الكتاب: المجموع
المؤلف: محيى الدين النووي
الجزء: ٥
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات:

المجموع
شرح المهذب
للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 ه‍
الجزء الخامس
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
{باب صلاة العيدين}
العيد مشتق من العود وهو الرجوع والمعاودة لأنه يتكرر وهو من ذوات الواو وكان أصله عودا
بكسر العين بمقلبت الواو ياء كالميقات والميزان من الوقت والوزن وجمعه أعياد قالوا وإنما جمع بالياء
وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد قال الجوهري وقيل للفرق بينه وبين أعواد الخشب *
* قال المصنف رحمه الله *
{صلاة العيد سنة وقال أبو سعيد الإصطخري هي فرض على الكفاية والمذهب الأول لما روى
طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه " أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الاسلام
فقال صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على عباده فقال هل على غيرها قال لا الا ان
تطوع) ولأنها صلاة موقتة لا تشرع لها الإقامة فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى فان تفق أهل بلد على
تركها وجب قتالهم على قول الإصطخري وهل يقاتلون على المذهب فيه وجهان (أحدهما) لا يقاتلون
لأنه تطوع فلا يقاتلون على تركها كسائر التطوع (والثاني) يقاتلون لأنه من شعائر الاسلام وفى تركها
تهاون بالشرع بخلاف سائر التطوع لأنها تفعل فرادى فلا يظهر تركها كما يظهر في صلاة العيد} *
{الشرح} حديث طلحة رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه وضبط ألفاظه ومعناه في أول
كتاب الصلاة: واجمع المسلمون على أن صلاة العيد مشروعة وعلى أنها ليست فرض عين ونص
الشافعي وجمهور الأصحاب على أنها سنة وقال الإصطخري فرض كفاية فان قلنا فرض كفاية قوتلوا
بتركها وان قلنا سنة لم يقاتلوا على أصح الوجهين وقال أبو إسحاق المروزي يقاتلون وقد ذكر
2

المصنف دليل الجميع ووجه الدلالة من الحديث للمذهب أن النبي صلى الله عليه وسلم اخبره انه
لا فرض سوى الخمس فلو كان العيد فرض كفاية لما أطلق هذا الاطلاق لان فرض الكفاية واجب
على جميعهم ولكن يسقط الحرج بفعل البعض ولهذا لو تركوه كلهم عصوا وقوله لأنها صلاة مؤقتة
احتراز من الجنازة وقوله لا تشرع لها الإقامة احتراز من الصلوات الخمس وقوله فلم تجب بالشرع
احتراز من المنذورة وجماهير العلماء من السلف والخلف ان صلاة العيد سنة لا فرض كفاية (واما قول)
الشافعي في المختصر من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين (فقال) أصحابنا هذا
ليس على ظاهره فان ظاهره ان العيد فرض عين على كل من تلزمه الجمعة وهذا خلاف اجماع المسلمين
فيتعين تأويله قال أبو إسحاق من لزمته الجمعة حتما لزمه العيد ندبا واختيارا وقال الإصطخري معناه
من لزمته الجمعة فرضا لزمه العيد كفاية قال أصحابنا ومراد الشافعي ان العيد يتأكد في حق من
تلزمه الجمعة *
(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة العيد * قد ذكرنا انها سنة متأكدة عندنا وبه قال مالك وأبو
حنيفة وداود وجماهير العلماء وقال بعض أصحاب أبي حنيفة فرض كفاية وعن أحمد روايتان كالمذهبين
* قال المصنف رحمه الله *
{ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى أن تزول والأفضل ان يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد
رمح والسنة أن يؤخر صلاة الفطر ويعجل الاضحي لما روى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له " أن يقدم الاضحي ويؤخر الفطر "
ولان الأفضل ان يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة فإذا اخر الصلاة اتسع الوقت لاخراج صدقة الفطر
والسنة أن يضحي بعد صلاة الامام فإذا عجل بادر إلى الأضحية} *
{الشرح} هذا الحديث رواه الشافعي في الام والبيهقي من غير طريق عبد الله بن أبي بكر
3

وروياه من رواية إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو
بن حزم ان عجل الأضاحي وأخر الفطر " وهذا مرسل ضعيف إبراهيم ضعيف واتفق الأصحاب
على أن آخر وقت صلاة العيد زوال الشمس وفى أول وقتها وجهان (أصحهما) وبه قطع المصنف
وصاحب الشامل والروياني وآخرون انه من أول طلوع الشمس والأفضل تأخيرها حتى ترتفع
الشمس قدر رمح (والثاني) أنه يدخل بارتفاع الشمس وبه قطع البندنيجي والمصنف في التلبية وهو
ظاهر كلام الصيدلاني والبغوي وغيرهما واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب
تعجيل صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر لما ذكره المصنف فان فاتته صلاة العيد مع الامام صلاها
وحده وكانت أداء ما لم تزل الشمس يوم العيد واما من لم يصل حتى زالت الشمس فقد فاتته وهل
يستحب قضاؤها فيه القولان السابقان في باب صلاة التطوع في قضاء النوافل (أصحهما) يستحب
وقال أبو حنيفة إذا فاتته مع الامام لم يأت بها أصلا * قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يصلي صلاة العيد في المصلي إذا كان مسجد البلد ضيقا لما روى أن النبي صلي لله
عليه وسلم " كان يخرج إلى المصلي " ولان الناس يكثرون في صلاة العيد فإذا كان المسجد ضيقا تأذوا فإن كان في
الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم لما روى أن عليا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود
الأنصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد وإن كان يوم فطر صلى في المسجد لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه " قال أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد " وروى أن عمر
وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر وإن كان المسجد واسعا فالمسجد أفضل من المصلي لان الأئمة لم
يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد ولان المسجد أشرف وأنظف قال الشافعي رضي الله عنه فإن كان
المسجد واسعا فصلى في الصحراء فلا بأس وإن كان ضيقا فصلى فيه ولم يخرج إلى الصحراء كرهت لأنه إذا ترك
المسجد وصلي في الصحراء لم يكن عليهم ضرر وإذا ترك الصحراء وصلي في المسجد الضيق تأذوا بالزحام وربما
فات بعضهم الصلاة} *
{الشرح} حديث خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلي في العيدين صحيح رواه البخاري
4

ومسلم من رواية أبي سعيد وروياه بمعناه من رواية جماعة من آخرين من الصحابة وحديث استخلاف
على أبا مسعود رواه الشافعي بأسناد صحيح وحديث أبي هريرة رواه أبو داود بأسناد جيد ورواه
الحاكم وقال هو صحيح والضعفة - بفتح الضاد والعين - بمعني الضعفاء وكلاهما جمع ضعيف * أما الأحكام
فقال أصحابنا تجوز صلاة العيد في الصحراء وتجوز في المسجد فإن كان بمكة فالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف
وقد ذكره المصنف بدليله وإن كان بغير مكة نظر إن كان بيت المقدس قال البندنيجي والصيدلاني الصلاة في
مسجده الأقصى أفضل ولم يتعرض الجمهور للأقصى وظاهر اطلاقهم ان بيت المقدس كغيره وإن كان في غير
ذلك من البلاد فإن كان لهم عذر في ترك الخروج إلى الصحراء والمصلي للعيد فلا خلاف انهم مأمورون
بالصلاة في المسجد ومن الاعذار المطر والوحل والخوف والبرد ونحوها وان لم يكن عذر وضاق المسجد فلا
خلاف أن الخروج إلى الصحراء أفضل وان اتسع المسجد ولم يكن عذر فوجهان (أصحهما) وهو المنصوص في
الام وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين والبغوي وغيرهم ان صلاتها في المسجد أفضل (والثاني) وهو الأصح
عند جماعة من الخراسانيين؟ وقطع به جماعة منهم ان صلاتها في الصحراء أفضل " لان النبي صلي لله عليه وسلم
واظب عليها في الصحراء " وأجاب الأولون عن هذا بأن المسجد كان يضيق عنهم لكثرة الخارجين إليها
فالأصح ترجيحها في المسجد لما ذكره المصنف رحمه الله فعلى هذا ان ترك المسجد الواسع وصلي بهم في
الصحراء فهو خلاف الأولى ولكن لا كراهة فيه وان صلي في المسجد الضيق بلا عذر كره هكذا نص
الشافعي رحمه الله على المسألتين كما ذكره المصنف بدليلهما قال الشافعي والأصحاب وإذا خرج الامام إلى
الصحراء استخلف من يصلي في المسجد بالضعفة لما ذكره المصنف وإذا حضر النساء المصلي أو المسجد اعتزله
الحيض منهن ووقفن عند بابه لحديث أم عطية المذكور بعد هذا قال أبو إسحاق المروزي والأصحاب إذا
كان هناك مطر أو غيره من الاعذار وضاق المسجد الأعظم صلي الامام فيه واستخلف من يصلي بباقي الناس
في موضع آخر بحيث يكون ارفق بهم
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة ان يأكل في يوم الفطر قبل الصلاة ويمسك يوم النحر حتى يفرغ من الصلاة لما روى بريدة
رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع
فيأكل من نسيكته " والسنة أن يأكل التمر ويكون وترا لما روى أنس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم " كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا "} *
5

{الشرح} حديث انس صحيح رواه البخاري وحديث بريدة رواه أحمد في مسنده
والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وأسانيدهم حسنة فهو حديث حسن وقال الحاكم هو
حديث صحيح وقوله حتى يطعم بفتح الياء والعين - أي يأكل ونسيكته بفتح النون وكسر السين -
وهي أضحيته واتفق الشافعي والأصحاب على أنه يستحب أن يأكل في عيد الفطر شيئا قبل الخروج
إلى الصلاة فإن لم يأكل قبل الخروج فليأكل قبل الصلاة ويستحب كون المأكول تمرا وكونه
وترا لما ذكره المصنف قال الشافعي في الام ونحن نأمر من أني المصلى أن يأكل ويشرب قبل أن
يغدو إلى المصلي فإن لم يفعل أمرناه بذلك في طريقه أو المصلى ان أمكنه فإن لم يفعل ذلك فلا شئ
عليه ويكره له أن لا يفعل هذا نصه بحروفه والسنة في عيد الأضحى أن يمسك عن الاكل حتى
يرجع من الصلاة لما ذكره المصنف قال صاحبا الحاوي والبيان وإنما فرق بينهما لان السنة أن
يتصدق في عيد الفطر قبل الصلاة فاستحب له الا كل ليشارك المساكين في ذلك والصدقة في عيد
النحر أنما هي بعد الصلاة من الأضحية فاستحب موافقتهم قالا ولان ما قبل يوم الفطر يحرم الاكل
فندب الاكل فيه قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله وفى الاضحي لا يحرم الاكل قبله فأخر ليميزا
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يغتسل للعيدين لما روى أن عليا وابن عمر رضي الله عنهم كانا " يغتسلان " ولأنه
يوم عيد يجتمع فيه الكافة للصلاة فسن فيه الغسل لحضورها كالجمعة وفى وقت الغسل قولان (أحدهما)
بعد الفجر كغسل الجمعة وروى البويطي أنه يجوز أن يغتسل قبل الفجر لان الصلاة تقام في أول
النهار ويقصدها الناس من البعد فجوز تقديم الغسل حتى لا تفوتهم ويجوز على هذا القول أن يغتسل
بعد نصف الليل كما قلنا في أذان الصبح ويستحب ذلك لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضر لان القصد
اظهار الزينة والجمال فإن لم يحضر الصلاة اغتسل للزينة والجمال والسنة أن يتنظف بحلق الشعر
وتقليم الظفر وقطع الرائحة لأنه يوم عيد فسن فيه ما ذكرناه كيوم الجمعة والسنة أن يتطيب لما روى
الحسن بن علي رضي الله عنهما قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتطيب بأجود ما في
نجد في العيد "} *
{الشرح} هذا الأثر المذكور في اغتسال علي رضي الله عنه رواه الشافعي في الام والبيهقي
بأسناد ضعيف وأما الأثر الآخر أن ابن عمر " كان يغتسل يوم الفطر بل أن يغدو " فصحيح رواه
مالك في الموطأ عن نافع ورواه الشافعي وغيره عن مالك عن نافع وروى الشافعي والبيهقي اغتسال
6

سلمة بن الا كوع للعيد وان عروة بن الزبير قال هو السنة وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال " كان
رسول الله صل الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى " ومثله عن الفاكه بن سعد الصحابي
رضي الله عنه وأسانيد الجميع ضعيفة باطلة الا أثر ابن عمر * وأما حديث الحسن في الطيب فغريب
وقول المصنف يجتمع فيه الكافة مما أنكره أهل العربية قالوا لا يجوز ان يقال الكافة ولا كافة الناس
وإنما يقال الناس كافة كما قال الله تعالى (ادخلوا في السلم كافة) وقال تعالي (وقاتلوا المشركين كافه) (وقوله)
فسن فيه الغسل لحضورها الأجود حذف لفظة حضورها لان الغسل مسنون لمن حضر الصلاة
وغيره * أما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب يستحب الغسل للعيدين وهذا لا خلاف فيه والمعتمد
فيه أثر ابن عمر والقياس على الجمعة وفى وقت صحة هذا الغسل قولان مشهوران (أحدهما) بعد طلوع
الفجر نص عليه في الام (وأصحهما) باتفاق الأصحاب يجوز بعد الفجر وقبله وقطع به جماعة من
أصحاب المختصرات منهم المحاملي في المقنع وقد ذكر المصنف دليلهما هكذا ذكر المصنف والمحاملي
وصاحب الشامل والأكثرون قولين للشافعي وحكاهما صاحب الحاوي والدارمي والفوراني
والمتولي وآخرون وجهين قال صاحب الحاوي جوزه ابن أبي هريرة ومنعه أبو إسحاق وقال القاضي
أبو الطيب في كتابه المجرد نص الشافعي في البويطي على صحة الغسل للعيد قبل طلوع الفجر قال
ولا يعرف للشافعي غيره وقال ورأيت بعض أصحابنا يقول فيه قولان وبعضهم يقول وجهان هذا
كلام القاضي وسبب هذا الاختلاف في أنهما قولان أو وجهان ان الشافعي نص في البويطي
على صحة الغسل قبل الفجر صريحا وقال في مختصر المزني وأحب الغسل بعد الفجر للعيد فمنهم من
فهم منه اشتراط كونه بعد الفجر فجعله قولا آخر ومنهم من لم يفهم ذلك وصرح البندنيجي بأنه
نص في الام بأنه لا يجزئه قبل الفجر فإذا قلنا بالأصح انه يصح قبل الفجر ففي ضبطه ثلاثة أوجه
(أصحها) وأشهرها يصح بعد نصف الليل ولا يصح قبله وبه قطع المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب
والقاضي حسين والمتولي وغيرهم كأذان الصبح (والثاني) يصح في جميع الليل وبه جزم الغزالي واختاره
ابن الصباغ وغيره كنية الصوم وفرقوا بينه وبين الاذان أن النصف الأول مختار للعشاء فربما ظن
السامع أن الاذان لها فامتنع لخوف اللبس بخلاف الغسل (والثالث) أنه إنما يصح قبيل الفجر
عند السجود وبه جزم البغوي واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على استحباب غسل العيد
لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضرها لما ذكره المصنف وكذا اتفقوا على استحباب التطيب والتنظف بإزالة
الشعور وتقليم الأظفار وإزالة الرائحة الكريهة من بدنه وثوبه قياسا على الجمعة *
7

* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يلبس أحسن ثيابه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يلبس في العيد برد حبرة "} *
{الشرح} هذا الحديث رواه الشافعي من غير رواية ابن عباس باسناد ضعيف - والحبرة بكسر
الحاء وفتح الباء الموحدة - وهو نوع من الثياب معروف باليمن وهو عصب اليمن قال الأزهري هو نوع
من البرد أضيف إلى وشية والبرد مفردة والجمع برود ويقال برد محبر أي مزين واتفق الأصحاب مع
الشافعي على استحباب لبس أحسن الثياب في العيد ودليله حديث ابن عمر " قال وجد عمر
رضي الله عنه جبة من إستبرق تباع فقال يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود فقال؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إنما هذه لباس من لأخلاق له " رواه البخاري ومسلم قال أصحابنا
وأفضل ألوان الثياب البياض فعلى هذا ان استوى ثوبان في الحسن والنفاسة فالأبيض أفضل فإن كان
الأحسن غير ابيض فهو أفضل من الأبيض في هذا اليوم ويستحب ان يتعمم فإن لم يجد الا ثوبا استحب
ان يغسله للعيد والجمعة قال أصحابنا ويستوي في استحباب تحسين الثياب والتنظف والتطيب
وإزالة الشعر والرائحة الكريهة الخارج إلى الصلاة والقاعد في: بيته لأنه يوم زينة فاستووا فيه *
* قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب أن يحضر النساء غير ذوات الهيئات لما روت أم عطية قالت " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض في العيد فاما الحيض فكن يعتزلن المصلي
ويشهدن الخير ودعوة المسلمين " وإذا أردن الحضور تنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن الشهرة من
من الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " أي غير عطرات
ولأنها إذا تطيبت وليست الشهرة من الثياب دعا ذلك إلى الفساد *
{الشرح} حديث أم عطية رواه البخاري ومسلم وأما حديث " لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله "
فرواه البخاري ومسلم ذكره البخاري في كتاب صلاة الجمعة * واما الزيادة التي فيه " وليخرجن
تفلات " فرواها أبو داود باسناد حسن ولم يضعفه وقد قدمنا ان ما لم يضعفه فهو حسن عنده ورواية
أبي داود " وليخرجن وهن تفلات " وقوله تفلات - بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء - والعواتق
جمع عاتق وهي البنت التي بلغت وقال أبو زيد هي البالغة ما لم تعنس وقيل هي التي لم تتزوج قال
ثعلب سميت عاتقا لأنها عتقت من ضر أبويها واستخدامهما وامتهانها بالخروج في الاشغال وقال الأصمعي
هي فوق المعصر وقال ثابت هي البكر التي لم تخرج إلى زوج وقال الخطابي هي البنت عقب بلوغها
8

قال صاحب المطالع وقيل هي التي أشرفت على البلوغ وقوله ذوات الخدور جمع خدر وهو الستر
قوله الشهرة من الثياب هو بضم الشين * أما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب للنساء غير
ذوات الهيئات حضور صلاة العيد وأما ذوات الهيئات وهن اللواتي يشتهين لجمالهن فيكره حضورهن
هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور وحكي الرافعي وجها انه لا يستحب لهن الخروج بحال والصواب
الأول وإذا خرجن استحب خروجهن في ثياب بذلة ولا يلبسن ما يشهرهن ويستحب أن يتنظفن بالماء
ويكره لهن التطيب لما ذكرناه في باب صلاة الجماعة * هذا كله حكم العجائز اللواتي لا يشتهين ونحوهن
فاما الشابة وذات الجمال ومن تشتهي فيكره لهن الحضور لما في ذلك من خوف الفتنة عليهن وبهن (فان
قيل) هذا مخالف حديث أم عطية المذكور (قلنا) ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت
" لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل " ولان الفتن وأسباب
الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول والله أعلم قال الشافعي في الام أحب
شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشد
استحبابا مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات *
* قال المصنف رحمه الله *
{قال الشافعي رحمه الله ويزين الصبيان بالصبغ والحلي ذكورا كانوا أو إناثا لأنه يوم زينة وليس
على الصبيان تعبد فلا يمنعون لبس الذهب} *
{الشرح} اتفق نص الشافعي والأصحاب على استحباب حضور الصبيان المميزين صلاة العيد
واتفقوا على إباحة تزينهم بالمصبغ وحلي الذهب والفضة يوم العيد لما ذكره المصنف وأما في غير
يوم العيد ففي تحليتهم بالذهب ولباسهم الحرير ثلاثة أوجه سبقت في باب ما يكره لبسه (أصحها)
جوازه (والثاني) تحريمه (والثالث) جوازه قبل سبع سنين ومنعه بعدها
9

* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يبكر إلى الصلاة ليأخذ موضعه كما قلنا في الجمعة والمستحب أن يمشى ولا
يركب لان النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة ولا بأس أن يركب في العود لأنه
غير قاصد إلى قربة} *
{الشرح} هذا الحديث ذكره الشافعي في الام منقطعا مرسلا فقال بلغنا أن الزهري قال
" ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد ولا في جنازة " رواه البيهقي عن الشافعي هكذا وروى
ابن ماجة باسناده من ثلاث طرق عن ابن عمر وأبي رافع وسعد القرظ رضي الله عنهم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم " كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا " وليس في رواية أبى رافع ويرجع
ماشيا ولكن أسانيد الجميع ضعيفة بينة الضعف وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال " من
السنة ان يخرج إلى العيد ماشيا " رواه الترمذي وقال حديث حسن وليس هو حسنا ولا يقبل قول
الترمذي في هذا فان مداره على الحارث الأعور وأنفق العلماء على تضعيفه قال الشعبي وغيره كان
الحارث كذابا وقول المصنف لأنه غير قاصد إلى قربة قد يعترض عليه فيقال قد ثبت في صحيح
مسلم " ان رجلا كان منزله بعيدا عن المسجد وكان يمشى إليه قال يا رسول الله اني أريد ان يكتب لي
ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الله
لك ذلك كله " والجواب ان المصنف قال لأنه غير قاصد إلى قربة ولم يقل لأنه غير ماش في قربة
ولا نفي ثوابه في الرجوع ورأيت من الناس من يسأل على هذا الحديث فيقول قال لم يركب في عيد
ولا جنازة ولم يذكر الجمعة وهذه غفلة ظاهرة لان الجمعة تصلى في المسجد وبيته صلى الله عليه وسلم
بجنب المسجد فلا يتأنى الركوب إليها قال الشافعي والأصحاب يستحب أن يبكر إلى صلاة العيد
ويكون التبكير بعد الفجر ويأكل قبل الخروج تمرا كما سبق هذا في حق المأمومين فأما الامام
فيستحب له أن يتأخر في الخروج إلى الوقت الذي يصلى بهم فيه للأحاديث الصحيحة ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا خرج يوم العيد فأول شئ يبدأ به الصلاة " واتفق أصحابنا وغيرهم
10

على هذا ونص عليه الشافعي في المختصر ودليله الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أبلغ في
مهابته قال أصحابنا وغيرهم ويستحب أن يمشى جميع الطريق ولا يركب في شئ منها الا أن يكون
له عذر كمرض وضعف ونحوهما فلا بأس بالركوب ولا يعذر بسبب؟ منصبه ورياسته فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشى في العيد وهو أكمل الخلق وأرفعهم منصبا قال أصحابنا
ولا بأس أن يركب في الرجوع لما ذكره المصنف واتفق الأصحاب على هكذا قالوا وصورته
إذا لم يتضرر الناس بمركوبه فان تضرروا به لزحمة وغيرها كره لما فيه من الاضرار *
* قال المصنف رحمه الله *
{وإذا حضر جاز أن يتنفل إلى أن يخرج الامام لما روى عن أبي برزة وأنس والحسن
وجابر بن زيد انهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الامام ولأنه ليس بوقت منهي عن الصلاة
فيه ولا هناك ما هو أهم من الصلاة فلم يمنع من الصلاة كما بعد العيد والسنة للامام أن لا يخرج الا في
الوقت الذي يوافي فيه الصلاة لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلي فأول شئ يبدأ به الصلاة "
والسنة أن يمضى
إليها في طريق ويرجع في أخرى لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
يخرج يوم الفطر والأضحى من طريق يرجع من آخر "} *
{الشرح} حديث أبي سعيد رواه البخاري ومسلم وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود
باسناد ضعيف ورواه البخاري في صحيحه من رواية جابر قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
كان يوم العيد خالف الطريق " ورواه الحاكم من راوية أبي هريرة مرفوعا قال وهو صحيح على
شرط البخاري ومسلم وذكره البخاري في صحيحه تعليقا قال البخاري حديث جابر أصح وأما
ما ذكره أولا عن أبي برزة وأنس والحسن وجابر بن زيد فرواه البيهقي ولكنه وقع في نسخ
المهذب عن أبي برزة - بفتح الباء الموحدة وبعدها راء ساكنة ثم زاي مفتوحة - وهو تصحيف وصوابه
عن أبي بردة - بضم الباء وبدال بعد الراء - هو أبو بردة التابعي ابن أبي موسي الأشعري واسم
أبى بردة عامر وقيل الحارث وهذا الذي ذكرته من تصحيفه لا نشك؟ فيه فالصواب أبو بردة بالدال
هكذا ذكره البيهقي في كتابيه وغيره من الأئمة وتقديم المصنف له على أنس يدل على أنه ظنه أبا برزة
11

الصحابي وهو غلط بلا شك * أما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) يجوز لغير الامام التنفل يوم العيد
قبل صلاة العيد وبعدها في بيته وطريقه وفى المصلي قبل حضور الامام لا بقصد التنفل لصلاة العيد
ولا كراهة في شئ من ذلك لما ذكره المصنف قال الشافعي والأصحاب وليس لصلاة العيد سنة قبلها
ولا بعدها لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها (المسألة الثانية) يستحب للامام أن لا
يخرج إلى موضع الصلاة الا في الوقت الذي يصلى بهم قال أصحابنا ويكره للامام أن يصلي قبل
صلاة العيد أو بعدها في المصلي لأنه لو صلى أو هم انها سنة وليست سنة قال أصحابنا ولا يصلى
تحية المسجد بل يشرع أول وصوله في صلاة العيد وتحصل التحية في ضمنها ودليله حديث أبي
سعيد (المسألة الثالثة) يستحب لكل من صلي العيد ان يمضي إليها في طريق ويرجع في طريق آخر
للحديث ويستحب ان يمضى في الطريق الأطول (واختلفوا) في سبب ذهابه صلى الله عليه وسلم في
طريق ورجوعه في طريق آخر (فقيل) كان يذهب في أطول الطريقين ويرجع في الآخر لان الذهاب
أفضل من الرجوع (وقيل) كان يتصدق في الطريقين (وقيل) كان يتصدق في طريق ولا يبقى معه شئ
فيرجع في آخر لئلا يسأله سائل فيرده (وقيل) ليشرف أهل الطريقين (وقيل) ليشهد له الطريقان
(وقيل) ليعلم أهل الطريقين ويفتيهم (وقيل) ليغيظ المنافقين باظهار الشعار (وقيل) لئلا يرصده المنافقون
فيؤذوه (وقيل) للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا ونحو ذلك وقيل كان يخرج في الطريق
الأول خلق كثير فيكثر الزحام فيرجع في آخر ليخف قال أصحابنا ثم إن لم نعلم المعني الذي خالف
النبي صلى الله عليه وسلم بسببه الطريق استحب لنا مخالفة الطريق بلا خلاف وان علمناه ووجد ذلك
المعنى في إنسان استحب له مخالفة الطريق وان لم يوجد فيه فوجهان مشهوران (الصحيح) باتفاق الأصحاب
يستحب أيضا وبه قال أبو علي بن أبي هريرة وبه قطع المصنف والأكثرون لمطلق الامر بالاقتداء (والثاني)
12

قاله أبو إسحاق لا يستحب لفوات سببه وأجاب الأولون عن هذا بأنه قد يزول سبب العبادة ويبقي أصلها
كالرمل والسعي ونظائرهما وأصح الأقوال في حكمته هو الأول وهو الذهاب في أطول الطريقين والرجوع في
الأقصر صححه جمهور أصحابنا وصحح الشيخ أبو حامد القول الأخير وأما (قول) إمام الحرمين وغيره ان
الرجوع ليس بقربة (فغلطوهم) فيه بل يثاب في رجوعه للحديث الصحيح الذي قدمناه في الفصل
السابق قال الشافعي في الام ويستحب للامام في رجوعه ان يقف في طريقه فيستقبل القبلة ويدعو
وروى فيه حديثا *
(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة النفل قبل صلاة العيد وبعدها * أجمعوا على أنه ليس لها سنة
قبلها ولا بعدها واختلفوا في كراهة النفل قبلها وبعدها فمذهب الشافعي أنه لا يكره صلاة النفل قبل صلاة
العيد ولا بعدها لا في البيت ولا في المصلى لغير الامام وبه قال أنس بن مالك وأبو هريرة ورافع بن خديج
وسهل بن سعد وأبو بردة والحسن البصري وأخوه سعيد بن أبي الحسن وجابر بن زيد وعروة بن الزبير
وابن المنذر * وقال آخرون تكره الصلاة قبلها وبعدها حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن
مسعود وحذيفة وابن عمر وجابر بن عبد الله بن أبي أو في ومسروق والشعبي والضحاك بن مزاحم
وسالم بن عبد الله والزهري وابن جريج ومعمر واحمد * وقال آخرون يصلي بعدها لاقبلها حكاه
ابن المنذر عن أبي مسعود البدري الصحابي وعلقمة والأسود ومجاهد والنخعي وابن أبي ليلي
والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وحكاه البخاري في صحيحه عن ابن عباس وقال آخرون
يكره في المصلى قبلها وبعدها ولا يكره في غيره * ودليلنا ما احتج به الشافعي وابن المنذر والمصنف
وسائر الأصحاب ان الأصل إباحة الصلاة حتى يثبت النهى *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا يؤذن لها ولا يقام لما روى عن بن عباس رضي الله عنهما قال " شهدت العيد مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم صلى قبل الخطبة بغير
اذان ولا إقامة " والسنة أن ينادى لها الصلاة جامعة لما روى عن الزهري أنه كان ينادى به} *
{الشرح} حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري
ومسلم إلا أنه قال وعمر أ وعثمان ورواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وجابر قالا لم يكن يؤذن يوم الفطر
والأضحى وفى صحيح مسلم عن جابر " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ
13

بالصلاة قبل الخطبة بغير اذان ولا إقامة " وعن جابر بن سمرة " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم
العيدين غير مرة ولا مرتين بغير اذان ولا إقامة " رواه مسلم وأما هذا المروي عن الزهري فرواه الشافعي
باسناد ضعيف مرسلا فقال الشافعي في الام أخبرنا الثقة عن الزهري قال " لم يكن يؤذن للنبي
صلى الله عليه وسلم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام وأحدثه
الحجاج بالمدينة حين مر عليها قال الزهري وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في العيدين المؤذن
فيقول الصلاة جامعة " ويغني عن هذا الحديث الضعيف القياس على صلاة الكسوف فقد ثبتت
الأحاديث الصحيحة فيها (منها) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال " لما كسفت؟ الشمس في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي بالصلاة جامعة وفى رواية " أن الصلاة جامعة " رواه البخاري
ومسلم وعن عائشة " أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا الصلاة
جامعة " رواه البخاري ومسلم قوله عن الزهري أنه كان ينادى به - هو بفتح الدال - وقوله الصلاة
جامعة هما منصوبان الصلاة على الاغراء وجامعة على الحال * وأما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب
لا يؤذن للعيد ولا يقام وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وعليه عمل الناس في
الأمصار للأحاديث الصحيحة التي ذكرناها قال ابن المنذر وروينا عن ابن الزبير أنه أذن لها وأقام
قال وقال حصين أول من أذن في العيد زياد وقيل أول من أذن لها معاوية وقيل غيره قال الشافعي
والأصحاب ويستحب أن يقال الصلاة جامعة لما ذكرناه من القياس على الكسوف قال الشافعي
14

في الام وأحب أن يأمر الامام المؤذن أن يقول في الأعياد وما جمع الناس من الصلاة: الصلاة جامعة
أو الصلاة: قال وإن قال هلم إلى الصلاة لم نكرهه وان قال حي على الصلاة فلا بأس وان كنت أحب
أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الاذان وأحب أن يتوقى جميع كلام الاذان قال ولو أذن أو أقام للعيد
كرهته له ولا إعادة عليه هذا كلام الشافعي وقال صاحب العدة لو قال حي على الصلاة جاز بل هو
مستحب وقال الدارمي لو قال حي على الصلاة كره لأنه من ألفاظ الاذان والصواب ما نص عليه
الشافعي أنه لا يكره وان الأولى اجتنابه واجتناب سائر ألفاظ الاذان *
* قال المصنف رحمه الله *
{وصلاة العيد ركعتان لقول عمر رضي الله عنه " صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان
وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد
خاب من افترى " والسنة أن يصلى جماعة لنقل الخلف عن السلف والسنة أن يكبر في الأولى سبع
تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام وتكبيرة الركوع وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام والركوع لما
روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في الفطر في
الأولى سبعا وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة الصلاة " والتكبيرات قبل القراءة لما روي كثير بن عبد الله
عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في العيدين في الركعة الأولى سبعا وفى الثانية خمسا
قبل القراءة " فان حضر وقد سبقه الامام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض لأنه ذكر مسنون فات محله
فلم يقضه كدعاء الاستفتاح وقال في القديم يقضي لان محله القيام وقد أدركه وليس بشئ والسنة
أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لما روى أن عمر رضي الله عنه " كان يرفع يديه في كل تكبيرة في العيد "
ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالى " لما روى أن الوليد ابن عقبة خرج
يوما على عبد الله بن حذيفة والأشعري وقال إن هذا العيد غدا فكيف التكبير فقال عبد الله بن
15

مسعود تكبر وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك فقال
الأشعري وحذيفة صدق "
والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة بق واقتربت لما روي أبو واقد الليثي " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفطر والأضحى بق واقتربت الساعة "
والسنة أن يجهر فيهما
بالقراءة لنقل الخلف عن السلف} *
{الشرح} حديث عمر " صلاة الأضحى ركعتان " إلى آخره حديث حسن رواه أحمد بن حنبل
والنسائي وغيرهما وسبق بيانه في آخر باب صلاة الجمعة وفى صلاة المسافر وجواز القصر والاتمام
وحديث عمرو بن شعيب هذا صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة قال الترمذي في كتاب
العلل سألت البخاري عنه فقال ليس في هذا الباب شئ أصح منه قال وبه أقول وهذا الذي قاله
فيه نظر لان كثير بن عبد الله ضعيف ضعفه الجمهور واما قوله إن عمر كان يرفع يديه في كل تكبيرة
في العيد فقال البيهقي رويناه في حديث مرسل وهو قول عطاء بن أبي رباح ورواه في السنن الكبير
عن عمر رضي الله عنه باسناد ضعيف ومنقطع (وأما قوله) إن الوليد بن عقبة خرج على عبد الله
وحذيفة (فرواه) البيهقي باسناد حسن وليس في روايته فقال الأشعري وحذيفة صدق (وأما) حديث أبي
واقد (فرواه) مسلم وأما جد كثير بن عبد الله فهو عمرو بن عوف الأنصاري الصحابي توفى
بالمدينة آخر خلافة معاوية وأما الوليد فهو أبو وهب الوليد بن عقبة بن أبي معيط واسم أبي معيط
أبان ابن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي الصحابي وهو أخو عثمان
ابن عفان لامه أسلم يوم الفتح: واما أبو واقد فبالقاف واسمه الحارث بن عوف وقيل الحارث بن مالك
وقيل عوف بن الحارث شهد بدرا واليرموك والجابية وتوفى بمكة سنة ثمان وستين وهو ابن خمس
وسبعين ودفن في مقبرة المهاجرين * وأما قول المصنف لأنه ذكر مسنون فات محله فلم يقضه كدعاء
الاستفتاح احترز بالمسنون عن قراءة الفاتحة إذا نسيها أو أدرك الامام بعد فراغه منها (وقوله) كدعاء
الاستفتاح معناه ان المنفرد إذا شرع في الفاتحة قبل الافتتاح لا يأتي به بعد ذلك واما المأموم إذا
أدرك الامام بعد فراغه منه وشروعه في القراءة أتي به ان لم يخش فوت الفاتحة قبل ركوع الامام
نص عليه الشافعي في الام واتفقوا عليه وهذا القياس الذي ذكره فيه انكاران (أحدهما) انه ليس
نظير مسألتنا بل نظيرها إذا أدرك الامام في الفاتحة وقد نص في الام على أنه يأتي بالافتتاح هنا
(الثاني) أنه ينتقض بمن ترك قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى منها فإنه يقرأ في الثانية الجمعة
والمنافقين بالاتفاق وبمن ترك التعوذ في الركعة الأولى وقلنا يختص بها فإنه يأتي به في الثانية بالاتفاق
وبالمسبوق إذا أدرك ركعتين فإنه يأتي بالسورة في الباقتين على الصحيح المنصوص مع قولنا لا تشرع
السورة في الأخريين قال الأصحاب إنما يأتي بالسورة لمسكونها فاتته في الأوليين مع الامام والله أعلم *
16

اما الأحكام فصلاة العيد ركعتان بالاجماع وصفتها المجزئة كصفة سائر الصلوات وسننها وهيآتها
كغيرها من الصلوات وينوى بها صلاة العيد هذا أقلها: واما الا كمل فأن يقرأ بعد تكبيرة الاحرام
دعاء الاستفتاح ثم يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام وسوى تكبيرة
الركوع وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام من السجود والهوى إلى الركوع وقال المزني التكبيرات
في الأولى ست وحكى الرافعي قولا شاذا ان دعاء الاستفتاح يكون بعد هذه التكبيرات والصواب
الأول وهو المعروف من نصوص الشافعي وبه قطع الجمهور قال الشافعي وأصحابنا يستحب أن
يقف بين كل تكبيرتين من الزوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله تعالى ويكبره
ويحمده ويمجده هذا لفظ الشافعي في الام ومختصر المزني لكن ليس في الام ويمجده قال جمهور
الأصحاب يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولو زاد عليه جاز وقال الصيدلاني
عن بعض الأصحاب يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل
شئ قدير وقال ابن الصباغ لو قال ما اعتاده الناس الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله
بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا كان حسنا وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن مسعود المسعودي من أصحابنا أصحاب القفال يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك
اسمك وتعالي جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا يأتي بهذا الذكر بعد السابعة والخامسة بل
يتعوذ عقب السابعة وكذا عقب الخامسة ان قلنا يتعوذ في كل ركعة وهو الأصح ولا يأتي به أيضا
بين تكبيرة الاحرام والأولى من الزوائد ولا يأتي به أيضا في الثانية قبل الأولى من الخمس هذا هو المذهب
وقال إمام الحرمين يأتي به والصواب في المذهب والدليل هو الأول وبه قطع الأصحاب في طرقهم
قال الشافعي في الام ولو وصل التكبيرات الزوائد بعضهن ببعض ولم يفصل بينهن بذكر كرهت
17

ذلك ثم يقرأ بعد التعوذ الفاتحة ثم سورة ق وفى الركعة الثانية بعد الفاتحة اقتربت الساعة وثبت
في صحيح مسلم في رواية النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قرأ في صلاة العيد أيضا
بسبح اسم ربك وهل أتاك حديث الغاشية " فكلاهما سنة والله أعلم: والمستحب أن يرفع يديه
حذو منكبيه في كل واحدة من التكبيرات الزوائد ويضع اليمنى على اليسرى بين كل تكبيرتين
قال الرافعي وفى العدة ما يشعر بخلاف فيه قال الشافعي في الام فان ترك الرفع في تكبيرات
أو بعضها كرهت ذلك له ولو شك في عدد التكبيرات أخذ بالأقل قياسا على عدد الركعات ولو
كبر ثماني تكبيرات وشك هل نوى الاحرام بإحداهن لم تنعقد صلاته نص عليه في الام واتفقوا
عليه لان الأصل عدم ذلك: ولو شك في التكبيرة التي نوى التحرم بها جعلها الأخيرة وأعاد
الزوائد: ولو صلي خلف من يكبر ثلاثا أو ستا ففيه قولان (أحدهما) يكبر سبعا في الأولى وخمسا
في الثانية كما لو ترك إمامه التعوذ ونحوه (وأصحهما) لا يزيد عليه لئلا يخالفه ولو ترك الزوائد
عمدا أو سهوا لم يسجد للسهو وصلاته صحيحة لكن يكره تركهن أو ترك واحدة منهن
والزيادة فيهن نص عليه في الام وأجمعت الأمة على أنه يجهر بالقراءة والتكبيرات الزوائد ويسر
بالذكر بينهن *
(فرع) لو نسي التكبيرات الزائدة في صلاة العيد في ركعة فتذكرهن في الركوع أو بعده مضي
في صلاته ولا يكبرهن ولا يقضيهن فان عاد إلى القيام ليكبرهن بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه
والا فلا ولو تذكرهن قبل الركوع اما في القراءة وأما بعدها فقولان (الصحيح) الجديد انه لا يأتي
بهن لفوات محلهن وهو قبل القراءة والقديم يأتي بهن سواء ذكرهن في القراءة أو بعدها ما لم يركع
وعنده أن محلهن القيام وهو باق فعلى القديم لو تذكر في أثناء الفاتحة قطعها وكبرهن ثم استأنف
الفاتحة ولو تذكرهن بعد الفاتحة كبرهن ويستحب استئناف الفاتحة وفيه وجه شاذ حكاه الرافعي
انه يجب استئناف الفاتحة (والصواب) الأول وبه قطع الجمهور ونص عليه في الام واتفقوا على أنه
لو تركهن حتى تعوذ ولم يشرع في الفاتحة أتي بهن لان محلهن قبل القراءة وتقديمهن على التعوذ سنة
18

لا شرط ولو أدرك الامام في أثناء الفاتحة أو قد كبر بعض التكبيرات الزائدة فعلى
الجديد لا يكبر ما فاته وعلى القديم يكبره ولو أدركه راكعا ركع معه ولا يكبرهن بالاتفاق
ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام إلى ثانيته بعد سلام الامام كبر
أيضا خمسا *
(فرع) تسن صلاة العيد جماعة وهذا مجمع عليه للأحاديث الصحيحة المشهورة فلو صلاها
المنفرد فالمذهب صحتها وفيه خلاف ذكره المصنف في آخر الباب سنوضحه هناك إن شاء الله
تعالى *
(فرع) في مذاهب العلماء في عدد التكبيرات الزوائد * قد ذكرنا ان مذهبنا ان في الأولى
سبعا وفى الثانية خمسا وحكاه الخطابي في معالم السنن عن أكثر العلماء وحكاه صاحب الحاوي
عن أكثر الصحابة والتابعين وحكاه عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري
ويحيى الأنصاري والزهري ومالك والأوزاعي وأحمد واسحق وحكاه المحاملي عن أبي بكر
19

الصديق وعمر وعلي وزيد بن ثابت وعائشة رضي الله عنهم وحكاه العبدري أيضا عن الليث
وأبي يوسف وداود * وقال آخرون يكبر في كل ركعة سبعا حكاه ابن المذر عن ابن عباس والمغيرة
ابن شعبة وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب والنخعي وحكى أصحابنا عن مالك واحمد وأبى
ثور والمزني ان في الأولى ستا وفى الثانية خمسا وقال ابن مسعود في الأولى خمس وفى الثانية أربع
كذا حكاه عنه الترمذي وحكي غيره عن ابن مسعود ان في كل ركعة ثلاث تكبيرات وهو مذهب أبي
حنيفة وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وحذيفة وأبى موسي وعقبة بن عمرو وعن الحسن
البصري في الأولى خمس وفى الثانية ثلاث وحكي أيضا عن ابن مسعود وحذيفة وأبى موسي
وابن الزبير في كل ركعة أربع تكبيرات وعن الحسن البصري رواية يكبر في الأولى ثلاثا وفى
الثانية ثنتين * واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بما روى " ان سعيد بن العاص سأل أبا موسي وحذيفة
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر فقال أبو موسى كان يكبر أربعا
تكبيره على الجنائز فقال حذيفة صدق " رواه أبو داود باسناد فيه ضعف وأشار البيهقي إلى تضعيفه
وشذوذه ومخالفة رواية الثقات وان المشهور وقفه على ابن مسعود * واحتج أصحابنا بحديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كبر في الأولى سبعا وفى الثانية خمسا "
رواه أبو داود وغيره وصححوه كما سبق بيانه وعن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله رواه أبو داود
وغيره (والجواب) عن حديثهم أنه ضعيف كما سبق مع أن رواة ما ذهبنا إليه أكثروا حفظ وأوثق مع أن
معهم زيادة والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في محل التكبير * قد ذكرنا أن مذهبنا أن التكبيرات الزوائد تكون بين دعاء
الاستفتاح والتعوذ وبه قال العلماء كافة الا أبا حنيفة فقال يقرأ في الثانية قبل التكبيرات ثم يكبر وحكى
ابن الصباغ وغيره عن أبي يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات ليتصل التعوذ بدعاء الاستفتاح وحكى
20

الشيخ أبو حامد عن محمد أنه يكبر التكبيرات ثم يأتي بدعاء الافتتاح ثم التعوذ * واحتج لأبي حنيفة
بما روى عن ابن مسعود وحذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم " كبر في صلاة العيد أربعا كتكبيرات
الجنازة ووالى بين القراءتين " واحتج أصحابنا بحديث كثير بن عبد الله المذكور في الكتاب ونحوه
أيضا في سنن أبي داود من جهة غيره والحديث المحتج به لأبي حنيفة ضعيف أو باطل وقول أبي
يوسف غير مسلم فان التعوذ إنما شرع للقراءة وهو تابع لها فينبغي ان يتصل بها والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في رفع اليدين في التكبيرات الزائدة * مذهبنا استحباب الرفع فيهن
واستحباب الذكر بينهن وبه قال عطاء والأوزاعي وأبو حنيفة ومحمد واحمد وداود وابن المنذر
وقال مالك والثوري وابن أبي ليلي وأبو يوسف لا يرفع اليد الا في تكبيرة الاحرام *
(فرع) في مذاهبهم في الذكر بين التكبيرات الزوائد * قد ذكرنا ان مذهبنا استحبابه وبه
قال ابن مسعود واحمد وابن المنذر وقال مالك والأوزاعي لا يقوله * ومذهبنا ان دعاء الافتتاح
في صلاة العيد قبل التكبيرات الزوائد وقال الأوزاعي يقوله بعدهن * واما التعوذ فمذهبنا انه يقوله
بعد التكبيرات الزوائد وقبل الفاتحة وبه قال احمد ومحمد بن الحسن وقال أبو يوسف يقوله عقب
دعاء الاستفتاح قبل التكبيرات *
(فرع) في مذاهبهم فيمن نسي التكبيرات الزائدة حتى شرع في القراءة * قد ذكرنا ان مذهبنا
الجديد الصحيح انها تفوت ولا يعود يأتي بها وبهذا قال أحمد بن حنبل والحسن بن زياد اللؤلؤي
صاحب أبي حنيفة والقديم انه يأتي بها ما لم يركع وبه قال أبو حنيفة ومالك *
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة إذا فرغ من الصلاة ان يخطب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما " كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة " والمستحب
ان يخطب على منبر لما روى جابر رضي الله قال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى فلما
قضى خطبته نزل من منبره " ويسلم على الناس إذا اقبل عليهم كما قلنا في خطبة الجمعة وهل يجلس
21

قبل الخطبة فيه وجهان (أحدهما) لا يجلس لان في الجمعة يجلس لفراغ المؤذن من الاذان وليس في
العيدين اذان (والثاني) يجلس وهو المنصوص في الام لأنه يستريح بها ويخطب خطبتين يفصل
بينهما بجلسة ويجوز ان يخطب من قعود لما روى أبو سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم " خطب يوم العيد على راحلته " ولان صلاة العيد يجوز قاعدا فكذلك خطبتها بخلاف الجمعة
والمستحب ان يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع لما روى عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة أنه قال هو من السنة ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة من ذكر الله
تعالى وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن فإن كان في
عيد الفطر علمهم صدقة الفطر وإن كان في عيد الأضحى علمهم الأضحية لان النبي صلى الله عليه وسلم
قال في خطبته " لا يذبحن أحد حتى يصلي " ويستحب للناس استماع الخطبة لما روى عن ابن مسعود
أنه قال يوم عيد " من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يشهد الخطبة " فان دخل رجل والامام يخطب
فإن كان في المصلي استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيد لان الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها ولصلاة لا
يخشى فواتها فكان الاشتغال بها أولى وإن كان في المسجد ففيه وجهان قال أبو علي بن أبي هريرة يصلى تحية
المسجد ولا يصلي صلاة العيد لان الامام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء وقال أبو إسحاق
المروزي يصلى العيد لأنها أهم من تحية المسجد وآكد وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها
أولى كما لو حضر وعليه مكتوبة} *
{الشرح} حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم وحديث جابر رواه البخاري
ومسلم بمعناه ولفظهما قال جابر " قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصل فبدأ بالصلاة ثم خطب
فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن " فقوله نزل معناه عن المنبر (واما) حديث عبيد الله فرواه الشافعي
في الام باسناد ضعيف ومع ضعفه فلا دلالة فيه على الصحيح لان عبيد الله تابعي والتابعي إذا قال
من السنة فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي أبو الطيب (أصحهما) وأشهرهما أنه موقوف (والثاني)
مرفوع مرسل فان قلنا موقوف فهو قول صحابي لم يثبت انتشاره فلا يحتج به على الصحيح كما سبق
وان قلنا مرفوع فهو مرسل لا يحتج به (وأما) قوله لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته " لا يذبحن
أحد حتى يصلي " فهو ثابت في الصحيحين بمعناه من رواية البراء بن عازب وجندب بن عبد الله
رضي الله عنهم * أما الأحكام فيسن بعد صلاة العيد خطبتان على منبر وإذا صعد المنبر اقبل على
22

الناس وسلم عليهم وردوا عليه كما سبق في الجمعة ثم يخطب كخطبتي الجمعة في الأركان والصفات
إلا أنه لا يشترط القيام فيهما بل يجوز قاعدا ومضطجعا مع القدرة على القيام والأفضل قائما ويسن
أن يفصل بينهما بجلسة كما يفصل في خطبتي الجمعة وهل يستحب أن يجلس قبل الخطبتين أول
صعوده إلى المنبر كما يجلس قبل خطبتي الجمعة فيه الوجهان المذكوران في الكتاب (أصحهما) باتفاق
الأصحاب يستحب وهو المنصوص في الام وذكر المصنف دليل هذا كله واتفقت نصوص الشافعي
والأصحاب على أنه يستحب أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات نسقا وفى أول الثانية
سبعا قال الشافعي والأصحاب ولو أدخل بين هذه التكبيرات الحمد والتهليل والثناء جاز وذكر
الرافعي وجها أن صفة هذه التكبيرات كصفة التكبيرات المرسلة والمقيدة التي سنوضحها إن شاء الله
تعالى (واعلم) أن هذه التكبيرات ليست من نفس الخطبة وإنما هي مقدمة لها وقد نص الشافعي
وكثيرون من الأصحاب على أنهن لسن من نفس الخطبة بل مقدمة لها قال البندنيجي يكبر قبل
الخطبة الأولى تسع تكبيرات وقبل الثانية سبعا قال الشيخ أبو حامد هو ظاهر نص الشافعي ولا يغتر
بقول المصنف وجماعة يستفتح الأولى بتسع تكبيرات فان كلامهم متأول على أن معناه يفتتح الكلام
قبل الخطبة بهذه التكبيرات لان افتتاح الشئ قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه
فاحفظ هذا فإنه مهم خفى قال الشافعي والأصحاب فإن كان في عيد الفطر استحب للخطيب تعليمهم
أحكام صدقة الفطر وفي الاضحي أحكام الأضحية ويبينهما بيانا واضحا يفهمونه ويستحب للناس
استماع الخطبة وليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحة صلاة العيد لكن قال الشافعي لو ترك استماع
23

خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج أو تكلم فيها أو انصرف وتركها كرهته
ولا إعادة عليه ولو دخل انسان والامام يخطب للعيد فإن كان في المصلي جلس واستمع الخطبة ولم
يصل التحية ثم إذا فرغ الامام فله الخيار ان شاء صلي العيد في الصحراء وان شاء في بيته أو غيره
هكذا قطع به الجمهور ونقلوا الاتفاق عليه وقال البندنيجي عن نصه في المختصر قال ونص في
البويطي أنه يصلي العيد قبل أن يدنو من المصلى ثم يحضر ويستمع الخطبة والمشهور الأول فاما إن كان
في المسجد فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما (أصحهما) عند جمهور الأصحاب يصلي العيد
وتندرج التحية فيه وبهذا قال أبو إسحاق المروزي وممن صححه الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والقاضي
أبو الطيب في المجرد والدارمي والبندنيجي والمحاملي والبغوي وغيرهم (والثاني) قاله ابن أبي هريرة يصلي
التحية ويؤخر صلاة العيد وبهذا قطع سليم الرازي في الكفاية وصححه صاحب البيان وهذا الخلاف
إنما هو في الأفضل هل يصلي التحية أم العيد ولا خلاف أنه مأمور بأحدهما لان المجلس لا يجلس
فيه الا بعد صلاة فان صلى التحية قال أبو إسحاق المروزي والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل
وسائر الأصحاب فالمستحب أن يصلى العيد بعد فراغ الامام في المسجد ولا يؤخرها إلى بيته بخلاف
ما إذا أدرك الامام بالمصلي فإنه مخير بين أن يصلي العيد في المصلى بعد فراغ الامام وبين أن يرجع
إلى بيته يصلي نص عليه الشافعي قالوا والفرق أن المصلى لا مزية له على بيته وأما المسجد فهو أشرف
البقاع فكانت صلاته فيه أفضل من بيته قال صاحب الشامل وغيره ويخالف سائر النوافل حيث
قلنا فعلها في البيت أفضل لأن هذه الصلاة تسن لها الجماعة فكان فعلها في المسجد أولى كالفرائض
بخلاف المصلي فإنما استحببناها فيه للامام لتكثر الجماعة وذلك المعنى مفقود في حق المنفرد وهذا
كله تفريع على المذهب وهو صحة صلاة العيد للمنفرد وفيه خلاف ذكره المصنف بعد هذا
والله أعلم *
(فرع) إذا فرغ الامام من الصلاة والخطبة ثم علم أن قوما فاتهم سماع الخطبة استحب أن يعيد
لهم الخطبة سواء كانوا رجلا أم نساء وممن صرح به من أصحابنا البندنيجي والمتولي واحتجوا له
بحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " خطب يوم العيد فرأى أنه لم يسمع النساء
فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة " رواه البخاري ومسلم *
(فرع) لو خطب قبل صلاة العيد فهو مسيئ وفى الاعتداد بالخطبة احتمال لإمام الحرمين
24

والصحيح بل الصواب انه لا يعتد بها لقوله صلى الله عليه وسلم " وصلوا كما رأيتموني أصلي " وقياسا
على السنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها عليها وهذا الذي صححته هو ظاهر نص الشافعي في
الام فإنه نص في الام ونقله أيضا القاضي أبو الطيب في التجريد عن نصه في الام قال قال فان بدأ
بالخطبة قبل الصلاة رأيت أن يعيد الخطبة بعد الصلاة فإن لم يفعل لم يكن عليه إعادة صلاة ولا
كفارة كما لو صلى ولم يخطب هذا نصه بحروفه وهو ظاهر في أن الخطبة غير محسوبة ولهذا قال كما
لو صلي ولم يخطب *
(فرع) قال الشافعي في الام أكره للمساكين إذا حضروا العيد المسألة في حال الخطبتين
بل ينكفون عن المسألة حتى يفرغ الامام من الخطبتين قال فان سألوا فلا شئ عليهم فيها الا ترك
الفضل في الاستماع *
(فرع) قال أصحابنا الخطب المشروعة عشر خطبة الجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء
وأربع خطب في الحج وكلها بعد الصلاة الا خطبة الجمعة وخطبة الحج يوم عرفة وكلها يشرع فيها
خطبتان الا الثلاث الباقية من الحج فإنهن فرادى قال أصحابنا والفرق بين خطبة الجمعة والعيد في
التقدم على الصلاة والتأخر من أوجه ذكرناها في باب الجمعة *
* قال المصنف رحمه الله *
{روى المزني رحمه الله انه يجوز صلاة العيد للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة وقال في الاملاء
والقديم والصيد والذبائح لا يصلي العيد حيث لا تصلي الجمعة فمن أصحابنا من قال فيها قولان
(أحدهما) لا يصلون " لان النبي صلى الله عليه وسلم كان بمنى مسافرا يوم النحر فلم يصل " ولأنها صلاة
شرع لها الخطبة واجتماع الكافة فلم يفعلها المسافر كالجمعة (والثاني) يصلون وهو الصحيح لأنها صلاة
نفل فجاز لهم فعلها كصلاة الكسوف ومن أصحابنا من قال يجوز لهم فعلها قولا واحدا وتأول
ما قال في الاملاء والقديم على أنه أراد لا يصلى بالاجتماع والخطبة حيث لا تصلى الجمعة لان
في ذلك افتياتا على السلطان) *
{الشرح} حديث ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد يوم النحر بمني صحيح معروف
وقوله اجتماع الكافة هذا لحن عند أهل العربية فلا يقال الكافة ولا كافة الناس فلا يستعمل
25

بالألف واللام ولا مضافة وإنما مستعمل حالا فيقال اجتماع الناس كافة كما قال الله تعالى (ادخلوا في
السلم كافة وقاتلوا المشركين كافة وما أرسلناك الا كافة للناس) ولا تغترن بكثرة استعمالها لحنا في
كتب الفقه والخطب النباتية والمقامات وغيرها (وقوله) الصيد والذبائح هو كتاب من كتب
الام (وقوله) صلاة تشرع لها الخطبة واجتماع الكافة فلم يفعلها المسافر فيه احتراز من المكتوبات
ولكنه ينتقض بصلاة الكسوف (وقوله) في تعليل القول الآخر صلاة نفل احتراز من الجمعة
(واما) التأويل المذكور (فمعناه) ان الشافعي أراد انه لا يجوز أن يصلي طائفة من الناس في مسجد من
مساجد البلد بخطبة واجتماع ويتركوا الصلاة مع الامام وحضور خطبته في الجامع بخلاف الصلوات
الخمس حيث تفعل في كل مسجد لان في العيد افتياتا بخلاف الخمس * اما الأحكام فهل تشرع
صلاة العيد للعبد والمسافر والمرأة والمنفرد في بيته أو في غيره فيه طريقان (أصحهما وأشهرهما) القطع
بأنها تشرع لهم ودليله ما ذكره المصنف وأجابوا عن ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد بمنى
بأنه تركها لاشتغاله بالمناسك وتعليم الناس أحكامها وكان ذلك أهم من العيد (والثاني) فيه قولان
(أحدهما) هذا وهو نصه في معظم كتبه الجديدة (والثاني) لا تشرع نص عليه في القديم والاملاء
والصيد والذبائح من الجديد قال أصحابنا فعلى القديم تشترط فيها شروط الجمعة من اعتبار الجماعة
والعدد بصفات الكمال وغيرهما الا انه يجوز فعلها خارج البلد قال الرافعي ومنهم من منعه وهذا
غلط ظاهر منابذ للسنة مردود على قائله قال ومنهم من جوزها بدون أربعين على هذا القول والا
ان خطبتها بعدها وانه لو تركها صحت صلاته فإذا قلنا بالمذهب فصلاها المنفرد لم يخطب على المذهب
الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور وفيه وجه شاذ ضعيف حكاه الرافعي انه يخطب وان صلاها
مسافرون خطب بهم امامهم نص عليه في الام واتفقوا عليه قال الشافعي في الام وان ترك صلاة
العيدين من فاتته أو تركها من لا تجب عليه الجمعة كرهت ذلك له قال وكذلك الكسوف والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين بعد الزوال برؤية الهلال ففيه قولان (أحدهما) لا يقضي
26

(والثاني) يقضي وهو الأصح فان أمكن جمع الناس صلى بهم في يومهم وان لم يمكن جمعهم صلى
بهم من الغد لما روى أبو عمير بن انس عن عمومته رضي الله عنهم قالوا " قامت بينة عند النبي صلى
الله عليه وسلم بعد الظهر أنهم رأوا هلال شوال فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن
يخرجوا من الغد إلى المصلى " وان شهد الليلة الحادي والثلاثين صلي قولا واحدا ولا يكون ذلك قضاء
لان فطرهم غدا لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فطركم يوم تفطرون
وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون "} *
{الشرح} حديث أبي عمير صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة ولفظ
رواية أبى داود عن أبي عمير بن انس عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " ان ركبا
جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون انهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم ان يفطروا وإذا
أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم " ورواه البيهقي ثم قال وهذا اسناد صحيح قال وعمومة أبي عمير صحابة
لا تضر جهالة أعيانهم لان الصحابة كلهم عدول قال البيهقي وظاهر قوله أمرهم ان يخرجوا من الغد
إلى المصلي انه أمرهم بالخروج لصلاة العيد وذلك مبين في رواية هشيم قال ولا يجوزان يحمل على أنه كان
لكي يجتمعوا فيدعوا ولترى كثرتهم بلا صلاة (واما) حديث عائشة فصحيح رواه الترمذي وغيره
وليس في رواية الترمذي " وعرفتكم يوم تعرفون " ولفظ الترمذي عن عائشة قالت " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس " قال الترمذي حديث
حسن صحيح وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر يوم يفطرون
والأضحى يوم يضحون " رواه أبو داود والترمذي بأسانيد حسنه قال الترمذي هو حديث حسن "
وزاد الترمذي في روايته في أوله " الصوم يوم يصومون " وقوله وعرفتكم يوم تعرفون - بضم التاء وفتح
العين وكسر الراء المشددة - وأبو عمير المذكور هو عبد الله بن انس بن مالك الأنصاري الصحابي
وهو أكبر أولاد انس * اما الأحكام فقد سبق في باب صلاة التطوع ان صلاة العيد وغيرها من
السنن الراتبة إذا فاتت هل يستحب قضاؤها فيه قولان (الصحيح) انه يستحب قال أصحابنا فإذا
27

شهد عدلان يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال برؤية الهلال في الليلة الماضية وجب الفطر فان
بقي من الوقت قبل الزوال ما يمكن جمع الناس والصلاة فيه صلوها وكانت أداء بلا خلاف وان
شهدوا بعد غروب الشمس ليلة الحادي والثلاثين أنهم رأوه ليلة الثلاثين قال أصحابنا لا تقبل
شهادتهم بلا خلاف فيها يتعلق بالعيد إذ لا فائدة لها الا المنع من صلاة العيد فلا تسمع بل يصلون
العيد من الغد وتكون أداء بلا خلاف قال الرافعي اتفق الأصحاب على هذا قال وقولهم لا فائدة
فيه الا ترك الصلاة فيه اشكال بل لثبوت الهلال فوائد أخر كوقوع طلاق وعتق معلقين وابتداء
العدة وسائر الآجال وغير ذلك فوجب أن تقبل لهذه الفوائد ولعل مرادهم انها لا تقبل في صلاة العيد لا أنها
لا تقبل مطلقا هذا كلام الرافعي ومراد الأصحاب انها لا تقبل في صلاة العيد خاصة فاما ما سوى الصلاة من
الآجال والتعليقات وغيرهما فتثبيت بلا خلاف أما إذا شهدوا قبل الغروب اما بعد الزوال واما
قبله بيسير بحيث لا يمكن فيه الصلاة فتقبل شهادتهم في الفطر بلا خلاف وتكون الصلاة فائتة
على المذهب وقيل فيه قولان (أحدهما) هذا (والثاني) لا تفوت فتفعل في الغد أداء لعظم حرمتها
فعلى المذهب يكون قضاؤها مبنيا على قضاء النوافل فان قلنا لا تقضي لم يقض العيد وإن قلنا تقضي
بنيت صلاة العيد على أنها كالجمعة في الشروط أم لا فان قلنا كالجمعة لم تقض وإلا قضيت وهو
المذهب وهل لهم صلاتها في بقية يومهم فيه وجهان بناء على أن فعلها في الحادي والثلاثين أداء
أم قضاء ان قلنا أداء فلا وان قلنا قضاء وهو الصحيح جاز ثم هل هو أفضل أم التأخير إلى ضحوة
العيد فيه فيه وجهان (أصحهما) التقديم أفضل هذا إذا أمكن جمع الناس في يومهم لصغر البلد فان عسر
فالتأخير أفضل بلا خلاف وإذا قلنا صلاتها في الحادي والثلاثين قضاء فهل لهم تأخيرها فيه قولان
وقيل وجهان (أصحهما) جوازه ابدا (والثاني) لا يجوز وقيل يجوز في بقية الشهر أما إذا شهدا قبل
28

الغروب وعدلا بعده فقولان وقيل وجهان (أحدهما) الاعتبار بوقت الشهادة (وأصحهما) بوقت التعديل
فيصلون من الغد أداء بلا خلاف لأنه لم يثبت العيد في يومه هذا كله إذا وقع الاشتباه وفوات العيد
لأهل البلد جميعهم فان وقع ذلك لافراد لم يجئ الا قولان منع القضاء وجوازه ابدا وهو الأصح
هذا تلخيص أحكام الفصل في المذهب (وأما) قول المصنف شهدوا ليلة الحادي والثلاثين فمعناه
شهدوا انهم رأوه ليلة الثلاثين وقوله لان فطرهم غدا فغدا منصوب على الظرف وخبر إن مقدر
في الظرف قال أصحابنا وليس يوم الفطر أول شوال مطلقا وإنما هو اليوم الذي يفطر فيه الناس
بدليل الحديث السابق وكذلك يوم النحر وكذا يوم عرفة هو اليوم الذي يظهر للناس انه يوم
عرفة سواء كان التاسع أو العاشر قال الشافعي في الام عقب هذا الحديث فبهذا نأخذ قال وإنما
كلف العباد الظاهر ولم يظهر الفطر الا يوم أفطروا *
(فرع) في مذاهب العلماء إذا فاتت صلاة العيد * قد ذكرنا ان الصحيح من مذهبنا انها يستحب
قضاؤها ابدا وحكاه ابن المنذر عن مالك وأبي ثور وحكى العبدري عن مالك وأبي حنيفة والمزني
وداود انها لا تقضي وقال أبو يوسف ومحمد تقضى صلاة الفطر في اليوم الثاني والأضحى في الثاني
والثالث وقال أصحاب أبي حنيفة مذهبه كمذهبهما وإذا صلاها من فاتته مع الامام في وقتها أو بعده
صلاها ركعتين كصلاة الامام وبه قال أبو ثور وهو رواية عن أحمد وعنه رواية يصليها أربعا
بتسليمة وان شاء بتسليمتين وبه جزم الخرقي والثالثة مخير بين ركعتين وأربع وهو مذهب الثوري
وقال ابن مسعود يصليها أربعا وقال الأوزاعي ركعتين بلا جهر ولا تكبيرات زوائد وقال اسحق
ان صلاها في المصلى فكصلاة الامام والا أربعا *
29

{باب التكبير}
* قال المصنف رحمه الله *
{التكبير سنة في العيدين لما روى نافع عن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج
في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد
وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رافعا صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين حتى
يأتي المصلي " وأول وقت تكبير الفطر إذا غابت الشمس من ليلة الفطر لقوله عز وجل (ولتكملوا
العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) واكمال العدة بغروب الشمس من ليلة الفطر واما آخره ففيه طريقان
من أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) ما روى المزني أنه يكبر إلى أن يخرج الامام إلى الصلاة
لأنه إذا حضر فالسنة أن يشتغل بالصلاة فلا معني للتكبير (والثاني) ما رواه البويطي انه يكبر حتى
تفتتح الصلاة لان الكلام مباح قبل إن تفتتح الصلاة فكان التكبير مستحبا (والثالث) قاله في القديم
حتى ينصرف الامام لان الإمام والمأمومين مشغولون بالذكر إلى أن يفرغوا من الصلاة فسن لمن
لم يكن في الصلاة ان يكبر ومن أصحابنا من قال هو على قول واحد انه يكبر إلى أن تفتتح الصلاة
وتأول رواية المزني على ذلك لأنه إذا خرج إلى المصلي افتتح الصلاة وقوله في القديم حتى ينصرف
الامام لأنه ما لم ينصرف مشغول بالتكبير في الصلاة ويسن التكبير المطلق في عيد الفطر وهل يسن
التكبير المقيد في ادبار الصلوات فيه وجهان (أحدهما) لا يسن لأنه لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى؟ الله
عليه وسلم (والثاني) انه يسن لأنه عيد يسن له التكبير المطلق فيسن له التكبير المقيد كالأضحى
30

والسنة في التكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا لما روى عن ابن عباس أنه قال " الله أكبر
ثلاثا " وعن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال رأيت الأئمة رضي الله عنهم يكبرون
أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا وعن الحسن مثله قال في الام وان زاد زيادة فليقل بعد الثلاث
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد الا إياه مخلصين
له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
لا إله إلا الله والله أكبر لان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك على الصفا ويستحب رفع الصوت بالتكبير لما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير لأنه إذا رفع صوته
سمع من لم يكبر فيكبر " *
(فصل) واما تكبير الأضحى ففي وقته ثلاثة أقوال (أحدها) يبتدئ بعد الظهر من يوم النحر إلى أن
يصلى الصبح من آخر أيام التشريق والدليل على أنه يبتدئ بعد الظهر قوله عز وجل (فإذا قضيتم
مناسككم فاذكروا الله) والمناسك تقضي يوم النحر ضحوة وأول صلاة تلقاهم الظهر والدليل على أنه
يقطعه بعد الصبح ان الناس تبع للحاج وآخر صلاة يصليها الحاج بمنى صلاة الصبح ثم يخرج
(والثاني) يبتدئ بعد غروب الشمس من ليلة العيد قياسا على عيد الفطر ويقطعه إذا صلى الصبح
من آخر أيام التشريق لما ذكرناه (والثالث) أن يبتدئ بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويقطعه بعد
صلاة العصر من آخر أيام التشريق لما روى عمر وعلي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " كان يكبر في دبر كل صلاة بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى بعد صلاة العصر من
آخر أيام التشريق " *
(فصل) السنة ان يكبر في هذه الأيام خلف الفرائض لنقل الخلف عن السلف وهل يكبر
خلف النوافل فيه طريقان من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لأنها صلاة راتبة فأشبهت الفرائض
ومنهم من قال فيه قولان (أحدهما) يكبر لما قلناه (والثاني) لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع
لا يكون له تبع ومن فاتته صلاة في هذه الأيام فأراد قضاءها في غيرها لم يكبر خلفها لان التكبير
يختص بهذه الأيام فلا يفعل في غيرها وان قضاها في هذه الأيام ففيه وجهان (أحدهما) يكبر لان
وقت التكبير باق (والثاني) لا يكبر لان التكبير خلف هذه الصلوات يختص بوقتها وقد فات
الوقت فلم يقض} *
{الشرح} قال أصحابنا تكبير العيد قسمان (أحدهما) التكبيرات الزوائد في الصلاة والخطبة
وقد سبق (والثاني) غير ذلك والأصل فيه حديث أم عطية " كنا نؤمر باخراج الحيض فيكبرن بتكبيرهم "
31

رواه البخاري وفى رواية مسلم " يكبرن مع الناس) وهذا القسم نوعان مرسل ومقيد (فالمرسل) ويقال
له المطلق هو الذي لا يتقيد بحال بل يؤتى به في المنازل والمساجد والطرق ليلا ونهارا وفى غير ذلك
(والمقيد) هو الذي يقصد به الاتيان في ادبار الصلوات فالمرسل مشروع في العيدين جميعا وأول
وقته في العيدين غروب الشمس ليلة العيد وفي آخر وقته في عيد الفطر طريقان (أصحهما وأشهرهما)
فيه ثلاثة أقوال (أصحها) يكبرون إلى أن يحرم الامام بصلاة العيد وبهذا قطع جماعات لان الكلام
مباح قبل افتتاح الصلاة فالاشتغال بالتكبير أولى وهذا نصه في رواية البويطي (والثاني) إلى أن يخرج
الامام إلى الصلاة لأنه إذا خرج فالسنة الاشتغال بالصلاة وهذا نصه في الام ورواية المزني (والثالث)
يكبر إلى فراغ الامام من الصلاة وقيل إلى أن يفرغ من الخطبتين وهذا نصه في القديم
(والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق المروزي القطع بالقول الأول وتأول هؤلاء النصين
لآخرين على هذا قال البندنيجي وغيره وتظهر فائدة الخلاف في حق من ليس بحاضر مع الامام
فإذا قلنا يمتد إلى فراغ الخطبتين فله ان يكبر حتى يعلم فراغ الامام منهما * واما
الحاضرون فلا يكبرون في حال الخطبة بل يستمعونها قال أصحابنا ويستحب أن يرفع الناس
أصواتهم بالتكبير المرسل في ليلتي العيدين ويوميهما إلى الغاية المذكورة في المنازل والمساجد
والأسواق والطرق وغيرها في الحضر والسفر وفى طريق المصلي وبالمصلي ويستثنى منه الحجاج
فلا يكبرون ليلة الأضحى بل ذكرهم التلبية (واعلم) أن تكبير ليلة الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى
على الأظهر وهو القول الجديد وقال في القديم عكسه ودليل الجديد قول الله تعالى (ولتكملوا العدة
ولتكبروا الله) وأما التكبير المقيد فيشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لاجماع الأمة وهل يشرع
في عيد الفطر فيه وجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب وحكاهما صاحب التتمة وجماعة
قولين (أصحهما) عند الجمهور لا يشرع ونقلوه عن نصه في الجديد وقطع به الماوردي والجرجاني
والبغوي وغيرهم وصححه صاحبا الشامل والمعتمد واستدل له المصنف والأصحاب بأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان مشروعا لفعله ولنقل (والثاني) يستحب ورجحه المحاملي والبندنيجي
والشيخ أبو حامد * واحتج له المصنف والأصحاب بأنه عيد يسن فيه التكبير المرسل فسن المقيد
كالأضحى فعلى هذا قالوا يكبر خلف المغرب والعشاء والصبح ونقله المتولي عن نصه في القديم
32

وحكم النوافل والفوائت في هذه المدة على هذا الوجه يقاس بما سنذكره إن شاء الله تعالى في
الأضحى
(واما الأضحى) فالناس فيه ضربان حجاج وغيرهم (فاما الحجاج) فيبدؤون التكبير عقب صلاة
الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق بلا خلاف هكذا نقله صاحب جامع الجوامع
عن نص الشافعي وصرح به الأصحاب منهم المحاملي والبندنيجي والجرياني في التحرير وآخرون
وأشار إليه القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون ونقله امام الحرمين عن العراقيين وقطع هو به
فيما يرجع إلى الابتداء وتردد في الانتهاء وسبب تردده أنه لم يبلغه نص الشافعي الذي ذكرناه
وقطع به الرافعي وغيره من المتأخرين قالوا ووجهه ان الحجاج وظيفتهم وشعارهم التلبية ولا يقطعونها
الا إذا شرعوا في رمى جمرة العقبة وإنما شرع بعد طلوع الشمس يوم النحر وأول فريضة تلقاهم بعد
ذلك الظهر وآخر صلاة يصلونها بمني صلاة الصبح في اليوم الأخير من أيام التشريق لان السنة لهم
أن يرموا في اليوم الثالث بعد الزوال وهم ركبان ولا يصلون الظهر بمنى وإنما يصلونها بعد نفرهم
منها. واما غير الحجاج فللشافعي رحمه الله في تكبيرهم ثلاث نصوص (أحدها) من الظهر يوم النحر
إلى صبح آخر أيام التشريق وهذا هو المشهور من نصوص الشافعي وهو نصه في مختصر المزني
والبويطي والام والقديم قال صاحب الحاوي هو نصه في القديم والجديد وقال صاحب الشامل
هو نصه في أكثر كتبه (والثاني) قاله في الام قال لو بدأ بالتكبير خلف صلاة المغرب ليلة النحر
قياسا على ليلة الفطر لم أكره ذلك قال وسمعت من يستحب هذا وقال به (والنص الثالث) انه روى
في الام عن بعض السلف انه كان يبدأ من الصبح يوم عرفة قال واسأل الله التوفيق هذا كلامه
في الام وكذا نقله صاحب الشامل والأكثرون وقال صاحب الحاوي نص في القديم والجديد انه
33

يبدأ من ظهر يوم النحر ويختم بصبح آخر التشريق فيكون مكبرا خلف خمس عشرة صلاة قال
وقال في موضع آخر يبدأ من المغرب ليلة النحر إلى صبح آخر التشريق فتكون ثماني عشرة صلاة
وقال في موضع آخر في صبح يوم عرفة إلى عصر آخر التشريق فتكون ثلاثا وعشرين صلاة قال
وهذا حكاه الشافعي عن بعض السلف وقال أستخير الله تعالى فيه هذه نصوص الشافعي وللأصحاب
في المسألة ثلاثة طرق (أصحها وأشهرها) وبها قطع المصنف والأكثرون في المسألة ثلاثة أقوال
(أصحها) عندهم من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر التشريق (والثاني) من مغرب ليلة النحر إلى صبح
آخر التشريق (والثالث) من صبح عرفة إلى عصر آخر التشريق (والطريق الثاني) أنه من ظهر
يوم النحر إلى صبح آخر التشريق قولا واحدا وهذا الطريق نقله صاحب الحاوي عن أبي إسحاق المروزي
وابن علي بن أبي هريرة وحكاه ابن الصباغ وآخرون من العراقيين وجماعات من الخراسانيين قالوا
والنصان الآخران ليسا مذهبا للشافعي وإنما حكاهما مذهبا لغيره قال في الحاوي وتأولوا أيضا نصه من
المغرب ليلة النحر على أن المراد التكبير المرسل لا المقيد ولا خلاف في استحباب المرسل من المغرب في
ليلتي العيدين إلى أن يحرم الامام بصلاة العيد كما سبق (والطريق الثالث) حكاه القاضي أبو الطيب في المجرد
عن الداركي عن أبي إسحاق المروزي أنه قال ليس في المسألة خلاف وليست هذه النصوص لاختلاف
قول بل لا خلاف في المذهب أنه يكبر من صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قال وإنما ذكر
الشافعي في ثبوته ثلاثة أساب فذكر في ثبوت التكبير من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر التشريق
قول بعض السلف وذكر في ليلة النحر القياس على ليلة الفطر وذكر في ظهر يوم النحر القياس على
الججيج قال القاضي والأول أصح وعليه أكثر أصحابنا هذا آخر كلام القاضي * ونقل الدارمي
في الاستذكار عن أبي إسحاق نحو حكاية القاضي عنه فالحاصل أن الأرجح عند جمهور الأصحاب
الابتداء من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر التشريق واختارت طائفة محققي الأصحاب المتقدمين
والمتأخرين أنه يبدأ من صبح يوم عرفة ويختم بعصر آخر التشريق ممن اختاره أبو العباس ابن
34

سريج حكاه عنه القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون قال البندنيجي هو اختيار المزني وابن سريج
قال الصيدلاني والروياني وآخرون وعليه عمل الناس في الأمصار واختاره ابن المنذر والبيهقي وغيرهما
من أئمة أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث وهو الذي اختاره * واحتج له البيهقي بحديث مالك
عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأله انس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفات كيف كنتم تصنعون
في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كان يهلل المهلل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر
فلا ينكر عليه " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غداة عرفة فمنا المكبر ومنا المهلل فاما نحن فنكبر " رواه مسلم قال البيهقي وروى في ذلك عن عمر
وعلى وابن عباس رضي الله عنهم ثم ذكر ذلك بأسانيده وانهم كانوا يكبرون من الصبح يوم عرفة
إلى العصر من آخر أيام التشريق قال البيهقي وقد روى في ذلك حديث مرفوع لا يحتج بمثله ثم
ذكر باسناده عن عمرو بن شمر عن جابر يعنى الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر رضي الله
عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام
التشريق " قال البيهقي عمرو بن شمر وجابر الجعفي لا يحتج بهما وفى رواية الثقات كفاية هذا كلام
البيهقي وروى الحاكم في المستدرك عن علي وعمار رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان يجهر في المكتوبات بسم الله الرحمن الرحيم وكان يقنت في صلاة الفجر وكان يكبر يوم عرفة
من صلاة الصبح ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد
لا أعلم من رواته منسوبا إلى الجرح قال وقد روى في الباب عن جابر بن عبد الله وغيره * فاما من
فعل عمرو على وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم فصحيح عنهم التكبير من صبح عرفة إلى
عصر آخر التشريق وروى البيهقي هذا الحديث الذي رواه الحاكم باسناد الحاكم ثم قال وهذا
الحديث مشهور بعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل وكلا الاسنادين ضعيف هذا
كلام البيهقي وهو أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحريا * قال أصحابنا ويكبر خلف الصبح أو
35

العسر التي هي الغاية بلا خلاف قال الشافعي والأصحاب ويكبر في هذه المدة خلف الفرائض المؤديات
بلا خلاف ولو فاتته فريضة منها فقضاها في غيره لم يكبر بلا خلاف لان التكبير شعار هذه الأيام
فلا يفعل في غيرها ولو فاتته فريضة فيها فقضاها فيها أيضا فهل يكبر فيه طريقان (أحدهما) وبه
قطع البندنيجي وصاحب الحاوي يكبر بلا خلاف لان التكبير شعار لهذه المدة (والطريق الثاني)
فيه خلاف حكاه الخراسانيون قولين وحكاه صاحب البيان عن حكاية العراقيين وجهين (أصحهما)
يكبر لما ذكرناه (والثاني) لا لان التكبير شعار لوقت الفرائض ولو فاتته فريضة في غير هذه الأيام
فقضاها فيها فثلاث طرق (أحدها) وبه قطع صاحب الحاوي والبندنيجي يستحب التكبير بلا
خلاف لأنه شعار هذه المدة (والثاني) لا يستحب حكاه صاحب البيان عن طريقة العراقيين وذكره
المصنف وغيره منهم (والثالث) فيه قولان (أصحهما) يستحب (والثاني) لا يستحب حكاه الخراسانيون
والأصح على الجملة استحبابه وهو الذي صححه الرافعي وغيره من المتأخرين *
(فرع) اما التكبير خلف النوافل فقال المزني في مختصره قال الشافعي ويكبر خلف الفرائض
والنوافل قال المزني والذي قبل هذا أولى انه لا يكبر الا خلف الفرائض وللأصحاب في المسألة أربع
طرق (أصحها) وأشهرها فيه قولان (أصحهما) يستحب لأنها صلاة مفعولة في وقت التكبير فأشبهت
الفريضة (والثاني) لا يستحب لان التكبير تابع للصلاة والنافلة تابعة للفريضة والتابع لا يكون له تابع
والطريق (الثاني) يكبر قولا واحدا حكاه المصنف والأصحاب قال القاضي أبو الطيب في المجرد
وقد نص الشافعي على هذا فقال فإذا سلم كبر خلف الفرائض والنوافل وعلى كل حال قال وذكر
في هذا الباب في الام انه تكبر الحائض والجنب وغير المتوضئ في جميع الساعات من الليل
والنهار قال وهذا دليل على أن التكبير مستحب خلف الفرائض والنوافل وعلى كل حال وأن من لا
يصلي كالجنب والحائض يستحب لهم التكبير قال القاضي وغلطوا المزني في قوله الذي قبل هذا
أولى فإنه أو هم أن الشافعي نص قبل هذا أنه لا يكبر الا خلف الفرائض وليس كذلك بل كلام الشافعي
36

الذي قبل هذا مؤول قال القاضي هذا الطريق أصح وصححه أيضا البندنيجي (والطريق الثالث)
لا يكبر قولا واحدا حكاه صاحب الحاوي قال وبه جرى العمل تواترا في الأمصار بين الأئمة قال
وأجاب أصحاب هذا الطريق عن نقل المزني التكبير خلف الفرائض والنوافل بجوابين (أحدهما)
أنه غلط في النقل من التلبية إلى التكبير (والثاني) انه غلط في المعني دون الرواية وانا أراد الشافعي
بالتكبير خلف الفرائض والنوافل ما تعلق بالزمان في ليلتي العيد دون ما تعلق بالصلوات في أيام
النحر (والطريق الرابع) حكاه صاحب الحاوي أيضا إن كان النفل يسن منفردا لم يكبر خلفه
وان سن جماعة كالكسوفين والاستسقاء كبر وحملوا القولين على هذين فهذا تلخيص ما ذكره
الأصحاب والمذهب على الجملة استحباب التكبير خلف كل النوافل في هذه الأيام *
(فرع) هل يكبر خلف صلاة الجنازة فيه ثلاثة طرق (أحدها) لا يكبر وجها واحدا لأنها
مبنية على التخفيف ولهذا حذف أكثر أركان الصلوات منها وبهذا الطريق قطع الدارمي في الاستذكار
والقاضي حسين وصاحب التتمة (والطريق الثاني) فيه وجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره
(والثالث) قاله الشاشي في المستظهري ان قلنا يكبر خلف النوافل فهنا أولى والا فكالفرائض
المقضية في أيام التشريق والمذهب على الجملة استحباب التكبير خلفها لأنها آكد من النافلة وقولهم
إنها مبنية على التخفيف ضعيف لان التكبير ليس في نفسها فتطول به *
(فرع) إذا عرفت ما سبق وأردت اختصار الخلاف فيما يكبر خلفه جاء أربعة أوجه (أصحها)
يكبر خلف كل صلاة مفعولة في هذه الأيام (والثاني) يختص بالفرائض المفعولة فيها مؤداة كانت
37

أو مقضية فريضة أو نافلة راتبة أو غيرها (والثالث) يختص بفرائضها مقضية كانت أو مؤداة
(والرابع) لا يكبر الا عقب فرائضها الموادة وسننها الراتبة المؤداة *
(فرع) لو نسي التكبير خلف الصلاة فتذكر والفصل قريب استحب التكبير بلا خلاف سواء
فارق مصلاه أم لا فلو طال الفصل فطريقان (أحدهما) ذكره البغوي وغيره من الخراسانيين
فيه وجهان بناء على ما إذا ترك سجود السهو فتذكره بعد طول الفصل قال الرافعي الأصح هنا أنه
يستحب التكبير (والطريق الثاني) يستحب تدارك التكبير وان طال الفصل وهذا هو الصحيح
وبه قطع المتولي وغيره ونقله صاحب البيان عن أصحابنا العراقيين وفرق المتولي بينه وبين سجود
السهو لا تمام الصلاة واكمال صفتها فلا تفعل بعد طول الفصل كما لا يبنى عليها بعد طول الفصل وأما
التكبير فهو شعار هذه الأيام لا وصف للصلاة ولا جزء منها ونقل المتولي عن أبي حنيفة انه ان تكلم
أو خرج من المسجد ثم ذكر انه نسي التكبير لا يكبر ومذهبنا استحبابه مطلقا لما ذكرناه *
(فرع) المسبوق ببعض الصلاة لا يكبر الا بعد فراغه من صلاة نفسه * هذا مذهبنا ونقله
ابن المنذر عن ابن سيرين والشعبي وابن شبرمة ومالك والأوزاعي واحمد وإسحاق وأبى ثور
وأصحاب الرأي وعن الحسن البصري أنه يكبر ثم يقضى وعن مجاهد ومكحول يكبر ثم يقضى ثم
يكبر قال ابن المنذر وبالأول أقول * واحتج الحسن بأن المسبوق يتابع الامام في سجود السهو
فكذا التكبير * واحتج أصحابنا والجمهور بان التكبير إنما يشرع بعد فراغه من الصلاة ولم يفرغ
بخلاف سجود السهو فإنه يفعل في نفس الصلاة والمسبوق إنما يفارق الامام بعد سلامه *
(فرع) لو كبر الامام على خلاف اعتقاد المأموم فكبر في يوم عرفة والمأموم لا يراه أو تركه
والمأموم يراه أو كبر في أيام التشريق والمأموم لا يراه أو تركه والمأموم يراه فوجهان (أصحهما)
يتبع اعتقاد نفسه في التكبير وتركه ولا يوافق الامام لان القدوة انقضت بالسلام (والثاني) يوافقه
لأنه من توابع الصلاة *
(فرع) قال امام الحرمين جميع ما ذكرناه هو في التكبير الذي يرفع به صوته ولجعله شعارا أما إذا
استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه *
38

(فرع) مذهبنا أنه يستوي في التكبير المطلق والمقيد المنفرد والمصلي جماعة والرجل والمرأة
والصبي المميز والحاضر والمسافر
(فرع) يستحب رفع الصوت بالتكبير بلا خلاف *
(فرع) صفة التكبير المستحبة الله أكبر الله أكبر الله أكبر هذا هو المشهور من نصوص
الشافعي في الام والمختصر وغيرهما وبه قطع الأصحاب وحكي صاحب التتمة وغيره قولا قديما
للشافعي أنه يكبر مرتين ويقول الله أكبر الله أكبر والصواب الأول ثلاثا نسقا قال الشافعي في
المختصر وما زاد من ذكر الله فحسن وقال في الام أحب أن تكون زيادته الله كبيرا والحمد لله كثيرا
وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد الا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر
واحتجوا له بان النبي صلى الله عليه وسلم " قاله على الصفا " وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما اخصر من هذا اللفظ ونقل المتولي وغيره عن نصه القديم
انه إذا زاد على التكبيرات الثلاث قال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا الله أكبر على ما هدانا
والحمد لله على ما أولانا وأبلانا قال صاحب الشامل والله يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو الله أكبر
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهذا الذي قاله صاحب الشامل
نقله البندنيجي وصاحب البحر عن نص الشافعي في البويطي قال البندنيجي وهذا هو الذي ينبغي
ان يعمل به قال وعليه الناس وقال صاحب البحر والعمل عليه ورأيته أنا في موضعين من البويطي
لكنه جعل التكبير أولا مرتين *
(فرع) في مذاهب العلماء في التكبير خلف النوافل في هذه الأيام قد ذكرنا ان مذهبنا
استحبابه وقال أبو حنيفة ومالك والثوري واحمد واسحق وداود لا يكبر لأنه تابع فلم يشرع كالاذان
والاذان ودليلنا ان التكبير شعار الصلاة والفرض والنفل في الشعار سواء *
(فرع) في مذاهبهم في ابتداء وقت تكبير الأضحى * قد ذكرنا ان المشهور في مذهبنا أنه من
ظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر التشريق وان المختار كونه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر
39

التشريق وحكى ابن المنذر التكبير من صبح يوم عرفة إلى العصر من آخر التشريق عن عمر بن
الخطاب وعلي أبي طالب وابن عباس وسفيان الثوري وأبى يوسف ومحمد واحمد وأبي ثور وعن
ابن مسعود وعلقمة والنخعي وأبي حنيفة من صبح عرفة إلى عصر يوم النحر وفى رواية عن ابن مسعود
إلى ظهر يوم النحر وعن يحيي الأنصاري قال يكبر من الظهر يوم النحر إلى الظهر من آخر التشريق
وعن الزهري من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر التشريق وعن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز ومالك
والشافعي من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر التشريق وعن سعيد بن جبير ورواية عن ابن عباس
والزهري من ظهر يوم عرفة إلى عصر آخر التشريق وعن الحسن من الظهر إلى ظهر اليوم الثاني
في أيام التشريق *
(فرع) في مذاهبهم في تكبير من صلي منفردا * مذهبنا انه يسن التكبير وهو مذهب مالك
والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وجمهور العلماء وحكاه العبدري عن العلماء كافة الا أبا حنيفة وحكى
ابن المنذر وغيره عن ابن مسعود وابن عمر والثوري وأبي حنيفة واحمد ان المنفرد لا يكبر *
(فرع) في مذاهبهم في تكبير النساء في هذه الأيام خلف الصلوات * مذهبنا استحبابه لهن
وحكاه ابن المنذر عن مالك وأبى يوسف ومحمد وأبي ثور وعن الثوري وأبي حنيفة لا يكبرن
واستحسنه احمد *
(فرع) في المسافر * مذهبنا انه يكبر وحكاه ابن المنذر عن مالك وأبى يوسف ومحمد واحمد
وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا يكبر *
(فرع) في مذاهبهم في صفة التكبير * قد ذكرنا ان مذهبنا انه يستحب ان يكبر ثلاثا نسقا
الله أكبر الله أكبر الله أكبر: وبه قال مالك وحكي ابن المنذر عن عمرو ابن مسعود رضي الله عنهما انه
الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد قال وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد
واحمد واسحق وعن ابن عباس الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبير الله كبيرا الله كبيرا الله أكبر وأجل
الله أكبر ولله الحمد وعن ابن عمر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك
وله الحمد وهو على كل شئ قدير وقال الحكم وحماد ليس فيه شئ مؤقت *
(فرع) في مذاهبهم في تكبير عيد الفطر * هو مستحب عندنا وعند العلماء كافة الا ما حكاه الشيخ
40

أبو حامد وغيره عن ابن عباس انه لا يكبر الا ان يكبر امامه وحكي الساجي وغيره عن أبي حنيفة
انه لا يكبر مطلقا وحكي العبدري وغيره عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وداود أنهم
قالوا التكبير في عيد الفطر واجب وفى الأضحى مستحب واما أول وقت تكبير عيد الفطر فهو إذا
غربت الشمس ليلة العيد هذا مذهبنا ومذهب سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وزيد بن أسلم *
وقال جمهور العلماء لا يكبر ليلة العيد إنما يكبر عند الغدو إلى صلاة العيد حكاه ابن المنذر عن أكثر
العلماء قال وبه أقول قال وبه قال علي بن أبي طالب وابن عمر وأبو امامة وآخرون من الصحابة
وعبد الرحمن بن أبي ليلي وسعيد بن جبير والنخعي وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز وابان بن
عثمان وأبو بكر بن محمد والحكم وحماد ومالك واحمد واسحق وأبو ثور وحكاه الأوزاعي
عن الناس *
(فرع) في بيان أحاديث الكتاب وألفاظه: أما حديث ابن عمر المذكور في أول الباب
فرواه البيهقي مرفوعا من طريقين ضعيفين والصحيح أنه موقوف على ابن عمر كذا قاله البيهقي
وإنما ذكره الشافعي موقوفا (وقوله) يأخذ طريق الحدادين قيل بالحاء وقيل بالجيم أي الذين يجدون
الثمار (وقوله) وأول وقت تكبير الفطر إذا غابت الشمس من ليلة الفطر لقوله تعالى (ولتكملوا العدة
ولتكبروا الله) واكمال العدة بغروب الشمس هذا الاستدلال لا يصح إلا على مذهب من يقول الواو
تقتضي الترتيب وهو مذهب باطل وعلى هذا المذهب الباطل لا يلزم من ترتيبها الفور فالحاصل
أنه لا دلالة فيها للمصنف والله أعلم * (وقوله) قال في القديم يكبر حتى ينصرف الامام يعنى حتى يسلم
من الصلاة والانصراف من الصلاة مستعمل في الأحاديث الصحيحة بمعني السلام وقيل المراد
بالانصراف فراغ الخطبة (والصحيح) الأول وقد سبق إيضاحه (وقوله) لأنه عيد يسن له التكبير المطلق
فسن له التكبير المقيد كالأضحى هذا تصريح منه بان التكبير المطلق والمقيد كلاهما مشروع في
41

الأضحى وهذا لا خلاف فيه بل كل الأصحاب مصرحون باستحبابهما وإنما ذكرت هذا لان كلام
المصنف في التنبيه يوهم خلاف هذا وقد سبق بيان التكبير المطلق وهو والمرسل بمعنى واحد وهو
المرسل في جميع الأوقات لا تختص بوقت (قوله) عن ابن عباس قال التكبير ثلاث رواه عنه ابن المنذر
والبيهقي (قوله) وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال رأيت الأئمة يكبرون أيام
التشريق بعد الصلاة ثلاثا هكذا وقع في بعض نسخ المهذب وهو الصواب ووقع في أكثرها
عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم بتقديم محمد على أبي بكر وهذا خطأ صريح وسبق قلم أو
غلط وقع من النساخ ولا شك في بطلانه وقد ذكره المصنف على الصواب في جميع مواضعه من المهذب
منها (الفصل الأول) من باب صلاة العيد وأول النكاح وأول الجنايات ومواضع كثيرة من
كتاب الديات (وأما) حديث عمر وعلي رضي الله عنهما في التكبير من صبح عرفة فسبق بيانه لكن
المصنف جعله من رواية عمر وعلى وإنما هو عمار وعلي كما سبق (قوله) لان التكبير يختص بهذه
الأيام فلا يفعل في غيرها هذا تعليل للمسألة بنفس الحكم وكان ينبغي أن يقول لان التكبير
شعار هذه الأيام *
(فرع) في مسائل تتعلق بالعيدين (إحداها) قال أصحابنا يستحب إحياء ليلتي العيدين بصلاة
أو غيرها من الطاعات (واحتج) له أصحابنا بحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أحيا
ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب " وفي رواية الشافعي وابن ماجة " من قام ليلتي العيدين
محتسبا لله تعالي لم يمت قلبه حين تموت القلوب " رواه عن أبي الدرداء موقوفا وروى من رواية
أبى امامة موقوفا عليه ومرفوعا كما سبق وأسانيد الجميع ضعيفة قال الشافعي في الام وبلغنا أنه كان
42

يقال إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة وليلة الأضحى وليلة الفطر وأول ليلة في
رجب وليلة النصف من شعبان قال الشافعي وأخبرنا إبراهيم بن محمد قال رأيت مشيخة من خيار
أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العيدين فيدعون ويذكرون الله
تعالى حتى تذهب ساعة من الليل قال الشافعي وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة النحر قال الشافعي
وانا استحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن تكون فرضا هذا آخر كلام الشافعي واستحب
الشافعي والأصحاب الاحياء المذكور مع أن الحديث ضعيف لما سبق في أول الكتاب أن أحاديث
الفضائل يتسامح فيها ويعمل على وفق ضعيفها والصحيح أن فضيلة هذا الاحياء لا تحصل الا بمعظم
الليل وقيل تحصل بساعة ويؤيده ما سبق في نقل الشافعي عن مشيخة المدنية ونقل القاضي حسين
عن ابن عباس أن احياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة
والمختار ما قدمته والله أعلم *
{باب صلاة الكسوف}
يقال كسفت الشمس وكسف القمر - بفتح الكاف والسين وكسفا - بضم الكاف وكسر السين
وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا كذلك فهذه ست لغات في الشمس والقمر ويقال كسفت الشمس
وخسف القمر وقيل الكسوف أوله والخسوف آخره فيهما فهذه ثمان لغات وقد جاءت اللغات
الست في الصحيحين (والأصح) المشهور في كتب اللغة انهما مستعملان فيهما والأشهر في السنة
الفقهاء تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وادعى الجوهري في الصحاح انه أفصح *
* قال المصنف رحمه الله *
{صلاة الكسوف سنة لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد
ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى فإذا رأيتموهما فقوموا وصلوا "}
{الشرح} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية جماعة من الصحابة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وجابر وأبو مسعود البدري وأبو بكرة
43

والمغيرة وعائشة رضي الله عنهم * وصلاة كسوف الشمس والقمر سنة مؤكدة بالاجماع لكن قال
مالك وأبو حنيفة يصلى لخسوف القمر فرادى ويصلي ركعتين كسائر النوافل * دليلنا الأحاديث
الصحيحة في التسوية بين الكسوفين
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يغتسل لها لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الغسل كصلاة الجمعة
والسنة أن يصلي حيث يصلى الجمعة لان النبي صلى الله عليه وسلم " صلاه في المسجد " ولأنه يتفق في
وقت لا يمكن قصد المصلي فيه وربما ينجلي قبل أن يبلغ إلى المصلي فتفوت فكان الجامع أولى
والسنة
ان يدعي لها " الصلاة جامعة " لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " كسفت الشمس على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأمر رجلا أن ينادى الصلاة جامعة "}
{الشرح} حديث عائشة رواه البخاري ومسلم وحديث الصلاة في المسجد رواه البخاري ومسلم
أيضا من رواية عائشة وأبي موسى وغيرهما (وقوله) شرع لها الاجتماع والخطبة احترز عن الصلوات
الخمس: والغسل لها سنة باتفاق الأصحاب ويدخل وقته بأول الكسوف ويسن في الجامع ويسن
أن ينادى لها الصلاة جامعة لما ذكره المصنف ويستحب أن يصلي في جماعة ويجوز في مواضع من
44

البلد وتسن للمرأة والعبد والمسافر والمنفرد هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب في طرقهم وقد
ذكره المصنف في آخر باب صلاة العيد في قياس صلاة العيد للمنفرد وحكي الرافعي وجها انه
يشترط بصحتها الجماعة ووجها انها لا تقام الا في جماعة واحدة كالجمعة وهما شاذان مردودان قال
أصحابنا ولا تتوقف صحتها على صلاة الامام ولا اذنه قال الشافعي والأصحاب فان خرج الامام
فصلي بهم جماعة خرج الناس معه فإن لم يخرج طلبوا إماما يصلى بهم فإن لم يجدوا صلوا فرادى
فان خافوا الامام لو صلوا علانية صلوها سرا وبهذا قال مالك وأحمد واسحق وقال الثوري ومحمد
إذا لم يصل الامام صلوا فرادى
* قال المصنف رحمه الله *
{وهي ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان والسنة أن يقرأ في القيام
الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو قدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع ويقرأ فاتحة الكتاب
وبقدر مائتي آية ثم يركع ويسبح بقدر سبعين آية ثم يسجد كما يسجد في غيرها وقال أبو العباس
يطيل السجود كما يطيل الركوع وليس بشئ لان الشافعي لم يذكر ذلك ولا نقل ذلك في خبر ولو
كان قد أطال لنقل كما نقل في القراءة والركوع ثم يصلي الركعة الثانية فيقرأ بعد الفاتحة قدر مائة
وخمسين آية ثم يركع بقدر سبعين آية ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع بقدر خمسين
آية ثم يسجد والدليل عليه ما روى ابن عباس قال " كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام فقام قياما
طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد وانصرف
45

وقد تجلت الشمس والسنة أن يسر بالقراءة في كسوف الشمس لما روي ابن عباس رضي الله عنهما
قال " كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فصلي فقمت إلى جانبه فلم أسمع
له قراءة " ولأنها صلاة نهار لها نظير بالليل فلم يجهر فيها بالقراءة كالظهر ويجهر في كسوف القمر
لأنها صلاة ليل لها نظير بالنهار فسن الجهر كالشاء}
{الشرح} حديث ابن عباس الأول رواه البخاري ومسلم وحديثه الثاني رواه البيهقي في
سننه بمعناه باسناد ضعيف فيه ابن لهيعة * واحتج الشافعي والبيهقي وأصحابنا في الاسرار بقراءة
كسوف الشمس بحديث ابن عباس الأول لقوله " قياما طويلا نحوا من سورة البقرة " قالوا وهذا
دليل على أنه لم يسمعه لأنه لو سمعه لم يقدره بغيره وروي الترمذي باسناده الصحيح عن سمرة
قال " صلي بنا النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتا " قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن
عائشة ان
النبي صلى الله عليه وسلم " جهر في صلاة الخسوف بقراءته " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما فهذان الحديثان الصحيحان
يجمع بينهما بأن الاسرار في كسوف الشمس والجهر في كسوف القمر وهذا مذهبنا (وقوله) لأنها صلاة نهار
لها نظير بالليل احتراز من صلاة الجمعة والعيد (وقوله) صلاة ليل لها نظير بالنهار قال القلعي هو احتراز من
الوتر وهو صحيح كما قال ولا يقال قد قال المصنف في الوتر ولأنه يجهر في الثالثة فهذا يدل على أنه يجهر في الوتر
46

لان مراده إذا صلاها جماعة بعد التراويح (وقوله) وركوعان وسجودان قد يوهم انها أربع سجدات
لكونه قال سجودان ومعلوم ان السجود في كل سجدة سجدتان فالسجودان أربع سجدات وكان
الأحسن أن يقول وسجدتان وهذا مراده * اما أحكام الفصل فقال أصحابنا أقل صلاة الكسوف
ان يحرم بنية صلاة الكسوف ثم يقرأ الفاتحة ثم يركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع ثانيا ثم يرفع
ويطمئن ثم يسجد سجدتين فهذه ركعة ثم يصلي ركعة ثانية كذلك فهي ركعتان في كل ركعة قيامان
وقراءتان وركوعان وسجودان كغيرها فلو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا فأكثر فيه
وجهان (أحدهما) يزيد ثالثا ورابعا وخامسا وأكثر حتى يتجلى الكسوف قاله جماعة من أئمة أصحابنا
47

الجامعين بين الفقه والحديث منهم ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وأبو بكر الصبغي من أصحابنا
وهو بكسر الصاد واسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة وغيره للأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه
وسلم " صلي ركعتين في كل ركعة ثلاثة ركوعات " وفي رواية " في كل ركعة أربعة ركوعات "
رواهما مسلم وجاء في غير مسلم زيادة على هذا ولا محمل للجمع بين الروايات الا الحمل على الزيادة
لتأدى الكسوف (والوجه الثاني) وهو الصحيح عند أصحابنا لا يجوز الزيادة على ركوعين وبهذا
قطع جمهور الأصحاب وهو ظاهر نصوص الشافعي قالوا وروايات الركوعين أشهر وأصح فوجب
تقديمها وقياس الصلوات ان لا تقبل الزيادة والله أعلم * ولو كان في القيام الأول فانجلى الكسوف
لم تبطل صلاته وله ان يتمها على هيئتها المشروعة بلا خلاف وهل له ان يقتصر على ركوع واحد
وقيام واحد في كل ركعة فيه وجهان بناء على الوجهين في جواز الزيادة للتمادي ان جوزناها جاز
النقصان بحسب مدة الكسوف وإلا فلا ولو سلم من صلاة الكسوف والكسوف باق فهل له استفتاح
صلاة الكسوف مرة أخرى فيه وجهان خرجهما الأصحاب على جواز زيادة الركوع (والصحيح)
المنع من والزيادة والنقص ومن استفتاح الصلاة ثانيا والله أعلم (واما) أكمل صلاة الكسوف فان يحرم
بها ثم يأتي بدعاء الاستفتاح ثم التعوذ ثم الفاتحة ثم يقرأ البقرة أو نحوها ان لم يحسنها (واما) القيام
الثاني والثالث والرابع فللشافعي فيه نصان (أحدهما) نصه في الام ومختصر المزني انه يقرأ بعد
الفاتحة قدر مائتي آية من سورة البقرة وفي الثالث قدر مائة وخمسين منها وفى الرابعة قدر مائة
منها (والثاني) نصه في البويطي في الباب السابق أنه يقرأ في القيام الثاني بعد الفاتحة نحو سورة آل عمران
وفى الثالث نحو سورة النساء وفى الرابع نحو المائدة ونص في البويطي في باب آخر بعد هذا بنحو
(1) كراسين كنصه في الام والمختصر فاخذ المصنف وسائر العراقيين وجماعة من غيرهم بنصه في الام

(1) كذا بالأصل فحرر
48

وأخذ جماعات من الخراسانيين بنص البويطي وقال المحققون ليس هذا اختلافا محققا بل هو للتقريب
وهما متقاربان وفي استحباب التعوذ في ابتداء القراءة في القيام الثاني والثالث والرابع
وجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره وهما الوجهان السابقان في التعذ في الركعة الثانية وما بعدها
(أصحهما) الاستحباب واما قدر مكثه في الركوع فللشافعي فيه نصان (أحدهما) نصه في الام
ومختصر المزني (والموضع الثاني) من البويطي انه يسبح في الركوع الأول نحو مائة آبة من سورة البقرة
وفى الثاني قدر ثلثي ركوعه الأول وفى الثالث قدر سبعين آية منها وفى الرابع قدر خمسين ونص
في الموضع الأول من البويطي أنه يسبح في كل ركوع نحو قراءته (واما) كلام الأصحاب ففيه اختلاف
في ضبطه فوقع في المهذب في الركوع الثاني من الركعة الأولى قدر سبعين آية بالسين في أوله وفى
التنبيه تسعين آية بالتاء في أوله وقال الشيخ أبو حامد الأسفرايني وصاحب التقريب والغزالي والبغوي
وآخرون قدر ثمانين آية وقال سليم الرازي في كتابه الكفاية خمس وثمانون آية وقال أبو حفص
الأبهري قدر الركوع الأول وهو غريب ضعيف والصحيح ما نص عليه الشافعي رحمه الله (واما) السجود فقد
أطلق الشافعي في الام والمختصر انه يسجد ولم يذكر فيهما انه يطوله أو يقصره وادعى المصنف
ان الشافعي لم يذكر تطويله وليس كما قال بل نص على تطويله كما سأذكره إن شاء الله تعالى عن
مختصر البويطي وغيره وفى المسألة قولان (أشهرهما) في المهذب لا يطول بل يسجد كقدر السجود
في سائر الصلوات وهذا هو الراجح عند المصنف وجماهير الأصحاب (والثاني) يستحب تطويله وممن نقل
القولين امام الحرمين والغزالي والبغوي وقد نص الشافعي على تطويله في موضعين من البويطي
فقال يسجد سجدتين تامتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوا مما أقام في ركوعه هذا
نصه بحروفه وقال الشافعي في جمع الجوامع يقيم في كل سجدة نحوا مما أقام في
49

ركوعه ونقل الترمذي عن الشافعي تطويل السجود ونقل امام الحرمين والغزالي انه على قدر الركوع
الذي قبله وقال الخطابي مذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه تطويل السجود كالركوع وقال البغوي
أحد القولين يطيل السجود فالسجود الأول كالركوع الأول والسجود الثاني كالركوع الثاني وقطع
بتطويل السجود الشيخ أبو حامد والبندنيجي قال أبو عمرو بن الصلاح هذا الذي ذكره البغوي
أحسن من الاطلاق الذي في البويطي قال فحصل أن الصحيح خلاف ما صححه أكثر الأصحاب
قال بل يتجه أن يقال لا قول للشافعي غير القول بتطويل السجود لما علم من وصيته ان صح الحديث
خلاف قوله فليترك قوله وليعمل بالحديث فان مذهبه الحديث هذا ما يتعلق بنقل المذهب * وأما
الأحاديث الواردة بتطويل السجود (فمنها) حديث أبي موسى الأشعري في صفة صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " فأتى المسجد فصلي بأطول قيام وركوع وسجود رأيته يفعله في صلاته " رواه البخاري
ومسلم وعن عائشة في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم الكسوف قالت " ثم ركع فأطال الركوع ثم سجد
فأطال السجود ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى) رواه البخاري وفى رواية عنها
في البخاري " ثم سجد سجودا طويلا " وفى رواية عنها في البخاري " فسجد سجودا طويلا ثم قام فقام
قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا إلى أن قالت ثم سجد وهو دون السجود الأول " وعن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " فركع النبي صلى الله عليه وسلم " وذكر الحديث
قال وقالت عائشة " ما سجدت سجودا قط كان أطول منها " رواه البخاري ومسلم وفى صحيح مسلم
من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " وركوعه نحو من سجوده " وفي صحيح البخاري من رواية
أسماء " ثم سجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود " وذكرت مثل ذلك في الركعة الثانية
50

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه قام في الكسوف فلم يكد يركع ثم
ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم
يكد يرفع ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك " رواه أبو داود وفى إسناده عطاء بن السائب وهو
مختلف فيه ورواه ابن خزيمة في صحيحه ورواه الحاكم في المستدرك من طريق آخر صحيح وقال
هو صحيح وعن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثم ركع كأطول ما ركع بنا قط ثم
سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة " رواه أبو داود باسناد حسن فإذا عرفت هذه الأحاديث وما قدمناه
من نص الشافعي في البويطي تعين القول باستحباب تطويل السجود وبه قال أبو العباس بن سريج وابن
المنذر وبه جزم البندنيجي وغيره ممن ذكرنا وتابعهم على ترجيحه جماعة وينكر على المصنف قوله إن الشافعي
لم يذكره وقوله لم ينقل ذلك في خبر والله أعلم * وأما الاعتدال بعد الركوع الثاني فلا يستحب
تطويله بلا خلاف وهكذا التشهد وجلوسه لا يستحب تطويلهما بلا خلاف (وأما) الجلوس بين
السجدتين فنقل الغزالي والرافعي وغيرهما الاتفاق على أنه لا يطوله وحديث عمرو بن العاصي يقتضى
51

استحباب إطالته كما سبق وإذا قلنا بالصحيح المختار ان تطويل السجود مستحب فالمختار في قدره
ما ذكره البغوي ان السجود الأول كالركوع الأول والسجود الثاني كالركوع الثاني ونص في
البويطي انه نحو الركوع الذي قبله *
(فرع) يستحب أن يقول في رفعه من كل ركوع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد إلى آخره
ثبت ذلك في الصحيحين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونص عليه الشافعي في الام ومختصر
البويطي والمزني والأصحاب *
(فرع) السنة الجهر بالقراءة في كسوف القمر والاسرار في كسوف الشمس لما ذكره المصنف
وما ضممناه إليه هذا هو المعروف في المذهب وبه قطع الأصحاب في جميع طرقهم ونص عليه الشافعي
في الام والمختصر وقال الخطابي الذي يحبئ على مذهب الشافعي انه يجهر في كسوف الشمس
كذا نقله الرافعي عن الخطابي ولم أره في كتاب الخطابي وقال ابن المنذر من أصحابنا يستحب
الجهر في كسوف الشمس قال وروينا ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن يزيد الخطمي
الصحابي وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وبه قال احمد واسحق وأبو يوسف ومحمد بن الحسن
في رواية وداود وقال مالك وأبو حنيفة يسر * واحتج للجهر بحديث عائشة الذي قدمناه في أول
شرح هذه المسائل ويجاب عنه بما سبق
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لما روت عائشة رضي الله عنها " ان النبي صلى الله عليه وسلم فرغ
من صلاته فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل
لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا "} *
{الشرح} حديث عائشة رواه البخاري ومسلم واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على
استحباب خطبتين بعد صلاة الكسوف وهما سنة ليسا شرطا لصحة الصلاة قال أصحابنا وصفتهما
كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط وغيرهما سواء صلاها جماعة في مصر أو قرية أو صلاها
المسافرون في الصحراء وأهل البادية ولا يخطب من صلاها منفردا ويحثهم في هذه الخطبة على التوبة
من المعاصي وعلى فعل الخير والصدقة والعتاقة ويحذرهم الغفلة والاغترار ويأمرهم باكثار الدعاء
52

والاستغفار والذكر ففي الأحاديث الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في خطبته قال
الشافعي الام ويجلس قبل الخطبة الأولى كما في الجمعة هذا نصه ويجئ فيه الوجه السابق في
خطبة العيد *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب خطبتين بعد صلاة الكسوف وبه قال جمهور السلف
ونقله ابن المنذر عن المجهور * وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية لا تشرع لها الخطبة *
دليلنا الأحاديث الصحيحة
* قال المصنف رحمه الله *
{فإن لم يصل حتى تجلت لم يصل لما روى جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا
رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي " فان تجلت وهو في الصلاة أتمها لأنها صلاة أصل فلا يخرج منها بخروج
وقتها كسائر الصلوات وان جللها غمامة وهي كاسفة صلي لان الأصل بقاء الكسوف وان غربت
الشمس كاسفة لم يصل لأنه لا سلطان لها بالليل وان غاب القمر وهو كاسف فإن كان قبل طلوع
الفجر صلي لان سلطانه باق وان غاب بعد طلوع الفجر ففيه قولان قال في القديم لا يصلى لان
سلطانه بالليل وقد ذهب الليل وقال في الجديد يصلي لان سلطانه باق ما لم تطلع الشمس لأنه ينتفع
بضوئه وان صلى ولم ينجل لم يصل مرة أخرى لأنه لم ينقل ذلك عن أحد} *
{الشرح} حديث جابر رواه مسلم من رواية جابر ومن رواية عائشة ورواه البخاري
ومسلم من رواية المغيرة بن شعبة (وقوله) لأنها صلاة أصل فلا يخرج منها بخروج وقتها قال
صاحب البيان هو احتراز من صلاة الجمعة وقال القلعي هو احتراز من الجمعة على القول القديم أنها
بدل من الظهر ومن المسافر إذا خرج الوقت وهو في صلاة نوى قصرها وقلنا أن ما يفعله بعد
الوقت قضاء إذ من فاته صلاة في السفر فقضاها في السفر أتم فإنه يخرج من صلاة القصر
53

إلى صلاة الاتمام أما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تفوت صلاة كسوف الشمس
بأمرين (أحدهما) الانجلاء فإذا انجلت جميعها لم يصل للحديث وان انجلى بعضها شرع في الصلاة للباقي
كما لو لم ينكسف الا ذلك القدر فإنه يصلي بلا خلاف وان انجلي جميع الكسوف وهو في الصلاة
أتمها بلا خلاف ولو حال دونها سحاب وشك في الانجلاء صلى لان الأصل بقاء الكسوف ولو
كانت الشمس تحت غمام وشك هل كسفت لم يصل بلا خلاف لان الأصل عدم الكسوف
قال الدارمي وغيره ولا يعمل في الكسوف بقول المنجمين (الثاني) أن تغيب كاسفة فلا يصلى
بعد الغروب بلا خلاف لما ذكره المصنف فان غابت وهو في الصلاة أتمها (وأما) صلاة خسوف
القمر فتفوت أيضا بأمرين (أحدهما) الانجلاء كما سبق (والثاني) طلوع الشمس فإذا طلعت وهو خاسف
لم يبتدئ الصلاة فإن كان فيها أتمها ولو بدأ خسوفه بعد طلوع الشمس لم يصل بلا خلاف ولو
غاب في الليل خاسفا صلي بالاتفاق لبقاء سلطانه كما لو استتر بغمام صلى ولو طلع الفجر وهو خاسف
أو خسف بعد الفجر قبل طلوع الشمس فقولان (الصحيح) الجديد يصلي والقديم لا يصلي
ودليلهما في الكتاب فعلى الجديد لو شرع في الصلاة بعد الفجر فطلعت الشمس وهو فيها
لم تبطل كما لو انجلي الكسوف في أثنائها قال الشافعي في الام ويخففون صلاة الكسوف في هذا
الحال ليخرجوا منها قبل طلوع الشمس فان طلعت وهو فيها أتمها ثم في موضع القولين طريقان
(أحدهما) قاله القاضي أبو القاسم بن كج انهما فيما إذا غاب خاسفا بين طلوع الفجر والشمس فأما
إذا لم يغب وبقى خاسفا فيجوز الشروع في الصلاة قطعا (والطريق الثاني) أن القولين في الحالين
صرح به الشيخ أبو حامد والبندنيجي والدارمي وغيرهم وهو ظاهر اطلاق المصنف والجمهور وهو أيضا
مقتضي تعليلهم والله أعلم (وأما) إذا صلينا صلاة الكسوف وسلمنا منها والكسوف باق فلا
تستأنف الصلاة على المذهب وبه قطع الأكثرون ونص عليه في الام وفيه خلاف سبق في
أوائل الباب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
54

{ولا تسن صلاة الجماعة لآية غير الكسوف كالزلازل وغيرها لأن هذه الآيات قد كانت
ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي لها جماعة غير الكسوف} *
{الشرح} قال الشافعي والأصحاب ما سوى الكسوفين من الآيات كالزلازل
والصواعق والظلمة والرياح الشديدة ونحوها لا تصلي جماعة لما ذكره المصنف قال الشافعي في الام
والمختصر أولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة ولا ظلمة ولا لصواعق ولا ريح ولا غير ذلك من
الآيات وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات هذا نصه واتفق الأصحاب
على أنه يستحب أن يصلي منفردا ويدعو ويتضرع لئلا يكون غافلا * وروى الشافعي أن عليا
رضي الله عنه صلى في زلزلة جماعة قال الشافعي ان صح هذا الحديث قلت به فمن الأصحاب من
قال هذا قول آخر له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات وهذا الأثر عن علي ليس
بثابت ولو ثبت قال أصحابنا هو محمول على الصلاة منفردا وكذا ما جاء عن غير علي رضي الله عنه
من نحو هذا والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{وإذا اجتمعت صلاة الكسوف مع غيرها قدم أخوفهما فوتا فان استويا في الفوت قدم
أوكدهما فان اجتمعت مع صلاة الجنازة قدمت لأنه يخشى عليه التغيير والانفجار وان اجتمعت
مع المكتوبة في أول الوقت بدأ بصلاة الكسوف لأنه بخاف فوتها بالتجلي فإذا فرغ منها بدأ
بالمكتوبة قبل الخطبة للكسوف لان المكتوبة يخاف فوتها والخطبة لا يخاف فوتها وان اجتمعت
معها آخر الوقت بدأ بالمكتوبة لأنهما استوتا في خوف الفوات والمكتوبة آكد فكان تقديمها
أولي وان اجتمعت مع الوتر في آخر وقتها قدم صلاة الكسوف لأنهما استوتا في الفوت وصلاة
الكسوف أو كد فكانت بالتقديم أحق} *
{الشرح} قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم
ما يخاف فوته ثم الأوكد فإذا اجتمع عيد وكسوف أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو
الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة لأنهما أوكد من الكسوف وان لم يخف فوتهما فطريقان
55

(أصحهما) وبه قطع المصنف والأكثرون يقدم الكسوف لأنه يخاف فوته (والثاني) حكام الخراسانيون
فيه قولان (أصحهما) هذا (والثاني) يقدم الجمعة والعيد لتأكد هما قال الشافعي وأصحابنا وباقي الفرائض
كالجمعة ولو اجتمع كسوف ووتر أو تراويح قدم الكسوف مطلقا لأنها أو كد وأفضل ولو اجتمع
جنازة وكسوف أو عيد قدم الجنازة لأنه يخاف تغيرها قال أصحابنا ويشتغل الامام بعدها
بالصلاة الأخرى ولا يشيعها بل يشيعها غيره فإن لم يحضر الجنازة أو أحضرت ولم يحضر الولي
أفرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل هو والناس بالصلاة الأخرى * ولو حضرت جنازة وجمعة
ولم يضق الوقت قدمت الجنازة بلا خلاف نص عليه واتفقوا عليه لما ذكرناه وان ضاق وقت الجمعة
قدمت على المذهب الصحيح المنصوص في الام وبه قطع الجماهير ونقل امام الحرمين وغيره عن
الشيخ أبى محمد الجويني تقديم الجنازة لان الجمعة لها بدل وهذا غلط لأنه وإن كان لها بدل
56

لا يجوز اخراجها عن وقتها عمدا قال الشافعي والأصحاب وإذا اجتمع العيد والكسوف والوقت
متسع أو ضيق صلاهما ثم خطب لهما بعد الصلاتين خطبتين يذكر فيهما العيد والكسوف ولو اجتمع
جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة ثم الكسوف ثم خطب للكسوف
وان اقتضي الحال تقديم الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة خطبتها وذكر فيهما شأن الكسوف
وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب قال أصحابنا ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة
وكذا نص عليه الشافعي في الام قال أصحابنا ولا يجوز أن يقصد الجمعة والكسوف معا لأنه
تشريك بين فرض ونفل بخلاف العيد والكسوف فإنه يقصد هما بالخطبتين لأنهما سنتان هكذا
قالوه وفيه نظر لان السنتين إذا لم تتداخلا لا يصح أن ينو بهما بصلاة واحدة ولهذا لو نوى بركعتين
صلاة الضحى وقضاء سنة الصبح لا تنعقد صلاته ولو ضم إلى فرض أو نفل نية تحية المسجد لم يضر
لأنها تحصل ضمنا فلا يضر ذكر ها قال الشافعي في البويطي لو اجتمع عيد وكسوف واستسقاء وجنازة
يعني والوقت متسع بدأ بالجنازة ثم الكسوف ثم العيد ثم الاستسقاء فان خطب للجميع خطبة واحدة
أجزأه قال الشافعي في الام وإذا بدأ بالكسوف قبل الجمعة خففها فقرأ في كل ركعة بالفاتحة وقل
هو الله أحد وما أشبهها قال في الام وإن كان الكسوف بمكة عند رواح الامام والناس في اليوم الثامن
إلى منى صلوا الكسوف فان خاف أن تفوته صلاة الظهر بمنى صلاها بمكة قال وإن كان الكسوف
بعرفة عند الزوال قدم الكسوف ثم صلي الظهر والعصر فان خاف فوتهما بدأ بهما ثم صلي الكسوف
ولم يتركه للوقوف وخفف صلاة الكسوف والخطبة قال وان كسفت وهو في الموقف بعد العصر
57

صلي الكسوف ثم خطب على بعيره ودعا قال وان خسف القمر قبل الفجر بالمزدلفة أو بعده صلي
الكسوف وخطب ولو حبسه ذلك إلى طلوع الشمس ويخفف لكيلا يحبسه إلى طلوع الشمس إن
قدر قال وان خسف القمر وقت صلاة القيام يعنى التراويح بدأ بصلاة الخسوف *
(فرع) اعترضت طائفة على قول الشافعي اجتمع عيد وكسوف وقالت هذا محال لان كسوف
الشمس لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين وكسوف القمر لا يكون في وقت صلاة
العيد ولا يكون الا ليلة الرابع عشر أو الخامس عشر وأجاب الأصحاب عن هذا بأجوبة
(أحدها) أن هذه الدعوى يزعمها المنجمون ولا نسلم انحصاره فيما يقولون بل نقول الكسوف
ممكن في غير اليومين المذكورين والله على كل شئ قدير وقد جاء مثل ما قلناه فقد ثبت في
الصحيحين ان الشمس كسفت يوم توفى إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروينا في كتاب
الزبير بن بكار وسنن البيهقي وغير هما أنه توفى بوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة عشر من
58

الهجرة وأسناده وإن كان ضعيفا فيجوز التمسك به في مثل هذا لأنه لا يرتب عليه حكم وقد قدمنا
في مواضع أن أهل العلم متفقون على العمل بالضعيف في غير الأحكام وأصول العقائد وأيضا فقد
نقل متواترا ان الحسين بن علي رضي الله عنهما قتل يوم عاشوراء وذكر البيهقي وغيره عن أبي قبيل
بفتح القاف وكسر الباء الموحدة - وغيره ان الشمس كسفت يوم قتل الحسين رضي الله عنه (الثاني)
يتصور وقوع العيد في الثامن والعشرين بأن يشهد اثنان بنقصان رجب وآخران بنقصان شعبان
ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فيقع العيد في الثامن والعشرين عملا بالظاهر الذي
كلفناه (الثالث) لو لم يكن ذلك ممكنا كان تصوير الفقهاء له حسنا للتدرب باستخراج الفروع
الدقيقة وتنقيح الافهام كما يقال في مسائل الفرائض ترك مائة جدة مع أن هذا العدد لا يقع في
العادة والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالكسوف (إحداها) قال الشافعي في الام في آخر كتاب الكسوف لا أكره
لمن لا هيئة لها من النساء لا للعجوز ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الامام بل أحبها لهن وأحب
إلى لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن قال وان كسفت وهناك رجل مع نساء فيهن ذوات محرم
منه صلي بهن وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له وإن صلى بهن فلا باس قال فان
صلي النساء فليس من شأنهن الخطبة لكن لو ذكرتهن إحداهن كان حسنا هذا نصه بحروفه وتابعه
عليه الأصحاب (الثانية) قال الشافعي في الام ومختصر المزني ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي
59

لمسافر ولا مقيم ولا لاحد جاز له أن يصلى بحال فيصليها كل من وصفت بامام تقدمه ومنفردا
إن لم يجد إماما ويصليها كما وصفت في صلاة الامام ركعتين في كل ركعة ركوعان وكذلك خسوف
القمر قال وان خطب الرجل الذي وصفت فذكرهم لم أكرهه هذا نصه في الام بحروفه واقتصر
في مختصر المزني على قوله ولا يجوز تركها لمسافر ولا مقيم بامام ومنفرد هذا نصه وقد يستشكل
قوله لا يجوز ترك صلاة الكسوف ومعلوم أنها سنة بلا خلاف وجوابه ان مراده انه يكره تركها
لنأكدها لكثرة الأحاديث الصحيحة في الامر بها كقوله صلى الله عليه وسلم " ان الشمس والقمر
آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا
وتصدقوا " وفى رواية " فافزعوا إلى الصلاة " وفى رواية " فصلوا حتى يفرج عنكم " وفى رواية
" فصلوا حتى تنجلي " وكل هذه الألفاظ في الصحيحين فأراد الشافعي انه يكره تركها فان المكروه
قد يوصف بأنه غير جائز من حيث أن الجائز يطلق على مستوى الطرفين والمكروه ليس كذلك
وحملنا على هذا التأويل الأحاديث الصحيحة انه لا واجب من الصلاة غير المكتوبات الخمس ونصوص
الشافعي على ذلك وفى كلامه هنا ما يدل عليه فان قوله ولا لاحد جاز له أن يصلي بحال وهذه
60

العبارة يدخل فيها العبد والمسافر والمرأة وغيرهم ممن لا تلزمهم الجمعة فكيف يظن أن الشافعي يوجب
عليهم صلاة الكسوف وقد أوضح الشافعي هذا في البويطي فقال في الباب الأول من بابي الكسوف
يصلي صلاة الكسوف بعد الصبح وبعد العصر وفى كل حين لأنهما ليسا نافلتين ولكنهما واجبان
وجوب سنة هذا نصه وهو صريح في كونهما سنة وفى انه أرادتا كيد الامر بهما (وقوله) واجبان
وجوب سنة ونحو الحديث الصحيح " غسل الجمعة واجب على محتلم " والله أعلم (الثالثة) قال الشافعي
في الام إذا صلى الرجل وحده صلاة الكسوف ثم أدركها مع الامام صلاها كما يصنع في المكتوبة
قال وكذلك المرأة (الرابعة) المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدرك
كلها ويسلم مع الامام كسائر الصلوات وإن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك
الركعة فإذا سلم الامام قام فصلي ركعة أخرى بركوعين وقيامين كما يأتي بها الامام وهذا لا خلاف
فيه ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فالمذهب الصحيح الذي نص عليه الشافعي في
البويطي واتفق الأصحاب على تصحيحه وقطع به كثيرون منهم أو أكثرهم أنه لا يكون مدر كالشئ
من الركعة كما لو أدرك الاعتدال في سائر الصلوات وحكى صاحب التقريب وجماعة من الخراسانيين
عنه قولا آخر أنه يكون مدركا للقومة التي قبله فعلى هذا إذا أدرك الركوع الثاني من الأولى قام
بعد سلام الامام وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم ولا يسجد لان ادراك الركوع إذا حصل به القيام
الذي قبله كان حصول السجود الذي بعده أولى وعلى المذهب لو أدركه في القيام الثاني لا يكون
مدركا لشئ من الركعة أيضا قال الشافعي في البويطي وإذا أدرك المسبوق بعض صلاة الامام
وسلم الامام قام وصلي بقيتها سواء تجلى الكسوف أم دام قال فإن لم يكن انجلت طولها كما طولها
61

الامام وإن كانت انجلت خففها عن صلاة الامام (الخامسة) قال الشافعي في الام ولو كسفت الشمس
ثم حدث خوف صلى الامام صلاة الخسوف صلاة خوف كما يصلي المكتوبة صلاة خوف لا يختلف
ذلك قال وكذلك يصلي صلاة الخسوف صلاة شدة الخوف بالايماء حيث توجه راكبا وماشيا فان
أمكنه الخطبة والصلاة خطب وإلا فلا يضره قال وان كسفت الشمس في حضر فغشي أهل البلد
عدو مضوا إلى العدو فان أمكنهم في صلاة الكسوف ما يمكنهم في المكتوبة صلوها صلاة الخوف
وان لم يمكنهم ذلك صلوها صلاة شدة الخوف طالبين ومطلوبين هذا نصه *
(فرع) في مذاهب العلماء في عدد ركوع الكسوف * قد ذكرنا أن مذهبنا أنها ركعتان في
كل ركعة قيامان وركوعان وسجدتان وبه قال مالك واحمد واسحق وأبو ثور وداود وغير هم وحكاه
الشيخ أبو حامد عن عثمان بن عفان وابن عباس وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة هي ركعتان كالجمعة
والصبح وحكى ابن المنذر عن حذيفة وابن عباس أنها ركعتان في كل ركعة ثلاثة ركوعات وعن
علي رضي الله عنه خمس ركوعات في كل ركعة وعن إسحاق أنها تجوز ركوعان في كل ركعة وثلاثة
وأربعة لأنه ثبت هذا ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منه وقال العلاء بن زياد لا يزال
يركع ويقوم ويراقب الشمس حتى تنجلي فإذا انجلت سجدتم صلى ركعة أخرى * واحتج لأبي حنيفة
وموافقيه بحديث قبيصة الهلالي الصحابي قال " كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرج فزعا يجر ثوبة وانا معه يومئذ بالمدينة فصلي ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت
فقال إنما هذه الآيات يخوف الله بها فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة "
رواه أبو داود باسناد صحيح والحاكم وقال حديث صحيح وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما
قال " كفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين
62

ويسأل عنها حتى انجلت " رواه أبو داود والنسائي باسناد صحيح أو حسن * واحتج أصحابنا بالأحاديث
الصحيحة المشهورة في الصحيحين وغيرهما بمثل مذهبنا وأجابوا عن هذين الحديثين بجوابين (أحدهما)
أن أحاديثنا أشهر وأصح وأكثر رواة (والثاني) انا نحمل أحاديثا على الاستحباب والحديثين على
بيان الجواز هكذا ذكر هذين الجوابين أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
وسائر الأصحاب ففيه تصريح منهم بأنه لو صلاها ركعتين كسنة الظهر ونحوها صحت صلاته
للكسوف وكان تاركا للأفضل *
* (باب صلاة الاستسقاء) *
* قال المصنف رحمه الله *
{وصلاة الاستسقاء سنة لما روى عباد بن تميم عن عمه قال " خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم يستسقى فصلى ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه واستسقي " والسنة أن
يكون في المصلى لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قحوط المطر فامر بمنبر فوضع له في المصلى " ولان الجمع يكثر فكان المصلي أرفق بهم} *
{الشرح} حديث عباد عن عمه صحيح رواه هكذا أبو داود والترمذي ورواه البخاري
ومسلم وليس في روايتهما ورفع يديه ولا في رواية مسلم الجهر بالقراءة وهو ثابت في رواية البخاري
وعم عباد هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المارني سبق بيانه في صفة الوضوء (واما) حديث
63

عائشة فصحيح رواه أبو داود باسناد صحيح وقال هو اسناد جيد ورواه الحاكم في المستدرك
وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم والاستسقاء طلب السقيا ويقال سقى واسقي لغتان بمعنى
وقيل سقي ناوله ليشرب وأسقيته جعلت له سقيا وقحوط المطر - بضم القاف والحاء - امتناعه وعدم
نزوله ومراد الفقهاء به سؤال الله تعالى أن يسقى عباده عند حاجتهم قال في الام وأصحابنا والاستسقاء
أنواع (أدناها) الدعاء بلا صلاة ولا خلف صلاة فرادى ومجتمعين لذلك في مسجد أو غيره وأحسنه
ما كان من أهل الخير (النوع) الثاني وهو أوسطها الدعاء خلف صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات
وفى خطبة الجمعة ونحو ذلك قال الشافعي في الام وقد رأيت من يقيم مؤذنا فيأمره بعد صلاة الصبح
والمغرب أن يستسقى ويحض الناس على الدعاء فما كرهت ما صنع من ذلك (النوع الثالث) أفضلها
وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين وتأهب لها قبل ذلك ويستوي في استحباب هذه الأنواع
أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبتان ويستحب ذلك
للمنفرد الا الخطبة قال الشافعي في الام وأصحابنا وإنما يشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض
وانقطع الغيث أو النهر أو العيون المحتاج إليها وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في استسقاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالصلاة وبالدعاء قال أصحابنا ولو انقطعت المياه ولم يدع إليها حاجة في ذلك
الوقت لم يستسقوا لعدم الحاجة ولو انقطعت المياه عن طائفة دون طائفة أو أجدبت طائفة وأخصبت
طائفة استحب لأهل الخصب ان يستسقوا لأهل الجدب بالصلاة وغيرها وكان ينبغي للمصنف
ان ينبه على سبب الاستسقاء كما نبه عليه الشافعي والمصنف في التنبيه وكذا غيره من الأصحاب
قال الشافعي في الام ينبغي للامام ان يستسقي بالناس عند الحاجة فان تخلف عنه فقد أساء
بتركه السنة ولا قضاء عليه ولا كفارة وتقيم الرعية الاستسقاء لأنفسهم *
64

* قال المصنف رحمه الله *
{إذا أراد الامام الخروج للاستسقاء وعظ الناس وأمرهم بالخروج من المظالم والتوبة من المعاصي
لان المظالم والمعاصي تمنع القطر والدليل عليه ما روى أبو وائل عن عبد الله قال " إذا بخس المكيال
حبس القطر " وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) قال دواب الأرض تلعنهم يقولون يمنع
القطر بخطاياهم ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج ويخرج في اليوم الرابع وهم صيام لقوله صلى
الله عليه وسلم " دعوة الصائم لا ترد " ويأمرهم بالصدقة لأنه أرجأ للإجابة ويستسقى بالخيار من
أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم لان عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال " اللهم انا كنا
إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ويستسقى بأهل الصلاح
لما روى أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود فقال " اللهم انا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي
بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة
من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم " ويستسقى
65

بالشيوخ والصبيان لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا صبيان رضع وبهائم رتع وعباد لله ركع لصب
عليهم العذاب صبا " قال في الام ولا آمر باخراج البهائم وقال أبو إسحاق استحب اخراج البهائم
لعل الله تعالى يرحمها لما روى أن سليمان صلى الله عليه وسلم " خرج ليستسقى فرأى نملة تستسقى فقال
ارجعوا فان الله تعالى سقاكم بغيركم " ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز
أن يتوسل بهم إليه فان حضروا وتميزوا لم يمنعوا لأنهم جاءوا في طلب الرزق والمستحب أن
يتنظف للاستسقاء بغسل وسواك لأنها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة فشرع لها الغسل كصلاة
الجمعة ولا يستحب أن يتطيب لها لان الطيب للزينة وليس هذا وقت الزينة ويخرج متواضعا
متبذلا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعا
متبذلا متخشعا متضرعا " ولا يؤذن لها ولا يقيم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستسقى فصلي بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا " والمستحب أن ينادى
لها الصلاة جامعة لأنها صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة ولا يسن لها الآذان والإقامة فيسن
لها الصلاة جامعة كصلاة الكسوف} *
66

{الشرح} حديث " دعوة الصائم لا ترد " رواه الترمذي من رواية أبي هريرة وقال هو
حديث حسن ولفظه " ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم " ورواه البيهقي
وغيره أيضا من رواية أنس وقال " دعوة الصائم والوالد والمسافر " وحديث استسقاء عمر بالعباس
رضي الله عنهما رواه البخاري من رواية أنس ان عمر كان يفعله وحديث استسقاء معاوية
بيزيد مشهور وحديث " لولا صبيان رضع " رواه البيهقي من رواية أبي هريرة وغيره وقال إسناده
غير قوي ولفظه " مهلا عن الله مهلا فإنه لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع
لصب عليكم العذاب صبا " وأما حديث استسقاء النملة فرواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على
الصحيحين بمعناه فذكره باسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خرج نبي من
الأنبياء يستسقى فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال ارجعوا فقد استجيب لكم
من أجل شأن النملة " قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد (وأما) حديث ابن عباس فصحيح
رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي هو حديث حسن صحيح (وقوله) وعظ الإمام قال
أهل اللغة الوعظ التخويف والعظة الاسم منه وقال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب
وقال الجوهري هو النصح والتذكير بالعواقب يقال وعظته وعظا وعظة فاتعظ أي قبل الموعظة
وقال الزبيدي الوعظ والموعظة والعظة سواء (قوله) الخروج من المظالم والتوبة من المعاصي مراده
بالمظالم حقوق العباد وبالمعاصي حقوق الله تعالى (قوله) لما روى أبو وائل عن عبد الله فأبو وائل هو
شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي وهو من فضلاء التابعين أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم
67

يره مات سنة تسع وتسعين وعبد الله هو ابن مسعود الصحابي رضي الله عنه (قوله) وقال مجاهد إلى
آخر هذا منقول عن مجاهد وعكرمة ورواه ابن ماجة في سننه في كتاب الفتن باسناده عن البراء
ابن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم واسناده ضعيف وقيل في الآية قول ثان وهو ان اللاعنين
كل شئ من حيوان وجماد الا الجن والإنس وهو مروى عن ابن عباس والبراء بن عازب وقيل
هم المؤمنون من الملائكة والانس والجن وعن قتادة انهم الملائكة وقيل غيره (قوله) يقولون يمنع
القطر كذا وقع في النسخ يقولون والأصل في الدواب تقول لان الجمع بالواو والنون مختص بالذكور
68

العقلاء وكأنها لما أضيف اللعن إليها كما يضاف إلى العقلاء حسن اجراء لفظهم عليها كقوله تعالى
(الهم رجل يمشون بها) الآية وكذا قوله تعالى (وكل في فلك يسبحون ورأيتهم لي ساجدين) ونظائره
(قوله) قحطنا هو - بضم القاف وكسر الحاء - والقحط الجدوبة واحتباس المطر (وقوله) فتسقينا بفتح
التاء وضمها لغتان كما سبق في أول الباب وكذا قوله فاسقنا بوصل الهمزة وقطعها قوله كاد الناس
أن لا يبلغوا منازلهم كذا هو في النسخ ان لا يبلغوا وهي لغة قليلة والفصيح حذف ان عكس
عسى فان الفصيح فيها عيسى زيد ان يقوم ويجوز عسى زيد يقوم (قوله) الصبيان بكسر الصاد
وضمها - لغتان حكاهما بن دريد وغيره (أفصحهما وأشهرهما) الكسر ومثله قضبان ورضوان قوله
شيوخ ركع قال القاضي حسين في تعليقه قيل هو جمع راكع أي المصلى قال وقيل أراد به
الشيوخ الذين انحنت ظهور هم من الشيخوخة (قوله) متبذلا أي في ثياب البذلة بكسر الباء - وهي
التي تلبس في حال الشغل ومباشرة الخدمة وتصرف الانسان في بيته والتخشع التذلل والتضرع
والخضوع في الدعاء وإظهار الفقر (قوله) لأنها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة فشرع لها الغسل
احتراز من الصلوات الخمس (قوله) لأنها صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة لا يسن لها الأذان والإقامة
69

احترز بقوله يشرع لها الاجتماع عن السنن الراتبة (بقوله) والخطبة عن المكتوبات وبقوله لا يسن
لها الأذان والإقامة عن الجمعة (وقوله) كصلاة الكسوف إنما قاس عليها دون العيد لان الكسوف
فيها أحاديث صحيحة وليس في العيد حديث ثابت * أما الأحكام فقال أصحابنا أقل هذه الصلاة
ركعتان كسائر النوافل
وأما الأكمل فلها آداب مستحبة وليست شرطا (أحدها) إذا أراد الامام
الاستسقاء خطب الناس ووعظهم وذكرهم وأمرهم بالخروج من المظالم والتوبة من المعاصي ومصالحة
المتشاحنين والصدقة والاقبال على الطاعات وصيام ثلاثة أيام ثم يخرج بهم في الرابع وكلهم صيام
هكذا نص الشافعي في الام واتفق الأصحاب على أنهم يخرجون في الرابع صياما وممن صرح به
مع الشافعي الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي والقاضي أبو الطيب والماوردي وسليم الرازي
والمصنف وابن الصباغ والبغوي والمتولي وصاحب العدة والشيخ نصر وخلائق لا يحصون وإنما
ذكرت هؤلاء لأني رأيت من يستغرب النقل فيها لعدم أنسه قال الأصحاب والفرق بيه وبين يوم
عرفة فإنه يستحب للواقف بها ترك صومه لئلا يضعف عن الدعاء من وجهين (أحدهما) ان صلاة
الاستسقاء تكون أول النهار قبل ظهور اثر الصوم في الضعف بخلاف الوقوف بعرفات فإنه آخر
النهار (والثاني) ان الواقف بعرفات يجتمع عليه مشاق السفر والشعث وقلة الترفه ومعالجة وعثاء
السفر فإذا انضم إلى ذلك الصوم اشتد ضعفه وضعف عن الدعاء بخلاف المستسقي فإنه في وطنه
لم ينله شئ من ذلك (الأدب الثاني) يستحب ان يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبأهل الصلاح من غيرهم وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء
ودليله ما ذكره المصنف وأيضا ففي الصحيح أن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال " وهل تنصرون
70

وترزقوا إلا بضعفائكم " قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا ويستحب
ان يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة ويتشفع به ويتوسل واستدلوا بحديث
ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين
أووا إلى غارفا طبقت عليهم صخرة فتوسل كل واحد بصالح عمله فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد
ثلثا من الصخرة وخرجوا يمشون " قال الشافعي في الام ولو ترك سادة العبيد العبيد يخرجون
للاستسقاء كان أحب إلى ولا يلزمهم ذلك قال والإماء مثل الحرائر أحب أن يأذن لعجائزهن
ومن لا هيئة لها منهن يخرجن ولا أحب ذلك في ذوات الهيئة ولا يجب على سادتهن الاذن في ذلك
قال وأحب أن يخرج الصبيان وينظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا هيئة لها منهن هذا نصه
واتفق الأصحاب عليه (الثالث) قال الشافعي في الام ولا آمر باخراج البهائم هذا نصه وللأصحاب
ثلاثة أوجه (أحدها) لا يستحب ولا يكره وهو ظاهر هذا النص وبه جزم سليم الرازي والمحاملي
وآخرون (والثاني) يكره اخراجها حكاه صاحب الحاوي عن جمهور أصحابنا (والثالث) يستحب
اخراجها وتوقف معزولة عن الناس لما ذكره المصنف وهذا الوجه قوله أبى اسحق حكاه أيضا
صاحب الحاوي عن ابن أبي هريرة وبه قطع البغوي وصححه الرافعي (الرابع) قال الشافعي في
الام وأكره إخراج الكفار ونساؤهم فيما أكره من هذا كرجالهم قال ولا أكره من خروج صبيانهم
مع المسلمين ما أكره من خروج بالغيهم واتفق أصحابنا على هذا قالوا وإنما خف امر الصبيان لان
كفرهم ليس عنادا بخلاف الكبار هكذا علله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما وقال القاضي
حسين لان ذنبهم أخف والعلماء مختلفون في حكمهم إذا ماتوا قبل بلوغهم وقال البغوي قال الشافعي
71

في الكبير يعني الجامع الكبير لا أكره من اخراج صبيانهم ما أكره من خروج كبارهم لان ذنوبهم
أقل ولكن يكره لكفرهم وهذا كله يقتضي أن أطفال الكفار كفار وقد اختلف العلماء فيهم
إذا ما توا قبل بلوغهم (فقال) الأكثرون هم في النار وقالت طائفة لا يحكم لهم بجنة ولا نار ولا نعلم حكمهم
(وقال) المحققون هم في الجنة وهو الصحيح المختار وقد أوضحته بدلائله (والجواب) عما يعارضنا في
كتاب الجنائز من شرح صحيح البخاري وسأذكره مختصرا في هذا الشرح إن شاء الله تعالى
في آخر كتاب الجنائز أوفى كتاب الردة قال أصحابنا فاخراج الكفار مع المسلمين للاستسقاء
مكروه كما نص عليه الشافعي قال في الام وآمر بمنعهم من الخروج قال فان خرجوا متميزين على حدة لم
يمنعهم قال أصحابنا وسواء خرجوا متميزين في يوم خروج المسلمين أو في غيره لا يمنعون هكذا
صرح به صاحب الشامل والبغوي وآخرون وحكى صاحب الحاوي وجهين (أصحهما) هذا (والثاني)
يمنعون من خروجهم في يوم خروج المسلمين ولا يمنعون في غيره (الخامس) يستحب ان يتنظف
للاستسقاء بغسل وسواك وقطع الرائحة الكريهة ويستحب ان لا يتطيب وان لا يخرج في زينة بل
يخرج في ثياب بذلة - بكسر الباء - وهي ثياب المهنة وان يخرج متواضعا خاشعا متذللا متضرعا
ماشيا ولا يركب في شئ من طريق ذهابه الا لعذر كمرض ونحوه ودليل هذه المسائل في الكتاب
(السادس) لا يؤذن لها ولا يقيم ويستحب أن يقال الصلاة جامعة (السابع) السنة أن يصلي في
الصحراء بلا خلاف لان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في الصحراء ولأنه يحضرها غالب الناس
والصبيان والحيض والبهائم وغيرهم فالصحراء أوسع لهم وأرفق بهم *
(فرع) في مذاهب العلماء في خروج أهل الذمة للاستسقاء * قد ذكرنا أن مذهبنا أنهم يمنعون
من الخروج مختلطين بالمسلمين ولا يمنعون من الخروج متميزين وبه قال الزهري وابن المبارك
وأبو حنيفة وقال مكحول لا بأس باخراجهم وقال إسحاق بن راهويه لا يؤمرون ولا ينهون واختاره
ابن المنذر * قال المصنف رحمه الله *
72

{وصلاته ركعتان كصلاة العيد ومن أصحابنا من قال يقرأ في الأولى بق وفى الثانية بسورة
نوح صلى الله عليه وسلم لان فيها ذكر الاستسقاء والمذهب انه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد لما روى أن
مروان ارسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء فقال " سنة الاستسقاء الصلاة في العيدين
الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه فجعل يمينه يساره ويساره يمينه وصلى ركعتين
كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الاعلى وقرأ في الثانية هل اتاك حديث الغاشية
وكبر خمس تكبيرات "}.
{الشرح} حديث ابن عباس ضعيف رواه الدارقطني باسناده عن محمد بن عبد العزيز بن عمر
ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال أرسلني مروان فذكره
ومحمد هذا ضعيف قال ابن أبي حاتم في كتابه سألت أبي عنه فقال هم ثلاثة اخوة محمد وعبد الله وعمران
بنو عبد العزيز والثلاثة ضعفاء ليس لهم حديث مستقيم وقد يقال لا دلالة في الحديث لو صح فإنه
73

ليس مطابقا لما ادعاه المصنف فإنه قال قرأ بسبح وهل اتاك ودعوى المصنف انه يقرأ قاف
وافتربت (وجوابه) ان صلاة العيد شرع فيها قاف واقتربت وشرع أيضا سبح وهل اتاك وكلاهما
سنة ثابتة في صحيح مسلم وسبق بيانه في صلاة العيد فذكر ابن عباس أحد المشروعين في صلاة
العيد ولم يذكر سورة نوح بخلاف ما ادعاه صاحب الوجه الآخر والله أعلم * اما حكم المسألة فقال
الشافعي والا صحاب صفة هذه الصلاة ان ينوى صلاة الاستسقاء ويكبر ويصليها ركعتين مثل صلاة
العيد فيأتي بعد تكبيرة الاحرام بدعاء الاستفتاح ثم يكبر سبع تكبيرات وفى الثانية خمس تكبيرات
زائدة ثم يتعوذ ثم يقرأ الفاتحة ويذكر الله تعالى بين كل تكبيرتين من السبع والخمس الزوائد كما
سبق في صلاة العيد ويرفع يديه حذو منكبيه مع كل تكبيرة ويجهر بالقراءة ويقرأ في الأولى بعد
الفاتحة سورة قاف وفى الثانية اقتربت الساعة هكذا نص عليه الشافعي وقاله جمهور الأصحاب وحكي
المصنف وغيره وجها لبعض الأصحاب يستحب في الأولى قاف وفى الثانية انا أرسلنا نوحا ونص
الشافعي انه يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد قال وان قرأ إنا أرسلنا نوحا كان حسنا هذا نصه في الام
وهو مشهور في كتب الأصحاب عن نصه قال الرافعي هذا يقتضي ان لا خلاف في المسألة وان
كلا سائغ قال ومنهم من قال في الأفضل خلاف الأصح انه يقرأ ما يقرأ في العيد قلت اتفق
74

أصحابنا المصنفون على أن الأفضل أن يقرأ ما يقرأ في العيد وأما قول صاحب الحاوي قال أصحابنا
لو قرأ في الثانية إنا أرسلنا نوحا كان حسنا فلا يخالف ما ذكرناه لأنه بلفظ نص الشافعي ومعنى قوله إنه
كان حسنا انه مستحسن لا كراهة فيه وليس فيه انه أفضل من اقتربت الساعة قال صاحب
الحاوي وغيره لو حذف التكبيرات أو زاد فيهن أو نقص منهن صحت صلاته ولا يسجد للسهو
ولو أدركه مسبوق في أثناء التكبيرات الزائدة أو بعد فراغها فهل يقضي المأموم التكبيرات فيه
75

القولان السابقان في صلاة العيد (الصحيح الجديد) لا يقضى هكذا صرح به القاضي أبو الطيب
وإمام الحرمين والأصحاب وقال الشيخ أبو حامد وغيره حكم التكبيرات هنا على ما سبق في تكبيرات
صلاة العيد وفاقا وخلافا *
(فرع) في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه (أحدها) وقتها وقت صلاة العيد وبهذا قال الشيخ
أبو حامد الأسفرايني وصاحبه المحاملي في كتبه الثلاثة المجموع والتجريد والمقنع وأبو علي السنجي
والبغوي وقد يستدل له بحديث ابن عباس السابق ولكنه ضعيف (والوجه الثاني) أول وقتها أول
وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلى العصر وهو الذي ذكره البندنيجي والروياني وآخرون
والثالث وهو الصحيح بل الصواب انها لا تختص بوقت بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل
ونهار إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين وهذا هو المنصوص للشافعي وبه قطع الجمهور وصححه
المحققون ممن قطع به صاحبا الحاوي والشامل وصاحب التتمة وآخرون وصححه الرافعي في المحرر
وغيره ونقله صاحب الشامل وصاحب جمع الجوامع في نصوص الشافعي عن نص الشافعي واستصوبه
إمام الحرمين وقال لم أر التخصيص بوقت لغير الشيخ أبي على السنجي واستدلوا له بأنها لا تختص
76

بيوم فلا تختص كصلاة الاستخارة وركعتي الاحرام وغيرهما وليس لتخصيصها بوقت صلاة العيد
وجه أصلا فلا يغتر بوجوده في الكتب التي أضفته إليها فإنه مخالف للدليل ولنص الشافعي
ولأكثر الأصحاب (فان قيل) فقد قال الشافعي في الام في آخر باب كيف صلاة الاستسقاء قبل
الزوال يصليها بعد الظهر وقبل العصر هذا نصه وظاهره مخالف للأصح (والجواب) ان هذا
صريح في أنها لا تختص بوقت صلاة العيد ومراد الشافعي انه يصليها بعد الظهر ولا
يصليها بعد العصر لأنه وقت كراهة الصلاة وقد سبق ان صلاة الاستسقاء لا تصلى
في وقت النهى على الأصح فنصه موافق للصحيح وهو انها لا تختص بوقت أصلا *
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لحديث أبي هريرة والمستحب أن يدعوا في الخطبة الأولى
فيقول اللهم " اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا
تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك مالا نشكوا الا إليك
اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى
77

واكشف عنا مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا "
والمستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية ويحول ما على الأيمن إلى الأيسر وما على
الأيسر إلى الأيمن لما روى عبد الله بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرج إلى المصلي
يستسقى فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن " فإن كان
الرداء مربعا نكسه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وإن كان مدورا اقتصر على التحويل لما روى
عبد الله بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم " استسقى وعليه وخميصه له سوادء فأراد أن يأخذ بأسفلها
78

فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه " ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك لما روى في
حديث عبد الله بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول رداءه وقلبه ظهر البطن وحول
الناس معه " قال الشافعي وإذا حولوا أرديتهم تركوها؟ محولة لينزعوها مع الثياب لأنه لم ينقل
أن النبي صلى الله عليه وسلم غيرها بعد التحويل ويستحب أن يدعو في الخطبة الثانية سرا ليجمع
في الدعاء بين الجهر والاسرار ليكون أبلغ ولهذا قال الله تعالى (انى أعلنت لهم وأسررت لهم
أسرارا) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم " كان لا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى
بياض إبطيه " * ويستحب أن يكثر في الاستغفار من قوله تعالى (واستغفروا ربكم انه كان غفارا
يرسل السماء عليكم مدرارا) لما روى الشعبي أن عمر رضي الله عنه " خرج يستسقى فصعد المنبر
فقال " استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم
جنات ويجعل لكم أنهارا استغفروا ربكم انه كان غفارا ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين لو استسقيت
فقال لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر "} *
79

{الشرح} حديث عبد الله بن زيد في صحيحي البخاري ومسلم إلى قوله وحول رداءه واما
تمامه فرواه أبو داود باسناد حسن وحديثه الآخر حديث الخميصة صحيح أو حسن رواه أبو داود
والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة أو حسنة قال الحاكم في المستدرك هو صحيح على شرط
مسلم وحديثه الآخر وقوله وحول الناس معه رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده * وحديث
انس رواه البخاري ومسلم وحديث الشعبي عن عمر رواه البيهقي (واما) قوله اللهم اسقنا غيثا مغيثا
إلى آخره فذكره الشافعي في الام ومختصر المزني عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه كان إذا استسقى قاله إلى آخره (وقوله) اللهم اسقنا يجوز وصل الهمزة وقطعها
كما سبق (وقوله) غيثا هو المطر (قوله) مغيثا - بضم الميم وكسر الغين - وهو الذي يغيث الخلق فيرويهم
ويشبعهم قاله الأزهري وغيره وقال غيره منقذا لنا مما استسقينا منه قال أهل اللغة يقال غاث الغيث
الأرض أي أصابها وغاث الله البلاد أي أصابها به يغيثها بفتح الياء غيثا وغيثت الأرض تغاث
غيثا فهي مغيثة ومغيوثة هذا هو المشهور في كتب اللغة انه إنما يقال غاث الله الناس والأرض
يغيثهم بفتح الياء ثلاثي أي انزل المطر وثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
في الاستسقاء " اللهم أغثنا " بالألف رباعي قال القاضي عياض قال بعضهم هذا المذكور في الحديث
هو من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث إنما يقال في طلب الغيث غثنا قال القاضي
80

ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثا أو ارزقنا غيثا كما يقال سقاه الله وأسقاه أي
جعل له سقيا على لغة من فرق بينهما (قوله) هنيئا هو الذي لا ضرر فيه ولا تعب وقيل هو
الطيب الذي لا ينقصه شئ قوله مريئا مهموز هو المحمود العاقبة مسمنا للحيوان منميا له (قوله) مريعا ضبطناه في
المهذب - بفتح الميم وكسر الراء - وبعدها مثناة تحت ساكنة وهو من المراعة وهي الخصب قال الأزهري
المريع ذو المراعة وأمرعت الأرض أخصبت وقيل المريع الذي يمرع الأرض أي تنبت عليه وروى مربعا
- بضم الميم وإسكان الراء وكسر الباء الموحدة - وروى مرتعا مثله الا انه بالتاء المثناة فوق وهما بمعني
الأول (قوله) غدقا هو بفتح الدال قال الأزهري هو الكثير الماء والخير وقيل الذي قطره كبار
(قوله) مجللا هو بكسر اللام قال الأزهري هو الذي يجلل البلاد والعباد نفعه ويتغشاهم خيره وقال
غيره يجلل الأرض أي يعمها كجل الفرس (قوله) طبقا - بفتح الطاء والباء - قال الأزهري هو الذي
يطبق البلاد مطره فيصير كالطبق عليها وفيه مبالغة ووقع في هذا الحديث فيما ذكره الشافعي
والأصحاب والمصنف في التنبيه عاما طبقا قالوا بدأ بالعام ثم أتبعه الطبق لأنه صفة زيادة في العام
فقد يكون عاما وهو طل يسير (قوله) سحا هو شديد الوقع على الأرض يقال سح الماء يسح
- بضم السين - في المضارع إذا سال من فوق إلى أسفل وساح يسيح إذا جرى على وجه الأرض والقنوط
اليأس (اللاواء) بالهمز والمد شدة المجاعة قاله الأزهري الجهد - بفتح الجيم - وقيل يجوز ضمها قلة الخير
والهزال وسوء الحال وأرض جهاد أي لا تنبت شيئا (الضنك) الضيق مالا نشكوا الا إليك بالنون
وبركات السماء كثرة مطرها مع الريع والنماء وبركات الأرض ما يخرج منها من زرع ومرعى ولم
81

يذكر المصنف هنا بركات الأرض وذكره في التنبيه وذكره الشافعي والأصحاب وهو في الحديث
المذكور (قوله) فأرسل السماء علينا مدرارا كذا وقع في المهذب وفى الحديث وفى التنبيه وسائر كتب
الأصحاب فأرسل قال الأزهري والسماء هنا السحاب وجمعها سمى واسمية وقال الزمخشري في
تفسيره يجوز أن يكون المراد بالسماء هنا المطر أو السحاب ويجوز أن يكون السماء المظلة لان المطر
ينزل منها إلى السحاب والمدرار الكثير الدر والقطر قاله الأزهري وقيل معناه غيثا مغيثا (قوله)
فإن كان الرداء مربعا نكس هو بتخفيف الكاف هذه اللغة المشهورة ويجوز بتشديدها ومن الأول
قوله تعالى (ناكسوا رؤوسهم) وقرئ قوله تعالى (ننكسه في الخلق) بالتخفيف والتشديد والخميصة كساء
أسود له علمان في طرفيه وهذا منقول عن أهل الحجاز وغيرهم وقال أبو عبيد كساء مربع وقال
الأصمعي كساء من صوف وخز وقيل كساء رقيق أصفر أو احمر أو اسود وهذا يوافق مقتضي
هذا الحديث فان قوله خميصة سوداء يقتضي انها قد تكون غير سوداء (وقوله) بمجاديح واحدها
مجدح - بكسر الميم واسكان الجيم وفتح الدال - وقال أبو عبيد يجوز كسر الميم وضمها قال أهل اللغة
المجدح كل نجم كانت العرب تقول يمطر به فأخبر عمر رضي الله عنه أن الاستغفار هو المجاديح
الحقيقية التي يستنزل بها القطر لا الأنواء وإنما قصد التشبيه وقيل مجاديحها مفاتيحها وقد جاء في
رواية بمفاتيح السماء (وقوله) كان لا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستقاء وقد ثبتت
أحاديث كثيرة في الصحيحين وفى أحدهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " رفع يديه في الدعاء
82

وهي قريب من ثلاثين حديثا سبق ذكر أكثرها في باب صفة الصلاة من هذا الشرح وحينئذ
يتعين تأويل حديث انس هذا وفيه تأويلان مشهوران (أحدهما) ان مراد أنس لم أره يرفع وقد
رآه غيره يرفع والزيادة من الثقة مقبولة والاثبات مقدم على النفي (والثاني) معناه لم يرفع كما يرفع في
الاستسقاء فإنه صلى الله عليه وسلم رفع فيه رفعا بليغا وفى صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم " أشار
بظهور كفيه إلى السماء " والله أعلم * اما الأحكام فقال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب
أن يخطب بعد صلاة الاستسقاء خطبتين أركانهما وشروطهما وهيئاتهما كما سبق في العيد وفى
استحباب الجلوس إذا صعد المنبر الوجهان السابقان في العيد والصحيح المنصوص استحبابه لكن
يخالفها في ثلاثة أشياء (إحداها) يستحب ان يبدل التكبيرات المشروعة في أول خطبتي العيد بالاستغفار
فيستغفر الله تعالى في افتتاح الأولى تسع مرات وفى الثانية سبعا ولا يكبر قال بعض أصحابنا يقول " استغفر
الله الذي لا إله الا هو الحي القيوم وأتوب إليه " ويختم كلامه بالاستغفار ويكثر منه في الخطبة
83

ومن قوله تعالى (استغفروا ربكم إنه كان غفار) الآية وذكر المحاملي في المجموع أنه يكبر في افتتاح
الخطبة كما في خطبة العيد وحكاه عنه أيضا صاحب البيان وغيره وهو ظاهر نص الشافعي في الام
فإنه قال ويخطب الامام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما ويحمده
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه هذا نصه
ومقتضي اطلاق المصنف أنه لا يأتي بالاستغفار والمشهور استحباب الاستغفار تسعا في افتتاح الخطبة
الأولى وسبعا في الثانية وقد ذكره المصنف في التنبيه والأصحاب في جميع طرقهم (الثاني) يستحب
أن يدعو في الخطبة الأولى بهذا الدعاء المذكور في الكتاب وان عدل إلى دعاء غيره جاز لكن
هذا أفضل ومن الدعاء المستحب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم اسقنا غيثا مغيثا نافعا
غير ضار عاجلا غير آجل اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت اللهم أنت
الله لا إله إلا أنت الغنى ونحن الفقراء انزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين "
(الثالث) يستحب أن يكن في الخطبة الأولى صدر الثانية مستقبل الناس مستدبر القبلة ثم مستقبل
القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا وإذا أسر دعا الناس سرا وإذا جهر أمنوا ويرفعون كلهم
أيديهم في الدعاء وثبت في صحيح مسلم عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم " استسقى فأشار
بظهر كفيه إلى السماء " قال الرافعي وغيره قال العلماء السنة لكل من دعا لدفع بلاء ان يجعل ظهر
كفيه إلى السماء وان دعا لطلب شئ جعل بطن كفيه إلى السماء قال الشافعي وليكن من دعائهم
84

في هذه الحالة " اللهم أنت امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك وقد دعوناك كما امرتنا فأجبنا كما وعدتنا
اللهم امنن علينا بمغفرة ما قارفنا واجابتك في سقيانا وسعة رزقنا " فإذا فرغ من الدعاء اقبل بوجهه
على الناس وحثهم على طاعة الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات
وقرأ آية من القرآن أو آيتين ويقول استغفر الله لي ولكم هذا لفظ الشافعي قال الشافعي والأصحاب
ويكثر من الاستغفار ومن قول (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) قال الشافعي ويكثر الاستغفار حتى يكون
أكثر كلامه ثم روى عن عمر رضي الله عنه انه استسقى " فكان أكثر دعائه الاستغفار " قال الشافعي
فيكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه ويختم به ويكون هو أكثر
كلامه حتى ينقطع الكلام قلت ويكثر من دعاء الكرب الثابت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه
وسلم كأن يقوله عند الكرب " لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم
لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم " ويستحب أيضا (اللهم آتنا في الدنيا
حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) لحديث الصحيحين فيه ويستحب للامام عند تحوله
في صدر الخطبة الثانية إلى القبلة ان يحول رداءه للأحاديث الصحيحة السابقة وهل يستحب ان
ينكسه مع التحويل قال المصنف والأصحاب إن كان مدورا ويقال له المقور والمثلث لم يستحب
بل يقتصر على التحويل بالاتفاق وإن كان مربعا ففيه قولان حكاهما الخراسانيون (الجديد الصحيح)
85

وبه قطع المصنف وآخرون يستحب نكسه نص عليه في الام وغيره والقديم لا يستحب ودليل
الجميع يعرف مما سبق قال الأصحاب التحويل أن يجعل ما على عاتقه الأيمن على عاتقه الأيسر
وبالعكس والنكس أن يجعل أعلاه أسفله ومتى جعل الطرف الأسفل الذي على شقة الأيسر على
عاتقه الأيمن والطرف الأسفل الذي على شقة الأيمن على عاتقه الأيسر حصل التحويل والنكس
جميعا قال الشافعي والأصحاب ويفعل الناس بأرديتهم كفعل الإمام قالوا والحكمة في التحويل
والنكس التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة قال الشافعي والأصحاب ويتركونها محولة حتى
ينزعوا الثياب وقال جماعة يتركونها محولة حتى يرجعوا إلى منازلهم وليس هذا اختلافا بل
86

يستحب تركها محولة حتى يرجعوا إلى منازلهم وتبقي كذلك في منازلهم حتى ينزعوا
ثيابهم تلك سواء نزعوها أول وصولهم المنازل أم بعده *
* قال المصنف رحمه الله *
{قال في الام فان صلوا ولم يسقوا عادوا من الغد وصلوا واستسقوا وان سقوا قبل إن يصلوا
صلوا شكرا وطلبا للزيادة}
87

{الشرح} في هذا مسألتان (إحداهما) قال أصحابنا إذا استسقوا بالصلاة فسقوا لم يشرع
صلاة ثانية وان لم يسقوا استحب ان يستسقوا ثانيا وثالثا وأكثر حتى يسقوا وهل يخرجون من
الغد للاستسقاء أم يتأهبون بالصيام وغيره مرة أخرى فيه للشافعي نصان (أحدهما) نص عليه في
مختصر المزني والبويطي يخرجون من الغد ويصلون ويستسقون وقال في القديم والام يأمرهم الامام
بصيام ثلاثة أيام أخر ثم يخرج بهم إلى الاستسقاء ولفظه في الام وأحب كلما أراد الامام العود إلى
الاستسقاء أن يأمر الناس ان يصوموا قبل عوده ثلاثا هذا نصه في الام ذكره في باب كيف يبتدئ
الاستسقاء وإنما نبهت عليه لان الأكثرين يضيفون هذا النص إلى القديم فقط فهذا كلام الشافعي
وللأصحاب فيه ثلاثة طرق (أحدها) نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون عن أبي الحسين
ابن القطان في المسألة قولان (أصحهما) وهو الجديد يخرجون من الغد (والثاني) يتأهبون بالصيام
ثلاثة أيام وغيره (والطريق الثاني) أن المسألة على حالين فإن لم يشق على الناس الخروج من الغد
ولم ينقطعوا عن معايشهم خرج من الغد والا أخره وتأهبوا وبهذا قطع الشيخ أبو حامد الأسفرايني
والمحاملي والبندنيجي وآخرون ونقله السرخسي في الأمالي عن الأصحاب مطلقا (والطريق الثالث)
88

نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه عن عامة الأصحاب أن المسألة على قول واحد نقل المزني الجواز
والقديم الاستحباب (واعلم) ان الشافعي وجماهير الأصحاب قطعوا باستحباب الاستسقاء ثانية وثالثة
وأكثر حتى يسقوا لكن قال الشافعي والأصحاب الاستحباب في المرة الأولى اكد وحكي الرافعي
وجها انهم لا يفعلون ذلك الا مرة وهذا الوجه غلط مخالف نص الشافعي والأصحاب والدليل
(واعلم) ان ابن القطان قال ليس في باب الاستسقاء مسألة فيها قولان غير هذه وأنكر عليه الأصحاب
من وجهين (أحدهما) ما قاله الجمهور ان هذه المسألة ليست على قولين بل على حالين كما سبق (والثاني)
ان للشافعي قولين في مسألة تحويل الرداء كما سبق والله أعلم (المسألة الثانية) إذا تأهبوا للصلاة
والاستسقاء فسقوا قبل ذلك استحب لهم الخروج إلى موضع الاستسقاء للوعظ والدعاء والشكر
بلا خلاف (وأما) الصلاة فقد نص الشافعي والأصحاب كما ذكر المصنف انهم يصلون شكرا لله تعالي
89

على هذه النعمة وطلبا للزيادة قال الشافعي في الام سواء سقوا قليلا أو كثيرا وتكون هذه الصلاة
بصفة صلاة الاستسقاء وذكر امام الحرمين والغزالي في استحباب الصلاة وجهين (أصحهما) الاستحباب
(والثاني) لا قال الرافعي وأجرى الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا الصلاة للاستزادة والصواب
الجزم بالصلاة كما نص عليه الشافعي والمصنف والأصحاب ولا تغتر بما وقع في كلام بعض المتأخرين
من أن الأشهر ترك الصلاة فإنه غلط فاحش وسبق فلم أو غباوة والا فكتب الأصحاب متظاهرة
على استحباب الصلاة وممن ذكرها الشافعي والشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي في كتبه والقاضي
90

أبو الطيب وسليم الرازي وصاحب العدة والبغوي والشيخ نصر المقدسي في كتبه وخلائق لا يحصون
قال الشافعي في الام فلو كانوا يمطرون في الوقت الذي يريد الخروج بهم فيه استسقى في المسجد
أو أخر ذلك إلى انقطاع المطر
* قال المصنف رحمه الله *
{ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة لحديث عمر رضي الله عنه ويستحب لأهل الخصب
أن يدعوا لأهل الجدب ويستحب إذا جاء المطر أن يقولوا اللهم صيبا هنيئا لما روت عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا رأى المطر قال ذلك " ويستحب أن يتمطر لأول مطر
لما روى أنس رضي الله عنه قال " أصابنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا فقال أنه حديث عهد بر به "
ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ويتوضأ منه لما روى أنه جرى الوادي فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " أخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهورا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه " ويستحب
لمن سمع الرعد أن يسبح لما روى ابن عباس قال " كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد
وبرق وبرد فقال لنا كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة
من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك فقلنا فعوفينا "} *
{الشرح} حديث عمر سبق وحديث عائشة رواه البخاري وحديث أنس رواه مسلم وحديث
الوادي رواه الشافعي في الام باسناد منقطع ضعيف مرسلا والخصب - بكسر الخاء - والجدب
- باسكان الدال المهملة - وهو القحط (قوله) اللهم صيبا هو بفتح الصاد - وبعدها ياء مشاة من
تحت مكسورة ثم باء موحدة - هكذا صوابه وهكذا هو في صحيح البخاري وغيره من كتب
الحديث ووقع في المهذب اللهم صبا بحذف المثناة وبباء موحدة مشددة ولكل واحد منهما وجه
فالصيب الذي في البخاري وغيره هو المطر قاله البخاري عن ابن عباس وقال الواحدي الصيب
المطر الشديد من قولهم صاب يصوب إذا نزل من علو إلى سفل وقيل الصيب السحاب وأما الذي
في المهذب فمعناه اللهم صبه علينا صبا وجاء في رواية لابن ماجة اللهم سيبا نافعا مرتين أو ثلاثا ذكره
في كتاب الدعاء والسيب - بفتح السين واسكان الياء - وهو العطاء (وقوله) يتمطر يتفعل من المطر
ومعناه يتطلب ويتحرى نزول المطر عليه ببروزه عليه وقوله حسر - بفتح الحاء والسين المهملتين -
والسين مخففة أي كشف وفيه محذوف أي حسر بعض بدنه (وقوله) صلى الله عليه وسلم حديث عهد
91

بربه أي بتكوين ربه أو تنزيله والحديث القريب وقوله رعد وبرق وبرد فالبرد هنا - بفتح الباء
والراء - وهو معروف وإنما ذكرته لئلا يصحف ببرد باسكان الراء * أما الأحكام ففيما ذكره
مسائل إحداها يستحب الاستسقاء في الدعاء من غير صلاة بالاتفاق وقد سبق في أول الباب ان
الاستسقاء ثلاثة أضرب هذا أحدها ودليل هذا حديث انس أن النبي صلى الله عليه وسلم
" استسقى يوم الجمعة على المنبر بالدعاء من غير صلاة الاستسقاء " رواه البخاري ومسلم قال
الشافعي وكذلك آمر بالدعاء لكل نازلة تنزل بأحد من المسلمين
(الثانية) يستحب
لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وهكذا عبارة
الأصحاب يستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب ولم يتعرضوا للصلاة وظاهر كلامهم
أنه لا تشرع الصلاة وقال في الام يستسقي أهل الخصب لأهل الجدب
(الثالثة) السنة أن يدعوا عند
92

نزول المطر بما سبق في الحديث ويستحب ان يجمع بين روايتي البخاري وابن ماجة فيقول " اللهم
صيبا هنيا وسيبا نافعا " ويكرره الرابعة السنة أن يكشف بعض بدنه ليصيبه أول المطر للحديث
السابق والمراد أول مطر يقع في السنة كذا نص عليه الشافعي وقاله الأصحاب قال سليم الرازي
والشيخ نصر المقدسي وصاحب العدة يستحب إذا جاء المطر في أول السنة ان يخرج الانسان
إليه ويكشف ما عدا عورته ليصيبه منه ولفظ الشافعي في أول مطرة وكذا لفظ المحاملي وصاحب
الشامل والباقين وذكر الشافعي في الام عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لغلامه وقد مطرت
السماء " اخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر فقيل له لم تفعل هذا فقال أما تقرأ كتاب الله ونزلنا من
السماء ماء مباركا فأحب ان تصيب البركة فراشي ورحلي "
(الخامسة) يستحب إذا سال الوادي ان
يتوضأ منه ويغتسل فإن لم يجمعهما فليتوضأ
(السادسة) يستحب لسامع الرعد ان يسبح لما روى
مالك في الموطأ باسناده الصحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما انه كان إذا سمع
الرعد ترك الحديث وقال " سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته " *
(فرع) في مسائل تتعلق بباب الاستسقاء (إحداها) ذكرنا انه يخطب للاستسقاء بعد الصلاة
فلو خطب قبلها صحت خطبته وكان تاركا للأكمل صرح به صاحب التتمة وغيره وأشار ابن المنذر
إلى استحباب تقديم الخطبة وحكاه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره وحكاه العبدري عن
عبد الله ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد قال ومذهب العلماء كافة سوى هؤلاء
تقديم الصلاة على الخطبة ودليل جواز تقديم الخطبة حديث عبد الله بن زيد قال " خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ثم صلي ركعتين)
رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت " شكي الناس إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قحوط المطر فامر بمنبر فوضع له بالمصلي ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله
93

صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر وذكرت الخطبة والدعاء وانه صلى الله عليه
وسلم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول
رداءه وهو رافع يديه ثم اقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين " رواه أبو داود باسناد صحيح قال الشيخ أبو حامد
قال أصحابنا تقديم الخطبة في هذه الأحاديث محمول على بيان الجواز في بعض الأوقات (الثانية) قال
الشافعي والأصحاب إذا ترك الامام الاستسقاء لم يتركه الناس قال الشافعي في الام إذا كان جدب
أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للامام التخلف عن الاستسقاء
فان تخلف فقد أساء في تخلفه وتركه السنة ولا قضاء عليه ولا كفارة وقال في الام أيضا إذا خلت
الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء كما قدم الناس أبا بكر
رضي الله عنه حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بنى عمرو بن عوف وقدموا عبد الرحمن
94

ابن عوف في غزوة تبوك حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته وكان ذلك في الصلاة المكتوبة "
وهذان الحديثان في الصحيحين قال الشافعي فإذا جاز ذلك في المكتوبة فغيرها أولى (الثالثة)
قال الشافعي في الام في باب المطر قبل الاستسقاء لو نذر الامام أن يستسقى ثم سقى الناس وجب
عليه أن يخرج فيوفى نذره فإن لم يفعل فعليه قضاؤه قال وليس عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم
ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم وليس له أن يكرههم على الاستسقاء من غير جدب قال ولو نذر
رجل أن يخرج ليستسقى كان عليه أن يخرج بنفسه فان نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه
ولم يكن عليه أن يخرج بالناس قال وأحب أن يخرج ممن أطاعه منهم من ولده وغير هم قال فإن كان في نذر،
أن يخطب خطب وذكر الله تعالى وله أن يدعو جالسا لأنه ليس في قيامه إذا لم يكن واليا ولا معه جماعة
بالذكر طاعة قال وان نذر ان يخطب على منبر فله أن يخطب جالسا وليس عليه أن يخطب على منبر لأنه
لا طاعة في ركوبه المنبر وإنما يؤمر بهذا الامام ليسمع الناس قال فإن كان إماما ومعه ناس لم يحصل الوفاء بنذره
الا بالخطبة قائما لان الطاعة فيها إذا كان معه ناس أن يخطب قائما فإذا وقف على منبر أو جدار أو
قائما أجزأه عن نذره قال ولو نذر أن يخرج ويستسقي أحببت له أن يستسقى في المسجد ولو استسقى
في بيته أجزأه هذا آخر نصه وقال صاحب التهذيب في هذا الباب لو نذر الامام أن يستسقى لزمه
أن يخرج بالناس ويصلي بهم قال ولو نذره واحد من الناس لزمه أن يصلي منفردا وان نذر أن
يستسقي بالناس لم ينعقد نذره لأنهم لا يطيعونه قال ولو نذر أن يخطب وهو من أهله لزمه وهل
له ان يخطب قاعدا مع القدرة فيه خلاف مبنى على أن النذر يسلك به مسلك جائز الشرع أم مسلك
واجبه (الرابعة) قال الشافعي والأصحاب وإذا كثرت المطار وتضرر الناس بها فالسنة أن يدعى
برفعها اللهم حوالينا ولا علينا قال الشافعي في الام والأصحاب ولا يشرع لذلك صلاة لان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يصل لذلك ودليل هذه المسألة حديث أنس قال " دخل رجل المسجد يوم جمعة
95

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل
فادع الله يغثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال " اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا "
قال أنس والله وما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا بيننا وبين سلع يعني الجبل المعروف
بقرب المدينة من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت
ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها
عنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب
وبطون الأودية ومنابت الشجر فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس " رواه البخاري ومسلم
وأما قول المصنف في التنبيه في أثناء دعاء الاستسقاء لطلب المطر اللهم حوالينا ولا علينا فمما أنكروه
عليه وإنما يقال هذا عند كثرة الأمطار وحصول الضرر بها كما صرح به في الحديث ونص عليه
الشافعي والأصحاب رحمهم الله (الخامسة) ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني رضي الله
عنه قال " صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما
انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ما ذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح
من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب
وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " قال الشافعي في الام وأصحابنا وغيرهم
من العلماء إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا لأنه كان في بلاد الكفار الملحدين في دين الله تعالى فأخبر ان العباد
قسمان قالوا فيسن أن يقول في أثر المطر مطرنا بفضل الله ورحمته فان قال مطرنا بنوء كذا وأراد أن
النوء هو الفاعل حقيقة وليس لله فيه صنع فهو كافر مرتد خارج من الملة وان أراد أن النوء وقت يوقع
الله المطر فيه من غير أثر للنوء وإنما الفعل لله تعالى فليس بكافر كفر جحود بل هو لفظ مكروه وليس
بحرام ويصح أن يطلق عليه كفر النعمة والله أعلم (السادسة) يستحب الدعاء عند نزول المطر
نص عليه الشافعي في الام وروى فيه حديثا ضعيفا مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اطلبوا
استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث " قال الشافعي وحفظت عن غير
واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة * (السابعة) قال الشافعي في الام لم تزل
96

العرب تكره الإشارة إلى البرق والمطر قال الشافعي أخبرني الثقة ان مجاهدا كأن يقول الرعد ملك
والبرق أجنحته يسقن السحاب قال الشافعي ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن
(الثامنة)
يكره سب الريح قال الشافعي في الام ولا ينبغي لاحد أن يسب الرياح فإنها خلق لله تعالي مطيع
وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء * والسنة أن يقول عند هبوب الريح ما روت عائشة
رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك
خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)
رواه مسلم في صحيحه وعن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الريح من روح
الله تعالى تأتى بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله
من شرها) رواه أبو داود وابن ماجة باسناد حسن (قوله) صلى الله عليه وسلم من روح الله بفتح
الراء قال العلماء معناه من رحمة الله بعباده وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال " قال رسول الله
97

صلى الله عليه وسلم لا نسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه
الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت
به) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح قال وفى الباب عن عائشة وعثمان بن أبي العاصي
وأبي هريرة وأنس وابن عباس وجابر وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول اللهم لقحا لا عقيما " رواه ابن السني باسناد صحيح
ومعنى لفحا حامل للماء كالمقحة من الإبل والعقيم التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان لا ولد فيها
وعن أنس عن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال " إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة
فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الأسود " رواه ابن السني وقال الشافعي في الام اخبرني من
لا انهم وذكر إسناده إلى ابن عباس قال " ما هبت ريح الا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه
وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) قال ابن عباس في كتاب الله
تعالى (انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وأرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال تعالى (وأرسلنا الرياح
لواقح وأرسلنا الرياح مبشرات " وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالصبا
98

وأهلكت عاد بالدبور " رواه البخاري ومسلم (التاسعة) روى ابن السني باسناد ليس بثابت
عن ابن مسعود قال " أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك ما شاء
الله لا قوة الا بالله " وروى الشافعي في الام باسناد ضعيف مرسل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ما من ساعة من ليل ولا نهار الا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء " وباسناد له ضعيف
عن كعب " أن السيول ستعظم في آخر الزمان) قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عمر وبن دينار عن ابن
المسيب عن أبيه عن جده قال " جاء مكة سيل طبق ما بين الجبلين " اسناد صحيح (العاشرة)
قال صاحب الحاوي زعم بعضهم انه يكره ان يقال اللهم أمطرنا لان الله تعالى لم يذكر الأمطار
في كتابه الا للعذاب قال الله تعالى " وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قال وهذا
عندنا غير مكروه هذا كلام صاحب الحاوي والصواب أنه لا يكره كما اختاره فقد ثبت عن أنس
ابن مالك رضي الله عنه في حديثه المتقدم في المسألة الرابعة (قوله) ثم أمطرت هكذا هو أمطرت
بالألف في صحيح مسلم وفى ثلاثة أبواب من صحيح البخاري في كتاب الاستسقاء (واما) قول
المخالف انه لم يأت في كتاب الله تعالى أمطر الا في العذاب فليس كما زعم بل قد جاء في القرآن
العزيز أمطر في المطر الذي هو الغيث وهو قوله عز وجل (قالوا هذا عارض ممطرنا) وهو من
أمطر ومعلوم انهم أرادوا الغيث ولهذا رد الله تعالى قولهم فقال تعالي (بل هو ما استعجلتم به
ريح فيها عذاب اليم) *
99

(فرع) في مذاهب العلماء في صلاة الاستسقاء قد ذكرنا أن مذهبنا انها سنة متأكدة وبهذا
قال الأئمة كافة الا أبا حنيفة فإنه قال ليس في الاستسقاء صلاة قال القاضي أبو الطيب وغيره قال
أصحاب أبي حنيفة مراده ليس فيه صلاة مسنونة كما قال ليس سجود الشكر بشئ أي ليس مسنونا
وكما قال دعا النساء ليلة عرفة بالأمصار وليس بشئ * واحتج له بقوله تعالى (استغفرا ربكم انه
كان غفارا) ولم يذكر صلاة ولحديث أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم " استسقى يوم الجمعة على
المنبر) وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " استسقي بالعباس رضي الله عنه ولم يذكر صلاة " وبالقياس
على الزلازل ونحوها * دليلنا الأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم " صلى في الاستسقاء ركعتين " منها حديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد أن النبي
صلى الله عليه وسلم " خرج إلى المصلي فاستسقي وصلي ركعتين " رواه البخاري ومسلم وفى رواية
للبخاري " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلي
ركعتين جهر فيهما بالقراءة " وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم " شكوا إليه قحوط المطر فذكرت
الحديث إلى قولها فخطب ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين وذكرت الحديث " رواه أبو داود
باسناد صحيح وعن ابن عباس قال " خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا
100

فصلي ركعتين كما يصلي في العيد " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة قال الترمذي
حديث حسن صحيح وفى المسألة أحاديث كثيرة غير هذه (وعن) القياس انه معنى سن له الاجتماع
والخطبة فسن له الصلاة كالعيد والكسوف (والجواب) عن الآية من وجهين (أحدهما) ليس فيها
101

نفى الصلاة وإنما فيها الاستغفار ونحن نقول بالاستغفار وبالصلاة بالأحاديث الصحيحة فلم نخالف
الآية (الثاني) ان الآية اخبار عن شرع من قبلنا وللأصوليين من أصحابنا وغيرهم خلاف في
الاحتجاج به إذا لم يرد شرعنا بمخالفته أما إذا ورد بخلافه فلا حجة فيه بالاتفاق وقد ثبتت الأحاديث
الصحيحة بالصلاة (والجواب) عن الحديث وفعل عمر رضي الله عنه انه لبيان الجواز وفعل لاحد
أنواع الاستسقاء الثلاثة التي قدمنا بيانها وليس فيه نفى للصلاة ففي هذا بيان نوع وفيما ذكرناه
بيان نوع آخر فلا تعارض وقد روى عن عمر أيضا الصلاة (والجواب) عن قياسهم على الزلازل انها
لم يسن لها الاجتماع والخطبة بخلاف الاستسقاء فإنهم اجمعوا على أنه يسن فيه الاجتماع والخطبة
ولان السنة بينت في الصلاة في الاستسقاء دون الزلازل فوجب اعتمادها دون القياس والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في كيفية صلاة الاستسقاء قد ذكرنا أن مذهبنا انه يكبر في افتتاح الركعة
الأولى سبع تكبيرات وفى الثانية خمسا كالعيد وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وعمر بن
102

عبد العزيز وأبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وقال مالك وأحمد واسحق وأبو ثور لا يكبر وحكاه
العبدري عن المزني أيضا ومذهبنا استحباب تحويل الرداء في الخطبة للامام والمأمومين كما سبق
وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود * وقال أبو حنيفة لا يستحب وقال محمد بن الحسن يحول
الامام دون المأمومين وحكاه العبدري عن الطحاوي عن أبي يوسف قال وروى عن ابن المسيب
وعروة والثوري ومذهبنا استحباب خطبتين للاستسقاء بينهما جلسة وبه قال مالك وأبو يوسف
103

ومحمد وحكى ابن المنذر عن عبد الرحمن بن مهدي انها خطبة واحدة وعن أحمد انه لا خطبة وإنما
يدعوا ويكثر الاستغفار ومذهبنا انه يستحب الاستسقاء بالدعاء ولكن الأفضل الاستسقاء بالصلاة
كما سبق وحكى ابن المنذر عن الثوري كراهة الاستسقاء بدعاء من غير صلاة *
{كتاب الجنائز}
{باب ما يفعل بالميت}
الجنازة - بكسر الجيم وفتحها - لغتان مشهورتان وقيل بالفتح للميت وبالكسر للنعش وعليه الميت
وقيل عكسه حكاه صاحب مطالع الأنوار والجمع جنائز - بفتح الجيم - لا غير وهو مشتق من جنز
104

- بفتح الجيم - بجنز - بكسر النون - إذا ستر قاله ابن فارس والموت مفارقة الروح الجسد وقد مات الانسان
يموت ويمات - بفتح الياء - وتخفيف الميم فهو ميت وميت - بتشديد الياء وتخفيفها - وقوم موتى وأموات
وميتون وميتون - بتشديد الياء وتخفيفها - قال الجوهري ويستوى في ميت وميت المذكر والمؤنث
قال الله تعالى (ليحي به بلدة ميتا) ولم يقل ميتة ويقال أيضا ميتة كما قال تعالى (الأرض الميتة) ويقال
أماته الله وموته
* قال المصنف رحمه الله *
{المستحب لكل أحد أن يكثر ذكر الموت لما روى عبد الله بن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لأصحابه " استحيوا من الله حق الحياء قالوا انا نستحيي يا نبي الله والحمد لله
قال ليس كذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعي وليحفظ البطن
وما حوى وليذكر الموت والبلي ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ومن فعل ذلك فقد استحيي
من الله حق الحياء " وينبغي أن يستعد للموت بالخروج من المظالم والاقلاع عن المعاصي والاقبال
على الطاعات لما روى البراء بن عازب " ان النبي صلى الله عليه وسلم أبصر جماعة يحفرون قبرا فبكي
حتى بل الثرى بدموعه وقال إخواني لمثل هذا فأعدوا} *
{الشرح} حديث ابن مسعود رواه الترمذي باسناد حسن في كتاب الزهد من جامعه وحديث
البراء رواه ابن ماجة في كتاب الزهد من سننه باسناد حسن وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة
بأسانيد صحيحة كلها على شرط البخاري ومسلم ومعني فأعدوا أي تأهبوا واتخذوا له عدة وهي
ما يعد للحوادث (وقوله) الخروج من المظالم والاقلاع عن المعاصي المراد بالأول المظالم التي للعباد
عليه وبالثاني المعاصي التي بينه وبين الله تعالى * أما الأحكام فيستحب لكل أحد أن يكثر ذكر
الموت قال الشيخ أبو حامد وغيره وحالة المرض أشد استحبابا لأنه إذا ذكر الموت رق قلبه وخاف
105

فيرجع عن المظالم والمعاصي ويقبل على الطاعات ويكثر منها قال الشيخ أبو حامد ويستحب الاكثار
من ذكر حديث " استحيوا من الله حق الحياء " وثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "
وكان ابن عمر يقول " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك
لمرضك ومن حياتك لموتك "
* قال المصنف رحمه الله *
{ومن مرض استحب له أن يصبر لما روى أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت يا رسول الله ادع الله ان يشفيني فقال " ان شئت دعوت الله فشفاك وان شئت فاصبري
ولا حساب عليك قالت اصبر ولا حساب على) ويستحب أن يتداوى لما روى أبو الدرداء ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا
ولا تداووا بالحرام " ويكره أن يتمنى الموت لما روى أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي
وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي}
{الشرح} حديث المرأة التي طلبت رواه البغوي بلفظه من رواية أبي هريرة ورواه البخاري ومسلم
من رواية ابن عباس " ان امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اني امرأة أصرع واني
أنكشف فادع الله لي فقال إن شئت صبرت ولك الجنة وان شئت دعوت الله ان يعافيك فقالت اصبر "
(وأما) حديث أنس فرواه البخاري ومسلم (وأما) حديث أبي الدرداء فرواه أبو داود في سننه في كتاب
الطب باسناد فيه ضعف ولم يضعفه أبو داود وقد قدمنا ان ما لم يضعفه فهو عنده صحيح أو حسن قال أصحابنا
وغيرهم يستحب للمريض ومن به سقم وغيه من عوارض الا بدان أن يصبر وقد تظاهرت دلائل
الكتاب والسنة على فضل الصبر وقد جمعت جملة من ذلك في باب الصبر في أول كتاب رياض
الصالحين ويكفى في فضيلته قوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ويستحب التداوي
لما ذكره المصنف مع غيره من الأحاديث المشهورة في التداوي وان ترك التداوي توكلا فهو فضيلة
ويكره تمني الموت لضر في بدنه أو ضيق في دنياه ونحو ذلك للحديث المذكور ولا يكره لخوف
106

فتنة في دينه ذكره البغوي في شرح السنة وآخرون وهو ظاهر مفهوم من حديث أنس المذكور
وقد جاء عن كثيرين من السلف تمنى الموت للخوف على دينه *
(فرع) في جملة من الأحاديث الواردة في الدواء والتداوي * وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " إن الله لم ينزل داء الا أنزل له شفاء " رواه البخاري وعن جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل " رواه مسلم
وعن أسامة بن شريك قال " اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم
الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الاعراب من ههنا وههنا فقالوا يا رسول الله نتداوي قال تداووا فان
الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم
بأسانيد صحيحة قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن أبي سعيد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال " أن بطن أخي قد استطلق فقال اسقه العسل فاتاه فقال قد سقيته فلم يزده إلا
استطلاقا فقال اسقه عسلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة أو الرابعة صدق الله وكذب
بطن أخيك اسقه عسلا " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " للشونيز عليكم بهذه الحبة السوداء فان فيها شفاء من كل داء الا السام يريد به الموت "
رواه البخاري ومسلم وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الكمأة
من المن وماؤها شفاء للعين " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " التلبينة مجمة فؤاد المريض وتذهب بعض الحزن " رواه البخاري ومسلم التلببنة حساء
من دقيق ويقال له التليين أيضا لأنه يشبه بياض اللبن (وأما) حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى
الله عليه وسلم " لا تكرهوا مرضا كم على الطعام والشراب فان الله يطعمهم ويسقيهم " (فضعيف)
ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما وضعفه ظاهر وادعي الترمذي انه حسن وسنذكر في آخر
باب الأطعمة إن شاء الله تعالى جملا تتعلق بالتداوي ونحوه *
107

* قال المصنف رحمه الله *
{وينبغي أن يكون حسن الظن بالله تعالى لما روى جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله تعالى "} *
{الشرح} حديث جابر رواه مسلم وفيه زيادة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام ومعنى يحسن الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجوا
ذلك ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله سبحانه وتعالي وعفوه ورحمته وما وعد به
أهل التوحيد وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح
" انا عند ظن عبدي بي " هذا هو الصواب في معنى الحديث وهو الذي قاله جمهور العلماء وشذ الخطابي
فذكر معه تأويلا آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه
ومن ساء عمله ساء ظنه وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يعتر به * واتفق أصحابنا وغيرهم على أنه
يستحب للمريض ومن حضرته أسباب الموت ومعاناته أن يكون حسن الظن بالله تعالى بالمعنى الذي
ذكرناه راجيا رحمته وأما في حال الصحة ففيه وجهان لا صحابنا حكاهما القاضي حسين وصاحبه
المتولي وغيرهما (أحدها) يكون خوفه ورجاؤه سواء (والثاني) يكون خوفه أرجح قال القاضي
هذا الثاني هو الصحيح هذا قول القاضي (والأظهر) أن الأول أصح ودليله ظواهر القرآن العزيز
فان الغالب فيه ذكر الترغيب والترهيب مقرونين كقوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
ان الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم فاما من أوتى كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله)
108

ونظائره مشهورة وقال (فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) وقال (لا ييأس من روح الله
الا القوم الكافرون) وقد تتبعت الأحاديث الصحيحة الواردة في الخوف والرجاء وجمعتها في
كتاب رياض الصالحين فوجدت أحاديث الرجاء اضعاف الخوف مع ظهور الرجاء فيها وبالله
التوفيق * ويستحب للحاضر عند المحتضر أن يطمعه في رحمة الله تعالى ويحثه على تحسين ظنه بربه
سبحانه وتعالي وأن يذكر له الآيات والأحاديث في الرجاء وينشطه لذلك ودلائل ما ذكرته كثيرة
في الأحاديث الصحيحة وقد ذكرت منها جملة في كتاب الجنائز من كتاب الأذكار وفعله ابن
عباس لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم عند احتضاره وبعائشة أيضا وفعله ابن عمرو بن العاص
بأبيه وكله في الصحيح
* قال المصنف رحمه الله *
{وتستحب عيادة المريض لما روى البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أمرنا " رسول الله
109

صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض " فان رجاه دعا له والمستحب أن يقول أسأل الله
العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من
عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك
عافاه الله من ذلك المرض " وإن رآه منزولا به فالمستحب أن يلقنه قول لا إله إلا الله لما روى أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقنوا موتا كم لا إله إلا الله "
وروى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله
وجبت له الجنة " ويستحب أن يقرأ عنده سورة يس لما روى معقل بن يسار رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اقرؤا على موتا كم يعني يس " ويستحب أن يضطجع على جنبه "
الأيمن مستقبل القبلة لما روت سلمي أم ولد رافع قالت " قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورضى عنها ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة ثم قامت فاغتسلت كأحسن ما يغتسل
ولبست ثيابا جددا ثم قالت تعلمين اني مقبوضة الآن ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها "} *
{الشرح} حديث البراء رواه البخاري ومسلم وأما حديث أسأل الله العظيم فحديث
صحيح رواه أبو داود والحاكم أبو عبد الله في كتاب الجنائز والترمذي في الطب والنسائي في
اليوم والليلة وغيرهم من رواية ابن عباس قال الترمذي هو حديث حسن وقال الحاكم صحيح
على شرط البخاري وفى رواية أبى داود والترمذي والنسائي يزيد ابن عبد الرحمن بن أبي خالد
الدالاني وهو مختلف في الاحتجاج به ولم يرو له البخاري وينكر على الحاكم كونه قال في روايته
عنه انه على شرط البخاري ولكنه رواه من طريق آخر فيه عبد ربه بن سعيد بدل أبي خالد
110

الدالاني وعبد ربه على شرط البخاري (وأما) حديث أبي سعيد فرواه مسلم من رواية أبي سعيد
ورواه أيضا من رواية أبي هريرة (واما) حديث معاذ فرواه أبو داود باسناد حسن والحاكم في
المستدرك وقال هو صحيح الاسناد ولفظهما دخل الجنة بدل وجبت له الجنة (وأما) حديث معقل فرواه
أبو داود وابن ماجة باسناد فيه مجهولان ولم يضعفه أبو داود (وأما) حديث سلمى فغريب لا ذكر له في
هذه الكتب المعتمدة (وأما) ألفاظ الفصل فالبراء بن عازب ممدود على المشهور وحكى قصره وعازب صحابي
(وقوله) أمرنا أي امر ندب وهذا الحديث بعض حديث طويل مشهور في الصحيحين أمرنا بسبع ونهانا عن
سبع فذكر منها اتباع الجنازة وعيادة المريض (قوله) منزولا به أي قد حضره الموت (وقوله) صلى الله عليه
وسلم لفتوا موتاكم أي من قرب موته وهو من باب تسمية الشئ بما يصير إليه ومنه (اني
أراني أعصر خمرا) ومعقل - بفتح الميم واسكان العين المهملة - وأبوه يسار - بياء ثم سين - ومعقل
من أهل بيعة الرضوان كنيته أبو علي وقيل أبو عبد الله وأبو يسار وسلمى - بفتح السين - وقوله أم ولد
رافع هكذا هو في نسخ المهذب وهو غلط وصوابه أم رافع أو أم ولد أبى رافع وهي سلمى مولاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل مولاة صفية بنت عبد المطلب والصحيح المشهور هو الأول
وكانت سلمى قابلة بني فاطمة وقابلة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي امرأة أبي
رافع مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم ولده (وقولها) ثيابا جددا - هو بضم الدال - جمع جديد
هذا هو المشهور في كتب اللغة وغيرها ويجوز فتح الدال عند محققي العربية وحذاق أهل اللغة
وكذلك الحكم في كل ما كان مشددا من هذا الوزن مما ثانيه وثالثه سواء الأجود ضم ثاني جمعه
ويجوز فتحه كسور وذلك ونظائر هما وقد بسطت القول في تحقيق هذا بشواهده من كلام أهل
العربية واللغة ونقلهم فيه في تهذيب الأسماء واللغات *
وأما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) عيادة
المريض سنة متأكدة والأحاديث الصحيحة مشهورة في ذلك قال صاحب الحاوي وغيره ويستحب
111

ان يعم بعيادته الصديق والعدو ومن يعرفه ومن لا يعرفه لعموم الأحاديث وأما الذي فقد أشار
صاحب الشامل إلى أنه لا يستحب عيادته فقال يستحب عيادة المريض إن كان مسلما وذكر
صاحب المستظهري قول صاحب الشامل ثم قال والصواب عندي ان عيادة الكافر جائزة والقربة
فيها موقوفة على نوع حرمة يقترن بها من جوار أو قرابة وهذا الذي قاله صاحب المستظهري متعين
وقد جزم به الرافعي وفي صحيح البخاري عن انس قال " كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه
وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى ابنه
وهو عنده فقال له اطع أبا القسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي
أنقذه من النار) قال صاحب الحاوي وغيره ينبغي أن تكون العيادة غبا لا يواصلها كل يوم الا أن يكون
مغلوبا قلت هذا لآحاد الناس أما أقارب المريض وأصدقاؤه ونحوهم ممن يأتنس بهم أو يتبرك
بهم أو يشق عليهم إذا لم يروه كل يوم فليواصلوها ما لم ينه أو يعلم كراهة المريض لذلك قال صاحب
الحاوي وغيره وإذا عاده كره إطالة القعود عنده لما فيه من اضجاره والتضييق عليه ومنعه من
بعض تصرفاته ويستحب العيادة من وجع العين برمد أو غيره لحديث زيد بن أرقم قال " عادني
رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني " رواه أبو داود باسناد صحيح والحاكم وقال صحيح
على شرط البخاري ومسلم وممن صرح بالمسألة القاضي أبو الطيب رحمه الله (المسألة الثانية) يستحب
للعائد إذا طمع في حياة المريض ان يدعو له سواء رجا حياته أو كانت محتملة وهذه العبارة أحسن
من قول المصنف ان رجاه وجاء في الدعاء للمريض أحاديث صحيحة كثيرة جمعتها في كتاب الأذكار
(منها) الحديث المذكور في الكتاب وعن أبي سعيد الخدري " ان نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم نزلوا على حي من احياء العرب فلدغ سيدهم فجعل بعض الصحابة يقرأ الفاتحة ويجمع بزاقه
ويتفل فبرأ الرجل " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
112

ينفث على نفسه في المرض الذي توفى فيه بالمعوذات - وفي رواية - قل هو الله أحد وقل أعوذ
برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) رواه البخاري ومسلم وعن أنس أنه قال لثابت
الا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلي قال " اللهم رب الناس مذهب البأس
اشف أنت الشافي لا شافي الا أنت شفاء لا يغادر سقما " رواه البخاري وعن
عثمان بن أبي العاص انه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات
113

أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " رواه مسلم وعن سعد بن أبي وقاص قال عادني النبي
صلى الله عليه وسلم فقال " اللهم أشف سعدا اللهم أشف سعدا اللهم اشف سعدا " رواه مسلم وعن
ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على من يعوده قال " لا بأس طهور إن شاء
الله " رواه البخاري وعن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا محمد
اشتكيت قال نعم قال باسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله
بشفيك باسم الله أرقيك " رواه مسلم (الثالثة) إذا رآه منزولا به قد أيس من حياته استحب أن
114

يلقن قول لا إله إلا الله للحديث المذكور في الكتاب هكذا قال المصنف والجمهور يلقنه لا إله إلا الله
وقال جماعات يلقنه الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله ممن صرح به القاضي أبو الطيب في
تعليقه وصاحب الحاوي وسليم الرازي ونصر المقدسي في الكافي والجرجاني في التحرير والشاشي
في المعتمد وغيرهم ودليلهم أن المقصود تذكر التوحيد وذلك يقف على الشهادتين ودليل الجمهور أن
هذا موحد ويلزم من قوله لا إله إلا الله الاعتراف بالشهادة الأخرى فينبغي الاقتصار على لا إله إلا الله
لظاهر الحديث قال أصحابنا وغيرهم من العلماء وينبغي أن لا يلح عليه في ذلك وان لا يقول له
قل لا إله إلا الله خشية أن يضجر فيقول لا أقول أو يتكلم بغير هذا من الكلام القبيح ولكن
يقولها بحيث يسمعه معرضا له ليفطن فيقولها وقال بعض أصحابنا أو يقول ذكر الله تعالى مبارك
فنذكر الله تعالى جميعا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قالوا وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود
ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر هكذا قال الجمهور لا يزاد على مرة وقال جماعة من أصحابنا يكررها
عليه ثلاثا ولا يزاد على ثلاث ممن صرح بهذا سليم الرازي في الكفاية والمحاملي وصاحب العدة
وغير هم قال أصحابنا وغيرهم ويستحب أن يكون الملقن غير وارث لئلا يتهمه ويخرج من تلقينه
فإن لم يحضره الا الورثة لقنه أشفقهم عليه هكذا قالوه وينبغي أن يقال لا يلقنه من يتهمه لكونه
وارثا أو عدوا أو حاسدا أو نحوهم والله أعلم (الرابعة) يستحب أن يقرأ عند المحتضر سورة يس
115

هكذا قاله أصحابنا واستحب بعض التابعين سورة الرعد أيضا
(الخامسة) يستحب أن يستقبل
به القبلة وهذا مجمع عليه وفى كيفيته المستحبة وجهان (أحدهما) على قفاه واخمصاه إلى القبلة ويرفع
رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة حكاه جماعات من الخراسانيين وصاحبا الحاوي والمستظهري
من العراقيين وقطع به الشيخ أبو محمد الجويني والغزالي وغيرهما قال امام الحرمين وعليه عمل الناس
(والوجه الثاني) وهو الصحيح المنصوص للشافعي في البويطي وبه قطع جماهير العراقيين وهو
الأصح عند الأكثرين من غيرهم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة يضجع على جنبه الأيمن مستقبل
القبلة كالموضوع في اللحد فإن لم يمكن لضيق المكان أو غيره فعلى جنبه الأيسر إلى القبلة فإن لم
يمكن فعلى ففاه والله أعلم * واحتج للمسألة الحاكم والبيهقي بحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله
116

عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه فقالوا توفى وأوصي بثلثه لك
يا رسول الله وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب الفطرة
وقد رددت ثلاثة على ولده ثم ذهب فصلي عليه وقال اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك
وقد فعلت " قال الحاكم هذا حديث صحيح قال ولا اعلم في توجيه المختضر إلى القبلة غيره *
(فرع) يستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر على ما يشق من أمره
وكذلك من قرب موته يسبب حد أو قصاص ونحوهما ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك
لحديث عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا
فقالت يا رسول الله أصبت حدا فأقمه على فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها
فإذا وضعت فاتني بها ففعل فامر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها
فرجمت ثم صلي عليها) *
117

(فرع) يستحب طلب الموت في بلد شريف لحديث حفصة رضي الله عنها قالت " قال عمر
رضي الله عنه اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم فقلت
اني يكون هذا فقال يأتيني به الله إذا شاء " رواه البخاري *
(فرع) ويستحب ان لا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام *
(فرع) يستحب طلب الدعاء من المريض لحديث عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فان دعاءه كدعاء الملائكة "
رواه ابن ماجة باسناد صحيح *
(فرع) يستحب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى عليه من
التوبة وغيرها من الخير وينبغي له هو المحافظة على ذلك قال الله تعالى (وأوفوا بالعهد ان
العهد كان مسؤولا) *
(فرع) ينبغي للمريض ان يحرص على تحسين خلقه وان يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور
الدنيا وان يستحضر في ذهنه ان هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وان يستحل زوجته
وأولاده وسائر أهله وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة أو تعلق
ويرضيهم وان يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت وان
118

يحافظ على الصلوات واجتناب النجاسة وغيرهما من وظائف الدين ولا يقبل قول من يخذله
عن ذلك فان هذا مما يبتلي به وهذا المخذل هو الصديق الجاهل العدو الخفي وان يوصى أهله
بالصبر عليه وبترك النوح عليه وكذا اكثار البكاء ويوصيهم بترك ما جرت العادة به
من البدع في الجنائز ويتعاهده بالدعاء له وبالله التوفيق *
* قال المصنف رحمه الله *
{فإذا مات تولى أرفقهم به اغماض عينيه لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت " دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة فأغمض بصره ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر ولأنها
119

إذا لم تغمض بقيت مفتوحة فيفتح منظره ويشد لحييه بعصابة عريضة تجمع جميع لحييه يشد العصابة
على رأسه لأنه إذا لم يفعل ذلك استرخي لحيه وانفتح فمه فقبح منظره وربما دخل إلى فيه شئ من
الهوام وتلين مفاصله لأنه أسهل في الغسل ولأنها تبقي جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لان الثياب
تحمي الجسم فيسرع إليه التغير والفساد ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره
ويجعل على بطنه حديدة لما روى أن مولي أنس مات فقال أنس رضي الله عنه " ضعوا على بطنه
حديدة " لأنه ينتفخ فإن لم يمكن حديدة جعل عليه طين رطب ويسجى بثوب لما روت عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم " سجى بثوب حبرة " ويسارع إلى قضاء دينه والتوصل إلى
120

ابرائه منه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس المؤمن
معلقة بدينه حتى يقضى " ويبادر إلى تجهيزه لما روى علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " ثلاث لا تؤخر وهن الصلاة والجنازة والأيم إذا وجدت كفؤا " فان مات فجأة
ترك حتى يتيقن موته} *
{الشرح} حديث أم سلمة رواه مسلم وحديث مولي أنس رواه البيهقي وحديث عائشة
رواه البخاري ومسلم وحديث أبي هريرة رواه الترمذي وابن ماجة باسناد صحيح أو حسن قال
الترمذي هو حديث حسن وحديث على رواه الترمذي في آخر كتاب الجنائز والبيهقي في كتاب
النكاح وأشار إلى تضعيفه ويقال اغمض عينيه وغمضها - بتشديد الميم - وفى الروح لغتان التذكير
والتأنيث
(وقوله) يسجى أي يغطى وقوله بثوب حبرة هو بإضافة ثوب إلى حبرة وهي - بكسر الحاء
وفتح الباء - نوع من البرد (قوله) صلى الله عليه وسلم " نفس المؤمن " قال الأزهري في تفسير هذا الحديث
121

نفس الانسان لها ثلاثة معان (أحدها) بدنه قال الله تعالى (النفس بالنفس) (الثاني) الدم في جسد
الحيوان (الثالث) الروح الذي إذا فارق البدن لم يكن بعده حياة قال وهو المراد بالنفس في هذا
الحديث قال كأن نفس المؤمن تعذب بما عليه من الدين حتى يؤدى هكذا قاله الأزهري والمختار
ان معناه ان نفسه مطالبة بما عليه ومحبوسة عن مقامها الكريم حتى يقضى لا انه يعذب لا سيما إن كان
خلفه وفاء وأوصى به (وقوله) الأيم هي التي لا زوج لها بكرا كانت أم ثيبا (وقوله) فجأة أي بغتة
من غير مرض ولا نزع ونحوه وفيها لغتان (أفصحهما وأشهرهما) - بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد - والثانية
122

فجأة - بفتح الفاء واسكان الجيم - * أما الأحكام فقال الأصحاب يستحب إذا مات ان يغمض عيناه
وتشد لحياه بعصابة عريضة تجمعهما ثم بربط فوق رأسه ويلين مفاصله فيمد ساعده إلى عضده
ثم يرده ويرد ساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ويردهما ويلين أصابعه ويخلع ثيابه التي مات فيها بحيث
لا يرى بدنه ثم يستر جميع بدنه بثوب خفيف ولا يجمع عليه اطباق الثياب ويجعل طرف هذا
الثوب تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف ويوضع على شئ مرتفع كسرير ولوح
ونحوهما ويوضع على بطنه شئ ثقيل كسيف أو مرآة أو غيرهما من الحديد فان عدم فطين رطب
ولا يجعل عليه مصحف ويستقبل به القبلة كالمحتضر ويتولى هذه الأمور ارفق محارمه بأسهل ما يقدر
عليه قال صاحب الحاوي وغيره ويتولاها الرجل من الرجل والمرأة من المرأة فان تولاه أجنبي
أو محرم من النساء أو تولاها أجنبية أو محرم من الرجال جاز ويسارع إلى قضاء دينه والتوصل
إلى إبرائه منه هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وقال الشيخ أبو حامد إن كان للميت دراهم
أو دنانير قضى الدين منها وإن كان عقارا أو غيره مما يباع سأل غرماءه ان يحتالوا عليه ليصير
123

الدين في ذمة وليه وتبرأ ذمة الميت هذا لفظ الشيخ أبي حامد ونحوه في المجموع والتجريد للمحاملي
والعدة للطبري وغيرها من كتب أصحابنا وقال الشافعي في الام في آخر باب القول عند الدفن إن كان
الدين يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه وارضاؤهم منه بأي وجه كان هذا
نصه وهو نحو ما قاله أبو حامد ومتابعوه وفيه اشكال لان ظاهره انه بمجرد تراضيهم على مصيره
في ذمة الولي يبرأ الميت ومعلوم ان الحوالة لا تصح الا برضاء المحيل والمحتال وإن كان ضمانا فكيف
يبرأ المضمون عنه ثم يطالب الضامن وفى حديث أبي قتادة لما ضمن الدين عن الميت ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " الآن بردت جلدته " حين وفاه لا حين ضمنه ويحتمل ان الشافعي والأصحاب
رأوا هذه الحوالة جائزة مبرئة للميت في الحال للحاجة والمصلحة والله أعلم
* قال الأصحاب ويبادر
أيضا بتنفيذ وصيته وبتجهيزه قال الشافعي في الام أحب المبادرة في جميع أمور الجنازة فان مات
124

فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكتة ولم يمت بل يترك حتى يتحقق موته وذكر الشافعي
والأصحاب للموت علامات وهي أن تسترخي قدماه وينفصل زنداه ويميل أنفه وتمتد جلدة وجهه
زاد الأصحاب وان ينخسف صدغاه وزاد جماعة منهم وتتقلص خصياه مع تدلي الجلدة فإذا ظهر
هذا علم موته فيبادر حينئذ إلى تجهيزه قال الشافعي فأما إذا مات مصعوقا أو غريقا أو حريقا أو
خاف من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو في بئر فمات فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته قال
الشافعي فيترك اليوم واليومين والثلاثة حتى يخشى فساده لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه
أو غلب المرار عليه قال الشيخ أبو حامد هذا الذي قاله الشافعي صحيح فإذا مات من هذه الأسباب
125

أو أمثالها يجوز أن يبادر به ويجب تركه والتأني به اليوم واليومين والثلاثة لئلا يكون مغمى
عليه أو غيره مما قاله الشافعي ولا يجوز دفنه حتى يتحقق موته هذا آخر كلام أبي حامد في تعليقه
قال غيره تحقق الموت يكون بتغير الرائحة وغيره والله أعلم *
(فرع) لم أر لأصحابنا كلاما فيما يقال حال اغماض الميت ويستحسن ما رواه البيهقي باسناد
صحيح في السنن الكبير عن بكر بن عبد الله المزني التابعي الجليل رحمه الله قال إذا أغمضت الميت
فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله وإذا حملته فقل باسم الله ثم تسبح ما دمت تحمله *
(فرع) يستحب للناس أن يقولوا عند الميت خيرا وأن يدعوا له لحديث أم سلمة رضي الله عنها
قالت " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن
الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم الا بخير فان الملائكة
يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في
126

الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه " رواه مسلم (قولها) شق بصره
هو - بفتح الشين - وبصره برفع الراء هكذا الرواية فيه باتفاق الحفاظ وأهل الضبط قال صاحب
الافعال يقال شق بصر الميت وشق الميت بصره إذا شخص *
(فرع) فيما يقال عند الميت وما يقوله من مات له قريب أو صاحب عن أم سلمة قالت " قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فان الملائكة يؤمنون
على ما تقولون قالت فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أن أبا سلمه
قد مات قال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة فقلت فأعقبني الله من هو لي خير
منه محمد صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم هكذا المريض أو الميت على الشك وهو في سنن أبي داود
وغيره الميت من غير شك وعنها قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد
تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وانا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا
آجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها قالت فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم فاخلف الله تعالى لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم وعن أبي
موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى
لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي
فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " رواه الترمذي
وقال حديث حسن وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه قال " يقول الله تعالى ما لعبدي
المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلى الجنة " رواه البخاري
(فرع) يجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه ثبتت فيه الأحاديث وصرح به الدارمي
في الاستذكار والسرخسي في الأمالي *
127

(فرع) قد ذكرنا فيما سبق انه يستحب للمريض الصبر قال أصحابنا ويكره له كثرة الشكوى
فلو سأله طبيب أو قريب له أو صديق أو نحوهم عن حاله فأخبره بالشدة التي هو فيها لا على صورة
الجزع فلا بأس قال المتولي ويكره له التأوه والأنين وكذا قال القاضي أبو الطيب وصاحب الشامل
وغيرهما من أصحابنا انه يكره له الأنين لان طاوسا رحمه الله كرهه وهذا الذي قالوه من الكراهة
ضعيف أو باطل فان المكروه هو الذي ثبت فيه نهى مقصود ولم يثبت في هذا نهى بل في صحيح
البخاري عن القاسم قال " قالت عائشة وا رأساه فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وا رأساه "
فالصواب انه لا كراهة فيه ولكن الاشتغال بالتسبيح ونحوه أولى فلعلهم أرادوا بالمكروه هذا
* {باب غسل الميت} *
* قال المصنف رحمه الله *
{وغسله فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن بعيره اغسلوه بماء وسدر}
{الشرح} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم في رواية ابن عباس رضي الله عنهما وغسل
الميت فرض كفاية باجماع المسلمين ومعني فرض الكفاية انه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج
عن الباقين وان تركوه كلهم اثموا كلهم واعلم أن غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض
كفاية بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله *
128

{فإن كان الميت رجلا لا زوجة له فأولى الناس بغسله الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن
ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم لأنهم أحق بالصلاة عليه فكانوا أحق بغسله فإن كان له زوجة جاز لها
غسله لما روت عائشة رضي الله عنها ان أبا بكر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله "
وهل يقدم على العصبات فيه وجهان (أحدهما) أنها تقدم لأنها تنظر منه إلى مالا ينظر العصبات وهو
ما بين السرة والركبة (والثاني) يقدم العصبات لأنهم أحق بالصلاة عليه} *
{الشرح} حديث عائشة هذا ضعيف رواه البيهقي من رواية محمد بن عمر الواقدي وهو
ضعيف باتفاقهم قال البيهقي ورواية الواقدي وإن كان ضعيفا فله شواهد مراسيل قلت ورواه
مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أسماء بنت عميس أنها غسلت
أبا بكر حين توفى فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت أنى صائمة وان هذا يوم شديد البرد
129

فهل على من غسل فقالوا لا وهذا الاسناد منقطع وعميس - بعين مهملة مضمومة ثم ميم مفتوحة ثم
مثناة من تحت ساكنة ثم سين مهملة - وكانت أسماء من السابقات إلى الاسلام أسلمت قديما بمكة
قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم قال أصحابنا الأصل في غسل الميت أن يغسل
الرجال الرجال والنساء النساء فإن كان الميت رجلا فأولى الناس به أولاهم بالصلاة عليه وزوجته
فإن لم يكن زوجة فأولاهم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن
العم ثم عم الأب ثم ابنه ثم عم الجد ثم ابنه ثم عم أبي الجد ثم ابنه وعلى هذا الترتيب وإن كان له
زوجة جاز لها غسله بلا خلاف عندنا وبه قالت الأئمة كلها الا رواية عن أحمد وهل تقدم على رجال
العصبات فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران (أصحهما) عند الأكثرين لا يقدم
بل يقدم رجال العصبات ثم الرجال الأقارب ثم الأجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم وبهذا قطع
المصنف في التنبيه والجرجاني في التحرير (والثاني) تقدم الزوجة عليهم وصححه البندنيجي وفي المسألة
وجه ثالث ذكره السرخسي في الأمالي وغيره من الأصحاب انه يقدم الرجال الأقارب ثم الزوجة ثم
الرجال الأجانب ثم النساء المحارم والى متي تغسل زوجها فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو الطيب والبغوي
والمتولي وآخرون أصحها) تغسله أبدا وان انقضت عدتها بوضع الحمل في الحال وتزوجت لأنه حق ثبت
لها فلا يسقط بشئ من ذلك كالميراث وبهذا قطع الغزالي في كتاب العدة وغيره من الأصحاب
130

وهو مقتضى اطلاق المصنف والأكثرين وصححه الرافعي وغيره (والثاني) لها غسله ما لم تتزوج
وان انقضت عدتها لأنها بالزواج صارت صالحة لغسل الثاني لو مات ولا يجوز أن تكون غاسلة
لزوجين في وقت واحد (والثالث) لها غسله ما لم تنقض العدة لان بانقضاء العدة تنقطع علائق النكاح
ولو كان له زوجتان فأكثر وتنازعن في غسله أقرع بينهن بلا خلاف وكذا لو مات له زوجات
في وقت بهدم أو غرق أو غيره أقرع بينهن فمن خرجت قرعتها غسلها أولا ذكره صاحبا التتمة
والعدة وغيرهما *
(فرع) لم يذكر المصنف النساء المحارم وقد ذكرهن المصنف في التنبيه وسائر الأصحاب
فقالوا يجوز للنساء المحارم غسله وهن مؤخرات عن الرجال الأقارب والأجانب والزوج لأنهن
في حقه كالرجال *
131

(فرع) ذكر المصنف ان دليل غسل الزوجة زوجها قضية أسماء وذكرنا انه حديث ضعيف
فالصواب الاحتجاج بالاجماع فقد نقل ابن المنذر في كتابيه الاشراق وكتاب الاجماع ان الأمة
أجمعت ان للمرأة غسل زوجها وكذا نقل الاجماع غيره (وأما) الرواية التي نقلها صاحب الشامل
وغيره عن أحمد أنها ليس لها غسل فان ثبتت عنه فهو محجوج بالاجماع قبله *
* قال المصنف رحمه الله *
{فان ماتت امرأة ولم يكن لها زوج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير
محرم ثم الأجنبية فإن لم يكن نساء غسلها الأقرب فالأقرب من الرجال على ما ذكرنا فإن كان لها
زوج جاز له غسلها لما روت عائشة قالت " رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني
132

وأنا أجد صداعا وأقول وا رأساه فقال بل أنا يا عائشة وا رأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلي لغسلتك
وكفنتك وصليت عليك ودفنتك " وهل يقدم على النساء فيه وجهان (أحدهما) يقدم لأنه ينظر إلى مالا
ينظر النساء منها (والثاني) يقدم النساء على الترتيب الذي ذكرناه فإن لم يكن نساء فأولى الأقرباء
بالصلاة فإن لم يكن فالزوج وان طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحدهما قبل الرجعة لم يكن للآخر
غسله لأنها محرمة علية تحريم المبتوتة)
{الشرح} حديث عائشة رواه أحمد بن حنبل والدارمي وابن ماجة والدارقطني
والبيهقي وغيرهم باسناد ضعيف فيه محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن يعقوب بن عتبة
ومحمد بن إسحاق مدلس وإذا قال المدلس عن لا يحتج به ووقع في المهذب " لومت قبلي لغسلتك "
باللام والذي رأيته في كتب الحديث " فغسلتك " بالفاء ويقال مت - بضم الميم وكسرها - لغتان
133

مشهورتان والبقيع بالباء في أوله وهو بقيع الغرقد مدفن أهل المدينة * أما الأحكام ففي الفصل مسائل
(إحداها) إذا ماتت امرأة ليس لها زوج غسلها النساء ذوات الأرحام المحارم كالأم والبنت وبنت
الابن وبنت البنت والأخت والعمة والخالة وأشباههن ثم ذوات الأرحام غير المحارم كبنت العم
وبنت العمة وبنت الخال وبنت الخالة يقدم أقربهن فأقربهن قال الشيخ أبو حامد وغيره وبعد
هؤلاء يقدم ذوات الولاء فإن لم يكن فالأجنبيات ويرد على المصنف اهماله ذوات الولاء قال البغوي
وغيره فان اجتمع امرأتان كل واحدة ذات رحم محرم فأولاهما من هي في محل العصوبة لو كانت
ذكرا فتقدم العمة على الخالة فإن لم يكن نساء أصلا غسلها الأقرب فالأقرب من رجال المحارم على
ما سبق فيما إذا مات رجل فيقدم الأب ثم الجد ثم الابن علي الترتيب السابق وفى كلام المصنف
اشكال فإنه يوهم أنه يقدم في غسلها كل من يقدم في غسل الرجل من الرجال فيدخل في ذلك
134

ابن العم ولا خلاف أنه لا حق له في غسلها فإنه ليس محرما وإن كان له حق في الصلاة فمراده الأقرب
فالأقرب من الرجال المحارم ولقد أحسن صاحب العدة وصاحب البيان في مشكلات المهذب وغيرهما
فرتبه على أن ابن العم لا يجوز له غسلها بل هو كالأجنبي وإن كان الأكثرون قد أهملوا بيانه والله أعلم
(الثانية) يجوز للزوج غسل زوجته بلا خلاف عندنا وسنوضح دليله في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله
تعالى وهل يقدم على النساء فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران (أصحهما)
عند الأصحاب أن النساء يقدمن عليه ونقله الرافعي (والثاني) يقدم عليهن وصححه البندنيجي
ودليله في الكتاب وهل يقدم الزوج على الرجال المحارم فيه وجهان مشهوران (أصحهما) بالاتفاق
يقدم الزوج عليهم صححه المحاملي والبندنيجي والسرخسي والرافعي وآخرون ونقله صاحب الحاوي
عن أكثر أصحابنا وقطع المصنف في التنبيه والشيخ أبو محمد الجويني وغيره من أصحاب القفال
بتقديم الزوج على الرجال المحارم وتأخيره عن النساء فيحصل في المسألتين ثلاثة أوجه (أحدها)
يقدم الزوج على الرجال والنساء (والثاني) يقدم النساء والمحارم من الرجال عليه (والثالث) وهو
135

الأصح يقدم على الرجال ويؤخر عن النساء كما قطع به المصنف في التنبيه وموافقوه (المسألة الثالثة)
إذا طلق زوجته بائنا أو رجعيا أو فسخ نكاحها ثم مات أحدهما في العدة لم يجز للآخر غسله لما ذكره
المصنف وإنما قاسه على البائن لان أبا حنيفة خالف في الرجعية ووافق في البائن ووافقه احمد وعن
مالك روايتان كالمذهبين واتفقوا على أنه لا يغسل البائن *
(فرع) له غسل زوجته مسلمة كانت أو كتابية
(فرع) لو ماتت امرأته فتزوج أختها أو أربعا سواها جاز له غسلها على المذهب وهو مقتضي
اطلاق المصنف والجمهور وذكر الرافعي فيه وجهين (أصحهما) جوازه (والثاني) منعه لان أختها
أو الأربع لو متن في الحال لغسلهن فلو جوزنا غسل هذه لزم منه جواز غسل امرأة وأختها في وقت واحد بالزوجية
136

(فرع) ظاهر كلام الغزالي وبعضهم أن الرجال المحارم لهم الغسل مع وجود النساء قال
الرافعي ولكن لم أر لعامة الأصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمون في الترتيب ويقولون
المحارم بعد النساء *
(فرع) قال أصحابنا للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده ومكاتبته ولا خلاف في هذا لأنها
مملوكة له فأشبهت الزوجة بل هذه أولي فإنه يملك الرقبة والبضع جميعا (فان) قيل فالمكاتبة لا يملك
بضعها (قلنا) بالموت تنفسخ الكتابة فيعود البضع كما كان قبل الكتابة وأما من كانت من هؤلاء
المذكورات مزوجة أو معتدة أو مستبرأة فلا يجوز له غسلها بالا تفاق لأنه لا يستبيح بضعها وهل يجوز
للأمة والمدبرة والمستولدة غسل السيد فيه وجهان مشهوران وقد ذكرهما المصنف بعد هذا (أصحهما)
137

لا يجوز لأنها بالموت صارت لغيره أو حرة (والثاني) جوازه كعكسه واما المكاتبة والمزوجة والمعتدة
والمستبرأة فلا يجوز لهن غسله بلا خلاف كعكسه صرح به البغوي وغيره *
(فرع) إذا غسل أحد الزوجين الآخر فينبغي ان يلف على يده خرقة ليلا يمس بشرته فإن لم
يلف قال القاضي حسين ومتابعوه يصح الغسل بلا خلاف ولا يبني على الخلاف في انتقاض طهر
الملموس لان الشرع اذن له مع مسيس الحاجة إليه (واما) اللامس فقطع القاضي بانتقاضه وفيه وجه
ضعيف سبق في باب ما ينقض الوضوء *
138

(فرع) قال أصحابنا يشترط فيمن نقدمه في الغسل شرطان (أحدهما) كونه مسلما إن كان المغسول
مسلما فلو كان المحكوم بتقديم درجته كافرا فهو كالمعدوم ونقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي
على القريب الكافر (الثاني) ان لا يكون قاتلا قال المتولي وآخرون إذا قتل قريبه فليس له حق في
غسله ولا الصلاة عليه ولا في دفنه لأنه غير وارث ولأنه لم يرع حق القرابة بل بالغ في قطع
الرحم هذا إذا قتله ظلما فان قتله بحق قال المتولي وآخرون فيه وجهان بناء على ارثه ان ورثناه
ثبت له حق الغسل وغيره والا فلا *
(فرع) لو ترك المقدم في الغسل حقه وسلمه لمن بعده فللذي بعده تعاطيه بشرط اتحاد الجنس
فليس للرجال ان يتركوه كلهم ويفوضوه إلى النساء إذا كان الميت رجلا وكذا ليس لهن تفويضه إلى
الرجال إذا كانت الميتة امرأة هكذا ذكره الشيخ أبو محمد الجويني ونقله عنه امام الحرمين في النهاية
وجزم به الرافعي وآخرون وقال امام الحرمين عندي في جواز تفويض المقدم إلى غيره احتمالان *
(فرع) قال الشيخ أبو حامد في تعليقه مذهبنا أن المرأة إذا ماتت كان حكم نظر الزوج إليها بغير
شهوة باقيا وزال حكم نظره بشهوة ثم قال بعده (فان قيل) قلتم فرقة الطلاق ينقطع بها حكم النظر
ولا ينقطع بفرقة الموت فما الفرق (قلنا) من وجهين (أحدهما) ان فرقة الطلاق برضاهما أو برضاه وفرقة
الموت بغير اختيارهما (والثاني) ان زوال الملك بالموت يبقى من اثاره ما لا يبقى إذا زال في الحياة
139

ولهذا لو قال إذا بعت عبدي فقد أوصيت به لفلان فباعه لم تصح الوصية ولو قال إذا مت
فعبدي موصى به لفلان صحت الوصية ويؤيده ان فرقة الطلاق تمنع الإرث بخلاف فرقة الموت
هذا آخر كلام أبى حامد وكأن حقيقة الفرق الأول أن الحاجة تدعو إلى النظر بعد الموت
للغسل ونحوه ولا يعد واحد منهما مقصرا في هذه الفرقة بخلاف الفرقة في الحياة *
* قال المصنف رحمه الله *
{وان مات رجل وليس هناك الا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة وليس هناك الا رجل أجنبي
ففيه وجهان (أحدهما) تيمم والثاني يستر بثوب ويجعل الغاسل على يده خرقة ثم يغسله وان مات
كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لان للكافر عليه ولاية فإن لم يكن له أقارب
من الكفار جاز لأقاربه من المسلمين غسله لان النبي صلى الله عليه وسلم " أمر عليا رضي الله
عنه ان يغسل أباه " وان ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها لان النكاح كالنسب
في الغسل وان مات الزوج قال في الام كرهت لها ان تغسله فان غسلته أجزأ لان
القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغسلها وان ماتت أم ولد كان للسيد غسلها لأنه يجوز له غسلها
140

في حال الحياة فجاز له غسلها بعد الموت كالزوجة وان مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وجهان
قال أبو علي الطبري لا يجوز لأنها عتقت بموته فصارت أجنبية والثاني يجوز لأنه لما جاز له غسلها
جاز لها غسله كالزوجة} *
{الشرح} فيه مسائل (إحداها) إذا مات رجل وليس هناك الا امرأة أجنبية أو امرأة وليس
هناك الا رجل أجنبي ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) عند الجمهور ييمم ولا يغسل وبهذا قطع المصلح
في التنبيه والمحاملي في المقنع والبغوي في شرح السنة وغيرهم وصححه الرواياتي والرفعي وآخرون
ونقله الشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وصاحب العدة وآخرون عن أكثر أصحابنا أصحاب
الوجوه ونقله الدارمي عن نص الشافعي واختاره ابن المنذر لأنه تعذر غسله شرعا بسبب اللمس
والنظر فييمم كما لو تعذر حسا (والثاني) يجب غسله من فوق ثوب ويلف الغاسل على يده خرقة
ويغض طرفه ما أمكنه فان اضطر إلى النظر نظر قدر الضرورة صرح به البغوي والرافعي وغيرهما
كما يجوز النظر إلى عورتها للمداواة وبهذا قال القفال ونقله السرخسي عن أبي طاهر الزيادي من
أصحابنا ونقله صاحب الحاوي عن نص الشافعي وصححه صاحب الحاوي والدارمي وامام الحرمين
141

والغزالي لان الغسل واجب وهو ممكن بما ذكرناه فلا يترك (والثالث) لا يغسل ولا ييمم بل يدفن
بحاله حكاه صاحب البيان وغيره وهو ضعيف جدا بل باطل (الثانية) لا يجب على المسلمين ولا غيرهم
غسل الكافر بلا خلاف سواء كان ذميا أم غيره لأنه ليس من أهل العبادة ولا من أهل التطهير
ويجوز للمسلمين وغيرهم غسله وأقاربه الكفار أحق به من أقاربه المسلمين واما تكفينه ودفنه فإن كان
ذميا ففي وجوبهما على المسلمين إذا لم يكن له مال وجهان حكاهما امام الحرمين ومتابعوه والبغوي
وآخرون (أصحهما) الوجوب وفاء بذمته كما يجب اطعامه وكسوته في حياته وهذا الوجه قول الشيخ
142

أبي محمد الجويني واختاره القاضي حسين (والثاني) وهو الذي نقله القاضي حسين عن الأصحاب
لا يجبان بل يندبان وإن كان حربيا أو مرتدا لم يجب تكفينه بلا خلاف ولا يجب دفنه على المذهب
وبه قطع الأكثرون بل يجوز اغراء الكلاب عليه هكذا صرح به البغوي والرافعي وغيرهما لكن
يجوز دفنه لئلا يتأذى الناس برائحته وقيل في وجوبه وجهان واما قول المصنف فإن لم يكن له أقارب
من الكفار جاز لأقاربه من المسلمين غسله فيوهم انه لا يجوز للمسلمين غسله مع وجود أقاربه
الكفار وليس هذا مراده وإنما مراده ما صرح به الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه
143

والبندنيجي والقاضي حسين وخلائق من الأصحاب ان الكافر إذا مات وتنازع في غسله أقاربه
الكفار وأقاربه المسلمون فالكفار أحق فإن لم يكن له قرابة من الكفار أو كانوا وتركوا حقهم
من غسله جاز لقريبه المسلم ولغير قريبه من المسلمين غسله وتكفينه ودفنه
(وأما) الصلاة على الكافر
والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والاجماع وقد ذكر المصنف مسألة الصلاة في آخر باب
الصلاة على الميت قال الشافعي في مختصر المزني والأصحاب ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر
وأما زيارة قبره (فالصواب) جوازها وبه قطع الأكثرون وقال صاحب الحاوي لا يجوز وهذا غلط
لحديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنت ربى أن أستغفر لأمي فلم
يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فاذن لي " رواه مسلم وزاد في رواية له فزوروا القبور فإنها
تذكر الموت (وأما) حديث على المذكور في الكتاب في غسله أباه فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما
وهو ضعيف ضعفه البيهقي (المسألة الثالثة) إذا ماتت ذمية جاز لزوجها المسلم غسلها وكذا لسيدها
144

ان لم تكن مزوجة ولا معتدة ولا مستبرأة فان مات زوجها المسلم فغسلته فهو مكروه كما نص عليه
الشافعي وفى صحته طريقان (المذهب) والمنصوص وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين صحته (والثاني)
في صحته قولان (المنصوص) جوازه وصحته (والمخرج) بطلانه حكاه الخراسانيون بناء على اشتراط
نية الغاسل قالوا نص الشافعي ان غسل الكافر للمسلم صحيح ولا يجب على المسلمين اعادته ونص
في الغريق أنه يجب إعادة غسله ولا يكفي انغساله بالغرق وممن نقل النص من العراقيين في الغرق
صاحب الشامل فجعل الخراسانيون المسألة على طريقين (أحدهما) ان في الاكتفاء بغسل الكافر
وانغسال الغريق قولين بالنقل والتخريج (والثاني) وهو المذهب عندهم وبه قطع العراقيون يكفي
غسل الكافر دون الغرق والفرق بأنه لابد في الغسل من فعل آدمي وقد وجد في الكافر دون
الغرق هذا هو الفرق المعتمد وبه فرق الماوردي والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وسائر
145

الأصحاب (وأما) قول المصنف لان القصد منه التنظيف فضعيف لأنه ينتقض بالغرق قال الدارمي
قال الشافعي ولو مات رجل وهناك نساء مسلمات ورجال كفار أمرن الكفار بغسله وصلين
عليه وهذا تفريع على المذهب في صحة غسل الكافر
(الرابعة) إذا ماتت أم الولد فلسيدها غسلها
بلا خلاف لما ذكره المصنف وسواء كانت مسلمة أو كافرة لكن بشرط أن لا تكون مزوجة ولا
معتدة وقد سبق بيان هذا وهل لها غسل سيدها فيه وجهان ذكرهما المصنف وسبقا (أصحهما)
لا يجوز وبه قال أبو علي الطبري وبه قطع صاحب الحاوي والدارمي وصححه البغوي والرافعي
والأكثرون وفرقوا بينها وبين الزوجة بأنها بالموت صارت حرة (والثاني) يجوز وصححه القاضي
أبو الطيب في تعليقه وأبو محمد الجويني ونصر المقدس وقطع به الجرجاني في التحرير والوجهان جاريان
في غسل الأمة القنة والمدبرة سيدها لكن الصحيح هنا عند جميع الأصحاب انه لا يجوز لها
146

غسله لأنها صارت للوارث وبه قطع أبو محمد الحويني وصاحب الحاوي وآخرون الا القفال فشذ عن
الأصحاب فقال في شرح التلخيص الصحيح عندي أن لها غسله *
(فرع) إذا مات الخنثى المشكل فإن كان هناك محرم له من الرجال أو النساء غسله بالاتفاق
وان لم يكن له محرم منهما فإن كان الخنثى صغيرا جاز للرجال والنساء جميعا غسله بالاتفاق كما
147

سنذكره في الصغير الواضح وإن كان كبيرا ففيه طريقان (أصحهما) وبه قطع صاحب الشامل
والجمهور وصححه المتولي والشاشي وآخرون انه على الوجهين فيما إذا مات رجل وليس عنده الا امرأة
أجنبية (أحدهما) ييمم قال صاحب الحاوي وهو قول أبى عبد الله الزبيري (وأصحهما) هنا
باتفاق الأصحاب يغسل فوق ثوب (والطريق الثاني) وهو الذي اختاره الماوردي أنه يغسله
أوثق من يحضره من الرجال أو النساء فإذا قلنا بالمذهب أنه يغسل ففيمن يغسله أوجه (أصحها)
وبه قال أبو زيد المروزي وغيره وصححه امام الحرمين والمتولي والبغوي والشاشي وآخرون وقطع
به صاحب الشامل وآخرون أنه يجوز للرجال والنساء جميعا غسله فوق ثوب ويحتاط الغاسل في
غض البصر والمس واستدلوا له بأنه موضع ضرورة وبأنه يستحب له حكم ما كان في الصغر (والثاني)
انه في حق الرجال كالمرأة وفى حق النساء كالرجل اخذا بالأحوط (والثالث) وهو مشهور يشترى
من تركته جارية لتغسله فإن لم يكن له تركه اشتريت من بيت المال واتفقوا على تضعيف هذا الوجه
قالوا لان اثبات الملك ابتداء بعد الموت مستبعد قال أبو زيد هو باطل لا أصل له ولو ثبت فالأصح
أن الأمة لا يجوز لها غسل سيدها فلا فائدة في شرائها قال الرافعي وغيره وليس المراد بالكبير
148

البالغ ولا بالصغير من دونه بل المراد بالصغير من لم يبلغ حدا يشتهي مثله وبالكبير من بلغه *
(فرع) قال المتولي وصاحب البيان وخلائق من الأصحاب بل كلهم إذا مات صبي أو صبية
لم يبلغا حدا يشتهيان جاز للرجال والنساء جميعا غسله فان بلغت الصبية حدا يشتهى فيه لم يغسلها
الا النساء وكذا الغلام إذا بلغ حدا يجامع ألحق بالرجال *
(فرع) في مذاهب العلماء في غسل أحد الزوجين صاحبه * نقل ابن المنذر في كتابيه الاجماع
والاشراف والعبد رى وآخرون اجماع المسلمين ان للمرأة غسل زوجها وقد قدمنا رواية عن أحمد
بمنعه وأما غسله زوجته فجائز عندنا وعند جمهور العلماء حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد
وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان
149

ومالك والأوزاعي واحمد واسحق وهو مذهب عطاء وداود وابن المنذر * وقال أبو حنيفة والثوري
ليس له غسلها وهو رواية عن الأوزاعي * واحتج لهم بان الزوجية زالت فأشبه المطلقة البائن * واحتج
150

أصحابنا بحديث عائشة وهو ضعيف كما سبق والمعتمد على القياس على غسلها له (فان قيل) الفرق
ان علائق النكاح فيها باقيه وهي العدة بخلاف الزوج (قلنا) لا اعتبار بالعدة فانا اجمعنا على أنه لو طلقها
طلاقا بائنا ثم مات وهي في العدة لا يجوز لها غسله مع بقاء العلائق هكذا فرق الشافعي في الام
والأصحاب قال امام الحرمين في الأساليب تعلقهم بأنها لا تغسله تبعا للعدة لا يتحصل منه شئ
لأن هذه العدة واقعة بعد النكاح قطعا فاعتبارها خطأ صريح
(فرع) في مذاهبهم في غسل الرجل أمه وبنته وغيرهما من محارمه * ذكرنا ان مذهبنا جوازه
بشرطه السابق وبه قال أبو قلابة والأوزاعي ومالك ومنعه أبو حنيفة واحمد * دليلنا انها كالرجل
بالنسبة إليه في العورة والخلوة *
(فرع) في مذاهبهم في الأجنبي لا يحضره الا أجنبية والأجنبية لا يحضرها الا أجنبي * قد
ذكرنا ان الأصح عندنا أنه ييمم وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن المسيب والنخعي وجماد
ابن أبي سليمان ومالك وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي واحمد وروى فيه البيهقي حديثا مرسلا
مرفوعا من رواية مكحول وعن الحسن البصري والزهري وقتادة واسحق ورواية عن النخعي
151

يغسل في ثوب ويلف الغاسل خرقة وعن الأوزاعي تدفن كما هي بلا تيمم ولا غسل ورواه ابن
المنذر عن ابن عمر ونافع *
(فرع) في مذاهبهم في غسل المرأة الصبي وغسل الرجل الصبية وقدر سنه * قال ابن المنذر
اجمع العلماء على أن للمرأة أن تغسل الصبي الصغير ثم قال الحسن تغسله إذا كان فطيما أو فوقه بقليل
وقال مالك وأحمد ابن سبع سنين وقال الأوزاعي ابن أربع أو خمس وقال اسحق ثلاث إلى خمس
قال وضبطه أصحاب الرأي بالكلام فقالوا تغسله ما لم يتكلم ويغسلها ما لم تتكلم (قلت) ومذهبنا
يغسلان ما لم يبلغا حدا يشتهيان كما سبق *
(فرع) مذهبنا ان الجنب والحائض إذا ماتا غسلا غسلا واحدا وبه قال العلماء كافة الا الحسن
البصري فقال يغسلان غسلين قال ابن المنذر لم يقل به غيره *
152

(فرع) في غسل الكافر ذكرنا أن مذهبنا أن للمسلم غسله ودفنه واتباع جنازته ونقله ابن
المنذر عن أصحاب الرأي وأبى ثور وقال مالك وأحمد ليس للمسلم غسله ولا دفنه لكن قال مالك
له مواراته *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا أن له غسل أمته وأم ولده وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة
لا يجوز والأصح عندنا أن أم الولد لا يجوز لها غسل سيدها وبه قال أبو حنيفة وجوزه مالك وأحمد *
153

* قال المصنف رحمه الله *
{ينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال " لا يغسل موتاكم الا المأمونون "
ولأنه إذا لم يكن أمينا لم نأمن أن لا يستوفى الغسل وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من
قبيح ويستحب أن يستر الميت من العيون لأنه قد يكون في بدنه عيب كان يكتمه وربما اجتمع
154

في موضع من بدنه دم فيراه من لا يعرف ذلك فيظنه عقوبة وسوء عاقبة ويستحب أن لا يستعين
بغيره إن كان فيه كفاية فان احتاج إلى معين استعان بمن لابد له منه ويستحب أن يكون بقر به
مجمرة حتى إن كانت له رائحة لم تظهر والأولى أن يغسل في قميص لما روت عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " غسلوه وعليه قميص يصبون عليه الماء ويد لكونه من فوقه " ولان ذلك
أستر فكان أولي والماء البارد أولى من المسخن لان البارد يقويه والمسخن يرخيه وإن كان به
155

وسخ لا يزيله الا المسخن أو البرد شديد ويخاف الغاسل من استعمال البارد غسله بالمسخن وهل
يجب نية الغسل فيه وجهان (أحدهما) لا يجب لان القصد منه التنظيف فلم يجب فيه النية كإزالة
النجاسة (والثاني) يجب لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة ولا يجوز للغاسل
ان ينظر إلى عورته لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت "
ويستحب أن لا ينظر إلى سائر بدنه الا فيما بدله منه ولا يجوز ان يمس عورته لأنه إذا لم يجز
156

النظر فالمس أولى والمستحب ان لا يمس سائر بدنه لما روى أن عليا رضي الله عنه " غسل النبي
صلى الله عليه وسلم وبيديه خرقة يتتبع بها تحت القميص "} *
{الشرح} الأثر المذكور عن ابن عمر رواه ابن ماجة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم " ليغسل موتاكم المأمونون " الا ان إسناده ضعيف وحديث عائشة رواه أبو داود باسناد
157

صحيح الا ان فيه محمد بن إسحاق صاحب المغازي قال حدثني يحيى ابن عباد وقد اختلفوا في
الاحتجاج به فمنهم من احتج به ومنهم من جرحه والذي يقتضيه كلام كثير منهم أو
أكثرهم ان حديثه حسن إذا قال حدثني وروى عن ثقة فحديثه هذا حسن والله أعلم
(وأما) حديث علي رضي الله عنه " لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " فسبق في باب ستر العورة أن أبا داود
وغيره رووه وأنه ضعيف (وأما) حديثة الآخر فرواه البيهقي والمجمرة - بكسر الميم الأولى وقوله تطهير
لا يتعلق بإزالة عين احتراز من إزالة النجاسة والفخذ - بفتح الفاء وكسر الخاء - ويجوز اسكان
الخاء مع فتح الفاء وكسرها ويجوز كسرهما ويجوز كسرهما جميعا فهذه أربعة أوجه في الفخذ وما كان على وزنه مما
158

ثانيه وثالثه حرف حلق * أما الأحكام فينبغي أن يكون الغاسل أمينا فان غسل الفاسق وقع الموقع
ولا يجب اعادته ويستحب نقله إلى موضع خال وستره عن العيون وهذا لا خلاف فيه وهل يستحب
غسله تحت السماء أم تحت سقف فيه وجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره (الصحيح) منهما
تحت سقف وليس للغسل تحت السماء معنى وإن كان قد احتج له بما لا حجة فيه وقطع الشيخ
أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب والجرجاني في التحرير وصاحب العدة وغيرهم بان الأفضل
159

تحت سقف وهو المنصوص في الام قال أصحابنا ويستحب أن لا يحضره الا الغاسل ومن لا بدله من
معونته عند الغسل قال أصحابنا وللولي ان يدخل وان لم يغسل ولم يعن ويستحب أن يكون عنده
مجمرة فيها بخور تتوقد من حين يشرع في الغسل إلى آخره قال صاحب البيان قال بعض أصحابنا
ويستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت لأنه ربما ظهر منه شئ فيغلبه رائحة البخور ويستحب
160

أن يغسل في قميص يلبسه عند إرادة غسله هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به
الأصحاب في كل طرقهم وحكي الرافعي وجها عن حكاية ابن كج الأفضل أن يجرد ويغسل
بلا قميص وهو مذهب أبي حنيفة والصواب الأول قال الشافعي والأصحاب وليكن القميص رقيقا
سخيفا قال أصحابنا ويدخل الغاسل يده في كميه ويصب الماء من فوق القميص ويغسل من تحته
قالوا فأن لم تكن اكمام القميص واسعة فتق فوق الدخاريص موضعا وأدخل يده فيه وغسله قالوا فان
161

لم يكن القميص واسعا يمكن تقليبه فيه نزع عنه وطرح عليه مئزر يغطي ما بين سرته وركبته وذكر
جماعة انه إذا لم يكن قميص طرح عليه ثوب يستر جميع البدن فإن لم يكن طرح عليه ما يستر ما بين
سرته وركبته واتفقوا على وجوب تغطية ما بين سرته وركبته (فان قيل) معتمد الشافعي والأصحاب
في استحباب الغسل في قميص حديث عائشة المذكور وهو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم
ودليله ان في سنن أبي داود في هذا قالوا نجرده كما نجرد موتانا فهذا إشارة إلى أن عادتهم تجريد
موتاهم (فالجواب) ما أجاب به الأصحاب ان ما ثبت كونه سنة في حق النبي صلى الله عليه وسلم فهو
162

سنة أيضا في حق غيره حتى يثبت التخصيص والذي فعل به صلى الله عليه وسلم هو
الأكمل والله أعلم * قال أصحابنا وغسله بالماء البارد أفضل من المسخن الا ان يحتاج إلى المسخن
لخوف الغاسل من البرد أو الوسخ على الميت ونحوه أو ما أشبه ذلك فيغسل بالمسخن قال السرخسي
وغيره ولا يبالغ فيه لئلا يسرع إليه الفساد قال الشافعي والأصحاب ويحضر الغاسل أو غيره قبل
الشروع في الغسل ثلاثة آنية فيجعل الماء في إناء كبير ويبعده عن المغتسل بحيث لا يصيبه رشاش
163

الماء عند الغسل ويكون معه انا آن آخران صغير ومتوسط يغرف بالصغير من الكبير ويصبه في
المتوسط ثم يغسله بالمتوسط وفى وجوب نية الغسل وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما والمراد
بهما انه هل يشترط في صحة غسله ان ينوى الغاسل غسله واختلف في أصحهما فالأصح عند
الأكثرين انها لا تشترط ولا تجب وهو المنصوص للشافعي في آخر غسل الذمية زوجها المسلم وممن
صححه البندنيجي والماوردي هنا والروياني والسرخسي والرافعي وآخرون وصحح جماعة الاشتراط
منهم الماوردي والفوراني والمتولي ذكروه في باب نية الوضوء وقطع به المحاملي في المقنع والمصنف
164

في التنبيه والصحيح تصحيح الأول قال الشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان صفة النية أن ينوى
تقلبه عند إفاضة الماء القراح انه غسل واجب قال القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد ينوى الغسل
الواجب أو الفرض أو غسل الميت *
(فرع) قال المصنف والأصحاب لا يجوز للغاسل أو لغيره مس شئ من ستر عورة المغسول
ولا النظر إليها بل يلف على يده خرقة ويغسل فرجه وسائر بدنه ويستحب ان لا ينظر إلى غير العورة
الا إلى مالا بدله منه في تمكنه من غسله وكذا يستحب ان لا يمسه بيده فان نظر إليه أو مسه بلا شهوة
165

لم يحرم بل هو تارك للأولى وقال بعض أصحابنا يكره له ذلك واما غير الغاسل من المعين وغيره
فيكره لهم النظر إلى ما سوى العورة الا لضرورة لأنه لا يؤمن أن ينكشف من العورة في حال
نظره أو يرى في بدنه شيئا كان يكرهه أو يرى سوادا أو دما مجتمعا ونحو ذلك فيظنه عقوبة قال الشيخ
أبو حامد لأنه يستحب ان لا ينظر إلى بدن الحي فالميت أولى هذا تلخيص أحكام الفصل ودلائله
تعرف مما ذكره المصنف مع ما أشرت إليه وبالله التوفيق *
166

(فرع) قال ابن المنذر اختلفوا في تغطية وجه الميت يعني حال غسله فاستحب ابن سيرين
وسليمان بن يسار وأيوب السختياني تغطيته بخرقة وقال مالك والثوري والشافعي يغطى فرجه ولم
يذكروا وجهه *
(فرع) في مذاهب العلماء في الغسل في قميص * مذهبنا استحبابه وبه قال احمد وقال أبو حنيفة
167

ومالك المستحب غسله مجردا وقال داود هما سواء ومذهبنا استحباب غسله بالماء البارد الا لحاجة
إلى المسخن وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة المسخن أفضل وليس عن مالك تفضيل. دليلنا ما ذكره
المصنف
* قال المصنف رحمه الله *
{والمستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم بن محمد قال
" توفى عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر فنفضه نفضا شديدا وعصره عصرا شديدا ثم غسله "
168

ولأنه ربما كان في جوفه شئ فإذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده وربما خرج بعد ما كفن فيفسد
الكفن وكلما أمر اليد على البطن صب عليه ماء كثيرا حتى أن خرج شئ لم تظهر رائحته ثم يبدأ
فيغسل أسافله كما يفعل الحي إذا أراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحي لما روت أم عطية قالت " لما
غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ابدؤا بميامنها ومواضع الوضوء) ولان الحي يتوضأ
إذا أراد الغسل ويدخل أصبعه في فيه ويسوك بها أسنانه ولا يفغر فاه ويتتبع ما تحت أظفاره ان لم
يكن قد قلم أظفاره ويكون ذلك بعود لين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كالمنحدر قليلا حتى لا يجتمع
الماء تحته فيستنقع فيه ويفسد بدنه ويغسله ثلاثا كما يفعل الحي في وضوئه وغسله فيبدأ برأسه ولحيته
كما يفعل الحي فإن كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء إلى الجميع ويكون بمشط منفرج الانسان
ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن حتى ينتهى إلى رجله ثم شقه الأيسر حتى
حتى ينتهي إلى رجله ثم يحرفه على جنبه الأيسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية
والمستحب أن تكون الغسلة الأولى بالماء والسدر لما روى ابن عباس ان رسول الله صلى اله عليه وسلم
قال في المحرم الذي خر من بعيره " اغسلوه بماء وسدر " ولان السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء
القراح ويجعل في الغسلة الأخيرة شيئا من الكافور لما روت أم سليم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا كان في آخر غسلة من الثلاث أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من الكافور " ولان الكافور يقويه وهل
يحتسب الغسل بالسدر من الثلاث أم لا فيه وجهان قال أبو إسحاق يعتد به لأنه غسل بما لم يخالطه
شئ ومن أصحابنا من قال لا يعتد به لأنه ربما غلب عليه السدر فعلى هذا يغسل ثلاث مرات اخر بالماء
القراح والواجب منها مرة واحدة كما قلنا في الوضوء ويستحب ان يتعاهد امرار اليد على البطن
في كل مرة فان غسل الثلاث ولم يتنظف زاد حتى يتنظف والسنة أن يجعله وترا خمسا أو سبعا
لما روت أم عطية ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك أن
رأيتن " والفرض مما ذكرناه النية وغسل مرة واحدة وإذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه
وينشف بثوب لأنه إذا كفن وهو رطب ابتل الكفن وفسد وان غسل ثم خرج منه شئ ففيه
ثلاثة أوجه (أحدها) يكفيه غسل الموضع كما لو غسل ثم أصابته نجاسة من غيره (والثاني) يجب منه الوضوء
لأنه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحي (والثالث) يجب الغسل منه لأنه خاتمة أمره فكان بطهارة
كاملة وان تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فانتقل فيه عند العجز
إلى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة} *
169

{الشرح} فيه مسائل (إحداها) في أحاديث الفصل ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أم عطية
الصحابية رضي الله عنها واسمها نسيبة - بضم النون وفتحها - قالت " (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن نغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك أن رأيتن ذلك بماء وسدر
واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا أذناه فألقى إلينا حقوه
وقال اشعرنها إياه " وفى رواية لهما " أبد أن بميامنها ومواضع الوضوء منها " وفي رواية " فضفرنا
شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها " وفى رواية للبخاري " فألقيناها خلفا " وفى رواية له " اغسلنها
ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك " وفي رواية لمسلم " ان اسم هذه البنت زينب رضي الله
عنها " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فأقعصته أو قال فأقصعته أو قال فأقعصته فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تخيطوه ولا تخمروا رأسه فان الله تعالى
يبعثه يوم القيامة ملبيا " وفى رواية " ولا تمسوه طيبا فان الله يبعثه يوم القيامة ملبدا " رواه البخاري
ومسلم (وأما) قول المصنف لما روت أم سليم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا كان في آخر غسلة من
الثلاث أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من كافور " فهكذا وقع في المهذب أم سليم والمشهور المعروف في
الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث وغيرها ان هذا الحديث من رواية أم عطية كما سبق
لا أم سليم وقد كررها المصنف على الصواب الا في هذا الموضع وقد بحثت عنه فلم أجده عن أم سليم
فلعله جاء في رواية غريبة عن أم سليم أيضا وليس هذا بعيدا فان أم سليم أشد قربا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أم عطية ومعلوم ان أم عطية لم تنفرد بالغسل ومما يوضح هذا قوله صلى الله عليه
وسلم " واجعلن ان رأيتن اغسلنها " وأبدان وقولها فضفرنا وغير ذلك من ضمائر الجمع الموجودة في
الصحيحين فلعل أم سليم كانت من الغاسلات فخاطبها النبي صلى الله عليه وسلم تارة وخاطب أم عطية
تارة (المسألة الثانية) في ألفاظ الفصل (قوله) لما روى القاسم ابن محمد قال توفى عبد الله بن عبد الرحمن
(أما) القاسم فهو أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم
القرشي التيمي المدني التابعي الجليل أحد فقهاء المدينة السبعة أجمعوا على جلالته (وأما) عبد الله بن عبد
الرحمن فهو ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فهو ابن عم القاسم بن محمد واتفقوا على توثيقه قال
البخاري في تاريخه ورث عبد الله هذا عمته عائشة رضي الله عنها (قوله) قال لنا ابدؤا بميامنها كذا هو في نسخ
المهذب ابدؤا بميامنها وكذا هو في بعض روايات البخاري وهو في روايات مسلم وباقي روايات البخاري
170

أبدان خطابا للنسوة وهو ظاهر والأول مؤول عليه (قوله) ويسوك بها أسنانه - هو بفتح الياء وضم
السين - قوله ويدخل أصبعه في فمه ويسوك بها أسنانه معنى ادخالها فمه أن يجعلها بين شفتيه على أسنانه
هكذا قاله الأصحاب وهو مفهوم من كلام المصنف (قوله) ولا يفغر فاه هو - بمثناة مفتوحة ثم فاء
ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة - أي لا يفتحه ولا يرفع أسنانه بعضها عن بعض بل يمضمضه فوقها
المشط معروف - بضم الميم وإسكان الشين - وبضمهما وبكسر الميم - وإسكان الشين - ويقال
له ممشط - بكسر الميم الأولى - ومشقاء مقصور مهموز وغير مهموز وممدود أيضا ومكد وقبلم
ومرجل حكاهن أبو عمر الزاهد في أول شرح الفصيح (قوله) خر من بعيره أي سقط (قوله) فاجعلي
فيه شيئا من كافور هكذا هو في المذهب فاجعلي خطابا لام عطية وحدها والمشهور في روايات الحديث
واجعلن بالنون خطابا للنسوة والماء القراح - بفتح القاف وتخفيف الراء - وهو الخالص الذي لم
يخالطه سدر ولا غيره (قوله) لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة عين احتراز من إزالة النجاسة
(المسألة الثالثة)
في صفة الغسل * قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله يستحب ان يعد قبل الغسل خرقتين
نظيفتين وأول ما يبدأ به إذا وضعه على المغتسل ان يجلسه اجلاسا رفيقا بحيث يكون مائلا إلى ورائه
لا معتدلا قال الشافعي في الام والشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي والأصحاب ان احتاج إلى
دهن ليلين دهنه ثم يشرع في غسله قال أصحابنا ويضع يده اليمنى على كتفه وابهامه في نقرة قفاه
لئلا يميل رأسه ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه امرارا بليغا ليخرج
الفضلات ويكون عنده مجمرة كما سبق ويصب عليه المعين ماء كثيرا لئلا يظهر رائحة ما يخرج ثم يرده
إلى هيئة الاستلقاء ويلقيه على ظهره ورجلاه إلى القبلة ويكون الموضع منحدرا بحيث يكون رأسه
أعلى لينحدر الماء عنه ولا يقف تحته ثم يغسل بيساره وهي ملفوفة بإحدى الخرقتين دبره ومذاكيره
وما حولها وينجيه كما يستنجي الحي ثم يلقى تلك الخرقة ويغسل يده بماء وأشنان هكذا قال الجمهور
أنه يغسل الفرجين بخرقة واحدة وفى النهاية والوسيط انه يغسل كل فرج بخرقة أخرى فتكون الخرق
ثلاثا والمشهور خرقتان خرقة للفرجين وخرقة لباقي البدن وكذا نص عليه الشافعي في الام ومختصر
المزني والقديم وقال الشافعي في الجنائز الصغير يغسل بإحداهما أعلي بدنه ووجهه وصدره ثم يغسل بها
مذاكيره وما بين رجليه ثم يأخذ الأخرى فيصنع بها مثل ذلك قال البندنيجي وللأصحاب طريقان
(أحدهما) قاله أبو إسحاق في المسألة قولان (أحدهما) يغسل بكل واحدة منهما كل بدنه (والثاني) يغسل
171

بإحداهما فرجيه وبالأخرى كل بدنه (والطريق الثاني) يغسل بكل واحدة منهما كل بدنه قال وهذا هو
المذهب وليس كما ادعي بل المذهب ما قدمناه عن الأصحاب ومعظم نصوص الشافعي قال أصحابنا
ثم يتعهد ما على بدنه من قذر وغيره فإذا فرغ مما ذكرناه لف الخرقة خرقة الأخرى على يده وادخل إصبعه في
فيه وأمرها على أسنانه بماء ولا يفتح أسنانه باتفاق الأصحاب مع نص الشافعي في الام بل يمرها فوق
الأسنان وينشقه بان يدخل الماء في أنفه ولا يبالغ هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة والثوري لا يمضمض
الميت ولا ينشق لان المضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق جذبه بالنفس ولا يتأتي واحد منهما من
الميت واستدل أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " ومواضع الوضوء منها " وهذا منها وبالقياس على وضوء
الحي (واما) دليلهم فممنوع بل المضمضة جعل الماء في فيه فقط وكذا الاستنشاق قال القاضي أبو الطيب
ولهذا لو تمضمض ثم بلع الماء جاز وحصلت المضمضة وإنما الإدارة من كمال المضمضة لاشرط لصحتها
وقد سبق بيان حقيقة المضمضة في صفة الوضوء قال أصحابنا ويدخل إصبعه بشئ من الماء في منخريه
ليخرج ما فيهما من أذى ثم يوضئه كوضوء الحي ثلاثا ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق قال الرافعي
ولا يكفي ما سبق من ادخال الإصبعين عن المضمضة والاستنشاق بل ذاك كالسواك قال هذا مقتضي
كلام الجمهور قال وفى الشامل وغيره ما يقتضي الاكتفاء والأول أصح قال ويميل رأسه في المضمضة
والاستنشاق لئلا يصل الماء باطنه قال وهل يكفي وصول الماء إلى مقاديم الثغر والمنخرين أم يوصله
الداخل حكى امام الحرمين فيه خلافا لخوف الفساد وجزم بان أسنانه لو كانت متراصة لا تفتح قال المصنف
والأصحاب ويتبع ما تحت أظفاره ان لم يكن قلمها ويكون ذلك بعود لين لئلا يجرحه وهكذا نص
عليه الشافعي في الام والمختصر قال الشافعي والأصحاب ويتبع بهذا العود ما تحت أظافر يديه ورجليه
وظاهر اذنيه وصماخيهما فإذا فرغ من وضوءه جعله كالمنحدر قليلا حتى لا يجتمع الماء تحته
ويغسل ثلاثا كما يفعل الحي في طهارته فيبدأ بغسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي واتفق أصحابنا
على أنه يستحب تقديم الرأس في هذا على اللحية وقال النخعي عكسه * واحتج الأصحاب بأنه إذا غسل
اللحية أولا ثم غسل الرأس نزل منه الماء والسدر إلى لحيته فيحتاج إلى غسلها ثانيا فعكسه ارفق (واما)
قول المصنف ويبدأ برأسه ولحيته فصحيح ومراده تقديم الرأس ولو قال رأسه ثم لحيته كما قال الأصحاب
لكان أحسن وأبين قال أصحابنا ويسرح رأسه ولحيته إن كانا متلبدين بمشط واسع الأسنان أو قال
المصنف وجماعة منفرج الأسنان وهما بمعناه قالوا ويرفق في ذلك لئلا ينتتف شعره فان انتتف رده
إليه ودفنه معه قال أصحابنا فإذا فرغ من هذا كله غسل شقه الأيمن المقبل من عنفه وصدره وفخذه
172

وساقه وقدمه ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ثم يحوله إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن
مما يلي القفا والظهر من الكفين إلى القدم ثم يحوله إلى جنبه الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك
هذا نص الشافعي في المختصر وبه قال جمهور الأصحاب وحكي العراقيون وغيرهم قولا آخر انه
يغسل جانبه الأيمن من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه
الأيسر من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيسر قال الأصحاب وكل واحد من هذين
الطريقين سائغ والأول أفضل وقال امام الحرمين والغزالي وجماعة يضجع أولا على جنبه الأيسر
فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه ثم يضجع على جنبه الأيمن فيصبه على شقه الأيسر
والمذهب ما قدمناه وبه قطع الجمهور قال الجمهور ولا يعاد غسل الرأس بل يبدأ بصفحة العنق
فما تحتها وقد حصل الرأس أولا قال أصحابنا ولا يكب على وجهه قالوا وكل هذه الصفات المذكورة
غسلة واحدة وهذه الغسلة يستحب أن تكون بالماء والسدر والخطمي ونحوهما ثم يصب عليه القراح
من قرنه إلى قدمه ويستحب أن يغسل ثلاثا فإن لم تحصل النظافة زاد حتى تحصل فان حصلت وتر
فلا زيادة وان حصلت بشفع استحب الايتار ودليل المسألة حديث أم عطيه السابق (وقوله) صلى الله عليه
وسلم أو أكثر من ذلك أن رأيتن ومعناه ان احتجتن وهل يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة
بالسدر والخطمي ونحوهما فيه الوجهان المذكوران في الكتاب (أصحهما) لا يسقط هذا مختصر
القول في الغسلة المتغيرة بالسدر وقد اضطرب كلام الأصحاب فيها وقد أوضحها الشيخ أبو حامد
في تعليقه فقال قال الشافعي إن كان عليه وسخ غسله بالأشنان والسدر فيطرح عليه الأشنان والسدر
فيدلكه به ثم يغسل السدر عنه ثم يغسله بعد ذلك بالماء القراح فيكون هذا غسلا واحدا وما تقدمه
تنظيف هذا لفظ الشافعي قال الشيخ أبو حامد وهذا صحيح لأن الماء إذا صب على السدر والأشنان كانا غالبين للماء فلا يعتد به غسلة حتى يغسل بالماء القراح هذا هو المذهب وقال أبو إسحاق إذا
غسل عنه السدر والأشنان فهذا غسل واحد قال أبو حامد هذا غلط ومخالف لنص الشافعي هذا
آخر كلام أبي حامد وهكذا قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ وآخرون لا يعتد بالغسل
بالماء والسدر من الثلاث بلا خلاف فإذا غسل بعد ذلك بالماء القراح وزال به أثر السدر والخطمي
ففي الاعتداد بهذه الغسلة وجهان (أحدهما) وهو قول أبي إسحاق المروزي تحسب من الثلاث
لأنها بماء قراح فأشبهت ما بعدها (والثاني) وهو الصحيح عند جمهور المصنفين لا يحسب منها لأن الماء
خالط السدر فهو كما قبلها وجزم صاحب الحاوي والمحاملي في كتابيه وصاحب البيان وغيرهم
173

بان هذه الغسلة تحسب بلا خلاف وان خلاف أبى اسحق إنما هو في الغسلة الأولى بالماء والسدر
قال القاضي حسين والبغوي الغسل بالماء مع السدر أو الخطمي لا يحتسب من الثلاث قالا وكذا
الذي يزال به السدر وإنما المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح فيغسله بعد زوال السدر ثلاثا
قال البغوي وإذا لم يتغير الماء بالسدر حسب من الثلاث قال ولو كان على بدنه نجاسة غسله بعد
زوالها ثلاثا واختصر الرافعي كلام الأصحاب في المسألة فقال هل يسقط الفرض بالغسلة التي فيها
سدر فيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى اسحق يسقط لان المقصود من غسل الميت التنظيف
فالاستعانة بما يزيد في النظافة لا يقدح (وأصحهما) لا يسقط لان التغير به فاحش فسلب الطهورية
فعلى هذا في الاحتساب بالغسلة التي بعد هذه وجهان (أصحهما) عند الرواياني تحسب لأنه غسله
بما لم يخالطه شئ (وأصحهما) عند الجمهور وبه قطع البغوي لا تحسب لأن الماء إذا أصاب المحل
اختلط بالسدر وتغير به فعلى هذا المحسوب ما يصب من الماء القراح هذا كلام الرافعي فحاصل
المسألة ثلاثة أوجه (الصحيح) ان غسلة السدر والغسلة التي بعدها لا يحسبان من الثلاث (والثاني)
يحسبان (والثالث) تحسب الثانية دون الأولى هذا حكم المسألة (وأما) عبارة المصنف ففيها نوع
أشكال لأنه قال وهل يحسب الغسل بالسدر من الثلاث فيه وجهان (قال) أبو إسحاق يعتد به لأنه
غسل بما لم يخالطه شئ ومن أصحابنا من قال لا يعتد به لأنه ربما غلب عليه السدر فعلى هذا يغسل
ثلاث مرات أخر بالماء القراح والواجب منها مرة هذا لفظ المصنف ووجه الاشكال أنه قال لأنه
غسل بما لم يخالطه شئ وهذا نوع تناقض لصورة المسألة وجوابه ان مراده ان الغسلة التي بعد
السدر هل تحسب فيه الوجهان (أحدهما) تحسب لأن الماء المصبوب قراح ولا أثر لما يصيبه
حال تردده على البدن (والثاني) لا يحسب لأنه قد يكثر السدر بحيث يغيره وهو مستغن عن هذا
المغير والله أعلم وإذا قلنا لا تحسب غسله بعدها ثلاثا والواجب مرة واحدة والثانية والثالثة سنة
كما قلنا في الوضوء والغسل ولا خلاف هنا في استحباب الثانية والثالثة نص عليه الشافعي واتفق
عليه الأصحاب وغيرهم وفى غسل الجنابة وجه انه لا تستحب الثانية والثالثة وقد سبق ذكره في
باب غسل الجنابة عن صاحب الحاوي ووافق صاحب الحاوي هنا على استحباب الثلاث لأنه خاتمة
امر الميت مع قوله صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر " والله أعلم قال
أصحابنا ويستحب ان يجعل في كل مرة من الغسلات كافورا في الماء القراح وهو في الغسلة الأخيرة
آكد للحديث السابق ولأنه يقوى البدن وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به فإن كان صلبا وتفاحش
التغير به ففيه قولان سبقا في أول كتاب الطهارة (أصحهما) لا يؤثر في طهوريته في غير الميت (وأما)
174

في غسل الميت فقد نص الشافعي عليه والأصحاب وثبت فيه الحديث الصحيح قال القاضي أبو الطيب
في كتابه المجرد (فان قيل) هلا قلتم ان الكافور إذا غير الماء سلب طهوريته (قلنا) قال الشافعي تغيير
الكافور تغيير مجاورة لا مخالطة ولم يزد القاضي في الجواب على هذا وحاصله انه تفريع على الصحيح
وأحسن من ذكر السؤال كلاما فيه السرخسي فقال في الأمالي اختلف أصحابنا في الجواب فمنهم
من قال لا يحسب إذا تغير بالكافور وتأول الحديث وكلام الشافعي على كافور يسير لا يفحش
تغيره ومنهم من حمله على ما إذا جعل الكافور في البدن ثم صب الماء القراح عليه ومنهم من قال
هو على اطلاقه في كافور يطرح في الماء ويغيره تغييرا كثيرا ولكن لا يحسب ذلك على الغسلة الواجبة
ومنهم من قال هو على اطلاقه كما ذكرنا ويحسب ذلك عن الفرض في غسل الميت خاصة لان مقصوده
التنظيف هذا كلام السرخسي وهذا الذي ذكرناه أولا من استحباب الكافور في كل غسلة هو
المعروف في المذهب وقد صرح به القاضي أبو الطيب في المجرد والبغوي والرافعي وخلائق من
الأصحاب ونص عليه الشافعي في الام والمختصر قال في المختضر ويجعل في كل ماء قراح كافورا
وان لم يجعل إلا في الآخرة أجزأ ذلك هذا لفظه في مختصر المزني وقال في الام في باب عدة غسل
الميت أقل ما يجزئ من غسل الميت الانقاء كما يكون ذلك أقل ما يجزئ في غسل الجنابة قال وأقل
ما أحب ان يغسل ثلاثا فإن لم ينق فخمس فإن لم ينق فسبع قال ولا يغسله بشئ من الماء الا ألقى
فيه كافورا للسنة فإن لم يفعل كرهته ورجوت ان يجزئه قال ولست أعرف ان يلقى في الماء ورق سدر
ولا طيب غير كافور ولا غيره ولكن يترك الماء على وجهه ويلقي فيه الكافور هذا نصه بحروفه
وهو جميع الباب المذكور (وأما) قول المصنف ويجعل في الغسلة الأخيرة شيئا من الكافور وتخصيصه
بالأخيرة فغريب في المذهب وإن كان موافقا لظاهر الحديث وأغرب منه ما ذكره الجرجاني في
التحرير قال يستحب غسله ثلاثا وأن يكون في الأولى شئ من سدر وفى الثانية شئ من كافور
والثالثة بالماء القراح وهذا الذي قاله غلط منابذ للحديث الصحيح ولنصوص الشافعي والأصحاب
قال المصنف والأصحاب والواجب مما ذكرناه غسل مرة واحدة وكذا النية إن أو جبناها ولا يحسب
الغسل حتى يطهر من نجاسة إن كانت هناك وقد سبق بيان هذا في غسل الجنابة والله أعلم *
(فرع) قال الشافعي والمصنف والأصحاب يستحب ان يتعاهد في كل مرة امرار يده على بطنه
ومسحه بأرفق مما قبلها هذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور ونقل صاحب
الحاوي فيه وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) وهو الأصح عنده أنه لا يمر يده على البطن الا في ابتداء
الغسل وتأول نص الشافعي بان المراد تعاهده هل خرج منه شئ أم لا وهذا ضعيف مخالف للنص
ولا يصح هذا التأويل *
175

(فرع) قال الشافعي والمصنف والأصحاب إذا فرغ من غسله يستحب ان يعيد تليين مفاصله
وأعضائه ليسهل تكفينه وهذا لا خلاف فيه ونقل المزني في المختصر استحباب إعادة التليين في أول
وضعه على المغتسل فقال به بعض الأصحاب وأنكره الجمهور قال القاضي أبو الطيب في المجرد قال
أصحابنا هذا التليين ليس بمستحب ولا يعرف للشافعي شئ من كتبه وإنما يفيد تليين المفاصل
عقب الموت لبقاء الحرارة فيها فأما عند الغسل فلا فائدة فيه وقال الشيخ أبو حامد هذا النقل غلط
من المزني على الشافعي فلم يذكر الشافعي تليين الأعضاء في شئ من كتبه في هذا الموضع إنما ذكره
بعد فراغ غسله وقال صاحب الشامل قال أصحابنا هذا التليين هنا لا يعرف للشافعي ولا فائدة
فيه لأنها لا تبقى لينة إلى هذا الوقت غالبا وقال صاحب الحاوي هذا التليين لا يوجد للشافعي في
شئ من كتبه الا فيما حكاه المزني في مختصره دون جامعه وترك ذلك أولي من فعله لتتماسك
أعضاؤه وإنما قال الشافعي أعاد تليين مفاصله عند موته لا عند غسله فلو أعاد تليينها عند غسله جاز
هذا كلام صاحب الحاوي وجزم البغوي والسرخسي وغيرهما باستحباب إعادة تليينها عند الغسل
عملا بظاهر نقل المزني
(فرع) قال الشافعي والأصحاب فإذا فرغ من غسله استحب ان ينشف بثوب تنشيفا بليغا
وهذا لا خلاف فيه قال الأصحاب والفرق بينه وبين غسل الجنابة والوضوء حيث قلنا المذهب
استحباب ترك التنشيف ان هنا ضرورة أو حاجة إلى التنشيف وهو ان لا يفسد الكفن *
(فرع) إذا خرج من أحد فرجى الميت بعد غسله وقبل تكفينه نجاسة وجب غسلها بلا خلاف
وفى إعادة طهارته ثلاثة أوجه مشهورة (أصحها) لا يجب شئ لأنه خرج عن التكليف بنقض
الطهارة وقياسا على ما لو اصابته نجاسة من غيره فإنه يكفي غسلها بلا خلاف (والثاني) يجب ان يوضأ
كما لو خرج من حي (والثالث) يجب إعادة الغسل لأنه ينقض الطهر وطهر الميت غسل جميعه هذه العلة
المشهورة وعلله المصنف وصاحب الشامل بأنه خاتمة امره ورجح المصنف في كتابه الخلاف وفى
التنبيه وسليم الرازي في كتابه رؤس المسائل والغزالي في الخلاصة والعبدري في الكفاية وجوب
إعادة الغسل وهو قول أبى علي بن أبي هريرة وبه قطع سليم الرازي في الكفاية والشيخ أبو نصر
المقدسي في الكافي وهو مذهب أحمد بن حنبل وضعف المحاملي وآخرون هذا الوجه ونقل صاحب
البيان تضعيفه عن الشيخ أبي حامد وايجاب الوضوء هو قول أبي إسحاق المروزي والصحيح عند
أكثر الأصحاب لا يجب غير غسل النجاسة صححه المحاملي في التجريد والرافعي وآخرون وهو قول
المزني وغيره من متقدمي أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري وسبب اختلاف الأصحاب
ان الشافعي قال في مختصر المزني ان خرج منه شئ أنقاه وأعاد غسله فقال المزني والأكثرون
176

إعادة الغسل مستحبة وقال ابن أبي هريرة واجبة وقال أبو إسحاق المروزي يجب الوضوء أما إذا
خرجت النجاسة من الفرج بعد ادراجه في الكفن فلا يجب وضوء ولا غسل بلا خلاف هكذا
صرح به المحاملي في التجريد والقاضي أبو الطيب في المجرد والسرخسي في الأمالي وصاحب العدة
واحتج له السرخسي بأنه لو أمر بإعادة الغسل والوضوء لم يأمن مثله في المستقبل فيؤدى إلى مالا نهاية له
ولم يتعرض الجمهور للفرق بين ما قبل التكفين وبعده بل أرسلوا الخلاف ولكن اطلاقهم محمول
على التفصيل الذي ذكره المحاملي وموافقوه أما إذا خرجت منه بعد الغسل نجاسة من غير الفرجين
فيجب غسلها ولا يجب غيره بلا خلاف وقال امام الحرمين إذا أوجبنا إعادة الغسل لنجاسة السبيلين
ففي غيرها احتمال وهذا ضعيف أو باطل ولا فرق بين هذه النجاسة ونجاسة أجنبية تقع عليه وقد اتفقوا
على أنه يكفي غسلها ولو لمس أجنبي ميتة بعد غسلها أو أجنبية ميتا بعد غسله (فان قلنا) خروج
النجاسة من السبيل لا يوجب غير غسل النجاسة لم يجب هنا شئ في حق الميت والميتة بلا خلاف
إذ لا نجاسة وان أوجبنا هناك الوضوء أو الغسل أو حبنا هنا ان قلنا ينتقض وضوء الملموس والا فلا
هكذا قاله القاضي حسين والمتولي وآخرون وأطلق البغوي وجوبهما ومراده إذا قلنا ينتقض طهر الملموس
كما صرح به شيخه القاضي حسين والمتولي وموافقهما ولو وطئت الميتة أو الميت بعد الغسل فان قلنا
بإعادة الوضوء أو الغسل وجب هنا الغسل لأنه مقتضى الوطئ وان قلنا لا تجب الا إزالة النجاسة
لم يجب هنا شئ هكذا أطلقه القاضي وصاحباه ومتابعوهم والرافعي وغيرهم وينبغي أن يكون فيه
خلاف مبني على نجاسة باطن الفرج والله أعلم أما إذا خرج منه منى بعد غسله فان قلنا في خروج
177

النجاسة يجب غسلها لم يجب هنا شئ لان المنى طاهر وان قلنا بالوجهين الآخرين وجب إعادة
غسله والله أعلم *
(فرع) قال المصنف رحمه الله والأصحاب إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترق بحيث
لو غسل لتهرى لم يغسل بل ييمم وهذا التيمم واجب لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة فوجب الانتقال
فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل الجناية ولو كان ملدوغا بحيث لو غسل لتهرى أو خيف
على الغاسل يمم لما ذكرناه (وذكر) امام الحرمين والغزالي وآخرون من الخراسانيين انه لو كان
به قروح وخيف من غسله اسراع البلي إليه بعد الدفن وجب غسله لان الجميع صائرون إلى البلى
هذا تفصيل مذهبنا وحكى ابن المنذر فيمن يخاف من غسله تهرى لحمه ولم يقدروا على غسله عن
الثوري ومالك يصب عليه الماء وعند أحمد واسحق ييمم قال وبه أقول *
* قال المصنف رحمه الله *
{وفي تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان (أحدهما) يفعل ذلك لأنه تنظيف فشرع في
حقه كإزالة الوسخ (والثاني) يكره وهو قول المزني لأنه قطع جزء منه فهو كالختان (قال) الشافعي
ولا يحلق شعر رأسه قال أبو إسحاق ان لم يكن له جمه حلق رأسه لأنه تنظيف فهو كتقليم الأظفار
والمذهب الأول لان حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف} *
{الشرح} في قلم أظفار الميت وأخذ شعر شاربه وإبطه وعانته قولان (الجديد) انها تفعل
178

(والقديم) لا تفعل وللأصحاب طريقان (أحدهما) ان القولين في الاستحباب والكراهة (أحدهما) يستحب
(والثاني) يكره وهذه طريقة المصنف هنا وشيخه القاضي أبى الطيب في تعليقه وصاحب الحاوي
والغزالي في الوسيط والخلاصة وصاحب التهذيب والروياني في الحلية وآخرين من الأصحاب (قال)
صاحب الحاوي القول الجديد أنه مستحب وتركه مكروه وقطع المصنف في التنبيه والجرجاني في
التحرير باستحبابه (والطريق الثاني) ان القولين في الكراهة وعدمها (أحدهما) يكره (والثاني) لا يكره ولا
يستحب قطعا وبهذا الطريق قال الشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي
وآخرون وهو ظاهر نص الشافعي في الام فإنه قال من الناس من كره أخذه ومنهم من رخص فيه
(وأما) قول الرافعي لا خلاف ان هذه الأمور لا تستحب وإنما القولان في الكراهة (فمردود) بما قدمته
من اثبات الخلاف في الاستحباب مع جزم من جزم وعجب قوله هذا مع شهرة هذه الكتب لا سيما
الوسيط والمهذب والتنبيه وأما الأصح من القولين فصحح المحاملي انه لا يكره وقطع به في كتابه
المقنع وصحح غيره الكراهة وهو المختار ونقله البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه منها
الام ومختصر الجنائز والقديم وقد قال الشافعي في مختصر المزني من أصحابنا من رأى حلق الشعر
وتقليم الأظفار ومنهم من لم يره قال الشافعي وتركه أعجب إلى هذا نصه وهو صريح في ترجيح
179

تركه ولم بصرح الشافعي في شئ من كتبه باستحبابه جزما إنما حكي اختلاف شيوخه في استحبابه
وتركه واختار هو تركه فمذهبه تركه وما سواه ليس مذهبا له فيتعين ترجيح تركه ويؤيده أيضا ان
الشافعي قال في المختصر والام ويتتبع الغاسل ما تحت أظافير الميت بعود حتى يخرج الوسخ قال
القاضي أبو الطيب في تعليقه قال أصحابنا هذا تفريع من الشافعي على أنه يترك أظافيره وأما إذا
قلنا تزال فلا حاجة إلى العود فحصل ان المذهب أو الصواب ترك هذه الشعور والأظفار لان اجزاء
الميت محترمة فلا تنهتك بهذا ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في
هذا شئ فكره فعله وإذا جمع الطريقان حصل ثلاثة أقوال (المختار) يكره (والثاني) لا يكره ولا يستحب
(والثالث) يستحب وممن استحبه سعيد بن المسيب وابن جبير والحسن البصري وأحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه وممن كرهه مالك وأبو حنيفة والثوري والمزني وابن المنذر والجمهور ونقله
العبدري عن جمهور العلماء قال أصحابنا وإذا قلنا تزال هذه الشعور فللغاسل ان يأخذ شعر الإبط
180

والعانة بالمقص أو الموسي أو النورة فان نوره غسل موضع النورة هذا هو المذهب والمنصوص في
الام وبه قطع الجمهور وفيه وجه انه يتعين النورة في العانة لئلا ينظر إلى عورته وبهذا قطع البندنيجي
والمحاملي في المجموع ووجه ثالث انه يستحب النورة في العانة والإبط جميعا وبه حزم صاحب
الحاوي والمذهب التخيير كما سبق لكن لا يمس ولا ينظر من العورة الا قدر الضرورة وأما الشارب
فاتفق الأصحاب على أنه إذا قلنا يزال ازاله بالمقص كما يزيله في الحياة قال المحاملي وغيره يكره حف الشارب
في حق الحي والميت جميعا ولكن يقصه بحيث لا تنكشف شفته وأما قول المصنف حف شاربه فمراده قصه
لا حقيقة الحف كما قاله أصحابنا وإذا قلنا يزيل هذه الشعور والأظفار استحب ازالتها قبل الغسل صرح
به المحاملي وابن الصباغ وغيرهما قال ابن الصباغ في أول باب غسل الميت يفعلها قبل غسله قال وقد أخل
المزني بالترتيب فذكره بعد الغسل وكان ينبغي أن يذكره قبله قلت وكذا عمل المصنف وجمهور
181

الأصحاب ذكروه بعد الغسل وكأنهم تأسوا بالمزني رحمه الله ولا يلزم من هذا أنهم يخالفون
في استحباب تقديمه وقد أشار المصنف إلى تقديمه بقوله قبل هذا ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها
واما شعر الرأس فقال الشافعي رحمه الله لا يحلقه قال أصحابنا رحمهم الله إن كان لا يعتاد حلق
رأسه بأن كان ذا جمة وهي الشعر المسترسل الذي نزل إلى المنكبين لم يحلق بلا خلاف وإن كان
عادته حلقه فطريقان المذهب وبه قطع الجمهور لا يحلق (والثاني) على القولين في الأظفار والشارب
والإبط والعانة وهذا التفصيل الذي ذكرته بين المعتاد وغيره هو المعروف في المذهب وكلام
المصنف محمول عليه وأما ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاث طرق (المذهب) وبه قطع المصنف
182

والجمهور لا يختن (والطريق الثاني) فيه قولان كالشعر والظفر حكاه الدارمي (والثالث) فيه ثلاثة
أوجه حكاه صاحب البيان (الصحيح) لا يختن (والثاني) يختن (والثالث) يختن البالغ دون الصبي
لأنه وجب على البالغ دون الصبي (والصحيح) الجزم بأنه لا يختن مطلقا لأنه جزء فلم يقطع كيده
المستحقة في قطع سرقة أو قصاص فقد أجمعوا انها لا تقطع ويخالف الشعر والظفر فإنهما يزالان
في الحياة للزينة والميت يشارك الحي في ذلك والختان يفعل للتكليف به وقد زال بالموت والله أعلم *
(فرع) في الشعور المأخوذة من شاربه وأبطه وعانته وأظفاره وما انتتف من تسريح رأسه
ولحيته وجلدة الختان إذا قلنا يختن وجهان (أحدهما) يستحب أن يصر كل ذلك معه في
كفنه ويدفن وبهذا قطع القاضي حسين وصاحبه البغوي والغزالي في الوسيط والخلاصة وصاحب
183

العدة والرافعي وغيرهم وأشار إليه المصنف في كتابه في الخلاف (والثاني) يستحب أن لا يدفن معه
بل يوارى في الأرض غير القبر وهذا اختيار صاحبه فإنه حكى عن الأوزاعي استحباب دفنها معه
ثم قال والاختيار عندنا أنها لا تدفن معه لأنه لم يرد فيه خبر ولا أثر والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن كانت المرأة غسلت كما يغسل الرجل فإن كان لها شعر جعل لها ثلاث ذوائب ويلقى
خلفها لما روت أم عطيه رضي الله عنها في وصف غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت " ضفرنا
ناصيتها وقرنتها ثلاثة قرون ثم ألقيناها خلفها "} *
{الشرح} حديث أم عطية رواه البخاري ومسلم والذوائب والضفائر والغدائر - بفتح الغين
المعجمة - متقاربة المعنى وهي خصل الشعر لكن الضفيرة لا تكون الا مضفورة وأصل الضفر الفتل
وهذا الحكم الذي ذكره متفق عليه نص عليه الشافعي والأصحاب وبمثل مذهبنا في استحباب
تسريح شعرها وجعله ثلاثة ضفائر خلفها قال احمد وداود وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله
لا يضفر شعرها ولا يسرح بل يترك مرسلا من كتفيها *
* قال المصنف رحمه الله *
184

{ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " من غسل ميتا فليغتسل " ولا يجب ذلك وقال في البويطي إن صح الحديث قلت
بوجوبه والأول أصح لان الميت طاهر ومن غسل طاهرا لم يلزمه بغسله طهارة كالجنب وهل هو
آكد أو غسل الجمعة فيه قولان قال في القديم غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه أصح وقال
في الجديد الغسل من غسل الميت آكد وهو الأصح لان غسل الجمعة غير واجب والغسل من
غسل الميت متردد بين الوجوب وغيره} *
{الشرح} حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا رواه أبو داود وغيره وبسط البيهقي رحمه
الله القول في ذكر طرقه وقال الصحيح انه موقوف على أبي هريرة قال وقال الترمذي عن البخاري
قال إن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني قالا لا يصح في الباب شئ وكذا قال محمد بن يحيي الذهلي
شيخ البخاري لا أعلم فيه حديثا ثابتا ورواه البيهقي أيضا من رواية حذيفة مرفوعا قال واسناده
ساقط (واما) حديث علي رضي الله عنه انه غسل أباه أبا طالب فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان
يغتسل فرواه البيهقي من طرق وقال هو حديث باطل وأسانيده كلها ضعيفة وبعضها منكر وفى
حديث عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يغتسل من الجنابة ويوم الجمعة
ومن الحجامة وغسل الميت " رواه أبو داود وغيره باسناد ضعيف وهكذا الحديث في الوضوء من
حمل الميت ضعيف وقد روى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " قال الترمذي حديث حسن وقد ينكر عليه قوله إنه حسن
بل هو ضعيف وقد بين البيهقي وغيره ضعفه قال البيهقي رحمه الله الروايات المرفوعة في هذا عن
أبي هريرة غير قوية بعضها لجهالة رواتها وبعضها (1)... قال والصحيح انه موقوف عليه
وضعف المرفوع به أيضا مع من قدمنا أيضا الشافعي رحمه الله والله أعلم وقال المزني هذا الغسل ليس
بمشروع وكذا الوضوء من مس الميت وحمله لأنه لم يصح فيهما شئ قال في المختصر وقد اجمعوا
على أن من مس حريرا أو ميتة ليس عليه وضوء ولا غسل فالمؤمن أولى هذا كلام المزني وهو قوى
والله أعلم قال أصحابنا في الغسل من غسل الميت طريقان (المذهب) الصحيح الذي اختاره المصنف
والجمهور انه سنة سواء صح فيه حديث أم لا فلو صح حديث حمل على الاستحباب (والثاني) فيه
قولان الجديد انه سنة والقديم انه واجب ان صح الحديث والا فسنة قال الخطابي رحمه الله لا اعلم
أحدا أوجب الغسل من غسل الميت قال ويشبه أن يكون الحديث للاستحباب قال ابن المنذر في

(1) بياض بالأصل فليحرر
185

الاشراف رحمه الله قال ابن عمر وابن عباس والحسن البصري والنخعي والشافعي واحمد واسحق
وأبو ثور وأصحاب الرأي لا غسل عليه وعن علي وأبي هريرة وابن المسيب وابن سرين والزهري
يغتسل وعن النخعي واحمد واسحق يتوضأ قال ابن المنذر لا شئ عليه ليس فيه حديث يثبت
قال أصحابنا رحمهم الله وغسل الجمعة والغسل من غسل الميت آكد من غيرهما من الأغسال المسنونة
وأيهما آكد فيه القولان اللذان ذكرهما المصنف (أصحهما) عنده ان الغسل من غسل الميت آكد
(الثاني) وهو المختار ان غسل الجمعة آكد وقد سبق بيان هذا في باب صفة غسل الجنابة وسبق بيان
فائدة هذا الخلاف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه ان يتحدث به وان رأى ما يكره لم يجز ان
يتحدث به لما روى أبو رافع رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من غسل ميتا
وكنتم عليه غفر الله له أربعين مرة} *
{الشرح} حديث أبي رافع رواه الحاكم في المستدرك وقال هو صحيح على شرط مسلم وأبو
رافع اسمه مسلم وقيل إبراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز توفى في خلافة علي رضي الله عنه وقيل غير
ذلك وهذا الحكم الذي قاله المصنف قاله جمهور الأصحاب وقال صاحب البيان رحمه الله لو كان
الميت مبتدعا مظهرا لبدعته ورأي الغاسل ما يكره فالذي يقتضيه القياس ان يتحدث به في الناس
186

للزجر عن بدعته وهذا الذي قاله صاحب البيان متعين لا عدول عنه والحديث وكلام الأصحاب
خرجا على الغالب وقد جاءت نصوص في هذا وعكسه وسنوضحها إن شاء الله في آخر باب التعزية
والله أعلم *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة
وكرههما الحسن وابن سيرين وكره مالك الجنب * دليلنا انهما طاهران كغيرهما (الثانية) قد سبق في
باب إزالة النجاسة ان الادمي هل ينجس بالموت قولان سواء المسلم والكافر (أصحهما) لا ينجس
(والثاني) ينجس واما غسالته فان قلنا لا ينجس بالموت فطاهرة وان قلنا ينجس فالقياس انها نجسة
ونقل الدارمي عن أبي إسحاق المروزي ان غسالته طاهرة سواء قلنا بطهارة الادمي أم بنجاسته قال
الدارمي في هذا نظر (الثالثة) ذكرنا أنه يستحب أن يغسل الميت ثلاثا فإن لم يحصل الانقاء بها
زاد حتى يحصل الانقاء قال السرخسي قال القفال وإذا حصل الانقاء بالثلاث لا بأس أن يزيد
عليها إذا بلغ به وترا آخر بخلاف طهارة الحي فإنه يمنع من الزيادة على ثلاث والفرق ان طهارة الحي
محض تعبد وهنا المقصود التنظيف وإزالة الشعث (الرابعة) سبق ان مذهبنا استحباب المضمضة
187

في غسل الميت والاستنشاق وبه قال مالك واحمد وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يشرعان
وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن جبير والنخعي والثوري * دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " وابدأن
بمواضع الوضوء منها " ومذهبنا استحباب تسريح شعر الميت قال العبدري وقال أبو حنيفة وسائر
الفقهاء لا يسرح * دليلنا حديث أم عطية السابق في أول الباب ومذهبنا استحباب الكافور في الغسلة
الأخيرة وفى غيرها الخلاف السابق قال العبدري وبهذا قال عامة الفقهاء وقال أبو حنيفة لا يستحب
دليلنا حديث أم عطية ومذهبنا استحباب غسل الميت ثلاثا فإن لم يحصل الانقاء زدنا حتى يحصل
ويستحب بعده الايتار وبهذا قال جمهور العلماء وقال مالك لا تقدير للاستحباب * دليلنا حديث
أم عطية رضي الله عنها *
{باب الكفن}
* قال المصنف رحمه الله *
{تكفين الميت فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم " في المحرم الذي خر من بعيره " كفنوه
في ثوبيه اللذين مات فيهما " ويجب ذلك في ماله للخبر ويقدم على الدين كما تقدم كسوة المفلس على
ديون غرماءه فان قال بعض الورثة انا أكفنه من مالي وقال بعضهم بل يكفن من التركة كفن
من التركة لان في تكفين بعض الورثة من ماله منة على الباقين فلا يلزم قبولها وإن كانت امرأة
لها زوج ففيه وجهان قال أبو إسحاق يجب على الزوج لان من لزمه كسوتها في الحياة لزمه كفنها بعد
الوفاة كالأمة مع السيد وقال أبو علي ابن أبي هريرة يجب في مالها لأنها بالموت صارت أجنبية فلم يلزمه
كفنها والأول أصح لان هذا يبطل بالأمة فإنها صارت بالموت أجنبية من مولاها ثم يجب عليه تكفينها
فإن لم يكن مال ولا زوج فالكفن على من يلزمه نفقته اعتبارا بالكسوة في الحياة} *
{الشرح} حديث المحرم رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عناس وسبق في باب غسل
الميت وليس في الصحيحين قوله اللذين مات فيهما وأكثر رواياتهما ثوبين وفى بعضها ثوبيه والكسوة
- بكسر الكاف وضمها - لغتان الكسر أفصح وفى الفصل مسائل (إحداها) تكفين الميت فرض
كفاية بالنص والاجماع والا يشترط وقوعه من مكلف حتى لو كفنه صبي أو مجنون حصل التكفين
لوجود المقصود (الثانية) محل الكفن تركة الميت للحديث المذكور والاجماع فإن كان عليه دين
مستغرق قدم الكفن لما ذكره المصنف واستثني أصحابنا صورا يقدم فيها الدين على الكفن
وضابطها ان يتعلق الدين بعين التركة (فمن) الصور المستثناة مال تعلقت به زكاة لشاة بقيت من أربعين
188

والمرهون والعبد الجاني والبيع إذا مات المشترى مفلسا وشبهها فيقدم صاحب الدين بلا خلاف
وممن صرح به من أصحابنا الجرجاني في فرائضه والبغوي في التهذيب والخيري في الفرائض
والرافعي وغيرهم وكان ينبغي للمصنف ان ينبه عليه قال أصحابنا رحمهم الله وحنوط الميت ومؤنة
تجهيزه كالغسل والحمل والدفن وغيرها لها حكم الكفن فيما ذكرناه *
(فرع) تكفين الميت وسائر مؤنة تجهيزه يحسب من رأس ماله سواء كان موسرا أو غيره
هذا مذهبنا وبه قال الفقهاء كافة الا ما سأذكره قال ابن المنذر الكفن من رأس المال سواء كان
موسرا أو غيره هذا مذهبنا وبه قال الفقهاء كافة الا ما سأذكره عند أكثر العلماء ممن قاله ابن المسيب وعطاء
ومجاهد والحسن وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واحمد
واسحق ومحمد بن الحسن وبه نقول وقال خلاس بن عمر وبكسر الخاء من ثلث التركة وقال طاوس إن
كان المال قليلا فمن الثلث والا فمن رأس المال * دليلنا حديث المحرم فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل
هل أوصي بالثلث أم لا (الثالثة) إذا طلب بعض الورثة تكفينه من ماله وآخر من التركة كفن
من التركة لما ذكره المصنف (الرابعة) إذا ماتت مزوجة فهل يلزم الزوج كفنها فيه وجهان (أصحهما)
عند جمهور الأصحاب يجب على زوجها ممن صححه المصنف هنا وفى التنبيه والمحاملي في كتابيه المجموع
والتجريد والرافعي وقطع به المحاملي في المقنع وصحح الماوردي والشيخ أبو محمد الجويني في الفروق
والجرجاني في التحرير وجوبه في مالها قال أبو محمد هو قول أكثر أصحابنا وفى هذا النقل نظر
لان الأكثرين إنما نقلوه عن أبي على ابن أبي هريرة ودليل الوجهين في الكتاب قال البندنيجي
والعبد رى وابن الصباغ وسائر الأصحاب وسواء كانت الزوجة موسرة أو معسرة ففيها الوجهان
واما تقييد الغزالي في الوسيط الوجهين بما إذا كانت معسرة فأنكروه عليه ويجاب عنه بأنه ذكر
إحدى الصورتين ولم يتكلم في الموسرة قال أصحابنا وحكم مؤنة غسلها ودفنها وسائر مؤن تجهيزها
حكم الكفن صرح به القاضي أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد والدارمي والمحاملي في المجموع
189

والتجريد والمقنع وآخرون ولا خلاف فيه قال المحاملي في التجريد والمقنع وآخرون من الأصحاب
إن قلنا يجب على الزوج فلم يكن له مال وجب في مالها فإن لم يكن لها مال فعلى من عليه نفقتها فإن لم
يكن ففي بيت المال (وأما) قول المصنف في الأمة انها صارت أجنبية بالموت فقد قال مثله
المحاملي وغيره وانكره صاحب الشامل وقال نفقة الأمة كانت لسبب الملك ولا تبطل أحكامه
بالموت ولهذا كان السيد أحق بدفنها وتولى تجهيزها (الخامسة) إذا لم يكن للميت مال ولا زوج
وجب كفنه وسائر مؤن تجهيزه على من تلزمه نفقته من والد وولد وسيد فيجب على السيد كفن
عبده وأمته والقن والمدبر وأم الولد والمكاتب لان الكتابة انفسخت بالموت وسواء في أولاده
البالغ وغيره والصحيح والزمن وكذا الوالدون لأنهم بالموت صاروا عاجزين عن الكسب ونفقة
العاجز واجبة فإن لم يكن له من تلزمه نفقته وجبت مؤنة تجهيزه في بيت المال كنفقته وهل يكفن
من بيت المال بثوب أم بثلاثة فيه طريقان حكاهما امام الحرمين (أحدهما) يكفن بثوب واحد قال
الامام وبهذا قطع الأئمة (وأصحهما) وأشهرهما فيه وجهان وممن حكاهما صاحب التقريب والبغوي
وآخرون (أصحهما) بثوب لأنه يستغنى عما سواه وبيت المال للمحتاج فان قلنا بثوب فترك الميت
ثوبا لم يزد عليه من بيت المال وان قلنا ثلاثة فهل يقتصر عليه أم يكمل ثلاثة فيه وجهان (أصحهما)
يكمل لأنه يستحقه في بيت المال فإن لم يكن في بيت المال مال وجب كفنه وسائر مؤن تجهيزه على
عامة المسلمين كنفقته في مثل هذا الحال قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما ولا يجب حينئذ
إلا ثوب واحد يستر جميع بدنه لان أموال العامة أضيق من بيت المال فلا يؤخذ منها إلا الضرورة
وهذا كله مشهور في كتب الأصحاب وهو مفهوم من قول المصنف الكفن على من تلزمه نفقته
فان النفقة مرتبة هكذا وإذا كفن من مال قريبه الذي عليه نفقته فهل يكفن بثوب أم بثلاثة فيه
وجهان كبيت المال حكاهما القاضي حسين وغيره (أصحهما) بثوب *
190

(فرع) قال البندنيجي فان مات له أقارب دفعة واحدة بهم أو غرق أو غيرهما قدم في التكفين
وغيره من يخاف فساده فان استووا فيه قدم الأب ثم الأقرب فالأقرب فإن كانا أخوين قدم أسنهما
فإن كانا زوجين أقرع بينهما إذا أمر به *
(فرع) في مذاهب العلماء في كفن الزوجة * ذكرنا أن الأصح عندنا أنه على الزوج وبه قال مالك
وأبو حنيفة وقال الشعبي ومحمد بن الحسن واحمد في مالها وروى عن مالك *
(فرع) قال البندنيجي وغيره لو مات انسان ولم يوجد هناك ما يكفن به الا ثوب
مع مالك له غير محتاج إليه لزمه بذله بقيمته كالطعام للمضطر *
* قال المصنف رحمه الله *
{وأقل ما يخرئ ما يستر العورة كالحي ومن أصحابنا من قال أقله ثوب يعم البدن لان ما دونه
لا يمسي كفنا والأول أصح} *
{الشرح} هذان الوجهان مشهوران واختلفوا في أصحهما وصحح المصنف هنا والمحاملي
في المجموع وصاحبا المستظهري والبيان وآخرون من العراقيين الاكتفاء بساتر العورة وقطع به
كثيرون من العراقيين أو أكثرهم ممن قطع به منهم الماوردي في الحاوي والقاضي أبو الطب في
كتابيه التعليق والمجرد وسليم الرازي في الكفاية والمحاملي في التجريد وصاحب الشامل وقطع به
191

من الخراسانيين المتولي وغيرهم وهو ظاهر نص الشافعي في الام فإنه قال رحمه الله وما كفن فيه
الميت أجزأه وإنما قلنا ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم " كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة " فدل
ذلك على أنه ليس فيه حدلا يقصر عنه وعلى أنه يجزى ما وارى العورة هذا لفظ نصه وقطع جمهور
الخراسانيين بأنه يجب ساتر جميع البدن ممن قطع به منهم امام الحرمين والغزالي والبغوي والسرخسي
وغيرهم وصححه منهم القاضي حسين وغيره وحكي البندنيجي في المسألة ثلاثة أوجه هذان الوجهان
والثالث يجب ثلاثة أثواب وهذا شاذ مردود والأصح ما قدمناه عن الأكثرين وعن ظاهر نصه
وهو ساتر العورة لحديث مصعب بن عمير الذي أشار إليه الشافعي في استدلاله وهو أن النبي
صلى الله عليه وسلم " كفنه يوم أحد بنمرة غطى بها رأسه وبدت رجلاه فأمرهم أن يجعلوا على رجليه
192

الإذخر " رواه البخاري ومسلم (فان) قيل لعله لم يكن له سوى النمرة (فالجواب) من وجهين (أحدهما) أنه
يبعد ممن خرج للقتال ان لا يكون معه غيرهما من سلاح وغيره مما يشترى به كفن (والثاني) لو ثبت
أنه لم يكن له غيرها والساتر غيرها لوجب تتميمه من بيت المال فان فقد فعلى المسلمين والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{والمستحب ان يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ازار ولفافتين بيض لما روت عائشة رضي الله عنها
قالت " كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة)
فان كفن في خمسة أثواب لم يكره لان ابن عمر رضي الله عنهما كان يكفن أهله في خمسة أثواب فيها
قميص وعمامة ولان أكمل ثياب الحي خمسة قميصان وسراويل وعمامة ورداء ويكره الزيادة على ذلك
لأنه سرف وان قال بعض الورثة يكفن بثوب وقال بعضهم بثلاثة ففيه وجهان (أحدهما) يكفن
بثوب لأنه يعم ويستر (والثاني) يكفن بثلاثة لأنه الكفن المعروف المسنون والأفضل
ان لا يكون فيها قميص ولا عمامة لحديث عائشة رضي الله عنها فان جعل فيها قميص وعمامة
لم يكره لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ابن عبد الله بن أبي بن سلول قميصا ليجعله
في كفن أبيه وإن كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الثياب لان اظهاره زينة وليس
الحال حال زينة} *
{الشرح} حديث عائشة رواه البخاري ومسلم وحديث ابن عمر كفن أهله في خمسة أثواب
ذكره البيهقي فقال روينا عن نافع ان ابنا لعبد الله بن عمر مات فكفنه ابن عمر في خمسة أثواب قميص
وعمامة وثلاث لفائف واما حديث عبد الله بن أبي فرواه البخاري ومسلم من رواية عبد الله بن
عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله واسم ان عبد الله هذا عبد الله أيضا وهو عبد الله بن عبد الله
ابن أبي بن سلول فأبى بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء وسلول بفتح السين المهملة وبلامين
الأولى مضمومة وهو اسم امرأة فلا ينصرف فعبد الله الميت هو ابن أبي وهو ابن سلول أيضا
فأبى أبوه وسلول أمه وسلول زوجة أبي قال العلماء والصواب في كتابته وقرأته ان تنون أبي ويكتب
193

ابن سلول بالألف في ابن ولهذا نظائر كقولهم محمد بن علي بن الحنفية وإسماعيل بن إبراهيم بن علية
وآخرين قد أفردتهم في جزء وأشرت الهيم في ترجمة محمد بن علي في تهذيب الأسماء واللغات
وكان عبد الله الميت رأس المنافقين كثير إساءة الأدب والكلام القبيح وأما ابنه عبد الله الذي
أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم القميص فكان مسلما صالحا فاضلا رضي الله عنه والقميص الذي
أعطاه إياه هو قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل أعطاه إياه ليطيب قلب ابنه وقيل لان
الميت المنافق كان كسا العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا حين أسر يوم بدر فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا بدله لئلا يبقى لكافر عنده يد والأول أظهر ولهذا صلي عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينهي عن الصلاة على المنافقين ثبت ذلك في الصحيحين في هذا
الحديث (فان) قيل ليس في هذا الحديث دليل لما قاله المصنف فإنه استدل على القميص والعمامة وليس
للعمامة ذكر فيه (فجوابه) انه إذا ثبت أحدهما ثبت الآخر إذ لا فرق (وقولها) سحولية روي بضم السين
وفتحها والفتح رواية الأكثرين قال الأزهري هي بالفتح مدينة في ناحية اليمن منها ثياب يقال لها
سحولية قال وأما السحولية بالضم فهي الثياب البيض وقال غير الأزهري هي بالفتح نسبة إلى قرية
باليمن وبالضم ثياب القطن وقيل بالضم ثياب نقية من القطن خاصة (قوله) ولان أكمل ثياب الحي
وقع في بعض النسخ أكمل بالكاف وفى بعضها أجمل بالجيم وهما صحيحان والكاف أكثر وأحسن
(قوله) لأنه سرف قال الأزهري وغيره السرف ما جاوز الحد المعروف لمثله * أما الأحكام فقال الشافعي
والأصحاب المستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ازار ولفافتين والمراد بالإزار المئزر الذي
يشد في الوسط وسواء في هذا البالغ والصبي فيستحب تكفين الصبي في ثلاثة كالبالغ
وقال أبو حنيفة يكفن الصبي في خرقتين * دليلنا انه ذكر فأشبه البالغ وان كفن
الرجل في أربعة أو خمسة لم يكره ولم يستحب وان كفن في زيادة على خمسة قال المصنف
والأصحاب يكره لأنه سرف ولم يقولوا ان الزيادة حرام مع أنها إضاعة مال غير مأذون فيه ولو
قال به قائل لم يبعد والأفضل ان لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة فإن كانا لم يكره لكنه خلاف
الأولى لما ذكره المصنف هذا هو الصواب المعروف في المذهب وبه قطع الأصحاب وقال المصنف
في كتابه عيون المسائل في الخلاف يكره التكفين في القميص خلافا لأبي حنيفة وهذا الذي قاله
مع أنه شاذ في المذهب ضعيف بل باطل من جهة الدليل لان المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود ولم
يثبت في هذا شئ والصواب الأول قال أصحابنا فإن كان قميص وعمامة استحب جعلها تحت
الثياب لما ذكره المصنف وان قال بعض الورثة يكفن في ثوب وقال بعضهم في ثلاثة فوجهان مشهوران
194

ذكر المصنف دليلهما واتفق الأصحاب على أن الأصح هنا تكفينه في ثلاثة وفى المسألة طريق
آخر ذكره الامام في النهاية وهو القطع بثلاثة نقله عن معظم الأصحاب ولو قال بعض الورثة ثوب
يستر جميع البدن أو ثلاثة وقال بعضهم بل ساتر العورة فقط وقلنا بجوازه فالذي عليه الأصحاب
أنه يكفن في ثوب أو ثلاثة وحكى صاحب البيان وجها أنه يكفن بساتر العورة هو غلط صريح
ولو اتفقت الورثة على ثوب واحد فطريقان قطع البغوي بأنه يكفن في ثوب وطرد النولى؟ فيه الوجهين
وهو الأقيس ولو كان عليه دين مستغرق فقالت الورثة نكفنه في ثلاثة أثواب وقال الغرماء في
ثوب فوجهان مشهوران (أصحهما) عند الأصحاب تكفينه بثوب لان تخليص ذمته من الدين أنفع
له من اكمال الكفن (والثاني) يكفن بثلاثة كالمفلس فإنه يترك له الثياب اللائقة به ومن قال بالأول
فرق بان ذمة المفلس عامرة فهو بصدد الوفاء بخلاف الميت ولو قالت الغرماء يكفن بساتر العورة
وقالت الورثة بثوب ساتر جميع البدن نقل صاحب الحاوي وغيره الاتفاق على ساتر جميع البدن
ولو اتفقت الورثة والغرماء على ثلاثة أثواب جاز بلا خلاف صرح به القاضي حسين وآخرون وإنما
ذكروه وإن كان ظاهرا لأنه ربما تشكك فيه إنسان من حيث إن ذمته تبقى مرتهنة بالدين قال
امام الحرمين قال صاحب التقريب لو أوصي الميت بان يكفن في ثوب لا غير كنفي ثوب سابغ للبدن
لان الكفن حقه وقد رضي باسقاط حقه من الزيادة قال ولو قال رضيت بساتر العورة لم تصح
وصيته ويجب تكفينه في ساتر لجميع بدنه قال الامام وهذا الذي ذكره في نهاية الحسن وكذا
جزم به الغزالي وغيره قال أصحابنا الثوب الواحد حق له تعالي لا تنفذ وصية الميت في اسقاطه
والثاني والثالث حق للميت تنفذ وصيته باسقاطها قال القاضي أبو الطيب في المجرد وإذا اختلفوا في
جنس الكفن قال أصحابنا إن كان الميت موسرا كفن بأعلى الأجناس وإن كان متوسطا
فبالأوسط وبالأدون إن كان فقيرا *
(فرع) إن قيل ذكرتم أن المستحب تكفين الرجل في ثلاثة أثواب وهذا يخالف حديث
المحرم الذي سقط عن بعيره فإنه كفن في ثوبين وجوابه ما أجاب به القاضي أبو الطيب
وغيره أنه لم يكن له مال غيرهما وإنما يستحب الثلاثة ليتمكن منها *
* قال المصنف رحمه الله *
" والمستحب أن يكون الكفن بيضاء لحديث عائشة رضي الله عنها والمستحب أن يكون حسنا
لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " وتكره المغالاة
فيه لما روى علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب
195

سريعا " والمستحب ان يبخر الكفن لما روى جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
" إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا "} *
{الشرح} حديث عائشة رضي الله عنها سبق بيانه أنه في الصحيحين وحديث علي رضي الله عنه
رواه أبو داود باسناد حسن ولم يضعفه وحديث جابر الأول رواه مسلم وحديثه الاخر رواه أحمد
ابن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي واسناده صحيح قال الحاكم هو صحيح على
شرط مسلم ولكن روى البيهقي باسناده عن يحيى بن معين أنه قال لم يرفعه الا يحيى بن آدم قال
يحيى بن معين ولا أظنه الا غلطا قلت كأن يحيي بن معين فرعه على قاعدة أكثر المحدثين ان الحديث
إذا روي مرفوعا وموقوفا حكم بالوقف والصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ومحققوا
المحدثين انه يحكم بالرفع لأنها زيادة ثقة ولفظ رواية الحاكم والبيهقي إذا أجمرتم الميت فأوتروا قال
البيهقي وروى جمروا كفن الميت ثلاثا ولفظ رواية احمد إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا (وقوله)
يكون الكفن بيضاء أي ثيابا بيضاء والاجمار التبخر وقوله صلى الله عليه وسلم فليحسن كفنه - هو بفتح الفاء -
كذا ضبطه الجمهور وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة اسكان الفاء أي فعل التكفين
من الاشباع والعموم والأول هو الصحيح أي يكون الكفن حسنا وسأذكر إن شاء الله تعالى
قريبا معنى تحسينه * اما الأحكام ففيها مسائل (إحداها) يستحب أن يكون
196

الكفن ابيض لحديث عائشة المذكور والحديثين السابقين في باب هيئة الجمعة (الثانية) يستحب تحسين
الكفن قال أصحابنا والمراد بتحسينه بياضه ونظافته وسوغه وكثافته لا كونه ثمينا لحديث النهى
عن المغالاة وتكره المغالاة فيه للحديث قال القاضي حسين والبغوي الثوب الغسيل أفضل من الجديد
ودليله حديث عائشة قالت نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه فقال " اغسلوا هذا
وزيدوا عليه ثوبين وكفنوني فيها قلت إن هذا خلق قال الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو
للمهلة " رواه البخاري - والمهلة بضم الميم وكسرها وفتحها - هي دم الميت وصديده ونحوه قال
أصحابنا رحمهم الله ويجوز تكفين كل انسان فيما يجوز له لبسه في الحياة فيجوز من القطن والصوف
والكتان والشعر والوبر وغيرها وأما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه وأما المرأة فالمشهور القطع
بجواز تكفينها فيه لأنه يجوز لها لبسه في الحياة لكن يكره تكفينها فيه لان فيه سرفا ويشبه إضاعة
المال بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج وحكي صاحب البيان في زيادات المهذب وجها انه
لا يجوز وأما المعصفر والمزعفر فلا يحرم تكفينها فيه بلا خلاف ولكن يكره على المذهب وبه قطع
الأكثرون وحكى صاحبا العدة والبيان وجهين ثانيهما لا يكره قالا وهو مذهب أبي حنيفة قال أصحابنا
ويعتبر في الكفن المباح حال الميت فإن كان مكثرا من المال فمن جياد الثياب وإن كان متوسطا
فأوسطها وإن كان مقلا فخشنها هذه عبارة الشيخ أبي حامد والبندنيجي وغيرهما (الثالثة) يستحب
تبخير الكفن الا في حق المحرم والمحرمة قال أصحابنا صفة ذلك أن يجعل الكفن على عود
وغيره ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب قال أصحابنا ويستحب أن يكون
الطيب عودا وكون العود غير مطيب بالمسك فإن كان مطيبا به جاز ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث
قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب أن يبسط أحسنها وأوسعها ثم الثاني الذي يلي الميت اعتبارا بالحي فإنه يجعل
أحسن ثيابه وأوسعها فوق الثياب وكلما فرش ثوبا نثر فيه الحنوط ثم يحمل الميت إلى الا كفان
مستورا ويترك على الكفن مستلقيا على ظهره ويؤخذ قطن منزوع الحب فيجعل فيه الحنوط
197

والكافور ويجعل بين أليتيه ويشد عليه كما يشد التبان ويستحب أن يؤخذ القطن ويجعل عليه
الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين والأذنين وعلى خراج نافذ إن كان عليه
ليخفى ما يظهر من رائحته ويجعل الحنوط والكافور على قطن ويترك على مواضع السجود لما روى
عن عبد الله بن مسعود أنه قال يتتبع بالطيب مساجده ولأن هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت
بالطيب قال وأحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لان ذلك يقوى البدن ويشده ويستحب
أن يحنط رأسه ولحيته بالكافور كما يفعل الحي إذا تطيب قال في البويطي فان حنط بالمسك
فلا بأس لما روى أبو سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسك من أطيب الطيب " وهل
يجب الحنوط والكافور أم لا فيه قولان وقيل فيه وجهان أحدهما يجب لأنه جرت به
العادة في الميت فكان واجبا كالكفن والثاني انه لا يجب كما لا يجب الطيب في حق المفلس وان
وجبت الكسوة} *
198

{الشرح} حديت أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المسك أطيب الطيب "
رواه مسلم في صحيحه هكذا ووقع في المهذب من أطيب الطيب بزيادة من والأثر المذكور عن
ابن مسعود يتبع الطيب مساجده رواه البيهقي والحنوط بفتح الحاء وضم النون - هذا هو المشهور
ويقال الحناط بكسر وهو أنواع من الطيب يخلط للميت خاصة لا يقال في غير طيب الميت حنوط
قال الأزهري يدخل في الحنوط الكافور وذريرة القصب والصندل الأحمر والأبيض (وقوله) كما
يستدل التبان هو بضم المثناة فوق وتشديد الموحدة وهو سراويل قصيرة صغيرة بلا تكة (قوله)
وعلى خراج نافذ هو بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء وهو القرحة في الجسد * واما الأحكام فقال
الشافعي والأصحاب يستحب ان يبسط أوسع اللفائف وأحسنها ويذر عليها حنوط ثم يبسط الثانية
عليها ويذر عليها حنوط وكافور وان كفن الرجل أو المرأة في لفافة ثالثة أو رابعة كانت كالثانية
في أنها دون التي قبلها وفى ذر الحنوط والكافور واتفق الشافعي والأصحاب على استحباب الحنوط
كما ذكرنا قال صاحب الحاوي رحمه الله هذا شئ لم يذكره غير الشافعي من الفقهاء وانا اختاره
الشافعي ليلا يسرع بلي الأكفان وليقيها من بلل يصيبها قال المصنف والأصحاب رحمهم الله ثم يحمل
199

الميت مستورا فيوضع فوقها مستلقيا واحتجوا لبسط أحسن اللفائف وأوسعها أولا بالقياس على الحي فإنه
يجعل أجمل ثيابه فوقها ثم يؤخذ قطن منزوع الحب فيجعل عليه حنوط وكافور ويدس بين أليته
حتى يتصل بحلقة الدبر فيسدها ليرد شيئا يتعرض للخروج قال أصحابنا ولا يدخله إلى داخل
الحلقة هذا هو الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب في الطريقين وذكر البغوي وجهين (أحدها)
يكره الادخال (والثاني) يدخل لأنه إذا لم يدخل لا يمنع الخروج قال وإنما فعل ذلك للمصلحة وقال
القاضي حسين في تعليقه قال القفال رأيت للشافعي رحمه الله في الجماع الكبير ادخاله
وهذا نقل غريب وحكم ضيف والصواب ما سبق وسبب الخلاف ان المزني نقل في المختصر
عن الشافعي أنه قال يأخذ شيئا من قطن منزوع الحب فيجعل فيه الحنوط والكافور ثم يدخل
بين أليته ادخالا بليغا ويكثر منه ليرد شيئا ان جاء منه عند تحريكه ويشد عليه خرقة مشقوقة الطرف
يأخذ أليته وعانته ثم يشد عليه كما يشد التبان الواسع قال المزني لا أحب ما قال من إبلاع الحشو
ولكن يجعل كالوزة من القطن بين أليته ويجعل من تحتها قطن يضم إلى بين أليتيه والشداد من
فوق ذلك كالتبان يشد عليه فان جاء منه شئ بعد ذلك منعه ذلك أن يظهر فهذا؟ ان في
كرامته من انتهاك حرمته هذا آخر كلام المزني قال أصحابنا توهم المزني من كلام الشافعي هذا انه أراد
200

ادخال القطن في الدبر قالوا وأخطأ في توهمه وانا أراد الشافعي ان يبالغ في حشو القطن بين أليته
حتى يبلغ الدبر من غير أن يدخله وقد بين ذلك في الام فقال حتى يبلغ الحلقة قال بعض أصحابنا
ومما يدل على وهم المزني قول الشافعي لرد شئ ان خرج ولو كان مراده انه يدخل إلى داخل الدبر
لقال يمنع من خروج شئ والله أعلم قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله ثم يشد ألياه ويستوثق في
ذلك بان يأخذ خرقة ويشق رأسها ويجعل وسطها عند أليته وعانته ويشد فوق السرة بان يرد ما يلي
ظهره إلى سرته ويعطف الشقان الآخران عليه ولو شد شق من كل رأس على هذا الفخذ ومثله على
الفخذ الآخر جاز وقيل يشد عليه بخيط ولا يشق طرفها والله أعلم قال الشافعي والمنصف والأصحاب
ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه شيئا من الحنوط والكافور ويجعل على منافذ البدن من الاذنين
والعينين والمنخرين والفم والجراحات النافذة دفعا للهوام ويجعل على قطن وكافور وترك على مواضع
201

السجود وهي الجبهة والأنف وبطن الكفين والركبتان والقدمان هكذا قال المصنف والجمهور
ونص عليه الشافعي في المختصر وفيه وجه حكاه (1)... والرافعي انه يجعل الحنوط والكافور
على نفس هذه المساجد بلا قطن وهو ضعيف غريب قال المصنف وغيره قال الشافعي في المختصر
واستحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لأنه يقويه ويشده قال الشافعي في المختصر والمصنف
والأصحاب ويستحب ان يحنط رأسه ولحيته بالكافور كما يفعل الحي إذا تطيب قال الشافعي في
البويطي ونقله المصنف والأصحاب ولو حنط بالمسك فلا بأس لحديث أبي سعيد السابق وروى
البيهقي باسناد حسن عن علي رضي الله عنه انه كان عنده مسك فأوصي ان يحنط وقال هو من فضل
حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى في ذلك عن ابن عمر وانس رضي الله عنهم قال المصنف
وهل يجب الحنوط والكافور أم لا فيه قولان وقيل وجهان (أحدهما) يجب لجريان العادة به فوجب
كالكفن (والثاني) يستحب ولا يجب كما لا يجب الطيب للمفلس وان وجبت كسوته (وقوله) قولان
وقيل وجهان هذا من ورعه واتقانه واعتنائه فلم يجزم بقولين ولا وجهين وسبب تردد المصنف
رحمه الله في ذلك أن المحاملي قال في المجموع ظاهر ما ذكره الشافعي في الام والمختصر انه واجب
وقال في موضع آخر إنه مستحب فالمسألة على قولين قال أصحابنا يحكون فيها وجهين وقال البندنيجي
قال الشافعي في الام والقديم كفن الميت وحنوطه ومؤنة تجهيزه من رأس ماله ليس لغرمائه
ولا لورثته منع ذلك ثم قال الشافعي بعد هذا بسطرين ولو لم يكن حنوط ولا كافور رجوت ان يجزئ
قال البندنيجي رحمة الله عليه واختلف أصحابنا في الطيب والحنوط على وجهين قال والظاهر أنهما
قولان هذا كلامه والأصح أنه لا يجب صححه الغزالي وغيره قال امام الحرمين رحمه الله ويجب القطع

(1) بياض بالأصل فليحرر
202

بهذا وقطع المتولي بان الكافور لا يجب وإنما الوجهان في الحنوط وممن خص الوجهين بالحنوط
المحاملي والماوردي والغزالي وممن وافق المصنف في نقل الوجهين في الحنوط والكافور جميعا صاحبا
المستظهري والبيان وسبقهم به البندنيجي كما ذكرناه *
* قال المصنف رحمه الله *
{ثم يلف في الكفن ويجعل ما بلى الرأس أكثر كالحي ما على رأسه أكثر قال الشافعي رحمه الله وتثني صنفة
الثوب الذي يلي الميت فيبدأ بالأيسر على الأيمن وبالأيمن على الأيسر وقال في موضع يبدأ بالأيمن
على الأيسر ثم الا يسر على الأيمن فمن أصحابنا من جعلهما قولين أحدهما يبدأ بالأيسر على الأيمن
والثاني يبدأ بالأيمن على الأيسر ومنهم من قال هي على قول واحد انه تثنى صنفة الثوب الأيسر
على جانبه الأيمن وصنفة الثوب الأيمن على جانبه الأيسر كما يفعل الحي بالساج يعنى الطيلسان
وهذا هو الأصح لان في الطيلسان ما على الجانب الأيسر هو الظاهر ثم يفعل ذلك في بقية الأكفان
وما يفضل من عند الرأس بشئ على وجهه وصدره فان احتيج إلى شد الا كفان شدت ثم يحل عنه
عند الدفن لأنه يكره أن يكون معه في القبر شئ معقود فإن لم يكن له الا ثوب واحد قصير لا يعم
البدن غطي رأسه وترك الرجل لما روى أن مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد ولم يكن
له الا نمرة فكان إذا غطي بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدار رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه شيئا من الإذخر} *
{الشرح} حديث مصعب رواه البخاري ومسلم من رواية خباب بن الأرت وقوله
203

تثنى صنيفة هو بفتح أول تثني والصنيفة - بفتح الصاد المهملة وكسر النون - وبعد النون ياء والمشهور في
كتب اللغة صنفة بلاياء قال الأزهري هي زاوية الثوب وكل ثوب مربع له أربع صنفات قال وقيل
صنفته طرفه والساج بسين مهملة وجيم مخففة - وجمعة سيجان قال الأزهري هو الطيلسان المقور
نسبج كذلك والإذخر - بكسر الهمزة والخاء - حشيش معروف ومصعب بن عمير من فضلاء
الصحابة والسابقين إلى الاسلام ويوم أحد كان يوم السبت لا حدى عشرة خلت من شوال سنة
ثلاث من الهجرة والنمرة - بفتح النون وكسر الميم - وهي ضرب من الأكسية وقيل شملة مخططة من
صوف وقيل فيها أمثال الأهلة * أما الأحكام ففي الكيفية المستحبة في لف الا كفان الطريقان
اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران (أصحهما) عند الأكثرين يبدأ فيثني الثوب الذي يلي بدن
الميت شقه الأيسر على شق الميت الأيمن ثم الأيمن على الأيسر كما يفعل الحي بالقباء ثم يلف الثوب
الثاني والثالث كذلك والطريق الثاني على قولين (أحدهما) هذا (والثاني) يثني أولا الشق الأيمن
ثم الأيسر قال الشافعي في المختصر والمنصف والأصحاب رحمهم الله وإذا لف الكفن عليه جمع
الفاضل عند رأسه جمع العمامة ورده على وجهه وصدره إلى حيث ينتهي وما فضل عند رجليه يجعل على
القدمين والساقين قال أصحابنا ويستحب أن يوضع الميت على الا كفان بحيث إذا لف عليه كان
الفاضل عند رأسه أكثر لحديث مصعب رضي الله عنه وان لم يكن الا ثوب لا يعم كل البدن ستر
وتركت الرجلان وجعل عليهما حشيش ونحوه لحديث مصعب قال الشافعي في المختصر والأصحاب
فان خيف انتشار الا كفان عند الحمل شدت بشداد يعقد عليها فإذا أدخلوه القبر حلوه هذا لفظ
الشافعي والأصحاب قال المصنف وجماعة لأنه يكره أن يكون في القبر شئ معقود *
* قال المصنف رحمه الله *
204

{وأما المرأة فإنها تكفن في خمسة أثواب ازار وخمار وثلاثة أثواب وهل يكون أحد الثلاثة
درعا فيه قولان (أحدهما) أن أحدها درع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " ناول أم عطية
رضي الله عنها في كفن ابنته أم كلثوم أزار أو درعا وخمارا وثوبين ملآءا (والثاني) أنه لا يكون فيها
درع لان القميص إنما تحتاج إليه المرأة لتستتر به في تصرفها والميت لا يتصرف فان قلنا لا درع فيها
أزرت بإزار وخمرت بخمار وتدرج في ثلاثة أثواب وإذا قلنا فيها درع أزرت بإزار وتلبس
الدرع وتخمر بخمار وتدرج في ثوبين قال الشافعي رحمه الله ويشد على صدرها ثوب ليضم ثيابها
فلا تنتشر وهل يحل عنها الثوب عند الدفن فيه وجهان قال أبو العباس يدخل معها وعليه يدل
كلام الشافعي فإنه ذكر أنه يشد ولم يذكر أنه يحل وقال أبو إسحاق ينحى عنها في القبر وهو الأصح
لأنه ليس من جملة الكفن} *
{الشرح} الحديث المذكور رواه أبو داود باسناده عن ليلي بنت قانف - بالنون المكسورة
وبعدها فاء - الثقفية الصحابية رضي الله عنها قالت " كنت فيمن غسل بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد
في الثوب الآخر قالت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبا
ثوبا " اسناده حسن الا رجلا لا أتحقق حاله وقد رواه أبو داود فلم يضعفه وقوله ثوبين ملآءا - بضم الميم وبالمد
وتخفيف اللام - والحقا - بكسر الحاء وتخفيف القاف - يقال له الحقو والحقو بكسر الحاء وفتحها والحقا
والإزار والمئزر (واما قوله) الملحفة والثوب ان أدرجت فيه فهما المراد بقوله ثوبين ملآ أي غير ملفقين
بل كل واحد منهما قطعة واحدة واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب تكفين
المرأة في خمسة أثواب وان الرجل يكفن في ثلاثة ولا يستحب الزيادة ويجوز إلى خمسة بلا كراهة ويكره
مجاوزة الخمسة في الرجل والمرأة والخنثى كالمرأة ذكره جماعة من أصحابنا قال امام الحرمين قال
الشيخ أبو علي رحمه الله وليس استحباب الخمسة في حقها متأكدا كتأكد الثلاثة في حق الرجل
قال الامام وهذا متفق عليه هذا حكم كفنها المستحب (وأما) الواجب ففيه الوجهان السابقان في أول
الباب (أحدهما) ثوب ساتر لجميع البدن (وأصحهما) ساتر العورة وهي جميع بدن الحرة الا وجهها
وكفيها وبهذا قطع الماوردي في كفن المرأة قال أصحابنا وإذا كفن الرجل والمرأة في ثلاثة فهي
لفائف وان كفن الرجل في خمسة فثلاث لفائف وقميص وعمامة ويجعلان تحت اللفائف وقد سبق
بيان هذا وان كفنت في خمسة فقولان (أحدهما) ازار وخمار وثلاث لفائف (والثاني) ازار وخمار
ودرع وهو القميص ولفافتان وهذان القولان مشهوران وقد ذكرهما المزني في المختصر فقال أحب
أن يكون أحدا لخمسة درعا لما رأيت فيه من فعل العلماء وقد قاله الشافعي مرة ثم خط عليه هذا كلام المزني
205

رحمه الله فأشار إلى القولين وسماهما جماعة من الخراسانيين قديما وجديدا فجعلوا القديم استحباب الدرع
والجديد عدمه قالوا والقديم هنا هو الأصح وهي من المسائل التي يفتي فيها على القديم وقال الشيخ أبو حامد
في تعليقه والمحاملي في التجريد المعروف للشافعي في عامة كتبه ان فيها درعا وهو القميص قالا وذكر المزني
ان الشافعي رحمه الله كان يذهب إلى القديم ثم خط عليه قال المحاملي ولا تعرف هذه الرواية إلا من المزني
فالمسألة على قولين (أصحهما) ان فيها درعا هذا كلام المحاملي واتفق الأصحاب على أنه يستحب فيها الدرع
وقطع به جماعة واما من قال إن هذا مما يفتى به على القديم فغير مقبول لان هذا القديم يوافقه
معظم الجديد كما ذكره الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما ومن قال لا درع يحتاج إلى جواب عن
الحديث ولعله يحمله على بيان الجواز ويكون اعتماده على القياس على الرجل فإنه لا يستحب فيه
القميص بلا خلاف إذا كان ثلاثة والخمسة في المرأة كالثلاثة في الرجل وإذا كفن الرجل والمرأة في
ثلاث لفائف فوجهان (أحدهما) يستحب كونها متفاوتة فالسفلى تأخذ سرته وركبته وما بينهما
(والثانية) من عنقه إلى كعبه (والثالثة) تستر جميع البدن (والثاني) وهو الصحيح وقطع به امام الحرمين
والغزالي وجماعة تكون متساوية في الطول والعرض يستوعب كل واحدة منها جميع البدن قالوا ولا فرق
206

في التكفين في ثلاثة أثواب بين الرجل والمرأة وإنما يفترقان في الخمسة كما سبق وإذا كفنت المرأة
في خمسة قال الشافعي يشد على صدرها ثوب ليضم أكفانها فلا تنتشر واتفق الأصحاب عليه واختلفوا
في المراد به فقال أبو إسحاق المروزي هو ثوب سادس ويحل عنها إذا وضعت في القبر قال والمراد
بالثوب خرقة تربط لتجمع الأكفان وقال أبو العباس بن سريج هو أحد الأثواب الخمسة وترك
عليها في القبر كباقي الخمسة واتفق الأصحاب على أن قول أبى اسحق هو الصحيح هكذا ذكروا
صورة الوجهين وخلاف أبى العباس وأبى اسحق وممن ذكره هكذا شيخ الأصحاب أبو حامد
والبندنيجي والماوردي وأبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وامام الحرمين والباقون وعبارة المصنف
ليست صريحة في هذا فتتأول عليه قال أصحابنا رحمهم الله واما ترتيب الخمسة فان قلنا بقول أبي إسحاق
وقلنا بالقميص وهو الدرع شد عليها المئزر ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في لفافتين ثم يشد
الثوب السادس وينحى في القبر وان قلنا لا قميص ازرت ثم خمرت ثم تلف في اللفائف الثلاث ثم
يشد الثوب السادس واما على قول ابن سريج فان قلنا بالقميص شد المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم يشد
عليها الشداد ثم تلف في لفافة سابغة وهي الثوب الخامس فيكون الشداد مستورا وان قلنا لا قميص
شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في لفافة سابغة ثم يشد الشداد ثم تلف في الخامس وهو أسبغها وهذا
الترتيب هكذا على التفصيل الذي ذكرناه مستحب باتفاق الأصحاب فلو خولف أجزأ وفاتت
الفضيلة والحديث الذي ذكرناه ظاهر في استحبابه ولو قال المصنف ازرت ثم قمصت ثم خمرت
ثم لفت في لفافتين بحرف ثم لكان أحسن كما جاء في الحديث وذكره الأصحاب قال أصحابنا
وإذا قلنا بقول أبي العباس ترك الثوب الذي هو الشداد في القبر ولكنه يحل لأنه لا يترك في
القبر شئ معقود وقد نص الشافعي في الام في باب الدفن على حل عقد الثياب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا مات محرم لم يقرب الطيب ولم يلبس ولم يخمر رأسه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه
207

اللذين مات فيهما ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " وان ماتت معتدة عن وفاة ففيه وجهان
(أحدهما) لا تقرب الطيب لأنها ماتت والطيب يحرم عليها فلم يسقط تحريمه بالموت كالمحرمة (والثاني)
تقرب الطيب لأنه حرم عليها في العدة حتى لا يدعو ذلك إلى نكاحها وقد زال هذا المعنى بالموت} *
{الشرح} حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم رحمهما الله وسبق بيانه في أول الباب قال الشافعي
والأصحاب رحمهم الله إذا مات المحرم والمحرمة حرم تطييبه وأخذ شئ من شعره أو ظفره وحرم
ستر رأس الرجل والباسه مخيطا وعقد أكفانه وحرم ستروجه الحرمة وكل هذا لا خلاف فيه ويجوز
الباس المرأة القميص والمخيط كما في الحياة ولو قال المصنف يجب تجنيبه ما يجب عليه اجتنابه في
حياته لكان أحسن بل هو الصواب الذي لابد منه قال الشافعي رحمه الله في الام ولا يعقد
على الرجل ثوب ولا يلبس قميصا ولذا قال الشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني والأصحاب لا يعقد
عليه ثوب كما لا يلبس قميصا في الحياة وهذا لا خلاف فيه وهو جار على القاعدة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى
في باب الاحرام انه يحرم عليه عقد الرداء ولا يحرم عقد الإزار وهذا الذي ذكرناه من تحريم
الطيب سواء فيه الرجل والمرأة كما ذكرنا وسواء الطيب في بدنه وأكفانه والماء الذي يغسل به وهو
الكافور فكله حرام ونقل القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد ان الشافعي نص في الجامع الكبير
208

انه لا يطرح الكافور في مائه واتفق الأصحاب عليه واما التجمير وهو التبخير عند غسله فلا بأس
به كما لا يمنع المحرم من الجلوس عند العطار قال أصحابنا فان طيبه انسان أو ألبسه مخيطا عصي الفاعل
ولا فدية عليه كما لو قطع طرفا من أطراف الميت عصى ولا غرم عليه (واما) إذا ماتت معتدة محدة فهل
يحرم تطييبها فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما (أحدهما) وهو قول أبي إسحاق المروزي يحرم (والثاني)
وهو الصحيح باتفاق الأصحاب لا يحرم قال المتولي هو قول عامة أصحابنا الا أبا إسحاق المروزي قال
الماوردي والمحاملي في التجريد وليست مسألة المعتدة منصوصة للشافعي رحمه الله وقول المصنف معتدة عن
وفاة يحترز به عن معتدة رجعية وغيرها ممن لا حداد عليها واما البائن فان قلنا بالضعيف من القولين
ان عليها الاحداد فهي كالمتوفى عنها فيكون فيها الوجهان ولو قال المصنف معتدة حادة أو محدة كما
ذكرناه وقاله غيره لكان أحسن وأعم لتدخل البائن على القول الضعيف وكأنه ترك هذا القول
لضعفه فلم يحترز عنه *
209

(فرع) قال القاضي أبو الطيب في تعليقه هل يبطل صوم الانسان بالموت كما تبطل صلاته به
أم لا تبطل كما لا يبطل حجه بل يبقى حكمه ويبعث يوم القيامة ملبيا فيه وجهان لا صحابنا والأصح
بطلانه وهو ظاهر كلام الأصحاب *
(فرع) في مذاهب العلماء في غسل المحرم وتكفينه * قد ذكرنا ان مذهبنا تحريم تطييبه والباسه
مخيطا وستر رأسه وبه قال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والثوري واحمد
واسحق وداود وابن المنذر وقالت عائشة وابن عمر وطاوس والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك يطيب
ويلبس المخيط كسائر الموتى * دليلنا الحديث المذكور *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) إذا نبش القبر وأخذ الكفن قال صاحب التتمة
يجب تكفينه ثانيا سواء كفن من ماله أو من مال من عليه نفقته أو من بيت المال لان العلة في المرة
الأولى الحاجة وهي موجودة وقال صاحب الحاوي إذا كفن من ماله ثم اقتسم الورثة التركة ثم نبش وسرق
الكفن وترك عريانا استحب للورثة أن يكفنوه ثانيا ولا يلزمهم ذلك لأنه لو لزمهم ثانيا للزمهم
إلى مالا يتناهى ولو كفن ثم أكله سبع واستغنى عن كفنه فلمن يكون الكفن فيه تفصيل وخلاف
210

يأني إن شاء الله في باب السرقة حيث ذكره المصنف (الثانية) قال الصيمري وغيره لا يستحب أن
يعد الانسان لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه وهذا الذي قاله صحيح الا إذا كان من جهة يقطع
بحلها أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء أو العباد ونحو ذلك فان ادخاره حينئذ حسن وقد
ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان
عليه بردة فطلبها رجل منه فأعطاه إياها فقال له الصحابة ما أحسنت سألته وعلمت انه لا يرد قال
أنى والله ما سألته لا لبسه إنما سألته ليكون كفني قال سهل فكانت كفنه " (الثالثة) ذكرنا ان
مذهبنا استحباب تكفين البالغ والصبي في ثلاثة أثواب وبه قال جمهور العلماء قال ابن المنذر وكان
سويد بن علقمة يكفن في ثوبين قال وقال أبو حنيفة النعمان يكفن في ثوبين وكان ابن عمر يكفن
في خمسة (وأما) الصبي فقال ابن المنذر قال ابن المسيب يكفن في ثوب وقال احمد واسحق في خرقة
فان كفن في ثلاثة فلا بأس وعن الحسن وأصحاب الرأي في ثوبين واختار ابن المنذر ثلاثة (وأما)
المرأة فذكرنا ان مذهبنا انه يستحب تكفينها في خمسة أثواب قال ابن المنذر وبه قال أكثر العلماء
منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي والأوزاعي وأحمد واسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال عطاء
ثلاثة أثواب درع وثوب تحته ولفافة فوقهما وقال سليمان بن موسي درع وخمار ولفافة *
{باب الصلاة على الميت}
* قال المصنف رحمه الله *
{الصلاة على الميت فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا خلف من قال لا اله
إلا الله وعلى من قال لا إله إلا الله " وفى أدنى ما يكفي قولان (أحد ما) ثلاثة لان قوله صلى الله عليه
وسلم صلوا خطاب جمع وأقل الجمع ثلاثة (والثاني) يكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة
فلم يكن من شرطها العدد كسائر الصلوات ويجوز فعلها في جميع الأوقات لأنها صلاة لها سبب
فجاز فعلها في كل وقت ويجوز فعلها في المسجد وغيره لما روت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه
وسلم " صلي على سهيل بن بيضاء في المسجد " والسنة أن يصلى في جماعة لما روى مالك بن هبيرة
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين الا وجب "
وتجوز فرادى لان النبي صلى الله عليه وسلم " مات فصلي عليه الناس فوجا فوجا " وان اجتمع نساء
لا رجل معهن صلين عليه فرادى فان النساء لا يسن لهن الجماعة في الصلاة على الميت وإن صلين
جماعة فلا بأس} *
211

{الشرح} حديث " صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وعلى من قال لا إله إلا الله " ضعيف رواه الحاكم
أبو عبد الله في تاريخ نيسابور من رواية ابن عمر عن النبي صلى عليه وسلم وإسناده ضعيف رواه الدارقطني
كذلك بأسانيد ضعيفة وقال لا يثبت منها شئ وتغنى أحاديث كثيرة في الصحيح كقوله صلى الله عليه وسلم
" صلوا على صاحبكم " وهذا أمر وهو للوجوب وقد نقلوا الاجماع على وجوب الصلاة على الميت الا ما حكى
عن بعض المالكية انه جعلها سنة وهذا متروك عليه لا يلتفت إليه (وأما) حديث عائشة فرواه مسلم في
صحيحه (وأما) حديث مالك بن هبيرة فحديث حسن رواه أبو داود والترمذي قال الترمذي حديث
حسن وقال الحاكم هو صحيح على شرط مسلم (وأما) حديث صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم
أفواجا فرواه البيهقي باسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " لما صلى على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ادخل الرجال فصلوا عليه بغير امام ارسالا حتى فرغوا ثم ادخل النساء وصلين عليه ثم ادخل
الصبيان فصلوا عليه ثم ادخل العبيد فصلوا عليه ارسالا لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال
الشافعي في الام ورواه عنه أيضا البيهقي وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي
وتنافسهم فيمن يتولي الصلاة عليه وصلوا عليه مرة بعد مرة (وقوله) ارسالا - بفتح الهمزة - أي متتابعين
(وقوله) أفواجا أي يدخل فوج يصلون فرادى ثم فوج كذلك (قوله) ليس من شرطها الجماعة احتراز
من الجمعة (قوله) سهيل بن بيضاء هي أمه واسمها دعد والبيضاء لقب واسم أبيه وهب بن ربيعة وكان
سهيل من السابقين إلى الاسلام وهاجر إلى الحبشة والمدينة وشهد بدرا وما بعدها وتوفى سنة تسع
من الهجرة وكان هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنهما أسن الصحابة رضي الله عنهم ومالك بن هبيرة
صحابي مشهور كندي سكوبي مصري كان أميرا لمعاوية على الجيوش (وقوله) الا وجب كذا هو في
المهذب والذي في كتب الحديث أوجب بالألف وهو في رواية الحاكم والبيهقي الا غفر له وهو
معني أوجب وان صح الذي في المهذب كان معناه وجب له الجنة (وقوله) فان النساء لا يسن لهن الجماعة
في الصلاة على الميت هذا مما ينكر فيقال هذا تعليل بنفس الحكم الذي ادعاه * اما الأحكام ففيه
مسائل (إحداها) الصلاة على الميت فرض كفاية بلا خلاف عندنا وهو اجماع والمروى عن بعض
المالكية مردود كما سبق وفى أقل ما يسقط به الفرض قولان للشافعي ووجهان للأصحاب أحد القولين
ثلاثة وهو نصه في الام وبه قطع الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد وصاحب الحاوي
(والثاني) يكفي واحد حكاه القاضي أبو الطيب والقاضي حسين وابن الصباغ والمتولي عن نص الشافعي
في الجامع الكبير (وأحد الوجهين) يشترط اثنان (والثاني) يشترط أربعة حكاهما القاضي حسين والبغوي
وآخرون من الخراسانيين وقاسوا الأربعة على حمل الجنازة وضعف امام الحرمين هذا بأن الأفضل
212

في حمل الجنازة الحمل بين العمودين وذلك يحصل بثلاثة ولأنه إذا قلنا يحمل الجنازة أربعة لا يقال إنه
واجب وكلامنا هنا في الواجب والأصح من الخلاف الاكتفاء بواحد لأنه يصدق عليه انه صلي
على الميت ممن صححه الجرجاني والروياني والرافعي وغيرهم وصحح البندنيجي والسرخسي
اشتراط الثلاثة فان قلنا يشترط اثنان أو ثلاثة أو أربعة سقط الفرض بفعلهم جماعة أو فرادى
بلا خلاف لكن الجماعة أفضل وتكثيرها أفضل وهل يسقط هذا الفرض بصلاة النساء مع وجود
الرجال فيه وجهان (أصحهما) لا يسقط وبه قطع الفوراني والبغوي وآخرون (والثاني) يسقط وبه قطع
المتولي والخنثى كالمرأة في هذا (وأما) إذا لم يحضره الا النساء فإنه يجب عليهن الصلاة عليه بلا خلاف
ويسقط الفرض بفعلهن حينئذ بلا خلاف ويصلين فرادى فان صلين جماعة فلا بأس هذه عبارة
الشافعي والأصحاب وسواء كان الميت رجلا أو امرأة وحكى الرافعي عن حكاية أبي المكارم صاحب
العدة وجها ضعيفا انه يستحب لهن الجماعة في جنازة المرأة وهو شاذ (وأما) إذا حضر النساء مع الرجال
فلا خلاف انه لا يتوجه الفرض إليهن ولا يدخلن فيه صرح به الشيخ أبو حامد والأصحاب ولو لم
يحضر إلا رجل ونسوة وقلنا لا يسقط الفرض بواحد وجب عليهن التتميم (وأما) الصبيان المميزون
فمعلوم انه لا يتوجه إليهم هذا الفرض وهل يسقط بصلاتهم فيه وجهان حكاهما البغوي والمتولي
وآخرون (أصحهما) يسقط قال البغوي ونص عليه الشافعي لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ ولو صلي
الامام بجماعة على جنازة فبان حدث الامام أو بعض المأمومين فان بقي على الطهارة العدد المشروط
أو واحد ان اكتفينا به سقط الفرض وإلا فلا نص عليه الشافعي واتفق عليه إلا صحاب قال أصحابنا
رحمهم الله وإذا صلى على الجنازة عدد زائد على المشروط وقعت صلاة الجميع فرض كفاية وكذا
لو صلت طائفة بعد طائفة فصلاة الجميع فرض كفاية وسيأتي فيه زيادة شرح وتفريع في الفصل
العاشر من هذا الباب إن شاء الله تعالى
(المسألة الثانية) تجوز صلاة الجنازة في كل الأوقات
ولا تكره في أوقات النهي لأنها ذات سبب قال أصحابنا لكن يكره ان يتحرى صلاتها
في هذه الأوقات بخلاف ما إذا حصل ذلك اتفاقا وقد سبقت المسألة بأدلتها في باب الساعات
(الثالثة) الصلاة على الميت في المسجد صحيحة جائزة لا كراهة فيها بل هي مستحبة صرح
باستحبابها في المسجد الشيخ أبو حامد الأسفرايني شيخ الأصحاب والبندنيجي وصاحب الحاوي
والجرجاني وآخرون هذا مذهبنا وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وهو مذهب
عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من الصحابة رضي الله عنهم وأحمد واسحق
وابن المنذر وغيرهم من الفقهاء وبعض أصحاب مالك وقال مالك وأبو حنيفة وابن أبي ذئب يكره
213

تكره الصلاة عليه في المسجد * واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من صلي على جنازة في المسجد فلا شئ " رواه أبو داود وغيره * واحتج أصحابنا بحديث عائشة
المذكور في الكتاب وهو في صحيح مسلم كما ذكرناه (واما) حديث أبي هريرة هذا (فجوابه) من أوجه
(أحدها) انه ضعيف باتفاق الحفاظ وممن نص على ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر بن المنذر
والبيهقي وآخرون قال احمد هذا الحديث مما انفرد به صالح مولي التوءمة وهو مختلف في عدالته لكن
معظم ما عابوا عليه الاختلاط قالوا وسماع ابن أبي ذئب ونحوه منه قبل الاختلاط وهذا الحديث من
رواية ابن أبي ذئب عنه والله أعلم (الوجه الثاني) ان الذي ذكره أبو داود في روايته في جميع نسخ كتابه
المعتمدة فلا شئ عليه وعلى هذا لا دلالة فيه لو صح (واما) رواية فلا شئ له فهي مع ضعفها غريبة ولو صحت
لوجب حملها على فلا شئ عليه للجمع بين الروايات وقد جاء مثله في القرآن كقوله تعالى (ان أحسنتم
أحسنتم لا نفسكم وان أسأتم فلها) أي فعليها (الثالث) أجاب به الخطابي وسائر أصحابنا في كتب
المذهب انه لو ثبت لكان محمولا على نقصان الاجر لان المصلى عليها في المسجد ينصرف غالبا إلى
أهله ومن صلي عليها في الصحراء حضر دفنها غالبا فنقص اجر الأول ويكون التقدير فلا اجر
كامل له كقوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بحضرة الطعام " أي لا صلاة كاملة (فان قيل) لا حجة في حديث
عائشة لاحتمال انه صلى الله عليه وسلم إنما صلي عليه في المسجد لعذر مطر أو غيره أو انه وضعه خارج المسجد وصلى
عليه هو في المسجد أو ان المراد بالمسجد مصلي الجنائز (فالجواب) ان هذه الاحتمالات كلها باطلة لان لفظ
الحديث في صحيح مسلم عن عباد بن عبد الله بن الزبير " ان عائشة رضي الله عنها أمرت ان تمر بجنازة
سعد ابن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت ما أسرع ما نسي الناس
ما صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء الا في المسجد " وفي رواية لمسلم عن عائشة
انها قالت " لما توفى سعد بن أبي وقاص ارسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ان يمروا بجنازته في
المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه أخرج به من باب الجنائز الذي كان
إلى المقاعد فبلغهن ان الناس عابوا ذلك فقالت عائشة رضي الله عنها ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا
مالا علم لهم به عابوا علينا ان نمر بجنازة في المسجد وما صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل
ابن بيضاء الا في جوف المسجد " وفى رواية لمسلم أيضا قالت عائشة رضي الله عنها " لقد صلي رسول الله
صلى الله عليه وسلم " على ابن بيضاء في المسجد سهيل وأخيه "
(الرابعة) تجوز صلاة الجنازة فرادى بلا خلاف
والسنة ان يصلي جماعة للحديث المذكور في الكتاب مع الأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع
اجماع المسلمين وكلما كثر الجمع كان أفضل لحديث مالك بن هبيرة المذكور في الكتاب وحديث عائشة
وأنس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت " ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون
214

مائة كلهم يشفعون له الا شفعوا فيه " رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال " سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا الا
شفعهم الله فيه " رواه مسلم ويستحب أن تكون صفوفهم ثلاثة فصاعد الحديث مالك بن هبيرة وفي تمام
حديثه وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف (واما) النساء فان كن مع الرجال صلين
مقتديات بامام الرجال وان تمحضن قال الشافعي والمصنف والأصحاب استحب ان يصلين منفردات
كل واحدة وحدها فان صلت بهن إحداهن جاز وكان خلاف الأفضل وفى هذا نظر وينبغي ان تسن
لهن الجماعة كجماعتهن في غيرها وقد قال به جماعة من السلف منهم الحسن بن صالح وسفيان الثوري
واحمد وأصحاب أبي حنيفة وغيرهم وقال مالك فرادى *
* قال المصنف رحمه الله *
{ويكره نعى الميت للناس والنداء عليه للصلاة لما روى عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال
" إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا انى أخاف أن يكون نعيا " وقال عبد الله " الايذان بالميت من نعى الجاهلية "} *
{الشرح} النعي - بفتح النون وكسر العين وتشديد الياء - ويقال باسكان العين وتخفيف
الياء لغتان والتشديد أشهر والنداء - بكسر النون وضمها - لغتان الكسر أفصح وروى الترمذي
باسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا اني أخاف ان يكن نعيا فاني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينهي عن النعي) قال الترمذي حديث حسن * اما حكم المسألة فقال
المصنف والبغوي وجماعة من أصحابنا يكره نعي الميت والنداء عليه للصلاة وغيرها وذكر الصيدلاني
وجها أنه لا يكره وقال صاحب الحاوي اختلف أصحابنا هل يستحب الايذان بالميت وإشاعة موته
في الناس بالنداء عليه والا علام فاستحبه بعضهم لكثرة المصلين والداعين
215

له وقال بعضهم لا يستحب ذلك وقال بعضهم يستحب ذلك للغريب إذا لم يؤذن به لا يعلمه الناس وقال
صاحب التتمة يكره ترثية الميت بذكر آبائه وخصائله وأفعاله ولكن الأولى الاستغفار له وقال غيره يكره نعيه
والنداء عليه للصلاة
(فاما) تعريف أهله وأصدقائه بموته فلا بأس به وقال ابن الصباغ في آخر كتاب الجنائز قال
أصحابنا يكره النداء عليه ولا بأس ان يعرف أصدقاؤه وبه قال أحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة
لا بأس به ونقل العبدري عن مالك وأبي حنيفة وداود انه لا بأس بالنعي هذا ما ذكره الا صحاب
فقد ثبت في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعي النجاشي لأصحابه في اليوم الذي
مات فيه وخرج بهم إلى المصلي وصلى بهم عليه " وانه صلى الله عليه وسلم " نعى جعفر بن أبي طالب
وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم وانه صلى الله عليه وسلم قال في إنسان كان
يقم المسجد أي يكنسه فمات فدفن ليلا أفلا كنتم آذنتموني به " وفى رواية " ما منعكم أن تعلموني "
فهذه النصوص في الإباحة وجاء في الكراهة حديث حذيفة الذي ذكرناه قال البيهقي ويروى ذلك
يعنى النهى عن ابن مسعود وابن عمر وأبى سعيد ثم علقمة وابن المسيب والربيع بن خيثم وإبراهيم
النخعي رضي الله عنهم ولمن قال بالكراهة ان يجيب عن نعي النجاشي وغيره ممن سبق أنه لم يكن
نعيا وإنما كان مجرد اخبار بموته فسمي نعيا لشبهه به في كونه إعلاما (والجواب) لمن قال بالإباحة أن
النهى إنما هو عن نعي الجاهلية الذي أشار إليه صاحب التتمة ولا يرد عليه قول حذيفة لأنه لم يقل
ان الاعلام بمجرده نعى وإنما قال أخاف أن يكون نعيا وكأنه خشي ان يتولد من الاعلام زيادة
مؤدية إلى نعى الجاهلية (والصحيح) الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها وغيرها أن
الاعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه بل إن قصد به الاخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما
يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء وهذا نعي الجاهلية
المنهي عنه فقد صحت الأحاديث بالأعلام فلا يجوز الغاؤها وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه
والحديث المحققين والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{وأولى الناس بالصلاة عليه الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم
ثم ابن العم على ترتيب العصبات لان القصد من الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء ارجاء للإجابة
فإنهم أفجع بالميت من غيرهم فكانوا بالتقديم أحق فان اجتمع أخ من أب وأم وأخ من أب
فالمنصوص ان الأخ من الأب والام أولي ومن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) هذا (والثاني)
216

انهما سواء لان الام لا مدخل لها في التقديم في الصلاة على الميت فكان في الترجيح بها قولان
كما نقول في ولاية النكاح ومنهم من قال الأخ من الأب والام أولي قولا واحدا لان الام وان لم
يكن لها مدخل في التقديم إلا أن لها مدخلا في الصلاة على الميت فرجح بها قولا واحدا كما نقول في
الميراث يقدم بها الأخ من الأب والام على الأخ من الأب حين كان لها مدخل في الميراث وإن لم
يكن لها مدخل في التعصيب قال الشافعي رحمه الله وان اجتمع وليان في درجة قدم الأسن لان
دعاؤه أرجى إجابة فإن لم يوجد الأسن قدم الأقرأ الأفقه لأنه أفضل وصلاته أكمل فان استويا أقرع
بينهما لأنهما تساويا في التقديم فأقرع بينهما وان اجتمع حر وعبد هو أقرب إليه من الحر فالحر أولي
لان الحر من أهل الولاية والعبد ليس من أهل الولاية وان اجتمع الوالي والولي المناسب ففيه قولان
قال في القديم الوالي أولي لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤم الرجل في سلطانه " وقال في الجديد الولي
أولى لأنه ولاية تترتب فيها العصبات فقدم الولي على الوالي كولاية النكاح} *
{الشرح} قوله لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤم الرجل في سلطانه " رواه مسلم وسبق بيانه
في باب صفة الأئمة (وقوله) قال الشافعي رحمه الله فإن لم يحمد الأسن هو بياء مضمومة ثم حاء مهملة
ساكنة ثم ميم مفتوحة أي لم يكن محمود الطريقة بأن يكون فاسقا أو مستدعا هكذا فسره الأصحاب
زاد المحاملي في التجريد أو جاهلا زاد المحاملي أيضا في المجموع أو يهود يا أسلم وفى هذا إشارة إلى
ما ذكره غيره أنه إنما يقدم بالسن في الاسلام كسائر الصلوات لكن في تسمية هذا غير محمود الحال
نظر (وقوله) لأنها ولأنه تترتب فيها العصبات فقدم فيه الولي على الوالي كولاية النكاح احتراز من
إقامة حدود الله تعالى *
اما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) إذا اجتمع الولي المناسب والوالي
فقولان مشهوران (القديم أن الوالي أولى ثم امام المسجد ثم الولي و (الجديد) الصحيح أن الولي مقدم
على الوالي وامام المسجد وممن صرح بتقديم امام المسجد على الولي تفريعا على القديم صاحب التهذيب
والرافعي واحتجوا للقديم بحديث لا يؤم الرجل في سلطانه وللجديد بأنها ولاية تترتب فيها العصبات
فقدم الولي على الوالي كالنكاح وحملوا الحديث على غير صلاة الجنازة وممن قال بتقديم الوالي علقمة
والأسود والحسن البصري وسويد بن غفلة ومالك وأبو حنيفة واحمد واسحق قال بن المنذر هو
قول أكثر أهل العلم قال وبه أقول قال وروى عن علي ولا يثبت عنه وممن قال بتقديم الولي الضحاك
وأبو يوسف (الثانية) قال أصحابنا القريب الذي يقدم الذكر فلا يقدم غير الولي القريب عليه الا أن
217

يكون القريب أنثى فيقدم الرجل الا جنبي عليها إذ لا امامة لها حتى يقدم الصبي المميز الأجنبي على
المرأة القريبة وكذا الرجل أولي بامامة النساء من المرأة في سائر الصلوات لان إمامته أكمل (الثالثة)
أولي الأقارب الأب ثم الجد. أب الأب وان علائم الابن ثم ابن الابن وان سفل ثم الأخ للأبوين
وللأب وهل يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب فيه طريقان حكاهما المصنف والأكثرون
(أصحهما) وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون وهو المذهب والمنصوص تقديمه كما في الميراث لان
الام لها مدخل في صلاة الجنازة قال الشيخ أبو حامد نص الشافعي في القديم والجديد على تقديم
الأخ من الأبوين (والطريق) الثاني فيه قولان (أحدهما) يستويان (والثاني) تقديمه كالقولين في ولاية
النكاح لان الام لا مدخل لها في الإمامة فعلى المذهب المقدم بعدهما ابن الأخ للأبوين ثم الأب
ثم العم للأبوين ثم للأب ثم ابن العم للأبوين ثم للأب ثم عم الأب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه على
ترتيب الإرث قال أصحابنا ولو اجتمع عمان أو ابنا عم أحدهما لأبوين والآخر لأب ففيه
الطريقان قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لام
ففيه الطريقان (المذهب) تقديمه فإن لم يكن عصبة من النسب قدم المعتق ثم عصبته هكذا جزم به
الشيخ أبو حامد والقاضي حسين وابن الصباغ والمتولي وآخرون وهو ظاهر ومفهوم من كلام
المصنف معلوم من قوله على ترتيب العصبات والمولي من العصبات وله حكمهم في ولاية النكاح
والإرث وغير ذلك ثم بعد العتق وعصباته تقدم ذوو الأرحام فيقدم أب الام ثم الأخ للام ثم
الخال ثم العم للام قال القاضي حسين وغيره ولو اجتمع جد مملوك وأخ لام حر فأيهما أولي فيه وجهان ولم
يرجح واحدا منهما والأصح ترجيح الحر (الرابعة) إذا اجتمع اثنان في درجة كابنين أو أخوين
أو عمين أو ابني أخ ونحو ذلك وتنازعا في الإمامة فقد نص في المختصر أن الأسن أولي لان دعاءه
أرجى إجابة وقال في سائر الصلوات الأفقه والأقرأ أولى من الأسن فقال المصنف والجمهور المسألتان
على ما صنف عليه وهذا هو المذهب وفرقوا بأن المقصود هنا الدعاء ودعاء الأسن أقرب إلى الإجابة
لأنه أخشع غالبا واحضر قلبا والمراد في سائر الصلوات مراعاة ما يطرأ فيها مما يحتاج إلى فقه ومراعاة أقوالها
وأفعالها وقيل فيهما قولان بالنقل والتحريج (أحدهما) يقدم الأسن فيهما (والثاني) يقدم الأفقه
والأقرأ فيهما هكذا قاله امام الحرمين والغزالي في البسيط قال امام الحرمين وهذا الذي ذكرناه
من طرد القولين في المسألتين ذكره العراقيون ولم يذكره المراوزة بل جزموا بتقديم الأفقه والأقرأ
في غير الصلاة على الميت وذكروا في صلاة الميت الطريقين وتابعه على هذا النقل عن العراقيين
الغزالي في البسيط والوسيط وهذا الذي نقله عن العراقيين ليس في كتبهم المشهورة بل جمهورهم
218

قرروا النص وطائفة يسيرة منهم ذكروا الطريقين في صلاة الجنازة مع ترجيحهم القول المنصوص فيها
وهو تقديم وجزموا بتقديم الأفقه والأقرأ في غير الجنازة وممن قطع بتقرير النص منهم الشيخ
أبو حامد شيخهم وامامهم وأصحابه الثلاثة القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الحاوي والمحاملي
في التجريد والمقنع والجرجاني وآخرون وممن ذكر الطريقين في الجنازة منهم وجزم بتقديم الأفقه
والأقرأ في غيرها المحاملي في المجموع وابن الصباغ ونصر المقدسي والشاشي فهؤلاء أئمة العراقيين
ولم يذكر أحد منهم التخريج إلى غير صلاة الجنازة كما نقله عنهم امام الحرمين والله أعلم * قال أصحابنا
وإنما يقدم بالسن الذي مضى في الاسلام فلا يقدم شيخ مضى معظم عمره في الكفر وأسلم من
قريب على شاب نشأ في الاسلام كما سبق بيانه في باب صفة الأئمة قال أصحابنا رحمهم الله ولا يشترط
في هذا السن الشيخوخة بل يقدم أكبر الشابين على أصغرهما قال أصحابنا وإذا قلنا بالمذهب وهو
تقديم الأسن فاستويا في السن قدم الأفقه ثم الأقرأ كما في سائر الصلوات وسبق هناك وجه بتقديم
الأورع ووجه بتقديم الأقرأ وكل ذلك يجبئ هنا إذا استويا في السن قال الشافعي والمصنف والأصحاب
فإن كان هناك أسن ولكنه غير محمود الحال كما سبق شرحه قدم الأفقه والأقرأ وصار هذا
كالمعدوم فان استويا من كل وجه أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما فقدم بالقرعة (الخامسة) إذا استوى
اثنان في درجة وأحدهما حر والآخر رقيق فالحر أولى بلا خلاف ولو اجتمع رقيق فيه وحر غير
فقيه فوجهان مشهوران (أصحهما) يقدم الحر (والثاني) الرقيق قال امام الحرمين والغزالي ولعل التسوية
بينهما أولي لتعارض الفضيلتين ولو اجتمع حر بعيد وعبد قريب كأخ هو عبد وعم حر فثلاثة أوجه
(أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين والمتولي وغيره من الخراسانيين الحر أولى لأنها ولاية
والحر أهلها دون العبد (والثاني) العبد أولى لقربه حكاه الفوراني وامام الحرمين والغزالي والبغوي
وآخرون من الخراسانيين (والثالث) هما سواء وأشار إلى اختياره إمام الحرمين والغزالي قال أصحابنا
والمكاتب والعبد القريبان أولي من الحر الأجنبي والرجل الأجنبي وإن كان عبدا أولي من المرأة
القريبة والصبيان أولي من النساء قال امام الحرمين رحمه الله والدي ذكر تصريحا وتلويحا أن الخال
وكل متمسك بقرابة فهو مقدم على الأجانب وإن كان الخال عبدا مفضولا ولو اجتمع عبد بالغ وصبي
حر فالعبد أولي بلا خلاف صرح به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وغيرهم قالوا لان العبد
مكلف فهو أحرص على تكميل الصلاة ولان الصلاة خلف العبد مجمع على جوازها واختلف العلماء
في جوازها خلف الصبي *
219

(فرع) إذا اجتمع وأبان في درجة أحدهما أفضل كان أولي كما سبق فان أراد ان يستنيب
أجنبيا ففي تمكينه منه وجهان حكاهما صاحب العدة (الأقيس) انه لا يمكن إلا برضاء الآخر قال ولو غاب
الولي الا قرب ووكل من يصلي فنائبه أحق من البعيد الحاضر خلافا لأبي حنيفة *
(فرع) قال أصحابنا لا حق للزوج في الإمامة في صلاة الجنازة هكذا صرح به الشيخ أبو حامد
شيخ الأصحاب والشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان وآخرون وشذ عنهم صاحب العدة فقال
الزوج أولي بالإمامة عليها من المولي المعتق خلافا لأبي حنيفة في رواية * دليلنا انه أشد شفقة وأتم
إرثا وهذا الذي قاله صاحب العدة شاذ مخالف لما قاله الا صحاب *
(فرع) لو أوصي الميت أن يصلي عليه أجنبي فهل يقدم الموصي له على أقارب الميت فيه طريقان
(أصحهما) وبه قطع جمهور الأصحاب بلا يقدم ولا تصح هذه الوصية لان الصلاة عليه
حق للقريب وولاته فلا تنفذ وصيته باسقاطها كما لو أوصى إلى أجنبي بتزويج بنته ولها عصبة
فإنه لا تصح وصيته (والطريق) الثاني فيه حكاه الرافعي عن الشيخ أبى محمد الجويني انه خرجه
على الوجهين فيمن أوصى أجنبيا في أمور أولاده ولهم جد (الصحيح) لا يصح (والثاني) يصح
فعلى هذا تصح وصيته إلى من يصلي عليه ويقدم على القريب قال الرافعي وبهذا أفني محمد بن يجي
صاحب الغزالي والمشهور في المذهب بطلان هذه الوصية هذا مذهبنا قال صاحب الحاوي ويقدم
الوصي على القريب يحكي عن عائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وابن سيرين وأحمد قال وهو قياس
قول مالك قال وقال الشافعي وسائر الفقهاء الأولياء أولي من الموصى له قال وهو نظير مسألة الوصية
بتزويج بنته وحكى ابن المنذر تقديم الوصي عن سعيد بن زيد وأنس وزيد بن أرقم وأبى برزة وأم
سلمة وابن سيرين وأحمد وإسحق واحتج لهم بأن أبا بكر الصديق وصى ان يصلى عليه عمر فصلى
220

ووصى عمر ان يصلي عليه صهيب فصلي ووصت عائشة ان يصلي عليها أبو هريرة فصلي وكذلك غيرهم
رضي الله عنهم * واحتج أصحابنا بأن الصلاة حق للقريب فلا تنفذ الوصية باسقاطه كالإرث وغيره
والجواب عن وصايا الصحابة رضي الله عنهم ان أولياءهم أجازوا الوصية والله أعلم *
(فرع) إذا لم يحضر الميت عصبة لبه ولا ذوو رحم ولا معتق بل حضره أجانب قدم الحر على
العبد في الصلاة عليه ويقدم البالغ وإن كان عبدا على الصبي وإن كان كما سبق فان اجتمع رجال
أحرار قدم أحقهم بالإمامة في سائر الصلوات على ما سبق تفصيله في بابه فان استووا وتنازعوا
أقرع بينهم وإن لم يحضر الا عبد قدم من يقدم في سائر الصلوات فان استووا وتنازعوا أقرع صرح
به المتولي وغيره *
(فرع) قد ذكرنا أن أحق الأقارب بالصلاة عليه أبوه ثم جده ثم ابنه ثم ابن ابنه وان سفل
ثم الأخ على الترتيب السابق وأشار إمام الحرمين إلى وجه بعيد غريب ان الأخ مقدم على الابن
مأخوذ من ولاية النكاح والمشهور الذي نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب في كل طوقهم يقدم
الابن وبنيه على الأخ وقد نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه الاجماع على تقديم الابن علي الأخ وقال
مالك رحمه الله الابن أولى من الأب والأخ وابن الأخ أولى من الجد * دليلنا القياس على ولاية
النكاح والله أعلم *
(فرع) إذا ماتت امرأة ولها ابن وزوج فحق الصلاة عليها للابن دون الزوج وبه قال مالك والليث
وقال أبو حنيفة رحمه الله زوجها أولي من ابنها منه فإن كان ابنها من غيره فهو أحق من زوجها قال
وابن العم أحق من الزوج وقال الشعبي الولي أحق من الزوج وقال ابن أبي ليلي الزوج أحق * دليلنا
على أبي حنيفة ان الابن عصبة وأكمل شفقة فقدم واحتجوا بأن الابن يلزمه طاعة أبيه فلا يتقدم
عليه والجواب ان هذا ينتقض بالجد مع الأب فان الابن مقدم عليه مع أنه يلزمه طاعته *
* قال الصنف رحمه الله *
221

{ومن شرط صحة صلاة الجنازة الطهارة وستر العورة لأنها صلاة فشرط فيها الطهارة وستر
العورة كسائر الصلوات ومن شرطها القيام واستقبال القبلة لأنها صلاة مفروضة فوجب فيها القيام
واستقبال القبلة مع القدرة كسائر الفرائض} *
{الشرح} اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يشترط لصحة صلاة الجنازة طهارة الحدث
وطهارة النجس في البدن والثوب والمكان وستر العورة واستقبال القبلة الا في شدة الخوف وأما
القيام (فالصحيح) المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور انه ركن لا تصح الا به الا في
شدة الخوف وفيه وجهان آخران للخراسانيين (أحدهما) انه يجوز القعود فيها مع القدرة على القيام
كالنوافل لأنها ليست من فرائض الأعيان خرجوه من إباحة جنائز بتيمم واحد (والثاني) ان تعينت
عليه لم يصح الا قائما والا صحت قاعدا وقد سبق بيان المسألة مبسوطة في باب التيمم قال أصحابنا
ويشترط لصحتها تقديم غسل الميت وهذا لا خلاف فيه قال المتولي وغيره حتى لو مات في بئر أو
انهدم عليه معدن وتعذر اخراجه وغسله لم يصل عليه وتصح الصلاة بعد غسله قبل تكفينه ويكره
صرح به البغوي وآخرون *
222

(فرع) قول المصنف ومن شرطها القيام قد ينكر عليه تسميته شرطا والصواب أنه ركن وفرض
كما قال المصنف والأصحاب في سائر الصلوات وكأنه سماه شرطا مجاز الاشتراك الركن والشرط
في الصلاة لا تصح إلا بهما وقد سمى أبو حامد قراءة الفاتحة هنا شرطا وهو مجاز كما ذكرنا (وقوله)
لأنها صلاة مفروضة احترز من نافلة السفر (وقوله) مع القدرة احتراز من فريضة شدة الخوف *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا ان صلاة الجنازة لا تصح الا بطهارة ومعناه ان تمكن من الوضوء
لم تصح الا به وان عجز تيمم ولا يصح التيمم مع امكان الماء وان خاف فوت الوقت وبه قال مالك
واحمد وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة يجوز التيمم لها مع وجود الماء إذا خاف فوتها ان اشتغل
بالوضوء وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري وعكرمة والنخعي وسعد بن إبراهيم ويحيى
الأنصاري وربيعة والليث والثوري والأوزاعي واسحق وأصحاب الرأي وهي رواية عن أحمد
وقال الشعبي ومحمد بن جرير الطبري والشيعة تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة مع امكان الوضوء والتيمم
لأنها دعاء قال صاحب الحاوي وغيره هذا الذي قاله الشعبي قول خرق به الاجماع فلا يلتفت
إليه * دليلنا على اشتراط الطهارة قول الله عز وجل " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) فسماه صلاة
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا على صاحبكم " وقوله صلى الله عليه وسلم " من صلي على
جنازة " وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة في تسميتها صلاة وقد قال الله عز وجل (إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الآية وفى الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة
بغير طهور " ولأنها لما افتقرت إلى شروط الصلاة دل على أنها صلاة وكون معظم مقصودها الدعاء
لا يخرجها عن كونها صلاة * ودليلنا على أبي حنيفة وموافقيه قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم) إلى قوله تعالى (فلم يجدوا ماء فتيمموا) وهذا عام في صلاة الجنازة وغيرها حتى يثبت
تخصيص وقد سبقت المسألة في باب التيمم وبالله التوفيق *
223

* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة ان يقف الامام فيها عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة وقال أبو علي الطبري السنة
ان يقف عند صدر الرجل وعند عجيزة المرأة لما روى أن أنسا رضي الله عنه " صلي على رجل فقام
عند رأسه وعلى امرأة فقام عند عجيزتها " فقال له العلاء بن زياد هكذا كانت صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم " صلي على امرأة عند عجيزتها وعلى الرجل عند رأسه قال نعم) فان اجتمع جنائز
قدم إلى الامام أفضلهم فإن كان رجل وصبي وامرأة قدم الرجل إلى الامام ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة
لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه صلي على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي
الامام والنساء مما يلي القبلة " وروى عمار بن أبي عمار أن زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم
بنت علي رضي الله عنهم ماتا فصلى عليهم سعيد بن العاص فجعل زيدا مما يليه وأمه مما تلي القبلة
وفى القوم الحسن والحسين وأبو هريرة وابن عمر ونحو من ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
والأفضل ان يفرد كل واحد منهم بصلاة فان صلي عليهم صلاة واحدة جاز لان القصد من الصلاة
عليهم الدعاء وذلك يحصل بالجمع في صلاة واحدة} *
{الشرح} حديث أنس رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وآخرون قال الترمذي هو
حديث حسن وهذا الذي ذكره المصنف أنه وقف عند رأس الرجل هو الصواب الموجود في كتب
الحديث وغيرها (وأما) قول الصيدلاني في هذا الرجل وقف عند صدره فغلط صريح وفى رواية
أبي داود أن هذه المرأة كانت أنصارية وفى رواية الترمذي أنها قرشية وذكر البيهقي الروايتين
فلعلها كانت من إحدى الطائفتين ولها خلف من الأخرى أو زوجها من الأخرى (وأما) حديث ابن
عمر رضي الله عنهما أنه صلي على تسع جنائز فرواه البيهقي باسناد حسن وأما حديث عمار بن أبي عمار
فرواه البيهقي كما هو في المهذب ورواه أبو داود والنسائي مختصرا ولفظهما قال عمار شهدت جنازة
أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي الامام فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري
وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا هذه السنة واسناده صحيح وعمار هذا تابعي مولي لبني هاشم واتفقوا
على توثيقه وعجيزة المرأة ألياها - بفتح العين وكسر الجيم - * أما الأحكام فيه مسائل (إحداها)
224

السنة أن يقف الامام عند عجيزة المرأة بلا خلاف للحديث ولأنه أبلغ في صيانتها عن الباقين
وفى الرجل وجهان (الصحيح باتفاق المصنفين وقطع به كثيرون وهو قول جمهور أصحابنا
المتقدمين انه يقف عند رأسه (والثاني) قاله أبو علي الطبري عند صدره وهذا اختيار امام الحرمين
والغزالي وقطع به السرخسي قال الصيدلاني وهو اختيار أئمتنا وقال الماوردي قال أصحابنا
البصريون عند رأسه والبغداديون عند صدره (والصواب) ما قدمته عن الجمهور وهو عند رأسه ونقله
القاضي حسين عن الأصحاب قال أصحابنا وليس للشافعي في هذه المسألة نص ممن قال هذا المحاملي
في المجموع والتجريد وصاحب الحاوي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم وقد ذكر البغوي
في كتابه شرح السنة عن الشافعي وأحمد واسحق انه يقف عند رأسه والخنثى كالمرأة فيقف عند
عجيزته فلو خالف هذا فوقف عند عجيزة الرجل أو غيرها أو رأس المرأة والخنثى أو غيره صحت
صلاته لكنه خلاف السنة هذا تفصيل مذهبنا وقال أبو حنيفة يقف عند صدر الرجل والمرأة جميعا
وقال أبو يوسف وأحمد في رواية عند عجيزة المرأة وصدر الرجل وعن أحمد رواية عند رأس الرجل
ولم يذكر ابن المنذر وغيره عنه غيرها وبه قال اسحق وحكاه الترمذي عن أحمد واسحق ونقل
العبدري عن مالك عند وسط الرجل ومنكبي المرأة قال ابن المنذر وقال الحسن البصري يقف
حيث شاء منهما * دليلنا على الجميع حديث أنس المذكور في الكتاب وعن سمرة رضي الله عنه قال
" صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها " رواه البخاري
ومسلم
(المسألة الثانية) إذا حضرت جنائز جاز أن يصلي عليهم دفعة صلاة واحدة وجاز أن يصلي
على كل واحد وحده ودليله في الكتاب واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة الا صاحب
225

التتمة فجزم بأن الأفضل أن يصلي عليهم دفعة واحدة لان فيه تعجيل الدفن وهو مأمور به والمذهب
الأول لأنه أكثر عملا وأرحبي للقبول وليس هو تأخيرا كثيرا وسواء فيما ذكرناه كانوا
ذكورا أو إناثا فإن كانوا نوعا واحدا وأراد أن يصلي عليهم صلاة واحدة ففي كيفية
وضعهم طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وكثيرون من الخراسانيين ونقله امام
الحرمين عن معظم الأئمة أنه يوضع الجميع بين يدي الامام بعضها خلف بعض ليحاذي الامام الجميع
(والطريق) الثاني حكاه أكثر الخراسانيين فيه وجهان وبعضهم يقول قولان (أصحهما) هذا (والثاني)
وبه قال أبو حنيفة يوضع الجميع صفا واحدا رأس كل واحد عند رجل الآخر ويجعل الامام جميعهم
عن يمينه ويقف في محاذاة الآخر منهم فإن كان نساء فعند عجيزتها وإن كانوا رجالا فعند رأسه أو
صدره على الوجه الآخر وإن كانوا رجالا ونساء تعين الطريق الأول بلا خلاف وإذا وضعوا
كذلك فمن يقدم إلى الامام ينظر ان جاءوا دفعة واحدة نظر ان اختلف النوع قدم الرجل أو الرجال
ثم الصبي أو الصبيان ثم الخناثى ثم النساء كما في صلاتهم وراء الامام وان حضرت جماعة خناثا قال
القاضي حسين والبغوي والمتولي وغيرهم يوضعون صفا واحدا رأس كل واحد عند رجل الآخر
حتى لا تقدم امرأة على رجل وإن اتحد النوع قدم إلى الامام أفضلهم قال إمام الحرمين وغيره والمعتبر
في الفضيلة هنا الورع والتقوى وسائر الخصال المرعية في الصلاة عليه والغلبة على الظن كونه أقرب
226

من رحمة الله تعالى قال الامام رحمه الله ولا يليق بهذا الباب التقديم بغير ما ذكرناه قالوا ولا يقدم
بمجرد الحرية فلا يقدم حر على عبد لمجرد الحرية بخلاف الإمامة وغيرها من الولايات فان الحر
مقدم فيها لأنها تصرف والحر ادخل في التصرفات من العبد ومطلق التصرف في كل شئ وإذا
مات الحر والعبد استويا في انقطاع تصرفهما وحينئذ فالورع أقرب ما يعتبر فان استووا في كل الخصال
ورضى الورثة بتقديم بعضهم قدم وان تنازعوا أقرع بينهم صرح به امام الحرمين والأصحاب هذا
كله إذا جاءت الجنائز دفعة واحدة فان جاءت متعاقبة قدم إلى الامام أسبقهما وإن كان مفضولا
هذا ان اتحد النوع (أما) إذا اختلف فيقدم بالذكورة فلو حضرت امرأة أولا ثم حضر رجل أو صبي
قدم عليها إلى الامام لأن مرتبة الرجال التقدم فإن كانت قد وضعت بقرب الامام نحيت وقدم إليه الرجل
والصبي (وأما) إذا سبق الصبي فوجهان (الصحيح) الذي نص عليه الشافعي وقطع به معظم الأصحاب
ان الصبي يقدم إلى الامام ويكون الرجل وراءه بخلاف المرأة لان الصبي له موقف في الصف بخلاف
المرأة (والوجه الثاني) حكاه امام الحرمين وغيره وبه قطع المحاملي في المجموع ان الرجل يقدم فينحى
الصبي ويقدم الرجل كما في المرأة والمذهب الأول والخنثى مؤخر عن الصبي مقدم على المرأة وإن كانت
جنازته سابقة (المسألة الثالثة) فيمن يصلي عليهم * إذا صلى عليهم دفعة فإن كان الامام فظاهر وإن كان
بعض الأولياء فان رضوا بصلاة واحدة قدم ولى السابقة رجلا كان ميته أو امرأة وان حضرت
الجنائز دفعة أقرع بينهم وان لم يرضوا بصلاة واحدة صلى كل واحد على ميته قال الشافعي في الام
والبندنيجي والبغوي وغيرهما من الأصحاب لو افتتح الامام الصلاة على الجنازة ثم حضرت أخرى
وهم في الصلاة تركت حتى يفرغ من صلاته على الأولى ثم يصلى على الثانية قال الشافعي رحمه الله
ولا يعتد بالتكبير الذي كان قبل حضوره لأنه لم ينو هذه الثانية والله أعلم *
(فرع) لو تقدم المصلي على الجنازة عليها وهي حاضرة أو صلى على القبر وتقدم عليه ففيه وجهان
227

مشهوران (أصحهما) بطلان صلاته ونقل الرافعي الاتفاق على تصحيحه وقال المتولي وجماعة ان جوزنا
تقدم المأموم على الامام جاز هذا وإلا فلا على الصحيح ولو صلي المأموم قدام الامام وقدام الجنازة
فان أبطلنا صلاة المنفرد إذا تقدم على الجنازة فهذا أولي وإلا ففيه القولان المشهوران في تقدم المأموم
على الامام (الصحيح) بطلانها فحصل من هذا كله انه متى تقدم على الجنازة أو القبر أو الامام فالصحيح
بطلان صلاته *
(فرع) في مذاهب العلماء في كيفية وضع الجنائز إذا صلى عليها دفعة * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه
يقدم إلى الامام الرجل ثم الصبيان ثم الخناثى قال ابن المنذر وممن قال يقدم الرجال مما يلي الامام
والنساء وراءهم عثمان بن عفان وعلي وابن عمر وابن عباس والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة
وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وسعيد بن المسيب والشعبي وعطاء والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري
ومالك والثوري وأصحاب الرأي وأحمد واسحق قال وبه أقول قال وقال الحسن والقاسم بن محمد
وسالم بن عبد الله يجعل النساء مما يلي الامام والرجال مما يلي القبلة وعن أحمد رواية ان المرأة تقدم
إلى الامام على الصبي والله أعلم *
(فرع) قول المصنف فان صلي عليهم صلاة واحدة جاز * هكذا مكرر لا حاجة إليه فإنه سبق
في قوله فان اجتمع جنائز قدم إلى الامام أفضلهم وكأنه أعاده ليذكر دليله من حيث المعنى وإن
228

كان قد سبق دليله من حيث الرواية
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا أراد الصلاة نوى الصلاة على الميت وذلك فرض لأنها صلاة فوجب لها
النية كسائر الصلوات ثم يكبر أربعا لما روى جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كبر على
الميت أربعا وقرأ بعد التكببرة الأولى بأم القرآن " والتكبيرات الأربع واجبة والدليل عليه انها إذا
فاتت لزم قضاؤها ولو لم تكن واجبة لم يجب قضاؤها كتكبيرات العيد والسنة أن يرفع يديه مع كل
تكبيرة لما روى أن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه على الجنازة في كل تكبيرة وعن عبد الله بن عمر
والحسن بن علي رضي الله عنهما مثله وعن زيد بن ثابت وقد رأى رجلا فعل ذلك فقال
أصاب السنة ولأنها تكبيرة لا تتصل بسجود ولا قعود فسن لها رفع اليد كتكبيرة الاحرام في
سائر الصلوات} *
{الشرح} أما حديث جابر فرواه هكذا الشافعي في الام ومختصر المزني عن إبراهيم بن محمد
شيخ الشافعي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ورواه الحاكم والبيهقي عن الشافعي بهذا
الاسناد وإبراهيم هذا ضعيف عند أهل الحديث لا يصح الاحتجاج بحديثه لكن قدر الحاجة منه
في هذه المسألة صحيح ففي صحيحي البخاري ومسلم عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي على
النجاشي وكبر عليه أربعا " وفى الصحيحين أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " صلي
على النجاشي فكبر عليه أربعا " وروى التكبير أربعا عن ابن عباس وغيره في الصحيح (وأما) الأثر
المذكور عن عمر فرواه (1)... والأثر عن ابن عمر رواه البيهقي باسناد (وقول) المصنف لأنها تكبيرة
لا تتصل بسجود ولا قعود احترز عن تكبيرات السجود والرفع منه ومن التشهد الأول فان المشهور
في المذهب انه لا يرفع في شئ من ذلك وفى كله خلاف سبق في موضعه * وأما الأحكام ففيه مسائل
(إحداها) لا تصح صلاة الجنازة إلا بالنية لحديث " إنما الأعمال بالنيات " وقياسا على غيرها قل أصحابنا
وصفة النية ان ينوى مع التكبير أداء الصلاة على هذا الميت أو هؤلاء الموتى إن كانوا جمعا سواء عرف

(1) بياض بالأصل فليحرر
229

عددهم أم لا ويجب نية الاقتداء إن كان مأموما وهل يفتقر إلى نية الفريضة فيه الوجهان السابقان
في سائر الصلوات ذكره الصيدلاني والروياني والرافعي وآخرون وهل يشترط التعرض لكونها
فرض كفاية أم يكفي مطلق نية الفرض فيه وجهان حكاهما الرواياتي والرافعي
(الصحيح) الاكتفاء بمطلق نية الفرض ولا يفتقر إلى تعيين الميت وأنه زيد أو عمرو أو امرأة أم رجل
بل يكفيه نية الصلاة على هذا الميت وإن كان مأموما ونوى الصلاة على من يصلي عليه الامام كفاه
صرح به البغوي وغيره ولو عين الميت وأخطأ بأن نوى زيدا فكان عمرا أو الرجل فكانت امرأة
أو عكسه لم تصح صلاته بالاتفاق لأنه نوى غير الميت وإن نوى الصلاة على هذا زيد فكان عمرا فوجهان
لتعارض الإشارة والنية وقد سبق بيانهما في أوائل باب صلاة الجماعة (أصحهما) الصحة قال البغوي
وغيره ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم فإذا نوى الصلاة على حاضر والمأموم على غائب وعكسه
أو نوي غائبا ونوى المأمور آخر صحت صلاتهما كما لو صلى الظهر خلف مصلي العصر (الثانية)
التكبيرات الأربع أركان لا تصح هذه الصلاة إلا بهن وهذا مجمع عليه وقد كان لبعض الصحابة وغيرهم
خلاف في أن التكبير المشروع خمس أم أربع أم غير ذلك ثم انقرض ذلك الخلاف وأجمعت
الأمة الآن على أنه أربع تكبيرات بلا زيادة ولا نقص * قال أصحابنا فان كبر خمسا فإن كان ناسيا
لم تبطل صلاته لأنه ليس بأكثر من كلام الآدمي ناسيا ولا يسجد للسهو كما لو كبر أو سبح في غير
موضعه وإن كان عمدا فوجهان مشهوران (أحدهما) تبطل صلاته وبه قطع القفال في شرحه التلخيص
وصاحبه القاضي وصاحبه المتولي لأنه زاد ركنا فأشبه من زاد ركوعا (والثاني) لا تبطل وهو الصحيح
وبه قطع الأكثرون وصححه البغوي والشاشي وصاحب البيان وآخرون ونقله الرافعي عن الأكثرين
بل زاد ابن سريج فقال صحت الأحاديث بأربع تكبيرات وخمس وهو من الاختلاف المباح
والجميع جائز وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم " كان يكبر خمسا " ولأنه ليس اخلال بصورة الصلاة فلم تبطل به كما لو زاد تكبيرا في غيرها من
الصلوات ولو كان مأموما فكبر امامه خمسا فان قلنا بقول ابن سريج إن الجميع جائز تابعه وإن قلنا
الخامسة تبطل فارقه فان تابعه بعد ذلك بطلت صلاته وإن قلنا بالمذهب إنها لا تشرع ولا تبطل
بها الصلاة لم يفارقه ولم يتابعه فيه طريقان (المذهب) لا يتابعه وبه قطع كثيرون أو الأكثرون (والثاني)
فيه وجهان وبعضهم يقول قولان (أصحهما) لا يتابعه (والثاني) يتابعه لتأكد المتابعة وممن حكي هذا
230

الطريق امام الحرمين وآخرون فان قلنا لا يتابعه فهل يسلم في الحال أم ينتظره ليسلم معه فيه وجهان
حكاهما صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما (أحدهما) يفارقه كما لو قام الامام إلى خامسة (وأصحهما)
ينتظره وبه قطع صاحب الشامل وغيره لتأكد متابعته ويخالف القيام إلى خامسة لأنه يجب متابعته
في الافعال ولا يمكن في الخامسة ولا يلزم متابعته في الأذكار التي ليست محسوبة للمأموم (المسألة الثانية) السنة
أن يرفع يديه في كل تكبيرة من هذه الأربع حذو منكبيه وصفة الرفع وتفاريعه كما سبقت في باب
صفة الصلاة قال أصحابنا ويجمع يديه عقب كل تكبيرة من الأربع ويجعلهما تحت صدره واضعا
اليمنى على اليسرى كما في سائر الصلوات وهذا لا خلاف فيه وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم " صلي على جنازة فوضع يده اليمنى على اليسرى " رواه الترمذي باسناد ضعيف
وقال غريب *
(فرع) في مذاهب العلماء في عدد التكبير * قال ابن المنذر رحمه الله ثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم " كبر أربعا " وبه قال عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وابن أبي
أوفي والبراء بن عازب وأبو هريرة وابن عامر ومحمد بن الحنفية وعطاء والثوري والأوزاعي واحمد
واسحق وأصحاب الرأي وقال ابن مسعود وزيد بن أرقم يكبر خمسا وقال ابن عباس وأنس بن
مالك وجابر بن زيد يكبر ثلاثا وعن ابن سيرين نحوه وقال بكر بن عبد الله المزني لا ينقص من
ثلاث تكبيرات ولا يزاد على سبع وقال احمد لا ينقص من أربع ولا يزاد على سبع وعن ابن مسعود يكبر ما يكبر
الامام وقال علي رضي الله عنه يكبر ستا قال ولو كبر الامام خمسا اختلف القائلون بأربع فقال الثوري ومالك
وأبو حنيفة لا يتابعه وقال احمد وإسحاق يتابعه قال ابن المنذر بالأربع أقول هذا نقل ابن المنذر وقال العبدري
ممن قال بخمس تكبيرات زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان والشيعة وعن علي رضي الله عنه أنه كبر على أهل بدر
ستا وعلى غيرهم من الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا وروى أنه كبر على أبى قتادة سبعا وكان
بدريا وقال داود رحمه الله ان شاء خمسا وان شاء أربعا وعن أحمد رواية انه لا يتابع الامام في
زيادة على الأربع وفي رواية يتابعه إلى خمس والمشهور عنه يكبر أربعا فان زاد امامه يتابعه إلى
سبع والله أعلم *
231

(فرع) في رفع الأيدي في تكبيرات الجنازة قال ابن المنذر في كتابيه الاشراف والاجماع:
اجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة واختلفوا في سائرها فممن قال بالرفع في كل تكبيرة ابن عمر
وعمر ابن عبد العزيز وعطاء وسالم والزهري وقيس ابن أبي حازم والأوزاعي والشافعي وأحمد
واسحق وبه أقول. قال وقال الثوري وأصحاب الرأي لا يرفع الا في الأولى واختلف فيه عن
مالك هذا نقل ابن المنذر وممن قال يرفع في كل تكبيرة داود وممن قال يختص بالأولى الحسن بن
صالح واحتج لهم بحديثين عن ابن عباس وعن أبي هريرة رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا صلي على الجنازة " رفع يديه في أول تكبيرة " زاد ابن عباس " ثم لا يعود " رواهما الدارقطني
واحتج أصحابنا رحمهم الله بما ذكره المصنف والجواب عن حديثي ابن عباس وأبي هريرة أنهما ضعيفان *
* قال المصنف رحمه الله *
{ويقرأ بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب لما روى جابر وهي فرض من فروضها لأنها صلاة
يجب فيها القيام فوجب فيها القراءة كسائر الصلوات وفي قراءة السورة وجهان (أحدهما) يقرأ سورة
قصيرة لان كل صلاة قرأ فيها الفاتحة قرأ فيها السورة كسائر الصلوات (والثاني) لا يقرأ لأنها مبنية
على الحذف والاختصار والسنة في قراءتها الاسرار لما روى أن ابن عباس صلي بهم على جنازة فكبر
ثم قرأ بأم القرآن فجهر بها ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال " إنما جهرت بها لتعلموا
انها هكذا) ولا فرق بين ان يصلى بالليل أو النهار وقال أبو القاسم الداركي إن كانت الصلاة بالليل
جهر فيها لان لها نظيرا بالنهار يسر فيها فجهر فيها كالعشاء وهذا لا يصح لان صلاة العشاء راتبة في
وقت من الليل ولها نظير راتب في وقت من النهار يسن في نظيرها الاسرار فسن فيها الجهر وصلاة
الجنازة صلاة واحدة ليس لها وقت تختص به من ليل أو نهار بل تفعل في الوقت الذي يوجد سببها
وسننها الاسرار فلم يختلف فيها الليل والنهار وفى دعاء التوجه والتعوذ عند القراءة وجهان
قال عامة أصحابنا لا يأتي به لأنها مبنية على الحذف والاختصار وقال شيخنا أبو الطيب يأتي به
لان التوجه يراد لافتتاح الصلاة والتعوذ للقراءة وفى هذه الصلاة افتتاح وقراءة فوجب أن
يأتي بذكرهما} *
{الشرح} حديث جابر سبق وذكرنا أنه ضعيف ويغني عنه في هذه المسألة حديث ابن عباس
رضي الله عنهما انه " صلي على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنها سنة " رواه البخاري بهذا
اللفظ وقوله سنة هو كقول الصحابي رضي الله عنه من السنة كذا فيكون مرفوعا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الأصول وغيرهم
من الأصوليين والمحدثين وفى رواية الشافعي وغيره باسناد حسن فجهر بالقراءة وقال إنما جهرت
232

لتعلموا أنها سنة يعنى لتعلموا ان القراءة مأمور بها (وأما) الرواية التي ذكرها المصنف عن ابن عباس
بزيادة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرواها البيهقي باسناده عن غير ابن عباس من
الصحابة فرواها عن عبادة بن الصامت وعن رجال من الصحابة رضي الله عنهم وعن أبي أمامة بن
سهل رضي الله عنهما قال " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة
ثم يكبر ثلاثا والتسليم عند الآخرة " رواه النسائي باسناد على شرط الصحيحين وأبو امامة هذا صحابي
(وقول) المصنف لأنها صلاة يجب فيها القيام احتراز من الطواف وسجود التلاوة والشكر (وقوله) كل
صلاة قرأ فيها الفاتحة احتراز من الطواف والسجود أيضا (وقوله) الداركي - هو بفتح الراء - واسمه
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز تفقه على أبي إسحاق المروزي وتفقه عليه الشيخ
أبو حامد الأسفرايني وعامة شيوخ بغداد وغيرهم قال الشيخ أبو حامد ما رأيت أفقه من الداركي
توفى ليلة الجمعة لثلاث عشرة من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وهو ابن نيف وسبعين سنة *
اما الأحكام فقراءة الفاتحة فرض في صلاة الجنازة بلا خلاف عندنا والأفضل ان يقرأها بعد التكبيرة
الأولى فان قرأها بعد تكبيرة أخرى غير الأولى جاز صرح به جماعة من أصحابنا ونقله القاضي
أبو الطيب والروياني عنهم قال القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد والرواياني وغيرهما قال الشافعي
في الام وأحب إذا كبر على الجنازة ان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى وروى المزني في الجامع
قال وأحب ان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى قال القاضي أبو الطيب وهذا يدل على أن قراءة
أم القرآن مستحبة إلا أن أصحابنا قالوا هي واجبة لا تصح صلاة الا بها قال فيجب على هذا أن يكون
معني قول الشافعي وأحب أن يكون في الأولى واما أصل قراءتها فواجبة فرجع الاستحباب إلى موضعها
هذا كلام القاضي أبي الطيب وموافقيه وقد نص الشافعي في الام على المسألة في موضعين قال في
الأولى منهما في أوائل كتاب الجنائز كما نقله القاضي وغيره عنه وقال في آخر كتاب الجنائز ويقرأ
فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وقال في مختصر المزني يكبر ويقرأ فاتحة الكتاب ثم يكبر الثانية
فهذا النص مع النص الثاني في الام محتملان لاشتراطها في الأولى ومحتملان ان الأفضل كونها في الأولى
لكن يتعين ان المراد ان الأفضل كونها في الأولى للجمع بينه وبين نصه الأول في الام كما قاله القاضي
وموافقوه وأعلم أن عبارة المصنف هنا وفى التنبيه وعبارة أكثر الأصحاب ان يقرأ الفاتحة عقب
التكبيرة الأولى وظاهره اشتراط كونها في الأولى لكن مجمل ما ذكره القاضي وموافقوه ان أصل
الفاتحة واجب وكونها في الأولى أفضل وتجوز في الثانية مع اخلاء الأولى منها وقد يفهم هذا
من قول المصنف في التنبيه والواجب من ذلك النية والتكبيرات وقراءة الفاتحة ولم يقل وقراءتها
في الأولى ولو كان يرى ذلك شرطا لقاله والله أعلم * واتفق الأصحاب على استحباب التأمين عقب
233

الفاتحة هنا كما في سائر الصلوات وممن نقل الاتفاق عليه القاضي أبو الطيب في تعليقه وفى قراءة
السورة وجهان ذكر المصنف دليلهما وذكرهما مع المصنف جماعات من العراقيين والخراسانيين
واتفقوا على أن الأصح انه لا يستحب وبه قطع جمهور المصنفين ونقل امام الحرمين إجماع العلماء
عليه ونقله القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون من أصحابنا عن الأصحاب مطلقا (والثاني)
يستحب سورة قصيرة ويستدل له سوى ما ذكره المصنف بما رواه أبو يعلي الموصلي في كتابه نحو كراسة
من مسند ابن عباس عن طلحة بن عبد الله بن عون قال " صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة
الكتاب وسورة فجهر فيها حتى سمعنا فلما انصرف اخذت بثوبه فسألته عن ذلك فقال سنة وحق "
اسناده صحيح والله أعلم (واما) دعاء الاستفتاح ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب وذكرهما
طائفة يسيرة مع المصنف واتفقوا على أن الأصح انه لا يأتي به ومعناه أن المستحب
تركه وبهذا قطع جمهور المصنفين وهو المنقول عن متقدمي الأصحاب كما قاله المصنف وغيره (وأما)
التعوذ ففيه وجهان مشهوران (أصحهما) عند المصنف وأكثر العراقيين إنه لا يستحب (وأصحهما) عند
الخراسانيين وجماعات من العراقيين استحبابه وقطع به من العراقيين صاحب الحاوي وصححه امام
الحرمين والغزالي والبغوي والرافعي وآخرون من الخراسانيين وقطع به الروياني في الحلية وهو
الصحيح لقول الله عز وجل (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وبالقياس على
غيرها مع أنه مختصر لا تطويل فيه فهو يشبه التأمين (وأما) الجهر والاسرار فاتفق الأصحاب على أنه
يسر بغير القراءة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء واتفقوا على أنه يجهر بالتكبيرات
والسلام واتفقوا أيضا على أنه يسر بالقراءة نهارا وفى الليل وجهان ذكر المصنف دليلهما (أصحهما)
عند جمهور الأصحاب وبه قطع جماعات منهم انه يسر أيضا كالدعاء (والثاني) يستحب الجهر قاله
الداركي وصرح به صاحبه الشيخ أبو حامد الأسفرايني وصاحباه المحاملي وسليم الرازي في الكفاية
والبندنيجي ونصر المقدسي في كتابيه التهذيب والكافي والصيدلاني وصححه القاضي حسين
واستحسنه السرخسي والمذهب الأول ولا يغتر بكثرة القائلين بالجهر فهم قليلون جدا بالنسبة إلى
الآخرين وظاهر نص الشافعي في المختصر الاسرار لأنه قال ويخفى القراءة والدعاء ويجهر بالتسليم
هذا نصه ولم يفرق بين الليل والنهار ولو كانا يفترقان لذكره ويحتج له من السنة بحديث أبي أمامة بن سهل
234

الذي ذكرناه والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التكبيرة الثانية لما ذكرناه من حديث ابن عباس
رضي الله عنهما وهو فرض من فروضها لأنها صلاة فوجب فيها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
كسائر الصلوات} *
{الشرح} قال المصنف وجماهير الأصحاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض فيها
لا تصح الا به وشرطها أن تكون عقب التكبيرة الثانية صرح به السرخسي في الأمالي وهذا
الذي ذكرناه من كون الصلاة على رسول الله صلى الله عليه واجبة فيها هو المشهور الذي قطع
به الأصحاب في جميع طرقهم الا السرخسي فإنه نقل في الأمالي عن المروزي من أصحابنا أنها سنة
فيها والصواب الأول * قال أصحابنا رحمهم الله أقلها اللهم صلى على محمد ولا تجب على الآل على
المذهب وبه قطع الجمهور وفيه وجه أنها تجب حكاه الغزالي وغيره ونقل المزني في المختصر عن الشافعي
أنه يكبر الثانية ثم يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لمؤمنين والمؤمنات هذا
نصه (فأما) الدعاء للمؤمنين فاتفق الأصحاب على استحبابه الا ما انفرد به إمام الحرمين من حكاية
تردد في استحبابه ولم يقل أحد بايجابه (وأما) الحمد لله فاتفقوا على أنه لا يجب وفي استحبابه ثلاث
طرق (أحدها) وبه قطع الجمهور لا يستحب قالوا لأنه ليس موضعه والثاني يستحب وهو ظاهر النص
وبه قطع القاضي حسين والفوراني والبغوي والمتولي وغيرهم والثالث فيه وجهان (أحدهما) يستحب
(والثاني) لا يستحب وممن حكي هذا الطريق الماوردي والروياني الشاشي وآخرون وقال بالطريق
الأول أنكروا نقل المزني وقالوا هذا التحميد في هذا الموضع لا يعرف للشافعي بل غلط المزني في
نقله قال إمام الحرمين اتفق أئمتنا على أن ما نقله المزني هنا غير سديد ومن قال بالاستحباب قالوا لم
ينقلها المزني عن الشافعي من كتاب بل سمعها منه سماعا ولا يضر كونه لا يوجد في كتب الشافعي فان
المزني ثقة ورواية الثقة مقبولة فهذه طرق الأصحاب (والأصح) استحباب التحميد كما نقله المزني
قال الأصحاب فإذا قلنا بالاستحباب بدا بالتحميد ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء
للمؤمنين والمؤمنات فان قدم بعضها على بعض جاز وكان تاركا للأفضل والله أعلم *
(فرع) استدل المصنف بحديث ابن عباس وسبق بيانه وان ذكر الصلاة فيه غريب وروى
الشافعي في الام عن مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري حديثا فيه التصريح بالصلاة
لكنه أيضا ضعيف قال ابن أبي حاتم قال ابن معين رحمة الله عليه مطرف بن مازن كذاب *
235

* قال المصنف رحمه الله *
{ويدعو للميت في التكبيرة الثالثة لما روى أبو قتادة قال " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على جنازة فسمعته يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا "
وفى بعضها " اللهم من أحييته منا فاحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على الاسلام والايمان " وهو
فرض من فروضها لان القصد من هذه الصلاة الدعاء للميت فلا يجوز الاخلال بالمقصود وأدنى
الدعاء ما يقع عليه الاسم والسنة أن يقول ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي رحمه الله قال يقول
" اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر
وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت اعلم به اللهم نزل بك
وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك
شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك الا من
من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا ارحم الراحمين " وبأي شئ دعا جاز لأنه قد نقل عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أدعية مختلفة فدل على أن الجميع جائز} *
{الشرح} اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن الدعاء فرض في صلاة الجنازة وركن من أركانها
وأقله ما يقع عليه اسم الدعاء وهل يشترط تخصيص الميت بالدعاء فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وآخرون
(أحدهما) لا يشترط بل يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويدخل فيه الميت ضمنا حكاه إمام الحرمين عن والده
الشيخ أبى محمد الجويني (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور ونقله إمام الحرمين عن ظاهر كلام
الأئمة انه يجب تخصيص الميت بالدعاء ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فيقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه
ونحو ذلك واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا
صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " رواه أبو داود وابن ماجة ومحل هذا الدعاء التكبيرة الثالثة
وهو واجب فيها لا يجزئ في غيرها بلا خلاف وليس لتخصيصه بها دليل واضح واتفقوا على أنه لا يتعين
لها دعاء (وأما) الأفضل فجاءت فيه أحاديث (منها) حديث عوف بن مالك قال " صلي رسول الله صلى الله عليه
وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله
ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس
وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من
عذاب القبر ومن عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله " رواه
236

مسلم في صحيحه وزاد مسلم في رواية له " وقه فتنة القبر وعذاب القبر " وذكر تمامه ومنها حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال " صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا
وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على
الايمان " رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم قال الحاكم هو صحيح
على شرط البخاري ومسلم وهذا لفظ رواية أكثرهم وفى رواية أبى داود " فأحيه على الايمان وفتوفه
على الاسلام " عكس رواية الجمهور ووقع في المهذب " فأحيه على الاسلام وفتوفه على الاسلام " بلفظ
الاسلام فيهما وهذا تحريف ورواه الترمذي أيضا من رواية أبى إبراهيم الأشهلي عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة ورواه أحمد بن حنبل والبيهقي وغيرهما من رواية أبي
قتادة كما رواه أبو هريرة وهذه هي الرواية المذكورة في الكتاب واسنادها ضعيف قال الترمذي
237

سمعت البخاري رحمهما الله يقول أصح روايات اللهم اغفر لحينا وميتنا رواية الأشهلي عن أبيه
قال وقال البخاري أصح شئ في الباب حديث عوف بن مالك وذكره مختصرا وحكى البيهقي عن
الترمذي عن البخاري رحمه الله أنه قال حديث أبي هريرة وعائشة وأبي قتادة في هذا الباب غير
محفوظ وأصح الباب حديث عوف بن مالك (ومنها) حديث وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال
" صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فأسمعه يقول اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحل
جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفا والحمد فاغفر له وارحمه إنك الغفور الرحيم "
رواه أبو داود وابن ماجة (ومنها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الجنازة " اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتا للاسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها
وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر له " رواه أبو داود فهذه قطعة من الأحاديث الواردة فيه قال البيهقي
والمتولي وآخرون من الأصحاب التقط الشافعي من مجموع الأحاديث الواردة دعاء ورتبه واستحبه
وهو الذي ذكره في مختصر المزني وذكره المصنف هنا وفى التنبيه وسائر الأصحاب قال يقول اللهم
هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو
لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت اعلم به اللهم نزل بك وأنت
خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له
اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحتمك رضاك وقه فتنه القبر
وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك إلا من من عذابك حتى تبعثه
إلى جنتك يا ارحم الراحمين قال أبو عبد الله الزهري من متقدمي أصحابنا في كتابه الكافي وغيره
من أصحابنا فإن كانت امرأة قال اللهم هذه أمتك ثم ينسق الكلام ولو ذكرها على إرادة الشخص
جاز قال أصحابنا فإن كان الميت صبيا أو صبية اقتصر على حديث اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره
وضم إليه اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ
الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما اجره والله أعلم *
(فرع) في ألفاظ الفصل (قوله) خرج من روح الدنيا - هو بفتح الراء - قال أهل اللغة هو نسيم الريح
(قوله) إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه قال القاضي حسين في تعليقه معنى وما هو لاقيه هو الملكان اللذان
يدخلان عليه وهما منكر ونكير (قوله) كان يشهد ان لا إله إلا أنت قال صاحب البيان رحمه الله معناه
إنما دعوناك لأنه كان يشهد (قوله) وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له قال الأزهري رحمه الله
أصل الشفع الزيادة قال فكأنهم طلبوا ان يزاد بدعائهم من رحمة الله إلى ماله بتوحيده وعمله
238

والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{قال في الام يكبر الرابعة ويسلم وقال في البويطي يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده
والتسليم كالتسليم في سائر الصلوات لما روى عن عبد الله رضي الله عنه قال أرى ثلاث خلال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركها الناس (إحداها) التسليم على الجنازة مثل التسليم في
الصلاة والتسليم واجب لأنها صلاة يجب لها الاحرام فوجب الخروج منها بالسلام كسائر الصلوات
وهل يسلم تسليمة واحدة أم تسليمتين على ما ذكرناه في سائر الصلوات} *
{الشرح} حديث عبد الله هو ابن مسعود رواه البيهقي باسناد جيد (وقوله) لا تحرمنا أجره هو
- بفتح التاء وضمها - لغتان الفتح أفصح يقال حرمه وأحرمه فصيحتان (وقوله) لأنها صلاة يجب
لها الاحرام فوجب الخروج منها بالسلام كسائر الصلوات وهل يسلم تسليمة أم تسليمتين احتراز
من الطواف فإنه صلاة ولا يفتقر إلى تكبيرة احرام * أما الأحكام ففيه مسألتان (أحداهما) للشافعي هذان
النصان المذكوران في الذكر عقب التكبيرة الرابعة واتفق الأصحاب على أنه لا يجب فيها ذكر وقطع
الجمهور في جميع طرقهم باستحباب الذكر فيها وحكى الرافعي في استحبابه طريقين (المذهب) الاستحباب
(والثاني) فيه وجهان (أصحهما) الاستحباب (والثاني) أنه مخير إن شاء قاله وإن شاء تركه والصواب
الاستحباب قال صاحب البيان قال أصحابنا هذان النصان للشافعي ليسا قولين ولا على اختلاف
حالتين بل ذكر الاستحباب في موضع وأغفله في موضع وكذا قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ
وآخرون وإذا قلنا بالاستحباب لم يتعين له دعاء ولكن يستحب هذا الذي نقله البويطي اللهم
لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده هكذا هو في البويطي وكذا ذكره الجمهور وزاد المحاملي في التجريد
والمصنف في التنبيه والشاشي وغيرهم واغفر لنا وله وقال صاحب الحاوي حكى أبو علي بن أبي هريرة
ان المتقدمين كانوا يقولون في الرابعة اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب
النار قال وليس ذلك عن الشافعي فان قاله كان حسنا ودليل استحبابه أن عبد الله بن أبي أوفى
رضي الله عنهما كبر على جنازة بنت له فقام بعد التكبيرة الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يستعفر لها
ويدعو ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا وفى رواية كبر أربعا فمكث ساعة
حتى ظننا انه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له فقال إني لا أزيدكم على
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الحاكم
في المستدرك والبيهقي قال الحاكم حديث صحيح (المسألة الثانية) السلام ركن في صلاة الجنازة لا تصح
الا به بلا خلاف عندنا لما ذكره المصنف ولحديث ابن أبي أوفى الذي ذكرناه في المسألة الأولى مع
قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " (واما) صفة السلام ففيه نصان للشافعي هنا المشهور
239

أنه يستحب تسليمتان قال الفوراني وهو نصه في الجامع الكبير وقال في الام تسليمة واحدة
يبدأ بها إلى يمينه ويختمها ملتفتا إلى يساره فيدير وجهه وهو فيها هذا نصه وقيل يأتي بها تلقاء وجهه
وهو أشهر قال امام الحرمين ولا شك ان هذا الخلاف في صفة الالتفات يجرى في سائر الصلوات
إذا قلنا يقتصر على تسليمة فهذان نصان للشافعي وللأصحاب طريقان (أحدهما) طريقة المصنف
والعراقيين وبضع الخراسانيين ان التسليم هنا كالتسليم في سائر الصلوات فيكون فيه ثلاثة أقوال
(أصحها) يستحب تسليمتان (والثاني) تسليمة (والثالث) ان قل الجمع أو صغر المسجد فيسلم والا
فتسليمتان (والطريق الثاني) حكاه امام الحرمين وجماعات من الخراسانيين ان هذا مرتب على
سائر الصلوات ان قلنا هناك تسليمة فهنا أولى والا فقولان (أصحهما) تسليمتان وهذا الطريق أصح
لان الاقتصار على تسليمة واحدة هناك قول قديم وهنا هو نصه في الاملاء وهو من الكتب الجديدة
وإذا قلنا تسليمة فوجهان حكاهما الشيخ أبو علي السنجي وامام الحرمين وبه قطع الجمهور يقول
السلام عليكم ورحمة الله كغيرها من الصلوات (والثاني) يستحب الاقتصار على السلام لأنها مبنية
على التخفيف ولو قال السلام عليكم من غيرهم ضمير الجمع فالمذهب انه لا يجزئه وبهذا قطع الجمهور
كسائر الصلوات وحكى امام الحرمين في اجزائه ترددا والمذهب من هذا كله أنه يشرع في السلام
هنا ما يشرع في سائر الصلوات والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا أدرك الامام وقد سبقه ببعض الصلاة كبر ودخل معه في الصلاة لقوله صلى الله عليه
وسلم " ما أدركتم فصلوا " ويقرأ ما يقتضيه ترتيب صلاته لا ما يقرأ الإمام لأنه يمكنه ان يأتي بما
يقتضيه ترتيب صلاته مع المتابعة فإذا سلم الامام اتي بما بقي من التكبيرات نسقا من غير دعاء
في أحد القولين لان الجنازة ترفع قبل إن يفرغ فلا معني للدعاء بعد غيبة الميت ويدعو للميت ثم يكبر
ويسلم في القول الثاني لان غيبة الميت لا تمنع فعل الصلاة} *
{الشرح} هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه في باب صلاة الجماعة (وقوله)
نسقا - بفتح السين - أي متتابعات بغير ذكر بينهن (وقوله) كبر ودخل معه في الحال ولا ينتظر
تكبيرته الأخرى فيكبر معه خلافا لأبي حنيفة وموافقيه في قولهم ينتظر قال أصحابنا إذا وجد المسبوق
الامام في صلاة الجنازة كبر في الحال وصار في الصلاة ولا ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة للحديث المذكور
240

وقياسا على سائر الصلوات. قال أصحابنا فإذا كبر شرع في قراءة الفاتحة ثم يراعي في باقي التكبيرات
ترتيب نفسه لا ما يقوله الامام لما ذكره المصنف فلو كبر الامام الثانية عقب فراغ المسبوق من
الأولى كبر معه الثانية وسقطت عنه القراءة كما لو ركع الامام في سائر الصلوات عقب احرام المسبوق
فإنه يركع معه قال أصحابنا ويكون مدركا للتكبيرتين جميعا بلا خلاف كما يدرك المسبوق الركعة
بالركوع ولو كبر الامام الثانية والمسبوق في أثناء الفاتحة فهل يقطع القراءة ويتابعه في التكبيرة
الثانية وتكون التكبيرتان حاصلتين له أم يتم القراءة فيه طريقان (أصحهما) وبه قال الأكثرون
فممن صرح به الفوراني والبنديخي وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة وصاحب المستظهري والبيان
والرافعي وآخرون فيه الوجهان المعروفان في سائر الصلوات (أحدهما) يتمها وبه قطع الغزالي في
الوجيز وهو شاذ مرود لم يوافق عليه (وأصحهما) يقطع القراءة ويتابعه وتحصل له التكبيرتان للعذر
(والطريق الثاني) يقطعها ويتابعه وبهذا قطع الماوردي والقاضي حسين والسرخسي وغيرهم فإذا قلنا
بالمذهب إنه يقطع القراءة كبر الثانية مع الامام وحصل له التكبيرتان كما ذكرنا وهل يقتصر
عقب التكبيرة الثانية على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بالتكبيرة الثانية
أم يضم إليه تتميم الفاتحة فيه احتمالان ذكرهما صاحب الشامل (أصحهما) وهو مقتضى
كلام الجمهور أنه يقتصر وقد سقطت بقية الفاتحة كما سقطت في باقي الصلوات والله أعلم *
(أما) إذا سلم الامام وقد بقي على بعض المأمومين بعض التكبيرات فإنه يأتي بها بعد سلام
الامام ولا تصح صلاته الا بتداركها بلا خلاف وهل يقتصر على التكبيرات نسقا من غير ذكر
بينهن أم يأتي بالأذكار والدعاء المشروع في حق الامام والمنفرد والمأموم الموافق على ترتيب الأذكار
فيه القولان اللذان ذكرهما المصنف (أصحهما) أنه يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر
والدعاء على ما سبق بيانه وترتيبه ممن صرح بتصحيحه البغوي والمتولي والروياني في الحلية
والرافعي في كتابيه الشرح والمجرد وغيرهما وجزم به الدارمي في الاستذكار وجزم المصنف في التنبيه
بالتكبيرات نسقا وقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ترجيح هذا القول في البويطي فإنه قال وليقض
ما فاته من التكبير نسقا متتابعا ثم يسلم وقد قيل يدعو بينهما للميت هذا نصه ومن البويطي نقلته
وكذا نقله القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطي قال أبو الطيب في كتابه المجرد قال أصحابنا يكبر
باقي التكبيرات متواليا قال ورأيت في البويطي يقول وليقض ما فاته من التكبيرات نسقا متتابعا ثم
يسلم قال وقد قيل يدعو بينهما للميت قال القاضي فالظاهر من هذا أن المسألة على قولين هذا كلام
القاضي واعلم أن القولين في وجوب الذكر (أحدهما) يحب ولا تصح الصلاة إلا به (والثاني) لا يجب
241

صرح به صاحب البيان قال أصحابنا رحمهم الله ويستحب أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوقون
ما عليهم فان رفعت لم تبطل صلاتهم بلا خلاف بل يتمونها وإن حولت الجنازة عن القبلة بخلاف
ابتداء الصلاة فإنه لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة والفرق أنه يحتمل في الدوام مالا يحتمل
في الابتداء والله أعلم *
(فرع) لو تخلف المقتدى فلم يكبر التكبيرة الثانية أو الثالثة حتى كبر الامام التكبيرة التي بعدها
بغير عذر بطلت صلاته صرح به الشيخ أبو محمد الجويني وإمام الحرمين والغزالي وآخرون من
الخراسانيين قالوا لان القدوة في هذه الصلاة لا تظهر إلا بالموافقة في التكبيرات وكأنه تخلف بركعة *
(فرع) في مذاهب العلماء في كيفية صلاة الجنازة * ذكرنا اختلافهم في عدد التكبيرات واختلافهم
في رفع الأيدي فيها واختلاف أصحابنا في دعاء الافتتاح والتعوذ والسورة وذكرنا أن مذهبنا
وجوب قراءة الفاتحة وبه قال احمد واسحق وداود رحمهم الله وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود
وابن عباس وابن الزبير وعبيد بن عمير وحكى عن ابن المسيب وطاوس وعطاء وابن سيرين وابن
جبير والشعبي ومجاهد وحماد ومالك والثوري وأبي حنيفة وأصحاب الرأي أنها لا تجب قال وروى
ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قال وروينا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه
قال قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ثلاث مرات قال وروينا هذا عن ابن سيرين وشهر بن حوشب
قال الحسن البصري رضي الله عنه إقرأ الفاتحة في كل تكبيرة قال وروينا عن المسور بن مخرمة أنه
قرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة ورفع بها صوته قال ابن المنذر رحمه الله عندي يقرأ
الفاتحة بعد التكبيرة الأولى هذه مذاهبهم * ودليلنا على جميعهم حديث ابن عباس السابق وهو في صحيح
البخاري رحمه الله أما المسبوق الذي فاته بعض التكبيرات فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه تدارك
242

باقي التكبيرات بعد سلام الامام وحكاه ابن المنذر عن بن المسيب وعطاء وابن سيرين والنخعي
والزهري وقتادة ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد واسحق قال ابن المنذر وبه أقول قال وروينا
عن ابن عمر أنه لا يقضيه وبه قال الحسن البصري وأيوب والأوزاعي وحكاه العبدري عن ربيعة
قال وهو أصح الروايتين عن أحمد رحمهم الله (وأما) المسبوق الذي أدرك بعض صلاة الامام فقد ذكرنا
أن مذهبنا أنه يكبر في الحال ولا ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة وبه قال الأوزاعي وأبو يوسف وهو
الصحيح عن أحمد ورواية عن مالك وبه قال ابن المنذر وقال أبو حنيفة ينتظره حتى يكبر للمستقبلة
فيكبرها معه وحكاه ابن المنذر عن الحارث بن يزيد ومالك والثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن
واسحق (واما) السلام فذكرنا أن الصحيح في مذهبنا تسليمتان وبه قال أبو حنيفة وقال أكثر العلماء
243

تسليمة واحدة حكاه ابن المنذر عن علي ابن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر ابن عبد الله
وانس ابن مالك ووائلة ابن الأسقع وأبي هريرة وعبد الله ابن أبي أوفى وأبى إمامة ابن سهل ابن
حنيف والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعيسي
ابن يونس ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي واحمد واسحق رضي الله عنهم *
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا صلى على الميت بودر بدفنه ولا ينتظر حضور من يصلى عليه إلا الولي فإنه ينتظر إذا لم
يخش على الميت التغير فان خيف عليه التغير لم ينتظر وإن حضر من لم يصل عليه صلي عليه وإن
حضر من صلى مرة فهل يعيد الصلاة مع من يصلي فيه وجهان (أحدهما) يستحب كما يستحب في
سائر الصلوات ان يعيدها مع من يصلى جماعة (والثاني) لا يعيد لأنه يصليها نافلة وصلاة الجنازة
لا يتنفل بمثلها وإن حضر من لم يصل بعد الدفن صلى على القبر لما روى أن مسكينة ماتت ليلا فدفنوها
ولم يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد على قبرها "
وإلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر فيه أربعة أوجه (أحدها) إلى شهر لان النبي صلى الله عليه وسلم
" صلى على أم سعد ابن عبادة رضي الله عنهما بعد ما دفنت بشهر " (والثاني) يصلي عليه ما لم يبل لأنه
إذا بلي لم يبق ما يصلي عليه (والثالث) يصلى عليه من كان من أهل الفرض عند موته لأنه كان
من أهل الخطاب بالصلاة عليه واما من يولد بعد موته أو بلغ بعد موته فلا يصلي عليه لأنه لم
يكن من أهل الخطاب بالصلاة عليه (والرابع) يصلي عليه ابدا لان القصد من الصلاة على الميت
الدعاء والدعاء بجوز كل وقت} *
{الشرح} حديث المسكينة صحيح رواه النسائي والبيهقي وغيرهما باسناد صحيح من رواية
أبى امامة أسعد بن سهل بن حنيف وهو صحابي وفى رواية البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به وهو صحيح فان الصحابة كلهم عدول وهذه المسكينة
يقال لها أم محجن - بكسر الميم - (واما) حديث أم سعد فرواه الترمذي والبيهقي باسنادهما عن ابن
المسيب رضي الله عنهما ان رسول اله صلى الله عليه وسلم " صلي على أم سعد بعد موتها بشهر " قال
البيهقي وهذا مرسل صحيح قال وروى عن ابن عباس موصولا قال " صلي عليها بعد شهر " وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا حين موتها قال والمرسل أصح ومرسل ابن المسيب كما سبق بيانه
في أول الشرح وهل هو حجة لمجرده أم إذا اعتضد بأحد الأمور الأربعة السابقة فيه وجهان سبقا
هناك * اما أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) إذا صلي عليه فالسنة ان يبادر بدفنه ولا ينتظر به
244

حضور أحد الا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير فان خيف تغيره لم ينتظر لان مراعاة صيانة
الميت أهم من حضور الولي ثم إنه إنما ينتظر الولي إذا كان بينه وبينه مسافة قريبة (الثانية) إذا حضر
بعد الصلاة عليه انسان لم يكن صلى عليه أو جماعة صلوا عليه وكانت صلاتهم فرض كفاية بلا خلاف
عندنا وقال أبو حنيفة لا تصلى عليه طائفة ثانية لأنه لا يتنفل بصلاة الجنازة فلا تصليها طائفة بعد طائفة
واحتج أصحابنا بحديث المسكينة وهو صحيح كما سبق وبحديث أبي هريرة ان امرأة سوداء أو رجلا
كان يقم المسجد " ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقالوا مات فقال أفلا آذنتموني به دلوني
على قبره فدلوه فصلى عليه " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم صلي على قبر منبوذ رواه البخاري ومسلم وفى الباب أحاديث كثيرة صحيحة ومعلوم ان
هؤلاء ما دفنوا الا بعد صلاة طائفة عليهم بحيث سقط الحرج بصلاتهم والا فلا يجوز ان يظن دفنهم
قبل الصلاة والجواب عن احتجاجهم بان صلاة الثانية نافلة من وجهين (أحدهما) منعه بل هي عندنا
فرض كفاية كما سبق وسنذكر دليله واضحا في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى (والثاني) أنه ينتقض
بصلاة النساء مع الرجال على الجنازة فإنها نافلة في حقهن لأنهن لا يدخلن في الفرض إذا حضر
الرجال واقتصر صاحب الحاوي على هذا الجواب الثاني (فان) قيل كيف تقع صلاة الطائفة الثانية
فرضا ولو تركوها لم يأثموا وليس هذا شأن الفروض (فالجواب) انه قد يكون ابتداء الشئ ليس بفرض
فإذا دخل فيه صار فرضا كما إذا دخل في حج التطوع وكما في الواجب على التخيير كخصال الكفارة
ولو أن الطائفة الأولى لو كانت ألفا أو الوفا وقعت صلاتهم جميعهم فرضا بالاتفاق ومعلوم ان الفرض
كان يسقط ببعضهم ولا يقول أحد ان الفرض سقط بأربعة منهم على الابهام والباقون متنفلون (فان)
قيل قد وقع في كلام كثير من الأصحاب ان فرض الكفاية إذا فعله من تحصل به الكفاية
سقط الفرض عن الباقين وإذا سقط عنهم كيف قلتم تقع صلاة الطائفة فرضا (فالجواب) ان عبارة
المحققين سقط الحرج عن الباقين أي لا حرج عليهم في ترك هذا الفعل فلو فعلوه وقع فرضا كما لو فعلوه
245

مع الأولين دفعة واحدة (واما) عبارة من يقوم من يقول سقط الفرض عن الباقين فمعناها سقط حرج الفرض
وأثمه والله أعلم (الثالثة) إذا صلى على الجنازة جماعة أو واحد ثم صلت عليها طائفة أخرى فأراد
من صلى أولا أن يصلي ثانيا مع الطائفة الثانية ففيه أربعة أوجه (أصحها) باتفاق الأصحاب لا يستحب
له الإعادة بل المستحب تركها (والثاني) يستحب الإعادة وهذان الوجهان ذكرهما المصنف بدليلهما
وذكرهما هكذا أيضا أكثر الأصحاب (والثالث) يكره الإعادة وبه قطع الفوراني وصاحب العدة وغيرهما
(والرابع) حكاه البغوي إن صلي أو لا منفردا أعاد وان صلي جماعة فلا (والصحيح) الأول صححه الأصحاب
في جميع الطرق وقطع به صاحب الحاوي والقاضي حسين وامام الحرمين والغزالي وغيرهم وادعى امام
الحرمين في النهاية اتفاق الأصحاب عليه فعلى هذا لو صلى ثانيا صحت صلاته وإن كانت غير مستحبة هذا
هو المشهور في كتب الأصحاب وقال امام الحرمين ظاهر كلام الأصحاب أنها صحيحة قال وعندي في بطلانها
احتمال والمذهب صحتها فعلى هذا قال المصنف والجمهور تقع نفلا وقال القاضي حسين إذا صلى تقع صلاته
الثانية فرض كفاية ولا تكون نفلا كما لو صلت جماعة بعد جماعة فصلاة الجميع تقع فرضا قال صاحب التتمة
تنوى الطائفة بصلاتهم الفرض لان فعل غيرهم أسقط عنهم الحرج لا الفرض وبسط اما الحرمين رحمه الله
246

هذا بسطا حسنا فقال إذا صلي على الميت جمع يقع الاكتفاء ببعضهم فالذي ذهب إليه الأئمة ان صلاة
كل واحدة تقع فريضة وليس بعضهم بأولي بوصفه بالقيام بالفرض من بعضهم فوجب الحكم بالفريضة
للجميع قال ويحتمل أن يقال هو كايصال المتوضئ الماء إلى جميع رأسه دفعة وقد اختلفوا في أن
الجميع فرض أم الفرض ما يقع عليه الاسم فقط قال ولكن قد يتخيل الفطن فرقا ويقول مرتبة
الفرضية فوق مرتبة السنة وكل مصل في الجمع الكبير ينبغي أن لا يحرم رتبة الفرضية وقد قام بما
أمر به وهذا لطيف لا يقع مثله قال ثم قال الأئمة إذا صلت طائفة ثانية كانت كصلاتهم مع الأولين
في جماعة واحدة (وأما) قول المصنف وصلاة الجنازة لا يتنفل بمثلها فمعناه لا يجوز الابتداء بصورتها
من غير جنازة بخلاف صلاة الظهر فإنه يصلي مثل صورتها ابتداء بلا سبب ولكن هذا الذي قاله
ينتقض بصلاة النساء على الجنازة فإنهن إذا صلين على الجنازة مع الرجال وقعت صلاتهن نافلة
وهي صحيحة وقد سبق هذا في المسألة الثانية والله أعلم (الرابعة) إذا حضر من لم يصل عليه بعد
دفنه وأراد الصلاة عليه في القبر أو أراد الصلاة عليه في بلد آخر جاز بلا خلاف للأحاديث السابقة
في المسألة الثانية وإلي متى تجوز الصلاة على المدفون فيه ستة أوجه (أحدها) يصلي عليه إلى ثلاثة أيام
ولا يصلي بعدها حكاه الخراسانيون وهو المشهور عندهم (والثاني) إلى شهر (والثالث) ما لم يبل جسده
(والرابع) يصلى عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته (والخامس) يصلي من كان من أهل
الصلاة عليه يوم موته وإن لم يكن من أهل الفرض فيدخل الصبي المميز وممن حكي هذا الوجه
المصنف في التنبيه وصححه البندنيجي (والسادس) يصلي عليه ابدا فعلى هذا تجوز الصلاة على قبور
الصحابة رضي الله عنهم ومن قبلهم اليوم واتفق الأصحاب على تضعيف هذا السادس وممن صرح
بتضعيفه الماوردي والمحاملي والفوراني وامام الحرمين والبغوي والغزالي في البسيط وآخرون وإن كان
في كلام صاحب التنبيه إشارة إلى ترجيحه فهو مردود مخالف للأصحاب وللدليل واختلفوا
247

في الأصح من الأوجه (فصحح) الماوردي وامام الحرمين والجرجاني الثالث وصحح الجمهور أنه يصلي
عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه ممن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد والفوراني والبغوي
والرافعي وآخرون قالوا وهو قول أبى زيد المروزي فعلى هذا الوجه لو كان يوم الموت كافرا
ثم أسلم قال امام الحرمين الذي أراه انه يصلي لأنه كان متمكنا من الصلاة بأن
يسلم فهو كالمحدث قال والمرأة إذا كانت حائضا يوم الموت ثم طهرت فالحيض ينافي وجوب الصلاة
وصحتها ولكن هي في الجملة مخاطبة فالذي أراه أنها تصلي هذا كلام الامام وكذا قطع الغزالي
في البسيط بأن الكافر والحائض يوم الموت إذا أسلم وطهرت صليا وهذا الذي قالاه مخالف لظاهر
كلام الأصحاب فان الكافر والحائض ليسا من أهل الصلاة وقد قالوا لا يصلي من لم يكن من أهل
فرض الصلاة أو من لم يكن من أهل الصلاة حال الموت وقد صرح المتولي بأنهما لا يصليان وقال
الشيخ أبو حامد في حكاية هذا الوجه يصلي عليه من كان مخاطبا بالصلاة عليه يوم موته وجوبا
أو ندبا من رجل وامرأة وعبد (فأما) من بلغ بعده فلا واحتج المتولي لهذا الوجه بأن حكم الخطاب
يتعلق بكل من هو من أهل الصلاة وفعل غيرهم لم يسقط الفرض في حقهم وأنما أسقط الحرج
وإذا قلنا يصلي عليه ما لم يبل جسده قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق والسرخسي
وغيرهما من أصحابنا المراد ما لم يبق من بدنه شئ لا لحم ولا عظم فمتى بقي عظم صلي قال أصحابنا
رحمهم الله ويختلف هذا باختلاف البقاع فلو شككنا في امحاق اجزائه صلي لان الأصل بقاؤه هكذا
صرح به كثيرون وهو مقتضي عبارة الباقين فان الشيخ أبا حامد في تعليقه والمحاملي في التجريد
والصيدلاني والقاضي حسين وآخرين قالوا يصلي عليه ما لم يعلم أنه بلي وذهبت اجزاؤه وقال امام
الحرمين والغزالي في البسيط فيه احتمالين (أحدهما) هذا (والثاني) لا يصلي لان صحة الصلاة على هذا
248

الوجه متوقفة على العلم ببقاء شئ منه وعبارة المحاملي في المجموع توافق هذا فإنه قال يصلي ما دام
يعلم أن في القبر منه شيئا والمذهب الأول قال أصحابنا رحمهم الله وإذا قلنا بالوجه الضعيف أنه
يصلى أبدا فهل تجوز الصلاة على قبر نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
فيه وجهان مشهوران على هذا الوجه (أصحهما) عند الخراسانيين والماوردي أنه لا تجوز الصلاة قال امام
الحرمين وهو قول جماهير الأصحاب وبهذا قطع البندنيجي وآخرون (والثاني) وهو قول أبي الوليد
النيسابوري من متقدمي أصحابنا أنه يصلى عليه فرادى لا جماعة قال والنهى الوارد في الأحاديث
الصحيحة إنما هو عن الصلاة عليه جماعة وكان أبو الوليد يقول إنا أصلي اليوم على قبور الأنبياء
والصالحين وبهذا الوجه الذي قاله أبو الوليد قطع القاضي أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد
والمحاملي في التجريد ورجحه الشيخ أبو حامد في تعليقه والأول أصح والله أعلم *
(فرع) إذا دفن من غير صلاة قال أصحابنا يأثم الدافنون وكل من توجه عليه فرض هذه
الصلاة من أهل ملك الناحية لان تقديم الصلاة على الدفن واجب وإن كانت الصلاة على القبر
تسقط الفرض الا أنهم يأثمون صرح به امام الحرمين والأصحاب ولا خلاف فيه قال أصحابنا لكن
لا ينبش بل يصلى على القبر لان نبشه انتهاك له والصلاة على القبر تجزئه هكذا قاله الأصحاب
وحكى الرافعي وجها أنه لا يسقط الفرض بالصلاة على القبر وهو ضعيف أو غلط *
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن فاته الصلاة على الميت * ذكرنا ان مذهبنا انه يصلي
على القبر ونقلوه عن علي وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قال ابن المنذر رحمه
الله وهو قول ابن عمر وأبى موسي وعائشة وابن سيرين والأوزاعي وأحمد
وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة لا يصلي على الميت الا مرة واحدة ولا يصلي على القبر
249

الا ان يدفن بلا صلاة الا أن يكون الولي غائبا فصلي غيره عليه ودفن فللولي أن يصل على القبر
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصلي على القبر بعد ثلاثة أيام من دفنه وقال أحمد رحمه الله إلى شهر
واسحق إلى شهر للغائب وثلاثة أيام للحاضر * دليلنا في الصلاة على القبر وان صلي عليه الأحاديث
السابقة في المسألة الثانية
* قال المصنف رحمه الله *
{تجوز الصلاة على الميت الغائب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
نعي النجاشي لأصحابه وهو بالمدينة وصلي عليه وصلوا خلفه وإن كان الميت معه في البلد لم يجز
250

أن يصلى عليه حتى يحضر عنده لأنه يمكنه الحضور من غير مشقة} *
{الشرح} حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة وروياه
من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ورواه مسلم من رواية عمران بن حصين والنجاشي رضي
الله عنه - بفتح النون وتشديد الياء - واسمه اصحمة - بهمزة مفتوحة ثم صاد ساكنة ثم حاء مفتوحة
251

مهملتين هكذا جاء في الصحيح وقيل صحمة وقيل غيره والنجاشي اسم لكل من ملك الحبشة
كما سمى كل خليفة لمسلمين أمير المؤمنين ومن ملك الروم قيصر والترك خاقان والفرس كسرى
والقبط فرعون ومصر العزيز والله أعلم * ومذهبنا جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد سواء
252

كان في جهة القبلة أم في غيرها ولكن المصلي يستقبل القبلة ولا فرق بين أن تكون المسافة بين
البلدين قريبة أو بعيدة ولا خلاف في هذا كله عندنا (اما) إذا كان الميت في البلد فطريقان (المذهب)
وبه قطع المصنف والجمهور لا يجوز ان يصلي عليه حتى يحضر عنده لان النبي صلى الله عليه وسلم
" لم يصل على حاضر في البلد الا بحضرته " ولأنه لا مشقة فيه بخلاف الغائب عن البلد " والطريق الثاني)
حكاه الخراسانيون أو أكثر هم فيه وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) يجوز كالغائب فان قلنا لا يجوز
قال الرافعي ينبغي ان لا يكون بين الامام والميت أكثر من مائتي ذراع أو ثلاثمائة تقريبا قال وحكي
هذا عن الشيخ أبي محمد الجويني.
(فرع) في مذاهبهم في الصلاة على الغائب عن البلد * ذكرنا ان مذهبنا جوازه ومنعها أبو حنيفة
دليلنا حديث النجاشي وهو صحيح لا مطعن فيه وليس لهم عنه جواب صحيح بل ذكروا فيه خيالات
أجاب عنها أصحابنا بأجوبة مشهورة (منها) قولهم إنه طويت الأرض فصار بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم (وجوابه) أنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشئ من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف
العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شئ من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله (وأما) حديث العلاء بن زيد ل
ويقال بن زيد عن أنس أنهم كانوا في تبوك فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بموت معاوية
ابن معاوية في ذلك اليوم وأنه قد نزل عليه سبعون ألف ملك يصلون عليه فطويت الأرض للنبي
صلى الله عليه وسلم حتى ذهب فصلي عليه ثم رجع فهو حديث ضعيف ضعفه الحفاظ منهم البخاري
في تاريخه والبيهقي واتفقوا على ضعف العلاء هذا وانه منكر الحديث *
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه لان عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام وصلي
أبو عبيدة على رؤس وصلت الصحابة رضي الله عنهم على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ألقاها
طائر بمكة من وقعة الجمل} *
{الشرح} أبو عبيدة رضي الله عنه هذا هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة واسمه عامر
ابن عبد الله بن الجراح وعتاب بفتح العين المهملة وأسيد بفتح الهمزة وهذه الحكاية عن يد عبد الرحمن
رويناها في كتاب الأنساب للزبير بن بكر قال وكان الطائر نسرا وكانت وقعة الجمل في جمادى
سنة ست وثلاثين واتفقت نصوص الشافعي رحمه الله والأصحاب على أنه إذا وجد بعض من
253

تيقنا موته غسل وصلي عليه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصلي عليه الا إذا وجد
أكثر من نصفه وعندنا لا فرق بين القليل والكثير قال أصحابنا رحمهم الله وإنما نصلى عليه إذا
تيقنا موته (فأما) إذا قطع عضو من حي كيد سارق وجان وغير ذلك فلا يصلى عليه وكذا لو شككنا
في العضو هل هو منفصل من حي أو ميت لم نصل عليه هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الأصحاب
في كل الطرق الا صاحب الحاوي ومن أخذ عنه فإنه ذكر في العضو المقطوع من الحي وجهين في
وجوب غسله والصلاة عليه (أحدهما) يغسل ويصلى عليه كعضو الميت (وأصحهما) لا يغسل ولا يصلى
عليه ونقل المتولي رحمه الله الاتفاق على أنه لا يغسل ولا يصلي عليه فقال لا خلاف أن اليد المقطوعة
في السرقة والقصاص لا تغسل ولا يصلي عليها ولكن تلف في خرقة وتدفن وكذا الأظفار المقلومة
والشعر المأخوذ من الاحياء لا يصلي على شئ منها لكن يستحب دفنها قال وكذا إذا شككنا
في موت صاحب العضو فلا يغسل ولا يصلي عليه وهذا الذي سبق في الصلاة على بعض الذي
تيقنا موته هو في العضو (أما) إذا وجدنا شعر الميت أو ظفره أو نحوهما فوجهان مشهوران حكاهما
القاضي أبو الطيب في تعليقه والبندنيجي وصاحب الشامل والتتمة وصاحب البيان وآخرون وأشار
إليهما المصنف في تعليقه في الخلاف (أحدهما) وهو الذي رجحه البندنيجي رحمه الله لا يغسل ولا يصلي
عليه بل يدفن (وأصحهما) وبه قال الأكثرون يغسل ويصلي عليه كالعضو لأنه جزء قال الرافعي
رحمه الله هذا الثاني أقرب إلى كلام الأكثرين قال لكن قال صاحب العدة رحمه الله ان لم يوجد
الا شعرة واحدة لم يصل عليها في ظاهر المذهب قال القاضي أبو الطيب رحمه الله ولو قطعت أذنه فألصقها
موضعها في حرارة الدم ثم افترسه سبع ووجدنا اذنه لم نصل عليها لان انفصالها كان في الحياة هذا كلام القاضي
رحمه الله ويجئ فيها الوجه السابق عن الحاوي قال أصحابنا رحمهم الله ومتى صلي في هذه الصور فلا بد من
تقدم غسله ثم يوارى بخرقة ويصلى عليه ويدفن قال أصحابنا رحمهم الله والدفن لا يختص بعضو من علم موته
بل كل ما ينفصل من الحي من عضو وشعر وظفر وغيرهما من الاجزاء يستحب دفنه وكذلك
توارى العلقة والمضغة تلقيهما المرأة وكذا يوارى دم الفصد والحجامة قال أصحابنا رحمهم الله ولو
وجد بعض الميت أو كله ولم نعلم أنه مسلم أم كافر فإن كان في دار الاسلام غسل وصلي عليه لان
الغالب فيها المسلمون كما حكمنا باسلام اللقيط فيها وممن صرح بالمسألة الشيخ أبو حامد والمحاملي
في التجريد في آخر باب الشهيد وابن الصباغ والمتولي وآخرون قال أصحابنا رحمهم الله ومتي صلي
على عضو الميت نوى الصلاة على جملة الميت لا على العضو وحده هذا هو المشهور وممن صرح به
الروياني والرافعي وذكر صاحب الحاوي وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) يصلي على العضو خاصة قال
254

والوجهان فيما إذا لم يعلم جملته صلي عليها فان علم ذلك صلي على العضو وحده وجها واحدا وهذا
الذي قاله شاذ ضعيف والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء فيما إذا وجد بعض الميت * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يصلي عليه سواء
قل البعض أم كثر وبه قال أحمد رحمه الله وقال داود لا يصلي عليه مطلقا وقال أبو حنيفة رحمه
الله ان وجد أكثر من نصفه غسل وصلي عليه وان وجد النصف فلا غسل ولا صلاة قال مالك
رحمه الله لا يصلى على اليسير منه
* قال المصنف رحمه الله *
{إذا استهل السقط أو تحرك ثم مات غسل وصلي عليه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا استهل السقط غسل وصلي عليه وورث وورث " ولأنه قد ثبت
له حكم الدنيا في الاسلام والميراث والدية فغسل وصلي عليه كغيره وإن لم يستهل ولم يتحرك فإن لم
يكن له أربعة أشهر كفن بخرقة ودفن وإن تم له أربعة أشهر ففيه قولان (قال) في القديم يصلي عليه
لأنه نفخ فيه الروح فصار كمن استهل (وقال) في الام لا يصلي عليه وهو الأصح لأنه لم يثبت له حكم
الدنيا في الإرث وغيره فلم يصل عليه فان قلنا يصلي عليه غسل كغير السقط وإن قلنا لا يصلى عليه ففي
غسله قولان قال في البويطي لا يغسل لأنه لا يصلي عليه فلا يغسل كالشهيد وقال في الام يغسل لان
الغسل قد ينفرد عن الصلاة كما نقول في الكافر} *
{الشرح} حديث ابن عباس من رواية ابن عباس غريب وإنما هو معروف من رواية جابر
رواه من رواية جابر الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي واسناده ضعيف وفى بعض
رواياته موقوف على جابر قال الترمذي رحمه الله كأن الموقوف أصح وقال النسائي الموقوف أولي
بالصواب رواه الترمذي في الجنائز والنسائي في الفرائض وابن ماجة فيهما وفى رواية البيهقي صلى عليه وورث
وورث ورواية المهذب ورث - بفتح الواو وكسر الراء - (وقوله) استهل أي صرخ وأصل الاهلال
رفع الصوت وفى السقط ثلاث لغات كسر السين وضمها وفتحها * أما حكم المسألة فللسقط أحوال
(أحدها) أن يستهل فيجب غسله والصلاة عليه بلا خلاف عندنا لما ذكره المصنف ويكون كفنه
ككفن البالغ ثلاثة أثواب (الثاني) أن يتحرك حركة تدل على الحياة ولا يستهل أو يختلج ففيه
طريقان (المذهب) وبه قطع المصنف والعراقيون يغسل ويصلي عليه قولا واحدا (والثاني) حكاه
255

الخراسانيون فيه قولان وبعضهم يقول وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) حكاه الخراسانيون
لا يصلي عليه وعلى هذا هل يغسل فيه طريقان عندهم (المذهب) يغسل (والثاني) على قولين (أحدهما)
يغسل (والثاني) لا يغسل (الثالث) أن لا تكون فيه حركة ولا اختلاج ولا غيرهما من أمارات الحياة
فله حالان (أحدهما) أن لا يبلغ أربعة أشهر فلا يصلى عليه بلا خلاف وفى غسله طريقان (المذهب) وبه
قطع المصنف والجمهور لا يغسل (والثاني) حكاه بعض الخراسانيين كالقاضي حسين والرافعي وآخرين
فيه قولان وذكرهما المحاملي في التجريد لكن قال يشترط أن يكون ظهر فيه خلقة آدمي (والحال الثاني)
أن يبلغ أربعة أشهر ففيه ثلاثة أقوال ذكرها المصنف والأصحاب (الصحيح) المنصوص في الام
ومعظم كتب الشافعي يجب غسله ولا تجب الصلاة عليه ولا تجوز أيضا لان باب الغسل أوسع ولهذا
يغسل الذمي ولا يصلي عليه (والثاني) نص عليه في البويطي من الكتب الجديدة لا يصلى عليه
ولا يغسل (والثالث) حكاه المصنف والجمهور عن نصه في القديم أنه يغسل ويصلي عليه وقال الشيخ
أبو حامد المنصوص للشافعي رحمه الله في جميع كتبه أنه لا يصلى عليه قال وحكى أصحابنا عن القديم
أنه يصلي عليه وقال صاحب الحاوي (الصحيح) الذي نص عليه الشافعي في القديم والجديد أنه
لا يصلي عليه قال (والثاني) حكاه ابن أبي هريرة تخريجا عن الشافعي رحمه الله في القديم أنه يصلى
عليه وقال البندنيجي رحمه الله حكى أصحابنا عن القديم أنه يصلى عليه وقد قرأت القديم كله فلم
أجده فقد اتفق هؤلاء على إنكار كونه في القديم قال امام الحرمين والغزالي في البسيط إن أوجبنا
في هذه الأحوال الصلاة فالكفن التام واجب كما سبق يعني يكفن كفن البالغ في ثلاثة أثواب
وإن لم نوجب الصلاة وجب دفنه بالاتفاق والخرقة التي تواريه وهي لفافة قالا والدفن واجب حينئذ
256

قولا واحدا قالا ثم تمام الكفن يتبع وجوب الصلاة قالا وإذا ألقت المرأة مضغة لا يثبت بها حكم
الاستيلاد ووجوب الغرة ولا غسل ولا تكفين ولا صلاة ولا يجب الدفن والأولى ان توارى هذا
كلامهما وكذا قال البغوي إذا ألقت علقة أو مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمي فليس لها
غسل ولا تكفين وتوارى كما يوارى دم الرجل إذا افتصد أو احتجم (وأما) الرافعي رحمه الله فقال
ما يظهر فيه خلقة آدمي يكفي فيه المواراة كيف كانت فبعد ظهور خلقة الآدمي حكم التكفين حكم
الغسل فجعله تابعا للغسل وجعله الامام والغزالي تابعا للصلاة وما ذكره الرافعي رحمه الله أنسب
(واما) المحاملي فذكر مسألة السقط في التجريد خلاف الأصحاب وخلاف ما ذكره هو أيضا في كتابه
المجموع فقال إن سقط بعد نفخ الروح ولم يستهل بأن سقط لفوق أربعة أشهر فقولان قال في القديم
والجديد لا يصلى عليه وفى البويطي يصلي عليه قال ولا خلاف على القولين انه يغسل ويكفن ويدفن
وان سقط قبل أربعة أشهر فلا خلاف أنه لا يصلى عليه نص عليه في جميع كتبه ثم إن لم يكن فيه خلق
آدمي كظفر وغيره فلا حكم له فلا يغسل ولا يكفن وإن كان قد تخلق كفن ودفن وفي غسله قولان
هذا آخر كلامه وفى البيان عن الشيخ أبي حامد نحوه ولم أر في تعليق أبي حامد لكن نسخ
التعليق تخلف والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الصلاة على الطفل والسقط * أما الصبي فمذهبنا ومذهب
جمهور السلف والخلف وجوب الصلاة عليه ونقل ابن المنذر رحمه الله الاجماع فيه وحكي أصحابنا
عن سعيد بن جبير أنه قال لا يصلي عليه ما لم يبلغ وخالف العلماء كافة وحكى العبدري عن بعض
العلماء أنه قال إن كان قد صلي صلي عليه وإلا فلا وهذا أيضا شاذ مردود * واحتج له برواية من
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يصل على ابنه إبراهيم " رضي الله عنه ولان المقصود من الصلاة
الاستغفار للميت وهذا لا ذنب له * واحتج أصحابنا بعموم النصوص الواردة بالامر بالصلاة على
المسلمين وهذا داخل في عموم المسلمين وعن المغيرة بن شعبه رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه
وسلم " قال الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلي عليه " رواه أحد والنسائي
والترمذي وقال حديث حسن صحيح وأجاب الأصحاب عن احتجاج سعيد بأن الرواية اختلفت
في صلاته صلى الله عليه وسلم على إبراهيم فأثبتها كثيرون من الرواة قال البيهقي وروايتهم أولي
قال أصحابنا رحمهم الله فهي أولى لأوجه (أحدها) أنها أصح من رواية النفي (الثاني) أنها مثبتة فوجب
تقديمها على النافية كما تقرر (الثالث) يجمع بينهما فمن قال صلي أراد أمر بالصلاة عليه واشتغل صلى الله عليه وسلم هو بصلاة
الكسوف ومن قال لم يصل أي لم يصل بنفسه (وأما) الجواب عن قوله المقصود المغفرة فباطل
257

بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المجنون الذي بلغ مجنونا واستمر حتى مات وعلى من
كان كافرا فاسلم ثم مات متصلا به من غير إحداث ذنب فان الصلاة ثابتة في هذه المواضع بالاجماع
ولا ذنب له بلا شك والله أعلم (واما) السقط فقد ذكرنا تفصيل مذهبنا فيه وقال مالك لا يصلي عليه
الا ان يختلج ويتحرك ويطول ذلك عليه وحكى ابن المنذر عن جابر بن زيد التابعي والحكم وحماد
ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي أنه إذا لم يستهل لا يصلي عليه وعن ابن عمر رضي الله عنهما
أنه يصلى عليه وان لم يستهل وبه قال ابن سيرين وابن المسيب واحمد وإسحاق وقال العبدري إن
كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف يعنى بالاجماع وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك
لم يصل عليه عند جمهور العلماء وقال احمد وداود رحمهما الله يصلى عليه *
* قال المصنف رحمه الله *
{وان مات كافر لم يصل عليه لقوله تعالى (ولا تصلى على احمد منهم مات ابدا) ولان الصلاة
لطلب المغفرة والكافر لا يغفر له ويجوز غسله وتكفينه لان النبي صلى الله عليه وسلم " امر عليا ان
يغسل أباه وأعطى قميصه ليكفن به عبد الله بن أبي ابن سلول " فان اختلط المسلمون بالكفار.
ولم يتميزوا صلي على المسلمين بالنية لان الصلاة تنصرف إلى الميت بالنية والاختلاط لا يؤثر
في النية} *
{الشرح} حديث علي رضي الله عنه ضعيف وحديث ابن أبي رواه البخاري ومسلم وقد
سبق بيان حديث علي رضي الله عنه في باب غسل الميت وحديث ابن أبي في باب الكفن وأجمعوا
على تحريم الصلاة على الكافر ويجوز غسله وتكفينه ودفنه (واما) وجوب التكفين ففيه خلاف
وتفصيل سبق واضحا في باب غسل الميت وتقدم هناك زيارة قبره والدعاء له واتباع جنازته وغير
ذلك مما يتعلق به (اما) إذا اختلط مسلمون بكفار ولم يتميزوا فقال أصحابنا يجب غسل جميعهم
وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم ولا خلاف في شئ من هذا لأن هذه الأمور واجبة في المسلمين
وهؤلاء فيهم مسلمون ولا يتوصل إلى أداء الواجب الا باستيعاب الجميع فوجب ذلك ولا فرق عندنا
أن يكون عدد المسلمين أكثر أو أقل حتى لو اختلط مسلم بمائة كافر وجب غسل الجميع وتكفينهم والصلاة
عليهم ودفنهم واما المقبرة التي يدفنون فيها فسيأتي بيانها في باب حمل الجنازة إن شاء الله تعالى قال
أصحابنا رحمهم الله وهو مخير في كيفية الصلاة فان شاء أفرد كل واحد من الجميع بصلاة وينوى
الصلاة عليه إن كان مسلما قال القاضي حسين والبغوي وغيرهما ويقول في الدعاء اللهم اغفر له إن كان مسلما
قال أصحابنا ويعذر في تردد النية للضرورة كمن نسي صلاة من الخمس يصليهن ويعذر في تردد النية وإن
258

شاء صلى على الجميع صلاة واحدة وينوى الصلاة على المسلمين من هؤلاء وهذه الكيفية الثانية أولى
لأنه ليس فيها صلاة على كافر حقيقة واتفق الأصحاب على أنه مخير بين الكيفيتين وممن صرح بذلك
القاضي حسين والبغوي وصاحب البيان والرافعي وآخرون وقطع المحاملي في كتبه والماوردي
والمصنف في التنبيه وآخرون بالكيفية الأولى وقطع البندنيجي والقاضي أبو الطيب في المجرد
وابن الصباغ وآخرون بالكيفية الثانية ونقلها ابن المنذر عن الشافعي وليس هذا اختلافا بالاتفاق
بل منهم من صرح بالجائزين ومنهم من اقتصر على أحدهما ولم ينف الآخر قال القاضي أبو الطيب
في المجرد قال أصحابنا وكذا لو اختلط الشهيد بغيره غسل الجميع وصلى عليهم ونوى بالصلاة غير الشهيد
قال القاضي ولو ماتت نصرانية وفى بطنها ولد مسلم وقد تحقق ذلك فان قلنا بالقديم إن السقط الذي لم
يستهل يصلي عليه صلي عليها ونوى بالصلاة الولد الذي في جوفها والله أعلم.
(فرع) قد ذكرنا جواز الصلاة على كل واحد من المختلطين مفردا وهذا تعليق للنية احتملناه
للحاجة ويجوز التعليق أيضا في الزكاة والصوم والحج في بعض الصور فصورته في الزكاة أن يقول نويت
هذا عن زكاة مالي الغائب إن كان غائبا والا فعن الحاضر وفى الصوم ان ينوى ليلة الثلاثين من
رمضان صوم غد إن كان من رمضان وفي الحج آن ينوى احراما كاحرام زيد.
(فرع) في مذاهب العلماء في اختلاط المسلمين بالكفار الموتى إذا لم يتميزوا * ذكرنا أن مذهبنا
وجوب غسل الجميع والصلاة عليهم سواء كان عدد المسلمين أقل أو أكثر وهو مذهب مالك واحمد
وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إن كان عدد المسلمين أقل أو أكثر صلي على الجميع
وإن كان عدد الكفار أكثر أو استوي العددان لم يصل لأنه اختلط من تحرم الصلاة عليه بغيره
فغلب التحريم كما لو اختلطت أخته بأجنبية حرم نكاحها. واحتج أصحابنا بان الصلاة على المسلمين
واجبة ولا يمكن الا بالصلاة على الجميع فوجب ذلك لان مالا يتم الواجب الا به فهو واجب وقياسا
على ما إذا كان عدد المسلمين أكثر وقولهم اختلط الحرام بغيره ينتقض بما إذا زاد عدد المسلمين
وقياسهم على اختلاط أخته بأجنبية ينتقض بأخلاطها بعدد غير محصور فإنه يتزوج واحدة من غير
اجتهاد والله أعلم.
(فرع) ذكر المتولي في أول كتاب الصيام أنه لو مات ذمي فشهد عدل بأنه أسلم قبل موته ولم
يشهد غيره لم يحكم بشهادته في توريث قريبه المسلم منه ولا حرمان قريبه الكافر بلا خلاف وهل تقبل
شهادته في الصلاة عليه فيه وجهان بناء على القولين في ثبوت هلال رمضان بقول عدل واحد.
* قال المصنف رحمه الله *
259

{ومن مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب فهو
شهيد لا يغسل ولا يصلى عليه لما روى جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر في قتلي
أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا " وان جرح في الحرب ومات بعد انقضاء الحرب
غسل وصلى عليه لأنه مات بعد انقضاء الحرب ومن قتل في الحرب وهو جنب ففيه وجهان قال
أبو العباس ابن سريج وأبو علي بن أبي هريرة يغسل لما روى أن حنظلة بن الراهب قتل فقال النبي
صلى الله عليه وسلم " ما شأن حنظلة فاني رأيت الملائكة تغسله فقالوا جامع فسمع الهيعة فخرج إلى القتال "
فلو لم يجب غسله لما غسلته الملائكة وقال أكثر أصحابنا لا يغسل لأنه طهارة عن حدث فسقط حكمها
بالشهادة كغسل الميت ومن قتل من أهل البغي في قتال أهل العدل غسل وصلي عليه لأنه مسلم قتل بحق
فلم يسقط غسله والصلاة عليه كمن قتل في الزنا والقصاص ومن قتل من أهل العدل في حرب أهل
البغي ففيه قولان (أحدهما) يغسل ويصلى عليه لأنه مسلم قتل في غير حرب الكفار فهو كمن قتله
اللصوص (والثاني) انه لا يغسل ولا يصلي عليه لأنه قتل في حرب هو فيه على الحق وقاتله على الباطل
فأشبه المقتول في معركة الكفار ومن قتل قطاع الطريق من أهل القافلة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يغسل
ويصلى عليه (والثاني) لا يغسل ولا يصلي عليه لما ذكرناه في أهل العدل}.
{الشرح} حديث جابر رواه البخاري رحمه الله وأما حديث حنظلة بن الراهب وأن الملائكة
غسلته لما كان جنبا واستشهد فرواه البيهقي باسناد جيد من رواية عبد الله بن الزبير متصلا ورواه
مرسلا من رواية عماد بن الزبير ورواية عبد الله بن الزبير لهذا يكون مرسل صحابي رضي الله عنه
فإنه ولد قبل سنتين فقط وهذه القضية كانت بأحد ومرسل الصحابي حجة على الصحيح والله أعلم
(وأما) الشهيد فسمي بذلك لا وجه سبق بيانها في باب السواك (وقوله) في حديث جابر رضي الله عنه ولم يصل
عليهم هو - بفتح اللام - (قوله) سمع هيعة - بفتح الهاء وإسكان الياء - وهي الصوت الذي يفزع منه
(قوله) طهارة عن حدث فسقط حكمها بالشهادة احتراز من طهارة النجس فإنه يجب ازالتها على المذهب
كما سنوضحه إن شاء الله تعالى (قوله) لأنه مسلم قتل بحق فلم يسقط غسله فيه احتراز ممن قتله الكفار فهو
شهيد (قوله) قتله اللصوص هو - بضم اللام - جمع لص بكسرها كحمل وحمول * اما حكم الفصل ففيه مسائل
(إحداها) الشهيد لا يجوز غسله ولا الصلاة عليه وقال المزني رحمه الله يصلى عليه وحكي امام الحرمين
والبغوي وغيرهما وجها انه تجوز الصلاة عليه ولا تجب ولا يغسل وقال الرافعي رحمه الله الغسل إن
260

أدى إلى إزالة الدم حرام بلا خلاف والا فحرام على المذهب وقيل في تحريمه الخلاف الذي في
الصلاة والمذهب ما سبق من الجزم بتحريم الصلاة والغسل جميعا ودليله حديث جابر مع ما سنذكره في
فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى (الثانية) يثبت حكم الشهادة فيما ذكرناه للرجل والمرأة والعبد
والصبي والصالح والفاسق (الثالثة) الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلي عليه هو من مات بسبب قتال
الكفار حال قيام القتال سواء قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاح نفسه أو سقط
عن فرسه أو رمحته دابة فمات أو وطئته دواب المسلمين أو غيرهم أو أصابه سهم لا يعرف هل رمى
به مسلم أم كافر أو وجد قتيلا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته سواء كان عليه اثر دم
أم لا وسواء مات في الحال أم بقي زمنا ثم مات بذلك السبب قبل انقضاء الحرب وسواء أكل وشرب
ووصي أم لم يفعل شيئا من ذلك وهذا كله متفق عليه عندنا نص عليه الشافعي والأصحاب ولا خلاف
فيه الا وجها شاذا مردودا حكاه الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق أن من رجع إليه سلاحه أو وطئته
دابة مسلم أو مشرك أو تردى في بئر حال القتال ونحوه ليس بشهيد بل يغسل ويصلي عليه (والصواب)
الأول (أما) إذا مات في معترك الكفار لا بسبب قتالهم بل فجأة أو بمرض فطريقان (المذهب) أنه ليس
بشهيد وبه قطع الماوردي والقاضي حسين والبغوي وآخرون (والثاني) فيه وجهان (أحدهما) شهيد
(وأصحهما) ليس بشهيد حكاه امام الحرمين وآخرون قال القاضي حسين والبغوي رحمهم الله وكذا
لو قتله مسلم عمدا أو رمى إلى صيد فأصابه في حال القتال ومات بعد انقضائه فان قطع بموته من
تلك الجراحة وبقى فيه بعد انقضاء الحرب حياة مستقرة فقولان مشهوران (أصحهما) ليس بشهيد سواء
في جريان القولين أكل وشرب وصلى وتكلم أم لا وسواء طال الزمان أم لا هذا هو المشهور
وقيل إن مات عن قرب فقولان وإن طال الزمان فليس بشهيد قطعا أما إذا انقضت الحرب وليس
فيه الا حركة مذبوح فهو شهيد بلا خلاف لأنه في حكم الميت وإن انقضت وهو متوقع الحياة فليس
بشهيد بلا خلاف (الرابعة) إذا قتل أهل العدل انسانا من أهل البغي في حال القتال غسل وصلي
عليه بلا خلاف وان قتل أهل البغي عادلا فقولان مشهوران (أصحهما) يغسل ويصلي عليه كعكسه
قال الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه وابن الصباغ هذا هو المنصوص عن الشافعي في القديم
والجديد (والثاني) نص عليه في قتال أهل البغي لا يغسل ولا يصلي عليه لأنه مقتول في حرب
مبطلين فأشبه الكفار (الخامسة) من قتله قطاع الطريق فيه طريقان حكاهما امام الحرمين وآخرون
(أحدهما) ليس بشهيد قطعا وبه قطع جماعة (وأصحهما) وبه قطع المصنف والأكثرون فيه وجهان
261

(أصحهما) باتفاقهم ليس بشهيد (والثاني) شهيد أما من قتله اللصوص ففيه طريقان (أصحهما) وبه
قطع المصنف والماوردي وآخرون ليس بشهيد قطعا (والثاني) أنه كمن قتله قطاع الطريق فيكون فيه
الطريقان ولو دخل حربي دار الاسلام فقتل مسلما اغتيالا فوجهان حكاهما امام الحرمين وغيره
(الصحيح) باتفاقهم ليس بشهيد ولو أسر الكفار مسلما ثم قتلوه صبرا ففي كونه شهيدا في ترك
الغسل والصلاة عليه وجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره (أصحهما) ليس بشهيد (السادسة) المرجوم
في الزنا والمقتول قصاصا والصائل وولد الزنا والغال من الغنيمة إذا لم يحضر القتال ونحوهم يغسلون
ويصلي عليهم بلا خلاف عندنا وفى بعضهم خلاف للسلف سنذكره في فروع مذاهب العلماء إن
262

شاء الله تعالى (السابعة) لو استشهد جنب فوجهان (أصحهما) باتفاق المصنفين يحرم غسله وبه قال جمهور
أصحابنا المتقدمين لأنها طهارة حدث فلم يجز كغسل الموت (والثاني) وبه قال ابن سريج وابن أبي
هريرة يجب غسله بسبب شهادة الجنابة والخلاف إنما هو في غسله عن الجنابة ولا خلاف أنه لا يغسل
بنية غسل الموت قال القاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي والعبد رى والرافعي وخلائق من
الأصحاب لا خلاف أنه لا يصلى عليه وإن غسلناه قلت وقد سبق وجه شاذ أنه يصلى على كل شهيد
فيجئ هنا أما إذا استشهدت منقطعة الحيض قبل اغتسالها فهي كالجنب وإن استشهدت في أثناء
الحيض فان قلنا الجنب لا يغسل فهي أولي وإلا فوجهان حكاهما صاحب البحر بناء على أن غسل
الحائض يجب برؤية الدم أم بانقطاعه أم بهما وفيه أوجه سبقت في باب ما يوجب الغسل فان قلنا
برؤيته فهي كالجنب وإلا فلا تغسل قطعا وهو الأصح وقد أشار القاضي أبو الطيب والشيخ نصر
المقدسي إلى الجزم بأنها لا تغسل بالاتفاق وجعلاه الزاما لابن سريج *
(فرع) لو أصابت الشهيد نجاسة لا بسبب الشهادة فثلاثة أوجه حكاها الخراسانيون وبعض
العراقيين (أصحها) باتفاقهم وبه قطع الماوردي والقاضي حسين والجرجاني والبغوي وآخرون يجب
غسلها لأنها ليست من آثار الشهادة (والثاني) لا يجوز (والثالث) ان أدى غسلها إلى إزالة دم الشهادة
لم تغسل والا غسلت وممن ذكر هذا الثالث امام الحرمين والغزالي والرافعي *
(فرع) ذكر المصنف حديث حنظلة بن الراهب وغسل الملائكة له حين استشهد جنبا وذكرنا
أنه حديث ضعيف قال أصحابنا رحمهم الله ولو ثبت فالجواب عنه أن الغسل لو كان واجبا لما سقط بفعل
الملائكة ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله ولهذا احتج القاضي حسين والبغوي بهذا الحديث
لترك الغسل وهذا الجواب مشهور في كتب الأصحاب قال القاضي أبو الطيب قال ابن سريج
ردا لهذا الجواب فينبغي أن يجب تكفينه لو كفنته الملائكة بالسندس قال القاضي والجواب
أنا لو شاهدنا تكفينه وستر عورته لم نزد على ذلك لان المقصود ستره وقد حصل (وأما) الغسل فالمطلوب
منه تعبد الآدمي به وذكر الشيخ نصر المقدسي نحو هذا وأما المصنف فقال في كتابه لو صلت عليه
الملائكة أو كفنته في السندس لم يكتف به والله أعلم * (الثامنة) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله
ينزع عن الشهيد ما ليس من غالب لباس الناس كالجلود والفراء والخفاف والدرع والبيضة والجبة
المحشوة وما أشبهها وأما باقي الثياب المعتاد لبسها التي قتل فيها فوليه بالخيار إن شاء نزعها وكفنه
بغيرها وإن شاء تركها عليه ودفنه فيها ولا كراهة في واحد من هذين الامرين قالوا والدفن فيها
أفضل والثياب الملطخة بدم الشهادة أفضل فإن لم يكن ما عليه كافيا للكفن الواجب وجب اتمامه
ودليل هذه المسألة حديث جابر السابق وهو في صحيح البخاري رحمه الله وعن ابن عباس رضي
263

الله عنهما قال " امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن
يدفنوا بدمائهم وثيابهم " رواه أبو داود باسناد فيه عطاء ابن السائب وقد ضعفه الأكثرون ولم
يضعف أبو داود هذا الحديث وعن جابر رضي الله عنه قال " رمى رجل بسهم في صدره أوفى حلقه
فمات فادرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود باسناد صحيح
على شرط مسلم وفى صحيح البخاري رحمه الله ان مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد
فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة رضي الله عنه فلم يوجد ما يكفن فيه الا بردة (التاسعة)
الشهداء الذين لم يموتوا بسبب حرب الكفار كالمبطون والمطعون والغريق وصاحب الهدم والغريب
والميتة في الطلق ومن قتله مسلم أو ذمي أو مأثم في غير حال القتال وشبههم فهؤلاء يغسلون ويصلي
عليهم بلا خلاف قال أصحابنا رحمهم الله ولفظ الشهادة الوارد فيهم المراد به أنهم شهداء في ثواب
الآخرة لا في ترك الغسل والصلاة واعلم أن الشهداء ثلاثة أقسام (أحدها) شهيد في حكم الدنيا وهو
ترك الغسل والصلاة وفى حكم الآخرة بمعني أن له ثوابا خاصا وهم أحياء عند ربهم يرزقون وهذا هو
الذي مات بسبب من أسباب قتال الكفار قبل انقضاء الحرب وسبق تفصيله (والثاني) شهيد
في الآخرة دون الدنيا وهو المبطون والمطعون والغريق وأشباههم (والثالث) شهيد في الدنيا دون
الآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وقد غل من الغنيمة أو قتل مدبرا أو قاتل رياء ونحوه فله
حكم الشهداء في الدنيا دون الآخرة والدليل للقسم الثاني أن عمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم
غسلوا وصلي عليهم بالاتفاق واتفقوا على أنهم شهداء والله أعلم (العاشرة) في حكمة ترك غسل الشهيد
والصلاة عليه قال الشافعي في الام لعل ترك الغسل والصلاة لان يلقوا الله بكلومهم لما جاء ان
ريح دمهم ريح المسك واستغنوا باكرام لهم عن الصلاة عليهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين
لما يكون في من قاتل في الزحف من الجراحات وخوف عودة العدو ورجاء طلبهم وهمهم بأهلهم
وهم أهليهم بهم والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في غسل الشهيد والصلاة عليه * قذ ذكرنا ان مذهبنا تحريمها وبه قال
جمهور العلماء وهو قول عطاء والنخعي وسليمان بن موسى ويحيى الأنصاري والحاكم
وحماد والليث ومالك وتابعوه من أهل المدينة واحمد واسحق وأبو ثور وابن
المنذر وقال سعيد بن المسبب والحسن البصري يغسل ويصلي عليه وقال أو حنيفة
والثوري والمزني يصلي عليه ولا يغسل * واحتج لأبي حنيفة بأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
" صلي على قتلى أحد وصلي على حمزة صلوات " (ومنها) رواية أبى مالك الغفاري رضي الله عنه أن النبي
264

صلى الله عليه وسلم " صلي على قتلي أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلي عليه سبعين صلاة " رواه
أبو داود في المراسيل وعن شداد بن الهاد أن رجلا من الاعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فآمن به واتبعه وذكر الحديث بطوله وفيه أنه استشهد فصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه
النسائي وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " خرج فصلي على قتلي أحد
صلاته على الميت " رواه البخاري ومسلم وفى رواية للبخاري صلي عليهم بعد ثمان سنين كالمودع
للاحياء والأموات * واحتج أصحابنا بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر في قتلي أحد
بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا " رواه البخاري وعن جابر أيضا أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " في قتلى أحد لا تغسلوهم فان كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم)
رواه الإمام أحمد وعن انس أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم رواه أبو داود
باسناد حسن أو صحيح (وأما) الأحاديث التي احتج بها القائلون في الصلاة فاتفق أهل الحديث على
ضعفها كلها الا حديث عقبة بن عامر والضعف فيها بين قال البيهقي وغيره وأقرب ما روى حديث أبي
مالك وهو مرسل وكذا حديث شداد مرسل أيضا فإنهما تابعان وأما حديث عقبة فأجاب
أصحابنا وغيرهم بان المراد من الصلاة هنا الدعاء (وقوله) صلاته على الميت أي دعا لهم كدعاء صلاة الميت
وهذا التأويل لابد منه وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة بالاجماع لأنه صلى الله عليه وسلم بما
فعله عند موته بعد دفنهم بثمان سنين ولو كان صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين ودليل
آخر وهو أنه لا يجوز أن يكون المراد صلاة الجنازة بالاجماع لان عندنا لا يصلي على الشهيد وعند
أبي حنيفة رحمه الله يصلي على القبر بعد ثلاثة أيام فوجب تأويل الحديث ولان أبا حنيفة
لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وهذا منها والله أعلم (فان قيل) ما ذكرتموه من حديث جابر لا يحتج
به لأنه نفى وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها من رواية الاثبات (فأجاب) أصحابنا بان شهادة النفي
إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن محصورة (اما) ما أحاط به علمه وكان محصورا فيقبل بالاتفاق
وهذه قصة معينة أحاط بها جابر وغيره علما وأما رواية الاثبات فضعيفة فوجودها كالعدم الا حديث
عقبة وقد أجبنا عنه واشتد انكار الشافعي في الام وتشنيعه على من يقول يصلى على الشهيد محتجا
برواية الشعبي وغيره أن حمزة رضي الله عنه صلي عليه سبعون صلاة وكان يؤتي بتسعة من القتلى
وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه ثم يؤتى بتسعة آخرين فيصلى عليهم وعلى حمزة
حتى صلى عليه سبعين صلاة قال الشافعي رحمه الله وشهداء أحد اثنان وسبعون شهيدا فإذا صلي
عليهم عشرة عشرة فالصواب أن لا يكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان على أنه صلي على كل تسعة
مع حمزة صلاة فهذه سبع فمن أين جاءت سبعون صلاة وإن عنى أنه كبر سبعين تكبيرة فنحن وهم
265

نقول التكبير أربع فهي ست وثلاثون تكبيرة قال الشافعي رحمه الله ينبغي لمن روى هذا الحديث
أن يستحيي على نفسه وقد كان ينبغي له أن يعارض به الأحاديث فقد جاءت من وجوه متواترة
أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يصل عليهم " هذا آخر كلام الشافعي رحمه الله وقال امام الحرمين
في الأساليب معتمدنا في المسألة الأحاديث الصحيحة أنه لم يصل عليهم ولم يغسلوا (واما) ما ذكروه
من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد فخطأ لم يصححه الأئمة لأنهم رووا انه كان يؤتي
بعشرة عشرة وحمزة أحدهم فصلي على حمزة سبعين صلاة وهذا غلط ظاهر لان الشهداء سبعون
وانا يخص حمزة سبعين صلاة لو كانوا سبعمائة ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إذا صلي على الميت لم يصل عليه
مرة أخرى وبالاتفاق منا ومنه فان من صلي مرة لا يصلي هو ثانية ولان الغسل لا يجوز عندنا وعندهم
وهو شرط في الصلاة على غير الشهداء فوجب أن لا تجوز الصلاة على الشهيد بلا غسل (فان قالوا)
سبب ترك الغسل بقاء اثر الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم " زملوهم بكلومهم " فظهر سبب ترك الغسل
وبقيت الصلاة مشروعة كما كانت (فالجواب) انه لو كان المعتبر بقاء الدم لوجب ان يغسل من قتل
في المعترك خنقا أو بمثقل ولم يظهر دم ولأنه لو كان المراد بقاء الدم ليمم قال وليس معنى الحديث
ترك الغسل بسبب وإنما المراد نفى توهم من يظن أن الغسل متعين لإزالة الأذى فقال صلى الله عليه
وسلم " زملوهم وأدفنوهم بدمائهم ولا تهتموا بإزالتها عنهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وعليهم الدماء " قال
والذي يوضح هذا انا نقطع بان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن الدماء التي يدفنون بها تبقى إلى
يوم القيامة فثبت بما ذكرناه بطلان قولهم إن ترك الغسل للدم فيجب أن يقال الشهادة تطهير للمقتول
عن الذنوب فيغنى عن التطهير بالماء وهذا يقتضي ترك الصلاة أيضا فإنها شرعت لتطهيره بشفاعة
المصلين (فان قيل) الصبي طاهر ويصلى عليه (قلنا) الشهادة أمر طارئ يقتضي رتبة عظيمة وتمحيصا
فلا يبعد ان يقال إنه مغن عن الغسل والصلاة والصبي وإن لم يكن مكلفا فلم يطرأ عليه ما يقتضى
مرتبة والطريقة السديدة عندنا في ترك الغسل أنه غير معلل لأنا أبطلنا عليهم وما ذكرنا من التطهير
ربما لا يستقيم على السير كما ينبغي فنقول إذا امتنع الغسل وبدله فهو كحي لم يجد ماء ولا ترابا فإنه
لا يصلي الفرض عندهم والله أعلم *
(فرع) في مذاهبهم في الصبي إذا استشهد * مذهبنا انه لا يغسل ولا يصلى عليه وبه قال الجمهور
وحكاه العبدري عن أكثر الفقهاء منهم مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد وحكاه ابن المنذر عن أبي
ثور واختاره وقال أبو حنيفة يغسل ويصلي عليه * دليلنا أنه مسلم قتل في معترك المشركين بسبب
قتالهم فأشبه البالغ والمرأة * واحتج بأنه لا ذنب له قلنا يغسل ويصلي عليه في غير المعترك وان لم يكن
من أهل الذنب *
266

(فرع) إذا رفسته دابة في حرب المشركين أو عاد عليه سلاحه أو تردى من جبل أو في بئر
في حال مطاردته فقد ذكرنا ان مذهبنا انه لا يغسل ولا يصلي عليه وكذا لو وجد ميتا ولا أثر عليه
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد يغسل ويصلي عليه دليلنا ما سبق في الفرع قبله *
(فرع) في مذاهبهم في كفن الشهيد * مذهبنا انه يزال ما عليه من حديد وجلود وجبة محشوة
وكل ما ليس من عام لباس الناس ثم وليه بالخيار إن شاء كفنه بما بقي عليه مما هو من عام لباس
الناس وإن شاء نزعه وكفنه بغيره وتركه أفضل كما سبق وقال مالك وأحمد لا ينزع عنه فرو ولا خف
ولا محشو ولا بخير وليه في نرع شئ ولأصحاب داود خلاف كالمذهبين وأجمع العلماء على أن الحديد
والجلود ينزع عنه وسبق دليلنا والأحاديث الواردة في ذلك *
(فرع) المقتول ظلما في البلد بحديد أو غيره يغسل ويصلي عليه عندنا وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة وصاحباه إذا قتل بحديدة صلي عليه ولم يغسل. دليلنا القياس على القتل بمثقل فقد
أجمعنا أنه يغسل ويصلي عليه وقال ابن سريج وابن أبي هريرة يغسل ولا يصلى عليه وسبق
دليل الجميع.
(فرع) إذا انكشف الحرب عن قتيل مسلم لم يغسل ولم يصل عليه عندنا سواء كان به أثر أم لا
وبه قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد ان لم يكن به اثر غسل وصلي عليه.
(فرع) مذهبنا الصلاة على المقتول من البغاة وبه قال احمد وداود وقال أبو حنيفة لا يغسلون
ولا يصلي عليهم وقال مالك لا يصلى عليهم الامام وأهل الفضل.
(فرع) إذا قتلت البغاة رجلا من أهل العدل فالأصح عندنا انه يجب غسله والصلاة عليه وبه قال
مالك وقال أبو حنيفة لا يغسل ولا يصلى عليه وعن أحمد روايتان كالمذهبين *
(فرع) القتيل بحق في حد زنا أو قصاص يغسل ويصلى عليه عندنا وذلك واجب وحكاه
ابن المنذر عن علي ابن أبي طالب وجابر بن عبد الله وعطاء والنخعي والأوزاعي واسحق وأبى ثور
وأصحاب الرأي وقال الزهري يصلي على المقتول قصاصا دون المرجوم وقال مالك رحمه الله لا يصلي
الامام على واحد منهما وتصلي عليه الرعية *
(فرع) من قتل نفسه أو غل في الغنيمة يغسل ويصلى عليه عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك
وداود وقال احمد لا يصلى عليهما الامام وتصلى بقية الناس.
(فرع) مذهبنا وجوب غسل ولد الزنا والصلاة عليه وبه قال جمهور العلماء وحكاه ابن
المنذر عن أكثر العلماء قال وبه قال النخعي والزهري ومالك وأحمد واسحق وقال قتادة
لا يصلي عليه
267

(فرع) في الإشارة إلى دلائل المسائل السابقة ثبت في صحيح مسلم رحمه الله من رواية عمران
ابن حصين وبريدة ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي على المرجومة في الزنا " وثبت في البخاري من
رواية جابر رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم " صلى على ما عز بعد أن رجمه " وفى غير البخاري " أنه
لم يصل عليه " وفى مسلم عن جابر ابن سمرة ان رجلا قتل نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وروى الدارقطني والبيهقي باسنادهما الصحيح عن مكحول عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " صلوا خلف كل بر وفاجر وضلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر " قالا هذا منقطع
فلم يدرك مكحول أبا هريرة رضي الله عنه قال البيهقي قد روى في الصلاة على كل بر وفاجر
وعلى من قال لا إله الا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف قال وأصح ما فيه هذا المرسل
والله أعلم.
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) إذا قتلنا تارك الصلاة غسل وكفن وصلي عليه
ودفن في مقابر المسلمين ورفع قبره كغيره كما يفعل بسائر أصحاب الكبائر هذا هو المذهب وبه قطع
الجمهور وفيه وجه حكاه الخراسانيون عن أبي العباس بن القاص صاحب التلخيص انه لا يغسل
ولا يكفن ولا يصلي عليه ويطمس قبره تغليظا عليه وتحذيرا من حاله وهذا ضعيف والله أعلم
وأما قاطع الطريق فيبنى أمره على صفة قتله وصلبه وفيه قولان مشهوران في باب حد قاطع الطريق
(الصحيح) أنه يقتل ثم يغسل ويصلي عليه ثم يصلب مكفنا (والثاني) يصلب حيا ثم يقتل وهل ينزل
بعد ثلاثة أيام أم يبقي حتى يتهرى فيه وجهان ان قلنا بالأول أنزل فغسل وصلى عليه وإن قلنا
بالثاني لم يغسل ولم يصل عليه قال امام الحرمين وكان لا يمتنع أن يقتل مصلوبا وينزل ويغسل
ويصلي عليه ثم يرد ولكن لم يذهب إليه أحد وقال بعض أصحابنا لا يغسل ولا يصلى عليه على كل
قول (الثانية) قال صاحب البحر رحمه الله لو صلي على الأموات الذين ماتوا في يومه وغسلوا في البلد
الفلاني ولا يعرف عددهم جاز قلت لا حاجة إلى التخصيص ببلد معين بل لو صلى على أموات المسلمين
في أقطار الأرض الذين ماتوا في يومه ممن تجوز الصلاة عليهم جاز وكان حسنا مستحبا لان الصلاة
على الغائب صحيحة عندنا ومعرفة أعيان الموتى وأعدادهم ليست شرطا والله أعلم (الثالثة) تكره الصلاة
على الجنازة في المقبرة بين القبور هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وحكاه ابن المنذر عن علي بن
أبي طالب وابن عباس وابن عمرو عطاء وابن سيرين وأحمد واسحق وأبى ثور قال وبه أقول ولم
يكرهها أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وعن مالك روايتان كالمذهبين.
268

{باب حمل الجنازة والدفن}
* قال المصنف رحمه الله *
{يجوز حمل الجنازة بين العمودين وهو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي مقدمة النعش
ويجعلهما على كاهله ويجوز الحمل من الجوانب الأربعة فيبدأ بياسرة المقدمة فيضع العمود على عاتقه
الأيمن ثم يجئ إلى ياسرة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيمن ثم يأخذ يامنة المقدمة فيضع العمود
على عاتقه الأيسر ثم يجئ إلى يامنة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيسر والحمل بيني العمودين
أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم حمل سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين ولأنه روى
ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن الزبير رضي الله عنهم}.
{الشرح} حديث حمل سعد بن معاذ رضي الله عنه ذكره الشافعي في المختصر والبيهقي في كتاب
المعرفة وأشار إلى تضعيفه والآثار المذكورة عن الصحابة رضي الله عنهم رواها الشافعي والبيهقي
بأسانيد ضعيفة الا الأثر عن سعد بن أبي وقاص فصحيح والله أعلم * والمقدمة - بفتح الدال وكسرها -
والكسر أفصح واليامنة والياسرة - بكسر الميم والسين - والكاهل ما بين الكتفين قال أصحابنا رحمهم
الله لحمل الجنازة كيفيتان (أحدهما) بين العمودين وهو أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين
وهما العمودان على عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما على كاهله ويحمل مؤخر النعش رجلان أحدهما
من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر ولا يتوسط الخشبتين الشاخصتين المؤخرتين واحد لأنه
لو توسط لم ير ما بين قدميه بخلاف المقدمتين قال أصحابنا فإن لم يستقل المتقدم بالحمل أعانه آخران
خارج العمودين يضع كل واحد منها واحدا منهما على عاتقه فتكون الجنازة محمولة بخمسة (والكيفية)
الثانية التربيع وهو أن يتقدم رجلان فيضع أحدهما العمودين الأيمن على عاتقه الأيسر ويضع الآخر
العمود الأيسر على عاتقه الأيمن وكذلك يحمل العمودين اللذين في آخرها رجلان فتكون الجنازة
محمولة بأربعة قال الشافعي رحمه الله والأصحاب رحمهم الله من أراد التبرك بحمل الجنازة من جوانبها
الأربعة بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها فحمله على عاتقه الأيمن ثم يسلمه إلى غيره ويأخذ العمود
الأيسر من مؤخرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضا ثم يتقدم أيضا فيمر بين يديها ولا يجئ من
ورائها لئلا يكون ماشيا من خلفها فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ثم يأخذ العمود
الأيمن من مؤخرها على عاتقه الأيسر أيضا ولا يمكنه هذا الا إذا حملت الجنازة على هيئة التربيع
قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله وكل واحدة من كيفية التربيع واحمل بين العمودين جائزة بلا
خلاف وأيهما أفضل فيه ثلاثة أوجه (الصحيح) الذي قطع به المصنف والجمهور الحمل بين العمودين
269

أفضل (والثاني) التربيع أفضل حكاه إمام الحرمين وقال هو ضعيف لا أصل له وهو مذهب أبي حنيفة
(والثالث) هما سواء في الفضيلة حكاه الرافعي رحمه الله. هذا إذا أراد الاقتصار على إحداهما فاما
الأفضل مطلقا فهو الجمع بين الكيفيتين نص عليه الشافعي في الام ورأيت نصه في الام ونقله الشيخ
أبو حامد أيضا وغيره وصرح به أبو حامد والبندنيجي والمحاملي في كتبه الثلاثة والمصنف في التنبيه
والجرجاني في التحرير والشيخ نصر المقدسي وصاحب العدة والشاشي وآخرون ثم صفة الجمع بين
الكيفيتين ما أشار إليه صاحب الحاوي في قوله السنة ان يحمل الجنازة خمسة أربعة من جوانبها
وواحد بين العمودين وكذا صرح به غيره وقال الرافعي وغيره صفة الجمع بينهما أن يحمل تارة
كذا وتارة كذا فالحاصل ان الكيفيتين جائزتان والجمع بينهما أفضل من الاقتصار على إحداهما
فان اقتصر فالحمل بين العمودين أفضل من التربيع على الصحيح وفيه الوجهان الآخران وكلام
المصنف في التنبيه صريح في بيان المسألة على ما ذكرناه وكلامه هنا يتأول على ذلك فقوله الحمل بين
العمودين أفضل يعنى ان اقتصر ولم يذكر حكم الأفضل مطلقا ثم إنه لم يوضح صورة التربيع على
وجهها وخلط صفة التربيع بمسألة من أراد التبرك بحملها من الجوانب كلها وصواب المسألة ما أوضحناه
أولا قال القاضي أبو الطيب في تعليقه ولو حمل النعش على رأسه لم يكن حاملا بين العمودين وهو كما قال وهذا
الذي قدمناه من أن صفة الحمل بين العمودين ان يحملها ثلاثة اثنان من مؤخرها وواحد من مقدمها هو الصحيح
المعروف الذي قطع به الأصحاب في جميع الطرق وصرحوا بأنه لا يكون إلا بثلاثة الا الدارمي ومن
وافقه فإنه حكى في الاستذكار عن أبي إسحاق المروزي رحمه الله أنه يحصل باثنين وهذا شاذ
مردود والله أعلم.
(فرع) في مذاهب العلماء في كيفية حمل الجنازة * قد ذكرنا أن الحمل بين العمودين أفضل من
التربيع عندنا وبه قال أبو ثور وابن المغلس الداوودي وقال الحسن البصري والنخعي والثوري
وأبو حنيفة واحمد واسحق التربيع أفضل وقال مالك وداود هما سواء في الفضيلة.
(فرع) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله حمل الجنازة فرض كفاية ولا خلاف فيه قال
الشافعي والأصحاب وليس في حملها دناءة وسقوط مروءة بل هوبر وطاعة واكرام للميت وفعله الصحابة
والتابعون ومن بعدهم من أهل الفضل والعلم والله أعلم.
(فرع) قال الشافعي في الام والأصحاب لا يحمل الجنازة الا الرجال سواء كان الميت ذكرا
أو أنثى ولا خلاف في هذا لأن النساء يضعفن عن الحمل وربما انكشف منهن شئ لو حملن *
(فرع) قال أصحابنا رحمهم الله يحرم حمل الجنازة على هيئة مزرية كحمله في قفة وغرارة
ونحو ذلك ويحرم حمله على هيئة يخاف منها سقوطه. قال الشافعي في الام والقاضي أبو الطيب
270

والأصحاب ويحمل على سرير أو لوح أو محمل قالوا وأي شئ حمل عليه أجزأ قال القاصي والبندنيجي
وغيرهما فان خيف تغيره وانفجاره قبل إن يهيأ له ما يحمل عليه فلا بأس ان يحمل على الأيدي
والرقاب حتى يوصل إلى القبر *
(فرع) قال أصحابنا يستحب أن يتخذ للمرأة نعش قال الشيخ نصر المقدسي والنعش هو
المكبة التي توضع فوق المرأة على السرير وتغطي بثوب لتستر عن أعين الناس وكذا قاله صاحب
الحاوي يختار للمرأة إصلاح النعش كالقبة على السرير لما فيه من الصيانة وسماه صاحب البيان رحمه
الله خيمة فقال إن كانت امرأة اتخذ لها خيمة تسترها واستدلوا له بقضية جنازة زينب أم المؤمنين
رضي الله عنها قيل وهي أول من حمل على هذا النعش من المسلمات وقد روى البيهقي رحمه الله أن
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أوصت أن يتخذ لها ذلك ففعلوه فان
صح هذا فهي قبل زينب بسنين كثيرة (وأما) ما حكاه البندنيجي أن أول ما اتخذ ذلك في
جنازة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بذلك فباطل غير معروف نبهت عليه لئلا يغتر به
* قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب الاسراع بالجنازة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " أسرعوا بالجنازة فان تكن صالحة فخيرا تقدمونها إليه وإن تكن سوى ذلك فشرا
تضعونه عن رقابكم " ولا يبلغ به الخبب لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال " سألنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السير بالجنازة فقال دون الخبب فان يكن خيرا يعجل إليه وإن
يكن شرا فبعدا لأصحاب النار "} *
{الشرح} هذا الحديث لفظه في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " أسرعوا بالجنازة فان تكن صالحة فخير تقدمونها وإن تكن سوى ذلك فشر
تضعونه عن رقابكم " رواه البخاري وهذا لفظه ومسلم أيضا وعنده فخبرا تقومونها عليه وفى رواية
له " قربتموها إلى الخير " وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فرواه أبو داود والترمذي والبيهقي
وغيرهم واتفقوا على تضعيفه نقل الترمذي تضعيفه عن البخاري وضعفه أيضا الترمذي والبيهقي
وآخرون والضعف عليه بين واتفق العلماء على استحباب الاسراع بالجنازة ألا أن يخاف من الاسراع
انفجار الميت أو تغيره ونحوه فيتأنى قال الشافعي والأصحاب المراد بالاسراع فوق المشي المعتاد
ودون الخبب قال أصحابنا فان خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الاسراع قال الشافعي
في الام ويمشي بالجنازة على أسرع سجية مشى الا الاسراع الذي يشق على من يتبعها الا ان يخاف
تغيرها أو انفجارها فيعجلوا بها ما قدروا قال الشافعي ولا أحب لاحد من أهل الجنازة الا بطاء في
271

شئ من حالاتها من غسل ووقوف عند القبر والله أعلم * وفى الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال في جنازة ميمونة رضي الله عنها إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه ولا تزلزلوه وهذا
محمول على خوف مفسدة من الاسراع وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال لقد رأيتنا ونحن نرمل رملا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى بالجنازة رواه أبو داود والنسائي بأسانيد صحيحة وهو محمول
272

على الحاجة إلى زيادة الاسراع في بعض الأحوال كما سبق.
273

* قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب اتباع الجنازة لما روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال " أمرنا رسول الله
274

صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الداعي ونصر المظلوم
275

والمستحب ان لا ينصرف من يتبع الجنازة حتى تدفن لما روى أبو هريرة رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال " من تبع جنازة فصلي عليها فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان
القيراط أعظم من أحد "} *
{الشرح} هذان الحديثان رواهما البخاري ومسلم وعازب والد البراء صحابي رضي الله
عنهما والتشميت يقال بالشين المعجمة وبالمهملة لغتان سبق بيانهما في باب هيئة الجمعة ووقع في المهذب
القيراط أعظم من أحد والذي في صحيحي البخاري ومسلم القيراط مثل أحد وفى رواية لهما
276

القيراطان مثل الجبلين العظيمين وفى رواية لمسلم أصغرهما مثل أحد قال القاضي حسين وغيره من
أصحابنا وغيرهم القيراط مقدار من الثواب يقع على القليل والكثير فبين في هذا الحديث مثل
أحد واعمل ان القراطين بالدفن إنما هما لمن صلي عليها فيحصل له بالدفن والصلاة جميعا قيراطان
وبالصلاة على انفرادها قيراط وقد جاءت روايات الحديث في الصحيح ببيان هذا وله نظائر في
القرآن والسنة وقد أوضحت كل هذا في هذا الموضع من شرح صحيح مسلم * واما الأحكام ففيها
مسألتان (إحداهما) قال الشافعي والأصحاب يستحب للرجال اتباع الجنازة حتى تدفن وهذا مجمع
عليه للأحاديث الصحيحة فيه واما النساء فيكره لهن اتباعها ولا يحرم هذا هو الصواب وهو الذي
قاله أصحابنا واما قول الشيخ نصر المقدسي رحمه الله لا يجوز للنساء اتباع الجنازة فمحمول على
كراهة التنزيه فان أراد به التحريم فهو مردود مخالف لقول الأصحاب بل للحديث الصحيح
قالت أم عطية رضي الله عنها " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " رواه البخاري ومسلم وهذا
الحديث مرفوع فهذه الصيغة معناها رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقرر في كتب الحديث
والأصول وقولها ولم يعزم علينا معناه نهينا نهيا شديدا غير محتم ومعناه كراهة تنزيه ليس بحرام واما الحديث
المروى عن علي رضي الله عنه قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس قال
ما تجلسن قلن ننتظر الجنازة قال هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدلين فيمن يدلي
قلن لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات " رواه ابن ماجة باسناد ضعيف من رواية إسماعيل بن سليمان
الأزرق ونقل ابن أبي حاتم تضعيفه عن اعلام هذا الفن (واما) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لفاطمة رضي الله عنها ما أخرجك من بيتك قالت اتيت أهل
هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم قال لعلك بلغت معهم الكدى قالت معاذ الله ان أكون بلغتها وقد سمعتك
277

تذكر في ذلك ما تذكر فقال لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك " فرواه أحمد بن حنبل
وأبو داود والنسائي باسناد ضعيف هذا الذي ذكرناه من كراهة اتباع النساء الجنازة هو مذهبنا
ومذهب جماهير العلماء حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة ومسروق
والحسن والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحق وبه قال الثوري وعن أبي الدرداء والزهري وربيعة
انهم لم ينكروا ذلك ولم يكرهه مالك الا للشابة وحكي العبدري عن مالك انه يكره الا أن يكون
الميت ولدها أو والدها أو زوجها وكانت ممن يخرج مثلها * دليلنا حديث أم عطية رضي الله
عنها
(المسألة الثانية) أجمعت الأمة على استحباب اتباع الجنازة وحضور دفنها وقد سبق انه يحصل
بالصلاة عليها قيراط وبالدفن قيراط آخر وفيما يحصل به قيراط الدفن وجهان حكاهما صاحب الحاوي
(أحدهما) إذا وورى في لحده (والثاني) إذا فرغ من قبره قال وهذا أصح وقال امام الحرمين ان
نضد اللبن ولم يهل التراب أو لم يستكمل فقد تردد فيه بعض الأصحاب قال الامام والوجه ان يقال
إذا وورى حصل وقد يحتج لهذا برواية في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى
على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى توضع في القبر فقيراطان " وفى رواية " حتى توضع في اللحد "
وذكر السرخسي في الأمالي فيما يحصل به القيراط الثاني ثلاثة أوجه (أحدها) قال وهو أضعفها
إذا وضع في اللحد (والثاني) إذا نصب عليه اللبن قاله القفال (والثالث) إذا فرغ من الدفن قلت والصحيح انه لا
يحصل الا بالفراغ من الدفن لرواية البخاري ومسلم في هذا الحديث ومن تبعها حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان
وفى رواية مسلم جبي يفرغ منها أو يتأول رواية حتى توضع في القبر أن المراد وضعها مع الفراغ وتكون إشارة إلى أنه
ينبغي أن لا يرجع قبل وصولها القبر فالحاصل ان الانصراف عن الجنازة مراتب (إحداها) ينصرف
عقب الصلاة (الثانية) ينصرف عقب وضعها في القبر وسترها باللبن قبل إهالة التراب (الثالثة)
ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ القبر (الرابعة) يمكث عقب الفراغ ويستغفر للميت ويدعو له
ويسأل له التثبيت فالرابعة أكمل المراتب والثالثة تحصل القيراطين ولا تحصله الثانية على الأصح
ويحصل بالأولى قيراط بلا خلاف
* قال المصنف رحمه الله *
{والسنة أن لا يركب لان النبي صلى الله عليه وسلم " ما ركب في عيد ولا جنازة " فان ركب في
الانصراف لم يكن به بأس لما روي جابر بن سمرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " صلي
على جنازة فلما انصرف أتى بفرس معرور فركبه " والسنة أن يمشى أمام الجنازة لما روى ابن عمر
رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان "
ولأنه شفيع الميت والشفيع يتقدم على المشفوع له والمستحب ان يمشي أمامها قريبا منها لأنه إذا بعد
لم يكن معها} *
278

{الشرح} حديث ما ركب في عيد ولا جنازة غريب وحديث جابر بن سمرة رواه مسلم
بلفظه وحديث ابن عمر رواه الشافعي في الام وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي
وغيرهم واسناده صحيح الا أنه ليس في رواية أكثرهم ذكر عثمان وهو في بعض روايات الشافعي
والنسائي والبيهقي وروى هكذا موصولا عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وروى مرسلا عن
الزهري " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر " والذي وصله سفيان بن عيينة وهو امام ولم
يذكر أبو داود وابن ماجة الا رواية الوصل وذكره الترمذي والنسائي والبيهقي الروايتين قال
الترمذي أهل الحديث كأنهم يرون المرسل أصح ثم روى عن ابن المبارك أنه قال المرسل في ذلك
أصح وقال النسائي وصله خطأ بل الصواب مرسل (وأما) الأحاديث التي جاءت بالمشي خلفها فليست
ثابتة قال البيهقي رحمه الله الآثار في المشي أمامها أصح وأكثر (وقوله) فرس معرورى هو - بضم الميم
واسكان العين - وفتح الراء الأولى وفتح الثانية منونة هكذا وقع في المهذب وكذا هو في صحيح
مسلم وغيره من كتب الحديث وفي رواية لمسلم بفرس عرى وكلاهما صحيح من حيث اللغة ومن
حيث الرواية وهذه الجنازة التي ركب في الانصراف منها جنازة أبى الدحداح ويقال ابن الدحداح
وفي رواية الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " تبع جنازة ابن
الدحداح رضي الله عنه ماشيا ورجع على فرس " قال الترمذي حديث حسن (وقوله) ولأنه إذا بعد
لم يكن معها معناه ان الفضيلة لمن هو معها لا لمن سبقها إلى المقبرة فان ذلك لا يكون له ثواب متبعيها
لأنه ليس معها وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره " من تبع جنازة وكان معها حتى يفرغ من دفنها رجع
بقيراطين " * أما الا حكام فقال أصحابنا رحمهم الله يكره الركوب في الذهاب مع الجنازة الا أن يكون
له عذر كمرض أو ضعف ونحوهما فلا بأس بالركوب واتفقوا على أنه لا بأس بالركوب في الرجوع
قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله والأفضل أن يمشي قدامها وأن يكون قريبا منها وكل ما قرب
منها فهو أفضل وسواء كان راكبا أم ماشيا فالأفضل قدامها ولو تقدم عليها كثيرا فإن كان بحيث
ينسب إليها بأن يكون التابعون كثيرين حصل له فضيلة اتباعها وإن كان بحيث لا ينسب إليها لكثرة
بعده وانقطاعه عن تابعيها لم تحصل له فضيلة المتابعة ولو مشي خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة
ولكن فإنه كما لها *
(فرع) في مذاهب العلماء * قد ذكرنا أن مذهبنا ان السير امامها أفضل سواء الراكب والماشي
وبه قال جماهير العلماء منهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر والحسن بن علي وأبى قتادة وأبي هريرة
وابن الزبير والقاسم بن محمد وسالم وشريح وابن أبي ليلي والزهري ومالك وأحمد وداود وقال
أبو حنيفة خلفها أفضل وبه قال الأوزاعي واسحق وقال الثوري يسير الراكب خلفها والماشي حيث
279

شاء منها
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن سبق إلى المقبرة فهو بالخيار ان شاء قام حتى توضع الجنازة وإن شاء قعد لما روى علي رضي الله عنه
قال " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع وقام الناس معه ثم قعد
بعد ذلك وأمرهم بالقعود "}.
{الشرح} حديث علي رضي الله عنه صحيح رواه مسلم في صحيحه بمعناه قال " قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعنى في الجنازة ثم قعد " وفى رواية لمسلم أيضا " قام فقمنا وقعد فقعدنا ورواه البيهقي
من طرق كثيرة في بعضها كما رواه مسلم وفى بعضها كما وقع في المهذب بحروفه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم " قام مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه وأمرهم بالقعود " وفى رواية أن عليا رضي
الله عنه " رأى ناسا قياما ينتظرون الجنازة ان توضع فأشار إليهم بدرة معه أو سوط ان اجلسوا فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس بعدما كان يقوم " وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
في سبب القعود قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد فمر
حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فجلس رسول صلى الله عليه وسلم وقال اجلسوا خالفوهم رواه
أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي واسناده ضعيف * أما حكم المسألة فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة
في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " امر بالقيام لمن مرت به جنازة حتى تخلفه
أو توضع وأمر من تبعها أن لا يقعد عند القبر حتى توضع " ثم اختلف العلماء في نسخه فقال الشافعي
وجمهور أصحابنا هذان القيامان منسوخان فلا يؤمر أحد بالقيام اليوم سواء مرت به أم تبعها إلى
القبر ثم قال المصنف وجماعة هو مخير بين القيام والقعود وقال آخرون من أصحابنا يكره القيام لها
إذا لم يرد المشي معها ممن صرح بكراهته سليم الرازي في الكفاية والمحاملي وصاحب العدة والشيخ
نصر المقدسي قال المحاملي في المجموع القيام للجنازة مكروه عندنا وعند الفقهاء كلهم قال وحكى
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه انه كان يقوم لها وخالف صاحب التتمة الجماعة فقال يستحب
لمن مرت به جنازة أن يقوم لها وإذا كان معها لا يقعد حتى توضع وهذا الذي قاله صاحب التتمة
هو المختار فقد صحت الأحاديث بالامر بالقيام ولم يثبت في القعود شئ إلا حديث علي رضي الله عنه
وهو ليس صريحا في النسخ بل ليس فيه نسخ لأنه محتمل القعود لبيان الجواز والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في ذلك * قد ذكرنا ان مذهبنا في ذلك وبه قال مالك وأحمد
وقال أبو حنيفة يكره له القعود حتى توضع الجنازة وبه قال الشعبي والنخعي وداود *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا يكره للمسلم اتباع جنازة أقاربه من الكفار لما روى عن علي رضي الله عنه
280

قال " اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن عمك الضال قد مات فقال اذهب فواره "
ولا تتبع الجنازة بنار ولا نائحة لما روى عن عمرو بن العاص قال إذا أنامت فلا تصحبني نار
ولا نائحة وعن أبي موسى رضي الله عنه انه وصى لا تتبعوني بصارخة ولا بمجمرة ولا تجعلوا بيني
وبين الأرض شيئا} *
{الشرح} حديث علي رضي الله عنه رواه أبو داود وغيره وإسناده ضعيف وحديث عمرو
ابن العاص رضي الله عنه رواه مسلم في صحيحه في جملة حديث طويل فيه فوائد كثيرة ذكره
في كتاب الايمان وحديث أبي موسى رواه البيهقي ويقال مت - بضم الميم وكسرها - لغتان
فصيحتان. أما الا حكام ففيها مسألتان (إحداهما) قال المصنف والأصحاب لا يكره للمسلم اتباع
جنازة قريبه الكافر ونص عليه الشافعي في مختصر المزني وسبقت المسألة في باب غسل الميت
(الثانية) قال الشافعي في الام وأصحابنا يكره أن تتبع الجنازة بنار قال ابن الصباغ وغيره المراد
انه يكره البخور في المجمرة بين يديها إلى القبر ولا خلاف في كراهته كما نص عليه الشافعي والأصحاب
ونقل ابن المنذر اجماع العلماء على كراهته قال وممن نقل عنه ذلك عمر وأبو هريرة وعبد الله ابن مغفل
ومعقل بن يسار وأبو سعيد الخدري وعائشة وذكر البيهقي عن عبادة بن الصامت وعائشة وأسماء
وغيرهم انهم أوصوا أن لا يتبعوا بنار قال أصحابنا وإنما كره للنص ولأنه تفاءل بذلك فأل السوء
وهذا الذي ذكرناه من كراهة الاتباع هو نص الشافعي والجمهور وقال الشيخ نصر لا يجوز أن يحمل مع
الجنازة المجامر والنار فان أراد بقوله لا يجوز كراهة التنزيه فهو كما قاله الشافعي والأصحاب وإن
أراد التحريم فشاذ مردود قال المحاملي وغيره وكذا يكره أن يكون عند القبر مجمرة حال الدفن
(وأما) اتباع الجنازة بنائحة فحرام فان النوح حرام مطلقا وسنوضحه في باب التعزية حيث ذكره
المصنف إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال البندنيجي رحمه الله يستحب لمن مرت به جنازة ان يدعو لها ويستحب الثناء
عليها إن كانت أهلا لذلك ويستحب أن يقول من رآها سبحان الله الذي لا يموت أو سبحان
الملك القدوس
* قال المصنف رحمه الله *
{دفن الميت فرض على الكفاية لان في تركه على وجه الأرض هتكا لحرمته ويتأذى الناس
من رائحته والدفن في المقبرة أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع ولأنه يكثر
الدعاء له ممن يزوره. ويجوز الدفن في البيت لان النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة
رضي الله عنها فان قال بعض الورثة يدفن في المقابر وقال بعضهم في البيت دفن في المقبرة لان له
حقا في البيت فلا يجوز اسقاطه ويستحب ان يدفن في أفضل مقبرة لان عمر رضي الله عنه
281

استأذن عائشة رضي الله عنها ان يدفن مع صاحبيه ويستحب ان يجمع الأقارب في موضع واحد
لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال نعلم على قبر أخي
لأدفن إليه من مات " وان تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقوله صلى الله عليه وسلم مني مناخ من سبق فان
استويا في السبق أقرع بينهما} *
{الشرح} حديث الدفن بالبقيع صحيح متواتر معروف والبقيع بالباء الموحدة مدفن أهل
المدينة وحديث دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة صحيح متواتر وحديث استئذان
عمر أن يدفن مع صاحبيه صحيح رواه البخاري وغيره وصاحباه هما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر رضي الله عنه وحديث مني مناخ من سبق رواه أبو محمد الدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجة
وغيرهم بأسانيد جيدة من رواية عائشة قال الترمذي هو حديث حسن ومني الموضع المعروف ينون
ولا ينون والمناخ بضم الميم وحديث عثمان بن مظعون رضي الله عنه رواه أبو داود والبيهقي باسنادهما
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب - بفتح الحاء المهملة واسكان النون وفتح الطاء - وهو من التابعين
عمن أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأي النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ الحجر وجعله عند رأس
عثمان بن مظعون فهو مسند لا مرسل لأنه رواه عن صحابي والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول
لا تضر الجهالة بأعيانهم ورواه ابن ماجة رحمه الله عن انس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة (وقوله) عثمان بن مظعون بالظاء المعجمة والعين المهملة
(وقوله) وقال نعلم على قبر أخي هو - بضم النون واسكان العين - من الاعلام الذي هو فعل العلامة وقوله
لأدفن إليه من مات كذا وقع في المهذب والذي في كتب الحديث لا دفن إليه من مات من أهلي
(اما) الأحكام ففيه مسائل (إحداها) دفن الميت فرض كفاية بالاجماع وقد علم أن فرض الكفاية
إذا تعطل اثم به كل من دخل في ذلك الفرض دون غيرهم قال صاحب الحاوي رحمه الله في أول باب
غسل الميت قال الشافعي رحمه الله لوان رفقة في سفر مات أحدهم فلم يدفنوه نظر إن كان ذلك في طريق
أهل تخترقه المارة أو بقرب قرية للمسلمين فقد أساؤا ترك الدفن وعلى من بقربه دفنه قال وان تركوه
في موضع لا يمر به أحد أثموا وعصوا الله تعالى وعلى السلطان أن يعاقبهم على ذلك الا أن يكونوا
في مخافة من عدو يخافون أن اشتغلوا بالميت اصطلموا فالذي يختار أن يواروه ما أمكنهم فان تركوه
لم يأثم ولأنه موضع ضرورة قال الشافعي رحمه الله ولو أن مجتازين مروا على ميت بصحراء لزمهم القيام
به رجلا كان أو امرأة فان تركوه أثموا اثم ينظر فإن كان بثيابه ليس عليه أثر غسل ولا كفن لزمهم غسله وتكفينه
والصلاة عليه ودفنوه بحسب الامكان وإن كان عليه أثر غسل وحنوط وكفن دفنوه فان اختار والصلاة عليه
صلوا بعد دفنه لأن الظاهر أنه صلي عليه هذا آخر كلام صاحب الحاوي رحمه الله (الثانية) يجوز الدفن في البيت
282

وفى المقبرة والمقبرة أفضل بالا تفاق ودليلهما في الكتاب وفى معني البيت البستان وغيره من المواضع
التي ليست فيها مقابر (فان قيل) كيف قلتم الدفن في المقبرة أفضل والنبي صلى الله عليه وسلم إنما دفن في
البيت (فالجواب) من ثلاثة أوجه (أشهرها) وهو جواب جمهور أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن
أصحابه في المقبرة فكان الاقتداء بفعله أولي. وإنما دفن هو صلى الله عليه وسلم في الحجرة لأنهم
اختلفوا في مدفنه فقال أبو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قبض
الله نبيا الا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه فادفنوه في موضع فراشه ولأنهم خصوه بالحجرة
لكثرة زائريه وقاصديه ليخف عليهم بقربه (الثاني) أجاب به المتولي أنهم من دفنه صلى الله عليه
وسلم في بعض المقابر التنازع والتنافس فيه فيطلبه كل قبيلة ليدفن عندهم (الثالث) ذكره
المتولي أيضا وهو انهم فعلوه صيانة لقبره لئلا يزدحم الناس عليه وينتهكوه وهذا الجواب ضعيف
لان الازدحام في المسجد أكثر والله أعلم (الثالثة) لو قال بعض الورثة يدفن في ملك الميت وقال
بعضهم بل في المقبرة المسبلة دفن في المقبرة بلا خلاف لما ذكره المصنف فلو بادر أحدهم ودفنه
في بيت الميت قال أصحابنا كان للباقين نقله لكن يكره ذلك لهم فلو قال بعضهم يدفن في
ملكي لم يلزم الباقين قبوله لان عليهم منة فلو بادر أحد منهم فدفنه في ملك نفسه أو كفنه
من مال نفسه قال ابن الصباغ لم يذكره الأصحاب قال وعندي أنه لا ينقل ولا ينزع
كفنه بعد دفنه لأنه ليس في تبعيته اسقاط حق أحد وفى نقله هتك حرمته وهذا الذي اختاره
صاحب الشامل جزم به صاحب التتمة ولو اتفقوا على دفنه في ملك الميت ثم باعته الورثة لم يكن
للمشترى نقله وله الخيار في فسخ البيع إن كان جاهلا بدفنه ثم إذا بلي أو اتفق نقله فهل يكون
المدفون للبائعين أم للمشترى فيه وجهان حكاهما القاضي حسين وغيره سيأتي نظائرهما في البيع إن شاء الله
تعالى (منها) لو باع شجرة أو بستانها واستثني منه شجرة بعينها ثم قلعها فهل يبقى الغرس على
ملك البائع أم يكون للمشترى فيه وجهان يعبر عنهما بأنه هل تتبع الشجرة (أصحهما) لا تتبعها
(الرابعة) قال الشافعي والمصنف وأصحابنا رحمهم الله يستحب أن يجمع الأقارب في موضع من
المقبرة لما ذكره المصنف قال البندنيجي ويستحب ان يقدم الأب إلى القبلة ثم الأسن فالأسن.
(الخامسة) لو سبق اثنان إلى مقبرة مسبلة وتشاحا في مكان قدم الأسبق فان استويا في السبق
قدم بالقرعة (السادسة) قال الشافعي في الام والقديم وجميع الأصحاب يستحب الدفن في أفضل
مقبرة في البلد لما ذكره المصنف ولأنه أقرب إلى الرحمة قالوا ومن ذلك المقابر المذكورة بالخير
ودفن الصالحين فيها
* قال المصنف رحمة الله *
{ولا يدفن ميت في موضع ميت الا ان يعلم أنه قد بلى ولم يبق منه شئ ويرجع فيه إلى أهل الخبرة
283

بتلك الأرض ولا يدفن في قبر واحد اثنان لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في كل قبر الا
واحدا فان دعت إلى ذلك ضرورة جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الاثنين من قتلي
أحد في ثوب واحد ثم يقول " أيهما كان أكثر اخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه إلى اللحد "
وان دعت ضرورة ان يدفن مع امرأة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل امامها اعتبارا
بحال الحياة}.
{الشرح} قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في كل قبر الا واحدا هذا صحيح
معروف في الأحاديث الصحيحة والمراد به في حال الاختيار (واما) قوله لان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يجمع بين الاثنين من قتلي أحد إلى آخره فرواه البخاري رحمه الله من رواية جابر بن
عبد الله رضي الله عنه * اما الأحكام ففيه مسألتان (إحداهما) لا يجوز ان يدفن ميت في موضع
ميت حتى يبلي الأول بحيث لا يبقى منه شئ لا لحم ولا عظم وهذا الذي ذكرناه من المنع من دفن
ميت على ميت هو منع تحريم صرح به أصحابنا ممن صرح بتحريمه (1)
(واما) قول الرافعي رحمه الله المستحب في حال الاختيار ان يدفن كل انسان في قبر فمتأول
على موافقة الأصحاب قال أصحابنا رحمهم الله ويستدام المنع مهما بقي من الميت شئ من لحم أو
عظم وقد صرح المصنف بهذا في قوله ولم يبق منه شئ. فأما إذا بلي ولم يبق عظم بل انمحق
جسمه وعظمه وصار ترابا فيجوز بعد ذلك الدفن في موضعه بلا خلاف قال القاضي حسين والبغوي
والمتولي وسائر الأصحاب رحمهم الله ولا يجوز بعد البلي ان يسوى عليه التراب ويعمر عمارة قبر
جديد إن كان في مقبرة مسبلة لأنه يوهم الناس انه جديد فيمتنعون من الدفن فيه بل يجب تركه
خرابا ليدفن فيه من أراد الدفن قال المصنف والأصحاب رحمهم الله والرجوع في مدة البلي إلى
أهل الخبرة بتلك الناحية والمقبرة قالوا فلو حفره فوجد فيه عظام الميت عاد القبر ولم يتمم حفره
قال أصحابنا الا ان الشافعي رحمه الله قال فلو فرغ من القبر وظهر فيه شئ من العظام لم يمتنع ان
يجعل في جنب القبر ويدفن الثاني معه وكذا لو دعت الحاجة إلى دفن الثاني مع العظام دفن معها
(المسألة الثانية) لا يجوز ان يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة وهكذا
صرح السرخسي بأنه لا يجوز وعبارة الأكثرين لا يدفن اثنان في قبر كعبارة المصنف وصرح
جماعة بأنه يستحب ان لا يدفن اثنان في قبر. أما إذا حصلت ضرورة بأن كثر القتلى أو الموتى
في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة
وأكثر في قبر بحسب الضرورة للحديث المذكور قال أصحابنا وحينئذ يقدم في القبر أفضلهم
إلى القبلة فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة قال
284

أصحابنا ويقدم الأب على الابن وإن كان الابن أفضل الحرمة الأبوة وتقدم الام على البنت ولا
يجوز الجمع بين المرأة والرجل في قبر الا عند تأكد الضرورة ويجعل حينئذ بينهما تراب ليحجز بينهما
بلا خلاف ويقدم إلى القبلة الرجل وإن كان أبناء وإذا دفن رجلان أو امرأتان في قبر لضرورة فهل يجعل
بينهما تراب فيه وجهان (أصحهما) وبه قطع جماهير العراقين ونص عليه الشافعي في الام يجعل
(والثاني) لا يجعل وبهذا قطع جماعة من الأصحاب والله أعلم قال الشافعي والأصحاب ولو مات جماعة
من أهله وأمكنه دفنهم واحدا واحدا فان خشي تغير أحدهم بدأ به ثم بمن يخشي تغيره بعده وان
لم يخش تغير أحد بدأ بأبيه ثم أمه ثم الأقرب فالأقرب فإن كانا أخوين قدم أكبرهما فان استويا
أو كانتا زوجتين أقرع والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار} *
{الشرح} اتفق أصحابنا رحمهم الله على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار ولا كافر
في مقبرة مسلمين ولو ماتت ذمية حامل بمسلم ومات جنينها في جوفها ففيه أوجه (الصحيح)
انها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار ويكون ظهرها إلى القبلة لان وجه الجنين إلى
ظهر أمه هكذا قطع به ابن الصباغ والشاشي وصاحب البيان وغيرهم وهو المشهور وقال صاحب
الحاوي حكى عن الشافعي انها تدفع إلى أهل دينها ليتولوا غسلها ودفنها قال وحكي عن أصحابنا
انها تدفن بين مقابر المسلمين والمشركين وكذا إذا اختلط موت المسلمين والمشركين قال وروى
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نصرانية ماتت وفى جوفها مسلم فأمر بدفنها في مقابر المسلمين
وهذا الأثر الذي حكاه عن عمر رضي الله عنه رواه البيهقي بأسناد ضعيف وروى البيهقي عن
وائلة بن الأسقع رضي الله عنه انه دفن نصرانية في بطنها مسلم في مقبرة ليست مقبرة النصارى
ولا المسلمين وذكر القاضي حسين في تعليقه ان الصحيح انها تدفن في مقابر المسلمين وكأنها صندوق
للجنين. وحكى الرافعي وجها انها تدفن في مقابر المسلمين وقطع صاحب التتمة بأنها تدفن على
طرف مقابر المسلمين وهذا حسن والله أعلم.
* قال المصنف رحمه الله *
{ومن مات في البحر ولم يكن بقرب ساحل فالأولى ان يجعل بين لوحين ويلقى في البحر
لأنه ربما وقع في ساحل فيدفن فإن كان أهل الساحل كفارا القى في البحر} *
{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله إذا مات مسلم في البحر ومعه رفقة فإن كان بقرب الساحل
وأمكنهم الخروج به إلى الساحل وجب عليهم الخروج به وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه قالوا
فإن لم يمكنهم لبعدهم من الساحل أو لخوف عدو أو سبع أو غير ذلك لم يجب الدفن في الساحل بل
285

يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ثم يجعل بين لوحين ويلقى في البحر ليلقيه إلى الساحل فلعله
يصادفه من يدفنه قال الشافعي في الام فإن لم يجعلوه بين لوحين ويلقوه إلى الساحل بل القوة
في البحر رجوت ان يسعهم هذا لفظه ونقل الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل ان الشافعي رحمه الله
قال لم يأثموا إن شاء الله تعالى وهو معنى قوله رجوت ان يسعهم فإن كان أهل الساحل كفارا
قال الشافعي في الام جعل بين لوحين وألقي في البحر وقال المزني رحمه الله يثقل بشئ لينزل إلى
أسفل البحر لئلا يأخذه الكفار فيغيروا سنة المسلمين فيه قال المزني إنما قال الشافعي انه يلقى إلى
الساحل إذا كان أهل الجزائر مسلمين أما إذا كانوا كفارا فيثقل بشئ حتى ينزل إلى القرار قال أصحابنا
والذي نص عليه الشافعي من الالقاء إلى الساحل أولى لأنه يحتمل ان يجده مسلم فيدفنه إلى القبلة
واما على قول المزني فيتيقن ترك دفنه بل يلقيه للحيتان هذا الذي ذكرناه هو المشهور في كتب
الأصحاب قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ ان المزني ذكر مذهبه هذا في جامعه الكبير وأنكر
القاضي أبو الطيب في تعليقه على الأصحاب نقلهم هذا عن المزني وقال طلبت هذه المسألة في الجامع
الكبير فوجدتها على ما قاله الشافعي في الام وذكر صاحب المستظهري كما ذكرها المصنف فكأنهما
اختارا مذهب المزني قال أصحابنا رحمهم الله والصحيح ما قاله الشافعي والله أعلم وروى البيهقي
باسناد صحيح عن انس ان أبا طلحة رضي الله عنهما ركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد
سبعة أيام فدفنوه فيها ولم يتغير
* قال المصنف رحمه الله *
{المستحب ان يعمق القبر قدر قامة وبسطة لما روى أن عمر رضي الله عنه أوصي ان يعمق قامة وبسطة
ويستحب ان يوسع من قبل رجليه ورأسه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " للحافر أوسع
من قبل رأسه وأوسع من قبل رجليه " فإن كانت الأرض صلبة ألحد لقوله النبي صلى الله عليه وسلم
" اللحد لنا والشق لغيرنا " وإن كانت رخوة شق الوسط}.
{الشرح} حديث " أوسع من قبل رأسه وأوسع من قبل رجله " رواه أبو داود في كتاب البيوع
من سننه والبيهقي في الجنائز وغيرهما من رواية عاصم بن كليب بن شهاب عن أبيه وهو تابعي عن رجل
من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم واسناده صحيح ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من
رواية هشام بن عامر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم أحد " احفروا وأوسعوا
واعمقوا " قال الترمذي هو حديث حسن صحيح (واما) حديث " اللحد لنا والشق لغيرنا " فرواه أبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم من رواية ابن عباس واسناده ضعيف لان مداره
على عبد الاعلي بن عامر وهو ضعيف عند أهل الحديث ورواه الإمام أحمد بن حنبل وابن ماجة
أيضا من رواية جرير بن عبد الله البجلي واسناده أيضا ضعيف وفى رواية لأحمد في حديث جرير
286

" والشق لا هل الكتاب " ويغنى عنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي
مات فيه " الحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم
في صحيحه قال أهل اللغة يقال لحدت للميت والحدت له لغتان وفى اللحد لغتان - فتح اللام وضمها -
وهو يحفر في حائط من أسفله إلى ناحية القبلة قدر ما يوضع الميت فيه ويستره والشق - بفتح الشين -
ان يحفر إلى أسفل كالنهر وقوله يعمق هو بالعين المهملة وقوله رخوة - بكسر الراء وفتحها - والكسر
أفصح وأشهر * أما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) يستحب ان يعمق القبر لحديث هشام بن عامر
الذي ذكرناه ويستحب أن يكون عمقه قامة وبسطة لما ذكره المصنف هذا هو المشهور الذي قطع
به الأصحاب في كل طرقهم إلا وجها حكاه الرافعي وغيره أنه قامة بلا بسطة وهذا شاذ ضعيف
ومعنى القامة والبسطة أن يقف فيه رجل معتدل القامة ويرفع يديه إلى فوق رأسه ما أمكنه وقدر
أصحابنا القامة والبسطة بأربع أذرع ونصف هذا هو المشهور في قدرهما وبه قطع الجمهور في مصنفاتهم
ونقله صاحب البيان عن الأصحاب وقطع المحاملي في المجموع بأنهما ثلاث أذرع ونصف وبهذا
جزم الرافعي وهو شاذ مردود وعجب من جزم الرافعي به واعراضه عما جزم به الجمهور وهو أربعة
أذرع ونصف وممن جزم بأربع أذرع ونصف البندنيجي وصاحب الشامل والباقون وقد سبق أن
صاحب البيان نقله عن الأصحاب وذكر الشافعي والشيخ أبو حامد والأصحاب لاستحباب تعميقه
ثلاث فوائد ان لا ينبشه سبع ولا تظهر رائحته وأن يتعذر أو يتعسر نبشه على من يريد سرقة كفنه
واما أقل ما يجزئ من الدفن فقال امام الحرمين والغزالي والرافعي وغيرهم رحمهم الله أقله حفره
تكتم رائحة الميت ويعسر على السباع غالبا نبشه والوصول إلى الميت (الثانية) يستحب ان يوسع
القبر من قبل رجليه ورأسه (الثالثة) أجمع العلماء ان الدفن في اللحد وفى الشق جائزان لكن إن
كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل لما سبق من الأدلة وإن كانت رخوة تنهار فالشق
أفضل. قال الشافعي في الام وأصحابنا فان اختار الشق حفر حفيرة كالنهر وبنى جانبيها باللبن
أو غيره وجعل بينهما شقا يوضع فيه الميت ويسقف عليه باللبن أو الخشب أو غيرهما ويرفع السقف قليلا
بحيث لا يمس الميت ويجعل في شقوقه قطع اللبن قال الشافعي في الام ورأيتهم عندنا يعنى في مكة شرفها
الله يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب وهذا الذي ذكرته من صفة الشق واللحد نص
عليه الشافعي في الام واتفق عليه الأصحاب.
(فرع) قال المصنف في الفصل الثاني لما بعد هذا وسائر الأصحاب يكره أن يدفن الميت في
تابوت إلا إذا كانت رخوة أو ندية قالوا ولا تنفذ وصيته به إلا في مثل هذا الحال قالوا ويكون
التابوت من رأس المال صرح به البغوي وغيره وهذا الذي ذكرناه من كراهة التابوت مذهبنا ومذهب
287

العلماء كافة وأظنه إجماعا قال العبدري رحمه الله لا أعلم فيه خلافا يعني لا خلاف فيه بين المسلمين
كافة والله أعلم.
(فرع) في مذاهب العلماء في تعميق القبر * قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب تعميقه قامة وبسطة
وحكاه ابن المنذر عن عمر ابن الخطاب وعن عمر ابن عبد العزيز والنخعي أنهما قالا يعمق إلى
السرة قال واستحب مالك رحمه الله أنه لا يعمق جدا ولا يقرب من أعلاه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{الأولى أن يتولي الدفن الرجال لأنه يحتاج إلى بطش وقوة وكان الرجال أحق وأولاهم
بذلك أولاهم بالصلاة عليه لأنهم أرفق به وإن كانت امرأة فزوجها أحق بدفنها لأنه أحق بغسلها
فإن لم يكن زوج فالأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم فإن لم يكن لها ذو رحم
محرم ولها مملوك كان المملوك أولي من ابن العم لأنه كالمحرم والخصي أولى من الفحل وان لم يكن
مملوك فابن العم ثم أهل الدين من المسلمين والمستحب أن يكون عدد الذي يدفن وترا لان
النبي صلى الله عليه وسلم دفنه على والعباس وأسامة رضي الله عنهم والمستحب أن يسجي
القبر بثوب عند الدفن لان النبي صلى الله عليه وسلم ستر قبر سعد بن معاذ رضي الله عنه
بثوب لما دفنه} *
{الشرح} قوله لان النبي صلى الله عليه وسلم دفنه على والعباس وأسامة رضي الله عنهم هذا الحديث رواه
أبو داود والبيهقي وغير هما وأسانيده مختلفة فيها ضعف وليس في رواية أبي داود ذكر العباس وإنما
فيها على والفضل وأسامة وان عبد الرحمن بن عوف دخل معهم وصاروا أربعة وفى بعض روايات
البيهقي عن علي رضي الله عنه قال ولي دفن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة على والعباس والفضل
وصالح مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية عن ابن عباس كانوا أربعة على والفضل وقثم
ابن العباس وشقران مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل معهم خامس وكانوا خمسة وشقران
- بضم الشين المعجمة - واسكان القاف هو صالح مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقبه شقران
(وأما) حديث ستر قبر سعد ابن معاذ فرواه البيهقي من رواية ابن العباس رضي الله عنهم باسناد
ضعيف * أما الا حكام ففيها مسائل (إحداها) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله الأولى أن يتولى
الدفن الرجال سواء كان الميت رجلا أو امرأة وهذا لا خلاف فيه وعللوه بعلتين (إحداها) التي
ذكرها المصنف أن الرجال أقوى وأشد بطشا (والثانية) ان المرأة لو تولت ذلك أدى إلى انكشاف
بعض بدنها قال صاحب البيان قال الصيدلاني ويتولى النساء حمل المرأة من المغتسل إلى الجنازة
وتسليمها إلى من في القبر لأنهن يقدرن على ذلك قال وكذلك يتولى النساء حل ثيابها في القبر
288

قال صاحب البيان ولم أر هذا لغير الصيدلاني وهذا الذي قاله صاحب البيان عجيب وليس قول
الصيدلاني منكرا بل هو الحق والصواب وقد نص عليه الشافعي في الام في باب الدفن فقال وستر
المرأة إذا أدخلت قبرها آكد من ستر الرجل وتسل كما يسل الرجل قال وإن ولى إخراجها من مغتسلها
وحل عقد ثياب إن كانت عليها وتعاهدها النساء فحسن وإن وليه الرجال فلا بأس هذا نصه وقد
جزم البندنيجي وغيره وحكوا استحبابه عن نص الشافعي رحمه الله ومما يحتج به من الأحاديث
في كون الرجال هم الذين يتولون الدفن وإن كان الميت امرأة حديث انس رضي الله عنه قال " شهدنا
بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فقال منكم رجل لم
يقارف الليلة فقال أبو طلحة رضي الله عنه انا قال فأنزل فنزل في قبرها " رواه البخاري رحمه الله
قبل معناه لم يقارف أهله أي لم يجامع وقيل لم يقارف ذنبا ذكره البخاري عن ابن المبارك عن فليح
والأول أرجح ويؤيده حديث انس ان رقية لما ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يدخل القبر
رجل قارف الليلة أهله فلم يدخل عثمان بن عفان القبر " رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ومعلوم
ان أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي من بنات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه كان من صالحي
الحاضرين ولم يكن لها هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلعله كان له عذر في نزول
289

قبرها وكذا زوجها ومعلوم انها كانت أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك فدل على أنه
لا مدخل للنساء في ادخال القبر والدفن (المسألة الثانية) قال أصحابنا أولى الرجل بالدفن أولاهم
بالصلاة على الميت من حيث الدرجة والقرب لا من حيث الصفات لان الترجيح بالصفات في الصلاة
على الميت مخالف للترجيح بها في الدفن لان الأسن مقدم على الأفقه في الصلاة والأفقه مقدم على
الأسن في الدفن هكذا قاله الأصحاب واتفقوا عليه وهذه المسألة مما أنكر على المصنف وعدها صاحب
البيان في مشكلات المهذب من حيث إن المصنف أطلق ان من قدم في الصلاة قدم في الدفن
والأسن مقدم في الصلاة على الأفقه وهو في الدفن وعكسه والمختار انها لا تعد مشكلة ولا عتب على
المصنف لان مراده الترتيب في الدرجات لا بيان الصفات فيقدم الأب ثم الجد ثم أب الأب ثم
آباؤه ثم الابن ثم ابنه وان سفل ثم الأخ ثم ابنه ثم العم وهل يقدم من يدلى بأبوين على مدل بالأب
فيه الخلاف السابق في الصلاة على الميت فان استوى اثنان في درجة قدم أفقههما وإن كان غيره
أسن نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب قال صاحب الحاوي وغيره المراد بالأفقه
هنا أعلمهم بادخال الميت القبر لا أعلمهم بأحكام الشرع جملة قال الشيخ أبو حامد والمحاملي
وآخرون لو كان له قريبان أحدهما أقرب وليس بفقيه والآخر بعيد وهو فقيه قدم الفقيه لأنه
يحتاج إلى الفقه وهذا متفق عليه أما إذا كان الميت امرأة لها زوح صالح للدفن فهو مقدم على الأب
والابن وسائر الأقارب نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور وذكر صاحب الحاوي فيه وجهين
(أحدهما) هذا (والثاني) ان الأب يقدم عليه كالوجهين في غسلها وتعليل المصنف ومن وافقه في
التعليل يشير إلى موافقة صاحب الحاوي في جريان وجه في المسألة وكلام المصنف في التنبيه مصرح
أو كالمصرح بذلك في قوله في الدفن والأولى أن يتولى ذلك من يتولي غسله لكن عليه انكار
في اطلاقه لأنه يقتضى دخول النساء في دفن المرأة فإنهن أحق بغسلها وقد سبق انه لا خلاف
انهن لا حق لهن في الدفن والله أعلم * قال أصحابنا رحمهم الله فإن لم يكن هناك محرم لها من
العصبات تولي دفنها محارمها من ذوي الأرحام كأبي الام والخال والعم للام فإن لم
يكن أحد منهم فعبدها هذا إذا قلنا بالأصح المنصوص أن العبد كالمحرم في جواز النظر وإن قلنا
بالضعيف أنه كالأجنبي فظاهر كلام المصنف وتعليله وتعليل الأصحاب أنه كالأجنبي فإن لم يكن
لها عبد فالحصيان الأجانب أولي لضعف شهوتهم فان فقدوا فذووا الأرحام الذين ليسوا محارم كابن
العم فان فقدوا فأهل الصلاح من الأجانب قال امام الحرمين رحمه الله وما أرى تقديم ذوي الأرحام
محتوما بخلاف المحارم لأنهم كالأجانب في وجوب الاحتجاب عنهم ومنعهم من النظر وشذ صاحب
العمدة أبو المكارم فقدم نساء القرابة على الرجال الأجانب وهذا شاذ مردود مخالف لنص الشافعي
290

ولما قطع به الأصحاب بل مخالف لحديث أبي طلحة المذكور في المسألة الأولى والله أعلم (المسألة
الثالثة) يستحب كون الدافنين وترا فان حصلت الكفاية بواحد وإلا فثلاثة وإلا فخمسة إن أمكن
واحتيج إليه وهذا متفق عليه (المسألة الرابعة) يستحب أن يسجي القبر بثوب عند الدفن سواء كان
الميت رجلا أو امرأة هذا هو المشهور الذي قطع به الأصحاب قالوا والمرأة آكد وحكي الرافعي
وجها ان الاستحباب مختص بالمرأة واختاره أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة
واحتجوا للمذهب بالحديث لكنه ضعيف ولأنه استر فربما ظهر ما يستحب اخفاوه والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله.
{ويستحب ان يضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روى ابن عباس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا ولان ذلك أسهل ويستحب
أن يقول عند إدخاله القبر بسم الله وعلى ملة رسول الله لما روي ابن عمر ان النبي صلى الله عليه
وسلم كأن يقوله إذا أدخل الميت القبر ويستحب ان يضجع في اللحد على جنبه الأيمن لقوله صلى الله عليه
وسلم " إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه " ولأنه يستقبل القبلة وكان أولى ويوسد رأسه بلبنة أو حجر
كالحي إذا نام ويجعل خلفه شيئا يسنده من لبن أو غيره حتى لا يستلقي على قفاه ويكره ان يجعل تحته
مضربة أو مخدة أو في تابوت لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا
بخدي إلى الأرض " وعن أبي موسى رضي الله عنه " لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا " وينصب اللبن نصبا
لما روى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال " اصنعوا بي كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا على
اللبن وهيلوا على التراب " ويستحب لمن على شفير القبر ان يحثو في القبر ثلاث حثيات من تراب
لان النبي صلى الله عليه وسلم حتى في قبر ثلاث حثيات. ويستحب ان يمكث على القبر بعد الدفن
لما روى عثمان رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه وقال
استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل "} *
{الشرح} حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الشافعي في الام والبيهقي باسناد صحيح
إلا أن الشافعي رحمه الله قال فيه أخبرنا الثقة وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بقول الراوي أخبرنا
الثقة واختار بعض أصحابنا المحققين الاحتجاج إن كان القائل من يوافقه في المذهب والجرح والتعديل
فعلى هذا يصح احتجاج أصحابنا بهذا الحديث. واما حديث ابن عمر فرواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن وفى رواية للترمذي سنة بدل ملة (واما) حديث إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه
فغريب بهذا اللفظ وهو صحيح بمعناه عن البراء بن عازب قال " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقال اللهم أسلمت نفسي إليك إلى آخره "
291

رواه البخاري ومسلم (وأما) حديث سعد بن أبي وقاص فرواه مسلم بلفظه إلا قوله وهيلوا على
التراب (واما) حديث حثى في القبر ثلاث حثيات فرواه البيهقي من رواية عامر بن ربيعة انه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم حتى بيده ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على قبر عثمان بن مظعون قال
البيهقي رحمه الله اسناده ضعيف الا ان له شاهدا رواه ابن ماجة باسناده عن أبي هريرة ان النبي
صلى الله عليه وسلم حثي من قبل رأسه فيكون الحثى من قبل رأسه مستحسنا فان الحديث جيدا لاسناد
كما ذكرنا (وأما) حديث عثمان فرواه أبو داود والبيهقي باسناد جيد (وقوله) هيلوا على التراب - بكسر
الهاء - على وزن بيعوا يقال هاله يهيله وفى الامر هله ومعناه انثروا وصبوا ويقال حثي يحثي وحثيت
حثيا وحثى يحثو وحثوت حثوا بالثاء والواو لغتان مشهورتان حكاهما ابن السكيت وعن أبي عبيدة
وآخرين وشفير القبر طرفه (وقوله) في الحديث واسألوا الله له التثبيت وقع في بعض نسخ المهذب
التثبيت وفى بعضها التثبت بحذف الياء مع تشديد الباء الموحدة وكلاهما روى في كتب الحديث
وهما صحيحان. أما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) يستحب ان يوضع رأس الميت عند رجل القبر
وهو طرفه الذي يكون فيه رجل الميت ثم يسل من قبل رأسه سلا رفيقا (الثانية) يستحب أن يقول
الذي يدخله القبر عند ادخاله القبر بسم الله وعلى ملة رسول الله أو على سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال الشافعي في المختصر ثم يقول اللهم أسلمه إليه الأشحاء من ولده وأهله وقرابته واخوانه
وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت
خير منزول به ان عاقبته فبذنب وان عفوت فأهل العفو أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك
اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته واعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الا من عذابك واكفه كل
هول دون الجنة اللهم اخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه برحمتك يا أرحم الراحمين
هذا كلام الشافعي رحمه الله قال الأصحاب يستحب ان يدعو بهذا فإن لم يفعل فبغيره واتفقوا على
292

استحباب الدعاء هنا (الثالثة) يجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة هذا هو المذهب وبه قطع
الجمهور وقد ذكره المصنف بعد هذا في الفصل الأخير في مسألة من دفن بغير غسل أو إلى غير
القبلة نبش وقال القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد استقبال القبلة به مستحب ليس بواجب
والصحيح الأول واتفقوا على أنه يستحب ان يضجع على جنبه الأيمن فلو أضجع على جنبه الأيسر
مستقبل القبلة جاز وكان خلاف الأفضل لما سبق في المصلي مضطجعا والله أعلم (الرابعة) يستحب
ان يوسد رأسه لبنة أو حجر أو نحوهما ويفضي بخده الأيمن إلى اللبنة ونحوها أو إلى التراب وقد
صرح المصنف في التنبيه والأصحاب بالافضاء بخده إلى التراب ومعناه أن ينحى الكفن عن
خذه ويوضع على التراب ويستحب ان يجعل خلفه شيئا من لبن أو غيره يسنده ويمنعه من أن يقع
على قفاه (الخامسة) يكره ان يجعل تحته مخدة أو مضربة أو ثوب أو يجعل في تابوت إذا لم تكن الأرض
ندية واتفق أصحابنا على كراهة هذه الأشياء والكراهة في التابوت مختصة بما إذا لم يتعذر اجتماعه
في غيره فان تعذر اتخذ التابوت كما صرح " به الشيخ نصر وغيره وقد سبق قبل هذا الفصل تعليل
ان التابوت مكروه إلا أن تكون الأرض رخوة أو ندية وانه لا تنفذ وصيته فيه إلا في هذا الحال وانه
من رأس المال ثم هذا الذي ذكرناه من كراهة المخدة والمضربة وشبهها هكذا نص عليه أصحابنا
في جميع الطرق ونص عليه الشافعي أيضا وخالفهم صاحب التهذيب فقال لا بأس أن يبسط تحت
جنبه شئ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة
حمراء " رواه مسلم وهذا الذي ذكره شذوذ ومخالف لما قاله الشافعي والأصحاب وغيرهم من العلماء
وأجابوا عن حديث ابن عباس بأنه لم يكن ذلك الفعل صادرا من جملة الصحابة ولا برضاهم ولا بعلمهم
وإنما فعله شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كرهت ان يلبسها أحد بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد روى البيهقي عن ابن عباس انه كره ان يجعل تحت الميت ثوب في قبره
والله أعلم. (السادسة) إذا وضعه في اللحد على الصفة السابقة فالسنة ان ينصب اللبن علي المنفتح
من اللحد بحيث يسد جميع المنفتح ويسد الفرج بقطع اللبن ونحوه ويسد الفرج اللطاف بحشيش أو نحوه
وقال جماعة من أصحابنا أو بطين والله أعلم (السابعة) يستحب لكل من على القبر ان يحثى عليه ثلاث
حثيات تراب بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد وهذا الذي ذكرته من الحثى باليدين جميعا نص
عليه الشافعي في الام واتفق الأصحاب عليه وممن صرح به شيخ الأصحاب الشيخ أبو حامد
والماوردي والقاضي أبو الطيب وسليم الرازي والبغوي وصاحب العدة وآخرون قال القاضي حسين
والمتولي وآخرون يستحب أن يقول في الحثية الأولى (منها خلقناكم) وفى الثانية (وفيها نعيدكم) وفى الثالثة
(منها نخرجكم تارة أخرى) وقد يستدل له بحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال " لما وضعت أم كلثوم
293

بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خلقناكم وفيها
نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " رواه الإمام أحمد من رواية عبيد الله بن زخر عن علي بن زيد
ابن جدعان عن القاسم وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وإن كان ضعيفة الاسناد
ويعمل بها في الترغيب والترهيب وهذا منها والله أعلم * قال أصحابنا ثم يهال عليه التراب بالمساحي
وهو معنى ما سنذكره. في الثامنة في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه (الثامنة) يستحب أن
يمكث على القبر بعد الدفن ساعة يدعو للميت ويستغفر له نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب
قالوا ويستحب أن يقرأ عنده شئ من القرآن وإن ختموا القرآن كان أفضل وقال جماعات من
أصحابنا يستحب أن يلقن بما سنذكره في المسائل الزائدة بعد فراغ الباب إن شاء الله تعالى
ويستدل لهذا المكث والدعاء والاستغفار بحديث عثمان المذكور في الكتاب وبحديث عمرو بن العاص
أنه قال حين حضرته الوفاة " فإذا دفنتوني فسنوا على التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر
جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم واعلم ماذا أراجع رسل ربى " رواه مسلم في صحيحه في كتاب
الايمان وهو بعض حديث طويل مشتمل على جمل من الفوائد والقواعد (قوله) سنوا على التراب
روى بالسين المهملة وبالمعجمة وكلاهما صحيح ومعناهما متقارب وروى البيهقي باسناده ان ابن عمر
رضي الله عنهما استحب قراءة أول البقرة وآخرها عند القبر والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في كيفية إدخال الميت القبر * قد ذكرنا ان مذهبنا أن السنة أن يوضع
رأسه عند رجل القبر ثم يسل سلا وقال أبو حنيفة يوضع عرضا من ناحية القبلة ثم يدخل القبر معترضا
وحكي ابن المنذر عن ابن عمر وأنس بن مالك وعبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي والشعبي
والنخعي مثل مذهبنا وهو مذهب أحمد واختاره ابن المنذر وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وابنه محمد وإسحاق بن راهويه كمذهب أبي حنيفة وقال مالك رحمه الله كلاهما سواء وعنه رواية
كمذهبنا * واحتج لأبي حنيفة بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
أدخل من جهة القبلة ولان جهة القبلة أفضل * واحتج الشافعي والأصحاب بحديث ابن عباس
رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " سل من قبل رأسه " وقد قدمنا انه يحتج به وعن
عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الصحابي انه صلي على جنازة ثم أدخله القبر من قبل رجل
القبر وقال هذا من السنة رواه أبو داود والبيهقي وقال فيه هذا اسناد صحيح. وقول الصحابي
من السنة كذا مرفوع ولان سله من قبل رأسه هو المعروف عن جمهور الصحابة وهو عمل المهاجرين
والأنصار بمكة والمدينة كذلك رواه الشافعي في الام وغيره من العلماء عن أهل مكة والمدينة من
الصحابة ومن بعد هم وهم بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من غيرهم (واما) ما احتج به
294

الحنفية من حديث ابن مسعود وابن عباس وبريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم ادخل من قبل
القبلة فكلها روايات ضعيفة رواها البيهقي وبين ضعفها ولا يقبل قول الترمذي في حديث ابن
عباس انه حسن لأنه رواه هو وغيره من رواية الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف باتفاق المحدثين
وهذا الجواب إنما يحتاج إليه لتصور ادخاله صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة وقد قال الشافعي في الام
والأصحاب ان هذا غير ممكن وأطنب الشافعي في الام في الشناعة على من يقول ذلك ونسبه إلى
الجهالة ومكابرة الحس وانكار العين قال القاضي حسين وامام الحرمين وآخرون
هذا الذي نقلوه من أقبح الغلط لان شق قبره صلى الله عليه وسلم لاصق بالجدار ولحده تحت
الجدار وليس هناك موضع يوضع فيه هذا كلام القاضي وموافقيه ورأيت أنا في الام مثله
وزيادة قال الشافعي الجدار الذي اللحد تحته مثله واللحد تحت الجدار فكيف يدخل معترضا
واللحد لاصق بالجدار لا يقف عليه شئ ولا يمكن الا ان يسل سلا أو يدخل من غير القبلة قال
وأمور الموتى وإدخالهم القبر من الأمور المشهورة عندنا لكثرة الموت وحضور الأئمة وأهل الثقة
وهو من الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث فيكون الحديث فيها كالتكليف لاشتراك
الناس في معرفتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار بين أظهرنا ينقل العامة عن
العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا ثم جاءنا آت من غير بلدنا يعلمنا كيف الميت ثم لم يرض
حتى روى عن حماد عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل معترضا هذا آخر كلام الشافعي
ورواية إبراهيم مرسلة ضعيفة قال أصحابنا ولان ما قلناه أسهل فكان أولي (وما) ادعوه من استقبال
القبلة (فجوابه) ان استقبال القبلة إنما يستحب بشرطين ان يمكن ولا ينابذ سنة وهذا ليس ممكنا
ومنابذا للسنة *
(فرع) في مذاهبهم في ستر الميت عند ادخاله القبر بثوب * قد ذكرنا ان مذهبنا استحبابه
في الرجل والمرأة وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يستحب في قبر الميت دون الرجل وحكي ابن
المنذر عن عبد الله بن بريد وشريح يكرهان ذلك في قبر الرجل
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا يزاد في التراب الذي أخرج من القبر فان زادوا فلا بأس به * ويشخص القبر من الأرض
قدر شبر لما روى القاسم ابن محمد قال " دخلت على عائشة فقلت اكشفي لي عن قبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة " ويصطح القبر ويضع عليه الحصا
لان النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم رضي الله عنه ووضع عليه حصباء من حصباء العرصة وقال
أبو علي الطبري رحمه الله الأولى في زماننا ان يسنم لان التسطيح من شعار الرافضة وهذا لا يصح
لان السنة قد صحت فيه فلا يضر موافقة الرافضة فيه ويرش عليه فيه ويرش عليه الماء لما روى جابر ان النبي صلى
295

الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم الماء ولأنه إذا لم يرش عليه الماء زال أثره فلا يعرف
ويستحب ان يجعل عند رأسه علامة من حجر أو غيره لان النبي صلى الله عليه وسلم دفن عثمان بن
مظعون ووضع عند رأسه حجرا ولأنه يعرف به فيزار ويكره ان يجصص القبر وأن يبني عليه وان
يكتب عليه لما روى جابر قال " نهي رسول الله صلى عليه وسلم ان يجصص القبر وأن يبني عليه
أو يعقد أو يكتب عليه ولان ذلك من الزينة} *
{الشرح} حديث القاسم صحيح رواه أبو داود وغيره باسناد صحيح ورواه الحاكم وقال
صحيح الاسناد وقوله لا مشرفة أي مرتفعة ارتفاعا كثيرا وقوله ولا لاطئة هو بهمز آخره
أي ولا لاصقة بالأرض يقال لطئ ولطأ بكسر الطاء وفتحها وآخره مهموز فيهما إذا لصق (واما)
حديث قبر إبراهيم ورش الماء عليه ووضع الحصباء عليه فرواه الشافعي في الام والبيهقي
باسناد ضعيف (واما) حديث عثمان بن مظعون وضع الحجر عند رأسه فسبق بيانه في
الفصل الأول من الدفن (وأما) حديث جابر الا خير فرواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهما
لكن لفظ روايتهم " نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد
عليه " وليس فيه ذكر يكتب ووقع في الترمذي بزيادة " يكتب عليه وأن يوطأ " وقال حديث حسن
ووقع في سنن أبي داود زيادة وأن يزاد عليه وإسنادها صحيح ووقع في أكثر النسخ المعتمدة من
المهذب وان يعقد عليه بتقديم العين على القاف وهو تصحيف فان الروايات المشهورة في صحيح مسلم
وسنن أبي داود والترمذي وسائر كتب الحديث المشهورة يقعد بتقديم القاف على العين من القعود
الذي هو الجلوس والحصباء بالمد وبالباء الموحدة وهي الحصا الصغار والعرصة باسكان الراء قال ابن
فارس كل جونة منفتقة ليس فيها بناء فهي عرصة والشعار بكسر الشين العلامة والرافضة الطائفة
المبتدعة سموا بذلك لرفضهم زيد بن علي رضي الله عنهما فلزم هذا الاسم كل من غلا منهم في مذهبه
والله أعلم * اما الأحكام ففيه مسائل (إحداها) قال الشافعي في المختصر يستحب ان لا يزاد القبر على التراب الذي
أخرج منه قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله إنما قلنا يستحب ان لا يزاد لئلا يرتفع القبر
ارتفاعا كثيرا قال الشافعي فان زاد فلا بأس قال أصحابنا معناه انه ليس بمكروه لكن
المستحب تركه ويستدل لمنع الزيادة برواية أبى داود المذكورة قريبا وهي قوله وأن يزاد عليه (الثانية)
يستحب أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب واتفقوا عليه إلا أن صاحب
التتمة استثني فقال إلا أن يكون دفنه في دار الحرب فيخفى قبره بحيث لا يظهر مخافة ان يتعرض
له الكفار بعد خروج المسلمين (فان قيل) هذا الذي ذكرتموه مخالف لحديث علي رضي الله عنه قال
" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ندع قبرا مشرفا الا سويته " (فالجواب) ما أجاب به أصحابنا
296

قالوا لم يرد التسوية بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأحاديث (الثالثة) تسطيح القبر وتسنيمه
وأيهما أفضل فيه وجهان (الصحيح) التسطيح أفضل وهو نص الشافعي في الام ومختصر المزني وبه قطع
جمهور أصحابنا المتقدمين وجماعات من المتأخرين منهم الماوردي والفوراني والبغوي وخلائق وصححه
جمهور الباقين كما صححه المصنف وصرحوا بتضعيف التسنيم كما صرح به المصنف (والثاني) التسنيم
أفضل حكاه المصنف عن أبي على الطبري والمشهور في كتب أصحابنا العراقيين والخراسانيين أنه
قول علي بن أبي هريرة وممن حكاه عنه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والشاشي وخلائق من
الأصحاب وممن رجح التسنيم من الخراسانيين الشيخ أبو محمد الجويني والغزالي والروياني والسرخسي
وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب وليس كما قال بل أكثر الأصحاب على تفضيل التسطيح وهو
نص الشافعي كما سبق وهو مذهب مالك وداود وقال أبو حنيفة والثوري واحمد رحمهم الله التسنيم
أفضل ودليل المذهبين في الكتاب: ورد الجمهور على ابن أبي هريرة في دعوه أن التسنيم أفضل لكون
التسطيح شعار الرافضة فلا يضر موافقة الرافضي لنا في ذلك ولو كانت موافقتهم لنا سببا لترك ما وافقوا
فيه لتركنا واجبات وسننا كثيرة (فان قيل) صححتم التسطيح وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله
عن سفيان التمار قال " رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما (فالجواب) ما أجاب به البيهقي رحمه الله
297

قال صحت رواية القاسم بن محمد السابقة المذكورة في الكتاب وصحت هذه الرواية فنقول القبر غير
عما كان فكان أول الأمر مسطحا كما قال القاسم ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك وقيل
في زمن عمر بن عبد العزير أصلح فجعل مسنما قال البيهقي وحديث القاسم أصح وأولي أن يكون
محفوظا والله أعلم (الرابعة) يستحب أن يوضع على القبر حصباء وهو الحصا الصغار لما سبق وان يرش
عليه الماء لما ذكره المصنف قال المتولي وآخرون يكره ان يرش عليه ماء الورد وان يطلي بالخلوف
لأنه إضاعة مال (الخامسة) السنة ان يجعل عند رأسه علامة شاخصة من حجر أو خشبة أو غيرهما
هكذا قاله الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب الا صاحب الحاوي فقال يستحب علامتان (إحداهما)
عند رأسه (والأخرى) عند رجليه قال لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل حجرين كذلك على قبر عثمان
ابن مظعون كذا قال والمعروف في روايات حديث عثمان حجر واحد والله أعلم (السادسة) قال
الشافعي والأصحاب يكره ان يجصص القبر وان يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك وان يبني
عليه وهذا لا خلاف فيه عندنا وبه قال مالك واحمد وداود وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة لا يكره
دليلنا الحديث السابق قال أصحابنا رحمهم الله ولا فرق في البناء بين ان يبنى قبة أو بيتا أو غيرهما
ثم ينظر فإن كانت مقبرة مسبلة حرم عليه ذلك قال أصحابنا ويهدم هذا البناء بلا خلاف قال الشافعي
في الام ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها قال ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولان في ذلك
تضييقا على الناس قال أصحابنا وإن كان القبر في ملكه جاز بناء ما شاء مع الكراهة ولا يهدم
عليه قال أصحابنا وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس
أم في غيره فكله مكروه لعموم الحديث قال أصحابنا وسواء في كراهة التجصيص للقبر في ملكه
أو المقبرة المسبلة واما تطيين القبر فقال إمام الحرمين والغزالي يكره ونقل أبو عيسى الترمذي في جامعه
المشهور ان الشافعي قال لا بأس بتطيين القبر ولم يتعرض جمهور الأصحاب له فالصحيح انه لا كراهة
فيه كما نص عليه ولم يرد فيه نهى.
(فرع) قال البغوي وغيره يكره أن يضرب على القبر مظلة لان عمر رضي الله عنه رأى مظلة
على قبر فامر برفعها وقال دعوه يظله عمله.
قال المصنف رحمه الله.
{إذا دفن الميت قبل الصلاة صلى على القبر لان الصلاة تصل إليه في القبر وإن دفن من غير
غسل أو إلى غير القبلة ولم يخش عليه الفساد في نبشه نبش وغسل ووجه إلى القبلة لأنه واجب
مقدور على فعله فوجب فعله وان خشي عليه الفساد لم ينبش لأنه تعذر فعله فسقط كما يسقط وضوء الحي
واستقبال القبلة في الصلاة إذا تعذر}.
{الشرح} قال أصحابنا يحرم الدفن قبل الصلاة عليه فان ارتكبوا الحرام ودفنوه أو لم يحضره
298

من تلزمه الصلاة ودفن لم يجز نبشه للصلاة بل تجب للصلاة عليه في القبر لان الصلاة على
الغائب جائزة وعلى القبور للأحاديث الصحيحة السابقة في الصلاة على القبر والغائب وقد سبقت
هذه المسألة في فصل الصلاة على القبر هذا إذا دفن وهيل عليه التراب فاما إذا أدخل اللحد ولم
يهل التراب فيخرج ويصلى عليه نقله الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق عن نص الشافعي قال والفرق
بين الحالتين من وجهين (أحدهما) قلة المشقة وكثرتها (والثاني) أن إخراجه بعد إهالة التراب
نبش على الحقيقة وهو ممنوع وقبل أن يهال ليس بنبش دل أبو محمد رحمه الله وقال بعض أصحابنا
إذا أراد الصلاة عليه وهو في اللحد قبل أن يهال التراب رفعت لبنة مما يقابل وجهه لينظر بعضه قال أبو محمد
وهذا خلاف نص الشافعي والصحيح ما نص عليه هذا كلام أبى محمد (قلت) وهذا النص نص عليه
في عيون المسائل عن الربيع عن الشافعي رحمه الله أما إذا دفن بلا غسل فيأثمون بلا خلاف إن تمكنوا
من غسله وكان ممن يجب غلسه فالصحيح أنه إن تغير وخشي فساده لو نبش لم يجز نبشه لما فيه من
انتهاك حرمته وإن لم يتغير وجب نبشه وغسله ثم الصلاة عليه لأنه واجب مقدور عليه فوجب فعله
وبهذا التفصيل قطع المصنف وجماهير الأصحاب في الطريقتين وحكي امام الحرمين وغيره عن
صاحب التقريب أنه حكى قولا للشافعي أنه لا يجب النبش للغسل وإن لم يتغير بل يكره نبشه ولا
يحرم وحكي صاحب الحاوي وآخرون وجها أنه يجب نبشه للغسل وإن تغير وفسد قال الرافعي
ما دام منه جزء من عظم وغيره واتفق الذين حكوا هذا الوجه على ضعفه وفساده أما إذا دفن إلى
غير القبلة فقال المصنف وجمهور الأصحاب الدفن إلى القبلة واجب كما سبق قالوا فيجب نبشه
وتوجيهه إلى القبلة إن لم يتغير وان تغير سقط فلا ينبش لما ذكره المصنف هذه طريقة الأصحاب من
العراقيين والخراسانيين إلا القاضي أبا الطيب فقال في كتابه المجرد لا يجب التوجيه إلى القبلة بل هو
سنة فإذا ترك استحب نبشه ولا يجب وهذا شاذ ضعيف وسبقت المسألة مبسوطة في هذا الباب (أما)
إذا دفن بلا تكفين فوجهان مشهوران (أحدهما) ينبش كما ينبش للغسل (وأصحهما) لا ينبش وبه قطع
المحاملي في المقنع والسرخسي في الأمالي وآخرون لا ينبش لان المقصود ستره وقد حصل ولان في
نبشه هتكا لحرمته والله أعلم * ولو دفن في أرض مغصوبة استحب لصاحبها تركه فان أبي فله إخراجه
وان تغير وتفتت وكان فيه هتك لحرمته إذ لا حرمة للغاصب وليس لعرق ظالم حق واتفق
أصحابنا على هذا ولو دفن في ثوب مغصوب أو مسروق فثلاثة أوجه مشهورة حكاها امام الحرمين
وآخرون (أصحها) ينبش كما لو دفن في أرض مغصوبة وبهذا قطع البغوي وآخرون وصححه الغزالي
والمتولي والرافعي ونقله السرخسي عن نص الشافعي (والثاني) لا يجوز نبشه بل يعطي صاحب الثوب
قيمته لان الثوب صار كالهالك بخلاف الأرض ولان خلع الثوب أفحش في هتك حرمته من رد
299

الأرض وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ والعبد رى وهو قول الداركي وأبى
حامد ونقله الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه عن الأصحاب مطلقا (والثالث) إن تغير الميت
وكان في نبشه هتك لحرمته لم ينبش وإلا نبش وصححه صاحب العدة والشيخ تصر المقدسي
واختاره الشيخ أبو حامد والمحاملي لأنفسهما بعد حكايتهما عن الأصحاب ما قدمته واختاره أيضا
الدارمي ولو كفن الرجل في ثوب حرير قال الرافعي في نبشه هذه الأوجه ولم أر هذا لغيره وفيه نظر
وينبغي ان يقطع بأنه لا ينبش بخلاف المغصوب فان نبشه لحق مالكه والله أعلم *
(فرع) ذكرنا أن مذهبنا انه إذا دفن من غير غسل أوالي غير القبلة يجب نبشه ليغسل ويوجه
للقبلة ما لم يتغير وبه قال مالك واحمد وداود وقال أبو حنيفة لا يجب ذلك بعد اهالة التراب عليه *
* قال المصنف رحمه الله *
{وان وقع في القبر مال لآدمي فطالب به صاحبه نبش القبر لما روى أن المغيرة بن شعبة
رضي الله عنه طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خاتمي ففتح موضع فيه فاخذه
وكأن يقول إنا أقربكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه يمكن رد المال إلى صاحبه من غير
ضرر فوجب رده عليه وان بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة
وإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان (أحدهما) يشق لأنها صارت للورثة فهي كجوهرة الأجنبي (والثاني)
لا يجب لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الورثة}.
{الشرح} حديث المغيرة ضعيف غريب قال الحاكم أبو أحمد وهو شيخ الحاكم أبى عبد الله
لا يصح هذا الحديث ويقال خاتم - بفتح التاء وكسرها - وخاتام وختام وقوله بلع بكسر اللام
يقال بلع يبلع كشرب يشرب قال أصحابنا إذا وقع في القبر مال نبش واخرج سواء كان خاتما
أو غيره قليلا أو كثيرا هكذا أطلقه أصحابنا وقيدها المصنف بما إذا طلبه صاحبه ولم يوافقوه على التقييد
وهذا الذي ذكرناه من النبش هو المذهب وبه قطع الأصحاب في كل طرقهم وانفرد صاحب العدة
بحكاية وجه انه لا ينبش قال وهو مذهب أبي حنيفة وبهذا الوجه غلط أما إذا بلع جوهرة لغيره.
أو غيرها فطريقان (الصحيح) منها وبه قطع المصنف والأصحاب في معظم الطرق انه إذا طلبها
صاحبها شق جوفه وردت إلى صاحبها (والطريق الثاني) فيه وجهان ممن حكاه المتولي والبغوي
والشاشي (أصحهما) هذا (والثاني) لا يشق بل يجب قيمتها في تركته لحديث عائشة رضي الله عنها
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كسر عظم الميت ككسره حيا) رواه أبو داود باسناد صحيح الا رجلا
واحدا وهو سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيي بن سعيد الأنصاري فضعفه أحمد بن حنبل ووثقه
الأكثرون
وروى له مسلم في صحيحه وهو كاف في الاحتجاج به ولم يضعفه أبو داود مع قاعدته التي قدمنا
بيانها قالوا ووجه الدلالة من هذا الحديث ان كسر العظم وشق الجوف في الحياة لا يجوز
300

لاستخراج جوهرة وغيرها فكذا بعد الموت وحكى الرافعي عن أبي المكارم صاحب العدة وهو
غير صاحب العدة أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري الامام المشهور الذي ينقل عنه صاحب البيان
وأطلقه انا في هذا الشرح أنه قال يشق جوفه الا أن يضمن الورثة قيمته أو مثله فلا يشق في أصح
الوجهين وهذا النقل غريب والمشهور للأصحاب اطلاق الشق من غير تفصيل أما إذا بلع جوهرة
لنفسه فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما قل من بين الأصح منهما مع شهر تهما فصحح الجرجاني
في الشافعي والعبد رى في الكفاية الشق وقطع المحاملي في المقنع بأنه لا يشق وصححه القاضي
أبو الطيب في كتابه المجرد قال الشيخ أبو حامد في التعليق وقول الأول أنخا صارت للوارث غلط
لأنها إنما تصير للوارث إذا كانت موجودة فاما المستهلكة فلا وهذه مستهلكة وأجاب الأول عن
هذا بأنها لو كانت مستهلكة لما شق جوفه بجوهرة الأجنبي وحيث قلنا يشق جوفه وتخرج فلو
دفن قبل الشق نبش لذلك والله أعلم. هذا تفصيل مذهبنا وقال أبو حنيفة وسحنون
المالكي يشق مطلقا وقال أحمد وابن حبيب المالكي لا يشق.
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي شق جوفها لأنه استبقاء حي باتلاف جزء من الميت
فأشبه إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت} *
{الشرح} هذه المسألة مشهورة في كتب الأصحاب وذكر صاحب الحاوي أنه ليس للشافعي
فيها نص قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي والمحاملي وابن الصباغ وخلائق من
الأصحاب قال ابن سريج إذا ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي شق جوفها واخرج فأطلق ابن
سريج المسألة قال أبو حامد والماوردي والمحاملي وابن الصباغ وقال بعض أصحابنا ليس هو كما
أطلقها ابن سريج بل يعرض على القوابل فان قلنا هذا الولد إذا اخرج يرجى حياته وهو أن يكون
له سنة أشهر فصاعدا شق جوفها واخرج وإن قلنا لا يرجي بأن يكون له دون ستة أشهر لم
يشق لأنه لا معني لانتهاك حرمتها فيما لا فائدة فيه قال الماوردي وقول ابن سريج هو قول أبي حنيفة
وأكثر الفقهاء (قلت) وقطع به القاضي أبو الطيب في تعليقه والعبد رى في الكفاية وذكر القاضي
حسين والفوراني والمتولي والبغوي وغيرهم في الذي لا يرجى حياته وجهين (إحداهما) يشق
(والثاني) لا يشق قال البغوي وهو الأصح قال جمهور الأصحاب فإذا قلنا لا تشق لم تدفن
حتى تسكن حركة الجنين ويعلم أنه قد مات هكذا صرح به الأصحاب في جميع الطرق ونقل
اتفاق الأصحاب عليه القاضي حسين وآخرون وهو موجود كذلك في كتبهم الا ما انفرد به المحاملي
في المقنع والقاضي حسين في موضع آخر من تعليقه قبل باب الشهيد بنحو ورقتين والمصنف في التنبيه
301

فقالوا ترك عليه شئ ثقيل حتى يموت ثم تدفن المرأة وهذا غلط فاحش وقد أنكره الأصحاب
أشد انكار وكيف يؤمر بقتل حي معصوم وإن كان ميؤوسا من حياته بغير سبب منه يقتضي القتل
ومختصر المسألة ان رجى حياة الجنين وجب شق جوفها واخراجه والا فثلاثة أوجه (أصحها) لا تشق
ولا تدفن حتى يموت (والثاني) تشق ويخرج (والثالث) يثقل بطنها بشئ ليموت وهو غلط وإذا
قلنا يشق جوفها شق في الوقت الذي يقال إنه أمكن له هكذا قاله الشيخ أبو حامد وقال البندنيجي
ينبغي أن تشق في القبر فإنه استر لها *
(فرع) في مسائل تتعلق بالباب (إحداها) قال أصحابنا لا يكره الدفن بالليل لكن المستحب
دفنه نهارا قالوا وهو مذهب العلماء كافة الا الحسن البصري فإنه كرهه * واحتج له بحديث جابر رضي الله عنه
قال " زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه الا أن يضطر
انسان إلى ذلك " رواه مسلم * دليلنا الأحاديث الصحيحة المشهورة (منها) حديث ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر بقبر دفن ليلا فقال متى دفن هذا فقالوا البارحة قال أفلا آذنتموني
قالوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا ان نوقضك فصلي عليه " رواه البخاري وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما
قال " رأى ناس نارا في المقبرة فاتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وإذا هو
يقول ناولوني صاحبكم وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر " رواه أبو داود باسناد على شرط
البخاري ومسلم * واحتج به أبو داود في المسألة وعن عائشة رضي الله عنها " ان أبا بكر الصديق
رضي الله عنه لم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح رواه البخاري رحمه
الله فهذه الأحاديث المعتمدة في المسألة (وأما) حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي
صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج " إلى آخره فهو حديث ضعيف
(فان قيل) قد قال فيه الترمذي حديث حسن قلنا لا يقبل قول الترمذي في هذا
لأنه من رواية الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف عند المحدثين ويحتمل انه اعتضد عند الترمذي بغيره
فصار حسنا قال أصحابنا رحمهم الله ودفنت عائشة وفاطمة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ليلا
فلم ينكر ذلك أحد من الصحابة (والجواب) عن حديث جابر ان النهى إنما هو عن دفنه قبل
الصلاة عليه والله أعلم (الثانية) الدفن في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها إذا لم يتحره ليس بمكروه
عندنا نص عليه الشافعي في الام في باب القيام للجنازة واتفق عليه الأصحاب ونقل الشيخ أبو حامد
في أول باب الصلاة على الميت من تعليقه والماوردي والشيخ نصر المقدسي وغيرهم اجماع العلماء
عليه وثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال " ثلاث ساعات نهانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها وان نقبر فيها موتانا وذكر وقت طلوع الشمس واستوائها
302

وغروبها " وأجاب الشيخ أبو حامد والماوردي ونصر المقدسي وغيرهم بان الاجماع دل على ترك
ظاهره في الدفن وأجاب القاضي أبو الطيب والمتولي وغيرهما بان النهي عن تحرى هذه الأوقات
للدفن وقصد ذلك قالوا وهذا مكروه فاما إذا لم يتحره فلا كراهة ولا هو مراد الحديث وهذا
الجواب أحسن من الأول (الثالثة) في نقل الميت من بلد إلى بلد قبل دفنه قال صاحب الحاوي قال
الشافعي رحمه الله تعالى لا أحبه الا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيختار أن ينقل
إليها لفضل الدفن فيها وقال البغوي والشيخ أبو نصر البندنيجي من العراقيين يكره نقله وقال
القاضي حسين والدارمي والمتولي يحرم نقله قال القاضي حسين والمتولي ولو أوصى بنقله لم تنفذ وصيته
وهذا هو الأصح لان الشرع أمر بتعجيل دفنه وفى نقله تأخيره وفيه أيضا انتهاكه من وجوه
وتعرضه للتغير وغير ذلك وقد صح عن جابر رضي الله عنه قال " كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم
فجاء منادى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى
في مضاجعهم فرددناهم " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة قال الترمذي حديث
حسن صحيح (وأما) نبش القبر فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب ويجوز بالأسباب الشرعية
كنحو ما سبق ومختصره أنه يجوز نبش القبر إذا بلى الميت وصار ترابا وحينئذ يجوز دفن غيره
فيه ويجوز زرع تلك الأرض وبنائها وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب وإن
كانت عارية رجع فيها المعير وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره قال أصحابنا رحمهم
الله ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها ويجوز نبش الميت إذا
دفن لغير القبلة أو بلا غسل على الصحيح فيهما أو بلا كفن أو في كفن مغصوب أو حرير أو أرض
مغصوبة أو ابتلع جوهرة أو وقع في القبر مال على ما سبق في كل ذلك من التفصيل والخلاف قال
الماوردي في الأحكام السلطانية إذا لحق القبر سيل أو نداوة قال أبو عبد الله الزبيري يجوز نقله
ومنعه غيره قلت قول الزبيري أصح فقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
" أنه دفن أباه يوم أحد مع رجل آخر في قبر قال ثم لم تطب نفسي إن أتركه مع آخر فاستخرجته بعد
ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هيئة غير اذنه " وفى رواية للبخاري أيضا " أخرجته فجعلته في قبر
على حدة وذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره ان طلحة بن عبد الله أحد العشرة رضي الله عنهم دفن
فرأنه بنته عائشة بعد دفنه بثلاثين سنة في المنام فشكا إليها النز فأمرت به فاستخرج طريا فدفن
في داره بالبصرة قال غيره قال الراوي كأني انظر إلى الكافور في عينيه لم يتغير إلا عقيصته فمالت
عن موضعها وأخضر شقه الذي يلي النز (الرابعة) قال جماعات من أصحابنا يستحب تلقين
الميت عقب دفنه فيجلس عند رأسه انسان ويقول يا فلان ابن فلان ويا عبد الله ابن أمة الله أذكر العهد
303

الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن
الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
وأنك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة
قبلة وبالمؤمنين إخوانا زاد الشيخ نصر ربي الله لا إله الا هو علة توكلت وهو رب العرش العظيم
فهذا التلقين عندهم مستحب ممن نص على استحبابه القاضي حسين والمتولي والشيخ نصر المقدسي والرافعي
وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عنه
فقال التلقين هو الذي نختاره ونعمل به قال وروينا فيه حديثا من حديث أبي أمامة ليس إسناده بالقائم لكن
اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام قديما هذا كلام أبى عمرو قلت حديث أبي أمامة رواه أبو القاسم
الطبراني في معجمه باسناد ضعيف ولفظه عن سعيد بن عبد الله الأزدي قال " شهدت أبا امامة
رضي الله عنه وهو في النزع فقال إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا
مات أحد من اخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانه
فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان ابن فلانة
فإنه يقول أرشدنا رحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فان
منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فقال رجل يا رسول
الله فإن لم نعرف أمه قال فينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء " قلت فهذا الحديث وإن كان ضعيفا
فيستأنس به وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وقد
أعتضد بشواهد من الأحاديث كحديث " واسألوا له التثبيت " ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان
سبق بيانهما قريبا ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به وإلى الآن وهذا
التلقين إنما " هو في حق المكلف الميت اما الصبي فلا يلقن والله أعلم (الخامسة) ذكر الماوردي وغيره
انه يكره ايقاد النار عند القبر وسبقت المسألة وسيأتي في باب التعزية كراهية المبيت في المقبرة وكراهة
الجلوس على قبر ودوسه والاستناد إليه والاتكاء عليه *
{باب التعزية والبكاء على الميت}
البكاء يمد ويقصر لغتان المد أفصح والعزاء بالمد التعزية وهما الصبر على ما به من مكروه وعزاه
أي صبره وحثه على الصبر قال الأزهري رحمه الله أصلها التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه *
* قال المصنف رحمه الله *
{تعزية أهل الميت سنة لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه
304

وسلم من عزى مصابا فله مثل أجره " ويستحب ان يعزي بتعزية الخضر عليه السلام أهل بيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو أن يقول إن في الله سبحانه وتعالي عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل
هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب " ويستحب أن
يدعوا للميت فيقول أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك وان عزي مسلما بكافر قال أعظم
الله أجرك وأحسن عزاك وان عزى كافرا بمسلم قال أحسن الله عزاك وغفر لميتك وان عزى
كافرا بكافر قال اخلف الله عليك ولا نقص عددك ويكره الجلوس للتعزية لان ذلك محدث
والمحدث بدعة}
{الشرح} حديث ابن مسعود رضي الله عنه رواه الترمذي وغيره باسناده ضعيف وعن أبي
برزة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عزى ثكلي كسي بردا في الجنة "
رواه الترمذي وضعفه (واما) قصة تعزية الخضر عليه السلام فرواها الشافعي في الام باسناد ضعيف
إلا أنه لم يقل الخضر عليه السلام بل سمعوا قائلا يقول فذكر هذه التعزية ولم يذكر
الشافعي الخضر عليه السلام وإنما ذكره أصحابنا وغيرهم وفيه دليل منهم لاختيارهم ما هو المختار
وترجيح ما هو الصواب وهو أن الخضر عليه السلام حي باق وهذا قول أكثر العلماء وقال بعض
المحدثين ليس هو حيا واختلفوا في حاله فقال كثيرون كان نبيا لا رسولا وقال آخرون كان نبيا
رسول وقال آخرون كان وليا وقيل كان ملكا من الملائكة وهذا غلط وقد أوضحت اسمه وحاله
والاختلاف وما يتعلق به في تهذيب الأسماء واللغات (وقوله) خلفا من كل هالك - هو بفتح اللام -
أي بدلا والدرك اللحاق (قوله) ولا نقص عددك هو بنصب الدال ورفعها (وقوله) أخلف الله عليك أي رد
عليك مثل ما ذهب منك قال جماعة من أهل اللغة يقال أخلف الله عليك إذا كان الميت ممن يتصور
مثله كالابن والزوجة والأخ لمن والده حي ومعناه رد الله عليك مثله قالوا ويقال خلف الله عليك
إذا لم يتصور حصول مثله كالوالدين أي كان الله خليفة من فقدته عليك * أما الأحكام فقال الشافعي
والأصحاب رحمهم الله التعزية مستحبة قال الشافعي والأصحاب يستحب أن يعزى جميع أقارب الميت
أهله الكبار والصغار الرجال والنساء الا أن تكون المرأة شابة فلا يعزيها الا محارمها قالوا وتعزية
الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان آكد ويستحب التعزية بما ذكره المصنف من تعزية
الخضر وغيرها مما فيه تسلية وتصبير ومن أحسنه ما ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله
عنهما قال " أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت فقال
للرسول ارجع إليها فأخبرها ان لله ما أخذ وله ما أعطي وكل شئ عنده بأجل مسمي فمرها فلتصبر
ولتحتسب " وذكر تمام الحديث وهو من أعظم قواعد الاسلام المشتملة على مهمات من الأصول والفروع
305

والآداب وقد أشرت إلى بعضها في الأذكار وفى شرح صحيح مسلم (وأما) وقت التعزية فقال أصحابنا
هو من حين الموت إلى حين الدفن وبعد الدفن إلى ثلاثة أيام قال الشيخ أبو محمد الجويني وهذه
المدة للتقريب لا للتحديد قال أصحابنا وتكره التعزية بعد الثلاثة لان المقصود منها تسكين
قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن هذا هو الصحيح المعروف
وجزم السرخسي في الأمالي بأنه يعزى قبل الدفن وبعده في رجوعه إلى منزله ولا يعزى
بعد وصوله منزله وحكى امام الحرمين وجها أنه لا أمد للتعزية بل يبقى بعد ثلاثة أيام وان طال الزمان
لان الغرض الدعاء والحمل على الصبر والنهي عن الجزع وذلك يحصل مع طول الزمان وبهذا الوجه
قطع أبو العباس ابن القاص في التلخيص وانكره عليه القفال في شرحه وغيره من الأصحاب والمذهب
أنه يعزى ولا يعزى بعد ثلاثة وبه قطع الجمهور قال المتولي وغيره الا إذا كان أحدهما غائبا فلم يحضر
الا بعد الثلاثة فإنه يعزيه قال أصحابنا وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لكن بعد الدفن أحسن
وأفضل لان أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه ولان وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر فكان ذلك
الوقت أولي بالتعزية قال أصحابنا الا أن يظهر فيهم جزع ونحوه فيعجل التعزية ليذهب جزعهم
أو يخف (وأما) قول المصنف رحمه الله في تعزية المسلم كذا وفى تعزية الكافر كذا فهكذا قاله أصحابنا
وحاصله الجمع بين الدعاء للميت والمعزى به والمشهور تقديم الدعاء للمعزى كما ذكره المصنف أعظم
الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك وحكى السرخسي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) هذا قال وهو
قول أبى اسحق المروزي قال لأنه المخاطب فبدئ به (والثاني) يقدم الدعاء للميت فيقول غفر الله
لميتك وأعظم الله أجرك وأحسن عزاك لان الميت أحوج إلى الدعاء (والثالث) يتخير فيقدم
من شاء قال أصحابنا رحمهم الله وقوله في الكافر ولا نقص عددك لتكثر الجزية المأخوذة منهم
ممن صرح بهذا الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي وأبو علي البندنيجي والسرخسي
والبغوي وصاحبا العدة والبيان والرافعي وآخرون وهو مشكل لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام
كفره فالمختار تركه والله أعلم (واما) الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته
ونقله الشيخ أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي قالوا يعنى بالجلوس لها ان يجتمع أهل
الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية قالوا بل ينبغي ان ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم
عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها صرح به المحالي ونقله عن نص الشافعي رحمه الله وهو
موجود في الام قال الشافعي في الام وأكره المآثم وهي الجماعة وان لم يكن لهم بكاء فان ذلك يجدد الحزن
ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر هذا لفظه في الام وتابعه الأصحاب عليه واستدل له المصنف
وغيره بدليل آخر وهو انه محدث وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت " لما جاء النبي صلي الله
306

عليه وسلم قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم جلس يعرف فيه الحزن وانا انظر من
شق الباب فاتاه رجل فقال إن نساء جعفر وذكر بكائهن فأمره ان ينهاهن " رواه البخاري ومسلم *
(فرع) في مذاهب العلماء * ذكرنا ان مذهبنا استحباب التعزية قبل الدفن وبعده بثلاثة أيام
وبه قال احمد وقال الثوري وأبو حنيفة يعزى قبل الدفن لا بعده *
* قال المصنف رحمه الله *
{ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة لما روى جابر رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يا إبراهيم انا لا نغني عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه فقال عبد الرحمن
ابن عوف يا رسول الله أتبكي أولم تنه عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن النوح " ولا يجوز لطم
الخدود ولا شق الجيوب لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
" ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعي بدعوى الجاهلية "} *
{الشرح} حديث ابن مسعود رواه البخاري ومسلم وحديث جابر رواه الترمذي هكذا
وقال هو حديث حسن ومعناه في الصحيحين من رواية غير جابر ومعنى لا نغني عنك شيئا أي لا ندفع
ولا نكف (وقوله) ذرفت عيناه - بفتح الذال المعجمة والراء - أي سال دمعها والجاهلية من الجهل قال
الواحدي رحمه الله هو اسم لما كان قبل الاسلام في الفترة لكثرة جهلهم والندب تعديه محاسن
الميت مع البكاء كقولها وا جبلاه وا سنداه وا كريماه ونحوها والنياحة رفع الصوت بالندب قال الشافعي
والأصحاب البكاء على الميت جائز قبل الموت وبعده ولكن قبله أولى لحديث جابر بن عتيك
رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح
النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن فإذا وجب فلا
تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال الموت " حديث صحيح رواه مالك في الموطأ
والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة ولفظ الشافعي في الام وأرخص في
البكاء قبل الموت فإذ مات أمسكن وقال صاحب الشامل وطائفة يكره البكاء بعد الموت لظاهر الحديث
في النهي ولم يقل الجمهور ويكره وإنما قالوا الأولى تركه قالوا وهو مراد الحديث ولفظ الشافعي
محتمل هذا كله في البكاء بلا ندب ولا نياحة أما الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب وخمش
الوجه ونشر الشعر والدعاء بالويل والثبور فكلها محرمة باتفاق الأصحاب وصرح الجمهور بالتحريم
ووقع في كلام بعضهم لفظ الكراهة وكذا وقع لفظ الكراهة في نص الشافعي في الام وحملها
الأصحاب على كراهة التحريم وقد نقل جماعة الاجماع في ذلك قال امام الحرمين رحمه الله ورفع
الصوت بافراط في معنى شق الجيب قال غيره هذا إذا كان مختارا فإن كان مغلوبا لم يؤاخذ به لأنه
307

غير مكلف وأما قول الشافعي رحمه الله في الام وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فمراده
الجلوس للتعزية وقد سبق بيانه.
(فرع) في الأحاديث الواردة في أن الميت يعذب بما نيح عليه وبالبكاء عليه وبيان تأويلها
ومذاهب العلماء فيها * عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال الميت يعذب في قبره
بما نيح عليه " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال إن
الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " قال وعن ابن عباس قال " رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الميت يعذب
ببعض بكاء أهله عليه " قال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت " رحم الله عمر والله
ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله وقالت حسبكم القرآن ولا تزر وازرة
وزر أخرى فما قال ابن عمر شيئا " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها " أنها قيل لها
ان ابن عمر يقول الميت يعذب ببكاء الحي فقالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن اما أنه لم يكذب ولكنه
نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها
وانها لتعذب في قبرها " رواه البخاري ومسلم وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال " أغمي على
عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي وا جبلاه واكذا واكذا تعدد عليه فقال حين افاق ما قلت شيئا إلا قيل لي
أنت كذا فلما مات لم تبك عليه " رواه البخاري رحمه الله وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ان
رسول الله صلى الله عليه ولم قال " ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول وا جبلاه وا سنداه أو نحو
ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا أنت " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتان في الناس هما لهم كفر الطعن في النسب
والنياحة على الميت " رواه مسلم فهذه الأحاديث وشبهها في التحريم وتعذيب الميت وجاء في الإباحة
ما قد يشابه هذا وليس هو منه وهو حديث أنس رضي الله عنه قال " لما ثقل النبي صلى الله عليه
وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد
اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب "
رواه البخاري رحمه الله واختلف العلماء في أحاديث تعذيب الميت بالبكاء فتأولها المزني وأصحابنا
وجمهور العلماء على من وصي أن يبكي عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله
عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا فاما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب
ببكائهم ونوحهم لقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قالوا وكان من عادة العرب الوصية بذلك
308

ومنه قول طرفة بن العبد.
إذا مت فانعيني بما أنا أهله * * وشقي على الجيب يا ابنة معبد
قالوا فخرج الحديث مطلقا حملا على ما كان معتادا لهم وقالت طائفة هو محمول على من أوصى
بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما فمن أوصي بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه باهماله
الوصية بتركهما فاما من أوصي بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط وحاصل هذا
القول ايجاب الوصية بتركهما فمن أهملها عذب بهما وقالت طائفة معنى الأحاديث انهم كانوا ينوحون
على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع فيعذب
بها كما كانوا يقولون يا مرمل النسوان ومؤتم الولدان ومخرب العمران ومفرق الاخدان ونحو ذلك
مما يرونه شجاعة وفخرا وهو حرام شرعا وقالت طائفة معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق
لهم والى هذا ذهب محمد بن جرير وغيره قال القاضي عياض وهو أولى الأقوال * واحتجوا بحديث
فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم " زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال إن أحدكم إذا بكى استعبر
له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا اخوانكم " وقالت عائشة رضي الله عنها معنى الحديث ان
الكافر وغيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم والصحيح من هذه
الأقوال ما قدمناه عن الجمهور وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم ان المراد بالبكاء بصوت ونياحة
لا مجرد دمع العين والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{ويستحب للرجال زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " زار رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال إني استأذنت ربي عز وجل ان استغفر لها فلم يأذن
لي واستأذنته في أن أزور قبرها فاذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت " والمستحب أن يقول
السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا إن شاء الله بكم لاحقون ويدعو لهم لما روت عائشة رضي الله
عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يخرج إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا
إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روى أبو هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله زوارات القبور "} *
{الشرح} حديث أبي هريرة الأول رواه مسلم في صحيحه ولم يقع هذا الحديث في رواية
عبد الغافر الفارسي لصحيح مسلم وهو موجود لغيره من الرواة عن الجلودي وأخرجه البيهقي
في السنن وعزاه إلى صحيح مسلم (وأما) حديث عائشة فرواه مسلم في صحيحه (وأما) حديث
أبي هريرة الأخير فرواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وكذلك رواه غيره ورواه أبو داود
في سننه من رواية ابن عباس رضي الله عنهما والبقيع بالباء الموحدة والغرقد شجر معروف قال
309

الهروي هو من العضاه وهي كل شجر له شوك وقال غيره هو العوسج قالوا وسمي بقيع الغرقد
لشجرات غرقد كانت به قديما وبقيع الغرقد هو مدفن أهل المدينة (وقوله) السلام عليكم دار فدار
منصوب قال صاحب المطالع هو منصوب على الاختصاص أو على النداء المضاف والأول أفصح
قال ويصح الجر على البدل من الكاف والميم في عليكم والمزاد بالدار على هذا الوجه الأخير
الجماعة أو أهل الدار وعلى الأول مثله أو المنزل وقوله صلى الله عليه وسلم وإنا إن شاء الله بكم لاحقون
فيه أقوال (أحدها) انه ليس على وجه الاستثناء الذي يدخل الكلام لشك وارتياب بل على عادة
المتكلم لتحسين الكلام حكاه الخطابي رحمه الله (الثاني) هو استثناء على بابه وهو راجع إلى
التخوف في هذا المكان والصحيح انه للتبرك وامتثال قوله تعالى (ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك
غدا الا ان يشاء الله) وقيل فيه أقوال أخر تركتها لضعفها ومن أضعفها قول من قال إنه صلى الله عليه
وسلم " دخل المقبرة ومعه مؤمنون حقيقة وآخرون يظن بهم النفاق " وكان الاستثناء منصرفا إليهم
وهذا غلط لان الحديث في صحيح مسلم وغيره انه صلى الله عليه وسلم " خرج في آخر الليل إلى البقيع وحده
ورجع في وقته ولم يكن معه أحد الا عائشة رضي الله عنها كانت تنظره من بعيد ولا يعلم أنها تنظره)
فهذا تصريح بابطال هذا القول وإن كان قد حكاه الخطابي وغيره وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به وقيل إن
الاستثناء راجع إلى استصحاب الايمان وهذا غلط فاحش وكيف يصح هذا وهو صلى الله
عليه وسلم يقطع بدوام ايمانه ويستحيل بالدلالة العقلية المقررة وقوع الكفر فهذا القول وان حكاه الخطابي
وغيره باطل نبهنا عليه لئلا يغتر به وكذا أقوال أخر قيلت هي فاسدة ظاهرة الخطأ لا حاجة إلى
ارتكابها ولا ضرورة بحمد الله في الكلام إلى حمله على تأويل بعيد بل الصحيح منه ما قدمته
والله أعلم (أما) الأحكام فاتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور
وهو قول العلماء كافة نقل العبدري فيه اجماع المسلمين ودليله مع الاجماع الأحاديث الصحيحة المشهورة وكانت
زيارتها منهيا عنها أولا ثم نسخ ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم
عن زيارة القبور فزوروها " وزاد أحمد بن حنبل والنسائي في روايتهما فزوروها ولا تقولوا هجرا والهجر
الكلام الباطل وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل
فلما استقرت قواعد الاسلام وتمهدت أحكامه واستشهرت معالمه أبيح لهم الزيارة واحتاط صلى الله عليه
وسلم بقوله ولا تقولوا هجرا قال أصحابنا رحمهم الله ويستحب للزائر ان يدنو من قبر
المزور بقدر ما كان يدنوا من صاحبه لو كان حيا وزاره وأما النساء فقال المصنف وصاحب البيان
لا تجوز لهن الزيارة وهو ظاهر هذا الحديث ولكنه شاذ في المذهب والذي قطع به الجمهور انها مكروهة لهن
كراهة تنزيه وذكر الروياني في البحر وجهين (أحدهما) يكره كما قاله الجمهور (والثاني) لا يكره قال وهو الأصح
310

عندي إذا أمن الافتتان وقال صاحب المستظهري وعندي إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد
والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم قال وعليه يحمل الحديث " لعن الله زوارات القبور "
وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره إلا إن تكون عجوزا لا تشتهى
فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد وهذا الذي قاله حسن ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك
الزيارة لظاهر الحديث واختلف العلماء رحمهم الله في دخول النساء في قوله صلى الله عليه وسلم
" نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " والمختار عند أصحابنا انهن لا يدخلن في ضمن الرجال ومما يدل
ان زيارتهن ليست حراما حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر بامرأة تبكى
عند قبر فقال اتق الله واصبري " رواه البخاري ومسلم وموضع الدلالة انه صلى الله عليه وسلم
لم ينهها عن الزيارة وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كيف أقول يا رسول الله - يعنى إذا زرت القبور
قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين
وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " رواه مسلم قال أصحابنا رحمهم الله ويستحب للزائر ان يسلم
على المقابر ويدعو لمن يزوره ولجميع أهل المقبرة والأفضل أن يكون السلام والدعاء بما ثبت في
الحديث ويستحب إن يقرأ من القرآن ما تيسر ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه
الأصحاب قال الحافظ أبو موسى الأصفهاني رحمه الله في كتابه آداب زيارة القبور الزائر بالخيار
إن شاء زار قائما وان شاء قعد كما يزور الرجل أخاه في الحياة فربما جلس عنده وربما زاره قائما
أو مارا (قال) وروى القيام عند القبر من حديث أبي أمامة والحكم بن الحارث وابن عمر وانس
وعن جماعة من السلف رضي الله عنهم قال أبو موسى وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق
الزعفراني وكان من الفقهاء المحققين في كتابه في الجنائز ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله قال وعلى
هذا مضت السنة قال أبو الحسن واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات
المنكرة شرعا ينبغي تجنب فعله وينهي فاعله قال فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل
وجهه وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة قال أبو موسى وقال الفقهاء المتبحرون
الخراسانيون المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلا وجه الميت يسلم ولا يمسح
القبر ولا يقبله ولا يمسه فان ذلك عادة النصارى (قال) وما ذكروه صحيح لأنه قد صح النهى
عن تعظيم القبور ولأنه إذا لم يستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة لكونه لم يسن
مع استحباب استلام الركنين الآخرين فلان لا يستحب مس القبور أولي والله أعلم *
311

قال المصنف رحمه الله *
{ولا يجوز الجلوس على القبر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر "
ولا يدوسه من غير حاجة لان الدوس كالجلوس فإذا لم يجز الجلوس لم يجز الدوس فإن لم يكن
طريق إلى قبر من يزوره الا بالدوس جاز له لأنه موضع عذر ويكره المبيت في المقبرة لما فيها
من الوحشة} *
{الشرح} حديث أبي هريرة رواه مسلم واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على النهي
عن الجلوس على القبر للحديث المذكور لكن عبارة الشافعي في الام وجمهور الأصحاب في الطرق
كلها أنه يكره الجلوس وأرادوا به كراهة التنزيه كما هو المشهور في استعمال الفقهاء وصرح به كثيرون منهم
وقال المصنف والمحاملي في المقنع لا يجوز فيحمل أنهما أرادا التحريم كما هو الظاهر من استعمال الفقهاء
قولهم لا يجوز ويحتمل انهما أرادا كراهة التنزيه لان المكروه غير جائز عند الأصوليين وقد سبق
في المهذب مواضع مثل هذا كقوله في الاستطابة لا يجوز الاستنجاء باليمين وقد بيناها في مواضعها قال
المصنف والأصحاب رحمهم الله ووطؤه كالجلوس عليه قال أصحابنا وهكذا يكره الاتكاء عليه
قال الماوردي والجرجاني وغيرهما ويكره أيضا الاستناد إليه وأما المبيت في المقبرة فمكروه من غير ضرورة
نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب لما ذكره المصنف والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في كراهة الجلوس على القبر والاتكاء عليه والاستناد إليه * قد ذكرنا
أن ذلك مكروه عندنا وبه قال جمهور العلماء منهم النخعي والليث وأبو حنيفة واحمد وداود
وقال مالك لا يكره *
(فرع) المشهور في مذهبنا أنه لا يكره المشي في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما ممن صرح بذلك من
أصحابنا الخطابي والعبدري وآخرون ونقله العبدري عن مذهبنا ومذهب أكثر العلماء قال أحمد بن
حنبل رحمه الله يكره وقال صاحب الحاوي يخلع نعليه لحديث بشير بن معبد الصحابي المعروف
بابن الخصاصية قال " بينهما انا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر فإذا رجل يمشي في القبور
عليه نعلان فقال يا صاحب السبتتين ويحك الق سبتتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم خلعهما " رواه أبو داود والنسائي باسناد حسن * واحتج أصحابنا بحديث أنس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع
قرع نعالهم اتاه ملكان فأقعداه إلى آخر الحديث " رواه البخاري ومسلم (وأجابوا) عن الحديث
الأول بجوابين (أحدهما) وبه أجاب الخطابي انه يشبه انه كرههما المعنى فيهما لان النعال السبتية - بكسر
312

السين - هي المدبوغة بالقرظ وهي لباس أهل الترفه والتنعم فنهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فأحب
صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس أهل الخشوع (والثاني)
لعله كان فيهما نجاسة قالوا وحملنا على تأويله الجمع بين الحديثين *
313

* قال المصنف رحمه الله *
{ويكره ان يبني على القبر مسجدا لما روى أبو مرثد الغنوي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن
يصلي إليه " وقال لا تتخذوا قبري وثنا فإنما هلك بنوا إسرائيل لأنهم اتخذا قبور أنبيائهم مساجد " قال
الشافعي رحمه الله وأكره ان يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من
بعده من الناس} *
314

{الشرح} حديث أبي مرثد رواه مسلم مختصرا قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " وثبت معناه عن جماعة من الصحابة فعن أبي هريرة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري ومسلم
رحمهما الله وعن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما قالا " لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق
يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه قال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى
315

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا رواه البخاري ومسلم وأبو مرثد - بفتح الميم والثاء المثلثة
واسمه كناز - بفتح الكاف وتشديد النون - وآخره زاي ابن حصين
ويقال ابن الحصين الغنوي
- بفتح الغين المعجمة والنون - توفى بالشام سنة ثني عشرة وقيل سنة إحدى وهو ابن ست وستين
سنة وحضر هو وابنه مرثد بدرا واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على
القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث قال الشافعي والأصحاب وتكره
الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى قال الإمام أبو الحسن
316

الزعفراني رحمه الله ولا يصلي إلى قبر ولا عنده تبركا به واعظاما له للأحاديث والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله * {ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه ان يصلحوا لأهل الميت طعاما لما روى أنه لما قتل جعفر
317

ابن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم " اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم
أمر يشغلهم عنه "} *
{الشرح} الحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم من رواية
عبد الله بن جعفر قال الترمذي حديث حسن ورواه أحمد بن حنبل وابن ماجة أيضا من رواية
318

أسماء بنت عميس (وقوله) صلى الله عليه وسلم يشغلهم - بفتح الياء - وحكي ضمها وهو شاذ ضعيف
وقد وقع في المهذب يشغلهم عنه والذي في كتب الحديث يشغلهم بحذف عنه وكان قتل جعفر رضي
الله عنه في جمادى سنة ثمان من الهجرة في غزوة مؤنة وهي موضع معروف بالشام عند الكرك
واتفقت نصوص الشافعي في الام والمختصر والأصحاب على أنه يستحب لأقرباء الميت وجيرانه
ان يعملوا طعاما لأهل الميت ويكون بحيث يشبعهم في يومهم وليلتهم قال الشافعي في المختصر
وأحب لقرابة الميت وجيرانه ان يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم فإنه
سنة وفعل أهل الخير قال أصحابنا ويلح عليهم في الاكل ولو كان الميت في بلد آخر
319

يستحب لجيران أهله ان يعملوا لهم طعاما ولو قال المصنف ويستحب لأقرباء الميت وجيران أهله
لكان أحسن لدخول هذه الصورة قال أصحابنا رحمه الله ولو كان النساء ينحن لم يجز اتخاذ
طعام لهن لأنه إعانة على المعصية قال صاحب الشامل وغيره وأما اصلاح أهل الميت طعاما
وجمع الناس عليه فلم ينقل فيه شئ وهو بدعة غير مستحبة هذا كلام صاحب الشامل ويستدل
لهذا بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام
بعد دفنه من النياحة " رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة باسناد صحيح وليس في رواية ابن ماجة
بعد دفنه
(واما) الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث انس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا عقر في الاسلام " رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وفى رواية
أبى داود قال عبد الرزاق كانوا يعقرون عند القبر بقرة أوشيا *
320

(فرع) في مسائل تتعلق بكتاب الجنائز (إحداها) قال الشافعي في الام وأصحابنا يستحب
مسح رأس اليتيم ودهنه واكرامه ولا يقهر ولا ينهر (الثانية) المستحب خفض الصوت في السير
بالجنازة ومعها فلا يشتغلوا بشئ غير الفكر فيما هي لاقية وصائرة إليه وفى حاصل الحياة وإن هذا
آخرها ولابد منه وقد أفرد ابن المنذر في الاشراف والبيهقي في السنن الكبير بابا في هذه المسألة
قال ابن المنذر روينا عن قيس بن عباد - بضم العين وتخفيف الباء - قال " كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث عند القتال وعند الجنائز وعند الذكر " قال وذكر
الحسن البصري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يستحبون خفض الصوت عند الجنائز
وعند قراءة القرآن وعند القتال قال ذكره الحسن وسعيد ابن جبير والنخعي واسحق قول القائل خلف
الجنازة استغفر الله له وقال عطاء هي محدثة وقال الأوزاعي قال ابن المنذر ونحن نكره من ذلك
ما كرهوا (الثالثة) عن عبيد ابن خالد الصحابي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " موت
الفجأة أخذه أسف " وروى مرفوعا هكذا وموقوفا على عبيد ابن خالد رواه أبو داود هكذا
بالوجهين باسناد صحيح قال الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث الأسف الغضبان ومنه قوله
تعالى (فلما آسفون) وذكر المدائني أن إبراهيم الخليل وجماعة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين ماتوا فجأة قال وهو موت الصالحين وهو تخفيف على المؤمن ويحتمل أن يقال أنه لطف
ورفق باهل الاستعداد للموت المتيقظين وأما غيرهم ممن له تعلقات يحتاج إلى الايصاء والتوبة
واستحلال من بينه وبينه معاملة أو مصاحبة ونحو ذلك فالفجأة في حقه أخذه أسف وروى البيهقي
عن ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا في موت الفجأة هو راحة للمؤمن وأخذه أسف للفاجر ورواه
مرفوعا من رواية عائشة رضي الله عنها (الرابعة) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري
رضي الله عنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " رواه أبو داود باسناد صحيح الا رجلا مختلفا
في توثيقه وقد روى له البخاري في صحيحه قال الحاكم هو صحيح قال الخطابي رحمه الله
استعمل أبو سعيد رضي الله عنه الحديث على ظاهره قال وقد روى في تحسين الكفن أحاديث قال
وتأوله بعض العلماء على أن المراد بالثياب العمل فيبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو سئ
321

والعرب تقول فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيوب وبدنس الثياب
إذا كان بخلاف ذلك قال واستدل هذا القائل بقوله صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاة عراة "
فدل على أنه ليس المراد بالثياب التي هي الكفن قال وتأوله بعضهم على أن البعث غير الحشر فيجوز أن
يكون البعث مع الثياب والحشر مع العرى والحفاة (الخامسة) ثبت في الصحيحين عن عبد الرحمن
ابن عوف رضي الله عنه قال " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون إذا سمعتم به
بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " (السادسة) يستحب للمريض
ان يتعاهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ شعر شاربه رابطه وعانته واستدلوا لله بحديث خبيب بن عدي - بضم
الخاء المعجمة - رضي الله عنه " أنه لما أرادت كفار قريش قتله استعار موسي يستحد بها " رواه البخاري
رحمه الله (السابعة) عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قعد
المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة " رواه البخاري ومسلم رحمهما الله وفى رواية لمسلم عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت قال نزلت في عذاب القبر " وعن أنس
رضي الله عنه قال " قال نبي الله صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا وضع في قبره وتولي عنه أصحابه
إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا
الرجل فاما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك
الله به مقعدا في الجنة فيراهما جميعا " قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملى
عليه خضرا إلى يوم يبعثون (وأما) المنافق أو الكافر فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول
الناس فيه فيقال لا دريت ولا بليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة
يسمعها من يليه إلا الثقلين " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا قبر الميت - أو قال أحد كم - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر
وللآخر النكير فيقولان ما كنت أتقول في هذا الرجل فيقول ما كأن يقول هو عبد الله وسوله أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا فيفسح له في قبره
سبعين في سبعين ثم ينور له فيه وذكر نحو ما سبق فيه " وفى المنافق رواه الترمذي وقال حديث حسن
322

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أن أحدكم إذا مات عرض
عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا
مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة " رواه أحمد بن حنبل والنسائي والترمذي وغيرهم قال الترمذي
حديث حسن صحيح (الثامنة) ثبتت الأحاديث الصحيحة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يتعوذ من عذاب القبر وانه أمر بالتعوذ " وفى الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت " فما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلي صلاة الا تعوذ من عذاب القبر " وقد سبق بيان جملة من
هذا في الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام ومذهب أهل الحق اثبات عذاب القبر للكفار ولمن
شاء الله من العصاة وشبهوه بالنائم الذي تراه ساكنا غير حاس بشئ وهو في نعيم أو عذاب
ونكد وعن انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله
أن يسمعكم من عذاب القبر " رواه مسلم وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال " خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها " رواه البخاري
ومسلم (التاسعة) عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن أمي أفتلتت
نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفينفعها ان تصدقت عنها قال نعم " رواه البخاري ومسلم
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة في الصحيح مشهورة واجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميت
تنفعه وتصله وسنبسط الكلام فيها إن شاء الله تعالى في آخر كتاب الوصية حيث ذكر المصنف
والشافعي والأصحاب المسألة وإنما قصدت التنبيه هنا على أصل المسألة (العاشرة) عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص رضي الله عنهما قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة الا وقاه الله فتنة
القبر " رواه الترمذي وضعفه (الحادية عشرة) في موت الأطفال عن انس رضى الله عن قال " قال
رسول الله صلى الله عليه ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث الا ادخله الله
الجنة بفضل رحمته إياهم " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار الا تحلة القسم " رواه
البخاري ومسلم وتحلة القسم قوله عز وجل " وان منكم الا واردها) والمختار ان المراد به المرور على
الصراط وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " للنساء
323

ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد الا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنين فقال رسول
صلى الله عليه وسلم واثنين " رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " أتت امرأة
النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها فقالت يا رسول الله ادعوا الله له فلقد دفنت ثلاثة فقال دفنت
ثلاثة قالت نعم قال لقد احتظرت بحظار شديد من النار " رواه مسلم وعن أبي حسان قال " قلت
لأبي هريرة مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تطيب أنفسنا عن
موتانا قال قال نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبوه - فيأخذ بثوبه - أو قال بيده
فلا يتنهاها - أو قال ينتهي - حتى يدخله الله وأباه الجنة " رواه مسلم قال أهل الغريب الدعاميص جمع
دعموص كبرغوث وبراغيث قالوا وهو الدخال في الأمور ومعناه انهم سياحون في الجنة دخالون
في منازلهم لا يمنعون من موضع منها كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون الدخول على الحرم وجاءت
في الباب أحاديث كثيرة غير ما ذكرته ومنها ان موت الواحد من الأولاد حجاب من النار وكذا
السقط والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة * (1)
* (كتاب الزكاة) *
قال الإمام أبو الحسن الواحدي الزكاة تطهير للمال واصلاح له وتمييز وانماء كل ذلك قد قيل
قال والأظهر ان أصلها من الزيادة يقال زكا الزرع يزكو زكاء ممدود وكل شئ ازداد فقد زكا
قال والزكاة أيضا الصلاح وأصلها من زيادة الخير يقال رجل زكي أي زائد الخير من قوم أزكياء
324

وزكي القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير وسمي ما يخرج من المال للمساكين بايجاب الشرع
زكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه وتوفره في المعنى وتقيه الآفات هذا كلام الواحدي
(وأما) الزكاة في الشرع فقال صاحب الحاوي وآخرون هو اسم لاخذ شئ مخصوص من مال
مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة (وأعلم) ان الزكاة لفظة عربية معروفة قبل ورود
الشرع مستعملة في اشعارهم وذلك أكثر من أن يستدل له قال صاحب الحاوي وقال داود
الظاهري لا أصل لهذا الاسم في اللغة وإنما عرف بالشرع قال صاحب الحاوي وهذا القول وإن كان
فاسدا فليس الخلاف فيه مؤثرا في أحكام الزكاة *
* قال المصنف رحمه الله *
{الزكاة ركن من أركان الاسلام وفرض من فروضه والأصل فيه قوله عز وجل (وأقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة) وروى أبو هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا فأتاه رجل
فقال يا رسول الله ما الاسلام قال الاسلام ان تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة
وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان ثم ادبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ردوا على الرجل فلم يروا شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل جاء ليعلم
الناس دينهم "} *
{الشرح} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وتقدم بيان اللغات في جبريل في مواقيت الصلاة وقوله
عز وجل (وأقيموا الصلاة) قال العلماء اقامتها ادامتها والمحافظة عليها بحدودها يقال قام بالامر واقامه إذا
أنى به موفيا حقوقه قال أبو علي الفارسي أشبه من أن تفسر بيتمونها والمراد جنس الصلاة الواجبة وذكر
أصحابنا في كتب الأصول والفروع خلافا في هذه هل هي مجملة أم لا فقالوا قال أبو إسحاق المروزي وغيره من
أصحابنا هي مجملة قال البندنيجي هذا هو المذهب لان الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا
ويجب قدر مخصوص وليس في الآية بيان شئ من هذا فهي مجملة بينتها السنة الا أنها تقتضي أصل الوجوب
وقال بعض أصحابنا ليست مجملة بل هي عامة بل كل ما تناوله اسم الزكاة فالآية تقتضي وجوبه والزيادة
عليه تعرف بالسنة قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون من أصحابنا فائدة الخلاف انا إذا قلنا مجملة
فهي حجة في أصل وجوب الزكاة ولا يحتج بها في مسائل الخلاف وان قلنا ليست مجملة كانت حجة في
صل وجوب الزكاة وفى مسائل الخلاف تعلقا بعمومها والله أعلم (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم " وتقيم
325

الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة " فخالف بين اللفظين لقول الله تعالى (ان الصلاة كانت على المؤمنين)
وثبت في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بالمكتوبة لحديث " خمس صلوات كتبهن الله " وحديث
" أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " وسمي الزكاة مفروضة لأنها مقدرة ولأنها تحتاج
إلى تقدير الواجب ولهذا سمي ما يخرج في الزكاة فرائض وفى الصحيحين " فرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم صدقة الفطر " وفى صحيح البخاري في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه فريضة
الصدقة وقيل غاير بين اللفظين لئلا يتكرر اللفظ والفصاحة والبلاغة تمنع تكريره والله أعلم. (وأما)
قول المصنف الزكاة ركن وفرض فتوكيد وبيان لكونه يصح تسمية الزكاة ركنا وفرضا وقد استعمل
المصنف مثل هذه العبارة في الصوم والحج والله أعلم * واما حكم المسألة فالزكاة فرض وركن باجماع
المسلمين وتظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على ذلك والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا تجب الزكاة إلا على حر مسلم فاما المكاتب والعبد إذا ملكه المولي مالا فلا زكاة عليه
لأنه لا يملك في قوله الجديد ويملك في قوله القديم إلا أنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة ولهذا لا تجب
عليه نفقة الأقارب ولا يعتق أبوه إذا اشتراه فلم تجب عليه الزكاة وفيمن نصفه جر ونصفه عبد وجهان
(أحدهما) لا تجب عليه الزكاة لأنه ناقص بالرق فهو كالعبد القن (والثاني) أنها تجب فيما ملكه بنصفه
الحر لأنه يملك بنصفه الحر ملكا تاما فوجب عليه الزكاة كالحر} *
{الشرح} قوله ولا تجب الزكاة الا على حر مسلم ولم يقل تام الملك كما قاله في التنبيه وهذا
الذي قاله هنا حسن لان مقصوده في هذا الفصل بيان صفة الشخص الذي تجب عليه الزكاة وكونه
تام الملك صفة للمال فأخره ثم ذكر في أول الذي يلي هذا في فصل صفات المال وهذا ترتيب حسن
(أما) وجوب الزكاة على الحر المسلم فظاهر لعموم الكتاب والسنة والاجماع فيمن سوى الصبي
والمجنون ومذهبنا وجوبها في مال الصبي والمجنون وسنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى (وأما) المكاتب
فلا زكاة عليه لا في عشر زرعه ولا في ماشيته وسائر أمواله ولا خلاف في شئ من هذا عندنا ولا يجب
عليه زكاة الفطر أيضا وفيها وجه ضعيف ذكره المصنف في باب زكاة الفطر والمذهب أنها لا تجب
عليه ودليل الجميع ضعف ملكه قال أصحابنا فان عتق المكاتب والمال في يده استأنف له الحول من
حين العتق وإن عجز فصار المال للسيد ابتدأ الحول من حينئذ (واما) العبد القن والمدبر والمستولدة
326

إذا ملكهم المولي مالا فان قلنا بالجديد الصحيح انه لا يملك بالتمليك وجب على السيد زكاة ما ملك
ولا أثر للتمليك لأنه باطل وان قلنا بالقديم انه يملك لم يلزم العبد زكاته لما ذكره المصنف وهل يلزم السيد
زكاة هذا المال فيه طريقان (الصحيح) منهما وهو المشهور وبه قطع كثيرون لا يلزمه لأنه لا يملكه (والطريق
الثاني) حكاه الماوردي وامام الحرمين والغزالي في البسيط وآخرون فيه وجهان (أصحهما) لا يلزمه
(والثاني) يلزمه لان فائدة الملك القدرة على التصرف فيه وذلك حاصل بخلاف ملك المكاتب قال
الماوردي هذا الوجه غلط لان للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده ومع هذا تلزمه زكاته (قلت) أما الفرق
ظاهر لان ملك الولد تام ويجب فيه الزكاة بخلاف العبد والله أعلم (وأما) من بعضه حر وبعضه رقيق
ففيه وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما واختلفوا في أصحهما فقال العراقيون (الصحيح) أنه لا تجب
الزكاة وبهذا قطع أكثر العراقيين أو كثير منهم وجماعة من الخراسانيين ممن قطع به القاضي أبو الطيب
في تعليقه والمحاملي في المجموع وابن الصباغ وغيرهم من العراقيين ونقله إمام الحرمين في النهاية عن
العراقيين وقطع به من الخراسانيين المتولي وصحح أكثر الخراسانيين الوجوب ممن
صححه منهم امام الحرمين والبغوي وقطع به الغزالي في كتبه واستبعد امام الحرمين قول العراقيين واحتج
بان الشافعي رضي الله عنه نص على أن من بعضه حر وبعضه رقيق يكفر كفارة الحر الموسر قال وإذا
وجبت كفارة الا حرار فالزكاة أولى لان المعتمد فيها الاسلام والملك التام وقد وجدوا حجة العراقيين
أنه في أكثر الأحكام له حكم العبيد فلا تقبل شهادته ولا ولاية له على ولده الحر ولا على مال ولده
ولا جمعة عليه ولا تنعقد به ولا حج عليه ولذلك هو كالرقيق في نكاحه وطلاقه وعدتها والحدود على
قاذفه ولا يرث ولا خيار لها إذا عتق بعضها تحت عبد ولا قصاص على الحر بقتله وعلى من هو مثله على الأصح
ولا يكون قاضيا ولا قاسما ولا مقوما وغير ذلك من الأحكام فوجب أن تلحق الزكاة بذلك (فان قيل)
جزموا بوجوب زكاة الفطر عليه فما الفرق فالجواب ما أجاب به صاحب الشامل أن زكاة الفطر
تتبعض فيجب عليه نصف صاع وعلى سيده نصفه وزكاة الأموال لا تتبعض وإنما تجب على تام والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{وأما الكافر فإن كان أصليا لم تجب عليه الزكاة لأنه حق لم يلتزمه فلا يلزمه كغرامة المتلفات
وإن كان مرتدا لم تسقط عنه كما وجب في حال الاسلام لأنه ثبت وجوبه فلم يسقط بردته كغرامة
المتلفات (وأما) في حال الردة فإنه يبنى على ملكه وفى ملكه ثلاثة أقوال (أحدها) يزول بالردة
327

فلا تجب عليه الزكاة (والثاني) لا يزول فتجب عليه الزكاة لأنه حق التزمه بالاسلام فلم يسقط
بالردة كحقوق الآدميين (والثالث) أنه موقوف فان رجع إلى الاسلام حكمنا بأنه قد زال ملكه
فلا تجب عليه الزكاة} *
{الشرح} قوله في الكافر الأصلي لا تجب عليه ليس مخالفا لقول جمهور أصحابنا وغيرهم
في الأصول ان الكفار يخاطبون بفروع الشرع وقد سبق في أول كتاب الصلاة بيان ذلك
واضحا مع فوائد تتعلق بأحكام الكفار (وأما) قوله لأنه حق لم يلتزمه فلا يلزمه كغرامة المتلفات
فقد ينكر عليه ويقال هذا دليل ناقص عن الدعوى لان مراد المصنف أن الزكاة لا تجب على
الكافر سواء كان حربيا أو ذميا وهذا لا خلاف فيه فدليل المصنف ناقص لأنه دليل لعدم
الوجوب في حق الحربي دون الذمي فان الذمي يلزمه غرامة المتلفات (والجواب) أنه أراد أن الزكاة
حق لم يلتزمه الحربي ولا الذمي فلا يلزم واحدا منهما كما لا تجب غرامة المتلفات على من لم يلتزمها
وهو الحربي وهذا جواب حسن واتفق أصحابنا مع نصوص الشافعي رحمه الله على أنه لا تجب
الزكاة على الكافر الأصلي حربيا كان أو ذميا فلا يطالب بها في كفره وإن أسلم لم يطالب بها في مدة
الكفر. وأما المرتد فان وجب عليه زكاة قبل ردته لم تسقط عنه بالردة عندنا باتفاق الأصحاب
وقال أبو حنيفة تسقط بناء على أصله أن المرتد يصير كالكافر الأصلي * دليلنا ما ذكره المصنف (وأما)
زمن الردة فهل تجب عليه فيه زكاة فيه طريقان حكاهما إمام الحرمين والرافعي وغيرهما (أحدهما)
القطع بوجوب الزكاة وبه قال ابن سريج كالنفقات والغرامات (والطريق الثاني) وهو المشهور وبه
قطع الجمهور فيه ثلاثة أقوال بناء على بقاء ملكه وزواله (أحدها) يزول ملكه فلا زكاة (والثاني) يبقي فتجب
(وأصحها) أنه موقوف ان عاد إلى الاسلام تبينا بقاءه فتجب والا فلا. وتتصور المسألة إذا بقي مرتدا
حولا ولم نعلم ثم علمنا أو علمنا ولم نقدر على قتله أو ارتد وقد بقي من الحول ساعة فلم يقتل أو لم
يسلم الا بعد الحول والله أعلم * قال أصحابنا وان قلنا لا تجب الزكاة فارتد في أثناء الحول أنقطع
الحول فإذا أسلم استأنف وإن قلنا تجب لم ينقطع قال أصحابنا وإذا أوجبناها فأخرج في حال
الردة أجزأه كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه لأنه عمل بدني فلا يصح الا ممن
يكتب له هكذا صرح به البغوي والجمهور وقال إمام الحرمين قال صاحب التقريب لو قلت إذا
ارتد لم يخرج الزكاة ما دام مرتدا لم يكن بعيدا لان الزكاة قربة محضة مفتقرة إلى النية ولا تجب
على الكافر الأصلي فتعذر أداؤها من المرتد قال صاحب التقريب على هذا إذا حكمنا بأن ملكه
328

لا يزول ومضى حول في الردة لم يخرج الزكاة أيضا لما ذكرنا فان أسلم لزمه إخراج ما وجب في
اسلامه وردته ولو قتل مرتدا وقد تعذر أداء الزكاة على هذا الاحتمال فتسقط في حكم الدنيا ولا
تسقط المعاقبة بها في الآخرة قال إمام الحرمين مما قطع به الأصحاب إخراج الزكاة لحق المساكين
عاجلا ولكن يحتمل أن يقال إذا أسلم لم يلزمه إعادة الزكاة فيه وجهان الممتنع من أداء الزكاة
إذا أخذها الامام منه قهرا ولم ينو الممتنع هذا آخر كلام الامام والمذهب انها تجزئ لما نقلناه أولا
عن الجمهور والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{وتجب في مال الصبي والمجنون لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ابتغوا في مال
اليتامى لا تأكلها الزكاة " ولان الزكاة تراد لثواب المزكى ومواساة الفقير والصبي والمجنون من أهل
الثواب ومن أهل المواساة ولهذا يجب عليهما نفقة الأقارب ويعتق عليهما الأب إذا ملكاه فوجبت
الزكاة في مالهما} *
{الشرح} هذا الحديث ضعيف رواه الترمذي والبيهقي من رواية المثنى بن الصباح عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم والمثنى بن الصباح ضعيف ورواه
الشافعي والبيهقي باسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لان يوسف
تابعي وماهك بفتح الهاء أعجمي لا ينصرف وقد أكد الشافعي رحمه الله هذا المرسل بعموم الحديث
الصحيح في إيجاب الزكاة مطلقا وبما رواه عن الصحابة في ذلك ورواه البيهقي عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه موقوفا عليه (وقال) إسناده صحيح ورواه أيضا عن علي بن مطرف وروى إيجاب
الزكاة في مال اليتيم عن ابن عمر والحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال البيهقي
فأما ما روى عن ليث بن أبي سلمى عن مجاهد عن عبد الله بن مسعود من ولي مال يتيم فليحص عليه
السنين فإذا دفع إليه ما له أخبره بما عليه من الزكاة فان شاء زكي وان شاء ترك " فقد ضعفه الشافعي من
وجهين (أحدهما) انه منقطع لان مجاهدا لم يدرك ابن مسعود (والثاني) ان ليث بن أبي سليم ضعيف
قال البيهقي ضعف أهل العلم ليثا (قال) وقد روى أيضا عن ابن عباس الا انه انفرد به ابن لهيعة
وهو ضعيف لا يحتج به (واما) رواية من روى هذا الحديث لا تأكلها الصدقة ولم يقل الزكاة فالمراد
بالصدقة الزكاة كما جاء في هذه الرواية (فان قيل) فالزكاة لا تأكل المال وإنما تأكل ما زاد على النصاب
(فالجواب) أن المراد تأكل معظم الزكاة مع النفقة واستدل أصحابنا أيضا من جهة القياس بأن
كل من وجب العشر في زرعه وجبت الزكاة في سائر أمواله كالبالغ العاقل فان أبا حنيفة رحمه
اله وافقنا على إيجاب العشر في مال الصبي والمجنون وإيجاب زكاة الفطر في مالهما وخالفنا في غير
كذا في الأصل ولعله تأكل معظمه الزكاة فليحرز
329

ذلك (واما) استدلال الحنفية بقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) والصبي
والمجنون ليسا من أهل التطهير إذ لا ذنب لهما (فالجواب) أن الغالب انها تطهير وليس ذلك
شرطا فانا اتفقنا على وجوب الفطر والعشر في مالهما وإن كان تطهيرا في أصله (واما) قوله
صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة " فالمراد رفع الاثم والوجوب ونحن نقول لا إثم عليهما
ولا تجب الزكاة عليهما بل يجب في مالهما ويطالب باخراجها وليهما كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه
ويجب على الولي دفعها (واما) قياسهم على الحج (فأجاب) امام الحرمين رحمه الله في الأساليب والأصحاب عنه
المال ليس ركنا فيه وإنما يتطرق إليه المال توصلا بخلاف الزكاة قال الامام المعتمد ان مقصود
الزكاة سد خلة الفقير من مال الأغنياء شكرا لله تعالي وتطهيرا للمال ومال الصبي قابل لأداء
النفقات والغرامات إذا ثبت هذا فالزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف ويجب
على الولي اخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفقات ونفقة الأقارب وغير ذلك من
الحقوق المتوجهة إليهما فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة اخراج
زكاة ما مضى باتفاق الأصحاب لان الحق توجه إلى مالهما لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط
ما توجه إليهما واما المال المنسوب إلى الجنين بالإرث أو غيره فإذا انفصل حيا هل تجب فيه الزكاة فيه
طريقان (المذهب) أنها لا تجب وبه قطع الجمهور لان الجنين لا يتيقن حياته ولا يوثق بها فلا يحصل
تمام الملك واستقراره فعلى هذا يبتدئ حولا من حين ينفصل (والطريق الثاني) حكاه الماوردي
في باب نية الزكاة والمتولي والشاشي وآخرون فيه وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) تجب كالصبي
قال امام الحرمين تردد فيه شيخي قال وجزم الأئمة بأنها لا تجب والله أعلم * قول المصنف الزكاة
تراد بثواب المزكي ومواساة الفقير هذان لابد منهما فبقوله ثواب المزكي يخرج الكافر وبقوله
مواساة الفقير يخرج المكاتب والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في زكاة مال المكاتب * قد ذكرنا أن مذهبنا انه لا زكاة في مال المكاتب
سواء الزرع وغيره وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف قال ابن المنذر وهو قول العلماء كافة
إلا أبا ثور فأوجبها على المكاتب في كل شئ كالحر وحكاه العبدري وغيره عن داود وقال أبو حنيفة
يجب العشر في زرعه ولا تجب الزكاة في باقي أمواله * واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم " فيما سقت
السماء العشر، وهو حديث صحيح * واحتج داود بقوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) والمكاتب
والعبد يدخلان في الخطاب على الأصح عند الأصوليين * دليلنا ضعف ملكه بخلاف الحر ولأنها
للمواساة وليس هو من أهلها وعلى أبي حنيفة أيضا بالقياس على غير العشر والآية والحديث
محمولان على الأحرار *
330

(فرع) في مذاهبهم في مال العبد * ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يملك على الصحيح وان ملك على
الضعيف فلا زكاة وبه قال جمهور العلماء وبه قال ابن عمر وجابر والزهري وقتادة ومالك وأبو حنيفة
وسائر العلماء الا ما حكاه ابن المنذر عن عطاء وأبي ثور أنهما أوجباها على العبد قال وروى أيضا
عن عمر وحكاه العبدري عن داود *
(فرع) في مذاهبهم في مال الصبي والجنون * ذكرنا أن مذهبنا وجوبها في مالهما وبه قال الجمهور وحكي
ابن المنذر وجوبها في مال الصبي عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وجابر والحسن بن علي وعائشة
وطاوس وعطاء وجابر وابن زيد ومجاهد وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري والحسن بن صالح
وابن عيينة وعبيد الله بن الحسن وأحمد واسحق وأبي عبيد وأبي ثور وسليمان بن حرب رضي الله عنه
م وقال أبو وائل وسعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي لا زكاة في مال الصبي وقال سعيد
ابن المسيب لا يزكي حتى يصلى ويصوم رمضان وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز
في ماله الزكاة لكن لا يخرجها الولي بل يحصيها فإذا بلغ الصبي أعلمه فيزكى عن نفسه وقال ابن
أبي ليلي فيما ملكه زكاة لكن ان أداها الوصي ضمن وقال ابن شبرمة لا زكاة في ذهبه وفضته وتجب
في إبله وبقره وغنمه وما ظهر من ماله زكيته وما غاب عني فلا وقال أبو حنيفة لا زكاة في ماله الا
عشر المعشرات وسبق بيان دليلنا عن الجميع والجواب عما عارضه *
* قال المصنف رحمه الله *
{ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على اخراجها لم يجزله تأخيرها لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي
توجهت المطالبة بالدفع إليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها فان أخرها وهو قادر على
أدائها ضمنها لأنه أخر ما يجب عليه مع امكان الأداء فضمنه كالوديعة ومن وجبت عليه الزكاة وامتنع
من أدائها نظرت فإن كان جاحدا لوجوبها فقد كفر وقتل بكفره كما يقتل المرتد لان وجوب
الزكاة معلوم من دين الله تعالى ضرورة فمن جحد وجوبها فقد كذب الله وكذب رسوله صلى
الله عليه وسلم فحكم بكفره وان منعها بخلا بها أخذت منه وعزر وقال في القديم تؤخذ الزكاة وشطر
ما له عقوبة لما روي بهر بن حكيم عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ومن
منعها فانا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ " والصحيح هو الأول لقوله
331

صلى الله عليه وسلم ليس في المال حق سوى الزكاة " ولأنها عبادة فلا يجب بالامتناع منها أخذ
شطر ماله كسائر العبادات وحديث بهز بن حكيم منسوخ فان ذلك حين كانت العقوبات في
الأموال ثم نسخت وان امتنع بمنعة قاتله الامام لان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل
مانعي الزكاة} *
{الشرح} حديث بهز رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وفي رواية النسائي شطر إبله ورواية
أبى داود شطر ماله كما في المهذب واسناده إلى بهز بن حكيم صحيح على شرط البخاري ومسلم
(وأما) بهز فاختلفوا فيه فقال يحيى بن معين ثقة وسئل أيضا عنه عن أبيه عن جده فقال اسناد صحيح
إذا كان دونه ثقة وقال علي بن المديني ثقة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أبو زرعة
صالح وقال الحاكم ثقة وروى البيهقي عن الشافعي رحمه الله أنه قال هذا الحديث لا يثبته أهل العلم
بالحديث ولو ثبت قلنا به هذا تصريح من الشافعي بان أهل الحديث ضعفوا هذا الحديث والله أعلم
(وأما) حديث ليس في المال حق سوى الزكاة " فضعيف جدا لا يعرف قال البيهقي في السنن الكبيرة
والذي يرويه أصحابنا في التعاليق ليس في المال حق سوى الزكاة لا أحفظ فيه اسنادا رواه ابن ماجة
لكن بسند ضعيف. (قلت) وقد روى الترمذي والبيهقي عن فاطمة بنت قيس ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ان في المال حقا سوى الزكاة " لكنه ضعيف ضعفه الترمذي والبيهقي وغيرهما
والضعف ظاهر في اسناده * واحتج البيهقي وغيره من المحققين في المسألة بحديث أبي هريرة في قصة
الاعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم " دلني على عمل إذا عملته ادخل الجنة قال تعبد الله لا تشرك
به شيئا وتقيم الصلاة وتؤدى الزكاة وتصوم رمضان قال والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا فلما
ادبر قال من أراد ان ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا " رواه البخاري ومسلم وفى معناه
أحاديث صحيحة مشهورة (واما) حديث قتال أبى بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة فرواه البخاري
ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه (وقوله) حق يجب صرفه إلى الآدمي احتراز من الحج
(وقوله) توجهت المطالبة به احتراز من الدين المؤجل (وقوله) جاحدا قال أهل اللغة الجحود هو الانكار
بعد الاعتراف (وقوله) بهز بن حكيم عن أبيه عن جده هو بهز - بفتح الباء الموحدة وبالزاي - بن حكيم
ابن معاوية بن حندة - بفتح الحاء المهملة - العشيوى وجده الراوي هو معاوية (وقوله) صلى الله عليه وسلم
عزمة - باسكان الزاي - من عزمات ربنا - بفتحها - ومعناه حق لا بد منه وفى بعض روايات البيهقي عزيمة
- بكسر الزاي - وزيادة ياء والمشهور عزمة وقوله في أول الحديث ومن منعها هكذا هو بالواو
ومن معطوف على أول الحديث فان أوله " في كل أربعين من الإبل سائمة ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا
فله اجره ومن منعها فانا آخذها وشطر ماله " وقد ذكر المصنف أوله في الفصل الرابع من الباب (قوله) امتنع
332

بمنعة - هو بفتح النون - على المشهور عند أهل اللغة وحكى جواز إسكانها والمنعة بالفتح الجماعة
المانعون ككاتب وكتبة وكافر وكفرة ونظائره ومن سكن فمعناه بقوة امتناع وقتال أبي بكر
رضي الله عنه مانعي الزكاة كان في أول خلافته سنة إحدى عشرة من الهجرة * أما الأحكام ففيها
مسائل (إحداها) أن الزكاة عندنا يجب إخراجها على الفور فإذا وجبت وتمكن من إخراجها لم
يجز تأخيرها وإن لم يتمكن فله التأخير إلى التمكن فان أخر بعد التمكن عصى وصار ضامنا فلو تلف
المال كله بعد ذلك لزمته الزكاة سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء أم قبل ذلك وهذا لا خلاف
فيه وإن تلف المال بعد الحول وقبل التمكن فلا إثم ولا ضمان عليه بلا خلاف وإن أتلفه المالك لزمه
الضمان وإن أتلفه أجنبي بني على القولين في أن التمكن شرط في الوجوب أم في الضمان وسيأتي
إيضاحها بتفريعها في آخر الباب الثاني حيث ذكرهما المصنف إن شاء الله تعالى ان قلنا شرط ى
الوجوب فلا زكاة وان قلنا شرط في الضمان وقلنا الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة وان قلنا تتعلق بالعين
انتقل حق الفقراء إلى القيمة كما إذا قتل العبد أو المرهون فإنه ينتقل حق المجني عليه والمرتهن إلى
القيمة قال أصحابنا وليس المراد بامكان الأداء مجرد إمكان الاخراج بل يشترط معه وجوب
الاخراج بثلاثة شروط (أحدها) حضور المال عنده فان غاب عنه لم يجب الاخراج من موضع
آخر بالاتفاق وان جوزنا نقل الزكاة (والثاني) أن يجد المصروف إليه وسيأتي في قسم الصدقات
أن الأموال باطنة وظاهرة فالباطنة يجوز صرف زكاتها بنفسه وبوكيله وبالسلطان والساعي فيكون
واجدا للمصروف إليه سواء وجد أهل السهمين أو السلطان أو نائبه (وأما) الظاهرة فكذلك ان قلنا بالأصح
أنه له تفريقها بنفسه والا فلا امكان حتى يجد السلطان أو نائبه ولو وجد من يجوز الصرف إليه
فأخر لطلب الأفضل بأن وجد السلطان أو نائبه فأخر ليفرق بنفسه حيث جعلناه أفضل أو أخر
لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج ففي جواز التأخير وجهان مشهوران (أصحهما) جوازه فإن لم
نجوز التأخير فأخر أثم وضمن وان جوزناه فتلف المال فهل يضمن فيه وجهان مشهوران (أصحهما)
يكون ضامنا لوجود التمكن (والثاني) لا لأنه مأذون له في التأخير قال امام الحرمين للوجهين شرطان
(أحدهما) أن يظهر استحقاق الحاضرين فان تشكك في استحقاقهم فأخر ليتروى جاز بلا خلاف
(والثاني) أن لا يستفحل ضرر الحاضرين وفاقتهم فان تضرروا بالجوع ونحوه لم يجز التأخير
للقريب وشبهه بلا خلاف قال الرافعي في هذا الشرط الثاني نظر لان اشباعهم لا يتعين على هذا
الشخص ولا من هذا المال ولا من مال الزكاة وهذا الذي قاله الرافعي باطل والصواب ما ذكره
امام الحرمين لأنه وان لم يتعين هذا المال لهؤلاء المحتاجين فرفع ضرورتهم فرض كفاية فلا يجوز
اهماله لانتظار فضيلة لو لم يعارضها شئ (الشرط الثالث) لامكان الأداء مشتغلا بمهم من أمر دينه أو دنياه
333

كصلاة واكل ونحوهما ذكره البغوي وغيره والله أعلم (المسألة الثانية) إذا امتنع من أداء الزكاة منكرا
لوجوبها فإن كان ممن يخفى عليه ذلك لكونه قريب عهد بالاسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو نحوه ذلك
لم يحكم بكفره بل يعرف وجوبها وتؤخذ منه فان جحدها بعد ذلك حكم بكفره (فان قيل) كيف
أهمل المصنف التنبيه على أنه إنما يكفر إذا نشأ مسلما بين المسلمين (فالجواب) انه لم يهمله بل نبه عليه
بقوله جاحدا لوجوبها قال أهل اللغة الجحد انكار ما اعترف به المنكر قال ابن فارس في الجمل لا يكون
الجحود الا مع علم الجاحد به والله أعلم * وإن كان ممن لا يخفي كمسلم مختلط بالمسلمين صار بجحدها
كافرا وجرت عليه أحكام المرتدين من الاستتابة والقتل وغيرهما ودليله ما ذكره المصنف وقد
سبق في أول كتاب الصلاة بيان ما يكفر بجحده وغير ذلك مما يتعلق بهذا (الثالثة) إذا منع
الزكاة بخلا بها وأخفاها مع اعترافه بوجوبها لم يكفر بلا خلاف ولا يجئ فيه الوجه السابق في
الكتاب في الممتنع من الصلاة مع اعتقاد وجوبها انه يكفر والفرق ان هناك أحاديث تقتضي
الكفر بخلاف هذا ولكن يعزر وتؤخذ منه قهرا كما إذا امتنع من دين آدمي قال الشافعي رحمه
الله في المختصر والأصحاب كلهم إنما يعزر مخفيها ومانعها إذا لم يكن له عذر في اخفائها ومنعها بأن
كان الامام عادلا يصرفها في وجوهها بعد أخذها على وجهها فإن كان عذر بأن
كان الامام جائرا بأن يأخذ فوق الواجب أو يضعها في غير مواضعها فإنها تؤخذ منه ولا يعزر لأنه
معذور وإذا منعها حيث لا عذر اخذت منه قهرا كما ذكرناه وهل يؤخذ معها نصف ماله عقوبة له
فيه طريقان (أحدهما) القطع بأنه لا يؤخذ وممن صرح بهذا الطريق القاضي أبو الطيب في تعليقه
والماوردي والمحاملي في كتبه الثلاثة والمصنف في التنبيه وآخرون وحكوا الاخذ عن مالك قيل وليس
هو مذهبه أيضا (والطريق الثاني) وهو المشهور وبه قطع المصنف هنا والأكثرون فيه قولان (الجديد)
لا يؤخذ (والقديم) يؤخذ وذكر المصنف دليلهما واتفق الأصحاب على أن الصحيح انه لا يؤخذ
وأجابوا هم والشافعي والبيهقي في معرفة السنن والآثار عن حديث بهز بن حكيم بأنه منسوخ وانه كان
حين كانت العقوبة بالمال كما ذكره المصنف وهذا الجواب ضعيف لوجهين (أحدهما) إنما ادعوه من
كون العقوبة كانت بالأموال في أول الاسلام ليس بثابت ولا معروف (والثاني) ان النسخ إنما
يصار إليه إذا علم التاريخ وليس هنا علم بذلك (والجواب) الصحيح تضعيف الحديث كما سبق عن
الشافعي رضي الله عنه وأبى حاتم والله أعلم (الرابعة) إذا منع واحد أو جمع الزكاة وامتنعوا بالقتال
وجب على الامام قتالهم لما ذكره المصنف وثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة ان الصحابة
رضي الله عنهم اختلفوا أولا في قتال مانعي الزكاة ورأي أبو بكر رضي الله عنه قتالهم واستدل
عليهم فلما ظهرت لهم الدلائل وافقوه فصار قتالهم مجمعا عليه وقد نقل المصنف في كتابه وغيره
334

من الأصوليين الاتفاق على أن الصحابة إذا اختلفوا ثم اجمعوا على أحد القولين قبل إن يستقر
الخلاف كان ذك اجماعا ومثلوه بقصة خلافهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم
اجماعهم والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في تأخير الزكاة * قد ذكرنا ان مذهبنا انها إذا وجبت الزكاة وتمكن
من اخراجها وجب الاخراج على الفور فان أخرها أثم وبه قال مالك واحمد وجمهور العلماء نقله
العبدري عن أكثرهم ونقل أصحابنا عن أبي حنيفة انها على التراخي وله التأخير قال العبدري اختلف
أصحاب أبي حنيفة فيها فقال الكرخي على الفور وقال أبو بكر الرازي على التراخي * دليلنا قوله تعالى
(وآتوا الزكاة) والامر عندهم على الفور وكذا عند بعض أصحابنا * احتجوا بأنه لم يطالب فأشبه
غير المتمكن قال الأصحاب يجب الفرق بين التمكن وعدمه كما في الصوم والصلاة *
(فرع) إذا وجبت الزكاة وتمكن من أدائها ثم مات لم تسقط بموته عندنا بل يجب اخراجها من ماله عندنا
335

وهو مذهب عطاء والحسن البصري والزهري وقتادة واحمد واسحق وأبى ثور وابن المنذر وداود
وحكي ابن المنذر عن ابن سيرين والشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان وداود بن أبي هند
وحميد الطويل وعثمان البتي وسفيان الثوري ان أوصي بها أخرجت من ماله كسائر الوصايا وإن
لم يوص لم يلزم الورثة إخراجها وحكي عن الليث والأوزاعي أنها تخرج من ماله قبل الوصايا
بحيث لا يتجاوز الثلث وقال أبو حنيفة وسائر أهل الرأي تسقط بموته ولا يلزم الورثة إخراجها
وان أخرجوها فصدقة تطوع الا أن يوصي بها فتخرج وتكون من الثلث فان وصى معها بوصايا
وضاق الثلث عنها مع الوصايا قال أبو حنيفة هي والوصايا سواء * دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم
" فدين الله أحق أن يقضى " وهو ثابت في الصحيحين * احتجوا بأنها عبادة محضة شرطها النية فسقطت
بالموت كالصلاة وأجاب أصحابنا بأنها لا تصح الوصية بالصلاة ولا تدخلها النيابة بخلاف الزكاة *
(فرع) فيمن أخفى ماله ومنع الزكاة ثم ظهر عليه * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه تؤخذ منه الزكاة
336

ولا يؤخذ شطر ماله وبه قال مالك وأبو حنيفة قال العبدري وبه قال أكثر العلماء وقال احمد
تؤخذ منه الزكاة ونصف ماله عقوبة له وهو قول قديم لنا كما سبق *
(فرع) إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه اخراج الزكاة عن جميعها سواء علم وجوب
الزكاة أم لا وسواء كان في دار الاسلام أم دار الحرب هذا مذهبنا قال ابن المنذر لو غلب أهل
البغي على بلد ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعواما ثم ظفر بهم الامام أخذ منهم زكاة الماضي في
قول مالك والشافعي وأبى ثور قال وقال أصحاب الرأي لا زكاة عليهم لما مضي وقال أصحاب الرأي
لو أسلم قوم في دار الحرب وأقاموا سنين ثم خرجوا إلى دار الاسلام لا زكاة عليهم لما مضى
والله أعلم *
(فرع) قال أبو عاصم العبادي في كتابه الزيادات لو استقرت عليه زكاة ثم مرض ولا مال
فينبغي أن ينوى أنه يؤدى الزكاة ان قدر ولا يقترض وقال شاذان بن إبراهيم يقترض لان
دين الله أحق بالقضاء قال فان اقترض ودفع الزكاة ونوى الوفاء إذا تمكن فهو معذور بالاتفاق *
{باب صدقة المواشي}
* قال المصنف رحمه الله *
{تجب زكاة السوم في الإبل والبقر والغنم لان الاخبار وردت بايجاب الزكاة فيها ونحن
نذكرها في مسائلها إن شاء الله تعالى ولان الإبل والبقر والغنم تكثر منافعها ويطلب نماؤها بالكبر
والنسل فاحتمل المواساة في الزكاة ولا تجب فيما سوى ذلك من المواشي كالخيل والبغال والحمير
لما روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المسلم في عبده ولا
فرسه صدقة " ولان هذا تقتني للزينة والاستعمال لا للنماء فلم تحتمل الزكاة كالعقار والأثاث ولا
337

تجب فيما تولد بين الغنم والظباء ولا فيما تولد بين بقر الأهل وبقر الوحش لأنه لا يدخل في اطلاق
اسم البقر والغنم فلا فيه زكاة الغنم والبقر}
{الشرح} حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم والفرس تقع على الذكر
والأنثى والأثاث - بفتح الهمزة وثاء مثلثة مكررة - وهو متاع البيت واحدته أثاثة قال ابن فارس
ويقال لا واحد له من لفظه وأجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم (وأما)
338

الخيل والبغال والحمير والمتولد بين الغنم والظباء فلا زكاة فيها كلها عندنا بلا خلاف وسواء
كانت الخيل إناثا أو ذكورا أو ذكورا وإناثا وسواء في المتولدين كانت الإناث
ظباء أو غنما فلا زكاة في الجميع مطلقا وهذا إذا لم تكن للتجارة فإن كانت لها وجبت زكاتها *
(فرع) في مذاهب العلماء في زكاة الخيل * مذهبنا أنه لا زكاة فيها أنه لا زكاة فيها مطلقا وحكاه ابن المنذر
عن علي بن أبي طالب وابن عمر والشعبي والنخعي وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز
والحاكم والثوري وأبى يوسف ومحمد بن الحسن واحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة وأبي بكر
ابن شيبة وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب والأوزاعي ومالك والليث وداود وقال حماد بن أبي
سليمان وأبو حنيفة يفرق فتجب الزكاة فيها إن كانت ذكورا وإناثا وإن كانت ذكورا متمحضة
فلا زكاة على المشهور وعنه رواية شاذة بالوجوب ويعتبر فيها الحول دون النصاب قال ومالكها
بالخيار إن شاء أعطي من كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر قيمتها * واحتج بما
روى أبو يوسف عن عورك الحضرمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم " أنه قال في الخيل السائمة في كل فرس دينار " * واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة المذكور هنا
وهو في الصحيح كما سبق وفى المسألة أحاديث اخر (والجواب) عن حديث جابر أنه ضعيف باتفاق
المحدثين قال الدارقطني تفرد به عورك وهو ضعيف جدا واتفقوا على تضعيف عورك
وهو مجهول *
(فرع) في مذاهبهم في المتولد بين الغنم والظباء * ذكرنا ان مذهبنا لا زكاة فيه مطلقا وبه قال
داود وقال احمد تجب سواء كانت الإناث ظباء أو غنما وقال أبو حنيفة ومالك إن كانت الإناث
غنما وجبت فيها الزكاة وإن كانت ظباء فلا * دليلنا انها لم تتمحض غنما وإنما أوجبها الشرع في الإبل
والبقر والغنم ولا يجزئ هذا الحيوان في الأضحية فكذا هنا وانا يجب الجزاء على المحرم بقتله
لتعديه وتغليبا للتحريم والاحرام مبني على التغليط واما الزكاة فعلى الخفيف ولهذا لو بيعت في
بعض الحول سقطت الزكاة وغير ذلك من التخفيفات *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا تجب فيما لا يملكه ملكا تاما كالماشية التي في يد مكاتبه لأنه لا يملك التصرف فيه
فهو كمال الأجنبي واما الماشية الموقوفة عليه فإنه ينبني على أن الملك في الموقوف إلى من ينتقل
بالوقف وفيه قولان (أحدهما) ينتقل إلى الله تعالى فلا تجب زكاته (والثاني) ينتقل إلى الموقوف عليه
وفى زكاته وجهان (أحدهما) تجب لأنه يملكه ملكا مستقرا فأشبه غير الموقوف (والثاني) لا تجب لأنه ملك
339

ضعيف بدليل أنه لا يملك التصرف في رقبته فلم تجب الزكاة فيه كالمكاتب وما في يده} *
{الشرح} قال أصحابنا إذا كانت الماشية موقوفة على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى وشبه
ذلك فلا زكاة فيها بلا خلاف لأنه ليس لها مالك معين وإن كانت موقوفة على معين سواء كان واحدا أو جماعة
فان قلنا بالأصح أن الملك في رقبة الموقوف لله تعالي فلا زكاة بلا خلاف كالوقف على جهة عامة وإن
قلنا بالضعيف أن الملك في الرقبة للموقوف عليه ففي وجوبها عليه الوجهان المذكوران في الكتاب
بدليلهما (أصحهما) لا تجب فان قلنا تجب فأخرجها من موضع آخر أجزأه فان أراد إخراجها من
نفس الموقوفة فوجهان حكاهما صاحب البيان وغيره (أصحهما) لا يجوز وبه قطع صاحب العدة لأنه
لا يملك التصرف فيها بإزالة الملك (والثاني) يجوز لأنا جعلناه كالمطلق في وجوب الزكاة على هذا
الوجه قال صاحب البيان ومقتضى المذهب انا ان قلنا تتعلق الزكاة بالعين جاز الاخراج منه
وإلا فلا والله أعلم *
(فرع) الأشجار الموقوفة من نخل وعنب قال أصحابنا إن كانت موقوفة على جهة عامة كالمساجد
والربط والمدارس والقناطر والفقراء والمساكين ونحو ذلك فلا عشر في ثمارها وإن كانت على معينين
وجب العشر في ثمارها إذا بلغت نصابا بلا خلاف ويخرجها من نفس الثمرة إن شاء لأنه يملك الثمرة
ملكا مطلقا هكذا ذكر أصحابنا المسألة في جميع طرقهم وحكى ابن المنذر في الاشراف عن الشافعي
ومالك رضي الله عنهما إيجاب العشر في الثمار الموقوفة في سبيل أو على قوم بأعيانهم وعن طاوس
ومكحول لا زكاة وعن أبي عبيد وأحمد إن كانت على جهة لم تجب وإن كانت على معين وجبت
قال ابن المنذر وبه أقول قال صاحب البيان في باب الزكاة الزرع قال الشيخ أبو نصر هذا الذي نقله
ابن المنذر عن الشافعي ليس بمعروف عنه عند أصحابنا والله أعلم * قال أصحابنا وهكذا حكم
الغلة الحاصلة في أرض موقوفة إن كانت على معينين وجبت زكاتها بلا خلاف وإن كانت على جهة
عامة لم تجب على المذهب وعلى رواية ابن المنذر تجب وفى المسألة زيادة سنعيدها إن شاء الله
تعالى في المسائل الزائدة بعد باب زكاة الزرع والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{وأما المال المغصوب والضال فلا تلزمه زكاته قبل أن يرجع إليه وان رجع إليه من غير نماء
ففيه قولان (في القديم) لا تجب لأنه خرج عن يده وتصرفه فلم تجب عليه زكاته كالمال الذي في يد
340

مكاتبه وقال (في الجديد) تجب لأنه مال يملك المطالبة به ويجبر على التسليم إليه فوجب فيه الزكاة
كالمال الذي في يد وكيله فان رجع إليه مع النماء ففيه طريقان قال أبو العباس تلزمه زكاته قولا واحدا
لان الزكاة إنما سقطت في أحد القولين لعدم النماء وقد حصل له النماء فوجب أن تجب (والصحيح)
أنه على القولين لان الزكاة لم تسقط لعدم النماء لان الذكور من الماشية لا نماء لها وتجب فيها الزكاة وإنما
سقطت لنقصان الملك بالخروج عن يده وتصرفه وبالرجوع لم يعد ما فات من اليد والتصرف وان
أسر رب المال وأحيل بينه وبين المال ففيه طريقان (من أصحابنا) من قال هو كالمغصوب لان الحيلولة
موجودة بينه وبين المال ففيه قولان (ومنهم) من قال تجب الزكاة قولا واحدا لأنه يملك بيعه ممن شاء
فكان كالمودع وان وقع الضال بيد ملتقط وعرفه حولا كاملا ولم يختر التملك وقلنا لا يملك حتى يختار
التملك على الصحيح من المذهب ففيه طريقان (من أصحابنا) من قال هو كما لو لم يقع بيد الملتقط فيكون على
قولين (ومنهم) من قال لا تجب الزكاة قولا واحدا لان ملكه غير مستقر بعد التعريف لان الملتقط يملك
باختيار التملك فصار كالمال الذي بيد المكاتب} *
{الشرح} في الفصل مسائل (إحداها) إذا ضل ماله أو غصب أو سرق وتعذر انتزاعه أو أودعه
فجحد أو وقع في بحر ففي وجوب الزكاة أربعة طرق (أصحها وأشهرها) فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد
وجوبها والقديم لا تجب (والطريق الثاني) القطع بالوجوب وهو مشهور (والثالث) إن كان عاد بنمائه
وجبت وإلا فلا (والرابع) ان عاد بنمائه وجبت والا ففيه القولان ودليل الجميع مفهوم من
كلام المصنف ولو عاد بعض النماء فهو كما لو لم يعد شئ منه ومعنى العود بلا نماء أن يتلفه الغاصب
ويتعذر تغريمه فاما ان غرم أو تلف في يده شئ كان تلف في يد الملك أيضا فهو كعود النماء بعينه
بالاتفاق صرح به امام الحرمين وآخرون ومن قطع بالوجوب وعدمه تأول النص الآخر قال
أصحابنا والخلاف إنما هو في وجوب اخراج الزكاة بعد عود المال إلى يد المالك هل يخرج عن المدة
الماضية أم لا ولا خلاف أنه لا يجب الاخراج قبل عود المال إلى يده وقد اتفق الأصحاب على التصريح
بأنه لا خلاف فيه قال أصحابنا فلو تلف المال بعد أحوال قبل عوده سقطت الزكاة على قول الوجوب
لأنه لم يتمكن والتلف قبل التمكن يسقطها (واعلم) ان الخلاف في الماشية المغصوبة هو فيما إذا كانت
سائمة في يد المالك والغاصب جميعا فان علفت في يد أحدهما ففيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى
قريبا في أول أسامة الغصب وعلفه هل يؤثر ان قال أصحابنا فان قلنا بالقديم انقطع الحول بالغصب
341

والضلال ونحوه فإذا عاد المال استأنف الحول وان قلنا بالجديد لم ينقطع قال أصحابنا فلو كان له
أربعون شاة فغصبت واحدة أو ضلت ثم عادت إلى يده فان قلنا لا زكاة في المغصوب استأنف
الحول من حين عادت سواء عادت قبل تمام الحول أم بعده وان قلنا تجب في المغصوب بنى ان وجدها
قبل انقضاء الحول وان وجدها بعده زكى الأربعين قال أصحابنا وإذا أوجبنا الزكاة في الأحوال
الماضية فشرطه ان لا ينقص المال عن النصاب بما يجب للزكاة بأن يكون في الماشية وقص أو كان
له مال آخر يفي بقدر الزكاة (اما) إذا كان المال نصابا فقط ومضت أحوال فقال الجمهور لا تجب
زكاة ما زاد على الحول الأول لان قول الوجوب هو الجديد والجديد يقول بتعلق الزكاة بالعين
فينقص النصاب من السنة الثانية فلا يجب شئ الا ان تتوالد بحيث لا ينقص النصاب هذا قول الجمهور
ومنهم من أشار إلى خلاف وهو يتخرج من الطريقة الجازمة بوجوب الزكاة في المغصوب والله أعلم
قال أصحابنا رحمهم الله ولو دفن ماله في موضع تم نسيه ثم تذكره بعد أحوال أو حول فهو كما لو ضل
فيكون على الخلاف السابق هذا هو المشهور وفيه طريق آخر جازمة بالوجوب ولا يكون النسيان
عذرا لأنه مفرط حكاه الرافعي ولا فرق عندنا بين دفنه في داره وحرزه وغير ذلك والله أعلم
(المسألة الثانية) إذا أسر رب المال وحيل بينه وبين ماشيته فطريقان ذكر المصنف دليلهما وهما مشهوران
(أصحهما) عند الأصحاب القطع بوجوب الزكاة لنفوذ تصرفه (والثاني) أنه على الخلاف في المغصوب
قال الماوردي والمحاملي وغيرهما هذا الطريق غلط قال أصحابنا وسواء كان أسيرا عند كفار أو مسلمين
(الثالثة) اللقطة في السنة الأولى باقية على ملك مالكها فلا زكاة فيها على الملتقط وفى وجوبها على
المالك الخلاف السابق في المغصوب والضال ثم إن لم يعرفها حولا فهكذا الحكم في جميع السنين
وان عرفها سنة بنى حكم الزكاة على أن الملتقط هل يملك اللقطة بمضي سنة التعريف أم باختيار التملك
أم بالتصرف وفيه خلاف معروف في بابه فان قلنا يملك بانقضائها فلا زكاة على المالك وفى وجوبها
على الملتقط وجهان وان قلنا يملك باختيار التملك وهو المذهب نظر ان لم يتملكها فهي باقية على
ملك المالك وفى وجوب الزكاة عليه طريقان (أصحهما) عند الأصحاب أنه على القولين كالسنة
الأولى (والثاني) لا زكاة قطعا لتسلط الملتقط على تملكها (وأما) إذا تملكها الملتقط فلا تجب زكاتها
على المالك لخروجها عن ملكه ولكنه يستحق قيمتها في ذمة الملتقط ففي وجوب زكاة القيمة عليه
خلاف من وجهين (أحدهما) كونها دينا (والثاني) كونها ملا ضائعا ثم الملتقط مديون بالقيمة فان
342

لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى ان الدين هل يمنع
وجوب الزكاة أم لا وان ملك غيرها شيئا يفي بالزكاة فوجهان مشهوران (الصحيح) باتفاق الأصحاب
وجوب الزكاة إذا مضي عليه حول من حين ملك اللقطة لأنه ملك مضي عليه حول في يد مالكه
(والثاني) لا تجب لضعفه لتوقع مجئ المالك قال أصحابنا هما مبنيان على أن المالك إذا ظفر
باللقطة بعد أن تملكها الملتقط هل له الرجوع في عينها أم ليس له إلا القيمة فيه وجهان مشهوران؟
فان قلنا يرجع في عينها فملك الملتقط ضعيف لعدم استقراره فلا زكاة والا وجبت أما إذا قلنا لا يملك
الملتقط الا بالتصرف فلم يتصرف كما إذا لم يتملك وقلنا لا يملك الا به والله أعلم *
(فرع) لو اشترى مالا زكويا فلم يقبضه حتى مضي حول في يد البائع فالمذهب وجوب
الزكاة على المشترى وبه قطع الجمهور لتمام الملك وقيل لا تجب قطعا لضعفه وتعرضه للانفساخ ومنع
تصرفه وقيل فيه الخلاف في المغصوب *
(فرع) لو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة وحال الحول فطريقان المذهب وبه قطع الجمهور
وجوب الزكاة لتمام الملك وقيل فيه الخلاف في المغصوب لامتناع التصرف والذي قاله الجمهور تفريع
على المذهب وهو ان الدين لا يمنع وجوب الزكاة وفيه الخلاف المذكور في الفصل بعده وإذا أوجبنا
الزكاة في المرهون فمن أين يخرجها فيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في باب زكاة الذهب والفضة *
* قال المصنف رحمه الله *
{فإن كان ماشية أو غيرها من أموال الزكاة وعليه دين يستغرقه أو ينقص المال عن النصاب
ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة فيه لان ملكه غير مستقر لأنه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء
(وقال في الجديد) تجب الزكاة فيه لان الزكاة تتعلق بالعين والدين يتعلق بالذمة فلا يمنع أحدهما
الآخر كالدين وأرش الجناية وان حجر عليه في المال ففيه ثلاث طرق (أحدها) إن كان المال ماشية
وجبت فيه الزكاة لأنه قد حصل له نماؤه وإن كان غيرها فقيل قولين كالمغصوب (والثاني) تجب
الزكاة فيه قولا واحدا لان الحجر لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على السفيه والمجنون (والثالث) وهو
الصحيح أنه على قولين كالمغصوب لأنه حيل بينه وبينه فهو كالمغصوب (وأما) قول الأول انه حصل
له النماء من الماشية فلا يصح لأنه وان حصل النماء إلا أنه ممنوع من التصرف فيه ويحول دونه وقول
الثاني لا يصح لان حجر السفيه والمجنون لا يمنع التصرف لان وليهما ينوب عنهما في التصرف
343

وحجر المفلس يمنع التصرف فافترقا} *
{الشرح} الدين هل يمنع وجوب الزكاة فيه ثلاثة أقوال (أصحها) عند الأصحاب وهو نص
الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة (والثاني) لا تجب وهو نصه في القديم وفى اختلاف
العراقيين من كتبه الجديدة وذكر المصنف دليل القولين (والثالث) حكاه الخراسانيون ان الدين
يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنية وهي الذهب والفضة وعروض التجارة ولا يمنعها في الظاهرة
وهي الزروع والثمار والمواشي والمعادن والفرق أن الظاهرة نامية بنفسها وبهذا القول قال مالك
قال أصحابنا وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا وسواء كان من جلس المال أو من غيره هذا هو
المذهب وبه قطع الجمهور وقال جماعة من الخراسانيين القولان إذا كان ماله من جنس الدين فان خالفه
وجبت قطعا وليس بشئ فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنا أو ظاهرا أم من
جنس الدين أم غيره قال أصحابنا سواء دين الادمي ودين الله عز وجل كالزكاة السابقة والكفارة
والنذر وغيرها (وأما) مسألة الحجر الذي ذكرها المصنف قال أصحابنا إذا قلنا الدين يمنع وجوب
الزكاة فأحاطت برجل ديون وحجر عليه القاضي فله ثلاثة أحوال (أحدها) يحجر ويفرق ماله بين
الفرق الغرماء فيزول ملكه ولا زكاة (والثاني) ان يعين لكل غريم شيئا من ملكه ويمكنهم من أخذه
فحال الحول قبل أخذه فالمذهب أهه لا زكاة أيضا وبه قطع الجمهور لضعف ملكه وحكى الشيخ
أبو محمد الجويني وآخرون من الخراسانيين وجها أن وجوب الزكاة فيه يخرج على الخلاف في المغصوب
لأنه حيل بينه وبينه وقال القفال يخرج على الخلاف في اللقطة في السنة الثانية لأنهم تسلطوا على
إزالة ملكه تسلط الملتقط في السنة الثانية بخلاف المغصوب والصحيح ما سبق عن الجمهور والفرق
ان تسلط الغرماء أقوى من تسلط الملتقط لأنهم أصحاب حق على المالك ولأنهم مسلطون بحكم
حاكم فكان تسليطهم مسنده ثبوت المال في ذمة المالك وهو أقوى بدليل أنهم إذا قبضوه لم يرجع
فيه المفلس بوجه ما بخلاف الملتقط فان للمالك إذا رجع ان يرجع في عين اللقطة على أحد الوجهين
(الحال الثاني) ان لا يفرق ماله ولا يعين لاحد شيئا ويحول الحول في دوام الحجر وهذه هي الصورة
التي أرادها المصنف وفى وجوب الزكاة هنا ثلاثة طرق ذكرها المصنف بدلائلها (أصحها) انه على
344

الخلاف في المغصوب (والثاني) القطع بالوجوب (والثالث) القطع بالوجوب في الماشية وفي الباقي
الخلاف كالمغصوب والله أعلم * إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر ولو قضى
عليه بالدين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم جاء الحول قبل أن يقبضه الغرماء لم يكن
عليه زكاة لأنه صار لهم دونه قبل الحول فمن الأصحاب من حمله على الحالة الأولى ومنهم من حمله
على الثانية وقال الشافعي في الحالة الثانية وللغرماء أن يأخذوا الأعيان التي عينها لهم الحاكم حيث
وجدوها فاعترض الكرخي عليه وقال أباح الشافعي لهم نهب ماله فأجاب أصحابنا عنه فقالوا
هذا الذي توهمه الكرخي خطأ منه لان الحاكم إذا عين لكل واحد عينا جاز له أخذها حيث
وجدها لأنه يأخذها بحق والله أعلم *
(فرع) قال صاحب الحاوي وآخرون من الأصحاب إذا أقر قبل الحجر بوجوب الزكاة
عليه فان صدقه الغرماء ثبتت وان كذبوه فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين وحينئذ هل تقدم الزكاة
أم يستويان فيه الأقوال الثلاثة المشهورة في اجتماع حق الله تعالى ودين الآدمي وان أقر بالزكاة
بعد الحجر ففيه القولان المشهوران في المحجور عليه إذا أقر بدين بعد الحجز هل يقبل في الحال ويزاحم به
الغرماء أم يثبت في ذمته ولا تثبت مزاحمته *
(فرع) إذا قلنا الدين يمنع الزكاة فقد ذكرنا أنه يستوي دين الله تعالى ودين الآدمي قال أصحابنا فلو
ملك نصابا من الدراهم أو الماشية أو غيرهما فنذر التصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى الحول
قبل التصدق فطريقان (أصحهما) القطع بمنع الزكاة لتعلق النذر بعين المال (والثاني) أنه على الخلاف
في الدين ولو قال جعلت هذا المال صدقة أو هذه الأغنام ضحايا أو لله علي ان أضحي بهذه الشاة
وقلنا يتعين التضحية بهذه الصيغة فالمذهب أنه لا زكاة قطعا وطرد امام الحرمين وبعضهم فيه الخلاف
قال الامام والظاهر أنه لا زكاة لان ما جعل صدقة لا تبقى فيه حقيقة ملك بخلاف الصورة السابقة فإنه
لم يتصدق وانا التزم التصدق ولو نذر التصدق بأربعين شاة أو بمأتي درهم ولم يضف إلى دراهمه
وشياهه فهذا دين نذر فان قلنا دين الآدمي لا يمنع فهذا أولي والا فوجهان (أصحهما) عند امام الحرمين
لا يمنع لان هذا الدين لا مطالبة به في الحال فهو أضعف ولان النذر يشبه التبرعات فان الناذر مخير
في ابتداء نذره فالوجوب به أضعف ولو وجب عليه الحج وتم الحول على نصاب في ملكه قال امام الحرمين
والغزالي فيه الخلاف المذكور في مسألة النذر قبله والله أعلم *
345

(فرع) إذا قلنا الدين يمنع الزكاة ففي علته وجهان (أصحهما) وأشهرهما وبه قطع كثيرون أو
الأكثرون ضعف الملك لتسلط المستحق (والثاني) أن مستحق الدين تلزمه الزكاة فلو أوجبنا على
المديون أيضا لزم منه تثنية الزكاة في المال الواحد وفرع أصحابنا الخراسانيون على العلتين مسائل
(إحداها) لو كان مستحق الدين ممن لا زكاة عليه كالذمي والمكاتب فعلى الوجه الأول لا تجب
346

وعلى الثاني تجب الزوال العلة الثانية ولو أنبتت أرضه نصابا من الحنطة وعليه مثله سلما أو
كان الدين حيوانا بأن ملك أربعين شاة سائمة وعليه أربعون سلما فعلى الأول لا تجب وعلى الثاني
تجب (الثالثة) لو ملك نصابا والدين الذي عليه دون نصاب فعلى الأول لا تجب وعلى الثاني
تجب (قال) الرافعي كذا أطلقوه ومرادهم إذا لم يملك صاحب الدين غيره من دين أو عين فلو
347

ملك ما يتم به النصاب لزمه الزكاة باعتبار هذا المال هكذا رتب هذه الصور جماعة من الأصحاب
وقطع الأكثرون فيها يما يقتضيه الأول ولو ملك مالا لا زكاة فيه كعقار وغيره وجبت الزكاة في
النصاب الزكوي على هذا القول أيضا وعلى المذهب وبه قطع كثيرون وفى وجه أنها لا تجب بناء على علة
التثنية حكاه إمام الحرمين وغيره ولو زاد المال الزكوي على الدين نظر إن كان الفاضل نصابا وجبت فيه الزكاة
348

وفى الباقي القولان وإن كان دوم نصاب لم تجب على هذا القول لا في قدر الدين ولا في الفاضل *
(فرع) إذا ملك أربعين شاة فاستأجر من يرعاها فحال حولها فان استأجره بشاة معينة من الأربعين مختلطة
بباقيها وجبت شاة: على الراعي منها جزء من أربعين جزءا والباقي على المستأجر وإن كانت منفردة فلا
زكاة على واحد منهما وان استأجره بشاة في الذمة فإن كان للمستأجر مال آخر غيرها وجبت الزكاة
في الأربعين والا فعلى القولين في أن الدين هل يمنع وجوبها *
(فرع) إذا ملك نصابين زكويين كنصاب بقر ونصاب غنم وعليه دين فإن لم يكن الدين من
جنس ما يملكه قال البغوي يوزع عليهما فان خص كل واحد ما ينقص به عن النصاب فلا زكاة
في واحد منهما على قولنا الدين يمنع الزكاة (وقال) أبو القاسم الكرخي بالخاء المعجمة وابن الصباغ
349

يراعي الأغبط للمساكين كما أنه لو ملك مالا آخر غير زكوي صرفنا الدين إليه رعاية للفقراء وحكي
عن ابن سريج مثله وهو الأصح وإن كان الدين من جنس أحد المالين فان قلنا الدين يمنع الزكاة
فيما هو من غير جنسه فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحدهما وإن قلنا لا يؤثر في غير الجنس
اختص بالجنس *
350

(فرع) المال الغائب إن لم يقدر عليه لانقطاع الطريق أو انقطاع خبره فكالمغصوب وقيل
تحب الزكاة قطعا ولا يجب الاخراج بالاتفاق حتى يصل إليه وإن كان مقدورا عليه وجب إخراج
زكاته في الحال ويخرجها في بلد المال وإن أخرجها في غيره ففيه خلاف نقل الزكاة المذكورة في قسم
الصدقات هذا إذا كان المال مستقرا في بلد فإن كان سائرا لا يخرج زكاته حتى يصله فإذا وصله
زكي ما مضي بالاتفاق وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة الذهب والفضة وسنعيدها ولعله
هناك إن شاء الله تعالى *
(فرع) إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار فتم في مدة الخيار أو اصطحبا في
مدة خيار المجلس فتم فيها الحول بنى على أن ملك المبيع في مدة الخيار لمن فان قلنا قلنا للبائع فعليه
زكاته وإن قلنا للمشترى فلا زكاة على البائع ويبتدئ المشترى حولا من وقت الشراء وإن قلنا
موقوف فان تم البيع كان للمشترى والا فللبائع وحكم الحالين ما سبق هكذا ذكره الأصحاب ولم
351

يتعرضوا للبناء المذكور (قال) إمام الحرمين الا صاحب التقريب فإنه قال وجوب الزكاة على
المشترى يخرج على القولين في المغصوب بل أولي لعدم استقرار الملك وهذا إذا كان الخيار لهما
أما إذا كان للمشترى وحده وقلنا الملك له فملكه ملك زكاة بلا خلاف لكمال ملكه
وعلى قياس هذه الطريقة يجرى الخلاف في جانب البائع أيضا إذا قلنا الملك له وكان الخيار للمشترى
وقد حكي البندنيجي طريقة صاحب التقريب عن بعض الأصحاب قال أصحابنا فإن كانت
الزكاة على البائع فأخرجها من موضع آخر استقر البيع ولا خيار للمشترى وان أخرجها من عين المبيع
بطل البيع في قدرها وفى الباقي خلاف تفريق الصفقة وإن لم نبطله فللمشتري الخيار في فسخ البيع
والله أعلم *
352

(فرع) إذا أحرز الغانمون الغنيمة فينبغي للامام تعجيل قسمتها ويكره له تأخيرها من غير عذر وقد
ذكر المصنف هذا في قسم الغنيمة (قال) أصحابنا: فإذا قسم فكل من أصابه مال زكوي وهو
نصاب أو بلغ مع غيره من ملكه نصابا ابتدأ حوله من حينئذ ولو تأخرت القسمة بعذر أو بلا
عذر حتى مضي حول فهل تجب الزكاة ينظر إن لم يختاروا التمليك فلا زكاة لأنها غير مملوكة
فملكها في نهاية من الضعف يسقط بالاعراض وللامام في قسمتها أن يخص بعضهم ببعض الأنواع
أو بعض الأعيان إن اتحد النوع ولا يجوز هذا في سائر القسم الا بالتراضي وإن اختاروا التملك
ومضي حول من حين وقت الاختيار نظر إن كانت الغنيمة أصنافا فلا زكاة سواء كانت مما تجب
الزكاة في جميعها أو بعضها لان كل واحد لا يدرى ما يصيبه وكم نصيبه وإن لم تكن إلا صنف
زكوي وبلغ نصيب كل واحد نصابا فعليهم الزكاة وإن بلغ مجموع أنصبائهم نصابا ونقص نصيب
كل واحد عن نصاب وكانت ماشية وجبت الزكاة وهم خلطاء وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا
الخلطة فيه. فإن كانت أنصباؤهم ناقصة عن النصاب ولا تبلغ نصابا إلا بالخمس فلا زكاة عليهم لان
الخلطة مع أهل الخمس لا تثبت لأنه لا زكاة فيه بحال لكونه لغير معين فأشبه مال بيت المال
والمساجد والربط. هذا حكم الغنيمة على ما ذكره الجمهور من العراقيين والخراسانيين وهو المذهب
353

وفيه وجه قطع به البغوي أنه لا زكاة قبل أفراز الخمس بحال ووجه انه تجب الزكاة في حال عدم
اختيار التملك وهما شاذان مردودان. (قال) امام الحرمين والغزالي إن قلنا الغنيمة لا تملك قبل
القسمة فلا زكاة وإن قلنا تملك فثلاثة أوجه (أحدها) لا زكاة لضعف الملك (والثاني) تجب
لوجود الملك (والثالث) إن كان فيها ما ليس زكويا فلا زكاة والا وجبت والمذهب ما قدمنا عن الجمهور
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *
354

{ولا تجب الزكاة الا في السائمة من الإبل والبقر والغنم لما روى أن أبا بكر الصديق
رضي الله عنه كتب كتاب الصدقة وفيه في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها صدقة
وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإبل السائمة " في كل
أربعين بنت لبون " ولان العوامل والمعلوفة لا تقتنى للنماء فلم تجب فيها الزكاة كثياب البدن وأثاث
355

الدار وإن كان عنده سائمة فعلفها نظرت فإن كان قدرا يبقى الحيوان دونه لم يؤثر لان وجوده
كعدمه وإن كان قدرا لا يبقى الحيوان دونه سقطت الزكاة لأنه لم يوجد تكامل النماء بالسوم وإن كان
عنده نصاب من السائمة فغصبه غاصب وعلفه ففيه طريقان (أحدهما) انه كالمغصوب الذي لم يعلفه
الغاصب فيكون على قولين لان فعل الغاصب لا حكم له بدليل انه لو كان له ذهب فصاغه الغاصب
حليا لم تسقط الزكاة عنه (والثاني) أنه تسقط الزكاة قولا واحدا وهو الصحيح لأنه لم يوجد شرط
الزكاة وهو السوم في جميع الحول فصار كما لو ذبح الغاصب شيئا من النصاب ويخالف الصياغة فان
صياغة الغاصب محرمة فلم يكن لها حكم وعلفه غير محرم فثبت حكمه كعلف المالك وإن كان عنده
نصاب من المعلوفة فاسامه الغاصب ففيه طريقان (أحدهما) أنها كالسائمة المغصوبة وفيها قولان لان
السوم قد وجد في حول كامل ولم يفقد الا قصد المالك وقصده غير معتبر بدليل انه لو كان له طعام
356

فزرعه الغاصب وجب فيه الشعر وإن لم يقصد المالك إلى زراعته (والثاني) لا تجب فيه الزكاة
قولا واحدا لأنه لم يقصد إلى إسامته فلم تجب فيه الزكاة كما لو رتعت الماشية لنفسها ويخالف الطعام
فإنه لا يعتبر في زراعته القصد ولهذا لو تبدد له طعام فنبت وجب فيه العشر والسوم يعتبر فيه القصد
ولهذا لو رتعت الماشية لنفسها لم تجب فيها الزكاة} *
{الشرح} حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه رواه البخاري وهو حديث طويل يشتمل
على معظم أحكام زكاة المواشي ولفظ رواية البخاري " وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين
إلى عشرين ومائة شاة " وفى رواية لأبي داود " وفى سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة " وقد فرق
المصنف هذا الحديث في الكتاب فذكر في كل موطن قطعة منه وكذا فرقه البخاري في صحيحه
وقد سبق في مقدمة هذا الشرح أن مثل هذا التفريق جائز على المذهب الصحيح وهذا المفهوم الذي
في التقييد بالسائمة حجة عندنا. والسائمة هي التي ترعي وليست معلوفة والسوم الرعي ويقال سامت
الماشية تسوم سوما وأسمتها أي أخرجتها إلى المرعي ولفظ السائمة يقع على الشاة الواحدة وعلى الشياه
الكثيرة وحديث بهز بن حكيم تقدم بيانه في آخر الباب الذي قبل هذا وكان المصنف أراد بذكر
حديث بهز بعد حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه بيان ان سائمة الإبل ورد فيها نص لان
الأول ليس فيه ذكر السوم في الإبل ثم أن البقر ملحقة بالغنم والإبل إذ لا فرق والله أعلم *
(اما)
أحكام الفصل ففيه مسائل (إحداها) لا تجب الزكاة عندنا في الماشية الا بشرط كونها سائمة فان
علفت في معظم الحول ليلا ونهارا فلا زكاة بلا خلاف وان علفت قدرا يسيرا بحيث لا يتمول ففيه
خمسة أوجه الأربعة الأولى حكاها امام الحرمين وغيره (أصحها) وبه قطع المصنف والصيدلاني
وكثيرون من الأصحاب ان علفت قدرا تعيش بدونه وجبت الزكاة وإن كان قدر الا يبقى الحيوان
دونه لم تجب. قالوا والماشية تصبر اليومين ولا تصبر الثلاثة هكذا ضبطه صاحب الشامل وآخرون
قال امام الحرمين: ولا يبعد ان يلحق الضرر البين بالهلاك على هذا الوجه (والوجه الثاني) من الخمسة
إن علفت قدرا يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق الماشية فلا زكاة وإن كان حقيرا بالنسبة إليه وجبت وقيل
357

ان هذا الوجه رجع إليه أبو إسحاق المروزي بعد أن كان يعتبر الأغلب: قال الرافعي: فسر الرفق
بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها قال ويجوز أن يقال: المراد رفق إسامتها (والوجه الثالث) لا يؤثر
العلف وتسقط به الزكاة إلا إذا زاد على نصف السنة وهو محكى عن أبي علي بن أبي هريرة تخريجا
من أحد القولين في المسقى بماء السماء والنضح على قول اعتبار الغالب وهذا مذهب احمد وقال
امام الحرمين على هذا لو استويا ففيه تردد والظاهر السقوط والمشهور الجزم بالسقوط على هذا الوجه
إذا تساويا (والرابع) كل متمول من العلف وإن قل يسقط الزكاة فان أسيمت بعده استأنف الحول
(والخامس) حكاه البندنيجي وصاحب الشامل أنه يثبت حكم العلف بان ينوى علفها ويعلفها ولو مرة
واحدة: قال الرافعي لعل الأقرب تخصيص هذا الوجه بما إذا لم يقصد بعلفه شيئا فان قصد به قطع
السوم انقطع الحول لا محالة كذا ذكره صاحب العدة أبو المكارم وغيره ولا أثر لمجرد نية العلف ولو أسيمت
في كلا مملوك فهل هي سائمة أو معلوفة فيه وجهان حكاهما صاحب البيان (أصحهما) (1)... (المسألة الثانية)
السائمة إذا كانت عاملة كالإبل التي يحمل عليها أو كانت نواضح والبقر التي يحرث عليها
ففيها وجهان (الصحيح) وبه قطع المصنف والجمهور لا زكاة فيها لما ذكره المصنف
(والثاني) تجب فيها الزكاة حكاه جماعات من الخراسانيين وقطع به الشيخ أبو محمد في كتابه مختصر
المختصر كغير العوامل لوجود السوم وكونها عاملة زيادة انتفاع لا يمنع الزكاة بل هي أولي بالوجوب
والمذهب الأولى والله أعلم (المسألة الثالثة) هل يعتبر القصد في العلف والسوم فيه وجهان مشهوران في
كتب الخراسانيين وذكرهما جماعة من العراقيين يختلف الراجح منهما باختلاف الصور المفرعة عليهما
(منها) أنها لو اعتلفت السائمة بنفسها القدر المؤثر ففي انقطاع الحول وجهان (أصحهما) وبه قطع المصنف
والأكثرون الانقطاع لفوات شرط السوم فأشبه فوات سائر شروط الزكاة فإنه لا فرق بين فوتها قصدا
أو اتفاقا ولو سامت بنفسها فطريقان (أصحهما) على الوجهين لا زكاة (والثاني) تجب (والطريق الثاني)
لا تجب قطعا وبه قطع المصنف وآخرون لعدم الفعل ولو أسامها بلا نية فالصحيح وجوب الزكاة
لظواهر الأحاديث وحصول الرفق مع فعله ولو علفها لامتناع الراعي بالثلج وقصد ردها إلى الإسامة

(1) بياض بالأصل فليحرر
358

عند الامكان فوجهان (أصحهما) ينقطع الحول لفوات الشرط (والثاني) لا كما لو لبس ثوب؟ تجارة
بغير نية القنية فإنه لا تسقط فيه الزكاة بالاتفاق (الرابعة) لو غصب سائمة فعلفها فان قلنا لا زكاة في
المغصوب فهنا أولي وإلا فثلاثة أوجه (الصحيح) عند المصنف والجمهور لا زكاة لفوات الشرط
(والثاني) تجب على المالك لان فعله كالعدم (والثالث) إن علفها بعلف من ماله وجبت وإلا فلا
ولو غصب معلوفة وأسامها فطريقان حكاهما المصنف والأصحاب (أصحهما) عند الأصحاب لا زكاة
قولا واحدا لعدم فعله فصار كما لو رتعت بنفسها (والثاني) أنه على القولين في المغصوبة كما لو غصب
حنطة وبذرها يجب العشر فيما تنبت بلا خلاف فان أوجبناها فهل تجب على الغاصب لأنها مؤنة
وجبت بفعله أم على المالك لان نفع خفة المؤنة عائد إليه فيه وجهان حكاهما البغوي وغيره فان
قلنا على المالك ففي رجوعه بها على الغاصب طريقان (أحدهما) القطع بالرجوع وبه قطع المتولي وغيره
لان وجوبها كان بفعله (وأشهرهما) على وجهين (أصحهما) الرجوع (والثاني) عدمه فان قلنا يرجع فهل
يرجع قبل اخراج الزكاة أم بعده فيه وجهان (أصحهما) بعده واستبعد الرافعي ايجاب الزكاة
على الغاصب ابتداء لكونه غير مالك قال والجاري على قياس المذهب ان الزكاة إن
أوجبت كانت على المالك ثم يغرم له الغاصب والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا تجب إلا في نصاب لان الاخبار وردت في إيجاب الزكاة في النصب على ما نذكرها في
موضعها إن شاء الله تعالى فدل على أنها لا تجب فيما دونها ولان ما دون النصاب لا يحتمل المواساة
فلم تجب فيه زكاة وإن كان عنده نصاب فهلك منها واحد أو باعه انقطع الحول فان نتج له واحد
أو رجع إليه ما باعه استأنف الحول وان نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول لان الحول
لم يخل من نصاب وان خرج بعض الحمل من الجوف ثم هلك واحد من النصاب قبل انفصال الباقي
انقطع الحول لان ما لم يخرج الجميع لا حكم له فيصير كما لو هلك واحد ثم نتج واحد} *
359

(الشرح) قوله نتج - ضم النون وكسر الثاء - ومعناه ولد واتفق الأصحاب وغيرهم من
العلماء على أن الزكاة في المواشي لا تجب؟ فيما دون نصاب ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع فيه ودليله
مع الاجماع ما ذكره المصنف. وإن نقص من النصاب واحد قبل الحول فزال ملكه عنه ببيع أو هبة
أو موت أو غير ذلك انقطع لما ذكره المصنف فان نتج له واحد أو عاد ملكه فيما زال عنه في الحال
استأنف الحول بلا خلاف وإن نتجت ثم هلكت أخرى لم ينقطع الحول لما ذكره المصنف ولو ولدت
واحدة وهلكت أخرى من النصاب في حالة واحدة لم ينقطع الحول بالاتفاق لأنه لم يخل من
نصاب ولو شك هل كان التلف والولادة في حالة واحدة أم سبق التلف لم ينقطع الحول لان
الأصل بقاء الملك وبقاء الحول صرح به صاحب البيان وغيره وكان يحتمل ان يخرج فيه خلاف
من تعارض الأصلين فان الأصل أيضا براءته من الزكاة ولو اختلف الساعي والمالك فقال المالك
هذا النتاج بعد الحول وقال الساعي قبله أو قال حصل من نفس النصاب وقال المالك بل بسبب
مستقل فالقول قول المالك لان الأصل براءته فان اتهمه السباعي حلفه وهل اليمين مستحبة أم
واجبة فيه الخلاف ذكر المصنف نظائره في قسم الصدقات وسنوضحه هناك إن شاء الله تعالى
. قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: والاعتبار في النتاج بالانفصال فلو خرج بعض الجنين
وتم الحول قبل انفصاله فلا حكم له لما ذكره المصنف *
* قال المصنف رحمه الله * {ولا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول لأنه روى ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنه
م وهو مذهب فقهاء المدينة وعلماء الأمصار ولأنه لا يتكامل نماؤه قبل الحول فلا تجب فيه
الزكاة فان باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به نصابا آخر انقطع الحول فيما باع وان مات في أثناء
الحول ففيه قولان (أحدهما) ينقطع الحول لأنه زال ملكه عنه فصار كما لو باعه (والثاني) لا ينقطع
بل يبنى الوارث على حوله لان ملك الوارث مبنى على ملك المورث ولهذا لو ابتاع شيئا معيبا فلم
يرد حتى مات قام وارثه مقامه في الرد بالعيب} *
360

{الشرح} هذا المذكور عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم صحيح عنهم رواه البيهقي
وغيره وقد روى عن علي وعائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول " وإنما لم يحتج المصنف بالحديث لأنه حديث ضعيف فاقتصر
على الآثار المفسرة قال البيهقي الاعتماد في اشتراط الحول على الآثار الصحيحة فيه عن أبي
بكر الصديق وعثمان وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم قال العبدري أموال الزكاة ضربان (أحدهما)
ما هو نماء في نفسه كالحبوب والثمار فهذا تجب الزكاة فيه لوجوده (والثاني) ما هو مرصد للنماء كالدراهم
والدنانير وعروض التجارة والماشية فهذا يعتبر فيه الحول فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول
وبه قال الفقهاء كافة قال وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما تجب الزكاة فيه يوم ملك
النصاب قال فإذا حال الحول وجبت زكاة ثانية والله أعلم * وأما قول المصنف وان باع النصاب في أثناء
الحول أو بادل به انقطع الحول فيما باع هكذا هو في كل النسخ انقطع الحول فيما باع وهو ناقص
ومراده انقطع الحول فيما باع وفيما بادل به ولا فرق بينهما بلا خلاف من أصحابنا. واتفقت نصوص
الشافعي والأصحاب على أن بقاء الماشية في ملكه حولا كاملا شرط الزكاة فلو زال الملك في لحظة
من الحول ثم عاد انقطع الحول واستأنف الحول من حين يجدد الملك ولو بادل بماشية ماشية من جنسها
أو من غيره استأنف كل واحد منهما الحول على ما أخذه من حين المبادلة وكذا لو بادل الذهب
بالذهب والفضة بالفضة استأنف الحول ان لم يكن صير فيا يبدلها للتجارة وكذا إن كان صيرفيا
على الأصح وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة التجارة وسنوضحها هناك إن شاء الله تعالى هذا؟
كله في المبادلة الصحيحة اما الفاسدة فلا ينقطع الحول سواء اتصل بالقبض أم لا لان الملك باق
فلو كانت سائمة وعلفها المشترى قال البغوي هو كعلف الغاصب وفى قطع الحول الوجهان (الأصح)
361

يقطع. قال ابن كج وعندي أنه يقطع قولا واحدا لأنه مأذون له فهو كالوكيل بخلاف الغاصب
ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشتري فهو كأسامة الغاصب (أما) إذا باع النصاب أو بادل به قبل
تمام الحول ووجد المشترى به عيبا قديما فينظر ان لم يمض عليه حول من حين الشراء فله الرد
بالعيب فإذا رد استأنف المردود عليه الحول من حين الرد سواء رد قبل القبض أم بعده وإن مضي
حول من حين الشراء ووجبت فيه الزكاة نظر إن لم يخرجها بعد فليس له الرد سواء قلنا الزكاة
تتعلق بالعين أو بالذمة لان للساعي أن يأخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشترى وهذا
عيب حادث يمنع الرد ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أداء الزكاة لأنه غير متمكن منه قبله وإنما
يبطل الرد بالتأخير مع التمكن من الرد. قال أصحابنا ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة
والماشية التي تجب زكاتها من غير جنسها وهي الإبل ما لم تبلغ خمسة وعشرين وبين سائر الأموال
وفى كلام ابن الحداد تجويز الرد قبل إخراج الزكاة وغلطوه فيه قال الرافعي. وأثبته الأصحاب
وجها وإن أخرج الزكاة نظر إن أخرجها من موضع آخر بني جواز الرد على أن الزكاة تتعلق بالعين
أم بالذمة فان قلنا بالذمة والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشتراه ثم انفك الرهن ووجد به
عيبا. وان قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين والمساكين شركاء فهل له الرد فيه طريقان (أحدهما)
وهو الصحيح عند الشيخ أبي على السنجي وقطع به كثير من الخراسانيين له الرد (والثاني) وبه
قطع العراقيون والصيدلاني وغيره من الخراسانيين أنه على وجهين (أصحهما) له الرد وهما كما لو
اشترى شيئا وباعه وهو جاهل بعيبه ثم اشتراه أو ورثه هل له رده وسيأتي فيه خلاف في كتاب
البيوع إن شاء الله تعالى. وحكى الرافعي وجها أنه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا لان
ما أخرجه من الزكاة قد يظهر مستحقا فيأخذ الساعي من نفس النصاب. قال ومنهم من خص
الوجه بقدر الزكاة وجعل الزائد على قولي تفريق الصفقة وهذا الوجه شاذ ضعيف. وان أخرج
362

الزكاة من نفس المال فإن كان الواجب من جنس المال أو من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة
فهل له الرد. فيه ثلاثة أقوال (أحدها) وهو المنصوص في الزكاة ليس له الرد وهذا إذا لم نجوز
تفريق الصفقة وعلى هذا هل يرجع بالأرش فيه وجهان (أحدهما) لا يرجع إن كان المخرج في يد
المساكين لأنه قد يعود إلى ملكه فيرد الجميع وإن كان تالفا رجع به (والثاني) يرجع مطلقا وهو
الأصح وظاهر النص لان نقصانه كعيب حدث ولو حدث عيب رجع بالأرش ولم ينتظر زوال
العيب (والقول الثاني) يرد الباقي بحصته من الثمن وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة (والقول
الثالث) يرد الباقي وقيمة المخرج في الزكاة ويسترد كل الثمن ليحصل به غرض الرد ولا
تتبعض الصفقة. ولو اختلفا في قيمة المخرج على هذا القول فقال البائع ديناران وقال المشترى
دينار فقولان وقيل وجهان (أحدهما) القول قول المشترى لأنه غارم (والثاني) قول البائع
لان ملكه ثابت على الثمن ولا يسترد منه إلا ما أقربه وحكم الإقالة حكم الرد بالعيب في جميع
ما ذكرناه (أما) إذا باع النصاب في أثناء الحول بشرط الخيار وفسخ البيع فان قلنا الملك في
زمن الخيار للبائع أو موقوف بنى على حوله وإن قلنا للمشترى استأنف البائع الحول بعد الفسخ
والله أعلم *
(فرع) إذا مات في أثناء الحول وانتقل المال إلى وارثه هل يبنى على الحول فيه القولان
اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران (أصحهما) باتفاقهم لا يبنى بل يستأنف حولا من حين
انتقل إليه الملك وهذا نصه في الجديد (والثاني) وهو القديم أنه يبنى على حول الميت لأنه يقوم
مقامه في الرد بالعيب وغيره * واحتجوا للجديد بأنه زال ملكه فصار كما لو باعه وفرقوا بينه وبين
الرد بالعيب بأن الرد حق للمال فانتقل إلى صاحب المال. والزكاة حق في المال وحكي... (1)
والرافعي طريقا آخر قاطعا بأنه لا يبنى وأنكروا القديم والمذهب أنه لا يبني فعلى هذا إن
كان الموروث مال تجارة لم ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة. وإن كان سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتى حال الحول فهل يلزمه الزكاة أم يبتدئ الحول من وقت علمه فيه
وجهان بناء على أن قصد السوم هل يشترط وقد سبق بيانه

(1) بياض بالأصل فليحرر
363

(فرع) لو ارتد في أثناء الحول ان قلنا يزول ملكه بالردة انقطع الحول فان أسلم استأنف
وفيه وجه أنه لا ينقطع بل يبنى كما بني الوارث على قوله حكاه (1)...
والرافعي وان قلنا لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه. وان قلنا موقوف فان هلك على
الردة تبينا الانقطاع من وقت الردة وان أسلم تبينا استمرار الملك *
(فرع) قال أصحابنا لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في أثناء الحول بين من يفعله
محتاجا إليه وبين من قصد الفرار من الزكاة ففي الصورتين ينقطع الحول بلا خلاف ولكن يكره
الفرار كراهة تنزيه وقيل حرام وليس بشئ وسنوضح المسألة إن شاء الله تعالى في باب زكاة الثمار
حيث ذكرها المصنف
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن كان عنده نصاب من الماشية ثم استفاد شيئا آخر من جنسه ببيع أو هبة فإن لم يكن المستفاد
نصابا في نفسه ولا كمل به النصاب الثاني لم يحكم له حكم لأنه لا يمكن أن يجعل تابعا للنصاب الثاني
فيجعل له قسط من فرضه لأنه لم يوجد النصاب الثاني بعد ولا يمكن أن يجعل من النصاب الذي
عنده لان ذلك انفرد بالحق ووجب فيه الفرض قبل أن يمضى الحول على المستفاد فلا يمكن أن
يجعل له قسط من فرضه فسقط حكمه وإن كان يكمل به النصاب الثاني بأن يكون عنده ثلاثون
من البقر ثم اشترى في أثناء الحول عشرة وجاء الحول على النصاب وجب فيه تبيع وإذا جاء الحول
على المستفاد وجب فيه ربع مسنة لأنه تم به نصاب السنة ولم يمكن ايجاب المسنة لان الثلاثين لم تثبت
فيها الخلطة مع العشرة في حول كامل فانفردت بحكمها ووجب فيها فرضها والعشرة ثبت لها حكم
الخلطة في حول كامل فوجب فيها بقسطها ربع مسنة وإن كان المستفاد نصابا ولا يبلغ النصاب
الثاني وذلك يكون في صدقة الغنم بأن يكون عنده أربعون شاة تم يشترى في أثناء الحول أربعين
فان الأربعين الأولى يجب فيها شاة لحولها ومع الأربعين الثانية ثلاثة أوجه (أحدها) يجب فيها
لحولها شاة لأنه نصاب منفرد بالحول فوجب فيه فرضه كالأربعين الأولى (والثاني) يجب فيها نصف شاة
لأنها لم تنفك عن خلطة الأربعين الأولى في حول كامل فوجب فيها قسطها من الفرض وهو نصف
شاة (والثالث) لا يجب شئ وهو الصحيح لأنه انفرد الأول عنه بالحول ولم يبلغ الثاني فجعل وقصا
بين نصابين فلم يتعلق به فرض} *

(1) بياض بالأصل فليحرر
364

{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله المال المستفاد في أثناء الحول بشراء أو هبة أو وقف
أو نحوها مما يستفاد لا من نفس المال لا يجمع إلى ما عنده في الحول بلا خلاف ويضم إليه في النصاب
على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور وفيه وجه انه لا يضم إليه حكاه أصحابنا عن ابن سريج كما
لا يضم في الحول والصحيح الأول وسيأتي دليله والفرق بين الضم إلى الحول والضم إلى النصاب
في أول الفرع الآتي لأبي الحسن المسلمي الدمشقي إن شاء الله تعالى * هذه جملة مسائل الفصل (وأما)
تفصيلها فقال أصحابنا إن كان المستفاد دون نصاب ولا يبلغ النصاب الثاني فلا حكم له ولا يتعلق
به فرض بلا خلاف ولا يجئ فيه القولان في الوقص ودليله ما ذكره المصنف * وإن كان دون
نصاب ويبلغ النصاب الثاني بان ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر ثم اشترى عشرة فعليه عند تمام
حول الثلاثين تبيع وعند تمام حول العشرة ربع مسنة فإذا جاء حول ثان للثلاثين لزمه لها ثلاثة
أرباع مسنة وإذا تم حول ثان للعشرة لزمه ربع مسنة وهكذا أبدا هذا هو المذهب وعلى قول
ابن سريج لا ينعقد حول العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف حول الجميع * ودليل المذهب
ما ذكره المصنف ولو ملك عشرين بعيرا ستة أشهر ثم اشترى عشرة لزمه عند تمام حول العشرين
أربع شياه وعند تمام حول العشرة ثلث بنت مخاض فإذا جاء حول ثان على العشرين ففيها ثلثا
بنت مخاض وإذا تم حول ثان على العشرة ففيها ثلث بنت مخاض وهكذا يزكى ابدا وعند ابن سريج
عليه أربع شياه عند تمام حول العشرين ولا يقول هنا لا ينعقد الحول على العشرة حتى ينفسخ حول
العشرين لان العشر من الإبل نصاب بخلاف العشر من البقر ولو كانت المسألة بحالها واشترى
خمسا فإذا تم حول العشرين فعليه أربع شياه فإذا تم حول الخمس فعليه خمس بنت مخاض وإذا تم
الحول الثاني على الأصل فأربعة أخماس بنت مخاض وعلى هذا القياس وعند ابن سريج في العشرين
أربع شياه أبدا عند تمام حولها وفى الخمس شاة أبدا وحكى جماعة من أصحابنا وجها أن الخمس لا تجرى
في الحول حتى يتم حول الأصل ثم ينعقد الحول على جميع المال وهذا الوجه طردوه في الصورة
السابقة في العشر والله أعلم. (واما) إذا كان المستفاد نصابا ولا يبلغ النصاب الثاني ولا يتصور ذلك
ألا في الغنم بأن يكون عنده أربعون شاة ثم ملك في أثناء الحول أربعين بشراء أو غيره فقد ذكر
المصنف أنه يجب في الأربعين الأولى شاة وفى الثانية أوجه (أصحها) عنده لا شئ فيها (والثاني) فيها شاة
(والثالث) نصفها وذكر أدلتها ثم قال المصنف في أواخر هذا الفصل إذا ملك أربعين في أول المحرم
365

وأربعين في أول صفر وأربعين في أول شهر ربيع ففيه قولان (قال في القديم) يجب في الجميع شاة في كل
أربعين ثلثها (وقال في الجديد) يجب في الأولى شاة عند تمام حولها وفى الثانية وجهان (أحدهما) يجب
فيها شاة عند تمام حولها (والثاني) نصف شاة: وفى الثالثة وجهان (أحدهما) يجب فيها (والثاني) ثلث
شاة هذا كلام المصنف وهو مشكل من وجهين (أحدهما) كونه جعل حكم المسألة مختلفا وليس هو
مختلف عند الأصحاب (والثاني) كونه حكي في المسألة الأولى وجهان أنه لا يجب في الأربعين المستفادة
شئ وادعى أنه الأصح وهذا الوجه غير معروف في كتب الأصحاب فضلا عن كونه الأصح وإنما
الصواب في المسألتين على ما قاله أصحابنا في طريقي العراقيين والخراسانيين أن المسألة الأولى وهي
إذا ملك أربعين ثم ملك في أثناء الحول أربعين فيها القولان القديم والجديد وهما المعروفان في باب
الخلطة أن الخلطة في بعض الحول هل تؤثر قال في القديم تؤثر وفى الجديد لا تؤثر فعلى القديم يجب
في كل أربعين نصف شاة وفى الجديد يلزمه للأربعين الأولى شاة في الحول الأول وفى الأربعين
الثانية على الجديد وجهان (أصحهما) نصف شاة (والثاني) شاة. والوجه الثالث الذي ادعي المصنف
صحته ان لا شئ فيها غريب غير معروف * (وأما) المسألة الثانية وهي إذا ملك في أول المحرم
أربعين ثم في صفر أربعين ثم في شهر ربيع أربعين (فعلى القديم) يجب في الجميع شاة في كل أربعين
ثلثها عند تمام حولها (وفى الجديد) يجب في الأربعين الأولى شاة عند كمال حولها وفى الأربعين الثانية وجهان
(أصحهما) يجب فيها عند تمام حولها نصف شاة (والثاني) شاة: وفى الأربعين الثالثة وجهان (أصحهما)
ثلث شاة (والثاني) شاة. هذا كلام الأصحاب في المسألتين (وأما) كلام المصنف فقد قال صاحب
البيان في مشكلات المذهب (إن قيل ما الفرق) بين المسألتين وهلا كان في المسألة الأولى قولان
كالثانية وهلا كان في الأربعين الثانية والثالثة في المسألة الثانية ثلاثة أوجه كالأولى (فالجواب) انه
ذكر الأولى تفريعا على الجديد الأصح (وأما) الأربعون الثانية في المسألة الثانية فلا يمتنع أن يكون
فيها أربعة أوجه (أحدها) يجب فيها ثلث شاة (والثاني) نصفها وهذان الوجهان اللذان ذكرهما
المصنف (والثالث) شاة ذكره الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما (والرابع) لا شئ فيها وهو الوجه
الذي صححه المصنف في الأربعين الثانية في المسألة الأولى لان المعنى الذي اعتمده في دليل هذا
الوجه في المسألة الأولى موجود هنا وكذا يكون في الأربعين الثالثة في المسألة الثانية ثلاثة
أوجه أحدها) شاة (والثاني) ثلثها (والثالث) لا شئ هذا كلا صاحب البيان وهذا الذي قاله
هو الظاهر *
366

(فرع) صنف الإمام أبو الحسن على ابن المسلم بن محمد بن الفتح بن علي السلمي الدمشقي
من متأخري أصحابنا جزءا في مسألة سئل عنها وهي: رجل ملك في أول المحرم بعيرا وفى اليوم
الثاني منه بعيرا وفى الثالث بعيرا وهكذا إلى أن تكامل له ثلاثمائة وستين بعيرا في ثلاثمائة وستون
يوما وأسامها كلها من حين ملك واحد منها قال وهذه المسألة تبنى على أصول للشافعي رضي الله عنه
(منها) ان المستفاد من جنس المال في أثناء الحول يضم إلى ما عنده في النصاب ولا يضم
في الحول لان الضم في الحول إما لأنه متولد من ماله فيتبعه في الحول لأنه ملك بملك الأصل وتولد
منه فيتبعه كالسخال المستولدة في أثناء الحول واما لأنه متفرع منه كربح مال التجارة والمستفاد
بملك جديد ليس مملوكا بما ملك به ما عنده ولا تفرع عنه فلم يضم إليه في الحول بخلاف الضم في
النصاب لان مقصود النصاب أن يبلغ المال حدا يحتمل المواساة وهو بكثرة المال بخلاف الحول
فان مقصوده ارفاق المالك (الأصل الثاني) أن الخلطة في بعض الحول هل تؤثر فيه قولان (القديم)
تؤثر و (الجديد) لا (الثالث) إذا ثبت لبعض المال حكم الانفراد في بعض الحول ولبعضه حكم
الخلطة في جميعه فعلى القديم يغلب حكم الخلطة في الجميع وعلى الجديد يفرد كل مال بحكمه فيجب
في الأول زكاة انفراد ثم خلطة وحكي وجه أنه لا يثبت حكم الخلطة لواحد من المالين لان الأول
لم يرتفق بخلطة الثاني فلا يرتفق الثاني بالأول (الرابع) أن المستفاد في أثناء الحول إذا كان عند المستفيد
نصاب ثلاثة أضرب (أحدها) أن يكون المستفاد دون نصاب ولا يبلغ النصاب الثاني فلا زكاة
فيه (الثاني) أن يكون دون نصاب ويتم به نصاب بأن كان له ثلاثون بقرة فاستفاد عشرا فإذا تم
حول الثلاثين وجب فيها تبيع وإذا تم حول العشر وجب فيها ربع مسنة (الثالث) أن يكون نصابا
ولا يبلغ النصاب الثاني كمن عنده أربعون شاة ثم ملك أربعين قد سبق حكمها والخلاف فيها قريبا
عدنا إلى مسألتنا فلما ملك الأبعرة الأربعة لم ينعقد الحول فلما ملك الخامس انعقد وكلما ملك بعيرا
بعده ضم إلى ما قبله في النصاب لا الحول وينعقد حوله حين ملكه فإذا جاء اليوم الخامس من
367

المحرم الآتي كمل الخمس وقد ثبت لها حكم الانفراد في بعض الحول فعلى القديم تغلب الخلطة
فيجب في الخمس ثمن بنت لبون لأنها مخالطة لثلثمائة وخمس وخمسين وواجبها تسع بنات لبون
في كل أربعين بنت لبون ففي الخمس ثمنها وعلى الجديد يجب فيها شاة تغليبا للانفراد وأما الزيادة
على الخمس ففي اليوم السادس من المحرم الآتي كمل حول البعير السادس وفى السابع السابع وفى
الثامن الثامن وفى التاسع التاسع والأربع وقص بين نصابين فظاهر المذهب أنه لا زكاة فيها لأنها
زيادة على نصاب ولم تبلغ النصاب الثاني وهي دون نصاب ولا يمكن ضمها إلى النصاب الأول لأنها
ملكت بعده ولا يبني ذلك على القولين في أن الوقص عفو أم يتعلق به الوجوب لان الوجوب
تعلق بالخمسة قبل حول الوقص فلا تجب فيه زكاة قبل حوله ولان على أحد القولين يبسط واجب
النصاب عليه وعلى الوقص ولا يجب فرض آخر قطعا فلا معنى للبناء هنا ويجئ على القديم احتمال
الوجوب في الوقص هنا على ما سنذكره ثم في اليوم العاشر ويتم به النصاب الثاني فعلى القديم يجب
فيه ثمن بنت لبون كما سبق وعلى الجديد شاة ولا أثر لخلطتها بما قبلها لان واجب كل خمس شاة مع
وجود الخلطة وعدمها ثم لا شئ في الزيادة حتى يكمل حول البعير الخامس عشر فيجب حينئذ في
الخمسة على القديم ثمن بنت لبون وعلى الجديد شاة وكذلك إلى كمال العشرين فيجب في الخمسة
الرابعة على القديم ثمن بنت لبون وعلى الجديد شاة ثم إذا كمل حول البعير الخامس والعشرين فقد
وجد نصاب بنت مخاض وقد أدى زكاة العشرين ففي الخمسة الزائدة على القديم ثمن بنت لبون
وعلى الجديد خمس بنت مخاض لأنها لم تنفك عن مخالطة العشرين التي قبلها في جميع الحول وعلى الوجه
السابق في الأصل الثالث لا يثبت للخمسة حكم الخلطة فيجب فيها شاة ثم الوقص من خمسة وعشرين إلى خمسة
وثلاثين لا زكاة فيه فإذا كمل حول السادس والثلاثين فقد وجد نصاب بنت لبون وقد زكي
خمسة وعشرين وبقى أحد عشر لم يزكها فعلى القديم تجب زكاة الخلطة لكل المال فيجب في
الأحد عشر أحد عشر جزءا من أربعين جزءا من بنت لبون وهو ربع بنت لبون وربع عشرها وعلى
الجديد وجهان (أحدهما) يجب أحد عشر جزءا من ستة وثلاثين جزءا من بنت لبون (والثاني)
يجب شاتان في العشرة الزائدة والصواب الأول ثم لا يجب شئ حتى يكمل حول البعير السادس
والأربعين فعلى القديم يجب في العشر التي فوق ستة وثلاثين ربع بنت لبون على مقتضي خلطة جملة
المال وعلى الجديد عشرة أجزاء من ستة وأربعين جزءا من حقة ولا تفريع على الوجه الثاني من
368

الجديد ثم لا شئ فيما زاد حتى يكمل حول البعير الحادي والستين وبينهما خمسة عشر بعيرا فعلى القديم
يجب فيها ثلاثة أثمان بنت لبون وعلى الجديد خمسة عشر جزءا من أحد وستين جزءا من جذعة ثم لا شئ
في الزيادة حتى يكمل حول البعير السادس والسبعين وبينهما خمسة عشر بعيرا فعلى القديم يجب فيها ثلاثة
أثمان بنت لبون وعلى الجديد خمسة عشر جزءا من ستة وسبعين جزءا من بنتي اللبون ثم لا شئ
حتى يكمل حول البعير الحادي والتسعين وبينهما خمسة عشر بعيرا فعلى القديم يجب فيها ثلاثة أثمان
بنت لبون وعلى الجديد خمسة عشر جزءا من إحدى وتسعين جزءا من حقتين ثم لا شئ حتى
يكمل حول الحادي والعشرين بعد المائة وبينهما ثلاثون فعلى القديم يجب ثلاثة أرباع بنت لبون
وعلى الجديد ثلاثون جزءا من مائة واحدى وعشرين جزءا من ثلاث بنات لبون فإذا زادت على
مائة واحدى وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة والثمانية التي بين مائة واحدى
وعشرين ومائة وثلاثين لا شئ فيها فإذا كمل حول مائة وثلاثين فواجبها حقة وبنتا لبون فعلى
القديم يجب في التسعة ثمن بنت لبون وعشرها وعلى الجديد التسعة مخالطة لمائة واحدى وعشرين
في حول كامل فيجب في التسعة تسعة أجزاء من مائة وثلاثين جزءا من حقة وبنتي لبون ثم كلما
369

كمل حول عشرة وجب بحساب ذلك القدر فعلى القديم يجب ربع بنت لبون قي كل عشرة إلى آخر
الإبل وعلى الجديد تضم العشرة إلى ما قبلها ويجب في العشرة حصتها من فرض الجميع فإذا كمل
حول مائة وأربعين ففي العشرة على القديم ربع بنت لبون وعلى الجديد واجب المائة والأربعين
حقتان وبنت لبون ففي العشرة سبع حقة ونصف سبع بنت لبون فإذا كمل حول عشرة أخرى ففي
القديم فيها ربع بنت لبون وفى الجديد خمس حقة فإذا كمل حول مائة وسبعين ففي العشرة
على القديم ربع بنت لبون وفى الجديد كذلك فاتفق القولان فإذا كمل حول مائة وستين ففي العشرة
الزائدة على القديم ربع بنت لبون وعلى الجديد جزء من سبعة عشر جزءا من حقة وثلاث بنات
لبون فإذا كمل حول مائة وثمانين ففي العشرة الزائدة على القديم ربع بنت لبون وعلى الجديد تسع
حقة وتسع بنت لبون فإذا كمل حول مائة وتسعين ففي العشرة على القديم ربع بنت لبون وعلى
الجديد جزء من تسعة عشر جزاء من ثلاث حقاق وبنت لبون فإذا كمل حول مائتين ففيها أربع
حقاق أو خمس بنات لبون فعلى المذهب يختار الساعي الأغبط للمساكين وقيل قولان (ثانيهما) تتعين الحقاق فعلى القديم واجب العشرة ربع بنت لبون وعلى الجديد إن قلنا تجب الحقاق أو كانت
الا غبط وجب خمس حقة والا فربع بنت لبون وحينئذ يتفق القولان وكلما حال حول عشرة فعلى
قياس ما ذكرناه والله أعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{وأما إذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت في أثناء الحول حتى بلغ النصاب الثاني ضمت
إلى الأمهات في الحول وعدت معها إذا تم حول الأمهات وأخرج عنها وعن الأمهات زكاة المال
الواحد لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " أعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على
يديه " وعن علي رضي الله عنه أنه قال " عد الصغار مع الكبار " ولأنه من نماء النصاب وفوائده فلم يتفرد
بالحول وان تماوتت الأمهات وبقيت الأولاد وهي نصاب لم ينقطع الحول فيها فإذا تم حول الأمهات
وجبت الزكاة فيها وقال أبو القاسم بن يسار الأنماطي إذا لم يبق نصاب من الأمهات انقطع الحول
370

لان السخال تجرى في حول الأمهات بشرط أن تكون الأمهات نصابا وقد زال هذا الشرط فوجب أن ينقطع
الحول والمذهب الأول لأنها جملة جارية في الحول هلك بعضها ولم ينقص الباقي عن النصاب فلم ينقطع
الحول كما لو بقي نصاب من الأمهات وما قاله أبو القاسم ينكسر بولد أم الولد فإنه ثبت له حق
الحرية بثبوته للام ثم يسقط حق الام بالموت ولا يسقط من حق الولد. وإن ملك رجل
في أول المحرم أربعين شاة وفى أول صفر أربعين وفى أول شهر ربيع الأول أربعين
وحال الحول على الجميع ففيه قولان (قال في القديم) تجب في الجميع شاة في كل أربعين ثلثها لان كل
واحدة من الأربعينات مخالطة للثمانين في حال الوجوب فكان حصتها ثلث شاة وقال في الجديد
تجب في الأولى شاة لأنه ثبت لها حكم الانفراد في شهر وفى الثانية وجهان (أحدهما) يجب فيها
شاة لان الأولى لم ترتفق بخلطتها فلم ترتفق هي (والثاني) انه تجب فيها نصف شاة لأنها خليطة
الأربعين من حين ملكها وفى الثالثة وجهان (أحدهما) انه تجب فيها شاة لان الأولى والثانية لم
ترتفقا بخلطتها فلم ترتفق هي (والثاني) تجب فيها ثلث شاة لأنها خليطة الثمانين من حين ملكها
فكان حصتها ثلث شاة} *
371

{الشرح} هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه رواه مالك في الموطأ والشافعي باسنادهما الصحيح
(وأما) قوله الأمهات فهي لغة قليلة والفصيح في غير الآدميات الامات بحذف الهاء وفى الآدميات
الأمهات ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر وقد أوضحته بدلائله في التهذيب * (وقوله) عد
الصغار عليهم هو - بفتح الدال وكسرها وضمها - وكذا ما أشبهه مما هو مضعف مضموم الأول كشد
ومد وقد الحبل (وقوله) ينكسر بولد أم الولد قال أهل الجدل الكسر قريب من النقض فإذا
استدل المستدل على حكم بعلة فوجدت تلك العلة في موضع آخر ولم يوجد معها ذلك الحكم قيل
372

للمستدل هذه العلة منتقضة بكذا فإن لم توجد تلك العلة ولكن معناها في موضع آخر قيل له هذه
العلة منكسرة بكذا (مثالهما) رجل له ابنان وابن ابن وهب لاحد ابنيه شيئا فقيل له لم وهبت له
فقال لأنه ابني فقيل له ينتقض عليك بابنك الآخر وينكسر بابن ابنك (وأما) الأنماطي - بفتح
الهمزة - منسوب إلى الأنماط وهي جمع نمط (1) وهو نوع من النمط والأنماطي هذا هو أبو القاسم عثمان
بن سعيد بن يسار تفقه على المزني وتفقه عليه ابن سريج ونسبه المصنف إلى جده: (قوله) اعتد
عليهم بالسخلة وهو - بفتح الدال - على الامر وهو خطاب من عمر لعامله سفيان بن عبد الله بن أبي
ربيعة الثقفي الطائفي أبي عمرو وكان عامل عمر على الطائف وهو صحابي والسخلة اسم يقع على
الذكر والأنثى من أولاد الغنم ساعة ما تضعه الشاة ضأنا كانت أو معزا والجمع سخال (وقوله) شهر
ربيع الأول هو بتنوين ربيع بالإضافة ويقال شهر ربيع الأول وشهر ربيع الاخر وشهر رمضان ولا يقال في غير
هذه الثلاثة شهر كذا وإنما يقال المحرم وصفر وجمادى ورجب وشعبان وكذا الباقي * (أما) أحكام الفصل
(فقال) أصحابنا يضم النتاج إلى الإناث في الحول وتزكى لحولها ويجعل كأنه موجود معها في جميع
الحول بشرطين (أحدهما) أن يحدث قبل تمام الحول سواء كثرت البقية من الحول أم قلت فلو
حدث بعد الحول وبعد التمكن من الأداء لم يضم إليها في الحول الأول بلا خلاف وإنما يضم
في الثاني وإن حدث بعد الحول وقبل التمكن لم يضم في الحول الماضي على المذهب وبه قطع
الجمهور وقيل في صحته قولان (أصحهما) لا يضم وهذا الطريق ذكره المصنف في الفصل الذي
بعد هذا وقطع به الماوردي والبندنيجي وآخرون (الشرط الثاني) أن يحدث النتاج بعد بلوغ
الأمات نصابا فلو ملك دون نصاب فتوالدت وبلغه ابتدأ الحول من حين بلغه وهذا لا خلاف
فيه وذا وجد الشرطان فمات بعض الأمات وبقى نصاب النتاج بحول الأمات بلا خلاف وإن
ماتت الأمات كلها أو بعضها وبقى منها دون نصاب فثلاثة أوجه (الصحيح) الذي قطع به الجمهور
من المصنفين وقال جمهور المتقدمين: يزكي النتاج بحول الأمات فإذا بلغ هو نصابا أو مع ما بقي
من الأمات زكاه (والثاني) يزكيه بحول الأمات بشرط بقاء شئ منها ولو واحدة فإن لم يبق منها
شئ فلا زكاة فيه بل يبتدأ حوله من حين وجوده (والثالث) يزكيه بحول الأمات بشرط أن
يبقى منها نصاب ولو بقي دونه فلا زكاة في الجميع من حين بلغ نصابا وهذا

(1) كذا في أصل والصواب نوع من البسط
373

الوجه حكاه غير المصنف عن الأنماطي ودليل الجميع مفهوم من الكتاب. قال أصحابنا وفائدة
ضم النتاج إلى الأمات إنما تظهر إذا بلغت به نصابا آخر بأن ملك مائة شاة فولدت إحدى وعشرين
فتضم ويجب شاتان فلو تولد عشرون فقط لم يكن فيه فائدة والله أعلم * هذا ما يتعلق بمسألة النتاج
(وأما) قوله وإن ملك رجل في أول المحرم أربعين شاة وفى أول صفر أربعين إلى آخره فسبق بيانه
قريبا والله أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء رحمهم الله في السخال المستفادة في أثناء الحول * قد ذكرنا أن
مذهبنا انها تضم إلى أمهاتها في الحول بشرط كونها متولدة من نصاب في ملكه قبل الحول. وحكى
العكبري عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهما قال لا تضم السخال إلى الأمات بحال بل حولها
من الولادة وقال أبو حنيفة تضم السخال إلى النصاب سواء كانت متولدة منه أم اشتراها وتزكي
بحوله وقال مالك إذا كان عنده عشرون من الغنم فولدت في أثناء الحول وبلغت نصابا زكى الجميع
من حين ملك الأمات وان استفاد السخال من غير الأمات لم يضم وعن أحمد رواية كما لك
ورواية كمذهبنا وقال الشعبي وداود لا زكاة في السخال تابعة ولا مستقلة ولا ينعقد عليها حول
لان اسم الشاة لا يقع عليها غالبا كذا نقلوا عنهما الاستدلال أي بالأثر * واحتج أصحابنا (1) *
* قال المصنف رحمه الله *
* {إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ولم يمكنه الأداء ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة
قبل امكان الأداء فعلى هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط الحول والنصاب وامكان الأداء
والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاته فلم تكن الزكاة واجبة فيه كما قبل الحول (وقال في
الاملاء) تجب وهو الصحيح فعلى هذا تجب الزكاة بشرطين الحول والنصاب وامكان الأداء
شرط في الضمان لا في الوجوب والدليل عليه أنه لو كانت الزكاة غير واجبة لما ضمنها بالاتلاف
كما قبل الحول فلما ضمن الزكاة بالاتلاف دل على أنها واجبة فإن كان معه خمس من الإبل هلك منها واحدة
بعد الحول وقبل امكان الأداء (فان قلنا) امكان الأداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة لأنه نقص المال
عن النصاب قبل الوجوب فصار كما لو هلك قبل الحول وان قلنا إنه ليس بشرط في الجوب وإنما
هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسه ووجب أربعة أخماسه. وإن كان عنده نصاب فتوالدت
بعد الحول وقبل إمكان الأداء ففيه طريقان (أحدهما) أنه يبني على القولين فان قلنا إمكان الأداء
374

شرط في الوجوب ضم الأولاد إلى الأمهات فإذا أمكنه الأداء زكي الجميع وان قلنا شرط في
الضمان لم يضم لأنه حصل الأولاد بعد الوجوب فمن أصحابنا من قال في المسألة قولان من غير بناء
على القولين (أحدهما) تضم الأولاد إلى ما عنده لقول عمر رضي الله عنه " أعتد عليهم بالسخلة
التي يروح بها الراعي على يديه " والسخلة التي يروح بها الراعي على يديه لا تكون الا بعد الحول
وأما ما تولد قبل الحول فإنه بعد الحول يمشي بنفسه (والثاني) وهو الصحيح لا يضم إلى ما عنده} *
* {الشرح} * حديث عمر سبق بيانه قريبا وأنه صحيح وسبق بيان حقيقة السخلة. قال
أصحابنا إذا حال الحول على النصاب فامكان الأداء شرط في الضمان بلا خلاف وهل هو شرط
في الوجوب فيه قولان مشهوران (أصحهما) باتفاق الأصحاب أنه ليس بشرط في الوجوب وإنما
هو شرط في الضمان نص عليه في الاملاء من كتبه الجديدة (والثاني) أنه شرط نص عليه في الام
والقديم وهو مذهب مالك ودليلهما في الكتاب * واحتجوا أيضا للقديم بالقياس على الصلاة والصوم
والحج فان التمكن فيها شرط لوجوبها * واحتجوا للأصح أيضا بأنه لو تأخر الا مكان مدة بعد
انقضاء الحول فان ابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الأول لا من الامكان. قال أصحابنا وهذا
لا خلاف فيه وقد سبق في أواخر الباب الأول بيان كيفية إمكان الأداء وما يتعلق به ويتفرع
عليه قال أصحابنا وقولنا إمكان الأداء شرط في الضمان معناه يضمن من الزكاة بقدر ما بقي من
النصاب فلو هلك النصاب كله بعد الحول وقبل إمكان الأداء فلا شئ على المالك بلا خلاف كما
ذكر المصنف لأنا إن قلنا الامكان شرط في الوجوب فلم يصادف وقت الوجوب مالا وان قلنا
شرط في الضمان فلم يبق شئ يضمن بقسطه فلو حال الحول على خمس من الإبل فتلف واحد قبل
الامكان فلا زكاة على التالف بلا خلاف وأما الأربعة فان قلنا الامكان شرط في الوجوب فلا
شئ فيها وإن قلنا شرط في الضمان فقط وجوب أربعة أخماس شاة ولو تلف أربعة فعلى الأول لا شئ وعلى
الثاني يجب خمس شاة ولو ملك ثلاثين بقرة فتلف خمس منها بعد الحول وقبل الامكان فعلى الأول لا شئ
عليه وعلى الثاني يجب خمس أسداس تبيع ولو تم الحول على تسع من الإبل فتلف أربعة قبل الامكان فان
قلنا التمكن شرط في الوجوب وجب شاة وان قلنا شرط في الضمان والوقص عفو فكذلك وإن قلنا يتعلق
الفرض بالجميع فالصحيح الذي قطع به الجمهور يجب خمس اتساع شاة وقال أبو إسحاق يجب شاة
كاملة وسيأتي بيان وجه أبي إسحاق هذا ودليله في أوائل الباب الذي بعد هذا في مسألة الأوقاص
375

هل هي عفو أم لان إن شاء الله تعالى. ولو كانت المسألة بحالها فتلف خمس فان قلنا الامكان
شرط الوجوب فلا شئ عليه وان قلنا شرط في الضمان والوقص عفو وجب أربعة أخماس شاة وان
قلنا ليس بعفو فأربعة اتساع شاة ولا يحبى وجه أبي إسحاق. ولو ملك ثمانين شاة فتلف بعد
الحول وقبل الامكان أربعون فان قلنا التمكن شرط في الوجوب أو الضمان والوقص عفو فعليه
شاة وان قلنا يتعلق بالجميع فنصف شاة وعلى وجه أبي إسحاق شاة كاملة ولو ملك خمسا وعشرين
بعيرا فتلف بعد الحول وقبل الامكان خمس فان قلنا الامكان شرط في الوجوب لزمه أربع شياه
والا فأربعة أخماسا بنت مخاض وأما إذا كان عنده نصاب فتوالدت بعد الحول وقبل الامكان ففيها
طريقان ذكر هما المصنف بدليلهما فيها طريق ثالث انه لا يجب شئ في المتولد قولا واحدا وقد
سبق بيان هذا كله في الفصل الذي قبل هذا والمذهب أنه لا يضم النتاج إلى الأمهات في هذا الحول
بل يبدأ حولها من حين ولادتها والله أعلم * وأما قول المصنف لو كانت الزكاة غير واجبة لما ضمنها بالاتلاف
فمعناه أن رب المال لو أتلف المال بعد الحول وقبل امكان الأداء لم تسقط عنه الزكاة بلا خلاف
لتقصيره بالاتلاف بخلاف ما إذا أتلف باقيه فإنه لا يضمن لأنه لا تقصير (وأما) إذا أتلفه غير
المالك فان قلنا التمكن شرط في الوجوب لم تجب الزكاة وان قلنا شرط في الضمان وقلنا الزكاة تتعلق
بالذمة فلا زكاة أيضا وان قلنا تتعلق بالعين انتقل حق الفقراء إلى القيمة كما لو قتل المرهون أو الجاني
(وأما) قوله التفريع فيما إذا هلك بعض النصاب قبل التمكن سقطت الزكاة فمعناه لم تجب وليس
هو سقوطا حقيقيا وهذا كثير يستعمله الأصحاب نحو هذا الاستعمال ووجهه أنه لما كان سبب
الوجوب موجودا ثم عرض مانع الوجوب صار كمسقط ما وجب فسمى سقوطا مجازا والله أعلم
376

(فرع) في مذاهب العلماء في إمكان الأداء * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه شرط في الضمان على
الأصح فان تلف المال بعده ضمن الزكاة وان تلف قبله فلا وقال أحمد يضمن في الحالين والتمكن
عنده ليس بشرط في الوجوب ولا في الضمان وقال أبو حنيفة إذا تلف بعد التمكن لم يضمن إلا أن
يطالبه الامام أو الساعي فيمنعه * ومن أصحابنا من قال لا يضمن وإن طولب وقال مالك إذا ميز
الزكاة عن ملكه وأخذها ليسلمها إلى الفقراء فتلفت في يده بلا تفريط لم يضمن وسقطت عنه
وقال داود إن تلفت بلا تعد سقطت الزكاة وإن منعها كان ضامنا بالتلف وإن تلف بعض المال
سقط من الزكاة بقسطه * دليلنا القياس على دين الآدمي *
* قال المصنف رحمه الله *
* {وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة: فيه قولان (قال في القديم) تجب في الذمة والعين
مرتهنة بها ووجهه أنها لو كانت واجبة في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها كحق المضارب
والشريك (وقال في الجديد) تجب في العين وهو الصحيح لأنه حق يتعلق بالمال يسقط بهلاكه فتعلق
بعينه كحق المضارب * (فان قلنا) أنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة فلم يؤد حتى
حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة لان الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض
فلم يجب في الحول الثاني زكاة لان الباقي دون النصاب * (وإن قلنا) تجب في الذمة وجبت في الحول
الثاني وفى كل حول لان النصاب باق على ملكه) *
* {الشرح} * قوله هل تجب الزكاة في الذمة أو في العين فيه قولان (الجديد) الصحيح في العين
(والقديم) في الذمة * هكذا ذكر المسألة أصحابنا العراقيون ووافقهم جمهور الخراسانيين على أن
الصحيح تعلقها بالعين وذكر امام الحرمين والغزالي وطائفة من الخراسانيين ترتيبا آخر في كيفية
نقل المسألة فقالوا هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة فيه قولان (فان قلنا) بالعين فقولان (أحدهما)
أن الفقراء يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة لان الواجب يتبع المال في الصفة فتؤخذ
الصحيحة من الصحاح والمريضة من المراض ولو امتنع من اخراج الزكاة أخذها الامام من
عين المال قهرا (والثاني) أنها تتعلق بالمال تعلق استيثاق لأنه لو كان مشتركا لما جاز الاخراج من
موضع آخر كالمشترك بين رجلين وعلى هذا القول في كيفية الاستيثاق قولان (أحدهما) تتعلق به
تعلق الدين بالرهن (والثاني) تعلق الأرش برقبة العبد الجاني لان الزكاة تسقط بتلف المال قبل التمكن
377

فلو قلنا تعلقها تعلق المرهون لما سقطت وحكى إمام الحرمين وغيره عن ابن سريج أنه قال لا خلاف
في تعلقها العين تعلق شركة (والثاني) تعلق الرهن (والثالث) تعلق أرش الجناية (والرابع) تتعلق بالذمة قال
صاحب التتمة وإذا قلنا تتعلق بالذمة فهل المال خلو أو هو رهن بها فيه وجهان * قال أصحابنا فان
قلنا تتعلق بالعين تعلق الرهن أو الأرش فهل تتعلق بالجميع أم بقدرها فقط فيه وجهان حكاهما
امام الحرمين وغيره (أصحهما) بقدرها قال الامام التخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور
وما عداه هفوة وتظهر فائدة الخلاف في بيع مال الزكاة هذه كله إذا كان الواجب من جنس المال
378

فإن كان من غيره كالشاة الواجبة في خمس من الإبل فطريقان حكاهما صاحب التتمة وغيره
(أحدهما) القطع بتعلقها بالذمة لتوافق الجنس (والثاني) وهو الصحيح وبه قطع الجمهور انه على الخلاف
كما لو اتحد الجنس فعلى قول الاستيثاق لا تختلف وعلى قول الشركة ثبتت الشركة بقدر قيمة الشاة
والله أعلم *
(فرع) وأما قول المصنف في توجيه القديم لان الزكاة لو وجبت في العين لم يجز أن يعطي حق
الفقراء من غيرها كحق المضارب والشريك فالمضارب - بكسر الراء ويجوز فتحها - وهو عامل
القراض وهذا الذي قاله من جواز اخراج الزكاة من غير عين المال متفق عليه (وأجاب) الأصحاب
379

للقول الجديد الصحيح عن هذا بان الزكاة مبنية على المسامحة والارفاق فيحتمل فيها ما لا يحتمل في
غيرها (وقوله) في توجيه الجديد حق تعلق بالمال فسقط بهلاكه احتراز من الرهن *
(فرع) إذا ملك أربعين شاة فحال عليها حول ولم يخرج زكاتها حتى حال عليها حول آخر
فان حدث منها في كل حول سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف وان لم يحدث فعليه شاة
عن الحول الأول (وأما) الثاني فان قلنا تجب الزكاة في الذمة وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة
وجب شاة للحول الثاني فإن لم يملك غير النصاب انبني على الدين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا
(إن قلنا) يمنع لم يجب للحول الثاني شئ (وإن قلنا) لا يمنع وجبت الشاة للحول الثاني (وإن قلنا)
380

تتعلق بالعين تعلق الشركة لم يجب للحول الثاني شئ لان الفقراء ملكوا شاة فنقص النصاب
ولا تجب زكاة الخلطة لان جهة الفقراء لا زكاة فيها فمخالطتهم لا تؤثر كمخالطة المكاتب والذمي
(وإن قلنا) تتعلق بالعين تعلق الأرش أو الرهن قال إمام الحرمين وغيره من المحققين هو كالتفريع
على قول الذمة وقال الصيدلاني هو كقول الشركة (والصحيح) قول الإمام وموافقيه قال الرافعي
لكن يجوز أن يقدر خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الساعي على المال بقدر الزكاة (وإن
قلنا) الدين لا يمنع الزكاة قال وعلى هذا التقدير يجرى الخلاف على قول الذمة أيضا ولو ملك خمسا
وعشرين بعيرا حولين ولا نتاج فان علقنا الزكاة بالذمة وقلنا الدين لا يمنعها أو كان له مال آخر يفي
بها فعليه بنتا مخاض (وإن قلنا) بالشركة فعليه للحول الأول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع
قول الرهن والأرش على قياس ما سبق * ولو ملك خمسا من الإبل حولين بلا نتاج فالحكم كما
في الصورتين السابقتين لكن سبق حكاية وجه ان قول الشركة لا يجئ إذا كان الواجب من غير
الجنس فعلى هذا يكون الحكم في هذا على الأقوال كلها كالحكم في الأولتين تفريعا على قول الذمة
والله أعلم *
(فرع) في بيع مال الزكاة * فرعه المصنف على تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة وكان حقه ان يذكره
هنا لكن المصنف ذكره في باب زكاة الثمار فاخرته إلى هناك *
* (باب صدقه الإبل) *
* قال المصنف رحمه الله *
* {أول نصاب الإبل خمس وفرضه شاة وفى عشر شاتان وفى خمس عشرة ثلاث شياه وفى عشرين
أربع شياه وفى خمس وعشرين بنت مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية وفى ست وثلاثين بنت لبون
وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة وفى ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة
وفى إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وفى ست وسبعين بنتا لبون
وفى إحدى وتسعين حقتان وفى مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون
وفي كل خمسين حقة والأصل فيه ما روى أنس رضي الله عنه ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب
381

له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض
الله عز وجل على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سألها على وجهها فليعطها
ومن سأل فوقها فلا يعطه في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا
وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر وليس
معه شئ فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين
ففيها حقة طروقة الفحل فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسبعين
إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائه ففيها حقتان طروقتا الفحل
فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة} *
* {فان زاد على عشرين ومائة أقل من واحد لم يتغير الفرض وقال أبو سعيد الإصطخري
يتغير فيجب ثلاث بنات لبون لقوله فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ولم
يفرق والمنصوص هو الأول لما روى الزهري قال " أقرأني سالم نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفيه فإذا كان إحدى وتسعين ففيها حقتان حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين
ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ولأنه وقص محدود في الشرع فلم يتغير الفرض بعده بأقل من
واحدة كسائر الأوقاص} *
* {الشرح} * مدار نصب زكاة الماشية على حديثي أنس وابن عمر رضي الله عنهم فالوجه تقديمهما
ليحال ما يأتي عليهما (فاما) حديث أنس فرواه أنس ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له هذا
الكتاب لما وجهه إلى البحرين " بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجها فليعطها ومن
سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا
وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإذا بلغت ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين
ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستة وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل فإذا بلغت
واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت سنة وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا
بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل فإذا زادت على عشرين ومائة ففي
كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة ومن لم يكن معه الا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن
يشاء بها فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة وفى صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة
شاة فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث
382

شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة الا أن يشاربها وفى الرقة ربع العشر فإن لم يكن الا تسعين ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاربها وفى هذا
الكتاب ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه
المصدق عشرين درهما أو شاتين فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل
منه وليس معه شئ ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها
تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقه الحقة وليست عنده
الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين در هما أو شاتين ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده الا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهما ومن
بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن
بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها
عشرين درهما أو شاتين ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الا ما شاء المصدق ولا يجمع
بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالتسوية "
رواه البخاري في صحيحه مفرقا في كتاب الزكاة فجمعته بحروفه (وأما) حديث ابن عمر فرواه
سفيان ابن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة
ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه فلما قبض عمل به أبو بكر حتى قبض وعمر حتى قبض
وكان فيه " في خمس من الإبل شاة وفى عشر شاتان وفى خمس عشر ثلاث شياه وفى عشرين أربع شياه
وفى خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت
383

ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة
ففي كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون وفى الشياه في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة
فإذا زادت فشاتان إلى مائتين فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة
ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ مائة ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة وما كان من
من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب وقال الزهري إذا جاء
المصدق قسم الشياه أثلاثا ثلث خيار وثلث أو ساط وثلث شرار وأخذ المصدق من الوسط "
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وهذا لفظ الترمذي وهكذا وقع في رواية الترمذي
وأكثر روايات أبو داود وغيره إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة وفى رواية لأبي
داوود فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وليس اسناد هذه الرواية
متصلا
(وأما) أسنان الإبل فهو من المهمات التي ينبغي تقديمها فلا بل - بكسر الباء ويجوز
اسكانها - وهو اسم جنس يقع على الذكور والإناث لا واحد له من لفظه والإبل مؤنثة يقال
384

أبل سائمة وكذلك البقر والغنم قال أهل اللغة يقال لولد الناقة إذا وضعته ربع - بضم الراء وفتح
الباء - والأنثى ربعة ثم هبع وهبعة - بضم الهاء وفتح الباء الموحدة - فإذ فصل عن أمه فهو فصيل والجمع
فصلان والفصال الفطام وهو في جميع السنة حوار - بضم الحاء - فإذا استكمل السنة ودخل في الثانية فهو
ابن مخاض والأنثى بنت مخاض سمي بذلك لان أمه لحقت بالمخاض وهي الحوامل ثم لزمه هذا الاسم
وان لم تحمل أمه ولا يزال ابن مخاض حتى يدخل في السنة الثالثة فإذ دخل فيها فهو ابن لبون
والأنثى بنت لبون هكذا يستعمل مضافا إلى النكرة هذا هو الا كثر وقد استعملوه قليلا مضافا
إلى المعرفة قال الشاعر * وابن اللبون إذا مالذ في قرن * قالوا سمي بذلك لان أمه وضعت غيره
وصارت ذا لبن ولا يزال ابن لبون حتى يدخل في السنة الرابعة فإذا دخل فيها فهو حق والأنثى
حقة لأنه استحق أن يحمل عليه ويركب وأن يطرقها الفحل فتحمل منه ولهذا صح في الحديث
طروقه الفحل وطروقه الجمل وطروقة بمعنى مطروقة كحلوبة وركوبة بمعنى محلوبة ومركوبة ولا
يزال حقا حتى يدخل في السنة الخامسة فإذا دخل فيها فهو جذع - بفتح الذال - والأنثى جذعة وهي
آخر الأسنان المنصوص عليها في الزكاة ولا يزال جذعا حتى يدخل في السادسة فإذا دخل فيها فهو
ثني والأنثى ثنية وهو أول الأسنان المجزئة من الإبل في الأضحية ولا يزال ثنيا حتى يدخل في السابعة فإذا
دخل فيها فهو رباع - بفتح الراء - ويقال رباعي - بتخفيف الياء - والأول أشهر والأنثى رباعية - بتخفيف
الياء - ولا يزال رباعا ورباعيا حتى يدخل في السنة الثامنة فإذا دخل فيها فهو سدس - بفتح السين والدال
ويقال أيضا سديس بزيادة ياء - والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد ولا يزال سد ساحتي يدخل في الستة
التاسعة فإذا دخل فيها فهو بازل - بالباء الموحدة وكسر الزاي وباللام - لأنه بزل نابه أي طلع والأنثى
بازل أيضا بلا هاء ولا يزال بازلا حتى يدخل في السنة العاشرة فإذا دخل فيها فهو مخلف بضم الميم
واسكان الخاء المعجمة وكسر اللام - والأنثى مخلفا أيضا بغير هاء في قول الكسائي ومخلفة بالهاء في
385

قول أبى زيد النحوي حكاه عنهما أبن قتيبة وغيره ووافقهما غيرهما ثم ليس له بعد ذلك اسم مخصوص
ولكن يقال بازل عام وبازل عامين ومخلف عام مخلف عامين وكذلك ما زاد فإذا كبر فهو عود
- بفتح العين واسكان الواو - والأنثى عودة فإذا هرم فهو قحم - بفتح القاف وكسر الحاء المهملة - والأنثى
ناب وشارف وهذا الذي ذكرته إلى هنا قول امامنا الشافعي رضي الله عنه في رواية حرمله عنه ونقله
أبو داود السجستاني في كتابه السنن عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني والنضر بن شميل وأبي عبيد
ونقله أيضا ابن قتيبة والأزهري وخلق سواهم لكن في الذي ذكرته زيادة ألفاظ يسيرة لبعضهم على
بعض وفى سنن أبي داود ويقال مخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين
ولم يقيده الجمهور بخمس والله أعلم * (وأما) ألفاظ الحديث فأوله بسم الله الرحمن الرحيم قال
الماوردي صاحب الحاوي يستدل به على اثبات البسملة في ابتداء الكتب خلاف
ما كان عليه الجاهلية من قولهم: باسمك اللهم قال ودل أيضا على أن الابتداء بحمد الله ليس بواجب
ولا شرط وان معني الحديث كل امر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم أي لم يبدأ فيه بحمد
الله أو معناه ونحوه من ذكر الله تعالى (وقوله) هذه فريضة الصدقة قال الماوردي بدأ بإشارة التأنيث لأنه
عطف عليه مؤنثا قال وقوله فريضة الصدقة أي نسخة فريضة الصدقة فحذف لفظ نسخة وهو من حذف
المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قال أهل اللغة وغيرهم وتسمي الجذعة والحقة وبنت اللبون وبنت المخاض
المأخوذات في الزكاة فرائض والواحدة فريضة وهي فعيلة بمعني مفعولة وقوله فريضة الصدقة
دليل على أن اسم الصدقة يقع على الزكاة خلافا لأبي حنيفة (وقوله) التي فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم على المسلمين قيل فيه ثلاثة مذاهب (أحدها) أنه من الفرض الذي هو الايجاب والالزام
386

(والثاني) معنى فرض سن (والثالث) معناه قدر وبهذا جزم صاحب الحاوي وغيره فعلى الأول
معناه ان الله تعالى أوجبها ثم بلغها إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فسمي امره صلى الله عليه وسلم وتبليغه
فرضا وعلى الثاني معناه شرعها بأمر الله تعالى. وعلى الثالث بينها لقول الله تعالى (قد فرص
الله لكم تحلة ايمانكم) أو يكون معناه قدرها من قولهم فرض القاضي النفقة أي قدرها (وأما)
قوله على المسلمين ففيه دليل لمن يقول ليس الكافر مخاطبا بالزكاة وسائر الفروع والصحيح انه
مخاطب بكل ذلك ومعني على المسلمين أي تؤخذ منهم في الدنيا والكافر لا تؤخذ منه في الدنيا ولكنه
يعذب عليها في الآخرة (وقوله) والتي أمر الله تعالى بها هكذا هو في رواية البخاري وغيره من كتب
الحديث المشهورة وفى رواية الشافعي رضي الله عنه وأبي داود في سننه التي بغير واو وكلاهما صحيح
(فاما) رواية البخاري والجمهور باثبات الواو فعطف على قوله التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعنى ان فريضة الصدقة اجتمع فيها تقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الله تعالى وإيجابه (وأما)
على رواية الشافعي رضي الله عنه فتكون الجملة الثانية بدلا من الأولى ووقع في المهذب هذه فريضة
الصدقة التي فرض الله تعالى على المسلمين والذي في صحيح البخاري وكتب الحديث المشهورة التي فرض
387

رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في المهذب التي أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم
وليست لفظة بها في البخاري ووقع في المهذب فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه
- بفتح الطاء - فيهما والذي في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث المعتمدة فمن سئلها على
وجهها فليعطها ومن سئل - بضم السين - في الموضعين على ما لم يسم فاعله وبكسر الطاء (قوله) فمن
سئلها على وجهها أي على حسب ما شرعت له (قوله) صلى الله عليه وسلم " ومن سئل فوقها فلا
يعطه " اختلف أصحابنا في الضمير في لا يعطه على وجهين مشهورين في كتب المذاهب (أصحهما)
عند أصحابنا أن معناه لا يعطى الزائد بل يعطي أصل الواجب على وجهه كذا صححه أصحابنا في كتبهم
ونقل الرافعي الا تفاق على تصحيحه (والوجه الثاني) معناه لا يعطي فرض الزكاة ولا شئ منه لهذا الساعي
بل يخرج الواجب بنفسه أو يدفعه إلى ساع آخر قالوا لأنه بطلبه الزائد على الواجب يكون معتديا
فاسقا وشرط الساعي أن يكون أمينا: وهذا إذا طلب الزائد بغير تأويل كمن طلب شاتين عن شاة
فأما من طلب زيادة بتأويل بأن كان مالكيا يرى أخذ الكبيرة عن الصغار فإنه الواجب بلا
خلاف ولا يعطي الزائد لان لا يفسق ولا يعصى والحالة هذه قال صاحب الحاوي وغيره وإذا قلنا
بالوجه الثاني أنه لا يعطي فلا يجوز أن يعطي فجعلوه حراما وهو مقتضى النهي ومقتضي قولهم أنه فسق
بطلب الزيادة فانعزل فلا يجوز الدفع إليه كسائر الأجانب (وقوله) صلى الله عليه وسلم " في
أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم " هذه جملة من مبتدأ وخبر فالغنم مبتدأ وفي أربع وعشرين
خبر مقدم قال بعض العلماء: الحكمة هنا في تقديم الخبر أن المقصود بيان النصب والزكاة إنما تجب
بعد وجود النصاب فكان تقديمه أحسن ثم ذكر الواجب وكذا استعمل هذا المعنى في كل النصب
فقال صلى الله عليه وسلم " فيها بنت مخاض فيها بنت لبون فيها حقة " إلى آخره وقوله صلى الله عليه
388

وسلم " في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم " مجمل ثم فسره بأن في كل خمس شاة (وقوله)
صلى الله عليه وسلم " بنت مخاض أنثى وبنت لبون أنثى " قيل احتراز من الخنثى وقيل غيره
والأصح أنه تأكيد لشدة الاعتناء كقولهم رأيت بعيني وسمعت بأذني (وقوله) صلى الله عليه وسلم
" ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار " والعوار - بفتح العين وضمها - والفتح أفصح وأشهر
وهو العيب (وأما) قوله صلى الله عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الا ما شاء
المصدق " وفى روايات أبى داود " إلا أن يشاء المصدق " وفى رواية له " ولا تيس الغنم " أي
فحلها المعد لضرابها واختلف في معناه فقال كثيرون أو الأكثرون: المصدق هنا - بتشديد الصاد -
وهو رب المال قالوا والاستثناء عائد إلى التيس خاصة ومعناه لا يخرج هرمة ولا ذات عيب أبدا
ولا يؤخذ التيس الا برضاء المالك قالوا ولابد من هذا التأويل لان الهرمة وذات العيب لا يجوز للمالك
إخراجهما ولا للعامل الرضا بهما لأنه لا يجوز له التبرع بالزكاة (وأما) التيس فالمنع من اخذه لحق المالك
وهو كونه فحل الغنم المعد لضرابها فإذا تبرع به المالك جاز وصورته إذا كانت الغنم كلها ذكورا بان
ماتت الإناث وبقيت الذكور فيجب فيها ذكور فيؤخذ من وسطها ولا يجوز أخذ تيس الغنم
إلا برضاء المالك. هذا أحد التأويلين (والثاني) وهو الأصح المختار ما أشار إليه الشافعي رضي
الله عنه في البويطي فإنه قال ولا يؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة الا أن يرى المصدق أن ذلك
أفضل للمساكين فيأخذه على النظر هذا نص الشافعي رضي الله عنه بحروفه وأراد بالمصدق الساعي
وهو - بتخفيف الصاد - فهذا هو الظاهر ويعود الاستثناء إلى الجميع وهو أيضا المعروف من مذهب الشافعي
رضي الله عنه أن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها والله تعالى اعلم * (وقوله) في أول
الحديث لما وجهه إلى البحرين هو اسم لبلاد معروفة وإقليم مشهور مشتمل على مدن قاعدتها هجر
قالوا وهكذا ينطق به البحرين بلفظ التثنية وينسب إليه بحراني والله تعالى أعلم *
{فصل} أما أحكام الفصل فأول نصاب الإبل خمس باجماع الأمة نقل الاجماع فيه خلائق
فلا يجب فيما دون خمس شئ بالاجماع وأجمعوا أيضا على أن الواجب في أربع وعشرين فما دونها
الغنم كما ثبت في الحديث فيجب في خمس من الإبل شاة ثم لا يزيد الواجب بزيادة الإبل حتى تبلغ
عشرا وفى عشر شاتان ثم لا زيادة حتى تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه وفى عشرين أربع شياه وفى
خمس وعشرين بنت مخاض ولا زيادة حتى تبلغ ستا وثلاثين ففي ست وثلاثين بنت لبون وفى ست وأربعين
389

حقة وفى إحدى وستين جذعة وفى ست وسبعين بنتا لبون وفى إحدى وتسعين حقتان ولا يجب
بعدها شئ حتى تجاوز مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين واحدة وجب ثلاث بنات
لبون وان زادت بعض واحدة فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الصحيح) المنصوص
وقول الجمهور من أصحابنا لا يجب الا حقتان (وقال) أبو سعيد الإصطخري - يجب ثلاث بنات لبون
واحتج الإصطخري بقوله في رواية أنس والصحيح من رواية ابن عمر فإذا زادت على عشرين
ومائة ففي كل أربعين بنت لبون والزيادة تقع على البعير وعلى بعضه * واحتج الجمهور بقوله في رواية
ابن عمر " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة " لكن سبق أنها ليست متصلة الاسناد فتحتج
بان المفهوم من الزيادة بعير كامل وتتصور المسألة بان يملك مائة وعشرين بعير أو بعض بعير مشترك
بينه وبين من لا تصح خلطته وقول المصنف في الاحتجاج على الإصطخري لأنه وقص محدود في
الشرع فلم يتغير الفرض بعده بأقل من واحد كسائر الأوقاص قال القلعي. قوله محدود في الشرع
احتراز مما فوق نصاب المعشرات والذهب والفضة لان الشرع لم يحد فيه بعد النصاب حدا تتعين فيه الزكاة قال
أصحابنا وإذا زادت واحدة بعد مائة وعشرين فالواجب ثلاث بنات لبون كما سبق وهل للواحد قسط من
الواجب فيه وجهان (قال) الإصطخري لا (وقال) الجمهور نعم وهو الصحيح فعلى هذا لو تلفت واحدة بعد الحول
وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة واحدي وعشرين جزاء وعلى قول الإصطخري لا يسقط ثم بعد
مائة واحدى وعشرين يستقر الامر فيجب في كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة فيجب في مائة
وثلاثين بنتا لبون وحقة فيتغير الفرض هنا بتسعة ثم يتغير بعشرة عشرة أبدا ففي مائة وأربعين
حقتان وبنت لبون ومائة وخمسين ثلاث حقاق ومائة وستين أربع بنات لبون ومائة وسبعين ثلاث
بنات لبون وحقة ومائة وثمانين حقتان وبنتا لبون ومائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون وفى
مائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون وأيهما يأخذ فيه خلاف ذكره المصنف بعد هذا وفى مائتين
وعشر أربع بنات لبون وحقة ومائتين وعشرين حقتان وثلاث بنات لبون ومائتين وثلاثين ثلاث
حقاق وبنتا لبون وعلى هذا ابدا وقد سبق ان بنت مخاض لها سنة وبنت لبون سنتان والحقة
ثلاث والجذعة أربع والله تعالى اعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وفى الأوقاص التي بين النصب قولان (قال) في القديم والجديد يتعلق الفرض بالنصب وما بينهما
من الأوقاص عفو لأنه وقص قبل النصاب فلم يتعلق به حق كالأربعة الأولة (وقال) في البويطي يتعلق
الفرض بالجميع لحديث انس في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا
390

بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فجعل الفرض في النصاب وما زاد ولأنه
زيادة على نصاب فلم يكن عفوا كالزيادة على نصاب القطع في السرقة (فان قلنا) بالأول فملك تسعا من
الإبل فهلك بعد الحول وقبل امكان الأداء أربعة لم يسقط من الفرض شئ وان قلنا بالثاني سقط
أربعة اتساعه} *
{الشرح} حديث أنس سبق بيانه وللشافعي رضي الله عنه قولان في الأوقاص التي بين النصب
(أصحهما) عند الأصحاب أنها عفو ويختص الفرض بتعلق النصاب وهذا نصه في القديم وأكثر كتبه
الجديدة (وقال) في البويطي من كتبه الجديدة يتعلق بالجميع وذكر المصنف رحمه الله دليلهما فلو كان معه
تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن (فان قلنا) التمكن شرط في الوجوب وجبت شاة بلا
خلاف وإن قلنا شرط في الضمان وقلنا الوقص عفو وجبت شاة أيضا وان قلنا يتعلق به الفرض
وجب خمسة أتساع شاة هكذا قال أصحابنا في الطريقتين ولم يذكر المصنف التفريع على أنه شرط
في الوجوب بل أراد الاقتصار على التفريع على الصحيح أن التمكن شرط في الضمان ولابد من
تأويل كلامه على ما ذكرته وهذا الذي ذكرناه من وجوب خمسة أتساع شاة على قولنا الامكان
شرط في الضمان وان الفرض يتعلق بالجميع هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى القاضي أبو الطيب
391

ومتابعوه عن أبي إسحاق المروزي أن عليه شاة كاملة مع التفريع على هذين الأصلين ووجهه
ابن الصباغ بان الزيادة ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها وان تعلق بها الواجب كما لو شهد
خمسة بزنا محصن فرجم ثم رجع واحد وزعم أنه غلط فلا ضمان على واحد منهم ولو رجع اثنان وجب
الضمان وقد سبق بيان هذا التفريع مع فروع كثيرة مفرعة على هذا الأصل في آخر الباب الذي
قبل هذا *
(فرع) الوقص - بفتح القاف واسكانها - لغتان (أشهرهما) عند أهل اللغة - الفتح - والمستعمل
منهما عند الفقهاء الاسكان واقتصر الجوهري وغيره من أصحاب الكتب المشهورة في اللغة على الفتح
وصنف الإمام ابن برى المتأخر جزءا في لحن الفقهاء لم يصب في كثير منه فذكر من لحنهم قولهم
وقص بالاسكان وليس كما قال وذكر القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه في آخر باب زكاة البقر
وصاحب الشامل في باب زكاة البقر أيضا وآخرون من أصحابنا أن أكثر أهل اللغة قالوا الوقص
بالاسكان كذا قال صاحب الشامل أكثر أهل اللغة وقال القاضي الصحيح في اللغة الأول وقال
بعض أهل اللغة هو بالفتح فالأول ليس هو بصحيح * واحتج مانع الاسكان بان فعلا الساكن
المعتل الفاء لا يجمع على أفعال وهذا غلط فاحش فقد جاء قطب وأقطاب ووعد وأوعاد ووعر
وأوعار وغير ذلك فحصل في الوقص لغتان قال أهل اللغة والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل
وغيرهما من أصحابنا الشنق - بفتح الشين المعجمة والنون - هو أيضا ما بين الفريضتين قال القاضي
أكثر أهل اللغة يقولون الوقص والشنق سواء لا فرق بينهما وقال الأصمعي الشنق يختص بأوقاص
الإبل والوقص يختص بالبقر والغنم واستعمل الشافعي رضي الله عنه في البويطي الشنق في أو قاص
الإبل والبقر والغنم جميعا ويقال أيضا وقس بالسين المهملة قال الشافعي رضي الله عنه في مختصر
المزني الوقس ما لم يبلغ الفريضة كذا هو في المختصر بالسين وكذا رواه البيهقي في معرفة السنن
والآثار باسناده عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه قال البيهقي كذا في رواية الربيع الوقس
392

بالسين وهو في رواية البويطي بالصاد وذكر ابن الأثير في شرح مسند الشافعي ما ذكره الشافعي
رضي الله عنه ثم قال والذي رأيته ورويته أنا في المسند الذي يرويه الربيع إنما هو بالصاد وهو
المشهور وروى البيهقي في السنن باسناده عن المسعودي حديث معاذ رضي الله عنه في
الأوقاص أنه قال: الأوقاس بالسين فلا تجعلها صادا هذا ما يتعلق بلفظ الوقص (وأما) معناه
فيقع على ما بين الفريضتين واستعمله الشافعي رضي الله عنه والمصنف والبندنيجي وآخرون فيما دون
النصاب الأول أيضا فاستعمال المصنف في قوله لأنه وقص قبل نصاب فلم يتعلق به حق كالأربعة
الأولة (وأما) الشافعي رضي الله عنه (فقال) في البويطي ليس في الشنق من الإبل والبقر والغنم
شئ قال والشنق ما بين السنين من العدد قال وليس في الأوقاص شئ قال والأوقاص ما لم
تبلغ ما يجب فيه الزكاة هذا نصه في البويطي بحروفه وقال الشافعي في مختصر المزني الوقس ما لم يبلغ
الفريضة وروى البيهقي عن المسعودي قال الأوقاس ما دون الثلاثين يعنى من البقر وما بين
الأربعين والستين فحصل من هذه الجملة أنه يقال وقص ووقص - بفتح القاف واسكانها - وشنق
ووقس - بالسين المهملة وانه يطلق على ما لا زكاة فيه سواء كان بين نصابين أو دون النصاب الأول
لكن أكثر استعماله فيما بين النصابين والله تعالى أعلم * وقول المصنف كالأربعة الأولة قد
تكرر منه استعمال الأولة وهي لغة ضعيفة والفصيحة المشهورة الأولى والله تعالى أعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الأوقاص * قد ذكرنا ان الأصح من مذهبنا ان الفرض لا يتعلق
بها وحكاه العبدري عن أبي حنيفة ومحمد واحمد وداود وهو الصحيح في مذهب مالك وعن
مالك في رواية أنه يتعلق بالجميع وقال ابن المنذر قال أكثر العلماء لا شئ في الأوقاص *
393

(فرع) أكثر ما يتصور من الأوقاص في الإبل تسعة وعشرون وفى البقر تسع عشرة وفى
الغنم مائة وثمان وتسعون ففي الإبل ما بين إحدى وتسعين ومائة واحدى وعشرين وفى البقر ما
بين أربعين وستين وفى الغنم ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة *
394

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* {من ملك من الإبل دون الخمس والعشرين فالواجب في صدقته الغنم وهو مخير بين أن يخرج
الغنم وبين ان يخرج بعيرا فإذا اخرج الغنم جاز لأنه الفرض المنصوص عليه وإن اخرج البعير جاز
لان الأصل في صدقة الحيوان ان يخرج من جنس الفرض وإنما عدل إلى الغنم ههنا رفقا برب
المال فإذا اختار أصل الفرض قبل منه كمن ترك المسح عل الخف وغسل الرجل وان امتنع من
اخراج الزكاة لم يطالب الا بالغنم لأنه هو الفرض المنصوص عليه وان اختار اخراج البعير قبل
منه أي بعير كان ولو أخرج بعيرا قيمته أقل من قيمة الشاة أجزأه لأنه أفضل من الشاة
لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فلان يجزئ عما دونها أولى وهل يكون الجميع فرضه
أو بعضه فيه وجهان (أحدهما) ان الجميع فرضه لأنا خيرناه بين الفرضين فأيهما فعل كان
هو الفرض كمن خير بين غسل الرجل والمسح على الخف (والثاني) ان الفرض بعضه لان البعير
يجزئ عن الخمس والعشرين فدل على أن كل خمس من الإبل يقابل خمس بعير وان اختار
اخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثنى في السن لما روى سويد بن غفلة قال " أتانا مصدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال نهينا عن الاخذ من راضع لين وإنما حقنا في الجذعة والثنية " وهل
يجزئ فيه الذكر فيه وجهان (من أصحابنا) من قال لا يجزئه للخبر ولأنه أصل في صدقة الإبل فلم
يجز فيها الذكر كالفرض من جنسه (وقال) أبو إسحاق يجزيه لأنه حق لله تعالي لا يعتبر فيه صفة ماله
فجاز فيه الذكر والأنثى كالأضحية وتجب عليه من غنم البلد إن كان ضأنا فمن الضأن وإن كان معزا
فمن المعز وإن كان منهما فمن الغالب وإن كانا سواء جاز من أيهما شاء لان كل مال وجب في الذمة
بالشرع اعتبر فيه عرف البلد كالطعام في الكفارة وإن كانت الإبل مراضا ففي شاتها وجهان
(أحدهما) لا تجب فيه الا ما تجب في الصحاح وهو ظاهر المذهب لأنه لا يعتبر فيه صفة المال فلم يختلف
بصحة المال ومرضه كالأضحية وقال أبو علي بن خيران تجب عليه شاة بالقسط فتقوم الإبل الصحاح
والشاة التي تجب فيها ثم تقوم الإبل المراض فيجب فيها شاة بالقسط لأنه لو كان الواجب من جنسه
فرق بين الصحاح والمراض فكذلك إذا كان من غير جنسه وجب ان يفرق بين الصحاح والمراض} *
* {الشرح} * قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب إذا ملك من الإبل دون خمس وعشرين
فواجبها الشاة كما سبق فان اخرج بعيرا أجزأه * هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء من السلف
والخلف * وعن مالك واحمد وداود أنه لا يجزئ كما لو اخرج بعيرا عن بقرة * ودليلنا ان البعير يجزئ
395

عن خمس وعشر بن فعما دونها أولى لان الأصل ان يجب من جنس المال وإنما عدل عنه رفقا بالمالك
فإذا تكلف الأصل أجزأه فإذا اخرج البعير عن خمس أو عشر أو خمس عشرة أو عشرين أجزأه سواء
كانت قيمته كقيمة شاة أو دونها هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ونص عليه الشافعي
رضي الله عنه: وفيه وجه انه لا يجزئه البعير الناقص عن قيمة شاة عن خمس من الإبل ولا الناقص
عن شاتين عن عشر ولا الناقص عن ثلاث شياه أو أربع عن خمس عشرة أو عشرين قاله القفال
وصاحبه الشيخ أبو محمد ووجه ثالث إن كانت الإبل مراضا أو قليلة القيمة لعيب أجزأ البعير
الناقص عن قيمة الشاة وإن كانت صحاحا لم يجزئه الناقص (ووجه رابع) للخراسانيين أنه يجب
في الخمس من الإبل حيوان إما بعير وإما شاة وفى العشر حيوانان شاتان أو بعيران أو شاة وبعير
وفى الخمس وعشرة ثلاث حيوانات وفى العشرين أربع شياه أو أربعة أبعرة أو ثلاثة أو اثنان من الإبل
والباقي من الغنم والصحيح ما قدمناه عن الشافعي والجمهور أنه يجزئ البعير المخرج عن عشرين وإن كانت
قيمته دون قيمة شاة وشرط البعير المخرج عن عشرين فما دونها أن يكون بنت مخاض فما فوقها بحيث
يجزئ عن خمس وعشرين نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه قال أصحابنا: ولو كانت الإبل
العشرون فما دونها مراضا فاخرج منها مريضا أجزأه وإن كان أدونها نص عليه الشافعي واتفق عليه
الأصحاب ووجهه ما سبق قال أصحابنا. وإذا أخرج البعير عن خمس من الإبل فهل يقع كله فرضا
أم خمسه فقط فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما) باتفاق الأصحاب
الجميع يقع فرضا لأنه مخير بين البعير والشاة فأيهما أخرج وقع واجبا كمن لبس الخف يتخير بين
المسح والغسل وأيهما فعل وقع واجبا قال أصحابنا ولأنه لو كان الواجب الخمس فقط لجاز اخراج خمس
بعير وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يجزئ (والثاني) أن خمس البعير يقع فرضا وباقيه تطوعا لان
البعير يجزئ عن خمس وعشرين فدل على أن كل خمس انه منه عن خمسة أبعرة. قال أصحابنا. وهذان
الوجهان كالوجهين في المتمتع إذا وجب عليه شاة فنحر بدنة أو نذر شاة فنحر بدنة وفيمن مسح كل
رأسه أو طول الركوع والسجود زيادة على المجزئ فهل يقع الجميع فرضا أم سبع البدنة وأقل جزء من
396

الرأس والركوع والسجود فيه وجهان. قال أصحابنا: لكن الأصح في البدنة والمسح أن الفرض
هو البعض وفى البعير في الزكاة كله والفرق أن الاقتصار على سبع بدنة وبعض الرأس يجزئ ولا
يجزئ هنا خمس بعير بالاتفاق ولهذا قال إمام الحرمين: من يقول البعض هو الفرض يقول هو
بشرط التبرع بالباقي * قال صاحب التهذيب وغيره: الوجهان مبنيان على أن الشاة الواجبة في
الإبل أصل بنفسها أم بدل عن الإبل فيه وجهان (فان قلنا) أصل فالبعير كله فرض كالشاة والا
فالخمس وتظهر فائدة الخلاف فيما لو عجل بعيرا عن خمس من الإبل ثم ثبت له الرجوع لهلاك النصاب أو
لاستغناء الفقير أو غير ذلك من أسباب الرجوع فان قلنا الجميع رجع في جميعه والا ففي الخمس فقط لان
التطوع لا رجوع فيه *
(فرع) قال أصحابنا: الشاة الواجبة من الإبل هي الجذعة من الضأن أو الثنية من المعزوفي
سنها ثلاثة أوجه لأصحابنا مشهورة وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة الغنم (أصحها)
عند جمهور الأصحاب الجذعة ما استكملت سنة ودخلت في الثانية والثنية ما استكملت
سنتين ودخلت في السنة الثالثة سواء كان من الضأن أو المعز وهذا هو الأصح عند المصنف
في المهذب (والثاني) أن للجذعة ستة أشهر وللثنية سنة وبه قطع المصنف في التنبيه واختاره
الروياني في الحلية (والثالث) ولد الضأن من شاتين صار جذعا لسبعة أشهر وإن كان لهر مين
فلثمانية أشهر *
(فرع) الشاة الواجبة هي جذعة الضأن أو ثنية المعز كما سبق فان أخرج الأنثى أجزأه بلا
خلاف وهي أفضل من الذكر وان أخرج الذكر ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب
(أصحهما) عند الأصحاب يجزئ وهو قول أبي إسحاق المروزي وهو المنصوص للشافعي رضي الله عنه
كما يجزئ في الأضحية (والثاني) لا يجزئه لحديث سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال " اعتد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا تأخذها ولا تأخذ الا كولة ولا
الربا ولا الماخض ولا فحل الغنم وتأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غداء المال وخياره " صحيح
رواه مالك في الموطأ باسناد صحيح وسواء كانت الإبل ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا ففيها الوجهان
هكذا صرح به الأصحاب وشذ المتولي وغيره فحكوا فيه طريقين (أصحهما) هذا و (والثاني)
أن الوجهين إذا كانت كلها ذكورا والا فلا يجزئ الذكر والمذهب الأول. قال أصحابنا
397

والوجهان يجريان في شاة الجبران كما سنوضحه إن شاء الله تعالى *
(فرع) قال المصنف في المهذب وتجب عليه الشاة من غنم البلد إن كان ضأنا فمن الضأن وإن كان
معزا فمن المعز وإن كان منهما فمن الغالب فان استويا جاز من أيها شاء. هذا كلامه وبه قطع
البندنيجي من العراقيين وهو قول غريب ووجه ضعيف في طريقة الخراسانيين (وأما) المذهب
المشهور الذي قطع به أصحابنا العراقيون وصححه جمهور الخراسانيين ونقله صاحب البيان في كتابه
مشكلات المهذب عن جميع الأصحاب سوى صاحب المهذب أنه يجب من غنم البلد إن كان
بمكة فشاة مكية أو ببغداد فبغدادية ولا يتعين غالب غنم البلد بل له أن يخرج من أي النوعين
شاء. قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر. ولا نظر إلى الأغلب في البلد لان الذي عليه شاة من
غنم بلده يجوز في الأضحية. هذا نصه. قال أصحابنا العراقيون وغيرهم أراد الشافعي رضي الله
عنه في النوعين الضأن والمعز وأراد أنه يتخير بينهما وانه لا يتعين النوع الغالب منهما بل له ان يخرج
من القليل منهما لان الواجب شاة وهذه تسمي شاة وقد نقل إمام الحرمين عن العراقيين أنهم
قالوا يتعين غالب غنم البلد كما ذكره صاحب المهذب ونقل عن صاحب التقريب أنه نقله عن
نص الشافعي وانه نقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها وساعده الامام على ترجيحها وقال
الرافعي: قال الأكثرون بترجيح التخيير وربما لم يذكروا سواه وأنكر على امام الحرمين نقله
عن العراقيين أنهم اعتبروا غالب غنم البلد في الضأن والمعز وهذا الذي أنكره الرافعي انكار
صحيح والمشهور في كتب جماهير العراقيين القطع بالتخيير وذكر إمام الحرمين والغزالي وغيرهما
وجها غريبا أنه يتعين غنم نفسه إن كان يملك غنما ولا يجزئ غنم البلد كما إذ أزكى غنم نفسه وحكى
صاحب التتمة وجها وزعم أنه المذهب انه يجوز من غير غنم البلد وهذا أقوى في الدليل لان
الواجب شاة وهذه تسمي شاة لكنه غريب شاذ في المذهب فحصل في المسألة أربعة أوجه (الصحيح)
المنصوص الذي عليه الجمهور انه تجب شاة من غنم البلد (والثاني) يتعين غنم نفسه (والثالث)
تتعين غالب غنم البلد (والرابع) يجوز من غير غنم البلد قال أصحابنا: وإذا وجب غنم فأخرج
غيرها من الغنم خيرا منها أو مثلها أجزأه لأنه يسمي شاة وإنما امتنع أن يخرج دونها والله تعالى
اعلم *
(فرع) قال أصحابنا الشاة الواجبة في الإبل يشترط كونها صحيحة بلا خلاف سواء كانت
الإبل صحاحا أو مراضا لأنها واجبة في الذمة وما وجب في الذمة كان صحيحا سليما لكن ان
398

كانت الإبل صحاحا وجب شاة صحيحة كاملة بلا خلاف وإن كانت الإبل مراضا فله يخرج
منها بعيرا مريضا وله إخراج شاة فان اخرج شاة فوجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب
(أصحهما) عند المصنف وغيره يجب شاة كاملة كما تجب في الصحاح لأنه لا يعتبر فيه صفة ماله فلم
يختلف بصحة المال ومرضه كالأضحية (والثاني) وهو قول أبى علي بن خيران تجب شاة بالقسط
فيقال خمس من الإبل قيمتها مراضا خمسمائة وصحاحا الف وشاة الصحاح تساوى عشرة فتجب
شاة صحيحة تساوي خمسة فإن لم يوجد بهذه القيمة شاة صحيحة قال صاحب الشامل فرق الدراهم
على الأصناف للضرورة وهذا كما ذكره الأصحاب في اجتماع الحقاق وبنات اللبون في مائتين إذا
أخذ الساعي غير الأغبط ووجب أخذ التفاوت ولم يمكن شراء جزء من بعيريه فإنه يفرقه دراهم
والله تعالى أعلم.
(فرع) في شرح ألفاظ الكتاب (قوله) لما روى سويد بن غفلة قال " أتانا مصدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال نهينا عن الاخذ من راضع لبن وإنما حقنا في الجذعة والثنية " هذا
الحديث رواه أبو داود والنسائي وغيرهما مختصرا قال " فإذا كان في عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا نأخذ من راضع لبن " ولم يذكر الجذعة والثنية واسناده حسن لكن ليس فيه دليل للجذعة
والثنية الذي هو مقصود المصنف والمراد براضع لبن السخلة ومعناه لا تجزئ دون جذعة وثنية أي
جذعة ضأن وثنية معز هذا هو الصحيح المختار في تفسيره وهو معنى كلام جماعة من أصحابنا وقال
الخطابي المراد براضع لبن هنا ذات الدر قال والنهي عنها يحمل على وجهين (أحدهما) أن لا يأخذها
الساعي لأنها من خيار المال ويكون تقديره ولا يأخذ راضع لبن وتكون لفظة من زائدة كما يقال
لأنا كل من الحرام أي الحرام (والوجه الثاني) أن لا تعد ذات الدر المتخذة له فلا زكاة فيها: هذا
كلام الخطابي وهو ضعيف جدا أو باطل لان الوجه الثاني مخالف لما أطبق عليه الفقهاء أن الزكاة
تجب في الجميع فان حملت ذات الدر على معلوفة فليس له اختصاص بذات الدر (وأما) الوجه
الأول فبعيد وتكلف لا حاجة إليه وإنما نبهت على ضعف كلامه لئلا يغتر به كما اغتر به ابن الأثير
في كتابه نهاية الغريب والله أعلم * وسويد بن غفلة بغين معجمة ثم فاء مفتوحتين - وسويد جعفي كوفي
تابعي مخضرم كنيته أبو أمية أدرك الجاهلية ثم أسلم وقال أنا أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم
بسنتين وعمر كثيرا قيل مات سنة إحدى وثمانين وقيل بلغ مائة وإحدى وثلاثين سنة وقول المصنف
399

ولأنه أصل في صدقة الإبل فلم يجز فيه الذكر كالفرض من جنسه قال القلعي: قوله أصل احتراز
من ابن لبون في خمس وعشرين عند عدم بنت مخاض (وقوله) في صدقة الإبل احتراز من
التبيع في ثلاثين من البقر (وقوله) لأنه حق الله تعالى لا يعتبر فيه صفة ماله فجاز فيه الذكر والأنثى
كلا ضحية (وقوله) حق الله تعالى احتراز من القرض والسلم في الأنثى (وقوله) لا يعتبر فيه صفة
ماله احتراز من النصاب الذي يجب فيه من جنسه ما عدا ثلاثين من البقر (وقوله) لان كل مال
وجب في الذمة بالشرع اعتبر فيه عرف البلد احتراز من المسلم فيه والقرض والنذر (قوله) لأنه
لا يعتبر فيه صفة المال فلم يختلف بصحة المال فيه احتراز مما إذا كانت الزكاة من جنس المال المزكي
فإنه يؤخذ من المراض مريضة *
{فرع} في مذاهب العلماء في نصب الإبل * أجمعوا على أن في أربع وعشرين فما دونها الغنم
كما سبق وأجمعوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض الا ما روى عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه أنه قال " فيها خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض " * واحتج له بحديث
جاء عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم " في خمس وعشرين من الإبل خمس
شياه فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض " ودليلنا حديث أنس السابق في أول الباب (وأما)
حديث عاصم بن ضمرة فمتفق على ضعفه ووهائه وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن في خمس وعشرين
بنت مخاض ولا يصح عن علي ما روى عنه فيها قال وأجمعوا على أن مقدار الواجب فيها إلى مائة وعشرين على
ما في حديث أنس فإذا زادت على مائة وعشرين فمذهب الشافعي رضي الله عنه والأوزاعي واحمد
واسحق وأبي ثور وداود ان في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون
وفى كل خمسين حقة كما سبق إيضاحه وحكى ابن المنذر عن محمد بن إسحاق صاحب المغازي وأبي عبيد ورواية
عن مالك واحمد انه لا شئ فيها حتى تبلغ مائة وثلاثين وعن مالك رواية كمذهبنا ورواية ثالثة أن الساعي
يتخير في مائة واحدى وعشرين بين ثلاث بنات لبون وحقتين * وقال إبراهيم النخعي والثوري وأبو
حنيفة إذا زادت على عشرين ومائة يستأنف الفريضة فيجب في خمس شاة وفى عشر شاتان وخمس عشرة
ثلاث شياه وعشرين أربع شياه وفى خمس وعشرين بنت مخاض فيجب في مائة وخمس وعشرين حقتان
وشاة وفى مائة وثلاثين حقتان وشاتان وفى مائة وخمس وثلاثين حقتان وثلاث شياه وفى مائة وأربعين
حقتان وأربع شياه وفى مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض وفى مائة وخمسين ثلاث ثم
يستأنف الفريضة بعد ذلك وعلى هذا القياس ابدا وحكى أصحابنا عن محمد بن جرير الطبري أنه قال
400

يتخير بين مقتضي مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة وحكاه الغزالي في الوسيط عن ابن خيران
فأوهم أنه قول أبي علي بن خيران من أصحابنا وانه وجه من مذهبنا وليس كذلك بل اتفق أصحابنا على
تغليط الغزالي في هذا النقل وتغليط شيخه في النهاية في نقله مثله وليس هو قول ابن خيران وإنما هو
قول محمد بن جرير الطبري وحكى ابن المنذر عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة أنه قال. في
خمس وعشرين ومائة حقتان وبنت مخاض وجاءت آثار ضعيفة تمسك بها كل من ذهب من هؤلاء الأئمة:
ومذهبنا والصواب ما ذهب إليه الشافعي وموافقوه وعمدتهم حديث أنس السابق في أول الباب
وهو صحيح صريح وما خالفه ضعيف أو دونه والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ومن وجبت عليه بنت مخاص فإن كانت في ماله لزمه إخراجها وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل
منه ولا يرد معه شئ لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو الصديق رضي الله عنه فمن لم تكن
عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شئ ولان في بنت مخاض فضيلة بالانونة
وفى ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا وان لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشترى بنت
مخاض ويخرج لأنه أصل فرضه وله أن يشترى ابن لبون ويخرج لأنه ليس في ملكه بنت مخاض
وإن كانت إبله مهازيل وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه اخراجها فان أراد اخراج ابن لبون
فالمنصوص انه يجوز لأنه لا يلزمه اخراج ما عنده فكان وجوده كعدمه كما لو كانت إبله سمانا وعنده
بنت مخاض مهزولة ومن أصحابنا من قال لا يجوز لان عنده بنت مخاض تجزئ ومن وجب عليه
بنت لبون وليست عنده وعنده حق لم يؤخذ منه لان بنت اللبون تساوى الحق في ورود الماء والشجر
وتفضل عليه بالأنوثة} *
{الشرح} حديث أنس صحيح سبق بيانه في أول الباب وفى الفصل مسائل (إحداها) قال
الشافعي رضي الله عنه والأصحاب إذا وجب عليه بنت مخاض فإن كانت عنده من غير نفاسة ولا عيب
لم يجز العدول إلى ابن لبون بلا خلاف وان لم تكن عنده وعنده ابن لبون فأراد دفعها عنها وجب
قبوله ولا يكون معه شئ لا من المالك ولا من الساعي وهذا لا خلاف فيه لحديث انس قال أصحابنا
وسواء كانت قيمة ابن لبون كقيمة بنت مخاض أو أقل منها وسواء قدر على تحصيله أم لا لعموم
الحديث (الثانية) إذا وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فوجهان (أصحهما)
له ان يشترى أيهما شاء ويجزئه لعموم الحديث وبهذا الوجه قطع المصنف وجمهور الأصحاب
(والثاني) حكاه جماعات من الخراسانيين عن صاحب التقريب وغيره انه يتعين عليه شراء بنت
401

مخاض وهو مذهب مالك واحمد لأنهما لو استويا في الوجود لم يجز ابن لبون فكذا إذا عدما وتمكن
من شرائهما (الثالثة) إذا كانت عنده بنت مخاض معيبة فهي كالمعدومة فيجزئه ابن لبون بلا
خلاف بعموم الحديث وقد صرح المصنف بهذا في قوله كما لو كانت إبله سمانا وعنده بنت مخاض
مهزولة ولو كانت إبله مهزولة وفيها بنت مخاض نفيسة لم يلزمه إخراجها فان تطوع بها فقد أحسن
وان أراد اخراج ابن لبون فوجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه واجد بنت مخاض مجزئة (والثاني)
يجوز لأنه لا يلزمه إخراجها فهي كالمعدومة ورجح المصنف الا جزاء ونقله عن النص ووافقه على ترجيحه
البغوي. ورجح الشيخ أبو حامد وأكثر الأصحاب عدم الاجزاء ونقله القاضي أبو الطيب في
المجرد قال الرافعي رجحه الشيخ أبو حامد وأكثر شيعته وإمام الحرمين والغزالي (الرابعة)
لو فقد بنت مخاض فاخرج خنثى مشكلا من أولاد اللبون فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين
(أصحهما) يجزئه لأنه ابن لبون أو بنت لبون وكلاهما مجزئ (والثاني) لا يجزئه لأنه مشوه
الخلق كالمعيب ولو أخرج خنثى من أولاد المخاض لم يجزئه بالا تفاق لاحتمال أنه ذكر ولو وجد بنت
مخاض فاخرج خنثى مشكلا من أولاد لبون لم يجزئه بلا خلاف لاحتمال أنه ذكر ولا يجزئ الذكر
مع وجود بنت مخاض (الخامسة) لو وجبت بنت مخاض فقدها ووجد بنت لبون وابن لبون فان
أخرج ابن اللبون جاز وان أخرج بنت اللبون متبرعا جاز وان أراد اخراجها مع أخذ الجبران
لم يكن له ذلك في أصح الوجهين لأنه مستغن عن الجبران وإنما يصار إلى الجبران عند الضرورة
والوجهان مشهوران في الطريقتين (السادسة) إذا لزمه بنت مخاض ففقدها فأخرج حقا أجزأه وقد
زاد خيرا لأنه أولى من ابن لبون هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى صاحب الحاوي وجها
آخر انه لا يجزئ لأنه لا مدخل له في الزكوات. ولو لزمه بنت لبون فأخرج عنها عند عدمها حقا
فطريقان (المذهب) لا يجزئه لما ذكره المصنف وبهذا قطع المصنف والجمهور وحكي صاحب الحاوي
وجماعة في اجزائه وجهين وقطع الغزالي في الوجيز بالجواز وهو شاذ مردود *
(فرع) إذا لزمه بنت مخاض ففقدها وفقد ابن لبون أيضا ففي كيفية مطالبة الساعي له
بالواجب وجهان حكاهما صاحب الحاوي (أحدهما) يخيره بين بنت مخاض وابن لبون لأنه مخير
في الاخراج (والثاني) يطالبه ببنت مخاض لأنها الأصل فان دفع ابن لبون قبل منه *
(فرع) لو لزمه بنت مخاض فلم تكن في يده في الحال لكن يملك بنت مخاض مغصوبة أو
مرهونة فله اخراج ابن لبون لأنه غير متمكن منها فهي كالمعدومة ذكره الدارمي وغيره والله تعالى
اعلم
402

قال المصنف رحمه الله *
ومن وجبت عليه جذعة أو حقة أو بنت لبون وليس عنده الا ما هو أسفل منه بسنة أخذ
منه مع شاتين أو عشرين درهما وإن وجب عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة وليس عنده
الا ما هو أعلي منه بسنة أخذ منه ودفع إليه المصدق شاتين وعشرين درهما لما روى أنس رضي الله عنه
ان أبا بكر الصديق رضي لله عنه كتب له لما وجهه إلى البحرين كتابا وفيه " ومن بلغت صدقته
من الإبل الجذعة وليست عنده وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين
درهما ومن بلغت عنده صدقته الحقة وليس عنده الا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي
معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض
فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطى معها عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت مخاض
وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين
فاما إذا وجبت عليه جذعة وليت عنده وعنده ثنية فان أعطاها ولم يطلب جبرانا قبلت لأنها
أعلي من الفرض بسنة وان طلب الجبران فالمنصوص انه يدفع إليه لأنها أعلي من الفرض بسنة
فهي كالجذعة مع الحقة ومن أصحابنا من قال لا يدفع الجبران لان الجذعة تساوى الثنية في القوة
والمنفعة فلا معني لدفع الجبران وان وجبت عليه بنت مخاص وليس عنده الا فصيل وأراد أن يعطى
ويعطي معه الجبران لم يجز لان الفصيل ليس بفرض مقدر وإن كان معه نصب مراض ولم يكن
عنده الفرض فأراد أن يصعد إلى فرض مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز لان الشاتين أو العشرين
درهما جعل جبرانا لما بين الصحيحين فإذا كانا مريضين كان الجبران أقل من الشاتين أو العشرين
الدرهم فان أراد ان ينزل إلى فرض دونه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهما جاز لأنه متطوع
بالزيادة ومن وجبت عليه الشاتان أو العشرون درهما كان الخيار إليه لان النبي صلى الله عليه وسلم
جعل الخيار فيه إلى من يعطى في حديث انس فان اختار ان يعطي شاة وعشرة دراهم لم يجز لان
النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين شيئين فلو جوزنا ان يعطى شاة وعشرة دراهم خيرناه بين ثلاثة
أشياء ومن وجب عليه فرض؟ ووجد فوقه فوقه فرضا وأسفل منه فرضا فالخيار في الصعود والنزول إلى
رب المال لأنه هو الذي يعطي فكان الخيار له كالخيار في الشاتين والعشرين الدرهم ومن أصحابنا
من قال الخيار إلى المصدق وهو المنصوص لأنه يلزمه ان يختار ما هو أنفع للمساكين ولهذا إذا
اجتمع الصحاح والمراض لم يأخذ المراض فلو جعلنا الخيار إلى رب المال أعطى ما ليس بنافع ويخالف الخيار في
الشاتين والعشرين الدرهم فان ذلك جعل جبرانا على سبيل التخفيف فكان ذلك إلى من يعطي
403

وهذا تخيير في الفرض فكان إلى المصدق ومن وجب عليه فرض ولم يجد الا ما هو أعلى منه
بسنتين اخذ منه وأعطى أربع شياه أو أربعين درهما وان لم يجد الا ما هو أسفل منه بسنتين اخذ منه أربع
شياه أو أربعون درهما لان النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما بين السنين بشاتين أو عشرين درهما
فدل على أن كل ما زاد في السن سنة زاد في الجبران بقدرها فان أراد من وجب عليه أربعون درهما أو أربع
شياه ان يعطي شاتين عن أحد الجبرانين وعشرين درهما عن الجبران الآخر جاز لأنهما جبرانان فجاز أن يختار في أحدهما شيئا وفى الآخر غيره ككفارتي يمينين يجوز ان يخرج في أحدهما الطعام وفى
الأخرى الكسوة وان وجب عليه الفرض ووجد سنا أعلى منه بسنة وسنا أعلى منه بسنتين فترك
الأقرب وانتقل إلى الا بعد ففيه وجهان (أحدهما) انه يجوز لأنه قد عرف ما بينهما من الجبران
(والثاني) لا يجوز وهو الصحيح لان النبي صلى الله عليه وسلم أقام الأقرب مقام الفرض ثم لو وجد
الفرض لم ينتقل إلى الأقرب فكذلك إذا وجد الأقرب لم ينتقل إلى الا بعد} *
404

{الشرح} قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب رحمهم الله تعالى إذا وجب عليه جذعة
وليست عنده جاز أن يخرج حقة مع جبران والجبران شاتان أو عشرون درهما ولو وجبت حقة
وليست عنده فله إخراج بنت لبون ويأخذ الساعي جبرانا ولو وجبت بنت لبون وليست
عنده فله إخراج حقة ويأخذ جبرانا ولو وجبت حقة وليست عنده فله إخراج جذعة ويأخذ
جبرانا قال أصحابنا: وصفة شاة الجبران هذه صفة الشاة المخرجة فيما دون خمس وعشرين من
الإبل وقد سبق بيانها وفى اشتراط الأنوثة إذا كان المالك هو دافع الجبران المذكوران
في تلك الشاة (أصحهما) لا يشترط بل يجزئ الذكر فإن كان الدافع الشاة هو الساعي ولم يرض
رب المال بالذكر ففيه الوجهان وإن رضي به جاز بلا خلاف صرح به المتولي وغيره قال إمام الحرمين
وغيره ولا خلاف أن الدراهم التي يخرجها هي النقرة الخالصة قال امام الحرمين وكذا دراهم
الشرعية حيث أطلقت فان احتاج الامام إلى دراهم ليدفعها في الجبران ولم يكن في بيت المال شئ
باع شيئا من مال الزكاة وصرفه في الجبران هكذا صرح به الفوراني وصاحب العدة والبغوي
وصاحب البيان والرافعي وآخرون (وأما) تعين الشاتين أو الدراهم فالخيرة فيه لدافعه سواء كان
الساعي أو رب المال هكذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه وقطع به الجمهور وذكر امام الحرمين
والسرخسي وغيرهما فيما إذا كان الدافع هو رب المال طريقين (أصحهما) هذا (والثاني) أن الخيرة
للساعي والمذهب الأول لظاهر حديث أنس السابق في أول الباب قال أصحابنا فإن كان الدافع
هو الساعي لزمه دفع ما دفعه أصلح للمساكين وإن كان رب المال استحب له دفع الأصلح للمساكين
405

ويجوز له دفع الآخر (أما) الخيرة في الصعود والنزول إذا فقد السن الواجبة ووجد أعلى منها وأنزل
ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب واختلفوا في أصحهما فأشار المصنف إلى أن
الأصح أن الخيرة للمالك وهو الذي صححه امام الحرمين والبغوي والمتولي والرافعي وجمهور
الخراسانيين وقطع به الجرجاني من العراقيين في كتابه التحرير وصحح أكثر العراقيين أن
الخيرة للساعي وهو المنصوص في الام ثم إن الأصحاب أطلقوا الوجهين كما ذكرنا الا صاحب الحاوي
فقال: أن طلب الساعي النزول والمالك الصعود فان عدم الساعي الجبران فالخيرة له والا ففيه
الوجهان قال أصحابنا فان خيرنا الساعي لزمه اختيار الأصلح للمساكين قال امام الحرمين وغيره
الوجهان فيما إذا أراد المالك دفع غير الأنفع للمساكين فان أراد دفع الأنفع لزم الساعي قبوله
بلا خلاف لأنه مأمور بالمصلحة وهذا مصلحة قال الامام وان استوى ما يريده هذا وذاك في الغبطة
فالأظهر اتباع المالك هذا كله إذا كانت الإبل سليمة فإن كانت معيبة أو مريضة فأراد أن يصعد
إلى سن مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز هكذا قطع به المصنف والأصحاب في طريقتي العراق
وخراسان واتفقوا عليه ونقله امام الحرمين عن الأصحاب مطلقا ثم قال والذي يتجه عندي أنا
ان قلنا الخيرة للمالك في الصعود والنزول فالامر على ما ذكره الأصحاب وان قلنا الخيرة
للساعي فرآه غبطة للمساكين فالوجه القطع بجوازه قال وهذا واضح وهو مراد الأصحاب
قطعا وان قلنا الخيرة للمساكين لم يجز لأنه إنما يستحق الجبران المسمي بدلا عما بين السنين السليمتين
ومعلوم أن الذي بين المعيبين دون ذلك وهذه الصورة مستثناة من اطلاق الوجهين فيمن له الخيرة
ولو أراد النزول وهي معيبة ويبذل الجبران قبل منه لأنه متبرع بزيادة هكذا ذكره المصنف
والأصحاب واتفقوا عليه. قال أصحابنا: وإنما يجئ الصعود والنزول إذا عدم السن الواجبة أو
وجدها وهي معيبة أو نفيسة فأما ان وجدها وهي سليمة معتدلة وأراد النزول أو الصعود مع
جبران فليس له ذلك بلا خلاف ولا يجوز ذلك للساعي أيضا بلا خلاف فان وجدها وهي معيبة
406

فكالمعدومة وان وجدها وهي نفيسة بأن تكون حاملا أو ذات لبن أو أكرم إبله لم يلزمه اخراجها
ولا يجوز للساعي اخذها بغير رضاء المالك فإن لم يسمح بها المالك فهي كالمعدومة وينتقل إلى سن أعلى أو
أسفل بلا خلاف صرح به الماوردي والبغوي وغيرهما ولم يذكروا فيه الوجه السابق فيما إذا ألزمه
بنت مخاض وإبله مهزولة ولم يجد بنت مخاض الا نفيسة انها لا تكون كالمعدومة. قال أصحابنا
وحيث قلنا ينزل فنزل ودفع الجبران أجزأه سواء كان السن الذي نزل إليه مع الجبران يبلغ قيمة
السن الذي نزل عنه أم لا ولا نظر إلى التفاوت لان هذا جائز بالنص (واما) إذا وجب عليه
جذعة وليست عنده وعنده ثنية فان دفعها ولم يطلب جبرانا. قبلت منه وقد زاد خيرا وان طلب
جبرانا فوجهان (أحدهما) تجزئه لأنها أعلى منه بسنة فهي كالجذعة مع الحقة (والثاني) لا لان
الجبران على خلاف الدليل ولا يتجاوز به أسنان الزكاة التي ورد فيها الحديث ولان الجذعة
تساوى الثنية في القوة والمنفعة فلا يحتمل معها الجبران ونقل المصنف والأصحاب عن نص الشافعي
رضي الله عنه الاجزاء وهو الأصح عند جمهور الأصحاب وصحح الغزالي والمتولي والبغوي المنع
والمذهب الأول (اما) إذا لزمه بنت مخاض وليست عنده وليس عنده الا فصيل ابثي له دون
سنة فلا يجزئه مع الجبران بلا خلاف لأنه ليس مما يجزئ في الزكاة قال أصحابنا: ويجوز الصعود
والنزول بدرجتين وبثلاث ويكون مع الدرجتين جبرانان ومع الثلاث ثلاث (مثال ذلك)
وجبت بنت مخاض ففقدها وفقد بنت لبون وحقة ووجد جذعة دفعها واخذ ثلاث جبرانات وان
وجد حقة دفعها واخذ جبرانين وان وجبت جذعة ففقدها وفقد الحقة وبنت اللبون دفع بنت
مخاض مع ثلاث جبرانات فان وجد بنت لبون دفعها مع جبرانيين وهل يجوز الصعود والنزول
بدرجتين مع التمكن من درجة أو ثلاث مع التمكن من درجتين فيهما وجهان (الصحيح) عند
الأصحاب في الطريقتين لا يجوز وبه قطع الفوراني وصاحب العدة والبغوي وآخرون وصححه
407

الباقون (مثاله) وجبت بنت لبون فقدها ووجد حقة وجذعة فان أخرج الحقة وطلب جبرانا
جاز وان أخرج الجذعة ورضي بجبران واحد جاز وقد زاد خيرا وان طلب جبرانين فوجهان
(الصحيح) لا يجوز لأنه متمكن من تقليل الجبران ومستغن عن الجبران الثاني فلا يجوز كما لو وجد
الأصل ولو وجبت حقة ففقدها ووجد بنت لبون وبنت مخاض فأراد النزول إلى بنت مخاض ودفع
جبرانين ففيه الوجهان (الصحيح) لا يجوز ولو لزمه بنت لبون ففقدها وفقد الحقة ووجد جذعة وبنت
مخاض فان اخرج بنت مخاض مع جبران أجزأه وان أراد اخراج الجذعة مع جبرانين فوجهان
(أصحهما) الجواز وبه قطع الصيدلاني لان بنت المخاض وإن كانت أقرب لكنها ليست في الجهة
المعدول عنها بخلاف ما لو وجد حقة وجذعة فصعد إلى الجذعة وهذا الذي ذكرناه من ثبوت الجبرانين
والثلاثة هو نص الشافعي رضي الله عنه وجميع أصحابنا في كل الطرق إلا ابن المنذر فإنه نقل عن
الشافعي رضي الله عنه هذا ثم اختار لنفسه انه لا يجوز زيادة على جبران واحد كما ثبت في الحديث
والصواب الأول (اما) إذا لزمه حقة فاخرج بنتي لبون بلا جبران أو لزمه جذعة فاخرج بنتي لبون
أو حقتين بلا جبران فوجهان حكاهما القاضي حسين والمتولي وصاحب المستظهري وغيرهم (أصحهما)
يجزئه لأنهما يجزيان عما فوق إبله فعنها أولي (والثاني) لا لان في الواجب معني ليس هو في
المخرج (اما) إذا لزمه بنت لبون فاخرج ابن لبون ليقوم مقام بنت مخاض ويعطي معه جبرانا
فوجهان حكاهما صاحب الحاوي وغيره (أحدهما) يجوز لان ابن اللبون في حكم بنت المخاض
عند عدمها فصار كمعطي بنت مخاض مع جبران (والثاني) لا يجوز لان ابن اللبون أقيم مقام بنت
408

مخاض إذا كانت هي الفرض وليست هي هنا الفرض أما إذا كان معه إحدى وستون بنت مخاض فاخرج منها
بنت مخاض فالمذهب أنها لا تجزئه الا مع ثلاث جبرانات وبهذا قطع جمهور الأصحاب وذكر صاحب الحاوي
وجهين (أحدهما) هذا (والثاني) تكفيه وحدها ولا يلزمه زيادة عليها ولا جبران لئلا يجحف به
والله تعالى أعلم *
(فرع) اتفق الأصحاب على أنه لا يجوز لرب المال إذا توجه عليه جبران أن يبعضه فيدفع
شاة وعشرة دراهم وإن كان دافع الجبران هو الساعي فإن لم يرض رب المال بالتبعيض لم يجبر عليه
وان رضي به جاز تبعيضه هكذا صرح به امام الحرمين والمتولي والبغوي وآخرون ولا خلاف فيه
لان الحق في الامتناع من التبعيض لرب المال فإذا رضي به جاز كما لو قنع بشاة أو عشرة دراهم.
(وأما) ما قاله صاحب الحاوي والمحاملي والشيخ أبو محمد الجويني وآخرون لو أراد رب المال أو الساعي
دفع شاة وعشرة دراهم لم يجز (فمرادهم) إذا لم يرض رب المال بأخذ المبعض. ولو توجه جبرانان على
المالك أو الساعي جاز ان يخرج عن أحدهما عشرين درهما وعن الآخر شاتين ويجبر الآخر على
قبوله وكذا لو توجه ثلاثة جبرانات فاخرج عن أحدهما شاتين وعن الآخر أربعين درهما
أو عكسه جاز بلا خلاف لان كل جبران مستقل بنفسه فلم يتبعض واجب واحد بخلاف الجبران
الواحد وشبهه الأصحاب بكفارة اليمين؟ لا يجوز تبعيض كفارة واحدة فيطعم خمسة ويكسو خمسة
ولو وجب كفارتان جاز أن يطعم عشرة ويكسو عشرة *
(فرع) قال أصحابنا لا مدخل للجبران في زكاة البقر والغنم لأنه ثبت في الإبل على خلاف
القياس فلا يتجاوزه
(فرع) قال الإمام أبو سليمان الخطابي يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الشاتين
أو عشرين درهما تقديرا في جبران الزيادة والنقصان ولم يكل الامر في ذلك إلى اجتهاد الساعي
وغيره لان الساعي إنما يأخذ منهم الزكاة عند المياه غالبا وليس هناك حاكم ولا مقوم يفصل بينهما
إذا اختلفا فضبطت بقيمة شرعية كالصاع في المصراة أو الغرة في الجنين ومائة من الإبل في قبل
النفس قطعا للتنازع *
(فرع) في ألفاظ الكتاب * حديث أنس في كتاب الصدقة سبق بيانه في أول الباب (وقوله)
ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة لفظ صدقة مرفوع غير منون بل مضاف إلى الجذعة
والجذعة مجرور بالإضافة وكذا قوله بعده صدقة الحقة (وأما) المصدق المذكور في الفصل (فهو)
الساعي وهو بتخفيف الصاد (وأما) المالك فالمشهور فيه المصدق - بتشديد الصاد وكسر الدال - على
المشهور وقيل يقال بتخفيف الصاد وقال الخطابي هو بفتح الدال *
409

(فرع) في مذاهب العلماء فيمن وجب عليه سن وفقدها * قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يخرج أعلي
منها بسنة ويأخذ جبرانا أو أسفل بسنة ويدفع جيرانا وهو شاتان أو عشرون درهما وبه قال إبراهيم
النخعي واحمد وأبو ثور وداود وإسحاق بن راهويه في رواية عنه * وحكى ابن المنذر عن علي والثوري
وأبي عبيد وإسحاق في رواية عنه ان الجبران شاتان أو عشرة دراهم وعن مكحول والأوزاعي
أنه يجب قيمة السن الواجب * وعن مالك انه يلزم رب المال شراء ذلك السن وعن حماد بن أبي
سليمان الساعي يأخذ السن الموجود عنده ويجب ما بين قيمتهما * احتج أصحابنا بحديث أنس
السابق في أول الباب * واحتج لعلي رضي الله عنه وموافقيه بحديث ضعيف والله تعالى أعلم. *
* قال المصنف رحمه الله *
{وإن اتفق في نصاب فرضان كالمائتين هي نصاب خمس بنات لبون ونصاب ربع حقاق
(فقد قال في الجديد) تجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون (وقال في القديم) تجب أربع حقاق فمن
أصحابنا من قال يجب أحد الفرضين قولا واحدا ومنهم من قال فيه قولان (أحدهما) تجب الحقاق
لأنه إذا أمكن تغير الفرض بالسن لم يغير بالعدد كما قلنا فيما قبل المائتين (والثاني) يجب أحد الفرضين
لما روى سالم في نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق
أو خمس بنات لبون " فعلى هذا ان وجد أحدهما تعين اخراجه لان المخير في الشيئين إذا تعذر عليه
أحدهما تعين عليه الآخر كالمكفر عن اليمين إذا تعذر عليه العتق والكسوة تعين عليه الاطعام
وان وجدهما اختار المصدق أنفعهما للمساكين وقال أبو العباس يختار صاحب المال ما شاء منهما
وقد مضى دليل المذهبين في الصعود والنزول فان اختار المصدق الأدنى نظرت فإن كان ذلك
بتفريط من رب المال بأن لم يظهر أحد الفرضين أو من الساعي بان لم يجتهد وجب رد المأخوذ أو بدله
إن كان تالفا فإن لم يفرط واحد منهما أخرج رب المال الفضل وهو ما بين قيمة الصنفين وهل
يجب ذلك أم لا فيه وجهان (أحدهما) يستحب لان المخرج يجزئ عن الفرض فكان الفضل مستحبا
(والثاني) انه واجب وهو ظاهر النص لأنه لم يؤد الفرض بكماله فلزمه إخراج الفضل فإن كان
الفضل يسيرا لا يمكن أن يشترى به جزء من الفرض تصدق به وإن كان يمكن ففيه وجهان (أحدهما)
يجب لأنه يمكن الوصول إلى جزء من الفرض فلم تجز فيه القيمة (والثاني) لا يجب لأنه يتعذر ذلك
في العادة فان عدم الفرضان في المال نزل إلى بنات مخاض أو صعد إلى الجذاع مع الجبران وإن وجد
أحد الفرضين وبعض الآخر أخذ الموجود فان أراد أن يأخذ بعض الآخر مع الجبران لم يجز لان
أحد الفرضين كامل فلم يجز العدول إلى الجبران وإن وجد من كل واحد منهما بعضه بأن كان في
المال ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فأعطى الثلاث الحقاق وبنت لبون مع الجبران جاز وإن أعطى
410

أربع بنات لبون وحقة وأخذ الجبران جاز وإن أعطي حقة وثلاث بنات لبون مع كل بنت لبون
جبران ففيه وجهان (أحدهما) يجوز كما يجوز في ثلاث حقاق وبنت لبون (والثاني) لا يجوز لأنه يمكنه
أن يعطي ثلاث حقاق وبنت لبون وجبرانا واحدا فلا يجوز ثلاث جبرانات ولأنه إذا أعطي ثلاث
بنات لبون مع الجبران ترك بعض الفرض وعدل إلى الجبران فلم يجز كما لا يجوز أخذ الجبران إذا
وجد أحدهما كاملا وإن وجد الفرضين معيبين لم يأخذ بل يقال له اما أن تشترى الفرض الصحيح
وإما أن تصعد مع الجبران أو تنزل مع الجبران وإن كانت الإبل أربعمائة وقلنا إن الواجب أحد
الفرضين جاز أن يأخذ عشر بنات لبون أو ثماني حقاق فان راد أن يأخذ عن مائتين أربع حقاق
وعن مائتين خمس بنات لبون جاز وقال أبو سعيد الإصطخري لا يجوز كما لا يجوز ذلك في المائتين
والمذهب الأول لأنهما فريضتان فجاز أن يأخذ في أحدهما جنسا وفى الآخر جنسا آخر كما لو كان
عليه كفارتا يمين فاخرج في إحداهما الكسوة وفى الأخرى الطعام *
{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إذا بلغت الماشية حدا يخرج فرضه بحسابين كالمائتين
من الإبل فهل الواجب خمس بنات لبون أم أربع حقاق فيه نصان (قال في القديم) الحقاق (وقال
في الجديد) أحدهما وللأصحاب طريقان (أحدهما) القطع بالجديد وتأولوا القديم على أنه أراد أن الحقاق
أنفع للمساكين لا انها تجب مطلقا (وأصحهما) وأشهرهما فيه قولان (أصحهما) باتفاقهم الفرض
أحدهما (والثاني) الفرض الحقاق حتما فان قلنا بهذا أو وجد الحقاق بصفة الاجزاء من غير نفاسة
تعين إخراجها وإلا نزل إلى بنات اللبون أو صعد إلى الجذاع مع الجبران كما سبق وإن شاء اشترى
الحقاق ولم يذكر المصنف تفريع هذا القول لضعفه وإن قلنا بالمذهب ان الواجب أحدهما فللمال
خمسة أحوال (أحدها) أن يوجد فيه القدر الواجب من أحد الصنفين بكماله دون الآخر ولا يكلف
تحصيل الصنف الآخر بلا خلاف لما ذكره المصنف. قال أصحابنا: وسواء كان الصنف الآخر
أنفع للمساكين أم لا ونقل الماوردي وغيره الاتفاق على هذا قال أصحابنا ولا يجوز والحالة هذه
الصعود ولا النزول مع الجبران لأنه لا ضرورة إليه قالوا وسواء عدم كل الصنف الآخر أم بعضه
وكذا لو وجد الصنفان وأحدهما معيب فهو كالمعدوم (الحال الثاني) أن لا يوجد في ماله شئ من
الصنفين أو يوجدا وهما معيبان فإذا أراد تحصيل أحدهما بشراء أو غيره فله أن يحصل أيهما شاء
فإذا حصل أحدهما صار واجدا له ووجب قبوله منه وإن كان الآخر أنفع للمساكين هذا هو المذهب
وبه قطع المصنف والجمهور في الطريقتين وفيه وجه حكاه إمام الحرمين وغيره أنه يتعين شراء
الأجود للمساكين وهو الوجه الضعيف الذي قدمناه عن الخراسانيين أنه إذا لزمه بنت مخاض
ولم يجدها ولا وجد ابن لبون أنه يتعين عليه شراء بنت مخاض ولا يجزئه ابن لبون والمذهب كذا في الأصل ولعله فيؤخذ ولا يكلف
411

القطع بجواز ابن لبون وكذا هنا المذهب جواز شراء المفضول لأنه إذا اشتراه صار موجودا
عنده قال المصنف والأصحاب وله أن لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون بل ينزل أو يصعد مع
الجيران والأصحاب على هذا لكن قالوا ينزل من بنات لبون إلى خمس بنات مخاض ويدفع خمس
جبرانات أو يصعد من الحقاق إلى أربع جذاع ويأخذ أربع جبرانات قال أصحابنا ولا يجوز ان يصعد
من خمس بنات لبون إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات ولا أن ينزل من أربع حقاق
إلى أربع بنات مخاض ويدفع ثمان جبرانات هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير في الطريقتين لان
الجبران خلاف الأصل وإنما جاز للضرورة في موضعه ولا ضرورة هنا إلى النزول أو الصعود
بسنين وحكي الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق وصاحب الشامل وغيرهما وجها أنه يجوز النزول
والصعود هنا بسنين كما لو لزمه حقة فلم يجد الا بنت مخاض فإنها تكفيه مع جبرانين أو لزمه بنت مخاض
فلم يجد الا حقة فدفعها وطلب جبرانين فإنه يقبل قال أبو محمد والفرق على المذهب أن في صورتي
الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيما نحن يتخطى قال أصحابنا ولو عدم الفرضين وما ينزل إليه
وما يصعد إليه فله أن يشترى ما شاء ان شاء أحد الفرضين وان شاء أعلا منهما أو أسفل مع الجبران
كما سبق قال الجرجاني وغيره وشراء الفرض أفضل والله تعالى أعلم (الحال الثالث) أن يوجد
الصنفان بصفة الاجزاء من غير نفاسة فالمذهب انه يجب الأغبط للمساكين وهذا هو المنصوص
للشافعي رضي الله عنه وبه قال جمهور أصحابنا المتقدمين وقطع به جماعات من المصنفين وصححه
الباقون وقال ابن سريج المالك بالخيار لكن يستحب له إخراج الأغبط للمساكين إلا أن يكون
ولي محجور عليه فيراعى حظه فإذا قلنا بالمذهب فأخذ الساعي غير الأغبط ففيه ستة أوجه (أصحها)
وبه قطع المصنف وكثيرون وصححه الباقون أنه إن كان ذلك بتقصير من المالك بأن أخفى الأغبط
أو من الساعي بأن علم أنه غير الأغبط أو ظنه بغير اجتهاد وتأمل أو بهما لم يقع المأخوذ عن الزكاة
وإن لم يقصر واحد منها وقع عن الزكاة (والوجه الثاني) إن كان المأخوذ باقيا في يد الساعي لم يقع
عن الزكاة وان لم يقصرا والا وقع عنها قاله أبو علي بن خيران وقطع به البغوي (والثالث) ان فرقه
على المستحقين من أهل الزكاة وظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال والا فلا (والرابع) ان دفعه
المالك مع علمه بأنه الأدنى لم يجزئه وإن كان جاهلا أجزأه ولا نظر إلى الساعي (والخامس) لا يجزئه
بكل حال (والسادس) يجزئه بكل حال حكاه القاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ وآخرون
وحيث قلنا لا يقع عن الزكاة لزمه اخراجها مرة أخرى وعلى الساعي ردما أخذه إن كان باقيا وقيمته إن كان
تالفا وحيث قلنا يقع عنها يؤمر باخراج قدر التفاوت وهل هو مستحب أم واجب فيه وجهان مشهوران
ذكر هما المصنف والأصحاب (أحدهما) مستحب ووجهوه بالقياس بما إذا أدى اجتهاد الامام إلى اخذ القيمة
412

عن الزكاة واخذها لا يجب شئ آخر (وأصحهما) انه واجب صححه أصحابنا قال المصنف وغيره
هو ظاهر النص لأنه لم يدفع الفرض بكماله فوجب جبر نقصه قال المتولي وغيره وإذا قلنا يقع عن
الزكاة وكان باقيا يستحب استرداده ودفع الأغبط للخروج من الخلاف وللرفق بالمساكين قال
أصحابنا: ويعرف التفاوت بالنظر إلى القيمة فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون
أربعمائة وخمسين وقد أخذ الحقاق وجب خمسون وإن كانت أربعمائة وعشرة وجب عشرة
فإن كان التفاوت يسيرا لا يحصل به شقص من ناقة دفع دراهم للضرورة هكذا قاله المصنف
والأصحاب في جميع طرقهم إلا صاحب التقريب فإنه أشار إلى أنه يوقف فيه وهو شاذ باطل. وإن
حصل به شقص فوجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب (أحدهما) يجب شراؤه لأنه يمكن
الوصول إلى جزء من الفرض ولا تجزئ فيه القيمة (وأصحهما) لا يجب بل يجوز دفع الدراهم بنفسها
اتفقوا على تصحيحه ممن صرح بتصحيحه صاحب الشامل والمستظهري والرافعي وآخرون ووجهوه
بأنه يتعذر في العادة أو يشق قالوا ولأنه يعدل في الزكاة إلى غير الجنس الواجب للضرورة كمن
وجب عليه شاة في خمس من الإبل ففقد الشاة ولم يمكنه تحصيلها فإنه يخرج قيمتها دراهم ويجزئه
وكمن لزمه بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن فإنه يعدل إلى القيمة. قال أصحابنا
فان جوزنا الدراهم فاخرج شقصا جاز باتفاقهم قال امام الحرمين: وفيه أدنى نظر لما فيه من العسر
على المساكين. وان أوجبنا شراء شقص ففيه أربعة أوجه (أصحها) يجب أن يشتريه من جنس
الأغبط لأنه الأصل (والثاني) يجب من جنس المخرج لئلا يتبعض المخرج (والثالث) يتخير بينهما
واختاره امام الحرمين (والرابع) يجب شقص من بعير أو شاة ولا تجزئ بقرة لأنها لا تدخل في
زكاة الإبل وبهذا قطع صاحب الحاوي. وحيث قلنا يخرج شقصا وجب تسليمه إلى الساعي ان
أوجبنا صرف زكاة الأموال الظاهرة إلى الامام أو الساعي. وان أخرج الدراهم وقلنا يجب تسليم
الظاهرة إلى الامام أو الساعي فهنا وجهان حكاهما البغوي وآخرون (أصحهما) يجب صرفها إلى الساعي
لأنه جبران المال الظاهر (والثاني) يجوز للمالك ان يصرفها بنفسه على الأصناف لان الدراهم من
الأموال الباطنة. هذا كله إذا قلنا دفع التفاوت واجب فإنه قلنا مستحب فله أن يفرقه كيف شاء
ولا يتعين لاستحبابه الشقص بالاتفاق. ثم أن الأصحاب أطلقوا عباراتهم باخراج التفاوت دراهم
وقال الماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد وامام الحرمين وغيرهم دراهم أو دنانير ومراد الجمع نقد البلد
إن كان دراهم فدراهم وإن كان دنانير فدنانير وقد صرح بهذا القاضي حسين في تعليقه والشيخ إبراهيم
المروزي وآخرون والله أعلم (الحال الرابع) ان يوجد بعض كل واحد من الصنفين بان يجد ثلاث حقاق وأربع
بنات لبون فهو بالخيار بين ان يجعل الحقاق أصلا فيدفعها مع بنت لبون وجبران وبين ان يجعل بنات اللبون
413

أصلا فيدفعها ويأخذ جبرانا قال البغوي وغيره ويجوز دفع بنات اللبون مع بنات مخاض
وجبران ويجوز دفع الحقاق مع جذعة ويأخذ جبرانا وهل يجوز أن يدفع حقة مع ثلاث بنات لبون
وثلاث جبرانات فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما) الجواز صححه إمام
الحرمين والغزالي وغيرهما حتى قال امام الحرمين الوجه القائل بالمنع مزيف لا أصل له ووجه الجواز
أن الشرع أقام بنت اللبون مع الجبران مقام حقة ووجه الاجزاء أنه لا يصار إلى الجبران إذا أمكن
الاستغناء عنه وصحح البندنيجي هذا ولو لم يجد الا أربع بنات لبون وحقة فدفع الحقة مع ثلاث
بنات لبون وثلاث جبرانات ففيه الوجهان ويجريان في نظائرها والأصح في الجميع الجواز (الحال
الخامس) أن يوجد بعض أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شئ بأن لم يجد الا حقتين فله اخراجهما
مع جذعتين ويأخذ جبرانين وله ان يجعل بنات اللبون أصلا فيخرج خمس بنات مخاض مع خمس
جبرانات ولو لم يجد الا ثلاث بنات لبون فله اخراجهن مع بنتي مخاض وجبرانين وله ان يجعل
الحقاق أصلا فيخرج أربع جذعات بدلها ويأخذ أربع جبرانات هكذا ذكر البغوي الصورتين
ولم يذكر فيهما خلافا قال الرافعي وينبغي أن يكون فيهما الوجهان السابقان في الحال الرابع قال ولعله
فرعه على الأصح والله أعلم *
(فرع) إذا بلغت البقر مائة وعشرين ففيها أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات وحكمها بلوغ
الإبل مائتين في جميع ما ذكرناه من الخلاف والتفريع وفاقا وخلافا *
(فرع) قال أصحابنا: لو أخرج صاحب الإبل حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز بالاتفاق
لان الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون ولم يخرج واحدا منهما ولو ملك أربعمائة فعليه ثمان
حقاق أو عشر بنات لبون ويعود فيها من الخلاف والتفريع جميع ما سبق في المائتين ولو أخرج
عنها خمس بنات لبون وأربع حقاق جاز على الصحيح الذي قاله الجمهور وصححه المصنف وسائر
المصنفين ومنعه الإصطخري لتفريق الواجب كما لو فرقه في المائتين وأجاب الجمهور بأن كل مائتين
أصل منفرد فصار ككفارتي يمينين وأنه يجوز أن يطعم في إحداهما ويكسو في الأخرى بلا خلاف
وأما المائتان فالتفريق فيها كتفريق كفارة واحدة وأجابوا بجواب آخر وهو ان منع التفريق في
المائتين ليس هو لمجرد التفريق بل المانع تشقيص. ولهذا لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون
أو أربع بنات لبون وحقة جاز بالاتفاق وقد زاد خيرا لان ذلك يجزئ عما فوق مائتين فعن
مائتين أولي ويجرى خلاف الإصطخري متى بلغ المال ما يخرج منه بنات اللبون والحقاق فلا
تشقيص والمذهب الجواز ويجرى مثله في البقر إذا بلغت مائتين وأربعين (فان قيل) ذكرتم
أن الساعي يأخذ الأغبط ويلزم من هذا أن يكون أغبط الصنفين هو المخرج وكيف يجوز البعض
414

من هذا والبعض من ذاك. قال الرافعي (الجواب) ما أجاب به ابن الصباغ قال: يجوز أن يكون
لهم حظ ومصلحة في اجتماع النوعين قال وفى هذا تصريح من ابن الصباغ بأن الغبطة غير منحصرة
في زيادة القيمة لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر إخراج قدر التفاوت. هذا كلام
الرافعي. ويجاب عن اعتراضه على ابن الصباغ بأن التفاوت في معظم الأحوال يكون في القيمة
وقد يكون في غير القيمة وقد قال ابن الصباغ والمتولي ان الساعي لا يفعل التبعيض الا على قدر
المصلحة إذا قلنا بالمذهب والمنصوص وهو وجوب الأغبط للمساكين (فأما) على قول ابن سريج
ان الخيار للمالك فصورة المسألة ظاهرة والله تعالى أعلم *
(فرع) في ألفاظ الكتاب (قوله) لما روى سالم في نسخة كتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم " فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون " هذا الحديث رواه أبو
داود والبيهقي وغيرهما في بعض طرق حديث ابن عمر السابق في أول الباب ولفظه في الإبل
" فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت اخذت " وسالم
هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وروى هذا الحديث عن أبيه ولكن هذه
الزيادة المذكورة لم يذكر سالم سماعه لها من أبيه لكن قرأها من كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قوله) اختار المصدق أنفعهما للمساكين قد سبق ان المصدق بتخفيف الصاد هو الساعي
وهو المراد هنا واما لفظ المساكين فيستعمله المصنف والأصحاب في هذا الموضع ونظائره
ويريدون به أصحاب السهمان كلهم وهم الأصناف الثمانية ولا يريدون به المساكين الذين
هم أحد الأصناف. وكذلك يطلقون الفقراء في مثل هذا ويريدون به جميع الأصناف
وذلك لكون الفقراء والمساكين أشهر الأصناف وأهمهم والله تعالى اعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{باب زكاة البقر}
{أول نصاب البقر ثلاثون وفرضه تبيع وهو الذي له سنة وفى أربعين مسنة وهي التي لها سنتان
وعلى هذا ابدا في كل ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة. والدليل عليه ما روى معاذ رضي الله عنه
قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني ان آخذ من كل أربعين بقرة
بقرة ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة " وإن كان فرضه التبيع فلم يجد لم يصعد إلى المسنة مع الجبران
وإن كان فرضه المسنة فلم يجد لم ينزل إلى التبيع مع الجبران فان ذلك غير منصوص عليه والعدول
إلى غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز} *
415

{الشرح} حديث معاذ مشهور رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي
وآخرون قال الترمذي هو حديث حسن قال وروى مرسلا وهو أصح وقد رواه الترمذي وغيره
من حديث عبد الله بن مسعود أيضا إلا أن اسناد حديث ابن مسعود ضعيف وروى أيضا من حديث علي رضي الله عنه
مرفوعا قال البيهقي: واما الأثر الذي يرويه معمر عن الزهري عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما
قال " في خمس من البقر شاة وفى عشر شاتان وفى خمس عشرة ثلاث شياه وفى عشرين أربع
شياه قال الزهري وإذا كانت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى عشرين ومائة
فإذا زادت ففي كل أربعين بقرة " قال الزهري وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " في
كل ثلاثين بقرة تبيع وفى كل أربعين بقرة " ان ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ثم كان هذا بعد ذلك
قال البيهقي فهذا حديث موقوف منقطع. والبقر اسم جنس واحدته باقورة وبقرة وتقع البقرة على
الذكر والأنثى هذا هو المشهور وقيل غيره وهو مشتق من بقرت الشئ إذا شققته لأنها تشق
الأرض بالحراثة وسمى التبيع تبيعا لأنه يتبع أمه وقيل لان قرنيه يتبعان أذنيه وهو ضعيف والأنثى
تبيعة ويقال لهما جذع وجذعة والمسنة لزيادة سنها ويقال لها ثنية. قال الشافعي رضي الله عنه
والأصحاب: أول نصاب البقر ثلاثون وفيها تبيع ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ
فيها حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان ثم يستقر الحساب ففي كل ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة ويتغير
الفرض بعشرة عشرة ففي سبعين تبيع ومسنة وثمانين مسنتان وتسعين ثلاثة أتبعة ومائة تبيعان
ومسنة ومائة وعشرة مسنتان وتبيع ومائة وعشرون ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة وحكمه كما سبق
فيما إذا بلغت الإبل مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون وقد سبق مستوفى وفى مائة
وثلاثين ثلاثة أتبعة ومسنة ومائة وأربعين مسنتان وتبيعان ومائة وخمسين خمسة أتبعة وهكذا أبدا
وان اختصرت قلت: أول نصاب البقر ثلاثون وفى كل ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة: قال
أصحابنا: وإذا وجب تبيع فاخرج تبيعة أو مسنة أو مسنا قيل منه لأنه أكمل من الواجب ولو وجب
مسنة فاخرج تبيعين قبل منه وان اخرج مسنا لم يقبل هكذا قاله الأصحاب وقطعوا به في الطريقتين
وقاله صاحب التهذيب ثم قال عندي انه لا يجوز تبيعان عن مسنة لان الشرع أوجب في أربعين سنا
ابدا فلا يجوز نقصان السن لزيادة العدد كما لو اخرج عن ست وثلاثين بنتي مخاض لا يجوز هذا
كلام صاحب التهذيب وقد حكى الرافعي هذا الذي اختاره صاحب التهذيب لنفسه وجها وهو
غلط مخالف للمذهب والدليل. والفرق بين هذه المسألة وما قاس عليه ظاهر لان التبيعين يجزيان عن
ستين فعن أربعين أولى بخلاف بنتي مخاض فإنهما ليستا فرضا نصاب. قال المصنف والأصحاب التبيع
ما استكمل سنة ودخل في الثانية والمسنة ما استكملت سنتين ودخلت في الثالثة: هذا هو الصواب
416

المعروف للشافعي والأصحاب وشذ الجرجاني فقال في كتابه التحرير: التبيع ماله دون سنة وقيل
ماله سنة والمسنة مالها سنة وقيل سنتان * وكذا قول صاحب الإبانة التبيع ما استكمل سنة وقيل
الذي يتبع أمه وإن كان له دون سنة وقال الرافعي وحكي جماعة ان التبيع له ستة أشهر والمسنة لها
سنة وهذا كله غلط ليس معدودا من المذهب والله تعالى أعلم * قال أصحابنا وإذا وجب تبيع أو
مسنة ففقده لم يجز الصعود أو النزول مع الجبران بلا خلاف لما ذكره المصنف وسبقت
المسألة في زكاة الإبل والله سبحانه وتعالي اعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
* {باب زكاة الغنم} *
{أول نصاب الغنم أربعون وفرضه شاة إلى مائة واحدى وعشرين فيجب شاتان إلى مائتين
وواحدة فيجب ثلاث شياه ثم يجب في كل مائة شاة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم " كتب كتاب الصدقة وفيه وفى الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة
فإذا زادت واحدة ففيها شاتان فإذا زادت على المائتين شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإن كانت
الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة " والشاة الواجبة في الغنم الجذعة من الضأن والثنية من المعز
والجذعة هي التي لها سنة وقيل ستة أشهر والثنية التي لها سنتان} *
{الشرح} حديث ابن عمر مشهور رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم قال الترمذي
في كتاب الجامع المشهور هو حديث حسن وقال هو في كتاب العلل سألت البخاري عنه فقال
أرجوا أن يكون محفوظا وهذا الحديث يرويه سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه وسفيان ابن حسين ثقة. وقد تكلم جماعة من أئمة الحديث في رواية سفيان
ابن حسين عن الزهري وذكر الترمذي في الجامع أن هذا الحديث رواه يونس بن يزيد وغير
واحد عن أصحاب الزهري عن الزهري عن سالم ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان وذكر البيهقي عن
الحافظ أبي احمد عبد الله بن عدي أنه قال: قد وافق سفيان بن حسين على هذه الرواية عن سالم
عن أبيه سليمان بن كثير والله تعالى اعلم * ولو احتج المصنف بحديث أنس المذكور في صحيح
البخاري الذي قدمناه في أول باب زكاة الإبل لكان أحسن لان فيه ما في حديث ابن عمر وقد
جاء في رواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ذكرها البيهقي وغيره " فإذا كانت مائتين وشاة
ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة فليس فيها الا ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة
شاة فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة " فهذه الزيادة ترد ما حكي عن النخعي والحسن بن
صالح في قولهما إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجب أربع شياه إلى أربعمائة فإذا زادت واحدة فخمس شياه ومذهبنا
417

ومذهب العلماء كافة غيرهما أنه لا شئ فيها بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فيجب أربع
شياه قال أصحابنا. أول نصاب الغنم أربعون بالاجماع وفيه شاة بالاجماع أيضا ثم لا شئ حتى
تبلغ مائة واحدى وعشرين ففيها شاتان ثم لا شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة فثلاث شياه ثم لا
شئ فيها حتى تبلغ أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة ويتغير الفرض بعد هذا بمائة
مائة. وأكثر وقص الغنم مائتان الا شاتين وهو ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة والله تعالى
أعلم * قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: الشاة الواجبة هنا جذعة ضان أو ثنية معز وسبق
بيان سنهما والاختلاف فيه في زكاة الإبل والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{إذا كانت الماشية صحاحا لم يؤخذ في فرضها مريضة لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يؤخذ
في الصدقة هرمة ولا ذات عوار - وروى لا ذات عيب " وإن كانت مراضا أخذت مريضة ولا يجب
إخراج صحيحة لان في ذلك اضرارا الرب المال وإن كان بعضها صحاحا وبعضها مراضا
أخذ عنها صحيحة ببعض قيمة فرض صحيح وبعض قيمة فرض مريض لأنا لو أخذنا مريضة لتيممنا الخبيث
وقد قال الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وإن كانت الماشية كبار الأسنان كالثنايا والبزل
في الإبل لم يؤخذ غير الفرض المنصوص عليه لأنا لو أخذنا كبار الأسنان أخذنا عن خمس وعشرين
جذعة ثم نأخذها في إحدى وستين فيؤدي إلى التسوية بين القليل والكثير وإن كانت الماشية
صغارا نظرت فإن كانت من الغنم أخذ منها صغيرة لقول أبى بكر الصديق رضي الله عنه " لو منعوني
عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " ولأنا لو أوجبنا فيها كبيرة أضررنا
برب المال وإن كانت من الإبل والبقر ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق تؤخذ الفرائض المنصوص عليها
بالقسط فيقوم النصاب من الكبار ثم يقوم فرضه ثم يقوم النصاب من الصغار ويؤخذ كبيرة بالقسط
(ومن) أصحابنا من قال إن كان المال مما يتغير الفرض فيه بالسن لم يجز لأنه يؤدى إلى أن
يؤخذ من القليل ما يؤخذ من الكثير وإن كان مما يتغير الفرض فيه بالعدد أخذ صغيرة لأنه لا يؤدى إلى أن
يؤخذ من القليل ما يؤخذ من الكثير فأخذ الصغير من الصغار كالغنم والصحيح هو الأول لان
هذا يؤدي إلى أن يؤخذ من ست وسبعين فصيلان ومن إحدى وتسعين فصيلان وإن كانت
الماشية إناثا أو ذكور وإناثا نظرت فإن كانت من الإبل والغنم لم يؤخذ في فرضها الا الإناث لان النص ورد فيها
بالإناث على ما مضي ولان في اخذ الذكر من الإناث تيمم الخبيث وقد قال الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون) وإن كانت من البقر نظرت فإن كانت في فرض الأربعين لم يجز الا الإناث لما ذكرناه
وإن كانت في فرض الثلاثين جاز فيه الذكر والأنثى لحديث معاذ في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وان
418

كانت كلها ذكورا نظرت فإن كانت من من الغنم اخذ واحد منها وإن كانت من الإبل أو من
الأربعين من البقر ففيه وجهان (قال) أبو إسحاق لا يجوز الا الأنثى فيقوم النصاب من الإناث والفرض
الذي فيها ثم يقوم النصاب من الذكور ويؤخذ أنثى بالقسط حتى لا يؤدى إلى التسوية بين الذكور
والإناث والدليل عليه انه لا يؤخذ الا الأنثى لان الفرائض كلها إناث الا في موضع الضرورة ولا
ضرورة ههنا فوجبت الأنثى وقال أبو علي بن خيران يجوز فيه الذكور وهو المنصوص في الام
والدليل عليه ان الزكاة وضعت على الرفق والمواساة فلو أوجبنا الإناث من الذكور أجحفنا برب
المال قال أبو إسحاق الا انه يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ
في خمس وعشرين حتى لا يؤدى إلى التسوية بين القليل والكثير في الفرض وإن كانت الماشية
صنفا واحدا أخذ الفرض منه وإن كانت أنواعا كالضان والمعز والجواميس والبقر والبخاتي
والعراب ففيه قولان (أحدهما) انه يؤخذ الفرض من الغالب منهما وإن كانوا سواء أخذ الساعي
أنفع النوعين للمساكين لأنا لو ألزمناه الفرض من كل نوع شق فاعتبر الغالب (والقول الثاني) انه
يؤخذ من كل نوع بقسطه لأنها أنواع من جنس واحد فأخذ من كل نوع بقسطه كالثمار فعلى هذا
إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز قوم النصاب من الضأن فيقال قيمته مثلا مائة ثم
يقوم فرضه فيقال قيمته عشرة ويقوم نصاب المعز فيقال قيمته خمسون ثم يقوم فرضه فيقال قيمته
خمسة فيقال له اشتر شاة من أن النوعين شئت بسبعة ونصف وأخرج} *
{الشرح} هذا الحديث صحيح رواه البخاري من رواية أنس وهو حديث طويل سبق
بيانه في أول باب زكاة الإبل وسبق هناك أن العوار - بفتح العين وضمها - وهو العيب وهذا الفصل
ومسائله ليس للغنم خاصة بل للماشية كلها وكان ينبغي للمصنف أن يفرده بباب ولا يدخله في باب
زكاة الغنم ومع هذا فذكره هنا له وجه * وحاصل الفصل بيان صفة المخرج في زكاة الماشية * قال
أصحابنا رحمهم الله تعالى * إن كانت الماشية كاملة أخرج الواجب منها وإن كانت ناقصة فأسباب
النقص خمسة (أحدها) المرض فإن كانت الماشية كلها مراضا أخذت منها مريضة متوسطة لئلا يضرر
المالك ولا المساكين وإن كان بعضها صحيحا وبعضها مريضا فإن كان الصحيح قدر الواجب فأكثر
لم تجز المريضة إن كان الواجب حيوانا واحدا وإن كان اثنين ونصف ماشيته صحاح ونصفها مراض
كبنتي لبون في ست وسبعين وكشاتين في مائتين فطريقان (أصحهما) وبه قطع العراقيون وجمهور
الخراسانيين يجب صحيحتان بالقسط كما سنوضحه إن شاء الله تعالى لعموم قوله تعالى (ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون) (والطريق الثاني) حكاه صاحب التهذيب فيه وجهان (أحدهما) هذا (وأصحهما)
عنده يجزئه صحيحة ومريضة والمذهب الأول فإن كان الصحيح من ماشيته دون قدر الواجب كشاتين
419

في مائتين ليس فيها إلا صحيحة واحدة فطريقان (الصحيح) وبه قطع العراقيون والصيدلاني وجمهور
الخراسانيين يجزئه مريضة وصحيحة بالقسط (والطريق الثاني) فيه وجهان حكاهما جماعة من
الخراسانيين (أصحهما) هذا (والثاني) وبه قال أبو محمد الجويني يجب صحيحتان بالقسط ولا تجزئه
صحيحة ومريضة لان المخرجتين يزكيان أنفسهما والمال فكل واحدة تزكي الأخرى فيلزم منه أن
تزكي مريضة صحيحة * قال أصحابنا وإذا انقسم المال إلى صحاح ومراض وأوجبنا صحيحة لم يكلف
ان يخرجها من نفس ماله ولا يكلف صحيحة كاملة مساوية لصحيحة ماله في القيمة بل يجب صحيحة
لائقة بماله (مثاله) أربعون شاة نصفها صحاح ونصفها مراض قيمة كل صحيحة منها ديناران وقيمة
كل مريضة دينار فعليه صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وذلك دينار ونصف * ولو
كانت الصحاح في المثال المذكور ثلاثين فعليه صحيحة بثلاثة أرباع قيمة صحيحة وربع قيمة مريضة
وهو دينار وربع عشر دينار والمجموع ربع عشر المال ومتي قوم جملة النصاب وكانت الصحيحة
المخرجة ربع عشر قيمة الجملة كفاه فلو ملك مائة واحدى وعشرين شاة فلتكن قيمة الشاتين المأخوذتين
جزئين من مائة واحدى وعشرين جزءا من قيمة الجملة: وان ملك خمسا وعشرين من
الإبل فلتكن قيمة بنت المخاض المأخوذة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة
الجملة وقس على هذا سائر النصب وواجباتها فلو ملك ثلاثين من الإبل نصفها صحاح ونصفها
مراض وقيمة كل صحيحة أربعة دنانير وكل مريضة ديناران وجب صحيحة بنصف قيمة صحيحة
ونصف قيمة مريضة وهو ثلاثة دنانير ذكره البغوي وغيره * قال الرافعي ولك ان تقول هلاكان
مبنيا على أن الوقص يتعلق به الفرض أم لا وان علقناه به فالحكم كما ذكروه وإلا فليقسط الواجب
على الخمس والعشرين (قلت) وهذا الاعتراض ضعيف لان الواجب بنت مخاض موزعة بالقيمة نصفين
فلا اعتبار بالوقص ولو ملك مائتي بعير فيها أربع حقاق صحاح وباقيها مراض لزمه أربع حقاق
صحاح قيمتهن خمس عشر قيمة الجميع وان لم يكن فيها صحيح إلا ثلاث حقاق أو ثنتان أو
واحدة اخذ صحيح بقدر الصحاح بالقسط وأخذ الباقي مراضا وفيه الوجه الضعيف السابق
عن البغوي والوجه السابق عن أبي محمد * (النقص الثاني) العيب وحكمه حكم المرض سواء
تمحضت الماشية معيبة أو انقسمت معيبة وصحيحة والمراد بالعيب هنا ما يثبت الرد في
البيع هذا هو الصحيح المشهور وفيه وجه انه هذا مع ما يمنع الاجزاء في الأضحية
حكاه الرافعي. ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا معيبة وفيها بنتا مخاض إحداهما من أجود
المال مع عيبها والأخرى دونها فهل يأخذ الأجود كما يأخذ الأغبط في بنات اللبون والحقاق أم الوسط
420

فيه وجهان حكاهما (1) والرافعي وغيرهم (الصحيح) الوسط لئلا يجحف برب المال. قال الشافعي
رضي الله عنه في المختصر: ويأخذ خير المعيب قال جمهور الأصحاب: ليس هذا على ظاهره بل
هو مؤول ومراد الشافعي رضي الله عنه أن يأخذ من وسطه لا أعلاه ولا أدناه ونقل الرافعي رحمه
الله تعالى اتفاق الأصحاب على هذا التأويل وأن ظاهر النص غير مراد وكذا قال السرخسي في
الأمالي: لا يختلف أصحابنا في أنه لا يؤخذ الا الوسط ولكن فيما يعتبر فيه الوسط وجهان (المذهب)
أنه يعتبر فيه العيب فلا يؤخذ أقلها عيبا ولا أكثرها عيبا ولكن يؤخذ الوسط في العيب (والثاني)
تعتبر القيمة فلا يؤخذ أقلها قيمة ولا أكثرها قيمة بل أوسطها. وحمل الأصحاب كلام الشافعي
على أنه إنما أراد فريضة مائتين من الإبل إذا كانت معيبة فيؤخذ الجنس الذي هو خير من الحقاق
أو بنات اللبون ولكن من أوسطها عيبا. هذا كلام السرخسي. وقال صاحب الحاوي: اختلف
أصحابنا في مراد الشافعي فمنهم من أجرى كلامه على ظاهره وأوجب أخذ خير المعيب من جميع ماله
قال وهذا غلط لأنه لا يطرد على أصل الشافعي قال ومنهم من قال أراد بذلك أخذ خير الفرضين
من الحقاق وبنات اللبون ولم يرد خير جميع المال قال وهو الصحيح وبه قال أبو علي بن خيران
وقيل أراد بخير المعيب أوسطه وعلى هذا في اعتبار الأوسط وجهان (أحدهما) أوسطها عيبا (مثاله)
أن يكون ببعضها عيب واحد وببعضها عيبان وببعضها ثلاثة عيوب فيأخذ ما به عيبان (والثاني)
أوسطها في القيمة (مثاله) أن يكون قيمة بعضها معيبا خمسين وقيمة بعضها معيبا مائة وقيمة بعضها
معيبا مائة وخمسين فيأخذ منها ما قيمة مائة قال فحصل للأصحاب في المسألة أربعة أوجه (أصحها)
ما قاله ابن خيران انه يأخذ خير الفرضين لا غير وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الام فقال
يأخذ خير المعيب من السن التي وجبت عليه (والثاني) وهو أشدها غلظا يأخذ خير المال كله
(والثالث) يأخذ أوسطها عيبا (والرابع) أوسطها قيمة هذا كلام صاحب الحاوي وفيه إثبات خلاف
بخلاف ما نقله الرافعي والله تعالى اعلم (النقص الثالث) الذكورة فإذا تمحضت الإبل إناثا أو انقسمت
ذكورا وإناثا لم يجز عنها الذكر إلا في خمس وعشرين فإنه يجزئ فيها ابن لبون عند فقد بنت
مخاض وهذا الذي ذكرنا من تعيين (2) متفق عليه في الخمس والعشرين وإن تمحضت ذكورا فثلاثة
أوجه (أصحها) وهو المنصوص جوازه وهو قول أبي إسحاق وأبى الطيب بن سلمة كالمريضة من
المراض وعلى هذا يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ من خمس
وعشرين (والثاني) المنع هكذا صححه الجمهور ونقله المصنف والأصحاب عن نصه في الام وعن أبي
على ابن خيران رحمه الله فعلى هذا تتعين الأنثى ولكن لا يؤخذ شئ كان يؤخذ لو تمحضت

(1) الأنثى بالأصل فليحرر.
(2) الأنثى بالأصل فليحرر.
421

إناثا بل تقوم ماشيته لو كانت إناثا وتقوم الأنثى المأخوذة منها ويعرف نسبتها من الجملة وتقوم ماشيته
الذكور ويؤخذ أنثى قيمتها ما تقتضيه النسبة وكذلك الأنثى المأخوذة من الإناث والذكور تكون
دون المأخوذة من محض الإناث وفوق المأخوذة من محض الذكور بطريق التقسيط السابق في المراض
وحكي صاحب البيان في كتاب مشكلات المهذب وجها أنه يجوز على هذا الوجه أن تكون قيمتهما
سواء وهو شاذ مردود (والوجه الثالث) إن أدى أخذ الذكر إلى التسوية بين نصابين لم يؤخذ
والا اخذ (مثاله) يؤخذ ابن مخاض من خمس وعشرين وحق من ست وأربعين وجذع من إحدى
وستين وكذلك يؤخذ الذكر إذا زادت الإبل واختلف الفرض بزيادة العدد ولا يؤخذ ابن لبون من ست
وثلاثين لأنه مأخوذ عن خمس وعشرين (واما) البقر فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه وهو في كل ثلاثين
وحيث وجبت المسنة تعينت ان تمحضت إناثا أو انقسمت كما سبق في الإبل وان تمحضت ذكورا ففيه الوجهان
الأولان في الإبل (الأصح) عند الأصحاب ونقله المصنف والأصحاب عن نصه في الام جواز الذكر. ولو كانت
البقر أربعين أو خمسين فاخرج منها تبيعين أجزأه على المذهب وبه قطع الجمهور وسبق في باب زكاة البقر فيه
خلاف ضعيف (واما) الغنم فان تمحضت إناثا أو انقسمت ذكورا وإناثا تعينت الأنثى بلا خلاف
وان تمحضت ذكورا فطريقان (المذهب) وبه قطع المصنف والجماهير يجزئ الذكر لان واجبها
شاة والشاة تقع على الأنثى والذكر بخلاف الإبل والأربعين من البقر فإنه منصوص فيهما على أنثى
(والطريق الثاني) فيه الوجهان الأولان في الإبل حكاه الرافعي وهو شاذ ضعيف والله أعلم (واما)
قول المصنف في الكتاب ان تمحضت ذكورا وكانت من الإبل أو في أربعين من البقر ففيه وجهان
(قال) أبو إسحاق لا يجوز الا الأنثى (وقال) أبو علي بن خيران: يجوز فيه الذكر وهو المنصوص
في الام. قال أبو إسحاق: الا انه يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن
لبون يؤخذ في خمس وعشرين. فهذا الذي فرعه أبو إسحاق في ابن لبون متفق عليه وليس
أبو إسحاق منفردا به بل اتفق الأصحاب عليه تفريعا على المنصوص وقد تستشكل حكاية
المصنف عن أبي إسحاق هذا التفريع لان أبا إسحاق يقول لا يجزئ الذكر فكيف
يفرع عليه وإنما هو قول ابن خيران (وجواب) هذا الاشكال أن قول ابن خيران هو المنصوص كما
ذكره المصنف والأصحاب فذكر أبو إسحاق تفريعا عليه ما ذكره من تقويم ابن لبون واختار وجها
آخر مخالفا للنص خرجه وهو انه تتعين الأنثى ولا معارضة بين كلاميه ومثل هذا موجود لأبي إسحاق
في مواضع وقد سبق في باب ما يفسد الماء من النجاسات لهذا نظير ونبهت عليه في هذا
الشرح هذا هو الجواب المعتمد وذكر صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب هذا السؤال ثم
قال الجواب عنه أن سائر أصحابنا ذكروا هذا التفريع لابن خيران ولعل ذلك وقع في المهذب من
422

زلل الناسخ وهذا جواب فاسد والصواب ما سبق ولا منافاة بين نقل المصنف وغيره فقد اتفق
أبو إسحاق وابن خيران على التفريع وان اختلفا في التخريج والله أعلم (النقص الرابع) الصغر وللماشية
فيه ثلاثة أحوال (أحدهما) أن تكون كلها أو بعضها أو قدر الفرض منها في سن الفرض فيجب سن
الفرض المنصوص عليه ولا يكلف فوقه ولا يقنع بدونه وإن كان أكثرها كبارا أو صغارا وهذا
لا خلاف فيه (الثاني) أن تكون كلها فوق سن الفرض فلا يكلف الاخراج منها بل يحصل السن
الواجبة ويخرجها وله الصعود والنزول منع الجبران في الإبل كما سبق (الثالث) أن يكون الجميع دون
سن الفرض وقد يستبعد تصور هذا لان أحد شروط الزكاة الحول وإذا حال الحول فقد بلغت
الماشية حد الاجزاء وذكر الأصحاب له صورا (منها) ان تحدث الماشية في أثناء الحول فصلان
أو عجول أو سخال ثم تموت الأمهات ويتم حولها والنتاج صغار بعد وهذا تفريع على المذهب ان حول
النتاج ينبني على حول الأمهات (وأما) على قول الأنماطي انه ينقطع الحول بموت الأمهات بل بنقصانها
عن النصاب فلا تجئ هذه الصورة بهذا الطريق (ومنها) ان يملك نصابا من صغار المعز ويمضى
عليه حول فتجب الزكاة ولم تبلغ سن الاجزاء لان واجبها ثنية وقد سبق ان الأصح انها التي استكملت
سنتين إذا ثبت هذا فإن كانت الماشية غنما ففيما يؤخذ من الصغار المتمحضة طريقان (أصحهما) وبه
قطع المصنف والعراقيون وطائفة من غيرهم تؤخذ الصغيرة لقول أبى بكر رضي الله عنه " والله لو منعوني
عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " رواه البخاري فقال هذا
للصحابة كلهم ولم ينكر عليه أحد بل وافقوه فحصلت منه دلالتان (إحداهما) روايته عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم اخذ العناق (والثانية) اجماع الصحابة ولأنا لو أوجبنا كبيرة أجحفنا به (والطريق
الثاني) حكاه الخراسانيون فيه وجهان وحكاهما الفوراني والسرخسي والبغوي وغيرهم قولين
(القديم) لا يؤخذ الا كبيرة لكن دون الكبيرة المأخوذة من الكبار في القيمة قالوا وكذا إذا انقسم
المال إلى صغار وكبار فتؤخذ كبيرة بالقسط كما سبق في نظائره قال المسعودي في كتابه الايضاح
والرافعي فان تعذرت كبيرة بالقسط اخذت القيمة للضرورة (والقول الثاني) وهو الصحيح الجديد
لا تتعين الكبيرة بل تجزئه الصغيرة كالمريضة من المراض وإن كانت الماشية إبلا أو بقرا فثلاثة
أوجه مشهورة في كتب العراقيين والخراسانيين ذكر المصنف منها اثنين وحذف ثالثها وهو الأصح
وممن ذكرها من العراقيين الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في التجريد
وخلائق منهم (وأما) الخراسانيون فالأوجه في كتبهم أشهر منها في كتب العراقيين (أصحها) عند
الأكثرين يجوز اخذ الصغار مطلقا كالغنم لئلا يجحف برب المال ولكن يجتهد الساعي ويحترز
عن التسوية بين القليل والكثير فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ في خمس
423

وعشرين وفى ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ في ست وثلاثين وعلى هذا القياس وهذا الوجه
هو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه في مختصر المزني وممن صححه البغوي والرافعي وآخرون
(والوجه الثاني) لا تجزئ الصغيرة لئلا يؤدى إلى التسوية بين القليل والكثير لكن تؤخذ كبيرة بالقسط
كما سبق في نظائره وهذا هو الأصح عند المصنف وشيخه القاضي أبى الطيب في المجرد والشاشي
وهو قول ابن سريج وأبى اسحق المروزي (والثالث) لا يؤخذ فصيل من إحدى وستين فما دونها
ويؤخذ مما فوقها وكذا من البقر قال الماوردي وغيره هذا الوجه غلط لشيئين (أحدهما) أن التسوية التي تلزم في
إحدى وستين فما دونها تلزم في إحدى وتسعين فان الواجب في ست وسبعين بنتا لبون وفى إحدى
وتسعين حقتان فإذا أخذنا فصيلين في هذا وفى ذلك سوينا فان أوجب الاحتراز عن التسوية فليحترز عن هذه
الصورة (الثاني) ان هذه التسوية تلزم في البقر في ثلاثين وأربعين وقد عبر امام الحرمين والغزالي وجماعه
من
الأصحاب عن هذا الوجه بعبارة تدفع هذين الشيئين فقالوا تؤخذ الصغيرة حيث لا يؤدي إلى التسوية
ومنهم من خص المنع على هذا الوجه بست وثلاثين فما فوقها وجوز فصيلا عن خمس وعشرين إذ لا تسوية
في تجويز وحده (النقص الخامس) رداءة النوع قال المصنف والأصحاب ان أتحدث نوع الماشية وصفتها أخذ
الساعي من أيها شاء إذ لا تفاوت وان اختلفت صفتها مع أنها نوع واحد ولا عيب فيها ولا صغر ولا غيرهما
من أسباب النقص السابقة فوجهان حكاهما صاحب البيان (أحدهما) قال وهو قول عامة أصحابنا
يختار الساعي خيرهما كما سبق في الحقاق وبنات اللبون (والثاني) وهو قول أبي إسحاق يأخذ من
وسط ذلك لئلا يجحف برب المال وإن كانت الإبل كلها أرحبية - بفتح الحاء المهملة وكسر الباء
الموحدة أو مهرية أو كانت كلها ضأنا أو معزا أخذ الفرض منها. وذكرى البغوي والرافعي ثلاثة
أوجه في أنه هل يجوز أخذ ثنية من المعز باعتبار القيمة عن أربعين ضأنا أو جذعة من الضأن عن
أربعين معزا (أصحها) الجواز لاتفاق الجنس كالمهرية مع الأرحبية (والثاني) المنع كالبقر عن
الغنم (الثالث) لا يجوز المعز عن الضأن ويجوز العكس كما يؤخذ في الإبل المهرية عن المجيدية ولا
عكس فان المهرية خير من المجيدية. وكلام امام الحرمين قريب من هذا الثالث فإنه قال لو ملك
أربعين من الضأن الوسط فاخرج ثنية من المعز الشريفة تساوى جذعة من الضأن التي يملكها فهذا
محتمل والظاهر اجزاؤها وليس كما لو اخرج معيبة قيمتها قيمة سليمة فإنها لا تقبل والفرق انه لو كان في
ماله سليمة وغالبه معيب لم يجزئه معيبة ولو كان ضأنا ومعزا أخذنا ما عزة كما تقرر (وإما) إذا
كانت الماشية نوعين أو أنواعا بان انقسمت الإبل إلى بخاتي وعراب وإلى أرحبية ومهرية ومجيدية
أو انقسمت البقر إلى جواميس وعراب أو جواميس وعراب ودربانية أو انقسمت الغنم إلى ضأن
ومعز فيضم بعضها إلى بعض في اكمال النصاب بلا خلاف لا تحاد الجنس وفى كيفية اخذ الزكاة
424

منها قولان مشهوران (أحدهما) يؤخذ من الأغلب فان استويا كاجتماع الحقاق وبنات اللبون في
مائتين فيؤخذ الأغبط للمساكين على المذهب صرح به الأصحاب ونقل إمام الحرمين اتفاق
الأصحاب عليه ولكن المراد النظر إلى لأنواع باعتبار القيمة فإذا اعتبرت القيمة والتقسيط فمن
أي نوع كان المأخوذ جاز هكذا قطع به المصنف وجماهير الأصحاب ونقله الرافعي عن الجمهور قال وقال
صاحب الشامل ينبغي أن يكون المأخوذ من أعلى الأنواع كما لو انقسمت إلى صحاح ومراض قال
الرافعي: يجاب عما قال بأنه ورد النهى عن المريضة والمعيبة فلم نأخذها متي وجدنا صحيحة بخلاف
ما نحن فيه. وحكى صاحب الشامل وآخرون في المسألة قولا ثالثا نص عليه الشافعي رضي الله عنه
في الام أنه إذا اختلفت الأنواع أخذ من الوسط كما في الثمار. قالوا وهذا القول لا يجئ
فيما إذا كانا نوعين فقط ولا في ثلاثة متساوية. وحكي القاضي أبو القاسم بن كج وجها أنه يؤخذ
من الأجود مطلقا تخريجا من نص الشافعي في اجتماع الحقاق وبنات اللبون في مائتين وحكي ابن
كج عن أبي إسحاق المروزي أن موضع القولين إذا لم يحتمل أخذ واجب كل نوع لو كان وحده
منه فان احتمل أخذ كذلك قولا واحدا بأن ملك مائة أرحبية ومائة مهرية فيؤخذ حقتان من هذه
وحقتان من هذه وهذا الذي حكي عن أبي إسحاق شاذ والمشهور في المذهب طرد القولين مطلقا ونوضح
القولين الأولين بمثلين (أحدهما) له خمس وعشرون من الإبل عشر مهرية وعشر أرحبية
وخمس مجيدية فعلى القول الأول تؤخذ بنت مخاض مهرية أو أرحبية بقيمة نصف أرحبية ونصف مهرية لان
هذين النوعين أغلب. وعلى الثاني يؤخذ بنت مخاض من أي الأنواع أعطى بقيمة خمسي مهرية وخمسي
أرحبية وخمس مجيدية وإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة وأرحبية خمسة ومجيدية دينارين
ونصفا أخذ بنت مخاض من أي الأنواع كان قيمتها ستة ونصف ولا يجئ هنا قول الوسيط
ويجئ وجه ابن كج (المثال الثاني) له ثلاثون من المعز وعشر من الضأن فعلى القول الأول يأخذ
ثنية من المعز كما لو كانت كلها معزا ولو كانت الثلاثون ضأنا أخذنا جذعة ضان وعلى الثاني يؤخذ
ضائنة أو عنز بقيمة ثلاثة أرباع عنز وربع ضائنة في الصورة الأولى. وبقيمة ثلاثة أرباع ضائنة
وربع عنز في الصورة الثانية ولا يجئ قول اعتبار الوسط وعلى وجه اعتبار الأشرف يجب
أشرفها والله تعالى أعلم *
(فرع) في ألفاظ الكتاب (أما) حديث لا يؤخذ في الصدقة هرمة (فصحيح) رواه
البخاري سبق بيانه (قوله) ببعض قيمة فرض صحيح وبعض قيمة فرض مريض (هو) بتنوين
فرض (قوله) كالثنايا والبزل هو - بضم الباء واسكان الزاي - جمع بازل سبق بيانه بيانه في أول باب
زكاة الإبل (قوله) لقول أبي بكر رضي الله عنه " لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله كذا في الأصل ولعله الوسط
425

صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " رواه البخاري هكذا وأصل الحديث في الصحيحين
لكن في رواية مسلم عقالا. والعناق - بفتح العين - الأنثى الأنثى من أولاد المعز إذا قويت ما لم تستكمل
سنة وجمعها أعنق وعنوق (قوله) كالضأن والمعز (أما) الضان فمهموز ويجوز تخفيفه بالاسكان
كنظائره وهو جمع واحده ضائن بهمزة قبل النون كراكب وركب ويقال في الجمع أيضا ضأن
- بفتح الهمزة - كحارس وحرس ويجمع أيضا على ضئين وهو فعيل بفتح أوله كغازى وغزى والأنثى
ضائنة بهمزة بعد الألف ثم نون وجمعها ضوائن والمعز - بفتح العين واسكانها - وهو اسم جنس الواحد
منه ما عز والأنثى ما عزة والمعزى والمعيز - بفتح الميم - والامعوز - بضم الهمزة - بمعنى المعز وتقدم ذكر الإبل
والبقر في أول بابيهما. والجاموس معروف قال الجوالقي: هو عجمي معرب والبخاتي بتشديد الياء
وتخفيفها وكذا ما أشبه من الجموع التي واحدها مشدد يجوز في الجمع التشديد والتخفيف كالدراري
والسراري والعواري والأثافي وأشباهها (وأما) قول المصنف والجواميس والبقر فكذا قاله
في المهذب في باب الربا وكذا في التنبيه وهو مما ينكر عليه لان حاصله انه جعل البقر نوعا للبقر
والجواميس وهذا غير مستقيم ولا منتظم والصواب ما قدمناه ان البقر جنس ونوعاه الجواميس
والعراب وهي الملس المعروفة الجرد الحسان الألوان كذا قاله أصحابنا في هذا الموضع وكذا قاله
الأزهري وغيره من أهل اللغة والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا يؤخذ في الفرض الربي وهي التي ولدت ومعها ولدها ولا الماخض وهي الحامل ولا ما طرقها الفحل
لان البهيمة لا يكاد يطرقها الفحل إلا وهي تحبل ولا الأكولة وهي السمينة التي أعدت للاكل ولا فحل
الغنم الذي أعد للضراب ولا حزرات المال وهي خيارها التي تحرزها العين لحسنها لما روى ابن عباس رضي
الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " بعث معاذا إلى اليمن فقال له إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم " وعن
عمر رضي الله عنه أنه قال لعامله سفيان " قل لقومك إنا ندع لكم الربي والماخض وذات اللحم
وفحل الغنم ونأخذ الجذع والثنى وذلك وسط بيننا وبينكم في المال " ولان الزكاة تجب على وجه
الرفق فلو أخذنا خيار المال خرجنا عن حد الرفق فان رضي رب المال باخراج ذلك قبل منه لما روى أبي
بن كعب رضي الله عنه قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا فمررت برجل فلما جمع
لي ماله فلم أجد فيه إلا بنت مخاض فقلت له أد بنت مخاض فإنها صدقتك فقال ذلك مالا لبن فيه
ولا ظهر وما كنت لا قرض الله تعالى من مالي مالا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها
قلت له ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فان أحببت أن تعرض
عليه ما عرضت على فافعل فان قبله منك قبلته فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا على رسول الله
426

صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الذي عليك فان تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه
منك فقال فها هي ذه فخذها فامر رسول الله بقبضها ودعا له بالبركة " ولان المنع من أخذ الخيار
لحق رب المال فإذا رضي قبل منه} *
{الشرح} حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم والأثر عن عمر رضي الله عنه صحيح رواه
مالك في الموطأ بمعناه عن سفيان بن عبد الله الثقفي الصحابي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه
مصدقا وكان يعد عليهم السخل فقالوا تعد علينا السخل ولا تأخذ منها شيئا فلما قدم على عمر رضي
رضي الله عنه ذكر ذلك له فقال عمر رضي الله عنه " نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها
ولا نأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم ونأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء
المال وخياره " وهذا عن عمر رضي الله عنه صحيح وقوله غذاء المال - بغين معجمة مكسورة - وبالمد
وهي جمع غذى - بتشديد الياء - وهو الردئ
(وأما) الربي - فبضم الراء وتشديد الباء - مقصورة وجمعها
رباب - بضم الراء - بكسرها - قال الجوهري قال الأموي الربي من ولادتها إلى شهرين
قال أبو زيد الأنصاري: الربي من المعز وقال غيره من المعز والضان وربما جاءت في الإبل والأكولة
- بفتح الهمزة - وحزرات بتقديم الزاي على الراء وحكي عكسه والأول أصح وأشهر (اما) حديث أبي بن
كعب رضي الله عنه (فرواه) أحمد بن حنبل وأبو داود باسناد صحيح أو حسن وزاد ابن أحمد
في مسند أبيه أحمد بن حنبل: قال الراوي عن أبي بن كعب وهو عمارة بن عمرو بن حزم وقد وليت
الصدقات في زمن معاوية فأخذت من ذلك الرجل ثلاثين حقة لألف وخمسمائة بعير وقوله ناقة
فتية هي - بالفاء المفتوحة ثم مثناة من فوق ثم من تحت - وهي الناقة الشابة القوية (وقوله) تعرض عليه
- بفتح التاء وكسر الراء - (أما) حكم الفصل (فهو) كما قاله المصنف فلا يجوز أخذ الربى ولا الأكولة ولا
الحامل ولا التي طرقها الفحل ولا حزرات المال ولا فحل الماشية حيث يجوز أخذ الذكر ولا غير ذلك
من النفائس إلا أن يرضى المالك بذلك فيجوز ويكون أفضل له ولا فرق بين الربى وغيرها هذا هو
الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور وقال امام الحرمين وذكر العراقيون أنه لو تبرع بالبربى قبلت منه
وإن كانت قريبة عهد بالولادة جريا على القياس قال وحكوا وجها بعيد البعض الأصحاب أنها لا تقبل
منه لأنها تكون مهزولة لقرب ولادتها والهزال عيب قال الامام وهذا ساقط فقد لا تكون كذلك
وقد تكون غير الربى مهزولة والهزال الذي هو عيب هو الهزال الظاهر البين وهذا الوجه الذي حكاه
قد حكاه الشيخ أبو حامد وغيره من العراقيين واتفقوا على تغليط قائله قال الامام: ولو بذل الحامل
قبلت منه عند الأئمة كالكريمة في نوعها أو صفتها فال؟ ونقل الأئمة عن داود أنه منع قبولها قال لان
427

الحمل عيب قال الامام وهذا ساقط لأنه ليس عيبا في البهائم وإنما هو عيب في الآدميات قال الإمام قال
صاحب التقريب: لا يتعمد الساعي أخذ كريمة ماله فلو تبرع المالك باخراجها قبلت وأجزأت على
المذهب قال ومن أئمتنا من قال لا تقبل للنهي عن أخذ الكرائم قال الامام وهذا مزيف لا أصل له
لان المراد بالنهي نهى السعاة عن الاجحاف بأصحاب الأموال وحثهم على الانصاف ولا يفهم منه
الفقيه غير هذا. قال الامام ولو كانت الماشية كلها حوامل قال صاحب التقريب لا يطلب منه حاملا
وهذه الصفة معفو عنها كما يعفى عن الوقص: قال الامام وهذا الذي ذكره صاحب التقريب حسن
لطيف وفيه نظر دقيق وهو أن الحامل قد تحمل حيوانين الام والجنين وإنما في الأربعين شاة
فلا وجه لتكليفه حاملا وقد يرد على هذا ايجاب الخلفات في الدية ولكن الدية اتباعية لا مجال للنظر
في مقدارها وصفتها ومن يتحملها فلا وجه لمخالفة صاحب التقريب قال اما لو كانت ماشيته سمينة
للمرعى فيطالبه بسمينة ويجعل ذلك كشرف النوع *
{فرع} قد ذكرنا أنه لو تبرع المالك بالحامل قبلت منه ونقله العبدري عن العلماء كافة غير داود
وحكى أصحابنا عن داود الظاهري أنه قال: لا تجزئ الحامل لان الحمل عيب في الحيوان بدليل
أنه لو اشترى جارية فوجدها حاملا فله ردها بسبب الحمل وقال الحامل لا تجزئ في الأضحية وأجاب
القاضي أبو الطيب في تعليقه وسائر الأصحاب بان الحمل نقص في الآدميات لما يخاف عليهم من الولادة
بخلاف البهائم ثم قال: الحمل فضيلة فيها قالوا ولهذا قلنا لو اشترى جارية فوجدها حاملا فله ردها
بذلك ولو اشترى بهيمة فوجدها حاملا لم يكن له ردها به ولم يكن الحمل عيبا فيها بل هو فضيلة ولهذا
أوجب صاحب الشرع في الدية المغلظة أربعين خلفة في بطونها أولادها وأجاب الأصحاب عن
الأضحية فقالوا: إنما لا تجزئ الحامل في الأضحية لان المقصود من الأضحية اللحم والحمل يهزلها
ويقل بسببه لحمها فلا تجزئ والمقصود في الزكاة كثرة القيمة والدر والنسل وذلك في الحامل فكانت أولى
بالجواز والله تعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله *
{ولا يجوز أخذ القيمة في شئ من الزكاة لان الحق لله تعالى وقد علقه على ما نص عليه
فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره كالأضحية لما علقها على الانعام لم يجز نقلها إلى غيرها فان أخرج عن
المنصوص عليه سنا أعلي منه مثل أن يخرج عن بنت مخاض بنت لبون أجزأه لأنها تجزئ عن
ست وثلاثين فلان تجزئ عن خمس وعشرين أولى كالبدنة لما أجزأت عن سبعة في الأضحية فلان
تجزئ عن واحد أولى وكذلك لو وجبت عليه مسنة فأخرج تبيعين أجزأه لأنه إذا أجزأه ذلك عن
ستين فلان يجزئ عن أربعين أولى} *
{الشرح} اتفقت نصوص الشافعي رضي الله عنه انه لا يجوز اخراج القيمة في الزكاة وبه كذا في الأصل والصواب عليهن
428

قطع المصنف وجماهير الأصحاب وفيه وجه ان القيمة تجزئ حكاه وهو شاذ باطل ودليل المذهب
ما ذكره المصنف (وأما) إذا اخرج سنا أعلى من الواجب كبنت لبون عن بنت مخاض ونظائره
فتجزئه بلا خلاف لحديث أبي السابق ولما ذكره المصنف (وأما) إذا اخرج تبيعين عن مسنة
فقد قطع المصنف بجوازه وهو المذهب وبه قطع الجماهير وفيه وجه سبق في باب زكاة البقر
والله تعالى اعلم *
(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا انه لا يجوز اخراج القيمة في شئ من الزكوات وبه قال مالك وأحمد
وداود الا ان مالكا جوز الدراهم عن الدنانير وعكسه وقال أبو حنيفة يجوز فإذا لزمه شاة فأخرج
عنها دراهم بقيمتها أو اخرج عنها ماله قيمة عنده كالكلب والثياب * وحاصل مذهبه ان كل ما جازت
الصدقة به جاز اخراجه في الزكاة سواء كان من الجنس الذي وجبت فيه الزكاة أم من غيره الا
في مسألتين (إحداهما) تجب عليه الزكاة فيخرج بقيمتها منفعة عين بأن يسلم إلى الفقراء دارا
يسكنونها بقيمة الزكاة (والثانية) ان يخرج نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط لزمه فإنه لا يجزئه
ووافق على أنه لا تجزئ القيمة في الأضحية وكذا لو لزمه عتق رقبة في كفارة لا تجزئ قيمتها
وقال أبو يوسف وأبو حنيفة إذا أدى عن خمسة جياد دونها في الجودة أجزأه وقال محمد يؤدى
فضل ما بينهما وقال زفر عليه ان يتصدق بغيرها ولا يجزئه الأول كذا حكاه أبو بكر الرازي
وقال سفيان الثوري يجزئ اخراج العروض عن الزكاة إذا كانت بقيمتها وهو الظاهر من مذهب
البخاري في صحيحه وهو وجه لنا كما سبق * واحتج المجوزون للقيمة بأن معاذا رضي الله عنه قال
لأهل اليمن حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاخذ زكاتهم وغيرها " ائتوني بعرض ثياب خميص
أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
بالمدينة " ذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة جزم وبالحديث الصحيح " في خمس وعشرين بنت
مخاض فإن لم تكن فابن لبون " قالوا وهذا نص على دفع القيمة قالوا ولأنه مال زكوي فجازت قيمته
كعروض التجارة ولان القيمة مال فأشبهت المنصوص عليه ولأنه لما لما جاز العدول عن العين إلى
الجنس بالاجماع بأن يخرج زكاة غنمه عن غنم غيرها جاز العدول من جنس إلى جنس واستدل
أصحابنا بأن الشرع نص علي بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة وتبيع ومسنه وشاة وشياه
وغير ذلك من الواجبات فلا يجوز العدول كما لا يجوز في الأضحية ولا في المنفعة ولا في الكفارة
وغيرها من الأصول التي وافقوا عليها ولا في حقوق الآدميين * واستدل صاحب الحاوي بقوله
صلى الله عليه وسلم " في صدقة الفطر صاع من تمر صاع من شعير " إلى آخره ولم يذكر القيمة ولو
جازت لببنها فقد تدعوا لحاجة إليها ولأنه صلى الله عليه وسلم قال " في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض كذا في الأصل * كذا في الأصل ولعله سقط لفظ جاز
429

فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون " ولو جازت القيمة لبينها ولأنه صلى الله عليه وسلم قال " فيمن
وجب عليه جذعة فإن لم تكن عنده دفع حقة وشاتين أو عشرين درهما " وكذا غيرها من الجبران
على ما سبق بيانه في حديث انس في أول باب زكاة الإبل فقدر البدل بعشرين درهما ولو كانت
القيمة مجزئة لم يقدره بل أوجب التفاوت بحسب القيمة * وقال امام الحرمين في الأساليب المعتمد
في الدليل لأصحابنا ان الزكاة قربة لله تعالى وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه امر الله تعالى
ولو قال إنسان لوكيله اشتر ثوبا وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ولو وجد سلعة هي أنفع لموكله لم يكن
له مخالفته وإن رآه أنفع فما يجب لله تعالي بأمره أولي بالاتباع (فان قالوا) هذا يناقض قولكم في
زكاة الصبي أن مقصودها سد الخلة وهذا يقتضي أن المقصود سد الحاجة فلا تتبع الأعيان المنصوص
عليها (قلنا) لا ننكر أن المقصود الظاهر سد الحاجة ولكن الزكاة مع ذلك قربة فإذا كان المرء يخرج
الزكاة بنفسه تعينت عليه النية فلا يعتد بما أخرج لتمكنه من الجمع بين الفرضين * ولو امتنع من
أداء الزكاة والنية والاستنابة أخذها السلطان عملا بالفرض الأكبر ولهذا إذا أخرج باختياره لم يعتد
به كما لو اخرج الزكاة بلا نية * ولو امتنع من أدائها ولم يجد الامام له شيئا من جنسها أخذ ما يجد
ثم إذا اضطر إلى صرف ما أخذه إلى المساكين أجزأه ذلك وان لم يكن من جنس الزكاة فقد خرجت
المسألتان على طريقة واحدة والعبادة تقتضي النية والاتباع ومبنى الزكاة على سد الخلة فالاختيار
يوجب النية والاتباع لما نص عليه جنسا وقدرا فان عسرت النية أو تعذر اخراج المنصوص عليه
غلب مقصود الزكاة وهو سد الخلة فهذا مختصر من أطراف أدلة المسألة (والجواب) عن حديث
معاذ أن المراد به أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة فان النبي صلى الله عليه وسلم " أمره ان
يأخذ في الزكاة عن الحب حبا وعقبه بالجزية " فقال " خذ من كل حالم دينارا أو عدله مغافر "
(فان قيل) ففي حديث معاذ آخذه منكم مكان الذرة والشعير وذلك غير واجب في الجزية * قال
صاحب الحاوي (الجواب) أنه يحتمل أن معاذا عقد معهم الجزية على أخذ شئ عن زروعهم قال
أصحابنا ومما يدل على أنه في الجزية لا في الزكاة أن مذهب معاذ انه لا ينقل وقد اشتهر عنه أنه قال
" أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى مخلاف آخر فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته " فدل
على أنه في الجزية التي يجوز نقلها بالاتفاق (والجواب) عن ابن اللبون انه منصوص عليه لا للقيمة
ولهذا لو كانت قيمته أقل من بنت مخاض أخذناه ولأنه أيضا إنما يؤخذ عند عدم بنت المخاض
ولو كان قيمة على ما تقولون لجاز دفعه مع وجودها (والجواب) عن القياس على عرض التجارة ان
الزكاة تجب في قيمته والمخرج ليس بدلا عن الواجب بل هو الواجب كما أن الشاة المخرجة عن
خمس من الإبل هي واجبها لا انها قيمة (وأما) قياسهم على المنصوص عليه فابطله أصحابنا باخراج
430

نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط وشاة عن شاتين بقيمتهما ثم المعتمد في الأصل انه منصوص
عليه فلهذا جاز اخراجه بخلاف القيمة (وأما) قولهم لما جاز العدول إلى آخره فهذا قياس فلا يلزمنا
مع أن الواجب إنما هو اخراج الزكاة من جنس ماله لا من عينه فلم يكن ذلك عدولا عن الواجب
إلى القيمة والله تعالى أعلم *
(فرع) قد ذكرنا أنه لا يجوز عندنا اخراج القيمة في الزكاة * قال أصحابنا هذا إذا لم تكن
ضرورة ونقل الرافعي في مسألة اجتماع الحقاق وبنات اللبون في مائتين عن الأصحاب أنهم
قالوا يعدل في الزكاة إلى غير الجنس الواجب للضرورة كمن وجب عليه شاة في خمس من الإبل
ففقد الشاة ولم يمكنه تحصيلها فإنه يخرج قيمتها دراهم ويجزئه كمن لزمه بنت مخاض فلم يجدها ولا
ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن فإنه يعدل إلى القيمة وسبق هناك أنه إذا وجب أخذ الأغبط
وأخذ الساعي غيره وأوجبنا التفاوت يجوز اخراجه دراهم إن لم يمكن تحصيل شقص به وكذا إن
أمكن على الأصح وذكرنا هناك نظائره وذكر امام الحرمين في باب النية في الزكاة هذين الوجهين
في التفاوت عند إمكان الشقص ثم قال فليخرج من هذا الخلاف انه متي أدى الحساب في زكاة
الماشية إلى تشقيص في مسائل الخلطة ففي جواز القيمة عن الشقص هذان الوجهان * قال ولو لزمه
شاة عن أربعين ثم تلف المال كله بعد إمكان الأداء وعسر تحصيل شاة ومست حاجة المساكين
فالظاهر عندي انه يخرج القيمة للضرورة ولا سبيل إلى تأخير حق المساكين ثم ذكر الامام أن من
توجهت عليه زكاة وامتنع يأخذ الامام أي شئ وجده إذا لم يجد المنصوص كما يأخذ الزكاة من
مال الممتنع وإن لم ينو من عليه الزكاة فإن كان من عليه الزكاة قادرا على المنصوص عليه ففي
اجزائه تردد كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في الممتنع من النية إذا اخذها الامام فهذا كلام الامام
في النهاية وقد سبق في الفرع الذي قبل هذا عن كلامه في الأساليب نحو هذا * ومن مواضع الضرورة
التي تجزئ فيها القيمة ما إذا ألزمهم السلطان بالقيمة واخذها منهم فإنها تجزئهم وقد ذكر المصنف
المسألة في آخر باب الخلطة فيما إذا أخذ الساعي من أحد الخليطين قيمة الفرض فقال
(الصحيح) أنه يرجع على خليطه لأنه اخذه باجتهاده فأشبه إذا اخذ الكبيرة عن السخال
وهكذا قطع جماهير الأصحاب في هذا الموضع باجزاء القيمة التي اخذها الساعي ونقله
أصحابنا العراقيون كالشيخ أبى حامد والقاضي أبي الطيب في المجرد والمحاملي في كتابيه وصاحب
الحاوي وغيرهم في باب الخلطة عن نص الشافعي رضي الله عنه في الام قالوا نص الشافعي في الام
انه تجزئه القيمة وانه يرجع على خليطه بحصته من القيمة لان ذلك حكم من الساعي فيما يسوغ
فيه الاجتهاد فوجب امضاؤه قالوا وهذا هو الصحيح وبه قال ابن أبي هريرة قالوا وقال أبو إسحاق
431

المروزي لا تجزئه القيمة التي يأخذها الساعي ولا يرجع بها على خليطه لأنه غير الواجب وهذا الوجه
غلط ظاهر مخالف لنص الشافعي رضي الله عنه وللأصحاب رحمهم الله تعالى وللدليل والله تعالى
اعلم * قال المصنف رحمه الله تعالى *
{باب الخلطة}
{للخلطة تأثير في إيجاب الزكاة وهو أن يجعل ما الرجلين أو الجماعة كمال الرجل الواحد
فيجب فيه ما يجب في مال الرجل الواحد فإذا كان بين نفسين وهما من أهل الزكاة نصاب
مشاع من الماشية في حول كامل وجب عليهما زكاة الرجل الواحد وكذلك إذا كان لكل واحد
مال منفرد ولم ينفرد أحدهما عن الاخر بالحول مثل أن يكون لكل واحد منهما عشرون من
الغنم فخلطاها أو لكل واحد أربعون ملكاها معا فخلطاها صارا كمال الرجل الواحد في إيجاب الزكاة
بشروط (أحدها) أن يكون الشريكان من أهل الزكاة (والثاني) أن يكون المال المختلط نصابا
(والثالث) أن يمضى عليهما حول كامل (والرابع) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المراح
(والخامس) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المسرح (والسادس) أن لا يتميز أحدهما عن الاخر
في المشرب (والسابع) أن لا يتميز أحدهما عن الاخر في الراعي (والثامن) أن لا يتميز أحدهما
عن الاخر في الفحل (والتاسع) أن لا يتميز أحدهما عن الاخر في المحلب والأصل فيه ما روى
ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه فعمل
به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكان فيه لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق مخافة الصدقة
وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ولان المالين صارا كما الواحد في المؤن
فوجب أن تكون زكاته زكاة المال الواحد} *
{الشرح} هذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وسبق بيانه بطوله
في أول باب زكاة الإبل وسبق هناك أن البخاري رواه في صحيحه من رواية أنس رضي الله عنه
والخلطة - بضم الخاء - والمراح - بضم الميم - وهو موضع مبيتها والمحلب - بكسر الميم - الاناء الذي يحلب
فيه وبفتحها موضع الحلب وسنوضح المراد به إن شاء الله تعال قال أصحابنا: الخلطة ضربان (أحدهما)
أن يكون المال مشتركا مشاعا بينهما (والثاني) أن يكون لكل واحد منهما ماشية متميزة ولا
اشتراك بينهما لكنهما متجاوران مختلطان في المراح والمسرح والمرعي وسائر الشروط المذكورة وتسمي
الأولى خلطة شيوع وخلطة اشتراك وخلطة أعيان والثانية خلطة أو صاف وخلطة جوار وكل واحدة
من الخطتين تؤثر في الزكاة ويصير مال الشخصين أو الأشخاص كما الواحد ثم قد يكون أثرها في
432

وجوب أصل الزكاة وقد يكون في تكثيرها وقد يكون في تقليلها (مثال الايجاب) رجلان
لكل واحد عشرون شاة يجب بالخلطة شاة ولو انفردا لم يجب شئ (ومثال التكثير)
خلط مائة وشاة بمثلها يجب على كل واحد شاة ونصف ولو انفردا وجب على كل واحد شاة فقط
أو خلط خمسا وخمسين بقرة بمثلها يجب على كل واحد مسنة ونصف تبيع ولو انفردا لزمه مسنة
فقط أو خلط مائة وعشرين من الإبل بمثلها يجب على كل واحد ثلاث بنات لبون ولو أنفرد لزمه حقتان
(ومثال التقليل) ثلاثة رجال لكل واحد أربعون خلطوها يجب على كل واحد ثلث شاة ولو
انفرد لزمه شاة كاملة ونقل الرافعي عن الحناطي انه حكى وجها غريبا أن خلطة الجوار لا أثر لها
قال وليس بشئ وهذا الوجه غلط صريح وقد نقل الشيخ أو حامد في تعليقه اجماع المسلمين على أنه
لا فرق بين الخلطتين في الايجاب وإنما اختلفوا في الاخذ * وبمذهبنا في تأثير الخلطتين قال عطاء
ابن أبي رباح والأوزاعي والليث واحمد وإسحاق وداود * وقال أبو حنيفة لا تأثير للخلطتين مطلقا
ويبقى المال على حكم الانفراد وقال مالك والثوري وأبو ثور وابن المنذر إن كان مال كل واحد
نصابا فصاعدا أثرت الخلطة والا فلا * دليلنا الأحاديث الصحيحة المطلقة في الخلطة والله أعلم (واما)
قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة " فهو نهي للساعي
وللملاك عن التفريق وعن الجمع فنهى الملاك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوب الصدقة أو
خشية كثرتها ونهى الساعي عنهما خشية سقوطها أو قلتها (مثال التفريق) من جهة الملاك أن يكون
لرجلين أو رجال أربعون شاة مختلطة فواجبهم شاة مقسطة عليهم فليس لهم تفريق الماشية بعد
الحول عند قدوم الساعي لتسقط الزكاة في الظاهر (ومثاله) من جهة الساعي أن يكون لكل رجل
من الثلاثة أربعون شاة مختلطة فليس للساعي تفريقها ليأخذ من كل واحد شاة وإنما على كل واحد
ثلث شاة (ومثال) الجمع من جهة الملاك أن يكونوا ثلاثة لكل واحد أربعون شاة متفرقة فجمعوها
عند قدوم الساعي بعد الحول فليس لهم ذلك بل على كل واحد شاة (ومثاله) من جهة الساعي
أن يكون لاحد الرجلين عشرون شاة منفردة ولآخر عشرون منفردة فليس للساعي ان يجمعها
ليأخذ شاة بل يتركهما متفرقتين ولا زكاة أو يكون لأحدهما مائة شاة ولآخر مثلها فليس للساعي
جمعهما ليأخذ ثلاث شياه بل يتركهما متفرقتين وعلى كل واحد شاة فقط والله أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{فأما إذا لم يكن أحدهما من أهل الزكاة بأن كان أحدهما كافرا أو مكاتبا فلا يضم ماله إلى مال الحر
المسلم في إيجاب الزكاة لان مال الكافر والمكاتب ليس بزكاتي فلا يتم به النصاب كالمعلوفة لا يتم بها
433

نصاب السائمة وإن كان المشترك بينهما دون النصاب بأن كان لكل واحد عشرون من الغنم فخالط صاحبه
بتسع عشرة وترك شاتين منفردتين لم تجب الزكاة لان المجتمع دون النصاب فلم تجب فيه الزكاة وان تميز أحدهما
عن الاخر في المراح أو المسرح أو المشرب أو الراعي أو الفحل أو المحلب لم يضم مال أحدهما إلى
الآخر لما روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والخليطان ما اجتمعا على الفحل
والرعي والحوض " فنص على هذه الثلاثة ونبه على ما سواها ولأنه إذا تميز كل واحد بشئ مما ذكرناه
لم يصر كمال الواحد في المؤن وفى الاشتراط في الحلب وجهان (أحدهما) ان من شرطه ان يحلب
لبن أحدهما فوق لبن الاخر ثم يقسم كما يخلط المسافرون أزوادهم يأكلون وقال أبو إسحاق لا
يجوز شرط حلب أحدهما فوق الاخر لان لبن أحدهما قد يكون أكثر من لبن الاخر فإذا
اقتسما بالسوية كان ذلك ربا لان القسمة بيع وهل تشترط نية الخلطة فيه وجهان (أحدهما) انها
شرط لأنه يتغير به الفرض فلا بد فيه من النية (والثاني) انها ليست بشرط لان الخلطة إنما أثرت
في الزكاة للاقتصار على مؤنة واحدة وذلك يحصل من غير نية} *
{الشرح} حديث سعد رواه الدارقطني والبيهقي باسناد ضعيف من رواية ابن لهيعة ووقع في أكثر
نسخ المهذب فيه الفحل والراعي وفى بعضها والرعي بحذف الألف وإسكان العين وكلاهما مروى
في الحديث والأول أكثر وقوله لان مال الكافر والمكاتب ليس بزكاتي الصواب عند أهل العربية
ليس بزكوي كرحوى وبابه وسبق أن المراح مأواها ليلا (وأما) المسرح فقال جماعة من أصحابنا
هو المرتع الذي ترعى فيه وقال جماعة هو طريقها إلى المرعي وقال آخرون هو الموضع الذي تجتمع
فيه لتسرح والجميع شرط كما سنوضحه إن شاء الله تعالى والمحلب - بكسر الميم - الاناء الذي يحلب
فيه والمحلب - بالفتح - الموضع الذي يحلب فيه ومراد المصنف الأول (وأما) قوله وفى المحلب وجهان
فهو بفتح اللام على المشهور وحكي إسكانها وهو غريب ضعيف
(وأما) أحكام الفصل (فقال)
أصحابنا نوعا الخلطة يشتركان في اشتراط أمور وتختص خلطة الجوار بشروط فمن المشترك كون
المختلط نصابا فلو ملك زيد عشرين شاة وعمر وعشرين فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة وتركا شاتين
منفردتين فلا أثر لخلطتهما ولا يجب على كل واحد منهما زكاة بلا خلاف لما ذكره المصنف ولو خلطا
تسع عشرة بتسع عشرة وشاة بشاة وجبت زكاة الأربعين بالاتفاق لأنهما مختلطتان بأربعين
(ومنها) كون المخالطين ممن تجب عليهما الزكاة فلو كان أحدهما كافرا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بلا
خلاف بل إن كان نصيب الحر المسلم نصابا زكاة زكاة الانفراد وإلا فلا شئ عليه وهذا أيضا
لا خلاف فيه لما ذكره المصنف (ومنها) دوام الخلطة سنة على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى
(وأما) الشروط المختصة بخلطة الجوار فمجموعها عشرة (منها) متفق عليه (ومنها) مختلف فيه (أحدها)
434

اتحاد المراح (الثاني) اتحاد المشرب بأن تسقى غنمهما من ماء واحد نهر أو عين أو بئر أو حوض
أو من مياه متعددة بحيث لا تختص غنم أحدهما بالشرب من موضع وغنم الآخر من غيره (الثالث)
اتحاد المسرح وهو الموضع الذي تجتمع فيه ثم تساق المرعى (الرابع) اتحاد المرعى وهو المرتع
الذي ترعى فيه فهذه الأربعة متفق عليها (الخامس) اتحاد الراعي وفيه طريقان (أحدهما) وبه قطع
المصنف والأكثرون انه شرط (والثاني) حكاه جماعات من الخراسانيين فيه وجهان (أصحهما)
شرط (والثاني) ليس بشرط فلا يضر انفراد أحدهما عن الآخر براع قال أصحابنا ومعنى اتحاد
الراعي أن لا يختص أحدهما براع فاما إذا كان لماشيتهما راعيان أو رعاة لا يختص واحد منهما
بواحد منهم فالخلطة صحيحة (السادس) اتحاد الفحل وفيه طريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف
والجمهور انه شرط (والثاني) حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان (أصحهما) شرط (والثاني)
لا يشترط اتحاده لكن يشترط كون الانزاء في مكان واحد قال أصحابنا والمراد باتحاده أن تكون
الفحول مرسلة في ماشيتهما لا يختص أحدهما بفحل سواء كانت الفحول مشتركة أو لأحدهما
أو مستعارة أو غيرها وسواء كان واحدا أو جمعا وحكي الخراسانيون وجها انه يشترط كون الفحول
مشتركة واتفقوا على ضعفه وهذا الذي ذكرناه من اشتراط اتحاد الفحل هو فيما إذا أمكن ذلك بأن كانت
ماشيتهما نوعا واحدا فلو كان أحدهما ضأنا ومال الآخر معزا وخلطاهما ولكل واحد فحل يطرق ماشيته
فالخلطة صحيحة بلا خلاف إذ لا يمكن اختلاطهما في الفحل وصار كما لو كان مال أحدهما ذكورا ومال الآخر
إناثا من جنسه فان الخلطة صحيحة بلا خلاف والله تعالى أعلم * (السابع) اتحاد الموضع الذي يحلب فيه
مالهما شرط كاتحاد المراح فلو حلب هذا ماشيته في أهله وذاك في موضع آخر فلا خلطة (الثامن)
اتحاد الحالب وهو الشخص الذي يحلب فيه وجهان (أصحهما) ليس بشرط (والثاني) يشترط بمعني
أنه لا ينفرد أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية الآخر (التاسع) اتحاد الاناء الذي يحلب فيه وهو
المحلب - بكسر الميم - فيه وجهان (أصحهما) ليس بشرط كمالا يشترط اتحاد آلة الجز بلا خلاف (والثاني)
يشترط فعلى هذا ليس معناه أن يكون لهما إناء واحد فرد بل معناه أن تكون المحالب فوضى بينهم
فلا ينفرد أحدهما بمحلب أو محالب ممنوعة من الآخر. وعلى هذا هل يشترط خلط اللبن فيه الوجهان
المذكوران في الكتاب (أصحهما) عند الأصحاب لا يشترط بل لا يجوز لأنه يؤدى إلى الربا فإنه
يأخذ أحدهما غالبا أكثر من حقه فعلى هذا يحلب أحدهما في الاناء ويفرغه في وعائه ثم يحلب
الآخر فيه (والثاني) يشترط وبه قال أبو إسحاق المروزي فيحلب لبن أحدهما فوق لبن الآخر
435

ولا يضر جهالة قدرهما. قال الأصحاب ولا يضر جهالة مقداره ويتسامحون به كما في خلط المسافرين
أزوادهم فإنه جائز باتفاق الأصحاب وإن كان فيه المعنى الذي في خلط اللبن ولهم أن يأكلوا جميعا
وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض قطعا لكونه أكولا. وأجاب الأصحاب عن هذا الوجه
الأصح وفرقوا بين اللبن والازواد بان المسافرين يدعوا بعضهم بعضا إلى طعامه فهو إباحة لا محالة
بخلاف خلط اللبن فإنه ليس فيه إباحة * واحتج بعض الأصحاب للأصح أيضا بان اللبن نماء فلا يشترط
الاختلاط فيه كالصوف هذا مختصر الكلام في الحالب والمحلب وخلط اللبن قال أصحابنا: وسبب
الخلاف في اشتراط خلط اللبن أن الشافعي رضي الله عنه قال في المختصر وفى رواية حرمله والزعفراني
في شروط الخلطة وأن يحلبا معا ولم يذكر الشافعي ذلك في الام ذكر ذلك كله القاضي أبو الطيب
والأصحاب قال القاضي أبو الطيب لا خلاف بين أصحابنا أن اتحاد الحلاب شرط لكن اختلفوا
في المراد به فظاهر ما نقله المزني وعليه عامة أصحابنا أن معناه اتحاد الاناء وخلط اللبن لأنه يفضي
إلى الربا وهذا الذي ذكره القاضي من الاتفاق على اشتراط اتحاد الحلاب هو المذهب وبه قطع الجمهور
وقال ابن كج في المسألة طريقان (أحدهما) لا يشترط قولا واحدا (والثاني) على قولين وهذا غريب
ضعيف وذكر صاحب البيان في المسألة ثلاثة أوجه (أصحها) قول أبى اسحق المروزي واختلفوا
في حكايته فنقل الشيخ أبو حامد عنه أنه قال مراد الشافعي أن يكون موضع الحلب واحدا ونقل
المحاملي وصاحب الفروع عنه أنه قال مراد الشافعي الاناء الذي يحلب فيه ونقل صاحب الشامل
عنه أنه قال مراد الشافعي أن يكون الحالب واحدا فهذه ثلاثة أوجه في حكاية مذهب أبي إسحاق
وهو الصحيح عند الأصحاب (والوجه الثاني) يشترط أن يحلبا معا ويخلطا اللبن ثم يقتسمان (والثالث)
يشترط اتحاد الحالب والاناء وخلط اللبن واختصر الرافعي حكم المسألة فقال يشترط الموضع الذي
يحلب فيه والأصح أنه لا يشترط اتحاد الحالب ولا اتحاد الاناء ولا خلط اللبن والله تعالى أعلم (العاشرة)
نية الخلط فيها وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) عند الأصحاب لا يشترط قال
أصحابنا ويجرى الوجهان فيما لو اتفقت الماشية في شئ مما يشترط الاجتماع فيه بنفسها أو فرقها
الراعي ولم يعلم المالكان الا بعد طول الزمان هل تنقطع الخلطة أم لا (أما) إذا فرقاها هما أو أحدهما
في شئ من ذلك قصدا فتنقطع الخلطة وإن كان ذلك يسيرا بلا خلاف لفقد الشرط (واما) التفريق
اليسير بغير قصد فلا يؤثر بالاتفاق لكن لو اطلعا عليه فأقراها على تفرقها انقطعت الخلطة قال
أصحابنا ومتي ارتفعت وجب على من بلغ نصيبه نصابا زكاة الانفراد إذا تم حوله من يوم
الملك لا من يوم ارتفاعها والله تعالى اعلم * قال المصنف رحمه الله *
436

{فاما إذا ثبت لكل واحد من الخليطين حكم الانفراد بالحول مثل أن يكون لكل واحد
منهما نصاب من الغنم مضي عليه بعض الحول ثم خلطاه نظرت فإن كان حولهما متفقا بان ملك كل
واحد منهما نصابه في المحرم ثم خلطاه في صفر ففيه قولان (قال في القديم) يبنى حول الخلطة على حول
الانفراد فإذا حال الحول على ماليهما لزمهما شاة واحدة لأن الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول
بدليل أنه لو كان معه مائة وإحدى وعشرون شاة ثم تلفت واحدة منها قبل الحول بيوم لم تجب
الا شاة ولو كانت مائة وعشرون ثم ولدت واحدة قبل الحول بيوم وجبت شاتان وقد وجدت الخلطة
ههنا في آخر الحول فوجبت زكاة الخلطة (وقال في الجديد) لا يبنى على حول الانفراد فيجب على كل
واحد منهما شاة لأنه قد انفرد كل واحد منهما في بعض الحول فكان زكاتهما زكاة الانفراد كما لو كانت
الخلطة قبل الحول بيوم أو بيومين وهذا يخالف ما ذكروه فان هناك لو وجدت زيادة شاة أو هلاك
شاة قبل الحول بيوم أو يومين تغيرت الزكاة ولو وجدت الخلطة قبل الحول بيوم أو يومين لم يزكيا
زكاة الخلطة وأما في السنة الثانية وما بعدها فإنهما يزكيان زكاة الخلطة وإن كان حولهما مختلفا بان
ملك أحدهما في أول المحرم والآخر في أول صفر ثم خلطا في أول ربيع الأول فإنه يجب في قوله القديم
على كل واحد منهما عند تمام حوله نصف شاة وعلى قوله الجديد يجب على كل واحد منهما شاة وأما
في السنة الثانية وما بعدها فإنه يجب عليهما زكاة الخلطة وقال أبو العباس يزكيان أبدا زكاة الانفراد
لأنهما مختلفان في الحول فزكيا زكاة الانفراد كالسنة الأولى والأول هو المذهب لأنهما ارتفقا
بالخلطة في حول كامل فصار كما لو اتفق حولهما وان ثبت لمال أحدهما حكم الانفراد دون الآخر وذلك
مثل أن يشترى أحدهما في أول المحرم أربعين شاة واشترى آخر أربعين شاة وخلطها بغنمه ثم
باعها في أول صفر من رجل آخر فان الثاني ملك الأربعين مختلطة فلم يثبت لها حكم الانفراد والأول
قد ثبت لغنمه حكم الانفراد فان قلنا بقوله القديم وجب على المالك في أول المحرم نصف شاة وإن
قلنا بقوله الجديد وجب عليه شاة وفى المشترى في صفر وجهان (أحدهما) تجب عليه شاة لان
المالك في المحرم لم يرتفق بالخلطة فلا يرتفق المالك في صفر (والثاني) تجب عليه صنف شاة لان
غنمه لم تنفك عن الخلطة في جميع السنة بخلاف المشترى في المحرم وإن ملك رجل أربعين شاة
ومضى عليها نصف الحول ثم باع نصفها مشاعا فإذا تم حول البائع وجب عليه نصف شاة على
المنصوص وقال أبو علي بن خيران المسألة على قولين إن قلنا بقوله الجديد ان حول الخلطة لا يبنى
على حول الانفراد انقطع حول البائع فيما لم يبع وان قلنا بقوله القديم ان حول الخلطة يبنى على حول
الانفراد لم ينقطع حوله وهذا خطأ لان الانتقال من الانفراد إلى الخلطة لا يقطع الحول وإنما القولان في
نقصان الزكاة وزيادتها دون قطع الحول واما المبتاع فانا ان قلنا إن الزكاة تتعلق بالذمة وجب على
437

المبتاع الزكاة وان قلنا إنها تجب في العين لم يجب عليه زكاة لأنه بحول الحول زال ملكه عن قدر
الزكاة فينقص النصاب وقال أبو إسحاق فيه قول آخر ان الزكاة تجب فيه ووجهه انه إذا أخرجها
من غيرها تبينا أن الزكاة لم تتعلق بالعين ولهذا قال في أحد القولين أنه إذا باع ما وجبت فيه الزكاة
وأخرج الزكاة من غيره صح البيع والصحيح هو الأول لان الملك قد زال وإنما يعود بالاخراج
من غيره وأما إذا باع عشرين منها بعينها نظرت فان أفردها وسلمها انقطع الحول فان سلمها وهي
مختلفة بما لم يبع بأن ساق الجميع حتى حصل في قبض المشترى لم ينقطع الحول وحكمه حكم ما لو باع
نصفها مشاعا ومن أصحابنا من قال ينقطع الحول لأنه لما أفردها بالبيع صار كما لو أفردها عن الذي
لم يبع والأول هو الصحيح لأنه لم يزل الاختلاط فلم يزل حكمه فإن كان بين رجلين أربعون شاة
لكل واحد منهما عشرون ولأحدهما أربعون منفردة وتم الحول ففيه أربعة أوجه (أحدهما) وهو
المنصوص انه تجب شاة ربعها على صاحب العشرين والباقي على صاحب الستين لان مال الرجل الواحد
يضم بعضه إلى بعض بحكم الملك فيضم الأربعون المنفردة إلى العشرين المختلطة فإذا انضمت إلى
العشرين المختلطة انضمت أيضا إلى العشرين التي لخليطه فيصير الجميع كأنهما في مكان واحد فوجب
فيه ما ذكرناه (والثاني) أنه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى صاحب العشرين نصف
شاة لان الأربعين المنفردة تضم إلى العشرين بحكم الملك فتصير ستين فيصير مخالطا بجميعها لصاحب
العشرين فيجب عليه ثلاثة أرباع شاة وصاحب العشرين مخالط بالعشرين التي لصاحبه فوجب عليه
نصف شاة فاما الأربعون المنفردة فلا خلطة له بها فلم يرتفق بها في زكاته (والثالث) أنه يجب على صاحب
الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة لان صاحب العشرين مخالط بعشرين فلزمه نصف شاة
وصاحب الستين له مال منفرد ومال مختلط وزكاة المنفرد أقوى فغلب حكمها (والرابع) أنه يجب على
صاحب الستين شاة إلا نصف سدس شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة لان لصاحب الستين أربعين
منفردة فتزكي زكاة الانفراد فكأنه منفرد بستين شاة فيجب عليه فيها شاة يخص الأربعين منها ثلثا
شاة وله عشرون مختلطة فتزكي زكاة الخلطة فتزكي زكاة الخلطة فكأن جميع الثمانين مختلطة فيخص العشرين
منها ربع شاة
فتجب عليه شاة الا نصف سدس شاة ثلثا شاة في الأربعين المنفردة وربع شاة في العشرين المختلطة وأقل
عدد يخرج منه ربع وثلثان اثنا عشر الثلثان منها ثمانية والربع منها ثلاثة فذلك أحد عشر سهما فيجب
عليه أحد عشر سهما من اثني عشر سهما من شاة ويجب على صاحب العشرين نصف شاة لان الخلطة
تثبت في حقه في الأربعين الحاضرة} *
438

(فرع) وإن كان لرجل ستون شاة فخالط بكل عشرين رجلا له عشرون شاة ففيه ثلاثة أوجه
على منصوص الشافعي رحمه الله في المسألة قبلها يجعل بضم الغنم بعضها إلى بعض وهل كان جميعها
مختلطة فيحب فيها شاة على صاحب الستين نصفها وعلى الشركاء نصفها على كل واحد سدس شاة
ومن قال في المسألة قبلها أن على صاحب الستين شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب
ههنا على صاحب الستين شاة لان غنمه يضم بعضها إلى بعض ويجعل كأنها منفردة فتجب فيها
شاة ويجب على كل واحد من الثلاثة نصف شاة لان الخلطة في حق كل واحد منهم ثابتة في العشرين
التي له وفى العشرين التي لخليطه ومن قال في المسألة قبلها انه يجب على صاحب الستين ثلاثة أرباع
شاة وعلى صاحب العشرين نصف شاة يجب ههنا على صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلى كل
واحد من الشركاء نصف شاة لأنه لا يمكن ضم الاملاك الثلاثة بعضها إلى بعض لأنها متميزة في
شروط الخلطة (وأما) الستون فإنه يضم بعضها إلى بعض بحكم الملك ولا يمكن ضم كل عشرين
منها إلى واحد من الثلاثة الثلاثة فيقال لصاحب الستين قد انضم غنمك بعضا إلى بعض
فضم الستين إلى غنم من شئت منهم فتصير ثمانين فتجب فيها شاة ثلاثة أرباعها
على صاحب الستين وعلى كل واحد من الثلاثة نصف شاة لان الخلطة ثابتة في حق كل
واحد منهم في الأربعين *
{فصل} فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان * قال أبو إسحاق إذا وجد ما يجب على
كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان
بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن يأخذ من أي النصيبين شاء * وقال أبو علي بن أبي هريرة
يجوز أن يأخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب أحدهما لأنا جعلنا
المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع على
خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لأنه غارم فكان القول قوله
كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لأنه ظلمه فلا يرجع به
على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال على قول مالك فإنه
يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لأنه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض
ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة
فإنها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه (والثاني) يرجع وهو الصحيح لأنه
أخذه باجتهاده فأشبه إذا أخذ الكبيرة عن السخال} *
439

{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله تعالى * إذا لم يكن للخليطين حالة انفراد بان ورثا ماشية
أو ملكاها بسبب آخر كالشراء وغيره دفعة واحدة شائعة أو مخلوطة وأدما الخلطة سنة
كاملة زكيا زكاة الخلطة بلا خلاف وكذا لو ملك كل واحد دون النصاب وبلغ بالخلط نصابا
زكيا زكاة الخلطة قطعا (فاما) إذا انعقد الحول على الانفراد ثم طرأت الخلطة فقد يتفق ذلك
في حول الخليطين جميعا وقد يقع في حق أحدهما فان اتفق في حقهما فتارة يتفق حولاهما وتارة
يختلفان فان اتفقا بان ملك كل واحد أربعين شاة أول المحرم ثم خلطاها في أول صفر ففيه قولان
مشهوران (القديم) ثبوت الخلطة فيجب في المحرم على كل واحد نصف شاة * واحتج له المصنف
والأصحاب بان الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ولهذا لو كان له مائة واحدى وعشرون
شاة فتلفت واحدة منها قبل انقضاء الحول بساعة لم يجب إلا شاة * ولو كان مائة وعشرون
فولدت واحدة قبل انقضاء الحول بساعة وجب شاتان (والثاني) وهو الجديد الصحيح لا تثبت
الخلطة في السنة الأولى بل يزكيان فيها زكاة الانفراد فيجب على كل واحد شاة عند
انقضاء الحول * واحتج له المصنف والأصحاب بأنه انفرد في بعض الحول وخالط في
بعضه فلم تثبت الخلطة كما لو كانت قبل الحول بيوم أو يومين فإنها لا تثبت حينئذ بلا خلاف
قال المصنف والأصحاب والجواب عن حجة القديم أن هناك لو وجدت زيادة الشاة أو علفها
قبل الحول بيوم أو يومين تغيرت الزكاة ولو وجدت الخلطة قبل الحول بيوم أو يومين لم تثبت
بلا خلاف هكذا قاله المصنف والأصحاب ولم يضبط الجمهور الزمن الذي يعتبر من الحول لجريان
القولين وقد ذكره صاحب البيان في كتابه مشكلات المهذب فقال يجرى القولان متى خلطا قبل
انقضاء الحول بزمن لو علفت الماشية فيه صارت معلوفة وسقط حكم السوم قال وذلك ثلاثة أيام
وهذا اختياره وفيه خلاف سبق في موضعه قال وإن خلط قبل انقضاء الحول بدون ثلاثة أيام
لم تثبت الخلطة قولا واحدا وقد صرح المصنف والأصحاب بالاتفاق على أنه إذا لم يبق الا يوم
لم تثبت الخلطة وأجاب القاضي أبو الطيب وآخرون عن حجة القديم بأن الاعتبار بحال الوجوب
إنما هو إذا كانت الفائدة والنماء من عين المال كالسخال المتولدة فأما ما حصل من غير المال كسخال اشتراها في
أثناء الحول فإنها لا تضم وهذا هو نظير الخلطة في أثناء الحول فإنها ضم غيره إليه وليس هو من نفسه قال
المصنف والأصحاب (وأما) في السنة الثانية فما بعدها فيزكيان زكاة الخلطة بلا خلاف على القديم والجديد وعند
ابن سريج وجميع الأصحاب ولا يجئ فيه خلاف ابن سريج الذي سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا اختلف
حولهما والفرق ان هنا اتفق الحول والله تعالى أعلم (أما) إذا اختلف حولاهما بأن ملك أحدهما في
440

أول المحرم والآخر في أول صفر وخلطا في أول شهر ربيع فهو مبني على القولين السابقين عند
اتفاق الحول (فان قلنا) بالجديد لزم الأول عند أول المحرم شاة ولزم الثاني في أول صفر شاة
أيضا (وان قلنا) بالقديم لزم كل واحد عند تمام حوله نصف شاة وأما بعد السنة الأولى فيتفق القولان
على ثبوت حكم الخلطة فيكون على الأول نصف شاة في أول كل محرم وعلى الآخر نصف شاة
في أول كل صفر وفيه وجه ضعيف أنه لا تثبت الخلطة في جميع الأحوال فيزكيان أبدا زكاة الانفراد
لاختلاف حولهما أبدا وهذا الوجه حكاه المصنف والجمهور عن ابن سريج وهو انه خرجه من القول
الجديد في السنة الأولى وقال المحاملي ليس هو لابن سريج بل هو لغيره واتفق الأصحاب على
ضعفه لأنهما ارتفقا بالخلطة في سنة كاملة فصار كما لو اتفق حولهما (أما) إذا اتفق لمال أحدهما حكم
الانفراد دون الآخر بأن ملك أربعين في أول المحرم وملك الآخر أربعين في أول صفر وخلطها
حين ملكها أو خلط الأول أربعينه في أول صفر بأربعين لغيره ثم باع الثاني أربعينه لثالث فقد
ثبت للأول حكم الانفراد شهرا ولم ينفرد الثاني أصلا فتبنى على المسألة قبلها فإذا جاء المحرم لزم
الأول شاة في الجديد ونصفها في القديم وإذا جاء صفر لزم الثاني نصف شاة في القديم وعلى الجديد
وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (أصحهما) يلزمه نصف شاة لان غنمه لم تنفك عما بعد
الحول الأول فتثبت الخلطة في جميع الأحوال على القولين (وعلى الوجه الضعيف) المنسوب إلى ابن
سريج لا تثبت أبدا وأجاب الأصحاب عن حجة الوجه الثاني في المشترى في صفر انه يلزمه شاة
لكون المالك في المحرم لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بأن هذا ليس بلازم لأنه قد يرتفق أحدهما
دون الآخر كما في هذه المسألة إذا حال الحول الثاني على المالك في المحرم فإنه يزكي زكاة الخلطة على
المذهب خلافا لابن سريج ثم لو تفاصلا وتفرقا قبل تمام الحول الثاني لزم الثاني شاة عند تمام حوله فقد
ارتفق بالخلطة الأول دون الثاني والله تعالى اعلم *
(فرع) في صور بناها الأصحاب على هذه الاختلافات (منها) لو ملك أربعين
شاة أول المحرم ثم أربعين أول صفر فعلى الجديد إذا جاء المحرم لزمه للأربعين الأولى شاة وإذا
جاء صفر لزمه للأربعين الثانية نصف شاة على أصح الوجهين وعلى الثاني شاة. وعلى القديم
يلزمه نصف شاة لكل أربعين عند تمام حولها ثم يتفق القولان في سائر الأحوال. وعلى قول
ابن سريج يجب في الأربعين الأولى عند تمام حولها شاة وفى الثانية شاة عند تمام حولها وهكذا أبدا
ما لم ينقص النصاب والمقصود أنه كما تمتنع الخلطة في حق الشخصين عند اختلاف التاريخ تختلف في
441

ملكي الشخص الواحد (ومنها) لو ملك أربعين في أول المحرم ثم أربعين في أول صفر ثم أربعين
في أول شهر ربيع فعلى القديم يجب في كل أربعين ثلث شاة عند تمام حولها وعلى الجديد في الأولى
لتمام حولها شاة وفيما يجب في الثانية لتمام حولها وجهان (أصحهما) ثلث شاة (والثاني) شاة ثم يتفق
القولان في سائر الأحوال وعلى وجه ابن سريج يجب في كل أربعين لتمام حولها شاة كاملة
وقد سبقت هذه المسألة في باب زكاة الإبل (ومنها) لو ملك أربعين أول المحرم وملك آخر عشرين
أول صفر وخلطا عند ملك الثاني فإذا جاء المحرم لزم الأول شاة على الجديد وثلثاها على القديم وإذا
جاء صفر لزم الثاني ثلث شاة على القولين لأنه خالط في جميع حوله. وعلى قياس ابن سريج يلزم
الأول شاة أبدا في كل حول ولا شئ على صاحب العشرين ابدا لاختلاف التاريخ ولو ملك مسلم
وذمي ثمانين شاة أول المحرم ثم أسلم الذمي أول صفر كان المسلم كمن أنفرد بماله شهرا ثم خالط *
(فرع) جميع ما سبق هو في طرآن خلطة الجوار فلو طرأت خلطة الشيوع بان ملك أربعين شاة
ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعا ففي انقطاع حول البائع طريقان حكاهما المصنف والأصحاب (أحدهما)
قاله أبو علي بن خيران أنه على القولين فيما إذا انعقد حولهما على الانفراد ثم خلطا ان قلنا يزكيان
زكاة الخلطة لم ينقطع حوله وإن قلنا زكاة الانفراد انقطع لنقصان النصاب (والطريق الثاني) وبه قال
جماهير الأصحاب ونقله الربيع والمزني عن نصه وصححه الأصحاب أن الحول لا ينقطع لاستمرار
النصاب بصفة الانفراد ثم بصفة الاختلاط فلم يتبعض النصاب في وقت قال المصنف والأصحاب
وهذا الذي قاله ابن خيران خطأ لان الانتقال من الانفراد إلى الخلطة لا يقطع الحول وإنما القولان
في زيادة قدر الزكاة ونقصه لا في قطع الحول فعلى المذهب إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء
لزم البائع نصف شاة لأنه تم حوله وأما المشترى فينظر إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة من
المشترك فلا شئ عليه لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله وإن أخرج من غيره قال المصنف
والأصحاب ينبني على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (فان قلنا) بالذمة لزمه نصف شاة عند تمام
حوله (وإن قلنا) بالعين فطريقان (أصحهما) عند المصنف وكثيرين الجزم بانقطاع حول المشترى فلا
يلزمه شئ لأنه بمجرد دخول الحول زال مالك البائع عن نصف شاة من نفس النصاب فنقص
(والطريق الثاني) حكاه المصنف عن أبي إسحاق المروزي وهو مشهور في كتب الأصحاب فيه
قولان (أصحهما) هذا (والثاني) لا ينقطع حول المشترى بل يلزمه نصف شاة عند تمام حوله واستدل
له المنصف وغيره بأنه إذا أخرج الزكاة من غير النصاب تبينا ان الزكاة لم تتعلق بالعين ولهذا قال الشافعي
رضي الله عنه في أحد القولين: إذا باع ما وجبت فيه الزكاة وأخرج الزكاة من غيره صح البيع
442

وضعف المصنف والأصحاب هذا الطريق بان الملك قد زال وإنما يعود بالاخراج من غيره ومأخذ
الخلاف ان اخراج الزكاة من موضع هل يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة أم لا يمنعه وإنما يفيد
عوده بعد الزوال وفيه خلاف (وأما) إذا باع من الأربعين عشرين بعينها (فان) أفردها قبل البيع أو بعده
وسلمها إلى المشترى منفردة زالت الخلطة ان كثر زمن التفريق فان خلطها بعد ذلك استأنفا الحول
وإن كان زمن التفريق يسيرا ففي انقطاع حول البائع وجهان (أصحهما) الانقطاع قال الرافعي وهو
الأوفق لكلام الأكثرين وان لم يفردها بل ترك الأربعين مختلطة وباعه العشرين المعينة وسلم إليه
جميع الأربعين لتصير العشرين مقبوضة فطريقان حكاهما المصنف والأصحاب (المذهب) عند المصنف
والأصحاب أنه كما لو باع النصف مشاعا فلا ينقطع حول البائع في العشرين الباقية على المذهب
(والطريق الثاني) ينقطع الانفراد بالبيع وضعفه المصنف والأصحاب بأن الاختلاط لم يزل فلم يزل حكمه
وهذه الصورة هي من خلطة الجوار وإنما ذكرتها لتعلقها بما قبلها ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعا
في أثناء الحول لم ينقطع حول البائع في النصف الباقي وفى واجبه عند تمام حوله وجهان (أصحهما)
نصف شاة (والثاني) شاة وقد سبق توجيههما ولو كان لهذا أربعون ولهذا أربعون فباع أحدهما
جميع غنمه بغنم صاحبه في أثناء الحول انقطع حولاهما واستأنفا من وقت المبايعة لانقطاع الملك
الأول ولو باع أحدهما نصف غنمه شائعا بنصف غنم صاحبه شائعا في أثناء الحول والأربعينان
متميزتان فحكم الحول فيما بقي لكل واحد منهما من أربعينه كما إذا كان للواحد أربعون فباع
نصفها شائعا والمذهب أنه لا ينقطع الحول فإذا تم حول ما بقي لكل واحد منهما فهذا مال ثبت له
حكم الانفراد ثم طرأت الخلطة ففيه القولان السابقان (القديم) أنه يجب على كل واحد ربع شاة
(والجديد) على كل واحد نصف شاة وإذا مضى حول من حين التبايع لزم كل واحد للقدر
الذي اشتراه ربع شاة على القديم وفي الجديد وجهان (أصحهما) ربع شاة (والثاني) نصفها
والله أعلم *
(فرع) إذا طرأ الانفراد على الخلطة انقطعت فيزكي كل واحد حصته إن بلغ نصابا زكاة
الانفراد من حين الملك ولو كانت بينهما أربعون مختلطة فخالطهما ثالث بعشرين في أثناء حولهما
ثم ميز أحد الأولين ماله قبل تمام الحول فلا شئ عليه عند مضي الحول لنقصان النصاب ويجب
على الثاني نصف شاة عند تمام حوله وعلى الثالث أيضا نصف شاة عند تمام حوله وفيه وجه ابن
سريح. ولو كان بينهما ثمانون مشتركة فقسماها بعد ستة أشهر (فان قلنا) القسمة افراز حق لزم كل
واحد عند تمام حوله شاة (وإن قلنا) بيع لزم كل واحد عند تمام باقي الحول وهو مضى ستة أشهر
443

نصف شاة ثم إذا مضى حول من وقت القسمة لزم كل واحد نصف شاة لما ملكه وهكذا أبدا في
كل ستة أشهر يلزمه عند مضي كل ستة أشهر نصف شاة والله تعالى أعلم *
(فصل) إذا اجتمع في ملكه ماشية مختلطة وغير مختلطة من جنسها بأن ملك ستين شاة
خالط بعشرين منها عشرين لغيره خلط جوار أو شيوع وانفرد بالأربعين الباقية فكيف يزكيان
فيه قولان مشهوران عند الخراسانيين وغيرهم (أصحهما) وعليه فرع الشافعي في المختصر ولم يذكر
المصنف عن النص غيره واختاره ابن سريج وأبو إسحاق المروزي والجمهور أن الخلطة ملك ومعناه
أنه يثبت حكم الخلطة في الثمانين وتصير كأنها كلها مختلطة لان مال الواحد يضم بعضه إلى بعض
وان تفرق وتعددت بلدانه والخلطة تجعل المالين كمال واحد فعلى هذا يصير صاحب الستين مخالطا
بجميع الستين لصاحب العشرين وواجب الثمانين شاة على صاحب العشرين ربع شاة وعلى صاحب
الستين ثلاثة أرباعها (والقول الثاني) أنها خلطة عين ومعناه انه يقصر حكمها على عين المختلط لأنه
المختلط حقيقة فعلى هذا يجب على صاحب العشرين نصف شاة بلا خلاف لأنه خليط عشرين وفى
صاحب الستين خمسة أوجه (أصحها) وهو المنصوص وبه قال ابن أبي هريرة يلزمه شاة لان
له مالين مختلطا ومنفردا والمنفرد أقوى فغلب حكمه فصار كمن له ستون شاة منفردة (والثاني) يلزمه
ثلاثة أرباع شاة لان ماله يضم بعضه إلى بعض وقد ثبت لبعضه حكم الخلطة فكأنه خلط ستين
بعشرين (والثالث) يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس يخص الأربعين ثلثا شاة وكأنه انفرد
بجميع الستين ويخص العشرين ربع شاة كأنه خالط بالجميع وهذا اختيار أبى زيد المروزي والحصري
(والرابع) يلزمه شاة وسدس شاة يخص الأربعين ثلثان والعشرين نصف موافقة لخليطها حكوه عن
ابن سريج (والخامس) يلزمه شاة ونصف وكأنه انفرد بأربعين وخالط بعشرين حكاه الخراسانيون
وقالوا هو ضعيف أو غلط (أما) إذا خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد منهما أربعون منفردة
ففي واجبهما القولان ان فلنا خلطة ملك فعليهما شاة على كل واحد نصفها لان الجميع مائة وعشرون وان
قلنا خلطة عين ففيه سبعة أوجه فرقها الأصحاب وجمعها الرافعي (أصحها) على كل واحد شاة تغليبا للانفراد
(والثاني) على كل واحد ثلاثة أرباع شاة لان له ستين مخالطة لعشرين (والثالث) على كل واحد
نصف شاة وكأن الجميع مختلط (والرابع) على كل واحد خمسة أسداس ونصف سدس حصة
الأربعين منها ثلثان كأنه انفرد بكل ماله وحصة العشرين ربع كأنه خالط الستين بالعشرين
(والخامس) على كل واحد خمسة أسداس فقط حصة العشرين منها سدس كأنه خلطها بالجميع
(والسادس) على كل واحد شاة وسدس ثلثان عن الأربعين ونصف عن العشرين (والسابع)
444

على كل واحد شاة ونصف ولا فرق في هاتين المسألتين بين أن تكون الأربعون المنفردة في بلد
المال المختلط أم في بلد آخر ويجرى القولان سواء اتفق حول صاحب الستين وحول الآخر أم
اختلفا لكن ان اختلفا زاد النظر في التفاصيل المذكورة في الفصل السابق وقال ابن كج الخلاف
فيما إذا اختلف حولاهما فان اتفقا فعليهما شاة بلا خلاف ربعها على صاحب العشرين وباقيها على
صاحب الستين وهذا شاذ ضعيف والمذهب أنه لا فرق كما سبق والله تعالى أعلم *
(فصل) فيما إذا خالط ببعض ماله واحد وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطه الآخر فإذا
ملك أربعين شاة فخلط عشرين بعشرين لمن لا يملك غيرها والعشرين الأخرى بعشرين لآخر لا
يملك غيرها (فان قلنا) الخلطة خلطة ملك وهو الصحيح فعلى صاحب الأربعين نصف شاة وأما
الآخرين فمال كل واحد مضموم إلى الأربعين وهل يضم إلى العشرين التي لخليط خليطه فيه
وجهان (أصحهما) يضم وبه قطع المصنف وسائر العراقيين فعلى كل واحد ربع شاة (والثاني)
لا فعليه ثلث شاة (وإن قلنا) الخلطة خلطة عين فعلى كل واحد من صاحبي العشرينين نصف شاة
وأما صاحب الأربعين ففيه الأوجه السابقة في الفصل قبله لكن الذي يجتمع منها هنا ثلاثة (أصحها)
هنا نصف شاة (والثاني) شاة (والثالث) ثلثا شاة ولو ملك ستين خلط كل عشرين بعشرين
لرجل فان قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الستين نصف شاة وفى أصحاب العشرينات وجهان ان
ضممنا إلى خليط خليطه وهو الأصح فعلى كل واحد منهم سدس شاة والا فربعها وان قلنا بخلطة
العين فعلى كل واحد من أصحاب العشرينات نصف شاة وفى صاحب الستين أوجه (أحدها)
يلزمه شاة (والثاني) نصفها (والثالث) ثلاثة أرباعها (والرابع) شاة ونصف عن كل عشرين
نصف وقد سبقت هذه الأوجه في نظيرها وسبق بيان مأخذها والأصح منها ولو ملك خمسا وعشرين
بعيرا فخالط بكل خمس خمسا لآخر فان قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الخمس والعشرين نصف
حقة وفى واجب كل واحد من خلطائه وجهان (أصحهما) عشر حقة (والثاني) سدس بنت
مخاض وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من خلطائه شاة وفى صاحب الخمس والعشرين الأوجه
الأربعة (على الأول) بنت مخاض (وعلى الثاني) نصف حقة (وعلى الثالث) خمسة أسداس
بنت مخاض (وعلى الرابع) خمس شياه. ولو ملك عشرة أبعرة فخلط خمسا بخمس عشرة لغيره
وخمسا بخمس عشرة لآخر (فان قلنا) بخلطة الملك فعلى صاحب العشر ربع بنت لبون
وفي صاحبيه وجهان ان ضممنا إلى خليط فقط فعليه ثلاثة أخماس بنت مخاض
وان ضممنا إلى خليط خليطه أيضا وهو الأصح لزمه ثلاثة أثمان بنت لبون. (وان قلنا) بخلطة
445

العين فعلى كل واحد من صاحبيه ثلاث شياه وفى صاحب العشر الأوجه الأربعة (على الأول) يلزمه شاتان
(وعلى الثاني) ربع بنت لبون (وعلى الثالث) خمسا بنت مخاض (وعلى الرابع) شاتان كالوجه الأول.
ولو ملك عشرين بعيرا خلط كل خمس بخمس وأربعين لرجل فان قلنا بخلطة الملك لزمه الأغبط
من نصف بنت لبون وخمسي حقة على المذهب بناء على ما سبق أن المائتين من الإبل واجبها الا غبط
من خمس بنات لبون وأربع حقاق وجملة الأصول هنا مائتان وفيما يجب على كل واحد من الخلطاء
وجهان إن ضممناه إلى خليط خليطه وهو الأصح لزمه بنت لبون وثمنها وتسعة أشعار حقة وإن
ضممناه إلى خليطه فقط لزمه تسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة (وإن قلنا) بخلطة العين
لزم كل واحد من الخلطاء تسعة أشعار حقة وفى صاحب العشرين الأوجه (على الأول)
أربع شياه (وعلى الثاني) الأغبط من نصف بنت لبون وخمسي حقة (وعلى
الثالث) أربعة أجزاء من ثلاثة عشر جزاء من جذعة (وعلى الرابع) أربع شياه كالأول.
وكل هذه المسائل مفروضة فيما إذا اتفقت أوائل الأحوال فان اختلفت انضم إلى
هذه الاختلافات ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول (مثاله) في الصورة الأخيرة اختلف
الحول فيزكون في السنة الأولى زكاة الانفراد كل واحد بحوله وفى باقي السنين يزكون زكاة الخلطة
هذا هو المذهب وعلى القديم يزكون في السنة الأولى أيضا بالخلطة وعلى وجه ابن سريج لا تثبت
لهم الخلطة أبدا ولو خلط خمس عشرة شاة بمثلها لغيره ولأحدهما خمسون منفردة (فان قلنا) بخلطة العين
فلا شئ على صاحب الخمس عشرة لان المختلط دون نصاب وعلى الآخر شاة عن الخمس والستين
كمن خلط ذميا (وإن قلنا) بخلطة الملك فوجهان (أحدهما) لا أثر لهذه الخلطة لنقصان المختلط عن
النصاب (وأصحهما) تثبت الخلطة وتضم الخمسون إلى الثلاثين فتجب شاة على صاحب الخمس
عشرة فقط ثمن شاة ونصف ثمن والباقي على الآخر *
* قال المصنف رحمه الله *
(1) {فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان * قال أبو إسحاق إذا وجد ما يجب على
كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان
بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن يأخذ من أي النصيبين شاة * وقال أبو علي بن أبي هريرة
يجوز أن يأخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب أحدهما لأنا جعلنا
المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع على
خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لأنه غارم فكان القول قوله

(1) سبق طبع المتن وأعدناه ثانيا طبق الأصل
446

كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لأنه ظلمه فلا يرجع به
على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال على قول مالك فإنه
يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لأنه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض
ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة
فإنها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه (والثاني) يرجع وهو الصحيح لأنه
أخذه باجتهاده فأشبه إذا أخذ الكبيرة عن السخال} *
{الشرح} قال أصحابنا أخذ الزكاة من مال الخليطين قد يقتضى التراجع بينهما فيرجع كل
واحد على صاحبه وقد يقتضي رجوع أحدهما على صاحبه دون الآخر ثم الرجوع والتراجع يكثر ان
في خلطة الجوار وقد يتفقان في خلطة الشيوع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى (فأما) خلطة الجوار
فتارة يمكن الساعي أن يأخذ من نصيب كل واحد منهما ما يخصه وتارة لا يمكنه فإن لم يمكنه فله
أن يأخذ فرض الجميع من نصيب أيهما شاء وإن لم يجد السن المفروض إلا في نصيب أحدهما أخذه
(مثاله) أربعون شاة لكل واحد عشرون يأخذ الشاة من أيهما شاء ولو وجبت بنت لبون فلم يجدها
إلا في أحدهما أخذها منه وإن وجدها في كل منهما أخذها من أيهما شاء وإن كانت ماشية أحدهما
مراضا أو معيبة أخذ الفرض من الآخر وهذا كله لا خلاف فيه (أما) إذا أمكنه أخذ الفرض الذي
على كل واحد من ماله ففيه وجهان (أحدهما) ونقله المصنف والأصحاب عن أبي إسحاق يلزمه أن
يأخذ من مال كل واحد ما يخصه ولا يجوز غير ذلك ليغنيهما عن التراجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبي
هريرة وجمهور أصحابنا المتقدمين وصححه المصنف يأخذ من جنب المال ما اتفق ولا حجر عليه وله
تعمد الاخذ من نصيب أحدهما مع تمكنه من أخذ حصة كل واحد من ماله وسواء الاخذ ممن
له أقل الجملة أو أكثرها بل لو اخذ كما قال أبو إسحاق ثبت التراجع أيضا هكذا قاله الرافعي وسيأتي
من كلام الشافعي ما يخالفه عند النقل عن صاحب جمع الجوامع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى لان
المالين كمال واحد (مثال الامكان) لكل واحد من الخليطين أو الخلطاء مائة شاة أمكن اخذ شاة من
مال كل واحد وكذا لو كان لأحدهما أربعون بقرة وللآخر ثلاثون وأمكن أخذ مسنة من الأول
وتبيع من الثاني (أما كيفية الرجوع (فإذا) خلط عشرين من الغنم بعشرين فأخذ الساعي شاة من
نصيب أحدهما رجع على صاحبه بنصف قيمتها لا بنصف شاة لأنها ليست مثلية ولا يقال أيضا
يرجع بقيمة نصف الشاة لان نصف القيمة أكثر من قيمة النصف فان الشاة قد تكون جملتها تساوى
عشرين ولا يرغب أحد في نصفها بأكثر من ثمانية لضرر البعض فنصف القيمة عشرة وقيمة النصف
447

ثمانية وإنما قلنا يرجع بنصف القيمة لا بقيمة النصف لان الشاة المأخوذة اخذت عن جملة المال فوجب
أن تكون قيمة جملتها موزعة على جملة المال ولو قلنا قيمة النصف لاجحفنا بالمأخوذ منه الشاة فاعتمد
ما نبهت عليه ولا تغتر بقول بعضهم قيمة النصف فإنه مؤول على ما ذكره المحققون كما أوضحته
ولو كان له ثلاثون شاة ولآخر عشرة فأخذ الساعي الشاة من صاحب الثلاثين رجع
على صاحبه بربع قيمتها وان اخذها من الآخر رجع بثلاثة أرباع القيمة على صاحب
الثلاثين. ولو كانت له مائة شاة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من
صاحب المائة رجع على صاحبه بثلث قيمة الشاتين ولا نقول بقيمة ثلثي شاة وإن أخذ
من صاحب الخمسين رجع بثلثي قيمتها ولو كان نصف الشياه لهذا ونصفها لهذا رجع كل
واحد بنصف قيمة شاة فان تساوت القيمتان ففيه أقوال التقاص الأربعة المشهورة وقد ذكرها
المصنف والأصحاب في كتاب الكتابة (أصحها) يسقط أحد الدينين بالآخر من غير توقف على
رضاهما ولارضاء أحدهما (والثاني) يشترط رضا أحدهما (والثالث) يشترط رضاهما (والرابع)
لا يسقط وان رضيا ومحل الأقوال إذا استوى الدينان جنسا وقدرا وكذا لو كان أحدهما أكثر
جرت الأقوال فيما اتفقا فيه. ولو كان لأحدهما ثلاثون بقرة وللآخر أربعون فواجبهما تبيع ومسنة
على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما وعلى الآخر ثلاثة أسباعهما فان أخذهما الساعي من صاحب
الأربعين رجع على الآخر بثلاثة أسباع قيمة المأخوذ وان أخذهما من الآخر رجع بأربعة أسباع
قيمتهما وان أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنة من صاحب الثلاثين رجع صاحب المسنة بأربعة
أسباعها وصاحب التبيع بثلاثة أسباعه وان أخذ المسنة من صاحب الأربعين والتبيع من صاحب
الثلاثين فقد قال امام الحرمين وآخرون يرجع صاحب المسنة بثلاثة أسباع قيمتها وصاحب التبيع
بأربعة أسباع قيمته وأنكر هذا على امام الحرمين وموافقيه لان الشافعي رضي الله عنه نص على خلافه
قال صاحب جمع الجوامع في منصوصات الشافعي: قال الشافعي رضي الله عنه لو كانت غنمهما سواء
وواجبهما شاتان فاخذ من غنم كل واحد شاة وكانت قيمة الشاتين المأخوذتين مختلفة لم يرجع
واحد منهما على صاحبه بشئ لأنه لم يأخذ منه الا ما عليه في غنمه لو كانت منفردة هذا نصه بحروفه
وفيه تصريح بمخالفة ما ذكروه وأنه يقتضى أنه إذا أخذ من صاحب الثلاثين تبيعا ومن صاحب
الأربعين مسنة فلا تراجع وكذلك لو كان لكل واحد مائة شاة فاخذ من كل واحد شاة فلا تراجع
وذكر امام الحرمين ومتابعوه انه يرجع كل واحد بنصف قيمة شاة على صاحبه وهو خلاف النص
448

الذي ذكرناه وخلاف مقتضى كلام أصحابنا العراقيين وخلاف الراجح دليلا فالأصح ما نص عليه
الشافعي رضي الله عنه لا تراجع إذا اخذ من مال كل واحد قدر فرضه في الإبل والبقر والغنم *
(فرع) لو ظلم الساعي فاخذ من أحدهما شاتين وواجبهما شاة واحدة أو أخذ نفيسة كلما خض
والربى وحزرات المال رجع المأخوذ منه على خليطه بنصف قيمة الواجب لا قيمة المأخوذ لان الساعي
ظلمه فلا يطالب غير ظالمه وله مطالبة الساعي فإن كان المأخوذ باقيا استرده وأعطاه الواجب والا استرد
الفضل والفرض ساقط عنه وهذا كله متفق عليه ولو أخذ زيادة بتأويل بان أخذ كبيرة عن السخال
على مذهب مالك فطريقان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعة من غيرهم يرجع
بنصف قيمة ما أخذ منه لأنه مجتهد فيه (والطريق الثاني) حكاه الخراسانيون فيه وجهان كما سنذكره
في القيمة إن شاء الله تعالى (أصحهما) يرجع بالزيادة (والثاني) لا يرجع بها ولو أخذ الساعي من
أحدهما قيمة الواجب عليهما فوجهان مشهوران (أصحهما) عند المصنف والأصحاب يجزئه ويرجع
على خليطه بنصف المأخوذ لأنه مجتهد فيه وهذا هو الصحيح المنصوص في الام اتفق الأصحاب
على تصحيحه ونقل الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب في المجرد والبندنيجي وصاحب الحاوي
والمحالي وآخرون عن نصه في الام قالوا وهو الصحيح وقول ابن أبي هريرة (والوجه الثاني)
لا يجزئه دفع القيمة ولا يرجع على خليطه بشئ لأنه لم يدفع الواجب ونقل هؤلاء المذكورون هذا
الوجه عن أبي إسحاق المروزي واتفقوا على تضعيفه *
(فرع) * حيث ثبت لأحدهما الرجوع على الآخر بقسطه من المأخوذ ونازعه في القيمة
ولا بينة وتعذر معرفته فالقول قول المرجوع عليه لأنه غارم هكذا قاله المصنف والأصحاب
ولا خلاف فيه *
(فرع) هذا الذي ذكرناه كله في خلطة الجوار (اما) خلطة الاشتراك (فان) كان الواجب
من جنس المال فاخذه الساعي من نفس المال فلا تراجع وإن كان من غير جنسه كالشاة فيما دون خمس
وعشرين من الإبل رجع المأخوذ منه على شريكه بنصف قيمتها إن كانت شركتهما مناصفة أو بالثلث
أو الربع على حسب الشركة فإن كان بينهما عشرة أبعرة مناصفة فاخذ من كل واحد شاة فعلى قول
امام الحرمين ومتابعيه يتراجعان ان اختلفت القيمة فان تساوت فيه أقوال التقاص وعلى الأصح
المنصوص لا تراجع كما سبق والله أعلم * قال البندنيجي: ولا يتصور التراجع في خلطة الاشتراك
إلا في صورتين (أحدهما) إذا كان الواجب من غير جنس المال كالشاة في خمس من الإبل (والثانية)
إذا كان من جنسه لكن لم يكن فيه نفس المفروض كخمس وعشرين بعيرا ليس فيها بنت مخاض
449

وأربعين شاة ليس فيها جذعة ولا ثنية فاخذ الفرض من أحدهما رجع على شريكه بقسطه والله تعالى اعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{واما الخلطة في غير المواشي وهي الأثمان والحبوب والثمار ففيها قولان (قال في القديم) لا تأثير
للخلطة في زكاتها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " والخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والرعي)
ولان الخلطة إنما تصح في المواشي لان فيها منفعة بإزاء الضرر وفى غيرها لا يتصور غير الضرر لأنه
لا وقص فيها بعد النصاب (وقال في الجديد) تؤثر الخلطة لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يجمع بين مفترق
ولا يفرق بين مجتمع " ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت الخلطة في زكاته كالماشية ولان المالين كمال
الواحد في المؤن فهي كالمواشي} *
{الشرح} قال أصحابنا هل تؤثر الخلطة في غير الماشية وهي الثمار والزروع والنقدان وعروض التجارة
(أما) خلطة الاشتراك (ففيها) القولان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما (القديم) لا تثبت (والجديد) الصحيح
تثبت (وأما) خلطة الجوار ففيها طرق قال المصنف وآخرون فيها القولان وقال آخرون لا تثبت في القديم
وفى ثبوتها في الجديد قولان وقال بعضهم وجهان وقال القفال والصيدلاني والشيخ أبو محمد الجويني
لا تثبت خلطة الجوار في النقد والتجارة وفي ثبوتها في الزرع والثمار القولان والجمهور على ترجيح
ثبوتها وصحح الماوردي عدم ثبوتها وإذا اختصرت قلت في الخليطين أربعة أقوال (الجديد) ثبوتها
وهو الأظهر (والثاني) لا يثبتان (والثالث) تثبت خلطة الشركة دون الجوار (والرابع) تثبت الخلطتان
في الزرع والثمار وكذا خلطة النقد والتجارة إن كانت خلطة شركة وإلا فلا والأصح ثبوتهما جميعا
في الجميع لعموم الحديث " لا يفرق بين مجتمع إلى آخره " وهو صحيح كما سبق في أول باب زكاة
الإبل (وأما) الحديث الذي احتج به القديم فقد سبق بيان ضعفه قال أصحابنا: ولان الخلطة إنما
تثبت في الماشية للارتفاق والارتفاق هنا موجود باتحاد الجرين والبيدر والماء والحراث وجذاذ النخل
والناطور والحارث والدكان والميزان والكيال والوزان والجمال والمتعهد وغير ذلك قال أصحابنا
وصورة الخلطة في هذه الأشياء أن يكون لكل واحد منهما صف نخيل أو زرع في حائط واحد
ويكون العامل عليه واحدا وكذلك الملقح واللقاط وإن كان في دكان ونحوه وأن يكون لكل
واحد كيس دراهم في صندوق واحد أو أمتعة تجارة في حانوت واحد أو خزانة واحدة وميزان
واحد والله تعالى أعلم *
(فرع) على اثبات الخلطتين. قال أصحابنا: لو كان نخيل موقوفة على جماعة معينين في حائط
واحد فأثمر خمسة أوسق وجبت فيها الزكاة ولو استأجر أجيرا ليعهد نخيله أو جعل أجرته ثمرة نخلة
450

بعينها بعد خروج ثمرتها وقبل بدو الصلاح وشرط القطع فلم يتفق القطع حتى بدا الصلاح وبلغ مجموع
الثمرتين نصابا لزمه العشر * قال المصنف رحمه الله *
* {باب زكاة الثمار} *
{وتجب الزكاة في ثمر النخل والكرم لما روى عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " في الكرم إنها تخرص كما يخرص النخل فتؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة
النخل تمرا " ولان ثمرة النخل والكرم تعظم منفعتهما لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة المقتاتة
فهي كالأنعام في المواشي} *
{الشرح} هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيدهم عن سعيد بن
المسيب عن عتاب بن أسيد وهو مرسل لان عتابا توفي سنة ثلاث عشرة وسعيد بن المسيب ولد بعد
ذلك بسنتين وقيل بأربع سنين وقد سبق في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن من أصحابنا
من قال يحتج بمراسيل ابن المسيب مطلقا والأصح أنه إنما يحتج به إذا اعتضد بأحد أربعة أمور
أن يسند أو يرسل من جهة أخرى أو يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء وقد وجد ذلك هنا
فقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الزكاة في التمر والزبيب (فان قيل)
ما الحكمة في قوله صلي لله عليه وسلم في الكرم " يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى
زكاة النخل تمرا " فجعل النخل أصلا فالجواب من وجهين (أحسنهما) ما ذكره صاحب البيان فيه وفى
مشكلات المهذب أن خيبر فتحت أول سنة سبع من الهجرة وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم
عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص النخل فكان خرص النخل معروفا عندهم فلما فتح صلى الله عليه
وسلم الطائف وبها العنب الكثير أمر بخرصه كخرص النخل المعروف عندهم (والثاني)
ان النخل كانت عندهم أكثر وأشهر فصارت أصلا لغلبتها (فان قيل) كيف سمي العنب كرما وقد
ثبت النهي عنه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسموا العنب
الكرم فان الكرم المسلم " رواه البخاري ومسلم وفى رواية " فإنما الكرم قلب المؤمن " وعن وائل
ابن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة "
451

رواه مسلم والحبلة - بفتح الحاء وبفتح الباء وإسكانها - (فالجواب) ان هذا نهى تنزيه وليس في الحديث
تصريح بان النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتسميتها كرما وإنما هو من كلام الراوي فلعله لم يبلغه النهي أو خاطب به من
لا يعرفه بغيره فأوضحه أو استعملها بيانا لجوازه قال العلماء سمت العرب العنب كرما والخمر كرما (أما)
العنب فالكرم ثمره وكثرة حمله وتذلله للقطف وسهولة تناوله بلا شوك ولا مشقة ويؤكل طيبا غضا
طريا وزبيبا ويدخر قوتا ويتخذ منه العصير والخل والدبس وغير ذلك وأصل الكرم الكثرة وجمع
الخير وسمي الرجل كرما لكثرة خيره ونخلة كريمة لكثرة حملها وشاة كريمة كثيرة الدر والنسل
(وأما) الخمر فقيل سميت كرما لأنها كانت تحثهم على الكرم والجود وتطرد الهموم فنهى الشرع
عن تسمية العنب كرما لتضمنه مدحها لئلا تتشوق إليها النفوس وكان اسم الكرم بالمؤمن وبقلبه
أليق واعلق لكثرة خيره ونفعه واجتماع الأخلاق والصفات الجميلة وعتاب الراوي - بتشديد التاء
المثناة - فوق وأبو أسيد - بفتح الهمزة - والله تعالى اعلم
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا تجب فيما سوى ذلك من الثمار كالتين والتفاح والسفرجل والرمان لأنه ليس من الأقوات
ولا من الأموال المدخرة المقتاتة ولا تجب في طلع الفحال لأنه لا يجئ منه الثمار واختلف قوله في
الزيتون (فقال في القديم) تجب فيه الزكاة لما روى عن عمر رضي الله عنه " أنه جعل في الزيت
العشر " وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " في الزيتون الزكاة " وعلى هذا القول إذا أخرج
الزيت عنه جاز لقول عمر رضي الله عنه ولان الزيت أنفع من الزيتون فكان أولي بالجواز * (وقال
في الجديد) لا زكاة فيه لأنه ليس بقوت فلا تجب فيه زكاة كالخضروات * واختلف قوله في
الورس (فقال في القديم) تجب فيه الزكاة لما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى
بنى خفاش " أن أدوا زكاة الذرة والورس " (وقال في الجديد) لا زكاة فيه لأنه نبت لا يقتات به فأشبه
الخضروات * قال الشافعي رضي الله عنه من قال لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران ومن
قال يجب في الورس فيحتمل أن يوجب في الزعفران لأنهما طيبان ويحتمل ان لا يوجب في الزعفران
ويفرق بينهما أن الورس شجر له ساق والزعفران نبات * واختلف قوله في العسل (فقال في القديم)
يحتمل ان تجب فيه ووجهه ما روى أن بنى شبابة - بطن من فهم - كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم من نحل كان عندهم العشر من عشر قرب قربة * (وقال في الجديد) لا تجب لأنه
ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض * واختلف قوله في القرطم وهو حب العصفر (فقال في
452

القديم) تجب ان صح فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه (وقال في الجديد) لا تجب لأنه ليس بقوت
فأشبه الخضروات} *
{الشرح} الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه ضعيف رواه البيهقي وقال اسناده منقطع
وراويه ليس بقوي * قال وأصح ما روى في الزيتون قول الزهري " مضت السنة في زكاة الزيتون
أن يؤخذ فمن عصر زيتونه حين يعصره فيا سقت السماء أو كان بعلا الشعر وفيما سقى برش الناضح
نصف الشعر " وهذا موقوف لا يعلم اشتهاره ولا يحتج به على الصحيح * قال البيهقي وحديث معاذ
ابن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أعلى وأولي أن يؤخذ به يعنى روايتهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لما لما بعثهما إلى اليمن " لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة
الشعير والحنطة والتمر والزبيب " (وأما) المذكور عن ابن عباس فضعيف أيضا والأثر المذكور
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ضعيف أيضا ذكره الشافعي وضعفه هو وغيره واتفق الحفاظ
على ضعفه واتفق أصحابنا في كتب المذهب على ضعفه * قال البيهقي ولم يثبت في هذا اسناد تقوم
به حجة قال والأصل عدم الوجوب فلا زكاة فيما لم يرد فيه حديث صحيح أو كان في معنى ما ورد
به حديث صحيح (وأما) حديث بني شبابة في العسل فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما من رواية
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده باسناد ضعيف قال الترمذي في جامعه لا يصح عن النبي صلى الله
عليه وسلم في هذا كبير شئ فقال البيهقي قال الترمذي في كتاب العلل قال البخاري ليس في زكاة
العسل شئ يصح فالحاصل ان جميع الآثار والأحاديث التي في هذا الفصل ضعيفة (أما) ألفاظ
الفصل فبنو خفاش - بخاء معجمة مضمومة ثم فاء مشددة - هذا هو الصواب وضبطه بعض الناس
- بكسر الخاء وتخفيف الشين - وهو غلط وبنو شبابة - بشين معجمة مفتوحة ثم باء موحدة مخففة
ثم الف ثم موحدة أخرى (وقوله) بطن أي بطن من فهم - بفتح الفاء وإسكان الهاء - قال الجوهري
في الصحاح بني شبابة يكونون في الطائف (أما) أحكام الفصل فمختصرها انها كما قالها المصنف (وأما)
بسطها فاتفقت نصوص الشافعي والأصحاب أنه لا زكاة في التين والتفاح والسفرجل والرمان
453

وطلع فحال النخل والخوخ والجوز واللوز والموز وأشباهها وسائر الثمار سوى الرطب والعنب
ولا خلاف في شئ منها إلا الزيتون ففيه القولان كما سنوضحه إن شاء الله تعالى
ووجه أن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليله (وأما) الزيتون فيه القولان
اللدان ذكرهما المصنف بدليلهما وهما مشهوران واتفق الأصحاب على أن الأصح انه
لا زكاة فيه وهو نصه في الجديد قال أصحابنا والصحيح في هذه المسائل كلها هو القول الجديد لأنه
ليس لقول القديم حجة صحيحة (فان قلنا) بالقديم إن الزكاة تجب في الزيتون قال أصحابنا وقت وجوبه بدو
صلاحه وهو نضجه واسوداده ويشترط بلوغه نصابا هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب في جميع
الطرق إلا ما حكاه الرافعي عن ابن القطان أنه خرج اعتبار النصاب فيه وفى سائر ما اختص القديم
بايجاب الزكاة فيه على قولين ويعتبر النصاب زيتونا لا زيتا هذا هو المذهب وبه قطع القاضي حسين
والجمهور ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه وذكر صاحب الحاوي فيه وجهين إذا كان
مما يجئ منه الزيت (أحدهما) هذا (والثاني) يعتبر زينا فيؤخذ عشره زيتا وهذا شاذ مردود
قال أصحابنا ثم إن كان زيتونا لا يجئ منه زيت أخذت الزكاة مه زيتونا بالاتفاق إن كان يجئ
منه زيت كالشامي قال الشافعي رضي الله عنه في القديم ان أخرج زيتونا جاز لأنه حالة الادخار
قال وأحب أن أخرج عشره زيتا لأنه نهاية ادخاره ونقل الأصحاب عن ابن المرزباني من أصحابنا
أنه حكى في جواز اخراج الزيتون وجهين قال الشيخ أبو حامد وسائر الأصحاب هذا غلط من ابن
المرزبان والصواب ما نص عليه في القديم وهو أنه يجوز أن يخرج زيتا أو زيتونا أيهما شاء ونقل
امام الحرمين وجها أنه يتعين اخراج الزيتون دون الزيت قال لأن الاعتبار به بالاتفاق فحصل
ثلاثة أوجه حكاها امام الحرمين وغيره (أصحها) عند الأصحاب وهو نصه في القديم
أنه مخير ان شاء أخرج زيتا وان شاء أخرج زيتونا والزيت أولى كما نص عليه (والثاني)
يتعين الزيت (والثالث) يتعين الزيتون قال صاحب التتمة وغيره فذا قلنا بالمذهب وخيرناه بين
454

اخراج الزيتون والزيت فالفرق بينه وبين التمر انه يتعين ولا يجوز أن يخرج عنه دبس التمر ولا خل
التمر لان التمر قوت والخل والدبس ليسا بقوت ولكنهما أدمان (وأما) الزيتون فليس بقوت
بل هو ادم والزيت أصلح للادم من الزيتون فلا يفوت الغرض قال أصحابنا ولا يخرص الزيتون بلا خلاف
لمعنيين ذكرهما القاضي أبو الطيب في تعليقه وغيره (أحدهما) وهو الذي اعتمده الجمهور ان الورق يخفيه مع
صغر الحب وتفرقه في الأغصان ولا ينضبط بخلاف الرطب والعنب (والثاني) ان الغرض من خرص النخل
والعنب تعجيل الانتفاع بثمرتهما قبل الجفاف وهذا المعنى لا يوجد في الزيتون قال امام الحرمين إذا
أخرج العشر زيتا فالكسب الذي يحصل من عصر الزيت لا نقل فيه عندي قال ولعل الظاهر
أنه يجب تسليم نصيب الفقراء منه إليهم وليس كالقصل والتبن الذي يختلف عن الحبوب لان
الزكاة تجب في الزيتون نفسه ثم على المالك مؤنة تمييز الزيت كما عليه مؤنة تجفيف الرطب ولا يجب
العشر في الزروع الا في الحب دون التبن قال وفى المسألة احتمال والله تعالى أعلم (وأما) الورس
فالصحيح الجديد لا زكاة فيه وأوجبها القديم وسبق دليلهما قان أو جبناها لم نشرط فيه النصاب
على المذهب وبه قطع الجماهير في الطريقتين بل تجب في قليله وكثيره ولا خلاف فيه الا ما سبق
عن ابن القطان أنه طرد قولين في اعتبار النصاب فيه وفى سائر ما اختص القديم بايجاب زكاته
وفرق الأصحاب بينه وبين الزيتون على المذهب فيهما بفرقين (أحدهما) أن النص الوارد في
الزيتون مقيد بالنصاب ومطلق في الورس فعمل به في كل منهما على حسب وروده (والثاني)
أن الغالب أنه لا يجتمع لانسان واحد من الورس نصاب بخلاف الزيتون واعلم أن الورس ثمر
شجر يكون باليمن اصفر يصبغ به وهو معروف يباع في الأسواق في كل البلاد هكذا ذكره
المحققون وقال البغوي والرافعي هو شجر يخرج شيئا كالزعفران وهو محمول على ما ذكره المحققون (وأما)
الزعفران فالأشهر أنه كالورس فلا زكاة فيه على الصحيح الجديد وتجب في القديم وقيل لا تجب
قطعا وحكم النصاب كما سبق في الورس (وأما) العسل ففيه طريقان (أشهرهما) وبه قال المصنف
والأكثرون فيه القولان (الصحيح) الجديد لا زكاة (والقديم) وجهان (والثاني) القطع بأن لا
زكاة فيه وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وآخرون ومن الأصحاب من قال لا تجب في
الجديد وفى القديم قولان والمذهب لا تجب لعدم الدليل على الوجوب قال أصحابنا والحديث
المذكور ضعيف كما سبق قالوا ولو صح لكان متأولا ثم اختلفوا في تأويله فقيل يحمل على تطوعهم
455

به وقيل إنما دفعوه مقابلة لما حصل لهم من الاختصاص بالحمى ولهذا امتنعوا من دفعه إلى عمر رضي الله عنه
حين طالبهم بتخلية الحمى لسائر الناس وهذا الجواب هو الذي ذكره القاضي أبو الطيب
في تعليقه والمحاملي في المجموع فان أو جبناها ففي اعتبار النصاب خلاف (المذهب) اعتباره وقال ابن
ابن القطان قولان كما سبق في الزيتون. قال امام الحرمين وسواء كان النخيل مملوكا له أو أخذه
من المواضع المباحة والله تعالى أعلم (وأما) القرطم فبكسر القاف والطاء وبضمها لغتان (والجديد)
الصحيح أنه لا زكاة فيه (والقديم) وجوبها ويعتبر النصاب على المذهب وقال ابن القطان قولان (وأما)
العصفر نفسه فقال الرافعي قيل هو كالقرطم وقيل لا تجب قطعا قال ويمكن تشبيهه بالورس والزعفران
(وأما) الترمس ففي الجديد لا زكاة فيه وفى القديم تجب فيه (واما) الفجل فالجديد لا زكاة فيه. قال الرافعي
وحكي ابن كج وجوبها فيه على القديم قال ولم أره لغيره *
(فرع) في مذاهب العلماء في هذه المذكورات * مذهبنا أنه لا زكاة في غيره النخل والعنب من
الأشجار ولا في شئ من الحبوب الا فيما يقتات ويدخر ولا زكاة في الخضروات وبهذا كله قال مالك
وأبو يوسف ومحمده وقال أبو حنيفة وزفر يجب العشر في كل ما أخرجته الأرض الا الحطب
والقصب الفارسي والحشيش الذي ينبت بنفسه قال العبدري وقال الثوري وابن أبي ليلي ليس
في شئ من الزروع زكاة الا التمر والزبيب والحنطة والشعير وقال احمد يجب العشر في كل ما يكال
ويدخر من الزرع والثمار (فاما) مالا يكال كالقثاء والبصل والخيار والبطيخ والرياحين وجميع البقول
فليس فيها زكاة وأوجب أبو يوسف الزكاة في الحناء * وقال محمد لا زكاة وقال داود ما أنبتته الأرض
ضربان (موسق) و (غيره) فما كان موسقا وجبت الزكاة فيما بلغ منه خمسة أوسق ولا زكاة فيما دونها
وما كان غير موسق ففي قليله وكثيره الزكاة (وأما) الزيتون فقد ذكرنا ان الصحيح عندنا انه
لا زكاة فيه وبه قال الحسن بن صالح وابن أبي ليلي وأبو عبيد * وقال الزهري والأوزاعي والليث
ومالك والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور فيه الزكاة قال الزهري والليث والأوزاعي يخرص
فتؤخذ زكاته زيتا وقال مالك لا يخرص بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق
(وأما) العسل فالصحيح عندنا لا زكاة فيه مطلقا وبه قال مالك والثوري والحسن بن صالح وابن أبي ليلى
وابن المنذر وروينا هذا عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز * وقال أبو حنيفة والأوزاعي ان وجد
في غير أرض الخراج ففيه العشر * وقال احمد وإسحاق يجب فيه العشر سواء كان في أرض
الخراج أو غيرها * ونقله ابن المنذر عن مكحول وسليمان بن موسى والأوزاعي واحمد وإسحاق
وشرط أبو يوسف ومحمد في وجوب زكاته أن يبلغ خمسة أوسق وأوجبها أبو حنيفة في قليله
456

وكثيره قال ابن المنذر لبس في زكاته حديث صحيح ولا اجماع فلا زكاة فيه والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ولا تجب الزكاة في ثمر النخل والكرم إلا أن يكون نصابا ونصابه خمسة أوسق لما روى
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فيما دون خمسة أوسق
صدقة " والخمسة أوسق ثلاثمائة صاع وهي ألف وستمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تحديدا أو
تقريب فيه وجهان (أحدهما) أنه تقريب فلو تقص منه شئ يسير لم تسقط الزكاة والدليل عليه
أن الوسق حمل البعير قال النابغة * أين الشظاظان وأين المربعه * وأين وسق الناقة المطبعة * وحمل البعبر
يزيد وينقص (والثاني) أنه تحديد فان نقص منه شئ يسير لم تجب الزكاة لما روى أبو سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوسق ستون صاعا " ولا تجب حتى يكون يابسه خمسة
أوسق لحديث أبي سعيد " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " وإن كان رطبا لا يجئ منه تمر أو عنبا
لا يجئ منه زبيب ففيه وجهان (أحدهما) يعتبر نصابه بنفسه وهو أن يبلغ يابسه خمسة أوسق لان
الزكاة تجب فيه فاعتبر النصاب من يابسه (والثاني) يعتبر بغيره لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر
بغيره كالجناية التي ليس لها أرش مقدر في الحر فإنه يعتبر بالعبد} *
{الشرح} حديث أبي سعيد رضي الله عنه الأول صحيح رواه البخاري ومسلم وحديثه الثاني
" الوسق ستون صاعا " ضعيف رواه أبو داود وغيره باسناد ضعيف قال أبو داود وغيره اسناده
منقطع ولكن الحكم الذي فيه مجمع عليه نقل ابن المنذر وغيره الاجماع على أن الوسق ستون
صاعا وفي الوسق لغتان (أشهرهما) وأفصحهما - فتح الواو - (والثانية) - كسرها - وجمعه أوسق
في القلة ووسوق في الكثرة وأوساق وسبقت اللغات في بغداد وفى الرطل في مسألة القلتين
(والشظاظان) - بكسر الشين - العودان اللذان يجمع بهما عروتا العدلين على البعير (والمربعة) بكسر
الميم وإسكان الراء وفتح الباء الموحدة - وهي عصي قصيرة يقبض الرجلان بطرفيها كل واحد في
يده طرف ويعكمان العدل على أيديهما مع العصا ويرفعانه إلى ظهر البعير (وقوله) الناقة المطبعة
هي - بضم الميم وفتح الطاء المهملة والباء الموحدة - وهي المثقلة بالحمل قاله ابن فارس وغيره وهذا
النابغة الشاعر صحابي وهو أبو ليلي النابغة الجعدي والنابغة لقب له واسمه قيس بن عبد الله وقيل
عبد الله بن قيس وقيل حبان بن قيس قالوا وإنما قيل له النابغة لأنه قال الشعر في الجاهلية ثم تركه
نحو ثلاثين سنة ثم نبغ فيه فقاله وطال عمره في الجاهلية والاسلام وهو أسن من النابغة الذبياني هكذا بالأصل أيضا ولعله ليس فيما الخ
457

* ومات الذبياني قبله وعاش الجعدي بعد الذبياني طويلا قيل عاش مائة وثمانين سنة وقال ابن قتيبة عاش مائتين
وأربعين سنة وبسطت أحواله في التهذيب (أما) الأحكام ففيه مسائل (إحداها) لا تجب الزكاة
في الرطب والعنب إلا أن يبلغ يابسه نصابا وهو خمسة أوسق * هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة إلا
أبا حنيفة وزفر فقالا تجب في كل كثير وقليل حتى لو كان حبة وجب عشرها * دليلنا حديث أبي
سعيد المذكور وأحاديث غيره بمعناه والقياس على المواشي والنقدين (الثانية) الوسق ستون صاعا
بالاجماع نقل الاجماع فيه ابن المنذر وغيره وهو الف وستمائة رطل بالبغدادي وسبق تحقيق
الرطل ومقداره في مسألة القلتين ويجئ برطل دمشق ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا ونصف
رطل وثلث رطل وسبعا أوقية تفريعا على الأصح أن رطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما
وأربعة أسباع درهم والمعتمد في تقدير الأوسق بهذا الاجماع والا فالحديث ضعيف كما سبق والأصح
من الوجهين أن هذا التقدير تحديد صححه أصحابنا. وممن صححه المحاملي والماوردي والمتولي
والأكثرون قال الرافعي صححه الأكثرون وقطع الصيدلاني بأنه تقريب وقال المحاملي وغيره: إذا قلنا هو
تقريب فلا يمنع من وجوب الزكاة نقص خمسة أرطال. ونقل إمام الحرمين عن العراقيين ثم أنكره عليهم
وقال في تقديره كلاما طويلا حاصله الأوسق هي الأوقار والوقر المتقتصد مائة وستون منا والمن رطلان
فكل قدر لو وزع على الأوسق الخمسة لم تعد منحطة عن الاعتدال بسببه لا يضر نقصه وان عدت
منحطة ضر وان أشكل ذلك فالأظهر على قلة بالتقريب انه لا يضر لبقاء اسم الأوسق قال ولا
يبعد أن يميل الناظر إلى نفى الوجوب استصحابا للقلة إلى أن يتيقن الكثرة وذكر امام الحرمين
في أثناء هذه المسألة ما علقه الشارع بالصاع والمد فالاعتبار فيه بمقدار موزون يضاف إلى المد
والصاع لا بما يحويه المد من البر ونحوه وذكر الرافعي كلام إمام الحرمين هذا ثم قال. وقال
الروياني وغيره الاعتبار بالكيل لا بالوزن قال وهذا هو الصحيح واستثنى أبو العباس الجرجاني
العسل فقال الاعتبار في نصابه بالوزن إذا أوجبنا فيه الزكاة قال وتوسط صاحب العدة فقال هو
على التحديد في الكيل وعلى التقريب في الوزن وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا (قلت) هذا
الذي صححه الرافعي من الاعتبار بالكيل هو الصحيح وبه قطع أبو الفرج الدارمي من أصحابنا
وصنف في هذه المسألة تصنيفا وسأزيد المسألة ايضاحا في باب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى (المسألة
الثالثة) إذا كان له رطب لا يجئ منه تمر أو عنب لا يجئ منه زبيب فقد ذكر المصنف وأكثر
458

العراقيين فيه وجهين (أحدهما) يعتبر بنفسه (والثاني) بغيره مما يجفف والوجهان متفقان على
أنه يعتبر تمرا لا رطبا ففي وجه يشترط لوجوب زكاته أن يبلغ يابسه بنفسه لو يبس
خمسة أوسق وفى وجه يشترط بلوغه بغيره فيقال: لو كان هذا مما يجفف بلوغه نصابا في حال
رطوبته فان بلغ الرطب خمسة أوسق وجبت. وإن كان لو قدر تمرا لا يبلغها وان لم يبلغها الرطب فلا زكاة
وهذا هو الأصح عند أمام الحرمين والغزالي والرافعي وآخرين لأنه ليس له حالة جفاف وادخار
فوجب اعتباره في حال. كماله (والوجه الثاني) يعتبر النصاب من التمر والزبيب للحديث
ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " فعلى هذا هل يعتبر بنفسه أم بغيره فيه الوجهان
اللذان ذكرهما المصنف وأكثر العراقيين فحاصل المذهب ثلاثة أوجه (أصحها) يعتبر رطبا فان
بلغ الرطب خمسة أوسق وجبت الزكاة والا فلا (والثاني) يعتبر تمرا بنفسه لو يبس (والثالث)
يعتبر تمرا من غيره. قال أصحابنا فعلى هذا الثالث يعتبر أقرب أنواع الرطب إليه وعلى الأوجه
يجب اخراج واجبه في الحال رطبا ولا يؤخر لأنه ليس له جفاف ينتظر قال الرافعي وغيره: هذا
الخلاف هو فيما لا يغيره تجفيفه ولو جفف جاء منه تمر ردئ حشف (فأما) إذا كان لو جفف
فسد بالكلية لم يجئ فيه الاعتبار بنفسه قال أصحابنا ويضم ما لا يجفف إلى ما يجفف في اكمال
النصاب بلا خلاف لأنه كله جنس واحد. قال المحاملي (فان قيل) إذا كان الرطب والعنب لا
يجفف ولا يدخر فهو في معنى الخضروات (قلنا) الخضروات لا يجفف جنسها ولا يدخر (وأما)
الرطب والعنب فيجفف جنسه وهذا النوع منه نادر فوجب الحاقه بالغالب والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وتضم ثمر العام الواحد بعضها إلى بعض في اكمال النصاب وان اختلفت أوقاته بأن كان له
نخيل بتهامة ونخيل بنجد فأدرك ثمر التي بتهامة فجذها وحملت التي بنجد واطلعت التي بنجد واطلعت التي بتهامة
وأدركت قبل أن تجذ التي بنجد لم يضم أحدهما إلى الآخر لان ذلك ثمرة عام آخر وان حملت
نخل حملا فجذ ثم حملت حملا آخر لم يضم ذلك إلى الأول النخل لا يحمل في عام مرتين} *
{الشرح} هذه المسألة ذكرها المصنف مختصرة جدا وهي في كلام الأصحاب مبسوطة
بساطا شافيا وقد جمع الرافعي رحمه الله تعالى معظم كلام الأصحاب واختصره ولخصه فقال لا
خلاف أن ثمرة العام الثاني لا تضم إلى الأول في اكمال النصاب سواء اطلعت ثمرة العام الثاني قبل جذاذ
459

الأول أو بعده ولو كان له نخيل أو عنب يحمل في العام الواحد مرتين لم يضم الثاني بلا خلاف لان
كل حمل كثمرة عام قال الأصحاب هذا لا يكاد يتصور في النخل والعنب فإنهما لا يحملان في السنة
حملين وإنما يتصور في التين وغيره مما لا زكاة فيه. قالوا: وإنما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة
بيانا لحكمها لو تصور. ثم القاضي ابن كج فصل فقال: ان أطلعت النخلة الحمل الثاني بعد جذاذ
الأولى فلا ضم وان أطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح ففيه الخلاف الذي سنذكره إن
شاء الله تعالى في حمل نخلتين قال الرافعي: وهذا الذي قاله ابن كج لا يخالف اطلاق الجمهور في عدم
الضم لان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو الحادث بعد جذاذ الأول (أما) إذا كان نخيل أو أعناب يختلف
أدراك ثمارها في العام الواحد لاختلاف أنواعها أو لاختلاف بلادها حرارة وبرودة أو غير ذلك
نظر أن أطلع المتأخر قبل بدو صلاح الأول فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن كج وأصحاب القفال
لا ضم لان الثاني حدث بعد انصرام الأول فأشبه ثمرة العام الثاني وهو الأصح عند الماوردي
(والثاني) وبه قطع أصحاب الشيخ أبى حامد يضم وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه لأنها
ثمرة عام واحد (قلت) هذا الثاني هو الصحيح وصححه الرافعي في المحرر: وان أطلع المتأخر بعد
بدو صلاح الأول وقبل جذاذه (فان قلنا) فيما بعد الجذاذ يضم (فهنا) أولى وإلا فوجهان (أصحهما)
عند الماوردي والبغوي وبه قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة
في الأول (والثاني) يضم لاجتماعهما على رؤس النخل كما لو اطلع قبل بدو صلاح الأول. (فان قلنا)
بقول أصحاب القفال فهل يقوم وقت الجذاذ مقام الجذاذ فيه وجهان (أصحهما) يقوم وبه قطع الصيدلاني لأنها
بعد دخول وقت الجذاذ كالمجذوذة ولهذا لو أطلعت النخلة للعام الثاني وعليها بعض ثمرة الأول لم
يثبت الضم بلا خلاف فعلى هذا قال امام الحرمين. لجذاذ الثمار أول وقت ونهاية يكون ترك الثمار
إليها أولى وتلك النهاية هي المعتبرة (واعلم) أن من مواضع اختلاف ادراك الثمار نجدا وتهامة
فتهامة حارة يسرع ادراك الثمرة بها بخلاف نجد. فإذا كانت للرجل نخيل تهامية ونخيل نجدية
فاطلعت التهامية ثم النجدية لذلك العام واقتضى الحال ضم النجدية إلى التهامية على ما سبق بيانه
فضممنا ثم أطلعت التهامية مرة أخرى فلا تضم التهامية الثانية إلى النجدية وان أطلعت قبل بدو
صلاحها لأنا لو ضممناها إلى النجدية لزم ضمها إلى التهامية الأولى وذلك لا يجوز بالاتفاق هكذا قاله
الأصحاب: قال الصيدلاني وامام الحرمين ولو لم تكن النجدية مضمومة إلى التهامية الأولى بان
أطلعت بعد جذاذها ضممنا التهامية الثانية إلى النجدية لأنه لا يلزم المحذور الذي ذكرناه. قال
460

الرافعي وهذا قد لا يسلمه سائر الصحاب لأنهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبأنه
لا تضم ثمرة عام إلى ثمرة آخر والتهامية الثانية حمل عام آخر هذا آخر ما ذكره الرافعي قال الدارمي
والماوردي والبندنيجي وغيرهم: إذا كان على النخلة بلح ويسر ورطب ضم بعضه إلى بعض بلا
خلاف لأنه حمل واحد والله تعالى أعلم * قالوا ولو كان بعض نخله أو عنبه يحمل حملين وبعضها حملا
فان ذات الحمل يضم إلى ما يوافقه في الزمان من الحملين قال البندنيجي: فان أشكلا فلم يعلم مع
أيهما كان ضم إلى أقرب الحملين إليه والله سبحانه وتعالي أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وزكاته العشر فيما سقى بغير مؤنة ثقيلة كماء السماء والأنهار وما شرب بالعروق ونصف
العشر فيما سقى بمؤنة ثقيلة كالنواضح والدواليب وما أشبهها لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم " فرض فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا - وروى عثريا -
العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر " والبعل الذي شرب بعروقه والعثرى الشجر الذي يشرب
من الماء الذي يجتمع في موضع فيجرى كالساقية ولان المؤنة في أحدهما تخف وفى الأخرى
تثقل ففرق بينهما في الزكاة. ولو كان يسقى نصفه بالنواضح ونصفه بالسيح ففيه ثلاثة أرباع العشر
اعتبارا بالسقيتين وان سقي بأحدهما أكثر ففيه قولان (أحدهما) يعتبر فيه الغالب فإن كان
الغالب السقي بماء السماء أو السيح وجب العشر وإن كان الغالب السقي بالناضح وجب نصف
العشر لأنه اجتمع الأمران ولأحدهما قوة بالغلبة فكان الحكم له كالماء إذا خالطه مائع (والقول
الثاني) يقسط على عدد السقيات لان ما وجب فيه الزكاة بالقسط عند التماثل وجب فيه بالقسط عند
التفاضل كزكاة الفطر في العبد المشترى فان جهل القدر الذي سقي بكل واحد منهما جعلا
نصفين لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب التسوية بينهما كالدار في يد اثنين}
{الشرح} حديث ابن عمر رضي الله عنهما صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط
مسلم بلفظه في المهذب ورواه البخاري بمعناه قال: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال
" فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر " ورواه مسلم في
صحيحه بمعناه من رواية جابر ورواه البيهقي أيضا من رواية معاذ بن جبل وأبي هريرة قال البيهقي
وهو قول العامة لم يختلفوا فيه وكذا أشار الشافعي رضي الله عنه في المختصر إلى أنه مجمع عليه وهذا
الذي ذكره المصنف في تفسير البعل كذا قاله أهل اللغة وغيرهم وأما العثرى - فبعين مهملة وثاء مثلثة
461

مفتوحتين ثم ياء مشددة - ويقال باسكان الثاء والصحيح المشهور فتحها وأنكر القلعي على المصنف
تفسيره العثرى وقال: إنما هو ما سقت السماء لا خلاف بين أهل اللغة فيه وهذا الذي قاله القلعي
ليس كما قاله وليس نقله عن جميع أهل اللغة صحيحا وإنما هو قول قليل منهم. وذكر ابن فارس
في المجمل فيه قولين لأهل اللغة قال: العثرى ما سقى من النخل سيحا والسيح الماء الجاري قال ويقال
هو العذى والعذى الزرع الذي لا يسقيه الإماء المطر ولم يذكر الجوهري في صحاحه الا هذا القول الثاني
والأصح ما قاله الأزهري وغيره من أهل اللغة أن العثرى مخصوص بما سقى من ماء السيل فيجعل عاثورا وشبه
ساقيته بحفر يجرى فيها الماء إلى أصوله وسمى عاثورا لأنه يتعثر به المار الذي لا يشعر به وهذا هو مراد المصنف وإن كان
ت عبارته تحتاج إلى تقييد (وأما) النواضح فجمع ناضح وهو ما يسقى عليه نضحا من بعير وبقرة وغيرهما
قال أهل اللغة النضح السقي من ماء بثر أو نهر بساقية والساقية والناضح اسم للبعير والبقرة الذي
يسقى عليه من البئر أو النهر والانثي ناضحة والدواليب جمع دولاب - بفتح الدال - قال الجوهري
وغيره هو فارسي معرب (وأما) الأحكام فقال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب يجب فيما سقى
بماء السماء من الثمار والزروع العشر وكذا البعل وهو ما يشرب بعروقه وكذا ما يشرب من ماء
ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة ففي هذا كله العشر وأما ما سقي بالنضح أو الدلاء
أو الدواليب وهي التي تديرها البقر أو بالناعورة وهي التي يديرها الماء بنفسه ففي جميعه نصف العشر
وهذا كله لا خلاف فيه بين المسلمين وقد سبق نقل البيهقي الاجماع فيه (وأما) القنوات والسواقي
المحفورة من نهر عظيم التي تكثر مؤنتها ففيها العشر كاملا هذا هو الصحيح المشهور المقطوع به
في كتب العراقيين والخراسانيين ونقل إمام الحرمين اتفاق الأئمة عليه وعلله الأصحاب بان مؤنة
القنوات إنما تشق لاصلاح الضيعة وكذا الأنهار إنما تشق لاحياء الأرض وإذا تهيأت وصل الماء
إلى الزرع بنفسه مرة بعد أخرى بخلاف النواضح ونحوها فان المؤنة فيها لنفس الزرع ونقل الرافعي
عن الشيخ أبي عاصم أنه نقل أن الشيخ أبا سخل الصعلوكي من أصحابنا أفتى أن ما سقى بنماء القناة
وجب فيه نصف العشر وقال صاحب التهذيب إن كانت القناة أو العين كثيرة المؤنة لا تزال تنهار
وتحتاج إلى احداث حفر وجب نصفه العشر وإن لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الأول
وكسحها في بعض الأوقات وجب العشر. قال الرافعي والمذهب ما قدمناه عن الجمهور قال الرافعي
قال ابن كج ولو اشترى ماء وسقى به وجب نصف العشر قال وكذا لو سقاه بما مغصوب لان
عليه ضمانه قال الرافعي وهذا حسن جار على كل مأخذ فإنه لا يتعلق بصلاح الضيعة بخلاف القناة.
462

ثم حكى الرافعي عن ابن كج عن ابن القطان وجهين فيما لو وهب له الماء ورجح الحاقه بالمغصوب
لوجود المنة العظيمة وكما لو علف ماشيته بعلف موهوب (قلت) وهذان الوجهان تفريع على قولنا
لا تقتضي الهبة ثوابا (فان قلنا) تقتضيه فنص العشر بلا خلاف صرح بذلك كله الدارمي في
الاستذكار والله تعالى أعلم *
(فصل) إذا اجتمع في الشجر الواحد أو الزرع الواحد السقي بماء السماء والنواضح فله حالان
(أحدهما) أن يزرع عازما على السقي بهما فينظر إن كان نصف السقي بهذا ونصفه بذلك فطريقان
(أصحهما) وبه قطع المصنف والجمهور من الطريقين يجب ثلاثة أرباع العشر (والثاني) حكاه امام
الحرمين وغيره أنه يجب العشر بكماله على قولنا فيما إذا تفاضلا أنه يعتبر الأغلب وعللوه بأنه أرفق
للمساكين والمذهب الأول ودليله في الكتاب فان سقى بأحدهما أكثر فقولان مشهوران ذكر
المصنف دليلهما (أصحهما) عند الأصحاب ورجحه الشافعي رضي الله عنه أيضا في المختصر يقسط
الواجب عليهما (والثاني) يعتبر الأغلب. فان قلنا بالتقسيط وكان ثلثا السقي بماء السماء والثلث بالنضح
وجب خمسة أسداس العشر وان استويا فثلاثة أرباع العشر وان قلنا بالأغلب فزاد السقي بماء السماء
أدنى زيادة وجب العشر وان زاد الآخر أدني زيادة وجب نصف العشر فان استويا فقد ذكرنا
أن المذهب وجوب ثلاثة أرباع العشر وفي وجه شاذ يجب كل العشر قال أصحابنا وسواء قسطنا
أم اعتبرنا الأغلب فهل النظر إلى عدد السقيات أم غيرها فيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين
وفى كتب جماعة من العراقيين (أحدهما) يقسط على عدد السقيات وبهذا قطع المصنف والماوردي
لان المؤنة تختلف بعدد السقيات والمراد السقيات المقيدة (والوجه الثاني) وهو الأصح وبه قطع
الشيخ أبو حامد وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وصححه المحققون ورجحه الرافعي في كتابيه
أن الاعتبار بعيش الزرع والثمرة ونمائه. قال امام الحرمين وآخرون وعبر بعضهم عن هذا الثاني
بالنظر إلى النفع قالوا وقد تكون سقية أنفع من سقيات كثيرة. قال امام الحرمين: والعبارتان متقاربتان
الا ان صاحب الثانية لا ينظر إلى المدة بل يعتبر النفع الذي يحكم به أهل الخبرة وصاحب العبارة الأولى يعتبر
المدة: قال الرافعي رحمه الله واعتبار المدة هو الذي ذكره الأكثرون تفريعا على هذا الوجه قال وذكروا
في المثال أنه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى يوم الادراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمان
الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقى فيهما بماء السماء واحتاج في الصيف في الشهرين الباقيين إلى ثلاث
سقيات فسقين بالنضح. فان اعتبرنا عدد السقيات فعلى قول التقسيط يجب خمسا العشر وثلاثة
463

أخماس نصف العشر وعلى اعتبار الأغلب يجب نصف العشر وان اعتبرنا المدة فعلى قول التقسيط
يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر وعلى قول اعتبار الأغلب يجب العشر لان مدة السقي بماء السماء
أطول ولو سقى بماء السماء والنضح جميعا وجهل المقدار من كل واحد منهما أو علم أن أحدهما أكثر
وجهل أيهما هو وجب ثلاثة أرباع العشر هذا هو المذهب وبه قطع المصنف وجماهير الأصحاب
ونقلوه عن ابن سريج وأطبقوا عليه الا ابن كج والدارمي فحكيا وجها أنه يجب نصف العشر لان
الأصل البراءة مما زادوا إلا صاحب الحاوي فقال: ان سقى بأحدهما أكثر وجهلت عينه فان اعتبرنا
الأغلب وجب نصف العشر لأنه اليقين وان قلنا بالتقسط فالواجيب ينقص عن العشر وينقص
عن نصفه فيأخذ اليقين ويقف عن الباقي حتى يتبين قال وان فشككنا هل استويا أو زاد أحدهما
(فان قلنا) بالغالب وجب نصف العشر لأنه اليقين وان قسطنا فوجهان (أحدهما) يجب ثلاثة أرباع
العشر (والثاني) يجب زيادة على نصف العشر بشئ وان قل هذا كلام صاحب الحاوي والمذهب
ما قدمناه (الحال الثاني) يزرغ ناويا السقي بأحدهما ثم يقع الآخر فهل يستصحب حكم ما نواه أو لا أم يعتبر
الحكم فيه وجهان حكاهما الخراسانيون والدارمي وآخرون (أصحهما) وأشهرهما يعتبر الحكم وصححه
الرافعي وغيره وهو مقتضي اطلاق العراقيين. قالوا وعلى هذا ففي كيفية اعتبارهما الخلاف
السابق والله تعالى أعلم *
(فرع) قال أصحابنا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه في المختصر ولو اختلف المالك والساعي
في أنه بماذا سقى فالقول قول المالك فيما يمكن لان الأصل عدم وجوب الزكاة فان اتهمه الساعي
حلفه وهذه اليمين مستحبة بالاتفاق صرح به الدارمي والبندنيجي والماوردي وغيرهم لأنه لا يخالف
الظاهر والله تعالى أعلم *
(فرع) لو كان له حائطان من النخل والعنب أو قطعتان من الزرع سقي أحدهما بماء السماء والآخر بالنضح
ولم يبلغ واحد منهما نصابا وجب ضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب وأخرج من المسقي بماء السماء العشر
ومن الآخر نصفه والله تعالى أعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وإن زادت الثمرة على خمسة أوسق وجب الفرض فيه بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فوجب
فيه بحساب كزكاة الأثمان} *
{الشرح} قوله يتجزأ من غير ضرر احتراز من الماشية وتجب فيما زاد على النصاب
464

بحسابه باجماع المسلمين نقل الاجماع فيه صاحب الحاوي وآخرون ودليله من السنة قوله صلى
الله عليه وسلم " فيما سقت السماء العشر " الحديث والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ولا يجب العشر حتى يبدو الصلاح في الثمار
وبدو الصلاح أن يحمر البسر أو يصفر
ويتموه العنب لأنه قبل بدو الصلاح لا يقصد أكله فهو كالرطبة وبعده يقتات ويؤكل فهو
كالحبوب} *
{الشرح} قال الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم وقت وجوب زكاة النخل والعنب بدو
الصلاح ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها هذا هو الصحيح المعروف من نصوص الشافعي
رضي الله عنه القديمة والجديدة وبه قطع جماهير الأصحاب في كل الطرق وذكر صاحب الشامل
أن الشيخ أبا حامد حكى أن الشافعي رضي الله عنه أو ماء في القديم إلى أن الزكاة لا تجب الا عند
فعل الحصاد قال وليس بشئ وذكر امام الحرمين عن صاحب التقريب أنه حكى قولا غريبا ان
وقت الزكاة هو الجفاف في الثمار والتصفية في الحبوب ولا يتقدم الوجوب على الامر بالأداء وهذان
شاذان والمذهب ما سبق قال أصحابنا وبدو الصلاح في بعضه كبدوه في الجميع كما في البيع فإذا بدا
الصلاح في أقل شئ منه وجبت الزكاة وكذا اشتداد بعض الحب كاشتداد كله في وجوب الزكاة
كما أنه مثله في البيع قال أصحابنا وحقيقة بدو الصلاح هنا كما هو مقدر في كتاب البيع ومختصره ما قاله
الشافعي والأصحاب أن يحمر البسر ويتموه العنب قال الشافعي رضي الله عنه فإن كان عنبا
أسود فحتى يسود أو أبيض فحتى يتموه. قيل أراد بالتموه ان يدور فيه الماء الحلو وقيل إن تبدو
فيه الصفرة *
(فرع) قال أصحابنا لو اشترى نخيلا مثمرة أو ورثها قبل بدو الصلاح ثم بدا فعليه الزكاة لوجود
وقت الوجوب في ملكه ولو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح لمكاتب أو ذمي فبدا الصلاح
في ملكه فلا زكاة على واحد فلو عاد إلى ملك البائع المسلم بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو هبة
465

أو إقالة أو رد بعيب أو غير ذلك فلا زكاة لأنه لم يكن مالكا له حال الوجوب ولو اشتري بشرط
الخيار فبدا الصلاح في مدة الخيار فان قلنا الملك للبائع فعليه الزكاة وان تم البيع (وان قلنا) للمشترى
فعليه الزكاة وان فسخ وان قلنا موقوف فالزكاة موقوفة فمن ثبت له الملك وجبت الزكاة عليه ولو
باع نخيلا قبل بدو الصلاح فبدا في ملك المشتري ثم وجد بها عيبا فليس له الرد الا برضا البائع
لتعلق الزكاة بها وهو كعيب حدث في يده فان أخرج المشترى الزكاة من نفس الثمرة أو من غيرها
فحكمه ما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى هذا كله إذا باع النخل والثمر جميعا فلو باع الثمرة
وحدها قبل بدو الصلاح فشرطه أن يباع بشرط القطع فلم يقطع حتى بدا فقد وجبت الزكاة
ثم إن رضيا بابقائها إلى الجذاذ جاز والعشر على المشترى قال الرافعي وحكى قول ان البيع ينفسخ
كما لو اتفقا عند البيع على الابقاء وهذا غريب ضعيف وان لم يرضيا بالابقاء لم تقطع الثمرة لان فيه
اضرارا بالفقراء ثم فيه قولان (أحدهما) ينفسخ البيع لتعذر امضائه (وأصحهما) لا ينفسخ لكن
ان لم يرض البائع بالابقاء يفسخ وان رضي به وامتنع المشترى وطلب القطع فوجهان (أحدهما) يفسخ
(وأصحهما) لا يفسخ ولو رضي البائع ثم رجع كان له ذلك لان رضاه إعارة وحيث قلنا يفسخ البيع
ففسخ فعلى من تجب الزكاة فيه قولان (أحدهما) على البائع لان الملك استقر له (وأصحهما) على
المشترى كما لو فسخ بعيب فعلى هذا لو أخذ الساعي من نفس الثمرة رجع البائع على المشتري *
(فرع) إذا قلنا بالمذهب ان وقت الوجوب هو بدو الصلاح واشتداد الحب * قال الشافعي
والأصحاب لا يجب الاخراج في ذلك الوقت بلا خلاف لكن ينعقد سببا لوجوب الاخراج
إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى ويصير للفقراء في الحال حق يجب دفعه إليهم بعد مصيره تمرا
أو حبا فلو اخرج الرطب والعنب في الحال لم يجزئه بلا خلاف ولو اخذه الساعي غرمه بلا خلاف
لأنه قبضه بغير حق وكيف يغرمه فيه وجهان مشهوران وذكرهما المصنف في آخر الباب (الصحيح)
الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافعي رضي الله عنه انه يلزمه قيمته (والثاني) يلزمه مثله وهما
مبنيان على أن الرطب والعنب مثليان أم لا (والصحيح) المشهور انهما ليسا مثليين * ولو جف
466

عند الساعي فإن كان قدر الزكاة أجزأ وإلا رد التفاوت أو اخذه كذا قاله العراقيون وغيرهم *
وحكى ابن كج وجها أنه لا يجزئ بحال لفساد القبض * قال الرافعي وهذا الوجه أولي. والمختار
ما سبق وهذا كله في الرطب والعنب اللذين يجئ منهما تمر وزبيب (فاما) مالا يجئ منه فسنذكره
إن شاء الله تعالى * قال أصحابنا ومؤنة - تجفيف التمر وجذاذه وحصاد الحب وحمله ودياسه
وتصفيته وحفظه وغير ذلك من مؤنه تكون كلها من خالص مال المالك لا يحسب منها شئ من
مال الزكاة بلا خلاف ولا تخرج من نفس مال الزكاة فان أخرجت منه لزم المالك زكاة ما أخرجه
من خالص ماله ولا خلاف في هذا عندنا وحكي صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال
تكون المؤنة من وسط المال لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء لان المال للجميع فوزعت المؤنة
عليه قال صاحب الحاوي وهذا غلط لان تأخير الأداء عن وقت الحصاد إنما كان لتكامل المنافع
وذلك واجب على المالك والله تعالى اعلم * قال ولا يجوز اخذ شئ من الحبوب المزكاة إلا بعد
خروجها من قشورها إلا العلس فان الشافعي رضي الله عنه قال مالكه مخير إن شاء أخرجه في قشره
فيخرج من كل عشرة أوسق وسقا لان بقاءه في قشره أصون وان شاء صفاه من القشور قال ولا يجوز
اخراج الحنطة في سنبلها وإن كان ذلك أصون لها لأنه يتعذر كيلها والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{فان أراد ان يبيع الثمرة قبل بدو الصلاح نظرت فإن كان لحاجة لم يكره وإن كان
يبيع لفرار من الزكاة كره لأنه فرار من القربة ومواساة المساكين وان باع صح البيع لأنه
باع ولا حق لاحد فيه} *
{الشرح} قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر والأصحاب إذا باع مال الزكاة قبل وقت
وجوبها كالتمر قبل بدو صلاحه والحب قبل اشتداده والماشية والنقد وغيره قبل الحول أو نوى بمال
التجارة القنية أو اشترى به شيئا للقنية قبل الحول فإن كان ذلك لحاجة إلى ثمنه لم يكره بلا خلاف لأنه
معذور لا ينسب إليه تقصير ولا يوصف بفرار. وان لم يكن به حاجة وإنما باعه لمجرد الفرار فالبيع
467

صحيح بلا خلاف لما ذكره المصنف ولكنه مكروه كراهة تنزيه هذا هو المنصوص وبه قطع
الجمهور وشذ الدارمي وصاحب الا بانة فقالا هو حرام وتابعهما الغزالي في الوسيط وهذا غلط عند
الأصحاب وقد صرح القاضي أبو الطيب في المجرد والأصحاب بأنه لا إثم على البائع فرارا قال الشافعي
والأصحاب وإذا باع فرارا قبل انقضاء الحول فلا زكاة عندنا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وداود
وغيرهم وقال مالك وأحمد وإسحاق إذا تلف بعض النصاب قبل الحول أو باعه فرارا لزمته الزكاة *
دليلنا أنه فات شرط وجوب الزكاة وهو الحول فلا فرق بين أن يكون على وجه يعذر فيه أو لا يعذر
والله تعالى أعلم (فان قيل) فما الفرق بين الفرار هنا والفرار بطلاق المرأة بائنا في مرض
الموت فإنها ترثه على قول (فالفرق) من وجهين (أحدهما) أن الحق في الإرث لمعين فاحتيط له
له بخلاف الزكاة (والثاني) أن الزكاة مبنية على الرفق والمساهلة وتسقط بأشياء كثيرة للرفق
كالعلف في بعض الحول والعمل عليها وغير ذلك بخلاف الإرث والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وإن باع بعد بدو الصلاح ففي البيع في قدر الفرض قولان (أحدهما) أنه باطل لان في أحد
القولين تجب الزكاة في العين وقدر الفرض للمساكين فلا يجوز بيعه بغير اذنهم وفى الآخر
تجب في الذمة والعين مرهونة به وبيع المرهون لا يجوز من غير اذن المرتهن (والثاني) انه يصح لأنا
ان قلنا الزكاة تتعلق بالعين الا أن أحكام الملك كلها ثابتة والبيع من أحكام الملك وان قلنا أنها
تجب في الذمة والعين مرتهنة به الا أنه رهن يثبت بغير اختياره فلم يمنع البيع كالجناية في رقبة العيد
(فان قلنا) يصح في قدر الفرض (ففيما) سواه أولى (وان قلنا) لا يصح في قدر الفرض ففيما سواه
قولان بناء على تفريق الصفقة} *
{الشرح} إذا باع مال الزكاة بعد وجوبها فيه سواء كان تمرا أو حبا ماشية أو نقدا
أو غيره قبل اخراجها فان باع جميع المال فهل يصح في قدر الزكاة يبنى على الخلاف السابق في باب
زكاة المواشي
أن الزكاة هل تتعلق بالعين أو بالذمة وقد سبق خلاف مختصره أربعة أقوال (أصحها
تتعلق بالعين تعلق الشركة (والثاني) تتعلق بالعين تعلق أرش الجناية (والثالث) تعلق المرهون
468

(والرابع) لا تتعلق بالعين بل بالذمة فقط وتكون العين خلوا من التعلق فان قلنا الزكاة تتعلق
بالذمة وتكون العين خلوا منها صح البيع قطعا وان قلنا تتعلق بها تعلق الموهون فقولان أشار المصنف
إلى دليلهما (أصحهما) عند العراقيين وغيرهم الصحة أيضا لأن هذه العلقة ثبتت بغير اختيار المالك
وليست لمعين فسومح بها بما لا يسامح به في المرهون وان قلنا تعلق الشركة فطريقان (أحدهما) القطع بالبطلان
لأنه باع مالا يملكه (وأصحهما) وأشهرهما وبه قطع أكثر العراقيين في صحته قولان (أصحهما) باتفاق الأصحاب
البطلان وبه قطع كثيرون (والثاني) الصحة لأنه يجوز أن يدفع الزكاة من غيره وان قلنا تعلق
الأرش ففي صحته خلاف مبني على صحة بيع الجاني فان صححناه صح هذا والا فلا فان صححنا صار
بالبيع ملتزما الفداء فحصل من جملة هذه الاختلافات أن الأصح بطلان البيع في قدر الزكاة قال
أصحابنا فحيث صححنا في قدر الزكاة ففي الباقي أولي وحيث أبطلنا فيه ففي الباقي قولا تفريق
الصفقة هكذا أطلقه المصنف وسائر العراقيين وقال الخراسانيون إذا قلنا بالبطلان في قدر الزكاة فهل
يبطل في الباقي ان قلنا تعلق الشركة فقولا تفريق الصفقة وان قلنا تعلق الرهن قلنا الاستيثاق
في الجميع بطل في الجميع وإن قلنا بالاستيثاق في قدر الزكاة فقط ففي الزائد قولا تفريق الصفقة
والأصح في طريق الصفقة الصحة وحيث منعنا البيع وكان المال ثمرة فالمراد قبل الخرص وأما بعده
فلا منع إن قلنا الخرص تضمين وهو الأصح وإن قلنا غيره ففيه كلام يأتي قريبا في فصل الخرص إن شاء
الله تعالى (والحاصل) من هذا الخلاف كله ثلاثة أقوال (أصحها) يبطل البيع في قدر الزكاة ويصح في الباقي
(والثاني) يبطل في الجميع (والثالث) يصح في الجميع فان صححنا في الجميع نظر ان أدى البائع الزكاة
من موضع آخر فذاك والا فللساعي أن يأخذ من عين المال من يد المشترى قدر الزكاة على جميع الأقوال
بلا خلاف فان أخذ انفسخ البيع في المأخوذ وهل ينفسخ في الباقي فيه الخلاف المشهور في انفساخ
البيع بتفريق الصففة في الدوام والمذهب لا ينفسخ فان قلنا ينفسخ استرد الثمن والا فله الخيار إن كان
حالا فان فسخ فذاك وان أجاز في الباقي فهل يأخذ بقسطه من الثمن أم بالباقي فيه طريقان
مشهوران في كتاب البيع (المذهب) انه بقسطه ولو لم يأخذ الساعي منه الواجب ولم يؤد البائع
الزكاة من موضع آخر فهل للمشترى الخيار إذا علم فيه وجهان (أصحهما) له الخيار (والثاني) لا لأنه
في الحال مالك للجميع وقد يؤدى البائع الزكاة من موضع آخر فان قلنا بالأصح ان له الخيار فادى
469

البائع الزكاة من موضع آخر فهل يسقط خياره فيه وجهان (الصحيح) يسقط لزوال العيب كما لو
اشترى معيبا فزال عيبه قبل الرد فإنه يسقط (والثاني) لا يسقط لاحتمال أن يخرج ما دفعه إلى
الساعي مستحقا فيرجع الساعي إلى عين المال ويجري الوجهان فيما لو باع السيد العبد الجاني ثم فداه
هل يبقى للمشترى خياره أما إذا أبطلنا البيع في قدر الزكاة وصححنا في الباقي فللمشتري الخيار في
فسخ البيع في الباقي وإجازته ولا يسقط خياره بأداء البائع الزكاة من موضع آخر لان الخيار هنا
لتبعيض الصفقة وإذا أجاز فهل يجز بقسطه أم بجميع الثمن فيه القولان السابقان وقطع بعض
الأصحاب بأنه يجيز بالجميع في المواشي والمذهب الأول والله تعالى أعلم * هذا كله في بيع جميع المال فان
باع بعضه نظر فإن لم يبق قدر الزكاة فهو كما لو باع الجميع وإن بقي قدر الزكاة بنية صرفه إلى الزكاة
أو بغير نية فان قلنا بالشركة ففي صحة البيع وجهان قال ابن الصباغ (أقيسهما) البطلان وهما مبنيان
على كيفة ثبوت الشركة وفيها وجهان (أحدهما) ان الزكاة شائعة في الجميع متعلقة بكل واحد من
الشياه وغيرها بالقسط (والثاني) ان محل الاستحقاق هو قدر الواجب فقط ويتعين بالاخراج وان
فرعنا على قول الزكاة فقط فعلى الأول لا يصح وعلى الثاني يصح وان فرعنا على تعلق الأرش
فان صححنا بيع الجاني صح هذا والا فالتفريع كالتفريع على قول الرهن وجميع ما ذكرنا هو في
بيع ما تجب الزكاة في عينه (فأما) بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فسيأتي بيانه في بابها إن
شاء الله تعالى *
(فرع) لو رهن المال الذي وجبت فيه الزكاة فهو كبيعه فيعود فيه جميع ما سبق فان صححنا
في قدر الزكاة ففي الزائد أولى وان أبطلنا في قدر الزكاة فالباقي يرتب على البيع فان صححنا
البيع فالرهن أولى والا فقولان كتفريق الصفقة في الرهن إذا صحب حلالا وحراما فان صححنا
الرهن في الجميع فلم يؤد الزكاة من موضع آخر فللساعي اخذها منه فإذا أخذ انفسخ الرهن فيها
وفى الباقي الخلاف السابق في نظيره في البيع وان أبطلنا في الجميع أو في قدر الزكاة فقط وكان
الرهن مشروطا في بيع ففي فساد البيع قولان فإن لم يفسد فللمشتري الخيار ولا يسقط خياره بدفع
470

الزكاة من موضع آخر (وأما) إذا رهن قبل تمام الحول فتم ففي وجوب الزكاة الخلاف السابق
في باب زكاة المواشي والرهن لا يكون الا بدين وفى كون الدين مانعا لوجوب الزكاة قولان
سبقا هناك (الأصح) الجديد لا يمنع فان قلنا الرهن لا يمنع الزكاة وقلنا الدين لا يمنعها أو يمنعها
وكان له مال آخر بقي بالدين وجبت الزكاة والا فلا ثم إن لم يملك الراهن مالا آخر أخذت
الزكاة من نفس المرهون على أصح الوجهين لأنها متعلقة بالعين فأشبهت أرش الجناية (وعلى
الثاني) لا يؤخذ منه لان حق المرتهن سابق على وجوب الزكاة والزكاة حق لله تعالي مبنية على
المسامحة بخلاف أرش الجناية ولان أرش الجناية لو لم يأخذه يفوت لا إلى بدل بخلاف الزكاة فعلى
الأصح لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة من الإبل يباع جزء من المال في الزكاة وقيل
الخلاف فيما إذا كان الواجب من غير جنس المال فإن كان من جنسه أخذ من المرهون بلا خلاف
ثم إذا اخذت الزكاة من نفس المرهون فأيسر الراهن بعد ذلك فهل يؤخذ منه قدر الزكاة ليكون
رهنا عند المرتهن فيه طريقان ان علقناه بالذمة اخذ وان علقناها بالعين لم يؤخذ على أصح الوجهين
كما لو تلف بعض المرهون وقيل يؤخذ كما لو أتلفه المالك فان قلنا يؤخذ فإن كان النصاب مثليا اخذ المثل
وإن كان متقوما اخذ القيمة على قاعدة الغرامات (اما) إذا ملك مالا آخر فالمذهب والذي قطع
به الجمهور ان الزكاة تؤخذ من باقي أمواله ولا تؤخذ من نفس المرهون سواء قلنا تجب الزكاة
في الذمة أو العين وقال جماعة يؤخذ من نفس المرهون ان قلنا تتعلق بالعين وهذا هو القياس كما لا يجب
على السيد فداء المرهون إذا جنى والله تعالى اعلم
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{فان أكل شيئا من الثمار أو استهلكه وهو عالم عزر وغرم وإن كان جاهلا غرم ولم يعزر} *
{الشرح} لا يجوز للمالك أن يتصرف في الثمار قبل الخرص لا ببيع ولا أكل ولا إتلاف
حتى يخرص فلو تصرف قبل الخرص وبعد وجوب الزكاة غرم ما تصرف فيه بلا خلاف فإن كان عالما
تحريمه عزر وإن كان جاهلا لم يعزر لأنه معذور. قال البغوي ولا يجوز قبل الخرص ان يأكل منه
شيئا ولا يتصرف في شئ قال فإن لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين يخرصان
471

عليه ثم إذا غرم ما تصرف فيه ينظر ان أتلفه رطبا فوجهان (أحدهما) يضمن بقيمته لأنه ليس مثليا
فأشبه ما لو أتلفه أجنبي (والثاني) يضمنه بمثله رطبا لأنه رب المال إذا أتلف مال الزكاة ضمنه
بجنسه فإن لم يكن مثليا كما لو ملك أربعين شاة أو ثلاثين بقرة فأتلفها بعد استقرار الزكاة فإنه يلزمه
شاة أو بقرة ثم إن كانت الأنواع قليلة ضمن كل نوع بحصته من القيمة أو الرطب على اختلاف
الأنواع وإن كانت الأنواع كثيرة ضمن الوسط قيمة أو رطبا *
* قال المصنف رحمه الله *
{فان أصاب النخل عطش بعد بدو الصلاح وخاف أن يهلك جاز ان يقطع الثمار لان الزكاة
تجب على سبيل المواساة فلو ألزمناه تركها لحق المساكين كان ذلك سببا لهلاك ماله فيخرج عن
حد المواساة ولان حفظ النخيل أنفع للمساكين في مستقبل الأحوال ولا يجوز ان يقطع الا بحضرة
المصدق لان الثمرة مشتركة بينه وبين المساكين فلا يجوز قطعها الا بمحضر من النائب عنهم ولا يقطع
الا ما تدعو الحاجة إليه فان قطع من غير حضور المصدق وهو عالم عزره ان رأى ذلك ولا يغرمه ما نقص لأنه
لو حضر لوجب عليه ان يأذن له في قطعه وان نقصت به الثمرة} *
{الشرح} قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب رحمهم الله إذا أصاب النخل عطش بعد
بدو الصلاح وخاف هلاكها أو هلاك الثمرة أو هلاك بعضها ان لم تقطع الثمرة أو خاف ضرر النخل
أو الثمرة جاز قطع ما يندفع به الضرر اما بعضها أو كلها فإن لم يندفع الا بقطع الجميع قطع الجميع
وان اندفع بقطع البعض لم تجز الزيادة لان حق المساكين إنما هو في التمر يابسا وإنما جوزنا القطع
للحاجة فلا يجوز زيادة عليها ثم إن أراد القطع فينبغي للمالك ان يستأذن العامل فان استأذنه وجب
عليه ان يأذن له لما فيه من المصلحة ودفع المفسدة عن المالك والمساكين كما ذكره المصنف فإن لم يستأذن
العامل بل استقل المالك بقطعها فوجهان (أصحهما) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين والسرخسي وغيره
من الخراسانيين ونقله القاضي أبو الطيب في المجرد عن أصحابنا ان الاستئذان واجب فيأثم بتركه
وإن كان عالما بتحريم الاستقلال عزر * ودليله ما ذكره المصنف والثاني ان الاستئذان مستحب
472

فلا يأثم بتركه ولا يعزر وبهذا قال الصيدلاني والبغوي وطائفة وسواء قلنا يجب الاستئذان أم يستحب
الا يغرم المالك ما نقص بالقطع لما ذكره المصنف: وإذا اعلم المالك الساعي قبل القطع وأراد القسمة
بأن يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها فقولان منصوصان للشافعي رضي
الله تعالى عنه. قال الأصحاب: هما مبنيان على أن القسمة بيع أم افراز حق فان قلنا افراز وهو
الأصح جاز ثم للساعي بيع نصيب المساكين للمالك أو غيره وأن يقطعه ويفرقه بينهم يفعل من
ذلك ما فيه مصلحتهم وإن قلنا إنها بيع لم يجز ولو لم يميز للفقراء شيئا بل قطعت الثمار مشتركة قال
الأصحاب ففي جواز القسمة خلاف مبني على أنها بيع أو افراز إن قلنا افراز وهو الأصح جازت
المقاسمة كيلا ووزنا هكذا صرح به المصنف في آخر الباب والأصحاب وإن قلنا بيع ففي جوازها
خلاف مبنى على جواز بيع الرطب الذي لا يتميز بمثله وفيه قولان للشافعي رضي الله عنه مذكوران
في باب الربا (أصحهما) لا يجوز فان جوزناه جازت القسمة بالكيل وإلا فوجهان (أحدهما) يجوز
473

مقاسمة الساعي لأنها ليست معاوضة فلا يكلف فيه تعبدات الربا ولان الحاجة داعية إليها وهذا الوجه
حكاه المصنف في آخر الباب والأصحاب عن أبي إسحاق وأبى علي بن أبي هريرة لكن قال
المصنف انهما يجوزان البيع كيلا ووزنا وقال غيره كيلا فقط وهو الأقيس (وأصحهما) عند المصنف
والأكثرين وبه قطع جماعة تفريعا على هذا الرأي لا يجوز فعلى هذا له في الاخذ مسلكان
(أحدهما) يأخذ قيمة عشر الرطب المقطوع (والثاني) يسلم عشره مشاعا إلى الساعي ليتعين حق
المساكين وطريقه في تسليم عشرة أن يسلمه كله فإذا تسلمه الساعي برئ المالك من العشر وصار
مقبوضا للمساكين بقبض نائبهم ثم للساعي بعد قبضه بيع نصيب المساكين للمالك أو لغيره
أو يبيع هو والمالك الجميع ويقسمان الثمن وهذا المسلك جائز بلا خلاف (وأما) المسلك الأول فحكي
إمام الحرمين وغيره وجها في جوازه للضرورة كما سبق في آخر الباب الذي قبل هذا بيان جواز
أخذ القيمة في مواضع الضرورة والصحيح الذي عليه الأكثرون منعه. وحكى الامام وغيره
474

وجها آخر أن الساعي يتخير بين أخذ القيمة والقسمة قال لان كل واحد منهما خلاف القاعدة واحتمل
للحاجة فيفعل ما هو أصلح للمساكين والصحيح تعين المسلك الثاني قال الأصحاب: ثم ما ذكرناه
هنا من الخلاف والتفصيل في كيفية إخراج الواجب يجرى بعينه في إخراج الواجب عن الرطب
الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب وفى المسألتين استدراك حسن لإمام الحرمين قال إنما يتصور
الاشكال على قولنا المساكين شركاء في النصاب بقدر الزكاة وحينئذ ينتظم الترجيح على القولين
في القسمة فأما إذا لم نجعلهم شركاء فليس تسليم حق الساعي قسمة حتى يأتي فيه القولان في القسمة
بل هو توفية حق إلى مستحق هذا كلام الامام واستحسنه الرافعي والله تعالى أعلم * هذا كله
إذا كانت الثمرة باقية فان قطعها المالك واتلفها أو تلفت عنده فعليه قيمة عشرها رطبا حين أتلفها
قال صاحب الحاوي وغيره (فان قيل) لو أتلفها رطبا من غير عطش لزمه عشرها تمرا فهلا لزمه في
475

إتلافها للعطش عشرها تمرا (قلنا) الفرق انه إذا لم يخف العطش ولا ضررا في تركها لزمه تركها
ودفع التمر بعد الجفاف فإذا قطع فهو مفرط متعد فلزمه ذلك فإذا خاف العطش لم يكن عليه إبقاؤها
ولا التمر بل له القطع ودفع الرطب فلم يلزمه غيره والله تعالى أعلم. واعلم أن الشافعي رضي الله عنه
قال في المختصر وان أصابها عطش كان له قطع الثمرة ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها
مقطوعة هكذا نقله المزني في المختصر ونقل الربيع في الام انه يؤخذ عشرها مقطوعة واختلف
الأصحاب في هذين النصين فذكر العراقيون والخراسانيون فيه تأويلين يتخرجان مما سبق (أحدهما)
انه يبيع الثمرة بعد قبضها من المالك أو لغيره ويأخذ ثمن العشر إن كانت مصلحة المساكين في بيعها
والا فعشرها وتنزل رواية المزني على هذا وتحمل رواية الربيع على أنه رأى المصلحة في عشر الثمرة
لا ثمن عشرها (التأويل الثاني) إن كانت الثمرة باقية أخذها وان تلفت فقيمتها وعبر عن القيمة بالثمن وقد استعمل الشافعي مثل هذا في مواضع وسبق بسطه في باب التيمم فتنزل رواية المزني
على هذا وتحمل رواية الربيع على أن الثمرة كانت باقية والله تعالى أعلم *
476

قال المصنف رحمه الله تعالى *
{والمستحب إذا بدا الصلاح في النخل والكرم ان يبعث الامام من يخرص لحديث عتاب بن
أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكرم يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيبا كما
يؤدى زكاة النخل تمرا ولان في الخرص احتياطا لرب المال والمساكين فان رب المال يملك التصرف
بالخرص ويعرف المصدق حق المساكين فيطالب به وهل يجوز خارص واحد أم لا فيه قولان
(أحدهما) يجوز وهو الصحيح كما يجوز حاكم واحد (والثاني) لا يجوز أقل من خارصين كما لا يجوز
أقل من مقومين فإن كانت أنواعا مختلفة خرص عليه نخلة نخلة وإن كانت نوعا واحدا فهو بالخيار
بين أن يخرص نخلة نخلة وبين ان يخرص الجميع دفعة فإذا عرف مبلغ الجميع ضمن رب المال حق
الفقراء فان ضمن حقهم جاز له أن يتصرف فيه بالبيع والاكل وغير ذلك فان ادعي رب المال بعد
الخرص هلاك الثمرة فإن كان ذلك لجائحة ظاهرة لم يقبل حتى يقيم البينة فإذا أقام البينة أخذ بما
قال وان لم يصدقه حلفه وهل اليمين مستحبة أو واجبة فيه وجهان (أحدهما) انها واجبة فان خلف
477

سقطت الزكاة وان نكل لزمته الزكاة (والثاني) انها مستحبة فان حلف سقطت الزكاة وان نكل
سقطت الزكاة وان ادعي الهلاك بسبب يخفى كالسرقة وغيرها فالقول قوله مع يمينه وهل اليمين
واجبة أو مستحبة على الوجهين فان تصرف رب المال في الثمار وادعي أن الخارص قد أخطأ في
الخرص نظرت فإن كان في قدر لا يجوز أن يخطئ فيه كالربع والثلث لم يقبل قوله وإن كان
في قدر يجوز أن يجطئ فيه قبل قوله مع يمينه وهل تجب اليمين أو تستحب على الوجهين} *
{الشرح} فيه مسائل (إحداها) خرص الرطب والعنب اللذين تجب فيهما الزكاة سنة هذا
هو نص الشافعي رضي الله عنه في جميع كتبه وقطع به الأصحاب في طرقهم وحكى الصيمري وصاحب
البيان عن حكايته وجها ان الخرص واجب وهذا شاذ ضعيف قال أصحابنا ولا مدخل للخرص
في الزرع بلا خلاف لعدم التوقيف فيه ولعدم الإحاطة كالإحاطة والعنب وممن نقل الاتفاق
عليه إمام الحرمين قال أصحابنا ووقت خرص الثمرة بدو الصلاح وصفته أن يطوف بالنخلة ويرى
جميع عنا قيدها ويقول خرصها كذا وكذا ثم يفعل بالنخلة الأخرى كذلك ثم باقي الحديقة
478

ولا يجوز الاقتصار على رؤية البعض وقياس الباقي به لأنها تتفاوت وإنما يخرص رطبا ثم يقدر
ثمرا لان الارطاب تتفاوت فان اختلف نوع الثمر وجب خرص شجرة شجرة وان اتحد جاز كذلك
وهو الأحوط وجاز أن يطوف بالجميع ثم يخرص الجميع دفعة واحدة رطبا ثم يقدر تمرا هذا الذي
ذكرناه هو الصحيح المشهور في المذهب وقال صاحب الحاوي اختلف أصحابنا في قول الشافعي
يطيف بكل نخله فقيل هو شرط لا يصح الخرص الا به لأنه اجتهاد فوجب بذل المجهود فيه وقيل
هو مستحب واحتياط وليس بشرط لان فيه مشقة (والثالث) قال وهو الأصح إن كانت الثمار على
السعف ظاهرة كعادة العراق فمستحب وان استترت به كعادة الحجاز فشرط (المسألة الثانية)
المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به المصنف والأكثرون أنه يخرص جميع النخل والعنب وفيه
قول للشافعي أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في
قلة عياله وكثرتهم وهذا القول نص عليه في القديم وفى البويطي ونقله البيهقي عن نصه في البويطي
والبيوع والقديم. وحكاه صاحب التقريب والماوردي وإمام الحرمين وآخرون لكن في حكاية
الماوردي أنه يترك الربع أو الثلث ويحتج له بحديث عبد الرحمن بن مسعود بن بيان عن سهل بن
حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول " إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم
تدعوا الثلث فدعوا الربع " رواه أبو داود والترمذي والنسائي واسناده صحيح الا عبد الرحمن
فلم يتكلموا فيه بجرح ولا تعديل ولا هو مشهور ولم يضعفه أبو داود والله تعالى أعلم
(الثالثة) هل يكتفى خارص واحد أم يشترط اثنان فيه طريقان (أحدهما) القطع بخارص كما يجوز
479

حاكم واحد وبهذا الطريق قال ابن سريج والاصطخري وقطع به جماعة من المصنفين (وأصحهما)
وأشهرهما وبه قطع المصنف والأكثرون فيه قولان قال الماوردي: وبهذا الطريق قال أبو إسحاق
وابن أبي هريرة وجمهور أصحابنا المتقدمين (أصحهما) باتفاقهم خارص (والثاني) يشترط اثنان كما
يشترط في التقويم اثنان وحكى وجه ان خرص على صبي أو مجنون أو سفيه أو غائب اشترط اثنان
والا كفى واحد وهذا الوجه مشهور في طريقة العراقيين حكاه أبو علي في الافصاح والماوردي والقاضي
أبو الطيب في المجرد والدارمي وآخرون من العراقيين وذكر امام الحرمين أن صاحب التقريب
حكاه قولا للشافعي وتوهم هذا القائل من فرق الشافعي بينهما في الام واتفق الأصحاب على أن
هذا الوجه غلط قال الماوردي وغيره وإنما فرق الشافعي بينهما في الام في جواز تضمين الكبير
ثماره بالخرص دون الصغير فاشتبه ذلك على صاحب هذا الوجه قال أصحابنا وسواء شرطنا العدد
أم لا فشرط الخارص كونه مسلما عدلا عالما بالخرص (وأما) الذكورة والحرية فذكر الشاشي
في اشتراطهما وجهين مطلقا (والأصح) اشتراطهما وصححه الرافعي في المحرر وقال أبو المكارم
في العدة ان قلنا يكفي خارص كالحاكم اشترطت الذكورة والحرية وإلا فوجهان (أحدهما)
الجواز كما يجوز كونه كيالا ووزانا (والثاني) لا لأنه يحتاج إلى اجتهاد كالحاكم بخلاف الكيل والوزن
قال الرافعي بعد أن ذكر كلام أبى المكارم لك أن تقول ان اكتفينا بواحد فهو كالحاكم فيشترطان
وإن شرطنا اثنين فسبيله سبيل الشهادة فينبغي أن تشترط الحرية وأن تشترط الذكورة في أحدهما
ويقام امرأتان مقام الآخر فحصل من هذا كله أن المذهب اشتراط الحرية والذكورة دون العدد
480

فلو اختلف الخارصان في المقدار قال الدارمي توقفنا حتى نتبين المقدار منها أو من غيرهما وحكى
السرخسي فيه وجهين (أحدهما) يؤخذ بالأقل لأنه اليقين (والثاني) يخرصه ثالث ويؤخذ بمن هو
أقرب إلى خرصه منهما وهذا الثاني هو الذي جزم به الدارمي وهو الأصح والله تعالى اعلم (الرابعة)
الخرص هل هو عبرة أم تضمين فيه قولان مشهوران في طريقة الخراسانيين (أصحهما) تضمين ومعناه
ينقطع حق المساكين من عين الثمرة وينتقل إلى ذمة المالك (والثاني) عبرة ومعناه انه مجرد اعتبار
للقدر ولا ينقطع حق المساكين من عين الثمرة وبالأول قطع المصنف والعراقيون: ومن فوائد الخلاف
انه هل يجوز التصرف في كل الثمار بعد الخرص إن قلنا تضمين جاز وإلا ففيه خلاف سيأتي قريبا
إن شاء الله تعالى (ومنها) انه لو أتلف المالك الثمار أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص ولولا الخرص
لكان القول قوله في ذلك فان قلنا الخرص عبرة فضمن الساعي المالك حق المساكين تضمينا صريحا
وقبله المالك كان لغوا ويبقى حقهم على ما كان وان قلنا تضمين فهل نفس الخرص تضمين أم لابد
من تصريح الخارص بذلك فيه طريقان (أحدهما) على وجهين (أحدهما) نفسه تضمين (والثاني) لابد
من التصريح قال امام الحرمين وعلى هذا فالذي أراه انه يكفي تضمين الخارص ولا يفتقر إلى قبول
481

المالك (والطريق الثاني) وهو المذهب وعليه العمل وبه قطع الجمهور انه لابد من التصريح بالتضمين
وقبول المالك فإن لم يضمنه أو ضمنه فلم يقبله المالك بقي حق المساكين كما كان وهل يقوم وقت
الخرص مقام الخرص ان قلنا لابد من التصريح لم يقم والا فوجهان أصحهما لا يقوم والله تعالى
اعلم (الخامسة) إذا أصابت الثمار آفة سماوية أو سرقت من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف نظر
ان تلفت كلها فلا شئ على المالك باتفاق الأصحاب لفوات الامكان كما لو تلفت الماشية قبل
التمكن من الأداء والمراد إذا لم يقصر المالك فأما إذا أمكن الدفع وأخر ووضعها في غير حرز فإنه
482

يضمن قطعا لتفريطه ولو تلف بعض الثمار فإن كان الباقي نصابا زكاه وإن كان دونه بني على
أن الامكان شرط الوجوب أو الضمان فان قلنا بالأول فلا شئ وان قلنا بالثاني زكي الباقي بحصته
هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وذكره صاحب الحاوي ثم قال ومن أصحابنا من قال يلزمه زكاة
483

ما بقي قولا واحدا وهذا شاذ ضعيف (أما) إذا أتلف المالك الثمرة أو اكلها فإن كان قبل بدو
الصلاح فقد سبق انه لا زكاة عليه لكن يكره ان قصد الفرار من الزكاة وان قصد الاكل
أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة وإن كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين
ثم له حالان (أحدهما) أن يكون ذلك بعد الخرص فان قلنا الخرص تضمين ضمن لهم عشر التمر
لأنه ثبت في ذمته بالخرص وإن قلنا عبرة فهل يضمن عشر الرطب أم قيمة عشره فيه وجهان بناء
على أنه مثلي أم لا (والصحيح) الذي قطع به الجمهور عشر القيمة وقد سبقت المسألة قريبا (الحال
الثاني) أن يكون الاتلاف قبل الخرص فيعزر والواجب ضمان الرطب إن قلنا لو جرى الخرص
لكان عبرة (فان قلنا) لو جرى لكان تضمينا (فوجهان) (أصحهما) يضمن الرطب (والثاني)
ضمان التمر وحكى الرافعي وجها أنه يضمن أكثر الامرين من عشر التمر وقيمة عشر الرطب *
والحالان مفروضان في رطب يجيئ منه تمر وعنب يجيئ منه زبيب فإن لم يكن كذلك فالواجب في
الحالين ضمان الرطب بلا خلاف (السادسة) تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما
مبنى على أقوال التضمين والعبرة إن قلنا بالتضمين تصرف في الجميع وان قلنا بالعبرة فنفوذ تصرفه
في قدر الزكاة يبنى على أن الزكاة تتعلق بالعين أم بالذمة وسبق بيانه وأما ما زاد على قدر الزكاة
فنقل إمام الحرمين والغزالي اتفاق الأصحاب على نفوذه. قال الرافعي: ولكن الموجود في
كتب العراقيين أنه لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شئ من الثمار إذا لم يصر التمر في ذمته
بالخرص فان أرادوا نفى الإباحة دون فساد البيع فذاك والا فدعوى الامام الاتفاق غير مسلمة
484

وكيف كان فالمذهب جواز التصرف في الأعشار التسعة سواء انفردت بالتصرف أم تصرف في
الجميع لأنا وان قلنا بالفساد في قدر الزكاة فلا لعديه إلى الباقي على المذهب وقد سبق تحريم الاكل
والتصرف قبل الخرص وانه إذا لم يجد خارصا متوليا حكم عدلين والله تعالى أعلم (السابعة) إذا
ادعى المالك هلاك الثمرة المخروصة عليه أو بعضها نظر إن أضاف الهلاك إلى سبب يكذبه الحس بأن
قال هلكت بحريق وقع في الجرين في الوقت الفلاني وعلمنا كذبه لم يلتفت إلى كلامه بلا خلاف
وصرح به صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما وإن أضافه إلى سبب خفى كالسرقة ونحوها لم
يكلف بينة بل القول قوله بيمينه وهذه اليمين مستحبة أم واجبة فيه وجهان مشهوران ذكرهما
المصنف والأصحاب (أصحهما) مستحبة فلا زكاة عليه فيما يدعي هلاكه سواء حلف أم لا
(والثاني) واجبة فان حلف سقطت الزكاة وإن نكل أخذت منه بالوجوب السابق لا بالنكول لان
الزكاة وجبت وادعي سقوطها ولم يثبت المسقط فبقي الوجوب وإن أضاف الهلاك إلى سبب ظاهر
كالحريق والنهب والجراد ونزول العسكر ونحو ذلك فان عرف وقوع ذلك السبب وعموم أثره صدق
بلا يمين وإن اتهم في هلاك ثماره به حلف وهل اليمين مستحبة أم واجبة فيه وجهان وإن لم يعرف
وقوع السبب فثلاثة أوجه (الصحيح) الذي قطع به المصنف والجمهور يطالب بالبينة على وجود
أصل السبب لا مكانها ثم القول قوله في الهلاك به (والثاني) يقبل قوله بيمينه حكاه امام الحرمين
عن والده (والثالث) يقبل قوله بلا يمين إذا كان ثقة حكاه الرافعي: وحيث حلفناه فهي مستحبة
على الأصح وقيل واجبة (أما) إذا اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب (فقال)
485

الرافعي: المفهوم من كلام الأصحاب قبوله بيمينه وهو كما قال الرافعي (الثامنة) إذا ادعي المالك
إجحافا في الخرص فان زعم أن الخارص تعمد ذلك لم يلتفت إليه بلا خلاف كما لو ادعى ميل
الحاكم أو كذب الشاهد ولا يقبل إلا ببينة وإن ادعى أنه أخطأ وغلط فإن لم يبين القدر لم تسمع
دعواه بلا خلاف صرح به الماوردي وآخرون وان بينه وكان يحتمل الغلط في مثله كخمسة أوسق
في مائة قبل قوله وحط عنه ما ادعاه فان اتهمه حلفه وفى اليمين الوجهان السابقان (أصحهما) مستحبة
هذا إذا كان المدعي فوق ما يقع بين الكيلين (أما) إذا ادعى بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص
يقدر ما يقع بين الكيلين كصاع من مائة فهل يحط فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين عن حكاية
العراقيين والصيدلاني قال (أصحهما) لا يقبل لأنا لم نتحقق النقص لاحتمال أنه وقع في الكيل
ولو كيل ثانيا لو في (والثاني) يقبل ويحط عنه لان الكيل تعيين والخرص تخمين فالإحالة عليه
أولي (قلت) وهذا الثاني أقوى. قال الامام: وصورة المسألة أن يقول المخروص عليه حصل
النقص لزلل قليل في الخرص ويقول الخارص بل لزلل في الكيل ويكون بعد فوات عين المخروص
(أما) إذا ادعي نقصا فاحشا لا يجوز أهل الخبرة وقوع مثله غلطا فلا يقبل قوله في حط جميعه بلا
خلاف وهل يقبل في حط الممكن فيه وجهان (أصحهما) يقبل وبه قطع امام الحرمين ونقله عن
الأئمة قال وهو كما لو ادعت معتدة بالأقراء انقضاءها قبل زمن الامكان وكذبناها وأصرت على
الدعوى حتى جاء زمن الامكان فانا نحكم بانقضائها لأول زمن الامكان ولا يكون تكذيبها في غير
المحتمل موجبا لتكذيبها في المحتمل والله تعالى أعلم (التاسعة) إذا خرص عليه فأقر المالك بأن
الثمر زاد على المخروص قال أصحابنا: أخذت الزكاة منه للزيادة سواء كان ضمن أم لا لان عليه
زكاة جميع الثمرة (العاشرة) إذا خرص عليه فتلف بعض المخروص تلفا يسقط الزكاة وأكل بعضه
وبقى بعضه ولم يعرف الساعي ما تلف فان عرف المالك ما أكل زكاه مع الباقي وان اتهمه الساعي
حلفه استحبابا على الأصح ووجوبا على الوجه الآخر كما سبق وان قال لا أعرف قدر ما أكلته
486

ولا ما تلف قال الدارمي قلنا له ان ذكرت قدرا ألزمناك به فان اتهمناك حلفناك وان ذكرت مجملا أخذنا
الزكاة بخرصنا (الحادية عشرة) إذا اختلف الساعي والمالك في جنس الثمر أو نوعه بعد تلفه تلفا
مضمنا قال الماوردي والدارمي القول قول المالك فان أقام الساعي شاهدين أو شاهدا وامرأتين
قضي له وان أقام شاهدا فلا لأنه لا يحلف معه (الثانية عشرة) قال امام الحرمين إذا كان بين رجلين
رطب مشترك على النخل فخرص أحدهما على الآخر وألزم ذمته له تمرا جافا قال صاحب التقريب
يتصرف المخروص عليه في الجميع ويلتزم لصاحبه التمر ان قلنا الخرص تضمين كما يتصرف في
نصيب المساكين بالخرص وان قلنا الخرص عبرة فلا أثر له في حق الشركاء قال الامام وهذا الذي
ذكره بعيد في حق الشركاء وما يجرى في حق المساكين لا يقاس به تصرف الشركاء في أملاكهم
المحققة وان ثبت ما قاله صاحب التقريب فمستنده خرص عبد الله بن رواحة رضي الله عنه على اليهود
فإنه ألزمهم التمر وكان ذلك الالزام في حق الملاك والغانمين. قال الامام: والذي لابد منه من
مذهب صاحب التقريب أن الخرص في حق المساكين يكفي فيه الزام الخارص ولا يشترط رضى
المخروص عليه وأما في حق الشركاء فلا بد من رضي الشركاء لا محالة *
* قال المصنف رحمه الله *
{ولا تؤخذ زكاة الثمار الا بعد أن تجفف لحديث عتاب بن أسيد " في الكرم يخرص كما يخرص
النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا " فان أخذ الرطب وجب رده وان فات
487

* وجب رد قيمته. ومن أصحابنا من قال: يجب رد مثله. والمذهب الأول لأنه لا مثل له لأنه يتفاوت
ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض
فإن كانت الثمار نوعا واحدا أخذ الواجب منه لقوله عز وجل *
(انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) * وإن كانت أنواعا أخذ من كل نوع
بقسطه فإن كانت أنواعا كثيرة أخرج من أوسطها لامن النوع الجيد ولا من النوع الردئ لان
أخذها من كل صنف يشق فأخذ الوسط}
{الشرح} حديث عتاب سبق في أول الباب وقد سبق في فصل وقت وجوب العشر انه
لا يجب الاخراج الا بعد الجفاف في الثمار وبعد التصفية في الحبوب وان مؤونة ذلك كله تكون على
رب المال لا تحسب من جملة مال الزكاة بل تجب من خالص مال المالك وسبق هناك انه إذا اخذ
الرطب وجب رده فان فات غرمه بقيمته على المذهب وبه قال الجمهور وقيل بمثله وسبق هناك ان
الخلاف مبنى على أن الرطب مثلي أم لا وهو المذهب. قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله فإن كان
الذي يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا اخذت منه الزكاة فان أخرج أعلى منه من جنسه
أجزأه وقد زاد خيرا وان اخرج دونه لم يجزئه لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وان
اختلف أنواعه ولم يعسر اخراج الواجب من كل نوع بالحصة بأن كانت نوعين أو ثلاثة أخذ من
كل نوع بالحصة هكذا قاله الأصحاب ونص الشافعي رضي الله عنه في الام ونقل القاضي
أبو الطيب في المجرد اتفاق الأصحاب عليه واحتج له أبو علي الطبري في الافصاح والقاضي وسائر
الأصحاب بأنه لا يشق ذلك مع أنه الأصل فوجب العمل به بخلاف نظيره في المواشي على قول لان
التشقيص محذور في الحيوان دون الثمار وذكر القاضي أبو القاسم بن كج في الثمار قولين كالمواشي
(أحدهما) الاخذ من الأغلب (وأصحهما) الاخذ من كل نوع بقسطه والمذهب القطع بالأخذ
بالقسط من الثمار (واما) إذا عسر الاخذ من كل نوع بأن كثرت وقل ثمرها (ففيه) طريقان حكاهما
القاضي أبو الطيب في المجرد وآخرون (أصحهما) القطع بأنه يأخذ الوسط لا الجيد ولا الردئ رعاية
488

للجانبين وبهذا قطع المصنف والجمهور وهو المنصوص في المختصر ونقل امام الحرمين اتفاق الأصحاب
عليه (والثاني) فيه ثلاثة أوجه حكاها أبو علي الطبري في الافصاح والقاضي أبو الطيب في المجرد
والسرخسي في الأمالي وآخرون (أصحها) يخرج من الوسط (والثاني) يؤخذ من كل نوع بقسطه
لأنه الأصل (والثالث) من الأغلب وحكاه صاحب الحاوي وغيره أيضا فإذا قلنا بالمذهب وهو
اخراج الوسط فتكلف المشقة وأخرج من كل نوع بقسطه جاز ولزم الساعي قبوله وهذا لا خلاف فيه
قال البندنيجي وغيره وهو أفضل والله تعالى أعلم *
489

(فرع) * ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب الزكاة من كتابه الفروق أن تمر المدينة مائة
وعشرون نوعا. ستون أحمر وستون اسود *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وإن كانت الثمرة رطبا لا يجئ منه التمر كالهلياث والسكر أو عنبا لا يجئ منه الزبيب
وأصاب النخل عطش فخاف عليها من ترك الثمار ففي القسمة قولان ان قلنا أن القسمة فرز النصيبين
جازت المقاسمة فيجعل العشر في نخلات ثم المصدق ينظر فان رأى أن يفرق عليهم فعل وان رأى
490

البيع وقسمة الثمن فعل وأن قلنا إن القسمة بيع لم يجز لأن يكون بيع رطب برطب وذلك ربا فعلى
هذا يقبض المصدق عشرها مشاعا بالتخلية بينه وبينها ويستقر عليه ملك المساكين ثم يبيعه ويأخذ
ثمنه ويفرق عليهم وان قطعت الثمار فان قلنا أن القسمة تمييز الحقين تقاسموا كيلا أو وزنا وان قلنا إنها
بيع لم تجز المقاسمة بل يسلم العشر إلى المصدق ثم يبيعه ويفرق ثمنه وقال أبو إسحاق وأبو علي بن
أبي هريرة المقاسمة كيلا ووزنا على الأرض لأنه يمكنه ان يخلص حقوق المساكين بالكيل والوزن
ولا يمكن ذلك في النخل والصحيح انه لا فرق بين أن تكون على الشجر وبين أن تكون على الأرض
لأنه بيع رطب برطب على هذا القول} *
491

{الشرح} هذه المسألة بفروعها سبق بيانها واضحا في هذا الباب والهليات بكسر الهاء
واسكان اللام وبعدها ياء مثناة تحت وآخره ثاء مثلثة والسكر بضم السين على لفظ السكر المعروف
وهما نوعان من التمر معروفان والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{باب زكاة الزرع}
{وتجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة والشعير
والدخن والذرة والجاورس والأرز وما أشبه ذلك لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " فيما سقت السماء والبعل والسيل والبئر والعين العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر
يكون ذلك في الثمر والحنطة والحبوب " (فاما) القثاء والبطيخ والرمان والقضب والخضر فعفو عفا
492

عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولان الأقوات تعظم منفعتها فهي كالأنعام في الماشية وكذلك
تجب الزكاة في القطنية وهي العدس والحمص والماش واللوبيا والباقلا والهرطمان لأنه يصلح للاقتيات
ويدخر للاكل فهو كالحنطة والشعير} *
{الشرح} حديث معاذ رواه هكذا البيهقي في السنن الكبير إلا أنه مرسل وآخره " عفا
عنها رسول الله صلى اله عليه وسلم ورواه الترمذي مختصرا أن معاذا كتب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسأله عن الخضروات وهي البقول فقال " ليس فيها شئ " قال الترمذي ليس اسناده
بصحيح قال وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شئ قال الترمذي والعمل على هذا
493

عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة يعنى عند أكثر أهل العلم والا فأبو حنيفة رضي الله عنه
يوجب فيها كما سبق بيانه في باب زكاة الثمار وقال البيهقي بعد أن روى هذا الحديث وأحاديث
مراسيل: هذه الأحاديث كلها مراسيل إلا أنها من طرق مختلفة فيؤكد بعضها بعضا ومعها قول
الصحابة رضي الله عنهم ثم روى عن عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم (وقوله) والجاورس هو
بالجيم وفتح الواو قيل هو حب صغار من حب الذرة وأصله كالقضب الا أن الذرة أكبر حبا منه
وفي الأرز ست لغات (إحداها) فتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي (والثانية) كذلك إلا أن
الهمزة مضمومة (والثالثة) بضم الهمزة والراء وتخفيف الزاي ككتب (والرابعة) مثلها لكن
494

ساكنة الراء (والخامسة) رنز بنون ساكنة بين الراء والزاي (والسادسة) بضم الراء وتشديد
الزاي
(وأما) القثاء فبكسر القاف وضمها لغتان مشهوران الكسر أشهر وبه جاء القرآن. والبطيخ
بكسر الباء ويقال طبيخ بكسر الطاء وتقديمها لغتان. والقضب باسكان الضاد المعجمة هو الرطبة
وقوله " عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي لم يوجب فيها شيئا لا أنه أسقط واجبا فيها
والقطنية بكسر القاف وتشديد الياء سميت بذلك لأنها تقطن في البيوت أي تخزن * واعلم أن الدخن
والأرز معدودان في القطنية ولم يجعلها المصنف منها بل زاد الماوردي فقال في الحاوي القطنية هي
الحبوب المقتاتة سوى البر والشعير وأما الحمص فبكسر الحاء لا غير وأما ميمه ففتحها أبو العباس ثعلب
وغيره من الكوفيين وكسرها أبو العباس المبرد وغيره من البصريين واللوبيا قال ابن الاعرابي
495

هو مذكر يمد ويقصر يقال هو اللوبيا واللوبياء واللوبياح وهو معرب ليس عربيا بالأصالة والباقلا
يمد مخففا ويكتب بالألف ويقصر مشددا ويكتب بالياء لغتان ويقال الفول والهرطمان بضم الهاء
والطاء وهو الجلبان بضم الجيم ويقال له الخلر بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة وبعدها
راء * أما أحكام الفصل فاتفق الأصحاب على أنه يشترط لوجوب الزكاة في الزرع شرطان أحدهما
أن يكون قوتا والثاني من جنس ما ينبته الآدميون. قالوا فان فقد الأول كالاسبيوش وهو بزر
القطونا أو الثاني كالعث أو كلاهما كالثفاء فلا زكاة قال الرافعي وإنما يحتاج إلى ذكر القيدين من
496

أطلق القيد الأول فاما من قيد فقال أن يكون قوتا في حال الاختيار فلا يحتاج إلى الثاني إذ ليس فيما
يستنبت مما يقتات اختيارا فهذان الشرطان متفق عليهما ولم يشترط الخراسانيون غيرهما وشرط
العراقيون شرطين آخرين وهما أن يدخر وييبس وقد ذكر المصنف أولهما هنا ولم يذكر الثاني ولم يذكر
في التنبيه واحدا منهما بل اقتصر على الشرطين الأولين المتفق عليهما. قال الرافعي ولا حاجة إلى
الأخيرين لأنهما ملازمان لكل مقتات مستنبت قال أصحابنا وقولنا مما ينبته الآدميون ليس المراد
به ان تقصد زراعته وإنما المراد أن يكون من جنس ما تزرعونه حتى لو سقط الحب من مالكه
عند حمل الغلة أو وقعت العصافير على السنابل فتناثر الحب ونبت وجبت الزكاة إذا بلغ نصابا بلا
497

خلاف اتفق عليه الأصحاب وقد ذكره المصنف في باب صدقة المواشي في مسائل الماشية المغصوبة والله تعالى
أعلم * واما قولهم يقتات في حال الاختيار فهو شرط بالاتفاق كما سبق فيما يقتات في حال الضرورة
ولا تجب الزكاة فيه بالعث وبه مثله الشافعي رضي الله عنه قال المزني وغيره هو حب الغاسول وهو
الأشنان وقال الآخرون هو حب اسود يابس يدفن حتى يلين قشره ثم يزال قشره ويطحن ويخبز
ويقتاته اعراب طئ ومثلوه أيضا بحب الحنظل وسائر بزور البراري قال أصحابنا ويخرج عن
المقتات الخضروات والثفاء والترمس والسمسم والكمون والكراويا والكزبرة قال البندنيجي
ويقال لها الكسبرة أيضا وبزر القطن وبزر الكتان وبزر الفجل وغير ذلك مما يشبهه فلا زكاة
498

في شئ من ذلك عندنا بلا خلاف هكذا قاله الأصحاب الا ما حكاه الرافعي عن ابن كج ان حب
الفجل فيه قولان الجديد لا زكاة والقديم الضعيف وجوبها قال الرافعي ولم أر هذا النقل لغيره وحكي
العراقيون عن وجوب الزكاة في الترمس والثفاء لا يقتات أصلا هو قول جمهور أصحابنا فيما حكاه
الرافعي بخلاف ما ذكره الغزالي في الوسيط وأشار إليه امام الحرمين من أنه يقتات في حال الضرورة
وهو خلاف في التسمية والا فكلهم متفقون على أنه لا زكاة فيها والثفا بضم الثاه المثلثة وتشديد الفاء
وبالمد وهو حب الرشاد وكذا فسره الأزهري والأصحاب والترمس بضم التاء والميم وهو معروف
في بلادنا والله أعلم *
499

(فرع) قال القاضي أبو الطيب في المجرد قال الشافعي في البويطي لا زكاة في الحلبة لأنها ليست
بقوت في حال الاختيار قال ولا زكاة في السماق قال أصحابنا ولا تجب في الحبوب التي تنبت في
البرية ولا ينبته الآدميون وإن كان قد يقتات لأنها ليس مما ينبته الآدمي وهو شرط للوجوب
والله تعالى اعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ولا تجب الزكاة الا في نصاب لما روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة ونصابه خمسة أوسق الا الأرز والعلس فان نصابهما
500

عشرة أوسق فإنهما يدخران في القشر ويجئ من كل وسقين وسق وزكاته العشر ونصف العشر
على ما ذكرناه في الثمار فان زاد على خمسة أوسق شئ وجب فيه بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر
فوجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالأثمان} *
{الشرح} حديث أبي سعيد رواه البخاري ومسلم وقوله من تمر بتاء مثناة والعلس
بفتح العين المهملة واللام وهو صنف من الحنطة كذا قاله المصنف في التنبيه وسائر
الأصحاب والأزهري وغيره من أهل اللغة قال الأزهري وغيره يكون منه في الكمام حبتان
وثلاث قال الجوهري وغيره هو طعام أهل صنعاء وقوله يتجزأ احتراز من الماشية أما الأحكام
ففيه مسألتان إحداهما لا تجب زكاة الزرع الا في نصاب لما ذكره المصنف وسبق
501

فيه زيادة مع مذاهب العلماء في باب زكاة الثمار ونصابه خمسة أوسق بعد تصفيته من التبن وغيره
ثم قشورها ثلاثة أضرب (أحدها) قشر لا يدخر اللحب فيه ولا يأكل معه فلا يدخل في النصاب
(والثاني) قشر يدخر الحب فيه ويؤكل معه كالذرة فيدخل القشر في الحساب فإنه طعام وإن كان قد
يزال كما تقشر الحنطة وفى دخول القشرة السفلي من الباقلي وجهان حكاهما الرافعي قال قال صاحب
العدة المذهب لا يدخل وهذا غريب (الثالث) يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فلا يدخل في حساب
النصاب ولكن يوجد الواجب فيه كالأرز والعلس أما العلس فقال الشافعي في الام يبقي بعدد ياسه
على كل حبتين منه كمام لا يزول الا بالرحي الخفيفة أو بمهراس وادخاره في ذلك الكمام أصلح له وإذا أزيل
502

كان الصافي نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه إزالة ذلك الكمام عنه ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة
أوسق لتكون منه خمسة قال القاضي أبو الطيب في المجرد والأصحاب ان نجئ منه القشر الاعلى
اعتبر في صافيه خمسة أوسق كغيره من الحبوب وان ترك في القشر الاعلي اشترط بلوغه بقشره
عشرة أوسق واما الأرز فيدخر أيضا في قشره وهو أصلح له ويشترط بلوغه مع القشر عشرة أوسق
ان ترك في قشره كما قلنا في العلس وان أخرجت قشرته اعتبر خمسة أوسق كما في غيره وكما قلنا
في العلس وتخرج الزكاة منه ومن العلس وهما في قشرهما لأنهما يدخران فيهما هذا الذي ذكرناه
في الأرز هو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وقال المصنف والجمهور وقال الشيخ أبو حامد
503

قد يخرج منه الثلث فيعتبر بلوغه قدرا يكون الصافي منه نصابا وقال صاحب الحاوي كان ابن
أبي هريرة يجعل الأرز كالعلس فلا يحسب قشره الاعلي ويقول لا زكاة فيه حتى يبلغ عشرة أوسق
بقشره وقال سائر أصحابنا لا اثر لهذا القشر فإذا بلغ خمسة أوسق بقشره وجبت الزكاة لان هذا
القشر ملتصق به وربما طحن معه بخلاف قشر العلس فإنه لم تجر عادة بطحنه معه وهذا الذي نقله
صاحب الحاوي عن سائر أصحابنا شاذ ضعيف والله تعالى اعلم (المسألة الثانية) الواجب في
الزروع إذا بلغت نصابا كالواجب في الثمار بلا فرق كما سبق إيضاحه وهو العشر فيما سقي بماء
السماء ونحوه ونصف العشر فيما سقى بالنواضح ونحوها وسبق تفصيله واضحا هناك ويحب فيما زاد
504

على النصاب بحسابه بلا خلاف لما ذكره المصنف والله تعالى اعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وتضم الأنواع من جنس واحد بعضها إلى بعض في اكمال النصاب فيضم العلس إلى الحنطة
لأنه صنف منها ولا يضم السلت إلى الشعير وهو حب يشبه الحنطة في الملامسة ويشبه الشعير
505

في طوله وبرودته وقال أبو علي الطبري يضم السلت إلى الشعير كما يضم العلس إلى الحنطة
والمنصوص في البويطي انه لا يضم لأنهما جنسان بخلاف العلس والحنطة} *
{الشرح} اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه لا يضم جنس من
الثمار والحبوب إلى جنس في اكمال النصاب وعلى أنه يضم أنواع الجنس الواحد بعضها إلى بعض
506

في اكمال النصاب وهذا ضابط الفصل: قالوا فلا يضم الشعير إلى الحنطة ولا هي إليه ولا التمر إلى
الزبيب ولا هو إليه ولا الحمص إلى العدس ولا الباقلي إلى الهرطمان ولا اللوبيان إلى الماش ولا غير
ذلك قالوا ويضم أنواع التمر بعضها إلى بعض وان اختلفت أنواعه في الجودة والرداءة واللون وغير
ذلك وكذا يضم أنواع الزبيب بعضها إلى بعض وأنواع الحنطة بعضها إلى بعض وكذا أنواع باقي
507

الحبوب ولا خلاف في شئ من هذا واتفقوا أيضا على أن العلس يضم إلى الحنطة فإذا كان له أربعة
أوسق حنطة ووسقاق من العلس قبل تنحية القشر ضمها إلى الحنطة ولزمه العشر من كل نوع ولو كانت
الحنطة ثلاثة أوسق لم يتم النصاب الا بأربعة أوسق علسا وعلى هذه النسبة إن كان قد ينحى العلس
من قشرة كان وسقة كوسق الحنطة وقد سبق هذا كله واضحا وأما السلت فقال المصنف وسائر
508

العراقيين والبغوي والسرخسي وغيرهم هو حب يشبه الحنطة في اللون والملاسة والشعير في برودة
الطبع وعكس الصيدلاني وآخرون هذا فقالوا صورته صورة الشعير وطبعه حار كالحنطة والصواب
ما قاله العراقيون هو المعروف عند أهل اللغة وعليه جمهور الأصحاب وفى حكمه ثلاثة أوجه الصحيح
المنصوص في الام والبويطي وبه قطع القفال والصيدلاني والجمهور أنه أصل بنفسه لا يضم إلى الحنطة
509

ولا إلى الشعير بل إن بلغ وحده نصابا زكاه والا فلا ودليله ما ذكره المصنف والثاني أنه نوع من
الشعير فيضم إليه وهو قول أبى على الطبري قال امام الحرمين وهو الذي كان يقطع به شيخي
ورجحه صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب في المجرد والثالث أنه نوع من الحنطة فيضم إليها حكاه
امام الحرمين وآخرون وعزاه السرخسي إلى صاحب التقريب قال امام الحرمين قال الشيخ أبو علي
510

يعنى السنجي ان ضممنا السلت إلى الحنطة لم يجز بيعها به متفاضلا وان ضممناه إلى الشعير لم يجز
بيعه به متفاضلا وان قلنا هو جنس مستقل جاز بيعه بالحنطة وبالشعير متفاضلا قال الامام ولا شك
فيما قاله أبو علي وهو كما قالاه والله تعالى اعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في الضم قد ذكرنا ان مذهبنا انه يضم الأنواع من الجنس بعضها
511

إلى بعض ولا تضم الا جناس فلا تضم حنطة إلى شعير ونحو ذلك ولا يضم أجناس القطنية بعضها
إلى بعض فلا يضم الحمص إلى الباقلاء والعدس ونحو ذلك وبه قال عطاء بن أبي رباح ومكحول
والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وشريك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأبو عبيد وأبو ثور
وابن المنذر واحمد في إحدى الروايتين عنه حكاه عنهم ابن المنذر * وقالت طائفة تضم الحنطة إلى
512

الشعير والسلت إليهما وتضم القطاني كلها بعضها إلى بعض لكن لا تضم إلى الحنطة والشعير وهذا
مذهب مالك ورواية عن أحمد وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري والزهري ضم القمح إلى
الشعير وحكى ابن المنذر عن طاوس وعكرمة ضم الحبوب مطلقا قال ولا أعلم أحدا قاله يعنى غيرهما
513

ان صح عنهما قال وأجمعوا على أنه لا تضم الا بل إلى البقر ولا إلى الغنم ولا البقر إلى الغنم ولا التمر
إلى الزبيب دليلنا القياس على المجمع عليه وليس لهم دليل صحيح صريح فيما قالوه والله تعالى أعلم *
* قال المصنف رحمه الله تعالى *
514

{فان اختلفت أوقات الزرع ففي ضم بعضها إلى بعض أربعة أقوال أحدها أن الاعتبار بوقت
الزراعة فكل زرعين زرعا في فصل واحد من صيف أو شتاء أو ربيع أو خريف ضم بعضه إلى
بعض لان الزراعة هي الأصل والحصاد فرع فكان اعتبار الأصل أولي والثاني أن الاعتبار بوقت
515

الحصاد فإذا اتفق حصادهما في فصل ضم أحدهما إلى الآخر لأنه حالة الوجوب فكان اعتباره
أولى والثالث يعتبر أن تكون زراعتهما في فصل واحد وحصادهما في فصل لان في زكاة المواشي
والأثمان يعتبر الطرفان فكذلك ههنا والرابع يعتبر أن يكون من زراعة عام واحد كما قلنا
516

في الثمار} *
{الشرح} هذه الأقوال مشهورة وقد اختصر المصنف المسألة جدا وهي مبسوطة في كتب
الأصحاب وقد جمعها الرافعي رحمه الله تعالى ولخص متفرق كلام الأصحاب فيها فقال لا يضم
517

زرع عام إلى زرع عام آخر في اكمال النصاب بلا خلاف واختلاف أوقات الزراعة لضرورة التدريج
كمن يبتدئ الزراعة ويستمر فيها شهرا أو شهرين لا يقدح بل كله زرع واحد ويضم بعضه إلى
بعض بلا خلاف ثم الشئ قد يزرع في السنة مرارا كالذرة تزرع في الخريف والربيع والصيف ففي
518

ضم بعضها إلى بعض عشرة أقوال أكثرها منصوصة أصحها عند الأكثرين إن وقع الحصادان
في سنة واحدة ضم والا فلا وممن صححه البندنيجي (والثاني) ان وقع الزرعان والحصادان في سنة
ضم والا فلا واجتماعهما في سنة أن يكون بين زرع الأول وحصد الثاني أقل من اثنى عشر شهرا
519

عربية كذا قاله امام الحرمين والبغوي (1) (والرابع) ان وقع الزرعان والحصادان في سنة أو زرع الثاني
وحصد الأول في سنة ضم والا فلا وهذا ضعيف عند الأصحاب (والخامس) الاعتبار بجميع السنة
أحد الطرفين اما الزرعين أو الحصادين (والسادس) ان وقع الحصادان في فصل واحد ضم والا فلا

(1) كذا في الأصل باسقاط الثالث ويؤخذ من الرافعي ان الثالث هو ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة واحدة ولا نظر إلى الحصاد
520

(والسابع) ان وقع الزرعان في فصل واحد ضم والا فلا (والثامن) إن وقع الزرعان والحصادان في
فصل واحد ضم والا فلا والمراد بالفصل أربعة أشهر (التاسع) ان المزروع بعد حصد الأول لا يضم
كحملي شجرة والعاشر خرجه أبو إسحاق ان ما بعد زرع سنة يضم ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد
قال ولا أعني بالسنة اثنى عشر شهرا فان الزرع لا يبقى هذه المدة وإنما أعني بها ستة أشهر إلى ثمانية
521

هذا كله إذا كان زرع الثاني بعد حصد الأول فلو كان زرع الثاني بعد اشتداد حب الأول ففيه
طريقان أصحهما أنه على هذا الخلاف والثاني القطع بالضم لاجتماعهما في الحصول في الأرض ولو وقع
الزرعان معا أو على التواصل المعتاد ثم أدرك أحدهما والآخر بعل لم ينعقد حبه فطريقان أصحهما
القطع بالضم والثاني أنه على الخلاف لاختلافهما في وقت الوجوب بخلاف ما لو تأخر بدو صلاح بعض
522

الثمار فإنه يضم إلى ما بدا فيه الصلاح بلا خلاف لان الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر
فيها صفة الثمرة وهنا متعلق الزكاة الحب ولم يخلق بعد وإنما الموجود حشيش محض قال الشافعي رضي
الله عنه الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم تستخلف في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع
واحد وإن تأخرت حصدته الثانية واختلف الأصحاب في مراده على ثلاثة أوجه أحدها مراده
523

إذا سنبل واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها أو بنقر العصافير أو بهبوب الرياح فنبتت الحبات
المنتثرة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت والثاني مراده إذا نبتت والتفت وعلا بعض طاقاتها فغطى
البعض وبقى المغطي أخضر تحت العالي فإذا حصد العالي أصابت الشمس الا خضر فأدرك والثالث
مراده الذرة الهندية فإنها تحصد سنابلها ويبقى سوقها فتخرج سنابل أخر ثم اختلفوا في الصور الثلاث
524

بحسب اختلافهم في المراد بالنص واتفق الجمهور على أن هذا النص قطع منه بالضم وليس تفريعا
على بعض الأقوال العشرة السابقة فذكروا في الصورة الأولى طريقين أحدها القطع بالضم والثاني
أنه على الأقوال في الزرعين المختلفين في الوقت ومقتضي كلام الغزالي والبغوي ترجيح هذا
وفى الصورة الثانية أيضا طريقان (أصحهما) القطع بالضم (والثاني) على الخلاف وفى الثالثة طرق أصحها
القطع بالضم والثاني القطع بعدم الضم والثالث على الخلاف هذا آخر نقل الرافعي وقد أحسن
وأجاد في تلخيصها فال الدارمي وغيره إذا قال المالك هذان زرعا سنتين فقال الساعي بل سنة فالقول
525

قول المالك فان اتهمه الساعي حلفه استحبابا قولا واحدا وهو كما قالوه لان الأصل عدم الوجوب
والذي يدعيه ليس مخالفا للظاهر فكانت باليمين مستحبة والله أعلم *
526

قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ولا يجب العشر قبل إن ينعقد الحب فإذا انعقد الحب وجبت لأنه قبل إن ينعقد كالخضروات
527

وبعد الانعقاد صار قوتا يصلح للادخار فان زرع الذرة فأدرك وحصد ثم سنبل مرة أخرى فهل
يضم الثاني إلى الأول فيه وجهان (أحدهما) لا يضم كما لو حملت النحلة فجدها ثم حملت حملا آخر
528

والثاني يضم ويخالف النخل لأنه يراد للتأبيد فجعل لكل حمل حكم والزرع لا يراد للتأبيد فكان
الحملان كعام واحد} *
529

{الشرح} أما مسألة الذرة فسبق بيانها واضحا في الفصل الذي قبل هذا والأصح الضم وأما
المسألة الأولى فسبق بيانها أيضا في باب زكاة الثمار وهذا الذي ذكره المصنف هو المذهب فيها
وذكر هناك قولين آخرين ضعيفين والله تعالى أعلم *
530

قال المصنف رحمه الله تعالى *
{ولا تؤخذ زكاة الحبوب إلا بعد التصفية كما لا تؤخذ زكاة الثمار إلا بعد الجفاف} *
531

{الشرح} هذه المسألة سبق بيانها في باب زكاة الثمار وذكرنا أنه لا يجب الاخراج إلا بعد
التصفية وأن مؤنة التصفية والحصاد على المالك ولا يحسب شئ منها من الزكاة وهذا
متفق عليه وسبق هناك نفائس تتعلق بالفصل والله تعالى أعلم *
532

* قال المصنف رحمه الله تعالى *
{وإن كان الزرع لواحد والأرض لآخر وجب العشر على مالك الزرع عند الوجوب لان
الزكاة تجب في الزرع فوجبت على مالكه كزكاة التجارة تجب على مالك المال دون مالك الدكان
533

وإن كان على الأرض خراج وجب الخراج في وقته ويجب العشر في وقته ولا يمنع وجوب
أحدهما وجوب الآخر لان الخراج يجب للأرض والعشر يجب للزرع فلا يمنع أحدهما الآخر
كأجرة المتجر وزكاة التجارة} *
534

{الشرح} المتجر بفتح الميم والجيم هو الدكان (أما الا حكام) فقال الشافعي والأصحاب رحمهم
الله تعالى يجب العشر في الثمر والحب المستخرج من أرض مستأجرة أو من أرض عليها خراج
فيجب على المستأجر العشر مع الأجرة وكذا مع الخراج في أرض الخراج. قال الرافعي والأصحاب
535

وتكون الأرض خراجية في صورتين إحداهما أن يفتح الامام بلدة قهرا ويقسمها بين الغانمين ثم
يعوضهم عنها ثم يقفها على المسلمين ويضربه عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق
536

على ما هو الصحيح فيه (الثانية) أن يفتح بلدة صلحا على أن الأرض للمسلمين ويسكنها الكفار
بخراج معلوم فالأرض تكون فيئا للمسلمين والخراج أجرة لا يسقط باسلامهم وكذا إذا انجلي الكفار
عن بلدة وقلنا إن الأرض تصير وقفا على مصالح المسلمين يضرب عليها خراج يؤديه من سكنها
537

مسلما كان أو ذميا فاما إذا فتحت صلحا ولم يشترط كون الأرض للمسلمين ولكن سكنوا فيها
بخراج فهذا يسقط بالاسلام فإنه جزية وأما البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين وثبتت في أيديهم
538

وكذا التي أسلم أهلها عليها والأرض التي أحياها المسلمون فكلها عشرية وأخذ الخراج منها ظلم
قال وأما النواحي التي يؤخذ منها الخراج ولا يعرف كيف حالها في الأصل فحكى الشيخ أبو حامد
539

عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يستدام الاخذ منها فإنه يجوز أن يكون الذي فتحها صنع بها
كما صنع عمر رضي الله عنه بسواد العراق والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى بحق: فان قيل هل
540

يثبت حكم أرض السواد من امتناع البيع والرهن قيل يجوز أن يقال الظاهر في الاخذ كونه حقا
وفي الأيدي الملك فلا يترك واحدا من الظاهرين الا بيقين واتفق الأصحاب على أن الخراج المأخوذ
541

ظلما لا يقوم مقام العشر فان أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد
وفى سقوط الفرض به خلاف سبق في آخر باب الخلطة الصحيح السقوط وبه قطع المتولي وآخرون
542

فعلى هذا ان لم يبلغ قدر العشر اخرج الباقي والله تعالى اعلم *
(فرع) في مذاهب العلماء في اجتماع العشر والخراج مذهبنا اجتماعهما ولا يمنع أحدهما وجوب
543

الآخر وبه قال جمهور العلماء قال ابن المنذر هو قول أكثر العلماء ممن قال به عمر بن عبد العزيز
وربيعة والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وابن أبي ليلي
544

والليث وابن المبارك واحمد واسحق وأبو عبيد وداود وقال أبو حنيفة لا يجب العشر مع الخراج
واحتج بحديث يروى عن ابن مسعود مرفوع لا يجتمع عشر وخراج في ارض مسلم وبحديث أبي
545

هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " منعت العراق قفيزها ودرهمها " ولما روى أن دهقان
بهر الملك لما أسلم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلموا إليه الأرض وخذوا منه الخراج فأمر
546

بأخذ الخراج ولم يأمر بأخذ العشر ولو كان واجبا لأمر به ولان الخراج يجب بالمعنى الذي يجب
به العشر وهو منفعة الأرض ولهذا لو كانت الأرض سبخة لا منفعة لها لم يجب فيها خراج ولا عشر
547

فلم يجز ايجابهما معا كما إذا ملك نصابا من السائمة للتجارة سنة فإنه لا يلزمه زكاتان ولان الخراج
يجب بسبب الشرك والعشر بسبب الاسلام فلم يجتمعا واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم
548

" فيما سقت السماء العشر " وهو صحيح كما سبق بيانه في باب زكاة الثمار وهو عام يتناول ما في أرض الخراج
وغيره واحتجوا بالقياس الذي ذكره المصنف وبالقياس على المعادن ولأنهما حقان يجبان
549

بسببين مختلفين لمستحقين فلم يمنع أحدهما الآخر كما لو قتل المحرم صيدا مملوكا ولان العشر وجب
بالنص فلا يمنعه الخراج الواجب بالاجتهاد واما الجواب عن حديث لا يجتمع عشر وخراج فهو انه
550

حديث باطل مجمع على ضعفه انفرد به يحيي بن عنبسة عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي
عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيهقي رحمه الله تعالى في معرفة السنن
551

والآثار هذا المذكور إنما يرويه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله فرواه يحيى بن عنبسة
هكذا مرفوعا ويحيى بن عنبسة مكشوف الامر في الضعف لروايته عن الثقات الموضوعات قاله
552

أبو أحمد بن عدي الحافظ فيما أخبرنا به أبو سعيد الماليني عنه هذا كلام البيهقي وكلام الباقين بمعناه
واما حديث أبي هريرة منعت العراق ففيه تأويلان مشهوران في كتب العلماء المتقدمين والمتأخرين
553

(أحدهما) معناه انهم سيسلمون وتسقط عنهم الجزية (والثاني) انه إشارة إلى الفتن الكائنة في آخر
الزمان حتى يمنعوا الحقوق الواجبة عليهم من زكاة وجزية وغيرهما ولو كان معني الحديث ما زعموه
554

للزم أن لا تجب زكاة الدراهم والدنانير والتجارة وهذا لا يقول به أحد وأما قصة الدهقان فمعناها
خذوا منه الخراج لأنه أخره فلا يسقط باسلامه ولا يلزم من ذلك سقوط العشر وإنما ذكر الخراج
555

لأنهم ربما توهموا سقوطه بالاسلام كالجزية وأما العشر فمعلوم لهم وجوبه على كل حر مسلم فلم يحتج
إلى ذكره كما أنه لم يذكر أخذ زكاة الماشية منه وكذا زكاة النقد وغيرها وكذا لم يذكر الزامه بالصلاة
556

والصيام وغيرهما من أحكام الاسلام وأجاب صاحب الحاوي أيضا بأنه يجوز أن يكون خطاب عمر
لمتولي الخراج الذي لا ولاية له على الأعشار أو أنه لم يكن وقت أخذ العشر أو أنه لم يكن له ما يجب فيه
557

عشر واما قولهم يجب العشر بالمعنى الذي يجب به الخراج فليس كذلك لان العشر يجب في نفس الزرع
والخراج يجب عن الأرض سواء زرعها أم اهملها واما قولهم الخراج يجب بسبب الشرك فليس كذلك
558

وإنما تجب اجرة الأرض سواء كان في يد مسلم أو كافر ولان هذا فاسد على مذهبهم فان عندهم يجب
العشر على الذمي والله تعالى اعلم *
559

(فرع) إذا كان لمسلم ارض لاخراج عليها وعليه العشر فباعها لذمي فمذهبنا انه ليس على الذمي
فيها خراج ولا عشر قال العبدري وقال أبو حنيفة عليه الخراج أبو يوسف عليه عشران وقال محمد
560

عشر واحد وقال مالك لا يصح البيع حتى لا تخلو ا الأرض من عشر أو خراج دليلنا انها ارض
لاخراج عليها فلا يتجدد عليها خراج كما لو باعها لمسلم وينتقض مذهب مالك بما إذا باع الماشية
لذمي والله أعلم *
561

(فرع) وإذا أجر أرضه فمذهبنا أن عشر زرعها على المستأجر الزارع وبه قال مالك وأبو
يوسف ومحمد وأحمد وداود وقال أبو حنيفة يجب على صاحب الأرض ولو استعار أرضا فزرعها
562

* فعشر الزرع على المستعير عندنا وعند العلماء كافة وعند أبي حنيفة روايتان أشهرهما هكذا والثانية
رواها عنه ابن المبارك انه على المعير وهذا عجب *
563

(فرع) في مسائل تتعلق ببابي زكاة الثمار والزروع
(إحداها) لا يجب العشر عندنا في ثمار
الذمي والمكاتب وزروعهما وأوجبه أبو حنيفة في زرع الذمي وثمره لعموم الحديث " فيما سقت السماء
564

العشر " ولأنه حق يجب لمنفعة الأرض فاستوى المسلم والكافر فيه كالخراج واحتج أصحابنا أن العشر
زكاة للحديث السابق في الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة
565

النخل تمرا وإذا كان زكاة فلا يجب على الذمي كسائر الزكوات أو يقال حق يصرف إلى أهل
الزكوات فلم يجب على الذمي كسائر الزكوات وأما الحديث فمخصوص بما ذكرناه وأما القياس
566

المذكور فليس كما قالوه بل حق العشر متعلق بالزرع على سبيل الطهرة للمزكي
(الثانية) قال أصحابنا
إذا وجب العشر في الزروع والثمار لم يجب فيها بعد ذلك شئ وان بقيت في يد مالكها سنين
567

هذا مذهبنا: قال الماوردي وبه قال جميع الفقهاء الا الحسن البصري فقال على مالكها العشر في
كل سنة كالماشية والدراهم والدنانير قال الماوردي وهذا خلاف الاجماع ولان الله تعالى علق
568

وجوب الزكاة بحصاده والحصاد لا يتكرر فلم يتكرر العشر ولان الزكاة إنما تتكرر في الأموال
النامية وما أدخر من زرع وثمر فهو منقطع النماء متعرض للنفاد فلم تجب فيه زكاة كالأثاث والماشية
569

فإنها مرصدة للنماء والله تعالى أعلم
(الثالثة) قال صاحب الحاوي روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم " أنه نهي عن (جذاذ) الليل " وهو صرام النخل ليلا فيستحب أن يكون الصرام نهارا ليسأله
570

الناس من ثمرها فيستحب ذلك فيما وجبت زكاته وفيما لا زكاة فيه أيضا قال وحكى عن مجاهد
والنخعي أيضا أن الصدقة من المال وقت الصرام والحصاد واجبة لقوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده)
571

ومذهبنا ومذهب سائر العلماء أنه لا يجب ذلك لان الأصل عدم الوجوب والآية المذكورة المراد
بها الزكاة والله تعالى أعلم *
572

(فرع) روينا في سنن أبي داود في أواخر كتاب الزكاة عن جابر رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم " امر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد " في اسناده محمد
573

ابن إسحاق وهو مدلس وقد قال عن فيكون ضعيفا قال الخطابي معنى جاد عشرة أوسق أي ما
يجد منه عشرة أوسق والقنو الغصن بما عليه من الرطب أو البسر ليأكله المساكين قال وهذا من
574

صدقة التطوع وليس بواجب
(الرابعة) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى إذا أراد الساعي
اخذ العشر كيل لرب المال تسعة ثم يأخذ الساعي العاشر فإن كان الواجب نصف العشر كيل لرب
المال تسعة عشر ثم للساعي واحد فإن كان ثلاثة أرباع العشر كيل للمالك سبعة وثلاثين وللساعي
ثلاثة وإنما بدا للمالك لان حقه أكثر وبه يعرف حق المساكين قال الشافعي في الام والأصحاب
ولا يهز المكيال ولا يزلزل ولا توضع اليد فوقه ولا يمسح لان ذلك يختلف بل يصب فيه ما يحتمله
ثم يفرغ والله تعالى أعلم
(الخامسة) ثمار البستان وغلة الأرض الموقوفين إن كانت على جهة عامة
كالمساجد والقناطر والمدارس والربط والفقراء والمجاهدين والغرباء واليتامى والأرامل وغير ذلك
فلا زكاة فيها هذا هو الصحيح المشهور من نصوص الشافعي رضي الله عنه وبه قطع الأصحاب وقد
575

سبقت هذه المسألة في جميع الطرق وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال يجب فيها العشر وهذا
النقل غريب: وقد سبقت هذه المسألة في أول باب صدقة المواشي وذكرنا هناك أن الشيخ أبا نصر
قال هذا النص غير معروف عند الأصحاب وإن كانت موقوفة على إنسان معين أو جماعة معينين
أو على أولاد زيد مثلا وجب العشر بلا خلاف لأنهم يملكون الثمار والغلة ملكا تاما يتصرفون
576

فيه جميع أنواع التصرف قال أصحابنا فان بلغ نصيب كل انسان نصابا وجب عشره بلا خلاف وان
نقص وبلغ نصيب جميعهم نصابا ووجدت شروط الخلطة بني على صحة الخلطة في الثمار والزروع
والصحيح صحتها وثبوت حكمها فيجب العشر والثاني لا يصح ولا عشر والله تعالى أعلم
(السادسة)
577

قد سبق في باب زكاة الثمار أن مؤنة الحصاد والحراثة والدياس والتصفية وجذاذ الثمار وتجفيفها
وغير ذلك من مؤن الثمر والزرع يجب على رب المال في خالص ماله ولا يحسب من أصل المال
الزكوي بل يجب عشر الجميع وسبقت هناك فروع فيه قال الدارمي فلو كان على الأرض خراج هو
578

عشر زرعها أخذ من كل عشرة أوسق وسقان وسق للعشر يصرف إلى أهل الزكوات ووسق
للخراج يصرف في مصارف الخراج قال لان ما أداه في الخراج حصل مالا له وقد صرفه في حق عليه
579

فهو كما أوفاه في دين فوجب عشر الجميع
(السابعة) إذا كان على الأرض خراج فأجرها فالمشهور
ان الخراج على مالك الأرض ولا شئ على المستأجر هذا هو المذهب المعروف في كتب الأصحاب
وذكر الدارمي في آخر هذا الباب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه على مالك الأرض فلو شرطه على
580

الزارع فسد العقد (والثاني) أنه على الزارع فلو شرطه على المؤجر بطل العقد (والثالث)
على ما يشترطان وهذا الذي نقله شاذ مردود
(الثامنة) قد سبق في باب الخلطة خلاف في
ثبوتها في الزرع والثمار وحاصله ثلاثة أقوال (أصحها) تثبت خلطة الشيوع وخلطة الجوار
جميعا قال أصحابنا هذه العبارة مقدمة (والثاني) لا تثبتان (والثالث) تثبت خلطة الشيوع دون الجوار
581

لا تثبتان لم يكمل ملك انسان بملك غيره في اتمام النصاب وان أثبتناهما كمل بملك الشريك والجار
ولو مات انسان وخلف نخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالين في ملك الورثة
582

فان قلنا لا تثبت الخلطة فحكم كل واحد معتبر على انفراده منقطع عن شركائه فمن بلغ نصيبه نصابا
زكاه ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا زكاة عليه وسواء اقتسموا أم لا وإن قلنا تثبت الخلطة قال الشافعي
رضي الله عنه في المختصر إن اقتسموا قبل بدو الصلاح زكوا زكاة الانفراد فمن بلغ نصيبه نصابا
583

زكاه ومن لم يبلغه نصيبه فلا زكاة قال أصحابنا هذا إذا لم تثبت خلطة الجوار أو أثبتناها وكانت
متباعدة أو فقد بعض شروطها فاما إذا كانت مجاورة ووجدت الشروط وأثبتنا خلطة الجوار
فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة قال الشافعي رضي الله عنه وإن اقتسموا بعد بدو الصلاح
584

زكوا زكاة الخلطة لاشتراكهم حالة الوجوب وعليه اعتراضان (أحدهما) اعترض به المزني في المختصر
فقال القسمة بيع وبيع الربوي بعضه ببعض جزافا لا يجوز عند الشافعي بحال وأجاب الأصحاب
عن اعتراضه فقالوا قد احترز الشافعي رضي الله عنه عن هذا الاعتراض فقال في الام وفى الجامع
الكبير إن اقتسموا قسمة صحيحة قال إمام الحرمين قال الأصحاب نبه الشافعي بهذا النص على
أن المراد أن يتفاضلا مفاضلة صحيحة قال الأصحاب ويتصور ذلك من وجوه ذكر امام الحرمين
منها وجهين وذكر صاحب الحاوي والرافعي وآخرون ستة وبعضهم خمسة وذكر الدارمي في
الاستذكار عن الأصحاب أربعة عشر وجها لتصويرها ومختصر ما ذكره الدارمي في مجموع كلامهم
مع تداخله أن يقال يتصور من أربعة عشر وجها كما ذكره الدارمي (أحدها) أن الشافعي رضي
الله عنه فرعه على قوله القسمة أفراز لا على أنها بيع وحينئذ لا حجر في القسمة (الثاني) إذا قلنا القسمة
بيع فصورته أن يكون بعض النخل مثمرا وبعضها غير مثمر فجعل هذا سهما وذلك سهما ويقسمه
قسمة تعديل فيكون بيع نخل ورطب بنخل متمحض وذلك جائز بالاتفاق (الثالث) أن تكون
التركة نخلتين والورثة شخصين اشترى أحدهما نصيب صاحبه من إحدى النخلتين أصلها وثمرها
بدينار وباع نصيبه وباعه نصيبه من الأخرى لصاحبه بدينار وتقاضا قال الرافعي قال الأصحاب
ولا يحتاج إلى شرط القطع وإن كان قبل بدو الصلاح لأن المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة
585

معا فصار كما لو باعها كلها بثمرتها صفقة واحدة وإنما يحتاج إلى شرط القطع إذا أفرد الثمرة بالبيع
(الرابع) أن يبيع كل واحد نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين بنصيب صاحبه من جذعها فيجوز بعد
الصلاح ولا يكون ربا ولا يجوز قبله الا بشرط لأنه بيع ثمرة يكون للمشترى على جذع البائع (الخامس)
أن يكون بعض التركة نخلا وبعضها عروضا فيبيع أحدهما حصة من النخل والثمرة بحصة صاحبه
من العروض فيصير لأحدهما جميع النخل وللآخر جميع العروض قال صاحب الحاوي وهذه
الأوجه الأربعة ليست مقنعة لأنها بيع جنس بغيره وليس قسمة جنس واحد ولكن ذكرها
أصحابنا فذكرناها (السادس) جواب لبعض الأصحاب قال قسمة الثمار بالخرص تجوز على أحد
القولين ونص الشافعي رضي الله عنه مفرع عليه وهذا الجواب ذكره الدارمي وغيره قال الشافعي
586

في الصرف على جواز قسمة الرطب على النخل بالخرص قال الرافعي رحمه الله تعالى وهذا يدفع
اشكال بيع الجزاف ولا يدفع اشكال بيع الرطب بالرطب (قلت) نصه على جوازه يدل على المسامحة
بهذا النوع من البيع ولنا وجه معروف في جواز بيع الرطب بالرطب على رؤس النخل للأجانب
فهو في حق المتقاسمين أولي بالجواز (السابع) ذكره الدارمي قال حكى أبو حامد جواز قسمة النخل
المثمر ولا حكم للثمر لأنه تابع ثم ذكر الدارمي بقية الأربعة عشر وفى بعضها نظر وتداخل والله
587

تعالي أعلم * الاعتراض الثاني قال أصحابنا العراقيون جواز القسمة قبل اخراج الزكاة هو بناء على
وجوبها في الذمة فأما ان قلنا أن الزكاة تتعلق بالعين فلا تصح القسمة قال الرافعي ويمكن تصحيح
القسمة مع التفريع على قول العين بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التصرف
بعد ذلك وأيضا فانا قدمنا في صحة البيع قولين تفريعا على التعليق بالعين فكذا القسمة ان قلنا
إنها بيع وان قلنا افراز فلا منع هذا كله إذا لم يكن على الميت دين فان مات وعليه دين وله نخيل
مثمرة فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل بيعها فالمذهب وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة على الورثة
588

لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين بناء على المذهب والمنصوص أن الدين لا يمنع انتقال الملك بالإرث
وقيل في وجوب الزكاة قولان (أصحهما) هذا (والثاني) لا زكاة لعدم استقرار الملك في الحال قال
الرافعي ويمكن بناء على الخلاف على أن الدين هل يمنع الإرث أم لا: فعلى المذهب حكمهم في كونهم
يزكون زكاة خلطة أم انفراد على ما سبق إذا لم يكن دين ثم إن كانوا موسرين أخذت الزكاة منهم
589

وصرفت النخيل والثمار إلى ديون الغرماء وإن كانوا معشرين فطريقان (أحدهما) أنه على الخلاف
في أن الزكاة تتعلق بالعين أم بالذمة ان قلنا بالذمة والمال مرهون بها خرج على الأقوال الثلاثة في
اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي فان سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء وان قدمنا
قدمنا ما يقال بتقديمه وان قلنا تتعلق بالعين أخذت سواء قلنا تتعلق تعلق الأرش أو تعلق الشركة
590

(والطريق الثاني) وهو الأصح تؤخذ الزكاة بكل حال لشدة تعلقها بالمال ثم إذا أخذت من العين
ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا لان الزكاة إنما وجبت عليهم
وبسبب وجوبها خرج ذلك القدر عن الغرماء قال البغوي هذا إذا قلنا الزكاة تتعلق بالذمة فان
قلنا بالعين لم يغرموا كما قلنا في الرهن أما إذا أطلعت النخيل بعد موته فالثمرة متمحضة للورثة
591

لا يصرف إلى دين الغرماء منها شئ الا إذا قلنا بالضعيف وهو قول الإصطخري أن الدين يمنع
الإرث فحكمها كما لو حدثت قبل موته والله أعلم
(المسألة التاسعة) قال القاضي حسين في الفتاوى في
كتاب النذر لو قال إن شفى الله تعالى مريضي فلله على أن أتصدق بخمس ما يحصل لي من المعشرات
فشفى الله تعالى المريض يجب التصدق بالخمس ثم بعد الخمس يجب عشر الباقي للزكاة إن كان نصابا
592

ولا عشر في ذلك الخمس لأنه لفقراء غير معينين قال فلو قال لله علي أن أتصدق بخمس مالي يجب اخراج
العشر زكاة أو لا ثم ما بقي بعده يتصدق بخمسة والله تعالى أعلم (العاشرة) لا يجب في الزرع حق غير
الزكاة وهي المراد بقوله تعالى (وأتوا حقه يوم حصاده) هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال الشعبي
والنخعي في رواية عنه يجب فيه حق سوى الزكاة وهو أن يخرج شيئا إلى المساكين يوم حصاده ثم
593

يزكيه يوم التصفية وقال مجاهد إذا حصد الزرع ألقي لهم من السنابل وإذا جد النخل ألقى
لهم من الشماريخ ثم يزكيهما إذا كالهما دليلنا قوله في الحديث الصحيح في الزكاة " هل على غيرها قال لا
الا ان تطوع " *
قال مصححه عفا عنه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى
آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد
انتهي بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الخامس) من كتابي المجموع للإمام أبي زكريا
محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه * والشرح الكبير للامام المحقق الرافعي
مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقين من شهر ذي الحجة سنة أربع
وأربعين وثلاثمائة والف
594