يحل
صيده، وان اثر الاغراء فيه أثرا كشدة العدو، على أساس ان الصيد حينئذ
لا يكون صيده، وإذا استرسل لنفسه فزجره صاحب فوقف ثم أغراه وأرسله،
فاسترسل كفى ذلك في حل مقتوله، وإذا أرسله لصيد غزال بعينه فصاد غيره
حل، وكذا إذا صاده وصاد غيره معه، فإنهما يحلان، فالشرط قصد الجنس لا
قصد الشخص.
الثالث: أن يكون المرسل مسلما، فإذا أرسله كافر، فاصطاد لم يحل
صيده، ولا فرق في المسلم بين المؤمن والمخالف حتى الصبي، كما لا فرق في
142

الكافر بين الوثني وغيره والحربي والذمي.
الرابع: ان يسمي عند ارساله، والأقوى الاجتزاء بها بعد الارسال قبل
الإصابة، فإذا ترك التسمية عمدا لم يحل الصيد، اما إذا كان نسيانا حل، وكذلك
حكم الصيد بالآلة الجمادية كالسهم.
(مسألة 388): يكفي الاقتصار في التسمية هنا وفي الذبح والنحر على ذكر
الله مقترنا بالتعظيم، مثل: الله أكبر، والحمد لله، وبسم الله، وفي الاكتفاء بذكر
الاسم الشريف مجردا اشكال.
الخامس: ان يستند موت الحيوان إلى جرح الكلب وعقره، اما إذا
استند إلى سبب آخر من صدمة أو اختناق أو اتعاب في العدو أو نحو ذلك
لم يحل.
(مسألة 389): إذا ارسل الكلب إلى الصيد فلحقه فأدركه ميتا بعد إصابة
الكلب حل أكله، وكذا إذا ادركه حيا بعد إصباته، ولكن لم يسع الزمان لتذكيته
فمات، اما إذا كان الزمان يسع لتذكيته فتركه حتى مات لم يحل، وكذا الحال إذا
ادركه بعد عقر الكلب له حيا لكنه كان ممتنعا، بان بقي منهزما بعد وفاته إذا تبعه
فوقف، فان ادركه ميتا حل، وكذا إذا ادركه حيا ولكنه لم يسع الزمان لتذكيته، اما
إذا كان يسع لتذكيته فتركه حتى مات، لم يحل.
(مسألة 390): أدنى زمان تدرك فيه ذكاته أن يجده تطرف عينه أو تركض
رجله أو يتحرك ذنبه أو يده، فإنه إذا ادركه كذلك ولم يذكه والزمان متسع
لتذكيته، لم يحل إلا بالتذكية.
(مسألة 391): إذا اشتغل عن تذكيته بمقدمات التذكية من سل السكين و
143

رفع الحائل من شعر ونحوه عن موضع الذبح ونحو ذلك، فمات قبل ان يذبحه
حل، كما إذا لم يسع الوقت للتذكية، اما إذا لم تكن عنده آلة الذبح فلم يذبحه حتى
مات لم يحل، نعم لو أغرى الكلب به حينئذ حتى يقتله فقتله، حل اكله على
الأقوى.
(مسألة 392): الظاهر عدم وجوب المبادرة إلى الصيد من حين ارسال
الكلب ولا من حين اصابته له إذا بقي على امتناعه، وفي وجوب المبادرة حينما
أوقفه وصيره غير ممتنع وجهان، أحوطهما الأول، هذا إذا احتمل ان في المسارعة
اليه ادراك ذكاته، اما إذا علم بعدم ذلك ولو من جهة بعد المسافة على نحو لا
يدركه إلا بعد موته بجناية الكلب، فلا اشكال في عدم وجوب المسارعة اليه.
(مسألة 393): إذا عض الكلب الصيد كان موضع العضة نجسا، فيجب
غسله، ولا يجوز اكله قبل غسله.
(مسألة 394): لا يعتبر في حل الصيد وحدة المرسل، فإذا ارسل جماعة كلبا
واحدا مع اجتماع الشرائط في الجميع أو في واحد منهم مع كفاية إغرائه في ذهاب
الكلب لو كان هو المغري وحده حل صيده، وكذا لا يعتبر وحدة الكلب، فإذا
ارسل شخص واحد كلابا فاصطادت على الاشتراك حيوانا حل، نعم يعتبر في
المتعدد اجتماع الشرائط، فلو أرسل مسلم وكافر كلبين فاصطادا حيوانا لم يحل، و
كذا إذا كان مسلمين فسمي أحدهما ولم يسم الآخر، أو كان كلب أحدهما معلما
دون كلب الآخر، هذا إذا استند القتل اليهما معا، اما إذا استند إلى أحدهما، كما إذا
سبق أحدهما فأثخنه وأشرف على الموت، ثم جاءه الآخر فأصابه يسيرا، بحيث
استند الموت إلى السابق، اعتبر اجتماع الشروط في
144

السابق لا غير، وإذا اجهز عليه اللاحق بعد ان اصابه السابق ولم يوقفه
بل بقي على امتناعه، بحيث استند موته إلى اللاحق لا غير، اعتبر اجتماع الشروط
في اللاحق.
(مسألة 395): إذا ارسل مسلم وكافر كلبا واحدا لهما فاصطاد حيوانا، فهل
يحل؟
والجواب: ان ارسال المسلم وأمره إذا كان سببا مستقلا لاصطياده حل، و
ان كان جزء السبب لم يحل، وكذلك إذا ارسله مسلمان سمي أحدهما
ولم يسم الآخر، فان ارسال من سمي إذا كان سببا مستقلا لاصطياده حل،
وإلا فلا.
(مسألة 396): إذا شك في أن موت الصيد كان مستندا إلى جناية الكلب أو
إلى سبب آخر لم يحل. نعم إذا كانت هناك امارة عرفية توجب الوثوق و
الاطمئنان باستناده إليها حل، وإلا فلا.
(مسألة 397): لا يحل الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلا إذا كانت الآلة
سلاحا قاطعا كان كالسيف والسكين والخنجر ونحوها، أو شائكا كالرمح و
السهم والعصا وان لم يكن في طرفهما حديدة، بل كانا محددين بنفسهما، نعم يعتبر
الخرق فيما لا حديدة له، واما ما فيه حديدة، فإذا قتل الحيوان بوقوعه عليه من
دون خرق فهل يحل؟
والجواب: ان حليته بدون الخرق والجرح لا تخلو عن اشكال والاحتياط
لا يترك، واما المعراض، وهو كما قيل خشبة غليظة الوسط محددة الطرفين، فان
قتل معترضا لم يحل ما يقتله، وان قتل بالخرق حل، هذا إذا لم يكن عند الصائد
نبل، واما إذا كان عنده نبل، فهل يحل صيده بالمعراض؟
145

والجواب: انه لا يخلو عن اشكال، والاحتياط لا يترك.
(مسألة 398): الظاهر انه يجزي عن الحديد غيره من الفلزات، كالذهب و
الفضة والصفر وغيرها، فيحل الحيوان المقتول بالسيف أو الرمح المصنوعين
منها.
(مسألة 399): لا يحل الصيد المقتول بالحجارة والمقمعة والعمود والشبكة
والشرك والحبالة ونحوها من آلات الصيد مما ليست قاطعة
ولا شائكة.
(مسألة 400): في الاجتزاء بمثل المخيط والشك ونحوهما مما لا يصدق عليه
السلاح عرفا وان كان شائكا اشكال، وأما ما يصدق عليه السلاح،
فلا اشكال فيه وان لم يكن معتادا.
(مسألة 401): لا يبعد حل الصيد بالبنادق المتعارفة في هذه الأزمنة إذا
كانت محددة مخروطة، سواء أكانت من الحديد أم الرصاص أم غيرهما، نعم إذا
كانت البنادق صغيرة الحجم المعبر عنها في عرفنا (بالصچم)، ففيه اشكال.
(مسألة 402): يشترط في حل الصيد بالآلة الجمادية كون الرامي مسلما و
التسمية حال الرمي واستناد القتل إلى الرمي، وان يكون الرمي بقصد
الاصطياد، فلو رمى لا بقصد شيء أو بقصد هدف أو عدو أو خنزير فأصاب
غزالا فقتله لم يحل، وكذا إذا أفلت من يده فأصاب غزالا فقتله، ولو رمى بقصد
الاصطياد فأصاب غير ما قصد حل، ويعتبر في الحلية أن تستقل الآلة المحللة في
القتل، فلو شاركها غيرها لم يحل، كما إذا سقط في الماء أو سقط من أعلى الجدار إلى
الأرض بعد ما أصابه السهم فاستند الموت اليهما، وكذا إذا رماه مسلم وكافر و
من سمى ومن لم يسم أو من قصد ومن لم يقصد واستند
146

القتل إليهما معا، وإذا شك في الاستقلال في الاستناد إلى المحلل بني على الحرمة.
(مسألة 403): إذا رمى سهما فأوصلته الريح إلى الصيد فقتله حل وان كان
لولا الريح لم يصل، وكذا إذا أصاب السهم الأرض ثم وثب فأصابه فقتله.
(مسألة 404): لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة وحدة الآلة ولا وحدة
الصائد، فلو رمى أحد صيدا بسهم وطعنة آخر برمح فمات منهما معا، حل إذا
اجتمعت الشرائط في كل منهما، بل إذا أرسل أحد كلبه المعلم إلى حيوان فعقره و
رماه آخر بسهم فأصابه، فمات منهما معا حل أيضا.
(مسألة 405): إذا اصطاد بالآلة المغصوبة حل الصيد وان اثم باستعمال
الآلة، وكان عليه اجرة المثل إذا كان للاصطياد بها اجرة ويكون الصيد ملكا
للصائد ولا لصاحب الآلة.
(مسألة 406): يختص الحل بالاصطياد بالكلب المعلم وبالآلات القتالة بما
إذا كان الحيوان ممتنعا وعاصيا، بحيث لا يقدر الانسان عليه إلا بوسيلة من
الوسائل، وذلك كالطير والظبي وبقر الوحش وحماره ونحوها، على أساس ان
قتل هذه الحيوانات التي ليس بامكان الانسان السيطرة عليها لا يمكن إلا
بإصطيادها بآلة الصيد، وحينئذ فان قتلت بها حل اكلها بذلك، وان شلت
حركتها وهي حية لم يحل اكلها إلا بالذبح، واما الحيوان الأهلي كالبقر والغنم و
الإبل والدجاج ونحوها، فلا يحل بقتله بآلة الصيد، حيث ان بامكان الانسان ان
يقتله بالذبح أو النحر اختيارا بدون اي ضرورة إلى التوصل بها، والفرض ان
الحيوان إذا كان تحت استيلاء الانسان وفي حوزته، كانت تذكيته بالذبح أو النحر
لا بالصيد، ولهذا إذا شل الحيوان بالصيد وصل عليه الانسان
147

وهو حي لم يحل إلا بالذبح، نعم إذا استوحش الأهلي حل اكل لحمه
بالاصطياد، وإذا تأهل الوحشي كالظبي والطير المتأهلين لم يحل لحمه
بالاصطياد، وولد الحيوان الوحشي قبل أن يقوى على الفرار، وفرخ الطير قبل
نهوضه للطيران بحكم الأهلي، فإذا رمى طيرا وفرخه فماتا، حل الطير وحرم
الفرخ.
(مسألة 407): الثور المستعصي والبعير العاصي والصائل من البهائم يحل
لحمه بالاصطياد كالوحشي بالأصل، وكذلك كل ما تردى من البهائم في بئر و
نحوها وتعذر ذبحه أو نحره، فان تذكيته تحصل بعقره في أي موضع كان من
جسده وان لم يكن في موضع النحر أو الذبح، ويحل لحمه حينئذ، ولكن في عموم
الحكم للعقر بالكلب اشكال، فالأحوط الاقتصار في تذكيته بذلك على العقر
بالآلة الجمادية.
(مسألة 408): لا فرق في تحقق الذكاة بالاصطياد بين حلال اللحم و
حرامه، فالسباع إذا أصطيدت صارت ذكية وجاز الانتفاع بجلدها، هذا إذا كان
الصيد بالآلة الجمادية، أما إذا كان بالكلب، ففيه اشكال، ولا يبعد التذكية.
(مسألة 409): إذا قطعت آلة الصيد الحيوان قطعتين، فان كانت الآلة مما
يجوز الاصطياد بها مثل السيف والكلب، فان زالت الحياة عنهما معا، حلتا جميعا
مع اجتماع سائر شرائط التذكية، وكذا ان بقيت الحياة ولم يتسع الزمن لتذكيته، و
ان وسع الزمان لتذكيته حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس وحل ما فيه الرأس
بالتذكية، فان مات ولم يذك حرم هو أيضا، وان كانت الآلة مما لا يجوز الاصطياد
به، كالحبالة والشبكة، حرم ما ليس فيه الرأس، وحل ما
148

فيه الرأس بالتذكية، فان لم يذك حتى مات حرم أيضا.
(مسألة 410): الحيوان البري أو البحري إذا وقع في الشبكة التي وضعها
الصائد لإصطياده منح وجود حق للصياد فيه، على أساس ان وقوعه فيها
الموجب لشل حركته والمنع من هروبه أدى إلى استيلائه عليه، ويمنع الاخر
بموجبه عن اخذه من الشبكة والتصرف فيه، الا ان هذا الحق له انما هو ما دام
الصيد في الشبكة، واما إذا هرب منها فلا يبقى حقه محفوظا فيه، على أساس انه
نجم عن الفرصة التي خلقها الصياد لأخذه والانتفاع به، والفرض ان تلك
الفرصة قد انتهت بهروبه منها، والارتكاز العرفي قائم على ان هذا الحق يدور
مدار هذه الفرصة، وعندئذ يجوز لاخر ان يصطاده ويجعل في حوزته، نعم إذا
أخذه الصياد من الشبكة وآلة الصيد وجعله في حوزته بشكل مباشر، أصبحت
علاقته به أقوى من علاقته به إذا كان في الشبكة، على أساس انها لدى العقلاء
تكون على مستوى الملك وتلك على مستوى الحق، ومن هنا لا تنقطع تلك
العلاقة بهروبه من يده وحوزته، ولا يجوز لغيره اخذه، وإذا اخذه وجب عليه
رده، واما إذا نصب شبكة لا بقصد الاصطياد، فإذا وقع فيها حيوان أو طير، فهل
يؤدي إلى وجود حق له فيه؟
والجواب: الظاهر انه لا يؤدي إلى ذلك، بل هو يظل على اباحته، ويجوز
لاخر ان يأخذه ويتصرف فيه، نعم إذا استلزم اخذه من الشبكة التصرف فيها و
هو غير راض فيه لم يجز، هذا نظير ما إذا رمى حيوانا لا بقصد الاصطياد بل بدافع
التدريب أو الامتحان، فإنه لا يؤدي إلى وجود حق للرامي فيه، ويجوز للرامي
فيه ويجوز لغيره ان يأخذه ويتصرف فيه، نعم إذا أخذه ملك وان لم يقصد الملك.
149

(مسألة 411): إذا توحل الحيوان في أرضه أو وثبت السمكة في سفينته لم
يملك شيئا من ذلك، اما إذا اعد شيئا من ذلك للاصطياد، كما إذا أجرى الماء في
أرضه لتكون موحلة أو وضع سفينته في موضع معين ليثب فيها السمك فوثب
فيها، أو وضع الحبوب في بيته وأعده لدخول العصافير فيه فدخلت وأغلق
عليها باب البيت، أو طردها إلى مضيق لا يمكنها الخروج منه فدخله، ونحو ذلك
من الاصطياد بغير الآلات التي يعتاد الاصطياد بها، فهل يلحق ذلك بآلة الصيد
المعتادة في حصول الحق؟
والجواب: نعم، إذ المعيار في ذلك انما هو بالحيازة وجعله في حوزته
وتحت استيلائه بأي طريق من الطرق أمكن، سواء أكان من الطرق الاعتيادية
أم لا.
(مسألة 412): إذا سعى خلف حيوان فوقف للأعياء لم يؤد إلى ايجاد حق له
ما دام لم يأخذه، فإذا اخذه ملك، كما انه يجوز لغيره ان يأخذه قبل اخذه، فإذا
أخذه ملك ولا شيء عليه.
(مسألة 413): إذا وقع حيوان في شبكة منصوبة من شخص للاصطياد فلم
تمسكه الشبكة لضعفها وقوته، فانفلت منها وهرب، لم يبق له حق فيه.
(مسألة 414): إذا رمى الصيد فأصابه لكنه تحامل طائرا أو عاديا بحيث بقي
على امتناعه، ولم يقدر عليه إلا بالاتباع والاسراع، لم يؤد إلى وجود حق
للرامي فيه.
(مسألة 415): إذا رمى اثنان صيدا دفعة، فان تساويا في الأثر، بان
أثبتاه معا فهو لهما، وإذا كان أحدهما جارحا والآخر مثبتا وموقفا له كان
للثاني، ولا ضمان على الجارح، وإذا كان تدريجا، فهو لمن صيره رمية غير
150

ممتنع سابقا كان أو لاحقا، وإذا أخطأ أحدهما وأصاب الآخر فقتله حل اكله، و
إذا رمى صيدا ورماه غيره وسمى حل.
(مسألة 416): إذا رمى صيدا حلالا باعتقاد كونه كلبا أو خنزيرا فقتله، لم
يحل.
(مسألة 417): إذا رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم
فيموت حل، وإذا وقع في الماء فيموت، لم يجز اكله إذا علم ان موته مستند إلى
وقوعه في الماء أو إلى المجموع، أو لم يحرز انه مستند إلى وقوعه في الماء أو السهم، و
اما إذا علم بان موته مستند إلى وقوع السهم عليه وخرق دون الماء، كما إذا كان
رأسه خارج الماء مثلا، فهل يجوز أكله؟
والجواب: لا يبعد جوازه، وكذا إذا كان الصيد على جبل وسقط فمات.
(مسألة 418): إذا رمى صيدا ثم بعد ذلك شك في انه سمى أو لا، فهل يجوز
اكله؟
والجواب: يجوز لمكان قاعدة الفراغ.
(مسألة 419): إذا رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع، فدخل دارا
فأخذه صاحب الدار، ملكه بأخذه لا بدخول الدار.
(مسألة 420): إذا صنع شخص مرجا في داره لتعشعش فيه الحمام
فعشعشت فيه، لم يؤد إلى وجود حق له فيه، فيجوز لغيره صيدها ويملكها بذلك.
(مسألة 421): إذا أطلق الصائد صيده من يده، فان لم يكن ذلك عن
اعراض عنه، بقي على ملكه لا يملكه غيره باصطياده وان كان عن أعراض،
151

فبما انه قد خرج به عن ملكه على الأظهر وأصبح كالمباح بالأصل، فيجوز
لغيره اصطياده ويملكه بذلك، وليس للمالك الأول الرجوع عليه، وكذا الحكم في
كل ما أعرض عنه مالكه حيوانا كان أو غيره، بل الظاهر انه لا فرق بين ان يكون
الاعراض ناشئا عن عجز المالك عن بقائه في يده وتحت استيلائه لقصور في المال
أو المالك، وان يكون لا عن عجز عنه بل لغرض آخر.
(مسألة 422): قد عرفت ان علاقة الصائد بالصيد، سواء أكان من أنواع
الطيور أم من غيرها بعملية الاصطياد، انما تحدث إذا كان مباحا بالأصل أم
بالعارض، واما إذا كان مملوكا لمالك فلا اثر لاصطياده، وإذا شك في ذلك بنى
على الأول، إلا إذا كانت امارة على الثاني، مثل ان يوجد طوق في عنقه أو قرط في
اذنه أو حبل مشدود في يده أو رجله أو غيرها، وإذا علم كونه مملوكا لمالك
وجب رده اليه، وإذا جهل جرى عليه حكم اللقطة ان كان ضائعا، وإلا جرى
عليه حكم مجهول المالك، ولا فرق في ذلك بين الطير وغيره. نعم إذا ملك الطائر
جناحيه، فهو لمن أخذه، إلا إذا كان له مالك معلوم معين، فيجب رده اليه، وان
كان الأظهر فيما إذا علم انه له مالكا غير معين اجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك
عليه.
فصل في ذكاة السمك والجراد
(مسألة 423): ذكاة السمك تحصل بالاستيلاء عليه حيا خارج الماء، أما
بأخذه من داخل الماء إلى خارجه حيا باليد أو من شبكة وغيرها، أو بأخذه
خارج الماء باليد أو بالآلة بعد ما خرج بنفسه أو بنضوب الماء عنه أو غير
152

ذلك، فإذا وثب في سفينة أو على الأرض فاخذ حيا صار ذكيا، وإذا لم يؤخذ
حتى مات، صار ميتة وحرم أكله وان كان قد نظر اليه وهو حي يضطرب، وإذا
ضربها وهي في الماء بآلة فقسمها نصفين ثم أخرجهما حيين، فان صدق على
أحدهما انه سمكة ناقصة، كما لو كان فيه الرأس، حل هو دون غيره، وإذا لم
يصدق على أحدهما انه سمكة، ففي حلهما اشكال والأظهر العدم.
(مسألة 424): لا يشترط في تذكية السمك الاسلام ولا التسمية، فلو
أخرجه الكافر حيا من الماء، أو أخذه بعد أن خرج فمات، صار ذكيا كما في
المسلم، ولا فرق في الكافر بين الكتابي وغيره.
(مسألة 425): إذا وجد السمك في يد الكافر ولم يعلم أنه ذكاه أم لا، بنى
على العدم، وإذا أخبره بأنه ذكاه لم يقبل خبره، وإذا وجده في يد مسلم يتصرف
فيه بما يدل على التذكية أو أخبر بتذكيته، بنى على ذلك.
(مسألة 426): إذا وثبت السمكة في سفينة، فهل يؤدي إلى وجود حق
للسفان أو لصاحب السفينة فيها؟
والجواب: ان ذلك لا يؤدي إلى وجود حق فيها لأي منهما ما لم تؤخذ
السمكة مباشرة، فإذا اخذت كذلك كان الآخذ مالكا لها، سواء أكان السفان أم
مالك السفينة أم شخص ثالث، نعم إذا قصد صاحب السفينة الاصطياد بها و
عمل بعض الاعمال المستوجبة لذلك، كما إذا وضعها في مجتمع السمك وضرب
الماء بنحو يوجب وثوب السمك فيها، كان ذلك بمنزلة اخراجه من الماء حيا في
صيرورته ذكيا، نعم لا يتحقق الملك بمجرد ذلك ما لم يؤخذ باليد ونحوها مباشرة.
(مسألة 427): إذا وضع شبكة في الماء فدخل فيها السمك، ثم أخرجها
من الماء ووجد ما فيها ميتا كله أو بعضه، فالظاهر حليته على أساس انه مات
153

بعد الصيد.
(مسألة 428): إذا نصب شبكة أو صنع حضيرة لاصطياد السمك فدخلها،
ثم نضب الماء بسبب الجزر أو غيره، فمات بعد نضوب الماء، صار ذكيا وحل
أكله، وكذا إذا مات قبل نضوب الماء، باعتبار ان موته يكون بعد الصيد.
(مسألة 429): إذا أخرج السمك من الماء حيا ثم ربطه بحبل مثلا وأرجعه
إليه فمات فيه، فالظاهر الحرمة، وإذا أخرجه ثم وجده ميتا، وشك في ان موته
كاف في الماء أو في خارجه حكم بحليته، سواء علم تاريخ الاخراج أو الموت أو
جهل التاريخان، اما على الأول فمن جهة استصحاب عدم موته إلى زمان اخراجه
من الماء وبه يحرز موضوع الحل المركب من اخراجه من الماء وكونه حيا، فالجزء
الأول محرز بالوجدان، والثاني بالاستصحاب، واما استصحاب عدم اخراجه
من الماء إلى زمان موته، فهو لا يجري لأنه من الاستصحاب في الفرد المردد.
واما على الثاني فمن جهة اصالة البراءة عن حرمة اكله، بلحاظ ان
استصحاب عدم إخراجه من الماء إلى زمان موته لا يجري، لعدم ترتب اثر
شرعي عليه.
واما على الثالث: فأيضا من جهة اصالة البراءة، على أساس ان
الاستصحاب لا يجري في مجهولي التاريخ في مثل المقام، لابتلائه بمحذور
الاستصحاب في الفرد المردد، وبكلمة إذا شك في سمك انه اخرج من الماء حيا
حتى يحل اكله أو ميتا حتى لا يحل، ففي مثل ذلك يحكم بحليته ظاهرا في جميع
صور المسألة، غاية الامر انه في الصورة الأولى، وهي ما إذا كان تاريخ الاخراج
معلوما دون الموت من جهة الاستصحاب، وفي باقي صور المسألة من جهة
154

اصالة البراءة. وإذا أضطر إلى ارجاع السمك إلى الماء وخاف موته فيه،
فله ان يقتله أو لا ثم يضعه في الماء.
(مسألة 430): إذا طفا السمك على وجه الماء بسبب ابتلاعه ما يسمي
بالزهر أو عض حيوان له أو غير ذلك مما يوجب عجزه عن السباحة، فان اخذ
حيا صار ذكيا وحل اكله، وان مات قبل ذلك حرم.
(مسألة 431): إذا القى انسان الزهر في الماء لا بقصد اصطياد السمك،
فابتلعه السمك وطفا على الماء، لم يمنحه العلاقة به لا على مستوى الملك
ولا على مستوى الحق، إلا إذا أخذه مباشرة، ولهذا جاز لغيره ان يأخذه، فإذا
اخذه ملك، واما إذا كان بقصد الاصطياد، فالظاهر انه أيضا لا يمنحه العلاقة به،
من دون فرق بين ان يقصد سمكة معينة أو بعضا غير معين، نعم لو رماه بالبندقية
أو بسهم أو طعنه برمح بقصد صيده والاستيلاء عليه، فعجز عن السباحة وطفا
على وجه الماء، فالظاهر انه يحدث بذلك علاقة للرامي أو الطاعن به على
مستوى الحق، وإذا أخذه من وجه الماء مباشرة، حدثت له العلاقة به على
مستوى الملك.
(مسألة 432): لا يعتبر في حل السمك إذا خرج من الماء حيا ان يموت
بنفسه، فلو مات بالتقطيع أو بشق بطنه أو بالضرب على رأسه فمات حل أيضا،
بل لو شواه في النار حيا فمات حل أكله بل الأقوى جواز كله حيا.
(مسألة 433): إذا اخرج السمك من الماء حيا، فقطع منه قطعة وهو حي،
وألقى الباقي الماء فمات فيه، حلت القطعة المبانة منه وحرم الباقي، وإذا قطعت منه
قطعة وهو في الماء قبل إخراجه، ثم أخرج حيا فمات خارج الماء، حرمت القطعة
المبانة منه وهو في الماء، وحل الباقي.
155

ذكاة الجراد
(مسألة 434): ذكاة الجراد اخذه حيا، سواء أكان باليد أم بالآلة، فما مات
قبل اخذه حرم، ولا يعتبر في تذكيته التسمية والاسلام، فما يأخذه الكافر حيا،
فهو أيضا ذكي حلال، نعم لا يحكم بتذكية ما في يده إلا أن يعلم بها، وإن اخبره
بأنه ذكاه، لا يقبل خبره.
(مسألة 435): لا يحل الدبا من الجراد، وهو الذي لم يستقل بالطيران.
(مسألة 436): إذا اشتعلت النار في موضع فيه الجراد، فمات قبل أو يؤخذ
حيا حرم أكله، وإذا اشتغلت النار في موضع، فجاء الجراد الذي كان في المواضع
المجاورة لذلك والقى نفسه فيه فمات، ففي حله بذلك اشكال.
فصل في الذباحة
وأركانها ثلاثة:
1 - الذابح
2 - الآلة
3 - الكيفية
1 - الذابح
فيعتبر فيه الاسلام، فلو كان كافرا وان كان كتابيا لم تحل ذبيحته، وهل
156

يعتبر فيه الايمان؟
والجواب: يكفي الاسلام.
وقد تسأل هل تحل ذبيحة الناصبي وأخواته الخوارج وبعض أصناف
الغلاة؟
والجواب: لا تحل.
وقد تسأل هل تحل ذبيحتهم إذا ذكروا اسم الله تعالى عليها؟
والجواب: ان الحلية في هذه الصورة غير بعيدة، وان كان الأحوط و
الأجدر الاجتناب، ولا يعتبر فيه البلوغ، فلو ذبح صبي ذبيحة بصورة صحيحة
حلت، ولا الذكورية، فيجوز للمرأة ان تذبح ذبيحة، ولا بأس بذبح الأعمى و
الأغلف والخصي والجنب والحائض والفاسق وولد الزنا، نعم لا يصح الذبح
من المجنون في حال الجنون، ولا من النائم في حال النوم، ولا من السكران في
حال السكر، لانتفاء القصد.
(مسألة 437): لا يعتبر في الذابح ان يكون مختارا، فلو اكره على ذبح حيوان
فذبحه وسمى صح، سواء أكان اكراهه عن حق أو بغير حق، كما لا يعتبر فيه ان
يكون ممن يعتقد بوجوب التسمية، فان المعيار في حلية الذبيحة تسمية الذابح،
سواء أكان معتقدا بوجوبها فيها أم لا. وقد تسأل هل يحل اكل ذبيحة أهل
الكتاب إذا سمى عليها؟
والجواب: انه غير بعيد، فإذا استأجر نصرانيا أو يهوديا أو غيره لعملية
الذبح وعلمه التسمية، فإذا ذبح وسمى لم يبعد حليته، وان كان الاحتياط في
محله.
157

2 - آلة الذبح
لابد ان تكون من الحديدة ولا يصح التذكية بغيرها، سواء كان ذلك الغير
من المعادن كالنحاس والصفر والرصاص والذهب والفضة، أم من غيرها
كالليطة أو الخشبة أو المروة الحادة أو الزجاجة أو غيرها، هذا إذا تيسر الذبح
بالحديد، واما إذا لم يتيسر وخيف فوت الذبيحة، جاز الذبح بكل ما يفري
الأوداج الأربعة ولو كان خشبة أو حجرا حادا أو غير ذلك، وبكلمة ان اعتبار
الذبح بالحديد انما هو في صورة امكانه، فإذا لم يمكن، جاز الذبح باي شيء يقطع
الأوداج الأربعة بدون خصوصية في البين، ولكن مع هذا لا بأس بالاحتياط، و
قد تسأل هل يجوز الذبح بالسن أو الظفر إذا لم توجد آلة الذبح لا الحديدة ولا
غيرها؟
والجواب: انه غير بعيد، على أساس ان المعيار انما هو بفري الأوداج بأي
شيء كان، ولو كان بالسن أو الظفر إذا لم يوجد غيره، وان كان الاحتياط أولى و
أجدر، ولا يبعد جواز الذبح اختيارا بالمنجل ونحوه مما يقطع الأوداج ولو
بصعوبة، وان كان الأحوط الاقتصار على حال الضرورة.
158

3 - الكيفية
فالواجب قطع الأعضاء الأربعة:
1 - المريء: وهو مجرى الطعام.
2 - الحلقوم: وهو مجرى النفس ومحله فوق المريء.
3 و 4 - الودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي الاجتزاء
بفريها من دون قطع اشكال، وكذا الاشكال في الاجتزاء بقطع الحلقوم وحده، بل
لا يبعد عدم الاجتزاء في كلا الفرضين.
(مسألة 438): الظاهر ان قطع تمام الأعضاء يلازم بقاء الخرزة المسماة في
عرفنا (بالجوزة) في العنق، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقق قطع تمامها، كما
شهد بذلك بعض الممارسين المختبرين.
(مسألة 439): يعتبر قصد الذبح، فلو وقع السكين من يد أحد على
الأعضاء الأربعة فقطعها، لم يحل وان سمى حين أصاب الأعضاء، وكذا لو كان قد
قصد بتحريك السكين على المذبح شيئا غير الذبح فقطع الأعضاء، أو كان
سكرانا أو مغمى عليه أو مجنونا غير مميز على ما تقدم.
(مسألة 440): الظاهر عدم وجوب تتابع قطع الأعظاء، فلو قطع بعضها ثم
أرسلها ثم أخذها، فقطع الباقي قبل أن تموت حل لحمها، ولكن الاحتياط بالتتابع
أولى وأحسن.
(مسألة 441): لا يشترط في حل الذبيحة استقرار الحياة، بمعنى امكان ان
يعيش مثلها اليوم والأيام، بل يكفي الحياة حال قطع الأعضاء بالمعنى المقابل
للموت، فلا تحل الذبيحة بالذبح إذا كانت ميتة، وهذا مما لا اشكال فيه، وعلى
159

هذا فلو قطعت رقبة الذبيحة من فوق وبقيت فيها الحياة، فقطعت الأعضاء على
الوجه المشروع حلت، وكذا إذا شق بطنها وانتزعت أمعاؤها فلم تمت بذلك،
فإنها إذا ذبحت حلت، وكذا إذا عقرها سبع أو ذئب أو ضربت بسيف أو بندقية و
أشرفت على الموت، فذبحت قبل ان تموت، فإنها تحل.
(مسألة 442): لو أخذ الذابح بالذبح فشق آخر بطنه وانتزع أمعاءه مقارنا
للذبح، فالظاهر حل لحمه، وكذا الحكم في كل فعل يوجب زهاق روحه إذا كان
مقارنا للذبح، على أساس ان المعيار انما هو بوقوع الذبح حال الحياة.
(مسألة 443): لا يعتبر اتحاد الذابح، فيجوز وقوع الذبح من اثنين على
سبيل الاشتراك مقترنين، بان يأخذ السكين بيديهما ويذبحا معا أو يقطع أحدهما
بعض الأعضاء والآخر الباقي دفعة أو على التدريج، بان يقطع أحدهما بعض
الأعضاء ثم يقطع الآخر الباقي، وتجب التسمية عليها معا،
ولا يجتزأ بتسمية أحدهما على الأقوى.
(مسألة 444): إذا أخطأ الذابح فذبح من فوق الجوزة والتفت فذبحها من
تحت الجوزة قبل أن تموت، حل لحمها كما تقدم.
(مسألة 445): إذا قطع بعض الأعضاء الأربعة على غير النهج الشرعي،
بان ضربها شخص بآلة فانقطع بعض الأعضاء، أو عضها الذئب فقطعه بأسنانه
أو غير ذلك وبقيت الحياة، وكان بعض الأعضاء سالما، أمكنت تذكيتها بقطع
العضو الباقي، وبفري العضو المقطوع من فوق محل القطع من العضو المقطوع أو
من تحته وتحل بذلك، نعم إذا قطع الذئب أو غيره تمام العضو، فلم يبق ما يكون
قابلا للفري حرمت.
160

(مسألة 446): إذا ذبحت الذبيحة ثم وقعت في نار أو ماء أو سقطت إلى
الأرض من شاهق أو نحو ذلك مما يوجب زوال الحياة، لم تحرم وليس الحكم
كذلك في الصيد كما تقدم، فتفترق التذكية بالصيد عن التذكية بالذبح، فإنه يعتبر
في الأول العلم باستناد الموت إليها، ولا يعتبر ذلك في الثانية.
شروط التذكية بالذبح أمور
الشرط الاول:
الاستقبال بالذبيحة حال الذبح، بان يوجه مقاديمها ومذبحها إلى القبلة،
فان أخل بذلك عالما عامدا حرمت، وان كان ناسيا أو جاهلا بالحكم أو خطأ منه
في القبلة، بان وجهها إلى جهة اعتقد انها القبلة فتبين الخلاف، لم تحرم في جميع
ذلك، وكذا إذا لم يعرف القبلة أو لم يتمكن من توجهها إليها واضطر إلى تذكيتها،
كالحيوان المستعصي أو الواقع في بئر ونحوه.
(مسألة 447): لا يشترط استقبال الذابح نفسه وان كان أحوط.
(مسألة 448): إذا خاف موت الذبيحة لو اشتغل بالاستقبال بها، فالظاهر
عدم لزومه.
(مسألة 449): يجوز في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح أن يضعها
على الجانب الأيمن، كهيئة الميت حال الدفن وان يضعها على الأيسر، ويجوز ان
يذبحها وهي قائمة مستقبلة القبلة.
الشرط الثاني:
التسمية من الذابح مع الالتفات، ولو تركها عمدا حرمت الذبيحة، ولو
161

تركها نسيانا لم تحرم، والأحوط استحبابا الاتيان بها عند الذكر، ولو تركها جهلا
بالحكم، فالظاهر الحرمة.
(مسألة 450): الظاهر لزوم الاتيان بالتسمية بعنوان كونها على الذبيحة من
جهة الذبح، ولا تجزي التسمية الاتفاقية أو المقصود منها عنوان آخر، والظاهر
لزوم الاتيان بها عند الذبح مقارنة له عرفا، ولا يجزي الاتيان بها عند مقدمات
الذبح كربط المذبوح.
(مسألة 451): يجوز ذبح الأخرس، وتسميته تحريك لسانه واشارته
بإصبعه.
(مسألة 452): يكفي في التسمية الاتيان بذكر الله تعالى مقترنا بالتعظيم
مثل: الله أكبر، والحمد لله وبسم الله، وفي الاكتفاء بمجرد ذكر الاسم الشريف،
اشكال بل منع كما تقدم في الصيد.
الشرط الثالث:
ذهب جماعة إلى اعتبار خروج الدم المعتاد على النحو المتعارف من
الذبيحة، فلو لم يخرج الدم منها أو خرج متثاقلا أو متقاطرا لم تحل، وان علم
حياتها حال الذبح، ولكن الأظهر عدم اعتبار ذلك، وان كان الاعتبار أحوط،
فان العبرة انما هي بحياة الذبيحة حال وقوع الذبح عليها وان كانت غير
مستقرة، فان علم بها حين الذبح أو كانت هناك امارة عليها، كتحرك الذنب
أو الطرف أو الاذن أو غير ذلك حلت وان لم يخرج منها الدم أو خرج متثاقلا، و
من هنا إذا شك في حياة الذبيحة، كفى في الحكم بها حدوث حركة بعد تمامية
الذبح وان كانت قليلة، مثل ان تطرف عينها أو تحرك ذنبها أو اذنها أو تركض
برجلها أو نحو ذلك وان لم يخرج منها الدم، ولا حاجة إلى هذه الحركة إذا
162

علم بحياتها حال الذبح.
الشرط الرابع:
(مسألة 453): قد تسأل هل يعتبر ان يكون البدء بالذبح من المذبح، فلو
بدء من موضع آخر كالقفاء أو نحوه لم يكف، وان قطع الأوداج الأربعة؟
والجواب: ان اعتبار ذلك لا يخلو عن اشكال ولا يبعد عدم اعتباره، فلو
ذبح حيوانا من القفا وقطع أوداجه الأربعة بدون ان يقطع رقبته لم يبعد كفاية
ذلك، وان كان الأحوط الترك، ومن هنا لا يبعد كفاية ادخال السكين تحت
الأوداج ثم قطعها إلى فوق، واما احتمال اعتبار وضع السكين على المذبح وقطع
الأوداج به فهو بعيد، ولا يستفاد ذلك من نصوص المسألة، وبكلمة ان المعيار انما
هو بقطع الأوداج، سواء أكان بالشروع من المذبح أم كان من غيره.
(مسألة 454): الأحوط لزوما عدم قطع رأس الذبيحة عمدا قبل موتها، و
لا بأس به إذا لم يكن عن عمد، بل كان لغفلة أو سبقته السكين أو غير ذلك، كما ان
الأحوط ان لا تنخع الذبيحة عمدا، بأن يصاب نخاعها حين الذبح، والمراد به
الخيط الأبيض الممتد في وسط القفار من الرقبة إلى الذنب.
(مسألة 455): إذا ذبح الطير فقطع رأسه متعمدا، فالأظهر جواز اكل لحمه،
ولكن لا يبعد حرمة ذلك عامدا وملتفتا تكليفا.
(مسألة 456): تختص الإبل من بين البهائم بان تذكيها بالنحر، ولا يجوز
ذلك في غيرها، فلو ذكى الإبل بالذبح أو ذكى غيرها بالنحر لم يحل، نعم لو أدرك
ذكاته بان نحر غير الإبل وأمكن ذبحه قبل ان يموت فذبحه حل، وكذا لو ذبح
الإبل ثم نحرها قبل ان تموت حلت.
163

(مسألة 457): كيفية النحر ان يدخل الآلة من سكين أو الرمح حتى مثل
المنجل في اللبة، وهو الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متصلا بالعنق، و
يشترط في الناحر جميع ما يشترط في الذابح، كما انه يشترط في آلة النحر ما
يشترط من الشروط في آلة الذبح، ويجب فيه التسمية واستقبال القبلة بالمنحور
والحياة حال النحر كما في الذبح، ويجوز نحر الإبل قائمة وباركة مستقبلا بها
القبلة.
(مسألة 458): إذا تعذر ذبح الحيوان أو نحره كالمستعصي والواقع عليه
جدار والمتردي في بئر أو نهر ونحوهما، على نحو لا يتمكن من ذبحه أو نحره،
جاز أن يعقر بسيف أو خنجر أو سكين أو غيرها وان لم يصادف موضع التذكية،
ويحل لحمه بذلك، نعم لابد من التسمية واجتماع شرائط الذابح في العاقر، وقد
تقدم التعرض لذلك في الصيد فراجع.
(مسألة 459): ذكاة الجنين ذكاة أمه، فإذا ماتت أمه من دون تذكية، فان
مات هو في جوفها حرم اكله، وكذا إذا أخرج منها حيا فمات بلا تذكية، وأما إذا
اخرج حيا فذكى حل اكله، وإذا ذكيت أمه فمات في جوفها حل أكله، وإذا اخرج
حيا فان ذكي حل اكله، وان لم يذك حرم.
(مسألة 460): إذا ذكيت أمه فخرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته فمات بلا
تذكية، فالأقوى حرمته، وأما إذا ماتت أمه بلا تذكية، فخرج حيا ولم يتسع
الزمان لتذكيته فمات بدونها، فلا اشكال في حرمته.
(مسألة 461): إذا ماتت أمه، بادر إلى شق بطنها على نحو المعتاد والمتعارف
واخراج الجنين منها حيا ثم تذكيته، فإذا توانى وتماهل في ذلك إلى ان مات في
بطن أمه حرم، وكذلك إذا مات بعد شق بطنها وقبل تذكيته.
164

(مسألة 462): يشترط في حل الجنين بذكاة أمه، ان يكون تام الخلقة وقد
اشعر وأوبر، فان لم يكن كذلك فلا يحل بذكاة أمه، وبكلمة ان حلية الجنين بلا
تذكية مشروطة بأمور:
1 - تذكية أمه.
2 - تمام خلقته بنحو اشعر واوبر.
3 - موته قبل خروجه من بطنها.
(مسألة 463): لا فرق في ذكاة الجنين بذكاة امه بين محلل الاكل ومحرمه إذا
كان مما يقبل التذكية.
(مسألة 464): تقع التذكية على كل حيوان مأكول اللحم، فإذا ذكي صار
طاهرا وحل أكله، ولا تقع على نجس العين من الحيوان كالكلب والخنزير، فإذا
ذكي كان باقيا على النجاسة، ولا تقع على الانسان، فإذا مات نجس وان ذكي، و
لا يطهر بدنه الا بالغسل إذا كان مسلما، اما الكافر إذا قلنا بأنه نجس، فلا يطهر
بالغسل أيضا، وأما غير الأصناف المذكورة من الحيوانات غير مأكولة اللحم،
فالظاهر وقوع الذكاة عليه إذا كان له جلد يمكن الانتفاع به بلبس وفرش و
نحوهما، ويطهر لحمه وجلده بها، ولا فرق في ذلك بين السباع كالأسد والنمر و
الفهد والثعلب وغيرها، وبين الحشرات التي تسكن باطن الأرض إذا كان لها
جلد على النحو المذكور مثل ابن عرس والجرذ ونحوهما، فيجوز استعمال
جلدها إذا ذكيت فيما يعتبر فيه الطهارة، فيتخذ ظرفا للسمن والماء، ولا ينجس
ما يلاقيها برطوبة.
(مسألة 465): الحيوان غير مأكول اللحم إذا لم تكن له نفس سائلة ميتته
165

طاهرة، ويجوز الانتفاع بما يمكن الانتفاع به من اجزائه كالجلد على الأظهر،
ولكن لا يجوز بيعه، فإذا ذكي جاز بيعه أيضا.
(مسألة 466): لا فرق في الحيوان غير مأكول اللحم في قبوله للتذكية إذا
كان له جلد بين الطير وغيره.
(مسألة 467): إذا وجد لحم الحيوان الذي له نفس سائلة ويشك في تذكيته
، ولم يعلم أنه مذكى أم لا، يبنى على عدم التذكية، فلا يجوز اكل لحمه ولا استعمال
جلده فيما يعتبر فيه التذكية، ولكن لا يحكم بنجاسة ملاقيه برطوبة ما لم يعلم انه
ميتة، نعم إذا كان بيد المسلم وهو يتصرف فيه بما يلائم التذكية، مثل تعريضه
للبيع والاستعمال باللبس والفرش ونحوهما يحكم بأنه مذكى، على أساس ان
يده في هذه الحالة امارة عليها، والظاهر عدم الفرق في ذلك بين كون تصرف
المسلم مسبوقا بيد الكافر وعدمه، نعم إذا علم ان المسلم أخذه من الكافر من
دون تحقيق، حكم عليه بعدم التذكية، والمأخوذ من مجهول الاسلام بمنزلة
المأخوذ من المسلم، إذا كان في بلاد يغلب عليها المسلمون، وإذا كان بيد المسلم
من دون تصرف يشعر بالتذكية، كما إذا رأينا لحما بيد المسلم لا يدري انه يريد
اكله أو وضعه لسباع الطير، لا يحكم بأنه مذكى، وكذا إذا صنع الجلد ظرفا
للقاذورات مثلا.
(مسألة 468): ما يؤخذ من يد الكافر من جلد ولحم وشحم، يحكم بأنه
غير مذكى، وإذا اخبر بأنه مذكى، فهل يقبل قوله ولو بملاك انه صاحب اليد؟
والجواب: الأقرب عدم القبول، نعم إذا علم انه كان في تصرف المسلم بما
يلائم التذكية حكم بأنه مذكى، وأما دهن السمك المجلوب من بلاد الكفار،
166

فلا يجوز شربه من دون ضرورة إذا اشتري من الكافر وشك في تذكيته، و
اما إذا أحرز تذكية السمكة المأخوذ منها الدهن، ولكن لم يحرز انها كانت ذات
فلس، فهل يجوز شربه؟
والجواب: نعم على الأظهر، فان اصالة عدم التذكية لا تجري في هذه
الصورة، وعندئذ فالمرجع اصالة البراءة عن حرمة شربه، كما يجوز شربه إذا
اشترى من يد المسلم، إذا علم ان المسلم أخذه من الكافر من دون تحقيق.
(مسألة 469): لا فرق بين المسلم الذي تصرفه امارة على التذكية بين
المؤمن والمخالف، وبين من يعتقد طهارة الميتة بالدبغ وغيره، وبين من يعتبر
الشروط المعتبرة في التذكية، كالاستقبال والتسمية وكون المذكي مسلما وقطع
الأعضاء الأربعة وغير ذلك، ومن لا يعتبرها.
(مسألة 470): إذا كان الجلد مجلوبا من بلاد الاسلام ومصنوعا فيها حكم
بانه مذكى، وكذا إذا وجد مطروحا في ارضهم وعليه أثر استعمالهم له باللباس و
الفرش والطبخ، أو بصنعه لباسا أو فراشا أو نحوهما من الاستعمالات الموقوفة
على التذكية أو المناسبة لها، فإنه يحكم بانه مذكى، ويجوز استعماله استعمال
المذكى من دون حاجة إلى الفحص عن حاله وفي حكم الجلد اللحم المجلوب من
بلاد الاسلام.
(مسألة 471): قد ذكر للذبح والنحر آداب، فيستحب في ذبح الغنم أن
تربط يداه ورجل واحدة، ويمسك صوفه أو شعره حتى يبرد، وفي ذبح البقر
ان تعقل يداه ورجلاه ويطلق الذنب، وفى الإبل ان تربط إخفافها إلى آباطها و
تطلق رجلاها، هذا إذا نحرت باركة، أما إذا نحرت قائمة، فينبغي ان تكون
يدها اليسرى معقولة، وفي الطير يستحب أن يرسل بعد الذباحة، ويستحب
167

حد الشفرة وسرعة القطع، وان لا يري الشفرة للحيوان ولا يحركه من مكان
إلى آخر، بل يتركه في مكانه إلى أن يموت، وان يساق إلى الذبح برفق، ويعرض
عليه الماء قبل الذبح، ويمر السكين بقوة ذهابا وايابا وبجد في الاسراع ليكون
أسهل، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " ان الله تعالى شأنه كتب عليكم الاحسان في كل شي،
فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته و
ليرح ذبيحته "، وفى خبر آخر له (صلى الله عليه وآله وسلم) " أمر أن تحد الشفار وان توارى عن
البهائم ".
(مسألة 472): تكره الذباحة ليلا وكذا نهار الجمعة إلى الزوال.
168

كتاب الأطعمة والأشربة
وهي على أقسام:
القسم الاول: حيوان البحر
(مسألة 473): لا يؤكل من حيوان البحر الا سمك له فلس، وإذا شك في
وجود الفلس بني على حرمته، ويحرم الميت الطافي على وجه الماء، والجلال منه
حتى يزول الجلل منه عرفا، والجري والمار ما هي والزمير، والسلحفاة و
الضفدع والسرطان، ولا بأس بالكنعت والربيتا والطمر والطيراني والإبلامي
والأربيان.
(مسألة 474): يؤكل من السمك ما يوجد في جوف السمكة المباحة إذا
كان مباحا، ولا يؤكل من السمك ما تقذفه الحية إلا أن يضطرب ويؤخذ حيا
خارج الماء، والأحوط الأولى اعتبار عدم انسلاخ فلسه أيضا.
(مسألة 475): البيض تابع لحيوانه، ومع الاشتباه قيل يؤكل الخشن
169

المسمى في عرفنا (ثروب)، ولا يؤكل الأملس المسمى في عرفنا (حلبلاب) و
فيها تأمل. بل الأظهر حرمة كل ما يشتبه منه.
القسم الثاني: البهائم
(مسألة 476): يؤكل من النعم الأهلية: الإبل والبقر والغنم ومن الوحشية
كبش الجبل، والبقر والحمير، والغزلان واليحامير والإبل والجاموس.
(مسألة 477): يكره أكل لحوم الخيل والبغال والحمير.
(مسألة 478): يحرم الجلال من المباح، وهو ما يأكل عذرة الانسان خاصة
الا مع الاستبراء وزوال الجلل، والأحوط مع ذلك ان تطعم الناقة بل مطلق
الإبل علفا طاهرا أربعين يوما، والبقر عشرين، والشاة عشرة، والبطة خمسة
أو سبعة، والدجاجة ثلاثة.
(مسألة 479): لو رضع الجدي لبن خنزيرة واشتد لحمه، حرم هو ونسله،
ولو لم يشتد استبرىء سبعة أيام فيلقى على ضرع شاة، وإذا كان مستغنيا عن
الرضاع علف ويحل بعد ذلك، ولا يلحق بالخنزيرة الكلبة والكافرة، وفى عموم
الحكم لشرب اللبن من غير ارتضاع اشكال، والأظهر العدم.
(مسألة 480): يحرم كل ذي ناب كالأسد والثعلب، ويحرم الأرنب و
الضب واليربوع والحشرات والقمل والبق والبراغيث.
(مسألة 481): إذا وطأ انسان حيوانا محللا أكله ومما يطلب لحمه، حرم
170

لحمه ولحم نسله ولبنهما، هذا إذا كان الواطىء بالغا، واما إذا كان غير بالغ
وصغيرا، فهل يلحق بالبالغ في ذلك؟
والجواب: ان الالحاق لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدمه وان كان
الاحتياط في محله، ولا فرق في ذلك بين العاقل والمجنون والحر والعبد والعالم و
الجاهل والمختار والمكره، ولا فرق في الموطوء بين الذكر والأنثى، ولا يحرم
الحمل إذا كان متكونا قبل الوطء، كما لا يحرم الموطوء إذا كان ميتا أو كان من غير
ذوات الأربع، ثم ان الموطوء ان كان مما يقصد لحمه كالشاة ذبح، فإذا مات أحرق،
فان كان الواطىء غير المالك أغرم قيمته للمالك، وان كان المقصود ظهره، نفي إلى
بلد غير بلد الوطء واغرم الواطىء قيمته للمالك إذا كان غير المالك، ثم يباع في
البلد الآخر، وفي رجوع الثمن إلى المالك
أو الواطىء، أو يتصدق به على الفقراء وجوه الأظهر الوجه الثاني، على أساس
انه مقتضى قانون المعاوضة، وإذا اشتبه الموطوء فيما يقصد لحمه، اخرج بالقرعة.
(مسألة 482): إذا شرب الحيوان المحلل الخمر فسكر فذبح، جاز اكل
لحمه، ولابد من غسل ما لاقته الخمر إذا ظلت عينها لحد الان، وهل يجوز اكل
ما في جوفه من القلب والكرش وغيرهما؟
والجواب: ان الجواز لا يخلو عن قوة وان كان الاحتياط في محله، ولو
شرب بولا أو غيره من النجاسات، لم يحرم لحمه ويؤكل ما في جوفه بعد غسله،
إذا بقيت عين النجاسة فيه.
171

القسم الثالث: الطيور
(مسألة 483): يحرم السبع منها كالبازي والرخمة وكل ما كان صفيفه أكثر
من دفيفه، فان تساويا فالأظهر الحلية إذا كانت فيه احدى العلامات الآتية، وإلا
فيحرم، والعلامات هي القانصة والحوصلة والقانصة وهي في الطير بمنزلة
الكرش في غيره، ويكفي في الحل وجود واحدة منهما، وإذا انتفت كلتاهما حرم، و
إذا تعارض انتفاء الجميع مع الدفيف قدم الدفيف، فيحل ما كان دفيفه أكثر وان
لم تكن له إحداهما، وإذا كانت له إحداهما وكان صفيفه أكثر حرم، نعم إذا
وجدت له إحداهما أو كلتاهما أو جميعها، وشك في كيفية طيرانه حكم بالحل. و
أما اللقلق فقد حكي وجود كليتهما فيه، لكن المظنون ان صفيفه أكثر فيكون
حراما، كما أفتى بذلك بعض الأعاظم على ما حكي.
(مسألة 484): يحرم الخفاش والطاووس والجلال من الطير حتى يستبرأ،
ويحرم الزنابير والذباب وبيض الطير المحرم، وكذا يحرم الغراب على اشكال في
بعض اقسامه، وان كان الأظهر الحرمة في الجميع، وما اتفق طرفاه من البيض
المشتبه حرام.
(مسألة 485): يكره الخطاف والهدهد والصرد والصوام والشقراق و
الفاختة والقبرة.
القسم الرابع: الجامد
(مسألة 486): تحرم الميتة وأجزاؤها، وهي بخسة إذا كان الحيوان
ذا نفس سائلة، وكذلك اجزاؤها عدا صوف ما كان طاهرا في حال حياته،
172

وشعره ووبره وريشه وقرنه وعظمه وظلفه وبيضه، إذا اكتسى الجلد الفوقاني،
وان كان مما لا يحل اكله والأنفخة.
(مسألة 487): المشهور انه يحرم من الذبيحة القضيب والأنثيان والطحال
والفرث والدم والمثانة والمرارة والمشيمة والفرج والعلباء والنخاع والغدد و
خرزة الدماغ والحدق، ولكنه لا يخلو عن اشكال، وان كان الأحوط والأجدر
وجوبا الاجتناب عنها ولا سيما عن الخمسة الأولى، هذا في ذبيحة غير الطيور و
أما الطيور فالظاهر عدم وجود شيء من الأمور المذكورة فيها، ما عدا الرجيع و
الدم والمرارة والطحال والبيضتين في بعضها، وهل تحرم هذه الأشياء في الطيور؟
والجواب: ان الحرمة لا تخلو عن اشكال والاحتياط لا يترك، والأولى
ترك أكل الكلى واذنا القلب.
(مسألة 488): تحرم الأعيان النجسة، كالعذرة والقطعة المبانة
من الحيوان الحي، ويحرم اكل الطين على الأظهر، واما الاكل من تربة الحسين
(عليه السلام) للاستشفاء بمقدار يسير فهل هو جائز؟
والجواب: نعم انه جائز، ولا يحرم غيره من المعادن والأحجار و
الأشجار.
(مسألة 489): تحرم السموم القاتلة وكل ما يضر الانسان ضررا يعتد به
عند العقلاء ومنه (الأفيون)، سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منه أم
من جهة المواظبة عليه.
173

القسم الخامس: في المائع
(مسألة 490): يحرم كل مسكر سواء أكان خمرا أم كان غيره كالفقاع ونحوه
حتى الجامد منه، والدم وان كان في البيضة وكل ما ينجس من المائع وغيره.
(مسألة 491): إذا وقعت النجاسة في الجسم الجامد كالسمن والعسل
الجامدين لزم القاء النجاسة وما يكنفها من الملاقي ويحل الباقي، وإذا كان المائع
غليظا ثخينا فهو كالجامد، ولا تسري النجاسة إلى تمام اجزائه إذا لاقت بعضها،
بل يختص النجاسة بالبعض الملاقي لها، ويبقى الباقي على طهارته.
(مسألة 492): الدهن المتنجس بملاقاة النجاسة يجوز بيعه والانتفاع به فيما
لا يشترط فيه الطهارة، والأولى الاقتصار على الاستصباح به تحت السماء.
(مسألة 493): تحرم الأبوال مما لا يؤكل لحمه، بل مما يؤكل لحمه أيضا على
الأحوط عدا بول الإبل للاستشفاء، وكذا يحرم لبن الحيوان المحرم دون الانسان،
فإنه يحل لبنه.
(مسألة 494): لو اشتبه اللحم، فلم يعلم انه مذكى ولم يكن عليه يد مسلم
تشعر بالتذكية اجتنب، ولو اشتبه فلم يعلم انه من نوع الحلال أو الحرام حكم
بحله.
(مسألة 495): يجوز للانسان ان يأكل من بيت من تضمنته الآية الشريفة
المذكورة في سورة النور وهم: الآباء والأمهات، والاخوان والأخوات، و
الأعمام والعمات، والأخوال والخالات والأصدقاء والموكل المفوض اليه الأمر،
وتلحق بهم الزوجة والولد، فيجوز الأكل من بيوت من
174

ذكر على النحو المتعارف مع عدم العلم بالكراهية، واما مع الظن بها أو
الشك فهل يجوز؟
والجواب: الظاهر يجوز.
(مسألة 496): إذا انقلبت الخمر خلا طهرت، وحلت بعلاج كان أو غيره
على تفصيل قد مر في فصل المطهرات.
(مسألة 497): لا يحرم شيء من المربيات وان شم منها رائحة المسكر، و
اما إذا فسدت وأصبحت مسكرة، لم يجز أكلها.
(مسألة 498): العصير من العنب إذا على بالنار أو بغيرها أو نش، حرم
حتى يذهب ثلثاه بالنار أو ينقلب خلا.
(مسألة 499): يجوز للمضطر تناول المحرم بقدر ما يمسك رمقه إلا الباغي،
وهو الخارج على الامام أو باغي الصيد لهوا، والعادي وهو ما قاطع الطريق أو
السارق، ويجب عقلا على باغي الصيد والعادي لحفظ نفسهما تناول شيء من
الحرام من باب انه أقل القبيحين ومع ذلك يعاقب عليه وأما الخارج على الإمام
فهل يجب أن يقتل نفسه؟
والجواب: انه غير بعيد.
(مسألة 500): يحرم الاكل على مائدة فيها يشرب المسكر.
(مسألة 501): يستحب غسل اليدين قبل الطعام والتسمية والاكل باليمنى
وغسل اليد بعده، والحمد له تعالى، والاستلقاء وجعل الرجل اليمنى على
اليسرى.
175

كتاب الميراث
وفيه فصول:
الفصل الاول
وفيه فوائد:
الفائدة الأولى
في بيان موجباته وهو نوعان: 1 - النسب 2 - السبب.
اما النسب فله ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: صنفان:
أحدهما: الأبوان المتصلان دون الأجداد والجدات.
وثانيهما: الأولاد وان نزلوا ذكورا وأناثا.
176

المرتبة الثانية: صنفان أيضا:
إحداهما: الأجداد والجدات وان علو كآبائهم وأجدادهم.
وثانيهما: الاخوة والأخوات وأولادهم وان نزلوا.
المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال وان علوا كأعمام الآباء والأمهات
وأخوالهم، وأعمام الأجداد والجدات وأخوالهم وكذلك أولادهم وان
نزلوا كأولاد أولادهم، أولاد أولادهم وهكذا، بشرط صدق القرابة للميت
عرفا.
واما السبب: فهو قسمان زوجية وولاء.
والولاء ثلاث مراتب:
ولاء العتق، ثم ولاء ضمان الجريرة، ثم ولاء الإمامة.
الفائدة الثانية
ينقسم الوارث إلى خمسة أقسام:
الأول: من يرث بالفرض لا غير دائما وهو الزوجة، فان لها الربع مع عدم
الولد والثمن معه، ولا يرد عليها أبدا على الأقوى.
الثاني: من يرث بالفرض دائما وربما يرث معه بالرد كالأم، فان لها
السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب، وربما يرد عليها
زائدا على الفرض كما إذا زادت الفريضة على السهام، وكالزوج فإنه
يرث الربع مع الولد والنصف مع عدمه ويرد عليه إذا لم يكن وارث
177

إلا الامام.
الثالث: من يرث بالفرض تارة، وبالقرابة أخرى كالأب، فإنه يرث
بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه، والبنت والبنات فإنها ترث مع
الأبن بالقرابة وبدونه بالفرض، والأخت والأخوات للأب أو للأبوين، فإنها
ترث مع الأخ بالقرابة ومع عدمه بالفرض، وكالإخوة والأخوات من الام،
فإنها ترث بالفرض إذا لم يكن جد للام وبالقرابة معه.
الرابع: من لا يرث بالقرابة كالابن والاخوة للأبوين أو للأب والجد و
الأعمام والأخوال.
الخامس: من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة، بل يرث بالولاء كالمعتق و
ضامن الجريرة والامام.
الفائدة الثالثة
الفرض هو السهم المقدر في الكتاب المجيد وهو ستة أنواع:
النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
وأربابها ثلاثة عشر:
النصف: للبنت الواحدة إذا لم يكن معها ابن، وللأخت الواحدة للأبوين
أو للأب فقط إذا لم يكن معها أخ، وللزوج مع عدم وجود الولد للزوجة وان
نزل.
والربع: للزوج مع وجود الولد للزوجة وان نزل، وللزوجة مع عدم
178

وجود الولد للزوج وان نزل، فان كانت واحدة اختصت به، وإلا فهو لهن
بالسوية.
والثمن: للزوجة مع وجود الولد للزوج وان نزل، فان كانت واحدة
اختصت به، والا فهو لهن بالسوية.
والثلثان: للبنتين مع عدم وجود الابن كذلك، وللأختين فصاعدا
للأبوين أو للأب فقط مع الأم مع التعدد.
والثلث: سهم الأم مع عدم وجود الولد وإن نزل، وعدم الاخوة على
تفصيل يأتي، وللأخ والأخت من الأم مع التعدد.
والسدس: لكل واحد من الأبوين مع وجود الولد وان نزل، وللأم مع
وجود الاخوة أو اربع أخوات أو أخ وأختين للأبوين أو للأب، وللأخ الواحد
من الام والأخت الواحدة منها.
الفائدة الرابعة
الورثة إذا تعددوا، فتارة يكونون جميعا ذوي فروض، وأخرى
لا يكونون جميعا ذوي فروض، وثالثة يكون بعضهم ذا فرض دون بعض، وإذا
كانوا جميعا ذوي فروض، فتارة تكون فروضهم مساوية للفريضة، وأخرى
تكون زائدة عليها، وثالثة تكون ناقصة عنها، فالأولى مثل ان يترك الميت أبوين
وبنتين، فان سهم كل واحد من الأبوين السدس وسهم البنتين الثلثان، و
مجموعها مساو للفريضة وهي الستة، والثانية مثل ان يترك الميت زوجا وأبوين
وبنت، فان للزوج الربع ولكل واحد من الأبوين السدس و
179

للبنت النصف، وعليه فتزيد السهام على الفريضة بسدس ونصف سدس
، ولا تفي التركة بتمام السهام والفروض، وهذه هي مسألة العول، ومذهب
المخالفين فيها ان يجمع السهام كلها وتقسم التركة عليها ليدخل النقص على كل
أحد من ذوي الفرض بنسبة فرضه كأرباب الديون إذا لم يتسع المال، وهذا باطل
عندنا، وقد ورد في النصوص ان السهام لا تعول لا تكون أكثر من ستة، وعلى
هذا فيدخل النقص عندنا على بعض من أهل الفروض دون بعض، وعليه ففي
ارث أهل المرتبة الأولى يدخل النقص في المثال على البنت ولا يدخل على
الزوج ولا على الأبوين، وإذا كان مكان البنت بنتين فصاعدا، تنقص التركة عن
الفريضة بنصف سدس، وهو يرد على حصة البنات، لان الأبوين لا ينقصان كل
واحد منهما من السدس شيئا، والزوج لا ينقص من الربع شيئا، واما في ارث
المرتبة الثانية، فكما إذا ترك الميت زوجا وأختا من الأبوين وأختين من الام، فان
سهم الزوج النصف وسهم الأخت من الأبوين أو الأب النصف وسهم الأختين
من الام الثلث، ومجموع السهام زائدة على الفريضة، ولا تفي التركة بالجميع و
تنقص عن الفروض بنسبة سدسين من الفريضة، ويدخل النقص حينئذ على
المتقرب بالأبوين كالأخت في المثال دون الزوج ودون المتقرب بالام، والثالثة ما
إذا ترك بنتا واحدة، فان لها النصف وتزيد الفريضة نصفا، وهذه هي مسألة
التعصيب، ومذهب المخالفين فيها اعطاء النصف الزائد إلى العصبة، وهم الذكور
الذين ينتسبون إلى الميت بغير واسطة كالأب والأبن أو بواسطة الذكور، وربما
عمموها للأنثى إذا كان معها ذكور على تفصيل عندهم، وأما عندنا فيرد الزائد
على ذوي الفروض كالبنت في الفرض، فترث النصف بالفرض والنصف الآخر
بالرد، وإذا لم يكونوا جميعا ذوي فروض، قسم المال بينهم ذكورا كانوا أم أناثا أم
180

ذكورا وأناثا على تفصيل يأتي شرحه، وإذا كان بعضهم ذا فرض دون
آخر، أعطي ذو الفرض فرضه وأعطي الباقي لغيره على ما يأتي تفصيله ان شاء
الله تعالى، ومن أمثلة ذلك في المرتبة الثانية، ما إذا ترك الميت زوجة وأختا لأب
أو أبوين وأخا أو أختا لام، فان للزوجة الربع وللأخت من الأب أو الأبوين
النصف، وللأخ أو الأخت من الأم السدس، فتزيد التركة عن الفروض والسهام
بنصف سدس، ويرد الزائد على فرض المتقرب بالأب أو الأبوين ولا يرد على
المتقرب بالام ولا على الزوجة، تطبيقا لقاعدة ان كل من كان من ذوي الفروض
في هذه المرتبة إذا ورد النقص على فرضه، على تقدير عدم وفاء التركة بتمام
السهام والفروض ورد الزائد عليه، على تقدير زيادة التركة عنها، وهذه
القاعدة تامة في خصوص تلك المرتبة.
الفائدة الخامسة
ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به ويرث نصيبه، مثلا العمة بمنزلة
الأب والخالة بمنزلة الام وبنت الأخ من الام بمنزلة الأخ منها، فإذا ترك الميت
عمة وخالة، وللعمة ثلثان وهو حصة أبيها وللخالة ثلث وهو حصة أمها، وإذا
ترك عمة وبنت أخ من الام، فللعمة ثلثان ولبنت الأخ سدس وتزيد التركة
بسدس، وهل يرد الزائد على العمة خاصة؟
والجواب: لا يبعد ذلك، وان كان الأحوط الرجوع إلى الصلح، ويأتي
شرح ذلك في ضمن المسائل القادمة.
181

الفصل الثاني
موانع الإرث ثلاثة: 1 - الكفر 2 - القتل 3 - الرق.
1 - الكفر
(مسألة 502): لا يرث الكافر من المسلم وان قرب، ولا فرق في الكافر
بين الأصلي ذميا كان أو حربيا، وبين المرتد إذا كان فطريا، واما إذا كان مليا فهل
يرثه الكافر؟
والجواب: انه غير بعيد وان كان الاحتياط في محله، ولا فرق في المسلم
بين المؤمن وغيره.
(مسألة 503): الكافر لا يمنع من يتقرب به، فلو مات مسلم وله ولد كافر و
للولد ولد مسلم، كان ميراثه لولد ولده، ولو مات المسلم وفقد الوارث المسلم،
كان ميراثه للامام.
(مسألة 504): المسلم يرث الكافر ويمنع من ارث الكافر للكافر، فلو مات
كافر وله ولد كافر واخ مسلم أو عم مسلم أو معتق أو ضامن جريرة ورثه، ولم
يرثه الكافر، فان لم يكن له وارث إلا الامام، كان ميراثه للكافر، هذا إذا كان
الكافر أصليا، اما إذا كان مرتدا عن فطرة فالمشهور ان وارثه الامام ولا يرثه
الكافر وكان بحكم المسلم، ولكن لا يبعد أن يكون المرتد كالكافر الأصلي، بل
هو الظاهر، بلا فرق فيه بين المرتد الفطري والملي.
(مسألة 505): لو اسلم الكافر قبل القسمة، فان كان مساويا في المرتبة
شارك، وان كان أولى انفرد بالميراث، ولو أسلم بعد القسمة لم يرث، وكذا لو
182

أسلم مقارنا للقسمة، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الميت مسلما أو كافرا، هذا إذا
كان الوارث متعددا وأما إذا كان الوارث واحدا فلا يرث الكافر، نعم لو كان
الوارث الواحد الزوجة واسلم الكافر قبل القسمة بينها وبين الامام ورث، وإلا
لم يرث، هذا إذا كان الميت مسلما، واما إذا كان كافرا، ورثت الزوجة نصيبها و
الباقي لوارثه الكافر، على أساس ان الامام لا يكون مانعا عن ارثه.
(مسألة 506): لو اسلم بعد قسمة بعض التركة ففيه أقوال، قيل يرث من
الجميع، وقيل لا يرث من الجميع، وقيل بالتفصيل وإنه يرث مما لم يقسم، ولا
يرث مما قسم وهو الأقرب.
(مسألة 507): المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في المذاهب والآراء، و
الكافرون يتوارثون على ما بينهم وان اختلفوا في الملل.
(مسألة 508): المراد من المسلم والكافر وارثا وموروثا وحاجبا و
محجوبا أعم من المسلم والكافر بالأصالة وبالتبعية كالطفل والمجنون، فكل طفل
كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته بحكم المسلم، فيمنع من ارث الكافر ولا
يرثه الكافر، بل يرثه الامام إذا لم يكن له وارث مسلم، وكل طفل كان أبواه معا
كافرين حال انعقاد نطفته بحكم الكافر، فلا يرث المسلم مطلقا، كما لا يرث
الكافر إذا كان له وارث مسلم غير الامام، إلا إذا اسلم قبل بلوغه وبعد ان يصبح
مميزا، بناء على ما هو الصحيح من عدم اعتبار البلوغ في قبول الاسلام، وانما
المعتبر فيه التمييز، نعم إذا أسلم أحد أبويه قبل بلوغه، فان لم يكن مميزا تبعه في
الاسلام وجرى عليه حكم المسلمين، وان كان مميزا بين الكفر والاسلام،
فحينئذ ان لم يعترف بالاسلام ظل كافرا، وان اعترف به أصبح مسلما ولا يكون
تابعا له في هذه الحالة.
183

(مسألة 509): المرتد قسمان فطري وملي، فالفطري من انعقدت نطفته و
كان أحد أبويه مسلما ثم كفر، وفى اعتبار اسلامه بعد البلوغ قبل الكفر قولان
أقربهما العدم، وحكمه انه يقتل في الحال، وتعتد امرأته من حين الارتداد عدة
الوفاة، ويقسم ميراثه بين ورثته، ولا تسقط الاحكام المذكورة بالتوبة، نعم إذا
تاب تقبل توبته باطنا على الأقوى، بل ظاهرا أيضا بالنسبة إلى غير الاحكام
المذكورة، فيحكم بطهارة بدنه وصحة تزويجه جديدا حتى بامرأته السابقة. وأما
المرتد الملي، وهو ما يقابل الفطري، فحكمه انه يستتاب، فان تاب وإلا قتل، و
اما زوجته فتبين منه من حين الارتداد كما تبين المطلقة ثلاثا، غاية الامر ان كانت
غير مدخول بها فلا شيء عليها، وان كانت مدخولا بها، فعليها ان تعتد عدة
الطلاق، ولا تقسم أمواله إلا بعد الموت بالقتل أو بغيره. وقد تسأل انه إذا تاب
ثم ارتد ثانيا ثم استتاب فتاب وبعد ذلك ارتد أيضا، فهل تقبل في الثالثة أو
الرابعة؟
والجواب: الأظهر عدم وجوب القتل.
وأما المرأة المرتدة، فلا تقتل ولا تنتقل أموالها عنها إلى الورثة الا بالموت،
وينفسخ نكاحها، فان كانت مدخولا بها اعتدت عدة الطلاق، وإلا بانت بمجرد
الارتداد، وتحبس ويضيق عليها وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب، فان تابت
قبلت توبتها، ولا فرق بين ان تكون عن ملة أو فطرة.
(مسألة 510): يشترط في ترتيب الأثر على الارتداد البلوغ وكمال العقل و
الاختيار، فلو أكره على الارتداد فارتد كان لغوا، وكذا إذا كان غافلا أو ساهيا أو
سبق لسانه أو كان صادرا عن الغضب الذي لا يملك به نفسه ويخرج به عن
الاختيار أو كان عن جهل بالمعنى.
184

2 - القتل
الثاني من موانع الإرث: القتل.
(مسألة 511): القاتل لا يرث المقتول إذا كان القتل عمدا ظلما، أما إذا كان
خطأ محضا فلا يمنع، كما إذا رمى طائرا فأصاب المورث، وكذا إذا كان بحق
قصاصا أو دفاعا عن نفسه أو عرضه أو ماله. أما إذا كان الخطأ شبيها بالعمد، كما
إذا ضربه بما لا يقتل عادة قاصدا ضربه غير قاصد قتله فقتل به، ففيه قولان
أقواهما انه بحكم الخطأ من حيث عدم المنع من الإرث، وان كان بحكم العمد من
حيث كون الدية فيه على الجاني لا على العاقلة، وهم الآباء والأبناء والاخوة
من الأب وأولادهم والأعمام وأولادهم وان نزلوا، بخلاف الخطأ المحض، فان
الدية فيه عليهم، فان عجزوا عنها أو عن بعضها تكون الدية أو النقص على
الجاني، فان عجز فعلى الامام، والخيار في تعيين الدية من الأصناف الستة للجاني
لا المجني عليه، والمراد من الأصناف الستة مائة من فحولة الإبل المسان ومائتان
من البقر والف شاة والف دينار، وكل دينار عبارة عن مثقال شرعي من الذهب
المسكوك ويساوي ثلاثة أرباع من المثقال الصيرفي وعشرة آلاف درهم، وكل
درهم يساوي 6 / 12 حمصة من الفضة المسكوكة ومائتا حلة على الأحوط، و
كل حلة ثوبان على الأظهر، وهل يعتبر فيها ان تكون من ابراد اليمن؟
والجواب: الأقرب عدم الاعتبار، هذا للرجل، ودية المرأة نصف ذلك، و
لا فرق في القتل العمدي بين أن يكون بالمباشرة كما لو ضربه بالسيف فمات، وان
يكون بالتسبيب كما لو كتفه وألقاه إلى السبع فافترسه، أو أمر صبيا غير مميز أو
مجنونا بقتل أحد فقتله. وأما إذا أمر به شخصا عاقلا مختارا فامتثل
185

أمره بإرادته واختياره فقتله، فلا اشكال في انه ارتكب حراما ويحكم
بحبسه إلى ان يموت، إلا أنه لا يكون قاتلا لا عمدا ولا خطأ. وإذا قتل اثنان
شخصا عمدا وكانا وارثين منعا جميعا، وكان لولي المقتول القصاص منهما جميعا،
ورد نصف الدية على كل واحد منهما، وإذا قتل واحد اثنين منع من ارثهما، وكان
لولي كل منهما القصاص منه، فإذا اقتص منه لأحدهما ثبتت للآخر الدية في مال
الجاني.
(مسألة 512): القتل خطأ لا يمنع من ارث غير الدية كما مر، وهل يمنعه عن
ارث الدية؟
والجواب: ان المنع غير بعيد.
(مسألة 513): القاتل لا يرث ولا يحجب من هو أبعد منه وان تقرب به،
فإذا قتل الولد أباه ولم يكن له ولد آخر وكان للقاتل متعمدا ولد، كان ولده وارثا
لأبيه، فان كان للمقتول أب أو أم كان الإرث له ولولد القاتل.
(مسألة 514): إذا انحصر الوارث في الطبقة الأولى بالولد القاتل، انتقل
ارث المقتول إلى الطبقة الثانية وهم أجداده وجداته واخوته وأخواته، ومع
عدمهم فإلى الطبقة الثالثة وهم أعمامه وعماته وأخواله وخالاته، ومع عدمهم
أيضا فإلى الامام.
(مسألة 515): إذا أسقطت الام جنينها، كانت عليها ديته لأبيه أو غيره من
ورثته، وهي عشرون دينارا إذا كان نطفة، وأربعون إذا كان علقة، وستون إذا
كان مضغة، وثمانون إذا كان عظاما، ومائة إذا تم خلقه ولم تلجه الروح، فان
ولجته الروح كانت ديته دية الانسان الحي، وإذا كان الأب هو الجاني على الجنين
كانت ديته لأمه. وفي تحديد المراتب المذكورة خلاف، و
186

المشهور انه أربعون يوما نطفة، وأربعون علقة، وأربعون مضغة، والأولى رد علم
ذلك إلى أهله.
(مسألة 516): الدية في حكم مال المقتول تقضى منها ديونه وتخرج منها
وصاياه، سواء أكان القتل خطأ أم كان عمدا، فإذا أخذت الدية صلحا أو لتعذر
القصاص بموت الجاني أو فراره أو نحوهما يرثها كل وارث، سواء أكان ميراثه
بالنسب أم السبب حتى الزوجين، وان كانا لا يرثان من القصاص شيئا، نعم لا
يرثها من يتقرب بالام من الاخوة والأخوات، وهل يلحق بهما في ذلك كل من
يتقرب بها من الاباء والأمهات والأجداد والجدات والأعمام والعمات و
الأخوال والخالات؟
والجواب: ان الالحاق وان كان مشهورا بين الأصحاب، الا انه لا يخلو
عن اشكال والاحتياط لا يترك.
(مسألة 517): إذا جرح أحد شخصا فمات، لكن المجروح أبرأ الجارح في
حياته، لم تسقط الدية عمدا كان الجرح أو خطأ، على أساس ان الدية انما تثبت في
ذمة الجاني بعد الموت، ولا شيء عليها قبل الموت لكي يسقط ذلك الشيء عنها.
(مسألة 518): إذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام، رجع الأمر
اليه وله المطالبة بالقصاص وله أخذ الدية مع التراضي، وإذا كان الوارث غير
الامام، كان له العفو عن القصاص بلا مال، ولو عفا عنه بشرط المال، فان رضى
الجاني بذلك سقط القصاص عنه واشتغلت ذمته بالدية، وان لم يرض ظل
القصاص عليه.
(مسألة 519): لو عفا بعض الوارث عن القصاص، قيل لم يجز لغيره
187

الاستيفاء، وقيل يجوز له مع ضمان حصة من لم يأذن، والأظهر الثاني.
(مسألة 520): إذا كان المقتول مهدور الدم شرعا كالزاني المحصن واللائط،
فقتله قاتل بغير اذن الامام، قيل لم يثبت القصاص ولا الدية، بل ولا الكفارة، و
فيه اشكال والأظهر الثبوت، نعم يصح ذلك فيما يجوز فيه القتل، كموارد الدفاع
عن النفس أو العرض أو قتل ساب النبي والأئمة (عليهم السلام) ونحو ذلك.
(مسألة 521): إذا كان على المقتول عمدا ديون وليس له تركه توفي منها،
جاز للولي القصاص وليس للديان المنع عنه.
(مسألة 522): إذا كانت الجناية على الميت بعد الموت، لم ترجع الدية إلى
الورثة، بل هي للميت وتصرف في وجوه البر والخير عنه، وإذا كان عليه دين
وجب صرفها في أدائه.
3 - الرق
الثالث من موانع الإرث: الرق
فإنه مانع في الوارث والموروث من غير فرق بين المتشبث بالحرية كأم
الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا من مال الكتابة، فإذا مات
المملوك كان ماله لسيده، وإذا مات الحر وكان له وارث حر وآخر مملوك، كان
ميراثه للحر دون المملوك، وان كان أقرب من الحر، ولو كان الوارث مملوكا وله
ولد حر، كان الميراث لولده دونه، وإذا لم يكن له وارث أصلا، كان ميراثه
للأمام.
188

(مسألة 523): إذا اعتق المملوك قبل القسمة شارك مع المساواة وإنفرد
بالميراث، إذا كان أولى، ولو اعتق بعد القسمة أو مقارنا لها أو كان الوارث واحدا
لم يرث، نعم إذا كان الوارث الزوجة والامام فاعتق قبل القسمة بينهما وورث
كما تقدم في الكافر.
(مسألة 524): إذا مات رجل ولم يكن له وارث وانحصر وارثه القريب
بالمملوك، كما إذا مات وله أم مملوكة أو غيرها من أقاربه، وجب شراؤه من تركته
ثم اعتق، سواء أكان واحدا أم متعددا، وإذا بقي من التركة شيء يدفع اليه إرثا، و
إذا قصرت التركة عن قيمته لم يفك وكان الإرث للأمام.
(مسألة 525): لو كان الوارث المملوك متعددا ووفت حصة بعضهم بقيمته
دون الآخر، فلا يبعد لزوم فك الأول، وإذا كانت حصة كل منهم لا تفي بقيمته،
كان الوارث الامام.
(مسألة 526): لو كان المملوك قد تحرر بعضه، ورث من نصيبه بقدر
حريته، وإذا مات وكان له مال، ورث منه الوارث بقدر حريته والباقي لمالكه، و
لا فرق بين ما جمعه بجزئه الحر وغيره.
الفصل الثالث
في كيفية الإرث حسب مراتبه
المرتبة الأولى: الآباء والأبناء
(مسألة 527): للأب المنفرد تمام المال وللأم المنفردة أيضا تمام المال،
189

الثلث منه بالفرض والزائد عليه بالرد.
(مسألة 528): لو اجتمع الأبوان وليس للميت ولد ولا زوج أو زوجة،
كان للأم الثلث مع عدم الحاجب والسدس معه على ما يأتي والباقي للأب، ولو
كان معهما زوج كان له النصف، ولو كان معهما زوجة كان لها الربع وللأم الثلث مع
عدم الحاجب والسدس معه والباقي للأب.
(مسألة 529): للابن المنفرد تمام المال وللبنت المنفردة أيضا تمام المال
النصف بالفرض والباقي يرد عليها، وللابنين المنفردين فما زاد تمام المال يقسم
بينهم بالسوية، وللبنتين المنفردتين فما زاد الثلثان ويقسم بينهن بالسوية والباقي
يرد عليهن كذلك.
(مسألة 530): لو اجتمع الابن والبنت منفردين، بان لا يكون معهما وارث
آخر أو الأبناء والبنات كذلك، كان لهما أولهم تمام المال للذكر مثل حظ الأنثيين.
(مسألة 531): إذا اجتمع الأبوان مع ابن واحد كان للأبوين السدسان
أربعة أسهم من اثني عشر سهما والباقي وهو ثمانية أسهم للابن، وكذا إذا اجتمعا
مع الأبناء الذكور فقط، فان لكل واحد منهما السدس والباقي يقسم بين الأبناء
بالسوية، وإذا كان مع الابن الواحد أو الأبناء البنات، قسم الباقي بينهم جميعا
للذكر مثل حظ الأنثيين، وبكلمة ان الأبوين سواء أكانا مجتمعين مع ابن واحد أو
ابن وبنت أو أبناء أو أبناء وبنات كان لهما السدسان في جميع هذه الحالات بدون
ان يرد عليهما نقص، وإذا اجتمع أحد الأبوين مع ابن واحد، كان له السدس و
الباقي للابن، وإذا اجتمع مع الأبناء الذكور، كان له السدس والباقي يقسم بين
الأبناء بالسوية، ولو كان مع الابن الواحد أو
190

الأبناء والبنات كان لأحد الأبوين السدس والباقي يقسم بين الأبناء و
البنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
(مسألة 532): إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنت واحدة لا غير، كان لأحد
الأبوين الربع بالتسمية والرد معا والثلاثة أرباع للبنت كذلك، وإذا اجتمع أحد
الأبوين مع البنتين فما زاد لا غير، كان له الخمس بالتسمية والرد معا والباقي
للبنتين أو البنات بالتسمية، والرد كذلك يقسم بينهن بالسوية، وإذا اجتمع
الأبوان معا مع البنت الواحدة لا غير، كان لكل واحد منهما الخمس بالتسمية و
الرد والباقي للبنت كذلك، وإذا اجتمعا مع البنتين فما زاد، كان لكل واحد منهما
السدس والباقي للبنتين فما زاد.
(مسألة 533): لو اجتمع زوج مع أحد الأبوين ومعهما البنت الواحدة، كان
للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما وللبنت الواحدة النصف ستة أسهم
من الاثني عشر سهما ولأحد الأبوين السدس، سهمين من الاثني عشر سهما، و
بقي سهم واحد يرد على أحد الأبوين والبنت دون الزوج، ولو اجتمعت زوجة
مع أحد الأبوين ومعهما البنتان فما زاد، كان للزوجة ثمن ثلاثة أسهم من أربعة و
عشرين سهما، وللبنتين فما زاد الثلثان، ستة عشر سهما من مجموع أربعة و
عشرين سهما، ولأحد الأبوين السدس أربعة أسهم من السهام الأربعة و
العشرين وبقي منها سهم واحد يرد على أحد الأبوين والبنتين فما زاد دون
الزوجة.
(مسألة 534): إذا اجتمع زوج مع الأبوين والبنت، كان للزوج الربع،
ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما، وللأبوين السدسان، أربعة أسهم من
اثني عشر سهما، وبقي منه خمسة أسهم فهي للبنت، فينتقص من سهمها
191

نصف السدس، وكذلك الحال لو كان مكان البنت ابنا، فإنه لم يكن له أكثر من
خمسة أسهم من مجموع السهام الاثني عشر، لان سهم كل من الأبوين لا
ينقص من السدس شيئا ولا سهم الزوج من الربع، بلا فرق في ذلك بين ان
يجتمع زوج مع الأبوين والبنت أو معهما والابن، ولو كانت مكان البنت بنتان
فما زاد، كانت لهما خمسة أسهم أيضا، على أساس ان النقص لا يرد على سهم
كل من الأبوين والزوج، فينتقص حينئذ من سهم البنتين فما زاد (وهو
الثلثان) ثلاثة أسهم من السهام الاثني عشر، وكذا لو كان مكانهما ابنان فما
زاد.
(مسألة 535): إذا اجتمعت زوجة مع الأبوين وبنتين، كان للزوجة الثمن،
ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين سهما، وللأبوين السدسان، ثمانية أسهم من
مجموع أربعة وعشرين سهما، وبقيت ثلاثة عشر سهما فهي للبنتين فما زاد،
فينتقص من سهمهما وهو الثلثان ثلاثة أسهم، وإذا كان مكان البنتين في الفرض
بنت واحدة، فلا نقص بل يزيد ربع السدس، فيرد على الأبوين والبنت خمسان
منه للأبوين وثلاثة أخماس منه للبنت.
(مسألة 536): إذا خلف الميت مع الأبوين أخا وأختين أو أربع أخوات أو
أخوين، حجبوا الأم عما زاد على السدس بشروط:
1 - التعدد، بان لا يقل عن أخوين أو أربع أخوات أو أخ وأختين.
2 - ان يكونوا مسلمين غير مماليك.
3 - ان يكونوا منفصلين بالولادة لا حملا.
4 - ان يكونوا من الأبوين أو من الأب.
192

5 - ان يكون الأب موجودا.
فإذا توفرت هذه الشروط فيهم، حجبوا وإلا فلا حجب، وإذا اجتمعت
هذه الشروط، فان لم يكن مع الأبوين ولد ذكر أو أنثى، كان للام السدس خاصة
والباقي للأب، وان كان معهما بنت، فلكل من الأبوين السدس وللبنت النصف،
والباقي يرد على الأب والبنت أرباعا، ولا يرد شيء منه على الام، على أساس
انها حجبت بالاخوة عن الزائد على السدس من السهام.
(مسألة 537): أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند عدمهم، ويأخذ
كل فريق منهم نصيب من يتقرب به، فلو كان للميت أولاد بنت وأولاد ابن، كان
لأولاد البنت الثلث يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولأولاد الابن الثلثان
يقسم بينهم كذلك، ولا يرث أولاد الأولاد إذا كان للميت ولد، سواء أكان ابنا أم
بنتا، فإذا كان له بنت وابن ابن، كان الميراث للبنت، والأقرب من أولاد الأولاد
يمنع الأبعد، فإذا كان للميت ولد ولد وولد ولد، كان الميراث لولد الولد دون ولد
ولد الولد، ويشاركون الأبوين كآبائهم، لأن الآباء مع الأولاد صنفان، ولا يمنع
قرب الأبوين إلى الميت عن ارث الأولاد، فإذا ترك أبوين وولد ابن، كان لكل
من الأبوين السدس ولولد الابن الباقي، وإذا ترك أبوين وأولاد بنت، كان
للأبوين السدسان ولأولاد البنت النصف ويرد السدس على الجميع على النسبة
، ثلاثة أخماس منه لأولاد البنت وخمسان للأبوين فينقسم مجموع التركة أخماسا
، ثلاثة منها لأولاد البنت بالتسمية والرد، واثنان منهما للأبوين بالتسمية والرد،
كما تقدم في صورة ما إذا ترك أبوين وبنتا، وإذا ترك أحد الأبوين مع أولاد بنت،
كان لأولاد البنت
193

ثلاثة أرباع التركة بالتسمية والرد والربع الباقي لأحد الأبوين، كما تقدم
فيما إذا ترك أحد الأبوين وبنتا، وهكذا الحكم في بقية الصور، فيكون الرد على
أولاد البنت، كما يكون الرد على البنت، وإذا شاركهم زوج أو زوجة دخل
النقص على أولاد البنت، فإذا ترك زوجا وأبوين وأولاد بنت، كان للزوج الربع
، ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما وللأبوين السدسان، أربعة أسهم من الاثني
عشر سهما، وبقي خمسة أسهم فهي لأولاد البنت، فينقص من سهمها وهو
النصف نصف سدس وهو سهم واحد من السهام الاثني عشر.
(مسألة 538): يحبى الولد الذكر الأكبر وجوبا مجانا بثياب بدن الميت و
خاتمه وسيفه وسلاحه ومصحفه ورحله لا غيرها، وإذا تعدد الثوب أعطى
الجميع، ولا يترك الاحتياط عند تعدد غيره من المذكورات بالمصالحة مع سائر
الورثة في الزائد على الواحد، وإذا كان على الميت دين مستغرق لجميع ما تركه
من الأموال منها الحبوة، فهل يجب صرف الجميع في أداء الدين؟
الجواب: ان هذا هو الأقرب، على أساس ان التركة إذا لم تتسع
بمجموعها من الحبوة وغيرها الا للدين لم تنتقل إلى الورثة، باعتبار ان الدين
قبل الإرث، وبكلمة ان الدين إذا كان مستغرقا، كان تمام ما يملكه الميت
متعلقا بحق الديان، بدون فرق بين ما يسمى بالحبوة وغيرها، وكذلك إذا
كانت على الميت حجة الاسلام ولم تتسع التركة بما فيها من الحبوة الا لنفقات
الحج فحسب، فإنه يجب صرفها تماما في نفقاته بدون استثناء، واما إذا لم يكن
الدين مستغرقا لها، فالأقرب ان الحبوة متعلقة له بالنسبة، فإذا كان دينه
عشرة دراهم وكان ما زادهم على الحبوة من التركة يساوي ثمانية وقيمة
الحبوة أربعة، فكها المحبو بثلاثة دراهم وثلث درهم، وإذا كان الدين في
194

الفرض المذكور ثمانية دراهم، فكها المحبو بدرهمين وثلثي درهم وهكذا. وكذا
الحكم في الكفن وغيره من مؤنة التجهيز التي تخرج من أصل التركة.
(مسألة 539): إذا أوصى الميت بتمام الحبوة أو ببعضها لغير المحبو، نفذت
وصيته وحرم المحبو منها، وإذا أوصى بثلث ماله، أخرج الثلث منها ومن غيرها
، إذا لم يعين الثلث بمال معين، وكذلك إذا أوصى بمائة دينار مثلا، فإنها تخرج من
مجموع التركة بالنسبة ان كانت تساوي المأة ثلثها أو تنقص عنه، ولو كانت
أعيانها أو بعضها مرهونة، وجب فكها من مجموع التركة.
(مسألة 540): لا فرق بين الكسوة الشتائية والصيفية ولا بين القطن و
الجلد وغيرهما، ولا بين الصغيرة والكبيرة، فيدخل فيها مثل القلنسوة، وفي
الجورب والحزام والنعل تردد أظهره الدخول، ولا يتوقف صدق الثياب و
نحوها على اللبس، بل يكفي اعدادها لذلك، نعم إذا أعدها للتجارة أو لكسوة
غيره من أهل بيته وأولاده وخدامه، لم تكن من الحبوة.
(مسألة 541): لا يدخل في الحبوة مثل الساعة، واما الدرع فهل هو داخل
فيها، الأظهر انه داخل، اما الطاس والمقفر ونحوهما من معدات الحرب، ففي
دخولها فيها اشكال والأظهر العدم، واما مثل البندقية والمسدس والخنجر و
نحوها من آلات السلاح، فلا يبعد دخولها فيها، وان كان الأحوط والأجدر به
ان يصالح مع سائر الورثة، نعم لا يبعد تبعية غمد السيف وقبضته وبيت
المصحف وحمائلها لهما، وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب
الحرير اشكال، والأحوط فيهما المصالحة مع سائر الورثة، وإذا كان مقطوع
اليدين، فالسيف لا يكون من الحبوة، ولو كان أعمى، فالمصحف ليس منها، نعم
لو طرأ ذلك اتفاقا وكان قد اعدهما قبل ذلك لنفسه، كانا منها.
195

(مسألة 542): إذا اختلف الذكر الأكبر وسائر الورثة في ثبوت الحبوة أو في
أعيانها أو في غير ذلك من مسائلها، لاختلافهم في الاجتهاد أو في التقليد، رجعوا
إلى الحاكم الشرعي في فصل خصومتهم.
(مسألة 543): إذا تعدد الذكر مع التساوي في السن، فالمشهور الاشتراك
فيها وهو لا يخلو عن قوة.
(مسألة 544): المراد بالأكبر الأسبق ولادة لا علوقا، وإذا اشتبه فالمرجع
في تعيينه القرعة، والظاهر اختصاصها بالولد الصلبي، فلا تكون لولد الولد، ولا
يشترط انفصاله بالولادة فضلا عن اشتراط بلوغه حين الوفاة.
(مسألة 545): قيل يشترط في المحبو ان لا يكون سفيها، وفيه اشكال بل
الأظهر عدمه، وقيل يشترط ان يخلف الميت مالا غيرها، وفيه تأمل والأقرب
عدم الاشتراط.
(مسألة 546): إذا مات الولد ابنا كان أو بنتا، وترك أبا وجدا أو الجدة
الوارث له الأب دون الجد أو الجدة، ولكن يستحب للأب أن يعطي الجد أو
الجدة السدس من الأصل، وهل يختص بصورة اتحاد الجد فلا يشمل التعدد،
الظاهر انه لا يختص بها، نعم إذا اجتمع اربع جدات اثنتين من قبل الأب واثنتين
من قبل الام، طرحت واحدة من قبل الام بالقرعة، وكان السدس يقسم بين
الثلاثة، وكذلك إذا اجتمع أربعة أجداد سقط واحد منهم من قبل الام بالقرعة، و
كان السدس بين الثلاثة، وهل يختص ذلك بصورة فقد الولد للميت؟
والجواب: لا يبعد الاختصاص.
196

المرتبة الثانية: الاخوة والأجداد
(مسألة 547): لا ترث هذه المرتبة إلا إذا لم يكن للميت ولد وان نزل ولا
أحد الأبوين المتصلين.
(مسألة 548): إذا لم يكن للميت جد ولا جدة فللأخ المنفرد من الأبوين
المال كله يرثه بالقرابة، ومع التعدد ينقسم بينهم بالسوية وللأخت المنفردة من
الأبوين المال كله، ترث نصفه بالفرض كما تقدم ونصفه الآخر ردا بالقرابة، و
للأختين أو الأخوات من الأبوين المال كله، يرثن ثلثيه بالفرض كما تقدم و
الثلث الآخر ردا بالقرابة، وإذا ترك أخا واحدا أو أكثر من الأبوين مع أخت
واحدة أو أكثر كذلك، فلا فرض، بل يرثون المال كله بالقرابة، يقتسمونه بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين.
(مسألة 549): للأخ المنفرد من الام أو الأخت المنفردة كذلك المال كله،
يرث السدس بالفرض والباقي ردا بالقرابة، وللاثنين فصاعدا من الاخوة أو
الأخوات للأم ذكورا كانوا جميعا أم إناثا أم ذكورا وإناثا المال كله، يرثون ثلثه
بالفرض والباقي ردا بالقرابة، ويقسم بينهم بالسوية فرضا وردا حتى إذا كانوا
مختلفين في الذكورة والأنوثة.
(مسألة 550): لا يرث الأخ أو الأخت للأب مع وجود الأخ والأخت
للأبوين، نعم مع فقدهم يرثون على نهج ميراثهم، فللأخ من الأب واحدا كان أو
متعددا تمام المال بالقرابة، وللأخت الواحدة النصف بالفرض والنصف الآخر
بالقرابة، وللأخوات المتعددات تمام المال، يرثن ثلثيه بالفرض والباقي ردا
بالقرابة، وإذا اجتمع الاخوة والأخوات كلهم للأب، كان لهم تمام المال يقسمونه
بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
197

(مسألة 551): إذا اجتمع الاخوة أو الأخوات بعضهم من الأبوين و
بعضهم من الام، فان كان الذي من الام واحدا، كان له السدس ذكرا كان أو أنثى
والباقي لمن كان من الأبوين كذلك، وان كان الذي من الام متعددا، كان له الثلث
يقسم بينهم بالسوية ذكورا كانوا أو أناثا أو ذكورا وأناثا، والباقي لمن كان من
الأبوين واحدا كان أو متعددا، ومع اتفاقهم في الذكورة والأنوثة يقسم بالسوية،
ومع الاختلاف فيهما يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين، نعم إذا كان المتقرب
بالأبوين أو الأب أختين فما زاد، والمتقرب بالام أخا واحدا، فللأختين وما زاد
الثلثان بالفرض وللأخ من الام السدس بالفرض، وما زاد من الفريضة وهو
السدس يرد على المتقرب بالأبوين أو الأب، ولا يرد على المتقرب بالام، وإذا
كان المتقرب بالأب أو الأبوين أختا واحدة، فلها النصف ثلاثة أسداس من ستة
أسهم، وللأخ من الام السدس، وما زاد من الفريضة وهو السدسان يرد على
الأخت من الأب أو الأبوين دون الأخ من الأم.
(مسألة 552): إذا لم يوجد للميت اخوة أو أخوات من الأبوين وكان له
اخوة أو أخوات بعضهم من الأب فقط وبعضهم من الام فقط، فالحكم كما سبق
في الاخوة أو الأخوات من الأبوين، من انه إذا كان الأخ أو الأخت من الام
واحدا، كان له السدس ذكرا كان أم أنثى، وإذا كان متعددا، كان له الثلث كذلك
يقسم بينهم بالسوية، والباقي الزائد على السدس أو الثلث يكون للاخوة من
الأب، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين مع اختلافهم في الذكورة والأنوثة، و
مع عدم الاختلاف فيهما يقسم بينهم بالسوية، وإذا كان المتقرب بالأب أنثى
واحدة، فلها النصف بالفرض ويرد عليها ما زاد على سهم المتقرب بالام
بالقرابة.
198

(مسألة 553): في جميع صور انحصار الوارث القريب بالاخوة، سواء كانوا
من الأبوين أم من الأب أم من الام أم بعضهم من الأبوين وبعضهم من الأب و
بعضهم من الام، إذا كان للميت زوج كان له النصف، وإذا كانت له زوجة، كان
لها الربع وللأخ من الأم مع الاتحاد السدس، ومع التعدد الثلث والباقي للاخوة
من الأبوين أو من الأب إذا كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا، أما إذا كانوا إناثا، ففي
بعض الصور تكون الفروض أكثر من الفريضة، كما إذا ترك الميت زوجا أو زوجة
وأختين فصاعدا من الأبوين أو الأب، وأختين أو أخوين فصاعدا من الام،
فللزوج النصف ثلاثة أسهم وللأخوة أو الأخوات من الام الثلث، الذكر و
الأنثى فيه سواء، وللأختين فصاعدا من الأب أو الأبوين الثلثان في هذه الصورة
تنقص التركة عن الفروض بمقدار سهم الزوج أو الزوجة، فهل يرد هذا النقص
على فروض الكل بالنسبة؟
والجواب: انه يرد على سهم الأختين فصاعدا من الأب أو الأبوين، ولا
يرد على سهم الزوج أو الزوجة، ولا على سهم المتقرب بالأم، وإذا ترك الميت
زوجا وأختا واحدة من الأب أو الأبوين، وأختين أو أخوين فصاعدا من الأم،
فللزوج النصف ثلاثة أسهم من الست، وكذا للأخت من الأب أو الأبوين، و
المجموع يستوعب تمام التركة، وعليه فينقص التركة عن الوفاء بجميع فروض
الورثة وسهامهم بمقدار ثلث الفريضة وهو مقدار سهم الأختين فصاعدا من
الام في المسألة، وفي هذه الصورة أيضا يرد النقص على سهم الأخت من الأب أو
الأبوين، ولا يرد على سهم الزوج ولا المتقرب بالام، وعلى هذا فيرث الزوج
نصف التركة والأختان من الام ثلثها والباقي منها للأخت من الأبوين أو الأب و
هو ينقص من سهمها سدسان، وقد تكون الفريضة أزيد من الفروض وسهام
الورثة، كما إذا ترك الميت زوجة و
199

أختا واحدة من الأبوين أو الأب وأختا أو أخا من الام، ففي هذه الصورة
كان للزوجة الربع وللأخت من الأبوين أو الأب النصف وللأخ أو الأخت من
الام السدس، فتزيد الفريضة عندئذ على الفروض وسهام الورثة بنصف سدس،
وهل يرد الزائد حينئذ على الأخت من الأب أو الأبوين؟
والجواب: نعم انه يرد عليها لا على الزوجة ولا على الأخ أو الأخت من
الام، وعلى هذا فترث الأخت للأبوين أو الأب في المثال نصف التركة ونصف
السدس فرضا وردا.
(مسألة 554): إذا لم يكن للميت أخ أو أخت وانحصر الوارث بالجد أو
الجدة للأب أو للام، كان له المال كله للجد من الأب أو الأبوين بالقرابة، وللجدة
من الأب أو الأبوين نصفه بالفرض ونصفه الآخر بالقرابة، وللجد أو الجدة من
الام السدس بالفرض والباقي بالقرابة، وإذا اجتمع الجد والجدة معا، فان كانا
لأب كان المال لهما يقسم بينهما للذكر ضعف الأنثى، وان كانا لأم فالمال أيضا لهما
لكن يقسم بينهما بالسوية، وإذا اجتمع الأجداد بعضهم للام وبعضهم للأب، كان
للجد من الام الثلث وان كان واحدا، وللجد من الأب الثلثان، ولا فرق فيما
ذكرنا بين الجد الأدنى والأعلى، نعم إذا اجتمع الجد الأدنى والجد الاعلى، كان
الميراث للأدنى ولم يرث الاعلى شيئا، على أساس ان القريب يمنع البعيد، ولا
فرق بين ان يكون الأدنى ممن يتقرب به الاعلى، كما إذا ترك جدة وأبا جدته و
غير من يتقرب به كما إذا ترك جدا وأبا جدة فان الميراث في الجميع للأدنى، هذا
إذا كان الجد الاعلى مزاحما للجد الأدنى في الإرث، واما إذا لم يكن مزاحما له فلا
مانع من ارثه، كما إذا مات شخص وترك اخوة لام وجدا قريبا لأب وجدا بعيدا
لأم، كان الثلثان للجد القريب و
200

الثلث للاخوة من الام والجد البعيد معا، فإنه يحسب من أحد الأخوة
فيقسم بينهم بالسوية، وكذلك إذا ترك الميت اخوة لأب وجدا قريبا لام وجدا
بعيدا لأب، فان الثلث للجد القريب من الأم والثلثين للأخوة من الأب والجد
البعيد معه، باعتبار انه يحسب أحد الاخوة، فكان الوارث في المثال الاخوة من
الأب والجد من الام، فإذا فرض انه ترك خمسة اخوة من الأب في المثال وجدا
قريبا لأم وجدا بعيدا لأب، قسم سهم الاخوة على ستة لا على خمسة، وكان
الميت ترك ستة اخوة من الأول، فالنتيجة ان الجد البعيد لا يزاحم الجد القريب في
سهمه، فإنه يرث سهمه كاملا، سواء أكان هناك جد بعيد أم لا، كما ان القريب لا
يمنع عن ارث البعيد مع الاخوة، على أساس انه يحسب من الأخوة والمفروض
ان الأخوة والجد صنفان من الوارث، فلا يمنع الأقرب منهما الأبعد من الإرث.
(مسألة 555): إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الأجداد أو الجدات المختلفين
بعضهم من الأبوين أو الأب، وبعضهم من الأم، كان للزوج النصف وللمتقرب
بالام الثلث وان كان واحدا ذكرا كان أم أنثى والباقي للمتقرب بالأب أو الأبوين
واحدا كان أم متعددا، وإذا كان متعددا يقسم بينهم بالسوية إذا كانوا من الام، و
اما إذا كانوا من الأب أو الأبوين، فيقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين كما هو
الحال في الاخوة والأخوات، إذ لا فرق بينهما وبين الأجداد والجدات من هذه
الناحية.
(مسألة 556): الجد من الأب أو الأبوين كالأخ منهما، فان كان الأخ واحدا
قسم المال بينهما بالسوية وان كان متعددا، فالجد كأحدهم يصيبه ما يصيب
واحدا من الاخوة، والجدة من الأب أو الأبوين كالأخت منهما، فان
201

كانت واحدة فالمال بينهما بالسوية، وان كانت متعددة فهي كأحدها.
(مسألة 557): إذا اجتمع الاخوة مع الأجداد، فالجد وان علا كالأخ، و
الجدة وان علت كالأخت، فالجد وان علا يقاسم الأخوة وكذلك الجدة، فإذا
اجتمع الاخوة والأجداد، فاما ان يتحد نوع كل منهما مع الاتحاد في جهة النسب،
بان يكون الأجداد والاخوة كلهم للأب أو كلهم للأم أو مع الاختلاف فيها، كأن
يكون الأجداد للأب والاخوة للام، واما ان يتعدد نوع كل منهما، بأن يكون كل
من الأجداد والاخوة بعضهم للأب وبعضهم للأم أو يتعدد نوع أحدهما ويتحد
الآخر، بان يكون الأجداد نوعين بعضهم للأب وبعضهم للأم، والاخوة للأب
لا غير أو للام لا غير، أو يكون الأخوة بعضهم للأب وبعضهم للام والأجداد
كلهم للأب لا غير أو للام لا غير، ثم ان كلا منهما اما ان يكون واحدا ذكرا أو أنثى
أو متعددا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا فهنا صور:
الأولى: ان يكون الجد واحدا ذكرا أو أنثى أو متعددا ذكورا أو إناثا أو
ذكورا وإناثا من قبل الأم، وكان الأخ على أحد الاقسام المذكورة أيضا من قبل
الام، فيقتسمون المال بينهم بالسوية.
الثانية: ان يكون كل من الجد والأخ على أحد الاقسام المذكورة فيهما
للأب، فيقتسمون المال بينهم أيضا بالسوية ان كانوا جميعا ذكورا أو إناثا، وان
اختلفوا في الذكورة والأنوثة، اقتسموا المال بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين.
الثالثة: ان يكون الجد للأب والأخ للأبوين والحكم فيها كذلك.
الرابعة: ان يكون الأجداد متفرقين بعضهم للأب وبعضهم للأم ذكورا
202

كانوا أو إناثا أو ذكورا وإناثا والاخوة كذلك بعضهم للأب و بعضم للأم
ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا، فللمتقرب بالأم من الاخوة والأجداد جميعا
الثلث يقتسمونه بالسوية، وللمتقرب بالأب منهم جميعا الثلثان يقتسمونها
للذكر مثل حظ الأنثيين مع الاختلاف بالذكورة والأنوثة، وإلا فبالسوية.
الخامسة: ان يكون الجد على أحد الاقسام المذكورة للأب، والأخ على
أحد الاقسام المذكورة أيضا للام، فيكون للأخ السدس ان كان واحدا والثلث ان
كان متعددا، يقسم بينهم بالسوية والباقي للجد واحدا كان أو متعددا، ومع
الاختلاف في الذكورة والأنوثة يقتسمونه بالتفاضل.
السادسة: ان ينعكس الفرض، بان يكون الجد باقسامه المذكورة للام و
الأخ للأب، فيكون للجد الثلث وللأخ الثلثان، وإذا كانت مع الجد للام أخت
للأب، فان كانتا اثنتين فما زاد لم تزد الفريضة على السهام، وان كانت واحدة،
كان لها النصف وللجد الثلث والسدس الزائد من الفريضة، هل يرد على المتقرب
بالأب وهو البنت في المثال أو عليها معا بالنسبة سهامهما؟
والجواب: لا يبعد الأول، وان كان الاحتياط بالصلح أولى أجدر، على
أساس ان الجد للام كالأخ للام، والمفروض ان سهم الأخ الامي لا يزاد ولا
ينقص، وانما يزاد وينقص سهم الأخت أو الأخوات من الأب أو الأبوين، وإذا
كان الأجداد متفرقين وكان معهم أخ أو أكثر لأب، كان للجد من الام الثلث ذكرا
كان أم أنثى واحدا كان أم متعددا، ومع التعدد يقتسمونه بالسوية ولو مع
الاختلاف في الذكورة والأنوثة، والثلثان للأجداد من الأب مع الاخوة له
يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كان معهم أخ لأم كان للجد للام مع الأخ
للام الثلث بالسوية ولو مع الاختلاف بالذكورة والأنوثة، و
203

للأجداد للأب الثلثان للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كان الجد للأب لا
غير والاخوة متفرقين فللاخوة للام السدس ان كان واحدا والثلث ان كان
متعددا يقتسمونه بينهم بالسوية، وللأخوة للأب مع الأجداد للأب الباقي، ولو
كان الجد للام لا غير والاخوة متفرقين كان للجد مع الاخوة للام الثلث بالسوية
وللأخ للأب الباقي.
السابعة: ان الجد والجدة يختلفان عن الأخ والأخت في مورد واحد، و
هو ما إذا كان الأخ أو الأخت من الام، فله السدس إذا كان واحدا والثلث إذا
كان متعددا، واما إذا كان الجد أو الجدة من الام، فله الثلث سواء أكان واحدا أم
متعددا، نعم إذا ترك الميت أخا أو أختا واحدة من الام فقط وجدا أو جدة كذلك،
كان الميراث بينهما بالسوية، فان السدس للأخ أو الأخت للأم انما هو في مقابل
الأخ أو الأخت للأب أو الأبوين أو الجد أو الجدة كذلك.
(مسألة 558): أولاد الاخوة لا يرثون مع الاخوة شيئا، فلا يرث ابن الأخ
للأبوين مع الأخ من الأب أو الام، بل الميراث للأخ هذا إذا زاحمه، اما إذا لم
يزاحمه، كما إذا ترك جد الام وابن أخ لام مع أخ لأب، فابن الأخ يرث مع الجد
الثلث يقسم بينهما بالسوية، والثلثان للأخ.
(مسألة 559): إذا فقد الميت الاخوة والأخوات، قام أولادهما مقامهما في
الإرث، كما انهم يقومون مقامهما في مقاسمة الأجداد والجدات، بيان ذلك ان كل
واحد من الأولاد يرث نصيب من يتقرب به، فلو خلف الميت أولاد أخ أو أخت
لام لا غير، كان لهم سدس أبيهم أو أمهم بالفرض والباقي بالرد، ولو خلف أولاد
أخوين أو أختين أو أخ وأخت لام، كان لأولاد كل واحد من الاخوة السدس
بالفرض وسدسين بالرد، ولو خلف أولاد ثلاثة اخوة لام،
204

كان لكل فريق من أولاد واحد منهم حصة أبيه أو أمه، وهكذا الحكم في
أولاد الاخوة للأبوين أو للأب، ويقسم المال بينهم بالسوية ان كانوا أولاد أخ لام
وان اختلفوا بالذكورة والأنوثة، واما إن كانوا أولاد أخ للأبوين أو للأب، فهل
يكون التقسيم بينهم بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين، أو بالسوية وان اختلفوا
بالذكورة والأنوثة؟
والجواب: الأقرب هو الثاني، على أساس ان كلا منهم يأخذ نصيب من
بتقرب به بقاعدة ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه، مثلا العمة بمنزلة
الأب وتأخذ نصيبه، والخالة بمنزلة الأم وتأخذ نصيبها، وبنت الأخ من الام
بمنزلة الأخ منها وتأخذ نصيبه وهكذا، وعلى هذا فإذا ترك الميت أولاد أخ من
أبوين أو أب ذكورا وإناثا كانوا جميعا يرثون نصيب أبيهم، ومقتضى القاعدة انهم
مشتركون فيه على حد سواء وبدون تفاضل، فالتفاضل بحاجة إلى دليل، ولا
يوجد دليل خاص عليه في المسألة، واما ما دل عليه في الأولاد والاخوة و
الأخوات والأجداد والجدات لا يشمل المقام، وان كان الاحتياط بالمصالحة في
مقدار التفاضل أولى وأجدر.
(مسألة 560): إذا خلف الميت أولاد أخ لام وأولاد أخ للأبوين أو للأب،
كان لأولاد الأخ للام السدس وان كثروا، ولأولاد الأخ للأبوين أو للأب الباقي
وان قلوا، على أساس القاعدة المذكورة.
(مسألة 561): إذا لم يكن للميت اخوة ولا أولادهم الصلبيون، كان
الميراث لأولاد أولاد الاخوة والأعلى طبقة منهم، وان كان من الأب يمنع من
ارث الطبقة النازلة وان كانت من الأبوين.
205

المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال
(مسألة 562): لا يرث الأعمام والأخوال مع وجود المرتبتين الأوليين على
أساس ان الأقرب يمنع الأبعد.
(مسألة 563): للعم المنفرد تمام المال وكذا للعمين فما زاد يقسم بينهم
بالسوية، وكذا العمة والعمتان والعمات لأب كانوا أم لام أم لهما.
(مسألة 564): إذا اجتمع الذكور والإناث كالعم والعمة والأعمام و
العمات، فالمشهور والمعروف ان القسمة بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين ان
كانوا جميعا للأبوين أو للأب، لكن لا يبعد أن تكون القسمة بينهم بالتساوي، و
الأحوط الرجوع إلى الصلح، أما إذا كانوا جميعا للام، ففيه قولان أقربهما القسمة
بالسوية.
(مسألة 565): إذا اجتمع الأعمام والعمات وتفرقوا في جهة النسب، بان
كان بعضهم للأبوين وبعضهم للأب، سقط المتقرب بالأب. واما إذا كان معهم
المتقرب بالام، فالمشهور على ان المتقرب بالام إن كان واحدا كان له السدس، و
ان كان متعددا كان لهم الثلث يقسم بينهم بالسوية وان اختلفوا في الذكورة و
الأنوثة، والزائد على السدس أو الثلث يكون للمتقرب بالأبوين واحدا كان أو
أكثر أو المتقرب بالأب يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكنه لا يخلو عن
اشكال، والأقرب ان المال كله يقسم بين المتقرب بالام من الأعمام والعمات و
المتقرب بالأبوين أو الأب كذلك جميعا بالسوية ذكورا كانوا أم إناثا أم ذكورا أو
إناثا، فإذا ترك الميت عما أو عمة للام وعما وعمة للأبوين أو الأب، كان المال
بينهما بالسوية على الأظهر، مثل ما إذا ترك أعماما وعمات جميعا للام أو جميعا
للأب أو الأبوين، فإذا ترك عما أو عمة واحدة من الام وخمسة أعمام أو عمات
206

مثلا من الأب أو الأبوين، قسم المال بينهم جميعا أسداسا، سدس للعم أو العمة
للام وخمسة أسداس لخمسة أعمام أو عمات للأب أو الأبوين وكذلك العكس، و
مع هذا كان الأولى والأجدر بهم الرجوع إلى التصالح بينهم إذا كانوا ذكورا و
إناثا.
(مسألة 566): للخال المنفرد المال كله وكذا الخالان فما زاد يقسم بينهم
بالسوية، وللخالة المنفردة المال كله وكذا الخالتان والخالات، وإذا اجتمع
الذكور والإناث، بان كان للميت خال فما زاد وخالة فما زاد، يقسم المال بينهم
بالسوية، وان كانوا مختلفين في الذكورة والأنوثة، سواء أكانوا للأبوين أم للأب
أم للام، وأما لو تفرقوا بان كان بعضهم للأبوين وبعضهم للأب، فيسقط
المتقرب بالأب ولا يرث مع وجود المتقرب بالأبوين، وإذا كان معهم المتقرب
بالام، فالمشهور ان له السدس ان كان واحدا والثلث ان كان متعددا يقسم بينهم
بالسوية، والباقي للمتقرب بالأبوين أو الأب يقسم بينهم بالسوية أيضا، ولكنه
لا يخلو عن اشكال، والأقرب ان المال يقسم بين المتقرب بالام والمتقرب
بالأبوين أو الأب على السواء، فإذا ترك الميت خالا أو خالة للام وخالا أو خالة
للأبوين أو الأب، كان المال بينهما بالسوية على الأظهر، وإذا ترك خالا أو خالة
واحدة للأم وأربعة أخوال أو خالات مثلا للأبوين أو الأب، قسم المال أخماسا،
خمس منه للخال أو الخالة للام وأربعة أخماس لأربعة أخوال أو خالات للأب أو
الأبوين وكذلك العكس.
(مسألة 567): إذا اجتمع الأعمام والأخوال كان للأخوال الثلث وان
كان واحدا ذكرا أو أنثى، والثلثان للأعمام وان كان واحدا ذكرا أو أنثى، فان
تعدد الأخوال اقتسموا الثلث بينهم على السوية، وإذا تعدد الأعمام اقتسموا
207

الثلثين كذلك.
(مسألة 568): أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات يقومون مقام
آبائهم عند فقدهم، فلا يرث ولد عم أو عمة مع عم ولا مع عمة، ولا يرث ولد
خال أو خالة مع خال ولا مع خالة، وهل يرث ولد عم أو عمة مع خال أو خالة
وولد خال أو خالة مع عم أو عمة؟
والجواب: المشهور انه لا يرث، ولكنه لا يخلو عن اشكال، والأحوط
وجوبا الرجوع إلى الصلح، على أساس انه لا دليل على ان هذه المرتبة كلها
صنف واحد لا صنفان، وان كان ذلك معروفا ومشهورا بين الأصحاب.
(مسألة 569): يرث كل واحد من أولاد العمومة والخؤولة نصيب من
يتقرب به، فإذا اجتمع ولد عمة وولد خال كان لولد العمة وان كان واحدا
الثلثان ذكرا كان أم أنثى، ولولد الخال وان كان ذكرا الثلث واحدا كان أم متعددا،
وهل القسمة بين أولاد العمومة أو الخؤولة على نحو التساوي أو التفاضل مع
الاختلاف في الذكورية والأنوثية؟
والجواب: الأقرب انه بالتساوي، وان كان الأحوط والأجدر بهم
الرجوع إلى التصالح والتراضي فيه.
(مسألة 570): قد عرفت ان العم والعمة والخال والخالة يمنعون
أولادهم من الإرث، اجل استثنى المشهور من ذلك صورة واحدة، وهي ما
إذا كان ابن عم للأبوين مع عم واحد لأب، فان ابن العم يمنع العم ويكون
المال كله له ولا يرث معه العم للأب أصلا، ولكن ذلك لا يخلو عن اشكال بل
لا يبعد عدمه، وان كان الاحتياط بالرجوع ان المصالحة أولى وأجدر، واما
لو تعدد العم مع ابن العم أو كان هناك زوج أو زوجة معهما، فيمنع العم ابن العم
208

عن الإرث.
(مسألة 571): الأقرب من العمومة يمنع الابعد منها، فإذا ترك الميت عما أو
عمة وعما أو عمة أب أو أم، كان الميراث للأول، ولا يرث معه عم أبيه أو عمته
أو عم أمه أو عمتها، ولو لم يكن للميت عم ولكن كان له عم أب وعم جد، كان
الميراث لعم الأب دون عم الجد، والأقرب من الخؤولة يمنع الابعد منها، فإذا كان
للميت خال أو خالة وخال أو خالة أب أو أم، كان الميراث للأول دون الثاني، و
إذا كان له خال أب وخال جد، فالميراث للأول دون الأخير وهكذا.
(مسألة 572): أولاد العم والخال مقدمون على عم أب الميت وخال أبيه، و
عم أم الميت وخالها، وكذلك من نزلوا من الأولاد وان بعدوا، فإنهم مقدمون
على الدرجة الثانية من الأعمام والأخوال.
(مسألة 573): إذا اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الام و
عمتها وخالها وخالتها كان للمتقرب بالام الثلث، يقسم بينهم بالسوية و
للمتقرب بالأب الثلثان، والمشهور أن ثلثهما لخال أبيه وخالته، يقسم بينهما
بالسوية والباقي يقسم بين عم أبيه وعمته للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يبعد ان
المتقربين بالأب أيضا يقتسمون المال بينهم بالسوية من دون فرق بين الخال و
العم، وان كان الأحوط والأجدر الرجوع إلى الصلح.
(مسألة 574): إذا دخل الزوج أو الزوجة على الأعمام والأخوال، كان
للزوج أو الزوجة نصيبه الاعلى من النصف والربع وللأخوال الثلث وللأعمام
الباقي، واما قسمة الثلث بين الأخوال وكذلك قسمة الباقي بين الأعمام فهي
بالسوية على ما تقدم.
209

(مسألة 575): إذا دخل الزوج أو الزوجة على الأخوال فقط وكانوا
متعددين، اخذ نصيبه الاعلى من النصف والربع والباقي يقسم بينهم على ما
تقدم، وهكذا الحكم فيما لو دخل الزوج أو الزوجة على الأعمام المتعددين.
(مسألة 576): إذا اجتمع لوارث سببان للميراث، فان لم يمنع أحدهما
الآخر ورث بهما معا، سواء اتحدا في النوع كجد لأب هو جد لأم أم تعددا، كما إذا
تزوج أخو الشخص لأبيه بأخته لأمه فولدت له، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد
الشخص عم وخال وولد الشخص بالنسبة إلى ولدهما ولد عم لأب وولد خال
لام، وإذا منع أحد السببين الآخر ورث بالمانع، كما إذا تزوج الإخوان زوجتين
فولدتا لهما ثم مات أحدهما فتزوجها الآخر فولدت له، فولد هذه المرأة من
زوجها الأول ابن عم لولدها من زوجها الثاني وأخ لأم، فيرث بالاخوة لا
بالعمومة.
فصل في الميراث بالسبب
وهو اثنان: الزوجية والولاء فهنا مبحثان:
المبحث الأول: الزوجية
(مسألة 577): يرث الزوج من الزوجة النصف مع عدم الولد لها والربع مع
الولد وان نزل، وترث الزوجة من الزوج الربع مع عدم الولد له والثمن مع الولد و
ان نزل.
210

(مسألة 578): إذا لم تترك الزوجة وارثا لها ذا نسب أو سبب الا الامام،
فالنصف لزوجها بالفرض والنصف الآخر يرد عليه على الأقوى، وإذا لم يترك
الزوج وارثا له ذا نسب أو سبب الا الامام، فلزوجته الربع فرضا، وهل يرد
عليها الباقي مطلقا أو إذا كان الامام غائبا؟
والجواب: ان الرد لا يخلو عن اشكال بل منع، والأظهر ان الباقي
للامام (عليه السلام).
(مسألة 579): إذا كان للميت زوجتان فما زاد، اشتركن في الثمن بالسوية مع
الولد، وفي الربع بالسوية مع عدم الولد.
(مسألة 580): يشترط في التوارث بين الزوجين دوام العقد، فلا ميراث
بينهما في الانقطاع، الا إذا اشترط في ضمن العقد كما تقدم، ولا يشترط الدخول
في التوارث، فلو مات أحدهما قبل الدخول ورثه الآخر زوجا كان أم زوجة، و
المطلقة رجعيا ترثه وتورث بخلاف البائن.
(مسألة 581): يصح طلاق المريض لزوجته ولكنه مكروه، فإذا طلقها في
مرضه وماتت الزوجة في العدة الرجعية ورثها، ولا يرثها في غير ذلك. واما إذا
مات الزوج، فهي ترثه سواء أكان الطلاق رجعيا أم كان بائنا، إذا كان موته قبل
انتهاء السنة من حين الطلاق ولم يبرأ من مرضه الذي طلق فيه، ولم تتزوج
بغيره في طول هذه الفترة، هذا إذا كان الطلاق للاضرار، واما إذا كان الطلاق
بسؤالها أو كان خلعا أو مباراة فهل ترثه؟
والجواب: انه غير بعيد، وان كان الأحوط والأجدر الرجوع إلى المصالحة
مع سائر الورثة، وإذا مات بعد انتهاء السنة ولو بيوم واحد، أو برأ من مرضه ثم
مات، أو كانت المرأة قد تزوجت بغيره فهل ترثه؟
211

والجواب: لا ترثه.
(مسألة 582): إذا طلق المريض زوجاته وكن أربعا، وتزوج أربعا أخرى و
دخل بهن ومات في مرضه قبل انتهاء السنة من الطلاق، اشتركت المطلقات مع
الزوجات في الربع أو الثمن.
(مسألة 583): إذا طلق الشخص واحدة من أربع فتزوج أخرى ثم مات، و
اشتبهت المطلقة في الزوجات الأولى، ففي الرواية الصحيحة: إنه كان للتي
تزوجها أخيرا ربع الثمن وتشترك الأربع المشتبهة فيهن المطلقة بثلاثة أرباعه،
هذا إذا كان للميت ولد، والا كان لها الربع، وتشترك الأربعة الأولى في ثلاثة
أرباعه، وهل يتعدى إلى كل مورد اشتبهت فيه المطلقة بغيرها أو يعمل بالقرعة،
قولان أقواهما الثاني.
(مسألة 584): إذا تزوج المريض بامرأة، فان دخل بها صح نكاحها، وان لم
يدخل بها حتى مات في مرضه، فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث، نعم إذا
برأ ثم مات قبل ان يدخل بها، صح نكاحه وورثته وعليه نصف مهرها.
(مسألة 585): يرث الزوج من جميع ما تركته الزوجة منقولا وغيره أرضا
وغيرها، وترث الزوجة مما تركه الزوج من المنقولات والسفن والحيوانات، و
لا ترث من الأرض لا عينا ولا قيمة، وترث مما ثبت فيها من بناء وأشجار و
آلات وأخشاب ونحو ذلك، ولكن للوارث دفع القيمة إليها، ويجب عليها
القبول، ولا فرق في الأرض بين الخالية والمشغولة بغرس أو بناء أو زرع أو
غيرها، وقد تسأل ان الزوجة إذا كانت ذات ولد فهل ترث من الأراضي؟
212

والجواب: أنها لا ترث، بلا فرق بين كونها ذات ولد أو لم تكن، وما قيل
بالفرق بينهما، لا وجه له.
(مسألة 586): كيفية التقويم، ان يفرض البناء ثابتا من غير اجرة ثم يقوم
على هذا الفرض، فتستحق الزوجة الربع أو الثمن من قيمته.
(مسألة 587): الظاهر انها تستحق من عين ثمرة النخل والشجر والزرع
الموجودة حال موت الزوج، وليس للوارث اجبارها على قبول القيمة.
(مسألة 588): إذا لم يدفع الوارث القيمة لعذر أو لغير عذر سنة أو أكثر،
كان للزوجة المطالبة بأجرة البناء، وإذا أثمرت الشجرة في تلك المدة كان لها
فرضها من الثمرة عينا فلها المطالبة بها، وهكذا ما دام الوارث لم يدفع القيمة،
تستحق الحصة من المنافع والثمرة وغيرهما من النماءات.
(مسألة 589): إذا انقلعت الشجرة أو انكسرت أو انهدم البناء، فالظاهر
عدم جواز اجبارها على اخذ القيمة، فيجوز لها المطالبة بحصتها من العين
كالمنقول، نعم إذا كان البناء معرضا للهدم والشجر معرضا للكسر والقطع، جاز
اجبارها على أخذ القيمة ما دام لم ينهدم ولم ينكسر، وكذا الحكم في الفسيل المعد
للقطع. وهل يلحق بذلك الدولاب والمحالة والعريش الذي يكون عليه أغصان
الكرم، وجهان أقواهما ذلك، فللوارث اجبارها على أخذ قيمتها وكذا بيوت
القصب.
(مسألة 590): القنوات والعيون والآبار ترث الزوجة من آلاتها، و
للوارث اجبارها على اخذ القيمة، واما الماء الموجود فيها، فإنها ترث من عينه،
وليس للوارث اجبارها على أخذ قيمته، ولو حفر سردابا أو بئرا قبل ان يصل
إلى حد النبع فمات، ورثت منها الزوجة وعليها أخذ القيمة.
213

(مسألة 591): لو لم يرغب الوارث في دفع القيمة للزوجة عن الشجرة و
البناء، فدفع لها العين نفسها، كانت شريكة فيها كسائر الورثة، ولا يجوز لها
المطالبة بالقيمة، ولو أراد بعد دفع العين لها تبديلها بالقيمة، فهل يجب على المرأة
القبول؟
والجواب: لا يجب عليها القبول، على أساس ان للوارث ان يدفع القيمة
لها إرثا دون العين من الأول، واما إذا دفع العين لها إرثا كذلك، فتصبح المرأة
مالكه لها بالقبض، وحينئذ فلا يحق للوارث التصرف فيها بتبديلها بالقيمة، و
بكلمة ان حق المرأة في الابتداء متعلق بالجامع بين العين والقيمة، فإذا دفع
الوارث القيمة لها، فليس لها الامتناع من القبول والاعتراض، لان حق التعيين
بيده، وعلى هذا فإذا عين حقها في نفس العين ودفعها إليها تعين فيها، فلا يجوز له
التبديل بعد ذلك، وقد تسأل انه لو نوى من الأول دفع العين لها، ولكن في
الأخير عدل عن ذلك إلى دفع القيمة، فهل يجوز له ذلك؟
والجواب: يجوز ولا مانع منه.
(مسألة 592): المدار في القيمة على قيمة يوم الدفع.
(مسألة 593): إذا زوج الولدان الصغيرين غير بالغين، توقف صحة
النكاح على امضائهما بعد البلوغ، وإذا مات كلاهما معا قبل البلوغ، فلا ميراث
بينهما ولا مهر، وان بلغ أحدهما قبل الآخر ورضى بالعقد جاز منه، ثم إذا مات
المجيز، فان كان رجلا يعزل ميراث الجارية إلى ان تدرك وتبلغ، فإذا بلغت و
حلفت بالله ما دعاها إلى اخذ الميراث الا رضاها بالنكاح، يدفع إليها الميراث و
نصف المهر، وان كان جارية، يعزل ميراث الجارية إلى ان تدرك وتبلغ، فإذا
بلغت وحلفت بالله ما دعاها إلى اخذ الميراث الا رضاها بالنكاح، يدفع إليها
الميراث ونصف المهر، وان كان جارية، يعزل ميراث الغلام إلى ان يدرك ويبلغ،
فإذا بلغ وحلف بالله ما دعاه إلى اخذ الميراث الا رضاه بالنكاح، يدفع اليه
214

الميراث وعليه مهرها، وان مات الغلام قبل ان يدرك، فهل ترثه الجارية المدركة
البالغة الراضية؟
والجواب: لا ترث، لان له الخيار إذا أدرك وبلغ، وان ماتت الجارية قبل
ان تدرك، فهل يرثها الغلام المدرك البالغ الراضي بالعقد؟
والجواب: لا يرثها، لان لها الخيار إذا أدركت.
المبحث الثاني: في الولاء
وأقسامه ثلاثة:
الاول: ولاء العتق
(مسألة 594): يرث المعتق عتيقه بشروط ثلاثة:
الشرط الاول:
ان لا يكون عتقه في واجب كالكفارة والنذر، وإلا لم يثبت للمعتق
الميراث، وكذا المكاتب، إلا إذا شرط المولى عليه الميراث، فإنه حينئذ يرثه، نعم
إذا شرط عليه الميراث مع وجود القريب لم يصح الشرط.
(مسألة 595): الظاهر انه لا فرق في عدم الولاء لمن اعتق عبده عن نذر،
بين ان يكون قد نذر عتق عبد كلي، فاعتق عبدا معينا وفاءا بنذره، وان
215

يكون قد نذر عتق عبد بعينه، فاعتقه وفاءا بنذره.
(مسألة 596): لو تبرع بالعتق عن غيره ممن كان العتق واجبا عليه، لم يرث
عتيقه.
الشرط الثاني:
ان لا يتبرأ من ضمان جريرته، فلو اشترط عليه عدم ضمان جريرته
لم يضمنها ولم يرثه، ولا يشترط في سقوط الضمان الاشهاد على الأقوى، وهل
يكفي التبري بعد العتق أو لابد من ان يكون حال العتق؟ وجهان الأظهر الثاني.
الشرط الثالث:
ان لا يكون للعتيق قرابة، قريبا كان أو بعيدا، فلو كان له قريب كان هو
الوارث.
(مسألة 597): إذا كان لعتيق زوج أو زوجة، كان له نصيبة الاعلى والباقي
للمعتق.
(مسألة 598): إذا اشترك جماعة في العتق، اشتركوا في الميراث ذكورا كانوا
أم إناثا أم ذكورا وإناثا، وإذا عدم المعتق، فان كان ذكرا انتقل الولاء إلى ورثته
الذكور، كالأب والبنين دون النساء كالزوجة والام والبنات، وإذا كان أنثى
انتقل إلى عصبتها، وهم أولاد أبيها دون أولادها ذكورا وإناثا، وفي عدم كون
الأب نفسه من العصبة، اشكال.
(مسألة 599): يقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم، ويرث كل
منهم نصيب من يتقرب به كما تقدم في الميراث بالقرابة.
216

(مسألة 600): مع فقد الأب والأولاد حتى من نزلوا، يكون الولاء للأخوة
والأجداد من الأب دون الأخوات والجدات والأجداد من الام، ومع فقدهم
فللأعمام دون الأخوال والعمات والخالات، ومع فقد قرابة المعتق يرثه المعتق له،
فان عدم وكان ذكرا ورثه أولاده الذكور وأبوه وأقاربه من الأب دون الام، وان
كان أنثى ورثته العصبة.
(مسألة 601): لا يرث العتيق مولاه، بل إذا لم يكن له قريب ولا ضامن
جريرة، كان ميراثه للامام.
(مسألة 602): لا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا اشتراطه في بيع.
(مسألة 603): إذا حملت الأمة المعتقة بعد العتق من رق، فالولد حر وولاؤه
لمولى الأمة الذي اعتقها، فإذا اعتق أبوه انجز الولاء من معتق أمه إلى معتق أبيه،
فان فقد فإلى ورثته الذكور، فان فقدوا فإلى عصبته، فان فقدوا فإلى معتق معتق
أبيه ثم إلى ورثته الذكور ثم إلى عصبته ثم إلى معتق معتق أبيه وهكذا، فان فقد
المولى وعصابتهم، فلمولى عصبة موالي الأب ثم إلى عصبات موالي العصبات،
فان فقد الموالي وعصباتهم ومواليهم فإلى ضامن الجريرة، فان لم يكن فإلى
الامام (عليه السلام)، ولا يرجع إلى مولى الأم، ولو كان له زوج رد عليه ولم يرثه الامام،
ولو كان زوجة كان الزائد على نصيبها للامام.
(مسألة 604): إذا حملت الأمة المعتقة من حر لم يكن لمولى أمه ولاء، وإذا
حملت به قبل العتق فتحرر لا بعتق، أمه فولاؤه لمعتقه.
(مسألة 605): إذا فقد معتق الام كان ولاء الولد لورثته الذكور، فإذا فقدوا
فلعصبة المعتق ثم إلى معتقه ثم إلى ورثته الذكور، فان فقدوا فلعصبته، فان فقدوا
فلمعتقه وهكذا، فان فقد الموالي وعصباتهم وموالي عصباتهم
217

فإلى ضامن الجريرة، فان فقد فإلى الامام.
(مسألة 606): إذا مات المولى عن ابنين ثم مات المعتق بعد موت أحدهما،
اشترك الابن الحي وورثة الميت المذكور، لان الأقوى كون إرثهم من اجل ارث
الولاء.
الثاني: ولاء ضمان الجريرة
(مسألة 607): يجوز لأحد الشخصين ان يتولى الآخر على ان يضمن
جريرته أي جنايته فيقول له مثلا، عاقدتك على ان تعقل عني وترثني، فيقول
الآخر: قبلت، فإذا عقد العقد المذكور صح وترتب عليه أثره وهو العقل و
الإرث، ويجوز الاقتصار في العقد على العقل وحده من دون ذكر الإرث، فيترتب
عليه الإرث. وأما إذا اقتصر على ذكر الإرث، فهل يصح ويترتب عليه الإرث و
العقل؟
والجواب: الأظهر انه لا يصح ولا يترتب عليه الإرث ولا العقل، والمراد
من العقل الدية، فمعنى عقله عنه قيامه بدية جنايته.
(مسألة 608): يجوز التولي المذكور بين الشخصين على ان يعقل أحدهما
بعينه الآخر دون العكس، كما يجوز التولي على ان يعقل كل منهما عن الآخر،
فيقول مثلا: عاقدتك على أن تعقل عني واعقل عنك وترثني وارثك، فيقول
الآخر: قبلت، فيترتب عليه العقل من الطرفين والإرث كذلك.
(مسألة 609): لا يصح العقد المذكور الا إذا كان المضمون لا وارث له من
النسب ولا مولى معتق، فان كان الضمان من الطرفين، اعتبر عدم الوارث
218

النسبي والمولى المعتق لهما معا، وان كان من أحد الطرفين، اعتبر ذلك في
المضمون لا غير، فلو ضمن من له وارث نسبي أو مولى معتق لم يصح، ولاجل
ذلك لا يرث ضامن الجريرة إلا مع فقد القرابة من النسب والمولى المعتق.
(مسألة 610): إذا وقع الضمان مع من لا وارث له بالقرابة ولا مولى معتق ثم
ولد له بعد ذلك، فهل يبطل العقد أو يبقى مراعى بفقده وجهان، والأظهر انه يبطل
شريطة ان يستمر إلى زمان موته والا فلا.
(مسألة 611): إذا وجد الزوج أو الزوجة مع ضامن الجريرة، كان له نصيبه
الأعلى وكان الباقي للضامن.
(مسألة 612): إذا مات الضامن، لم ينتقل الولاء إلى ورثته.
الثالث: ولاء الإمامة
(مسألة 613): إذا فقد الوارث المناسب والمولى المعتق وضامن الجريرة،
كان الميراث للامام الا إذا كان له زوج، فإنه يأخذ النصف بالفرض ويرد الباقي
عليه، وإذا كانت له زوجة، كان لها الربع والباقي يكون للامام على الأقوى كما
تقدم.
(مسألة 614): إذا كان الامام ظاهرا، كان الميراث له يعمل به ما يشاء و
كان علي (عليه السلام) يعطيه لفقراء بلده، وان كان غائبا، كان للحاكم الشرعي وسبيله
سبيل سهمه (عليه السلام) من الخمس، يصرف في مصارفه كما تقدم في كتاب الخمس.
219

(مسألة 615): إذا أوصى من لا وارث له الا الامام بجميع ماله في الفقراء و
المساكين وابن السبيل، ففي نفوذ وصيته في جميع المال كما عن ظاهر بعضهم، و
يدل عليه بعض الروايات، أو لا، كما هو ظاهر الأصحاب اشكال، ولا يبعد عدم
النفوذ الا في الثلث والله سبحانه العالم.
فصل
1 - في ميراث ولد الملاعنة
2 - ميراث ولد الزنا
3 - ميراث الحمل
4 - ميراث المفقود
1 - ميراث ولد الملاعنة
هو الذي ينفيه الرجل نسبة اليه بسبب اللعان، اما بقذف زوجته بالزنا مع
ادعاء المشاهدة، أو بانكاره الحاقه به بدون القذف مع امكان الالحاق به، على
تفصيل تقدم شرحه في كتاب اللعان.
(مسألة 616): ولد الملاعنة ترثه أمه ومن يتقرب بها من اخوة وأخوال
والزوج والزوجة، ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به وحده، فان ترك أمة
منفردة كان لها الثلث فرضا والباقي يرد عليها على الأقوى، وان ترك مع الام
220

اولادا، كان لها السدس والباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين، الا إذا كان الولد بنتا
فلها النصف ويرد الباقي أرباعا عليها وعلى الام، وإذا ترك زوجا أو زوجة، كان
له نصيبه كغيره، وتجري الاحكام السابقة في مراتب الميراث جميعا، ولا فرق
بينه وبين غيره من الأموات الا في عدم ارث الأب ومن يتقرب به وحده،
كالأعمام والأجداد واخوة للأب، ولو ترك اخوة من الأبوين، قسم المال بينهم
جميعا بالسوية حتى إذا كانوا ذكورا وإناثا معا، على أساس انهم يرثون من جهة
تقربهم بالام فقط.
(مسألة 617): يرث ولد الملاعنة أمه وقرابتها، ولا يرث أباه إلا ان يعترف
به الأب بعد اللعان، ولا يرث هو من يتقرب بالأب إذا لم يعترف به، وهل يرثهم
إذا اعترف به الأب، فيه قولان أقواهما العدم، على أساس ان ارث الولد أباه في
هذه الصورة انما هو بالتعبد لا على القاعدة من جهة ثبوت النسب، والا كان
الأب يرث ابنه أيضا.
(مسألة 618): إذا تبرأ الأب من جريرة ولده ومن ميراثه عند الحاكم
الشرعي ثم مات الولد، فهل ميراثه للقرب الناس إلى أبيه دون أبيه أو انه لا اثر
للتبري في نفي التوارث؟
والجواب: ان الأول لا يخلو عن قوة، وان كان الاحتياط في محله.
2 - ميراث ولد الزنا
(مسألة 619): ولد الزنا لا يرثه أبوه الزاني ولا من يتقرب به، ولا يرثهم
هو، وهل ترثه أمه الزانية ومن يتقرب بها؟
221

والجواب: لا يبعد ذلك، وان كان الأحوط على كل من الام والورثة
الرجوع إلى المصالحة بينهم، ويرثه ولده وزوجه أو زوجته ويرثهم هو، وإذا
مات مع عدم الوارث، فإرثه للمولى المعتق ثم الضامن ثم الامام، وإذا كان له
زوج أو زوجة حينئذ كان له نصيبه الأعلى، ولا يرد على الزوجة إذا لم يكن له
وارث الا الامام، بل يكون له ما زاد على نصيبها، نعم يرد على الزوج على ما
سبق.
3 - ميراث الحمل
(مسألة 620): الحمل وان كان نطفة حال موت المورث يرث إذا سقط
حيا، وعلامة حياته تحركه إذا سقط من بطن أمه تحركا بينا وإن لم يصح، كما إذا
كان أخرس، بل وإن لم يكن الولد كاملا، فان المعيار انما هو بسقوطه حيا وان لم
يكن مستقر الحياة، ولابد من اثبات ذلك وان كان بشهادة النساء، وإذا مات بعد
ان سقط حيا كان ميراثه لوارثه، وإذا سقط ميتا لم يرث وان علم انه كان حيا
حال كونه حملا، أو تحرك بعد ما انفصل، إذا لم تكن حركته حركة حياة.
(مسألة 621): إذا خرج نصفه واستهل صائحا ثم مات فانفصل ميتا، لم
يرث ولم يورث.
(مسألة 622): يترك للحمل قبل الولادة نصيب ذكرين احتياطا، ويعطي
أصحاب الفرائض سهامهم من الباقي، فان ولد حيا وكان ذكرين فهو، وان كان
ذكرا وأنثى أو ذكرا أو انثيين أو أنثى واحدة، قسم الزائد على أصحاب الفرائض
بنسبة سهامهم، هذا إذا رضى الورثة بذلك، والا يترك لهم سهم ذكر
222

واحد، ويقسم الباقي مع الوثوق بحفظ السهم الزائد للحمل وامكان
أخذه له ولو بعد التقسيم على تقدير سقوطه حيا.
(مسألة 623): دية الجنين يرثها من يرث الدية على ما تقدم.
4 - ميراث المفقود
(مسألة 624): المفقود خبره والمجهول حاله يتربص بماله وفي مدة التربص
أقوال، والأقوى انها اربع سنين يفحص عنه فيها، فإذا جهل خبره، قسم ما له
بين ورثته الذين موجودون حين انتهاء مدة التربص، بحيث لو مات في هذا الحين
لانتقل ماله إليهم، ولا يرثه الذين يرثونه لو مات المفقود بعد انتهاء مدة التربص،
ويرث هو مورثه إذا مات قبل ذلك، ولا يرثه إذا مات بعد ذلك، على أساس ان
الشارع قد حكم بموته بعد انتهاء المدة المضروبة وانتقال تركته إلى ورثته، فإذا
مات من ورثته بعد ذلك فقد مات بعد موته شرعا، والأظهر جواز التقسيم بعد
مضي عشر سنوات بلا حاجة إلى الفحص.
(مسألة 625): إذا تعارف اثنان بالنسب وتصادقا عليه توارثا إذا لم يكن
وارث آخر، وإلا ففيه كلام كما تقدم في كتاب الاقرار.
فصل في ميراث الخنثى
(مسألة 626): الخنثى - وهو من له فرج الرجال وفرج النساء - ان علم انه
من الرجال أو النساء عمل به، والا رجع إلى الامارات، فمنها:
223

البول من أحدهما بعينه، فان كان يبول من فرج الرجال فهو رجل، وان
كان يبول من فرج النساء فهو امرأة، وان كان يبول من كل منهما، يورث من
حيث سبق بوله، فان خرج منها سواء فمن حيث ينبعث، وإذا لم تكن امارة على
أحد الامرين، أعطي نصف سهم رجل ونصف سهم امرأة، فإذا خلف الميت
ولدين ذكرا وخنثى فرضتهما ذكرين تارة ثم ذكرا وأنثى أخرى، وضربت احدى
الفريضتين في الأخرى، فالفريضة على الفرض الأول اثنان وعلى الفرض الثاني
ثلاثة، فإذا ضرب الاثنان في الثلاثة كان حاصل الضرب ستة، فإذا ضرب في
مخرج النصف وهو اثنان صار اثني عشر، سبعة منها للذكر وخمسة للخنثى، وإذا
خلف ذكرين وخنثى، فتارة يفرض الخنثى ذكرا فالفريضة ثلاثة لثلاثة ذكور، و
أخرى يفرض أنثى فالفريضة خمسة للذكرين أربعة، وللأنثى واحد، فإذا ضرب
الثلاثة في الخمسة كان خمسة عشر، فإذا ضربت في الاثنين صارت ثلاثين يعطي
منها للخنثى ثمانية ولكل من الذكرين أحد عشر، وان شئت قلت في الفرض
الأول لو كانت أنثى كان سهمها أربعة من اثني عشر، ولو كانت ذكرا كان سهمها
ستة، فيعطي الخنثى نصف الأربعة ونصف الستة وهو خمسة، وفى الفرض الثاني
لو كانت ذكرا لكان سهمها عشرة، ولو كانت أنثى كان سهمها ستة فيعطى الخنثى
نصف العشرة ونصف الستة.
(مسألة 627): من له رأسان أو بدنان على حقو واحد، فان انتبها معا، فهما
واحد وإلا فاثنان، والظاهر التعدي عن الميراث إلى سائر الاحكام.
(مسألة 628): من جهل حاله ولم يعلم انه ذكرا أو أنثى لغرق ونحوه يورث
بالقرعة، وكذا من ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء، يكتب على
224

سهم (عبد الله) وعلى سهم آخر (أمة الله) ثم يقول: المقرع:
" اللهم أنت الله لا اله الا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك
فيما كانوا فيه يختلفون بين لنا هذا المولود حتى يورث ما فرضت له في الكتاب ".
ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة وتشوش السهام ثم يحال السهم على ما
خرج ويورث عليه، والظاهر ان الدعاء مستحب، وان كان ظاهر جماعة
الوجوب.
فصل في ميراث الغرقى
والمهدوم عليهم ومن يلحق بهما
(مسألة 629): يرث بعضهم من بعض شروط ثلاثة:
الاول: أن يكون لهم أو لأحدهم مال.
الثاني: ان يكون بينهم نسب أو سبب يوجب الإرث من دون مانع.
الثالث: ان يجهل تاريخ موت كل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر ولا يدري
انه متقدم أو متأخر فإذا توفرت هذه الشروط فهناك صور:
الأولى: يرث كل منهما عن الآخر بمقدار فريضته من ماله الذي كان مالكا
له قبل موته، ولا يرث من ماله الذي وصل اليه إرثا من الآخر بعد الحادثة.
225

الثانية: إذا كان لكل واحد منهما وارث حي في طبقته، أوان الوارث الحي
زوج أو زوجة كان شريكا معه في الإرث من المال الأصلي للآخر، ولتوضيح
ذلك تطبيقا نذكر عددا من الأمثلة:
الاول: زوجة غرقت مع ابنتها دفعة واحدة وزوجها حي، ففي مثل ذلك،
هل الزوج يرث من زوجته الربع من تركتها الأصلية وهي التي كانت مالكه لها
قبل الموت، وان لم يكن لها ولد غير البنت التي غرقت معها أو النصف؟
والجواب: انه يرث الربع، على أساس انه يقاسم البنت في الإرث منها و
شريك معها فيه، وحيث ان ارث البنت منها شرعا في المثال مبني على افتراض
انها ماتت وهي في قيد الحياة، فبطبيعة الحال كان ارث الزوج معها أيضا مبنيا
على هذا الافتراض، وعلى هذا فلا محالة تكون فريضة الزوج الربع والباقي
للبنت فرضا وردا، وإذا كان الزوج في المثال ابا للبنت، كان شريكا مع زوجته في
الإرث من البنت، باعتبار انها اما لها، وحيث ان ارث الام من البنت في فرض
المثال مبني على افتراض ان موت البنت قبل الام، فبطبيعة الحال كان ارث الأب
منها مع الام أيضا مبنيا على هذا الافتراض، ومثل ذلك ما إذا غرق الأب وابنته
وليس للأب ولد سوى هذه الابنة.
الثاني: زوج غرق مع ابنته وليس له ولد سواها، ففي مثل ذلك ترث
زوجته منه الثمن من تركته الأصلية، على أساس ان زوجته لما كانت أم البنت،
فهي شريكة معها في ميراث أبيها وهو الزوج، وحيث ان ارث البنت من أبيها
شرعا في المثال مبني على افتراض موت أبيها قبل موتها، فبطبيعة الحال كان ارث
أمها منه أيضا مبنيا على هذا الافتراض، وعلى ذلك فترث زوجته منه و
226

هي أم البنت الثمن والباقي للبنت فرضا وردا، واما ميراث الأب والام من
البنت في فرض المثال فهو أيضا مبني على افتراض كون موت البنت قبل موت
الأب، وعليه فيكون لأبيها الذي غرق معها الثلثان ولامها الثلث.
الثالث: أب مات مع ابنه غرقا أو حرقا أو هدما ولا وارث له في هذه
الطبقة من الاحياء سوى ابن واحد، ففي مثل ذلك يرث ابنه الحي عنه مع ابنه
الذي مات معه معا بالسوية، ولا يرث الابن مع أبيه عن أخيه، باعتبار انه ليس
في مرتبته، فمال أخيه الأصلي كله لأبيه إرثا، وبكلمة يفرض في المثال موت الابن
اولا ويعطي الأب ماله الأصلي تماما، لفرض انه لا وارث له غيره في طبقته، ثم
يفرض موت الأب، فيرث الابن الغريق نصيبه من مال أبيه الأصلي مع أخيه أو
اخوته الاحياء.
الثالثة: ما إذا لم يكن في طبقة الفريقين مثلا وارث ولا زوج، كان كل منهما
يرث جميع ما تركه الآخر من الأموال الأصلية ولا يشاركه أحد فيه.
الرابعة: ان ما يرث كل منهما عن الآخر ينتقل جميعا إلى ورثته الاحياء،
مثال ذلك إذا مات الأب والابن معا غرقا أو هدما، فما وصل إلى الابن من الأب
ينتقل إلى ورثته الاحياء، وما وصل إلى الأب من الابن ينتقل إلى ورثته كذلك،
وعلى هذا فعلى الأول يفرض موت الأب متقدما على موت الابن حتى يرث
أباه، فما يرثه منه ينتقل إلى ورثته من الاحياء، وعلى الثاني يفرض موت الابن
متقدما على موت الأب حتى يرث ابنه، فما يرثه منه ينتقل إلى ورثته الاحياء، و
لا فرق بين ان تكون ورثته الاحياء من الطبقة الأولى
أو الثانية أو الثالثة، فإذا لم يكن لهما وارث في جميع الطبقات كان ميراثه
للامام (عليه السلام)، وبكلمة ان ما وصل إلى كل منهما من الآخر بالإرث، فلا يشارك
227

ولا يقاسم أحد منهما فيه ورثته الاحياء، بل هو ينتقل إليهم جميعا، سواء أكانوا
في طبقتهم أم كانوا في الطبقة المتأخرة، وهذا هو الفارق بين ما يصل إلى كل منهما
من صاحبه الذي مات بالإرث، وبين ما كان مالكا له من الأموال قبل وقوع
الحادثة.
الخامسة: ان التوارث بين الغريقين أو نحوهما، انما هو فيما إذا كان كلاهما
من الطبقة الأولى، كالأب والأولاد أو الام والأولاد أو كانا الزوج والزوجة، و
اما إذا كان كلاهما من الطبقة الثانية أو الثالثة، فهو مشروط بان لا يكون لهما
وارث من الطبقة المتقدمة، والا فلا توارث بينهما، كما إذا مات اخوان غرقا وكان
لهما وارث حي كالأب أو الام، فلا يرث أحدهما من الآخر، بل ينتقل تركة كل
منهما تماما إلى أبيه أو أمه.
وقد تسأل هل ان صلاحية التوارث من الطرفين معتبرة في ارث كل منهما
من الآخر، فلو كان لأحدهما وارث حي دون الآخر، كما إذا غرق الاخوان وكان
لأحدهما ابن أو أب أو أم، ولم يكن للآخر وارث في هذه الطبقة، فلا توارث
بينهما؟
والجواب: ان المشهور وان كان اعتبارها، الا انه لا يخلو عن اشكال بل
منع.
وعلى هذا ففي المثال المذكور يرث أحد الأخوين من الآخر دون العكس،
ومن هذا القبيل ما إذا كان أحدهما من الطبقة الأولى والآخر من الطبقة
المتأخرة، وكان للأول وارث حي في طبقته، ولم يكن للثاني وارث حي أقرب
من الأول، ففي مثل ذلك يرث الأول من الثاني ولا يرث الثاني من الأول.
228

(مسألة 630): إذا ماتا بسبب غير الغرق والهدم كالحرق والقتل في معركة
قتال أو افتراس سبع أو حوادث سماوية أو أرضية كالزلزلة والعواصف ونحوهما،
ففي الحكم بالتوارث من الطرفين كما في الغرق والهدم قولان، أقواهما ذلك، بل
الظاهر عموم الحكم لما إذا ماتا حتف أنفهما بلا سبب وحادث.
(مسألة 631): إذا كان الغرقى والمهدوم عليهم يتوارث بعضهم من بعض
دون بعض آخر، الا على تقدير غير معلوم، كما إذا غرق الأب وولداه، فان
الولدين لا يتوارثان الا مع فقد الأب، فإنه ان فرض موت الأب اولا كان ميراثه
للولدين معا، وان فرض موتهما أو لا كان ميراثهما للأب لان الاشتباه بين موت
الولدين وموت الأب ولا اثر للاشتباه بين موت الولدين، ففي هذه المسألة يحكم
بالتوارث بين الأب والولدين دون الولدين أنفسهما.
فصل في ميراث المجوس
(مسألة 632): لا اشكال في ان المجوس يتوارثون بالنسب، السبب
الصحيحين، وهل يتوارثون بالنسب والسبب الفاسدين، كما إذا تزوج من يحرم
عليه نكاحها عندنا فأولدها، قيل نعم، فإذا تزوج أخته فأولدها ومات، ورثت
أخته نصيب الزوجة وورث ولدها نصيب الولد، وقيل لا، ففي المثال لا ترثه
أخته الزوجة ولا ولدها، وقيل بالتفصيل بين النسب والسبب، فيرثه في المثال
المذكور الولد ولا ترثه الزوجة، والأقوال المذكورة كلها مشهورة، وأقواها
الأول للنص، ولولاه لكان الأخير هو الأقوى.
229

(مسألة 633): إذا اجتمع للوارث سببان ورث بهما معا، كما إذا تزوج
المجوسي أمه فمات، ورثته أمه نصيب الام ونصيب الزوجة، وكذا إذا تزوج بنته،
فإنها ترثه نصيب الزوجة ونصيب البنت. وإذا اجتمع سببان أحدهما يمنع الآخر
، ورث من جهة المانع دون الممنوع، كما إذا تزوج أمه فأولدها، فان الولد أخوه
من أمه، فهو يرث من حيث كونه ولدا ولا يرث من حيث كونه أخا، وكما إذا
تزوج بنته فأولدها، فان ولدها ولد له وابن بنته، فيرث من السبب الأول ولا
يرث من السبب الثاني.
(مسألة 634): المسلم لا يرث بالسبب الفاسد، ويرث بالنسب الفاسد ما لم
يكن زنا، فولد الشبهة يرث ويورث، وإذا كانت الشبهة من طرف واحد،
اختص التوارث به دون الآخر والله سبحانه العالم.
خاتمة
مخارج السهام المفروضة في الكتاب العزيز خمسة الاثنان مخرج النصف و
الثلاثة مخرج الثلث والثلثين، والأربعة مخرج الربع، والستة مخرج السدس و
الثمانية مخرج الثمن.
(مسألة 635): لو كان في الفريضة كسران، فان كانا متداخلين، بان كان
مخرج أحدهما يفني مخرج الآخر إذا سقط منه مكررا كالنصف والربع، فان
مخرج النصف وهو الاثنان يفني مخرج الربع وهو الأربعة وكالنصف والثمن و
الثلث والسدس، فإذا كان الامر كذلك كانت الفريضة مطابقة للأكثر، فإذا
230

اجتمع النصف والربع كانت الفريضة أربعة، وإذا اجتمع النصف والسدس كانت
ستة، وإذا اجتمع النصف والثمن كانت ثمانية، وان كان الكسران متوافقين بان
كان مخرج أحدهما لا يفني مخرج الآخر إذا سقط منه مكررا، ولكن يفني
مخرجيهما عدد ثالث إذا سقط مكررا من كل منهما كالربع والسدس، فان مخرج
الربع أربعة ومخرج السدس ستة والأربعة لا تفني الستة ولكن الاثنين يفني كلا
منهما وكسر ذلك العدد وفق بينهما، فإذا كان الامر كذلك ضرب أحد المخرجين في
وفق الآخر وتكون الفريضة مطابقة بحاصل الضرب، فإذا اجتمع الربع و
السدس ضربت نصف الأربعة في الستة أو نصف الستة في الأربعة وكان الحاصل
هو عدد الفريضة وهو اثنا عشر، وإذا اجتمع السدس والثمن، كانت الفريضة
أربعة وعشرين حاصلة من ضرب نصف مخرج السدس، وهو ثلاثة في الثمانية
أو نصف مخرج الثمن وهو الأربعة في الستة، وان كان الكسران متباينين، بان كان
مخرج أحدهما لا يفني مخرج الآخر ولا يفنيهما عدد ثالث غير الواحد كالثلث و
الثمن، ضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر وكان المتحصل هو عدد الفريضة،
ففي المثال المذكور تكون الفريضة أربعة وعشرين حاصلة من ضرب الثلاثة في
الثمانية، وإذا اجتمع الثلث والربع كانت الفريضة اثني عشرة حاصلة من ضرب
الأربعة في الثلاثة.
(مسألة 636): إذا تعدد أصحاب الفرض الواحد، كانت الفريضة حاصلة
من ضرب عددهم في مخرج الفرض، كما إذا ترك أربع زوجات وولدا، فان
الفريضة تكون من اثنين وثلاثين حاصلة من ضرب الأربعة (عدد الزوجات)
في الثمانية مخرج الثمن. وإذا ترك أبوين وأربع زوجات، كانت الفريضة من ثمانية و
أربعين حاصلة من ضرب الثلاث التي هي مخرج الثلث في الأربع التي
231

هي مخرج الربع، فتكون اثنتي عشرة، فتضرب في الأربع (عدد
الزوجات) ويكون الحاصل ثمانية وأربعين.
وهكذا تتضاعف الفريضة بعدد من ينكسر عليه السهم.
232

كتاب القضاء
(مسألة 637): القضاء، هو فصل الخصومة بين المتخاصمين وإنهائها على
طبق الموازين المقررة في الشرع، والفرق بينه وبين الفتوى، هو أن الفتوى تتمثل
في بيان الأحكام الشرعية الكلية على نحو القضية الحقيقية، من دون نظر إلى
تطبيقها على مواردها ومصاديقها، ولا تكون حجة إلا على من يجب عليه تقليد
المفتي بها، والمعيار في التطبيق إنما هو نظره دون نظر المفتي. وأما القضاء، فهو
متمثل في حكم المفتي بالقضايا الشخصية التي هي مورد الترافع والتشاجر بين
الناس وإنهاء النزاع فيها، سواءا كانت من القضايا المالية أم غيرها، وهو نافذ
على كل أحد، حتى إذا كان أحد المتخاصمين، أو كلاهما مجتهدا. نعم قد يكون
منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي، فادعت
الزوجة ذات الولد الإرث منها، وادعى الباقي حرمانها، فتحاكما لدى القاضي،
فإن حكمه يكون نافذا عليهما، وإن كان مخالفا لفتوى من يرجع إليه المحكوم
عليه.
(مسألة 638): القضاء من أهم الوظائف الإلهية في الإسلام، حيث أن
233

الشطر المهم من العدالة الاجتماعية متوقف عليه، وهو واجب كفائي.
(مسألة 639): هل يجوز أخذ الأجرة على القضاء من المتخاصمين أو
غيرهما؟
والجواب: الأظهر الجواز، على أساس أن الوجوب بما هو لا يمنع عن أخذ
الأجرة وكذا قصد القربة، فإن المانع منه اعتبار قيد المجانية فيه، ولكن لا دليل
عليه في المقام.
(مسألة 640): بناءا على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء، هل يجوز
أخذ الأجرة على الكتابة؟ الظاهر ذلك، باعتبار أنها ليست جزء القضاء.
(مسألة 641): تحرم الرشوة في القضاء على الآخذ والباذل، وهي دفع أحد
المتخاصمين أو الثالث المال للقاضي لكي يحكم لصالحه، وأما إذا علم أحد
المتخاصمين أنه لو لم يعط المبلغ الفلاني له لم يحكم بحقه، فهل يجوز له اعطاء المبلغ
المذكور لإنقاذ حقه؟
والجواب: يجوز له ذلك إذا توقف انقاذ حقه عليه، ولكن يحرم أخذه على
القاضي، وأما الهدايا، فلا مانع منها إلا إذا علم بأنها مؤثرة في نفسه، وتؤدي إلى
انحرافه عن الحكم بالحق والميل إلى الحكم بالباطل، فحينئذ لا يجوز.
(مسألة 642): القاضي على نوعين:
الأول: القاضي المنصوب، وهو من له الولاية شرعا على تطبيق الأحكام
الشرعية وإجراء الحدود وإقامة التعزيرات وخصم النزاعات والمرافعات بين
المسلمين، وأخذ حقوق المظلومين من الظالمين بأي
234

كيفية متاحة له شرعا، بغاية الحفاظ على مصالح المسلمين الكبرى، وهي
العدالة الاجتماعية، وخلق التوازن، وبكلمة أن ما هو ثابت في الإسلام للنبي
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام (عليه السلام) مرتبطا بالدين الإسلامي في مرحلة تطبيق الشريعة
وإجراء حدودها والحفاظ عليها بما يراه، فهو ثابت للفقيه الجامع للشرائط أيضا
، على أساس أن الزعامة الدينية تمتد بامتداد الشريعة، ولا يحتمل اختصاصها
بزمن الحضور، غاية الأمر أنها في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) متمثلة في رسالته، وفى
زمن الأئمة (عليهم السلام) في إمامتهم، وفى زمن الغيبة في فقاهة الفقهاء الجامعين للشروط
منها الأعلمية، نعم ان الزعامة في زمين الغيبة دونها في زمن الحضور كمالا
ومرتبة على تفصيل ذكرناه في محله، ثم أن نفوذ حكمه على غيره في خصم
النزاعات والمرافعات وغيرهما، إنما هو من جهة ولايته وزعامته الدينية، ولا
فرق في ذلك بين ان يكون ذلك الغير مقلدا له أولا، بل وإن كان مجتهدا.
(مسألة 643): قد تسأل هل للفقيه الجامع للشرائط أن ينصب من يكون
واجدا لتمام شروط حل المنازعات والمرافعات بالطرق الشرعية غير الإجتهاد
قاضيا، بحيث يكون حكمه نافذا، وله احضار المدعي عليه إذا شاء ورأى؟
والجواب: أنه غير بعيد، على أساس أن له جعل الولاية لمن يرى مصلحة
فيه، كجعل الولاية على الأيتام أو الأوقاف أو ما شاكل ذلك، وعلى هذا فإذا
كانت هناك مصلحة عامة أو خاصة تتطلب نصب القاضي، فله ذلك على
الأظهر، كما كان الأمر كذلك في زمن الحضور.
الثاني قاضي التحكيم، وهو الذي اختاره المتخاصمان وتراضيا على
235

حكمه في فصل الخصومة بينهما بالطرق المقررة شرعا.
(مسألة 644): هل يكون تعيين القاضي بيد المدعي، أو بيده والمدعي عليه
معا؟
والجواب: أن القاضي إن كان قاضي التحكيم، فالتعيين بيدهما معا، وإن
كان قاضيا منصوبا، فالتعيين بيد المدعي، كما أن له احضار المدعيين إذا رأى فيه
مصلحة، وأما إذا تداعيا، فالمرجع في تعيين القاضي عند الاختلاف إذا كان
متعددا، هو القرعة.
(مسألة 645): يعتبر في القاضي أمور:
(الأول): البلوغ، (الثاني): العقل، (الثالث): الذكورة، (الرابع):
الإيمان، (الخامس): طهارة المولد، (السادس): العدالة، (السابع): الرشد،
(الثامن): الإجتهاد، الا من كان منصوبا من قبل الامام (عليه السلام) أو نائبه الفقيه
الجامع للشرائط، بل الضبط على وجه، ولا تعتبر فيه الحرية ولا الكتابة ولا
البصر، ولا يعتبر في قاضي التحكيم الإجتهاد، بل يكفي فيه معرفة الأحكام ولا
سيما أحكام القضاء ولو كان عن تقليد، وأما في قاضي المنصوب شرعا، فيعتبر
فيه الإجتهاد بل الأعلمية على الأظهر، إلا المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) أو نائبه
كما مر.
(مسألة 646): للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة وبالإقرار وباليمين
، وله أن يحكم بينهما بعلمه مع توفر الشروط فيه، بلا فرق في ذلك بين كونه
قاضي المنصوب أو قاضي التحكيم، كما أنه لا فرق فيه بين حق الله وحق الناس،
نعم لا يجوز إقامة الحد قبل مطالبة صاحب الحق، وإن كان قد علم الحاكم
بموجبه على ما يأتي.
236

(مسألة 647): يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الحزم، ولا
تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال.
(مسألة 648): إذا ادعى شخص مالا على آخر، فالآخر لا يخلو من أن
يعترف له، أو ينكر عليه، أو يسكت بمعنى أنه لا يعترف ولا ينكر، فهنا صور
ثلاث:
(الأول): اعتراف المدعي عليه، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به.
(الثانية): إنكار المدعي عليه، فيطالب المدعي بالبينة، فإن أقامها حكم
على طبقها وإلا حلف المنكر، فإن حلف سقطت الدعوى، ولا يحل للمدعي -
بعد حكم الحاكم - التقاص من مال الحالف، على أساس أن الدعوى قد حسمت
بيمين المنكر فلا دعوى له، بل لو أقام البينة بعد الحلف، فلا قيمة لها على ما في
النص، نعم. لو كذب الحالف نفسه، جاز للمدعي مطالبته بالمال، فإن امتنع
حلت له المقاصة من أمواله، على أساس أن تكذيبه نفسه إقرار منه بحق المدعي
عليه، وهو حجة.
(الثالث): سكوت المدعي عليه، فيطالب المدعي بالبينة، فإن لم يقمها
ألزم الحاكم المدعي عليه بالحلف إذا خرج عن السكوت إلى الإنكار، شريطة أن
يرضى به المدعى، ويطلب الحلف منه، وحينئذ فإن حلف أو رد فهو، وإلا فيرد
الحاكم الحلف على المدعي، وأما إذا ادعى المدعى عليه الجهل بالحال، فإن لم
يكذبه المدعى، فليس له أحلافه، وإلا أحلفه على عدم العلم.
(مسألة 649): لا تسمع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم
الحاكم له كما مر.
237

(مسألة 650): إذا امتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعي، فإن حلف
المدعي ثبت له مدعاه، وإن نكل سقطت دعواه.
(مسألة 651): لو نكل المنكر، بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد الحلف على
المدعي، فهل للحاكم الشرعي أن يرده عليه بديلا عن المنكر الممتنع عن الحلف
والرد معا؟
والجواب: أن ثبوت هذا الحق له لا يخلو من إشكال بل لا يبعد عدم
ثبوته، على أساس أن الرد حق للمنكر، فإن عليه إما أن يحلف أو يرد، فإذا لم
يفعل شيئا منهما، فلا دليل على انتقاله إلى الحاكم، كما أنه لا دليل على ثبوت
ولايته عليه، فإذا يسقط حقه ويثبت حق المدعي عليه، لأن هذا الامتناع منه
بمثابة الاعتراف بحق المدعي، ومع هذا فالتصالح والتراضي بينهما أولى وأجدر.
(مسألة 652): ليس للحاكم احلاف المدعي بعد إقامة البينة، إلا إذا كانت
دعواه على الميت - فعندئذ - للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقه في ذمته زائدا
على بينته، لوجود النص.
(مسألة 653): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدين، فلو ادعى عينا
كانت بيد الميت وأقام بينة على ذلك، قبلت منه بلا حاجة إلى ضم يمين،
لاختصاص النص بالدين، فلا يشمل العين الخارجية.
(مسألة 654): لا فرق في الدعوى على الميت، بين أن يدعي المدعي دينا
على الميت لنفسه، أو لموكله، أو لمن هو ولي عليه، ففي جميع ذلك لابد في ثبوت
الدعوى من ضم اليمين إلى البينة، كما أنه لا فرق بين كون المدعي وارثا، أو
وصيا، أو أجنبيا، وقد تسأل إذا كان للميت دين على رجل وأقام الوصي أو
الوارث بينة عليه، فهل يتوقف ثبوته على ضم يمين المدعي أيضا؟
238

والجواب: نعم على الأظهر.
(مسألة 655): لو ثبت دين الميت بغير بينة، كما إذا اعترف الورثة بذلك،
أو ثبت ذلك بعلم الحاكم، أو بشياع مفيد للعلم، واحتمل أن الميت قد أوفى دينه،
فهل يحتاج في مثل ذلك إلى ضم اليمين أم لا؟ وجهان: الأقرب هو الثاني.
(مسألة 656): لو أقام المدعي على الميت شاهدا واحدا وحلف، فالمعروف
ثبوت الدين بذلك، وهل يحتاج إلى يمين آخر؟ فيه خلاف، قيل بعدم الحاجة،
وقيل بلزومها، ولكن في ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين اشكال، بل منع.
(مسألة 657): لو قامت البينة بدين على صبي، أو مجنون، أو غائب، فهل
يحتاج إلى ضم اليمين؟
والجواب: الأظهر أنه لا يحتاج إليه.
(مسألة 658): لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول، ولا
يجوز للآخر نقض حكم الأول، إلا إذا لم يكن الحاكم الأول واجدا للشرائط، أو
كان حكمه مخالفا للكتاب أو السنة.
(مسألة 659): إذا طالب المدعي حقه، وكان المدعي عليه غائبا، ولم يمكن
احضاره فعلا - فعند ئذ - إن أقام البينة على مدعاه، حكم الحاكم له بالبينة وأخذ
حقه من أموال المدعي عليه ودفعه له، وأخذ منه كفيلا بالمال، والغائب إذا قدم
فهو على حجته، فإن أثبت عدم استحقاق المدعي شيئا عليه، استرجع الحاكم ما
دفعه للمدعي ودفعه للمدعي عليه.
239

(مسألة 660): إذا كان الموكل غائبا، وطالب وكيله الغريم بأداء ما عليه
من حق، وادعى الغريم التسليم إلى الموكل، أو الإبراء، فإن أقام البينة على ذلك
فهو، وإلا فعليه أن يدفعه إلى الوكيل.
(مسألة 661): إذا حكم الحاكم بثبوت دين على شخص، وامتنع المحكوم
عليه عن الوفاء، جاز للحاكم حبسه وإجباره على الأداء. نعم. إذا كان المحكوم
عليه مفلسا لم يجز حبسه، بل ينظر الحاكم حتى يتمكن من الأداء.
(مسألة 662): يجوز للحاكم الشرعي أن يحبس ثلاثة أصناف من
المديونين تأديبا بما يراه، الغاصب، ومن أكل مال اليتيم ظلما، ومن اؤتمن على
أمانة فذهب بها وقصر في حفظها، كما يجوز له أن يحبس كل مجرم ومتجاوز على
حقوق الآخرين كذلك.
أحكام اليمين
(مسألة 663): لا يصح الحلف إلا بالله وبأسمائه تعالى، ولا يعتبر فيه أن
يكون بلفظ عربي، بل يصح بكل ما يكون ترجمة لأسمائه سبحانه وتعالى.
(مسألة 664): يجوز للحاكم أن يحلف أهل الكتاب بما يعتقدون به، ولا
يجب الزامهم بالحلف بالله تعالى فقط، فيجوز أن يستحلفه بكتابه وملته.
(مسألة 665): هل يعتبر في الحلف المباشرة، أو يجوز فيه التوكيل،
فيحلف الوكيل نيابة عن الموكل؟ الظاهر هو اعتبار المباشرة.
240

(مسألة 666): إذا علم أن الحالف قد ورى في حلفه وقصد به شيئا آخر،
فهل يكفي ذلك؟
والجواب: الأظهر عدم الكفاية، على أساس أنه ليس بحلف حقيقة.
(مسألة 667): لو كان الكافر غير الكتابي الذي لا يكون ماله محترما
كالكافر الحربي، أو المشرك، أو الملحد ونحو ذلك، فهل تجري عليه أحكام
القضاء في الدعاوي بينه وبين المسلم، كطلب البينة منه إذا كان مدعيا، أو
استحلافه بالله أو بما يعتقد به إذا كان منكرا؟ والجواب: الأظهر أنه لا يجري عليه
أحكام القضاء، باعتبار أنه لا حرمة له ولا لماله، إلا إذا توقف استنقاذ الحق على
ذلك.
(مسألة 668): المشهور أنه لا يجوز للحاكم احلاف أحد إلا في مجلس
قضائه، إلا إذا كان معذورا من الحضور كالمريض أو غيره، فحينئذ يستنيب
الحاكم من يحلفه في منزله، ولكن لا دليل عليه، فالأظهر الجواز.
(مسألة 669): لو حلف شخص على أن لا يحلف أبدا، ولكن اتفق توقف
اثبات حقه على الحلف، جاز له ذلك.
(مسألة 670): إذا ادعى شخص مالا على الميت، فإن ادعى علم الوارث
به، والوارث ينكره، فله احلافه بعدم العلم، وإلا فلا يتوجه الحلف على
الوارث.
(مسألة 671): إذا ادعى زيد حقا على عمرو، وادعى أنه مات وترك
أموالا وعلم الورثة بكل هذا، وحينئذ فإن اعترف الورثة بذلك لزمهم
الوفاء، وإلا فعليهم الحلف، أما على نفي العلم بالموت، أو نفي وجود مال
241

للميت عندهم.
(مسألة 672): إذا ادعى شخص على مملوك مالا في يده، فالغريم مولاه ولا
أثر لإقرار المملوك في ثبوت الدعوى ولا لإنكاره، فالمعيار إنما هو بإقرار السيد
وإنكاره، بلا فرق في ذلك بين دعوى المال والجناية، نعم إذا كانت الدعوى
أجنبية عن المولى، كما إذا ادعى على العبد إتلاف مال، واعترف العبد به، ثبت
ذلك في ذمته وهي ليست مملوكة للمولى، ويتبع به بعد العتق، وبذلك يظهر حكم
ما إذا كانت الدعوى مشتركة بين العبد ومولاه، كما إذا ادعى على العبد القتل
عمدا، أو خطئا، وحينئذ فإن اعترف به المولى، فإن كان اعترافه بالقتل العمدي
، فعليه أن يدفعه إلى ولي المقتول للإسترقاق، وإن أنكره العبد وإن كان بالقتل
الخطأي، دفعه أو فداه منكرا كان العبد أم لا، وإن أنكره المولى فحينئذ إن
اعترف العبد به، فلا أثر له بالنسبة إلى المولى، ولكنه يثبت في ذمته ويتبع به بعد
العتق.
(مسألة 673): لا تثبت الدعوى في الحدود إلا بالبينة، أو الإقرار، ولا
تتوجه اليمين فيها على المنكر.
(مسألة 674): يحلف المنكر للسرقة مع عدم البينة، فإن حلف سقط عنه
الغرم. ولو أقام المدعي شاهدا وحلف، غرم المنكر، وأما الحد، فلا يثبت إلا
بالبينة، أو الإقرار، ولا يسقط بالحلف، فإذا قامت البينة بعد الحلف، جرى عليه
الحد.
(مسألة 675): إذا كان على الميت دين، وادعى الدائن أن له في ذمة
شخص آخر دينا، فإن كان الدين مستغرقا، رجع الدائن إلى المدعي عليه
وطالبه بالدين، فإن أقام البينة على ذلك فهو، وإلا حلف المدعي عليه، وإن لم
242

يكن مستغرقا، فإن كان عند الورثة مال للميت غير المال المدعي به في ذمة غيره
رجع الدائن إلى الورثة وطالبهم بالدين، وإن لم يكن له مال عندهم، فتارة يدعي
الورثة عدم العلم بالدين للميت على ذمة آخر، وأخرى يعرفون به، فعلى الأول
يرجع الدائن إلى المدعي عليه، فإن أقام البينة على ذلك فهو، وإلا حلف المدعي
عليه، وعلى الثاني يرجع إلى الورثة وهم يرجعون إلى المدعي عليه ويطالبون
بدين الميت، فإن أقاموا البينة على ذلك، حكم بها لهم، وإلا فعلى المدعي عليه
الحلف. نعم لو امتنع الورثة من الرجوع إليه فللدائن أن يرجع إليه ويطالبه
بالدين على ما عرفت، وإن امتنع المدعى عليه ولم يمكن اجباره أيضا، فعلى
الورثة أن يقوموا بتسديد دين الميت من سائر تركته إن كانت.
حكم اليمين مع الشاهد الواحد
(مسألة 676): تثبت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين
المدعي، وهل يعتبر في ذلك تقديم الشهادة على اليمين، فلو عكس لم تثبت؟
والجواب: أن المشهور وإن كان ذلك، ولكن الأقرب عدم اعتباره، هذا كله في
الدعوى على غير الميت. وأما الدعوى عليه فقد تقدم الكلام فيها.
(مسألة 677): الظاهر ثبوت المال المدعى به بهما مطلقا، عينا كان أو دينا،
وهل يثبت بهما غير المال من الحقوق الأخر، كالطلاق والعتق والخلع وغير
ذلك؟ والجواب: الأقرب الثبوت.
(مسألة 678): إذا ادعى جماعة مالا لمورثهم، وأقاموا شاهدا واحدا، فإن
حلفوا جميعا، قسم المال بينهم بالنسبة، وإن حلف بعضهم وامتنع
243

الآخرون، ثبت حق الحالف دون الممتنع، فإن كان المدعى به دينا، أخذ
الحالف حصته، ولا يشاركه فيها غيره، وإن كان عينا، شاركه فيها غيره،
وكذلك الحال في دعوى الوصية بالمال لجماعة، فإنهم إذا أقاموا شاهدا واحدا،
ثبت حق الحالف منهم دون الممتنع.
(مسألة 679): لو كان بين الجماعة المدعين مالا لمورثهم صغير، فهل لوليه
الحلف لاثبات حقه، أو تبقى حصته إلى أن يبلغ.
والجواب: المشهور أنه ليس لوليه الحلف، باعتبار أنه ليس صاحب
الحق، والمعتبر إنما هو حلف صاحب الحق، وهو لا يخلو عن قوة، وعليه فإذا
مات الصبي قبل بلوغه، قام وارثه مقامه، فإن حلف فهو، وإلا
فلا حق له.
(مسألة 680): إذا ادعى بعض الورثة أن الميت قد أوقف عليهم داره -
مثلا - نسلا بعد نسل، وأنكره الآخرون، فإن أقام المدعون البينة تثبت الوقفية،
وكذلك إذا كان لهم شاهد واحد وحلفوا جميعا، وإن امتنع الجميع لم تثبت
الوقفية، وقسم المدعى به بين الورثة بعد اخراج الديون والوصايا إن كان على
الميت دين، أو كانت له وصية، وبعد ذلك يحكم بوقفية حصة المدعي للوقفية
آخذا بإقراره، ولو حلف بعض المدعين دون بعض، ثبتت الوقفية في حصة
الحالف، فلو كانت للميت وصية، أو كان عليه دين، أخرج من الباقي، ثم قسم
بين سائر الورثة
(مسألة 681): إذا امتنع بعض الورثة عن الحلف، ثم مات قبل حكم
الحاكم، قام وارثه مقامه، فإن حلف ثبت الوقف في حصته، وإلا فلا.
244

فصل في القسمة
(مسألة 682): تجري القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء،
وللشريك أن يطالب شريكه بقسمة العين، فإن امتنع أجبر عليها.
(مسألة 683): تتصور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء
على صور:
(الأولى): أن يتضرر الكل بها.
(الثانية): أن يتضرر البعض دون بعض.
(الثالثة): أن لا يتضرر الكل، فعلى الأولى لا تجوز القسمة بالإجبار،
وتجوز بالتراضي، وعلى الثانية فإن رضى المتضرر بالقسمة فهو، وإلا فلا يجوز
اجباره عليها، وعلى الثالثة يجوز اجبار الممتنع عليها.
(مسألة 684): إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت إجابته، سواءا
أكانت القسمة قسمة إفراز أم كانت قسمة تعديل.
والأول: كما إذا كانت العين المشتركة متساوية الأجزاء من حيث القيمة،
كالحبوب، والأدهان، والنقود، وما شاكل ذلك.
والثاني: كما إذا كانت العين المشتركة غير متساوية الأجزاء من جهة
القيمة، كالثياب، والدور، والدكاكين والبساتين، والحيوانات، وما شاكلها، ففي
مثل ذلك لابد أولا من تعديل السهام من حيث القيمة، كأن كان ثوب يسوى
دينارا، وثوبان يسوى كل واحد نصف دينار، فيجعل الأول سهما والآخران
سهما، ثم تقسم بين الشريكين، وأما إذا لم يمكن القسمة إلا بالرد، كما إذا كان
245

المال المشترك بينهما سيارتين تسوى أحداهما ألف دينار مثلا، والأخرى ألفا
وخمسمائة دينار، ففي مثل ذلك لا يمكن التقسيم إلا بالرد، بأن يرد من يأخذ
الأغلى منهما إلى الآخر مائتين وخمسين دينارا، فإن تراضيا بذلك فهو، وإلا بان
طلب كل منهما الأغلى منهما - مثلا - عينت حصة كل منهما بالقرعة.
(مسألة 685): لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة
خارجا، وطلب أحدهما القسمة ولم يتراضيا على أن يتقبله أحدهما ويعطي
الآخر حصته من القيمة، أجبرا على البيع وقسم الثمن بينهما.
(مسألة 686): إذا كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز، أو التعديل،
وطلب أحد الشريكين القسمة بالرد وامتنع الآخر عنها، أجبر الممتنع عليها،
فإن لم يمكن جبره عليها، أجبر على البيع وقسم ثمنه بينهما، وإن لم يمكن ذلك أيضا
باعه الحاكم الشرعي أو وكيله، وقسم ثمنه بينهما.
(مسألة 687): القسمة عقد لازم، فلا يجوز لأحد الشريكين فسخه، ولو
ادعى وقوع الغلط والاشتباه فيها، فإن أثبت ذلك بالبينة فهو، وإلا فلا تسمع
دعواه، نعم لو ادعى علم شريكه بوقوع الغلط، فله إحلافه على عدم العلم.
(مسألة 688): إذا ظهر بعض المال مستحقا للغير بعد القسمة، فإن كان في
حصة أحدهما دون الآخر بطلت القسمة، وإن كان في حصتهما معا، فإن كانت
النسبة متساوية صحت القسمة، ووجب على كل منهما رد ما أخذه من مال الغير
إلى صاحبه، وإن لم تكن النسبة متساوية، كما إذا كان ثلثان منه في حصة
أحدهما، وثلث منه في حصة الآخر، بطلت القسمة أيضا.
(مسألة 689): إذا قسم الورثة تركة الميت بينهم، ثم ظهر دين على
246

الميت، فإن أدى الورثة دينه، أو أبرأ الدائن ذمته، أو تبرع به متبرع،
صحت القسمة، وإلا بطلت. فلابد أولا من أداء دينه منها ثم تقسيم الباقي بينهم،
على أساس أن مقدار الدين قد ظل في ملك الميت.
فصل في أحكام الدعاوي
تعريف المدعي:
(مسألة 690): المدعي: هو الذي يدعي شيئا على آخر ويكون ملزما
بإثباته شرعا، كأن يدعي عليه شيئا من مال، أو حق، أو غيرهما، أو يدعي
وفاء دين، أو أداء عين كان واجبا عليه ونحو ذلك.
شروط المدعي:
الأول: العقل: فلا تسمع دعوى المجنون في حال الجنون، وهل تسمع
دعواه في حال الإفاقة إذا كان جنونه أدواريا؟ والجواب: لا يبعد السماع.
الثاني: البلوغ على الأحوط، ولا يبعد سماع دعوى الصبي إذا كان رشيدا
وعاقلا، وقبول اعترافه وإنكاره، وله حق مطالبة الحلف من المنكر إذا لم تكن
عنده بينة، وقبول حلفه إذا رده المنكر عليه، إذ لا قصور في إطلاقات أدلة أن
البينة على المدعي واليمين على المنكر عن شمول الصبي إذا كان مميزا ورشيدا، ولا
يوجد دليل على الخلاف، وتقييد تلك الإطلاقات، ودعوى الإجماع في المسألة
لا تصلح أن تكون قرينة على ذلك، وما دل على عدم نفوذ تصرفاته الاعتبارية
كالبيع والشراء ونحوهما لا يشمل المقام، إذ لا ملازمة
247

بين عدم نفوذ تلك التصرفات وعدم سماع الدعوى منه ولا فرق في ذلك
بين أن تكون الدعوى من الدعاوي المالية أو الجنائية، ومع هذا فالأحوط
والأجدر أن يكون ذلك بنظر الولي وإذنه، ولا يعتبر فيه الرشد وإن كانت
الدعوى، دعوى مالية، لأن السفيه ممنوع من التصرفات الاعتبارية في ماله،
كالبيع والشراء والصلح والهبة وغير ذلك، ولا دليل على أنه ممنوع من دعوى
حق مالي على شخص، وإقامة بينة على هذه الدعوى، وإحلافه المنكر على ما
أنكره، وحلفه على ما ادعاه إذا رده المنكر عليه، إذ كونه سفيها في تلك
التصرفات وعدم نفوذها، لا يلازم كونه كذلك في المقام.
الثالث: أن تكون دعواه لنفسه أو لموكله أو لمن له ولاية الدعوى عنه، فلا
تسمع دعواه مالا لغيره إلا أن يكون وليه أو وكيله أو وصيه، كما يعتبر في سماع
الدعوى أن يكون متعلقها أمرا سائغا ومشروعا، فلا تسمع دعوى المسلم على
آخر في ذمته خمرا أو خنزيرا أو ما شاكلهما، وأيضا يعتبر في ذلك أن يكون
متعلق دعواه ذا اثر شرعي فلا تسمع دعوى الهبة أو الوقف من دون إقباض، و
أن تكون دعواه صريحة في المدعى، فلو كانت مبهمة لم تسمع.
الرابع: أن يكون المدعي واثقا ومطمئنا بأحقيته في القضية، وإلا لم يجز له
شرعا الإتكال في دعواه على الغير على الحدس والاجتهاد الظني الذي لا يكون
حجة.
(مسألة 691): إذا كان المدعي غير من له الحق كالولي، أو الوصي أو
الوكيل المفوض، فإن تمكن من إثبات مدعاه بإقامة البينة فهو، وإلا فله إحلاف
المنكر، فإن حلف سقطت الدعوى، وإن رد المنكر الحلف على المدعي، فإن
حلف ثبت الحق، وإن لم يحلف فهل تسقط الدعوى؟
248

والجواب: أن السقوط غير بعيد.
(مسألة 692): إذا كان مال شخص في يد غيره، جاز له أخذه منه بدون
إذنه، وأما إن كان دينا في ذمته فإن كان المدعى عليه معترفا بذلك وباذلا له، فلا
يجوز له أخذه من ماله بدون إذنه. وكذلك الحال إذا امتنع وكان امتناعه عن حق،
كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمته، فعند ئذ يترافعان عند الحاكم. وأما إذا كان
امتناعه عن ظلم، سواء أكان معترفا به أو جاحدا، جاز لمن له الحق المقاصة من
أمواله، والظاهر أنه لا يتوقف على اذن الحاكم الشرعي أو وكيله، وإن كان
تحصيل الإذن أحوط، وأحوط منه التوصل في أخذ حقه إلى حكم الحاكم
بالترافع عنده، وكذا تجوز المقاصة من أمواله عوضا عن ماله الشخصي إن لم
يتمكن من أخذه منه.
(مسألة 693): تجوز المقاصة من غير جنس المال الثابت في ذمته ولكن مع
تعديل القيمة فلا يجوز أخذ الزائد.
(مسألة 694): الأظهر جواز المقاصة من الوديعة على كراهة.
(مسألة 695): لا يختص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق، فيجوز له أن
يوكل غيره فيها، بل يجوز ذلك للولي أيضا، فلو كان للصغير، أو المجنون مال
عند آخر فجحده، جاز لوليهما المقاصة منه. وهل للحاكم الشرعي أن يقبض من
أموال من يمتنع عن أداء الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة ولاية؟
والجواب: الأظهر أن له ذلك نظريا، ولكن عملية التطبيق تتوقف على
بسط يده.
249

فصل في دعوى الأملاك
(مسألة 696): لو ادعى شخص مالا لا يد لأحد عليه، حكم به له، فلو
كان كيس بين جماعة وادعاه واحد منهم دون الباقين، قضى له.
(مسألة 697): إذا تنازع شخصان في مال، ففيه صور:
(الأولى): أن يكون المال في يد أحدهما.
(الثانية): أن يكون في يد كليهما.
(الثالثة): أن يكون في يد ثالث.
(الرابعة): أن لا تكون عليه يد.
(أما الصورة الأولى): فتارة تكون لكل منهما البينة على أن المال له،
وأخرى تكون لأحدهما دون الآخر، وثالثة لا تكون بينة أصلا، فعلى الأول فإن
كان ذو اليد منكرا لما ادعاه الآخر، حكم بأن المال له مع حلفه لقوله (عليه السلام) في
معتبرة بن عمار " فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا البينة قال إقض بها
للحالف الذي هي في يده " وهذه المعتبرة تقيد اطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة
غياث بن إبراهيم " وكلاهما أقاما البينة أنه انتجها فقضى بها للذي في يده " بما إذا
حلف لا مطلقا، وأما معتبرة سماعة، فإنها وإن كانت تدل على أن المدعيين إذا
أقاما البينة وكانتا متساويتين في العدد، فالمرجع في ذلك القرعة، ومقتضى
إطلاقها أنها المرجع، سواء أحلف ذو اليد أم لم يحلف، إلا أنه لابد من رفع اليد
عن اطلاقها بما إذا لم يحلف، وأما إذا حلف فيحكم بأن المال له، فإذن
250

يكون الرجوع إلى القرعة مقيدا بما إذا لم يحلف كما أن هذه المعتبرة تقيد
اطلاق معتبرة ابن عمار بما إذا كانت البينتان متساويتين وإلا أخذ بالأكثر عددا
وألغيت الأخرى، فالنتيجة بعد الجمع بين هذه الروايات بتقييد بعضها ببعضها
الآخر، أن المدعيين إذا أقاما البينة، فإن كانت أحدهما أكثر عددا قدمت وألغيت
الأخرى، وإن كانتا متساويتين سقطتا، ويؤمر ذو اليد بالحلف، فإن حلف فالمال
له، وإن رد على المدعي، فإن حلف المدعي فهو، وإلا سقط حقه ويدفع المال
لصاحب اليد.
وعلى الثاني: فإن كانت البينة للمدعي حكم بها له، وإن كانت لذي اليد
حكم له حلفه، وأما الحكم له من دون حلفه ففيه اشكال، والأظهر العدم.
وعلى الثالث: كان على ذي اليد الحلف، فإن حلف حكم له، وإن نكل
ورد الحلف على المدعي، فإن حلف حكم له، وإلا فالمال لذي اليد.
وأما (الصورة الثانية): فقد تكون لكل منهما البينة، وأخرى تكون
لأحدهما دون الآخر، وثالثة لا بينة أصلا.
فعلى الأول ففيه صور:
الأولى: ما إذا نكلا جميعا عن الحلف وامتنعا، وهل الحكم في هذه الصورة
التنصيف أو القرعة؟
والجواب: الأقرب القرعة، وذلك لأن المعتبرة لا تشمل هذه الصورة
ولا تدل على حكمها، لاختصاصها بما إذا حلفا معا أو حلف أحدهما دون
الآخر، وعليه فلا مانع من التمسك بإطلاق الموثقة والحكم بأن المرجع في تلك
الصورة القرعة، هذا إذا كانت البينتان متساويتين، وأما إذا كانت أحدهما أكثر
251

عددا أخذ بها وألغيت الأخرى.
الثانية: ما إذا حلفا جميعا، والحكم في هذه الصورة التنصيف بمقتضى
المعتبرة، وبها تقيد اطلاق الموثقة بما إذا لم يحلفا معا.
الثالثة: ما إذا حلف أحدهما دون الآخر، ففي هذه الصورة يحكم بأن المال
للحالف.
وعلى الثاني: كان المال لمن كانت عنده بينة مع يمينه، وفي جواز الاكتفاء
بالبينة وحدها إشكال، والأظهر عدمه، على أساس أنه منكر من جهة، وعلى
الثالث يتوجه إليهما الحلف، على أساس أن كلا منهما منكر لما يحلفا في يد الآخر،
فإذا حلفا معا، حكم بتنصيف المال بينهما، وكذلك الحال فيما إذا لم يحلفا جميعا،
فالحكم التنصيف أيضا بمقتضى اليد كما مر، وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم
له.
وأما (الصورة الثالثة): فإن صدق من بيده المال أحدهما دون الآخر،
فتدخل في الصورة الأولى، وتجري عليها أحكامها بجميع شقوقها، وإن اعترف
ذو اليد بأن المال لهما معا، جرى عليها أحكام الصورة الثانية، وإن لم يعترف بأن
لهما، كان حكمها حكم الصورة الرابعة.
وأما (الصورة الرابعة): ففيها أيضا قد تكون لكل منهما بينة على أن المال
له وأخرى تكون لأحدهما، وثالثة، لا تكون بينة أصلا، فعلى الأول: إن حلفا
جميعا كان المال بينهما نصفين وإن نكلا جميعا، فهل يقسم المال بينهما نصفين أو
يرجع إلى القرعة؟
والجواب: الأقرب القرعة إذا كانت البينتان المقيمتان متساويتين في
252

العدد، لما مر من أن معتبرة عمار لا تدل على حكم هذه الصورة، وعليه فلا مانع
من التمسك بالموثقة فيها، والحكم بالرجوع إلى القرعة، وإن حلف أحدهما
ونكل الآخر، كان المال للحالف، وعلى الثاني فالمال لمن كانت عنده البينة.
وعلى الثالث: فإن حلف أحدهما دون الآخر، فالمال له، وإن حلفا معا،
فهل يحكم بالتنصيف بينهما أو القرعة؟
والجواب: لا يبعد القرعة، لأن شمول المعتبرة للمقام لا يخلو عن اشكال،
فإن دلالتها على التنصيف في فرض حلفهما معا إنما هي فيما أقاما البينة لا مطلقا،
فمن أجل ذلك لا يبعد أن يرجع إلى الموثقة والحكم بالقرعة، وأما إذا لم يحلفا ولا
أحدهما، فالمرجع هو القرعة، ثم أن المراد بالبينة في هذه المسألة هو شهادة
رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين، وأما شهادة رجل واحد ويمين المدعي، فهي
لا تكون بينة وإن كان يثبت بها الحق على ما تقدم.
(مسألة 698): إذا كان صاحب اليد ادعى الجهل بالحال وأن المال انتقل
إليه من غيره بإرث أو نحوه، والمدعي كان يصدقه في ذلك، ولكنه ادعى أن من
انتقل منه المال إليه قد غصبه أو كان المال عارية عنده أو غير ذلك، فعندئذ إن
أقام بينة على ذلك، حكم بأن المال له، وإلا فهو لصاحب اليد.
(مسألة 699): إذا ادعى شخص مالا في يد آخر، وهو يعترف بأن المال
لغيره وليس له، ارتفعت عنه المخاصمة - فعندئذ - إن أقام المدعي البينة على أن
المال له، حكم بها له، ولكن بكفالة الغير على ما مر في الدعوى على الغائب.
(مسألة 700): إذا ادعى شخص مالا على آخر وهو في يده فعلا، فإن
253

أقام البينة على أنه كان في يده سابقا، أو كان ملكا له كذلك، فلا أثر لها،
ولا تثبت بها ملكيته فعلا، بل مقتضى اليد أن المال ملك لصاحب اليد، نعم
للمدعى أن يطالبه بالحلف، وإن أقام البينة على أن يد صاحب اليد على هذا المال
يد أمانة له، أو إجارة منه، أو غصب عنه، حكم بها له، وسقطت اليد الفعلية عن
الاعتبار، نعم إذا أقام ذو اليد أيضا البينة على أن المال له فعلا، حكم له مع يمينه،
ولو أقر ذو اليد بأن المال كان سابقا ملكا للمدعي وادعى انتقاله إليه ببيع، أو
نحوه، فإن أقام البينة على مدعاه فهو، وإلا فالقول قول ذي اليد السابقة مع يمينه.
فصل
الاختلاف في العقود
(مسألة 701): إذا اختلف الزوج والزوجة في العقد، بأن ادعى الزوج
الانقطاع، وادعت الزوجة الدوام، أو بالعكس، فالظاهر أن القول قول مدعي
الدوام، وعلى مدعي الانقطاع إقامة البينة على مدعاه، باعتبار أن مرجع هذه
الدعوى إلى دعوى الإطلاق والتقييد، فإن من يدعي الدوام يدعي الإطلاق
ومن يدعي الانقطاع يدعي التقييد، وحيث أن الإطلاق عبارة عن عدم التقييد
البديل له على ما بيناه في محله، فعلى هذا من يدعي الدوام يدعي اطلاق الزوجية
المنشأة من قبل الزوجين وعدم التقييد بفترة معينة، ومن يدعي الانقطاع يدعي
تقييد تلك الزوجية بفترة معينة، وبما أنه يدعي شيئا زائدا وهو التقييد، فعلية
اثباته دون من يدعي الإطلاق، وعلى مدعي
254

الانقطاع إقامة البينة على مدعاه، فإن لم يمكن، حكم بالدوام مع يمين
مدعيه، وكذلك الحال إذا وقع الاختلاف بين ورثة الزوج والزوجة.
(مسألة 702): إذا ثبتت الزوجية باعتراف كل من الرجل والمرأة، وادعى
شخص آخر زوجيتها له، فإن أقام البينة على ذلك فهو، وإلا فله إحلاف أيهما
شاء.
(مسألة 703): إذا ادعى رجل زوجية امرأة وهي غير معترفة بها ولو
لجهلها بالحال، وادعى رجل آخر زوجيتها كذلك، وأقام كل منهما البينة على
مدعاه، حلف أكثرهما عددا في الشهود، فإن تساويا أقرع بينهما، فأيهما أصابته
القرعة كان الحلف له، وإذا لم يحلف أكثرهما عددا أو من أصابته القرعة، لم تثبت
الزوجية لسقوط البينتين بالتعارض، وإذا أنكرت الزوجة الزوجية مع كل منهما،
فإن أقام أحدهما البينة على أنها زوجته فهو، وإن لم تكن بينة لأي منهما،
فللزوجة أن تحلف وبذلك تنتهي الدعوى، نعم إذا حكم الحاكم بأنها زوجته
بالبينة أو نحوها، وهي كانت تعلم بعدمها واقعا وبكذب البينة، لم تجز حينئذ لها
المطاوعة له، وعليها التخلص منه بأي وسيلة متاحة لها.
(مسألة 704): إذا اختلفا في عقد، فكان الناقل للمال مدعيا للبيع، وكان
المنقول إليه المال مدعيا الهبة، فالقول قول مدعي الهبة، وعلى مدعي البيع
الإثبات، وأما إذا انعكس الأمر، فادعى الناقل الهبة وإدعى المنقول اليه البيع،
فالقول قول مدعي البيع الهبية الاثبات، على أساس ان مدعي الهبية إذا كان
مالكا فيما أنه يدعي شيئا زائدا على الآخر، وهو رجوعه إلى العين وأخذها منه،
فعليه اثباته.
255

(مسألة 705): إذا ادعى المالك الإجارة، وادعى الآخر العارية، فالقول
قول مدعي العارية، باعتبار أن المالك يدعي اشتغال ذمة الآخر بالأجرة، فعليه
الإثبات، ولو انعكس الأمر، كان القول قول المالك، باعتبار أن مدعي الإجارة
يدعى ملك المنفعة في المدة المعلومة وعليه اثباته.
(مسألة 706): إذا اختلفا فادعى المالك أن المال التالف كان قرضا،
وادعى القابض أنه كان وديعة، فالقول قول المالك مع يمينه للنص، وأما إذا كان
المال موجودا وكان قيميا، فالقول قول من يدعي الوديعة، على أساس أن
مدعي القرض يدعي الضمان واشتغال ذمة الآخر بالقيمة وعليه الإثبات، نعم إذا
كان المال الموجود مثليا، فلا أثر للدعوى، حيث أنه ليس لمدعي القرض
الامتناع عن قبول المال الموجود، وهذا بخلاف ما إذا كان قيميا، فله الامتناع
عن قبوله والمطالبة بقيمته.
(مسألة 707): إذا اختلفا، وادعى المالك أن المال كان وديعة، وادعى
القابض أنه كان رهنا، فإن كان الدين ثابتا، فالقول قول القابض مع يمينه للنص،
وإلا فالقول قول المالك.
(مسألة 708): إذا اتفقا في الرهن، وادعى المرتهن أنه رهن بألف درهم -
مثلا - وادعى الراهن أنه رهن بمائة درهم، فالقول قول الراهن مع يمينه، فإن
المرتهن بما أنه يدعي شيئا زائدا على الراهن، فعليه الإثبات هذا إضافة إلى أن
ذلك منصوص.
(مسألة 709): إذا اختلف زيد وعمرو في بيع الدار وإجارتها، فادعى زيد
القابض للدار البيع وعمرو المالك لها الإجارة، فلذلك صورتان:
الأولى: أن الثمن في البيع إذا كان أكثر من الأجرة في الإجارة، كما هو
256

كذلك خارجا أو مساويا لها، فالقول قول المالك وهو مدعي الإجارة، وعلى
مدعي البيع إثبات انتقال ملكية الدار إليه.
الثانية: إذا فرض أن الثمن في البيع أقل من الأجرة في الإجارة، فحينئذ
كان المورد من موارد التداعي، فإن أقام أحدهما البينة دون الآخر حكم له، وإن
لم تكن بينة لواحد منهما فإن حلف أحدهما دون الآخر فالمال كله للحالف، وإن
أقام كلاهما بينة على مدعاه أو حلف كلاهما معا كذلك، فهل يحكم عندئذ
بالإنفساخ قهرا أو لا؟
والجواب: أن الحكم بالإنفساخ القهري لا يخلو عن اشكال بل منع، لعدم
الدليل، وعليه فللحاكم أن يحكم بينهما بالتصالح خصما لمادة النزاع، كما أن له أن
يفسخ المعاملة ولاية إذا رأى.
(مسألة 710): إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن زيادة ونقيصة، فله
صورتان:
الأولى: ما إذا كان الاختلاف بينهما فيما إذا تلف المبيع في يد المشتري، وفي
هذه الصورة فالقول قول المشتري مع يمينه، وعلى البائع إثبات الزيادة في الثمن
شرعا.
الثانية: ما إذا كان الاختلاف بينهما فيما لو كان المبيع باقيا في يد المشتري،
وفي هذه الصورة فالمشهور تقديم قول البائع مع يمينه، وعلى المشتري إثبات
مدعاه شرعا، وهو الأظهر، لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة عمر بن يزيد " فإن
اختلفا أي البائع والمشتري فالقول قول رب السلعة ".
(مسألة 711): إذا ادعى المشتري على البائع شرطا كتأجيل الثمن أو
257

اشتراط الرهن على الدرك، أو غير ذلك والبائع منكر له، كان القول قول البائع
مع يمينه، وكذلك إذا اختلفا في مقدار الأجل وادعى المشتري الزيادة.
(مسألة 712): إذا اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن،
فادعى المشتري أن المبيع ثوبان - مثلا - وقال البائع إنه ثوب واحد، فالقول قول
البائع مع يمينه، وإذا اختلفا في جنس المبيع، أو جنس الثمن، فالمورد وإن كان من
موارد التداعي، إلا أنه لا يبعد تقديم قول صاحب السلعة.
(مسألة 713): إذا اتفقا في الإجارة، واختلفا في الأجرة زيادة ونقيصة،
فالقول قول مدعي النقيصة، وعلى مدعي الزيادة الإثبات، وكذلك الحال فيما إذا
كان الاختلاف في العين المستأجرة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في الأجرة، أو كان
الاختلاف في المدة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في العين ومقدار الأجرة.
(مسألة 714): إذا اختلفا في مال معين، فادعى كل منهما أنه اشتراه من
زيد وأقبضه الثمن، فإن اعترف البائع لأحدهما دون الآخر، فالمال للمقر له،
وللآخر إحلاف البائع على ما يأتي، سواء أقام كل منهما البينة على مدعاه، أم لم
يقيما جميعا، نعم إذا أقام غير المقر له البينة على مدعاه، سقط اعتراف البائع عن
الاعتبار وحكم له بالمال، وعلى البائع حينئذ أن يرد إلى المقر له ما قبضه منه
باعترافه، وإن لم يعترف البائع أصلا، فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم
له، وللآخر إحلاف البائع، فإن حلف سقط حقه، وإن رد الحلف إليه، فإن نكل
سقط حقه أيضا، وإن حلف ثبت حقه في أخذ الثمن منه، وإن أقام كل منهما البينة
على مدعاه، أو لم يقيما جميعا، توجه الحلف إلى البائع، فإن حلف على عدم البيع
من كل منهما سقط حقهما، وإن حلف على عدم البيع من أحدهما سقط حقه
خاصة، وإن نكل ورد الحلف إليهما، فإن حلفا معا قسم
258

المال بينهما نصفين للنص، وإن لم يحلفا جميعا سقط حقهما. وإن حلف
أحدهما دون الآخر كان المال للحالف، وإن اعترف البائع بالبيع من أحدهما لا
على التعيين، جرى عليه حكم دعويين على مال لا يد لأحد عليه وقد مر
حكمهما.
(مسألة 715): إذا ادعى أحد رقية الطفل المجهول النسب في يده حكم بها
له، وإذا ادعى الحرية بعد البلوغ لم تسمع إلا إذا أقام البينة عليها. وكذلك الحال
في البالغ المملوك في يد أحد إذا ادعى الحرية، نعم لو ادعى أحد أنه مملوك له
وليس بيده، وأنكره المدعى عليه، لم تسمع دعوى المدعي إلا بالبينة.
(مسألة 716): إذا تداعى شخصان على طفل، فادعى أحدهما أنه مملوك
له وادعى الآخر أنه ولده، فإن أقام مدعي الملكية البينة على ما ادعاه ولم تكن
للآخر بينة، حكم بملكيته له، وإن كانت للآخر بينة على أنه ولده حكم به له،
سواء أكانت للأول بينة أم لم تكن للنص، وأن لم تكن لهما بينة، خلى سبيل الطفل
يذهب حيث شاء.
(مسألة 717): لو ادعى كل من شخصين مالا في يد الآخر، وأقام كل
منهما البينة على أن كلا المالين له، حكم بملكية كل منهما، ما في يده مع يمينه.
(مسألة 718): إذا اختلف الزوج والزوجة في ملكية شي فله صور:
الأولى: ما إذا كان الاختلاف في مختصات كل منهما، وحينئذ فإن كان في
مختصات الرجال فهي لهم، وعلى النساء الإثبات شرعا، وإن كان في مختصات
النساء فهي لهن، وعلى الرجال الإثبات كذلك.
259

الثانية: إذا كان الاختلاف في المشتركات بينهما كالوسائل البيتية من
الظروف والفراش وغيرهما، فإن أقام أحدهما بينة على مدعاه، فهي له رجلا
كان أم امرأة، وإن تكن بينة لأحد منهما، فحينئذ إن حلف أحدهما دون الآخر
فهي للحالف، وإن كانت لكل منهما بينة أو حلف كل منهما على مدعاه، قسمت
بينهما نصفين، وكذلك إذا لم تكن بينة لهما في المسألة ولا أنهما قبلا يمينا، فإنها
أيضا قسمت نصفين.
الثالثة: إذا علم من الخارج أو قامت شهود على أن المرأة جاءت بأثاث
البيت وأمتعته، والزوج كان يعترف بذلك، ولكنه يدعي الزيادة على ما جاءت
، ففي هذه الصورة فعلى الزوج أن يقيم البينة على الزيادة، فإن أقامها فهي له، وإلا
فهي للزوجة مع يمينها.
الرابعة: وهي ما إذا ادعى كل من الزوح والزوجة عدم العلم بالحال، ففي
هذه الصورة ما كان للرجال فهو للزوج، وما كان للنساء فهو للزوجة، وما كان
مشتركا بينهما قسم نصفين. وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بين ورثة
أحدهما مع الآخر أو بين ورثة كليهما.
(مسألة 719): إذا ماتت المرأة وادعى أبوها أن بعض ما عندها من
الأموال عارية، فالأظهر قبول دعواه للنص، وأما إذا كان المدعي غيره ولو كان
أبا أمها، فعليه الإثبات بالبينة، وإلا فهي لوارث المرأة مع اليمين، نعم إذا اعترف
الوارث بأن المال كان للمدعي، وادعى أنه وهبه للمرأة المتوفاة انقلبت
الدعوى، فعلى الوارث إثبات ما يدعيه بالبينة، أو استحلاف منكر الهبة.
260

فصل في دعوى المواريث
(مسألة 720): إذا مات المسلم عن ولدين مسبوقين بالكفر، واتفقا على
تقدم إسلام أحدهما على موت الأب، واختلفا في الآخر، فعلى مدعي التقدم
الإثبات، وإلا كان القول قول أخيه مع حلفه إذا كان منكرا للتقدم، وأما إذا كان
مدعيا الجهل بالحال، فهو بما أنه لا يكذب أخيه في دعوى تقدم إسلامه على
موت أبيه، فلا تكون معارضا له، وحينئذ فلا يبعد قبول دعواه، باعتبار عدم
وجود معارض لها، ولا مجال لإحلافه على عدم العلم بالتقدم، على أساس أن
دعوى عدم العلم بالحال لا تعد من الدعوى المانعة في المقام، نعم قد تكون هذه
الدعوى مانعة من جهة أخرى، كما إذا كان المال في يد شخص وادعى آخر أنه
ملك له وهو لا يعلم بالحال، ففي مثل ذلك لا يجوز له أن يدفع المال إليه بمجرد
دعواه، باعتبار أن الواجب عليه دفع هذا المال إلى مالكه، فمادام لم يعرف أنه
مالك، فليس بإمكانه دفعه وتسليمه إليه، نعم إذا حصل له العلم أو الاطمئنان
من قوله، جاز له ذلك، فإذن تختلف دعوى الجهل بالحال باختلاف مواردها.
(مسألة 721): إذا مات الأب وأحد ابنيه، فإن كان التاريخ الزمني لموت
كليهما معلوما، فلا إشكال، وإن كان مجهولا، فتارة يكون التاريخ الزمني لموت
كليهما مجهولا، وأخرى يكون التاريخ الزمني لموت الأب معلوما، والتاريخ
الزمني لموت الابن مجهولا، وثالثة بالعكس، وعلى هذا ففي الصورة الأولى لا
يجري استصحاب بقاء حياة كل من الأب والابن إلى الزمان الواقعي
261

لموت الآخر، لأنه من الاستصحاب في الفرد المردد، باعتبار تردد ذلك
الزمان الواقعي بين زمانين يكون بقاء الشخص المستصحب في أحدهما متيقنا
وارتفاعه في الآخر كذلك، ولكن حيث أنا نعلم إجمالا بإرث أحدهم من الآخر،
فعلى وارث كل من الأب والابن التصالح والتراضي بينهما.
وفي الصورة الثانية: يجري استصحاب بقاء حياة الابن إلى زمان موت
الأب، ويترتب عليه أثره وهو إرثه منه، ولا يجري استصحاب بقاء حياة الأب
إلى زمان موت الابن، لأنه من الاستصحاب في الفرد المردد كما مر.
وفي الصورة الثالثة: لا مانع من استصحاب بقاء حياة الأب إلى زمان
موت الابن، ويترتب عليه أثره وهو إرثه منه، ولا يجري استصحاب بقاء حياة
الابن، إلى زمان موت الأب بنفس ما تقدم من الملاك، هذا إذا لم يكن نزاع، بين
وارث الأب ووارث الابن، كما إذا ادعى كل منهما الجهل بالحال، وإن كان بينهما
نزاع، فحينئذ إن ادعى وارث الابن تقدم موت الأب على موت الابن، ووارث
الأب تقدم موت الابن على موت الأب، كان المورد من موارد التداعي، فوقتئذ
إن أقام أحدهما بينة على مدعاه دون الآخر، حكم بأن المال له، وكذا إن حلف
أحدهما ولم يحلف الآخر، وأما إذا أقام كل منهما بينة على مدعاه، فإن كانت بينة
أحدهما أكثر عددا من بينة الآخر، حكم بها مع يمينه وإن كانت البينتان
متساويتين، فإن حلف أحدهما وامتنع الآخر، كان المال للحالف، وإن حلفا معا
كان المال بينهما نصفين، وإن لم يحلفا ولا أحدهما، فالأقرب القرعة، وكذلك إذا لم
تكن لهما بينة في المسألة وامتنعا عن الحلف أيضا، وإن ادعى وارث الابن تقدم
موت الأب على موت الابن وأنكره وارث الأب أو بالعكس، كان المقام حينئذ
من مسألة المدعي و
262

المنكر، فإن أقام البينة على مدعاه حكم له، وإلا فعلى المنكر الحلف، فإن
حلف فهو، وإن رد الحلف على المدعى فإن حلف المدعي فهو، وإلا سقطت
دعواه ويرفع المال للمنكر.
(مسألة 722): لو كانت للميت ولد كافر ووارث مسلم، فمات الأب
وأسلم الولد، وادعى الإسلام قبل موت والده، وأنكره الوارث المسلم، فعلى
الولد إثبات تقدم إسلامه على موت والده، فإن لم يثبت فعلى الوارث الحلف أو
رده عليه، فإن حلف فهو، وإلا سقطت دعواه.
(مسألة 723): إذا كان مال في يد شخص، وادعى آخر أن المال لمورثه
الميت، فإن أقام البينة على ذلك وأنه الوارث له، دفع تمام المال له، وإن علم أن له
وارثا غيره دفعت له حصته، وتحفظ على حصة الغائب وبحث عنه، فإن وجد
دفعت له، وإلا عوملت معاملة مجهول المالك إن كان مجهولا، أو معلوما لا يمكن
إيصال المال إليه، وإلا عومل معاملة المال المفقود خبره.
(مسألة 724): إذا كان لامرأة ولد واحد، وماتت المرأة وولدها، وادعى
أخ المرأة أن الولد مات قبل المرأة، وادعى زوجها أن المرأة ماتت أولا ثم ولدها،
فالنزاع بين الأخ والزوج إنما هو في نصف تركة المرأة، فيدعي الأخ أن موت
أختها كان بعد موت ولده فله نصف ما تركتها، والزوج يدعي أن موتها كان قبل
موت ولدها، فتركتها جميعا انتقلت إليه وإلى الولد دون الأخ، وبكلمة أن النزاع
في المسألة بين الأخ والزوج إنما يكون في نصف المال الأصلي للمرأة وسدس مال
الولد، فإن الأخ يدعي أن موت المرأة التي هي أختها كان بعد موت ولدها،
ولازم ذلك أن ثلث مال الولد انتقل إلى المرأة التي هي أمها، وثلثيه إلى أبيه زوج
المرأة، ثم إذا ماتت المرأة انتقل نصف مالها الأصلي إلى
263

أخيها، ونصف ما انتقل إليها من ولدها وهو السدس، ونصفها الآخر إلى
زوجها، والزوج يدعي أن المرأة ماتت قبل موت ولدها، فلا يرث أخوها منها
شيئا وعندئذ فإن أقام كل منهما البينة على مدعاه فأحلفهما، فإن حلف أحدهما
دون الآخر، فالمال كله للحالف، وإن حلفا معا فالأظهر التنصيف بينهما، وأما إذا
لم تكن بينة وقد حلفا معا، فهل يرجع إلى القرعة أو يحكم بالتنصيف بينهما؟
والجواب: الأقرب القرعة، وإن أقام أحدهما البينة دون الآخر، فالمال
كله له، وكذلك إن حلف أحدهما دون الآخر، وإن لم يحلفا جميعا أقرع بينهما.
(مسألة 725): حكم الحاكم إنما يؤثر في رفع النزاع ولزوم ترتيب الآثار
عليه ظاهرا، وأما بالنسبة إلى الواقع فلا أثر له أصلا، فلو علم المدعي أنه
لا يستحق على المدعي عليه شيئا ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم، لم يجز له
التصرف فيه بل يجب رده إلى مالكه، وكذلك إذا علم الوارث أن مورثه أخذ
المال من المدعي عليه بغير حق.
264

كتاب الشهادة
فصل في شرائط الشهادة
(الأول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبيان، نعم تقبل شهادتهم في القتل
إذا كانت واجدة لشرائطها ويؤخذ بأول كلامهم، وفي قبول شهادتهم في الجرح
إشكال.
(الثاني): العقل، فلا عبرة بشهادة المجنون حال جنونه، وتقبل حال
إفاقته.
(الثالث): الإيمان، فلا تقبل شهادة غير المؤمن، وأما المؤمن فتقبل
شهادته وإن كان مخالفا في الفروع، وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم، ولا
تقبل شهادة غير المسلم على المسلم، نعم تقبل شهادة الذمي على المسلم في
الوصية إذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين، وقد تقدم ذلك في كتاب
الوصية. ولا يبعد قبول شهادة أهل كل ملة على ملتهم.
265

(الرابع): العدالة، فلا تقبل شهادة غير العادل، ولا بأس بقبول شهادة
أرباب الصنائع المكروهة والدنيئة إذا كانوا عدولا.
(الخامس): أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به، فلا تقبل
شهادة الشريك في المال المشترك، ولا شهادة صاحب الدين إذا شهد للمحجور
عليه بمال، ولا شهادة السيد لعبده المأذون، ولا شهادة الوصي فيما هو وصي فيه،
ولا شهادة من يريد دفع ضرر عن نفسه، كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود
الجناية، ولا شهادة الوكيل، أو الوصي بجرح شهود المدعي على الموكل، أو
الموصي، ولا الشريك الشريك لبيع الشقص الذي فيه حق الشفعة. وأما إذا
شهد شاهد أن لمن يرثانه فمات قبل حكم الحاكم، فالمشهور عدم الاعتداد
بشهادتهما، ولكنه مشكل، والأقرب هو القبول، على أساس أن الشاهدين حين
شهادتهما لم يكونا من أحد طرفي الدعوى كانت مقبولة، وصيرورتهما بعد
الشهادة من أحد طرفيها لا تضر، هذا نظير عروض الفسق على الشاهدين بعد
شهادتهما، فإنه لا يضر ولا يمنع عن قبولها.
(مسألة 726): إذا تبين فسق الشهود، أو ما يمنع عن قبول شهادتهم بعد
حكم الحاكم، فإن كان ذلك حادثا بعد الشهادة، لم يضر بالحكم، وإن علم أنه
كان موجودا من قبل، وقد خفي على الحاكم، بطل حكمه.
(مسألة 727): لا تمنع العداوة الدينية عن قبول الشهادة، فتقبل شهادة
المسلم على الكافر، وأما العداوة الدنيوية فهل تمنع عن قبول الشهادة، ولا تسمع
شهادة العدو على أخيه المسلم وإن لم توجب الفسق؟
والجواب: أن الوارد في النص عدم قبول شهادة المريب والخصم
والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتهم، فإن كل هؤلاء ترد
266

شهادتهم، وحينئذ فإن قلنا بأن الخصم يشمل العدو فلا تقبل شهادته، وإن قلنا
بأنه لا يشمله فلا مانع من قبول شهادته، لأن العداوة والبغض القلبي لا تنافي
العدالة عملا وخارجا، والاستقامة في الدين، كما إذا لم يصدر منه أي عمل
بالنسبة إلى عدوه خارجا ينافي عدالته، والأقرب الاحتمال الثاني، لأن الخصم
هو المنازع والمجادل في أمر ما، لا أنه عدوه قلبا، وعدم قبول شهادته لا من جهة
أنه ينافي عدالته، بل لعل من جهة أنه لما كان خصمه وطرفه في النزاع، فشهادته
مريبة.
(مسألة 728): لا تمنع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة، فتسمع
شهادة الأب لولده، وعلى ولده، والولد لوالده، والأخ لأخيه وعليه، وأما قبول
شهادة الولد على الوالد ففيه خلاف، والأظهر القبول.
(مسألة 729): تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها، وأما شهادة الزوجة
لزوجها، أو عليه، فتقبل إذا كان معها غيرها، وكذا تقبل شهادة الصديق لصديقه
وإن تأكدت بينهما الصداقة والصحبة.
(مسألة 730): لا تسمع شهادة السائل بالكف المتخذ ذلك حرفه له.
(مسألة 731): إذا تحمل الكافر، والفاسق، والصغير، الشهادة وأقاموها
بعد زوال المانع قبلت، وأما إذا أقاموها قبل زوال المانع ردت، ولكن إذا
أعادوها بعد زواله قبلت.
(مسألة 732): تقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له،
وكذلك الأجير بعد مفارقته لصاحبه، وأما شهادته لصاحبه قبل مفارقته،
فلا تقبل على الأظهر.
267

(مسألة 733): تقبل شهادة المملوك لمولاه ولغيره وعلى غيره، وأما
شهادته على مولاه، ففي قبوله إشكال، والأظهر القبول.
(مسألة 734): لا يبعد قبول شهادة المتبرع بها إذا كانت واجدة للشرائط،
بلا فرق في ذلك بين حقوق الله تعالى وحقوق الناس.
(مسألة 735): لا تقبل شهادة ولد الزنا مطلقا على الأظهر، إلا في الشيء
اليسير عرفا، وتقبل شهادة من لم يثبت كونه ولد الزنا وإن ناله بعض الألسن.
(مسألة 736): لا تجوز الشهادة إلا بالمشاهدة، أو السماع، أو ما شاكل
ذلك، وتتحقق المشاهدة في مورد الغصب، والسرقة، والقتل، والرضاع، وما
شاكل ذلك، وتقبل في تلك الموارد شهادة الأصم، ويتحقق السماع في موارد
النسب والإقرار، والشهادة على الشهادة، والمعاملات من العقود والإيقاعات،
وما شاكل ذلك وعلى هذا الضابط لا تقبل الشهادة بالملك المطلق مستندة إلى
اليد، نعم تجوز الشهادة على أنه في يده، أو على أنه ملكه ظاهرا.
(مسألة 737): لا تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكره بمجرد رؤية خطة
فيها إذا احتمل التزوير في الخط، أو احتمل التزوير في الورقة، أو أن خطه لم يكن
لأجل الشهادة، بل كان بداع آخر، وأما إذا علم أن خطه كان بداعي الشهادة،
ولم يحتمل التزوير، جازت له الشهادة، وإن كان لا يذكر مضمون الورقة فعلا.
(مسألة 738): يثبت النسب بالاستفاضة المفيدة للعلم عادة، ويكفي فيها
الاشتهار في البلد، وهل تجوز الشهادة به مستندة إليها؟
268

والجواب: أما الشهادة في مقام المرافعة والمنازعة، فلا تجوز لما مر من أن
المعتبر فيها أن تكون عن حس أو قريب من الحس، وأما الشهادة بمعنى الأخبار
به مستندة إلى الإستفاضة فلا مانع منها، وكذلك الحال في غي النسب كالوقف
والنكاح، والملك وغيرها، فهي وإن كانت تثبت بالاستفاضة، إلا أنه لا تجوز
الشهادة بها استنادا إليها، وإنما تجوز الشهادة بالاستفاضة.
(مسألة 739): يثبت الزنا، واللواط، والسحق، بشهادة أربعة رجال،
ولا يثبت بغيرها إلا الزنا خاصة، فإنه يثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين
أيضا. وهل يثبت بشهادة رجلين وأربع نساء؟
والجواب: أنه يثبت بها، ولكن لا يترتب عليه إلا الجلد فحسب، وأما
الرجم فلا.
(مسألة 740): تثبت السرقة، وشرب الخمر ونحوهما من موجبات الحد
بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة عدل وامرأتين ولا
بشاهد ويمين، ولا بشهادة النساء منفردات، على أساس أن الثبوت بحاجة إلى
دليل، ولا دليل على ثبوتها بتلك الشهادات.
(مسألة 741): لا يثبت الطلاق والخلع والوصية إليه والنسب ورؤية
الأهلة والوكالة، وما شاكل ذلك في غير ما يأتي إلا بشاهدين عدلين،
ولا يثبت بشهادة النساء لا منفردات ولا بشاهد ويمين ولا منضمات.
(مسألة 742): يثبت القتل بشهادة النساء، ولكن لا يثبت بها القود
لا منفردات ولا منضمات، وإنما يثبت بها الدية فحسب، وبكلمة أن مقتضى
القاعدة عدم قبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات، إلا في موارد
خاصة التي قام الدليل على قبول شهادتهن فيها كذلك وأشير إلى جملة من هذه
269

الموارد في ضمن المسائل الآتية.
(مسألة 743): تثبت الديون والنكاح والدية، بشهادة برجل وامرأتين،
وأما الغصب والوصية إليه والأموال والمعاوضات والرهن، فالمشهور أنها تثبت
بها، وكذلك الوقف والعتق، على قول جماعة، ولكن الجميع لا يخلو عن اشكال،
والأقرب عدم الثبوت، لعدم دليل على اعتبار شهادة الإمرأتين منضمة إلى
شهادة رجل واحد.
(مسألة 744): تثبت الأموال من الديون والأعيان بشاهد ويمين، وأما
ثبوت غيرها من الحقوق بهما فمحل اشكال، وإن كان الأقرب الثبوت كما تقدم في
القضاء، وكذلك تثبت الديون بشهادة امرأتين ويمين وأما ثبوت مطلق الأموال
بهما، فمحل اشكال وعدم الثبوت أقرب.
(مسألة 745): تثبت العذرة، والرضاع، وعيوب النساء الباطنة، وكل ما
لا يجوز للرجال النظر إليه، بشهادة أربع نسوة منفردات.
(مسألة 746): المرأة تصدق في دعواها أنها خلية وأن عدتها قد انقضت،
ولكنها إذا ادعت ذلك وكانت دعواها مخالفة للعادة الجارية بين النساء، كما إذا
ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات، فإنها لا تصدق.
(مسألة 747): يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الموصى به للموصى له،
كما يثبت ربع الميراث للولد بشهادة القابلة باستهلاله، بل بشهادة مطلق المرأة
وإن لم تكن قابلة، وإذا شهدت اثنتان ثبت النصف، وإذا شهدت ثلاث نسوة
ثبت ثلاثة أرباعه، وإذا شهدت أربع نسوة ثبت الجميع، وفي ثبوت ربع الدية
بشهادة المرأة الواحدة في القتل، ونصفها بشهادة امرأتين، ثلاثة أرباعها
270

بشهادة ثلاث، إشكال، وإن كان الأقرب الثبوت، ولا يثبت بشهادة
النساء ذلك.
(مسألة 748): لا يعتبر الإشهاد في شيء من العقود والإيقاعات إلا في
الطلاق والظهار، نعم يستحب الإشهاد في النكاح، والمشهور أنه يستحب في
البيع والدين ونحو ذلك أيضا.
(مسألة 749): لا خلاف في وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا
لم يكن فيه ضرر عليه، ولا يجوز للشاهد أن يكتم شهادته، وإن علم أنه لو لم
يشهد، فالمشهود له يتوصل في إثبات مدعاه إلى طريق آخر.
(مسألة 750): قد تسأل أن وجوب أداء الشهادة هل هو عيني أو كفائي
أو طريقي؟
والجواب: أن الأخير غير بعيد، حيث أنه يكون بدافع الحفاظ على دم
مسلم أو عرضه أو ماله وحقه، فإن كتمانها يؤدي إلى تفويت ذلك، فمن أجله
يكون محرما، وبكلمة أن وجوب أداء الشهادة على من تحملها وجوب طريقي
والغرض منه الحفاظ على حق المسلم، نعم لا يجب عليه ابتداء بدون الطلب، إلا
فيما إذا كانت كتمانها مؤديا إلى هدر دم مسلم أو عرضه أو ما شاكله، فإنه حينئذ
يجب عليه أدائها وإن لم يطلب منه. أما الوجوب العيني فهو بعيد جدا، على
أساس أن الغرض منه معلوم، واما الثاني فلأن أما الوجوب الكفائي متوجه إلى
طبيعي المكلف الجامع، وهذا الوجوب من الأول متوجه إلى كل فرد تحمل
الشهادة مشروطا بالطلب.
(مسألة 751): يختص وجوب أداء الشهادة بما إذا أشهد، ومع عدم
الإشهاد، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد، نعم إذا كان أحد طرفي
271

الدعوى ظالما للآخر، وجب أداء الشهادة لدفع الظلم وإن لم يكن اشهاد.
(مسألة 752): إذا دعى من له أهلية التحمل، ففي وجوبه عليه خلاف،
والأقرب هو الوجوب مع عدم الضرر، بل لا شبهة في وجوبه إذا توقف حفظ
النفس المحترمة أو العرض عليه.
(مسألة 753): تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس، كالقصاص
والطلاق والنسب والعتق والمعاملة والمال وما شابه ذلك، ولا تقبل في الحدود،
والأظهر أنه لا فرق بين أن تكون لله محضا أو تكون مشتركة، كحد القذف
والسرقة ونحوهما، لإطلاق النص.
(مسألة 754): في قبول الشهادة على الشهادة على الشهادة فصاعدا
إشكال، والأظهر القبول.
(مسألة 755): لو شهد رجلان عادلان على شهادة عدول أربعة بالزنا، لم
يثبت الحد، وفي ثبوت غيره من الأحكام، كنشر الحرمة بالنسبة إلى ابن الزاني،
أو أبيه، خلاف الأقرب عدم الثبوت.
(مسألة 756): تثبت الشهادة بشهادة رجلين عدلين، ولا تثبت بشهادة
رجل واحد ولا بشهادة رجل وامرأتين، ولو شهد عادلان على شهادة رجل أو
على شهادة امرأتين أو عليهما معا ثبتت، ولو شهد رجل واحد على أمر وشهد
أيضا على شهادة رجل آخر عليه، وشهد معه رجل آخر على شهادة ذلك
الرجل، ثبتت الشهادة.
(مسألة 757): لا تقبل شهادة الفرع: (الشهادة على الشهادة) على
المشهور، إلا عند تعذر شهادة الأصل، لمرض أو غيبة أو نحوهما، ولكنه
272

لا يخلو من اشكال والقبول أقرب.
(مسألة 758): إذا شهد الفرع فأنكر الأصل شهادته، فإن كان بعد حكم
الحاكم لم يلتفت إلى إنكار الأصل، وأما إذا كان قبله، فلا يلتفت إلى شهادة
الفرع. نعم إذا كان شاهد الفرع أعدل من شاهد الأصل، فهل يلتفت إلى شهادة
الفرع، ولا يلتفت إلى إنكار الأصل؟
والجواب: نعم على الأظهر الأقرب، للنص.
(مسألة 759): يعتبر في قبول شهادة الشاهدين تواردها على شيء
واحد، وإن كانا مختلفين بحسب اللفظ، ولا تقبل مع الاختلاف في المورد، فإذا
شهد أحدهما بالبيع، والآخر بالإقرار به، لم يثبت البيع، وكذلك إذا اتفقا على أمر
واختلفا في زمانه، فقال أحدهما أنه باعه في شهر كذا، وقال الآخر أنه باعه في
شهر آخر، وكذلك إذا اختلفا في المتعلق، كما إذا قال أحدهما أنه سرق دينارا،
وقال الآخر أنه سرق درهما، وتثبت الدعوى في جميع ذلك بيمين المدعي منظمة
إلى إحدى الشهادتين، نعم لا يثبت في المثال الأخير إلا الغرم، دون الحد. وليس
من هذا القبيل ما إذا شهد أنه سرق ثوبا بعينه، ولكن قال أحدهما أن قيمته
درهم، وقال الآخر أن قيمته درهمان، فإن السرقة تثبت بشهادتهما معا،
والاختلاف إنما هو في قيمة ما سرق، فالواجب - عندئذ - على السارق عند تلف
العين رد درهم دون درهمين، نعم إذا حلف المدعي على أن قيمته درهمان غرم
درهمين.
(مسألة 760): إذا شهد شاهدان عادلان عند الحاكم، ثم ماتا حكم
بشهادتهما، وكذلك لو شهد شاهدان، ثم زكيا من حين الشهادة، ولو شهدا ثم
فسقا، أو فسق أحدهما قبل الحكم، فهل يحكم بشهادتهما؟
273

والجواب: نعم يحكم بشهادتهما بدون فرق في ذلك بين حقوق الله وحقوق
الناس، لأن المعيار إنما هو بعدالة الشاهدين حال الشهادة، ولا قيمة لطرو الفسق
عليهما أو على أحدهما بعد ذلك، فما عن المشهور من عدم جواز الحكم بشهادتهما
في حقوق الله، لا دليل عليه.
(مسألة 761): لو رجع الشاهدان عن شهادتهما في حق مالي، وأبرزا
خطأهما فيها قبل الحكم لم يحكم، ولو رجعا بعده وبعد الاستيفاء وتلف المحكوم
به، ضمنا ما شهدا به. وأما لو رجعا قبل الاستيفاء، أو قبل التلف، فهل ضمنا ما
شهدا به؟
والجواب: إن ضمانهما لا يخلو عن اشكال بل منع، على أساس أنه
لا موجب له بعد ما كان المال المشهود به قائما بعينه أو أنه بعد في يد المشهود
عليه، كما هو الحال في شهادة الزور، وأما حكم الحاكم فهو ينتفي بانتفاء
موضوعه وسببه، وأما ضمانهما بالرجوع إذا كان بعد تلف المال، فمن جهة أن
التلف مستند إلى شهادتهما، لا من جهة عدم جواز نقض حكم الحاكم
ونفوذه، إذ لو كان حكمه نافذا حتى في هذه الحالة، فلا موضوع للضمان، لأن
المال المشهود به حينئذ للمشهود له وتصرفه فيه، وتلفه لا يوجب ضمان
الآخر.
(مسألة 762): إذا رجع الشاهدان، أو أحدهما عن الشهادة في الحدود
خطأ، فإن كان قبل الحكم لم يحكم، وإن كان بعد الحكم والاستيفاء ضمنا إن كان
الراجع كليهما، وإن كان أحدهما ضمن تمام الدية على الأظهر، وإن كان بعده
وقبل الاستيفاء، فهل ينقض حكم الحاكم؟
والجواب: المشهور النقض، يعني انتفاء حكم الحاكم بانتفاء مدركه
274

وموضوعه، وهو لا يخلو عن قوة.
(مسألة 763): لو أعاد الشاهدان شهادتهما بعد الرجوع عنها قبل حكم
الحاكم، فهل تقبل؟ فيه وجهان: الأقرب عدم القبول.
(مسألة 764): إذا رجع الشهود، أو بعضهم عن الشهادة في الزنا خطأ،
جرى فيه ما تقدم، ولكن إذا كان الراجع واحدا وكان رجوعه بعد الحكم
والاستيفاء والتلف، غرم تمام الدية على الأظهر، وكذلك إذا كان الراجع اثنين، أو
ثلاثة، وأما إذا كان الراجع جميعهم، فلا شبهة في أنهم غرموا تمام الدية.
(مسألة 765): تحرم الشهادة بغير الحق، وهي من الكبائر، فإن شهد
الشاهدان شهادة الزور وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم ثبت عنده أن شهادتهما
كانت شهادة زور انتقض حكمه - وعندئذ - إن كان المحكوم به من الأموال
ضمناه، ووجب عليهما رد العين على صاحبها إن كانت باقية، وإلا غرما، وكذلك
المشهود له إذا كان عالما بالحال، وأما إن كان جاهلا بالحال، فالظاهر أنه غير
ضامن، بل الغرامة على الشاهدين، وإن كان المحكوم به من غير الأموال، كقطع
اليد، والقتل، والرجم وما شاكل ذلك، اقتص من الشاهد.
(مسألة 766): إذا أنكر الزوج طلاق زوجته، وهي مدعية له، وشهد
شاهدان بطلاقها، فحكم الحاكم به، ثم رجعا وأظهرا خطأهما، فإن كان بعد
الدخول، لم يضمنا شيئا للزوج، على أساس أنهما لم يتلفا بشهادتهما على الزوج
شيئا وتفويت الانتفاع من البضع عليه لا يوجب الضمان، لعدم كونها مالا عند
العرف والعقلاء، ومن هنا إذا منع شخص الزوج من الانتفاع به بالحبس أو غيره
لم يكن ضامنا له، وأما إذا كان إظهارهما الخطأ قبل الدخول بها، فهل يضمنا
نصف المهر المسمى؟
275

والجواب: المشهور أنهما ضمنا النصف، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع
، لأنه لا موجب للضمان، لغرض أنهما لم يتلفا بشهادتهما على الزوج شيئا حتى
ضمناه، فإن نصف المهر قد استقر على ذمة الزوج بالعقد، سواء طلق المرأة بعده
أم لا، فالشهادة على الطلاق لا توجب خسارة زائدة عليه، لكي توجب ضمانها.
(مسألة 767): إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة - زورا - فاعتدت المرأة
وتزوجت زوجا آخر مستندة إلى شهادتهما، فجاء الزوج وأنكر الطلاق -
فعندئذ - يفرق بينهما، وتعتد من الأخير، ويضمن الشاهدان الصداق للزوج
الثاني، ويضربان الحد، وكذلك إذا شهدا بموت الزوج فتزوجت المرأة ثم جاءها
زوجها الأول، فإن الزوجة ترجع إلى الأول بعد اعتدادها من الثاني، ويضرب
الشاهدان الحد، ويضمنان المهر بما غرا الرجل الثاني.
(مسألة 768): إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة، فاعتدت المرأة فتزوجت
رجلا آخر، ثم جاء الزوج فأنكر الطلاق، ورجع أحد الشاهدين وأبرز خطأه -
فعندئذ - يفرق بينهما، وترجع إلى زوجها الأول، وتعتد من الثاني ولا يقر بها
الأول حتى تنقضي عدتها، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع.
(مسألة 769): إذا حكم الحاكم بثبوت حق مالي مستندا إلى شهادة
رجلين عادلين، وحينئذ فإذا رجع أحدهما، فهل يضمن تمام المشهود به؟
والجواب: يضمن على الأظهر، نعم إذا رجع كلاهما ضمنا تمام المشهود به
بلا اشكال، وإذا كان ثبوت الحق بشهادة رجل وامرأتين، فرجع الرجل عن
شهادته دون المرأتين، فهل يضمن تمام المشهود به أو نصفه؟
والجواب: الأقرب التمام، وكذلك إذا رجعت أحدى المرأتين عن
276

شهادتها. وإذا رجعتا معا ضمنتا تمام المشهود به على الأقرب، نعم، إذا
كان ثبوت الحق بشهادة أربع نسوة كما في الوصية، فرجعن جميعا عن شهادتهن،
ضمنت كل واحدة منهن الربع، وإذا رجع بعضهن ضمنت بالنسبة، على أساس
أنه يثبت بشهادة كل واحدة منهن ربع الوصية، وعليه فإذا رجعت واحدة منهن
عن شهادتها ضمنت الربع، وإذا رجعت اثنتان منهن ضمنتا النصف وهكذا، و
هذا بخلاف شهادة الرجلين فإنه لا يثبت بشهادة أحدهما النصف حتى إذا رجع
عن شهادته، ضمن ذلك النصف دون الكل.
(مسألة 770): إذا كان الشهود أكثر مما تثبت به الدعوى، كما إذا شهد
ثلاثة من الرجال، أو رجل وأربع نسوة، فرجع شاهد واحد، فهل تضمن؟
والجواب: أنه لا يضمن، على أساس أنه لا أثر لرجوعه ولا يوجب تلف
شيء، ولو رجع اثنان منهم معا، فالظاهر أنهما يضمنان تمام الدية على الأظهر.
(مسألة 771): إذا ثبت الحق بشهادة واحد ويمين المدعي، فإذا رجع
الشاهد عن شهادته، ضمن تمام الدية على الأقرب، وإذا كذب الحالف نفسه
اختص بالضمان، سواء أرجع الشاهد عن شهادته، أم لم يرجع، باعتبار أنه
يؤخذ باقراره.
(مسألة 772): إذا شهد شاهدان وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم انكشف
فسقهما حال الشهادة، ففي مثل ذلك، تارة يكون المشهود به من الأموال، و
أخرى يكون من غيرها، فإن كان من الأموال استردت العين من المحكوم له إن
كانت باقية، وإلا ضمن مثلها، أو قيمتها. وإن كان من غير الأموال، فلا اشكال
في أنه لا قصاص ولا قود على من له القصاص، أو القود، وإن كان هو
277

المباشر. وأما الدية ففي ثبوتها عليه - أو على الحاكم من بيت المال -
خلاف، والأقرب أنها على من له الولاية على القصاص إذا كان هو المباشر،
وعلى بيت المال إذا كان المباشر من أذن له الحاكم.
(مسألة 773): إذا شهد شاهدان بوصية أحد لزيد بمال، وشهد شاهدان
من الورثة برجوعه عنها ووصيته لعمرو، فهل تقبل شهادة الرجوع؟
والجواب: الظاهر أنها تقبل، باعتبار أنها متأخرة عن الشهادة الأولى
وتدل بالالتزام على الرجوع عنها وإلغائها دون العكس، ودعوى أنها لا تقبل
من جهة أخرى، وهي أن الموصى له بمقتضى قيام البينة على أن الميت قد أوصى
له، مدع للشركة مع الوارث في المقدار الموصى به، أو مدع للمال الموجود في يده،
وعلى كلا التقديرين يكون الوارث غريما له ولا تقبل شهادة الغريم، مدفوعة
بأن الورثة لا يشهدون بدفع الغرامة عنهم، حتى يقال أن شهادة الغريم، لا تقبل،
بل يشهدون على أن الميت قد أوصى بهذا المال لشخص آخر وعدل عن الوصية
به لزيد.
(مسألة 774): إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية، وشهد شاهد واحد
بالرجوع عنها، وأنه أوصى لعمرو - فعندئذ - إن حلف عمرو، ثبت الرجوع،
على أساس ثبوت دعوى المال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي، وإلا كان المال
الموصى به لزيد.
(مسألة 775): إذا أوصى شخص بوصيتين منفردتين، فشهد شاهدان بأنه
رجع عن إحداهما بلا تعيين، قيل لا تقبل، وهو ضعيف. والظاهر هو القبول
والرجوع إلى القرعة في التعيين.
278

كتاب الحدود
الحدود وأسبابها
وهي ستة عشرة:
الأول: الزنا
ويتحقق ذلك بإيلاج الإنسان حشفة ذكره في فرج امرأة محرمة عليه
أصالة، من غير عقد، ولا ملك ولا شبهة. ولا فرق في ذلك بين القبل والدبر،
فلو عقد على امرأة محرمة عليه كالأم، والأخت، وزوجة الولد، وزوجة الأب،
ونحوها جاهلا بالموضوع، بالحكم، فوطأها سقط عنه الحد، وكذلك في كل
موضع كان الوطء شبهة، كمن وجد على فراشه امرأة فاعتقد أنها زوجته
ووطأها. وإن كانت الشبهة من أحد الطرفين دون الطرف الآخر، سقط
الحد عن المشتبه خاصة دون غيره، فلو تشبهت امرأة لرجل بزوجته
279

فوطأها، فعليها الحد دونه.
(مسألة 776): المراد بالشبهة الموجبة لسقوط الحد، هو الجهل عن
قصور، أو تقصير في المقدمات مع اعتقاد الحلية حال الوطء، وأما من كان
جاهلا بالحكم عن تقصير، وملتفتا إلى جهله حال العمل، حكم عليه بالزنا
وثبوت الحد.
(مسألة 777): يشترط في ثبوت الحد أمور:
(الأول): البلوغ، فلا حد على الصبي، ولكن يجلد دون الحد على مبلغ
سنه بما يرى.
(الثاني): الاختيار، فلا حد على المكره ونحوه.
(الثالث): العقل، فلا حد على المجنون.
(مسألة 778): إذا ادعت المرأة الإكراه على الزنا، قبلت للنص، لا من
أجل أن الحدود تدرأ بالشبهات، إذ لا دليل على ذلك إلا في موارد الجهل عن
قصور إذا كان بسيطا، نعم إذا كان مركبا، فلا يبعد درؤها مطلقا.
(مسألة 779): يثبت الزنا بالإقرار والبينة، ويعتبر في المقر العقل
والاختيار والحرية، فلو أقر عبد به، فإن صدقه المولى ثبت بإقراره، وإلا
لم يثبت، نعم لو انعتق العبد وأعاد إقراره، كان إقراره حجة عليه، ويثبت به الزنا
وتترتب عليه أحكامه.
(مسألة 780): قد تسأل هل يثبت حد الزنا بالإقرار مرة واحدة؟
والجواب: أن الثبوت لا يخلو عن قوة، وعليه فلو أقر به مرة رجلا كان أم
امرأة عامدا واختيارا لم يبعد الثبوت وإن كان الأحوط والأجدر أن لا يقل
280

عن أربع مرات.
(مسألة 781): لو أقر شخص بما يوجب رجمه ثم جحد، سقط عنه الرجم،
دون الحد، ولو أقر بما يوجب الحد غير الرجم، ثم أنكر لم يسقط للنص.
(مسألة 782): لو أقر بما يوجب الحد من رجم، أو جلد، كان للإمام (عليه السلام)
العفو وعدم إقامة الحد عليه، وقيده المشهور بما إذا تاب المقر، ودليله غير ظاهر.
(مسألة 783): إذا حملت المرأة وليس لها بعل، لم تحد، لاحتمال أن يكون
الحمل بسبب آخر دون الوطء، أو بالوطء شبهة، أو اكراها، أو نحو ذلك. نعم
إذا أقرت بالزنا وإن كانت مرة واحدة على الأقرب كما مر.
(مسألة 784): لا يثبت الزنا بشهادة رجلين عادلين، بل لابد من شهادة
أربعة رجال عدول، أو ثلاثة وامرأتين، أو رجلين وأربع نساء، إلا أنه لا يثبت
الرجم بالأخيرة، ولا يثبت بغير ذلك من شهادة النساء منفردات، أو شهادة
رجل وست نساء، أو شهادة واحد ويمين.
(مسألة 785): يعتبر في قبول الشهادة على الزنا، أن تكون الشهادة
شهادة حس ومشاهدة، ولو شهدوا بغير المشاهدة والمعاينة، لم يحد المشهود
عليه، وحد الشهود. ويعتبر أن تكون الشهادة شهادة بفعل واحد زمانا ومكانا،
فلو اختلفوا في الزمان، أو المكان، لم يثبت الزنا، وحد الشهود. وأما لو كان
اختلافهم غير موجب لتعدد الفعل واختلافه، كما إذا شهد بعضهم على أن المرأة
المعينة المزني بها من بني تميم - مثلا - وشهد البعض الآخر على أنها من بني أسد -
مثلا - أو نحو ذلك من الاختلاف في الخصوصيات، لم يضر
281

بثبوت الزنا بلا اشكال، وأما إذا كان اختلافهم في خصوصية الزنا، كما لو
شهد بعضهم على أن الزاني قد أكره المرأة على الزنا، وشهد بعضهم على عدم
الإكراه، وأن المرأة طاوعته، فهل يثبت الزنا بالإضافة إلى الزاني؟
والجواب: أنه يثبت إذا كانت الشهادة على المطاوعة، شهادة على الزنا.
(مسألة 786): إذا شهد أربعة رجال على امرأة بكر بالزنا قبلا، وأنكرت
المرأة، وادعت أنها بكر، فشهدت أربع نسوة بأنها بكر، سقط عنها الحد، بل لا
يبعد كفاية شهادة امرأة واحدة كما في المنفوس.
(مسألة 787): إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا، وكان أحدهم
زوجها، فالأكثر على أنه يثبت الزنا وتحد المرأة، ولكن الأظهر أنه لا يثبت، و
يجلد الشهود الثلاثة، ويلاعن زوجها، ويفرق بينهما، ولا تحل له أبدا.
(مسألة 788): لا فرق في قبول شهادة أربعة رجال بالزنا، بين أن تكون
الشهادة على واحد، أو أكثر.
(مسألة 789): الأحوط التعجيل في إقامة الحدود بعد أداء الشهادة وعدم
تأجيلها، كما لا يجوز التسريح بكفالة، أو العفو بشفاعة على الأحوط.
(مسألة 790): لو تاب المشهود عليه قبل قيام البينة، فهل يسقط الحد
عنه؟
والجواب: أن السقوط غير بعيد، نعم لا أثر للتوبة بعد قيامها عند الحاكم
الشرعي، ولا توجب السقوط.
(مسألة 791): لو شهد ثلاثة رجال بالزنا، أو ما دونهم، فهل ينتظر
الحاكم مجيئي الرابع لإتمام البينة وهي شهادة الأربعة؟ والجواب: نعم ينتظر
282

مجيئه إذا كان هناك شاهد رابع بنى على أن يشهد مع هؤلاء، ولكنه تأخر عن
الشهادة لسبب أو آخر، وأما إذا لم يكن هناك شاهد رابع أو كان، ولكنه امتنع
عن الشهادة، فيحد هؤلاء الشهود حد القذف.
(مسألة 792): لا فرق في الأحكام المتقدمة بين كون الزاني مسلما أو
كافرا، وكذا لا فرق بين كون المزني بها مسلمة، أو كافرة، وأما إذا زنى كافر
بكافرة، أو لاط بمثله، فالإمام مخير بين إقامة الحد عليه، وبين دفعه إلى أهل
ملته، لكي يحكموا عليه بما تقتضي شريعتهم.
حد الزاني
(مسألة 793): من زنى بذات محرم له كالأم والبنت والأخت وما شاكل
ذلك، يقتل بالضرب بالسيف في رقبته، ولا يجب جلده قبل قتله ولا فرق في
ذلك بين المحصن وغيره، والحر والعبد، والمسلم والكافر، والشيخ والشاب، كما
لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة إذا تابعته، والأظهر عموم الحكم للمحرم
بالرضاع، أو بالمصاهرة، نعم يستثنى من المحرم بالمصاهرة زوجة الأب، فإن من
زنى، بها يرجم وإن كان غير محصن.
(مسألة 794): إذا زنى الذمي بمسلمة، قتل.
(مسألة 795): إذا أكره شخص امرأة على الزنا فزنى بها، قتل من دون
فرق في ذلك بين المحصن وغيره.
(مسألة 796): الزاني إذا كان شيخا وكان محصنا، يجلد ثم يرجم،
وكذلك الشيخة إذا كانت محصنة، وأما إذا لم يكونا محصنين، ففيه الجلد
283

فحسب، وإذا كان الزاني شابا أو شابة، فإنه يرجم إذا كان محصنا، ويجلد إذا لم
يكن محصنا.
(مسألة 797): هل يختص الحكم فيما ثبت فيه الرجم بما إذا كانت المزني بها
عاقلة بالغة، فلو زنى البالغ. المحصن بصبية، أو مجنونة فلا رجم، فيه خلاف،
ذهب جماعة إلى الإختصاص، منهم المحقق في الشرائع، ولكن الظاهر عموم
الحكم.
(مسألة 798): إذا زنت المرأة المحصنة، وكان الزاني بها بالغا رجمت، وأما
إذا كان الزاني صبيا غير بالغ، فلا ترجم، وعليها الحد كاملا. ويجلد الغلام دون
الحد.
(مسألة 799): قد عرفت أن الزاني إذا لم يكن محصنا يضرب مائة جلدة،
ولكن مع ذلك يجب جز شعر رأسه، أو حلقه، ويغرب عن بلده سنة كاملة،
ويفرق بينه وبين أهله. وهل يختص هذا الحكم - وهو جز شعر الرأس، أو الحلق
والتغريب - بمن أملك ولم يدخل بها، أو يعمه وغيره؟ فيه قولان: الأظهر هو
الإختصاص، كما هو مورد النص، وأما المرأة فلا جز عليها بلا اشكال، وأما
التغريب ففي ثبوته اشكال، والأقرب الثبوت.
(مسألة 800): يعتبر في احصان الرجل أمران:
(الأول): الحرية، فلا رجم على العبد.
(الثاني): أن تكون له زوجة دائمة قد دخل بها أو أمة كذلك، وهو
متمكن من وطئها متى شاء وأراد، فلو كانت زوجته غائبة عنه، بحيث
لا يتمكن من الاستمتاع بها، أو كان محبوسا فلا يتمكن من الخروج إليها،
284

لم يترتب حكم الإحصان عليه.
(مسألة 801): يعتبر في إحصان المرأة الحرية، وأن يكون لها زوج دائم قد
دخل بها، فلو زنت والحال هذه، وكان الزاني بالغا رجمت، وقد تسأل هل يكفي
في إحصان الرجل أن تكون عنده امرأة متعة؟
والجواب: أن التمتع بها إن كان وقتيا وفي فترة لا في كل الفترات كما هو
الغالب، بحيث ليس بإمكانه الاستمتاع بها متى شاء، لم يكف في احصانه
وترتيب أحكامه عليه، وما ورد في بعض الروايات من أن المتعة لا تكفي في
احصان الرجل، محمول على ذلك بقرينة مناسبة الحكم والموضوع وأما إذا
كانت المتعة عنده في فترة معتد بها، بحيث متى أراد وشاء الاستمتاع بها كان له
ذلك، فلا تبعد كفاية ذلك في احصانه، وأما ما ورد من التعليل في الروايات بقوله
(عليه السلام): " إنما ذلك على الشيء الدائم عنده " فالظاهر منه بمناسبة الحكم والموضوع
الإرتكازية هو وجود المرأة عند الرجل في تمام الحالات والأزمان من الليل
والنهار، بحيث متى شاء وأراد الاستمتاع بها كان ميسورا له بدون أي عائق
ومانع، وليس المراد من الدائم هو الدائم طولا بحسب الزمان، وبكلمة أن مناسبة
الحكم والموضوع الإرتكازية تقتضي أن يكون المراد من الدائم هو الدائم
العرضي لا الطولي، لعدم دخله فيما هو المطلوب من كون المرأة عند الرجل، و
على هذا فالمرأة المتمتع بها إذا كانت عند الرجل في تمام الأوقات والحالات من
الليل والنهار، ويعيش معها في مسكن واحد ليلا ونهارا، بحيث متى شاء وأراد
الاستمتاع بها، كان بيده بدون أي مزاحم وعائق، كان محصنا والمرأة محصنة، و
لا فرق بين أن تكون عنده كذلك في فترة طويلة كعشر سنوات أو أكثر، أو
قصيرة كسنة أو ستة أشهر مثلا، فإنها
285

ما دامت عنده كذلك، فهو محصن، وأما إذا لم تكن عنده كذلك، فلا يكفي
في احصانه، ويؤكد ذلك ما ورد في مجموعة من الروايات، من أن المعيار في
الإحصان وعدمه، هو أن يكون عند الرجل ما يغنيه، بمعنى إن باستطاعته متى
أراد وشاء الاستمتاع بها، وأما من ليس باستطاعته ذلك، سواءا كان من ناحية
السفر أو الحبس أو غير ذلك، فلا يكون محصنا.
(مسألة 802): المطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة، فلو زنت والحال
هذه عالمة بالحكم والموضوع رجمت، وكذلك زوجها، ولا رجم إذا كان الطلاق
بائنا أو كانت العدة، عدة وفاة.
(مسألة 803): لو طلق شخص زوجته خلعا، فرجعت الزوجة بالبذل،
ورجع الزوج بها ثم زنى قبل أن يطأ زوجته، فهل يرجم وكذلك زوجته؟
والجواب: أن ذلك غير بعيد، باعتبار أنها كانت عنده بحيث متى شاء
الاستمتاع بها فله ذلك، وكذا المملوك لو أعتق، والمكاتب لو تحرر، فإنهما لو زنيا
قبل أن يطئا زوجتيهما، رجما.
(مسألة 804): إذا زنى المملوك جلد خمسين جلدة، سواءا كان محصنا أم
غير محصن، شابا أو شيخا، وكذلك الحال في المملوكة، ولا تغريب عليهما ولا
جز، نعم المكاتب إذا تحرر منه شيء جلد بقدر ما أعتق وبقدر ما بقي، فلو أعتق
نصفه جلد خمسا وسبعين جلدة، وإن اعتق ثلاثة أرباعه، جلد سبعا وثمانين
جلدة ونصف جلدة، ولو أعتق ربعه، جلد اثنتين وستين جلدة ونصف جلدة،
وكذلك الحال في المكاتبة إذا تحرر منها شيء.
(مسألة 805): هل تجلد المستحاضة ما لم ينقطع عنها الدم؟
286

والجواب: الأظهر أنها تجلد، وإن كان الأحوط أن يكون جلدها بعد
انقطاع الدم.
(مسألة 806): يجلد المريض الذي يخاف عليه بالضغث المشتمل على
العدد مرة واحدة، ولا يعتبر وصول كل شمراخ إلى جسده، نعم إذا اطمئن ببرئه
بعد فترة قصيرة ينتظر.
(مسألة 807): لو زنى شخص مرارا، وثبت ذلك بالإقرار أو البينة، حد
حدا واحدا.
(مسألة 808): لو أقيم الحد على الزاني ثلاث مرات، قتل في الرابعة إن
كان حرا، ويقتل في الثامنة بعد إقامة الحد عليه سبعا إن كان مملوكا، وأدى
الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال.
(مسألة 809): إذا كانت المزني بها حاملا، فإن كانت محصنة، تربص بها
حتى تضع حملها، وترضعه مدة اللباء، ثم ترجم. وإن كانت غير محصنة، حدت،
إلا إذا خيف على ولدها.
(مسألة 810): إذا وجب الحد على شخص ثم جن، لم يسقط عنه، بل يقام
عليه الحد حال جنونه.
(مسألة 811): لا تجوز إقامة الحد على أحد في أرض العدو، إذا خيف أن
تأخذه الحمية ويلحق بالعدو.
(مسألة 812): إذا جنى شخص في غير الحرم، ثم لجأ إليه، لم يجز أن يقام
عليه الحد، ولكن لا يطعم ولا يسقى، ولا يكلم ولا يتابع، حتى يخرج ويقام عليه
الحد، وأما إذا جنى في الحرم أقيم عليه الحد فيه.
287

(مسألة 813): لو اجتمعت على رجل حدود، بدىء بالحد الذي لا يفوت
معه الآخر، كما لو اجتمع عليه الحد والرجم، بدىء بالحد أولا ثم رجم.
(مسألة 814): يدفن الرجل عند رجمه إلى حقويه، وتدفن المرأة إلى
موضع الثديين، والمشهور على أنه إذا ثبت الزنا بالإقرار بدأ الإمام بالرجم، ثم
الناس بأحجار صغار، ولو ثبت بالبينة، وجب الابتداء على الشهود، وهو لا
يخلو من اشكال، بل وجوب بدء الإمام بالرجم في كلا الفرضين لا يخلو عن
تأمل.
(مسألة 815): لو هرب المرجوم، أو المرجومة من الحفيرة، فإن ثبت زناه
بالإقرار، لم يرد إن أصابه شيء من الحجارة وإن كان قبل الإصابة، أو ثبت زناه
بالبينة، رد. وأما الجلد فلا يسقط بالفرار مطلقا.
(مسألة 816): ينبغي إعلام الناس لحضور إقامة الحد، بل الظاهر وجوب
حضور طائفة لإقامته، والمراد بالطائفة، الواحد وما زاد.
(مسألة 817): هل يجوز تصدي الرجم لمن كان عليه حد من حدود الله أم
لا؟
وجهان، المشهور هو الأول على كراهة، ولكن الأقرب هو الثاني.
(مسألة 818): لو وجد الزاني عاريا جلد عاريا، وإن وجد كاسيا، قيل
يجرد فيجلد، وفيه اشكال، والأظهر جواز جلده كاسيا، وأما المرأة الزانية
فتجلد وهي كاسية. والرجل يجلد قائما والمرأة قاعدة، ويتقي الوجه والمذاكير.
(مسألة 819): يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود بشتى
288

أنواعها في زمن الغيبة، إذ لا يحتمل اختصاص تطبيق تلك الأحكام بزمن
الحضور، بل هو مقطوع البطلان، وقد مر أن ولاية التطبيق في زمن الغيبة إنما هي
للحاكم الشرعي الجامع للشروط.
(مسألة 820): على الحاكم أن يقيم الحدود بعلمه في حقوق الله، كحد
الزنا، وشرب الخمر، والسرقة ونحوهما. وأما في حقوق الناس فتتوقف إقامتها
على مطالبة من له الحق حدا كان، أو تعزيرا.
(مسألة 821): لا فرق فيما ذكرناه من الأحكام المترتبة على الزنا بين الحي
والميت، فلو زنى بامرأة ميتة، فإن كان محصنا رجم، وإن كان غير محصن جلد.
الثاني: اللواط
(مسألة 822): المراد باللواط وطء الذكران، ويثبت بشهادة أربعة رجال،
وبالإقرار أربع مرات، وهل يثبت بأقل من ذلك؟
والجواب: المشهور أنه لا يثبت بالأقل، ولكنه لا يخلو عن اشكال، نعم لا
يجب ترتيب أحكامه إلا بعد الإقرار أربع مرات. ويعتبر في المقر العقل والاختيار
والحرية، فلو أقر المجنون أو المكره أو العبد لم يثبت الحد.
(مسألة 823): حد اللائط المحصن أحد أمور على سبيل التخيير.
الأول: ضربة بالسيف في عنقه بالغة ما بلغت.
الثاني: إهداؤه من جبل مشدود اليدين والرجلين.
289

الثالث: إحراقه بالنار.
الرابع: الرجم.
ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد والمسلم والكافر، وهل يقتل غير
المحصن؟
المشهور أنه يقتل، ولكنه لا يخلو عن اشكال، والأظهر أنه يجلد
ولا يقتل، وأما الملوط به فحده أحد أمرين:
الأول: قتله بالسيف.
الثاني: الرجم. ولا فرق في ذلك بين أن يكون محصنا أو غير محصن. نعم
لا قتل على المجنون، ولا على الصبي.
(مسألة 824): إذا لاط البالغ العاقل بالمجنون، حد اللائط دون الملوط
به.
(مسألة 825): إذا لاط الرجل بصبي، حد الرجل وأدب الصبي، وكذلك
العكس.
(مسألة 826): إذا لاط بعبده، حدا، ولو ادعى العبد الإكراه سقط الحد
عنه إذا احتمل صدقه، وكذلك الحال في دعوى الإكراه من غير العبد.
(مسألة 827): إذا لاط ذمي بمسلم، فإن كان مع الإيقاب قتل، وإن كان
بدونه، فالمشهور أنه يقتل أيضا، وهو غير بعيد. وأما إذا لاط بذمي آخر، أو
بغير ذمي من الكفار، فالحكم كما تقدم في باب الزنا.
(مسألة 828): إذا تاب اللائط قبل قيام البينة، فالمشهور أنه يسقط عنه
290

الحد، ودليله غير ظاهر، ولو تاب بعده لم يسقط بلا اشكال، ولو أقر به ولم تكن
بينة، كان الإمام مخيرا بين العفو والاستيفاء.
(مسألة 829): إذا لاط بميت كان حكمه حكم من لاط بحي.
كيفية قتل اللائط
(مسألة 830): يتخير الإمام في قتل اللائط المحصن بين أن يضربه بالسيف
- وإذا ضربه بالسيف لزم احراقه بعده بالنار على الأظهر - أو يحرقه بالنار، أو
يدحرج به مشدود اليدين والرجلين من جبل ونحوه أو يرجمه، وأما الملوط به،
فالإمام مخير بين رجمه والأحكام الثلاثة المذكورة، ولا فرق بين كونه محصنا أو
غير محصن.
الثالث: التفخيذ
(مسألة 831): حد التفخيذ إذا لم يكن إيقاب - له جلدة - ولا فرق في ذلك
بين المسلم والكافر، والمحصن وغيره والفاعل والمفعول، والمشهور أنه لا فرق
بين الحر والعبد، ولكن الظاهر هو الفرق، وأن حد العبد نصف حد الحر.
(مسألة 832): لو تكرر التفخيذ ونحوه وحد مرتين، قتل في الثالثة.
(مسألة 833): إذا وجد رجلان تحت لحاف واحد مجردين من دون أن
يكون بينهما حاجز، فالمشهور بين المتأخرين أنهما يعزران من ثلاثين سوطا إلى
تسعة وتسعين سوطا، والأظهر أن يجلد كل واحد منهما تسعة وتسعين سوطا،
وكذلك الحال في امرأتين وجدتا مجردتين تحت لحاف واحد، أو رجل
291

وامرأة.
الرابع: تزويج ذمية على مسلمة بغير إذنها
(مسألة 834): من تزوج ذمية على مسلمة فجامعها عالما بالتحريم قبل
إجازة المرأة المسلمة، كان عليه ثمن حد الزاني، وإن لم ترض المرأة بذلك فرق
بينهما، وأما إذا تزوج أمة على حرة مسلمة فجامعها عالما بالتحريم قبل إجازتها،
فقال جماعة عليه ثمن حد الزاني أيضا، وهو لا يخلو من اشكال بل منع، والأظهر
ثبوت تمام الحد.
الخامس: تقبيل المحرم غلاما بشهوة
(مسألة 835): من قبل غلاما بشهوة، فإن كان محرما ضرب مائة سوط
على الأحوط، وإلا عزره الحاكم دون الحد، حسبما يراه من المصلحة.
السادس: السحق
(مسألة 836): حد السحق إذا كانت غير محصنة مائة جلدة، ويستوي في
ذلك المسلمة والكافرة، وأما إذا كانت أمة، فالأظهر عليها خمسين جلدة نصف
الحد، وإن كان المشهور عدم الفرق بينهما وبين الحرة في المقام، ولكن لا وجه له،
لما ثبت من أن حد الله ينصف في غير الحر، بلا فرق بين حد السحق وغيره من
الحدود، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الأمة محصنة أو غير محصنة، وأما إذا
كانت الحرة محصنة، فهل عليها مائة جلدة أيضا؟
292

والجواب: الأظهر أن عليها الرجم.
(مسألة 837): لو تكررت المساحقة، فإن أقيم الحد عليها بعد كل
مساحقة، قتلت في الثالثة، وأما إذا لم يقم عليها الحد، لم تقتل.
(مسألة 838): إذا تابت المساحقة قبل قيام البينة، فالمشهور سقوط الحد
عنها وهو غير بعيد، ولا أثر لتوبتها بعد قيام البينة.
(مسألة 839): لو جامع الرجل زوجته فقامت الزوجة فوقعت على
جارية بكر، فساحقتها فألقت النطفة فيها فحملت، فعلى المرأة مهر الجارية
البكر، ثم ترجم المرأة، وأما الجارية فتنظر حتى تضع ما في بطنها، ويرد إلى أبيه
صاحب النطفة، ثم تجلد، وما نسب إلى بعض المتأخرين من انكار كون المهر على
المرأة، بدعوى أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة لا وجه له واجتهاد في
مقابل النص.
السابع: القيادة
وهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، وبين الرجال والرجال للواط،
وبين النساء والنساء للسحق.
(مسألة 840): تثبت القيادة بشهادة رجلين عادلين، ولا تثبت بشهادة
رجل وامرأتين، ولا بشهادة النساء منفردات، وهل تثبت بالإقرار مرة واحدة؟
المشهور عدم ثبوتها بذلك، بل لابد من الإقرار مرتين، ولكن الأظهر ثبوتها
بالإقرار مرة واحدة.
(مسألة 841): إذا كان القواد رجلا، فهل عليه حد؟
293

والجواب: المشهور أن عليه ثلاثة أرباع حد الزنا، وينفى عن بلده إلى
غيره، ولكنه لا يخلو من اشكال بل منع، ولا دليل عليه إلا رواية ضعيفة غير
قابلة للاعتماد عليها، كما أن ما نسب إلى المشهور من أنه يحلق رأسه ويشهر لا
مستند له أصلا حتى رواية ضعيفة.
وأما إذا كان القواد امرأة، فالمشهور أنها تجلد، بل ادعي على ذلك عدم
الخلاف، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، وليس عليها نفي، ولا شهرة، ولا
حلق.
الثامن: القذف
وهو رمي الشخص بالزنا رجلا كان أم امرأة أو اللواط، مثل أن يقول
لغيره زنيت، أو أنت زان، أو ليط بك، أو أنت منكوح في دبرك، أو أنت لائط، أو
ما يؤدي هذا المعنى، فإذا رماه بذلك، فعليه الحد وهو ثمانون جلدة في الدنيا قبل
عقاب الآخرة.
(مسألة 842): لا يقام حد القذف إلا بمطالبة المقذوف ذلك.
(مسألة 843): يعتبر في القاذف البلوغ، والعقل، فلو قذف الصبي أو
المجنون، فإنه وإن فعل محرما ومستحقا العقوبة عليه ولكنه لم يحد، ولا فرق في
القاذف بين الحر والعبد ولا بين المسلم والكافر، فالكل يحد ثمانين جلدة،
ودعوى أن حد العبد نصف حد الحر لا تمامه، مدفوعة فإن ذلك إنما هو في حقوق
الله كحد الزنا واللواط ونحوها، فإن العبد يضرب فيها نصف الحد إلا فيما دل
الدليل على تمام الحد، وأما في حقوق الناس فلا فرق بينهما فيها وحد
294

القذف من حقوق الناس.
(مسألة 844): يعتبر في المقذوف البلوغ والعقل والحرية والإسلام
والإحصان، فلو لم يكن المقذوف واجدا لهذه الأوصاف لم يثبت الحد بقذفه،
نعم. يثبت التعزير حسبما يراه الحاكم من المصلحة على ما سيأتي في باب التعزير،
ولو قذف الأب ابنه بالزنا لم يحد له، ولو قذف الأب ابنه وأمه حية، بأن قال له يا
ابن الزانية حد لها، ولم يفرق بينهما، وإن قال له يا ابن الزانية وأمه ميتة، وحينئذ
فإن لم يكن لها إلا ولدها منه، فليس لها من يأخذ بحقها، لأن حق الحد قد صار
لولده منها وليس له إقامة الحد عليه، وأما إذا كان لها ولد من غيره، فهو وليها
يقوم بأخذ حقها منه، وهو الحد ثمانون جلدة، وإن لم يكن لها ولد من غيره ولكن
كان لها قرابة، فهم يقومون بذلك.
(مسألة 845): لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد، فإن أتوا به مجتمعين،
ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به متفرقين، ضرب لكل منهم حدا، ولو قذفهم
متفرقين، حد لكل منهم حدا.
(مسألة 846): إذا عفا المقذوف حد القذف عن القاذف، فليس له المطالبة
به بعد ذلك.
(مسألة 847): إذا مات المقذوف قبل أن يطالب بحقه أو يعفو، فلأوليائه
من أقاربه المطالبة به، فإن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال، ولكن من قام
به من الورثة فهو وليه، كما أن لهم العفو، فإن تعدد الولي كما إذا مات عن ولدين
أو أخوين، فعفا أحدهما، كان للآخر المطالبة بالحق ولا يسقط بعفو الأول.
(مسألة 848): إذا قذف أحد ابن شخص أو ابنته، فقال له ابنك زان، أو
295

ابنتك زانية، فالحد حق لهما، وليس لأبيهما حق المطالبة به، أو العفو ما دام
هما في قيد الحياة.
(مسألة 849): إذا تكرر الحد بتكرر القذف، قتل القاذف في الثالثة.
(مسألة 850): إذا تكرر القذف من شخص واحد لواحد قبل أن يقام عليه
الحد، حد حدا واحدا.
(مسألة 851): لا يسقط الحد عن القاذف إلا بالبينة المصدقة، أو بتصديق
من يستحق عليه الحد، أو بالعفو، نعم لو قذف الزوج زوجته، سقط حق القذف
باللعان أيضا على ما تقدم.
(مسألة 852): لو شهد أربعة بالزنا، ثم رجع أحدهم، حد الرابع،
ولا فرق في ذلك بين كونه قبل حكم الحاكم وبعده.
(مسألة 853): حد القذف ثمانون جلدة، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد
والذكر والأنثى، ويضرب بثياب بدنه ولا يجرد، ويقتصر فيه على الضرب
المتوسط.
(مسألة 854): يثبت القذف بشهادة عدلين، وأما ثبوته بالإقرار، فقد
اعتبر جماعة كونه مرتين، ولكن الأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة.
(مسألة 855): لو تقاذف شخصان درىء عنهما الحد، ولكنهما يعزران.
التاسع: سب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
(مسألة 856): يجب قتل من سب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سامعه ما لم يخف
296

الضرر على نفسه أو عرضه أو ماله الخطير ونحو ذلك، ويلحق به سب
الأئمة (عليهم السلام) وسب فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولا يحتاج جواز قتله إلى الإذن من الحاكم
الشرعي.
العاشر: دعوى النبوة
(مسألة 857): من ادعى النبوة وجب قتله مع التمكن والأمن من الضرر،
من دون حاجة إلى الإذن من الحاكم الشرعي.
الحادي عشر: السحر
(مسألة 858): ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، ولا يبعد
اختصاص هذا الحكم بمن جعل السحر مهنته وشغله لا مطلقا، ولو في تمام عمره
مرة واحدة، ومن تعلم شيئا من السحر، كان آخر عهده بربه، وحده القتل إلى أن
يتوب، نعم إذا كانت هناك مصلحة دينية كبيرة تتطلب تعلم السحر، جاز بغاية
تلك المصلحة.
الثاني عشر: شرب المسكر
(مسألة 859): من شرب المسكر أو الفقاع، عالما بالتحريم مع الاختيار
والبلوغ والعقل، حد، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير، كما لا فرق في ذلك
بين أنواع المسكرات مما اتخذ من التمر أو الزبيب أو نحو ذلك.
297

(مسألة 860): لا فرق في ثبوت الحد بين شرب الخمر وإدخاله في الجوف
وإن لم يصدق عليه عنوان الشرب كالإصطباغ، وأما عموم الحكم لغير ذلك، كما
إذا مزجه بمائع آخر واستهلك فيه وشربه، فهو المعروف بل المتسالم عليه بين
الأصحاب، إلا أنه لا يخلو عن اشكال بل منع، وإن كان شربه حراما.
(مسألة 861): لا يلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في إيجابه
الحد، وإن كان شربه حراما بلا اشكال.
(مسألة 862): يثبت شرب المسكر بشهادة عدلين، وبالإقرار مرة
واحدة، نعم لا يثبت بشهادة النساء لا منضمات ولا منفردات، لأنها لا تقبل في
الحدود ما عدا الدية كما مر.
حد الشرب وكيفيته
وهو ثمانون جلدة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، والحر والعبد،
والمسلم والكافر.
(مسألة 863): يضرب الرجل الشارب للمسكر - من خمر، أو غيرها -
مجردا عن الثياب بين الكتفين، وأما المرأة فتجلد من فوق ثيابها، على أساس أن
بدنها عورة، فلا يجوز النظر إليه.
(مسألة 864): إذا شرب الخمر مرتين، وحد بعد كل منهما، قتل في الثالثة،
وكذلك الحال في شرب بقية المسكرات.
(مسألة 865): لو شهد رجل واحد على شرب الخمر، وشهد آخر
298

بقيئها، لزم الحد، نعم إذا احتمل في حقه الإكراه، أو الاشتباه، لم يثبت الحد
، وكذلك الحال إذا شهد كلاهما بالقيء.
(مسألة 866): من شرب الخمر مستحلا، فإن احتمل في حقه الاشتباه،
كما إذا كان جديد العهد بالإسلام، أو كان بلده بعيدا عن بلاد المسلمين، لم يقتل،
وإن لم يحتمل في حقه ذلك، إرتد فطرة وتجري عليه أحكام المرتد من القتل
وقسمة أمواله وبينونة زوجته ونحوها، وأما ما قيل من أنه يستتاب أو لا، فإن
تاب خلال ثلاثة أيام أقيم عليه حد شرب الخمر، وإن لم يتب، قتل في اليوم
الرابع فلا وجه له، لأن ذلك حكم المرتد الملي لا الفطري، والرجل في المسألة
مرتد فطري، لأنه شرب الخمر مستحلا عامدا وملتفتا إلى حرمته في الشريعة
المقدسة، وهذا معناه إنكار الرسالة وتكذيبها، وكذلك الحال في شرب سائر
المسكرات.
(مسألة 867): إذا تاب شارب الخمر قبل قيام البينة، فالمشهور سقوط
الحد عنه، وهو غير بعيد وإن تاب بعد قيامها، لم يسقط بلا اشكال
ولا خلاف.
(مسألة 868): إن أقر شارب الخمر بذلك ولم تكن بينة، فالإمام مخير بين
العفو عنه إذا تاب وندم وإقامة الحد عليه.
الثالث عشر: السرقة
يعتبر في حد السارق أمور:
(الأول): البلوغ، فلو سرق الصبي لا يحد، بل يعفى في المرة الأولى بل
299

الثانية أيضا، ويعزر في الثالثة، أو تقطع أنامله، أو يقطع من لحم أطراف أصابعه،
أو تحك حتى تدمى إن كان له سبع سنين، فإن عاد بعد سبع سنين، قطع من
المفصل الثاني، فإن عاد مرة خامسة، قطعت أصابعه إن كان له تسع سنين، ولا
فرق في ذلك بين علم الصبي وجهله بالعقوبة.
(الثاني): العقل، فلو سرق المجنون لم تقطع يده.
(الثالث): ارتفاع الشبهة، فلو توهم أن المال الفلاني ملكه، فأخذه، ثم
بان أنه غير مالك له، لم يحد.
(الرابع): أن لا يكون المال مشتركا بينه وبين غيره، فلو سرق من المال
المشترك بقدر حصته، أو أقل، لم تقطع يده، ولكنه يعزر. نعم لو سرق أكثر من
مقدار حصته وكان الزائد بقدر ربع دينار من الذهب قطعت يده، وفي حكم
السرقة من المال المشترك، السرقة من المغنم أو من بيت مال المسلمين.
(الخامس): أن يكون المال في مكان محرز، أي المكان الحصين، ولم يكن
مأذونا في دخوله فيه، ففي مثل ذلك لو سرق المال من ذلك المكان بفتح بابه أو
كسره، قطع. وأما لو سرقه من مكان غير حصين أو مأذون في دخوله فيه، أو
كان المال تحت يده لم يقطع، ومن هذا القبيل المستأمن إذا خان وسرق الأمانة،
وكذلك الزوج إذا سرق من مال زوجته، وبالعكس فيما لم يكن المال محرزا
وحصينا، ومثله السرقة من منزل الأب ومنزل الأخ، والأخت، ونحو ذلك مما
يجوز الدخول فيه. ومن هذا القبيل أيضا السرقة من المجامع العامة كالخانات
والحمامات والأرحية والمساجد وما شاكل ذلك، ولا قطع في الطرار والمختلس.
(مسألة 869): من سرق طعاما في عام المجاعة فهل يقطع؟
300

والجواب: المشهور أنه لا يقطع، ولكنه لا يخلو عن اشكال.
(مسألة 870): لا يعتبر في المحرز وهو المكان الحصين أن يكون ملكا
لصاحب المال، فلو استعار بيتا أو صناديق، أو استأجرها فنقبها المعير، أو
المؤجر، فسرق مالا للمستعير، أو المستأجر، قطع.
(مسألة 871): إذا سرق باب الحرز، أو شيئا من أبنيته المثبتة فيه قطع،
وأما إذا كان باب الدار مفتوحا ونام صاحبها، ودخل سارق وسرق المال، فهل
يقطع؟ فيه اشكال وخلاف، والظاهر هو القطع.
(مسألة 872): إذا سرق الأجير من مال المستأجر، فإن كان المال في
حرزه وصندوقه قطع، وإلا لم يقطع، ويلحق به الضيف، فلا قطع في سرقته من
غير حرز.
(مسألة 873): إذا كان المال في محرز كالبنك أو صندوق في بيت أو محل،
فهتكه وفتح بابه أحد شخصين وأخذ الآخر المال، فهل هناك قطع عليهما أو على
أحدهما أو لا؟
والجواب: الظاهر أنه لا قطع عليهما، أما على الأول فلعدم صدق السارق
عليه، وأما الثاني فلأنه لم يأخذ المال من المحرز لكي يترتب عليه حكمه.
(مسألة 874): لا فرق في ثبوت الحد على السارق المخرج للمتاع من
مكان حصين، بين أن يكون مستقلا، أو مشاركا لغيره، فلو أخرج شخصان
متاعا واحدا، ثبت الحد عليهما جميعا، ولا فرق في ذلك أيضا بين أن يكون
الإخراج بالمباشرة، وأن يكون بالتسبيب، فيما إذا استند الإخراج إليه.
301

(السادس): أن لا يكون السارق والدا لصاحب المتاع، فلو سرق المتاع
من ولده لم تقطع يده، وأما لو سرق الولد من والده مع وجود سائر الشرائط
قطعت يده، وكذلك الحال في بقية الأقارب.
(السابع): أن يأخذ المال سرا، فلو هتك الحرز قهرا وعلنا وأخذ المال،
لم يقطع.
(الثامن): أن يكون المال ملك غيره، وأما لو كان متعلقا لحق غيره،
ولكن كان المال ملك نفسه كما في الرهن، أو كانت منفعته ملكا لغيره، كما في
الإجارة لم يقطع.
(التاسع): أن لا يكون السارق عبدا للإنسان، فلو سرق عبده من ماله لم
يقطع، وكذلك الحال في عبد الغنيمة إذا سرق منها.
(مسألة 875): لا يقطع يد السارق في الطير على الأظهر، وأما في حجارة
الرخام وأشباه ذلك فهل يقطع؟
والجواب: المشهور أنه يقطع إذا توفرت شروط القطع وهو الأقرب.
مقدار المسروق
المشهور بين الأصحاب: أنه يعتبر في القطع أن تكون قيمة المسروق ربع
دينار (والدينار عبارة عن ثماني عشرة حمصة من الذهب المسكوك) وقيل
يقطع في خمس دينار، ولكن الأظهر أنه يقطع في ثلث دينار، والسبب فيه أن ما
دل على ذلك فقد جاء بهذا اللسان في جواب السؤال: كم يقطع السارق
" أدناه على ثلث دينار "، فإنه ناص في القطع على الثلث بالمطابقة، وعدم
302

القطع على ما دونه بالالتزام، وعليه فيعارض بمدلوله الإلتزامي ما دل على أنه
يقطع على ربع دينار، وما دل على أنه يقطع على خمس دينار، كما أن الأول منهما
تعارض الثاني بنفس هذه الطريقة، وعلى هذا فيسقط الكل من جهة المعارضة،
وعندئذ فلا دليل على أنه يقطع على الربع ولا على الخمس، فيتعين حينئذ الأخذ
بما دل على أنه يقطع على الثلث فحسب، حيث أنه لا معارض له في مدلوله هذا
(وهو مدلوله المطابقي).
(مسألة 876): من نبش قبرا وسرق الكفن هل يقطع؟
والجواب: نعم إذا كان معروفا ومتعودا على النبش، وإلا فالأظهر أن
عليه التعزير دون القطع، هذا إذا بلغت قيمة الكفن نصابا، وهل يشترط ذلك في
المرة الأولى؟
والجواب: نعم، وإذا كرر منه النبش، وجرى عليه الحد، قتل في الثالثة.
ما يثبت به حد السرقة
(مسألة 877): لا يثبت حد السرقة إلا بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت
بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة النساء منفردات، على أساس أن حجيتهما
أنما هي في موارد خاصة لا في كل مورد، ولا دليل عليها في المقام.
(مسألة 878): المعروف بين الأصحاب أنه يعتبر في ثبوت حد السرقة
الإقرار مرتين، وهو لا يخلو عن اشكال، فالأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة.
وأما الغرم فلا اشكال في ثبوته بالإقرار مرة.
303

(مسألة 879): إذا أخرج المال من حرز شخص وادعى أن صاحبه أعطاه
إياه، سقط عنه الحد، إلا إذا أقام صاحب المال البينة على أنه سرقه - فعندئذ -
يقطع.
(مسألة 880): يعتبر في المقر، البلوغ، والعقل، فلا اعتبار بإقرار الصبي
والمجنون، وهل تعتبر فيه الحرية، فلو أقر العبد بالسرقة لم يقطع؟
والجواب: المشهور وإن كان ذلك، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد
القطع، كما أنه يقطع إذا شهد عليه شاهدان، ولا اشكال في ثبوت الغرم بإقراره.
حد القطع
(مسألة 881): تقطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك له الراحة
والإبهام، ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى وترك له العقب، وإن سرق ثالثة
حبس دائما وانفق عليه من بيت المال، وإن سرق في السجن قتل، ولا فرق في
ذلك بين المسلم والكافر والذكر والأنثى والحر والعبد.
(مسألة 882): لو تكررت السرقة ولم يظفر به ثم ظفر به، فعليه حد
واحد، وهو قطع اليد اليمنى فقط، وأما لو أخذ وشهدت البينة بالسرقة الأولى، ثم
امسك لتقطع يده فقطعت، ثم قامت البينة عليه بالسرقة الثانية قطعت رجله
اليسرى أيضا، وأما إذا قامت البينة عليه بالسرقة الأولى والثانية في مجلس
واحد، فلا يقطع إلا أصابع يده اليمنى ولا تقطع رجله، على أساس أنه إذا لم يجر
الحد على السرقة الأولى، فلا أثر للسرقة الثانية والثالثة وهكذا،
304

ولا يتعدد الحد بتعددها للنص.
(مسألة 883): تقطع اليد اليمنى في السرقة وإن كانت شلاء ولا تقطع
اليسرى، سواءا كانت صحيحة أم كانت شلاء، وهل تقطع يمينه إذا كانت يساره
شلاء؟
والجواب: لا يبعد، وقد تسأل أن مقتضى التعليل الوارد في الروايات وهو
قوله (عليه السلام) " أني لأستحي من ربي أن لا أدع له يدا يستنجى بها أو رجلا يمشي
عليها " عدم جواز قطع اليد اليمنى إذا كانت يده اليسرى شلاء؟
والجواب: إن مقتضى القاعدة وإن كان ذلك، لأن المعيار إنما هو بعموم
العلة ولا عبرة في خصوصية المورد، ولكن لا يمكن لنا الأخذ بالعموم في المسألة،
لأنه معارض بالنص الصريح فيها الدال على قطع اليد اليمنى وإن كانت اليسرى
شلاء، وهو قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان " في رجل أشل اليد اليمنى أو
أشل الشمال سرق، قال تقطع يده اليمنى على كل حال " وحينئذ لابد من رفع اليد
عن عموم العلة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، هذا إضافة إلى ما سوف
نشير إليه من أن هذا التعليل لا ينسجم مع واقع الحال في الخيار.
(مسألة 884): قد تسأل أن من قطعت يساره من مرفق أو عضد في
قصاص أو غيره إذا سرق، فهل تقطع يمينه؟
والجواب: أن المشهور بين الأصحاب إنها تقطع وهو غير بعيد، وذلك لأن
مورد التعليل في الروايات عدم جواز قطع اليد اليسرى بالسرقة الثالثة بعد قطع
اليد اليمنى والرجل في حق الله (سبحانه وتعالى)، وبكلمة أن الإمام (عليه السلام) في تلك
الروايات قد علل جعل الحبس المؤبد بديلا عن القطع في السرقة
305

الثالثة، وتطبيقه على السرقة الأولى وإن أمكن بموجب ظهور التعليل في
العموم، إلا أن ظهوره فيه لا ينسجم مع ما هو في الواقع الخارجي من أن قطع يد
السارق أو رجله لا يوجب خروجها عن الانتفاع بها نهائيا، على أساس أن
المقطوع بالسرقة من اليد إنما هو الأصابع الأربع فقط دون الإبهام والراحة، ومن
الواضح أن اليد إذا بقيت فيها الإبهام والراحة قابلة للانتفاع بها حتى في التطهير
والاستنجاء، ومن الرجل من وسط القدم وترك العقب ليمشي عليها، وقد نص
على ذلك في جملة من الروايات، منها قوله (عليه السلام) في موثقة إسحاق بن عمار:
" تقطع يد السارق ويترك ابهامه وصدر راحته وتقطع رجله ويترك له عقبه
يمشي عليها ". نعم ورد في ذيل صحيحة عبد الرحمان: " قال: فقلت له لو أن
رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ قال: يقال لا يقطع ولا
يترك بغير ساق "، ومقتضاه أن اليمنى لا تقطع إذا كانت اليسرى مقطوعة في
قصاص، ولكن الكلام إنما هو في ظهوره في ذلك، وهو لا يخلو عن اشكال،
باعتبار أنه معلل بعلة مجملة، هذا إضافة إلى أنه بعد القطع لا يبقى بلا يد، لأن
المقطوع كما مر إنما هو الأصابع الأربع فقط دون الإبهام والراحة، وأيضا كلتا
اليدين لا تقطع في حق الله (سبحانه وتعالى)، وأما قطع إحداهما في حق الله
(عز وجل) والأخرى في حق الناس، فلا يكون مشمولا للتعليل ولا مانع منه،
فتأمل.
(مسألة 885): لو كانت للسارق يمين حين السرقة فذهبت قبل إجراء
الحد عليه، لم تقطع يساره ولا رجله، فإنه ينتفي بانتفاء موضوعه، ولا وجه له
لانتقاله إلى قطع اليسرى أو الرجل.
(مسألة 886): لو سرق من لا يمين له سقط عنه القطع، ولا ينتقل إلى
306

اليسرى ولا إلى الرجل اليسرى ولا إلى الحبس فإن كل ذلك بحاجة إلى دليل ولا
يوجد دليل عليه، نعم للحاكم الشرعي تعزيره حسب ما يراه، وكذا لو سرق
فقطعت يده اليمنى ثم سرق ثانيا ولم تكن له رجل يسرى، فإنه يسقط عنه القطع
ولا تقطع يده اليسرى ولا رجله اليمنى، وهل ينتقل إلى الحبس؟
والجواب: عدم الإنتقال بمقتضى الجمود على ظاهر النص، ولكن لا يبعد
ذلك إذا رأى الحاكم الشرعي مصلحة فيه، وكذلك إذا سرق ثالثة، فإن الجمود
على ظاهر النص عدم الحبس، ولكن لا يبعد أن يكون اختيار ذلك بيد الحاكم إذا
رأى.
(مسألة 887): يسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته، ولا أثر لها بعد ثبوته بالبينة
، وأما إذا ثبت بالإقرار، ففي سقوطه بها اشكال والسقوط غير بعيد.
(مسألة 888): لو قطع الحداد يد السارق مع علمه بأنها يساره، فعليه
القصاص، وهل يسقط القطع عن السارق؟
والجواب: أن السقوط غير بعيد، وأما لو اعتقد بأنها يمينه فقطعها ثم بان
أنها يساره، فعليه الدية ويسقط به القطع عن السارق.
(مسألة 889): إذا قطعت يد السارق، ينبغي معالجتها والقيام بشؤونه
حتى تبرأ.
(مسألة 890): إذا مات السارق بقطع يده، فلا ضمان على أحد.
(مسألة 891): يجب على السارق رد العين المسروقة إلى مالكها، وإن
تعيبت ونقصت قيمتها فعليه أرش النقصان، ولو مات صاحبها وجب دفعها
إلى ورثته، وإن تلفت العين ضمن مثلها إن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت
307

قيمية.
(مسألة 892): إذا سرق اثنان مالا لم يبلغ نصيب كل منهما نصابا، فلا
قطع.
(مسألة 893): إذا عفا المسروق منه عن السارق قبل رفع أمره إلى الإمام
سقط عنه الحد، وأما إذا عفا بعد رفع أمره إلى الإمام، لم يسقط.
(مسألة 894): إذا ثبتت السرقة باقراره أو ببينة، بناء على قبول البينة
الحسبية كما قويناه سابقا، فهل للإمام أن يقيم الحد عليه من دون مطالبة
المسروق منه؟
والجواب: نعم على الأظهر، فإن الحد إذا كان من حقوق الله (عز وجل)
فعلى الإمام إقامته، وإذا كان من حقوق الناس فليس له إقامته حتى يطلب
صاحبه بحقه، وقطع اليد في باب السرقة بما أنه من حقوق الله (عز وجل) فعلى
الإمام إقامته.
(مسألة 895): لو ملك السارق العين المسروقة، فإن كان ذلك قبل رفع
أمره إلى الإمام سقط عنه الحد، وإن كان بعده لم يسقط.
(مسألة 896): لو أخرج المال من حصين شخص، ثم رده إلى حصنه كما
كان، كان ذلك ردا إلى صاحبه عرفا، ويسقط عنه الضمان وإلا فلا. وفي سقوط
الحد خلاف، والأظهر عدم السقوط.
(مسألة 897): إذا هتك الحرز جماعة وأخرج المال منه واحد منهم،
فالقطع عليه خاصة، وكذلك الحال لو قر به أحدهم إلى النقب وأخرج المال منه
آخر، فالقطع على المخرج خاصة، وكذا لو دخل أحدهم النقب ووضع
308

المال في وسطه وأخرجه الآخر منه، فالقطع عليه دون الداخل، على
أساس أن المعتبر في الحد أمران:
أحدهما: كسر الحرز وهتكه، والآخر إخراج المال منه.
(مسألة 898): لو أخرج المال من الحرز بقدر النصاب مرارا متعددة -
فعندئذ - إن عد الجميع عرفا سرقة واحدة قطع، وإلا فلا.
(مسألة 899): إذا نقب فأخذ من المال بقدر النصاب، ثم أحدث فيه حدثا
تنقص به قيمته عن حد النصاب، وذلك كأن يخرق الثوب، أو يذبح الشاة، ثم
يخرجه، فالظاهر أنه لا قطع. وأما إذا أخرج المال من الحرز وكان بقدر النصاب
ثم نقصت قيمته السوقية بفعله، أو بفعل غيره، فلا اشكال في القطع.
(مسألة 900): إذا إبتلع السارق داخل الحرز ما هو بقدر النصاب، فإن
استهلكه الإبتلاع كالطعام فلا قطع، وإن لم يستهلكه كاللؤلؤ ونحوه، فإن كان
اخراجه متعذرا، فهو كالتالف فلا قطع أيضا، ولكنه يضمن المثل إن كان مثليا،
والقيمة إن كان قيميا. وفي مثل ذلك لو خرج المال اتفاقا بعد خروج السارق من
الحرز، وجب عليه رد نفس العين ولا قطع أيضا، نعم لو رد إلى مالكه مثله، أو
قيمته، ثم اتفق خروجه، فالظاهر عدم وجوب رده عليه، وأما لو ابتلع ما يكون
بقدر النصاب في الحرز ثم خرج منه، ولكن كان اخراجه من بطنه غير متعذر
عادة، وكان قصده اخراجه من الحرز بهذه الطريقة قطع، ولو كان قصده من ذلك
اتلافه، ضمن ولا قطع عليه.
309

الرابع عشر: بيع الحر
(مسألة 901): من باع انسانا حرا، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو
أنثى، هل تقطع يده؟
والجواب: أن القطع لا يخلو عن اشكال ولا يبعد عدمه.
الخامس عشر: المحاربة
(مسألة 902): من شهر السلاح لإخافة الناس نفي من البلد، ومن شهر
فعقر اقتص منه ثم نفى من البلد، ومن شهر وأخذ المال قطعت يده ورجله، ومن
شهر وأخذ المال وضرب وعقر ولم يقتل، فأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه، و
إن شاء قطع يده ورجله، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال، كان على الامام (عليه السلام)
أن يقتله، ومن حارب وقتل وأخذ المال، فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى
بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه، وإن عفا عنه
أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله، وليس لأولياء المقتول أن يأخذوا الدية
منه فيتركوه.
(مسألة 903): لا فرق في المال الذي يأخذه المحارب بين بلوغه حد
النصاب، وعدمه.
(مسألة 904): لو قتل المحارب أحدا طلبا للمال، فلولي المقتول أن يقتله
قصاصا إذا كان المقتول كفوا، وإن عفا الولي عنه قتله الإمام حدا، وإن لم يكن
كفوا، فلا قصاص عليه، ولكنه يقتل حدا.
(مسألة 905): يجوز للولي أخذ الدية بدلا عن القصاص الذي هو
310

حقه، ولا يجوز له ذلك بدلا عن قتله حدا.
(مسألة 906): لو جرح المحارب أحدا، سواءا كان جرحه طلبا للمال، أم
كان لغيره، اقتص الولي منه ونفى من البلد، وإن عفا الولي عن القصاص، فعلى
الإمام أن ينفيه منه.
(مسألة 907): إذا تاب المحارب قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد. ولا
يسقط عنه ما يتعلق به من الحقوق كالقصاص والمال، ولو تاب بعد الظفر به لم
يسقط عنه الحد، كما لا يسقط غيره من الحقوق.
(مسألة 908): لا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، ثم بعد
ذلك ينزل ويصلي عليه ويدفن.
(مسألة 909): ينفي المحارب من مصر إلى مصر، ومن بلد إلى آخر، ولا
يسمح له بالاستقرار على وجه الأرض، ولا أمان له، ولا يبايع ولا يؤوى، ولا
يطعم، ولا يتصدق عليه حتى يموت.
السادس عشر: الإرتداد
المرتد عبارة عمن خرج عن دين الإسلام، وهو قسمان:
فطري وملي.
(الأول): المرتد الفطري: وهو الذي ولد على الإسلام من أبوين
مسلمين، أو من أبوين أحدهما مسلم. ويجب قتله، وتبين منه زوجته، وتعتد
عدة الوفاة، وتقسم أمواله حال ردته بين ورثته.
311

(الثاني): المرتد الملي: وهو من أسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه، وهذا
يستتاب، فإن تاب خلال ثلاثة أيام فهو، وإلا قتل في اليوم الرابع، ولا تزول عنه
أملاكه، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته، وتعتد عدة المطلقة إذا كانت مدخولا
بها.
(مسألة 910): يشترط في تحقق الإرتداد، البلوغ، وكمال العقل
والاختيار، فلو نطق الصبي بما يوجب الكفر لم يحكم بارتداده وكفره، وكذا
المجنون والمكره. ولو ادعى الإكراه على الإرتداد، فإن قامت قرينة على ذلك
فهو، وإلا فلا أثر لها.
(مسألة 911): لو قتل المرتد الملي، أو مات، كانت تركته لورثته
المسلمين، وإن لم يكن له وارث مسلم، فالمشهور أن إرثه للإمام (عليه السلام)، وهو لا
يخلو من اشكال بل منع، فيرثه الكافر كالكافر الأصلي.
(مسألة 912): إذا كان للمرتد ولد صغير، فهو محكوم بالإسلام ويرثه ولا
يتبعه في الكفر. نعم، إذا بلغ فأظهر الكفر حكم بكفره، ولو ولد للمرتد ولد بعد
ردته، كان الولد محكوما بالإسلام حكما إذا كان انعقاد نطفته حال إسلام أحد
أبويه، فإنه يكفي في ترتب أحكام الإسلام انعقاد نطفته حال كون أحد أبويه
مسلما وإن ارتد بعد ذلك وقد تسأل أن ولد المرتد إذا انعقدت نطفته حال ارتداد
أبويه معا، فهل يحكم بكفره وترتيب آثاره عليه؟
والجواب: أنه لا يحكم بالكفر، لأن الولد وإن كان عصارة الأبوين، إلا أنه
إنما يكون كذلك بلحاظ الصفات الطبيعية الذاتية لهما لا بلحاظ الصفات العرضية
المفارقة كالكفر فإنها تتبع مناشئها الخارجية، وبكلمة أن الكفر إنما عرض على
الإنسان إما بسبب الإرتداد أو بعدم قبول الإسلام مع قابليته
312

لذلك، ومن هنا لا يصدق عنوان الكافر على غير المميز من أولاد الكفار،
بلا فرق في ذلك بين أن يكون كفرهم بالإصالة أو بالارتداد. فالنتيجة أن الولد
المرتد وإن انعقدت نطفته في حال ارتداد كلا أبويه معا، إلا أنه لم يحكم بكفره ولا
بنجاسته ما دام غير مميز، وأما إذا أصبح مميزا، فإن قبل الاسلام واعترف به،
فهو مسلم، والا كافر، كما هو الحال في أولاد سائر الكفار، وعلى هذا فلا فرق في
ولد المرتد بين أن يكون انعقاد نطفته بعد الإرتداد أو قبله، فإنه على كلا
التقديرين محكوم بالطهارة، ويترتب أحكام الإسلام عليه ما دام غير مميز، فإذا
صار مميزا، فإن قبل الإسلام فهو المطلوب، وإلا فحكم بكفره.
(مسألة 913): إذا ارتدت المرأة ولو عن فطرة، لم تقتل وتبين من زوجها
وتعتد عدة الطلاق وتستتاب، فإن تابت فهو، وإلا حبست دائما وضربت في
أوقات الصلاة، واستخدمت خدمة شديدة، ومنعت الطعام والشراب إلا ما
تمسك نفسها، وألبست خشن الثياب لعلها ترجع وتتوب.
(مسألة 914): إذا تكرر الإرتداد في الملي، أوفي المرأة، فهل يقتل في
الرابعة؟
والجواب: الأقرب أنه لا يقتل فيها، لعدم الدليل غير دعوى الإجماع،
وهي لا تفيد، وهل يقتل في الثالثة؟
والجواب: أن ما دل على القتل فيها لا يشمل المقام، لاختصاصه بما إذا
أقيم الحد على الجاني مرتين، فالنتيجة أن الأظهر عدم القتل لا في الثالثة ولا في
الرابعة وما زاد.
(مسألة 915): غير الكتابي إذا أظهر الشهادتين حكم باسلامه ولا
يفتش عن باطنه، بل الحكم كذلك حتى مع قيام القرينة على ان اسلامه إنما هو
313

للخوف من القتل، وأما الكتابي فقال جماعة بعدم الحكم باسلامه في هذا الفرض
، وهو لا يخلو من اشكال، بل الأظهر هو الحكم باسلامه، على أساس ان السيرة
النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جرت على قبول اسلام الكفرة بمجرد اظهارهم للشهادتين
بدون فرق بين الكتابي وغيره.
(مسألة 916): إذا صلى المرتد، أو الكافر الأصلي في دار الحرب، أو دار
الاسلام، فان قامت قرينة على أنها من جهة التزامه بالاسلام حكم به، وإلا فلا
، إذ مجرد الصلاة بدون الدلالة على ذلك فلا قيمة لها.
(مسألة 917): لو جن المرتد الملي بعد ردته وقبل توبته لم يقتل، وإن جن
بعد امتناعه عن التوبة هل يقتل، والجواب انه بعيد، فان الامتناع عن التوبة وان
كان شرط القتل، الا ان تأثيره منوط بعدم عروض مانع، والجنون مانع.
(مسألة 918): لا يجوز تزويج المرتد بالمسلمة، وقيل بعدم جواز تزويجه
من الكافرة أيضا، وفيه اشكال، بل الأظهر جوازه ولا سيما في الكتابية.
(مسألة 919): لا ولاية للأب، أو الجد المرتد على بنته المسلمة لانقطاع
ولايتهما بالارتداد.
(مسألة 920): يتحقق رجوع المرتد عن ارتداده باعترافه بالشهادتين إذا
كان ارتداده بانكار التوحيد، أو النبوة الخاصة، واما إذا كان ارتداده بانكار
عموم نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لجميع البشر، فلابد في توبته من رجوعه عما جحد
وأنكر.
314

(مسألة 921): إذا قتل المرتد عن فطرة، أو ملة، مسلما عمدا، جاز لولي
المقتول قتله فورا، وبذلك يسقط قتله من جهة ارتداده بسقوط موضوعه، نعم
لو عفا الولي، أو صالحه على مال، قتل من ناحية ارتداده.
(مسألة 922): إذا قتل أحد المرتد عن ملة بعد توبته، فان كان معتقدا
بقاءه على الارتداد، لم يثبت القصاص، ولكن تثبت الدية.
(مسألة 923): إذا تاب المرتد عن فطرة، لم تقبل توبته بالنسبة إلى
الاحكام اللازمة عليه، من وجوب قتله وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة
زوجته منه، وأما بالإضافة إلى غير تلك الاحكام، فالأظهر قبول توبته،
فتجري عليه أحكام المسلم، فيجوز له ان يتزوج من زوجته السابقة، أو امرأة
مسلمة أخرى، وغير ذلك من الأحكام.
التعزيرات
(مسألة 924): من فعل محرما أو ترك واجبا إلهيا عالما عامدا، فعلى الحاكم
الشرعي ان يعزره دون الحد الشرعي، حسب ما يراه فيه من المصلحة، على
أساس ان في تطبيق هذه العقوبة على كل عاص ومتمرد، تأثير كبير في ردع
الناس واصلاح المجتمع والتوازن وايجاد الامن فيه
الذي هو الغاية القصوى والاهم للشارع، ويثبت موجب التعزير بشهادة
شاهدين، وبالاقرار، وهل للحاكم الشرعي تطبيق تلك العقوبة بمقتضى علمه؟
315

والجواب: نعم، له ذلك إذا رأى مصلحة.
(مسألة 925): إذا أقر بالزنا، أو باللواط دون الأربع، لم يحد ولكنه يعزر.
(مسألة 926): من افتض بكرا غير الزوجة والمملوكة بإصبع، أو نحوها،
عزر على المشهور، وفيه اشكال، والأقرب أنه يحد ثمانين
جلدة.
(مسألة 927): لا بأس بضرب الصبي تأديبا خمسة، أو ستة مع رفق، ولا
فرق في ذلك بين ولي الطفل وغيره معلما كان أم لا، كما لا بأس بضرب المملوك
تأديبا إلى عشرة.
(مسألة 928): من باع الخمر عالما بحرمته غير مستحل عزر، وان
استحله حكم بارتداده، وان لم يكن عالما بحرمته فلا شيء عليه، ولكن يبين له
حرمته ليمتنع بعد ذلك، وكذلك من استحل شيئا من المحرمات المعلوم حرمته في
الشريعة الاسلامية، كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، والربا، ولو ارتكب شيئا
منها غير مستحل عزر.
(مسألة 929): لو نبش قبرا ولم يسرق الكفن، عزر.
(مسألة 930): لو سرق ولا يمين له، أو سرق ثانيا وليس له
رجل يسرى، فهل يسقط عنه الحد، ويعزره الامام حسب ما يراه من المصلحة
تأديبا وردعا، والجواب ان أمره بيده ويقوم حسب ما يراه
كما مر.
(مسألة 931): قد تقدم اختصاص قطع اليد بمن سرق من مكان
316

حصين، وإما المستلب الذي يأخذ المال جهرا، أو المختلس الذي يأخذ
المال خفية ومع الاغفال، أو المحتال الذي يأخذ المال بالتزوير والحيل والرسائل
الكاذبة فليس عليهم حد، وإنما على الحاكم الشرعي تعزيرهم حسب ما يراه و
ضربهم ضربا شديدا ورادعا، فإذا رأى مصلحة في حبسهم فله ذلك.
(مسألة 932): من وطأ بهيمة مأكولة اللحم، أو غيرها، فلا حد عليه،
ولكن يعزره الحاكم حسب ولايته على ما يراه من المصلحة في ذلك وينفي من
بلاده إلى غيرها، وأما حكم البهيمة نفسها، وحكم ضمان الواطي، فقد تقدما في
باب الأطعمة والأشربة.
(مسألة 933): من بال أو تغوط في الكعبة متعمدا، أخرج منها ومن الحرم
وضربت عنقه، ومن بال أو تغوط في المسجد الحرام متعمدا، ضرب ضربا
شديدا.
(مسألة 934): من استمنى بيده، أو بغيرها، فعلى الحاكم تعزيره حسبما
يراه فيه من المصلحة.
(مسألة 935): من شهد شهادة زور جلده الامام حسبما تراه، ويطاف به
ليعرفه الناس، ولا تقبل شهادته إلا إذا تاب وكذب نفسه على رؤوس الأشهاد.
(مسألة 936): إذا دخل رجل تحت فراش امرأة أجنبية، عزر على
الدخول المحرم.
(مسألة 937): من أراد الزنا بامرأة، جاز لها قتله دفاعا عن نفسها و
317

دمه هدر.
(مسألة 938): إذا دخل اللص دار شخص بالقهر والغلبة، جاز لصاحب
الدار محاربته، فلو توقف دفعه عن نفسه أو أهله أو ماله على قتله، جاز له قتله،
وكان دمه ضائعا. ولا ضمان على الدافع، ويجوز الكف عنه في مقابل ماله وتركه
قتله، هذا فيما إذا أحرز ذلك. واما إذا لم يحرز واحتمل ان قصد الداخل ليس هو
التعدي عليه أو على عرضه أو ماله، لم يجز له الابتداء بضربه أو قتله، نعم له منعه
عن دخول داره، ولو توقف على ضربه دون الموت جاز.
(مسألة 939): لو ضرب اللص فعطل وشل، لم يجز له الضرب مرة ثانية،
لان ضرره اندفع بذلك، ولو ضربه مرة ثانية فهي مضمونة.
(مسألة 940): من اعتدى على زوجة رجل، أو مملوكته أو غلامه أو نحو
ذلك من أرحامه وأراد مجامعتها، أو ما دون الجماع، فله دفعه وان توقف دفعه
على قتله، جاز قتله ودمه هدر.
(مسألة 941): من اطلع على قوم في دارهم لينظر عوراتهم، فلهم زجره،
فلو توقف على ان يفقأوا عينيه، أو يجرحوه فلا دية عليهم، نعم لو كان المطلع
محرما لنساء صاحب المنزل ولم تكن النساء عاريات، لم يجز جرحه ولا فقؤ
عينيه.
(مسألة 942): لو قتل رجلا في منزله وادعى انه دخله بقصد التعدي على
نفسه أو عرضه أو ماله ولم يعترف الورثة بذلك، لزم القاتل
اثبات مدعاه، فان أقام البينة على ذلك أو على ما يلازمه، فلا شيء
عليه ودمه هدر، وان لم يتمكن من إقامة البينة على ذلك، فهل يثبت
318

عليه القصاص؟
والجواب: انه لا يثبت، وذلك لان القصاص مترتب على حصة خاصة
من القتل العمدي، وهي ما إذا كان ظلما وعدوانا بمقتضى قوله تعالى (ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وثبوت ذلك اما باقرار القاتل به أو بإقامة
البينة عليه، ودعوى ان القتل العمدي الذي هو موضوع لوجوب القصاص
حصة مقيده بعنوان عدمي، وهي الذي لا يكون دفاعا عن النفس أو العرض أو
المال، فإذا شك فيه فمقتضى الأصل عدمه، مدفوعة جدا، فان موضوع القصاص
كما مر حصة مقيدة بعنوان وجودي وهو عنوان الظلم، وعليه فالقتل العمدي
المساوق للقتل ظلما موضوع له لا مطلقا ولا مقيد بعنوان عدمي، ومن الواضح
انه لا يمكن اثبات انه ظلم بالأصل، وعلى هذا فالورثة ان كانوا يدعون القتل
عدوانا وظلما، فعليهم اثباته بإقامة البينة، وإلا فمقتضى الأصل عدمه، وعندئذ
فينتقل الامر إلى الدية، إذ يكفي في ثبوته عدم كون القتل دفاعا عن النفس أو
العرض أو المال.
(مسألة 943): يجوز للانسان ان يدفع الدابة الصائلة عن نفسه، أو ما
يتعلق به من مال وغيره، فلو تلفت الدابة أو تعيبت بدفعه مع توقف الحفظ على
ذلك فلا ضمان عليه، نعم لو كان بامكانه المحافظة على نفسه أو عرضه أو ماله
بالتخلص منها بالفرار فعليه ذلك، ولا يجوز له اتلافها أو تعييبها حينئذ.
(مسألة 944): لو عض يد انسان ظلما، فانتزع يده فسقطت أسنان
العاض بذلك، فلا قود ولا دية وكانت هدرا.
(مسألة 945): لو تعدى كل من رجلين على آخر، ضمن كل منهما ما
جناه على الآخر، ولو كان أحدهما ساكتا وغير متعمد فصال الآخر عليه و
319

تعدى، وأراد الساكت دفعه عن نفسه وبالدفع جرحه، فلا ضمان عليه.
(مسألة 946): لو تجارح اثنان، وادعى كل منهما انه قصد الدفع عن نفسه
، فان حلف أحدهما دون الآخر، ضمن الآخر، وان حلفا أو لم يحلفا معا، ضمن
كل منهما جنايته على الآخر.
(مسألة 947): اجرة من يقيم الحدود من بيت المال وقيل، ان اجرته - فيما
إذا لم يكن بيت مال أو كان هناك أهم منه - على ما يقام عليه الحد، ولكن لا وجه
له.
320

كتاب القصاص
وفيه فصول:
الفصل الأول: في قصاص النفس
(مسألة 948): يثبت القصاص بقتل النفس المحترمة المكافئة
متعمدا، سواء أكان بآلة قتالة أم كان بغيرها، فإنه إذا قصد القتل وان كان بآلة
غير قاتلة غالبا وترتب عليه القتل، فهو قتل عمدي، واما إذا قصد الضرب بآلة
قتالة وكان ملتفتا إلى الملازمة بين الضرب بها والقتل عادة، فهو قاصد للقتل
أيضا، فإذا ترتب عليه القتل فهو قتل عمدي، واما إذا ضرب بها غافلا عن
كونها آلة قتالة، بحيث لو كان ملتفتا إلى كونها كذلك لم يضرب بها،
فحينئذ إذا ترتب عليه القتل فهو ليس بعمدي، واما مع الالتفات إلى ذلك فهو
عمدي، لأنه عندئذ قاصد للقتل أيضا، وقد تسأل هل يمكن ان يكون قاصدا
321

للضرب بها دون القتل؟
والجواب: انه مع الالتفات إلى ان هذه الآلة، آلة قتالة فلا يمكن ذلك،
فالنتيجة انه يعتبر في القتل العمدي العدواني الذي هو موجب للقصاص قصد
القتل، سواء أكان مباشرة وابتداءا أم بالواسطة، ثم ان القتل على اقسام ثلاثة:
الاول: القتل العمدي واثره الاقتصاص.
الثاني: القتل الخطائي واثره تحمل العاقلة الدية.
الثالث: القتل الشبيه بالعمد واثره الدية على القاتل دون الاقتصاص، و
الفرق بين هذه الاقسام على ما يلي.
1 - من أراد قتل شخص عامدا وعدوانا وملتفتا إلى ذلك، فقتله فهذا قتل
عمدي وعليه الاقتصاص كما عرفت، ولا فرق في ذلك بين ان يكون بآلة قاتلة
أو لا.
2 - من أراد قتل حيوان أو ضربه فرماه بشيء فأصاب اتفاقا انسانا فقتله،
وهذا قتل خطأي.
3 - من أراد ضرب انسان مباشرة أو بآلة غير قاتلة بدون ان يقصد
قتله ولا يحتمل ذلك عادة، فضربه كذلك أو رماها اليه فقتله اتفاقا، فهو قتل
شبه عمد.
شروط القاتل:
1 - البلوغ 2 - العقل 3 - الاختيار.
(مسألة 949): كما يتحقق القتل العمدي فيما إذا كان فعل المكلف علة
322

تامة للقتل، أو جزءا أخيرا للعلة التامة، بحيث لا ينفك الموت عن فعل الفاعل
زمانا، كذلك يتحقق فيما إذا ترتب القتل عليه من دون أن يتوسطه فعل اختياري
من شخص آخر، كما إذا رمى سهما نحو من أراد قتله فأصابه فمات بذلك بعد مدة
من الزمن، ومن هذا القبيل ما إذا خنقه بحبل ولم يرخه عنه حتى مات، أو حبسه
في مكان ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات، أو نحو ذلك، فهذه الموارد و
أشباهها داخلة في القتل العمدي الموجب للقصاص.
(مسألة 950): لو ألقى شخصا في النار، أو البحر متعمدا فمات، فان كان
متمكنا من الخروج ولم يخرج باختياره فلا قود ولا دية، وان لم يكن متمكنا من
الخروج وانجاء نفسه من الهلاك، فالملقى هو القاتل وعليه القصاص.
(مسألة 951): لو أحرقه بالنار قاصدا به قتله، أو جرحه كذلك فمات،
فعليه القصاص وان كان متمكنا من انجاء نفسه بالمداواة وتركها باختياره.
(مسألة 952): إذا جنى عمدا ولم تكن الجناية مما تقتل غالبا، ولم يكن
الجاني قد قصد بها القتل، ولكن اتفق موت المجني عليه بالسراية، فالمشهور بين
الأصحاب ثبوت القود، ولكنه لا يخلو من اشكال، بل لا يبعد عدمه، فيجري
عليه حكم القتل الشبيه بالعمد، حيث لا ينطبق عليه القتل العمدي حتى يترتب
عليه حكمه.
(مسألة 953): لو القى نفسه من شاهق على انسان عمدا قاصدا به قتله، أو
كان مما يترتب عليه القتل عادة فقتله، فعليه القود. وأما إذا لم يقصد به القتل ولم
يكن مما يقتل عادة فلا قود عليه. وأما إذا مات الملقى، فدمه هدر على كلا
التقديرين.
(مسألة 954): ليس للسحر حقيقة موضوعية، بل هو إراءة غير الواقع
323

بصورة الواقع، ولكنه مع ذلك لو سحر شخصا بما يترب عليه الموت غالبا، أو
كان بقصد القتل، كما لو سحره فتراءى له أن الأسد يحمل عليه فمات خوفا، كان
على الساحر القصاص.
(مسألة 955): لو أطعمه عمدا طعاما مسموما يقتل عادة، فان علم
الآكل بالحال وكان مميزا، ومع ذلك اقدم على أكله فمات فهو المعين على
نفسه، فلا قود ولا دية على المطعم، وان لم يعلم الآكل به، أو كان غير مميز
فأكل فمات، فعلى المطعم القصاص، فإنه إذا علم بأنه سم قاتل ومن أكله
يموت، فلا ينفك قصد الاطعام به عن قصد القتل ظلما، ومن هذا القبيل إذا
جعل السم في طعام صاحب المنزل وكان السم مما يقتل عادة، فأكله صاحب
المنزل جاهلا بالحال فمات.
(مسألة 956): لو حفر بئرا عميقة في معرض مرور الناس
متعمدا وكان الموت يترتب على السقوط فيها غالبا، فسقط فيها المار ومات،
فعلى الحافر القود، بلا فرق بين قصده قتل المارة بذلك وعدمه، فإنه إذا علم
بالحال فلا ينفك قصد هذه العملية عن قصد القتل. نعم لو لم يترتب الموت على
السقوط فيها عادة وسقط فيها أحد المارة فمات اتفاقا - فعندئذ - ان كان
الحافر قاصدا القتل فعليه القود، والا فلا، وكذلك يثبت القصاص لو حفرها
في طريق ليس في معرض المرور، ولكنه دعا غيره الجاهل بالحال لسلوكه
قاصدا به القتل، أو كان السقوط فيها مما يقتل عادة، فسلكه المدعو وسقط
فيها فمات، أو فجر قنبلة موقوته في الطريق أو مكان آخر بقصد القتل و
هكذا.
(مسألة 957): إذا جرح شخصا قاصدا به قتله، فداوى المجروح نفسه
324

بدواء مسموم، أو أقدم على عملية ولم تنجح فمات، فان كان الموت مستندا إلى
فعل نفسه، فلا قود ولا دية على الجارح. نعم لولي الميت القصاص من الجاني
بنسبة الجرح، أو أخذ الدية منه كذلك، وان كان مستندا إلى الجرح فعليه القود،
وان كان مستندا اليهما معا، كان لولي المقتول القود بعد رد نصف الدية اليه، وله
العفو وأخذ نصف الدية منه.
(مسألة 958): لو ألقاه من شاهق قاصدا به القتل، أو كان مما يترتب عليه
القتل عادة، فمات الملقى في الطريق خوفا قبل سقوطه إلى الأرض كان عليه القود
، ومثله ما لو ألقاه في بحر قاصدا به قتله، أو كان مما يترتب عليه الموت غالبا،
فالتقمه الحوت قبل وصوله إلى البحر.
(مسألة 959): لو أغرى به كلبا عقورا قاصدا به قتله، أو كان مما يترتب
عليه القتل غالبا فقتله فعليه القود، وكذا الحال لو ألقاه إلى أسد كذلك وكان ممن
لا يمكنه الاعتصام منه بفرار، أو نحوه وإلا فهو المعين على نفسه، فلا قود عليه و
لا دية، ومثله ما لو أنهش حية قاتلة أو ألقاها عليه فنهشته، فعليه القود، لان
القتل مستندا اليه عامدا أو ملتفتا، والخلاصة ان من قصد قتل شخص ظلما بآلة
قاتلة أم بغيرها فقتله، فعليه القود.
(مسألة 960): لو جرحه بقصد القتل ثم عضه الأسد - مثلا - وسريا فمات
بالسراية، فهل لولي المقتول قتل الجارح بعد رد نصف الدية إليه؟
والجواب: انه يعيد، على أساس ان القتل غير مستند إلى جرح الجارح
فقط، بل هو مستند اليه والى عض الأسد معا، وحيث ان عض الأسد لا يكون
دخيلا في ترتب القصاص على المجموع المركب منه ومن جرح الجارح، باعتبار
ان أحد جزئية جرح غير متعمد وغير مضمون فلا أثر له، والجزاء
325

الآخر وهو جرح الجارح وحده ليس سببا تاما له، وعلى هذا فما هو
سبب للقتل لا يترتب عليه اثر، وما يترتب عليه الأثر لا يكون سببا، وبكلمة
ان هنا مسألتين:
المسألة الأولى: ما إذا كان اثنان أو أكثر من الرجال أو النساء، أو الرجال و
النساء اشتركوا في قتل واحد رجلا كان أو امرأة ظلما.
المسألة الثانية: ما إذا كان القتل مستندا إلى جرح انسان ظلما بقصد القتل و
عض الحيوان معا لا إلى كل واحد منهما مستقلا.
اما في المسألة الأولى فالقتل مستندا إلى كلا الجرحين معا، وحيث ان
كليهما كان بقصد القتل عدوانا، فيكون مشمولا لقوله تعالى (ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا) أو فقل حيث ان الدافع من وراء كلا الجرحين هو
القتل، فإذا تحقق ترتب عليه القصاص بمقتضى الآية الشريفة، وعلى هذا فحق
الاقتصاص حيث انه ثابت لولي المقتول على كلا الجارحين معا، فلا محالة يوزع
على كل منهما بنسبة النصف، وحيث انه غير قابل للتجزئة من ناحية وغير
ساقط في المقام من ناحية أخرى، فإذا قام الولي حينئذ بالاقتصاص من كليهما
معا، فعليه ان يرد إلى أولياء كل منهما نصف الدية، وإذا قام بالاقتصاص من
أحدهما، فعلى الآخر ان يرد إلى أولياء المقتول قصاصا نصف الدية.
واما في المسألة الثانية: فقد مر ان أحد جزئي السبب بما انه جرح غير
متعمد وغير مضمون، فالقتل المترتب عليه ليس موضوعا للقصاص ومشمولا
للآية الشريفة المتقدمة، هذا هو الفارق بين المسألتين، هذا من ناحية.
326

ومن ناحية أخرى ان المسألة الأولى تفترق عن المسألة الثانية بالنص
أيضا، حيث قد ورد في عدة من الروايات في المسألة الأولى ان لولي المقتول ان
يقتص من جميع المشتركين في القتل ويرد من الدية إلى كل واحد منهم بما يستحقه
من النسبة.
ومن ناحية ثالثة ان عمدة الدليل على جواز قصاص الجميع في المسألة
الأولى هي الروايات، ولولاها لكان بامكاننا المناقشة في جواز ذلك إذا كان
جرح كل واحد منهما أو منهم للمجني عليه جزء السبب لاتمامه، والمجموع يكون
تمام السبب لقتله، وحيث ان المجموع ليس فردا آخر في مقابل كل واحد منهما أو
منهم في الخارج فلا موجب للقصاص، وقد تسأل ان ظاهر الروايات سياقا هو
كون موردها اشتراك جماعة في قتل فرد واحد في زمن واحد، بمعنى انهم بنوا على
قتله فقتلوه ظلما، واما إذا جرحه واحد بقصد القتل ثم جرحه آخر بنفس القصد
بدون اتفاق مسبق بينهما على قتله، ففي هذه الحالة إذا لم يكن جرح كل واحد
منهما وحده سببا للقتل، ولكن بضم أحدهما إلى الآخر سبب له، فهل يكون
مشمولا للروايات ملاكا؟
والجواب: ان الشمول غير بعيد، على أساس ان كل واحد منهما قاصد
لقتله عدوانا، فإذا قتل بذلك كان القتل مستندا إلى كليهما معا، ووجود الاتفاق
المسبق بينهما على ذلك وعدم وجوده سيان، فان المعيار انما هو باستناد القتل
اليهما معا.
(مسألة 961): لو كتفه ثم ألقاه في ارض مسبعة مظنة للافتراس عادة، أو
كان قاصدا به قتله، فافترسه السباع فعليه القود، نعم لو ألقاه في ارض
لم تكن مظنة للافتراس عادة ولم يقصد به قتله، فافترسته السباع اتفاقا،
327

فالظاهر انه لا قود وعليه الدية فقط.
(مسألة 962): لو حفر بئرا فسقط فيها آخر بدفع ثالث، فالقاتل هو
الدافع دون الحافر.
(مسألة 963): لو أمسكه وقتله آخر قتل القاتل، وحبس الممسك مؤبدا
حتى يموت بعد ضرب جنبيه، ويجلد كل سنة خمسين جلدة. ولو اجتمعت
جماعة على قتل شخص فأمسكه أحدهم، وقتله آخر، ونظر اليه ثالث، فعلى
القاتل القود، وعلى الممسك الحبس مؤبدا حتى الموت، وعلى الناظران تفقأ
عيناه.
(مسألة 964): لو أقر غيره بقتل أحد فقتله، فعلى القاتل القود، وعلى
الآمر الحبس مؤبدا إلى ان يموت، ولو اكره على القتل، فان كان ما توعد به دون
القتل، فلا ريب في عدم جواز القتل، ولو قتله والحال هذه، كان عليه القود، و
على المكره الحبس المؤبد، وان كان ما توعد به هو القتل، فالمشهور ان حكمه
حكم الصورة الأولى، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، والظاهر جواز القتل له
عندئذ، لان الاكراه إذا وصل إلى القتل وان لم يكن مشمولا لدليله، حيث انه
وارد مورد الامتنان ولا امتنان فيه لرفع الاكراه عن المكره، الا انه مع ذلك لا
يكون القتل محرما، باعتبار ان الامر دائر بين قتل نفسه وقتل غيره، ومن
الواضح انه في مثل هذه الحالة لا يجب عليه قتل نفسه والتحفظ على نفس غيره،
بل هو مخير بين ان يقوم بقتل نفسه والحفاظ على نفس غيره وبالعكس، على
أساس وقوع التزاحم بينهما، ولا يقدر على حفظ كليتهما معا، لان عنده قدرة
واحدة، فان صرفها في حفظ نفسه فلا يقدر على حفظ نفس غيره، وان صرفها
في حفظ نفس غيره فلا يقدر على حفظ نفسه، ولا يكون حفظ نفس غيره أولى من
328

حفظ نفسه، ولا يكون حفظ نفس غيره أولى من حفظ نفسه، ولا مرجح له، و
على ذلك فإذا قام بقتل نفس غيره حفاظا على نفسه فلا قود عليه، ولكن عليه
الدية، لان دم المسلم لا يذهب هدرا، وحكم المكره - بالكسر - في هذه الصورة
حكمه في الصورة الأولى، هذا إذا كان المكره - بالفتح - بالغا عاقلا، وأما إذا كان
مجنونا أو صبيا غير مميز، فلا قود لا على المكره ولا على الصبي، نعم على عاقلة
الصبي الدية، وعلى المكره مؤبدا.
(مسألة 965): المشهور ان المولى إذا امر عبده بقتل شخص فقتله، فعليه
الحبس مؤبدا وعلى العبد القود، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد ان يكون
الامر بالعكس، بان يحبس العبد مؤبدا ويقتل المولى.
(مسألة 966): لو قال اقتلني فقتله، فلا ريب في أنه قد ارتكب محرما، و
هل يثبت القصاص عندئذ أم لا؟ وجهان، الأظهر بثبوته، هذا إذا كان القاتل
مختارا أو متوعدا بما دون القتل، وأما إذا كان متوعدا بالقتل، فالحكم فيه كما
تقدم.
(مسألة 967): لو أمر شخص غيره بان يقتل نفسه فقتل نفسه، فان كان
المأمور صبيا غير مميز، فعلى الآمر القود وان كان مميزا، أو كبيرا بالغا، فقد أثم
فلا قود على الآمر، هذا إذا كان القاتل مختارا، أو مكرها متوعدا بما دون القتل أو
بالقتل، وأما إذا كان متوعدا بما يزيد على القتل من خصوصياته، كما إذا قال:
اقتل نفسك والا لقطعتك إربا إربا، فالظاهر جواز قتله نفسه - عندئذ - وهل
يثبت القود على المكره وجهان، الأقرب عدمه.
(مسألة 968): لو اكره شخصا على قطع يد ثالث، معينا كان أو غير
معين، وهدده بالقتل ان لم يفعل، جاز له قطع يده. وهل يثبت القصاص على
329

المكره، أو ان القصاص يسقط وتثبت الدية على المباشر؟
وجهان: الظاهر هو الثاني.
(مسألة 969): لو أكرهه على صعود جبل، أو شجرة، أو نزول بئر، فزلت
قدمه وسقط فمات، فان لم يكن الغالب في ذلك السقوط المهلك،
ولا هو قصد به القتل، فلا قود عليه ولا دية، والا ففيه الوجهان، والأقرب انه
لا قصاص ولا دية عليه، باعتبار ان القتل غير مستند اليه، نعم جزاؤه الحبس،
وكذلك الحال فيما إذا اكره على شرب سم فشرب فمات.
(مسألة 970): إذا شهدت بينة بما يوجب القتل، كما إذا شهدت بارتداد
شخص، أو بأنه قاتل لنفس محترمة، أو نحو ذلك، أو شهد أربعة بما يوجب
الرجم كالزنا، ثم بعد اجراء الحد ثبت انهم شهدوا زورا، كان القود على
الشهود، ولا ضمان على الحاكم الآمر، ولا حد على المباشر للقتل، أو الرجم،
نعم لو علم مباشر القتل بأن الشهادة شهادة زور، كان عليه القود دون
الشهود.
(مسألة 971): لو جنى على شخص، فجعله في حكم المذبوح ولم تبق له
حياة مستقرة، بمعنى انه لم يبق له ادراك، ولا شعور، ولا نطق، ولا حركة
اختيارية، ثم ذبحه آخر، كان القود على الأول، وعلى الآخر دية ذبح الميت. و
أما لو كانت حياته مستقرة، كان القاتل هو الثاني، وعليه القود، والأول جارح،
سواء أكانت جنايته مما يفضى إلى الموت كشق البطن أو نحوه، أو لا كقطع أنملة،
أو ما شاكلها.
(مسألة 972): إذا توقفت أعضاء المريض عن تأدية وظائفها الطبيعية و
حركاتها الاعتيادية الحية وماتت، ولكن بواسطة الجهاز الطبي المصنوعي
330

يشتغل قلبه ويؤدي وظائفه، بحيث لو قام الطبيب برفع هذا الجهاز عنه مات
فورا، ولهذا يعامل معه معاملة الميت، ويقول انه مات طبيعيا ولا أمل في حياته
بموجب القانون الطبي، الا إذا كانت هناك معجزة منه تعالى، ففي هذه الحالة هل
يجوز رفع الجهاز عنه ليموت إصطناعيا أيضا؟
والجواب: الظاهر انه لا يجوز من وجهة النظر الشرعية.
وقد تسأل انه إذا لم يجز ذلك شرعا، فهل عليه قصاص إذا رفعه عنه و
مات، وإذا لم يكن عليه قصاص فهل عليه دية؟
والجواب: لا هذا ولا ذاك، اما القصاص فالظاهر انه غير محتمل، لان
موضوعه القتل العمدي وهو لا يصدق عليه، لوضوح ان من يرفع الجهاز عنه لا
يقال انه قتله، وبكلمة ان حياته الطبيعية قد توقفت والموجود انما هو الحياة
الاصطناعية له بواسطة الجهاز الطبي، ومن المعلوم ان القتل لا يصدق على رفع
ذلك الجهاز، لأنه عبارة عن اذهاب الحياة الطبيعية، واما الدية فالامر فيها أيضا
كذلك، باعتبار انها مترتبة على القتل وهو لا يصدق عليه، والخلاصة ان رفع
الجهاز عنه وان كان غير جائز شرعا، إلا انه لا قصاص ولا دية على من يقوم
برفعه عنه.
(مسألة 973): إذا قطع يد شخص وقطع آخر رجله قاصدا كل منهما قتله
، فاندملت إحداهما دون الأخرى ثم مات بالسراية، فمن لم يندمل جرحه هو
القاتل وعليه القود، ومن اندمل جرحه فعليه القصاص في الطرف، أو الدية مع
التراضي، وإذا أخذ الدية منه، فهل يرد الدية المأخوذة إلى أولياء القاتل؟
والجواب: لا يرد إليهم، لعدم الدليل على الرد.
331

(مسألة 974): لو جرح اثنان شخصا جرحين بقصد القتل فمات المجروح
بالسراية، فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي، نفذ اقراره على نفسه
ولم ينفذ على الآخر، وعليه فيكون الولي مدعيا استناد القتل إلى جرح
الآخر وهو منكر له، وحينئذ فعلى الولي الاثبات وإلا فعلى الآخر الحلف أو
رده على الولي، وإذا امتنع عن الحلف والرد معا، سقط حقه، وإن صدقه
الآخر دون الولي نفذ على نفسه دونه، وعندئذ فإذا اقتص الولي من المقر،
فلا يحق لوارثه ان يطالب من المدعي بشيء من الدية، كما انه إذا طولب بالدية
فليس له الامتناع عن اكمالها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس للولي
ان يقتص من المدعي أو يطالبه بالدية الا بعد المرافعة واثبات ان القتل مستند
إلى جرحه أيضا.
(مسألة 975): إذا قطع اثنان يد شخص، ولكن أحدهما قطع من الكوع و
الآخر من الذراع فمات بالسراية، فان استند الموت إلى كلتا الجنايتين معا كان
كلاهما قاتلا، وان استند إلى قاطع الذراع، فالقاتل هو الثاني والأول جارح،
نظير ما إذا قطع أحد يد شخص وقتله آخر، فالأول جارح، والثاني قاتل ولكل
حكمه.
(مسألة 976): لو كان الجارح والقاتل واحدا، فهل تدخل دية الطرف في
دية النفس أم لا؟
وجهان: الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان القتل والجرح بضربة
واحدة وما إذا كانا بضربتين، فعلى الأول تدخل دية الطرف في دية النفس فيما
تثبت فيه الدية اصالة. وعلى الثاني فالمشهور، التداخل أيضا والاكتفاء بدية
واحدة وهي دية النفس، ولكنه لا يخلو من اشكال، والأقرب عدم
332

التداخل، وأما القصاص فان كان الجرح والقتل بجناية واحدة، كما إذا ضربه
ضربة واحدة فقطعت يده فمات، فلا ريب في دخول قصاص الطرف في قصاص
النفس، ولا يقتص منه بغير القتل، وإذا كان الجرح والقتل بضربتين متفرقتين
زمانا، فهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، كما لو قطع يده ولم يمت به
ثم قتله؟
والجواب: لا يبعد عدم التداخل في مثل المثال، واما إذا كانت الضربتان
متواليتين زمانا، كما إذا ضربه فقطعت يده - مثلا - وضربه ضربة ثانية، فقتلته،
فهل يحكم بالتداخل؟
والجواب: لا يبعد التداخل، نعم لو ضربه ضربتين فجنت الضربتان
جنايتين بدون الموت، لزمته جناية ما جنتا كائنا ما كان.
(مسألة 977): إذا قتل رجلان رجلا - مثلا - جاز لأولياء المقتول
قتلهما، بعد ان يردوا إلى أولياء كل منهما نصف الدية، كما ان لهم ان يقتلوا
أحدهما، ولكن على الآخر أن يؤدي نصف الدية إلى أهل المقتص منه، وإن
قتل ثلاثة واحدا، كان كل واحد منهم شريكا في قتله بمقدار الثلث، وعليه
فان قتل ولي المقتول واحدا من هؤلاء الثلاثة، وجب على كل واحد من
الآخرين ان يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منه، وان قتل اثنين منهم،
وجب على الثالث ان يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منهما، ويجب على ولي
المقتول ان يرد إليهم دية كاملة لكي يصل إلى كل واحد من المقتولين، ثلث الدية
قبل الاقتصاص، وان أراد قتل جميعهم، فله ذلك بعد ان يرد إلى أولياء كل واحد
منهم ثلثي الدية.
(مسألة 978): تتحقق الشركة في القتل بفعل شخصين معا وان كانت
333

جناية أحدهما أكثر من جناية الآخر، فلو ضرب أحدهما ضربة والآخر
ضربتين أو أكثر، فمات المضروب واستند موته إلى فعل كليهما، كانا متساويين في
القتل، وعليه فلولي المقتول ان يقتل أحدهما قصاصا، كما أن له ان يقتل كليهما
معا على التفصيل المتقدم.
(مسألة 979): لو اشترك انسان مع حيوان - بلا اغراء - في قتل مسلم،
فهل لولي المقتول ان يقتل القاتل بعد ان يرد إلى وليه نصف الدية؟
والجواب: انه بعيد، لان القتل لا يستند إلى فعله وحده حتى يترتب
عليه القصاص، بل هو مستند اليه والى فعل الحيوان معا، وحيث ان أحد
جزئي السبب جرح غير متعمد، فلا يكون القتل المترتب عليه من القتل
المتعمد حتى يكون مشمولا للآية الشريفة وموضوعا للقصاص كما مر
شرحه.
(مسألة 980): إذا اشترك الأب مع أجنبي في قتل ابنه، جاز لولي المقتول
ان يقتل الأجنبي، وأما الأب فلا يقتل بل عليه نصف الدية، يعطيه لولي المقتص
منه في فرض القصاص، ولولي المقتول مع عدم الاقتصاص، وكذلك الحال فيما
إذا اشترك مسلم وذمي في قتل ذمي.
(مسألة 981): يقتص من الجماعة المشتركين في جناية الأطراف حسب ما
عرفت في قصاص النفس، وتتحقق الشركة في الجناية على الأطراف بفعل
شخصين أو اشخاص معا على نحو تستند الجناية إلى فعل الجميع، كما لو وضع
جماعة سكينا مثلا على يد شخص وضغطوا عليه حتى قطعت يده، واما إذا
وضع أحد سكينا فوق يده، وآخر تحتها وضغط كل واحد منهما على سكينه
حتى التقيا، فهل هو من الاشتراك في الجناية أو على كل منهما القصاص في
334

جنايته؟
والجواب: الظاهر هو الاشتراك في الجناية غيره.
(مسألة 982): لو اشتركت امرأتان في قتل رجل، كان لولي المقتول قتلهما
معا بلا رد، ولو كن أكثر، كان له قتل جميعهن، فإذا قتلهن جميعا أدى فاضل
ديتهن إلى أوليائهن، واما إذا قتل بعضهن، كما إذا قتل اثنتين من الثلاث - مثلا -
وجب على الثالثة رد ثلث دية الرجل إلى أولياء المقتص منهما.
(مسألة 983): إذا اشترك رجل وامرأة في قتل رجل، جاز لولي المقتول
قتلهما معا، بعد ان يرد نصف الدية إلى أولياء الرجل دون أولياء المرأة، كما ان له
قتل المرأة ومطالبة الرجل بنصف الدية. واما إذا قتل الرجل، وجب على المرأة
رد نصف الدية إلى أولياء المقتص منه.
(مسألة 984): كل موضع وجب فيه الرد على الولي عند ارادته القصاص
- على اختلاف موارده - لزم فيه تقديم الرد على استيفاء الحق، كالقتل ونحوه،
فإذا كان القاتل اثنين وأراد ولي المقتول قتلهما معا، وجب عليه اولا رد نصف
الدية إلى كل منهما، ثم استيفاء الحق منهما.
(مسألة 985): لو قتل رجلان رجلا وكان القتل من أحدهما خطأ، ومن
الآخر عمدا، جاز لأولياء المقتول قتل القاتل عمدا بعد ردهم نصف ديته إلى وليه
، ومطالبة عاقلة القاتل خطأ نصف الدية، كما ان لهم العفو عن قصاص القاتل و
أخذ الدية منه بقدر نصيبه، وكذلك الحال فيما إذا اشترك صبي مع رجل في قتل
رجل عمدا، لان عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة.
(مسألة 986): لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا، كان لولي
335

المقتول قتلهما معا بعد رد نصف الدية إلى أولياء الحر، واما العبد فيقوم، فان كانت
قيمته تساوي نصف دية الحر، أو كانت أقل منه، فلا شيء على الولي، وان كانت
أكثر منه، فعليه أن يرد الزائد إلى مولاه، ولا فرق في ذلك بين كون الزائد بمقدار
نصف دية الحر، أو أقل. نعم إذا كان أكثر منه، كما لو كانت قيمة العبد أكثر من تمام
الدية، لم يجب عليه رد الزائد على النصف، بل يقتصر على رد النصف، باعتبار ان
دية العبد لا تزيد على دية الحر.
(مسألة 987): إذا اشترك عبد وامرأة في قتل حر، كان لولي المقتول قتلهما
معا بدون أن يجب عليه رد شيء بالنسبة إلى المرأة، واما بالنسبة إلى العبد فقد مر
التفصيل فيه، وإذا لم يقتل العبد كان له استرقاقه، - فعندئذ - ان كانت قيمته أكثر
من نصف دية المقتول، رد الزائد على مولاه، وإلا فلا.
شروط القصاص
وهي خمسة:
الشرط الاول: التساوي في الحرية والعبودية
(مسألة 988): إذا قتل الحر الحر عمدا، قتل به، وكذا إذا قتل الحرة،
ولكن بعد رد نصف الدية إلى أولياء المقتص منه.
(مسألة 989): إذا قتلت الحرة الحرة قتلت بها، وإذا قتلت الحر فكذلك، و
ليس لولي المقتول مطالبة وليها بنصف الدية.
336

(مسألة 990): إذا قتل الحر الحر، أو الحرة خطأ محضا، أو شبيه عمد فلا
قصاص، نعم تثبت الدية، وهي على الأول تحمل على عاقلة القاتل، وعلى
الثاني في ماله على تفصيل يأتي في باب الديات إن شاء الله تعالى.
(مسألة 991): إذا قتل الحر أو الحرة العبد عمدا فلا قصاص، وعلى القاتل
قيمة المقتول يوم قتله لمولاه إذا لم يتجاوز دية الحر، وإلا فلا يغرم الزائد، وإذا
قتل الأمة فكذلك، وعلى القاتل قيمتها إذا لم تتجاوز دية الحرة، ولو كان العبد أو
الأمة ذميا، غرم قيمة المقتول إذا لم تتجاوز دية الذمي أو الذمية، ولا فرق فيما
ذكرناه بين كون العبد أو الأمة قنا، أو مدبرا، وكذلك إذا قتل الحر أو الحرة
مكاتبا مشروطا، أو مطلقا، ولم يؤد من مال الكتابة شيئا، ولا فرق في ذلك بين
الذكر والأنثى، ومثل ذلك القتل الخطائي، غاية الأمر أن الدية تحمل على عاقلة
القاتل الحر إذا كان خطأ محضا، وإذا كان شبه عمد، ففي مال القاتل نفسه على
تفصيل يأتي.
(مسألة 992): إذا اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم القتل، فالقول
قول الجاني مع يمينه إذا لم تكن للمولى بينة، باعتبار انه يدعي الأقل فيكون قوله
مطابقا للأصل.
(مسألة 993): لو قتل المولى عبده متعمدا، فهل يقتل؟
والجواب: الأقرب انه لا يقتل، ودعوى انه ان كان غير معروف
بالقتل، ضرب مائة ضربة شديدة وحبس وأخذت منه قيمته يتصدق بها،
أو تدفع إلى بيت مال المسلمين، وان كان متعودا على القتل قتل به، مدفوعة
بأنه لا وجه لهذا التفصيل ولا يوجد دليل معتبر على ذلك، وما دل عليه فهو
ضعيف غير قابل للاعتماد، ولا فرق في ما ذكر بين العبد والأمة، كما انه
337

لا فرق بين القن، والمدبر، والمكاتب، سواء أكان مشروطا، أم مطلقا أدى من
مال كتابته شيئا أم لا.
(مسألة 994): إذا قتل الحر، أو الحرة متعمدا مكاتبا، أدى من مال
مكاتبته شيئا لم يقتل به، ولكن عليه دية الحر بمقدار ما تحرر منه، ودية العبد
بمقدار ما بقي، على أساس انه لا يمكن ان تكون ديته قيمته، باعتبار ان مقدارا منه
حر، فلا يكون مشمولا لما دل على أن دية العبد قيمته، كما هو الحال في القتل
الخطائي، ولا فرق في ذلك بين كون المكاتب عبدا، أو أمة، كما لا فرق بين كونه
قد أدى نصف مال كتابته أو أقل من ذلك.
(مسألة 995): لو قتل العبد حرا عمدا قتل به ولا يضمن مولاه جنايته،
نعم لولي المقتول الخيار بين قتل العبد واسترقاقه، وليس لمولاه فكه الا إذا رضي
الولي به، باعتبار ان امره أصبح بيده اقتصاصا أو استرقاقا وانقطاع علاقته عن
المولى، ولا فرق فيما ذكرناه بين كون القاتل أو المقتول ذكرا أو أنثى، كما انه لا فرق
بين كون القاتل قنا، أو مدبرا، وكذلك أم الولد.
(مسألة 996): إذا قتل المملوك أو المملوكة مولاه عمدا، جاز لولي المولى
قتله، كما يجوز له العفو عنه، ولا فرق في ذلك بين القن، والمدبر، والمكاتب،
بأقسامه.
(مسألة 997): لو قتل المكاتب حرا متعمدا قتل به مطلقا، سواء أكان
مشروطا أم مطلقا، أدى من مال الكتابة شيئا، أم لم يؤد. نعم لو أدى المطلق منه
شيئا لم يكن لولي المقتول استرقاقه تماما، وله استرقاقه بمقدار ما بقي من عبوديته
، وليس له مطالبته بالدية بمقدار ما تحرر منه إلا مع التراضي.
(مسألة 998): لو قتل العبد أو الأمة الحر خطأ، تخير المولى بين فك
338

رقبته باعطاء دية المقتول، أو بالصلح عليها، وبين دفع القاتل إلى ولي المقتول
ليسترقه، وليس له الزام المولى بشيء من الامرين. ولا فرق في ذلك بين
القن، والمدبر، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد من مال الكتابة شيئا، و
أم الولد.
(مسألة 999): لو قتل المكاتب الذي تحرر مقدار منه الحر أو العبد خطأ،
فعليه الدية بمقدار ما تحرر، والباقي على مولاه، فهو بالخيار بين رد الباقي إلى
أولياء المقتول، وبين دفع المكاتب إليهم، وإذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه كان
ذلك على إمام المسلمين.
(مسألة 1000): لو قتل العبد عبدا متعمدا قتل به، بلا فرق بين كون القاتل و
المقتول قنين أو مدبرين، أو كون أحدهما قنا، والآخر مدبرا، وكذلك الحكم لو
قتل العبد أمة، ولا رد لفاضل ديته إلى مولاه لعدم الدليل، ولا يقاس ذلك بقتل
الحر الحرة، فان أولياء المرأة هناك إذا أرادوا ان يقتلوا الحر فعليهم أولا ان يردوا
نصف ديته إلى أوليائه ثم القتل، فان الدليل مختص بهذا المورد ولا يشمل المقام.
(مسألة 1001): لو قتل العبد مكاتبا عمدا، فان كان مشروطا أو مطلقا، لم
يؤد من مال الكتابة شيئا فحكمه حكم قتل القن، وإن كان مطلقا، تحرر بعضه،
فلكل من مولى المقتول وورثته حق القتل فان قتلاه معا فهو، وإن قتله أحدهما
دون الآخر سقط حقه بسقوط موضوعه، وهل لولي المقتول استرقاق القاتل
بمقدار حرية المقتول؟ نعم له ذلك.
(مسألة 1002): لو قتلت الأمة أمة قتلت بها، بلا فرق بين أقسامها، وكذا
لو قتلت عبدا.
339

(مسألة 1003): لو قتل المكاتب عبدا عمدا فان كان مشروطا، أو مطلقا لم
يؤد من مال الكتابة شيئا، فحكمه حكم القن، وأن أدى منه شيئا لم يقتل به،
ولكن تتعلق الجناية برقبته بقدر ما بقي من الرقية، ويسعى في نصيب حريته إذا لم
يكن عنده مال، والا فيؤدي من ماله، فان عجز كانت الدية على مولى المكاتب،
واما ما تعلق برقبته فلمولى المقتول استرقاقه بمقدار رقيته ليستوفي حقه، ولا
يكون مولى القاتل ملزما بدفعه الدية إلى مولى المقتول، ولا فرق في ذلك بين
كون القاتل أو المقتول ذكرا أو أنثى، كما انه لا فرق بين كون المقتول قنا أو مدبرا.
(مسألة 1004): لو قتل المكاتب الذي تحرر مقدار منه مكاتبا مثله عمدا،
فان تحرر من المقتول بقدر ما تحرر من القاتل أو أكثر، قتل به، وإلا فالمشهور أنه
لا يقتل، ولكنه لا يخلو من اشكال، والأقرب أنه يقتل.
(مسألة 1005): إذا قتل عبد عبدا خطأ، كان مولى القاتل بالخيار بين فكه
بأداء دية المقتول، وبين دفعه إلى مولى المقتول ليسترقه ويستوفي حقه من قيمته
، فان تساوت القيمتان فهو، وإن زادت قيمة القاتل على قيمة المقتول رد الزائد
إلى مولى القاتل، وإن نقصت عنها، فليس له أن يرجع إلى مولى القاتل ويطالبه
بالنقص، ولا فرق في ذلك بين كون القاتل ذكرا أو أنثى، كما أنه لا فرق بين كونه
قنا أو مدبرا، أو مكاتبا مشروطا، أو مطلقا لم يؤد من مال الكتابة شيئا، وأما لو
قتل مكاتبا تحرر مقدار منه، فقد ظهر حكمه مما تقدم.
(مسألة 1006): لو كان للحر عبدان قتل أحدهما الآخر، خير المولى بين
قتل القاتل والعفو عنه.
340

(مسألة 1007): لو قتل حر حرين فصاعدا فليس لأوليائهما إلا قتله، و
ليس لهم مطالبته بالدية إلا إذا رضي القاتل بذلك، نعم لو قتله ولي أحد المقتولين
، فالظاهر جواز أخذ الآخر الدية من ماله.
(مسألة 1008): لو قتل عبد حرين معا، ثبت لأولياء كل منهما حق
الاقتصاص مستقلا، فلا يتوقف على اذن الآخر، نعم لو بادر أحدهما واسترقه
جاز للآخر أيضا ذلك، ولكنهما يصبحان شريكين فيه، وإذا قتل أحدهما و
استرقه أولياؤه ثم قتل الثاني، اختص العبد بأولياء الثاني، بمعنى أن لهم استرقاقه
وأخذه من أولياء الأول أو قتله.
(مسألة 1009): لو قتل عبد عبدين عمدا، جاز لمولى كل منهما الاقتصاص
منه، وأما استرقاقه فيتوقف على رضى مولى القاتل، فلو سبق أحدهما
بالاقتصاص، سقط حق الآخر بسقوط موضوعه، ولو رضى المولى باسترقاقه -
فعندئذ - إن اختار أحدهما استرقاقه واقتص الآخر، سقط حق الأول، وإن
اختار الآخر الاسترقاق أيضا اشترك معه، ولا فرق في ذلك بين كون استرقاقه
في زمان استرقاق الأول أو بعده، كما لا فرق في ذلك بين قتله العبدين دفعة
واحدة، أو على نحو التعاقب، نعم إذا استرقه مولى الأول وبعد ذلك قتل الثاني،
كان مولى الثاني بالخيار بين قتله واسترقاقه مع رضى مولاه الثاني.
(مسألة 1010): لو قتل عبد عبدا لشخصين عمدا، اشتركا في القود و
الاسترقاق، فكما أن لهما قتله، فكذلك لهما استرقاقه بالتراضي مع مولى القاتل،
ولو طلب أحدهما من المولى ما يستحقه من القيمة فدفعه إليه، سقط حقه عن
رقبته ولم يسقط حق الآخر، فله قتله بعد رد نصف قيمته إلى
341

مولاه.
(مسألة 1011): لو قتل عبدان أو أكثر عبدا عمدا، فلمولى المقتول قتل
الجميع، كما أن له قتل البعض، ولكن إذا قتل الجميع، فعليه أن يرد ما فضل عن
جناية كل واحد منهم إلى مولاه، وله ترك قتلهم ومطالبة الدية من مواليهم، و
هم مخيرون بين فك رقاب عبيدهم بدفع قيمة العبد المقتول، وبين تسليم القتلة
إلى مولى المقتول ليستوفي حقه منهم ولو كان باسترقاقهم، لكن يجب عليه رد
الزائد على مقدار جنايتهم على مواليهم.
(مسألة 1012): لو قتل العبد حرا عمدا، ثم أعتقه مولاه، فهل يصح العتق؟
فيه قولان: الأظهر الصحة، وأما بيعه أو هبته، فالظاهر أنه لا ينبغي الاشكال في
صحته، وان قيل بالبطلان فيه أيضا.
(مسألة 1013): لو قتل العبد حرا خطأ، ثم اعتقه مولاه، صح والزم مولاه
بالدية.
الشرط الثاني: التساوي في الدين
فلا يقتل المسلم بقتله كافرا، ذميا كان أو مستأنفا، أو حربيا، كان قتله
سائغا، أم لم يكن، نعم إذا لم يكن القتل سائغا، عزره الحاكم حسبما يراه من
المصلحة، وفي قتل الذمي من النصارى واليهود والمجوس، يغرم الدية كما سيأتي
، هذا مع عدم الاعتياد، وأما لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة، جاز لولي الذمي
المقتول قتله بعد رد فاضل ديته.
(مسألة 1014): يقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته إلى
342

أوليائه، وتقتل الذمية بالذمية وبالذمي، ولو قتل الذمي غيره من الكفار
المحقوني الدم، قتل به.
(مسألة 1015): لو قتل الذمي مسلما عمدا، دفع إلى أولياء المقتول، فان
شاءوا قتلوه، وان شاءوا عفوا عنه، وان شاءوا استرقوه، وإن كان معه مال دفع
إلى أولياء المقتول هو وماله، ولو أسلم الذمي قبل الاسترقاق، كانوا بالخيار بين
قتله والعفو عنه، وقبول الدية إذا رضي بها.
(مسألة 1016): لو قتل الكافر كافرا ثم أسلم، لم يقتل به، نعم تجب عليه
الدية ان كان المقتول ذا دية.
(مسألة 1017): لو قتل ولد الحلال ولد الزنا، قتل به.
(مسألة 1018): الضابط في ثبوت القصاص وعدمه إنما هو بحال المجني
عليه حال الجناية، إلا ما ثبت خلافه، فلو جنى مسلم على ذمي قاصدا قتله، أو
كانت الجناية قاتلة عادة، ثم أسلم فمات، فلا قصاص، وكذلك الحال فيما لو جنى
على عبد كذلك، ثم اعتق فمات، نعم تثبت عليه في الصورتين دية النفس كاملة.
(مسألة 1019): لو جنى الصبي بقتل أو بغيره، ثم بلغ لم يقتص منه، وانما
تثبت الدية على عاقلته.
(مسألة 1020): لو رمى سهما وقصد به ذميا أو كافرا حربيا أو مرتدا،
فأصابه بعد ما أسلم، فلا قود. نعم عليه الدية، وأما لو جرح حربيا أو مرتدا،
فأسلم المجني عليه، وسرت الجناية فمات، فهل عليه الدية أم لا؟ وجهان:
الظاهر هو الأول.
343

(مسألة 1021): لو رمى عبدا بسهم، فأعتق، ثم أصابه السهم فمات،
فلا قود ولكن عليه الدية.
(مسألة 1022): إذا قطع يد مسلم قاصدا به قتله ثم ارتد المجني عليه فمات،
فلا قود في النفس، لان المسلم لا يقتل بالكافر ولا دية للمرتد، وهل لولي
المقتول الاقتصاص من الجاني بقطع يده أم لا؟
والجواب: ليس له ذلك، على أساس ان حق الاقتصاص في الأطراف في
مفروض المسألة لم يثبت للمجروح ابتداء، لأنه ان لم يكن يرتد كان له حق
الاقتصاص في النفس فقط، باعتبار ان الأول داخل في الثاني، واما إذا ارتد
فلا يثبت له شيء منهما، اما حق الاقتصاص في النفس، فلان المسلم لا يقاد
بالكافر، واما حق الاقتصاص في الأطراف، فلانه منوط بان لا يؤدي الجرح إلى
الموت، وإلا فالثابت له حق الاقتصاص في النفس فحسب، وحيث أن جرحه
في المسألة يؤدي إلى موته وكان ذلك في حال ارتداده، فلا يثبت له هذا الحق
أيضا لكي ينتقل إلى ورثته بعد موته.
ولو ارتد ثم تاب وبعد ذلك مات، فهل يثبت عليه القود؟
والجواب: ان ثبوته غير بعيدة وان كان ارتداده فطريا، على أساس ما
ذكرناه من ان توبته تقبل في الواقع وانه بعد الرجوع إلى الاسلام أصبح مسلما، و
لا يذهب دم المسلم هدرا.
(مسألة 1023): لو قتل المرتد ذميا، فهل يقتل المرتد أم لا؟
وجهان: الأظهر أنه يقتل به، ولو عاد إلى الاسلام لم يقتل حتى وان كان
فطريا.
344

(مسألة 1024): لو جنى مسلم على ذمي قاصدا قتله، أو كانت الجناية
قاتلة عاده، ثم ارتد الجاني، وسرت الجناية فمات المجني عليه، قيل: إنه لا قود
عليه، لعدم التساوي حال الجناية والأظهر ثبوت القود.
(مسألة 1025): لو قتل ذمي مرتدا قتل به، وأما لو قتله مسلم فلا قود
عليه، لعدم الكفاءة في الدين، وأما الدية ففي ثبوتها قولان: الأظهر عدم ثبوتها
في قتل المسلم غير الذمي من اقسام الكفار.
(مسألة 1026): إذا كان على مسلم قصاص، فقتله غير الولي بدون اذنه،
ثبت عليه القود.
(مسألة 1027): لو وجب قتل شخص بزنا، أو لواط أو نحو ذلك غير سب
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقتله غير الامام (عليه السلام) أو نائبه، قيل انه لا قود ولا دية عليه، ولكن
الأظهر ثبوت القود أو الدية مع التراضي، على أساس ان هذا القتل بكيفية
خاصة من الامام (عليه السلام) في زمن الحضور مباشرة أو بالواسطة، ومن الفقيه الجامع
للشروط منها الأعلمية في زمن الغيبة عدل ومطلوب، ومن غيره في كلا الزمنين
ظلم، فإذا كان ظلما كان مشمولا لقوله تعالى
(ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).
(مسألة 1028): لا فرق في المسلم المجني عليه بين الأقارب والأجانب ولا
بين الوضيع والشريف، وهل يقتل البالغ بقتل الصبي؟ قيل، نعم وهو المشهور،
وفيه اشكال بل منع.
345

الشرط الثالث: ان لا يكون القاتل أبا للمقتول
فإنه لا يقتل بقتل ابنه، وعليه الدية ويعزر، وهل يشمل الحكم أب الأب
أم لا؟ وجهان، لا يبعد الشمول.
(مسألة 1029): لو قتل شخصا، وادعى أنه ابنه، لم تسمع دعواه ما لم تثبت
ببينة أو نحوها، فيجوز لولي المقتول الاقتصاص منه، وكذلك لو ادعاه اثنان، و
قتله أحدهما أو كلاهما، مع عدم العلم بصدق أحدهما، وأما إذا علم بصدق
أحدهما أو ثبت ذلك بدليل تعبدي ولم يمكن تعيينه، فلا يبعد الرجوع فيه إلى
القرعة.
(مسألة 1030): لو قتل الرجل زوجته، وكان له ولد منها، فهل يثبت حق
القصاص لولدها؟
والجواب: الظاهر عدم الثبوت وهو المشهور بين الأصحاب، على
أساس ان حق الاقتصاص في المسألة قد صار لولده من الزوجة المقتولة، ولا
يحق للولد ان يقتص من والده ولا ان يقيم عليه الحد، نعم لو كان لها ولد من غيره
، فهو وليها ويقوم بالاقتصاص منه، أو إذا لم يكن لها ولد لا منه ولا من غيره
ولكن لها أقرباء فهم أوليائهم، كما لو قذف الزوج زوجته الميتة ولا وارث لها الا
ولدها منه، فانه لا يقام عليه الحد، باعتبار ان حق الحد قد صار لولده منها.
(مسألة 1031): لو قتل أحد الأخوين أباهما، والآخر أمهما، فلكل واحد
منهما على الآخر القود، فان بدر أحدهما فاقتص، كان للوارث الآخر
الاقتصاص منه.
346

الشرط الرابع: ان يكون القاتل عاقلا بالغا
فلو كان مجنونا لم يقتل، من دون فرق في ذلك بين كون المقتول عاقلا أو
مجنونا، نعم تحمل على عاقلته الدية، وكذلك الصبي لا يقتل بقتل غيره صبيا كان
أو بالغا، وتحمل على عاقلته الدية، والعبرة في عدم ثبوت القود بالجنون حال
القتل، فلو قتل وهو عاقل ثم جن لم يسقط عنه القود.
(مسألة 1032): لو اختلف الولي والجاني في البلوغ وعدمه حال الجناية،
كما إذا جنى في يوم الخميس، فادعى الولي ان الجناية كانت حال البلوغ، وانكره
الجاني، وادعى انه لم يبلغ بعد، كان القول قول الجاني مع يمينه، وعلى الولي
الاثبات، وكذلك الحال فيما إذا كان مجنونا ثم افاق، فادعى الولي ان الجناية كانت
حالا الإفاقة، وادعى الجاني انها كانت حال الجنون، فالقول قول الجاني مع
يمينه، نعم لو لم يكن الجاني مسبوقا بالجنون، فادعى انه كان مجنونا حال الجناية،
فعليه الاثبات، وإلا فالقول قول الولي مع يمينه، باعتبار ان قوله مطابق
لاستصحاب عدم الجنون.
(مسألة 1033): لو قتل العاقل مجنونا لم يقتل به، على أساس ما دل من انه
لا قود لمن لا يقاد منه، نعم عليه الدية ان كان القتل عمدا، أو شبه عمد، وكذلك،
وكذلك لو قتل الرجل صبيا أو صبية، فإنه لا يقاد منه تطبيقا لكبرى انه لا قود
لمن لا يقاد منه، وهل الامر كذلك إذا قتل صحيح العين الأعمى؟
والجواب: انه غير بعيد، على أساس ان الأعمى بما ممن لا يقاد منه على
الأظهر، فتكون المسألة من صغريات تلك الكبرى.
(مسألة 1034): لو أراد المجنون عاقلا فقتله العاقل دفاعا عن نفسه، أو
347

عما يتعلق، به فالمشهور ان دمه هدر، فلا قود ولا دية عليه، وقيل: ان
ديته من بيت مال المسلمين وهو الصحيح للنص.
(مسألة 1035): لو كان القاتل سكرانا، فهل عليه القود أم لا؟
قولان: نسب إلى المشهور الأول، وذهب جماعة إلى الثاني، ولكن لا يبعد
أن يقال: ان من شرب المسكر ان كان يعلم ان ذلك مما يؤدى إلى القتل نوعا، و
كان شربه في معرض ذلك، فعليه القود، وان لم يكن كذلك، بل كان القتل اتفاقيا
فلا قود، بل عليه الدية.
(مسألة 1036): إذا كان القاتل أعمى، فهل عليه القود أم لا؟
قولان: نسب إلى أكثر المتأخرين الأول، ولكن الأظهر عدمه، باعتبار ان
جناية الأعمى خطأ، فلا قود فيها وديتها على عاقلته، وان لم تكن له عاقله،
فالدية في ماله، وإلا فعلى الامام (عليه السلام).
الشرط الخامس: ان يكون المقتول محقون الدم
فلا قود في القتل السائغ شرعا، كقتل ساب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين
(عليهم السلام) وقتل المرتد الفطري ولو بعد توبته والمحارب والمهاجم القاصد للنفس أو
العرض أو المال، وكذا من يقتل بقصاص أو حد، وغير ذلك، والضابط في جميع
ذلك هو كون القتل سائغا للقاتل.
(مسألة 1037): ان من رأى رجلا يزني بزوجته وهي مطاوعة، فهل يجوز
ان يقتل الرجل؟
والجواب: انه لا يخلو عن اشكال بل منع، الا إذا كان ذلك بعنوان
348

الدفاع عن العرض، كما إذا كان الدفاع عنه متوقفا على قتله ولا يمكن بدونه،
فعندئذ يجوز، وقد تسأل هل يجوز له ان يقتل زوجته في هذه الحالة؟
والجواب: ان المشهور وان كان الجواز، الا انه لا يمكن اتمامه بدليل،
فالأقرب عدمه، وقد تسأل انه إذا قتل الزوج الرجل الزاني أو زوجته في تلك
الحالة، فهل عليه القود، المعروف والمشهور انه لا قود عليه، ولكنه لا يخلو عن
اشكال بل لا يبعد، على أساس انه قتل متعمد وبدون مسوغ شرعي، وقد تقدم
ان قتل الزاني أو الزانية من الامام (عليه السلام) أو نائبه عدل ومطلوب إذا وجب، واما
من غيره، فهو ظلم وتعد، فلذلك يترتب عليه القصاص.
فصل في دعوى القتل وما يثبت به
(مسألة 1038): يشترط في المدعي: العقل، والبلوغ، وقيل يعتبر فيه
الرشد أيضا والأظهر عدم اعتباره. ويشترط في المدعي عليه امكان صدور
القتل منه، فلو ادعاه على غائب لا يمكن صدور القتل منه عادة لم تقبل،
وكذا لو ادعاه على جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل واحد عادة كأهل البلد
- مثلا -.
(مسألة 1039): لو ادعى على شخص أنه قتل أباه - مثلا - مع جماعة
لا يعرفهم، سمعت دعواه، فإذا ثبت شرعا، كان لولي المقتول قتل المدعي
عليه، ولأولياء الجاني بعد القود الرجوع إلى الباقين بما يخصهم من الدية، فان لم
يعلموا عددهم رجعوا إلى المعلومين منهم، وعليهم أن يؤدوا ما يختصهم من
349

الدية.
(مسألة 1040): لو ادعى القتل ولم يبين أنه كان عمدا أو خطأ، فهذا يتصور
على وجهين:
الأول: ان يكون عدم بيانه لمانع خارجي لا لجهله بخصوصياته - فحينئذ -
يستفصل القاضي منه.
الثاني: أن يكون عدم بيانه لجهله بالحال، وأنه لا يدري ان القتل الواقع
كان عمدا أو خطأ، وهذا أيضا يتصور على وجهين: فإنه (تارة) يدعي ان القاتل
كان قاصد الذات الفعل الذي لا يترتب عليه القتل عادة، ولكنه لا يدري انه كان
قاصدا للقتل أيضا أم لا؟ فهذا يدخل تحت دعوى القتل الشبيه بالعمد، و
(أخرى) لا يدعي انه كان قاصدا لذات الفعل لاحتمال انه كان قاصدا أمرا آخر،
ولكنه أصاب المقتول إتفاقا - فعندئذ - يدخل ذلك تحت دعوى القتل الخطائي
المحض، وعلى كلا الفرضين تثبت الدية ان ثبت ما يدعيه، ولكنها في الفرض
الأول على القاتل نفسه، وفي الفرض الثاني تحمل على عاقلته.
(مسألة 1041): لو ادعى على شخص انه القاتل منفردا، ثم ادعى على آخر
أنه القاتل كذلك، أو انه كان شريكا مع غيره فيه، لم تسمع الدعوى الثانية، من
جهة انه قد اعترف أولا بعدم كون الثاني قاتلا لا منفردا ولا مشتركا، بل لا يبعد
سقوط الدعوى الأولى أيضا، باعتبار انه بالدعوى الثانية فقد كذب نفسه
بالنسبة إلى الدعوى الأولى، فبالنتيجة سقوط كلا الدعويين عن الاعتبار.
(مسألة 1042): لو ادعى القتل العمدي على أحد وفسره بالخطأ، فان
350

احتمل في حقه عدم معرفته بمفهوم العمد والخطأ، سمعت دعواه وهي
القتل الخطائي، لان الدعوى الأولى بما انها ناشئة عن الجهل بمفهوم العمد والخطأ
فلا تكذب الدعوى الثانية وهي دعوى القتل الخطائي، وان لم يحتمل ذلك،
سقطت الدعوى عن أصلها، على أساس ان كلا من الدعويين حينئذ تكذب
الأخرى، وكذلك الحال فيما لو ادعى القتل الخطائي وفسره بالعمد.
(مسألة 1043): يثبت القتل بأمور:
الاول: الإقرار
وتكفي فيه مرة واحدة، ويعتبر في المقر البلوغ، وكمال العقل والاختيار و
الحرية على تفصيل فيه، فإذا أقر بالقتل العمدي ثبت القود، وإذا أقر بالقتل
الخطائي ثبتت الدية في ماله لا على العاقلة، وأما المحجور عليه لفلس أو سفه،
فيقبل اقراره بالقتل عمدا فيثبت عليه القود. وإذا أقر المفلس بالقتل الخطائي،
ثبتت الدية في ذمته وحينئذ فهل لولي المقتول ان يشارك الغرماء؟
والجواب: المشهور انه لا يشاركهم إذا لم يصدقوه، ولكنه لا يخلو عن
اشكال وتأمل، بل لا يبعد المشاركة، ودعوى ان أمواله بما انها أصبحت متعلقة
لحق الغرماء، فلا يكون اقراره بالنسبة إليهم نافذا، لأنه اقرار في حق الغير،
مدفوعه بان معنى الحجر ليس كون أمواله متعلقة لحق الغرماء، بحيث يكون
التصرف فيها تصرف في متعلق حقهم، بل معناه انه ممنوع من التصرف فيها
بالبيع والشراء والنقل والانتقال، وملزم بأمر الحاكم الشرعي بتقسيمها بينهم
بنسبة حصصهم، وعند الامتناع قام الحاكم مقامه في ذلك، وعلى هذا
351

فاقرار المفلس بالقتل الخطائي لا يمس بحق هؤلاء الغرماء ولا يوجب
تفويته، وبكلمة ان حكم الحاكم بحجر المفلس ومنعه عن التصرف في أمواله،
انما هو بدافع مصلحة الغرماء، لا بملاك انها أصبحت متعلقة لحقهم، والفرق بين
الأمرين واضح، فعلى الأول لا مانع من نفوذ اقراره بالقتل الخطائي أو الشبيه
بالعمد أو الدين بالنسبة إلى هؤلاء، على أساس انه لا يؤدي إلى تفويت حق لهم،
وعلى الثاني فلا يكون نافذا عليهم، لأنه يؤدي إلى تفويت حقهم بها.
(مسألة 1044): لو أقر أحد بقتل شخص عمدا، وأقر آخر بقتله خطأ،
فهل لولي المقتول الأخذ بأحد الإقرارين على نحو التمييز بعد ما لا يمكن الاخذ
بكليهما معا، وإذا أخذه تعين العمل به، ولا يكون له سبيل على الآخر؟
والجواب: الظاهر انه لا يمكن، وذلك لان الاقرارين من جهة العلم
الإجمالي بكذب أحدهما في الواقع متعارضان ومتكاذبان، فلا يمكن شمول دليل
الحجية لهما معا، وشموله لأحدهما المعين دون الآخر ترجيح من غير مرجح، و
شموله لكل منهما مشروطا بعدم الأخذ بالآخر لتكون نتيجته التخيير، فلا يمكن
أيضا لاستلزام ذلك اتصاف كل منهما بالحجية عند عدم الأخذ بهما معا، فإذا يعود
محذور التعبد بالمتعارضين على تفصيل ذكرناه في محله، وعليه فلا يكون شيء
من الاقرارين حجة لا تعيينا ولا تخييرا، نعم لو علم في هذه الحالة بصدق
أحدهما في الواقع، فهل تكون وظيفته حينئذ الرجوع إلى القرعة أو التخيير؟
والجواب: ان وظيفته الرجوع إلى القرعة وتعيين القاتل بها دون التخيير.
(مسألة 1045): لو أقر أحد بقتل شخص عمدا، وأقر آخر انه هو الذي
352

قتله، فالمشهور أنه يدرأ عنهما القصاص والدية، وتؤخذ الدية من بيت
مال المسلمين وهذا هو الأقرب، اما الأول فلان الاقرارين من جهة العلم
الاجمالي بكذب أحدهما في الواقع قد سقطا عن الاعتبار من جهة المعارضة كما
هو الحال في المسألة السابقة، فلا فرق بين المسألتين من هذه الناحية، وفي هذه
الحالة لم يثبت كون القاتل المقر الأول ولا المقر الثاني، فلا يكون موضوع حينئذ
للقصاص ولا للدية، ولا فرق في ذلك بين رجوع الأول عن اقراره بعد اقرار
الثاني وعدم رجوعه، حيث لا قيمة للرجوع بعد الاقرار. واما الثاني فلان دم
المسلم لا يذهب هدرا. نعم إذا علم بصدق أحدهما في الواقع، فالمرجع في تعيين
القاتل حينئذ في المسألة هو القرعة، كما كان الأمر كذلك في المسألة السابقة.
الثاني: البينة
وهي ان يشهد رجلان بالغان عاقلان عدلان بالقتل.
(مسألة 1046): لا يثبت القتل بشاهد وامرأتين، ولا بشهادة النساء
منفردات، ولا بشاهد ويمين. وهل يثبت ربع الدية بشهادة امرأة واحدة، و
نصفها بشهادة امرأتين، وثلاثة أرباعها بشاهدة ثلاث نسوة، وتمامها بشهادة
اربع نسوة؟
والجواب: الأقرب عدم الثبوت، لان الثبوت كذلك مختص بباب الوصية
كما تقدم، حيث يثبت ربعها بشهادة امرأة واحدة ونصفها بشهادة امرأتين و
هكذا، والتعدي عن ذلك الباب إلى سائر الأبواب بحاجة إلى قرينة ولا توجد
قرينة على ذلك.
353

(مسألة 1047): لو شهد شاهدان بما يكون سببا للموت عادة، وادعى
الجاني أن موته لم يكن مستندا إلى جنايته، قبل قوله مع يمينه.
(مسألة 1048): يعتبر في قبول شهادة الشاهدين من توارد شهادتهما على
أمر واحد، فلو اختلفا في ذلك لم تقبل، كما إذا شهد أحدهما أنه قتل في الليل، و
شهد الآخر انه قتل في النهار، أو شهد أحدهما انه قتله في مكان والآخر شهد
بأنه قتل في مكان آخر وهكذا.
(مسألة 1049): لو شهد أحدهما بالقتل، وشهد الآخر باقراره به، لم يثبت
القتل.
(مسألة 1050): لو شهد أحدهما بالاقرار بالقتل من دون تعيين العمد و
الخطأ، وشهد الآخر بالإقرار به عمدا، فهل يثبت الاقرار بالقتل؟
والجواب: ان الثبوت لا يخلو عن اشكال بل منع، وذلك لأن من شروط
قبول الشهادة كما مر ورودها على شيء واحد، وحيث انها في المسألة لم ترد على
شيء واحد، فلا تكون حجة، فان أحد الشاهدين قد شهد على الإقرار بالجمع
بين القتل العمدي والقتل الخطائي، والآخر قد شهد على الاقرار بحصة خاصة
من القتل وهي القتل العمدي، فيكون مورد شهادة أحدهما غير مورد شهادة
الآخر فلم تردا على مورد واحد، ودعوى ان الشهادة على الاقرار بالحصة بما
انها تنحل إلى شهادتين: إحداهما على الاقرار بالجامع والأخرى على الاقرار
بالخصوصية، فيكون الجامع موردا لشهادة كلا الشاهدين معا، مدفوعة بان
انحلال الشهادة على الحصة إلى شهادتين انحلال عقلي بتحليل من العقل في عالم
الذهن على اثر انحلال متعلقها، وهو الحصة إلى جزئين عقليين هما: الجامع
المتمثل في الجنس والخصوصية المتمثلة
354

في الفصل ولا موطن لهما الا عالم الذهن، واما في عالم الخارج فالحصة
موجودة بوجود واحد، والشهادة المتعلقة بها شهادة واحدة في الخارج لفظا
ومعنى، ولا يعقل تعددها فيه، واما الشهادة التحليلية في عالم الذهن فلا قيمة
لها، حيث لا وجود لها الا الوجود التصوري الذهني.
ومثل ذلك ما لو شهد أحدهما بالقتل متعمدا وشهد الآخر بمطلق القتل،
فانه لا يثبت لا القتل المتعمد ولا مطلق القتل الجامع، باعتبار ان مورد شهادة
كل منهما غير مورد شهادة الآخر، وقد مر ان الشهادة على الحصة لا ترجع إلى
الشهادة على الجامع حتى تجتمعان على مورد واحد، وللولي في كلا الفرضين ان
يقوم باثبات القتل على المتهم منهما بالقسامة إذا كان هناك لوث على تفصيل
سوف نشير اليه.
(مسألة 1051): لو شهد أحدهما على القتل الجامع بين العمدي والخطائي
بدون التعيين، وشهد الآخر على حصة خاصة فيه وهي القتل العمدي، فقد مر
ان الشهادتين بما انهما لم تردا على مورد واحد لم يثبت القتل، لا القتل الجامع حتى
يكون مكلفا بالتعيين، ولا حصة خاصة منه، ولكن في هذه الحالة إذا انكر
المشهود عليه القتل العمدي، فيكون هذا اعترافا منه بالقتل الخطأي، وحينئذ
فالثابت عليه الدية دون القصاص، نعم لو ادعى الولي القتل العمدي عندئذ،
فعلية اثباته بالبينة.
(مسألة 1052): لو ادعى شخص القتل على شخصين، كانا عدلين في
نفسه أو بقطع النظر عن اتهامهما بالقتل، ثم أقام المدعي على ذلك بالبينة، وبعد
هذا شهد المشهود عليهما بان الشاهدين هما القاتلان له، وحينئذ فان لم
يصدقهما الولي فلا أثر لشهادتهما، باعتبار اتهامها بأنهما أرادا من وراء ذلك
355

دفع الضرر عن أنفسهما فلا تقبل شهادتهما، وللولي عندئذ الاقتصاص منهما أو
من أحدهما على تفصيل قد تقدم، وان صدقهما سقطت الدعوى رأسا، باعتبار
ان تصديق ولي المقتول شهادة المشهود عليهما وقبولها على الشاهدين ينافي
دعواه القتل أولا على المشهود عليهما ويكذبها، فبالنتيجة انه يكذب نفسه،
فلذلك تسقط بسقوط موضوعها.
(مسألة 1053): لو شهد شخصان لمن يرثانه بأن زيدا جرحه، وحينئذ
فان كانت الشهادة بعد الاندمال قبلت، وأما إذا كانت قبله، فقيل لا تقبل،
ولكن الأظهر القبول، ودعوى ان شهادتهما لو كانت قبل الاندمال كانت
موردا للتهمة، فلا تقبل، على أساس احتمال ان أداءها انما كانت من اجل الدية
لا لله تعالى، مدفوعة بان المانع عن قبول الشهادة أمران: أحدهما فسق
الشاهد وعدم عدالته، والآخر انطباق العناوين الخاصة عليه كالظنين و
المتهم والخائن ودافع المغرم والمريب والسائل بالكف، فان انطباقها عليه
مانع عن قبول شهادته، واما إذا كان عادلا ولا ينطبق عليه شيء من تلك
العناوين، فلا مانع من قبول شهادته كشهادة الرجل لزوجته وبالعكس، و
شهادة الأب لابنه أو لأخيه أو لسائر أقاربه أو العكس، ومجرد احتمال التهمة
فيها لا قيمة له بعد ما كانت الشهود عادلة، وقد تسأل انه ورد في بعض
الروايات عدم قبول شهادة المتهم؟
والجواب: ان المراد فيه في الرواية من لم تثبت عدالته، لا مجرد احتمال أن
شهادته من اجل كسب النفع لا لله.
(مسألة 1054): لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل، فان
كان المشهود به القتل عمدا أو شبه عمد قبلت، وطرحت شهادة الشاهدين،
356

وان كان المشهود به القتل خطأ، لم تقبل شهادتهما، على أساس ان شهادتهما من
شهادة دافع المغرم فلا تقبل.
(مسألة 1055): لو قامت بينة على ان زيدا قتل شخصا منفردا، وقامت
بينة أخرى على ان القاتل غيره، سقط القصاص عنهما جزما، وكذا الدية، وقيل
وجبت الدية عليهما نصفين، وفيه اشكال بل منع.
(مسألة 1056): لو قامت بينة على ان شخصا قتل زيدا عمدا، وأقر آخر
انه هو الذي قتله دون المشهود عليه وأنه بريء، واحتمل اشتراكهما في القتل،
كان للولي قتل المشهود عليه، وعلى المقرر رد نصف الدية إلى ولي المشهود عليه،
على أساس أن النص في المسألة يدل على أن الناتج من ضم الاقرار إلى البينة
اشتراك المقر والمشهود عليه في القتل حكما، وحينئذ فيجري عليهما حكم
الاشتراك فيه، غير ان الولي إذا اقتص من المقر فقط، فليس لورثته اخذ نصف
الدية من المشهود عليه، تطبيقا لقاعدة ان المقر يؤخذ بمقتضى اقراره، وهو انه
القاتل فحسب دون غيره، واما إذا اقتص من المشهود عليه، فعلى المقر ان يرد
نصف الدية إلى ورثته لمكان الاشتراك، وله قتلهما بعد أن يرد إلى ولي المشهود
عليه نصف ديته، ولو عفا عنهما ورضى بالدية كانت عليهما نصفين. وأما إذا علم
أن القاتل واحد، فالظاهر جواز قتل المقر، أو أخذ الدية منه بالتراضي دون
المشهود عليه، على أساس ان بناء العقلاء في أمثال المقام تقديم الاقرار على
البينة.
(مسألة 1057): لو ادعى الولي أن القتل الواقع في الخارج عمدي، و
أقام على ذلك شاهدا وامرأتين، ثم عفا عن حق الاقتصاص، قيل بعدم صحة
العفو، حيث أن حقه لم يثبت فيكون العفو عفوا عما لم يثبت، ولكن الظاهر هو
357

الصحة، باعتبار انه لو كان له حق في الواقع لسقط بعفوه وإن لم يثبت عند الحاكم
، ولو ثبت عنده بعد العفو لم يترتب عليه أثر.
الثالث: القسامة
(مسألة 1058): لو ادعى الولي القتل على واحد أو جماعة، فان أقام البينة
على مدعاه فهو. وإلا فان لم يكن هنا لوث، طولب المدعي عليه بالحلف، فان
حلف سقطت الدعوى، وإن لم يحلف كان له رد الحلف إلى المدعي، وان كان
هناك لوث طولب المدعي عليه بالبينة، فان أقامها على عدم القتل فهو، وإلا
فعلى المدعي الاتيان بقسامة خمسين رجلا لاثبات مدعاه، والا فعلى المدعي
عليه القسامة كذلك، فان أتى بها سقطت الدعوى، وإلا الزم الدعوى، ثم ان
القسامة لم تجعل في كل مورد من موارد دعوى الدم، وانما جعلت احتياطا للدماء
إذا كان المدعى عليه فاسقا وفاجرا ومتهما بالشر، وهذا هو معنى اللوث.
(مسألة 1059): إذا كان المدعي، أو المدعى عليه امرأة، فهل تثبت القسامة
؟ فيه وجهان، الأظهر هو الثبوت.
كمية القسامة
(مسألة 1060): في القتل العمدي خمسون يمينا، وفي الخطأ المحصن خمس و
عشرون يمينا، وقد تسأل ان القتل الشبيه بالعمد هل هو ملحق بالخطأ المحض؟
358

والجواب: نعم لأنه خطأ في الحقيقة، وعليه فان أقام المدعي خمسين
رجلا يقسمون فهو، وإلا فالمشهور تكرير الأيمان عليهم حتى يتم عدد القسامة،
وهو بعيد ولا يمكن إتمامه بدليل، وحينئذ فعلى المدعى عليه المتهم بالقتل ان
يحلف خمسين يمينا بالله ما قتلناه، ولا علمنا له قاتلا فان كان المدعى عليه واحدا
أو متعددا ولكن أقل من عدد القسامة، كرر الحلف إلى خمسين يمينا، وإن كان
عدده بقدر عدد القسامة، حلف كلهم، فان فعل ذلك فالدية على القرية التي
وجد القتيل فيها، وإن وجد في ارض فلاة أو سوق أو غير ذلك، فديته من بيت
المال، ومن هنا يختلف المدعي عن المدعي عليه، فان المدعي إذا لم يتمكن من
إقامة خمسين رجلا يقسمون على إثبات ما ادعاه، لم يكف تكرار حلفه إلى
خمسين يمينا.
(مسألة 1061): إذا كان المدعون جماعة أقل من عدد القسامة، فقد مر ان
الأظهر انه لا قسامة عليهم، بل هي على المدعي عليه.
(مسألة 1062): المشهور ان المدعي عليه إذا كان واحدا، حلف هو و
أحضر من قومه ما يكمل عدد القسامة، فإن لم يكمل كررت عليهم الأيمان حتى
يكمل عددها، وهذا هو الأظهر، وأما إذا كان أكثر من واحد، بمعنى ان الدعوى
كانت متوجهة إلى كل واحد منهم، فعلى كل واحد منهم قسامة خمسين رجلا.
(مسألة 1063): إذا لم تكن بينة للمدعي ولا للمدعي عليه ولم يحلف
المدعي، وحلف المدعي عليه، سقطت الدعوى، ولا شيء على المدعي عليه، و
تعطي الدية لورثة المقتول من بيت المال.
(مسألة 1064): القسامة كما تثبت بها الدعوى في قتل النفس، كذلك
359

تثبت بها في الجروح بالإضافة إلى الدية، وفي عددها في الجروح خلاف.
قيل خمسون يمينا ان بلغت الجناية فيها الدية كاملة، وإلا فبحسابها، وقيل ستة
أيمان فيما بلغت ديته دية النفس، وما كان دون ذلك فبحسابه، وهذا القول هو
الصحيح.
(مسألة 1065): إذا كان القتيل كافرا، فادعى وليه القتل على المسلم، ولم
تكن له بينة، فهل تثبت القسامة حينئذ؟ وجهان قيل: تقبل وهو لا يخلو من
اشكال بل منع، لاختصاص جعل القسامة بما إذا كان القتيل مسلما.
(مسألة 1066): إذا قتل رجل في قرية، أو في قريب منها، أغرم أهل تلك
القرية الدية، إذا لم توجد بينة على أهل تلك القرية انهم ما قتلوه، وإذا وجد بين
قريتين، ضمنت الأقرب منهما.
(مسألة 1067): إذا وجد قتيل في زحام الناس، أو على قنطرة، أو بئر، أو
جسر، أو مصنع، أو في شارع عام، أو جامع، أو فلاة أو ما شاكل ذلك، و
الضابط أن لا يكون مما يستند القتل فيه إلى شخص خاص، أو جماعة معينة، أو
قرية معلومة، فديته من بيت مال المسلمين.
(مسألة 1068): يعتبر في اليمين أن تكون مطابقة للدعوى، فلو ادعى القتل
العمدي وحلف على القتل الخطأي، فلا أثر له.
(مسألة 1069): لو ادعى أن أحد هذين الشخصين قاتل ولكنه لا يعلم به
تفصيلا، فله أن يطالب كلا منهما بالبينة على عدم كونه قاتلا، إذا كان هناك لوث
فيهما، فان أقام كل منهما البينة على ذلك فهو، وان لم تكن لهما بينة، فعلى المدعي
القسامة، وان لم يأت بها فعليهما القسامة، وإن نكلا ثبتت الدية دون القود، على
أساس ان القاتل في الواقع أحدهما لا كليهما معا.
360

(مسألة 1070): لو ادعى القتل على اثنين بنحو الاشتراك ولم تكن له بينة،
فله أن يطالبهما بالبينة مع اللوث، فان أقاما البينة على عدم صدور القتل منهما
فهو، وإلا فعلى المدعي الاتيان بالقسامة، فان أتى بها على أحدهما دون الآخر،
فله قتله بعد رد نصف الدية إلى أوليائه، كما ان له العفو وأخذ نصف الدية منه، و
إن أتى بها على كليهما، فله قتلهما بعد أن يرد إلى أولياء كل منهما نصف الدية، كما
ان له مطالبة الدية منهما، وان نكل فالقسامة عليهما، فان أتيا بها سقط عنهما
القصاص والدية، وان أتى بها أحدهما سقط عنه ذلك، وللولي ان يقتل الآخر
بعد رد نصف ديته إلى أوليائه، وله أن يعفو عنه ويأخذ نصف الدية، وان نكلا
معا، كان للولي قتلهما معا بعد رد نصف دية كل منهما إلى أوليائه، أو مطالبة الدية
منهما.
(مسألة 1071): لو ادعى القتل على اثنين، وكان في أحدهما لوث، فعلى
المدعي إقامة البينة بالإضافة إلى من ليس فيه لوث، وإن لم يقم، فعلى المنكر
اليمين، واما بالإضافة إلى من فيه لوث، فالحكم فيه كما سبق.
(مسألة 1072): لو كان للمقتول وليان وكان أحدهما غائبا، فادعى
الحاضر على شخص أنه القاتل، فان كان فيه لوث فعليه البينة، فان أقامها،
فهو وإلا فعلى المدعي القسامة، فان جاء بها، ثبت حقه، ولو حضر الغائب،
فان لم يدع شيئا انحصر الحق بالحاضر، وإن ادعى مع اللوث، فان لم يقم
المدعى عليه البينة، كان عليه القسامة بمقدار حصته، ولا فرق في ذلك بين
كون الدعوى القتل العمدي، أو الخطأي، وكذلك الحال إذا كان أحد الوليين
صغيرا وادعى الكبير على شخص انه القاتل، فان الصغير إذا بلغ ولم يدع
شيئا، كان الحق منحصرا بالكبير، وان ادعى مع اللوث، كان عليه القسامة
361

بمقدار حصته.
(مسألة 1073): إذا كان للقتيل وليان، وادعى أحدهما القتل على شخص،
وكذبه الآخر، بان ادعى ان القاتل غيره، أو انه اقتصر على نفي القتل عنه، لم
يقدح هذا في دعوى الأول، ويمكنه اثبات حقه بالقسامة، إذا لم تكن للمدعي
عليه بينة على عدم كونه قاتلا، هذا إذا لم يكن تكذيب الآخر أو نفي كونه قاتلا
موجبا لإزالة اللوث عنه، وإلا فلا قسامة.
(مسألة 1074): إذا مات الولي قام وارثه مقامه، ولو مات أثناء الأيمان كان
على الوارث ان يأتي بالقسامة مستأنفة، فلا اعتداد بالايمان الماضية.
(مسألة 1075): لو حلف المدعي على ان القاتل زيد، ثم اعترف آخر بأنه
القاتل منفردا، فإذا صدق المدعي المقر في اقراره، فهل هو مخير بين البقاء على
مقتضى القسامة أو العمل على مقتضى الاقرار فيه وجهان، فذهب الشيخ في
الخلاف إلى الأول حتى ولو كان الاقرار قبل استيفاء الحق من المدعي عليه،
ولكنه لا وجه له، فإنه إذا صدق المدعي المقر، سقطت دعواه الأولى أيضا.
(مسألة 1076): إذا حلف المدعي واستوفى حقه عن الدية ثم قامت البينة
على ان المدعي عليه كان غائبا حين القتل، أو كان مريضا أو نحو ذلك مما
لا يتمكن معه من القتل، بطلت القسامة وردت الدية، على أساس تقدم البينة
على الحلف، وكذلك الحال فيما إذا اقتص منه، فان ديته تؤخذ منه.
(مسألة 1077): لو أتهم رجل بالقتل، فهل يحبس فترة زمنية محددة إلى
أن يجيء أولياء المقتول مما يثبت به القتل أو لا، فيه قولان: فذهب جماعة إلى
انه يحبس ستة أيام، فان جاء أولياء المقتول في تلك المدة بما يثبت به القتل
كالبينة فهو وإلا خلى سبيله، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد عدم
362

جوازه، الا إذا رأى الحاكم الشرعي مصلحة فيه.
فصل في أحكام القصاص
(مسألة 1078): الثابت في القتل العمدي لولي المقتول، هل هو الولاية على
القصاص فقط أو على الجامع بينه وبين الدية؟
والجواب: ان الثابت له فيه الولاية على القصاص الا في صورة واحدة، و
هي ما إذا قتل رجل امرأة، فان في هذه الصورة يتخير ولي المقتول بين
القصاص والمطالبة بالدية، واما فيما عداها فالثابت له الولاية على القصاص
فحسب، واما الدية فهي بديلة له في حالتين:
1 - حالة تعذر القصاص وعدم امكانه لسبب أو آخر.
2 - حالة التراضي بها بين الولي والقاتل، فإذا طالب الولي القاتل بالدية و
رض بها، سقط عنه القصاص وتثبت الدية. ويجوز لهما التراضي على أقل من
الدية، أو على أكثر منها، نعم إذا كان الاقتصاص يستدعي الرد من الولي، كما إذا
قتل رجل امرأة، كان ولي المقتول مخيرا بين القتل ومطالبة الدية.
(مسألة 1079): لو تعذر القصاص لهرب القاتل، أو موته، أو كان ممن
لا يمكن الاقتصاص منه لمانع خارجي، انتقل الأمر إلى الدية، فان كان للقاتل
مال، فالدية في ماله، وإلا أخذت من الأقرب فالأقرب إليه، وان لم يكن أدى
الامام (عليه السلام) الدية من بيت المال.
363

(مسألة 1080): لو أراد أولياء المقتول القصاص من القاتل فخلصه قوم من
أيديهم، حبس المخلص حتى يتمكن من القاتل، فان مات القاتل أو لم يقدر عليه،
فالدية على المخلص.
(مسألة 1081): يتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج، و
من يتقرب بالأم، وأما النساء فليس لهن عفو ولا قود.
(مسألة 1082): إذا كان ولي المقتول واحدا، جازت له المبادرة إلى
القصاص، والأولى الاستئذان من الامام (عليه السلام) ولا سيما في قصاص الأطراف.
(مسألة 1083): إذا كان للمقتول أولياء متعددون، فهل يثبت حق
الاقتصاص من القاتل لكل واحد منهم مستقلا أو هم مشتركون في حق واحد؟
والجواب: الظاهر هو الثاني دون الأول، بقرينة ما ورد في جملة من
الروايات، من انه إذا عفى بعض أولياء المقتول عن القاتل دون جميعهم، درئ عنه
القتل وطرح عنه الدية بقدر حصة من عفا، فإذا كانت الأولياء متمثلة في ثلاثة
مثلا سقط عنه الدية بنسبة الثلث وهي حصته، والثلثان الباقيان من أموال
القاتل إلى الذين لم يعفو، باعتبار تعذر القصاص وامتناعه بالنسبة إليهم، وقد مر
انه في هذه الحالة ينتقل الامر إلى بديلة وهو الدية، ومن الواضح ان هذا يدل
على اشتراكهم في حق الاقتصاص وعدم ثبوته لكل واحد منهم مستقلا، وإلا
فلا معنى لسقوطه عن الكل باعفاء البعض، هذا من جانب ومن جانب آخر ما
ورد في بعض الروايات، من انه إذا اقتص بعض الأولياء من القاتل ضمن حصته
الآخرين من الدية، وحينئذ فان طالبوه بها فعليه دفعها إليهم، وان عفو فعليه
دفعها إلى ورثة الجاني، وهذا يدل بوضوح
364

على انه مشترك بينهم، وإلا فالضمان يكون على خلاف القاعدة، وقد
تسأل ان حق الاقتصاص إذا كان مشتركا بين جميع الأولياء فنتيجته عدم جواز
اعمال كل واحد منهم هذا الحق بدون إذن الآخرين، فلو اقتص واحد منهم من
القاتل بدون اذن الباقين لكان ظلما، ولا يبعد استحقاقه القصاص باعتبار انه
قتل بدون مبرر؟
والجواب: ان مقتضى القاعدة وان كان كذلك، الا ان المستفاد من
النصوص جواز ذلك مع ضمان حق الآخرين، ونظير ذلك ما إذا تعدد القاتل،
فإنه يجوز لولي المقتول ان يقتل الجميع قصاصا مع ضمان دية كل واحد منهم
بنسبة خاصة، على أساس ان استحقاق الكل للقتل انما هو بنسبة معينه كالنصف
أو الثلث أو الربع أو الخمس وهكذا، وعلى ذلك فإذا كان القاتل لشخص واحد
متمثلا في اثنين وقتلهما معا قصاصا، ضمن لكل منهما نصف ديته، وإذا كان
متمثلا في ثلاثة وقتلهم جميعا كذلك، ضمن لكل واحد منهم ثلث ديته وهكذا.
(مسألة 1084): إذا كان المقتول مسلما ولم يكن له أولياء من المسلمين وكان
له أولياء من الذميين، عرض على قرابته من أهل بيته الاسلام، فمن أسلم فهو
وليه ويدفع القاتل اليه، فإن شاء قتل، وان شاء أخذ الدية، وان شاء عفا، وان
لم يسلم منهم أحد، فأمره إلى الامام (عليه السلام) فان شاء قتله، وان شاء أخذ الدية منه،
وليس له (عليه السلام) ان يعفو.
(مسألة 1085): لا تجوز مثلة القاتل عند الاقتصاص، والمشهور بين
الأصحاب انه لا يقتص إلا بالسيف، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد جواز
الاقتصاص بغيره من الآلات القاتلة.
365

(مسألة 1086): الاقتصاص حق ثابت للولي، وله أن يتولاه مباشرة، أو
بتسبيب غيره مجانا أو بأجرة.
(مسألة 1087): لو كان بعض أولياء المقتول حاضرا دون بعض، هل يجوز
له الاقتصاص من القاتل مع ضمان حصة الباقي من الدية؟
والجواب: انه يجوز كما مر، ولا يجب عليه ان ينتظر إلى حضوره أو يطلب
منه الدية، وكذلك الحال إذا كان بعضهم صغيرا.
(مسألة 1088): إذا كان ولي ميت صغيرا، أو مجنونا، وكان للولي ولي
كالأب أو الجد، أو الحاكم الشرعي، فهل لوليه الاقتصاص من القاتل أم لا؟
قولان: لا يبعد الجواز، ولا سيما إذا اقتضت المصلحة أخذ الدية من القاتل
، أو المصالحة معه في أخذ شيء.
(مسألة 1089): إذا كان للميت وليان، فان ادعى أحدهما أن شريكه عفا
عن القصاص على مال، أو مجانا، لم يجز له الاقتصاص من القاتل حينئذ،
ولا فرق في ذلك بين ان يصدقه شريكه في ذلك أولا، وهل تقبل دعواه ذلك على
الشريك؟
والجواب: لا تقبل الا بالبينة، لأنه اقرار في حق الغير فلا يكون نافذا.
(مسألة 1090): إذا كان ولي المقتول محجورا عليه لفلس، أو سفه، جاز
له الاقتصاص من القاتل، كما جاز له العفو عنه، ويجوز له أخذ الدية
بالتراضي.
(مسألة 1091): لو قتل شخص وعليه دين وليس له مال، فان أخذ
أولياؤه الدية من القاتل، وجب صرفها في ديون المقتول واخراج وصاياه
366

منها، وهل لهم الاقتصاص من دون ضمان ما عليه من الديون؟ فيه قولان
الأظهر هو الأول.
(مسألة 1092): إذا قتل شخص، وعليه دين، وليس له مال، فان كان قتله
خطأ، أو شبه عمد، فليس لأولياء المقتول عفو القاتل، أو عاقلته عن الدية، الا
مع أداء الدين أو ضمانه، وان كان القتل عمدا، فلأوليائه العفو عن القصاص و
الرضا بالدية، وليس لهم العفو عن القصاص بلا دية، فان فعلوا ذلك ضمنوا
الدية للغرماء. نعم إذا اقتصوا منه لم يضمنوا شيئا.
(مسألة 1093): إذا قتل واحد اثنين على التعاقب، أو دفعة واحدة، ثبت
لأولياء كل منهما القود، فان استوفى الجميع مباشرة أو تسبيبا فهو، وان رضى
أولياء أحد المقتولين بالدية وقبل القاتل، أو عفوا عن القصاص مجانا، لم يسقط
حق أولياء الآخر، فلهم الاقتصاص منه.
(مسألة 1094): لو وكل ولي المقتول من يستوفي القصاص ثم عزله قبل
الاستيفاء، فان كان الوكيل قد علم بانعزاله ومع ذلك أقدم على قتله فعليه القود،
وان لم يكن يعلم به فلا قصاص ولا دية، وأما لو عفا الموكل القاتل ولم يعلم به
الوكيل حتى استوفى، فعليه الدية ولكن يرجع بها إلى الموكل، وكذلك الحال فيما
إذا مات الموكل بعد التوكيل وقبل الاستيفاء.
(مسألة 1095): لا يقتص من المرأة الحامل حتى تضع، ولو كان حملها
حادثا بعد الجناية، أو كان الحمل عن زنا، ولو توقفت حياة الطفل على ارضاعها
إياه مدة، لزم تأخير القصاص إلى تلك المدة، ولو ادعت المرأة الحمل هل يقبل
قولها؟
والجواب: انه يقبل على المشهور، الا إذا كانت هناك أمارة على كذبها،
367

ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، وحينئذ فيجوز الاقتصاص منها، هذا إضافة
إلى ان الطريق إلى احراز حملها غير مسند إذ يمكن احرازه من طريق النساء
بالطرق التقليدية ومن طريق الأطباء بالطرق الحديثة المنظورة.
(مسألة 1096): لو قتلت المرأة قصاصا، فبانت حاملا، فلا شيء على
المقتص، نعم ان أوجب ذلك تلف الحمل ففيه الدية، وهي تحمل على العاقلة،
باعتبار ان تلف الحمل مستند إلى الخطأ، هذا شريطة ان يكون ذلك بعد ولوج
الروح فيه حتى يصدق عليه القتل، واما إذا كان قبله فبما انه لا يصدق عليه
عنوان القتل، فلا يكون مشمولا لدليل القتل الخطائي، وعليه فتكون ديته قبل
ولوج الروح على المقتص نفسه.
(مسألة 1097): لو قطع يد شخص، ثم قتل شخصا آخر، فهل تقطع يده
اولا ثم يقتص منه؟
والجواب: ان هذا هو المشهور بين الأصحاب توصلا إلى استيفاء كلا
الحقين معا وعدم جواز التفويت، ولكنه لا يخلو عن تأمل بل منع، إذ لا دليل
على تقييد ولاية أولياء المقتول وسلطنتهم بما بعد قطع اليد، نعم إذا أراد من
قطعت يده الاقتصاص من الجاني قبل قتله، لم تجز مزاحمته في ذلك، وإذا قتله
أولياء المقتول قبل قطع يده، فهل تثبت الدية في ماله أم لا؟ وجهان ولا يبعد
ثبوتها فيه، كما مر في قتل شخص اثنين، على أساس ان القصاص إذا تعذر
انتقل الامر إلى بديلة وهو الدية، ولا فرق فيه بين قصاص النفس وقصاص
الطرف.
(مسألة 1098): إذا قطع يد رجل ثم قتل شخصا آخر فاقتص منه بقطع
يده وبقتله، ثم سرت الجناية في المجني عليه فمات، وجبت الدية في مال
368

الجاني، ودعوى ان الواجب عليه نصف الدية، لان قصاص اليد منه بدل عن
النصف الاخر، مدفوعه بأنه لا دليل على ان القصاص بدل عن نصف الدية، وقد
تسأل ان من قطعت يده إذا أخذ دية يده من الجاني بالتراضي ثم مات بالسراية،
فهل على الجاني تمام الدية أو نصفها، بدعوى ان دية اليد تقع بدلا لا عن نصفها
الآخر؟
والجواب: الأقرب ان عليه تمام الدية، على أساس ان دية النفس مستندة
إلى القتل الشبيه بالعمد وهو القتل بالسراية، التي هي فعل الجاني بالواسطة لا
عن قصد، ودية اليد مستندة إلى التراضي بديلا عن القصاص، باعتبار ان قطع
اليد بفعل الجاني عن قصد وعمد مباشرة والمترتب عليه القصاص، فالنتيجة ان
الجنايتين مستندتان إلى فعلين لا إلى فعل واحد لكي تتداخل الديتان.
(مسألة 1099): إذا قطع يد شخص ثم اقتص المجني عليه من الجاني فسرت
الجنايتان فماتا، فقد تكون السراية في طرف المجني عليه أولا ثم في الجاني، و
اخرى تكون بالعكس، اما على الأول فالمشهور أن موت الجاني يقع قصاصا، و
على الثاني يكون هدرا ولكن في كليهما اشكال بل منع، اما في الأول فلما مر من ان
القتل المستند إلى السراية هنا ليس في حكم القتل العمدي، بل هو في حكم القتل
الشبيه بالعمد والثابت فيه الدية، واما في الثاني فلان موت الجاني بالسراية
ليس مضمونا، بلا فرق بين ان يكون بعد موت المجني عليه أو قبله، فالأظهر في
المقام التفصيل بين ما إذا كان كل من الجاني والمجني عليه قاصدا للقتل، أو كان
الجرح مما يقتل عادة، وبين ما إذا لم يكن كذلك، فعلى الثاني تثبت الدية في مال
الجاني للمجني عليه، وأما على
369

الأول ففيه حالات:
الأولى: ان يقصد الجاني بقطع يد المجني عليه قتله، أو كان يعلم بسبب
حالته الصحية وتدهورها انه قاتل له عادة، بينما ان المجني عليه لا يقصد بقطع يد
الجاني قصاصا قتله، أو كان يعلم بحسب حالته الصحيحة انه غير قاتل له عادة،
ففي هذه الحالة إذا مات المجني عليه قبل الجاني، كان لوليه الاقتصاص منه، واما
إذا مات الجاني بالسراية قبل الاقتصاص منه، فينتقل الامر إلى الدية، على
أساس ان الاقتصاص إذا لم يكن بسبب أو آخر كان المتعين الدية، لان دم المسلم
لا يذهب هدرا، ولا دية لموت الجاني بالسراية، على أساس انه مقتول
بالقصاص، ومن قتله القصاص فلا دية له.
الثانية: عكس الحالة الأولى تماما، ففي هذه الحالة إذا مات الجاني
بالسراية قبل المجني عليه، كان لوليه حق الاقتصاص منه، على أساس انه
قاتل له عمدا، فإذا اقتص منه فقد استوفى حقه ولا شيء على الجاني. نعم إذا
مات المجني عليه بالسراية لا بالاقتصاص قبل الجاني، كانت ديته في ماله
باعتبار ان موته مستند إلى جنايته، فيكون من القتل الشبيه بالعمد، وبعد
ذلك إذا مات الجاني كانت ديته في مال المجني عليه بملاك ان موته مستند اليه
عمدا.
الثالثة: ان يقصد كل من الجاني والمجني عليه قتل الآخر أو كان يعلم
ان الجناية كانت بما يوجب القتل عادة، ففي هذه الحالة إذا مات المجني عليه
قبل الجاني، كان لوليه حق الاقتصاص منه، فإذا اقتص منه فقد استوفى حقه
ولا شيء عليه، وإذا مات الجاني قبل المجني عليه، كان لوليه حق
الاقتصاص منه كذلك، واما إذا مات الجاني قبل الاقتصاص منه في الفرض
370

الأول أو مات المجني عليه قبل الاقتصاص في الفرض الثاني، كانت لكل منهما دية
في مال الآخر وتسقطان بالتهاتر.
(مسألة 1100): قد تسأل ان قطع يد الجاني أو رجله إذا فرض انه مؤدي
إلى موته عادة، بسبب حالته المرضية التي لا تتحمل مثل هذا الجرح، كما إذا كان
مصابا بالسكر أو غيره، فهل يجوز الاقتصاص منه في هذه الحالة؟
والجواب: لا يجوز وينتقل الامر حينئذ إلى الدية، واما إذا فرض انه
لا يؤدي إلى ذلك ولكنه يؤدي إلى توسعة الجرح وعمقه إلى مواضع أخرى
بالسراية ولا يندمل، اما أصلا أو إلى مدة طويلة، بحيث يكون تحمله عليه
عسريا، فهل يجوز الاقتصاص في هذه الحالة؟
والجواب: الأقرب الجواز، لاطلاق أدلة القصاص، ولكن مع هذا
فالأحوط والأجدر التراضي بينهما بالدية بدل القصاص.
(مسألة 1101): حق القصاص من الجاني انما يثبت للولي بعد موت المجني
عليه، فلو قتله قبل موته كان قتله ظلما وعدوانا، فيجوز لولي الجاني المقتول
الاقتصاص منه، كما أن له العفو والرضا بالدية، واما دية المجني عليه بعد موته
فهي من مال الجاني.
(مسألة 1102): لو قتل شخصا مقطوع اليد، قيل ان كانت يده قطعت في
جناية جناها، أو أنه أخذ ديتها من قاطعها، فعلى ولي المقتول ان أراد
الاقتصاص ان يرد دية يده اليه، وإلا فله قتله من غير رد، ولكن الأظهر عدم
الرد مطلقا لاطلاق النصوص.
(مسألة 1103): لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا، وظن أنه قتله
371

فتركه وبه رمق ثم برئ، قيل ليس للولي قتله حتى يقتص هو من الولي بمثل ما
فعله، ولكن الأظهر أن ما فعله الولي ان كان سائغا، كما إذا ضربه بالسيف مثلا في
عنقه فظن انه قتله فتركه، ولكنه لم يتحقق به القصاص، جاز له ضربه ثانيا
قصاصا، وان كان ما فعله غير سائغ، جاز للمضروب الاقتصاص منه بمثل ما
فعله.
فصل في قصاص الأطراف
(مسألة 1104): يثبت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمدا، وهي
تتحقق بالعمد إلى فعل ما يتلف به العضو عادة، أو بما يقصد به الاتلاف، وإن لم
يكن مما يتحقق به الاتلاف عادة.
(مسألة 1105): يشترط في جواز القصاص فيها، البلوغ، والعقل وأن لا
يكون الجاني والد المجني عليه. ويعتبر فيه أيضا أمران:
الأول: التساوي في الحرية والرقية، فلا يقتص من الحر بالعبد.
(مسألة 1106): لو جرح العبد حرا، كان للمجروح الاقتصاص منه، كما أن
له استرقاقه ان كان الجراحة تحيط برقبته، وإلا فليس له استرقاقه إذا لم يرض
مولاه، ولكن - عندئذ - ان افتداه مولاه وأدى دية الجرح فهو، وإلا كان للحر
المجروح من العبد بقدر دية جرحه، والباقي لمولاه، فيباع العبد ويأخذ المجروح
حقه، ويرد الباقي على المولى.
(مسألة 1107): إذا جنى حر على مملوك فلا قصاص وعليه قيمة
372

الجناية، فان كانت الجناية قطع يده - مثلا - وجب عليه نصف قيمته، وإن سرت
فمات المملوك فعليه تمام القيمة، ولو تحرر فسرت الجناية إلى نفسه، فمات بعد
تحرره فعلى الجاني دية الحر، ولمولاه قيمة الجناية من الدية والباقي لورثته، وان
كانت القيمة أكثر من دية ذلك العضو، فليس للمولى الا مقدار الدية دون قيمة
الجناية، وان كانت أقل فللمولى قيمة الجناية، هذا إذا لم تنقص قيمة الجناية
بالسراية، وأما إذا نقصت بها، كما لو قطع يد مملوك وقطع آخر يده الأخرى، و
قطع ثالث رجله، ثم سرى الجميع فمات، سقطت دية الأطراف ودخلت في دية
النفس، ففي هذه الصورة تنقص قيمة الجناية بالسراية من النصف إلى الثلث،
باعتبار ان المولى حينئذ يستحق تمام قيمة العبد، وبما انها توزع على اشخاص
ثلاثة نظرا إلى ان موته مستند إلى جناياتهم جميعا، فبطبيعة الحال تنقص قيمة
جناية كل واحد منهم من النصف إلى الثلث، وعندئذ فليس للمولى إلا ذلك
الناقص، وهو ثلث الدية،
ولا يلزم الجاني بأكثر منه.
(مسألة 1108): لو قطع حر يد عبد قاصدا قتله فاعتق، ثم جنى آخر عليه
كذلك فسرت الجنايتان فمات، فللمولى على الجاني الأول نصف قيمة العبد على
أن لا تجاوز نصف دية الحر، وعلى الجاني الثاني القود، فان اقتص منه، فعلى
المقتص أن يرد إلى ولي المقتص منه نصف دية الحر.
(مسألة 1109): لو قطع حر يد عبد، ثم قطع رجله بعد عتقه، كان عليه أن
يرد قيمة الجناية الأولى إلى مولاه، وأما بالإضافة إلى الجناية الثانية، فكان
للعبد المعتق الاقتصاص من الجاني بقطع رجله، وان عفا ورضي بالدية كانت له
، ولا صلة للمولى بها أصلا.
373

الثاني: التساوي في الدين. فلا يقتص من مسلم بكافر، فلو قطع المسلم
يد ذمي - مثلا - لم تقطع يده ولكن عليه دية يد الذمي.
(مسألة 1110): إذا جنت المرأة على الرجل، اقتص الرجل من المرأة من
دون أخذ شيء منها، وان جنى الرجل على المرأة اقتصت المرأة منه بعد رد
التفاوت إليه إذا بلغت دية الجناية الثلث وإلا فلا، فلو قطع الرجل إصبع امرأة،
جاز لها قطع إصبعه بدون رد شيء اليه، ولو قطع يدها، جاز لها قطع يده بعد رد
نصف دية يده اليه.
(مسألة 1111): المشهور اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في
الاقتصاص، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء وان بذل الجاني يده للقصاص. و
هو لا يخلو من اشكال بل لا يبعد عدمه، إذ لا دليل عليه ما عدا دعوى الاجماع
في المسألة، ولكن لا يمكن اثباتها بهذه الدعوى، وأما اليد الشلاء فتقطع باليد
الصحيحة بلا اشكال، إلا أن يحكم أهل الخبرة انها لا تنحسم، فعندئذ لا يجوز
قطعها وتؤخذ الدية كما مر.
(مسألة 1112): لو قطع يمين رجل، قطعت يمينه ان كانت له يمين، وان لم
تكن له يمين فهل تقطع يساره؟
والجواب: نعم على الأقرب، لصدق المماثلة عليهما عرفا عند نقد اليمنى، و
ان لم تكن له يسار فهل تقطع رجله ان كانت؟
والجواب: المشهور وان كان ذلك ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، لعدم
صدق المماثلة عليهما، وحينئذ فالأقرب الرجوع فيه إلى الدية.
(مسألة 1113): لو قطع أيدي جماعة على التعاقب، كان حكمه في
374

الاقتصاص وأخذ الدية حكم من قتل جماعة على التعاقب على تفصيل تقدم في
قصاص النفس.
(مسألة 1114): لو قطع اثنان يد شخص واحد، جاز له الاقتصاص منهما
بعد رد دية يد واحدة اليهما، وإذا اقتص من أحدهما رد الآخر نصف دية اليد إلى
المقتص منه، كما أن له مطالبة الدية منهما من الأول.
(مسألة 1115): يثبت القصاص في الشجاج، الشجة بالشجة، ويعتبر فيه
التساوي طولا وعرضا، وأما العمق فالعبرة فيه بحصول الاسم.
(مسألة 1116): يثبت القصاص في الجروح فيما إذا كان مضبوطا، بأن كان
القصاص بمقدار الجرح. واما إذا كان غير مضبوط وموجبا لتعرض النفس
للهلاك، أو زيادة في الجرح، أو تلف العضو، كالجائفة، والمأمومة، والهاشمة، و
المنقلة، ونحو ذلك، لم يجز وينتقل الأمر فيها إلى الدية الثابتة بأصل الشرع، أو
بالحكومة.
(مسألة 1117): يجوز الاقتصاص قبل الإندمال وان احتمل عدمه، و
على هذا فلو اقتص من الجاني ثم سرت الجناية فمات المجني عليه، كان لوليه
أخذ الدية من الجاني فيما إذا لم يكن القتل مقصودا، ولم تكن الجناية مما يقتل
غالبا، وإلا كان له قتل الجاني أو أخذ الدية منه، فان قتله كان عليه دية
جرحه.
(مسألة 1118): القصاص من الجاني في الجروح لابد ان يكون في حالة
كونه مستقرا وخاليا من الاضطراب وهادئا لسبب أو آخر، وكيفيته ان
يقاس محل الشجة طولا وعرضا بمقياس دقيق وبعد ذلك يقاس بنفس هذا
المقياس موضع الاقتصاص من الجاني طولا وعرضا ويعلم طرفاه ثم يشرع
375

في الاقتصاص من إحدى العلامتين إلى العلامة الأخرى بلا زيادة ونقيصة.
(مسألة 1119): يجب تأخير القصاص في الأطراف في شدة البرد أو الحر إذا
كان في معرض السراية، وإلا لم يجب.
(مسألة 1120): المشهور اعتبار كون آلة القصاص من الحديد ودليله غير
ظاهر، فالظاهر عدم الاعتبار وجواز الاقتصاص بأي آلة كانت.
(مسألة 1121): إذا كانت مساحة الجراحة في عضو المجني عليه تستوعب
عضو الجاني وتزيد عليه لصغره، لم يجز له أن يقتص من عضوه الآخر عوضا عن
الزائد، بل يجب عليه الاقتصار في القصاص على ما يتحمل ذلك العضو، وهل
يرجع في الزائد إلى الدية بالنسبة؟
والجواب: انه لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد عدم جوازه، وكذا الحال إذا
كان عضو المجني عليه صغيرا واستوعبته الجناية ولم تستوعب عضو الجاني،
فيقتصر في الاقتصاص على مقدار مساحة الجناية.
(مسألة 1122): لو قطع عضوا من شخص كالأذن، فاقتص المجني عليه من
الجاني، ثم ألصق المجني عليه عضوه المقطوع بمحله، فالتحم وبرئ جاز للجاني
ازالته، وكذلك الحال في العكس.
(مسألة 1123): لو قطعت أذن شخص - مثلا - ثم ألصقها المجني عليه قبل
الاقتصاص من الجاني والتحمت، فهل يسقط به حق الاقتصاص؟
المشهور عدم السقوط، ولكن الأظهر هو السقوط وانتقال الأمر إلى
الدية.
(مسألة 1124): لو قطع رجل أعور عين رجل صحيح، قلعت عينه
376

الأعور.
(مسألة 1125): لو قلع صحيح العينين الصحيحة من رجل أعور خلقة أو
بآفة، كان المجني عليه بالخيار بين قلع احدى عيني الصحيح وأخذ نصف الدية
منه، وبين العفو وأخذ تمام الدية، وأما لو كان أعور بجناية جان، فهل هو
كالأعور خلقة أو بآفة في الحكم؟
والجواب: لا يبعد وان كان الأحوط ان يكون اخذ نصف الدية منه أو
تمامها عند العفو بالتراضي.
(مسألة 1126): لو أذهب ضوء عين آخر دون الحدقة، كان للمجني عليه
الاقتصاص بمثل ذلك ان أمكن، وإلا انتقل الأمر إلى الدية.
(مسألة 1127): يثبت القصاص في الحاجبين واللحية وشعر الرأس، وما
شاكل ذلك.
(مسألة 1128): يثبت القصاص في قطع الذكر، ولا فرق فيه بين ذكر
الشاب والشيخ، والأغلف والمختون، وغير ذلك. والمشهور أنه لا فرق بين
الصغير والكبير وهو الأقرب، ودعوى انه لا قود لمن لا يقاد منه، وحيث
ان الصغير لا يقاد منه، فلا قود له لا في قتل نفسه ولا في قطع أطراف،
مدفوعة بان عمومه لقصاص الأطراف لا يخلو عن إشكال بل منع، والظاهر
اختصاصه بقصاص النفس، وشموله للأطراف بحاجة إلى قرينة ولا قرينة
عليه.
(مسألة 1129): ذهب جماعة إلى انه لا يقاد الصحيح بذكر العنين، وهو
لا يخلو من اشكال بل الظاهر ثبوت القصاص، وعدم الفرق بين الصحيح و
377

المعيب.
(مسألة 1130): يثبت القصاص في الخصيتين، وكذا في إحداهما، فان
قطعت اليمنى اقتص من اليمنى وان قطعت اليسرى فمن اليسرى.
(مسألة 1131): يثبت القصاص في قطع الشفرين، فان قطعت امرأة
الشفرين من امرأة أخرى، فلها الاقتصاص منها بالمثل، وكذلك الحال إذا قطعت
إحداهما، واما إذا قطعهما الرجل، فلا قصاص وتجب عليه ديتهما،
كما انها لو قطعت ذكر الرجل، فلا قصاص وعليها الدية، وقد تسأل ان
الرجل لو قطع فرج امرأته وامتنع عن الدية، وطالبت امرأته قطع ذكره،
فهل يقطع؟
والجواب: قد يقال كما قيل انه يقطع، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع،
إذ ليس لامرأته ان تطالب بذلك، بل لها المطالبة بالدية، فإذا امتنع عنها ترجع إلى
الحاكم الشرعي.
(مسألة 1132): لا يعتبر التساوي بين العضو المقطوع وعضو الجاني،
فيقطع العضو الصحيح بالمجذوم، وان سقط منه شيء وتناثر لحمه، والأنف
الشام بالعادم والاذن الصحيحة بصماء، والكبيرة بالصغيرة والصحيحة بالمثقوبة
أو المخرومة، وما شاكل ذلك.
(مسألة 1133): لو قطع بعض الأنف نسب المقطوع إلى أصله، ويؤخذ من
الجاني بحسابه، فان كان المقطوع نصف الأنف، قطع من الجاني
نصف انفه، وان كان اقل أو أكثر، فكذلك بالنسبة ان أمكن، وإلا
فالدية.
378

(مسألة 1134): يثبت القصاص في السن، فلو قلع سن شخص فله قلع
سنه، ولو عادت السن المقلوعة قبل القصاص اتفاقا كما كانت، فهل يكون له
القصاص أو الدية؟
فيه وجهان، الأقرب فيه القصاص على أساس انه هبة جديدة من الله
تعالى، فلا يسقط القصاص بذلك.
(مسألة 1135): لا قصاص في سن الصبي الذي لم يشعر إذا عادت وفيها
الدية واما إذا لم تعد أصلا، فهل فيها القصاص؟
والجواب: نعم على المشهور وهو الأقرب، ودعوى انه لا قصاص فيها
على أساس ما تقدم من انه لا قود لمن لا يقاد منه، مدفوعة بنفس
ما مر.
(مسألة 1136): لو اقتص المجني عليه من الجاني وقلع سنه ثم عادت،
فليس له قلعها مرة أخرى.
(مسألة 1137): المشهور اشتراط التساوي في المحل والموضع في قصاص
الأسنان، ولكنه لا يخلو من اشكال بل لا يبعد عدمه.
(مسألة 1138): لا تقلع السن الأصلية بالزائدة، نعم لا يبعد جواز قلع
الزائدة بالزائدة حتى مع تغاير المحلين، وكذلك الحال في الأصابع الأصلية و
الزائدة.
(مسألة 1139): كل عضو يقتص منه مع وجوده تؤخذ الدية بدله مع
فقده، فإذا قطع من له أصبع واحدة إصبعين من شخص، قطعت الإصبع
الواحدة قصاصا عن إحداهما وأخذت دية الأخرى، وكذلك الحال فيما إذا
379

قلع عين شخص من لا عين له.
(مسألة 1140): ذهب جماعة إلى أنه لو قطع كفا تامة من ليس له أصابع
أصلا، أو ليس له بعضها قطعت كفه، وهل اخذت فيه دية الناقص فيه اشكال،
والأقرب عدم جواز أخذ الدية، وأما إذا كان الناقص عضو المجني عليه، كما إذا
قطعت يده الناقصة إصبعا واحدة، أو أكثر، فهل له قطع يد الجاني الكاملة أم لا؟
فيه أقوال: الظاهر أن له القطع من دون وجوب رد شيء عليه.
(مسألة 1141): المشهور انه لو قطع إصبع شخص، وسرت الجناية إلى كفه
اتفاقا، ثبتت القصاص في الكف، وفيه اشكال، والأظهر عدم ثبوته، وانما له
قطع إصبع الجاني وأخذ دية الكف منه لما مر، من ان الجناية بالسراية إذا كانت
اتفاقية لا مقصودة من الجناية الشبيهة بالعمد لا من العمد والثابت فيها الدية
دون القصاص، نعم إذا كانت مقصودة أو كانت الجناية مما تسري وتؤدي إلى
جناية أخرى عادة، فليس له القصاص في الأصبع وأخذ دية الكف، بل هو
بالخيار بين القصاص في تمام الكف وبين العفو وأخذ الدية مع التراضي، كما هو
الحال فيما إذا سرت الجنابة وأدت إلى الموت، فان نفس هذا التفصيل موجودة
هناك.
(مسألة 1142): لو قطع يده من مفصل الكوع، ثبت القصاص، ولو قطع
معها بعض الذراع، فالمشهور انه يقتص من الكوع ويأخذ الدية من الزائد
حكومة، ولكن لا وجه له، بل الظاهر هو القصاص من بعض الذراع، باعتبار ان
الجناية واحدة وبما انها عمدية، فالثابت فيها القصاص ان أمكن، وإلا فالمتعين
هو الدية، كما انه لو قطع يده من المرفق اقتص منها، وليس له
380

الاقتصاص من الكوع، وأخذ الأرش في الزائد، وكذا الحال إذا قطعت
من فوق المرفق.
(مسألة 1143): لو كانت للقاطع إصبع زائدة، وللمقطوع كذلك ثبت
القصاص بل لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الزائدة في الجاني فقط، وأما إذا كانت في
المجني عليه فقط، فالمشهور ان له الاقتصاص، وأخذ دية الزائدة وهي ثلث دية
الأصلية. وفيه اشكال، والأقرب عدمه، على أساس ان الثابت انما هو قطع اليد
باليد، ومقتضى اطلاقه عدم الفرق بين اشتمال كلتا اليدين على الإصبع الزائدة أو
إحداهما دون الأخرى، كما ان مقتضاه عدم الفرق بين ان تكون الإصبع الزائدة في
يد الجاني أو المجني عليه، ولا يوجد ما يقيد هذا الاطلاق.
(مسألة 1144): لو قطع يمين شخص، فبذل الجاني شماله فقطعها المجني عليه
جاهلا بالحال، فالظاهر عدم سقوط القصاص عنه، فللمجني عليه أن يقطع يده
اليمنى، نعم إذا كان القطع معرضا للسراية مع وجود الجرح في اليسرى، لم يجز
حتى يندمل الجرح فيها، ثم ان الجاني إذا كان قد تعمد ذلك وكان يعلم أن قطع
اليسرى لا يجزي عن قطع اليمنى فلا دية له، وإلا فله الدية، وإذا كان المجني عليه
عالما بالحال ومع ذلك قطعها، فالظاهر ان عليه القود مطلقا وان كان الجاني قد
تعمد ذلك.
(مسألة 1145): لو قطع يد رجل فمات، وادعى الولي الموت بالسراية، و
أنكره الجاني، فالقول قول الجاني، ومثله ما إذا قد الملفوف في الكساء نصفين،
فادعى الولي أنه كان حيا وادعى الجاني انه كان ميتا مع احتمال صدقه عادة، لان
على الولي اثبات حياته إلى قده نصفين، واستصحاب بقاء
381

حياته إلى زمان القد لا يجدي، إلا على القول بالأصل المثبت.
(مسألة 1146): لو قطع إصبع شخص من يده اليمنى - مثلا - ثم قطع تمام اليد
اليمنى من شخص آخر، ثبت القصاص عليه لكل منهما، فان اقتص الثاني، الزم
للأول بدية الإصبع، وان اقتص الأول منه بقطع إصبعه قطع الثاني يده، وليس له
ان يرجع اليه بدية الإصبع كما تقدم.
(مسألة 1147): إذا قطع إصبع رجل عمدا، فعفا المجني عليه قبل
الاندمال أو بعده، سقط القصاص ولا دية أيضا، ولو قطع إصبعه خطأ، أو
شبيها بالعمد، فعفا المجني عليه عن الدية سقطت، ولو عفا عن الجناية ثم
سرت إلى الكف سقط القصاص في الإصبع، وأما في الكف، فان كانت
السراية مقصودة للجاني، أو كانت تلك الجناية مما تؤدي إلى السراية غالبا و
إن لم تكن مقصودة، ثبت القصاص في الكف، وأما إذا كانت غير مقصودة، و
كانت السراية إتفاقية، ثبتت الدية دون القصاص، وكذلك الحال إذا أسرت
إلى النفس.
(مسألة 1148): لو عفا المجني عليه عن قصاص النفس لم يسقط، باعتبار ان
القصاص حق للولي بمقتضى الآية الشريفة والروايات لا للمجني عليه، فلا أثر
لاسقاطه، وكذلك لو أسقط دية النفس، فإنها لم تسقط على أساس ان الدية انما
تثبت بعد الموت، فلا أثر لاسقاطها قبله.
(مسألة 1149): إذا اقتص من الجاني فسرت الجناية اتفاقا وبغير قصد إلى
عضو آخر منه أو إلى نفسه، فلا ضمان ولا دية، على أساس ما دل من ان من قتله
القصاص بأمر الامام (عليه السلام) فلا دية له في قتل ولا جراحة.
(مسألة 1150): لا يقتص من الجاني عمدا إذا التجأ إلى حرم الله تعالى،
382

ولكن يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقتض منه، ولو جنى
في الحرم جناية اقتص منه فيه، ولا يلحق به حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشاهد الأئمة
(عليهم السلام).
383

كتاب الديات
الدية: هي المال المقدر شرعا كما وكيفا المفروض في الجناية على الأنفس
أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك.
(مسألة 1151): تثبت الدية في موارد الخطأ المحض، أو الشبيه بالعمد اصالة
، وكذلك فيما لا يكون فيه القصاص مجعولا، واما فيما لا يمكن فيه القصاص لسبب
أو آخر، فيكون ثبوت الدية فيه عرضا اي بنحو البدلية لا اصالة، وأما ما يثبت
فيه القصاص بلا رد شيء، فلا تثبت فيه الدية إلا بالتراضي والتصالح، سواء
أكان في النفس أم كان في غيرها، واما ما يستلزم القصاص فيه الرد، فالولي مخير
بين القصاص والدية كما تقدم.
(مسألة 1152): دية قتل المسلم متعمدا، مائة بعير فحل من مسان الإبل و
هو ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة أو مائتا بقرة وهي ما أكملت
الثانية ودخلت في الثالثة على الأحوط، أو الف دينار وكل دينار يساوي ثلاثة
أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك أو ألف شاة على الأقرب أو عشرة
آلاف درهم على المشهور، ولكن لا يبعد ان تكون
384

اثنى عشر الف درهم والاكتفاء بالأقل من ذلك لابد ان يكون مع
التراضي، وكل درهم يساوي 6 / 12 حمصة من الفضة المسكوكة - فعشرة
دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفية وربع المثقال - أو مائتا حلة على الأحوط،
وكل حلة ثوبان على الأظهر. وقيل: لابد ان يكون من ابراد اليمن وهو غير
ثابت، والأحوط والأجدر وجوبا ان يقتصر القاتل على أحد الأصناف الخمسة
، فإذا اختار مائتي حلة، فلابد ان يكون بالتراضي بينه وبين ولي المقتول.
(مسألة 1153): تستوفي دية العمد في سنة واحدة من مال الجاني، ويتخير
الجاني بين الأصناف المذكورة، فله اختيار اي صنف شاء وان كان أقلها قيمة في
زماننا هذا وهو اثنا عشر الف درهم، وليس لولي المقتول اجباره على صنف
خاص من الأصناف المذكورة.
(مسألة 1154): دية شبه العمد أيضا أحد الأمور المذكورة وهي على
الجاني نفسه، إلا أنه إذا اختار تأديتها من الإبل، فالأقوى التخيير بين ان تكون
الإبل على الأوصاف التالية:
(أربعون) منها خلفة وهي بين ثنية إلى بازل عامها اي انها اسم للبعير من
السنة السادسة إلى السنة العاشرة، و (ثلاثون) حقة وهي الداخلة في السنة
الرابعة و (ثلاثون) بنت لبون وهي الداخلة في الستة الثالثة أو تكون على هذه
الأوصاف وهي كما يلي:
ثلاثة وثلاثون حقه وأربعة وثلاثون جزعة وهي الداخلة في السنة
الخامسة وثلاثة وثلاثون ثنية خلقة طروقة الفحل.
(مسألة 1155): المشهور بين الأصحاب أن دية شبه العمد تستوفي في
385

سنتين ولكن لا دليل عليه، بل الظاهر انها تستوفي في ثلاث سنوات.
(مسألة 1156): إذا هرب القاتل فيما يشبه العمد فلم يقدر عليه أو مات،
أخذت الدية من ماله، فان لم يكن له مال فالدية على الأقرب فالأقرب اليه، و
إلا فأداه الامام، فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم.
(مسألة 1157): دية الخطأ المحض أيضا أحد الأمور المذكورة وهي تحمل
على العاقلة وسوف يأتي شرح ذلك.
(مسألة 1158): إذا أدت العاقلة الدية من الإبل، اعتبر أن يكون ثلاثون
منها حقة وثلاثون منها بنت لبون وعشرون منها بنت مخاض، وعشرون منها
ابن لبون على ما في النص.
(مسألة 1159): يستثنى من ثبوت الدية في القتل الخطأي ما إذا قتل مؤمنا
في دار الحرب معتقدا جواز قتله وأنه ليس بمؤمن فبان انه مؤمن، فإنه لا تجب
الدية - عندئذ - على الأظهر، وتجب فيه الكفارة فقط.
(مسألة 1160): إذا رأى شخص انسانا من بعيد رجلا كان أم امرأة واعتقد
بأنه مهدور الدم لسبب أو آخر فقتله، ثم تبين انه محقون الدم، ففيه الدية دون
القصاص، لان قتله يكون من القتل الخطأي.
(مسألة 1161): قد تسأل ان من رأى انسانا من بعد مترددا بأنه زيد أو
عمرو وبعد التأكد والتقرب منه يحصل له الجزم بأنه زيد وهو عدوه فقتله بقصد
انه عدوه ثم انكشف انه عمرو، فهل فيه القصاص أو الدية؟
والجواب: ان فيه الدية دون القصاص، على أساس ان قتل عمرو في
المثال ليس من القتل العمدي لأنه متقوم بعنصرين أساسيين:
386

أحدهما: عنصر القصد والإرادة، بان يكون القاتل قاصدا ومريدا القتل
في الخارج.
والآخر: عنصر تحقق المقصود والمراد فيه وانجازه بمعنى وقوع ما قصده و
اراده، فإذا توفر هذان العنصران معا كان القتل عمديا ويترتب عليه أثره، وهو
القصاص ومع انتفائهما أو انتفاء أحدهما فلا يكون بعمدي،
وفي المقام حيث ان قتل عمرو غير مقصود للقاتل، فيكون اتفاقا وخطايا
لا عمديا.
ودعوى ان القاتل وان كان لم يقصد قتل عمرو بإسمه الخاص، إلا انه لما
كان يعلم بأن قتل الانسان المذكور المردد غير جائز، لانه محقون الدم فبطبيعة
الحال إنه قصد قتله ضمنا أي في ضمن قصد قتل زيد، وهذا يكفي في ترتب
القصاص عليه، مدفوعة بان وان كان يعلم بذلك، إلا انه لم يقصد قتل الجامع و
هو محقون الدم على كل تقدير، وانما قصد قتله إذا كان زيدا لا مطلقا، فاذن
لو وقع قتل غيره لكان تصادفيا وخطإيا لا مقصودا.
والخلاصة: ان المعيار العام في اتصاف القتل بالعمدي، انما هو بوقوع ما
قصده القاتل عامدا وملتفتا في الخارج وانجازه فيه، واما لو وقع غيره لكان
وقوعه خطإيا واتفاقيا لا قصديا، وعلى هذا فبامكان كل أحد أن يلتجأ إلى هذا
المعيار العام للتمييز بين القتل الخطإيي والقتل العمدي.
(مسألة 1162): دية القتل في الأشهر الحرم عمدا، أو خطأ، دية كاملة و
ثلثها، وعلى القاتل متعمدا مطلقا كفارة الجمع، وهي عتق رقبة، وصوم
شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا، وإذا كان القتل في الأشهر الحرام،
فلابد أن يكون الصوم فيها فيصوم يوم العيد أيضا إذا صادفه. والكفارة مرتبة
387

إذا كان القتل خطأ حتى إذا كان في الأشهر الحرم على المشهور، ولكنه لا يخلو
عن إشكال، والأقرب أن الكفارة معينة فيما إذا وقع القتل في الأشهر الحرم، و
هي صوم شهرين متتابعين فيها معينا، وهل يلحق بالقتل في الأشهر الحرم في
تغليظ الدية القتل في الحرم؟
والجواب: ان الالحاق لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد عدمه، وهل في
الجنايات على الأطراف إذا كانت في الأشهر الحرم تغليظ في الدية؟
والجواب: انه لا تغليظ فيها.
(مسألة 1163): دية المرأة الحرة المسلمة نصف دية الرجل الحر المسلم من
جميع الأجناس المتقدمة.
(مسألة 1164): دية ولد الزنا المحكوم بالإسلام دية المسلم وما قيل: من ان
ديته ثمانمائة درهم كدية الذمي، لا دليل عليه إلا رواية ضعيفة.
(مسألة 1165): المشهور ان دية الذمي من اليهود والنصارى والمجوس
ثمانمائة درهم، ودية نسائهم نصف ديتهم، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد
ان تكون ديته دية المسلم، وأما الكافر الحربي، فلا دية في قتله، كما لا قصاص
فيه.
(مسألة 1166): دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحر، فان تجاوزت لم
يجب الزائد، وكذلك الحال في الأعضاء والجراحات، فما كانت ديته كاملة
كالأنف واللسان واليدين والرجلين والعينين ونحو ذلك، فهو في العبد قيمته، و
ما كانت ديته نصف الدية، كإحدى اليدين أو الرجلين، فهو في العبد نصف قيمته
، وهكذا.
388

(مسألة 1167): لو جنى على عبد، فيه قيمته، كان قطع لسانه أو أنفه أو
يديه، لم يكن لمولاه المطالبة بها إلا مع دفع العبد إلى الجاني للنص، ولان لا يلزم
الجمع بين العوض والمعوض، كما أنه ليس له المطالبة ببعض القيمة مع العفو عن
بعضها الآخر ما لم يدفع العبد إليه. وأما لو جنى عليه بما لا يستوعب قيمته، كان
لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد، وليس له الزام الجاني بتمام القيمة مع
دفع العبد إليه.
(مسألة 1168): كل جناية لا مقدار فيها شرعا ففيها الأرش، فيؤخذ من
الجاني ان كانت الجناية عمدية أو شبه عمد، وإلا فمن عاقلته، وتعيين الأرش
بنظر الحاكم بعد رجوعه في ذلك إلى ذوي عدل من المؤمنين وأهل الخبرة في ذلك
.
(مسألة 1169): لا دية لمن قتله الحد أو القصاص لقوله (عليه السلام) " أيما رجل قلته
الحد أو القصاص " فلا دية له ويلحق به التعزير أيضا، لان المعيار في عدم الدية
انما هو بكون القتل مستندا إلى تطبيق حكم شرعي، سواء أكان كان ذلك الحكم
الشرعي حدا أم قصاصا أم تعزيرا، واما ما قيل من ان الحد القاتل للمحدود إذا
كان من حدود الناس، فللمقتول ديته ولكنهما من بيت مال المسلمين لا على من
يقوم بتطبيقه، فلا أصل له.
(مسألة 1170): إذا بان فسق الشاهدين، أو الشهود بعد قتل المشهود عليه
، فلا ضمان على الحاكم، بل كانت ديته في بيت مال المسلمين.
(مسألة 1171): من افتض بكرا أجنبية، فان كانت حرة لزمه مهر نسائها،
ولا فرق في ذلك بين كون الافتضاض بالجماع أو بالأصبع أو بغير ذلك، أما إذا
كانت أمة لزمه عشر قيمتها.
389

(مسألة 1172): من أكره امرأة أجنبية غير بكر فجامعها، فعليه مهر المثل،
وأما إذا كانت المطاوعة فلا مهر لها، سواء أكانت بكرا، أم لم تكن.
(مسألة 1173): لو أدب الزوج زوجته تأديبا مشروعا فأدى إلى موتها
اتفاقا قيل: انه لا دية عليه كما لا قود، ولكن الظاهر ثبوت الدية، وكذلك الحال
في الصبي إذا أدبه وليه تأديبا مشروعا فأدى إلى هلاكه.
(مسألة 1174): إذا أمر شخصا بقطع عقدة في رأسه - مثلا - ولم يكن القطع
مما يؤدي إلى الموت غالبا، فقطعها فمات فلا قود، ولكن عليه الدية، وقد تسأل
انه إذا أخذ البراءة من الآمر ثم قطعها فمات، فهل عليه دية في هذه الحالة، و
الجواب لا يبعد ثبوت الدية في تلك الحالة أيضا، فان مقتضى القاعدة انه لا اثر
للبراءة عن الدية قبل الموت، إذ لا دية قبله حتى يصح التبري عنها، ولا يوجد
دليل على الصحة إلا رواية ضعيفة، فالنتيجة الأظهر انه لا فرق في ثبوت الدية
بين اخذ القاطع البراءة من الآمر أو لا.
(مسألة 1175): لو قطع متفرقا عدة أعضاء شخص خطأ، فان لم يسر القطع
، فعلى الجاني دية تمام تلك الأعضاء المقطوعة، وان سرى، فان كان القطع متفرقا
، دية كل عضو إلا الأخير زائدة على دية النفس، واما العضو الأخير المترتب
على قطعه الموت فتتداخل ديته في دية النفس، وان قطعها دفعة وبضربة واحدة
، دخلت دية الجميع في دية النفس، فعلى الجاني دية واحدة، وهي دية النفس، و
إن شك في السراية، فهل لولي المجني عليه مطالبة الجاني بدية الأعضاء المقطوعة،
أم ليس له إلا دية النفس؟ قولان: الأظهر هو الأول، لمكان اصالة عدم السراية.
390

موجبات الضمان
وهي أمران: المباشرة، التسبيب.
(مسألة 1176): من قتل نفسا من دون قصد إليه، ولا إلى فعل يترتب عليه
القتل عادة، كمن رمى هدفا فأصاب انسانا، أو ضرب صبيا - مثلا - تأديبا فمات
اتفاقا، أو نحو ذلك، ففيه الدية دون القصاص.
(مسألة 1177): يضمن الطبيب ما يتلف بعلاجه مباشرة إذا عالج المجنون،
أو الصبي بدون اذن وليه، أو عالج بالغا عاقلا بدون إذنه، وكذلك مع الاذن إذا
قصر، وأما إذا اذن له المريض في علاجه ولم يقصر، ولكنه آل إلى التلف اتفاقا،
فهل عليه ضمان أم لا؟
قولان: الأقرب هو الأول، وكذلك الحال إذا عالج حيوانا باذن صاحبه و
آله إلى التلف، هذا إذا لم يأخذ الطبيب البراءة من المريض، أو وليه، أو صاحب
الدابة، وأما إذا أخذها منه، فالمشهور انه لا ضمان عليه، ولكنه لا يخلو عن
اشكال بل لا يبعد الضمان لما مر من انه لا قيمة لاخذ البراءة قبل الموت ولا دليل
على الكفاية الا رواية ضعيفة.
(مسألة 1178): إذا انقلب النائم غير الظئر فاتلف نفسا أو طرفا منها، قيل
ان الدية في ماله، وقيل انها على عاقلته، وفي كلا القولين اشكال، والأقرب عدم
ثبوت الدية، على أساس ان القتل لا يستند اليه ولا يدخل في القتل العمدي ولا
في القتل الشبيه بالعمد كما هو ظاهر، بل ولا في القتل الخطأي، باعتبار ان القاتل
فيه قاصد للفعل وأراد شيئا وأصيب غيره.
(مسألة 1179): لو أتلفت الظئر طفلا وهي نائمة بانقلابها عليه أو
391

حركتها، فان كانت انما ظايرت طلبا للغر والفخر، فالدية في مالها، وان كانت
مظايرتها للفقر، فالدية على عاقلتها، وهذا للنص والا فمقتضى القاعدة عدم
ثبوتها عليها ولا على عاقلتها.
(مسألة 1180): إذا أعنف الرجل بزوجته جماعا في قبل، أو دبر، أو ضمها
اليه بعنف فماتت الزوجة، فلا قود ولكن يضمن الدية في ماله، وكذلك الحال في
الزوجة إذا أعنقت بزوجها فمات.
(مسألة 1181): من حمل متاعا على رأسه فأصاب انسانا فمات، فهل ديته
في ماله، وإذا تلف من المتاع شيء، فهل عليه ضمانه من المثل أو القيمة؟
والجواب: المشهور ان ديته في ماله، كما ان عليه ضمان المال التالف، ولكنه
في كلا الموردين لا يخلو عن اشكال بل منع، والأظهر انه لا ضمان عليه، باعتبار
ان يده يد امين لا يد عادية، واما الدية فهي على عاقلته لا على ماله، باعتبار ان
القتل في المسألة قتل خطائي محض لا شبه عمد.
(مسألة 1182): من صاح على أحد فمات، فان كان يقصد بذلك موته أو
كانت الصيحة في محل وموضع يترتب عليها الموت عادة، وكان الصائح يعلم
بذلك فعليه القود لأنه من القتل العمدي العدواني، وإلا فعليه الدية، لأنه داخل
في القتل الشبيه بالعمد، هذا فيما إذا علم استناد الموت إلى الصيحة، وإلا فلا شيء
عليه، ومثل ذلك ما لو شهر سلاحه في وجه انسان فمات.
(مسألة 1183): لو صدم شخص شخصا آخر عمدا غير قاصد لقتله ولم
تكن الصدمة مما يترتب عليه الموت عادة، فاتفق موته، فديته في مال
الشخص الصادم، وأما إذا مات الصادم فدمه هدر، وكذلك إذا كان الصادم
المقتول غير قاصد للصدم، وكان المصدوم واقفا في ملكه، أو نحوه مما لا
392

يكون فيه تفريط من قبله، وأما إذا كان واقفا في مكان لا يسوغ له الوقوف فيه،
كما إذا وقف في طريق المسلمين وكان ضيقا فصدمه انسان من غير قصد فمات
الانسان، كان ضمانه على المصدوم، لان قتله مستند اليه عرفا.
(مسألة 1184): لو اصطدم حران بالغان عاقلان قاصدان ذلك فماتا اتفاقا،
ضمن كل واحد منهما نصف دية الآخر، ولا فرق في ذلك بين كونهما مقبلين أو
مدبرين أو مختلفين.
(مسألة 1185): لو تصادم فارسان فمات الفرسان أو تعيبا، فعلى كل واحد
منهما نصف قيمة فرس الآخر أو نصف الأرش، هذا إذا كان الفارس مالكا
للفرس، وأما إذا لم يكن مالكا له، ضمن نصف قيمة كل من الفرسين لمالكيهما،
هذا كله إذا كان التلف مستندا إلى فعل الفارس، وأما إذا استند إلى أمر آخر
كإطارة الريح ونحوها مما هو خارج عن اختيار الفارس، لم يضمن شيئا، ومثله
ما إذا كان الاصطدام من طرف واحد، أو كان التعدي منه، فإنه لا ضمان حينئذ
على الطرف الآخر، بل الضمان على المصطدم أو المتعدي، ويجري ما ذكرناه من
التفصيل في غير الفرس من المراكب، سواء أكان حيوانا أم سيارة أم سفينة أم
غيرها.
(مسألة 1186): إذا انقلبت السيارة مثلا أو انكسرت أو غير ذلك ومات
من المسافرين، فلذلك حالات:
الأولى: ان يكون الانقلاب أو الكسر مستندا إلى تقصير السائق و
تسامحه، كسرعتها أكثر من المقدار المعتاد والمتعارف، أو انه في حالة النعس
من جهة التعب، بحيث تفقد سيطرته على قيادة السيارة، أو في حالة لا يتمكن
في تلك الحالة من السيطرة التامة أو غيرها، ففي تمام هذه الحالة تكون الدية
393

عليه، باعتبار ان القتل مستند إلى تقصيره.
الثانية: ان لا يكون ذلك مستندا إلى تقصيره وتسامحه، فإنه يسوق
السيارة بسرعة معتادة ومتعارفة من ناحية، ومتأكد بالفحص والبحث بعدم
نقص فني فيها من ناحية أخرى، ولكن فجأة يرى شخصا ألقى نفسه امام
سيارته في حال سيرها وهو لا يتمكن بأي حال من ايقافها أو انحرافها لإنقاذ
نفسه، فليس امامه الا سحقه بسياريته، ففي هذه الحالة يكون موته مستندا إلى
تقصيره لا إلى تقصير السائق، فيكون دمه هدرا ولا شيء على السائق.
الثالثة: نفس الحالة الثانية ولكن من ظهر امام السيارة في حال سيرها
غير شاعر، كالصبي غير المميز أو المجنون أو الحيوان، ففي هذه الحالة التي لا يملك
السائق اي خيار غير قتل من ظهر امامه بسيارته، هل تكون ديته عليه أو ان
دمه هدر ولا دية له، بلحاظ انه ألقى نفسه في المهلكة وان كان من غير شعور؟
والجواب: انه لا يبعد الثاني، لان اسناد القتل في هذه الحالة إلى السائق
إسناد عنائي، على أساس ان من حق السائق ان يسوق مركبته من السيارة و
نحوها في الطرق الاعتيادية العامة، ولا يحق لأي أحد أن يزاحمه في ذلك بايجاد
مانع وعائق فيها، وعلى هذا فإذا نام أحد في الطريق غافلا عن مرور السيارات
والمركبات فيه، فإذا مرت سيارة وقتلته فلا شيء على السائق، باعتبار انه لا
يملك شيئا ولا يقدر على إنقاذه من الموت، ولهذا لا يستند إليه موته عرفا، بل هو
مستند إلى نومه في الطريق، وكذلك إذا مر صبي غير مميز أو مجنون فجأة عن
الطريق العام أمام السيارات في حال سيرها فقتلته سيارة، فلا ضمان على السائق
، باعتبار ان قتله لا يكون مستندا إليه عرفا، بل هو
394

مستند إلى مروره عنه فجأة، ومن هنا يصدق عليه انه ألقى نفسه في
التهلكة وان كان من غير شعور، فلذلك يكون دمه هدرا ولا دية على السائق،
وبكلمة ان التقصير شرعا وعرفا وان كان لا يتصور من الصبي غير المميز أو
المجنون، إلا ان ذلك لا يمتنع عن استناد موته إلى فعل نفسه تكوينا، ومن هنا إذا
القى نفسه في بئر فمات فيها أو ألقى في بحر فغرق ومات وهكذا، كان موته مستندا
إلى فعله، وكذلك الحال في المقام، فانه إذا ألقى نفسه امام السيارة فجأة أثناء
سيرها الإعتيادي فسحقه قهرا ومات، كان موته مستندا إلى فعله عرفا عن
غير شعور لا إلى فعل السائق، ودعوى انه مستند إلى فعل السائق الخارج عن
اختياره، ويكون القتل بالنسبة إليه خطأيا وديته على عاقلته، مدفوعة بان
لقتله في المقام سببين: إحداهما فعل الصبي غير المميز أو المجنون، وهو مروره
أمام المركبة أثناء سيرها الاعتيادي فجأة ومن غير شعور، والآخر فعل السائق
الخارج عن قدرته وسيطرته، وهو سحق المركبة إياه، وإذا لم يكن في مثل هذه
الحالة تقصير من السائق كما هو المفروض في المقام، كان موته عرفا مستندا إلى
السبب الأول دون الثاني، ويتحصل من ذلك ان الأظهر عدم ضمان السائق في
هذه الحالة.
(مسألة 1187): إذا اصطدم صبيان راكبان بأنفسهما، أو باذن وليهما اذنا
سائغا فماتا، فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر.
(مسألة 1188): لو أصطدم عبدان بالغان عاقلان، سواء أكانا راكبين أم
راجلين أم مختلفين فماتا، فلا شيء على مولاهما.
(مسألة 1189): إذا اصطدم عبد وحر فماتا إتفاقا، فلا شيء على مولى العبد
ولا له من دية العبد شيء.
395

(مسألة 1190): إذا أصطدم فارسان، فمات أحدهما دون الآخر، ضمن
الآخر نصف دية المقتول، والنصف الآخر منها هدر.
(مسألة 1191): إذا اصطدمت امرأتان إحداهما حامل، والأخرى غير
حامل، فماتتا، سقطت ديتهما، وإذا قتل الجنين، فعلى كل واحدة منهما نصف ديته
، ان كان القتل شبيه عمد، كما إذا كانتا قاصدتين للإصطدام وعالمتين بالحمل، و
إلا فالقتل خطأ محض، فالدية على عاقلتهما. ومن ذلك يظهر حال ما إذا كانت
كلتاهما حاملا.
(مسألة 1192): لو رمى إلى طرف قد يمر فيه انسان فأصاب عابرا إتفاقا،
فالدية على عاقلة الرامي، وإن كان الرامي قد أخبر من يريد العبور بالحال و
حذره فعبر، والرامي جاهل بالحال فأصابه الرمي فقتله، لم يكن عليه شيء.
ولو اصطحب العابر صبيا فأصابه الرمي فمات، فهل فيه دية على العابر، أو
الرامي، أو على عاقلتهما؟ فيه خلاف، والأقرب هو التفصيل، فمن كان منهما
عالما بالحال فعليه نصف الدية، ومن كان جاهلا بها، فعلى عاقلته كذلك.
(مسألة 1193): إذا أخطأ الختان فقطع حشفة غلام، ضمن لأنه داخل في
الجرح الشبيه بالعمد.
(مسألة 1194): من سقط من شاهق على غيره اختيارا فقتله، فان كان
قاصدا قتله، أو كان السقوط مما يقتل غالبا، فعليه القود وإلا فعليه الدية، وإن
قصد السقوط على غيره، ولكن سقط عليه خطأ، فالدية على عاقلته.
(مسألة 1195): إذا سقط من شاهق على شخص بغير اختياره. كما لو ألقته
الريح الشديدة، أو زلت قدمه فسقط فمات الشخص، فالظاهر انه لا دية
396

عليه، ولا على عاقلته، كما لا قصاص عليه، على أساس ان الدية مترتبة
على القتل المستند إلى الفعل الاختياري ولو في نهاية المطاف، غاية الامر ان كان
خطأ محضا، فالدية على العاقلة، والقتل في المقام مستند إلى الفعل غير
الاختياري حدوثا وبقاء وهو السقوط، فلهذا لا يدخل في القتل الخطأى أيضا.
(مسألة 1196): لو دفع شخصا على آخر، فان أصاب المدفوع شيء، فهو
على الدافع بلا اشكال، وأما إذا مات المدفوع عليه، فالدية على المدفوع وهو
يرجع إلى الدافع للنص.
(مسألة 1197): لو حملت جارية جارية اخرى فنخستها جارية ثالثة،
فقمصت الجارية المركوبة قهرا وبلا اختيار فصرعت الراكبة فماتت، فالدية على
الناخسة، دون المنخوسة.
فروع:
الأول: من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله، فهو له ضامن حتى يرجع
إلى منزله، فان فقد ولم يعرف حاله فعليه ديته، نعم: ان ادعى أهل الرجل القتل
على الداعي المخرج، فقد تقدم حكمه في ضمن مسائل الدعاوي.
الثاني: ان الظئر إذا جاءت بالولد، فأنكره أهله، صدقت ما لم يثبت
كذبها لأنها مأمونة، فان علم كذبها وجب عليها احضار الولد، والمشهور ان
عليها الدية مع عدم احضارها الولد، ولكن وجهه غير ظاهر، باعتبار ان الدية
مترتبة على القتل وهو غير معلوم، ولو ادعت الظئر أن الولد قد مات
397

صدقت.
الثالث: لو استأجرت الظئر امرأة أخرى ودفعت الولد إليها بغير اذن
أهله، فجهل خبره، ولم تأت بالولد، فعليها دية كاملة كما في النص.
فروع التسبيب
(مسألة 1198): إذا أدخلت المرأة أجنبيا بيت زوجها فجاء الزوج وقتل
الرجل، فهل تضمن المرأة ديته؟ فيه وجهان، والأقرب عدم الضمان، لان الضمان
بحاجة إلى دليل ولا دليل عليه بعد ما لم يكن القتل مستندا إليها.
(مسألة 1199): لو وضع حجرا في ملكه لم يضمن دية العاثر به اتفاقا، ولو
وضعه في ملك غيره، أو في طريق مسلوك وعثر به شخص فمات، أو جرح
ضمن ديته، وكذلك لو نصب سكينا، أو حفر بئرا في ملك غيره، أو في طريق
المسلمين فوقع عليه، أو فيها شخص فجرح أو مات، ضمن ديته، هذا إذا كان
العابر جاهلا بالحال، وأما إذا كان عالما بها، فلا ضمان له.
(مسألة 1200): لو حفر في طريق المسلمين ما فيه مصلحة العابرين، فاتفق
وقوع شخص فيه فمات، قيل: لا يضمن الحافر وهو قريب، لان موضوع الضمان
كما في النص الاضرار ولا يدخل فيه ما لم يكن فيه اضرار.
(مسألة 1201): لو كان يعلم صبيا، فغرق الصبي اتفاقا، ضمن المعلم إذا كان
الغرق مستندا إلى فعله، لأنه من القتل الشبيه بالعمد، وكذا الحال إذا كان بالغا
رشيدا، وقد تقدم حكم التبري عن الضمان.
(مسألة 1202): إذا اشترك جماعة في قتل واحد منهم خطأ، كما إذا
398

اشتركوا في هدم حائط - مثلا - فوقع على أحدهم فمات، سقط من الدية بقدر
حصة المقتول والباقي منها على عاقلة الباقين، فإذا كان الاشتراك بين اثنين،
سقط نصف الدية لأنه نصيب المقتول، وبنصفها الآخر على عاقلة الباقي، وإذا
كان الاشتراك بين ثلاثة سقط ثلث الدية، وثلثان منها على عاقلة الشخصين
الباقيين وهكذا.
(مسألة 1203): لو أراد اصلاح سفينة حال سيرها فغرقت بفعله، كما لو
أسمر مسمارا فقلع لوحة، أو أراد ردم موضع فانهتك أو غير ذلك، ضمن ما يتلف
فيها من مال لغيره أو نفس، اما الأول فلاستناد اتلافه اليه، واما الثاني فلان قتل
النفس في المسألة داخل في القتل الشبيه بالعمد.
(مسألة 1204): لا يضمن مالك الجدار ما يتلف من انسان أو حيوان
بوقوع جداره عليه إذا كان قد بناه في ملكه، أو في مكان مباح، وكذلك الحال لو
وقع في طريق فمات شخص بغباره، نعم لو بناه مائلا إلى غير ملكه أو بناه في ملك
غيره فوقع على انسان أو حيوان اتفاقا فمات، ضمن إذا كان البناء المذكور في
معرض الانهيار والخطر لا مطلقا، وكذلك لو بناه في ملكه ثم مال إلى الطريق أو
إلى غير ملكه، فوقع على عابر فمات، ضمن مع علمه بالحال وتمكنه من الإزالة
أو الإصلاح قبل وقوعه، ولو وقع مع جهله أو قبل تمكنه من الإزالة أو الاصلاح
، لم يضمن.
(مسألة 1205): يجوز نصب الميازيب وتوجيهها نحو الطرق النافذة، فلو
وقعت على انسان أو حيوان فتلف، لم يضمن نعم إذا كانت في معرض الانهيار مع
علم المالك بالحال وتمكينه من الإزالة أو الاصلاح ضمن. وفي حكم ذلك
اخراج الرواشن والأجنحة.
399

(مسألة 1206): لو أجج نارا في ملكه فسرت إلى ملك غيره اتفاقا،
لم يضمن، إلا إذا كانت في معرض السراية، كما لو كانت كثيرة أو كانت الريح
عاصفة، فإنه يضمن ولو أججها في ملك غيره بدون إذنه، ضمن ما يتلف بسببها
من الأموال والأنفس، ولو كان قاصدا اتلاف النفس، أو كان التأجيج فيما
يترتب عليه ذلك عادة وإن لم يكن المقصود اتلافها ولم يكن الشخص التالف
متمكنا من الفرار والتخلص، ثبت عليه القود.
(مسألة 1207): لو ألقى قشر بطيخ أو موز ونحوه في الطريق، أو أسال الماء
فيه فزلق به انسان فتلف، أو كسرت رجله مثلا، ضمن، لأنه يضر بالمارة، وقد
مر ان الاضرار بها في طريق المسلمين موجب للضمان.
(مسألة 1208): لو وضع اناء على حائط وكان في معرض السقوط، فسقط
فتلف به انسان أو حيوان، ضمن، وان لم يكن كذلك وسقط اتفاقا لعارض، لم
يضمن.
(مسألة 1209): يجب على صاحب الدابة حفظ دابته الصائلة كالبعير
المغتلم، والكلب العقور، فلو أهملهما وجنيا على شخص ضمن جنايتهما، نعم لو
جهل المالك بالحال أو علم، ولكنه لم يفرط، فلا ضمان عليه ولو جنى على صائلة،
فان كان دفاعا عن نفسه أو ماله، لم يضمن، وإلا ضمن وان كانت جنايته انتقاما
من جنايتها على نفس محترمة أو غيرها.
(مسألة 1210): إذا كان حفظ الزرع على صاحبه في النهار - كما جرت
العادة به - فلا ضمان فيها أفسدته البهائم، نعم إذا أفسدته ليلا، فعلى صاحبها
الضمان.
(مسألة 1211): لو هجمت دابة على اخرى، فجنت الداخلة، ضمن
400

صاحبها جنايتها إذا فرط في حفظها، وإلا فلا، ولو جنت بها المدخولة، كانت
هدرا لعدم صدق ان صاحبها قد فرط في ذلك.
(مسألة 1212): إذا دخل دار قوم فعقره كلبهم، ضمنوا جنايته ان كان
الدخول باذنهم، وإلا فلا ضمان عليهم، وإذا عقر الكلب انسانا خارج الدار، فان
كان العقر في النهار، ضمن صاحبه، وإن كان في الليل، فلا ضمان، على أساس ان
الضمان وعدمه يدوران مدار صدق التفريط وعدم صدقه، فإذا كان الكلب
عقورا، فان لم يقيده في النهار وعقر شخصا فيه، ضمن صاحبه لأنه فرط في
حفظه وهذا بخلاف ما إذا عقر في الليل، فإنه لم يضمن، إذ لا يجب عليه تقييده في
الليل، فالنتيجة ان المعيار في الضمان انما هو بصدق التفريط ولا خصوصية
للزمان، وما في النص من انه إذا عقر في النهار ضمن وفي الليل لم يضمن، انما هو
من جهة صدق التفريط في الأول وعدم صدقه في الثاني.
(مسألة 1213): إذا أتلفت الهرة المملوكة مال أحد، فهل يضمن مالكها؟
والجواب: قد ينسب الضمان إلى الشيخ (قدس سره) بالتفريط مع الضراوة والتعود،
ولكن الأظهر انه لا ضمان حتى مع الضراوة، حيث لا يصدق عليه انه فرط في
حفظها، فان السيرة لم تجر على تقييدها وحفظها بل هي جارية على حفظ المال و
الأطعمة منها، باعتبار ان طبعها طبع التعدي مملوكة كانت أم لم تكن، وعليه فإذا
اكلت مال أحد لم يضمن صاحبها لعدم صدق التفريط، بل على صاحب المال
التحفظ منها على ماله، وإلا فالتقصير منه.
(مسألة 1214): يضمن راكب الدابة وقائدها ما تجنيه بيديها، وكذلك
ما تجنيه برجليها ان كانت الجناية مستندة اليهما، بأن كانت بتفريط منها، وإلا
فلا ضمان، كما أنهما لا يضمنان ما ضربته الدابة بحافرها إلا إذا عبث بها أحد،
401

فيضمن العابث جنايتها، وأما السائق فيضمن ما تجنيه الدابة برجلها، واما ما
تجنيه بيدها، فيضمن إذا كانت الجناية مستندة اليه بتفريطه، وإلا فلا.
(مسألة 1215): المشهور ان من وقف بدابته، فعليه ضمان ما تصيبه بيدها و
رجلها، وفيه اشكال، والأقرب عدم الضمان، الا إذا كانت الجناية بتفريط منه و
مستندة اليه.
(مسألة 1216): لو ركب الدابة رديفان، فوطأت شخصا فمات أو جرح،
فالضمان عليهما بالسوية إذا كان الجرح بتفريط منهما.
(مسألة 1217): إذا ألقت الدابة راكبها فمات أو جرح، فلا ضمان على مالكها
، نعم لو كان القاؤها له مستندا إلى تنفيره، ضمن.
(مسألة 1218): لو حمل المولى عبده على دابته فوطأت رجلا، ضمن المولى
ديته للنص، ولا فرق في ذلك بين ان يكون العبد بالغا أو غير بالغ، ولو كانت
جنايتها على مال، لم يضمن المولى لعدم الدليل على الضمان.
(مسألة 1219): لو شهر سلاحه في وجه انسان، ففر وألقى نفسه في بئر، أو
من شاهق اختيارا فمات، فلا ضمان عليه. وأما إذا كان بغير اختيار كما إذا كان
أعمى أو بصيرا لا يعلم به أو صبيا غير مميز، فهل يضمن ديته إذا مات بالقاء
نفسه في بئر أو من شاهق أو جبل؟
والجواب: ان الضمان غير بعيد، على أساس ان الموجب للموت الالقاء
وهو مستند إلى إخافته، إذ لولاها لم يلق نفسه لا في البئر ولا من الشاهق، وفي
مثل هذا لا مورد يكون اسناد الفعل إلى السبب عرفا أولى من اسناده إلى
المباشر، فان المباشر بمثابة الآلة، وبكلمة انه مغلوب في ارادته لسبب، فمن
402

اجل ذلك كان اسناد الفعل إلى السبب أولى واظهر عرفا، وكذلك الحال إذا
اضطره إلى مضيق فافترسه سبع اتفاقا، أو ما شاكل ذلك، فان الموت في كل هذه
الموارد ينظر العرف مستند إلى الإخافة باشهار سلاحه لا إلى الالقاء بما هو،
فالنتيجة ان الأقرب في الفرض الأول عدم ضمان الدية، وفي الفرض الثاني الضمان
.
(مسألة 1220): لو أركب صبيا بدون اذن الولي على دابة وكان في معرض
السقوط فوقع فمات، ضمن ديته، ولو أركب صبيين كذلك فتصادما فتلفا، ضمن
ديتهما تماما ان كان المركب واحدا، وان كان اثنين، فعلى كل واحد منهما نصف دية
كل منهما، وان كانوا ثلاثة فعلى كل منهم ثلث دية كل منهما، وهكذا، وكذلك
الحال إذا أركبهما ولياهما مع وجود المفسدة فيه.
فروع تزاحم الموجبات
(مسألة 1221): إذا كان أحد شخصين مباشرا للقتل والآخر سببا له ضمن
المباشر، كما إذا حفر بئرا في غير ملكه ودفع الآخر ثالثا إليها فسقط فيها فمات،
فالضمان على الدافع إذا كان عالما، وأما إذا كان جاهلا فالمشهور: أن الضمان على
الحافر، وفيه: اشكال، ولا يبعد كون الضمان على كليهما، وإذا أمسك أحدهما
شخصا وذبحه الآخر، فالقاتل هو الذابح كما تقدم، وإذا وضع حجرا - مثلا - في
كفه المنجنيق وجذبه الآخر فأصاب شخصا فمات، أو جرح، فالضمان على
الجاذب دون الواضع.
(مسألة 1222): لو حفر بئرا في ملكه وغطاها ودعا غيره فسقط فيها،
فان كانت البئر في معرض السقوط، كما لو كانت في ممر الدار وكان قاصدا
403

للقتل أو كان فيها، السقوط مما يقتل غالبا، ثبت القود وإن لم يكن قاصدا للقتل و
لا السقوط مما يقتل عادة فعليه الدية، وان لم تكن في معرض السقوط واتفق
سقوطه فيها ومات، لم يضمن لعدم استناد القتل اليه.
(مسألة 1223): لو أجتمع سببان لموت شخص، كما إذا وضع أحد حجرا -
مثلا - في غير ملكه، وحفر الآخر بئرا فيه، فعثر ثالث بالحجر وسقط في البئر
فمات، فالأشهر ان الضمان على من سبقت جنايته، ولكنه لا يخلو عن اشكال و
تأمل. فالأظهر ان الضمان على كليهما، نعم إذا كان أحدهما متعديا، كما إذا حفر
بئرا في غير ملكه، والآخر لم يكن متعديا، كما إذا وضع حجرا في ملكه، فمات
العاثر بسقوطه في البئر، فالضمان على المتعدي.
(مسألة 1224): إذا حفر بئرا في الطريق عدوانا، فسقط شخصان فيها،
فهلك كل واحد منهما بسقوط الآخر فيها، فالضمان على الحافر، باعتبار ان الموت
مستند إلى السقوط في البئر، ولا فرق فيه بين ان يكون موت كليهما مستندا إلى
سقوطهما معا أو مستندا إلى سقوط كل واحد منهما فيها مستقلا.
(مسألة 1225): لو قال لآخر ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة من الغرق
والخطر، وكانت هناك قرينة على المجانية وعدم ضمان الآمر، فألقاه المأمور، فلا
ضمان على الآمر. ولو أمر به وقال وعلي ضمانه، ضمن إذا كان الالقاء لدفع
الخوف، ونحوه من الدواعي العقلائية، واما إذا لم يكن كذلك ومع هذا قال: ألق
متاعك في البحر وعلي ضمانه، فالمشهور على انه لا ضمان عليه، بل ادعى الاجماع
على ذلك، وفيه اشكال، والأقرب هو الضمان، وهل هذا الضمان بمعنى اشتغال
الذمة بالبدل من المثل أو القيمة أو بمعنى التعهد بدفع بدله إليه؟
404

والجواب: ان الضمان وان كان بكل من المعنيين الا انه في المقام ظاهر في
المعنى الأول دون الثاني.
(مسألة 1226): لو امر شخصا بالقاء متاعه في البحر وقال علي وعلى
ركاب السفينة ضمانه، فان قال ذلك من قبلهم بتخيل انهم راضون به، ولكنهم
بعد ذلك أظهروا عدم الرضا به، فهل يضمن الآمر كل المتاع أو مقدارا منه؟
والجواب: ان الظاهر من قوله علي وعلى ركاب السفينة ضمانه هو ضمان
المجموع للمتاع بأكمله، لا ضمان كل واحد منهما له مستقلا، وعلى هذا فيسقط
المتاع على المجموع، فيكون الآمر ضامنا بقدر حصته دون تمام المال، وكذلك
الحال فيما إذا ادعى الاذن من قبلهم ولكنهم أنكروا ذلك، واما إذا قال ذلك مدعيا
الاذن منهم أو بدونه، ولكن مع ذلك قال لو لم يعط هؤلاء فانا ضامن، فإنه
يضمن التمام إذا لم يقبلوا.
(مسألة 1227): إذا وقع من شاهق، أو في بئر، أو ما شاكل ذلك، فتعلق
بآخر ضمن ديته، وإذا تعلق الثاني بالثالث، ضمن كل من الأول والثاني نصف
دية الثالث، وإذا تعلق الثالث بالرابع، ضمن كل من الثلاثة ثلث دية الرابع، وإذا
تعلق الرابع بالخامس، ضمن كل من الأربعة ربع دية الخامس وهكذا، هذا كله
فيما إذا علم بتعلق المجذوب بالآخر، وإلا فالقتل بالإضافة اليه خطأ محض، و
الدية فيه على العاقلة، نعم يستثنى من ذلك ما إذا وقع أربعة في زبية الأسد، فخر
أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك الثاني بالثالث واستمسك الثالث بالرابع
حتى اسقط بعضهم بعضا على الأسد فقتلهم الأسد، فقضى بالأول فريسة الأسد،
وغرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرم
الثالث لأهل الرابع الدية كامله، وهذا
405

الحكم يكون على خلاف القاعدة، ولكن بما انه منصوص فلا مناص من
الاخذ به والاقتصار على مورده وعدم التعدي عنه إلى سائر الموارد.
(مسألة 1228): لو جذب غيره إلى بئر - مثلا - فسقط المجذوب، فمات
الجاذب بسقوطه عليه فدمه هدر، ولو مات المجذوب فقط، ضمنه الجاذب، فان
كان قاصدا لقتله، أو كان عمله مما يؤدي إلى القتل عادة، فعليه القود، وإلا فعليه
الدية، وإذا مات كلاهما معا فدم الجاذب هدر، ودية المجذوب في مال الجاذب.
(مسألة 1229): لو سقط شخص في بئر - مثلا - فجذب شخصا ثانيا، و
الثاني شخصا ثالثا، فسقطوا فيها جميعا، فماتوا بسقوط كل منهم على الآخر،
فعلى الأول ثلاثة أرباع دية الثاني، وعلى الثاني ربع دية الأول، وعلى كل واحد
من الأول والثاني نصف دية الثالث، ولا شيء على الثالث، ومن ذلك يظهر
الحال فيما إذا جذب الثالث رابعا وهكذا.
ديات الأعضاء
وفيها فصول:
الفصل الأول في دية القطع
(مسألة 1230): في قطع كل عضو من أعضاء الانسان، أو ما بحكمه الدية،
وهي على قسمين:
406

الأول: ما ليس في مقدار خاص في الشرع.
الثاني: ما فيه مقدار كذلك.
اما الأول: فالمشهور أن فيه الأرش ويسمى بالحكومة، وهو أن يفرض
الحر مملوكا فيقوم صحيحا مرة وغير صحيح أخرى، يؤخذ ما به التفاوت بينهما
إذا كانت الجناية توجب التفاوت، واما إذا لم توجبه، فالأمر بيد الحاكم، فله أن
يأخذ من الجاني ما يرى فيه مصلحة، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، و
الأظهر ان الأمر بيد الحاكم الشرعي مطلقا، سواء أكانت الجناية موجبة
للتفاوت أم لا، ولا دليل على ما هو المشهور.
اما الثاني: فهو في ستة عشر موضعا.
الأول: الشعر
في إزالة شعر رأس الرجل وإذهابه بسبب أو آخر إذا لم ينبت مرة أخرى،
الدية كاملة، وان نبت ففيه الحكومة، وفى شعر المرأة إذا حلق، فان نبت ففيه
مهر نسائها، وإن لم ينبت أبدا ففيه الدية الكاملة. وفي شعر الحاجب إذا ذهب كله
، فديته نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا من الذهب المسكوك أو ثلاثة
آلاف درهم من الفضة المسكوكة على الأقرب، وإذا ذهب بعضه فعلى حساب
ذلك. وقد تسأل هل في حلق اللحية دية؟
والجواب: انه لا دية فيه على الأظهر، اما إذا نبت بعد الحلق ففيه الأرش
وتعيينه بيد الحاكم الشرعي، والقول بان فيه ثلث الدية لا يتم
إذ لا دليل عليه غير رواية السكوني وهي ضعيفه، وإذا لم ينبت فالمشهور
407

ان فيه دية كاملة، ولكنه لا يخلو عن اشكال، والا ظهر ان فيه
الحكومة.
الثاني: العينان
وفيهما الدية كاملة، وفي كل منهما نصف الدية، ولا فرق في ذلك بين العين
الصحيحة والعمشاء، والحولاء والجاحظة لا طلاق النص، وعدم توفر وجود
المقيد له، وهل في الأجفان الأربعة: الدية كاملة؟
والجواب: المشهور ذلك، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، والأظهر
العدم، نعم في الجفن الأعلى ثلث دية العين وهو مائة وستة وستون دينارا وثلثا
دينار، وفي الجفن الأسفل نصف دية العين الواحدة وهو مائتان وخمسون دينارا
، واما الأهداب فلا تقدير فيها شرعا، كما انه ليس فيها شيء إذا انضمت مع
الأجفان، وفيها الحكومة إذا انفردت.
(مسألة 1231): لو قلعت الأجفان مع العينين، لم تتداخل ديتاهما.
(مسألة 1232): إذا قلعت العين الصحيحة من الأعور، ففيه الدية كاملة، و
المشهور قيدوا ذلك بما إذا كان العور خلقة، أو بآفة سماوية. واما إذا كان بجناية،
فعليه نصف الدية وفيه اشكال، والأقرب عدم الفرق، كما انه لا فرق فيما إذا كان
العور بالجناية بين ما إذا أخذ الأعور ديتها من الجاني، وما إذا لم يأخذها، وفي
خسف العين العوراء ثلث الدية، من دون فرق في ذلك بين كونه أصليا، أو
عارضيا، وكذلك الحال في قطع كل عضو مشلول، فان الدية فيه ثلث دية
الصحيح.
408

(مسألة 1233): لو قلع عين شخص وادعى انها كانت قائمة لا تبصر، و
ادعى المجني عليه انها كانت صحيحة، ففيه قولان، والأظهر ان القول قول المجني
عليه مع يمينه لمكان اصالة الصحة، وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بينهما في
سائر الأعضاء من هذه الناحية.
الثالث: الأنف
إذا استؤصل الأنف أو قطع مارنه، ففيه الدية كاملة، وفي قطع روثته
نصف ديته.
(مسألة 1234): في دية قطع احدى المنخرين خلاف، قيل انها نصف الدية
وقيل ربع الدية، والصحيح انها ثلث الدية.
الرابع: الأذنان
وفيهما الدية كاملة، وفي إحداهما نصف الدية، وفي بعضها بحساب ذلك،
وفي شحمة الاذن ثلث ديتها.
الخامس: الشفتان
وفيها الدية كاملة، وفي كل منهما نصف الدية على الأظهر، وما قطع منها
فبحسابهما.
409

السادس: اللسان
وفي استيصال اللسان الصحيح الدية كاملة، وفي قطع لسان الأخرس
ثلث الدية، وفيما قطع من لسان فبحسابه مساحة، واما في اللسان الصحيح،
فيحاسب بحروف المعجم، ويعطي الدية بحساب ما لا يفصح منها.
(مسألة 1235): المشهور بين الأصحاب ان حروف المعجم ثمانية وعشرون
حرفا وفيه اشكال، والأظهر: انها تسعة وعشرون حرفا.
(مسألة 1236): لا اعتبار بالمساحة في المقدار المقطوع من اللسان الصحيح
فيما إذا أوجب ذهاب المنفعة، لما عرفت من ان العبرة فيه بحروف المعجم. فلو
قطع ربع لسانه وذهب نصف كلامه، ففيه نصف الدية، ولو قطع نصفه وذهب
ربع كلامه، ففيه ربع الدية، كل ذلك على الأظهر، وان كان الأحوط الجمع بين
دية القطع ودية ذهاب المنفعة.
(مسألة 1237): لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه بقطع بعض لسانه
أو بغير ذلك، فأخذ الدية ثم عاد كلامه قيل، تستعاد الدية، ولكن الصحيح هو
التفصيل بين ما إذا كان العود كاشفا عن ان ذهابه كان عارضيا ولم يذهب حقيقة،
وبين ما إذا ذهب واقعا، فعلى الأول تستعاد الدية، واما على الثاني فلا تستعاد،
لان العود نعمة جديد وهبة من الله تعالى، كما إذا قطع لسانه تم انبته الله تعالى و
اعاده على حالته الأولى.
(مسألة 1238): لو كان اللسان ذا طرفين، كالمشقوق، فقطع أحدهما دون
الآخر، كان الاعتبار بالحروف، فان نطق بالجميع، فلا دية مقدرة وفيه
الحكومة، وان نطق ببعضها دون بعض، اخذت الدية بنسبة ما ذهب منها، وان
كان الأحوط والأولى الجمع بين دية القطع ودية ذهاب المنفعة.
410

(مسألة 1239): في قطع لسان الطفل الدية كاملة، واما إذا بلغ حدا ينطق
مثله وهو لم ينطق، فان علم أو اطمأن بأنه أخرس، ففيه ثلث الدية، وإلا
فالدية كاملة.
السابع: الأسنان
وفيها الدية كاملة، وتقسم الدية على ثمانية وعشرين سنا، ست عشرة
في مواخير الفم، واثنتي عشرة في مقاديمه، ودية كل سن من المقاديم إذا كسرت
حتى تذهب، خمسون دينارا فيكون المجموع ستمائة دينار، ودية كل سن من
المواخير إذا كسرت حتى تذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون
دينارا، فيكون ذلك أربعمائة دينار، والمجموع الف دينار، فيما نقص فلا دية له، و
كذلك ما زاد عليها وفيه الحكومة إذا قلع منفردا.
(مسألة 1240): إذا ضربت السن انتظر بها سنة واحدة، فان وقعت، غرم
الضارب ديتها، وان لم تقع واسودت، غرم ثلثي ديتها، وإذا سقطت بعد
اسودادها، فهل عليه ثلث ديتها؟
والجواب: ان المشهور ذلك وهو لا يخلو عن قوة.
(مسألة 1241): لا فرق في ثبوت الدية بين قلع السن من أصلها الثابت في
اللثة، وبين كسرها منها واما إذا كسرها أحد من اللثة، وقلعها منها آخر، فعلى
الأول ديتها، فان كان السن المكسور من المقاديم، فديته خمسون دينارا، وإذا
كان من المواخير فديته خمسة وعشرون دينارا، وعلى الثاني الحكومة، باعتبار
انه لا مقدر له شرعا.
411

(مسألة 1242): المشهور بين الأصحاب انه لو قلع سن الصغير، أو كسرت
تماما ينتظر بها سنة، فان نبتت لزم الأرش، وإلا ففيها الدية، ولكن دليله غير
ظاهر، فلا يبعد ثبوت الدية مطلقا لاطلاق النص.
(مسألة 1243): لو زرع الانسان في موضع السن المقلوعة عظما فثبت فيه،
ثم قلعه قالع فلا دية فيه، ولكن فيه الحكومة.
الثامن: اللحيان
وهما العظمان يلتقيان في الذقن، ويتصل طرفاهما بالأذن من جانبي
الوجه وعليهما نبات الأسنان، وفيهما الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما نصف
الدية، هذا فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان، ولو قلعا مع الأسنان ففي كل منهما
ديته.
التاسع: اليدان
وفيهما الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما نصف الدية، ولا حكم للأصابع
مع قطع اليد.
(مسألة 1244): لا ريب في ثبوت الدية بقطع اليد من الزند، واما إذا
قطع معها مقدار من الزند ففيه خلاف، والمشهور بين الأصحاب، ان فيه دية
قطع اليد والأرش لقطع الزائد، وفيه اشكال، بل لا يبعد الاقتصار فيه على
الدية فقط.
(مسألة 1245): إذا كان لشخص يدان على زند، إحداهما أصلية و
412

الأخرى زائدة، فان قطعت اليد الأصلية ففيها خمسمائة دينار، وان قطعت اليد
الزائدة، قيل ان ديتها ثلث دية اليد وهو لا يخلو عن اشكال، والأقرب ان
المرجع فيه هو الحكومة.
(مسألة 1246): لو اشتبهت اليد الأصلية بالزائدة ولم يمكن تمييز إحداهما
عن الأخرى لتساويهما في البطش والقوة وغيرهما من الجهات، فان قطعت معا،
ففيه دية اليد الواحدة كاملة والحكومة، وان قطعت إحداهما دون الأخرى،
ففيه الحكومة ما لم تزد على دية اليد الكاملة.
(مسألة 1247): لو قطع ذراع لا كف لها، ففيه نصف الدية وكذا الحال في
العضد.
العاشر: الأصابع
المشهور ان في قطع كل واحد من أصابع اليدين، أو الرجلين، عشر الدية،
وعن جماعة انه في قطع الابهام ثلث دية اليد أو الرجل، وفي كل واحد من
الأربعة البواقي سدس دية اليد أو الرجل، وهل الصحيح منهما القول المشهور أو
القول الثاني؟
والجواب: الأقرب القول الثاني.
(مسألة 1248): دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل ما عدا الابهام،
فان ديتها مقسومة على أنملتين، باعتبار انه لا ثالث لها، فإذا قطع المفصل
الأوسط من الأصابع الأربع، فديتها خمسة وخمسون دينارا وثلث دينار، و
ان قطع المفصل الأعلى منها، فديتها سبعة وعشرون دينارا وثمانية أعشار
413

دينار.
(مسألة 1249): في فصل الظفر من كل إصبع من أصابع اليد، خمسة دنانير
وان لم ينبت الظفر أو نبت اسود، وما قيل من انه لو لم ينبت أو نبت اسود ففيه
عشرة دنانير فهو غير صحيح ولا دليل عليه.
(مسألة 1250): في فصل ظفر الابهام من القدم ثلاثون دينارا، وفي فصله
من كل إصبع غير الابهام عشرة دنانير.
(مسألة 1251): في الأصبع الزائدة في اليد أو الرجل، ثلث دية الإصبع
الصحيحة، وفي قطع العضو المشلول ثلث ديته.
الحادي عشر: النخاع
المشهور ان في قطعه الدية كاملة، وهو لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد فيه
الحكومة، إذ لا دليل على ان في قطعه وحده وهو في محله دية
كاملة.
الثاني عشر: الثديان
وفي قطعهما الدية كاملة، وفي كل منهما نصف الدية، ولو قطعهما مع شيء
من جلد الصدر ففي قطعهما الدية، وفي قطع الجلد الحكومة، ولو أجاف الصدر
مع ذلك، ففيه زائدا على ذلك دية الجائفة.
(مسألة 1252): في كل واحد من الحلمتين من الرجل ثمن الدية، وهو
414

مائة وخمسة وعشرين دينارا من الذهب، وكذلك الحال في قطع حلمة المرأة.
الثالث عشر: الذكر
وفي قطع الحشفة وما زاد، الدية كاملة، ولا فرق في ذلك بين الشاب و
الشيخ والصغير والكبير، وأما من سلت خصيتاه، فان لم يؤد ذلك إلى شلل
ذكره، ففي قطعه تمام الدية، وان أدى اليه، ففيه ثلث الدية، وفي شلله ثلثا الدية،
وكذلك الحال في قطع ذكر الخصي، فان الخصاء ان لم يؤد إلى شلله، ففي قطعه تمام
الدية، وان أدى إلى شلله، ففي قطعه ثلث الدية.
(مسألة 1253): في قطع بعض الحشفة، الدية بنسبة دية المقطوع من
الكمرة.
(مسألة 1254): إذا قطع حشفة شخص، وقطع آخر ما بقي من ذكره، فعلى
الأول الدية كاملة، وعلى الثاني الحكومة.
(مسألة 1255): المشهور ان في قطع ذكر العنين ثلث الدية وهو الأقرب،
على أساس ان دية العضو المشلول ثلث دية الصحيح، وما في رواية السكوني
من ان في قطعه تمام الدية، لا يمكن الاخذ به لضعفها.
(مسألة 1256): في قطع الخصيتين الدية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف
الدية، وقيل في قطع اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى ثلث الدية، وفيه اشكال، و
الأظهر ما هو المشهور من التساوي وعدم الفرق بينهما.
415

الرابع عشر: الشفران
وهما اللحمان المحيطان بالفرج، وفي قطعهما الدية كاملة، وفي قطع واحد
منهما نصف الدية، ولا فرق في ذلك بين المرأة السليمة وغيرها، كالرتقاء و
القرباء والصغيرة والكبيرة والثيب والبكر، وفي قطع الركب وهو في المرأة
كموضع العانة في الرجل، الحكومة.
الخامس عشر: الأليتان
وفي قطعهما معا الدية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف الدية، وفي قطع
البعض من كل منهما الحكومة.
السادس عشر: الرجلان
وفي قطع كلتيهما الدية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف الدية،
ولا فرق في ذلك بين قطعهما من المفصل، أو من الساق أو من الركبة أو من الفخذ
.
(مسألة 1257): في قطع أصابع الرجلين، الدية كاملة.
(مسألة 1258): في قطع الساقين الدية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف
الدية، وكذلك قطع الفخذين.
416

فصل:
1 - دية الكسر 2 - دية الصدع 3 - دية الرض 4 - دية النقل 5 - دية النقب
6 - دية الفك 7 - دية الجرح، في البدن غير الرأس.
(مسألة 1259): المشهور ان في كسر العظم من كل عضو كان له مقدر في
الشرع خمس دية ذلك العضو، فان صلح على غير عيب ولا عثم فديته أربعة
أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية ذلك
العضو، فإذا برئ على غير عيب ولا عثم، فديته أربعة أخماس دية رضه، وفي
فكه من العضو بحيث يصبح العضو عاطلا ثلثا ديته، فان صلح على غير عيب و
لا عثم، فأربعة أخماس دية فكه، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، إذ لا مستند
لذلك بنحو ضابط كلي، بل هو يختلف باختلاف الأعضاء،
ولا تكون النسبة محفوظة في الكل، كما سيأتي شرحه في ضمن المسائل القادمة.
(مسألة 1260): في كسر الظهر الدية كاملة، وكذلك إذا أصيب فأحدب، أو
صار بحيث لا يستطيع الجلوس.
(مسألة 1261): إذا كسر الظهر فجبر على غير عثم ولا عيب، قيل ان فيه
ثلث الدية، وهو لا يخلو عن اشكال، والصحيح ان ديته مائة دينار، وان عثم،
ففيه الف دينار.
(مسألة 1262): إذا كسر الظهر فشلت الرجلان، ففيه دية كاملة وثلثا
الدية، اما الأول فلما مر من ان في كسر الظهر إذا لم يجبر دية كاملة، واما
417

الثاني فلان في شلل كل عضو، ثلثي دية ذلك العضو.
(مسألة 1263): إذا كسر الصلب، فذهب به جماعه، ففيه ديتان، إحداهما:
لكسر الصلب والأخرى لذهاب الجماع، فان فيه دية كاملة.
(مسألة 1264): في موضحة الظهر خمسة وعشرون دينارا، وفي نقل
عظامه خمسون دينارا، وفي قرحته التي لا تبرأ، ثلث دية كسره، وكذلك الحال
في قرحه سائر الأعضاء التي لا تبرأ.
(مسألة 1265): في كسر الترقوة إذا جبرت على غير عثم ولا عيب أربعون
دينارا، وفي صدعها أربعة أخماس دية كسرها، وفي موضحتها خمسة وعشرون
دينارا، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها، وفي نقبها ربع دية كسرها، واما إذا
لم تجبر أو جبرت على عثم وعيب فما حكمها؟
والجواب: ان حكمها الرجوع إلى الحكومة، على أساس ان في كل مورد لم
يكن فيه مقدر شرعا، ففيه الحكومة.
(مسألة 1266): في كسر كل ضلع من الأضلاع التي خالط القلب خمسة و
عشرون دينارا، وفي صدعه اثنا عشر دينارا ونصف دينار، وفي موضحته ربع
دية كسره، وكذا في نقبه، وفي نقل عظامه سبعة دنانير ونصف دينار.
(مسألة 1267): في كسر كل ضلع من الأضلاع التي تلي العضدين عشرة
دنانير، وفي صدعه سبعة دنانير، وفي موضحته ديناران ونصف دينار، وكذا في
نقبه، وفي نقل عظامه خمسة دنانير.
(مسألة 1268): في رض الصدر انثنى شقاه نصف الدية خمسمائة دينار،
وإذا انثنى أحد شقيه ربع الدية مائتان وخمسون دينارا، وكذلك الحال في
418

الكتفين، وفي موضحة كل من الصدر والكتفين خمسمائة وعشرون دينارا.
(مسألة 1269): في كسر المنكب إذا جبر على غير عثم ولا عيب خمس دية
اليد مائة دينار، وفي صدعه ثمانون دينارا، وفي موضحته خمسة وعشرون دينارا
وكذلك الحال في نقبه، وفي نقل عظامه خمسون دينارا، وفي رضه إذا عثم ثلث دية
النفس، وفي فكه ثلاثون دينارا، وإذا لم يجبر أو جبر على عثم وعيب ففيه
الحكومة.
(مسألة 1270): في كسر العضد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس
دية اليد، وفي موضحتها خمسة وعشرون دينارا، وكذلك في نقبها، وفي نقل
عظامها خمسون دينارا.
(مسألة 1271): في كسر الساعد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب ثلث
دية النفس، وفي كسر احدى قصبتي الساعد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب
مائة دينار، وفي صدعها ثمانون دينارا، وفي موضحتها خمسة وعشرون دينارا،
وفي نقل عظامها مائة دينار، وفي نقبها اثنا عشر دينارا ونصف دينار، وفي
نافذتها خمسون دينارا، وفي قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث
دينار، وإذا لم تجبر أو جبرت على عثم وعيب، فالمرجع الحكومة.
(مسألة 1272): في كسر المرافق إذا جبر على غير عثم ولا عيب مائة دينار
، وفي صدعه ثمانون دينارا، وفي نقل عظامه خمسون دينارا، وفي نقبه خمسة و
عشرون دينارا، وكذلك موضحته، وفي فكه ثلاثون دينارا، وفي رضه إذا عثم
ثلث دية النفس.
(مسألة 1273): في كسر كلا الزندين إذا جبرا على غير عثم ولا عيب
419

مائة دينار، وفي كسر أحدهما خمسون دينارا، وفي نقل عظامها نصف دية
كسرها.
(مسألة 1274): في رض إحدى الزندين إذا جبر على غير عيب ولا عثم
ثلث دية اليد.
(مسألة 1275): في كسر الكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب أربعون
دينارا، وفي صدعها اثنان وثلاثون دينارا، وفي موضحتها خمسة وعشرون
دينارا، وفي نقل عظامها عشرون دينارا ونصف دينار، وفي نقبها ربع دية
كسرها، وفي قرحة لا تبرأ ثلاثة عشر دينار أو ثلث دينار.
(مسألة 1276): في كسر قصبة ابهام الكف إذا جبرت على غير عثم ولا
عيب ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وفي صدعها ستة وعشرون دينارا و
ثلثا دينار، وفي موضحتها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي نقل عظامها ستة عشر
دينارا وثلثا دينار، وفي نقبها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي فكها عشرة دنانير
.
(مسألة 1277): في كسر كل قصبة من قصب أصابع الكف دون الإبهام إذا
جبرت على غير عثم ولا عيب عشرون دينارا وثلثا دينار، وفي موضحة كل
قصبة من تلك القصب الأربع أربعة دنانير وسدس دينار، وفي نقل كل قصبة
منهن ثمانية دنانير وثلث دينار.
(مسألة 1278): في المفصل الثاني من أعلى الابهام في الكف إذا كسر فجبر
على غير عثم ولا عيب ستة عشر دينارا وثلثا دينار، وفي موضحتها أربعة
دنانير وسدس دينار، وكذا في نقبها، وفي صدعها ثلاثة عشر دينارا وثلث
دينار، وفي نقل عظامها خمسة دنانير.
420

(مسألة 1279): في كسر كل مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكف غير
الابهام ستة عشر دينارا وثلثا دينار، وفي صدع كل قصبته منهن ثلاثة عشر
دينارا وثلث دينار، وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي موضحتها
أربعة دنانير وسدس دينار، وكذلك في نقبها، وفي فكها خمسة دنانير.
(مسألة 1280): في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر
دينارا وثلث دينار، وفي صدعه ثمانية دنانير ونصف دينار، وفي موضحته
ديناران وثلث دينار، وكذا في نقبه، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث دينار،
وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار.
(مسألة 1281): في كسر المفصل الأعلى من الأصابع الأربع خمسة دنانير و
أربعة أخماس دينار، وفي صدعه أربعة دنانير وخمس دينار، وفي موضحته
ديناران وثلث دينار، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث دينار، وفي نقبه
ديناران وثلثا دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلث دينار.
(مسألة 1282): في كسر ورك كلتا الرجلين معا إذا جبر على غير عثم ولا
عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، وفي كسره في إحداهما إذا جبر على غير
عثم ولا عيب مائة دينار، وإذا لم يجبرا وجبر على عثم وعيب، ففيه الحكومة، و
في صدع الورك أربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره خمسون
دينارا، وفي رضه إذا عثم ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا و
ثلث دينارا، في رض أحدهما إذا عثم سدس دية النفس، وفي نقل عظام أحدهما
مائة وخمسة وسبعون دينارا، لكسرها مائة دينار ولنقل عظامه فقط خمسون
دينارا، ولموضحته خمسة وعشرون دينارا، وفي فكه ثلاثون دينارا.
(مسألة 1283): في كسر الفخذ في كلتا الرجلين إذا جبرت على غير عثم و
421

لا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، فان عثمت فديتها ثلث دية الرجلين
ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وفي صدعها أربعة أخماس دية
كسرها ثمانون دينارا، إذا كان صدعها في احدى الرجلين ومائة وستون دينارا
إذا كان في كليتهما وفي موضحتها ربع دية كسرها، وكذلك في نقبها، وفي نقل
عظامها نصف دية كسرها، وان كانت فيها قرحة لا تبرأ، فديتها ثلث دية
كسرها.
(مسألة 1284): في كسر الركبة إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس
دية الرجل، فان كان في احدى الرجلين فديته مأة دينار، وان كان في كلتيهما معا
، فديته مائتان، وفي صدعها أربعة أخماس دية كسرها، فان كان في رجل واحدة
فديته ثمانون دينارا، وإن كان في الرجلين فديته مأة وستون دينارا، وفي
موضحتها ربع دية كسرها، وكذلك في نقبها، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها
، ودية فكها ثلاثون دينارا، وفي رضها إذا عثمت ثلث دية النفس، وفي قرحتها
التي لا تبرأ ثلث دية كسرها.
(مسألة 1285): في كسر الساق إذا جبرت على غير عثم ولا عيب مائة
دينار، وفي صدعها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستون دينارا إذا كان في
كلتيهما وثمانون دينارا خمس دية الرجلين إذا كان في إحداهما، وفي موضحتها
خمس دية كسرها، وكذلك في نقل عظامها وفي نفوذها، ودية نقبها نصف دية
موضحتها، وفي قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وإذا
عثمت الساق فديتها ثلث دية النفس.
(مسألة 1286): في رض الكعبين إذا جبرتا على غير عثم ولا عيب ثلث
دية النفس، وفي رض إحداهما إذا جبرت على غير عثم ولا عيب نصف ذلك، و
إذا لم تجبر أو جبرت على عثم أو عيب ففيه الحكومة.
422

(مسألة 1287): في القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس
دية الرجلين مائتا دينار، وفي موضحتها ربع دية كسرها، وفي نقل عظامها
نصف دية كسرها، وفي نافذتها التي لا تنسد خمس دية النفس، وفي ناقبتها ربع
دية كسرها.
(مسألة 1288): دية كسر قصة الابهام التي تلي القدم خمس دية الابهام،
فان كسرت قصبة الابهامين معا فديته ستة وستون دينارا وثلث دينار وان
كسرت قصبة إحداهما فديته ثلاثة وثلاثون دينار وثلث دينار، وفي نقل
عظامها نصف دية كسرها وكذلك الحال في صدعها، ودية موضحتها ونقبها و
فكها كديتها في اليد، ودية كسر الأعلى من الإبهام - وهو الثاني الذي فيه الظفر -
كدية كسر الاعلى من الابهام في اليد، وكذلك الحال في موضحتها ونقبها و
صدعها، وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي فكها خمس دنانير، و
في كسر قصبة كل من الأصابع الأربع سوى الابهام ستة عشر دينار وثلث
دينارا، ودية صدعها ثلاثة عشر دينارا وثلث دينار، ودية موضحتها ونقبها و
نقل عظامها كديتها في اليد، وفي قرحة لا تبرأ في القدم ثلاثة وثلاثون دينارا و
ثلث دينار.
(مسألة 1289): في كسر المفصل الأخير من كل من الأصابع الأربع من
القدم غير الابهام ستة عشر دينارا وثلث دينار، وفي صدعها ثلاثة عشر
دينارا وثلث دينار، وفي كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر
دينار وثلث دينار، وفي صدعها ثمانية دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي
موضحتها ديناران، وفي نقل عظامها خمسة دنانير وثلث دينار، ودية نقبها
كديته في اليد، وفي فكها ثلاثة دنانير، ودية كسر المفصل الاعلى منها كديته
في اليد، وكذلك في صدعها، وفي موضحتها دينار وثلث دينار، وكذلك في
423

نقبها، وفي نقل عظامها ديناران وخمس دينار، وفي فكها ديناران وأربعة
أخماس دينار.
(مسألة 1290): لو نفذت نافذة من رمح، أو خنجر في شيء من أطراف
البدن، فديتها مائة دينار.
(مسألة 1291): في قرحة كل عضو إذا لم تبرأ، ثلث دية ذلك العضو.
(مسألة 1292): إذا اجتمع بعض ما فيه الدية المقدرة شرعا مع بعضها
الآخر كذلك فلكل ديته، نعم إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة وكانتا مترتبتين،
وكانت دية إحداهما أغلظ من الأخرى، دخلت دية غير الأغلظ في الأغلظ،
كدخول دية الأطراف في دية النفس. ويمكن تعيين مقدار الدية في جميع هذه
الموارد بالتصالح والتراضي.
دية الجناية على منافع الأعضاء
وهي كما يلي:
الأول: العقل
وفي ذهابه دية كاملة، وهل يثبت الدية فيما إذا رجع العقل أثناء السنة؟
والجواب: ان المشهور على ثبوت الدية، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل
منع، والأظهر عدم الثبوت، فالمرجع فيه الحكومة، واما إذا تمت السنة ولم
424

يرجع، استحق الدية وان رجع بعد ذلك.
(مسألة 1293): إذا جنى على شخص بما أوجب نقصان عقله، لم تثبت الدية
، فالمرجع فيه الحكومة، وكذلك فيما أوجب جنونا أدواريا.
(مسألة 1294): لو شج شخصا شجة فذهب بها عقله، فان كانت الشجة و
ذهاب العقل بضربة واحدة، تداخلت ديتاهما، وان كانا بضربتين فجنى بكل
ضربة جناية، لم تتداخلا.
الثاني: السمع
وفي ذهابه كله دية كامله، وفي ذهاب سمع احدى الأذنين كله نصف الدية
، وإذا جنى على رجل فادعى ذهاب سمعه كله قبل قوله ان صدقه الجاني، واما
إذا أنكره، أو قال لا اعلم ذلك، أجل إلى سنة ويترصد واستغفل بسؤاله، فان
انكشف الخلاف وبان انه يسمع، أو شهد شاهدان بذلك، فليس له مطالبة الدية
، وإلا فعليه ان يحلف، فان حلف أعطاه الدية.
(مسألة 1295): لو ادعى المجني عليه النقص في سمع كلتا الأذنين، فان
ثبت ذلك ببينة فبها، وإلا فعليه القسامة بالنسبة، بمعنى ان المدعي ان كان
ثلث سمعه حلف هو وحلف معه رجل واحد، وان كان نصف سمعه حلف
هو وحلف معه رجلان. وهكذا، ولو ادعى النقص في إحداهما قيست إلى
الصحيحة بأن تسد الناقصة سدا جيدا وتطلق الصحيحة ويصاح به ويتباعد
عنه حتى يقول لا اسمع فان، علم أو اطمئن بصدقه فهو، وإلا يعلم ذلك
المكان ثم يعاد عليه من طرف آخر كذلك، فان تساوت المسافتان صدق، و
425

إلا فلا ثم بعد ذلك تطلق الناقصة وتسد جيدا ويختبر بالصيحة، أو بغيرها، حتى
يقول لا اسمع. فان علم، أو اطمئن بصدقه وإلا يكرر عليه الاختبار، فان
تساوت المقادير صدق، ثم تمسح المسافتان الأولى والثانية فتؤخذ الدية
- عندئذ - من الجاني بنسبة التفاوت، وتعطى له بعد اتيانه بالقسامة على ما
يدعي من النقص في سمع احدى اذنيه.
(مسألة 1296): إذا وجب قطع الاذنين ذهاب السمع، ففيه ديتان، دية
لقطعهما، ودية لذهاب السمع.
الثالث: ضوء العينين
وفي ذهابه منهما الدية كاملة، وفي ذهابه من إحداهما نصف الدية، وان
ادعى المجني عليه ذهاب بصره كله، فان صدقه الجاني فعليه الدية،
وان أنكره، أو قال لا اعلم، اختبر بجعل عينيه في قبال نور قوي كالشمس و
نحوها، فان لم يتمالك حتى غمض عيينة فهو كاذب ولا دية له، وان بقيتا
مفتوحتين، كان صادقا واستحق الدية، مع الاستظهار بالأيمان، وان عاد البصر
بعد مدة، فان كان كاشفا عن عدم الذهاب من الأول، فلا دية وفيه الحكومة، و
ان لم يكشف عن ذلك ففيه الدية.
(مسألة 1297): إذا اختلف الجاني والمجني عليه في العود وعدمه، فان أقام
الجاني البينة على ما يدعيه فهو، والا فالقول قول المجني عليه مع
الحلف.
(مسألة 1298): لو ادعى المجني عليه النقصان في إحدى عينيه وانكره
426

الجاني، أو قال لا اعلم، اختبر ذلك بقياسها بعينه الأخرى الصحيحة، ومع ذلك
لابد في اثبات ما يدعيه من القسامة، فان ادعى النقص في سدس بصره حلف
هو وحده وأعطي الدية، وان كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد
، وان كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وان كان ثلثي بصره
حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وان كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف
معه أربعة نفر، وان كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر، ولو ادعى
النقص في العينين، كان القياس بعين من هو من أبناء سنه المتعارف.
(مسألة 1299): لا تقاس العين في يوم غيم، وكذا لا تقاس في ارض مختلفة
الجهات علوا وانخفاضا ونحو ذلك، مما يمنع عن معرفة
الحال.
الرابع: الشم
وفي اذهابه من كلا المنخرين الدية كاملة، وفي إذهابه من أحدهما نصف
الدية، ولو ادعى المجني عليه ذهابه عقيب الجناية الواردة عليه، فان صدقه
الجاني فهو، وان أنكره أو قال لا أعلم، اختبر بالحراق ويدني منه، فان دمعت
عيناه ونحى رأسه فهو كاذب، وإلا فصادق - وحينئذ - قيل ان عليه خمسين
قسامة، ولكن دليله غير ظاهر، بل الظاهر انها من الستة الاجزاء الواردة في
المنافع.
(مسألة 1300): إذا أدعى المجني عليه النقص في الشم، فعليه أن يأتي
بالقسامة على النحو المتقدم في السمع.
427

(مسألة 1301): إذا أخذ المجني عليه الدية ثم عاد الشم، فان كان العود
كاشفا عن عدم ذهابه من الأول، فللجاني أن يسترد الدية وللمجني عليه أن
يرجع إليه بالحكومة، وإلا فليس للجاني حق الاسترداد، اما في صورة العلم
بعدم العود وان هذا هبة جديدة من الله تعالى فالأمر ظاهر، واما في صورة الشك
واحتمال ان هذا هبة من الله تعالى، فمن اجل ان المجني عليه قد أثبت الذهاب
بالجلف وأخذ الدية بحكم الحاكم، وحينئذ فليس للجاني الرجوع بالدية ما لم
يثبت العود، إذ بمجرد الشك لا يمكن نقض حكم الحاكم.
(مسألة 1302): لو قطع انف شخص فذهب به الشم أيضا، فعليه ديتان،
دية القطع ودية ذهاب الشم.
الخامس: النطق
وفي ذهابه بالضرب أو غيره، دية كاملة، وفي ذهاب بعضه الدية بنسبة
ما ذهب، بأن تعرض عليه حروف المعجم كلها ثم تعطي الدية بنسبة ما لم يفصحه
منها.
(مسألة 1303): لو ادعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية كلا، فان صدقه
الجاني فهو، وإن أنكره أو قال لا اعلم، اختبر بالوسائل الممكنة فان ظهر بعد
الاختبار بها انه كاذب، فلا شيء على الجاني، وإن ظهر انه صادق فعليه الدية، و
الظاهر اعتبار القسامة هنا أيضا على النحو المتقدم في السمع والبصر، وإذا عاد
النطق فالكلام فيه هو الكلام في نظائره، وفي الحاق الذوق بالنطق اشكال، و
الأظهر ان فيه الحكومة، وكذلك الحال في ما يوجب نقصان الذوق.
428

(مسألة 1304): إذا أوجبت الجناية ثقلا في اللسان، أو نحو ذلك مما
لا تقدير له في الشرع، كالجناية على اللحيين بحيث يعسر تحريكهما، ففيه
الحكومة.
(مسألة 1305): لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه، ثم جنى عليه
آخر فذهب بعضه الآخر، فعلى كل منهما الدية بنسبة ما ذهب بجنايته.
(مسألة 1306): لو جنى على شخص فذهب كلامه كله، ثم قطع هو أو آخر
لسانه، ففي الجناية الأولى تمام الدية، وفي الثانية ثلثها، باعتبار انه صار أخرس،
وقد تقدم ان في قطع لسان الأخرس ثلث الدية.
السادس: صعر العنق
والمشهور ان في صعره وهو ان يثني عنقه ويميل إلى الحد الجانبين دية
كاملة، وهو لا يخلو عن اشكال، فلا يبعد الرجوع فيه إلى الحكومة، نعم الصعر
إذا كان على نحو لا يقدر على الالتفات، ففيه نصف الدية.
السابع: كسر البعصوص
في كسر بعصوص الانسان رجلا كان أم امرأة بحيث لا يملك استه، الدية
كاملة.
429

الثامن: سلسل البول
في سلسل البول والغائط إذا استمر دية كاملة، وهل يكفي السلس في
النهار فقط دون الليل؟
والجواب: لا يبعد الكفاية.
التاسع: الصوت
وفي ذهاب الصوت كله من الغنن والبحح دية كاملة، وفي ذهاب مقدار
منه الحكومة.
العاشر: أدرة الخصيتين
إذا أصيب رجل فأدر خصيتاه كلتاهما فديته أربعمائة دينار، وان فحج أي
تباعد رجلاه، بحيث لا يستطيع المشي النافع له، فديته أربعة أخماس دية النفس
ثمانمائة دينار.
الحادي عشر: تعذر الأنزال
المشهور ان من أصيب بجناية فتعذر عليه الانزال في الجماع، ففيه دية
كاملة، وفيه اشكال، فالأظهر ان فيه الحكومة، وقد تسأل ان مقتضى القاعدة
العامة وهي قوله (عليه السلام): " كل ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة " ان في
تعذر الانزال في الجماع تمام الدية؟
430

والجواب: ان القاعدة لا تشمل مثل ذلك، لأنها مختصة بأعضاء
الانسان.
الثاني عشر: دوس البطن
من داس بطن انسان بحيث خرج منه البول أو الغائط أو يداس بطنه حتى
يحدث في ثيابه، فهل عليه الدية؟
والجواب: ان عليه ثلث الدية عند الأكثر، ولكنه لا يخلو عن تأمل، بل و
لا يبعد ان تكون فيه الحكومة، وكذلك إذا داس بطنه وخرج منه ريح فقط، فان
فيه الحكومة.
الثالث عشر: خرق مثانة البكر
المشهور ان من افتض بكرا بأصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها، فعليه
ديتها كاملة، ولكنه لا يخلو عن اشكال، فالأظهر ان فيه ثلث ديتها ومثل مهر
نساء قومها.
الرابع عشر: الإفضاء
(مسألة 1307): في افضاء المرأة دية كاملة إذا كان المفضي أجنبيا، واما
إذا كان المفضي زوجها، فان أفضاها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وان
أفضاها قبل بلوغ تسع سنين، فان طلقها فعليه الدية، وان امسكه فلا شيء
431

عليه.
(مسألة 1308): إذا أكره امرأة فجامعها فأفضاها فعليه الدية والمهر معا، و
هل يجب عليه أرش البكارة - إذا كانت بكرا - زائدا على المهر، قيل يجب وهو
ضعيف، فالصحيح عدم وجوبه.
الخامس عشر: تقلص الشفتين
قال الشيخ: ان فيه دية كاملة وهو لا يخلو عن اشكال، والأظهر أن فيه
الحكومة.
السادس عشر: شلل الأعظاء
الأقرب ان في شلل كل عضو تمام دية ذلك العوض، وفي الذكر إذا شل،
الدية كاملة.
(مسألة 1309): المشهور ان في انصداع السن ثلثي ديتها وان وصلت إلى
حد الشلل، فقد مر انه لا يبعد ان يكون فيه تمام الدية.
دية الشجاج والجراح
الشجاج: هو الجرح المختص بالرأس والوجه وهو على أقسام:
432

الأول: الخارصة
وقد يعبر عنها بالدامية، وهي التي تسلخ الجلد ولا تأخذ من اللحم و
فيها بعير، أي جزء من مائة جزء من الدية، وقد تسأل هل يجوز للجاني ان
يؤدي الدية من سائر أصنافها أو يتعين عليه البعير؟
والجواب: يجوز اعطائها من سائر الأصناف، بان يعطي بدل البعير عشرة
مثاقيل من الذهب أو مائة وعشرين مثقال من الفضة وهكذا، وبذلك يظهر
حال المسائل القادمة.
الثاني: الدامية
وقد يعبر عنها ب‍ (الباضعة) وهي التي تأخذ من اللحم يسيرا، وفيها
بعيران.
الثالث: الباضعة
وقد يعبر عنها ب‍ (المتلاحمة) وهي التي تأخذ من اللحم كثيرا،
ولا تبلغ السمحاق، وفيها ثلاثة أباعر.
الرابع: السمحاق
وهو الذي يبلغ الجلد الرقيق بين العظم واللحم، وفيه أربعة من الإبل.
433

الخامس: الموضحة
وهي التي توضح العظم، وفيها خمس من الإبل.
السادس: الهاشمة
المشهور ان في هشم العظم عشرة من الإبل، وفيه اشكال ولا يبعد ان
يكون الحكم فيه الحكومة.
السابع: المنقلة
وهي التي تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله تعالى فيه إلى موضع آخر
، وفيها خمس عشرة من الإبل، والحكم فيه متعلق بالنقل وإن لم يكن جرحا.
الثامن: المأمومة
وهي تبلغ تبلغ ام الدماغ، وفيها ثلث الدية: ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون
دينارا وثلث دينار، ويكفي فيها ثلاث وثلاثون من الإبل، وكذا الحال في
الجائفة.
(مسألة 1310): في ما ذكرناه من المراتب تدخل المرتبة في المرتبة العالية إذا
كانتا بضربة واحدة، واما إذا كانتا بضربتين فلكل منهما ديته، من دون فرق بين
أن تكونا من شخص واحد، أو من شخصين.
434

(مسألة 1311): لو أوضح موضحتين فلكل منهما ديتها، ولو أوصل آخر
احدى الموضحتين بالأخرى بجناية ثالثة فعليه ديتها، ولو كان ذلك بفعل المجني
عليه فهي هدر وان كان ذلك بفعل الجاني، أو بالسراية، فهل هذا يوجب اتحاد
الموضحتين، أو هو موضحة ثالثة، أو فيه تفصيل، وجوه بل أقوال، والأقرب
انه موضحة ثالثة عرفا إذا كان بفعل الجاني، واما إذا كان بالسراية، فهو وان لم
يكن موضحة ثالثة عرفا إذا كان بفعل الجاني، واما إذا كان بالسراية، فهو وان لم
يكن موضحة ثالثة، ولكن هل عليه فيها شيء؟
والجواب: لا يبعد ذلك بالحكومة، شريطة ان تكون السراية أكثر من
المقدار المعتاد والمتعارف في الجروح.
(مسألة 1312): إذا اختلفت مقادير الشحة في الضربة الواحدة أخذت دية
الأبلغ عمقا، كما إذا كان مقدار منها خارصة، ومقدار منها متلاحمة، والأبلغ
عمقا موضحة، فالواجب هو دية الموضحة.
(مسألة 1313): إذا جرح عضوين مختلفين لشخص كاليد والرأس، كان
لجرح كل عضو حكمه، فان كان جرح الرأس بقدر الموضحة - مثلا - وجرح
الآخر دونها، ففي الأول دية الايضاح، وفي الثاني دية ما دونه، ولا فرق في
ذلك بين ان يكون الجرحان بضربة واحدة، أو بضربتين، ولو جرح موضعين
من عضو واحد كالرأس، أو الجبهة أو نحو ذلك، جرحا متصلا، ففيه دية
واحدة.
(مسألة 1314): لو جنى شخص على آخر بموضحة، فجنى آخر بجعلها
منقلة، وثالث بجعل المنقلة مأمومة، فالدية على الأول خمس من الإبل اي
خمس اجزاء من مائة جزء من الدية، وله ان يدفع خمسين مثقالا شرعيا من
435

الذهب المسكوك وستمائة درهم من الفضة المسكوك، إذ لا خصوصية للإبل، و
هل حينئذ على الثاني والثالث تمام الدية أو ما به التفاوت بين دية الأولى ودية
الثانية؟
والجواب: ان الأظهر هو الأول، فيكون على الثاني تمام دية المنقلة، وعلى
الثالث تمام دية المأمومة، إذ لا دليل على التداخل، ووجوب خصوص ما به
التفاوت على الثاني والثالث، نعم لو كانت تلك الجنايات بضربة واحدة، لكانت
الدية واحدة وهي الدية على أغلظ الجنايات، واما إذا كانت بضربة متعددة،
فلكل واحدة منها ديتها، ولا وجه للتداخل، ولا فرق في ذلك بين ان يكون
الجاني واحدا أو متعددا.
(مسألة 1315): الجائفة، وهي التي تصل الجوف بطعنة، أو رمية، فيها
ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، ولا تختص بما
يدخل جوف الدماغ، بل يعم الداخل في الصدر والبطن أيضا، ويكفي فيها
ثلاث وثلاثون من الإبل.
(مسألة 1316): لو جرح عضوا ثم أجافه، مثل ان يشق الكتف إلى أن
يحاذي الجنب ثم يجيفه، لزمه دية الجرح ودية الجائفة.
(مسألة 1317): لو أجافه كان عليه دية الجائفة، ولو أدخل فيه سكينا ولم
يزد عما كان عليه، فعليه التعزير، وإذ زاد باطنا فحسب أو ظاهرا كذلك، ففيه
الحكومة، ولو زاد فيهما معا، فهو جائفة أخرى، فعليه ديتها.
(مسألة 1318): لو كانت الجائفة مخيطة ففتقها شخص، فان كانت بحالها و
غير ملتئمة ففيه الحكومة، وان كانت ملتئمة، فهي جائفة جديدة وعليه ثلث
الدية.
436

(مسألة 1319): لو طعنه في صدره فخرج من ظهره، فهل عليه دية
واحدة لوحدة الطعنة، أو متعددة لخروجه من الظهر؟ وجهان قيل بأنه جائفة
واحدة وفيها ديتها، والأظهر ان ديته أربعمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث
دينار.
(مسألة 1320): في دية حزم الأذن خلاف، قيل انها ثلث ديتها وفيه
اشكال، والأظهر فيه الرجوع إلى الحكومة.
(مسألة 1321): لو كسر الأنف ففسد، فالمشهور بين الأصحاب ان فيه دية
كاملة، وهو لا يخلو عن اشكال، والأقرب فيه الرجوع إلى الحكومة.
(مسألة 1322): إذا كسر الأنف فجبر على غير عيب ولا عثم، فالمشهور
ان ديته مائة دينار، وهو لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد الرجوع فيه إلى
الحكومة، وكذلك الحال فيما إذا جبر على عيب وعثم.
(مسألة 1323): إذا نفذت في الأنف نافذة، فان انسدت وبرأت، ففيه
خمس دية روثة الانف، وما أصيب منه فبحساب ذلك، وان لم تنسد، فديته
ثلث دية النفس، وان كانت النافذة في احدى المنخرين إلى الخيشوم، وهو
الحاجز بين المنخرين، فديتها عشر دية روثة الانف، وان كانت نافذة في
احدى المنخرين إلى المنخر الأخرى أو في الخيشوم إلى المنخر الأخرى، فديتها
ستة وستون دينارا وثلث دينار.
(مسألة 1324): إذا انشقت الشفة العليا، حتى يبدو منها الأسنان، ثم
برأت والتأمت، ففيه خمس ديتها مائة دينار، وان أصيبت الشفة العليا،
فشينت شينا قبيحا فديتها مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وان
أصيبت الشفة السفلى وانشقت حتى يبدو منها الأسنان ثم برأت والتأمت،
437

فديتها مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وان أصيبت فشينت شينا
قبيحا، فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
(مسألة 1325): في احمرار الوجه باللطمة دينار ونصف، وفي اخضراره
ثلاثة دنانير، وفي اسوداده ستة دنانير، وان كانت هذه الأمور في البدن، فديتها
نصف ما كان في الوجه.
(مسألة 1326): إذا نفذت في الخد نافذة يرى منها جوف الفم، فديتها مائتا
دينار، فان دووي وبرىء والتأم وبه أثر بين وشتر فاحش، فديته خمسون
دينارا زائدة على المائتين المذكورتين، وان لم يبق به أثر بين وشتر، لم يجب الزائد
، فان كانت النافذة في الخدين كليهما من دون ان يرى منها جوف الفم، فديتها
مائة دينار، فان كانت موضحة في شيء من الوجه، فديتها خمسون دينارا، فان
كان لها شين، فدية شينه ربع دية موضحته، فان كانت رمية بنصل نشبت في
العظم حتى نفذت إلى الحنك، ففيها ديتان، دية النافذة وهي مائة دينار، ودية
الموضحة وهي خمسون دينارا، فان كان جرحا ولم يوضح ثم برئ وكان في أحد
الخدين فديته عشرة دنانير، فان كان في الوجه صدع فديته ثمانون دينارا، فان
سقطت منه جذمة لحم ولم توضح وكانت قدر الدرهم فما زاد على ذلك فديته
ثلاثون دينارا، ودية الشجة الموضحة، أربعون دينارا إذا كانت في الجسد.
(مسألة 1327): دية الشجاج في الرأس والوجه سواء.
438

حكم إجهاض الحمل قبل ولوج الروح
(مسألة 1328): تحرم عملية الإجهاض من الناحية الشرعية من أولى
مراحل الحمل وتكون الجنين في رحم المرأة المتمثلة في النطفة الملقحة المخصبة
من بويضة المرأة و حويمن الرجل المستقرة في الرحم، فإنها المرحلة الأولى
للحمل ولحظة كونها آخذة في النمو والتطور الذاتي التدريجي من مرحلة إلى
مرحلة ثانية أقوى وأكمل إلى ان تصبح خلقا آخر وهو الانسان الكامل بقدرته
تعالى وحكمته في فترة زمنية لا تتجاوز عن أربعة اشهر.
وقد تسأل هل يجوز اسقاط مني الرجل قبل التلقيح والتخصيب مع
بويضة المرأة؟
والجواب: الظاهر انه يجوز، على أساس انه ليس من أولى مراحل الحمل
ومبدء تكون الجنين في الرحم. والمحرم انما هو اسقاط الحمل واجهاضه بتمام
مراتبه من المبدء إلى المنتهى، والمنى ما لم يلقح ولم يخصب ببويضة المرأة لم يكن
من مبدء الحمل وأولى مراحله، فلا مانع من قيام المرأة حينئذ بالقائه، ومع هذا
فالاحتياط أولى وأجدر، وتنص على ذلك صحيحة رفاعة بقوله (عليه السلام) " ان
النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقه ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وان
النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء " بتقريب انها تبين المراد من
النطفة التي لا يجوز القيام بعملية اسقاطها وإجهاضها، وانها هي التي وقعت في
الرحم وبدأت بالنمو والحركة نحو المراحل المتقدمة، وتمتاز عن النطفة التي لم تقع
في الرحم، فإنها ليست مبدء
439

للخلق والحمل، فاذن تكون هذه الصحيحة حاكمة على سائر الروايات
ومفسرة للمراد من النطفة التي تدل تلك الروايات على عدم جواز اسقاطها، و
توضح بان المعيار فيه انما هو بوقوع النطفة في الرحم واستقرارها فيه فإنه لا
يجوز اسقاطها معللا بأنها آخذة في النمو والتطور إلى الامام، واما النطفة التي لم
تقع في الرحم، فيجوز اسقاطها معللا بأنها ليست مبدء للخلق، يعني انها ليست
آخذة في التطور والرشد، فاذن الضابط العام في جواز الاسقاط وعدم جوازه إنما
هو بذلك.
الاستثناء من حرمة عملية الإجهاض
قبل ولوج الروح وموارده
الأول: ان يكون بقاء الحمل في رحم المرأة حرجيا، وعندئذ فيجوز لها
ان تقوم بعملية الإسقاط تطبيقا لقاعدة لا حرج.
الثاني: ان يكون بقاء الحمل ضرريا بسبب تدهور صحتها، كما إذا
كانت مبتلاة بالسكر أو القلب أو الضغط والحمل يؤدي إلى زيادة، وهذه الزيادة
وان كانت قابلة للتحمل ولا يكون حرجيا، إلا انها ضررية بأكثر مما تتطلب
طبيعة الحمل، وحينئذ فتجوز لها القيام بعملية الإسقاط والإجهاض تطبيقا
لقاعدة لا ضرر على الأظهر، وان كان الاحتياط أولى وأجدر.
الثالث: ان الجنين إذا كان مشوها ومصابا بعاهة خلقية، كما إذا
استكشف ذلك بالوسائل التقنية الحديثة، ولكن هل مجرد ذلك يكفي لجواز
الاسقاط، ما لم يكن حمله عليها حرجيا، والجواب انه لا يكفي.
440

الرابع: ان الحمل إذا كان من زنا، قيل بجواز اسقاطه ولكنه لا يخلو عن
اشكال بل منع، إلا إذا كان بقائه في رحمها حرجيا عليها بسبب من الأسباب، و
قد تسأل هل عليها الدية في تلك الموارد إذا مارست عملية الاسقاط بنفسها و
مباشرة؟
والجواب: نعم عليها الدية، فان الساقط انما هو حرمة العملية تكليفا، و
اما الدية فلا دليل على اسقاطها، وهي تختلف باختلاف مراتب الحمل، كما
سوف يأتي شرح ذلك.
(مسألة 1329): قد تسأل هل تجوز للمرأة استخدام وسائل الاجهاض إذا
شكت في الحمل؟
والجواب: ان كان شكها من جهة ظهور بعض الأمارة الغالبية للحمل،
كتأخير حدوث الحيض عن موعدها المقرر لذات العادة الوقتية أو غيره، مما
يظهر لها غالبا في الشهر الأول من الحمل، فالظاهر انه لا يجوز لها استخدام تلك
الوسائل أو الأدوية المجهضة، وإن لم يكن شكها من جهة ذلك بل مجرد احتمال،
فلا يبعد الجواز.
اجهاض الجنين بعد ولوج الروح وحكمه
(مسألة 1330): يحرم القيام بعملية إجهاض الجنين بعد ولوج، فيه وإن كان
بقائه في رحم المرأة حرجيا عليها، إذ ليس بإمكانها شرعا ان تقوم بعملية
الاجهاض والقتل، تطبيقا لقاعدة لا حرج.
وقد تسأل هل يجب على الشخص حفظ النفس المحترمة إذا كان
441

حرجيا أو ضرريا عليه؟
والجواب: نعم يجب عليه ذلك، ولا يجوز له شرعا تركها للتهلكة بالفرق
أو الحرق أو بيد ظالم، تطبيقا لقاعدة لا حرج ولا ضرر.
(مسألة 1331): قد تسأل هل يجوز للأم ان تقوم بعملية اسقاط جنينها بعد
ولوج الروح إذا كان خطرا عليها؟
والجواب: ان الخطر المتوجه إلى الأم ان كان دون الموت، لم يجز لها
الإسقاط، وان كان تحمل ذلك الخطر حرجيا عليها، وان كان الموت، جاز لها
ظاهرا ان تقوم بعملية الاسقاط والإجهاض بغرض الحفاظ على نفسها، إذ لا
يجب عليها ان تقوم بحفظ نفس غيرها مقدمة لإلقاء نفسها في التهلكة، وبكلمة
ان الأمر في المقام يدور بين حفظ نفسها من الهلاك وحفظ نفس الجنين، وحينئذ
فان كانت تقوم بعملية الاجهاض، فقد أنقذت نفسها من الهلاك، والا فقد
أتاحت الفرصة لإنقاذ نفس الجنين، ولا ترجيح للثاني على الأول، هذا إذا أمكن
انقاذ نفس الجنين من الهلاك إذا لم تقم الأم بالأجهاض، واما إذا لم يمكن انقاذه
لسبب ما من الهلاك، سواء أقامت الأم بعملية الأجهاض لانقاذ حياتها أم لا، كما
إذا دار الأمر في المقام بين هلاك الام والجنين معا وبين هلاك الجنين فقط وانقاذ
الأم وحدها ففي مثل هذه الحالة لا شبهة في جواز قيام الأم بالأجهاض
للمحافظة على نفسها، إذ قتل الجنين في هذه الصورة أهون من ان تسبب الأمر
لإنتحار نفسها وقتلها، باعتبار أنه لا أمل في حياته على كل حال.
(مسألة 1332): قد تسأل هل يجوز ان يقوم الطبيب في هذه الصورة بعملية
الأجهاض لإنقاذ حياة الأم؟
442

والجواب: ان الطبيب إذا علم بأنه لو لم يقم بالعملية لاخراج الجنين من
بطن الأم لماتت الأم والجنين معا، فلا يبعد جواز قيامه بها لانقاذ الأم، فإنه وان
كان مؤديا إلى قتل الجنين، إلا انه لما لم يكن امل في بقائه حيا على كل حال، لكان
قتله أهون من هدر دم الأم وعدم الحفاظ على حياتها، ولا أقل من التساوي، و
قد تسأل ان الأم إذا لم ترض بعملية الاسقاط لا بنفسها ومباشرة ولا من غيرها
، فهل يجوز اجبارها على ذلك، بدافع انقاذها من الهلاك والحفاظ على نفسها؟
والجواب: ان جوازه غير بعيد، على أساس انه لو لم يقم بالإجبار على
العملية، لهلكت الأم والجنين معا، مع ان بالإمكان انقاذ الام من الهلاك، واما
الجنين فحيث لا أمل في بقائه حيا على كل تقدير، فلا يحتمل ان تكون حرمة
إجهاضه أهم من وجوب حفظ نفس الأم المحترمة.
(مسألة 1333): قد تسأل انه إذا أمكن انقاذ حياة الجنين بعد موت الأم،
فهل يجوز لغيرها كالزوج أو الطبيب في هذه الحالة ان يقوم بعملية الأجهاض و
اسقاط الجنين بسبب من الأسباب لانقاذ حياة الام من الموت به أو لا؟
والجواب: انه مشكل، إذ لم يحرز ان ملاك وجوب حفظ نفس الأم أهم
من ملاك حرمة قتل الجنين أو لا أقل من التساوي.
(مسألة 1334): قد تسأل ان الجنين في بطن المرأة إذا كان هندامه، هندام
حيوان، فلا يشبه الانسان في شيء من الأعضاء الرئيسية، فهل يجوز اسقاطه؟
والجواب: نعم يجوز وان كان بعد ولوج الروح، لان الحرام انما هو إسقاط
الجنين الذي هو مبدء تكون الانسان لا غيره.
443

(مسألة 1335): قد تسأل ان الجنين إذا استكشف بالوسائل العملية
الحديثة انه مشوه جسميا ومصاب بعاهة خلقية، فهل يجوز اسقاطه بعد ولوج
الروح فيه؟
والجواب: الظاهر انه لا يجوز، حتى إذا حصل الوثوق والاطمئنان من
جهة شهادة أهل الاختصاص بأنه لا يعيش بعد الولادة إلا بفترة قليلة، وقد
تسأل انه إذا علم بسبب شهادة أهل الخبرة والفن في المسألة بأنه يبقى عادة بعد
الولادة حيا، ولكن تشويهه الخلقي بنحو يكون مشينا ومنفورا، وتكون العيشة
معه دائما غير قابلة للتحمل، وبذلك يكون حمله حرجيا عليها، فهل يجوز لها
حينئذ اسقاطه؟
والجواب: إنه مع هذا لا يخلو عن إشكال.
فصل في دية الحمل
(مسألة 1336): إذا كان الحمل نطفة، فديته عشرون دينارا، وان كان علقة
فأربعون دينارا، وان كان مضغة فستون دينارا، وان نشأ عظم فثمانون دينارا، و
ان كسى لحما فمائة دينار، وان ولجته الروح فألف دينار ان كان ذكرا، وخمسمائة
دينار إن كان أنثى.
قد تسأل: أنه متى تلج الروح في الجنين؟
والجواب: الظاهر انها تلج فيه في الشهر الرابع، على أساس شهادة
طائفتين من أهل الخبرة.
444

الأولى: شهادة الأطباء الاختصاصيين على ان الروح تلج فيه في أوائل
شهر الرابع، بقرينة شروعه فيها في التحرك تدريجا، ويزداد ذلك التحرك يوما
بعد يوم إلى أن يظهر بوضوح في أواخر ذلك الشهر.
الثانية: شهادة النساء الحوامل بتحرك الأجنة في بطونهن في أوائل الشهر
المذكور بالحس والوجدان. وعلى هذا فما هو العلاج للروايات الواردة في
المسألة المخالفة لهذه الشهادة؟
والجواب: انه لا يمكن الأخذ بمدلول تلك الروايات، لمكان مخالفتها
للحس والوجدان، فلابد حينئذ من رد علمها إلى أهله على تقدير صحتها في
الواقع، هذا إضافة إلى ضعف جملة منها سندا، واما الروايات الواردة في تحديد
مراتب الحمل من انه أربعون يوما نطفة وأربعون يوما علقة وأربعون يوما مضغة
، فلا يمكن الأخذ بظواهرها، لأنها مخالفة لشهادة النساء الحوامل عن حس في
الخارج، فإنهن يشهدن على ان المرأة إذا أسقطت جنينها خلال شهر واحد، فهو
لحم يشبه الدم، وإذا أسقطت خلال الشهر الثاني، فهو لحم منفوح غير منتظم، و
خلال الشهر الثالث فهو لحم مصور بصورة انسان تام مكسو بجلد رقيق، و
يؤكد ذلك الطبيب الأخصائي أيضا.
وعلى هذا فلا تبقى النطفة بحالها كالنخامة البيضاء خلال أربعين يوما، و
العلقة كالدم المنجمد خلال أربعين يوما، وكذلك المضغة كاللحم المنفوخ غير
المنتظم، إذ مضافا إلى ما تقدم من ان النطفة إذا استقرت في الرحم، بدأت من تلك
اللحظة آخذة في النمو والتطور تدريجا وقتا بعد وقت، ان ذلك خلاف المشاهد و
المحسوس من خلال عمليات السقط والإجهاض كما عرفت، فاذن لابد من رد
علم هذه الروايات أيضا إلى أهله على تقدير صحتها واقعا.
445

(مسألة 1337): قد تسأل، المشهور أن دية الجنين الذمي، هل هي عشر
دية أبيه ثمانون درهما، أو انها عشر دية امه أربعون درهما؟
والجواب: الأظهر هو الأول وهو المشهور بين الأصحاب، والثاني
ضعيف، اما ديته في المراتب السابقة فبحساب ذلك.
(مسألة 1338): المشهور ان دية الجنين المملوك عشر قيمة أمه المملوكة، و
فيه اشكال، والأقرب فيه الحكومة.
(مسألة 1339): لو كان الحمل أكثر من واحد، فلكل ديته.
(مسألة 1340): لو اسقط الجنين قبل ولوج الروح، فلا كفارة على الجاني،
واما لو أسقطه بعد ولوج الروح، فهل عليه كفارة؟
والجواب: ان المشهور بين الأصحاب ان عليه كفارة، وهو غير بعيد، فان
المأخوذ في موضوع وجوب الكفارة في لسان الآيات والروايات وان كان قتل
المؤمن أو الرجل، وهو لا ينطبق على الجنين بل على الصبي غير المميز فضلا عن
الجنين، إلا انه مع هذا فالأقرب ان في قتله كفارة، إذ لا يرى العرف موضوعية
لعنوان المؤمن إلا كونه مرآة للنفس المحترمة التي تشمل نفس الصبي غير المميز
بل الجنين أيضا، ومع الإغماض عن ذلك يكفينا في ذلك معتبرة طلحة بن زيد
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) " في امرأة حبلى شربت دواء فأسقطت، قال (عليه السلام) تكفر
عنه " فإنها تدل على ان في قتل الجنين كفارة، بل مقتضى اطلاقها ثبوت الكفارة
على اسقاط ما لم تلجه الروح، ولكن لا يبعد دعوى انصراف اطلاقها إلى اسقاط
خصوص ما ولجته الروح بقرينة جعل الكفارة عليه، فلذلك لا يمكن الالتزام
بالكفارة في اسقاط ما دونه من المراتب، ولكن مع هذا فالاحتياط أولى وأجدر.
446

(مسألة 1341): لو قتل امرأة وهي حبلى فمات ولدها أيضا، فعليه دية
المرأة كاملة، ودية الحمل الذكر ان كان ذكرا، والأنثى إن كان أنثى، هذا إذا علم
بالحال، واما إذا جهل بها، فقيل، يقرع ولكنه مشكل بل ممنوع، والأظهر ان
عليه نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى كما في النص.
(مسألة 1342): لو تصدت المرأة لاسقاط حملها، فان كان بعد ولوج الروح
وكان ذكرا فعليها دية الذكر، وان كان أنثى فعليها ديتها، وان كان قبل ولوج
الروح فعليها ديته، ولو أفزعها مفزع فألقت جنينها، فالدية على المفزع، وبكلمة
ان الدية انما هي على المباشر للإسقاط، سواء أكان المرأة نفسها أم كان الطبيبة أم
غيرهما.
وقد تسأل ان الاسقاط إذا كان بأمر الولي كالأب مثلا، فهل يوجب
سقوط الدية عن المباشر؟
والجواب: انه لا قيمة لهذا الامر والاذن ولا اثر له، لأنه امر بممارسة
الشيء المحرم ولا يترتب عليه اثر، ودعوى ان مرجع هذا الامر إلى اسقاط الدية
عنه، مدفوعة بأنه لا يدل على ذلك حتى فيما إذا كان عالما بترتب الدية على قتله و
استحقاقه لها، باعتبار انه لا موضوع للاسقاط، لان الدية انما تتحقق بعد القتل،
فلا معنى لاسقاطها قبله.
(مسألة 1343): في قطع أعضاء الجنين قبل ولوج الروح وجراحاته دية
على نسبة ديته، ففي قطع احدى يديه - مثلا - خمسون دينارا، وفي قطع كلتيهما
تمام ديته مائة دينار.
(مسألة 1344): لو افزع شخصا حال الجماع فعزل منه المني في الخارج
فعليه عشرة دنانير، ولو عزل الرجل عن امرأته الحرة بدون اذنها، قيل لزمه
447

عشره دنانير، ولكن لا وجه له، بل الأظهر أنه ليس عليه شيء وأما العزل عن
الأمة فلا اشكال في جوازه ولا دية عليه.
(مسألة 1345): هل يجوز اسقاط الجنين المتكون من زنا إذا تمت خلقته قبل
ان تلجه الروح؟
والجواب: لا يجوز، وإذا أسقطه فعليه ديته حسب مراتب دية الحمل، و
اما بعد ولوج الروح، فديته دية النفس.
(مسألة 1346): لو ضرب المرأة الذمية وهي حبلى فأسلمت ثم أسقطت
حملها، فعلى الجاني دية جنين مسلم، ولو ضرب الحربية فأسلمت وأسقطت
حملها بعد إسلامها، فالمشهور انه لا ضمان عليه، وفيه إشكال والأظهر الضمان،
باعتبار ان سقط الجنين المسلم مستند إلى هذه الجناية.
(مسألة 1347): لو ضرب الأمة وهي حبلى فأعتقت ثم أسقطت حملها،
فالمشهور ان للمولى عشر قيمة أمة يوم الجناية، فان كانت دية الجنين زائدة على
عشر القيمة، كانت الزيادة لورثة الجنين وفيه اشكال، والأظهر عدم ثبوت
شيء للمولى، لان دية سقط الجنين انما هي للمولى، إذا كان في حال السقط
مملوكا، واما في المقام فهو في هذا الحال حر وليس بمملوك.
(مسألة 1348): لو ضرب حاملا خطأ فأسقطت جنينها وادعي ولي الدم
انه كان بعد ولوج الروح، فان اعترف الجاني بذلك أي بولوج الروح، ضمن
المعترف ما زاد على دية الجنين قبل ولوج الروح وهو التسعة الأعشار من
الدية الكاملة بمقتضى اقراره، ولا تعقله العاقلة، لأنها لا تعقل اقرارا ولا
صلحا وانما تعقل البينة، أما العشر الباقي، فهو يحمل على العاقلة، لان ثبوته
ليس باقرار الجاني، وان انكر ذلك كان القول قوله، الا إذا أقام الولي البينة
448

على ان الجناية كانت بعد ولوج الروح، وعلى هذا فتمام الدية على العاقلة.
(مسألة 1349): لو ضرب حاملا فأسقطت حملها فمات حين سقوطه،
فالضارب قاتل، والمشهور أن عليه القود ان كان متعمدا وقاصدا لقتله، وفيه
اشكال والأقرب عدمه وعليه الدية، وان كان شبه عمد فعليه ديته أيضا، وان
كان خطأ محضا فالدية على عاقلته، وكذلك الحال إذا بقي الولد بعد سقوطه
مضمنا ومات، أو سقط صحيحا، ولكنه كان ممن لا يعيش مثله، كما إذا كان دون
ستة أشهر.
(مسألة 1350): لو اسقط شخص حمل المرأة حيا فقطع اخر رأسه، فان
كانت له حياة مستقرة عادة، بحيث كان قابلا للبقاء، فالقاتل هو الثاني دون
الأول، وان كانت حياته غير مستقره، فالقاتل هو الأول دون الثاني، وعلى هذا
ففي الفرض الأول تكون الدية على الشخص الثاني، ولا شيء على الشخص
الأول غير التعزير، واما في الفرض الثاني فتكون على الشخص الأول دية
النفس، وعلى الثاني دية قطع رأس الميت، ودعوى ان على الشخص الثاني في
الفرض الأول قود لا دية، لأنه قاتل للنفس المحترمة عمد، أو كذلك على
الشخص الأول في الفرض الثاني، مدفوعة بان المشهور وان كان ذلك، ولكنه لا
يخلو عن اشكال بل لا يبعد عدمه. وقد تسأل هل دية قطع راس الميت وما
يكون فيه اجتياح نفس الحي عشر الدية أو تمامها؟
والجواب: المشهور انها العشر، ولكنه لا يخلو عن تأمل، والأقرب
انها تمام الدية. واما إذا جهل حال الحمل ولم يعلم انه ميت أو حي، يعني انه له
حياة مستقرة أو لا، فتكون على الشخص الثاني دية على كل حال، فإنه ان
كان حيا فهو قاتل له وعليه ديته، وان كان ميتا فهو قاطع لرأس الميت و
449

عليه ديته ولا ثالث لها، واما الشخص الأول، فهو كان يشك في ثبوت الدية
عليه، فيرجع إلى اصالة البراءة.
(مسألة 1351): لو وطأ مسلم وذمي امرأة شبهة في طهر واحد، ثم أسقطت
حملها بالجناية، أقرع بين الواطيين، والزم الجاني بالدية بنسبة دية من الحاق به
الولد من الذمي أو المسلم.
(مسألة 1352): إذا كانت الجناية على الجنين عمدا أو شبه عمد، فديته في
مال الجاني وان كانت خطأ وبعد ولوج الروح فعلى العاقلة، وإن كانت قبل
ولوج الروح، ففي ثبوتها على العاقلة اشكال، والأظهر عدمه.
(مسألة 1353): الأقرب في قطع رأس الميت، أو ما منه احتياج نفسه لو
كان حيا الدية ولو كان خطأ، وفي قطع جوارحه بحسابه من ديته، وهي
لا تورث وتصرف في وجوه البر والاحسان له.
الجناية على الحيوان
(مسألة 1354): كل حيوان قابل للتذكية، سواء أكان مأكول اللحم أم لم
يكن، وإذا ذكاه أحد بغير اذن مالكه، فالمالك مخير بين اخذه ومطالبته
بالتفاوت، بين كونه حيا وذكيا وبين عدم اخذه ومطالبته بتمام القيمة، فإذا
دفع الجاني قيمته إلى صاحبه، ملك الحيوان المذكي، واما إذا اتلفه بغير تذكية
ضمن قيمته، نعم إذا بقي فيه ما كان قابلا للملكية والانتفاع من اجزائه
كالصوف ونحوه، فالمالك مخير كالسابق، وإذا جنى عليه بغير اتلاف، كما إذا
قطع بعض أعضائه، أو كسر بعضها أو جرحه، فعليه الأرش، وهو التفاوت
450

بين قيمتي الصحيح والمعيب، نعم إذا فقأ عين ذات القوائم الأربع، فعلى الجاني
ربع ثمنها، وإذا جنى عليها فألقت جنينها، فهل عليه عشر قيمتها، أو ما به
التفاوت بين قيمتها مع الجنين في بطنها وقيمتها بدونه؟
والجواب: ان الأظهر هو الثاني.
(مسألة 1355): في الجناية على ما لا يقبل التذكية، كالكلب، والخنزير،
تفصيل، اما الخنزير فلا ضمان في الجناية عليه باتلاف أو نحوه، الا إذا كان لكافر
ذمي، ولكن يشترط في ضمانه له قيامه بشرائط الذمة، وإلا فلا يضمن، كما
لا ضمان في الخمر وآلة اللهو وما شاكلهما، واما الكلب فكذلك غير كلب الصيد،
فان من قتله فعليه أربعون درهما، واما كلب الغنم وكلب الحائط وكلب الزرع،
فيضمن قيمتها.
كفارة القتل
(مسألة 1356): تقدم في أوائل كتاب الديات بثبوت الكفارة في قتل
المؤمن زائدة على الدية، لكنها تختص بموارد صدق عنوان القاتل، كما في
فرض المباشرة، وبعض موارد التسبيب، ولا تثبت فيما لا يصدق عليه ذلك و
ان ثبتت الدية فيه، كما لو وضع حجرا، أو حفر بئرا، أو نصب سكينا في
غير ملكه، فعثر به عاثر اتفاقا فهلك، فلا كفارة عليه في هذه الموارد مع ان
الدية ثابتة.
(مسألة 1357): لا فرق في وجوب الكفارة بقتل المسلم بين البالغ وغيره،
والعاقل والمجنون، والذكر والأنثى، والحر والعبد، وان كان العبد عبد
451

القاتل. وهل تجب الكفارة في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه؟
والجواب: المشهور وجوبها، وهو لا يخلو عن قوة أو لا أقل من
الاحتياط، نعم لا كفارة في اسقاط الجنين قبل ولوج الروح، واما الكافر
فلا كفارة في قتله، من دون فرق بين الذمي وغيره.
(مسألة 1358): لو اشترك جماعة في قتل واحد، فعلى كل منهم كفارة.
(مسألة 1359): لا اشكال في ثبوت الكفارة على القاتل العمدي إذا رضى
ولي المقتول بالدية أو عفا عنه، واما لو قتله قصاصا، أو مات بسبب آخر، فهل
عليه كفارة في ماله، فيه اشكال، والأظهر عدم الوجوب، على أساس ان
الكفارة تكليف مالي لا انها دين مالي، ومن الواضح ان التكليف يسقط عنه
بموته، ووجوبها في ذمته بعد الموت بحاجة إلى دليل.
(مسألة 1360): لو قتل صبي، أو مجنون مسلما، فهل عليهما كفارة؟
فيه وجهان: الأظهر عدم وجوبها، لما مر من ان الكفارة تكليف وهو
مشروط بالبلوغ والعقل.
فصل في العاقلة
(مسألة 1361): عاقلة الجاني عصبته، والعصبة هم: المتقربون بالأب
كالأخوة، والأعمام وأولادهم وان نزلوا، وهل يدخل في العاقلة الآباء وان
علوا، والأبناء وان نزلوا؟ الأقرب الدخول، ولا يشترك القاتل مع العاقلة في
الدية، ولا يشاركهم فيها الصبي، ولا المجنون، ولا المرأة وإن ورثوا منها.
452

(مسألة 1362): هل يعتبر الغنى في العاقلة؟ المشهور اعتباره، وفيه اشكال
، والأقرب عدم اعتباره.
(مسألة 1363): لا يدخل أهل البلد في العاقلة إذا لم يكونوا عصبة.
(مسألة 1364): المشهور ان المتقرب بالأبوين يتقدم على المتقرب بالأب
خاصة، وفيه اشكال، والأظهر عدم الفرق بينهما.
(مسألة 1365): يعقل المولى جناية العبد المعتق ويرثه المولى إذا لم تكن له
قرابة، وإذا مات مولاه قبله، فجنايته على من يرث الولاء.
(مسألة 1366): إذا لم تكن للقاتل، أو الجاني عصبة، ولا من له
ولاء العتق، وكان له ضامن جريرة فهو عاقلته، وإلا فيعقله الامام من بيت المال
.
(مسألة 1367): تحمل العاقلة دية الموضحة وما فوقها من الجروح، ودية
ما دونها في مال الجاني.
(مسألة 1368): قد تقدم أن عمد الأعمى خطأ فلا قود عليه، وأما الدية
فهي على عاقلته، فان لم تكن له عاقلة ففي ماله، وإن لم يكن له مال فعلى الامام
(عليه السلام).
(مسألة 1369): تؤدي العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين، ولا فرق
في ذلك بين الدية التامة والناقصة، ولا بين دية النفس، ودية
الجروح، وتسقط في ثلاث سنين، ويستأدي في كل سنة ثلث منها، ويحوز ان
تؤدى دفعة واحدة.
(مسألة 1370): الأظهر عدم اختصاص التأجيل بموارد ثبوت الدية
453

المقدرة.
(مسألة 1371): دية جناية الذمي وان كانت خطأ محضا في ماله دون
عاقلته، وان عجز عنها عقلها الامام (عليه السلام).
(مسألة 1372): لا تعقل العاقلة إقرارا ولا صلحا، فلو أقر القاتل بالقتل،
أو بجناية أخرى خطأ تثبت الدية في ماله دون العاقلة، وكذلك لو صالح عن قتل
خطائي بمال آخر غير الدية، فان ذلك لا يحمل على العاقلة.
(مسألة 1373): تتحمل العاقلة الخطأ المحض، دون العمد وشبيه العمد.
نعم لو هرب القاتل ولم يقدر عليه أو مات، فان كان له مال أخذت الدية من ماله
، والا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم تكن له قرابة، أداه الامام (عليه السلام).
(مسألة 1374): لو جرح، أو قتل نفسه خطأ، لم تضمنه العاقلة ولا دية
له.
(مسألة 1375): المملوك جنايته على رقبته، ولا يعقلها المولى.
(مسألة 1376): تجب الدية على العاقلة في القتل الخطأي كما مر، فان لم
تكن له عاقلة، أو عجزت عن الدية، اخذت من مال الجاني، وان لم يكن له مال
، فهي على الامام (عليه السلام).
(مسألة 1377): المشهور انه إذا مات بعض العاقلة، فان كان قيل تمام
الحول سقط عنه، وان كان بعد تمام الحول، انتقل إلى تركته وفيه اشكال، و
الأظهر السقوط مطلقا.
(مسألة 1378): في كيفية تقسيم الدية على العاقلة خلاف، فقيل، انها
على الغني نصف دينار، وعلى الفقير ربع دينار، وقيل يقسطها الامام (عليه السلام) أو
454

نائبه عليهم على الشكل الذي يراه فيه من المصلحة، وقيل، تقسط عليه بالسوية
، وهذا القول هو الأظهر.
(مسألة 1379): هل يجمع في العاقلة بين القريب والبعيد، أو يعتبر الترتيب
بينهم، قيل بالثاني، وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وفيه اشكال؟ والأول
هو الأظهر.
(مسألة 1380): إذا كان بعض افراد العاقلة عاجزا عن الدية، فهي على
المتمكن منهم، على أساس ما مر من ان وجوب الدية على العاقلة تكليف لا انها
دين، فإذا كان تكليفا سقط بالعجز.
(مسألة 1381): لو كان بعض العاقلة غائبا لم يختص الحاضر بالدية، بل
هي عليهما معا.
(مسألة 1382): ابتداء زمان التأجيل في دية الخطأ من حين استقرارها و
هو في القتل من حين الموت، وفي جناية الطرف من حين الجناية إذا لم تسر، واما
إذا سرت، فمن حين شروع الجرح في الاندمال.
(مسألة 1383): لا يعقل الدية الا من علم أنه من عصبة القاتل، ومع الشك
لا تجب.
(مسألة 1384): القاتل عمدا وظلما لا يرث من الدية ولا من سائر
أمواله، وإذا لم يكن له وارث غيره، فهي للامام (عليه السلام) كسائر أمواله، واما إذا
كان شبه عمد، أو خطأ محضا، فهل يرث من الدية؟ المشهور عدمه وهو
الأظهر.
(مسألة 1385): لا تضمن العاقلة عبدا ولا بهيمة، لان جناية العبد في
455

رقبته، وجناية البهمية إذا كانت بتفريط من مالكها على المالك.
(مسألة 1386): لو جرح ذمي مسلما خطأ ثم اسلم فسرت الجناية، فمات
المجروح، لم تعقل عنه عصبته، لا من الكفار، ولا من المسلمين، وعليه فديته في
ماله، وكذا لو جرح مسلم مسلما ثم ارتد الجاني فسرت الجناية، فمات المجني
عليه، لم يعقل عنه عصبته المسلمون ولا الكفار.
(مسألة 1387): لو رمى صبي شخصا، ثم بلغ فقتل ذلك الشخص، فديته
على عاقلته.
* * *
هذا آخر ما علقناه على فروع القضاء والشهادات والحدود
والقصاص والديات تكميلا لما علقناه على المنهاج
والحمد لله اولا وآخرا وصلى الله على
محمد وآله الطيبين الطاهرين
456