الكتاب: كتاب الأم
المؤلف: الإمام الشافعي
الجزء: ٧
الوفاة: ٢٠٤
المجموعة: فقه المذهب الشافعي
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى - ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م

الأم
تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي
150 - 204
مع
مختصر المزني
الجزء السابع
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

الطبعة الأولى - 1400 ه‍ - 1980 م
الطبعة الثانية: 1403 ه‍ - 1983 م
2

خير ما نبتدئ به
بسم الله الرحمن الرحيم
باب ما لا يقضى فيه باليمين مع الشاهد، وما يقضى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل المال فأتى بامرأتين تشهدان له
على حقه لم يحلف مع الامرأتين. فإن قال قائل: ما الحجة فيه؟ فالحجة فيه أن النساء إذا كن لا يجزن
عند الحاكم إلا مع الرجال إلا فيما لا يراه الرجال فهاتان امرأتان ليس معهما رجل يشهد. فإن قال
قائل: معهما رجل يحلف فالحالف غير شاهد. فإن قال: فقد يعطى بيمينه. قيل: يعطى بها بالسنة
ليس أنه شاهد والرجل لا يشهد لنفسه ولو شهد لنفسه لم يحلف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن
قال امرأتان تقومان مقام الرجل؟ قيل إذا كانتا مع رجل ولزمه عندي أن يقول لو شهد أربع نسوة
لرجل يحق أخذه كما يأخذه بشاهدين وشاهد وامرأتين ولا أحسب أحدا يقول بهذا القول (قال) ولو أن
امرأة رجل أقامت شاهدا أنه طلقها لم تحلف مع شاهدها وقيل ائت بشاهد آخر وإلا أحلفناه ما
طلقك، ولو أقام رجل شاهدا على أنه نكح امرأة بولي ورضاها وشهود ومهر لم يكن له أن يحلف مع
شاهده وذلك أن الرجل لم يملك رقبة المرأة كما يملك الأموال بالبيع وغيره من وجوه الملك إنما أبيح له
منها بالنكاح شئ كان محرما عليه قبله ولأن المرأة لا تملك من نفسها ما كان الزوج يملك منها فتقوم في
نفسها مقام الزوج فيها في كل أمره أو في بعضه والزوج نفسه لم يكن يملكها ملك المال فهما خارجان
من معنى من حكم له رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد عندي والله تعالى أعلم. لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حكم بها لمن يملك ما حكم له به ملكا يكون له فيه بيعه وهبته أو
سلطان رق أو ملك بوجه من الوجوه مما قد ملكه عليه غيره ومما يملك هو على غيره وليس هكذا الزوج
والمرأة إنما سلطانه عليها سلطان إباحة شئ كان محرما قبل النكاح ولو أقام عبد شاهدا على أن سيده
أعتقه أو كاتبه لم يحلف مع شاهده وذلك أن العبد لا يملك من نفسه ما كان سيده مالكه لأن سيده
كان له بيعه وهبته وليس ذلك للعبد في نفسه ولا يثبت شئ من الرق للعبد على نفسه إنما يثبت الملك
لانسان على غيره فأما على نفسه فلا فإذا كان الحق للمشهود له في نفسه مثل العبد يعتق والمرأة تطلق
والحد يثبت أو يبطل فهذا كله لا يجوز فيه يمين مع الشاهد من قبل أن اليمين مع الشاهد فيما يملك به
الحالف مع شاهده شيئا كان بيده غيره مما قد يملك بوجه من الوجوه والذي قضى به رسول الله صلى
الله عليه وسلم من ذلك مال والمال غير المقضى له وغير المقضى عليه بل هو ملك أحدهما ينتقل إلى
الآخر فالعبد الذي يطلب أن يقضى له باليمين على عتقه كان إنما يقضى له بنفسه وهو لا يملكها ونفسه
ليست كغيره فكان هذا خارجا من معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي والله تعالى
أعلم. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أتى رجل بشاهد يشهد أن رجلا أشهده أن له على فلان
حقا لم يقبل إلا بشاهد آخر فإن قال أحلف لقد شهد لي لم يحلف لأن حلفه على أنه شهد له ليس أن
3

يحلف على مال يأخذه إنما يحلف على أن يثبت شهادة شاهده وليس اليمين على هذا باليمين على المال
يملك. ولو أقام رجل شاهدا أن فلانا أوصى إليه أو أن فلانا وكله لم يحلف مع شاهده. وذلك أنه لا
يملك بالوصية ولا بالوكالة شيئا ومثل ذلك لو أقام بينة أن فلانا أودعه داره أو أرضه لم يحلف مع
شاهده، ولو أقام شاهدا أن فلانا قذفه بالزنا لم يحلف مع شاهده وذلك أنه لا يملك بالحد شيئا إنما
الحد ألم على المحدود لا شئ يملكه المشهود له على المشهود عليه، ولو أقام بينة على أنه جرحه جراحة
عمدا في مثلها قود أو قتل ابنا له لم يحلف مع شاهده وذلك أن الشهادة ليست بمال بعينه وأنه لا يجب
بها المال دون التخيير في المال أو القصاص فإذا كان القصاص هو الذي يثبت بها فالقصاص ليس بشئ
يملكه أحد على أحد. فإن قال قائل: فالمال يملكه؟ قيل أجل ولكن ليس يملكه إلا بأن يملك
القصاص معه لا أن المال إذا حلف كان له دون القصاص ولا القصاص دون المال فلما كان إنما لا يثبت
له أحدهما بعينه وكان المال لا يملك دون القصاص لم يجز أن يكون اليمين مع الشاهد في القصاص وهو
لا يملك، ولو أقام عليه شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يسوى أكثر مما تقطع فيه اليد كان مخالفا لان
يقيم عليه الشاهد فيما يجب به القصاص فيحلف مع شاهده ويغرم السارق ما ذهب له به ولا يقطع.
فإن قيل: ما فرق بين هذا والقصاص؟ قيل له في السرقة شيئان. أحدهما: شئ يجب لله عز
وجل وهو القطع والآخر شئ يجب للآدميين وهو الغرم فكل واحد منهما حكمه غير حكم صاحبه. فإن
قال قائل: ما دل على هذا؟ قيل قد يسقط القطع عنه ولا يسقط الغرم ويسقط الغرم ولا يسقط
القطع. فإن قال وأين؟ قيل يسرق من حرز فلا يقطع ويغرم ويختلس وينتهب (1) فيكون بهذا
سارقا فلا يقطع ويغرم ويكون له شبهة في السرقة فلا يقطع ويغرم، ويسرق الرجل من امرأته والمرأة
من زوجها من منزلهما الذي يسكنانه فلا يقطع واحد منهما ويغرم فإن قال وأين يسقط الغرم عنه
ويقطع؟ قيل يسرق السرقة فيهبها له المسروق أو يبرئه من ضمانها فلا يكون عليه غرم ويقطع فلا يسقط
القطع عنه إن سقط عنه غرم ما سرق وفى هذا بيان أن حكم الغرم غير حكم القطع وأن على السارق
حكمين قد يزول أحدهما ويثبت الآخر وليس هكذا حكم الجراح التي لا يجب فيها أبدا مال إلا ومعه
قصاص أو تخيير بين القود والعقل فأيهما اختار سقط الآخر وإن اختار القود ثم عفاه لم يكن له عقل وإن
اختار العقل ثم أبرأه منه لم يكن له قصاص فهذان حكمان كل واحد منهما بدل من صاحبه فلا يشبهان
الحكمين اللذين لا يكون أحدهما بدلا من صاحبه ولا يبطل أحدهما إن بطل صاحبه ويشبه الشهادة على
السرقة أن يأتي رجل بشاهد على أنه قال امرأته طالق إن كنت غصبت فلانا هذا العبد ويشهد أنه
غصبه فيحلف صاحب العبد مع شاهده ويأخذ العبد ولا تطلق المرأة بشهادة واحد أنه حنث حتى
يكون معه آخر وذلك أن الشاهد مع اليمين إنما جاز على الغصب دون الطلاق والطلاق ليس بالغصب
إنما هي يمين يحلف بها وحكم الأيمان غير حكم الأموال، وكذلك حكم الطلاق غير حكم الأموال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كانت الجراحة عمدا لا قود فيها بحال مثل أن يقتل الحر المسلم عبدا
مسلما أو يقتل ذميا أو مستأمنا أو يقتل ابن نفسه أو تكون جراحة لا قود فيها مثل الجائفة والمأمومة وما لا
قصاص فيه فهذا كله لا قود فيه قبلت فيه يمين المدعي مع شاهده فقضى له به كله ما كان عمدا منه
ففي مال الجاني وما كان خطأ فعلى العاقلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو شهد شاهد أن رجلا

(1) قوله: فيكون بهذا سارقا، كذا في النسخ، ولعله (فلا يكون) تأمل.
4

رمى رجلا بسهم فأصاب بعض جسده ثم خرج منه فأصاب آخر فقتله أو جرحه فالرمية الأولى عمد
والمصاب الثاني خطأ فإن كانت الرمية الأولى لا قصاص فيها فالشهادة جائزة ويحلفان مع شاهدهما
ويقضى في كل واحد منهما بالأرش الأولي في مال الرامي والثانية على عاقلته وإن كانت الرمية الأولى
يجب فيها القصاص في نفس كانت لأولياء الدم القسامة ويستحقون الدية ثم القول في الرمية الثانية
قولان. أحدهما أن اليمين لا تكون مع الشاهد في هذا وذلك أن صاحب الخطأ لا يثبت له شئ إلا
بثبوته لصاحب العمد فلما كانت هذه الجناية واحدة فيها عمد فيه قصاص لم يجز في القصاص إلا
شاهدان لأنه لم يملك فيه شيئا. والقول الثاني: أن الشاهد يبطل لصاحب العمد إلا أن يقسم معه
أولياؤه ويثبت لصاحب الخطأ باليمين مع شاهده وهذا أصح القولين عندي - والله تعالى أعلم - وبه
نأخذ وهي في مثل معنى المسألة من اليمين بالطلاق على الغصب والشهادة عليها وعلى الغصب، ولو
أقام رجل على جارية وابنها شاهدا أنهما له حلف مع شاهده وأخذ الجارية وابنها، ولو أقام البينة على
أنها له وابنها له ولد منه حلف أيضا وقضي له بالجارية وكانت وابنها له وكانت أم ولد وله بإقراره وشهادة
شاهده ويمينه (قال) ولو أقام شاهد بأن أباه تصدق بهذه الدار عليه صدقة محرمة موقوفة حلف مع
شاهده وكانت الدار صدقة عليه كما شهد شاهده، ولو أقام البينة على أن أباه تصدق بهذه الدار عليه
صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له موقوفة فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين حلفوا وثبتت
حقوقهم فمن حلف ثبت حقه له؟ فإن قال قائل: ما بال الرجل إذا أقام شاهدا أن أباه وقف عليه
دارا وعلى أخوين له ثم على أولادهم بعدهم أحلفته وأثبت حقه من الصدقة المحرمة فإن حلف أخواه
ثبت حقهما وإن لم يحلفا لم يثبت حقهما بثبوت حقه قيل له لأنا أخرجنا الدار من ملك من شهد عليه
الشاهد بيمين من شهد له فإذا شهد الشاهد لثلاثة لم يكن لواحد منهم أن يأخذ بيمين صاحبه شيئا لأن
حقه غير حق صاحبه وإن كان من شئ واحد فحق كل واحد منهم غير حق صاحبه فإذا حلفوا معا
فأخرجت الدار من ملك صاحبها إلى ملك صاحبها من حلف فكانت بكمالها لمن حلف حياته فقد
مضى الحكم فيها لهم ومن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا يقوم مقام الوارث لهم فيها ألا ترى أن
رجلا لو أقام شاهدا على رجل بدار فحلف قضي له بها فإن مات كانت لوارثه بعده ولا يمين على
الوارث لأن الحكم قد مضى فيها بيمين الذي أقام الشاهد له وإنما هي موروثة عن الذي حلف مع
شاهده وإن حلف أخوه فهي عليهما معه ثم على من بعدهم وإن أبى أخواه أن يحلفا فنصيبه منها وهو
الثلث صدقة كما شهد شاهده ثم نصيبه بعد منها على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد أخويه. فإن
قال الذين تصدق عليهم بعد الاثنين نحن نحلف على ما أبى أن يحلف عليه الاثنان فلهم أن يحلفوا من قبل
أنهم مالكون حين كانوا إذا حلفوا بعد موت أبيهم الذي جعل لهم ملكه إذا مات (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وإنما قلنا يملك المتصدق عليهم باليمين لأن السنة والآثار تدل على أن هذا ملك صحيح إذا
أخرج المتصدق من ملكه أرضه صدقة على أقوام بعينهم ثم على من بعدهم (1) فملكه المتصدق عليهم
ما ملكه المتصدق كما ملكهموه فهذا ملك صحيح (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا قضينا بأن ملك
المتصدق يتحول إلى ملك المتصدق عليهم كما ملكهم فهذا تحويل ملك مال إلى مالك ينتفع به انتفاع

(1) لعله: فملك المتصدق عليهم ما ملكهم المتصدق كما ملكهموه، أي: على ما ملكهموه طبقة بعد أخرى،
تأمل.
5

المال يباع ما صار في أيديهم من غلته ويوهب ويورث وإن كان مسكنا أسكنوا فيه من أحبوا أو أكروه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو شهد شاهد أن فلانا تصدق بهذه الدار على فلان وفلان وفلان
بينهم وبين من حدث للمتصدق من ولد صدقة موقوفة محرمة فقال أحد القوم أنا أحلف وأبى الآخران
قلنا فإذا حلفت جعلنا لك ثلث هذه الصدقة ثم كلما حدث معك ولد واحد وقفنا له الثلث الآخر الذي
ليس في يديك ثم إن حدث آخر وقفنا له الثلث الآخر الذي ليس في يديك ولا يوقف للحادث قبله
فإن حدث آخر نقصناك وكلما حدث ولد بعد الولدين اللذين يوقف لهما الثلثان حتى تستكمل الدار
انتقصت من حقك وانتقص كل من كان معك من حقوقهم لأنه كذلك تصدق عليك فمن حلف من
الكبار كان على حقه ومن بلغ فحلف كان على حقه ومن أبى بطل حقه وتوقف غلة من لم يبلغ حتى
يبلغوا فيحلفوا فتكون لهم أو يأبوا فيرد نصيبهم منها على المتصدق عليهم معهم وإن تصدق على ثلاثة ثم
على من بعدهم فحلف واحد كان له الثلث وبطل الثلثان فصار ميراثا للورثة. فإن قيل: كيف تكون
دار شهد عليها أنها كلها موقوفة محرمة بعضها ميراث وبعضها موقوف (1) فإنها لو وقفت على عشرة كان
لكل واحد منهم العشر فمن حلف أخذ حقه ومن أبى لم يكن له فيها حق وما لم يكن لأحد وقفا كان
ميراثا على الأصل. فإن قيل ما يشبه ذلك؟ قيل عشرة شهد شاهد أن ميتا أوصى لهم بدار فحلف
واحد فله عشرها فإن أبى التسعة رجع ما بقي من الدار ميراثا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو
تصدق بها على ثلاثة فحلف واحد وأبى اثنان كان نصيبهما ميراثا وكان الثلث صدقة على واحد فإن قال
هي صدقة على الثلاثة ثم على أبنائهم من بعدهم فحلف واحد جعلنا ثلثها له وأبى الاثنان فجعلنا
نصيبهما منها ميراثا وهو الثلثان ثم حدث لهما ولدان وماتا وقف لهما نصيبهما حتى يبلغا فيحلفا أو يموتا فيحلف
وارثهما فإن أبى وارثهما رد ما بقي ميراثا للورثة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإنما يوقف للمولود
من يوم ولد إذا مات أبوه أو من جعلت له الصدقة بعده فإن ولد قبل أن يموت أبوه أو من جعلت له الصدقة
بعده لم يوقف حقه إلا بعد موتهما لأنه إنما يكون له الحق بموتهما فأما ما كان من غلة قبل أو يولد أو
يموت من قبله فليس للمولود منها شئ لأنه إنما شرط له أن يكون له الحق يوم يولد بعد موت من قبله
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن شاهدا شهد أن فلانا تصدق على فلان وولده وولد ولده ما
تناسلوا هم فيها سواء فحلف رجل مع شاهده كان له منها بقدر عدد من معه وذلك أن يكون معه فيها
عشرة فيكون له عشرة فكلما حدث ولد يدخل معه في الصدقة نقص من حقه ووقف حق المولود حتى
يحلف فيستحق أو يدع اليمين فيبطل حقه ويرد كراء ما وقف من حقه على الذين انتقصوا حقوقهم من
أجله سواء بينهم كأنه وقف لاثنين حدثا سدس الدار وأكرى بمائة درهم إلى أن يبلغا فلم يحلفا فأبطلنا
حقوقهما ورددنا المائة على العشرة لكل واحد منهم عشرة فإن مات من العشرة واحد قبل بلوغ الموقوف
عليهما الصدقة في نصف عمر اللذين وقف لهما فإن بلغا فأبيا اليمين فرد نصيبهما على من معهما رد عليه
فأعطى ورثته ما استحق مما رد عليه وذلك خمسة وترد الخمسة على التسعة الباقين وعلى هذا الحساب
يعطى كل من مات قبل بلوغ الصبيين اللذين بطل ما وقف لهما. فإن شهد الشاهد أنه تصدق بها عليه
وعلي بن أب معروفين يحصون فالأمر فيها على ما وصفت تكون له حصة بقدر عددهم قلوا أو كثروا،
وإن شهد أنه تصدق بها عليه وعلى بني أب لا يحصون أبدا أو على مساكين وفقراء فقد قيل في الوصية

(1) قوله: فإنها هو الجواب ولعله محرف عن (قلنا: لو وقفت الخ).
6

يوصى بها لفلان لقوم يحصون هو كأحدهم وقيل فإن أوصى بها له ولبني أب لا يحصون أو مساكين لا
يحصون فله النصف ولهم النصف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا أمر تخف فيه المؤنة ويسهل
فيه الجواب في مسألتنا هذه ولو كان يصح قياسا أو خبرا أعطيناه النصف وجعلنا النصف على من
تصدق به عليه معه ممن لا يحصى ولكن لا أرى القياس فيها إذا كانت الصدقة إذا تصدق بها عليه
وعلى الفقراء وهم لا يحصون جائزة (1) إلا أن يقال له إن شئت فاحلف فكن أسوة الفقراء فإن حلف
أعطيناه ذلك وأحلف من معه في الصدقة ثم حاص من قسمنا عليه فإذا زاد الفقراء بعد ذلك أو نقصوا
حاصهم كواحد منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد قيل إذا كان شرط السكنى سكن كل فقير
في أقل ما يكفيه إن كان المتصدق قال يسكن كل واحد منهم بلا أن يدخل عليه من يضيق عليه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وأصح من هذا القول، والله تعالى أعلم وبه أقول، أن السكنى مثل الغلة
فإذا ضاق السكن اصطلحوا أو أكروا ولم يؤثر واحد منهم بالسكن على صاحبه وكلهم فيه شرع. وإذا
كانت غلة أو شئ فيها بين من الفقراء وإن قل ذلك فلا يعطى واحد منهم أقل مما يعطى الآخر. وقد
قيل إذا لم يسم فقراء قبيلة فهو على فقراء قرابته قياسا على الصدقات التي يعطاها جيران المال المأخوذ منه
الصدقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبه أقول إذا كان قرابته جيران صدقته فإن جازت فيها
الأثرة لبعض الجيران دون بعض كانت لذوي قرابة المتصدق فإن لم يجد فجيران الصدقة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أقام رجل شاهدا على رجل وحلف أنه غصبه أم ولد وولدها
فيخرجان من يده فتكون أم ولد للمشهود له الحالف ويكون الابن ابنه ويخرج من رق الذي هي في
يديه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك لو أقام شاهدا على رجل في يديه عبد يسترقه أنه كان
عبدا له فأعتقه ثم غصبه إياه بعد العتق حلف وكان هذا مولى له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فعلى
هذا الباب كله وقياسه وليس يدخل في هذا العبد يقيم شاهدا على سيده أنه أعتقه لأن العبد هو
الذي فيه الخصومة كما وصفت في الباب الأول واليمين مع الشاهد في الدين الذي يتنازع فيه المشهود له
والمشهود عليه لا واحد منهما والنسب والولاء شيئان يصير لصاحبهما بهما منفعة في غير نفسه وإن كانت
لا تملك فهي منفعة للخصم في غير نفسه والمملوك لا ينتفع بشئ غير نفسه.
الخلاف في اليمين مع الشاهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعض الناس خلافا أسرف فيه على نفسه فقال لو حكمتم بما لا نراه حقا من رأيكم لم نرده
وإن حكمتم باليمين مع الشاهد رددناها فقلت لبعضهم رددت الذي يلزمك أن تقول به ولا يحل لأحد
من أهل العلم عندنا خلافه لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجزت آراءنا التي لو رددتها كانت
أخف عليك في المأثم. قال إنها خلاف كتاب الله ونحن نردها بأشياء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وقد جهدت أن أتقصى ما كلموني به في رد اليمين مع الشاهد فكان مما كلمني به بعض من ردها أن قال

(1) قوله: إلا أن يقال متعلق بالقياس، أي لا أرى المعقول فيها إلا أن يقال الخ، فتنبه.
7

لم تروها إلا من حديث مرسل قلنا: لم نثبتها بحديث مرسل وإنما ثبتناها بحديث ابن عباس وهو ثابت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن فيها غيره مع أن معه
غيره ممن يشده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقال منهم قائل فكيف قلتم يقضي بها في الأموال
دون غيرها فجعلتموها تامة في شئ ناقصة في غيره؟ فقلت له لما قال عمرو بن دينار وهو حملها قضى
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأموال كان هذا موصولا في خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال جعفر في الحديث في الدين والدين مال وقاله من لقيت من حملتها والحكام بها قلنا إذا قيل بها في
الأموال دل ذلك والله تعالى أعلم على أنه لا يقضي بها في غير ما قضي بها فيه لأن الشاهدين أصل في
الحقوق فهما ثابتان واليمين مع الشاهد أصل فيما يحكم بها فيه وفيما كان في معناه فإن كان شئ يخرج من
معناه كان على الأصل الأول وهو الشاهدان قال فالعبد؟ قلت: له فإذا أقام رجل شاهدا على عبد أنه
له حلف مع شاهده واستحق العبد، قال فإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه؟ قلت فلا يعتق. قال فما
الفرق بين العبد يقيم رجل عليه شاهدا ويحلف ويأخذه وبين العبد يقيم شاهدا أن سيده أعتقه؟ قلت
الفرق البين، قال وما هو؟ قلت أرأيت أن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في
الأموال أما في هذا بيان أن المال المقضى به للمقيم شاهدا الحالف هو ما ليس بالمقضى له ولا بالمقضى
عليه وإنما هو مال أخرجه من يدي المقضي عليه إلى يدي المقضى له به فملكه إياه كما كان المقضي عليه
له مالكا؟ قال بلى قلت: وهكذا العبد الذي سألت عنه أخرجه من يدي مالكه المقضي عليه إلى
مالك مقضى له قال نعم: قلت أفليس تجد معنى العبد إذا أقام شاهدا أن سيده أعتقه غير معنى المال
الذي يتنازع فيه المشهود له والمشهود عليه لأنه إنما ينازع في نفسه؟ قال إنه ليخالفه في هذا الموضع
قلت: ويخالفه أنه لا يخرجه من يدي مالكه إلى ملك نفسه فيكون يملك من نفسه ما كان سيده
يملكه كما كان المقضي عليه يملك المال ثم أخرج من يده فملكه المقضي له قال أجل قلت: فكيف
أقضي باليمين مع الشاهد في شئ معناه غير معنى ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال فإنك
تعتقه بالشاهدين؟ قلت: أجل وأقتل بالشاهدين لأنهما حكم مطلق واليمين مع الشاهد حكم خاص
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلت له رأيتك عبت أن تكون الشهادة تامة في بعض الأشياء دون
بعض أفرأيت الشاهدين أليسا تامين في كل شئ ناقصين في الزنا؟ قال بلى. قلت أفرأيت الشاهد
والامرأتين أليسا تامين في الأموال ناقصين في الحدود وغيرها؟ قال: بلى قلت أرأيت شهادة النساء في
الاستهلال والرضاع وعيوب النساء أليست تامة حتى يلحق بها النسب وفيه عظيم من الأموال وأن يكون
لمن شهدت له امرأة عندك أن فلانة ولدته والمشهود عليه ينكر أن يلحق به نسبه فيعفو دمه ويرى بناته
ويرث ماله؟ قال: بلى قلت أرأيت أهل الذمة أليست تتم شهادتهم عندك فيما بينهم على كل شئ ولو
شهدوا على مسلم بفلس لم يجز؟ قال بلى قلت ولو شهدت لرجل امرأة وحدها على أحد بفلس لم يجز؟
قال: بلى قلت فأسمعك فيما عدا شهود الزنا من المسلمين قد جعلت الشهادات كلها تامة في شئ ناقصة
في غيره وعبت ذلك علينا وإنما قلنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعناها حيث وضعها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ووضعنا حكم الله عز وجل حيث وضعه. قال فقال فإذا حلفتم الرجل مع
شاهده فكيف زعمتم أن رجل لو كان غائبا عن بلد فشهد له رجل بحق له على رجل من وصية أوصى
له بها ميت أو شهد لابنه بحق وهو يوم شهد الشاهد صغير وغائب أو شهد له بحق (1) وليه عبد له أو

(1) أي تولاه عبد له أو وكيل الخ، فتنبه. كتبه مصححه.
8

وكيل حلف وهو لا يعلم شهد شاهده بحق أم لا وهو إن حلف حلف على ما لا يعلمه (قال الشافعي)
رحمه الله: فقلت له لا ينبغي لرجل أن يحلف على ما لا يعلم ولكن العلم يكون من وجوه. قال وما
هي؟ قلت أن يرى الرجل بعينه أو يسمع بأذنه من الذي عليه الحق أو يبلغه فيما غاب عنه الخبر يصدقه
فيسعه اليمين على كل واحد من هذا. قال أما الرؤية وما سمع من الذي عليه الحق فأعرفه. وأما ما جاء
به الخبر الذي يصدق فقد يمكن فيه الكذب فكيف يكون هذا علما أحلفه عليه؟ قال فقلت له الشهادة
على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه أو يراها أو اليمين قال كل لا ينبغي إلا
هكذا وإن الشهادة لأولاهما أن لا يشهد منها إلا على ما رأى أو سمع قلت لأن الله عز وجل حكى عن
قوم أنهم قالوا (وما شهدنا إلا بما علمنا) وقال (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) قال نعم قلت له
أفيشهد الرجل على أن فلانا ابن فلان وهو غريب لم ير أباه قط؟ قال نعم قلت فإنما سمعه ينتسب هذا
النسب ولم يسمع من يدفعه عنه ولا من شهد له بأن ما قال كما قال. قال: نعم قلت ويشهد أن هذه
الدار دار فلان وأن هذا الثوب ثوبه وقد يمكن أن يكون غصب هذه الدار أو أعيرها ويمكن ذلك في
الثوب. قال وإن أمكن إذا لم ير مدافعا له في الدار والثوب وكأن الأغلب عليه أن ما شهد به كما
شهد وسعته الشهادة وإن أمكن فيه أن يكون ليس على ما شهد به ولكن يشهد على الأغلب قلت:
أرأيت لو اشترى رجل من رجل عبدا ولد بالمشرق أو بالمغرب والمشترى ابن مائة سنة أو أكثر والمشترى
ابن خمس عشرة سنة ثم باعه فأبق عند المشتري فكيف تحلف البائع؟ قال أحلفه لقد باع العبد بريئا
من الإباق قال فقلت يحلف البائع فقال لك هذا مغربي أو مشرقي وقد يمكن أن يكون أبق قبل أن يولد
جدي، قال وإن يسأل؟ قلت وكيف تمكن المسألة؟ قال كما أمكنتك قلت وكيف يجوز هذا؟ قال
لأن الايمان يدخلها هذا قال أو رأيت لو كان العبد ولد عنده أما كان يمكن فيه أن يأبق ولا يدري به؟
قلت بلى: قال فهذا لا تختلف الناس في أنهم يحلفون على البت لقد باع بريئا من الإباق ولكن يسعه
أن يحلف على البت وإنما ذلك على علمه قلت فهل طعنت في الحالف على الحق يصير له بوجه من
الوجوه وصية أو ميراث أو شئ يليه عبده أو وكيله غائبا عنه بشئ إلا لزمك أكثر منه في الشهادات
والايمان؟ قال ما يجد الناس من هذا بدا وما زال الناس يجيزون ما وصفت لك: قلت فإذا أجازوا
الشئ فلم لم يجيزوا مثله وأولى أن يكون علما يسمع عليه الشهادة واليمين منه؟ قال هذا يلزمنا قال فإن مما
رددنا به اليمين مع الشاهد أن الزهري أنكرها قلت لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها ثم
عرفها وكنت إنما اقتديت به فيها كان ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضى بها بعد إنكارها وتعلم أنه
إنما أنكرها غير عارف بها وقضى بها مستفيدا علمها. ولو أقام على إنكارها ما كان في هذا ما يشبه على
عالم قال وكيف قلت أرويت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنكر على معقل بن يسار حديث بروع
بنت واشق أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها المهر والميراث ورد حديثه وقال بخلافه؟ قال: نعم
قلت وقال بخلاف حديث بروع بنت واشق مع علي زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر؟ قال: نعم
قلت ورويت عن عمر بن الخطاب أن عمار بن ياسر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب أن
يتيمم فأنكر ذلك عليه وأقام عمر على أن لا يتيمم الجنب وأقام على ذلك مع عمر بن مسعود وتأولا
قول الله عز وجل: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) قال: نعم قلت ورويت وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل الكعبة وليس معه من الناس إلا بلال وأسامة وعثمان فأغلقها عليه وكلهم سميع بصير حريص على
حفظ فعله والاقتداء به فخرج أسامة فقال أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيها فجعل كلما
9

استقبل منها ناحية استدبر الأخرى وكره أن يستدبر من البيت شيئا فكبر في نواحيها وخرج ولم يصل
فكان ابن عباس يفتي أن لا يصلى في البيت وغيره من أصحابنا بحديث أسامة وقال بلال صلى فما تقول
أنت؟ قال يصلى في البيت وقول من قال كان أحق من قول من قال لم يكن لأن الذي قال كان شاهدا
والذي قال لم يكن ليس بشاهد، قلت: وجعلت حديث بروع بنت واشق سنة ولم تبطلها برد علي
رضي الله تعالى عنه، وخلاف ابن عباس وابن عمر وزيد وثبت حديث بروع؟ قال: نعم قلت
وجعلت تيمم الجنب سنة ولم تبطلها برد عمر وخلاف ابن مسعود التيمم وتأولهما قول الله عز وجل (وإن
كنتم جنبا فاطهروا) والطهور بالماء وقول الله عز ذكره (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال:
نعم قلت له وكذلك تقول لو دخلت أنا وأنت على فقيه أو قاض فخرجت فقلت حدثنا كذا وقضى
بكذا وقلت أنت ما حدثنا ولا قضى بشئ كان القول قولي لأني شاهد وأنت مضيع أو غافل؟ قال:
نعم قلت فالزهري لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أكثر أصحابه فلو أقام على إنكار اليمين مع
الشاهد أي حجة تكون فيه إذا كان من أنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه لا
يبطل قول من روى الحديث كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن لا يوهن به
حديث من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان بعض السنن قد يعزب عن عامة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجدوها عند الضحاك بن سفيان وحمل بن مالك مع قلة
صحبتهما وبعد دارهما وعمر يطلبها من الأنصار والمهاجرين فلا يجدها فإن كان الحكم عندنا وعندك أن
من حدث أولى ممن أنكر الحديث فكيف احتججت بأن الزهري أنكر اليمين مع الشاهد؟ فقال لي:
لقد علمت ما في هذا حجة. قلت: فلم احتججت. به؟ قال احتج به أصحابنا وأن عطاء أنكرها.
قلت والزنجي أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا رجعه إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي
بشاهد ويحلف مع شاهده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به
أحد من أصحابنا ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهى في الزهري وأضعف منها فيمن أنكر
ما لم يسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)؟ قال لا، قلت لو ثبت أن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى بها أكان لأحد خلافها وردها بالتأويل؟ قال لا فذكرت له بعض ما روينا فيها
وقلت له أتثبت مثل هذا؟ قال نعم ولكني لم أكن سمعته قلت: أفذهب عليك من العلم شئ؟ قال
نعم، قلت فلعل هذا مما قد ذهب عليك وإذ قد سمعته فصر إليه فكذلك يجب عليك. قال فإنه قد
بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (2) أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فسألته من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت مثله عندنا ولا
عنده، فقلت له أرأيت لو كان خبرك هذا قويا وكان خزيمة قد شهد لصاحب الحق فأحلفه النبي صلى
الله عليه وسلم ألم تكن خالفت خبرك الذي به احتججت؟ قال وأين خالفته؟ قلت أيعدوا خزيمة أن
يكون مقام شاهد فهو كما قلنا قال لا ولكنه من بين الناس يقوم مقام شاهدين قلت فإن جاء طالب
حق بشاهدين أتحلفه معهما؟ قال لا، ولكن أعطيه حقه بغير يمين، قلت له: فهذه إذا سنة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أخرى خالفتها لأنه إن كان قضى بشهادة خزيمة وهو يقوم مقام شاهدين فقد

(1) كذا بالنسخ، ولعله (قال نعم) أو سقط من هنا شئ، تأمل.
(2) أي من أجل أن خزيمة الخ، فهو خصوصية له، تأمل.
10

أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين
خالفتهما معا. قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق فقلت
له: أفيجوز في جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى
عليه أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر أو ما قامت به البينة حق فلا
يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر لان هذا لا يعلم
إلا من جهة الوحي والوحي قد انقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا، قلت: وما قضى به
على ما قضي به ولا يبطل بلعل؟ قال نعم، قلت: فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل؟ وقلت
له: وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو
من أن تكون ممن يقضى بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا
تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك؟ قال ما أعدو هذا، قلت له: فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قضى
باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعى حق كنت خالفته؟ قال فلعل المطلوب رضي
بيمين الطالب. قلت: وقد عدت إلى لعل، وقلت: أرأيت لو جاءك خصمان فرضى المطلوب بيمين
الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه؟ قال: لا، قلت: ولو حلف مع شاهده والمطلوب يرضى بيمينه
لم تعطه شيئا قال لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته. قلت: أنت تعطيه إذا
أقر ولا تحلف الطالب؟ قال نعم، قلت: فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها. قال فما تقول
أنت في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم وكذلك
ألزمهم الله. قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم من جهة الوحي، قلت: فما حكم به من
جهة الوحي فقد بينه وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم
به؟ قال فما يدل على ذلك؟ قلت: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي
سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما أنا بشر
تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت
له بشئ من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت
له: فقد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولى ما غاب
عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم لان أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق
الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر وقد يمكن في الشهود الكذب والغلط ولو كان القضاء لا يكون إلا
من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي صلى الله عليه وسلم لان أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك والكافر الذي لا شهادة
له؟ قلت: أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته؟ قال لا، قلت: ولو جازت شهادته
أحلف على شهادته؟ قال لا، قلت: فيكف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه؟ قال لأنكم أعطيتموه
بيمينه فقامت مقام شاهد، فقلت له: أعطيناه بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي وإن
أعطى بها كما يعطي بشاهد فليس معناها معنى الشهادة، قال وهل تجد على ما تقول دلالة؟ قلت نعم
إن شاء الله تعالى، قلت له: أرأيت إن ادعى عليه حق فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعى
عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ؟ قال نعم؟ قلت: أفتقوم يمينه ببراءته مما
ادعى عليه مقام شاهدين؟ قال نعم في هذا الموضع، قلت: أفيمينه شاهدان؟ قال لا وهما إن اجتمعا
11

في معنى فقد يفترقان في غيره لأنه لو حلف فأبرأته ثم جاء طالب الحق بشاهدين أبطلت يمينه وأخذت
لصاحب الحق حقه بشهادته، قلنا فهكذا قلنا في اليمين وإن أعطينا بها كما أعطينا بشاهد فليست
كالشاهد في كل أمرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له: أرأيت لو قال لك قائل قال النبي
صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه في زمان أهله أهل عدل وإسلام والناس اليوم ليسوا كذلك
ولا أحلف من ادعى عليه من مشرك ولا مسلم غير عدل، قال ليس ذلك له وإذا قال النبي صلى الله
عليه وسلم شيئا فهو عام، قلنا وكذلك اليمين مع الشاهد لما قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لطالب الحق كان الحر العدل وغيره سواء فيها والعبد والكافر كما يكونون سواء فيما يقع عليهم من الايمان
فيكون خير الناس لو كان يعرف إذا ادعى عليه يحلف فيبرأ والكافر أيضا كذلك فكذلك يحلفان
ويأخذان، وقلت له أرأيت أهل محلة وجد بين أظهرهم قتيل فأقام وليه شاهدين أنهم قتلوه خطأ؟ قال
فالدية عليهم، قلت: فلو لم يقم شاهدين أتحلفهم وتعطيهم الدية؟ قال نعم كما نعطيهم إذا أتى
بشاهدين، قلت: فأيمانهم بالبراءة من دمه إذا لم يكن له شاهدان كشاهدين لو شهدا عليهم بقتله
فقال لا، فقلت له ولم وقد أعطيت بها كما أعطيت بالشاهدين؟ قال إنما أعطيت بالأثر، قلت: ولا
يلزمك ههنا حجة؟ قال لا، قلنا فنحن أعطينا بالسنة التي هي أولى من الأثر فكيف زعمت أن الحجة
لزمتنا؟ قلت له: فأيمان أهل المحلة وهم مشركون كايمانهم لو كانوا مسلمين؟ قال نعم، قلت: ولو
ادعى رجل على رجل حقا فنكل عن اليمين أتعطي المدعي حقه؟ قال نعم، قلت أفنكوله كشاهدين لو
شهدا عليه؟ قال لا، قلت فقد أعطيته بنكوله كما تعطي منه بشاهدين؟ قال فإن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) قلنا هذا روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله
عليه وسلم ورواه عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبته وثبتناه برواية ابن عباس خاصة
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد وروى ذلك عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة وابن
المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم فرددته وهو أكثر وأثبت وثبتنا وثبت معنا
الذي هو دونه، وقلت له أرأيت إذا حكم الله عز وجل في الزنا بأربعة شهود وجاءت بذلك السنة وقال
الله عز وجل (شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) أما صار أهل العلم إلى إجازة
أربعة في الزنا واثنين في غير الزنا ولم يقولوا إن واحدا منهما نسخ الآخر ولا خالفه وأمضوا كل واحد منهما
على ما جاء فيه؟ قال بلى قلت: فإذا أجاز أهل العلم شهادة النساء وحدهن في عيوب النساء وغيرها
من أمر النساء بلا كتاب مضى فيه ولا سنة أيجوز أن يقال إذا حد الله الشهادات فجعل أقلها شاهدا
وامرأتين فلا تجوز شهادة النساء لا رجل معهن ومن أجازها خالف القرآن والسنة إذا كان أقل ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد ويمين، قال لا يجوز إذا لم يحظر القرآن لا يجوز أقل من شاهد
وامرأتين نصا ولم تحظر ذلك السنة والمسلمون أعلم بمعنى القرآن والسنة. قلت: والسنة. قلت: والسنة عن النبي صلى
الله عليه وسلم ألزم أو ما قالت الفقهاء عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال بل
السنة، قلت فلم رددت السنة في اليمين مع الشاهد وتأولت القرآن ولم ترد أثرا بأقل من شاهد ويمين
فتأولت عليه القرآن؟ قال ولا ثبتت السنة ألم أردها وكانت السنة دليلا على القرآن. قلت: فإن
عارضك أحد بمثل ما عارضت به فقال لا يثبت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه أجاز شهادة القابلة
ولا عن عمر أنه حكم بالقسامة؟ قال إذا رواه الثقات فليس له هذا، قلت فمن روى اليمين مع الشاهد
12

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق وأعرف ممن روى عن عمر وعلى ما رويت أفترد القوي وتأخذ
بأضعف منه؟ وقلت له لا يعدو الحكم بالشاهدين أن يكون محرما أن يجوز أقل منه فأنت تجيزه أو لا
يكون محرما ذلك فأنت مخطئ بقولك إنه محرم أن يجوز أقل منه، وقد بينا بعض ذلك في مواضعه
وسكتنا عن كثير لعله أن يكون أكثر مما بينا اكتفاء بما بينا عما لم نبين وإن الحجة لتقوم بأقل مما بينا، والله
تعالى أعلم.
المدعي والمدعى عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال فما تقول في البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أهي عامة؟
قلت لا، ولكنها خاصة على بعض الأشياء دون بعض قال فإني أقول إنها عامة قلت حتى يبطل بها جميع ما
خالفتنا عليه قال فإن قلت ذلك؟ قلت إذا تترك عامة ما في يدك قال وأين قلت فما البينة التي أمرت أن لا
تعطى بأقل منها؟ قال بشاهدين أو شاهد وامرأتين قلت فما تقول في مولى لي وجدته قتيلا في محلة فلم أقم بينة
على أحد منهم بعينه أنه قتله؟ قال نحلف منهم خمسين رجلا خمسين يمينا ثم نقضي بالدية عليهم وعلى
عواقلهم في ثلاث سنين قلت فقالوا لك زعمت أن كتاب الله يحرم أن يعطي بأقل من شاهدين أو شاهد
وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرم أن يعطى مدع إلا بالبينة وهي شاهدان عدلان أو
شاهد وامرأتان وزعمت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن اليمين
براءة لمن حلف فكيف أعطيت بلا شاهد وأحلفتنا ولم تبرئنا فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة؟
قال لم أخالفهما وهذا عن عمر بن الخطاب قلت أرأيت لو كان ثابتا عن عمر لكان هذا الحكم مخالفا
عبد الغني
للكتاب والسنة وما قال عمر من أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه؟ قال لا لأن عمر أعلم
بالكتاب والسنة ومعنى ما قال قلت أفدلك هذا الحكم خاصة على أن دعواك أن الكتاب يحرم أن
يعطى أحد بأقل من شاهدين وأن السنة تحرم أن يحول حكم عن أن يعطى فيه بأقل من شاهدين أو
يحلف فيه أحد ثم لا يبرأ ليس بعام على جميع الأشياء كما قلت؟ قال نعم ليس بعام ولكني إنما
أخرجت هذا من جملة الكتاب والسنة بالخبر عن عمر قلت أفرأيتنا قلنا باليمين مع الشاهد بآرائنا أو
بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ألزم لنا ولك من الخبر عن غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقلت أرأيت إن قال لك أهل المحلة إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعى) فلم لا
تكلف هذا بينة وقال اليمين على المدعى عليه وقال ذلك عمر أفمدعى علينا قال؟ كأنكم قلنا وكأنكم
ظن أو يقين هذا ولى القتيل لا يزعم أنا قتلناه وقد يمكن أن يكون غيرنا قتله وطرحه علينا فكيف أحلفتنا
ولسنا مدعى علينا قال فأجعلكم كالمدعى عليهم قلنا فقالوا ولم تجعلنا وولى الدم لا يدعى علينا وإذا
جعلتنا أفبعضنا مدعى عليه أو كلنا؟ فقال بل كلكم فقلنا فقالوا فأحلفنا كلنا فلعل فينا من يقر فتسقط
الغرامة عنا وتلزمه قال فلا أحلفكم كلكم إذا جاوزتم خمسين قلنا فقالوا لو ادعى علينا درهما أتحلفنا
كلنا؟ قال نعم قلنا فقالوا فأنت تظلم ولى القتيل إذا لم تحلف كلنا وكلنا مدعى علينا وتظلمنا إذا أحلفتنا
ولسنا مدعى علينا وتخص بالظلم خيارنا ولا تقتصر على يمين واحدة على إنسان لو كنا اثنين أحلفت كل
واحد منا خمسة وعشرين يمينا أو واحدا أحلفته خمسين يمينا وإنما الايمان على كل من حلف من كان
13

فيما سوى هذا عندك وإن عظم يمين واحدة وتحلفنا وتغرمنا فكيف جاز هذا لك؟ قال رويت هذ عن
عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه قلت فقالوا لك فإذا رويت أنت الشئ عن عمر ألا تتهم
المخبرين عنه وتتركه بأن ظاهر الكتاب يخالفه والسنة وما جاء عنه؟ قال لا يجوز لي أن أزعم أن الكتاب
ولا السنة ولا قوله يخالفه ولكني أقول الكتاب على خاص والسنة وقوله كذلك قلت فإن قيل إنه غلط
من رواه عن عمر لان عمر لا يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقوله هو نفسه البينة على المدعى واليمين على
المدعى عليه قال لا يجوز أن أتهم من أثق به ولكني أقول إن الكتاب والسنة وقول عمر على خاص وهذا
كما جاء فيما جاء فيه وأستعمل الاخبار إذا وجدت إلى استعمالها سبيلا ولا أبطل بعضها ببعض قلت فلم
إذا قلنا باليمين مع الشاهد زعمت أن الكتاب والسنة عام ثم قلت الآن خاص ولم تجز لنا ما أجزت
لنفسك؟ وقلت له أرأيت إن قال لك أهذا الحديث ثابت عن عمر؟ قال نعم هو ثابت فقلت فقال
لك فقلت به على ما قضى به عمر ولم تلتفت إلى شئ إن خالفه في أصل الجملة وقلدت عمر فيه؟
قال نعم وهو ثابت فقلت له فقال لك خالفت الحديث عن عمر فيه قال وأين؟ قلت أخبرنا سفيان بن
عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه كتب في قتيل وجد بين خيران ووداعة أن
يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منها خمسون رجلا حتى يوافوه بمكة فأدخلهم
الحجر فأخلفهم ثم قضى عليهم بالدية فقالوا ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال عمر كذلك
الامر وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال قال عمر حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يطل
دم مسلم قال وهكذا الحديث قلنا أفللحاكم اليوم أن يرفع قوما من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم
حاكم يجوز حكمه؟ قال لا ولا من مسيرة ثلاث قلنا فقد رفعهم عمر من مسيرة اثنين وعشرين ليلة
وعندهم حكام تجوز أحكامهم هم أقرب إليهم من مكة قلنا أفللحاكم أن يكتب إلى الحاكم يخرج
خمسين رجلا أو إنما ذلك إلى ولى الدم يختار منهم خمسين رجلا؟ قال بل إلى ولى الدم قلنا فعمر إنما
كتب إلى الحاكم برفع خمسين فرفعهم زعمت ولم يجعل رفعهم إلى ولى الدم ولم يأمره بتخيرهم فيرفعهم
الحاكم باختيار الولي قلنا أو للحاكم أن يحلفهم في الحجر؟ قال لا ويحلفهم حيث يحكم قلنا فعمر لا
يحكم في الحجر وقد أحلفهم فيه قلنا أو للحاكم لو لم يحلفوا أن يقتلهم؟ قال لا قلنا فعمر يخبر أنهم
إنما حقنوا دماءهم بأيمانهم وهذا يدل على أنه يقتلهم لو لم يحلفوا فهذه أحكام أربعة تخالف فيها عمر لا
مخالف لعمر فيها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد علمته خالفه فيها وتقبل عنه حكما
يخالف بعض حكم النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل
على يهود دية وقد وجد عبد الله بن سهل بينهم أفتأخذ ببعض ما رويت عن عمر وله عن النبي صلى الله
عليه وسلم مخالف وتترك ما رويت عنه مما لا مخالف له عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من
أصحابه أربعة أحكام فأي جهل أبين من قولك هذا؟ قال أفثابت هو عندك؟ قلت لا إنما رواه
الشعبي عن الحرث الأعور والحرث الأعور مجهول ونحن نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالاسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا فإذا قال أفتبرئكم لا يكون
عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل على اليهود والقتيل
بين أظهرهم شيئا ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم ثم ردوا الايمان على المدعين وهذان جميعا
يخالفان ما رويتم عنه وقلت له إذ زعمت أن الكتاب يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين وأن
السنة تدل على أن لا يعطى أحدا إلا ببينة فما تقول في رجل قال لامرأته ما ولدت هذا الولد منى وإنما
14

استعرتيه ليلحق بي نسبه؟ قال إن جاءت بامرأة واحدة تشهد بأنها ولدته ألحقته به إلا أن يلاعنها
قلت: وكذلك عيوب النساء والولاد تجيز فيه شهادة امرأة واحدة؟ قال نعم قلت فعمن رويت هذا
القول؟ قال عن علي رضي الله تعالى عنه بعضه، قلت أفيد لك هذا على أن ما زعمت من أن القرآن
يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين والسنة ليس كما ادعيت؟ قال نعم وقد أعطيتك هذا قبل
هذا في القسامة ولكن في هذا علة أخرى قلت وما هي؟ قال إن الله عز وجل إنما وضع حدوده على
ما يحل فلو أن شاهدين عمدا أن ينظرا إلى فرج امرأة تلد ليشهدا لها بذلك كانا بذلك فاسقين لا تقبل
شهادتهما. قلت فهل في القرآن استثناء إلا ما لا يراه الرجال قال لا قلت فقد خالفت في أصل قولك
القرآن. قلت أفرأيت شهود الزنا إذا كانوا يديمون النظر ويرصدون المرأة والرجل يزنيان حتى يثبتوا ذلك
يدخل منه دخول المرود في المكحلة فيرون الفرج والدبر والفخذين وغير ذلك من بدنهما (1) إلى ما لا
يحل لهم نظره أم إلى ما يحرم عليهم قال بل إلى ما يحرم عليهم. قلت فكيف أجزت شهادتهم؟ قال
أجازها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قلت فإن كان عمر بن الخطاب يجيز شهادة من نظر إلى
ما يحرم عليه لأنه إنما نظر ليشهد لا ليفسق فكيف زعمت أنك ترد شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه
ليشهد وفسقته قال ما أردها. قلت: قد زعمت ذلك أولا فانظر فإن كانت امرأة مسلمة صالحة عند
فاسق فقالت هو ينكر ولدي فيقلدني وولدي عارا وأنت تزعم أن الكتاب والسنة لا يجيزان أقل من
شاهد وامرأتين فأجلس شاهدين أو شاهدا وامرأتين من خلف الباب والنساء معي فإذا خرج رأس ولدى
كشفني ليروا خروجه منى فيلحق بأبيه فهذا نظر لنثبت به شهادة لي وللمولود وهو من حقوق الناس
وأنت تشدد في حقوق الناس وليس هذا بنظر يتلذذ به الشاهدان بل هو نظر يقذرانه ونظر شهود الزنا
يجمع أمرين أنه أطول من نظرهما إلى ولادتي وأعم لعامة البدن وأنه نظر لذة يحرك الشهوة ويدعو إليها
فأجز هؤلاء كما أجزت شهادة شهود الزنا واردد شهادة شهود الزنا فهم أولى أن يردوا إذا كان ذلك يجوز
لقولك إن من نظر إلى ما يحرم عليه فهو بذلك فاسق ترد شهادته إذا كان حدا الله عز وجل وأنت تدرأ
حد الله بالشبهات وتأمر بالستر على المسلمين، قال لا أرد هؤلاء لو شهدوا ولا أكلفك هذا، قلت فقد
خالفت ما قلت أولا من أن الله عز وجل حرم أن يجوز أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين ومما ادعيت
في السنة وما احتججت يه؟ من أن هذا محرم على الناس أن يشهدوا فيه، وقلت أرأيت استهلال
المولود (2) لم تقبل عليه شهادة امرأة والرجال يرونه قال قبلتها على ما قلت أو لا قلت: أفلا تدع ذلك
بما ادعيت في الكتاب والسنة، قال لا يخالف الكتاب. قلت فالكتاب والسنة بهذا وبالقتيل يوجد
في المحلة خاص؟ قال نعم: قلت لا تحتج بأنه عام مرة وتقول أخرى هو خاص وقلت له أرأيت الرجل
والمرأة يتداعيا متاع البيت لم لم تحكم فيه بأن تجعله للذي له البيت أو للمرأة لأنها ألزم للبيت وتجعل
الزوج مدعيا أو المرأة وتكلف أيهما جعلت مدعيا البينة أو تجعله في أيديهما فتقسمه بينهما وبهذا نقول نحن
فنقسمه بينهما وأنت تخالف هذا فتعطيها على غير بينة ولا معنى لكينونة الشئ في أيديهما فتجعل متاع
الرجال للرجال ومتاع النساء للنساء وما يصلح لهما معا بينهما وقد يملك الرجل متاع النساء والمرأة متاع

(1) لعل الأوضح (إلى ما يحل لهم نظره أم إلى الخ) تأمل. كتبه مصححه.
(2) قوله: لم تقبل هي لام التعليل و (ما) الاستفهامية، فتنبه.
15

الرجال أو رأيت الرجلين يتداعيان الجدار معا لم لم تجعله بينهما؟ وكذلك نقول نحن ولم جعلته لمن يليه
معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ فتقول هذا كالدلالة على أن من يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن مالك
للجدار وقد يبنى الرجل الجدار بناء مختلفا وقد يكونان اقتسما المنزل فلم يعتدل القسم إلا بأن يجعلا هذا
الجدار لمن ليس إليه معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ ويكون أحدهما اشتراه هكذا، أو رأيت الرجل
يتكارى من رجل بيتا فيختلفان في رفاف البيت والرفاف بناء فلم لم تجعل البناء لصاحب البيت؟
وكذلك نقول زعمت أنت أن الرفاف إن كانت ثابتة في الجدار فهي لصاحب البيت وإن كانت
ملتصقة فهي للساكن وقد يبنى صاحب البيت رفافا ملتصقة ويبنى الساكن رفافا فيحفر لها في الجدار
فتصير فيه ثابتة وأعطيت في هذا كله بلا بينة واستعملت فيه أضعف الدلالة ولم تعتمد فيه على أثر ثابت
ولا إجماع من الناس ثم لم تنسب نفسك إلى خلاف كتاب الله ولا سنة ولا قياس وإن كان قول الله عز
وجل فيه (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) محرما أن يعطى أحد
بأقل من هذا فقد أعطيته بأقل من هذا وخالفته بلا عذر وخالفت ما ادعيت من أن السنة دلت على أن
لا يعطى أحد إلا ببينة فيه وفى غيره مما هذا كاف منه ومبين عليك تركك قولك فيه قال فإنه بلغني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما جاءكم عنى فاعرضوه على القرآن فإن وافقه فأنا قلته وإن خالفه
فلم أقله) فقلت له فهذا غير معروف عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعروف عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عندنا خلاف هذا وليس يعرف ما أراد خاصا وعاما وفرضا وأدبا وناسخا ومنسوخا
إلا بسنته صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله عز وجل به فيكون الكتاب بحكم الفرض والسنة تبينه قال
وما دل على ذلك؟ قلت قول الله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فقد بين
الله عز وجل أن الرسول قد يسن وفرض الله على الناس طاعته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثني سالم أبو النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه أو أمرت
به فيقول ما ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلت له لو
كان هذا الحديث الذي احتججت به ثابتا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه
إن شاء الله تعالى. وقال لي بعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد قال الله عز وجل (ذوي عدل
منكم) وقال (شهيدين من رجالكم) فكيف أجزتم أقل من هذا؟ فقلت له لما لم يكن في التنزيل أن
لا يجوز أقل من شاهدين وكان التنزيل محتملا أن يكون الشاهدان تامين في غير الزنا ويؤخذ بهما الحق
لطالبه ولا يمين عليه ثم وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز اليمين مع الشاهد لصاحب الحق
ويأخذ حقه ووجدت المسلمين يجيزون شهادة أقل من شاهدين ويعطون بها دلت السنة وعمل المسلمين
على أن قول الله عز وجل (شهيدين من رجالكم) ليس محرما أن يجوز أقل منه والله تعالى أعلم نسألك
فإن قلت بمثل قولنا لزمك أن ترجع إلى اليمين مع الشاهد وإن خالفته لزمك أن تترك عامة قولك وأن
تبين لك أن ما قلت من هذا ونجلتنا على غير ما قلت وأنك أولى بما نجلتنا من الخطأ في القرآن منا قال
فسل، فقلت حد لي كل حكم في (شهيدين من رجالكم) قال أن يجوز فيؤخذ به الحق بغير يمين من
الطالب قلت وماذا قال وفيه تحريم أن يؤخذ الحق بأقل منه؟ قلت وما الشاهدان من رجالنا؟ قال
حران مسلمان عدلان قلت له فالاثنان ذوي عدل كما وصفت يجوزان ومحرم أن يجوز إلا ما زعمت
ووصفت أنهم شرطوا في الكتاب؟ قال: نعم قلت فلم أجزت أهل الذمة فيما بينهم والآيتان بينتان أنهما
16

في المؤمنين وإنما قلت (1) في الأحرار المؤمنين خاصة بتأول ونحن بالآيتين لا نجيز شهادة أهل الذمة فيما
بينهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرجع بعضهم إلى قولنا فقال لا تجوز شهادة أهل الذمة.
وقال: القرآن يدل على ما قلتم وأقام أكثرهم على إجازتها فقلت له: لو لم يكن عليكم حجة فيما
ادعيتم في الآيتين إلا إجازة شهادة أهل الذمة كنتم محجوجين ليس لكم أن تتأولوا على أحد ما قلتم
لأنكم خالفتموه وكنتم أولى بخلاف ظاهر ما تأولتم من غيركم. قال فإنما أجزنا شهادة أهل الذمة بآية
أخرى، قلنا وما هي؟ قال قول الله عز وجل (حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من
غيركم) فقلت له: أناسخة هذه الآية عندك (لشهيدين من رجالكم) أو منسوخة بها؟ قال ليست
بناسخة ولا منسوخة، ولكن كل فيما نزل فيه: قلت فقولك إذا لا يجوز إلا الأحرار المسلمون ليس كما
قلت، قال فأنت تقول بهذا؟ قلت: لست أقول به بل سمعت من أرضى يقول فيه غير ما قلت، قال
فإنا نقول هي في المشركين فقلت فقل هي في جماعة المشركين أهل الأوثان وغيرهم لأن كلهم مشرك
وأجز شهادة بعضهم لبعض، قال: لا قلت فمن قال هي في أهل الكتاب خاصة. أرأيت إن قال
قائل أجيز شهادة أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأن أهل الأوثان لم يبدلوا كتابا إنما وجدوا آباءهم على
ضلال فتبعوهم وأهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله عز وجل وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند
الله. فلما بان لنا أن أهل الكتاب عمدوا الكذب على الله لم تكن شهادتهم جائزة فأخبرنا الله عز وجل
أنهم كذبة وإذ كنا نبطل الشهادة بالكذب على الآدميين كانوا هم أولى فماذا تقول له ما أعلمه إلا
أحسن مذهبا وأقوى حجة منك، قلت له أفتجيز شهادة أهل الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت
أنها في القرآن؟ قال: لا قلت ولم قال هي منسوخة قلت بماذا قال بقوله (ذوي عدل منكم) قلت
وما نسخ لم يعمل به وعمل بالذي نسخه قال نعم قلت فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ
زعمت أن الله شرط أن لا يجوز إلا مسلم وأجزت كافرا وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه أفتثبت
في غير ما نزلت فيه؟ قال: لا قلت فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة قال إن شريحا أجازها
فقلت له أنت تزعم أنها منسوخة بقول الله عز وجل (ذوي عدل منكم) أو (شهيدين من رجالكم)
يعني المؤمنين ثم تخالف هذا. قال فإن شريحا أعلم مني: قلت فلا تقل هي منسوخة إذا قال فهل
يخالف شريحا غيره؟ قلت: نعم سعيد بن المسيب وابن حزم وغيرهما وفي كتاب الله الحجة التي هي
أقوى من هذا وقلت له تخالف أنت شريحا فيما ليس فيه كتاب ولا له فيه مخالف مثله قال إني لأفعل
قلت له وكيف تحتج به على الكتاب وعلى ماله فيه مخالف وأنت تدع قوله لرأي نفسك؟ فقال أجزت
شهادتهم للرفق لئلا تبطل حقوقهم إن لم نجز شهادتهم بينهم. فقلت له نحن لم نبطل حقوقهم فيما
بينهم لهم حكام لم يزالوا يتراضون بهم لا ندخل في أمرهم فإن أرادوا دخولنا في أحكامهم لم ندخل إلا
بما أمرنا الله تعالى به من إجازة من أمرنا من المسلمين. وقلت له: أرأيت إذا اعتللت بالرفق بهم لئلا
تبطل حقوقهم فالرفق بالمسلمين أوجب أو الرفق بهم؟ (قال) بل الرفق بالمسلمين. قلت له: ما تقول
في عبيد عدول مأمونين كانوا بموضع في صناعة أو على حفظ مال فشهد بعضهم لبعض في دم أو
مال؟ قال لا تجوز شهادتهم قلت: فما تقول في أهل البحر والأعراب الأحرار المسلمين لا يخالطهم
غيرهم إذا لم نجد من يعدلهم من أهل العدل فشهد بعضهم لبعض في دم أو مال؟ قال لا تجوز

(1) لعله (وإنما قلت في الأحرار المؤمنين بين المؤمنين خاصة الخ) تأمل.
17

شهادتهم قلت فإذا لم تجزها بطلت حقوقهم بينهم (قال) وإن بطلت فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بأخذ
الحق بالعدول الأحرار فإذا كانوا عدولا غير أحرار فقد نقصوا أحد الشرطين أو كانوا أحرارا لا يعرف
عدلهم فقد نقصوا أحد الشرطين قلت والشرط الثالث مؤمنين؟ قال نعم: قلت فقد نقص أهل
الكتاب أعظم الشروط الأيمان وأجزت شهادتهم ونقص العبيد والأحرار أقل الشروط فرددت شهادتهم
وفيهم شرطان ولم إذا اعتللت بالرفق بهم لم ترفق بالمسلمين فتجيز شهادة بعضهم على بعض فالعبيد
العدول لو عتق أحدهم اليوم جازت شهادته وأهل الذمة لو أسلموا لم تقبل شهادتهم حتى نختبر
إسلامهم بعد مدة تطول والمسلمون أولى بأن نرفق بهم ونحتاط لهم في أن لا نبطل حقوقهم من المشركين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فما زاد على أن قال هكذا قال أصحابنا. وقلت: أرأيت قول الله
تبارك وتعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
إلى الكعبين) أليس بين في كتاب الله عز وجل بأن فرض غسل القدمين أو مسحهما؟ قال بلى: قلت لم
مسحت على الخفين ومن أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم والناس إلى اليوم من ترك المسح على
الخفين ويعنف من مسح؟ قال ليس في رد من رده حجة وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
شئ لم يضره من خالفه. وقلت ونعمل به وهو مختلف فيه كما نعمل به لو كان متفقا عليه ولا نعرضه
على القرآن؟ قال لا بل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنى ما أراد الله عز وجل قلنا
فلم لا تقول بهذا في اليمين مع الشاهد وغيره مما تخالف فيه الحديث وتريد إبطال الحديث الثابت
بالتأويل وبأن تقول الحديث يخالف ظاهر القرآن وقلت له: قال الله عز وجل (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما) وقال الله عز وجل (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال بعض
الخوارج بمثل معنى قولك في اليمين مع الشاهد يقطع كل من لزمه اسم سرقة قلت سرقته أو كثرت
ويجلد كل من لزمه اسم الزنا مملوكا كان أو حرا محصنا أو غير محصن وزعمت أن علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه جلد الزاني ورجمه فلم رغبت عن هذا؟ قال جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما
يدل على أن لا يقطع إلا من سرق من حرز ومن بلغت سرقته شيئا موقتا دون غيره ورجم ماعزا ولم
يجلده ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز ذكره قلت له: وهل جاء هذا عن
النبي صلى الله عليه وسلم إلا بحديث كحديث اليمين مع الشاهد فما استطاع دفع ذلك وذكرت له أمر
المواريث كلها وما ورث الله الولد والوالد والإخوة والأخوات والزوجة والزوج. فقلت له: فلم قلت إذا
كان الأب كافرا أو مملوكا أو قاتلا عمدا أو خطأ لم يرث واحد من هؤلاء قال: جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) قلت فهل روى عن معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد
بن المسيب ومحمد بن علي بن حسين أنهم قالوا يرث المسلم الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا
يرث الكافر المسلم كما لا تحل لهم نساؤنا فلم لم تقل به؟ قال ليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم
حجة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقطع هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلنا وإن قال
لك قائل: هؤلاء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله أراد بعض الكافرين دون بعض
قال مخرج القول من النبي صلى الله عليه وسلم عام فهو على العموم ولا نزعم أن وجها لتفسير قول النبي
صلى الله عليه وسلم قول غيره ثم قول من لم يحتمل ذلك الحديث المفسر وقد يكون لم يسمعه. قلنا هذا
كما قلت الآن فكيف زعمت أن المرتد يرثه ورثته من المسلمين؟ قال بقول علي رضي الله تعالى عنه قلنا
فقد قلنا لك إن احتج عليك بقول معاذ وغيره فقلت ليس فيه حجة فإن لم تكن فليست في حجتك
18

بقول علي رضي الله تعالى عنه حجة وإن كانت فيه حجة فقد خالفتها مع أن هذا غير ثابت عن علي
عند أهل العلم منكم وقلت له حديث اليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حديث (لا يرث المسلم الكافر) فثبته ورددت قضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين وهو أصح منه.
وقلت له في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث قاتل من قتل) حديث يرويه عمرو بن
شعيب مرسلا وعمرو بن شعيب يروي مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يرث قاتل الخطأ
من المال ولا يرث من الدية ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية وترد حديثه وتضعفه ثم نحتج من
حديثه بأضعف مما احتججت به وقلت له قد قال الله عز ذكره (فإن كان له إخوة فلأمه السدس)
وكان ابن عباس لا يحجبها عن الثلث إلا بثلاثة إخوة وهذا الظاهر وحجبتها بأخوين وخالفت ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما ومعه ظاهر القرآن (قال) قاله عثمان رضي الله وقال توارث عليه
الناس قلنا فإن قيل لك فاترك ما توارثوا عليه إلى ظاهر القرآن (قال) فقال عثمان أعلم بالقرآن منا وقلنا
ابن عباس أيضا أعلم منا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (ولكم نصف ما ترك
أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين
ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها
أو دين ولهن الربع مما تركتم أن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية
توصون بها أو دين) فقلت لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد إنما ذكر الله عز وجل المواريث بعد
الوصية والدين فلم تختلف الناس في أن المواريث لا تكون حتى يقضي جميع الدين وإن أتى ذلك على
المال كله أفرأيت إن قال لنا ولك قائل الوصية مذكورة مع الدين فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل
أن ينفذ شئ من جميع الوصية واقتصرت بها على الثلث هل الحجة عليه إلا أن يقال الوصية وإن
كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل والكثير فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها
خاص وإن كان مخرجها عاما استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله عز وجل قال ماله جواب إلا هذا قلت: فإن قال لنا ولك
قائل ما الخبر الذي دل على هذا؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد (الثلث والثلث
كثير) قلنا فإن قال لك هذه مشورة ليست بحكم ولا أمر أن لا يتعدى الثلث وقد قال غير واحد
الخمس أحب إلى في الوصية من غير أن يقول لا تعدو الخمس ما الحجة عليه؟ قال حديث عمران
بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق
اثنين وأرق أربعة قلنا فقال لك فدلك هذا على أن العتق وصية وأن الوصية مرجوعة إلى الثلث قال نعم
أبين الدلالة قلنا فقال لك أفثابت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى دلك على أن الوصية في
القرآن على خاص؟ قال نعم: قلنا فقال لك نوهيه بأن مخرج الوصية كمخرج الدين وقد قلت في
الدين عام، قال لا والسنة تدل على معنى الكتاب، قلت فأي حجة على أحد أبين من أن تكون تزعم
أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على معنى كتاب الله أن أقرع بين مماليك أعتقهم ست
فأعتق اثنين وأرق أربعة ثم خالفت ما زعمت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة فرق بها بين
الوصية والدين ومخرج الكلام فيهما واحد فزعمت أن هؤلاء الرقيق كلهم يعتقون ويسعى كل واحد منهم
في خمسة أسداس قيمته، قال إني إنما قلته فأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عبد أعتق أن يعتق
ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته، قلنا هذا حديث غير ثابت ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة، قال ومن
19

أين؟ قلت: أرأيت المعتق ستة أليس معتق ماله ومال غيره فأنفذ ماله ورد مال غيره قال بلى، قلت:
فكانت الستة ؤ والحق فيما يتجزأ إذا اشترك فيه قسم فأعطى كل من له حق نصيبه؟ قال نعم
قلت فإذا كان فيما لا يتجزأ لم يقسم مثل العبد الواحد والسيف، قال نعم. قلت: فالعبيد يتجزءون
فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفترد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبر لا يخالفه
في كل حال أم تمضي كل واحد منهما كما جاء؟ قال بل أمضى كل واحد منهما كما جاء. قلت: فلم لم
تفعل في حديث عمران بن حصين حين رددته على ما يخالفه لأن ما يتجزأ يخالف في الحكم ما لا
يتجزأ ولو جاز أن يكونا مختلفين فنطرح أحدهما للأخر طرح الضعيف للقوي وحديث الاستسعاء
ضعيف، ولو جاز أن يكون حديث عمران بن حصين في القرعة منسوخا أو غير ثابت لم يكن لنا ولك في
الاقتصار بالوصايا على الثلث حجة ولا على قوم خالفوه في معنى آخر من هذا الحديث قال وما قالوا
قلنا، قالوا قال الله عز وجل (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وقال في
جميع المواريث مثل هذا المعنى فإنما ملك الله الاحياء ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم
فأما ما كان مالك المال حيا فهو مالك ماله وسواء كان مريضا أو صحيحا لأنه لا يخلو مال من أن
يكون له مالك وهذا مالك لا غيره فإذا أعتق جميع ما يملك أو وهب جميع ما يملك عتق بتات أو هبة
بتات جاز العتق والهبة وإن مات لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب مالك قال ليس له من ذلك إلا
الثلث، قلنا فقال لك ما دلك على هذا؟ قال حديث النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أعتق ستة
مملوكين لا مال له غيرهم فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، قلنا فإن قال
لك إن كان الحديث معارضا بخلافه فلا يجوز أن يكون حكم الحديث عندك إلا أن يكون ضعيفا
بالمعارض له وما كان ضعيفا عندك من الحديث فهو متروك لأن الشاهد إذا ضعف في الشهادة لم يحكم
بشهادته التي ضعف فيها وكان معناه معنى من لم يشهدوا الحديث عندك في ذلك المعنى أو يكون
منسوخا فالمنسوخ كما لم يكن قال ما هو بضعيف ولا منسوخ قلنا فإن قال لك فكيف جاز لك تركه في
نفس ما حكم به فيه ولا يجوز لك تركه كله؟ قال ما تركته كله، قلنا فقال هو لفظ واحد وحكم واحد
وتركك بعضه كتركك كله مع أنك تركت جميع ظاهر معانيه وأخذت بمعنى واحد بدلالة أو رأيت لو
جاز لك أن تبعضه فتأخذ منه بشئ وتترك شيئا، وأخذ رجل بالقرعة التي تركت وترك أن يرد ما صنع
المريض في ماله إلى الثلث بالحجة التي وصفت أما كان هذا أولى أن يكون ذهب إلى شبهة من القرآن
والقياس منك قال وأين القياس قلت: أنت تقول ما أقر به لأجنبي في ماله ولو أحاط بماله جاز وما
أتلف من ماله بعتق أو غيره ثم صح لم يرد لأنه أتلفه وهو مالك ولو أتلفه وهو غير مالك لم يجز له به،
وقلت له أرأيت حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك وأذن بالسلف إلى أجل
مسمى أليس هو بيع ما ليس عندك؟ قال بلى، قلت: فإن قال قائل فهذان مختلفان عندك؟ قال فإذا
اختلفا في الجملة ووجدت لكل واحد منهما مخرجا ثبتهما جميعا وكان ذلك عندك أولى بي من أن أطرح
أحدهما بالآخر فيكون لغيري أن يطرح الذي ثبت ويثبت الذي طرحت فقلت نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن بيع ما ليس عندك على بيع العين لا يملكها وبيع العين بلا ضمان. قال نعم، قلت والسلف
وإن كان ليس عندك أليس ببيع مضمون عليك فأنفذت كل واحد منهما ولم تطرحه بالآخر قال: نعم.
قلت: فلزمك هذا في حديث عمران بن حصين أو لا يكون مثل هذا حجة لك قلت: أرأيت إن قال
قائل. قال الله تبارك وتعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات
20

الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) ثم قال (كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء
ذلكم) فقال قد سمى الله من حرم ثم أحل ما وراءهن فلا أزعم أن ما سوى هؤلاء حرام فلا بأس أن
يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها لأن كل واحدة منهما تحلى على الانفراد ولا أجد في الكتاب
تحريم الجمع بينهما قال ليس ذلك له والجمع بينهما حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه قلنا
فإن قال لك أفتثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم بخبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وحده عن
الجمع بينهما وفي ظاهر الكتاب عندك إباحته ولا توهنه بظاهر الكتاب قال فإن الناس قد اجمعوا عليه
قلنا فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد بتصديق المخبر عنه ولا يحتجون عليه بمثل ما تحتجون به
ويتبعون فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء خبر آخر أقوى منه فكيف جاز لك أن تخالفه
وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه مما وصفنا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتعيب علينا
أن ثبتنا ما هو أقوى منه وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل (كتب عليكم إذا حضر
أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف) فإن قال لك قائل تجوز الوصية لوارث
قال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث اليمين مع
الشاهد قال بل حديث اليمين مع الشاهد ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة قلنا
أليس بخبر قال بلى قلت: فإذا كان الناس يجتمعون على قبول الخبر ثم جاء خبر عن النبي صلى الله
عليه وسلم أقوى منه لم جاز لاحد خلافه قلنا أرأيت إن قال لك قائل لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة فقد
قاله طاوس قال العتق وصية قد أجازها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمران للمماليك ولا قرابة
لهم قلنا أفتحتج بحديث عمران مرة وتتركه أخرى وقلت له نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى نوجدك تخرج من جميع ما احتججت به وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك.
قال وأين قلت قال الله عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف
ما فرضتم) وقال الله عز وجل (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) فلم
زعمت أنه إذا أغلق بابا أو أرخى سترا وهما يتصادقان أنه لم يمسها فلها الصداق كاملا وعليها العدة وقد
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال ليس لها إلا
نصف المهر ولا عدة عليها وشريح يقول ذلك وهو ظاهر الكتاب قال قاله عمر بن الخطاب وعلي بن
أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، قلنا وخالفهما فيه ابن عباس وشريح ومعهما عندك ظاهر الكتاب قال
هما أعلم بالكتاب منا قلنا وابن عباس وشريح عالمان بالكتاب ومعهما عدد من المفتين فكيف قلت
بخلاف ظاهر الكتاب في موضع قد نجد المفتين فيه يوافقون ظاهر الكتاب واحتججت في ذلك
برجلين من أصحاب النبي عليه السلام وقد يخالفهما غيرهما وأنت تزعم أنك ما تخالف ما جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركت الحجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ألزمنا الله طاعته
والذي جاء عنه من اليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الكتاب قال ومن أين؟ قلنا قال الله عز وجل
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فكان هذا محتملا أن يكون دلالة
من الله عز وجل على ما تتم به الشهادة، حتى لا يكون على المدعي يمين لا تحريما أن يجوز أقل منه ولم
يكن في التنزيل تحريم أن يجوز أقل منه وإذا وجدنا المسلمين قد يجيزون أقل منه فلا يكون أن يحرم الله
أن يجوز أقل منه فيجيزه المسلمون قال ولا ننكر أن تكون السنة تبين معنى القرآن قلنا فلم عبت علينا
21

السنة في اليمين مع الشاهد وقلت بما هو أضعف منها؟ قال والأثر أيضا يفسر القرآن، قلنا والأثر أيضا
أضعف من السنة قال نعم قلت وكل هذا حجة عليك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لي منهم
قائل إذا نصب الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه وقد بقي فيه شئ ولا يجوز لأحد أن
يحدث فيه ما ليس في القرآن قال فقلت قد نصب الله عز وجل الوضوء فأحدثت فيه المسح على الخفين
وليس في القرآن ونصب ما حرم من النساء وحل ما وراءهن فقلت لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها
وسمى المواريث فقلت فيه لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا ووالدا وحجبت الام من الثلث
بالأخوين وجعل الله للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ولم يجعل عليها عدة ثم قلت إن خلا بها وإن لم
يمس فلها المهر وعليها العدة فهذا كله عندك خلاف ظاهر القرآن واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر
القرآن شيئا لأنا نحكم بشاهدين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين وليس هذا بخلاف لظاهر
القرآن وقلت له فكيف حكم الله تعالى بين المتلاعنين قال أن يلتعن الزوج ثم تلتعن المرأة قلت ليس في
القرآن غير ذلك قال نعم قلت فلم نفيت الولد قال بالسنة قلت فلم قلت لا يتناكحان ما كانا على اللعان
قال بالأثر قلت فلم جلدته إذا أكذب نفسه وألحقت به الولد قال بقول بعض التابعين قلت فلم قلت إذا
أبت أن تلتعن حبست قال بقول بعض الفقهاء قلت فنسمعك في أحكام منصوصة في القرآن قد
أحدثت فيها أشياء ليست منصوصة في القرآن وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) الآية
وقال في غير آية مثل هذا المعنى فلم زعمت أن كل ذي ناب من السباع حرام وليس هو مما سمى الله
منصوصا محرما قال قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ابن شهاب رواه وهو يضعفه ويقول لم
أسمعه حتى جئت الشام قال وإن كان لم يسمعه حتى جاء الشام فقد أحاله على ثقة من أهل الشام قلنا
ولا توهنه بتوهين من رواه وخلافه ظاهر الكتاب عندك وابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع علمه
بكتاب الله عز وجل وعائشة أم المؤمنين مع علمها به وبرسول الله صلى الله عليه وسلم وعبيد بن عمير مع
سنة وعلمه يبيحون كل ذي ناب من السباع قال ليس في إباحتهم كل ذي ناب مع السباع ولا في
إباحة أمثالهم حجة إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرمه وقد تخفى عليهم السنة يعلمها من هو
أبعد دارا وأقل للنبي صلى الله عليه وسلم صحبة وبه علما منهم ولا يكون ردهم حجة حين يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قلنا وتراهم يخفى ذلك عليهم ويسمعه رجل من أهل الشام قال نعم
قد خفى على عمر والمهاجرين والأنصار ما حفظ الضحاك بن سفيان وهو من أهل البادية وحملا ابن
مالك وهو من أهل البادية قلنا فتحريم كل ذي ناب من السباع مختلف فيه قال وإن اختلف فيه إذا
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد
الله وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ولا في خلاف مخالف ما وهن حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم قلنا واليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم كل
ذي ناب من السباع وليس خلاف ظاهر الكتاب وليس لها مخالف واحد من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فكيف ثبت الذي هو أضعف إسنادا وأقوى مخالفا وأعلم مع خلافه ظاهر الكتاب عندك
ورددت ما لا يخالف ظاهر الكتاب ولا يخالفه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقلت له
أسمعك استدللت بقول عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما ولهما مخالفا في التي يغلق عليها الباب ويرخى
الستر وقول عثمان أن حجبت الام عن الثلث بالأخوين وقد خالفهم ابن عباس في ذلك وغيره أرأيت
22

إن أوجدتك قول عمر وعبد الرحمن وابن عمر يوافق كتاب الله ثم تركت قولهم قال وأين؟ قلت قال
الله عز وجل (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) الآية فلم قلتم يجزيه من قتله خطأ وظاهر القرآن يدل على أنه
إنما يجزيه من قتله عمدا قال بحديث عن عمر وعبد الرحمن في رجلين أوطئا ظبيا قلت قد يوطآنه
عامدين فإذا كان هذا عنك هكذا فقد حكم عمر وعبد الرحمن على قاتلي صيد بجزاء واحد وحكم
ابن عمر على قتله صيد بجزاء واحد وقال الله عز وجل (مثل ما قتل من النعم) والمثل واحد لا أمثال
وكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيدا جزوه بعشرة أمثال قال شبهته بالكفارات في القتل على النفر
الذين يكون على كل واحد منهم رقبة قلنا ومن قال لك يكون على كل واحد منهم رقبة ولو قيل لك
ذلك أفتدع ظاهر الكتاب وقول عمر وعبد الرحمن وابن عمر بأن تقيس ثم تخطئ أيضا القياس أرأيت
الكفارات أموقتات قال نعم قلت فجزاء الصيد موقت قال لا إلا بقيمته قلنا أفجزاء الصيد إذا كان
قيمته بدية المقتول أشبه أم بالكفارات فمائة عندك لو قتلوا رجلا لم يكن عليهم إلا دية واحدة فلو لم يكن
فيه إلا القياس كان بالدية أشبه وقيل له حكم عمر له في اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق فلم زعمت
والله تعالى يقول في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبة) أن هذا لا يكون هديا وقلت لا يجوز ضحية
وجزاء الصيد ليس من الضحايا بسبيل جزاء الصيد قد يكون بدنة والضحية عندك شاة وقيل له قال الله
عز وجل (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وحكم عمر وعبد الرحمن وعثمان وابن عباس وابن عمر
وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم
في النعامة ببدنة والنعامة لا تسوى بدنة وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يسوى بقرة وفي الضبع بكبش
وهو لا يسوى كبشا وفي الغزال بعنز وقد يكون أكثر ثمنا منها أضعافا ومثلها ودونها وفي الأرنب بعناق
وفي اليربوع بجفرة وهما لا يسويان عناقا ولا جفرة أبدا فهذا يدل على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما يقتل
من الصيد شبها بالبدن لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلفت أحكامهم لاختلاف أسعار ما يقتل في
الأزمان والبلدان ثم قلت في القيمة قولا مختلفا فقلت بجزاء الأسد ولا يعدى به شاة فلم تنظر إلى بدنه
لأنه أعظم من الشاة ولا قيمته إن كانت قيمته أكثر من شاة وهذا مكتوب في الحج بحججه قال لي
أراك تنكر علي قولي في اليمين مع الشاهد هي خلاف القرآن قلت نعم ليست بخلافه القرآن عربي
فيكون عام الظاهر وهو يراد به الخاص قال ذلك مثل ماذا قلت مثل قول الله عز وجل (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما * الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فلما كان اسم السرقة يلزم
سراقا لا يقطعون مثل من سرق من غير حرز ومن سرق أقل من ربع دينار وكانت الثيب تزني فترجم ولا
تجلد والعبد يزني فيجلد خمسين بالسنة كانت في هذا دلالة على أنه إنما أريد بهذا بعض الزناة دون
بعض وبعض السراق دون بعض وليس هذا خلافا لكتاب الله عز وجل فكذلك كل كلام احتمل
معاني فوجدنا سنة تدل على أحد معانيه دون غيره من معانيه استدللنا بها ولك سنة موافقة للقرآن لا
مخالفة وقولك خلاف القرآن فيما جاءت فيه سنة تدل على أن القرآن على خاص دون عام جهل، قال
فإنا نزعم أن النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها مخالف للقرآن. فقلت قد أخطأت من موضعين
قال وما هما؟ قلت: لو جاز أن تكون سنة تخالف القرآن فتثبت كانت اليمين مع الشاهد تثبت بها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا لم تكن سنة وكان القرآن محتملا فوجدنا قول أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم وإجماع أهل العلم يدل على بعض المعاني دون بعض قلنا هم أعلم بكتاب الله عز وجل وقولهم
غير مخالف إن شاء الله تعالى كتاب الله وما لم يكن فيه سنة ولا قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
23

ولا إجماع يدل منه على ما وصفت من بعض المعاني دون بعض فهو على ظهوره وعمومه لا يخص منه
شئ دون شئ. وما اختلف فيه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذنا منه بأشبهه بظاهر
التنزيل، وقولك فيما فيه سنة هو خلاف القرآن جهل بين عند أهل العلم وأنت تخالف قولك فيه. قال
وأين قلنا فيما بينا وفيما سنبين إن شاء الله تعالى، قلت قال الله عز وجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف
أو تسريح. بإحسان) وقال (المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) إلى قوله (إصلاحا) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فظاهر هاتين الآيتين يدل على أن كل مطلق فله الرجعة على امرأته ما لم
تنقض العدة لأن الآيتين في كل مطلق عامة لا خاصة على بعض المطلقين دون بعض، وكذلك قلنا
كل طلاق ابتدأه الزوج فهو يملك فيه الرجعة في العدة فإن قال لامرأته أنت طالق ملك الرجعة في
العدة وإن قال لها أنت خلية أو برية أو بائن ولم يرد طلاقا فليس بطلاق وإن أراد الطلاق وأراد به
واحدة فهو طلاق فيه الرجعة، وكذلك إن قال أنت طالق البتة لم ينو إلا واحدة فهي واحدة ويملك
الرجعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلت لبعض من يخالفنا أليس هكذا تقول في الرجل يقول
لامرأته أنت طالق؟ قال بلى وتقول في الخلية والبرية والبتة والبائنة ليست بالطلاق إلا أن يريد طلاقا؟
قال نعم قلت وإذا قال طالق لزمه الطلاق وإن لم يرد به طلاقا؟ قال نعم قلت فهذا أشد من قوله أنت
خلية أو برية لأن هذا قد يكون غير طلاق عندك ولا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق فإذا أراد الطلاق
كان طالقا قال نعم قلت فلم زعمت أنه إن أراد بهذا طلاقا لم يكن يملك الرجعة وهذا أضعف عندك
من الطلاق لأنه قياس على طلاق فالطلاق القوي يملك الرجعة فيه عندك والضعيف لا يملك فيه
الرجعة (قال) فقد روينا بعض قولنا هذا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعلنا ما بقي
قياسا عليه قلت فنحن قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل البتة واحدة يملك فيه
الرجعة حين حلف صاحبها أنه لم يرد إلا واحدة وروينا مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه ومعنا ظاهر القرآن فكيف تركته؟ وقلت له: قال الله عز وجل (للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر) إلى قوله (سميع عليم) قلنا فظاهر كتاب الله تعالى يدل على معنيين. أحدهما: أن له
أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي كما لو أحلتني أربعة أشهر
لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقض الأربعة الأشهر فدل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر
واحدا من الحكمين إما أن يفئ وإما أن يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق يمضى أربعة أشهر حتى
يحدث فيه طلاقا فزعمتم أنه إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة فلم قلتم هذا وزعمتم أنه لا فيئة
له إلا في الأربعة الأشهر (1) فما نقصتموه مما جعل الله له من الأربعة الأشهر قدر الفيئة ولم زعمتم أن
الفيئة له فيما بين أن يولى إلى أن تنقضي الأربعة الأشهر وليس عليه عزيمة الطلاق إلا في الأربعة الأشهر
وقد ذكرهما الله عز وجل معا لا فصل بينهما ولم زعمتم أن الفيئة لا تكون إلا بشئ يحدثه من جماع أو
فئ بلسان إن لم يقدر على الجماع وأن عزيمة الطلاق هي مضى الأربعة الأشهر لا شئ يحدثه هو بلسان
ولا فعل أرأيت الايلاء طلاق هو؟ قال لا، قلت أفرأيت كلاما قط ليس بطلاق جاءت عليه مدة
فجعلته طلاقا قال فلم قلت أنت يكون طلاقا؟ قلت ما قلت يكون طلاقا إنما قلت إن كتاب الله عز
وجل يدل أنه إذا آلى فمضت الأربعة الأشهر على أن عليه إما أن يفئ وإما أن يطلق وكلاهما شئ يحدثه

(1) كذا في النسخ ولعله (فنقصتموه) أو (فلم نقصتموه) تأمل وحرر. كتبه مصححه.
24

بعد مضى الأربعة الأشهر. قال: فلم قلت إن فاء في الأربعة الأشهر فهو فائئ قلت أرأيت لو كان
علي دين إلى أجل فعجلته قبل محله ألم أكن محسنا ويكون قاضيا عنى؟ قال بلى: قلت فكذلك
الرجل يفئ في الأربعة الأشهر فهو معجل ماله فيه مهل قال فلسنا نحاجك في هذا ولكنا اتبعنا فيه
قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود. قلنا أما ابن عباس فإنك تخالفه في الايلاء قال ومن أين؟
قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي يحيى الأعرج عن ابن عباس أنه قال المولى الذي
يحلف أن لا يقرب امرأته أبدا وأنت تقول المولى من حلف على أربعة أشهر فصاعدا فأما ما رويت منه
عن ابن مسعود فمرسل وحديث علي بن بذيمة لا يسنده غيره علمته ولو كان هذا ثابتا عنه فكنت إنما
بقوله اعتللت لكان بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يؤخذ بقولهم من
واحد أو اثنين قال فمن أين لكم بضعة عشر؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن
سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر وهو يقول من الأنصار وعثمان
ابن عفان وعلي وعائشة وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم كلهم يقول يوقف المولى فإن كنت ذهبت إلى
الكثرة فمن قال يوقف أكثر وظاهر القرآن معهم وقد قال عز وجل (والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا) إلى قوله (ستين مسكينا) وقلنا لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين
مسكينا والاطعام قبل أن يتماسا فقال بجزية رقبة غير مؤمنة فقلت له أذهبت في هذا القول إلى خبر عن
أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لا، ولكن إذا سكت الله عن ذكر المؤمنة في العتق فقال
رقبة ولم يقل مؤمنة كما قال في القتل دل ذلك على أنه لو أراد المؤمنة ذكرها قلت له أو ما يكتفى إذا
ذكر الله عز وجل الكفارة في العتق في موضع فقال (رقبة مؤمنة) ثم ذكر كفارة مثلها فقال رقبة بأن
تعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة فقال هل تجد شيئا يدلك على هذا؟ قلت نعم: قال وأين هو؟ قلت
قول الله عز وجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقوله (حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) فشرط
العدل في هاتين الآيتين وقال (وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقال في القاذف (لولا
جاءوا عليه بأربعة شهداء) وقال (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) لم يذكر ههنا عدلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلت له
أرأيت لو قال لك قائل أجز في البيع والقذف وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق لأني لم أجد في
التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام قال ليس ذلك له قد يكتفى بقول الله عز وجل
(ذوي عدل منكم) فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما
في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل قلت هذا كما قلت فلم لم تقل بهذا؟ فتقول. إذا
ذكر الله رقبة في الكفارة فقال مؤمنة ثم ذكر رقبة أخرى في الكفارة فهي مؤمنة لأنهما مجتمعان في أنهما
كفارتان فإن لم يكن لنا عليك بهذا حجة فليست على أحد لو خالفه فقال الشهود في البيع والقذف
والزنا يقبلون غير عدول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإنما رأينا فرض الله عز وجل على المسلمين
في أموالهم مدفوعا إلى مسلمين فكيف يخرج رجل من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا وقلنا له زعمت
أن رجلا لو كفر بإطعام فأطعم مسكينا عشرين ومائة مد في أقل من ستين يوما لم يجزه وإن أطعمه إياه
في ستين يوما أجزأه أما يدلك فرض الله عز ذكره بإطعام ستين مسكينا على أن كل واحد منهم غير
الآخر وإنما أوجبه الله تعالى لستين متفرقين فكيف قلت يجزيه أن يطعمه مسكينا يفرقه عليه في ستين
25

يوما ولم يجز له أن يطعم تسعة وخمسين في يوم طعام ستين أرأيت رجلا وجبت عليه ستون درهما لستين
رجلا أيجزيه أن يؤدي الستين إلى واحد أو إلى تسعة وخمسين قال لا والفرض عليه أن يؤدى إلى كل
واحد منهم حقه قلنا فقد أوجب الله عز وجل لستين مسكينا طعاما فزعمت أنه إن أعطاه واحدا منهم
أجزأ عنه أرأيت لو قال لك قائل قد قال الله عز وجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) أتقول إنه أراد أن
يشهد للطالب بحقه فشرط عدد من يشهد له والشهادة أو إنما أراد الشهادة قال أراد عدد الشهود
وشهادة ذوي عدل منكم اثنان قلت ولو شهد له بحقه واحد اليوم ثم شهد له غدا أيجزيه من شاهدين؟
قال لا لأن هذا واحد وهذه شهادة واحدة قلنا فالمسكين إذا رددت عليه الطعام لم يخرج من أن يكون
واحدا لا ستين قلنا فقد سمى ستين مسكينا فجعلت طعامهم لواحد وقلت إذا جاء بالطعام أجزأه وسمى
شاهدين فجاء شاهد منهما مرتين فقلت لا يجزئ فما فرق بينهما؟ فرجع بعضهم إلى ما قلنا في هذا وفى
أن لا تجزئ الكفارة إلا مؤمنة قال الله عز وجل (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم) إلى قوله (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
فبين - والله أعلم - في كتاب الله عز وجل أن كل زوج يلاعن زوجته لأن الله عز وجل ذكر الزوجين
مطلقين لم يخص أحدا من الأزواج دون غيره ولم تدل سنة ولا أثر ولا إجماع من أهل العلم على أن ما
أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن التعن الزوج ولم تلتعن
المرأة حدت إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد) فقد أخبر والله أعلم
أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان وهذا ظاهر حكم الله عز وجل (قال) فخالفنا في هذا
بعض الناس فقال لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس منهما محدود في قذف فقلت له: وكيف خالفت
ظاهر القرآن؟ قال روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أربعة لا لعان بينهم)
فقلت له: إن كانت رواية عمرو بن شعيب مما يثبت فقد روى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اليمين مع الشاهد والقسامة وعدد أحكام غير قليلة فقلنا بها وخالفت وزعمت أن لا تثبت روايته فكيف
تحتج مرة بروايته على ظاهر القرآن وتدعها لضعفه مرة؟ إما أن يكون ضعيفا كما قلت فلا ينبغي أن تحتج
به في شئ. وإما أن يكون قويا فاتبع ما رواه مما قلنا به وخالفته. وقلت له أنت أيضا قد خالفت ما
رويت عن عمرو بن شعيب قال وأين؟ قلت إن كان ظاهر القرآن عاما على الأزواج ثم ذكر عمرو
أربعة لا لعان بينهم فكان يلزمك أن تخرج الأربعة من اللعان ثم تقول يلاعن غير الأربعة لأن قوله
أربعة لا لعان بينهم يدل على أن اللعان بين غير الأربعة فليس في حديث عمرو لا يلاعن المحدود في
القذف. قال أجل ولكنا قلنا به من قبل أن اللعان شهادة لأن الله عز وجل سماه شهادة. فقلت له إنما
معناها معنى اليمين ولكن لسان العرب واسع. قال وما يدل على ذلك؟ قلت أرأيت لو كانت شهادة
أتجوز شهادة المرء لنفسه؟ قال: لا (1) قلت: أفتكون شهادته أربع مرات إلا كشهادته مرة واحدة؟
قال: لا. قلت: أفيحلف الشاهد؟ قال: لا قلت فهذا كله في اللعان. قلت أفرأيت لو قامت مقام
الشهادة ألا تحد المرأة؟ قال: بلى قلت أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة النساء في حد؟ قال لا
قلت ولو جازت كانت شهادتها نصف شهادة؟ قال نعم فالتعنت ثمان مرات، قال نعم قلت

(1) كذا في النسخ وعبارته في اللعان هكذا (قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادة أربعا قال
بلى) وهي أوضح، تأمل.
26

أفتبين لك أنها ليست بشهادة قال ما هي بشهادة قلت ولم قلت هي شهادة على معنى الشهادات مرة
وأبيتها أخرى فإذا قلت هي شهادة فلم لا تلاعن بين الذميين وشهادتهما عندك جائزة كان هذا يلزمك
وكيف لاعنت بين الفاسقين اللذين لا شهادة؟ لهما قال لأنهما إذا تابا قبلت شهادتهما. فقلت له ولو قالا
قد تبنا أتقبل شهادتهما دون اختبارهما في مدة تطول قال لا:: قلت أفرأيت العبدين المسلمين العدلين
الأمينين إذا أبيت اللعان بينهما في حال عبودية لا تجوز شهادتهما لو عتقا من ساعتهما أتجوز شهادتهما قال
نعم قلت أهما أقرب إلى جواز الشهادة لأنك لا تختبرهما يكفيك أنهما الخبرة لهما في العبودية أم الفاسقان
اللذان لا تجيز شهادتهما؟ حتى تختبرهما؟ قال بل هما قلت فلم أبيت اللعان بينهما وهما أقرب من العدل
إذا تحولت حالهما ولاعنت بين الفاسقين اللذين هما أبعد من العدل ولم أبيت اللعان بين الذميين وأنت
تجيز شهادتهما في الحال التي يقذف فيها الزوج؟ وقلت له أرأيت أعميين (1) بحقين خلقا كذلك يقذف
المرأة وفي الأعميين علتان إحداهما لا يريان الزنا والأخرى أنك لا تجيز شهادتهما بحال أبدا ولا يتحولان
عندك أن تجوز شهادة واحد منهما أبدا كيف لاعنت بينهما وفيهما ما وصفت من القاذف الذي لا تجوز
شهادته أبدا وفيهما أكثر من ذلك أن الرجل القاذف لا يرى زنا امرأته؟ قال فظاهر القرآن أنهما زوجان
قلنا فهذه الحجة عليك والذي أبيت قبوله منا أن اللعان بين كل زوجين وقال الله عز وجل في قذفه
المحصنات (فاجلدوهم ثمانين جلده ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا)
وقلنا إذا تاب القاذف قبلت شهادته وذلك بين في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز
لأشهد أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك أو إن تبت
قبلت شهادتك قال وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارا ثم سمعته يقول شككت فيه قال سفيان أشهد
لأخبرني ثم سمى رجلا فذهب على حفظ اسمه فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب وكان
سفيان لا يشك أنه ابن المسيب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب عن عمر قال سفيان أخبرني الزهري فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر
المجلس معي هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان أشككت حين أخبرك أنه سعيد؟ قال لا هو كما قال غير
أنه قد كان دخلني الشك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن ابن
شهاب عن ابن المسيب أن عمر لما جلد الثلاثة استتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن
يرجع فرد شهادته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح في
القاذف إذا تاب تقبل شهادته قال وكلنا نقوله عطاء وطاوس ومجاهد وقال بعض الناس لا تجوز شهادة
المحدود في القذف أبدا قلت أفرأيت القاذف إذا لم يحد حدا تاما أتجوز شهادته إذا تاب؟ قال نعم قلت
له ولا أعلمك إلا دخل عليك خلاف القرآن من موضعين أحدهما أن الله عز وجل أمر بجلده وأن لا
تقبل شهادته فزعمت أنه إن لم يجلد قبلت شهادته قال فإنه عندي إنما ترد شهادته إذا جلد قلت فتجد
ذلك في ظاهر القرآن أم في خبر ثابت؟ قال أما في خبر فلا، وأما في ظاهر القرآن فإن الله عز وجل
يقول (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) قلت أفبالقذف قال الله عز وجل (ولا تقبلوا

(1) البخق - بالتحريك - العور بانخساف العين وقد تقدمت هذه اللفظة في اللعان غير منقوطة وهذا توضيحها
فتنبه. كتبه مصححه.
27

لهم شهادة أبدا) أم بالجلد؟ قال بالجلد قال بالجلد عندي قلت وكيف كان ذلك عندك والجلد إنما
وجب بالقذف. وكذلك ينبغي أن تقول في رد الشهادة أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال
إن الله عز وجل قال في القاتل خطأ (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) فتحرير الرقبة لله
والدية لأهل المقتول ولا يجب الذي للادميين وهو الدية حتى يؤدي الذي لله عز وجل كما قلت لا يجب
أن ترد الشهادة وردها عن الآدميين حتى يؤخذ الحد الذي لله عز وجل ما تقول له؟ قال أقول ليس
هذا كما قلت: وإذا أوجب الله عز وعلا على آدمي شيئين فكان أحدهما للادميين أخذ منه وكان الآخر
لله عز وجل فينبغي أن يؤخذ منه أو يؤديه فإن لم يؤخذ منه ولم يؤده لم يسقط ذلك عنه حق الآدميين
الذي أوجبه الله عز وجل عليه قلت له فلم زعمت أن القاذف إذا لم يجلد الحد وجلد بعضه فلم يتم
بعضه أن شهادته مقبولة وقد أوجب الله تبارك تعالى في ذلك الحد ورد الشهادة؟ فما علمته رد حرفا إلا
أن قال هكذا قال أصحابنا. فقلت له هذا الذي عبت على غيرك أن يقبل من أصحابه وإن سبقوه إلى
العلم وكانوا عنده ثقة مأمونين فقلت لا نقبل إلا ما جاء فيه كتاب أو سنة أو أثر أو أمر أجمع عليه الناس
ثم قلت فيما أرى خلاف ظاهر الكتاب وقلت له إذ قال الله عز وجل (إلا الذين تابوا) فكيف جاز لك
أو لاحد إن تكلف من العلم شيئا أن يقول لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب ومن قولك وقول أهل العلم
لو قال رجل لرجل والله لا أكلمك أبدا ولا أعطيك درهما ولا آتي منزل فلان ولا أعتق عبدي فلانا
ولا أطلق امرأتي فلانة إن شاء الله إن الاستثناء واقع على جميع الكلام أوله وآخره. فكيف زعمت أن
الاستثناء لا يقع على القاذف إلا على أن يطرح عنه اسم الفسق فقط؟ فقال قاله شريح فقلنا فعمر أولى
أن يقبل قوله من شريح وأهل دار السنة وحرم الله أولى أن يكونوا أعلم بكتاب الله وبلسان العرب لأنه
بلسانهم نزل القرآن قال فقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له قلما رأيتك تحتج
بشئ إلا وهو عليك قال وما ذاك؟ قلت احتججت بقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين
فسقوني فإن زعمت أن أبا بكرة تاب فقد ذكر أن المسلمين لم يزيلوا عنه الاسم وأنت تزعم أن في
كتاب الله عز وجل أن يزال عنه إذا تاب اسم الفسق ولا تجيز شهادته وقول أبي بكرة إن كان قاله أنهم
لم يزيلوا عنه الاسم يدل على أنهم الزموه الاسم مع تركهم قبول شهادته قال فهكذا احتج أصحابنا
قلت أفتقبل عمن هو أشد تقدما في الدرك والسن والفضل من صاحبك أن تحتج بما إذا كشف كان
عليك وبما ظاهر القرآن خلافه؟ قال لا قلت فصاحبك أولى أن يرد هذا عليه وقلت له أتقبل شهادة
من تاب من كفر ومن تاب من قتل ومن تاب من خمر ومن زنا؟ قال نعم قلت والقاذف شر أم هؤلاء؟
قال بل أكثر هؤلاء أعظم ذنبا منه قلت فلم قبلت من التائب من الأعظم وأبيت القبول من التائب مما
هو أصغر منه؟ وقلت وقلنا لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب بحال، وقال جماعة منا ولا يحل نكاح أمة
مسلمة لمن يجد طولا لحرة ولا إن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فتحل حينئذ فقال بعض الناس
يحل نكاح إماء أهل الكتاب ونكاح الأمة المسلمة لمن لم يجد طولا لحرة وإن لم يخف العنت (1) في
الأمة فقلت له قال الله عز وجل (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فحرم المشركات جملة وقال الله
عز وجل (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا
ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ثم قال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)

(1) كذا في النسخ ولعله من زيادة النساخ. تأمل.
28

فأحل صنفا واحدا من المشركات بشرطين أحدهما أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب. والثاني أن
تكون حرة لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول الله عز وجل (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم) هن الحرائر وقال الله عز وجل (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما
ملكت أيمانكم) قرأ الربيع إلى قوله (لمن خشي العنت منكم) فدل قول الله عز وجل (ومن لم يستطع
منكم طولا) أنه إنما أباح نكاح الإماء من المؤمنين على معنيين. أحدهما أن لا يجد طولا والآخر أن
يخاف العنت وفي هذا ما دل على أنه لم يبح نكاح أمة غير مؤمنة فقلت لبعض من يقول هذا القول:
قد قلنا ما حكيت بمعنى كتاب الله وظاهره فهل قال ما قلت أنت من إباحة نكاح إماء أهل الكتاب
أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمع لك عليه المسلمون فتقلدهم وتقول هم أعلم
بمعنى ما قالوا إن احتملته الآيتان؟ قال: لا قلنا فلم خالفت فيه ظاهر الكتاب؟ قال إذا أحل الله عز
وجل الحرائر من أهل الكتاب لم يحرم الإماء قلنا ولم لا تحرم الإماء منهم بجملة تحريم المشركات وبأنه
خص الإماء المؤمنات لمن لم يجد طولا ويخاف العنت؟ قال لما حرم الله المشركات جملة ثم ذكر منهن
محصنات أهل الكتاب كان الدال على أنه قد أباح ما حرم فقلت له أرأيت لو عارضك جاهل بمثل ما
قلت فقال: قال الله عز وجل (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) قرأ الربيع إلى قوله (وما
ذبح على النصب) وقال في الآية الأخرى (إلا ما اضطررتم إليه) فلما أباح في حال الضرورة ما حرم
جملة أيكون لي إباحة ذلك في غير حال الضرورة فيكون التحريم فيه منسوخا والإباحة قائمة؟ قال لا
قلنا وتقول له التحريم بحاله والإباحة على الشرط فمتى لم يكن الشرط فلا تحل؟ قال نعم قلنا فهذا مثل
الذي قلنا في إماء أهل الكتاب وقلت له قال الله عز وجل فيمن حرم (وأمهات نسائكم وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم)
أفرأيت لو قال قائل إنما حرم الله بنت المرأة بالدخول وكذلك الام وقد قاله غير واحد قال ليس ذلك له
قلنا ولم؟ ألأن الله حرم الأم مبهمة والشرط في الربيبة فأحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله خاصة ولا
أجعل ما أبيح وحده محلا لغيره. قال: نعم قلنا فهكذا قلنا في إماء أهل الكتاب والإماء المؤمنات وقلنا
افترض الله عز وجل الوضوء فسن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين أيكون لنا إذا دلت
السنة على أن المسح يجزئ من الوضوء أن نمسح على البرقع والقفازين والعمامة؟ قال لا قلنا ولم؟ أنعم
الجملة على ما فرض الله تبارك وتعالى وتخص ما خصت السنة؟ قال نعم قلنا فهذا كله حجة عليك وقلنا
أرأيت حين حرم الله تعالى المشركات جملة ثم استثنى نكاح الحرائر من أهل الكتاب فقلت يحل نكاح
الإماء منهن لأنه ناسخ للتحريم جملة وإباحته حرائرهن تدل على إباحة إمائهن؟ فإن قال لك قائل
نعم وحرائر وإماء المشركات غير أهل الكتاب؟ قال ليس ذلك له قلنا ولم؟ قال لأن المستثنيات بشرط
أنهن من أهل الكتاب قلنا ولا يكن من غيرهن؟ قال نعم قلنا وهو يشرط أنهن حرائر فكيف جاز أن
يكن إماء والأمة غير الحرة كما الكتابية غير المشركة؟ التي ليست بكتابية وهذا كله حجة عليه أيضا في
إماء المؤمنين يلزمه فيه أن لا يحل نكاحهن إلا بشرط الله عز وجل فإن الله تبارك وتعالى إنما أباحه بأن لا
يجد طولا ويخاف العنت والله تعالى أعلم وقال الله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) الآية وقال
(كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) وقال الله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
النساء) وقال الله عز وجل (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) فقلنا بهذه
الآيات إن التحريم في غير النسب والرضاع وما خصته سنة بهذه الآيات إنما هو بالنكاح ولا يحرم
29

الحلال الحرام، وكذلك قال بن عباس رضي الله تعالى عنهما فلو أن رجلا ناك أم امرأته عاصيا لله عز
وجل لا تحرم عليه امرأته وقال بعض الناس إذا قبل أم امرأته أو نظر إلى فرجها شهوة حرمت عليه
امرأته وحرمت هي عليه لأنها أم امرأته ولو أن امرأته قبلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها فقلنا له ظاهر
القرآن يدل على أن التحريم إنما هو بالنكاح فهل عندك سنة بأن الحرام يحرم الحلال؟ قال لا قلت
فأنت تذكر شيئا ضعيفا لا يقوم بمثله حجة لو قاله من رويته عنه في شئ ليس فيه قرآن وقال هذا
موجود فإن ما حرمه الحلال فالحرام له أشد تحريما قلنا أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال
إن الله عز وجل يقول في التي طلقها زوجها ثالثة من الطلاق (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى
تنكح زوجا غيره) فإن نكحت والنكاح العقدة حلت لزوجها الذي طلقها؟ قال ليس ذلك له لأن
السنة تدل على أن لا تحل حتى يجامعها الزوج الذي ينكحها قلنا فقال لك فإن النكاح يكون وهي لا
تحل وظاهر القرآن يحلها فإن كانت السنة تدل على أن جماع الزوج يحلها لزوجها الذي فارقها فالمعنى إنما
هو في أن يجامعها غير زوجها الذي فارقها فإذا جامعها رجل بزنا حلت، وكذلك إن جامعها بنكاح
فاسد يلحق به الولد حلت قال لا وليس واحد من هذين زوجا قلنا فإن قال لك قائل: أو ليس قد
كان التزويج موجودا وهي لا تحل؟ فإنما حلت بالجماع فلا يضرك من أين كان الجماع قال لا حتى
يجتمع الشرطان معا فيكون جماع نكاح صحيح قلنا ولا يحلها الجماع الحرام قياسا على الجماع الحلال؟
قال: لا قلت وإن كانت أمة فطلقها زوجها فأصابها سيدها؟ قال لا قلنا فهذا جماع حلال قال وإن
كان حلالا فليس بزوج لا تحل لزوجها الأول حتى يجتمع أن يكون زوجا ويجامعها الزوج قلنا فإنما حرم
الله بالحلال فقال (وأمهات نسائكم) وقال (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) فمن أين زعمت
أن حكم الحلال حكم الحرام وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها والأمة يفارقها زوجها فيصيبها
سيدها؟ وقلت له قد قال الله عز وجل (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال
(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فإن قال لك قائل فلما كان حكم الزوجة إذا
طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلو أن رجلا تكلم بالطلاق من امرأة يصيبها بفجور
أفتكون حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره لأن الكلام بالطلاق إذا حرم الحلال كان للحرام أشد
تحريما؟ قال ليس ذلك له قلنا وليس حكم الحلال حكم الحرام؟ قال: لا، قلنا فلم زعمت أنه
حكمه فيما وصفت؟ قال فإن صاحبنا قال أقول ذلك قياسا قلنا فأين القياس؟ قال الكلام محرم في
الصلاة فإذا تكلم حرمت الصلاة قلنا وهذا أيضا فإذا تكلم في الصلاة حرمت عليه تلك الصلاة أن
يعود فيها أو حرمت صلاة غيرها بكلامه فيها؟ قال لا ولكنه أفسدها وعليه أن يستأنفها قلنا فلو قاس هذا
القياس غير صاحبك أي شئ كنت تقول له؟ لعلك كنت تقول له ما يحل لك تكلم في الفقه هذا
رجل قيل له استأنف الصلاة لأنها لا تجزي عنك إذا تكلمت فيها وذلك رجل جامع امرأة فقلت له
حرمت عليك أخرى غيرها أبدا فكان يلزمك أن تزعم أن صلاة غيرها حرام عليه أن يصليها أبدا وهذا
لا يقول به أحد من المسلمين وإن قلته فأيهما تحرم عليه؟ أو تزعم أنها حرام عليه أن يصليها أبدا كما
زعمت أن امرأته إذا نظر إلى فرج أمها حرمت عليه أبدا؟ قال لا أقول هذا ولا تشبه الصلاة المرأتان
تحرمان لو شبهتهما بالصلاة قلت له يعود في كل واحدة من الامرأتين فينكحها بنكاح حلال وقلت له لا
تعد في واحدة من الصلاتين قلنا فلو زعمت قسته به وهو أبعد الأمور منه قال شئ كان قاسه صاحبنا
قلنا أفحمدت قياسه؟ قال لا ما صنع شيئا وقال فإن صاحبنا قال فالماء حلال فإذا خالطه الحرام نجسه
30

قلنا وهذا أيضا مثل الذي زعمت أنك لما تبين لك علمت أن صاحبك لم يصنع فيه شيئا قال فيكف؟
قلت أتجد الحرام في الماء محتلطا فالحلال منه لا يتميز أبدا؟ قال نعم قلت أفتجد بدن التي زنى بها
مختلطا ببدن ابنتها لا يتميز منه؟ قال لا، قلت وتجد الماء لا يحل أبدا إذا خالطه الحرام لأحد من الناس
قال نعم قلت فتجد الرجل إذا زنى بامرأة حرم عليه أن ينكحها أو هي حلال له وحرام عليه أمها
وابنتها؟ قال بل هي حلال له قلت فهما حلال لغيره قال نعم قلت أفتراه قياسا على الماء؟ قال لا قلت
أفما تبين لك أن خطأك في هذا ليس يسيرا إذا كان يعصي الله عز وجل في امرأة فزنى بها فإذا نكحها
حلت له بالنكاح وإن أراد نكاح ابنتها لم تحل له فتحل له التي زنى بها وعصى الله تعالى فيها ولو طلقها
ثلاثا لم يكن ذلك طلاقا لأن الطلاق لا يقع إلا على الأزواج وتحرم عليه ابنتها التي لم يعص الله تعالى
في أمرها وإنما حرمت عليه بنت امرأته وهذه عندك ليست بامرأته قال فإنه يقال ملعون من نظر إلى
فرج امرأة وابنتها قلت وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون وقد أوعد الله عز وجل على
الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له ملعون من نظر إلى فرج أختين قال لا قلت
فكيف زعمت أنه إن زنى بأخت امرأته حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه
في هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاق إليهم
فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت قبلته بشهوة
فحرمت عليه فجعلوا الأمر إليها وقلنا نحن وهم وجميع الناس لا يختلفون في ذلك علمته من طلق غير
امرأته أو آلى منها أو تظاهر منها لم يلزمها من ذلك شئ ولم يلزمه ظهار ولا إيلاء قال فقلنا إذا اختلعت
المرأة من زوجها ثم طلقها في عدتها لم يلزمها الطلاق لأنها ليست له بامرأة وهذا يدل على أصل ما
ذهبنا إليه لا يخالفه فقال بعض الناس إذا اختلعت منه فلا رجعة له عليها وإن طلقها بعد الخلع في
العدة لزمها الطلاق وإن طلقها بعد انقضاء العدة لم يلزمها الطلاق فقلت له قد قال الله عز وجل
(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) إلى آخر الآيتين وقال الله عز وجل (والذين يظاهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وقلنا قال الله تبارك وتعالى (ولكم نصف ما
ترك أزواجكم إن لم يكن لكم ولد) وفرض الله عز وجل العدة على الزوجة في الوفاة فقال (يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) فما تقول في المختلعة إن آلى منها في العدة بعد الخلع أو تظاهر هل
يلزمه الايلاء أو الظهار؟ قال لا قلت فإن مات هل ترثه أو ماتت هل يرثها في العدة؟ قال لا قلت ولم
وهي تعتد منه؟ قال لا وإن اعتدت فهي غير زوجة وإنما يلزم هذا في الأزواج وقال الله عز وجل
(والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الآية وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها
قال لا قلت: أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة قال نعم قلت فكيف زعمت أن الطلاق لا يلزم إلا
زوجة وهذه بكتاب الله تعالى عندنا وعندك غير زوجة ثم زعمت أن الطلاق يلزمها وأنت تقول إن آيات
من كتاب الله عز وجل تدل على أنها ليست بزوجة؟ قال روينا قولنا هذا بحديث شامي قلنا أفيكون
مثله مما يثبت؟ قال لا قلنا فلا تحتج به قال فقال ذلك إبراهيم النخعي وعامر الشعبي قلنا فهما إذا قالا
وإن لم يخالفهما غيرهما حجة؟ قال لا قلنا فهل يحتج بهما على قولنا وهو يوافق ظاهر القرآن ولعلهما كانا
يريان له عليها الرجعة فيلزمانه الايلاء والظهار ويجعلان بينهما الميراث؟ قال فهل قال أحد بقولك؟ قلنا
الكتاب كاف من ذلك وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير
أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة لأنه طلق ما لا يملك قلت له لو لم يكن في هذا إلا قول
31

ابن عباس وابن الزبير كليهما أكان لك خلافه في أصل قولنا وقولك إلا بأن يقول بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم خلافه قال لا قلت فالقرآن مع قولهما وقد خالفتهما وخالفت في قولك عدد آي من
كتاب الله عز وجل قال فأين؟ قلت أن زعمت أن حكم الله في الأزواج أن يكون بينهم الايلاء
والظهار واللعان وأن يكون لهن الميراث ومنهن الميراث وأن المختلعة ليست بزوجة يلزمها واحد من هذا فما
يلزمك إذا قلت يلزمها الطلاق والطلاق لا يلزم إلا زوجة أنك خالفت حكم الله في إلزامها الطلاق أو
في تركك إلزامها الايلاء والظهار واللعان والميراث لها والميراث منها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
فما رد شيئا إلا أن قال: قال بهذا أصحابنا فقلت له (1) أتجعل قول الرجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم مرة حجة وليس يدل على موافقة قوله من القرآن شئ وتجعله أخرى حجة وأنت تقول ظاهر
القرآن يخالفه كما قلت إذا أرخى سترا وجب المهر وظاهر القرآن أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فلها نصف
المهر وإغلاق الباب وإرخاء الستر ليس بالمسيس ثم تترك قول ابن عباس وابن الزبير ومعهما خمس آيات
من كتاب الله تعالى كلها تدل على أن المختلعة في العدة ليست بزوجة ومعهما القياس والمعقول عند أهل
العلم وتترك قول عمر في الصيد أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وفي
الأرنب بعناق وقول عمر وعبد الرحمن حين حكما على رجلين أوطئا ظبيا بشاة والقرآن يدل على قولهما
بقول الله عز وجل (فجزاء مثل ما قتل من النعم) فزعمت أنه يجزي بدراهم ويقولان في الظبي بشاة
واحدة والله يقول (مثل) وأنت تقول جزاءان وقال الله عز وجل (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على
المتقين) وقال (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) فقرأ إلى (المحسنين) فقال عامة من
لقيت من أصحابنا المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر فطلقت وللمطلقة المدخول بها
المفروض لها بأن الآية عامة على المطلقات لم يخصص منهن واحدة دون الأخرى بدلالة من كتاب الله
عز وجل ولا أثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا ما لك عن نافع عن ابن عمر أنه قال لكل
مطلقة متعة إلا التي فرض لها صداق ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وأحسب ابن عمر استدل بالآية التي تتبع للتي لم يدخل بها ولم يفرض لها لأن الله تعالى يقول
بعدها (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآية فرأى
القرآن كالدلالة على أنها محرجة من جميع المطلقات ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما
استمتع به منها زوجها عند طلاقها شيئا فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئا وغير المدخول بها إذا لم يفرض
لها كانت التي لم يدخل بها وقد فرض لها تأخذ بحكم الله تبارك وتعالى نصف المهر وهو أكثر من المتعة ولم
يستمتع بها فرأى حكمها مخالفا حكم المطلقات بالقرآن وخالف حالها حالهن فذكرت ما وصفت من
هذا لبعض من يخالفنا وقلنا له أنت تستدل بقول الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
على معنى الكتاب إذا احتمله والكتاب محتمل ما قال ابن عمر وفيه كالدليل على قوله فكيف خالفته ثم
لم تزعم بالآية أن المطلقات سواء في المتعة وقال الله عز وجل (وللمطلقات متاع بالمعروف) لم يخص
مطلقة دون مطلقة قال استدللنا بقول الله عز وجل (حقا على المتقين) أنها غير واجبة وذلك أن كل
واجب فهو على المتقين وغيرهم ولا يخص به المتقون (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قلنا فقد

(1) أي أتحتج بقول الصحابي وإن خالف ظاهر القرآن كما قلت إذا أرخى الخ ثم تترك قول ابن عباس الخ،
تأمل.
32

زعمت أن المتعة متعتان متعة يجبر عليها السلطان وهي متعة المرأة لم يفرض لها الزوج ولم يدخل بها
فطلقها وإنما قال الله عز وجل فيها (حقا على المحسنين) فكيف زعمت أن ما كان حقا على المحسنين
حق على غيرهم في هذه الآية وكل واحدة من الآيتين خاصة؟ فكيف زعمت أن إحداهما عامة
والأخرى خاصة؟ فإن كان هذا حقا على المتقين لم لم يكن حقا على غيرهم؟ هل معك بهذا دلالة
كتاب أو سنة أو أثر أو إجماع؟ فما علمته رد أكثر مما وصفت في أن قال هكذا قال أصحابنا رحمهم الله
تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في المشركين
(فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) الآية وقال الله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله
ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وأهواءهم يحتمل سبيلهم في
أحكامهم ويحتمل ما يهوون وأيهما كان فقد نهى عنه وأمر أن يحكم بينهم بما أنزل الله على نبيه صلى الله
عليه وسلم فقلنا إذا حكم الحاكم بين أهل الكتاب حكم بينهم بحكم الله عز وجل وحكم الله حكم
الاسلام وأعلمهم قبل أن يحكم أنه يحكم بينهم حكمه بين المسلمين وأنه لا يجيز بينهم إلا شهادة
المسلمين لقول الله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقوله (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)
فقال بعض الناس تجوز شهادتهم بينهم فقلنا ولم والله عز وجل يقول (شهيدين من رجالكم) وذوي
عدل منكم وأنت لا تخالفنا في أنهم من الأحرار المسلمين العدول لا من غيرهم فكيف أجزت غير من
أمر الله تعالى به؟ قال بقول الله عز وجل (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) فقلت له فقد
قيل من غير قبيلتكم والتنزيل والله تعالى أعلم يدل على ذلك لقول الله عز وجل (تحبسونهما من بعد
الصلاة) والصلاة المؤقتة للمسلمين وبقول الله تبارك وتعالى (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به
ثمنا ولو كان ذا قربى) وإنما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من
العرب أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة وقول الله تبارك وتعالى (ولا نكتم شهادة الله
إنا إذا لمن الآثمين) فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة قال فإنا نقول هي
على غير أهل دينكم قلت له فأنت تترك ما تأولت قال وأين قلت أفتجيز شهادة غير أهل ديننا من
المشركين غير أهل الكتاب قال لا قلت ولم وهم غير أهل ديننا هل تجد في هذه الآية أو في خبر يلزم
مثله أن شهادة أهل الكتاب جائزة وشهادة غيرهم غير جائزة أو رأيت لو قال لك قائل أراك قد
خصصت بعض المشركين دون بعض فأجيز شهادة غير أهل الكتاب لأنهم ضلوا بما وجدوا عليه
آباءهم ولم يبدلوا كتابا كان في أيديهم وأرد شهادة أهل الذمة لأن الله عز وجل أخبرنا أنهم بدلوا كتابه
قال ليس ذلك له وفيهم قوم لا يكذبون قلنا وفي أهل الأوثان قوم لا يكذبون قال فالناس مجتمعون على
أن لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان قلنا الذين تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل
الأوثان إلا من قول الله عز وجل (ذوي عدل منكم) والآية معها وبذلك ردوا شهادة أهل الذمة فإن
كانوا أخطئوا فلا نحتج بإجماع المخطئين معك وإن كانوا أصابوا فاتبعهم فقد اتبعوا القرآن فلم يجيزوا
شهادة من خالف دين الاسلام قال فإن شريحا أجاز شهادة أهل الذمة فقلت له وخالف شريحا غيره من
أهل دار السنة والهجرة والنصرة فأبوا إجازة شهادتهم ابن المسيب وأبو بكر بن حزم وغيرهما وأنت تخالف
شريحا فيما ليس فيه كتاب برأيك قال إني لأفعل قلت ولم قال لأنه لا يلزمني قوله قلت فإذا لم يلزمك
قوله فيما ليس فيه كتاب فقوله فيما فيه خلاف الكتاب أولى أن لا يلزمك قال فإذا لم أجز شهادتهم
أضررت بهم قلت أنت لم تضربهم لهم حكام ولم يزالوا يسألون ذلك منهم ولا نمنعهم من حكامهم وإذا
33

حكمنا لم نحكم إلا بحكم الله من إجازة شهادة المسلمين. وقلت له أرأيت عبيدا أهل فضل ومروءة
وأمانة يشهد بعضهم لبعض قال لا تجوز شهادتهم قلت لا يخلطهم غيرهم في أرض رجل أو ضيعته
فيهم قتل وطلاق وحقوق وغيرها ومتى ردت شهادتهم بطلت دماؤهم وحقوقهم قال فأنا لم أبطلها وإنما
أمرت بإجازة شهادة الأحرار العدول المسلمين قلت وهكذا أعراب كثير في موضع لا يعرف عدلهم
وهكذا أهل سجن لا يعرف عدلهم ولا يخلط هؤلاء ولا هؤلاء أحد يعدل أتبطل الدماء والأموال التي
بينهم وهم أحرار مسلمون لا يخالطهم غيرهم؟ قال نعم لأنهم ليسوا ممن شرط الله قلنا ولا أهل الذمة
ممن شرط الله؟ بل هم أبعد ممن شرط الله من عبيد عدول لو أعتقوا جازت شهادتهم من غد ولو أسلم
ذمي لم تجز شهادته حتى نختبر إسلامه وقلت له إذا احتججت باثنان ذوا عدل منكم أو آخران من
غيركم أفتجيزها على وصية المسلم حيث ذكرها الله عز وجل؟ قال لا لأنها منسوخة قلنا أفتنسخ فيما
نزلت فيه وتثبت في غيره؟ لو قال هذا غيرك كنت شبيها أن تخرج من جوابه إلى شتمه قال ما قلنا فيها
إلا أن أصحابنا قالوه وأردنا الرفق بهم قلنا الرفق بالعبيد المسلمين العدول والأحرار من الاعراب وأهل
السجن كان أولى بك وألزم لك من الرفق بأهل الذمة فلم ترفق بهم لأن شرط الله في الشهود غيرهم
وغير أهل الذمة فكيف جاوزت شرط الله تعالى في أهل الذمة للرفق بهم ولم تجاوزه في المسلمين للرفق
بهم وقلت أيضا على هذا المعنى إذا تحاكموا إلينا وقد زنى منه ثيب رجمناه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا ما لك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين
زنيا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرجع بعضهم إلى هذا القول وقال أرجمهما إذا زنيا لأن ذلك
حكم الاسلام وأقام بعضهم على أن لا يرجمهما إذا زنيا وقالوا جميعا في الجملة نحكم عليهم بحكم
الاسلام فقلت لبعضهم أرأيت إذا أربوا فيما بينهم والربا عندهم حلال؟ قال أرد الربا لأنه حرام عندنا
قلت ولا تلتفت إلى ما عندهم من إحلاله؟ قال لا قلت أرأيت إن اشترى مجوسي منهم بين يديك غنما
بألف ثم وقذها كلها ليبيعها فباع بعضها موقوذا بربح وبقى بعضها فحرقها عليه مسلم أو مجوسي فقال
هذا مالي وهذه ذكاته عندي وحلال في ديني وقد نقدت ثمنه بين يديك وبعت بعضه بربح والباقي
كنت بائعة بربح ثم حرقه هذا؟ قال فليس لك عليه شئ قلت فإن قال وإن كان حلال عندك فهو
حرام عندي على وما كان حراما على فهو حرام عليك قلت فإن قال فأنت تقرني على أن آكله أو أبيعه
وأنا في دار الاسلام وتأخذ مني عليه الجزية قال فإن أقررتك عليه فإقرارك عليه ليس هو الذي
يوجب لك على أن أصير لك شريكا بأن أحكم لك به قلت فما تقول إن قتل له خنزيرا أو أهراق له
خمرا؟ قال يضمن ثمنه قلت ولم قال لأنه مال له قلت أحرام عليك أم غير حرام؟ قال بل حرام قلت
أفتقضي له بقيمة الحرام ما فرق بينه وبين الربا وثمن الميتة للميتة كانت أولي أن يقضي له بثمنها لأن فيها
أهبا قد يسلخها فيدبغها فتحل له وليس في الخنزير عندك ما يحل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
قلت له ما تقول في مسلم أو ذمي سلخ جلود ميتة ليدبغها فحرق تلك الجلود عليه قبل الدباغ مسلم أو
ذمي؟ قال لا ضمان عليه قلت ولم وقد تدبغ فتصبر تسوى مالا كثيرا ويحل بيعها قال لأنها حرقت (1) في
وقت فلما أتلفت في الوقت الذي ليست فيه حلالا لم أضمنها قلت والخنزير شر أو هذه؟ قال بل
الخنزير قلت فظلم المسلم والمعاهد أعظم أم ظلم المعاهد وحده؟ قال بل ظلم المسلم والمعاهد معا قلت:

(1) لعله (في وقت لا تحل فيه) تأمل.
34

فلا فما أسمعك إلا ظلمت المسلم والمعاهد أو أحدهما حين لم تقض للمسلم بثمن الاهب وقد تصير حلال
وهي الساعة له مال لو غصبه إياها إنسان لم تحل له وكان عليك ردها إليه وظلمت المعاهد حين لم
تضمن ثمن أهبه وثمن ميتته أو ظلمته حين أعطيته ثمن الحرام من الخمر والخنزير (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه وفيما كتبنا بيان مما لم نكتب إن شاء الله تعالى (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد قال الله تبارك وتعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) قرأ الربيع
الآية فقلنا بما قال الله عز وجل إذا وجد الفقراء والمساكين والرقاب والغارم وابن السبيل أعطوا منها
كلهم ولم يكن للامام أن يعطى صنفا منهم ويحرمها صنفا يجدهم لان حق كل واحد منهم ثابت في
كتاب الله عز وجل فقال بعض الناس إن كانوا موجودين فله أن يعطيها صنفا واحدا ويمنع من بقي معه
فقيل له عمن أخذت هذا؟ فذكر بعض من ينسب إلى العلم لا أحفظه قال فأقل إن وضعها في صنف
واحد (1) وهو يجد الأصناف أجزأه قلنا فلو كان قول هذا الذي حكيت عنه هذا مما يلزم لم يكن لك
فيه حجة لأنه لم يقل فإن وضعها والأصناف موجودون أجزأه وإنما قال الناس إذا لم يوجد صنف منها
رد حصته على من معه لأنه مال من مال الله عز وجل لا نجد أحدا أحق به ممن ذكره الله في كتابه معه
فأما والأصناف موجودة فمنع بعضهم ما له لا يجوز ولو جاز هذا جاز أن يأخذه كله فيصرفه إلى غيرهم
مع أنا لا نعلم أحدا قال هذا القول قط يلزم قوله ولو لم يكن في هذا كتاب الله وكيف تحتج على كتاب
الله بغير سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أمر بين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد تركنا من الحجة على
من خالف اليمين مع الشاهد أكثر مما كتبنا اكتفاء ببعض ما كتبنا ونسأل الله تعالى التوفيق والعصمة وقد
بينا إن شاء الله تعالى أنهم لم يحتجوا في إبطال الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين
مع الشاهد بشئ زعموا أنه يخالف ظاهر القرآن إلا وقد بينا أنهم خالفوا القرآن بلا حديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم فيكونوا قالوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ ما آتانا
وننتهى عما نهانا ولم يجعل لاحد بعده ذلك وبينا أنهم تركوا ظاهر القرآن ومعه قول بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم بظاهر القرآن في غير موضع أيضا فأي جهل أبين من أن يكون قوم يحتجون بشئ
يلزمهم أكثر منه لا يرونه حجة لغيرهم عليهم؟! والله تعالى الموفق.
باب اليمين مع الشاهد.
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من ادعى مالا فأقام عليه شاهدا أو ادعى عليه مال فكانت
عليه يمين نظر في قيمة المال فإن كان عشرين دينارا فصاعدا وكان الحكم بمكة أحلف بين المقام
والبيت على ما يدعي ويدعى عليه وإن كان بالمدينة حلف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن كان عليه يمين لا يحلف بين المقام والبيت فقال بعض أصحابنا إذا كان
هذا هكذا حلف في الحجر فإن كانت عليه يمين في الحجر أحلف عن يمين المقام ويكون أقرب إلى
البيت من المقام، وإن كان ما يحلف عليه أقل من عشرين دينارا أحلف في المسجد الحرام ومسجد

(1) قوله وهو يجد الأصناف كذا في النسخ هنا وعبارته في كتاب قسم الصدقات (قال إن جعلت في صنف
واحد أجزأ ورد الأمام عليه بما هنا) كتبه مصححه.
35

النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا إذا كان يحلف عليه من أرش جناية أو غيرها من من الأموال كلها ولو
قال قائل: يجبر على اليمين بين البيت والمقام وإن حنث كما يجبر على اليمين لو لزمته وعليه يمين أن لا يحلف
كان مذهبا ومن كان ببلد غير مكة والمدينة أحلف على عشرين دينارا أو على العظيم من الدم والجراح
بعد العصر في مسجد ذلك البلد ويتلى عليه (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ويحلف على الطلاق والحدود كلها وجراح العمد صغرت أم كبرت بين
المقام والبيت وعلى جراح الخطأ التي هي أموال إذا بلغ أرشها عشرين دينارا فإن لم تبلغ لم يحلف بين
المقام والبيت وكذلك العبد يدعي العتق إن بلغت قيمته عشرين دينارا حلف سيده وإلا لم يحلف قال
وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم ومن حجتهم فيه إجماعهم أن مسلم بن خالد والقداح أخبرا عن ابن
جريج عن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال أعلي
دم؟ قالوا لا قال أفعلي عظيم من الآمر؟ فقالوا لا قال لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا
وقال مالك يحلف على المنبر على ربع دينار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا عبد الله بن المؤمل
عن ابن أبي مليكة قال كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا
شاهد عليهما فكتب إلى أن أحبسهما بعد العصر ثم اقرأ عليهما (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا
قليلا) ففعلت فاعترفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أعرفه أن
ابن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف
على المصحف قال ويحلف الذميون في بيعتهم وحيث يعظمون وعلى التوراة والإنجيل وما عظموا من
كتبهم (قال) ومن أحلف على حد أو جراح عمد قل أرشها أو كثر أو زوج لاعن فهذا أعظم من
عشرين دينارا فيحلف عليه كما وصفنا بين المقام والبيت وعلى المنبر وفي المساجد وبعد العصر وبما تؤكد
به الأيمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه يمين بين المقام والبيت
فأحلفه ولم يحلفه بين المقام والبيت فالقول في ذلك واحد من قولين. أحدهما أنه إذا كان من ليس بمكة
ولا المدينة ممن عنده حاكم لا يجلب إلى المدينة ولا مكة فيحلف ببلده فحلفه في حرم الله وفي حرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من حلفه في غيره ولا تعاد عليه اليمين والآخر أنه إذا كان من حقه
أن يحلف بين المقام والبيت أو على المنبر والناس لليمين بين البيت والمقام وعلى المنبر أهيب فتعاد اليمين
عليه حتى يؤخذ منه ما عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يجلب أحد من بلد به حاكم يجوز
حكمه في العظيم من الأمور إلى مكة وإلى المدينة وإلى موضع الخليفة ويحكم عليه حاكم بلده باليمين
ببلده فإن كان المحكوم عليه يقهر حاكم بلده بجند أو عز فسأل الطالب الخليفة رفعه إليه رأيت رفعه إن
لم يكن حاكم يقوى عليه غيره فإن كان يقوى عليه حاكم غيره وهو أقرب إليه من الخليفة رأيت أن
يرفع إلى الذي هو أقرب إليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم
ومماليكهم واحرارهم سواء في الأيمان يحلفون كما وصفنا والمشركون من أهل الذمة والمستأمنون في
الأيمان كما وصفنا يحلف كل واحد منهم بما يعظم من الكتب وحيث يعظم من المواضع بما يعرف
المسلمون مما يعظم المستحلف منهم مثل قوله (بالله الذي أنزل التوراة على موسى وبالله الذي أنزل
الإنجيل على عيسى) وما أشبه هذا مما يعرفه المسلمون وإن كانوا يعظمون شيئا يجهله المسلمون إما يجهلون
لسانهم فيه وإما يشكون في معناه لم يحلفوهم به ولا يحلفونهم أبدا إلا بما يعرفون (قال الشافعي) رحمه
36

الله تعالى: ويحلف الرجل في حق نفسه على البت وفيما عليه نفسه على البت وذلك مثل أن يكون له
أصل الحق على الرجل فيدعي الرجل منه البراءة فيحلف بالله أن هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما
اقتضاه ولا شيئا منه ولا اقتضاه ولا شيئا منه له مقتض بأمره ولا أحال به ولا بشئ منه على أحد ولا
أبرأ فلانا المشهود عليه منه ولا من شئ منه بوجه من الوجوه وأنه عليه لثابت إلى يوم حلفت هذه اليمين
فإن كان الحق لأبيه عليه فورث أباه أحلف على البت في نفسه كما وصفت وعلى عمله في أبيه ما علم
أباه اقتضاه ولا شيئا منه ولا أبرأه منه ولا من شئ منه بوجه من الوجوه ثم أخذه فإن كان شهد له عليه
شاهد قال في اليمين إن ما شهد له به فلان بن فلان على فلان ابن فلان لحق ثابت عليه على ما شهد به
ثم ينسق اليمين كما وصفت لك ويتحفظ الذي يحلفه فيقول له قل والله الذي لا إله إلا هو وإن وجبت
اليمين لرجل يأخذ بها أو على أحد يبرأ بها فسواء في الموضع الذي يحلف فيه وإن بدأ الذي له اليمين أو
الذي هي عليه فحلف عند الحاكم أو في موضع اليمين على ما ادعى وادعى عليه لم يكن للحاكم أن
يقبل يمينه ولكن إذا خرج له الحكم باليمين أو عليه أحلفه فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ فالحجة
فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد
أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني طلقت امرأتي
البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله ما أردت إلا واحدة)؟ فقال
ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه قال فقد حلف ركانة قبل خروج الحكم فلم يدع النبي صلى
الله عليه وسلم أن أحلفه بمثل ما حلف به فكان في ذلك دلالة على أن اليمين إنما تكون بعد خروج
الحكم فإذا كانت بعد خروج الحكم لم تعد ثانية على صاحبها وإذا حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركانة في الطلاق فهذا يدل أن اليمين في الطلاق كما هي في غيره وإذا كانت اليمين على الإرث أو له
أحلف وكذلك إن كانت على من بلسانه خبل ويفهم بعض كلامه ولا يفهم بعض فإن كانت على
أخرس فكان يفهم بالإشارة ويفهم عنه بها أشير إليه وأحلف له وعليه فإن كان لا يفهم ولا يفهم عنه
أو كان معتوها أو مخبولا فكانت اليمين له وقفت له حقه حتى يفيق فيحلف أو يموت فيحلف وارثه وإن
كانت عليه قيل لمدعيها انتظر حتى يفيق ويحلف فإن قال بل أحلف وآخذ حقي قيل له ليس ذلك لك
إنما يكون ذلك لك إذا رد اليمين وهو لم يردها وإن أحلف الوالي رجلا فلما فرغ من يمينه استثنى فقال إن
شاء الله أعاد عليه اليمين أبدا حتى لا يستثنى (قال) والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين
البيت والمقام وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد العصر قول الله عز وجل (تحبسونهما من بعد
الصلاة فيقسمان بالله) وقال المفسرون هي صلاة العصر وقول الله عز وجل في المتلاعنين (فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين)
فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد
الصلاة وعلى الحالف في اللعان بتكرير اليمين وقوله (أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدم بخمسين يمينا لعظمه وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين
على المنبر وفعل أصحابه وأهل العلم ببلدنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك (1)

(1) قوله: عن هاشم بن عتبه الذي في (الخلاصة) - هاشم بن هاشم بن عتبة) ووقع في الموطأ المطبوع (هشام بن
هشام بن عتبة) وهو تحريف، فتنبه.
37

عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حلف على منبري هذا بيمين
آثمة تبوأ مقعده من النار) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأخبرنا عن الضحاك بن
عثمان الحزامي عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجرين أبي أمية قال كتب إلى أبو بكر الصديق أن
ابعث إلي نفيس بن مكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
قتل (2) ذا دوى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا
غطفان بن طريف المري قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار فقضى
باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد أحلف له مكاني فقال مروان لا والله إلا عند مقاطع
الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك قال
مالك كره زيد صبر اليمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها
وافتدى منها وقال أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: واليمين على
المنبر مما لا اختلاف فيه عندنا في قديم ولا حديث علمته.
الخلاف في اليمين على المنبر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فعاب علينا اليمين على المنبر بعض الناس فقال وكيف تختلف
الأيمان فيحلف من بالمدينة على المنبر ومن بمكة بين البيت والمقام؟ فكيف يصنع من ليس بمكة ولا
المدينة أيجلب إليهما أم يحلف على غير منبر ولا قرب بيت الله؟ قال فقلت لبعض من يقول هذا القول
كيف أحلفت الملاعن أربعة أيمان وخامسة وهو قاذف لامرأته وأحلفت القاذف لغير امرأته يمينا واحدة
وكيف أحلفت في الدم خمسين وأحلفت في الحقوق غيره وغير اللعان يمينا واحدة؟ وكيف أحلفت
الرجل على فعله ولم تحلفه على غير فعله ثم أحلفته في القسامة على فعله وما علم فعل غيره؟ قال اتبعنا
في بعض هذا كتابا وفي بعضه أثرا وفي بعضه قول الفقهاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت له
ونحن اتبعنا الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار عن أصحابه واجتماع أهل العلم ببلدنا
فكيف عبت علينا اتباع ما هو ألزم من إحلافك في القسامة ما قتلت ولا علمت؟ قال فإن صاحبنا
قال إنما أخذ أهل المدينة اليمين على المنبر عن مروان وخالفوا زيدا فذكرت له ما كتبت في كتابي من
قول الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روى عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى
عنهم فقال لم يذكر صاحبنا هذا وقال إن زيدا أنكر اليمين على المنبر فقلت له فصاحبك إن كان علم
سنة فسكت عنها فلم ينصف وإن كان لم يعلمها فقد عجل قبل أن يعلم فقلت له زيد من أكرم أهل
المدينة على مروان وأحراهم أن يقول له ما أراد ويرجع مروان إلى قوله (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا مالك أن زيدا دخل على مروان فقال أيحل بيع الربا؟ فقال مروان أعوذ بالله قال فالناس
يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضونها فبعث مروان حرسا يردونها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فلو لم
يعرف زيد أن اليمين عليه لقال لمروان ما هذا علي وكيف تشهر يميني على المنبر ولكان عند مروان لزيد

(2) كذا في نسخة، وفي أخرى (ذادونى) ولم نعثر عليه فحرر. كتبه مصححه.
38

أن لا يمضي عليه ما ليس عليه لو عزم على أن يمضيه لقال زيد ليس هذا علي قال فلم حلف زيد أن
حقه لحق؟ قلنا أو ما يحلف الرجل من غير أن يستحلف فإذا شهرت يمينه كره أن تصبر يمينه وتشهر قال
بلى قلنا ولو لم يكن على صاحبك حجة إلا ما احتج به من حديث زيد كانت عليه حجة فكيف وهي
بالسنة والخبر عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم أثبت؟ قال فكيف يحلف من بالامصار
على العظيم من الأمر قلنا بعد العصر كما قال الله عز وجل (تحبسونهما من بعد الصلاة) وكما أمر ابن
عباس أبن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر ثم يقرأ عليها (إن الذين يشترون بعهد الله
وأيمانهم ثمنا قليلا) ففعل فاعترفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن
أبي مليكة عن ابن عباس.
باب رد اليمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن
سهل عن سهل ابن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) قالوا لا قال (فتحلف يهود (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي وابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار
عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الأنصاريين فلما لم يحلفوا رد
الأيمان على يهود) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني ليث بن سعد أجرى فرسا فوطئ أصبع
رجل من جهينة فنرى فيها فمات فقال عمر للذين ادعى عليهم تحلفون خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا
وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين احلفوا أنتم فأبوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقد رأى رسول
الله صلى الله عليه وسلم اليمين على الأنصاريين يستحقون بها فلما لم يحلفوا حولها على اليهود يبرءون بها
ورأي عمر على الليثيين يبرءون بها فلما أبوا حولها على الجهنيين يستحقون بها فكل هذا تحويل يمين من
موضع قد ريئت فيه إلى الموضع الذي يخالفه فهذا وما أدركنا عليه أهل العلم قبلنا قلنا في رد اليمين.
وقد قال الله عز وجل (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) وقال الله عز وجل (فإن عثر على أنهما
استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله) فهذا وما أدركنا
عليه أهل العلم ببلدنا يحكمونه عن مفتيهم وحكامهم قديما وحديثا قلنا برد اليمين فإذا كانت الدعوى دما
فالسنة فيها أن يبدأ المدعون إذا كان ما تجب به القسامة وهذا مكتوب في كتاب العقول فإن حلفوا
استحقوا وإن أبوا الأيمان قيل يحلف لكم المدعى عليهم فإن حلفوا برئوا ولا يحلفون ويغرمون والقسامة
في العمد والخطأ سواء يبدأ فيها المدعون وإن كانت الدعوى غير دم وكانت الدعوى ما لا أحلف المدعى
عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين قيل للمدعي ليس النكول بإقرار فتأخذ منه حقك كما تأخذه
بالاقرار ولا بينة فتأخذ بها حقك بغير يمين فاحلف وخذ حقك فإن أبيت أن تحلف سألناك عن إبائك
فإن ذكرت أنك تأتي ببينة أو تذكر معاملة بينك وبينه تركناك فمتى جئت بشئ تستحق به أعطيناك
وإن لم تأت به حلفت فإن قلت لا أؤخر ذلك لشئ غير أني لا احلف أبطلت يمينك فإن طلبتها بعد لم
39

نعطك بها شيئا وإن حلف المدعى عليه فبرئ أو لم يحلف فنكل المدعي فأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين
أخذنا له بحقه والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة وقد قيل إن بعض أصحابنا لا يأخذ له بالشهود إذا
حلف المدعى عليه ويقول قد مضى الحكم بإبطال الحق عنه فلا آخذه بعد أن بطل ولو أبى المدعي
اليمين فأبطلت أن أعطيه بيمينه ثم جاء بشاهد فقال أحلف معه لم أر أن يحلف لأني قد حكمت أن لا
يحلف في هذا الحق ولو ادعى عليه حقا فقلت للمدعى عليه احلف فأبى ورد اليمين على المدعى فقلت
للمدعي احلف فقال المدعى عليه يل أنا أحلف لم أجعل ذلك له لأني قد أبطلت أن يحلف وحولت
اليمين على المدعى فإن حلف استحق وإن لم يحلف أبطلت حقه بلا يمين من المدعى عليه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولو تداعى رجلان شيئا في أيديهما وكان كل واحد منهما يدعي كله أحلفت
كل واحد منهما لصاحبه فإن حلفا معا فالشئ بينهما نصفان كما كان في أيديهما فإن حلف أحدهما وأبى
الآخر أن يحلف قيل للحالف إنما أحلفناك على النصف الذي في يدك فلما حلفت جعلناه لك وقطعنا
دعوى المدعي عليك وأنت تدعي نصفا في يده فأبى أن يحلف فاحلف أنه لك كما ادعيت فإن حلف
فهو له وإن أبى فهو للذي في يديه ولو كانت دار في يدي رجل فادعى آخر أنها داره يملكها بوجه من
وجوه الملك وسأل يمين الذي الدار في يديه أو سأل أن تكون اليمين بالله ما اشتريتها وما وهبت لي فإن
أبى ذلك الذي الدار في يديه أحلفناه بالله كما يحلف ما لهذا المدعي يسميه باسمه في هذه الدار حق
بملك ولا غيره بوجه من الوجوه من قبل أنه قد يشتريها ثم تخرج من يديه ويتصدق بها عليه فتخرج
أيضا من يديه وتوهب له ولا يقبضها فإذا أحلفناه كما وصفت فقد احتطنا له وعليه في اليمين (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وخالفنا في رد اليمين بعض الناس وقال من أين أخذتموها؟ فحكيت له ما
كتبت من السنة والأثر عن عمر وغيره مما كتبت وقلت له كيف لم تصر إلى القول بها مع ثبوت الحجج
عليك فيها؟ قال فإني إنما رددتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على من ادعى واليمين على
من أنكر) وقاله عمر فقلت له وهذا على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وهو على
خاص فيما بيناه في كتاب الدعوى والبينات فإن كانت بينة أعطى بها المدعي وإذا لم تكن أحلف
المدعى عليه وليس فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين على المدعى عليه أنه إن لم يحلف
أخذ منه الحق قال فإني أقول هذا عام ولا أعطي مدعيا إلا ببينة ولا أبرئ مدعى عليه (1) من يمين
فإذا لم يحلف لزمه ما ادعى عليه وإذا حلف برئ فقلت له أرأيت مولى لي وجدته قتيلا في محلة
فحضرتك أنا وأهل المحلة فقالوا لك أيدعى هذا ببينة؟ فقلت لا بينة لي فقلت فاحلفوا واغرموا فقالوا
لك قال النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على المدعى عليه) وهذا لا يدعي علينا قال كأنكم مدعى
عليكم قلنا وقالوا فإذا حكمت بكأن وكأن مما لا يجوز عندك هي فيما كأن فيه ليس كان أفعلينا كلنا أو على
بعضنا؟ قال بل على كلكم قلت فقالوا فأحلف كلنا وإلا فأنت تظلمه إذا اقتصرت بالأيمان على
الخمسين وهو يدعي على مائة وأكثر وهو عندك لو ادعى درهما على مائة أحلفتهم كلهم وظلمتنا إذا
أحلفتنا فلم تبرئنا واليمين عندك موضع براءة وإذا أعطيته بلا بينة فخرجت من جميع ما احتججت به
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر رضي الله عنه قال هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر
خاصة قلت فإن كان عن عمر خاصا فلا نبطله بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر

(1) كذا في النسخ وقوله بعد، هي فيما كأن فيه ليس كان أي هذه القصة ليست مما المظنة فيه كالمئنة، تأمل.
40

ونمضي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر في غير ما جاء فيه نص خبر عن عمر؟ قال نعم
قلنا ولا يختلفان عندك؟ قال لا قلنا ويدلك خصوصه حكما يخرج من جملة قوله أن جملة قوله
ليست على كل شئ؟ قال نعم وقلت له فالذي احتججت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن
عمر في نقل الأيمان عن مواضعها التي ابتدئت فيها أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه) والذي احتججت به عن عمر أثبت عنه من قولك في القسامة
عنه فكيف جعلت الرواية الضعيفة عن عمر حجة على ما زعمت من عموم السنة التي تخالفه ومن
عموم قوله الذي يخالفه وعبت على أن قلت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رد اليمين واستدللت
بها على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه خاص فأمضيت
سنته برد اليمين على ما جاءت فيه وسنته في البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ولم يكن في قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم واليمين على المدعى عليه بيان أن النكول كالاقرار إذا لم يكن مع النكول
شئ يصدقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهو يخالف البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه
بكثير قد كتبنا ذلك في اليمين مع الشاهد وكتاب الدعوى والبينات واكتفينا بالذي حكينا في هذا
الكتاب، وقلت له فكيف تزعم أن النكول يقوم مقام الاقرار فإن ادعيت حقا على رجل كثيرا وقلت
فقأ عين غلامي أو قطع يده أو رجله فلم يحلف قضيت عليه بالحق والجراح كلها فإن ادعيت أنه قتله
قلت القياس إذا لم يحلف أن يقتل ولكن أستحسن فأحبسه حتى يقر فيقتل أو يحلف فيبرأ وقال صاحبك
بل أجعل عليه الدية ولا أحبسه وأحلتما جميعا في العمد وهو عندكما لا دية فيه فقال أحدكما هو حكم
الخطأ وقال الآخر أحبسه وخالفتما أصل قولكما إن النكول يقوم مقام الاقرار فكيف زعمتم أنكم إن
لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج وأبت المرأة تلتعن حبستموها ولم تحدوها والقرآن يدل على إيجاب الحد
عليها لأن الله عز وجل يقول (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) فبين والله تعالى أعلم
أن العذاب لازم لها إذا التعن الزوج إلا أن تشهد ونحن نقول تحد إن لم تلتعن وخالفتم أصل مذهبكم
فيه فقال فكيف لم تجعلوا النكول يحق الحق للمدعي على المدعى عليه وجعلتم يمين المدعى يحقه عليه؟
فقلت له حكم الله فيمن رمى امرأة بزنا أن يأتي بأربعة شهداء أو يحد فجعل شهود الزنا أربعة وحكم
بين الزوجين أن يلتعن الزوج ثم يبرأ من الحد ويلزم المرأة الحد إلا بأن تحلف فإن حلفت برئت وإن
نكلت لزمها ما نكلت عنه وليس بنكولها فقط لزمها ولكن بنكولها مع يمينه فلما اجتمع النكول ويمين
الزوج لزمها الحد ووجدنا السنة والخبر برد اليمين فقلنا إذا لم يحلف من عليه مبتدأ اليمين رددناها على
الذي يخالفه فإن حلف فاجتمع أن نكل من ادعى عليه وحلف هو أخذ حقه وإن لم يحلف لم يأخذ
حقه لأن النكول ليس بإقرار ولم نجد السنة ولا الأثر بالنكول فقط إقرارا ووجدنا حكم القرآن كما
وصفت من أن يقام الحد على المرأة إذا نكلت وحلف الزوج لا إذا نكلت فقط اتباعا وقياسا، بل
وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حد عليها إلا ببينة تقوم أو اعتراف وأن لو عرضت عليها اليمين فلم
تلتعن لم تحد بترك اليمين وإذا حلف الزوج قبلها ثم لم تحلف فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد
والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدت بالدلالة لقول الله
عز وجل (ويدرأ عنها العذاب).
41

في حكم الحاكم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي
سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلى ولعل
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع منه، فمن قضيت له بشئ من
حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فبهذا نقول وفي
هذا البيان الذي لا إشكال معه بحمد الله تعالى ونعمته على عالم فنقول ولي السرائر الله عز وجل فالحلال
والحرام على ما يعلمه الله تبارك وتعالى والحكم على ظاهر الأمر وافق ذلك السرائر أو خالفها فلو أن
رجلا زور بينة على آخر فشهدوا أن له عليه مائة دينار فقضى بها القاضي لم يحل للمقضى له أن يأخذها
إذا علمها باطلا ولا يحيل حكم القاضي علم المقضى له والمقضى عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما
حراما ولا الحرام لواحد منهما حلالا فلو كان حكم أبدا يزيل علم المقضى له وعليه حتى يكون ما علمه أحدهما
محرما عليه فأباحه له القاضي أو علمه حلالا فحرمه عليه القاضي بالظاهر عنده حائلا بحكم القاضي عن
علم الخصمين كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الاحكام أن يكون هكذا فقد أعلمهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بينهم بالظاهر وأن حكمه لا يحل لهم ما حرم الله تعالى عليهم فأصل
هذا ما وصفت لك من أن تنظر ما حل لك فإن حكم لك به أخذته وما حرم عليك فحكم لك به لم
تأخذه ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم جحد فأحلفه الحاكم. ثم قضى له بحبسها لم يحل له إصابتها ولا
لها أن تدعه يصيبها وعليها أن تمتنع منه بأكثر ما تقدر عليه ويسعها إذا أرادها ضربة أتى الضرب
على نفسه ولو شهد شاهدا زور على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق القاضي بينهما لم يحل لها أن تنكح
أبدا إذا علمت أن ما شهدا به باطل ولم يحل له أن ينكح أختها ولا أربعا سواها وكان له أن يصيبها
حيث قدر عليها إلا أنا نكره له أن يفعل خوفا أن يعد زانيا فيحد ولم يكن لها أن تمتنع منه وكان لكل
واحد منهما إن مات صاحبه قبله أن يرثه ولم يكن لورثته أن يدفعوه عن حقه في ميراثه إذا علموا أن
الشهود كاذبون وإن كان الزوج الميت فعلى المرأة العدة منه والبيوع مجامعة ما وصفنا من الطلاق في
الأصل وقد تختلف هي وهي التصريف فيحتمل أن يكون معناهما لا يفترقان للاجتماع في الأصل
ويحتمل أن يفرق بينهما حيث يفترقان ونسأل الله تعالى التوفيق بقدرته ولو باع رجل من رجل جارية
فجحده البيع فحلف كان ينبغي للقاضي أن يقول للمشترىبعد اليمين إن كنت اشتريت منه فاشهد أنك
قد فسخت البيع ويقول للبائع أشهد أنك قد قبلت الفسخ ليحل للبائع فرجها بانفساخ البيع فإن لم
يفعل ففيها أقاويل أحدها لا يحل فرجها للبائع لأنها في ملك المشتري وهذا قياس الطلاق ولو ذهب
ذاهب إلى أن جحده البيع وحلفه يحلها للبائع ويقطع عنها ملك المشتري وأن يقول هذا رد بيع إن شاء
البائع حلت له بأن يقبل الرد كان مذهبا ولو ذهب مذهبا آخر ثالثا وقال وجدت السنة إذا أفلس بثمنها
كان البائع أحق بها من الغرماء فلما كانت البيوع تملك بأخذ العوض فبطل العوض عن صاحب الجارية
رجعت إليه بالملك الأول كان مذهبا أيضا والله تعالى أعلم وهكذا القول في البيوع كلها ينبغي
بالاحتياط للقاضي أن أحلف المدعى عليه الشراء أن يقول له أشهد أنه إن كان بينك وبينه بيع فقد
فسخته ويقول للبائع أقبل الفسخ حتى يعود ملكه إليه بحاله الأولي وإن لم يفعل الحاكم فينبغي للبائع
أن يقبل فسخ البيع حتى يفسخ في قول من رأى الجحود للشراء فسخ البيع وقول من لم يره وكذلك لو
ادعت امرأة على رجل أنه نكحها بشهود وغابوا أو ماتوا فجحد وحلف كان ينبغي للقاضي أن يبطل
42

دعواها ويقول له أشهد أنك إن كنت نكحتها فهي طالق إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها أعطاه
شيئا قليلا على أن يطلقها واحدة ولا يملك رجعتها وإن ترك ذلك القاضي ولم يقبل ذلك المدعى عليه
النكاح والمرأة والرجل يعلمان أن دعواها حق فلا تحل لغيره ولا يحل له نكاح أختها حتى يحدث لها
طلاقا قال وهما زوجان غير أنا نكره له إصابتها خوفا من أن يعد زانيا يقام عليه الحد ولها هي منعه نفسها
لتركه إعطاءها الصداق والنفقة فإن سلم ذلك إليها ومنعته نفسها حتى يقر لها بالنكاح خوف الحبل وأن
تعد زانية كان لها إن شاء الله تعالى لأن حالها في ذلك مخالفة حاله هو إذا ستر على أن يؤخذ في الحال
التي يصيبها فيها لم يخف وهي تخاف الحمل أن تعد بإصابته أو بإصابة غيره زانية تحد وحالها مخالفة حال
الذي يقول لم أطلق وقد شهد عليه بزور والقول في البعير يباع فيجحد البيع والدار فيجحد المشتري البيع
ويحلف كالقول في الجارية وأحب للوالي أن يقول له افسخ البيع وللبائع اقبل الفسخ فإن لم يفعل فالبائع
في ذلك القول يقبل الفسخ فإن لم يفعل ولم يعلم بالوجه الآخر من أنه كالمفلس له إجارة الدار حتى
يستوفي ثمنها ثم عليه تسليمها إليه أو إلى وارثه وكذلك يصنع بالبعير وإن وجد ثمن الدار أو البعير من مال
المشترى كان له أخذه وعليه تسليم ما باعه إليه إذا أخذ ثمنه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه في النكاح
والبيع وغير ذلك ولو شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا وكان الرجل يعلم أنهما كاذبان وفرق
القاضي بينهما وسعه أن يصيبها إذا قدر وإن كانت تعلم أنهما كاذبان لم يسعها الامتناع منه وتستتر بجهدها؟
لئلا تعد زانية وإن كانت تشك ولا تدري أصدقا أم كذبا لم يسعها ترك الزوج الذي شهدا عليه أن
يصيبها وأحببت لها الوقوف عن النكاح وإن صدقتهما جاز لها أن تنكح والله وليهما العالم بصدقهم وكذبهما
ولو اختصم رجلان في شئ فحكم القاضي لأحدهما فكان يعلم أن القاضي أخطأ لم يسعه أخذ ما
حكم به له بعد علمه بخطئه وإن كان ممن يشكل ذلك عليه أحببت أن يقف حتى يسأل فإن رآه
أصاب أخذه وإن كان الأمر مشكلا في قضائه فالورع أن يقف لأن تركه وهو له خير من أخذه وليس
له والمقضى عليه بمال للمقضى له إن علم أن القاضي أخطأ عليه وسعه حبسه وإن أشكل عليه أحببت
له أن لا يحبسه ولا يسعه حبسه حتى يعلم أن القاضي أخطأ عليه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وهذا
مثل أن يشهد رجلان أن فلانا توفى وأوصى له بألف ويجحد الوارث فإن صدقهما وسعه أخذها وإن
كذبهما لم يسعه أخذها وإن شك أحببت له الوقوف وفي مثل هذا أن يشهد له رجلان أن فلانا قذفه
فإن صدقهما وسعه أن يحده وإن كذبهما لم يسعه أن يحده وإن شك أحببت له أن يقف وحاله فيما غاب
عنه من كل ما شهد له به هكذا ولو أقر له رجل بحق لا يعرفه ثم قال مزحت فإن صدقه بأنه مزاح لم
يحل له أخذه، وإن كذبه وكان صادقا بالاقرار الأول عنده وسعه وأخذ ما أقر له به وإن شك أحببت له
الوقوف فيه.
الخلاف في قضاء القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في قضاء القاضي فقال قضاؤه يحيل الأمور
عما هي عليه فلو أن رجلين عمدا أن يشهدا على رجل أنه طلق امرأته وهما يعلمان أنهما شهدا بزور ففرق
القاضي بينهما وسع أحدهما فيما بينه وبين الله أن ينكحها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ويدخل عليه
أن لو شهد له رجلان بزور أن فلانا قتل ابنه وهو يعلم أن ابنه لم يقتل أو لم يكن له ابن فحكم له
43

القاضي بالقود أن يقتله ولو شهد له على امرأة أنه تزوجها بولي ودفع إليها المهر وأشهد على النكاح أن
يصيبها، ولو ولدت له جاريته جارية فجحدها فأحلفه القاضي وقضى بابنته جارية له جاز له أن
يصيبها، ولو شهد له على مال رجل ودمه بباطل أن يأخذ ماله ويقتله وقد بلغنا أنه سئل عن أشنع من
هذا وأكثر فقال فيه بما ذكرنا أنه يلزمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ثم حكى لنا عنه إنه يقول
في موضع آخر خلاف هذا القول يقول لو علمت امرأة أن زوجها طلقها فجحدها وحلف وقضى
القاضي بأن تقر عنده لم يسعها أن يصيبها وكان لها إذا أراد إصابتها قتله وهذا القول بعيد عن القول
الأول. والقول الأول وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعرفه أهل العلم من المسلمين
(قال) فخالفه صاحبه في الزوجة يشهد الرجلان بزور أن زوجها طلقها ففرق الحاكم بينهما فقال لا
يحل لاحد الشاهدين أن ينكحها ولا يحل القضاء ما حرم الله (قال) ثم عاد فقال ولا يحل للزوج أن
يصيبها فقيل أتكره له ذلك لئلا يقام عليه الحد فنحن نكرهه أم لغير ذلك؟ قال لذلك ولغيره قلنا أي
غير، قال قد حكم القاضي فهو يحل لغيره تزويجها وإذا حل لغيره تزويجها حرم عليه هو إصابتها فقيل له
أو لبعض من يقول قوله أرأيت قوله يحل لغيره تزويجها يعني من جهل أن حكم القاضي إنما كان بشهادة
زور فرأى أن حكمه بحق يحل له نكاحها فهو لا يحرم هذا عليه على الظاهر ويحرم عليه إن علم بمثل ما علم
الزوج وكذلك لا يحرم عليه في الظاهر لو نكح امرأة في عدتها وقد قالت له ليست على عدة أم يعني
أنه لو علم ما علم الزوج والمرأة أن الشاهدين شهدا بباطل حل له أن ينكحها فهذا الذي عبت على
صاحبك خلاف السنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا أحفظ عنه في هذا جوابا بأكثر مما
وصفت.
الحكم بين أهل الكتاب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين
أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شئ من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا
أن يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي
يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شئ منه
بحال، وكذلك لو تدراءوا هم ومستأمن لا يرضى حكمهم أو أهل ملة وملة أخرى لا ترضى حكمهم
وإن تداعوا إلى حكامنا فجاء المتنازعون معا متراضين فالحاكم بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم
وأحب إلينا أن لا يحكم فإن أراد الحكم بينهم قال لهم قبل أن ينظر فيه إني إنما أحكم بينكم بحكمي
بين المسلمين ولا أجيز بينكم إلا شهادة العدول المسلمين وأحرم بينكم ما يحرم في الاسلام من الربا
وثمن الخمر والخنزير وإذا حكمت في الجنايات حكمت بها على عواقلكم وإذا كانت جناية تكون على
العاقلة لم يحكم بها إلا برضا العاقلة فإن رضوا بهذا حكم به إن شاء وإن لم يرضوا لم يحكم فإن رضي
بعضهم وامتنع بعض من الرضا لم يحكم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال لي قائل ما الحجة في
أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا ثم يكون بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم؟ فقلت
له قول الله عز وجل لنبيه (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) الآية (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فإن جاءوك وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض وجعل له الخيار فقال
44

(فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) قال فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل (وأن احكم بينهم
بما أنزل الله) قلت له فاقرأ الآية (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك
فإن تولوا فاعلم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فسمعت من أرضى علمه يقول وأن أحكم بينهم إن
حكمت على معنى قوله (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فتلك مفسرة وهذه جملة وفي قوله (فإن
تولوا) دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه. الحكم بينهم، ولو كان قوله (وأن أحكم بينهم) إلزاما منه
للحكم بينهم ألزمهم الحكم متولين لأنهم إنما تولوا بعد الآتيان فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم
والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم
فيغير عليهم وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل (وأن أحكم بينهم) في معنى المسلمين انبغى
أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم وإن تولى عنه زوجان على حرام ردهما حتى يفرق
بينهما كما يرد زوجين من المسلمين لو توليا عنه وهما على حرام حتى يفرق بينهما (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: والدلالة على ما قال أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر
وفدك ووادي القرى وباليمن كانوا وكذلك في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا
بالشام والعراق واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ولم يسمع لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا
عثمان ولا على وهم بشر يتظالمون ويتدارءون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين
المسلمين تفقد منهم ما يتفقد من المسلمين ولو لزم الحكم إذا جاء الطالب لكان الطالب إذا كان له في
حكم المسلمين ما ليس له في حكم حكامه لجأ ولجأ المطلوب إذا رجا الفرج عند المسلمين ولجأوا في
بعض الحالات مجتمعين إن شاء الله تعالى ولو حكم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد من أئمة
الهدى بعده لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله فالدلالة على أن لم يحكموا بما وصفت بينة إن شاء الله
تعالى. وقلت له لو كان الأمر تقول فكانت إحدى الآيتين ناسخة للأخرى ولم تكن دلالة من خبر
ولا في الآية جاز أن يكون قول الله عز وجل (فأحكم بينهم أو أعرض عنهم) ناسخا لقوله (وأن
احكم بينهم وكانت عليها دلالة بما وصفنا في التنزيل قال فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة
المسلمين قلت قول الله عز وجل (وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط) والقسط حكم الله الذي أنزل
على نبيه وقول الله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) والذي أنزل الله حكم الاسلام فحكم
الاسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين وقد قال الله (وأشهدوا ذي عدل منكم) وقال تعالى
(حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) فلم يختلف المسلمون أن شرط الله في الشهود المسلمين الأحرار
العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة وكان فيما تداعوا الدماء
والأموال وغير ذلك لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بمن شرط الله من البينة وشرط الله المسلمين (1) أو بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من المسلمين ولم يستن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمناه ولا
أحد من أصحابه ولم يجمع المسلمون على إجازة شهادتهم بينهم وقلت له أرأيت الكذاب من المسلمين
أتجيز شهادته عليهم؟ قال لا ولا أجيز عليهم من المسلمين إلا شهادة العدول التي تجوز على المسلمين
فقلت له فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب الله وكتبوا الكتب بأيديهم (وقالوا هذا من عند

(1) أي أو إلا بسنة الخ أي أنه لا يباح الدم وغيره إلا بشهادة من شرط الله الخ أو بسنة رسول الله الخ، تأمل
45

الله ليشتروا به ثمنا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) قال فالكذاب من المسلمين على
الآدميين أخف في الكذب ذنبا من العاقد الكذب على الله بلا شبهة تأويل وأدنى المسلمين خير من
المشركين فكيف ترد عنهم شهادة من هو خير منهم بكذب وتقبلهم وهم شر بكذب أعظم منه؟ والله
أعلم.
الشهادات
(أخبر الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي) رحمه الله تعالى: قال قال الله تبار ك وتعالى
(لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وقال (واللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال الله عز وجل (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي
هريرة أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فالكتاب والسنة يدلان
على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عدل (قال) والاجماع
يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه (قال) وسواء أي زنا ما كان زنا
حرين أو عبدين أو مشركين لأن كله زنا ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا أو على رجل أو عليهما معا لم
ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة لأن اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع حتى يصف الشهود الأربعة
الزنا فإذا قالوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فأثبتوه حتى تغيب الحشفة
فقد وجب الحد ما كان الحد رجما أو جلدا وإن قالوا رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا
حد ويعزر فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل فإن شهدوا على
امرأة فأنكرت وقالت أنا عذراء أو رتقاء أريها النساء فإن شهد أربعة حرائر عدول على أنها عذراء أو
رتقاء فلا حد عليها لأنها لم يزن بها إذا كانت هكذا الزنا الذي يوجب الحد ولا حد عليهم من قبل أنا
وإن قبلنا شهادة النساء فيما يرين على ما يجزن عليه فإنا لا نحدهم بشهادة النساء وقد يكون الزنا فيما دون
هذا فإن ذهب ذاهب إلى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إذا أرخيت الستور فقد وجب
الصداق (1) فقد قال عمر ذلك فيما بلغنا وقال ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فأخبر أن الصداق
يجب بالمسيس وإن لم يكن أرخى سترا ويجب بإرخاء الستر وإن لم يكن مسيس وذهب إلى أنها إذا خلت
بينه وبين نفسها فقد وجب لها الصداق وجعل ذلك كالقبض في البيوع الذي يجب به الثمن وهو لو
أغلق عليها بابا وأرخى سترا وأقام معها حتى تبلى ثيابها وتلبث سنة ولم يقر بالإصابة ولم يشهد عليه بها لم
يكن عليه حد عند أحد والحد ليس من الصداق بسبيل الصداق يجب بالعقدة فلو عقد رجل على
امرأة عقدة نكاح ثم مات أو ماتت كان لها الصداق كاملا وإن لم يرها وليس معنى الصداق من معنى
الحدود بسبيل (قال) وإذا شهد أربعة على محصن أنه زنى بذمية حد المسلم ودفعت الذمية إلى أهل

(1) لعل هذا هو جواب قوله (فإن ذهب) وغرض الإمام إبداء الفرق بين الصداق والحد فلا يقاس أحدهما
بالآخر، فتأمل. كتبه مصححه.
46

دينها في قول من لا يحكم عليهم إلا أن يرضوا فأما من قال نحكم عليهم رضوا أو لم يرضوا فيحدها
حدها إن كانت بكرا فمائة ونفي عام وإن كانت ثيبا فالرجم (قال) وإذا شهد أربعة على رجل أنه
وطئ هذه المرأة فقال هي امرأتي وقالت ذلك أو قال هي جاريتي فالقول قولهما ولا يكشفان في ذلك
ولا يحلفان فيه إلا أن يحضرهما من يعلم غير ما قالا وتثبت عليه الشهادة أو يقرأن بعد بخلاف ما ادعيا
فلا يجوز إلا ما وصفت من قبل أن الرجل قد ينكح المرأة ببلاد غربة وينتقل بها إلى غيرها وينكحها
بالشاهدين والثلاثة فيغيبون ويموتون ويشتري الجارية بغير بينة وببينة فيغيبون فتكون الناس أمناء على
هذا لا يحدون وهم يزعمون أنهم أتوا ما أحل الله تعالى لهم ونحن لا نعلمهم كاذبين ولا يجوز أن نقول
يحد كل من وجدناه يجامع إلا أن يقيم بينة على نكاح أو شراء وقد يأخذ الفاسق الفاسقة فيقول هذه
امرأتي وهذه جاريتي فإن كنت أدرأ عن الفاسق بأن يقول جيرانه رأيناه يدعي أنها زوجته وتقر بذلك
ولا يعلمون أصل نكاح درأت عن الصالح الفاضل يقول هذه جاريتي لأنه قد يشتريها بغير بينة ويقول
هذه امرأتي على أحد هذه الوجوه ثم كان أولى أن يقبل قوله من الفاسق وكل لا يحد إذا ادعى ما
وصفت والناس لا يحدون إلا بإقرارهم أو ببينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم فأما بغير ذلك فلا
نحد (قال) وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا أو إكراها لم تحد فإن ذهب ذاهب في الحامل
خاصة إلى أن يقول قال عمر بن الخطاب الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنا إذا قامت
البينة أو كان الحبل أو الاعتراف فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع
الحبل إقرار بالزنا أو غير ادعاء نكاح أو شبهة يدرأ بها الحد.
باب إجازة شهادة المحدود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا
تابوا فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى
الحال الحسنة والعفاف عن الذنب الذي أتى وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير
مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال والكف عن
القذف وأما من جد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول
قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه لأنا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة ألا
ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم والحجة في قبول شهادة القاذف أن
الله عز وجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في
سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر
وليس عند زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح
وهم يخالفون شريحا لرأى أنفسهم وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال إن أبا بكرة قال لرجل
أراد أن يستشهده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت
قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التي
حد بها قال فإن قلت نعم؟ قلت فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق فأي شئ استثني له بالتوبة؟ قال
فإن قلنا لم يتب قلت فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته قال فما توبته إذا كان حسن
47

الحال قلت إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبي قال فهل في هذا خبر؟ قلت ما نحتاج مع القرآن
إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزاني والقاتل والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة
الزنديق إذا تاب والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد
بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا قال فهل عندك أثر؟ قلت نعم أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول
زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لاخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان فذهب
على حفظي الذي سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى فقلت لسفيان فهو سعيد؟ قال نعم إلا أنى شككت فيه فلما أخبرني لم أشك
ولم أثبته عن الزهري حفظا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة
القاذف إذا تاب وسئل الشعبي عن القاذف فقال أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟ أخبرنا ابن علية
عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت
بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير
منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه ما لا يحل
له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة أو
شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه لأنه ليس في معاني القذفة.
باب شهادة الأعمى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته لأن
الشهادة إنما وقعت؟ وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شئ وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو
أعمى على شئ قال أثبته كما أثبت كل شئ بالصوت أو الحس فلا تجوز شهادته لأن الصوت يشبه الصوت
والحس يشبه الحس فإن قال قائل فالأعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الأزواج إذا لم يأتوا
بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الأزواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الأزواج
والأجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان أو بينة وسواء
قال الزوج رأيت امرأتي تزني أو لم يقله كما سواء أن يقول الأجنبيون رأيناها تزني أو هي زانية لا فرق بين ذلك
فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات لأن الأعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير
فقد يعرفها معرفة يكتفي بها وتعرفه هي معرفة البصير وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة
مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة والمضجع وقد يوجد من شهادة
الأعمى بد لأن أكثر الناس غير عمي فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم لم ندخل عليه ضررا وليس على
أحد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل لأنه لا يجد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا
وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غير مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته
ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أو لا ترى أنه لا يجوز
له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث
48

إنما قبل على صدق المخبر وعلى الأغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل ألا ترى أنا نقبل في الحديث
حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول أشهد لسمعت فلانا
ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شئ ونقبل حديث العبد
الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير
الشهادة.
شهادة الوالد للولد والولد للوالد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى عليه لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا لبني بنيه ولا لبني بناته وإن
تسفلوا ولا لآبائه وإن بعدوا لأنه من آبائه وإنما شهد لشئ هو منه وأن بنيه منه فكأنه شهد لبعضه وهذا
مما لا أعرف فيه خلافا ويجوز بعد شهادته لكل من ليس منه من أخ وذي رحم وزوجة لأني لا أجد في
الزوجة ولا في الأخ علة أرد بها شهادته خبرا ولا قياسا ولا معقولا وإني لو رددت شهادته لزوجته لأنه
قد يرثها وترثه في حال رددت شهادته لمولاه من أسفل إذا لم يكن له ولد لأنه قد يرثه في حال ورددت
شهادته لعصبته وإن كان بينه وبينهم مائة أب ولست أجده يملك مال امرأته ولا تملك ماله فيكون يجر
إلى نفسه بشهادته ولا يدفع عنها وهكذا أجده في أخيه ولو رددت شهادته لأخيه بالقرابة رددتها لابن
عمه لأنه ابن جده الأدنى ورددتها بابن جده الذي يليه ورددتها لأبي الحد الذي فوق ذلك حتى
أردها على مائة أب أو أكثر قال ولو شهد أخوان لأخ بحق أو شهد عليه أحد بحق فجرحاه قبلت
شهادتهما ولو رددتها في إحدى الحالين لرددتها في الأخرى (قال) وكذلك لو شهدوا له وهو مملوك أنه
أعتق وكذلك لو جرحوا شاهدين شهدا عليه بحد قيلتهم لأن أصل الشهادة أن تكون مقبولة أو مردودة
فإذا كانت مقبولة للأخ قبلت في كل شئ فإن قال قائل فقد يجرون إلى أنفسهم الميراث إذا صار حرا
قيل له أفرأيت إن كان له ولد أحرار أو رأيت إن كان ابن عم بعيد النسب قد يرثونه إن مات ولا ولد له
أو رأيت إن كان رجل من أهل العشيرة متراخي النسب أترد شهادتهم له في الحد يدفعونه بجرح من
شهدوا على جرحه ممن شهد عليه أو بعتقه فإن قال نعم قيل أفرأيت إن كانوا حلفاء فكانوا يعيرون بما
أصاب حليفهم أو كانوا أصهارا فكانوا يعيرون بما أصاب صهرهم وإن بعد صهره وكان من عشيرة
صهرهم الأدنى أو رأيت إن كانوا أهل صناعة واحدة يعابون معا ويمدحون معا من علم أو غيره فإن رد
شهادتهم لم يخل الناس من أن يكون هذا فيهم وإن أجازها في هذا فقد أجازها وفيها العلة التي أبطلها
بها (قال) ولا تجوز شهادة أحد غير الأحرار المسلمين البالغين العدول.
شهادة الغلام والعبد والكافر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ والعبد قبل أن يعتق والكافر قبل
أن يسلم لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف فإذا بلغ الصبي
وعتق العبد وأسلم الكافر وكانوا عدولا فشهدوا بها قبلت شهادتهم لأنا لم نردها في العبد والصبي بعلة
سخط في أعمالهما ولا كذبهما ولا بحال سيئة في أنفسهما لو انتقلا عنها وهما بحالهما قبلناهما إنما رددناها لأنهما
ليسا من شرط الشهود الذين أمرنا بإجازة شهادتهم ألا ترى أن شهادتهما وسكاتهما في مالهما تلك سواء
49

وأنا لا نسأل عن عدلهما ولو عرفنا عدلهما كان مثل جرحهما في أن لا تقبل شهادتهما في أن هذا لم يبلغ وأن
هذا مملوك وفي الكافر وإن كان مأمونا على شهادة الزور في أنه ليس من الشرط الذي أمرنا بقبوله فإذا
صاروا إلى الشرط الذي أمرنا بقبوله قبلناهم معا وكانوا كمن لم يشهد إلا في تلك الحال فأما الحر المسلم
البالغ ترد شهادته في الشئ ثم تحسن حاله فيشهد بها فلا نقبلها لأنا قد حكمنا بإبطالها لأنه كان عندنا
حين شهد في معاني الشهود الذين يقطع بشهادتهم حتى اختبرنا أنه مجروح فيها بعمل شئ أو كذب
فاختبر فرددنا شهادته فلا نجيزها وليس هكذا العبد ولا الصبي ولا الكافر أولئك كانوا عدولا أو غير
عدول ففيهم علة أنهم ليسوا من الشرط وهذا من الشرط إلا بأن يختبر عمله أو قوله، والله تعالى
الموفق.
شهادة النساء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين في مال يجب للرجل على
الرجل فلا يجوز من شهادتهن شئ وإن كثرن إلا ومعهن رجل شاهد ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع
الرجل فصاعدا ولا تجيز اثنتين ويحلف معهما لأن شرط الله عز وجل الذي أجازهما فيه مع شاهد يشهد
بمثل شهادتهما لغيره قال الله عز وجل (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فأما رجل يحلف لنفسه
فيأخذ فلا يجوز وهذا مكتوب في كتاب اليمين مع الشاهد والموضع الثاني حيث لا يرى الرجل من
عورات النساء فإنهن يجزن فيه منفردات ولا يجوز منهن أقل من أربع إذا انفردن قياسا على حكم الله
تبارك وتعالى فيهن لأنه جعل اثنتين تقومان مع رجل مقام رجل وجعل الشهادة شاهدين أو شاهدا
وامرأتين فإن انفردن فمقام شاهدين أربع وهكذا كان عطاء يقول أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يجوز في شئ من الحدود ولا في شئ من الوكالات ولا الوصية ولا
ما عدا ما وصفت من المال وما لا يطلع عليه الرجال من النساء أقل من شاهدين ولا يجوز في العتق
والولاء ويحلف المدعى عليه في الطلاق والحدود والعتاق وكل شئ بغير شاهد وبشاهد فإن نكل رددت
اليمين على المدعي وأخذت له بحقه وإن لم يحلف المدعى لم آخذ له شيئا ولا أفرق بين حكم هذا وبين
حكم الأموال.
شهادة القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا كان القاضي عدلا فأقر رجل بين يديه بشئ كان الاقرار
عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد لأنه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور، والاقرار عنده
ليس فيه شك. وأما القضاة اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم سبيلا إلى أن يجوروا
على الناس، والله تعالى الموفق.
رؤية الهلال
(قال الشافعي) قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يلزم الإمام الناس أن يصوموا إلا بشهادة
عدلين فأكثر وكذلك لا يفطرون وأحب إلى لو صاموا بشهادة العدل لأنهم لا مؤنة عليهم في الصيام إن
50

كان من رمضان أدوه وإن لم يكن رجوت أن يؤجروا به ولا أحب لهم هذا في الفطر لأن الصوم عمل بر
والفطر ترك عمل. أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت
الحسين رضي الله تعالى عنه أن شاهدا شهد عند علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على رؤية هلال
شهر رمضان فصام أحسبه قال وأمر الناس بالصيام وقال أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر
يوما من رمضان أحسبه (شك الشافعي) قال الربيع رجع الشافعي بعد فقال لا يصام إلا بشاهدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان علي رضي الله تعالى عنه: أمر الناس بالصوم فعلى معنى
المشورة لا على معنى الالزام، والله تعالى أعلم.
شهادة الصبيان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا تجوز شهادة الصبيان في حال من الأحوال لأنهم ليسوا ممن
نرضى من الشهداء وإنما أمرنا الله عز وجل أن نقبل شهادة من نرضى ومن قبلنا شهادته قبلناها حين
يشهد بها في الموقف الذي يشهد بها فيه وبعده وفي كل حال ولا أعرف مكان من تقبل شهادته قبل أن
يعلم ويجرب ويفارق موقفه إذا علمنا أن عقل الشاهد هكذا فمن أجاز لنا أن نقبل شهادة من لا يدري
ما لله تبارك وتعالى اسمه عليه في الشهادة وليس عليه فرض: فإن قال قائل فإن ابن الزبير قبلها قيل:
فابن عباس ردها والقرآن يدل على أنهم ليسوا ممن يرضى أخبرنا سفيان عن عمر وعن ابن أبي مليكة
عن ابن عباس.
الشهادة على الشهادة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: تجوز الشهادة على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على شهادة الرجل
ولا المرأة حيث تجوز إلا رجلان ولا يجوز أن يشهد على واحد منهما نساء مع رجل وإن كان ذلك في
مال لأنهن لا يشهدن على أصل المال إنما يشهدن على تثبيت شهادة رجل أو امرأة وإذا كان أصل
مذهبنا أنا لا نجيز شهادة النساء إلا في مال أو فيما لا يراه الرجال لم يجز لنا أن نجيز شهادتهن على شهادة
رجل ولا امرأة.
الشهادة على الجراح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا أقام رجل شاهدا على جرح خطأ أو عمدا مما لا قصاص فيه
حال حلف مع شاهده يمينا واحدة وكان له الأرش وإن كان عمدا فيه قصاص بحال لم يحلف ولم يقبل
فيه إلا شاهدان ولو أجزنا اليمين مع الشاهد في القصاص أجزناها في القتل وأجزناها في الحدود
ووضعناها الموضع الذي لم توضع فيه وسواء كان ذلك في عبد قتله حر أو نصراني قتله حر مسلم أو جرح
قال وشهادة النساء فيما كان خطأ من الجراح وفيما كان عمدا لا قصاص فيه بحال جائزة مع رجل ولا
يجزن إذا انفردن ولا يمين لطالب الحق معهن وحدهن (1) فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول أن القسامة

(1) قوله فإن ذهب الخ كذا في النسخ وتأمله.
51

تجب بشاهد في النفس فيقتل ولي الدم فالقسامة تجب عنده بدعوى المقتول أو الفوت من البينة ولا يجوز
له إلا أن يزعم أن الجرح الذي فيه القود مثل النفس فيقضي فيه بالقسامة ويجعلها خمسين يمينا ولا
يفرق بينه وبين القسامة في النفس بحال أو يزعم أن القسامة لا تكون إلا في النفس فأصل حكم الله
تعالى في الشهادة شاهدان أو شاهد وامرأتان في المال وأصل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا
أنه حكم باليمين مع الشاهد في الأموال والقصاص ليس بمال قال فلا ينبغي إلا أن لا يجاز على
القصاص إلا شاهدان إلا أن يقول قائل في الجراح أن فيها قسامة مثل النفس فإذا أبى من يقول هذا أن
يقبل شاهدا وامرأتين ثم يقتص كان ينبغي أن يكون لأن يقبل يمينا وشاهدا أشد إباء.
شهادة الوارث
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا شهد وارث وهو عدل لرجل أن أباه أوصى له بالثلث وجاء
آخر بشاهدين يشهدان له أن أباه أوصى له بالثلث فهو مثل الرجلين يقيم أحدهما شاهدين على الدار
بأنها له ويقيم الآخر شاهدا أنها له لا اختلاف بينهما فمن رأى أن يسوى بين شاهد ويمين في هذا وبين
شاهدين أحلف هذا مع شاهده وجعل الثلث بينهما نصفين ومن لم ير ذلك لأن الشهادة لم تتم حتى
يكون المشهود له مستغنيا عن أن يحلف جعل الثلث لصاحب الشاهدين وأبطل شهادة الوارث إذا كان
وحده ولو كان معه وارث آخر تجوز شهادته أو أجنبي كان الثلث بينهما نصفين في القولين معا قال ولو أن
الوارث شهد أن أباه رجع عن وصيته للمشهود له وصيره إلى هذا الآخر حلف مع شاهده وكان الثلث
له وهذا يخالف المسألة الأولى لأنهما في المسألة الأولى مختلفان وهذا يثبت ما ثبتا ويثبت أن أباه رجع
فيه قال ولو مات رجل وترك بنين عددا فاقتسموا أو لم يقتسموا ثم شهد أحد الورثة لرجل أن أباه أوصى
له بالثلث فإن كان عدلا حلف مع شاهده وأخذ الثلث من أيديهم جميعا وإن كان غير عدل أخذ ثلث
ما في يديه ولم يأخذ من الآخرين شيئا وأحلفوا له وهكذا لو كان الشاهد امرأتين من الورثة أو عشرا من
الورثة لا رجل معهن أخذ ثلث ما في أيديهن ولم تجز شهادتهن على غيرهن ممن لم يقر ولم يحلف المشهود
له مع شهادتهن قال ولو كان الميت ترك ألفا نقدا وألفا دينا على أحد الوارثين فشهد الذي عليه الدين
لرجل أنه أوصى له بالثلث فإن كان عدلا أعطاه ثلث الألف التي عليه لأنها من ميراث الميت وأعطى
الآخر ثلث الألف التي أخذ إذا حلف (1) وإن كان مفلسا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر
الوارث بدين على أبيه ثم أقر عليه بدين بعده فسواء الاقرار الأول والاقرار الآخر لأن الوارث لا يعدو أن
يكون إقراره على أبيه يلزمه فيما صار في يديه من ميراث أبيه كما يلزمه ما أقر به في مال نفسه وهو لو أقر
اليوم لرجل عليه بدين وغدا الآخر لزمه ذلك كله ويتحاصان في ماله أو يكون إقراره ساقطا لأنه لم يقر
على نفسه فلا يلزمه واحد منهما وهذا مما لا يقوله أحد علمته بل هما لازمان معا ولو كان معه وارث وكان
عدلا حلفا مع شاهدهما ولو لم يكن عدلا كانت كالمسألة الأولى ويلزمه ذلك فيما في يديه دون ما في
يدي غيره قال وإذا مات رجل وترك وارثا أو ورثة فأقر أحد الورثة في عبد تركه الميت أنه لرجل بعينه ثم
عاد بعد فقال بل هو لهذا الآخر فهو للأول وليس للآخر فيه شئ ولا غرم على الوارث قال وكذلك لو

(1) أي وإن كان الآخر مفلسا لأن عين مال الميت عنده وقد استحق الموصى له منها ثلثها تأمل.
52

وصل الكلام فقال هو لهذا بل هو لهذا كان للأول منهما وذلك أنه حينئذ كالمقر في مال غيره فلا يصدق
على إبطال إقرار قد قطعه لآخر بأن يخرجه إلى آخر، وليس في معنى الشاهد الذي شهد بما لا يملك
لرجل ثم يرجع قبل الحكم فيشهد به لآخر قال وإذا مات الميت وترك ابنين فشهد أحدهما لرجل بدين
فإن كان ممن تجوز شهادته أخذ الدين من رأس المال مما في يدي الوارثين جميعا إذا حلف المشهود له
وإن كان ممن لا تجوز شهادته أخذ من يدي الشاهد له من دينه بقدر ما كان يأخذ منه لو جازت شهادته
لأن موجودا في شهادته إنه إنما له في يدي المقر حق وفي يدي الجاحد حق فأعطيته من المقر ولم أعطه
من الجاحد شيئا وليس هذا كما هلك من مال الميت ذاك كما لم يترك، ألا ترى أنه لو ترك الفين فهلكت
إحداهما وثبت عليه دين ألف أخذت الألف وكذلك لو ثبت لرجل وصية بالثلث أخذ ثلث الألف
وكانت الهالكة كما لم يترك ولو قسم الورثة ماله اتبع أهل الدين وأهل الوصية كل وإرث بما صار في يديه
حتى يأخذوا من يديه بقدر ما صار لهم، ولو أفلسوا فأعطى أهل الدين دينهم من يدي من لم يفلس
رجع به على من أفلس وهذا الشاهد لا يرجع أبدا على أخيه بشئ إنما هو أقربه قال ولو ترك الميت
رجلا وارثا واحدا فأقر لرجل أن له هذا العبد بعينه ثم أقر به بعد لهذا فهو للأول ولا يضمن للآخر شيئا
وسواء دفع العبد إلى المقر له الأول أو لم يدفعه لا فرق بينهما ولو زعمت أنه إذا دفعه إلى الأول ثم أقر به
للآخر ضمن للآخر قيمة العبد لأنه قد استهلكه بدفعه إلى الأول قلت كذلك لو لم يدفعه (1) من قبل
أني إذا أجزت إقراره الأول ثم أردت أن أخرج ذلك من يدي الأول إلى الآخر بإقرار كنت أقررت في
مال غيري فلا أكون ضامنا لذلك وسواء كان الوارث إذا كان منفردا بالميراث ممن تجوز شهادته أو لا
تجوز في هذا الباب من قبل أن لا أقبل شهادته في شئ قد أقر به لرجل وخرج من ملكه إليه قال
وهكذا لو أقر أن أباه أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال بل أوصى به لهذا لم أقبل قوله من قبل أني قد
ألزمته أن أخرج من يديه ثلث مال أبيه إليه فإذا أراد إخراجه إلى غيره جعلته خصما للذي استحقه أولا
بإقراره فلا أقبل شهادته فيما هو فيه خصم له، قال ولو اقتسم الورثة ثم لحق الميت دين أو وصية بشهادة
وارث أو غير وارث فذلك كله سواء ويقال للورثة إن تطوعتم أن تؤدوا على هذا دينه وتثبتون على القسم
فذلك وإن أبيتم بعنا لهذا في أحضر ما ترك الميت ونقضنا القسم بينكم ولم نبع على كل واحد منهم بقدر
الدين ولا بقدر الوصية، ألا ترى أنه لو ترك دارا وأرضا ورقيقا وثيابا ودراهم وترك دينا أعطينا
صاحب الدين من الدراهم الحاضرة ولم نحبسه على غائب يباع ولم نبع له مال الميت كله وبعنا له من
مال الميت بقدر دينه أو وصيته!
الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي في كل حق
للآدميين من مال أو حد أو قصاص وفي كل حد لله تبارك وتعالى قولان: أحدهما: أنها تجوز والآخر لا
تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات فمن قال تجوز فشهد شاهدان على رجال بالزنا وأربعة على شهادة
آخرين بالزنا لم تقبل الشهادة حتى يصفوا زنا واحدا وفي وقت واحد ويثبت الشاهدان على رؤية الزنا

(1) هذا تعليل لنفي الضمان. فتنبه.
53

وتغيب الفرج في الفرج وتثبت الشهود على الشاهدين مثل ذلك ثم يقام عليه الحد (قال) وهكذا كل
شهادة زنا لا يقبلها الحاكم فيحد بها حتى يشهدوا بها على زنا واحد فإن شهدوا فأبهموا ولم يصفوا أنها
رؤية واحدة ثم مات أحدهم أو ماتوا أو غاب أحدهم أو غابوا لم يحدده ولم يحددهم من قبل أنهم لم
يثبتوا عليه ما يوجب عليه الحد (قال) وهكذا لو شهد ثمانية على أربعة في هذا القول أقيم عليه الحد
(قال) وإذا سمع الرجلان الرجل يقول أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما اشهدا فليس
عليهما أن يقوما بهذه الشهادة فإن قاما بها فليس للقاضي أن يحكم بها لأنه لم يسترعهم الشهادة فيكون
إنما شهد بحق ثابت عنده وقد يجوز أن يقول أشهد أن لفلان عليه ألف درهم وعده إياها أو من وجه لا
يجب لأنه غير مأخوذ بها فإذا كان مؤديها إلى القاضي أو يسترعي من يؤديها إلى القاضي لم يكن ليفعل إلا
وهي عنده واجبة وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه وإن كان على الصحة حتى يسأله من أين هي له
عليه فإن قال بإقرار منه أو ببيع حضرته أو سلف أجازه فإن قال هذا ولم يسأله القاضي كان موضع غبا
ورأيته جائزا من قبل أنه إنما شهد بها على الصحة (قال) وإن أشهد شاهد على شهادة غيره فعليه أن
يؤديها وليس للقاضي أن يقبلها حتى يكون معه غيره (قال) وإذا سمع الرجل الرجل يقر لرجل بمال
وصف ذلك من غصب أو بيع أو لم يصف ولم يشهده المقر فلازم له أن يؤديها وعلى القاضي أن يقبله
وذلك أن إقراره على نفسه أصدق الأمور عليه (قال) وإذا سمع الرجل الرجل يقول أشهد أن لفلان
على فلان حقا لم يلزم فلانا لأنه لم يقر به وإقرار غيره عليه لا يلزمه ولا يلزمه شئ من ذلك إلا أن يكون
شاهدا عليه والشهادة عليه أن يقوم بها عند الحاكم أو يسترعيها شاهدا فأما أن ينطق بها وهي عنده
كالمزاح فيسمع منه ولا يسترعيها فهذا بين أن ما أقر به على غيره ولا يلزم غيره إقراره ولم يكن شاهدا به
فيلزم غيره شهادته (قال) وإذا شهد الشاهدان على رجل أنه قد سرق مالا لرجل فوصفا المال ولم يصفا
من حيث سرقه أو وصفا من حيث سرقه ولم يصفا المال فلا قطع عليه لأنه قد يكون سارقا لا قطع عليه
وذلك أن يختلس أو يسرق من غير حرز أو يسرق أقل من ربع دينار فإن مات الشاهدان أو غابا لم
يقطع، وإذا ماتا خلى بعد أن يحلف فإذا عابا حبس حتى يحضرا ويكتب إلى قاضي البلد الذي هما فيه
فيقفهما ثم يقبل ذلك من قبل كتاب القاضي في السرقة ومن لم يقبل كتاب القاضي في السرقة لم
يكتب، وإن كانا وصفا السرقة ولم يصفا الحرز أغرمها السارق ولم يقطع (قال) وإذا شهد شهود الزنا
على الزنا لم يقم الحد حتى يصفوا الزنا كما وصفت فإن فعلوا أقيم الحد وإن لم يفعلوا حتى غابوا (1) أو
ماتوا أو غاب أحدهم حبس حتى يصفه فإن مات أحدهم خلى سبيله ولا يقيم الحد عليه أبدا حتى
يجتمع أربعة يصفون زنا واحدا فيجب بمثله الحد أو يحلفه ويخليه ويكون فيما يسأل الإمام الشهود عليه
أزنى بامرأة لأنهم قد يعدون الزنا وقع على بهيمة ولعلهم أن يعدوا الاستمناء زنا فلا نحده أبدا حتى يثبتوا
الشهادة ويبينوها له فيما يجب في مثله الزنا (قال) وإذا شهد ثلاثة على رجل بالزنا فأثبتوه فقال الرابع
رأيته نال منها ولا أدري أغاب ذلك منه في ذلك منها؟ فمذهب أكثر المفتين أن يحد الثلاثة ولا يحد
الرابع ولو كان الرابع قال أشهد أنه زان (2) ثم قال هذا القول انبغي أن يحد في قولهم لأنه قاذف لم
يثبت الزنا الذي في مثله الحد ولم يحدوا، وهكذا لو شهد أربعة فقالوا رأيناه على هذه المرأة فلم يثبتوا لم

(1) قوله: أو ماتوا لعله مقدم من تأخير إلا فلو ماتوا قبل الوصف خلى سبيل المشهود عليه.
(2) لعله (ثم قالوا) تأمل.
54

يحد ولم يحدوا، ولو قالوا زنى بهذه المرأة ثم لم يثبتوا حدوا بالقذف لأنهم قذفة لم يخرجوا بالشهادة
(قال) وإذا شهد الشهود على السارق بالسرقة لم يكن للامام أن يلقنه الحجة وذلك أنه لو جحد قطع
ولكن لو ادعيت عليه السرقة ولم تقم عليه بينة فكان من أهل الجهالة بالحد إما بأن يكون مسلما بحضرة
سرقته جاء من بلاد حرب وإما أن يكون جافيا ببادية أهل جفاء لم أر بأسا بأن يعرض له بأن يقول لعله
لم يسرق فأما أن يقول له أجحد فلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على سرقة
فاختلفا في الشهادة فقال أحدهما سرق من هذه الدار كبشا لفلان وقال الآخر بل سرقه من هذه الدار أو
شهد بالرؤية معا وقالا معا سرقه من هذا البيت وقال أحدهما بكرة وقال الآخر عشية أو قال أحدهما
سرق الكبش وهو أبيض وقال الآخر سرقه وهو أسود أو قال أحدهما كان الذي سرق أقرن وقال الآخر
أجم غير أقرن أو قال أحدهما كان كبشا وقال الآخر كان نعجة فهذا اختلاف لا يقطع به حتى يجتمعا
على شئ واحد يجب في مثله القطع ويقال للمسروق منه كل واحد من هذين يكذب صاحبه فادع
شهادة أيهما شئت واحلف مع شاهدك فإن قال أحدهما سرق كبشا ووصفه بكرة وقال الآخر سرق كبشا
ووصفه عشية فلم يدع المسروق إلا كبشا حلف على أي الكبشين شاء وأخذه أو ثمنه إن فات، وإن
ادعى كبشين حلف مع شهادة كل واحد منهما وأخذ كبشين إذا لم يكونا وصفا أن السرقة واحدة واختلفا
في صفتهما فهذه سرقتان يحلف مع كل واحد منهما ويأخذه (قال) وكذلك لو شهد عليه شاهد أنه
شرب خمرا اليوم وشاهد آخر أنه شرب خمرا أمس لم يحد من قبل أن أمس غير اليوم، وكذلك لو
شهد عليه شاهدان أنه زنى بفلانة في بيت كذا وشهد آخران أنه زنى بها في بيت غيره فلا حد على
المشهود عليه ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم، وإذا شهد شاهد على رجل أنه قذف رجلا
اليوم وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد،
وهكذا لو شهدا عليه بالطلاق فقال أحدهما قال لامرأته أمس أنت طالق وقال الآخر قال لها اليوم أنت
طالق فلا طلاق من قبل أن طلاق أمس غير طلاق اليوم وشهادتهما على ابتداء القول الذي يقع به الآن
الحد أو الطلاق أو العتق كشهادتهما على الفعل وليس هذا كما يشهدان عليه بأنه أقر بشئ مضى منه
(قال) ويحلف في كل شئ من هذا إذا أبطلت عنه الشهادة استحلفته ولم يكن عليه شئ (قال)
وهكذا لو قال أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فدخلها وقال الآخر أشهد أنه قال
لامرأته أنت طالق إن ركبت الدابة فركبتها لم تطلق امرأته لأن كل واحد منهما يشهد عليه بطلاق غير
طلاق الآخر (قال) وإذا سرق السارق السرقة فشهد عليه أربعة فشهد اثنان أنه ثوب كذا وقيمته كذا
وشهد الآخران أنه ذلك الثوب بعينه وقيمته كذا فكانت إحدى الشهادتين يجب فيها القطع والأخرى لا
يجب بها القطع فلا قطع عليه من قبل أنا ندرأ الحدود بالشبهة وهذا أقوى ما يدرأ به الحد ونأخذه بالأقل
من القيمتين في الغرم لصاحب السرقة وليس هذا كالذي يشهد عليه رجلان رجل بألف والآخر بألفين
من قبل أنه قد يكون لذلك ألف من وجه وألفان من وجه وهذا لا يكون له إلا ثمن ذلك الثوب الذي
اجتمعوا عليه وليس شهود الزيادة بأولى من شهود النقص وأحلفه مع الشاهد الواحد على القيمة إذا
ادعى شهادة اللذين شهدا على أكثر القيمتين (قال) ومن شهد على رجل بغير الزنا فلم تتم الشهادة فلا
حد على الشاهد ولا بأس أن يفرق القاضي بين الشهود إذا خشي عبثهم أو جهلهم بما يشهدون عليه ثم
يوقفهم على ما شهدوا عليه وعلى الساعة التي يشهدون فيها وعلى الفعل والقول كيف كان وعلى من حضر
ذلك معهم وعلى ما يستدل به على صحة شهادتهم وشهادة من شهد معهم (قال) وهكذا إذا اتهمهم
55

بالتحامل أو الحيف على المشهود عليه والتحامل لمن يشهدون له أو الجنف له فإن صححوا الشهادة قبلها
وإن اختلفوا فيها اختلافا يفسد الشهادة ألغاها (قال) وإذا أثبت الشهود الشهادة على أي حد ما كان ثم
غابوا أو ماتوا قبل أن يعدلوا ثم عدلوا أقيم عليه الحد، وهكذا لو كان عدولا ثم غابوا قبل أن يقام الحد
أقيم وهكذا لو خرسوا أو عموا (قال) وإذا كان الشهود عدولا أو عدلوا عند الحاكم أطرد المشهود عليه
جرحتهم وقبلها منه على من كان من الناس لا فرق بين الناس في ذلك لأنا نرد شهادة أفضل الناس
بالعداوة والجر إلى نفسه والدفع عنها ولا نقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به الجارح المجروح
فإن الناس قد يجرحون بالاختلاف والأهواء ويكفر بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا ويجرحون
بالتأويل فلا يقبل الجرح إلا بنص ما يرى هو مثله يجرح كان الجارح فقيها أو غير فقيه لما وصفت من
التأويل (قال) وإذا شهد شهود على رجل بحد ما كان أو حق ما كان فقال المشهود عليه هم عبيد أو لم
يقله فحق على الحاكم أن لا يقبل شهادة أحد منهم حتى يثبت عنده بخبرة منه بهم أو ببينة تقوم عنده
أنهم أحرار بالغون مسلمون عدول فإذا ثبت هذا عنده أخبر المشهود عليه ثم أطرده جرحتهم فإن جاء بها
قبلها منه وإن لم يأت بها أنفذ عليه ما شهدوا به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس من الناس
أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بشئ من معصية ولا ترك مروءة
ولا يمحض المعصية ويترك المروءة حتى لا يخلطه بشئ من الطاعة والمروءة فإذا كان الأغلب على
الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية
وخلاف المروءة رددت شهادته وكل من كان مقيما على معصية فيها حد وأخذ فلا نجيز شهادته وكل من
كان منكشف الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرب بشهادة زور وإن كان
غير كذاب في الشهادات ومن كان إنما يظن به الكذب وله مخرج منه لم يلزمه اسم كذاب وكل من
تأول فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد أو لم يكن لم ترد شهادته بذلك ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين
ونصب علما في البلدان من قد يستحل المتعة فيفتي بأن ينكح الرجل المرأة أياما بدراهم مسماة وذلك
عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد وذلك عندنا
وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من قد تأول فاستحل سفك الدماء
و لا نعلم شيئا أعظم من
لدماء بعد الشرك ومنهم من تأول فشرب كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه وغيره
يحرمه، ومنهم من أحل إتيان النساء في أدبارهن وغيره يحرمه، ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره
فإذا كان هؤلاء مع ما وصفت وما أشبهه أهل ثقة في دينهم وقناعة عند من عرفهم وقد ترك عليهم ما
تأولوا فأخطأوا فيه ولم يجرحوا بعظيم الخطأ إذا كان منهم على وجه الاستحلال كان جميع أهل الأهواء
في هذه المنزلة فإذا كانوا هكذا فاللاعب بالشطرنج وإن كرهناها له وبالحمام وإن كرهناها له أخف حالا
من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر فأما إن قام رجل بالحمام أو بالشطرنج رددنا بذلك شهادته وكذلك لو
قامر بغيره فقامر على أن يعادي إنسانا أو يسابقه أو يناضله وذلك أنا لا نعلم أحدا من الناس استحل
القمار ولا تأوله ولكنه لو جعل فيها سبقا متأولا كالسبق في الرمي وفي الخيل قيل له قد أخطأت خطأ
فاحشا ولا ترد شهادته بذلك حتى يقيم عليه بعدما يبين له وذلك أنه لا غفلة في هذا على أحد وأن
العامة مجتمعة على أن هذا محرم قال وبائع الخمر مردود الشهادة (1) لأنه لا فرق بين أحد من المسلمين

(1) لعله: لا خلاف أو نحو ذلك. تأمل. كتبه مصححه.
56

في أن بيعها محرم فأما من عصر عنبا فباعه عصيرا فهو في الحال التي باعه فيها حلال كالعنب يشتريه كما
يأكل العنب وأحب إلى له أن يحسن التوقي فلا يبيعه ممن يراه يتخذه خمرا فإن فعل لم أفسخ البيع من
قبل أنه باعه حلالا ونية صاحبه في إحداث المحرم فيه لا تحرم الحلال ولا ترد شهادته بذلك من قبل أنه
قد يعقد ربا ويتخذ خلا فإذا كانت الحال التي باعه فيها حلالا يحل فيها بيعه وكان قد يتخذ حلالا
وحراما فليس الحرام بأولى به من من الحلال بل الحلال أولى به من الحرام وبكل مسلم (قال) وإذا
شهد الشهود بشئ فلم يحكم به الحاكم حتى يحدث للشهود حال ترد بها شهادتهم لم يحكم عليه ولا
يحكم عليه حتى يكونوا عدولا يوم يحكم عليه ولكنه لو حكم بشهادتهم وهم عدول ثم تغيرت حالهم
بعد الحكم لم يرد الحكم لأنه إنما ينظر إلى عدلهم يوم يقطع الحكم بهم (قال) وإذا شهد الشهود على
رجل فادعى جرحتهم أجل في جرحتهم بالمصر الذي هو به وما يقاربه فإن جاء بها وإلا أنفذ عليه
الحكم ثم إن جرحهم بعد لم يرد عنه الحكم وإن جاء ببعض ما يجرحهم مثل أن يأتي بشاهد واستأجل
في آخر رأيت أن يضرب له أجلا يوسع عليه فيه حتى يجرحهم أو يعوزه ذلك فيحكم عليه (قال)
وإذا شهد الرجل بشهادة ثم رجع إلى الحاكم فشك فيها أو قال قد بان لي أني قد غلطت فيها لم يكن
للحاكم أن ينفذها ولا يناله بعقوبة لأن الخطأ موضوع عن بني آدم فيها هو أعظم من هذا وقال له لقد
كنت أحب أن تتثبت في الشهادة قبل أن تثبت عليها فإن قال قد غلطت على المشهود عليه الأول وهو
هذا الآخر طرحتها عن الأول ولم أجزها على الآخر لأنه قد أطلعني على أنه قد شهد فغلط ولكن لو لم
يرجع حتى يمضي الحكم بها ثم يرجع بعد مضي الحكم لم أرد الحكم وقد مضى وأغرمهما إن كانا
شاهدين على قطع دية يد المقطوع في أموالهما حالة لأنهما قد أخطأ عليه وإن قال عمدنا أن نشهد عليه
ليقطع وقد علمنا أنه سيقطع إذا شهدنا عليه جعلنا للمقطوع الخيار إن شاء أن يقطع يديهما قصاصا
وإن شاء أن يأخذ منهما دية يده * أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه
(قال) وإذا كان الراجع شاهدا واحدا بعد مضي الحكم فالقول فيه كالقول في الأول يضمن نصف دية
يده وإن عمد قطعت يده هو فأما إذا أقرا بعمد شهادة الزور في شئ ليس فيه قصاص فأني أعاقبهما
دون الحد ولا تجوز شهادتهما على شئ بعد حتى يختبرا ويجعل هذا حادثا منهما يحتاج إلى اختبارهما
بعده إذا بينا أنهما أخطأ على من شهدا عليه فأما لو شهدا ثم قالا لا تنفذ شهادتنا فإنا قد شككنا فيها لم
ينفذها وكان له أن ينفذ شهادتهما في غيرها لأن قولهما قد شككنا ليس هو قولهما أخطأنا (قال) وإذا شهد
الشهود لرجل بحق في قصاص أو قذف أو مال أو غيره فأكذب الشهود المشهود له لم يكن له بعد
إكذابهم مرة أن يأخذ بشئ من ذلك الذي شهدوا له به وهو أولى بحق نفسه وأحرى أن يبطل احكم
به إذا أكذب الشهود وإنما له شهدوا وهو على نفسه أصدق ولو لم يكذب الشهود ولكنهم رجعوا وقد
شهدوا به يقذف أو غيره لم يقض له بشئ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الرجوع عن الشهادات
ضربان فإذا شهد الشاهدان أو الشهود على رجل بشئ يتلف من بدنه أو ينال مثل قطع أو جلد أو
قصاص في قتل أو جرح وفعل ذلك به ثم رجعوا فقالوا عمدنا أو ينال ذلك منه بشهادتنا فهي كالجناية
عليه ما كان فيه من ذلك قصاص خير بين أن يقتص أو يأخذ العقل وما لم يكن فيه من ذلك قصاص
أخذ فيه العقل وعزروا دون الحد، ولو قالوا عمدنا الباطل ولم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم
العقل وكان هذا عمدا يشبه الخطأ فيما يقتص منه وما لا يقتص منه ولو قالا أخطأنا أو شككنا لم يكن
في شئ من هذا عقوبة ولا قصاص وكان عليهم فيه الأرش (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو
57

شهدوا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق بينهما الحاكم ثم رجعوا أغرمهم الحاكم صداق مثلها إن
كان دخل بها وإن لم يكن دخل بها غرمهم نصف صداق مثلها لأنهم حرموها عليه ولم يكن لها قيمة إلا
مهر مثلها ولا ألتفت إلى ما أعطاها قل أو كثر إنما التفت إلى ما أتلفوا عليه فأجعل له قيمته (قال) وإذا
كانوا إنما شهدوا على الرجل بمال يملك فأخرجوه من يديه بشهادتهم إلى غيره عاقبتهم على عمد شهادة
الزور ولم أعاقبهم على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أني لو قبلت قولهم الآخر وكانوا شهدوا على دار قائمة
أخرجت فرددتها إليه لم يجز أن أغرمهم شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه. وقد قال بعض
البصريين إنه ينقض الحكم في هذا كله فترد الدار إلى الذي أخرجها من يديه أولا (1) وإنما منعنا من
هذا أنا إن جعلناه عدلا بالأول فأمضينا به الحكم ولم يرجع قبل مضيه أنا إن نقضناه جعلنا للآخر في
غير موضع عدالة فنجيز شهادته على الرجوع ولم يكن أتلف شيئا لا يوجد إنما أخرج من يدي رجل
شيئا فكان الحكم أن ذلك حق في الظاهر فلما رجع كان كمبتدئ شهادة لا تجوز شهادته وهو لم يأخذ
شيئا لنفسه فانتزعه من يديه ولم يفت شيئا لا ينتفع به من أفاته وإنما شهد بشئ انتفع به غيره فلم أغرمه
ما أقر بيدي غيره (قال) وإذا شهد الرجل أو الاثنان على رجل أنه أعتق عبده أو أن هذا العبد حر
الأصل فرددت شهادتهما ثم ملكاه أو أحدهما عتق عليهما أو على المالك له منهما لأنه أقر بأنه حر لا يحل
لأحد ملكه ولا أقبل منه أن يقول شهدت أولا بباطل (قال) وهكذا لو قال لعبد لأبيه قد أعتقه أبي في
وصية وهو يخرج من الثلث ثم قال كذبت لم يكن له أن يملك منه شيئا لأنه قد أقر له بالحرية (قال)
وإذا شهد الرجلان على رجل بشهادة فأجازها القاضي ثم علم بعد أنهما عبدان أو مشركان أو أحدهما
فعليه رد الحكم ثم يقضي بيمين وشاهدان كان أحدهما عدلا وكان مما يجوز فيه اليمين مع الشاهد (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا لو علم أنهما يوم شهدا كانا غير عدلين من جرح بين في أبدانهما أو
في أديانهما لا أجد بينهما وبين العبد فرقا في أنه ليس لواحد منهما شهادة في هذه الحال فإذا كانوا بشئ
ثابت في أنفسهم من فسق أو عبودية أو كفر لا يحل ابتداء القضاء بشهادتهم فقضى بها كان القضاء
نفسه خطأ بينا عند كل أحد ينبغي أن يرده القاضي على نفسه ويرده على غيره بل القاضي بشهادة
الفاسق أبين خطأ من القاضي بشهادة العبد، وذلك أن الله عز وجل قال (وأشهدوا ذوي عدل منكم)
وقال ممن (ترضون من الشهداء) وليس الفاسق واحدا من هذين فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم
الله عز وجل وعليه رد قضائه ورد شهادة العبد إنما هو تأويل ليس ببين واتباع بعض أهل العلم ولو كانا
شهدا على رجل بقصاص أو قطع فأنفذه القاضي ثم بان له لم يكن عليهما شئ لأنهما صادقان في
الظاهر وكان على القاضي أن لا يقبل شهادتهما فهذا خطأ من القاضي تحمله عاقلته فيكون للمقضى
عليه بالقصاص أو القطع أرش يده إذا كان جاء ذلك بخطأ فإن أقر أنه جاء ذلك عمدا وهو يعلم أنه
ليس ذلك له فعليه القصاص فيما فيه قصاص وهو غير محمود (قال) وإذا مات الرجل وترك ابنا وارثا لا
وارث له غيره فأقر أن هذه الألف الدرهم لهذا الرجل وهي ثلث مال أبيه أو أكثر دفعنا إليه.

(1) قوله: (وإنما منعنا) إلى قوله (بيدي غيره) كذا في النسخ. وتأمل.
58

باب الحدود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحد حدان حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه
وما أراد من تطهيره به أو غير ذلك مما هو أعلم به وليس للآدميين في هذا حق وحد أوجبه الله تعالى على
من أتاه (1) من الآدميين فذلك إليهم ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أصل فأما أصل حد الله تبارك
وتعالى في كتابه فقوله عز وجل (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) إلى قوله (رحيم) فأخبر الله تبارك
اسمه بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما
استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل
حد لله عز وجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه
وسلم في حد الزنا في ماعز (ألا تركتموه) أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة
والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه ومن قال هذا قال هذا في
كل حد لله عز وجل فتاب صاحيه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا وأخذ
بحقوق الآدميين واحتج بالمرتد يرتد عن الاسلام ثم يرجع إلى الاسلام فيسقط عنه القتل فيبطل القطع
عن السارق ويلزمه المال لأنه قد اعترف بشيئين أحدهما لله عز وجل ولآخر للآدميين فأخذناه بما
للآدميين وأسقطنا عنه ما لله عز وجل ومن ذهب إلى أن الاستثناء في المحارب ليس إلا حيث هو جعل
الحد على من أتى حد الله متى قدر عليه وإن تقادم فأما حدود الآدميين من القذف وغيره فتقام أبدا لا
تسقط (قال الربيع) قول الشافعي رحمه الله تعالى الاستثناء في التوبة للمحارب وحده الذي أظن أنه
يذهب إليه (قال الربيع) والحجة عندي في أن الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة حديث ماعز
حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه ولا نشك أن ماعزا لم
يأت النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره إلا تائبا إلى الله عز وجل قبل أن يأتيه فلما أقام عليه الحد دل ذلك
على أن الاستثناء في المحارب خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على السرقة
وشهدا أن هذا سرق لهذا كذا وكذا قطع السارق إذا ادعى المسروق المتاع لأنه قد قام عليه شاهدان بأنه
سرق متاع غيره ولو لم يزيدا على أن قالا هذا سرق من بيت هذا كان مثل هذا سواء إذا ادعى أنه له
قطعت السارق لأني أجعل له ما في يديه وما في بيته مما في يديه (قال) ولو ادعى في الحالين معا أن
المتاع متاعه غلبه عليه هذا أو باعه إياه أو وهبه له وأذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله خصم له ألا
ترى أنه لو نكل عن اليمين أحلفت المشهود عليه بالسرقة ودفعته إليه ولو أقام عليه بينة دفعته إليه ولو أقام
عليه بينة في المسألة الأولى فأقام المسروق بينة أنه متاعه جعلت المتاع للذي المتاع في يديه وأبطلت الحد
عن السارق لأنه قد جاء ببينة أنه له فلا أقطعه فيما قد أقام البينة أنه له وإن لم أقض به له وأنا أدرأ الحد
بأقل من هذا، ولو أقر المسروق منه بعدما قامت البينة على السارق أنه نقب بيته وأخرج متاعه أنه أذن
له أن ينقب بيته ويأخذه وأنه متاع له لم أقطعه وكذلك لو شهد له شهود فأكذب الشهود إذا سقط أن
أضمنه المتاع بإقرار رب المتاع له لم أقطعه في شئ أنا أقضى به له ولا أخرجه من يديه والشهادة على
اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم لأن كلا جماع

(1) أي لأجل الآدميين فهو من حقوقهم. تأمل.
59

(قال الشافعي (رحمه الله تعالى: ومن شهد على رجل بحد أو قصاص أو غيره فلم تجز شهادته
بمعنى من المعاني إما بأن لم يكن معه غيره وإما بأن لم يكن عدلا فلا حد عليه ولا عقوبة إلا شهود الزنا
الذين يقذفون بالزنا فإذا لم يتموا فالأثر عن عمر وقول أكثر المفتين أن يحدوا والفرق بين الشهادة في
الحدود وبين المشاتمة التي يعزر فيها من ادعى الشهادة أو يحد أن يكون الشاهد إنما يتكلم بها عند الإمام
الذي يقيم الحدود أو عند شهود يشهدهم على شهادته أو عند مفت يسأله ما تلزمه الشهادة لو حكاها لا
على معنى الشتم ولكن على معنى الاشهاد عليها فأما إذا قالها على معنى الشتم ثم أراد أن يشهد بها لم يقبل
منه وأقيم عليه فيها الحد إن كان حدا أو التعزير إن كان تعزيرا (قال) ولا يجوز كتاب القاضي إلى القاضي
حتى يشهد عليه شاهدان بالكتاب بعدما يقرأه القاضي عليهما ويعرفانه وكتابه إليه كالصكوك للناس على
الناس لا أقبلها مختومة وإن شهد الشهود أن ما فيها حق وكذلك إن شهد الشاهدان أن هذا كتاب
القاضي دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان لم أقبله حتى يقرأ عليهم وهو يسمعه ويقر به ثم لا
أبالي كان عليه خاتم أو لم يكن فأقبله (قال) وقد حضرت قاضيا أتاه كتاب من قاض وشهود عدد
عدول فقال الشهود نشهد أن هذا كتاب القاضي فلان دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان
فقبله وفتحه فأنكر المكتوب عليه ما فيه وجاء بكتاب معه يخالفه فوقف القاضي عنه وكتب إليه
بنسختهما فكتب إليه يخبره أن أحدهما صحيح وأن الآخر وضع في مكان كتاب صحيح فدفعه وهو
يرى أنه إياه وذكر المشهود عليه أن ذلك من قبل بعض كتابه أو أعوانه فإذا أمكن هذا هكذا لم ينبغ أن
يكون مقبولا حتى يشهد الشهود على ما فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يقبل إلا كتاب قاض
عدل وإذا كتب الكتاب وأشهد عليه ثم مات أو عزل انبغى للمكتوب إلى أن يقبله (قال) وكذلك لو
مات القاضي المكتوب إليه انبغى للقاضي الوالي بعده أن يقبله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل ما
نذهب إليه أنا لا نجيز شهادة خصم على خصمه لأن الخصومة موضع عداوة سيما إذا كان الخصم
يطلبه بشتم (قال) ولو أن رجلا قذف رجلا أو جماعة فشهدوا عليه بزنا أو بحد غيره لم أجز شهادة
المقذوف لأنه خصم له في طلب القذف وحددت المشهود عليه بالقذف بشهادة غير من قذفه ولو كانوا
شهدوا عليه قبل القذف ثم قذفهم كانت الشهادة ما كانت أنفذتها لأنها كانت قبل أن يكونوا له خصماء
ولكنهم لو زادوا عليه فيها بعد القذف لم أقبل الزيادة لأنها كانت بعد أن كانوا له خصماء (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا قذف رجل رجلا وكان المقذوف عبدا فأقام شاهدين أن سيده أعتقه قبل قذف
هذا بساعة أو أكثر حد قاذفة وكذلك لو جنى عليه أو جنى هو كانت جنايته والجناية عليه جناية حر
(قال) وكذلك لو أصاب هو حدا كان حده حد حر وطلاقه طلاق حر لأني إنما أنظر إلى العتق يوم
يكون الكلام ولا أنظر إليه يوم يقع به الحكم ولو جحده سيده العتق سنة أعتقه يوم أعتقه السيد
وحكمت له بأحكام الحر يومئذ ورددته على السيد بإجارة مثله بما استخدمه وهكذا نقول في الطلاق إذا
جحده الزوج وقامت به بينة الطلاق من يوم قامت البينة لا من يوم وقع الحكم وهكذا نقول في القرعة
وقيم العبيد قيمتهم يوم يقع العتق وهكذا نقول فيمن عتق من الثلث قيمتهم يوم مات المعتق لأنه يومئذ
وقع العتق ولا ألتفت إلى وقوع الحكم فأما أن يتحكم متحكم فيزعم مرة أنه إنما ينظر إلى يوم تكون
البينة لا يوم يقع الحكم ومرة إلى يوم يقع الحكم فلو شاء قائل أن يقول له بخلاف قوله (1) فيجعل ما

(1) قوله: فيجعل ما جعل يوم كانت البينة الخ كذا في الأصل ولعل فيه سقطا والأصل (فيجعل ما جعل يوم
كانت البينة أو كان العتق يوم كان الحكم ويجعل ما جعل يوم كان الحكم يوم كانت البينة أو كان العتق) تأمل.
60

جعل يوم كانت البينة أو كان العتق لم يكن عليه حجة ولا يجوز فيه إلا ما قلناه من أن يكون الحكم من
يوم وقع العتق ويوم قامت البينة (قال) وإذا أقام شاهدا على رجل أنه غصبه جارية وشاهدا أنه أقر أنه
غصبه إياها فهذه شهادة مختلفة ويحلف مع أحد شاهديه ويأخذها (قال) وكذلك لو شهد أحدهما أنها
له وشهد الآخر أنه أقر أنه غصبه إياها (قال) وإذا شهد شاهدان على رجل أنه غصب رجلا جارية
وقد وطئها وولدت له أولادا فله الجارية وما نقص ثمنها ومهرها وأولاده رقيق فإن أقر أنه غصبها ووطئها
حد ولا يلحق به الولد، وإن زعم أنها له وأن الشهود شهدوا عليه بباطل فلا حد عليه ويلحق به الولد
ويقومون وليس في شهادة الشهود عليه في الجارية أنه غصبها (1) مسلمة في الحد عليه لأنهم لم يشهدوا
عليه بزنا إنما شهدوا عليه بغصب، وإذا شهد الشهود على رجل أنه غصبه جارية لا يعرفون قيمتها وقد
هلكت الجارية لم يقض عليه بقيمة صفة حتى يثبتوا على قيمتها ويقال لهم اشهدوا إن أثبتم على أن
قيمتها دينار أو أكثر فلا تأثموا إذا شهدتم بما أحطتم به علما ووقفتم عما لا تحيطون به علما فإن ماتوا ولم يثبتوا
قيل للغاصب قل ما شئت في قيمتها مما يحتمل أن يكون ثمن شر ما يكون من الجواري وأقله ثمنا وأحلف
عليه وليس عليك أكثر منه فإن قال لا قيل للمغصوب ادع واحلف فإن فعل فهو له وإن لم يفعل فلا
شئ له (قال) ولو شهدوا أنه أخذ من يده جارية ولم يقولوا هي له قضينا عليه بردها إليه وكذلك كل
ما أخذ من يديه قضى عليه برده عليه لأنه أولى بما في يديه من غيره (قال) ولو شهد شاهدان على
رجل بغصب بعينه وقام عليه الغرماء حيا وميتا فالسلعة التي شهدوا بها بعينها للمغصوب له ما كان عبدا
أو ثوبا أو دنانير أو دراهم (قال) وإذا أقام رجل شاهدين على دابة أنها له زادوا ولا يعلمونه باع ولا
وهب أو لا قضيت له بها لأنهم لم يشهدوا أنها له إلا وهو لم يبع ولم يهب ولم تخرج من ملكه ولكنه إن
دفعه المشهود عليه عنها أحلفته له أنها لفي ملكه ما خرجت منه بوجه من الوجوه (قال) وإذا أقام رجل
شاهدين أن هذا الميت مولى له أعتقه ولا وارث له غيره قضى له بميراثه وليس على أحد قضى له ببينة
تقوم له أن يؤخذ منه كفيل إنما الكفيل في شئ ذهب إليه بعض الحكام يسأله المقضي له فيتطوع به
احتياطا لشئ إن كان وإن لم يأت بكفيل قضى له به (قال) (2) ولو أقام رجل بعد هذا بينة على أنه
مولاه أعتقه هو وكانت البينة شاهدين وأكثر فسواء إذا كانا شاهدين تجوز شهادتهما ومن هو أكثر منهما
وأعدل لأني أحكم بشهادة هذين كما أحكم بشهادة الجماعة التي هي أعدل وأكثر وهذا مكتوب في غير
هذا الموضع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أن رجلا أعتق عبدا له في مرضه
الذي مات فيه عتق بتات وهو يخرج من الثلث فهو حر كان الشاهدان وارثين أو غير وارثين إذا كانا
عدلين (قال) ولو جاء أجنبيان فشهدا الآخر أنه أعتقه عتق بتات سئلا عن الوقت الذي أعتقه فيه
والشاهدان الآخران عن الوقت الذي أعتق العبد فيه فأي العتقين كان أولا قدم وأبطل الآخر وإن كانا
سواء أو كانوا لا يعرفون أي ذلك كان أولا أقرع بينهما وإن كان أحدهما عتق بتات والآخر عتق وصية
كان البتات أولى فإن كانا جميعا عتق وصية أو عتق تدبير فكله سواء يقرع بينهما (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أجنبيان لعبد أنه أعتقه وهو الثلث في الوصية وشهد شاهدان وارثان لعبد
غيره أنه أعتقه في وصية وهو الثلث فسواء الأجنبيان والوارثان لأن الوارثين إذا شهدا على ما يستوظف

(1) لعله (مسكه) تأمل كتبه مصححه.
(2) قوله: ولو أقام رجل بعد هذا بينه الخ أي لا يحكم له بها ولو كانت أكثر من الأولى وأعدل لأني احكم الخ
فتدبر.
61

الثلث فليس ههنا في الثلث موضع في أن يوفرا على أنفسهما فيعتق من كل واحد منهم نصفه (قال
الربيع) قول الشافعي في غير هذا الموضع أن العبدين إذا استويا في الدعوى والشهادة ولم يدر أيهما عتق
أولا فاستوظف به الثلث أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو
أنهما شهدا أنه رجع عن عتق الأول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما إذا كان الثلث وإنما أرد شهادتهما فيما
جرا إلى أنفسهما التوفير فأما إذا لم يجرا إلى أنفسهما فلا (قال) ولو شهد أجنبيان لرجل أنه أوصى له
بالثلث أو بعبد هو الثلث وشهد الوارثان أنه رجع عن الوصية لهذا المشهود له وأوصى بها لغيره وهو غير
وارث أو أعتق هذا العبد أجزت شهادتهما لأنهما مخرجان الثلث من أيديهما فإذا لم يخرجاه لشئ يعود
عليهما منه ما يملكان ملك الأموال لم أرد شهادتهما فأما الولاء فلا يملك ملك الأموال وقد لا يصير في
أيديهما من الولاء شئ ولو كنا نبطلها بأنهما قد يرثان المولى يوما إن مات ولا وارث له غيرهما أبطلناها
لذوي أرحامهما وعصبتهما ولكنها لا تبطل في شئ من هذا والشهادة في الوصية مثلها في العتق تجوز
شهادة الوارثين فيها كما تجوز شهادة الأجنبيين فإن شهد الأجنبيان لرجل أنه أوصى له بالثلث وشهد
الوارثان لرجل أنه أوصى له بالثلث كان بينهما سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإذا شهد
أجنبيان لعبد أنه أعتقه في وصية وشهد وارثان لعبد أنه أعتقه في وصية ورجع عن العتق الآخر وكلاهما
الثلث فشهادة الوارثين جائزة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان بأن الميت أوصى
لرجل بعبد بعينه وهو الثلث وشهد وارثان أنه أوصى بذلك العبد بعينه لآخر ورجع في وصية الأولى
فشهادتهما جائزة والوصية لمن شهدا له، وكذلك لو شهدا بعبد آخر غيره قيمته مثل قيمته جازت
شهادتهما ولو كانقل من قيمته رددت شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما فضل ما بين قيمة من
شهد أنه أوصى به وقيمة من شهدا أنه رجع عن الوصية به فلا أرد من شهادتهما إلا ما رد عليهما
الفضل ولو كانت له مع هذا وصايا بغير هذين تستغرق الثلث أجزت شهادتهما من قبل أن الثلث خارج
لا محالة فليسا يردان على أنفسهما من فضل ما بين قيمتهما شيئا لان ذلك الشئ لغيرهما من للوصي لهم به
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لعبد أن مولاه أعتقه من الثلث في وصيته وشهد
وارثان لعبد آخر انه رجع في عتق هذا المشهود له وأعتق هذا الآخر وهو سدس مال الميت أبطلت
شهادتهما عن الأول لأنهما يجران إلى أنفسهما فضل قيمة ما بينهما وأعتقت الأول بغير قرعة وأبطلت
حقهما من هذا الآخر لأنهما يشهدان له أنه حر من الثلث ولو لم يزيدا على أن يقول نشهد على أنه أعتق
هذا أجزت شهادتهما وأقرعت بينهما حتى استوظف الثلث، وإذا شهد أجنبيان لرجل حي أن ميتا
أوصى له بثلث ماله وشهد وارثان أن أباهما أعتق هذا العبد من عبيده عتق بتات في مرضه فعتق البتات
يبدأ على الوصية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وتجوز شهادة الوارثين وليس في هذا شئ ترد به
شهادة واحد منهم إذا كانوا عدولا ولو كان العتق عتق وصية فمن بدأ العتق على الوصية بدأ هذا العبد ثم
إن فضل منه شئ أعطى صاحب الثلث وإن لم يفضل منه شئ فلا شئ له ومن جعل الوصايا والعتق
سواء أعتق من العبد بقدر ما يصيبه وأعطى الموصى له الثلث بقدر ما يصيبه وشهادة الورثة وشهادة
غيرهم فيما أوصى به الميت إذا كانوا عدولا سواء ما لم يجروا إلى أنفسهم بشهادتهم أو يدفعوا عنها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان لرجل أن الميت أوصى له بالثلث وشهد شاهدان من
الورثة لآخر غيره أن الميت أوصى له بالثلث فشهادتهم سواء ويقتسمان الثلث نصفين في قول أكثر المفتين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو شهد وارث لواحد أنه أوصى له بالثلث وشهد أجنبيان لآخر أنه
62

أوصى له بالثلث كان حكم الشاهدين أن المشهود له يأخذ بهما بغير يمين والشاهد أنه لا يأخذ إلا بيمين
وكانا حكمين مختلفين والقياس يحتمل أن يعطي صاحب الشاهدين من قبل أنه أقوى سببا من صاحب
الشاهد واليمين وذلك أنه يعطى بلا يمين وقد يحتمل أن يقال إذا أعطيت بشاهد ويمين كما تعطي
بشاهدين فاجعل الشاهد واليمين يقوم مقام الشاهدين فيما يعطي بشاهد ويمين فأما أربعة شهود وشاهدان
وأكثر من أربعة وشاهدان وأعدل فسواء من قبل أنا نعطي بها عطاء واحدا بلا يمين (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد وارثان لآخر أنه رجع في
الوصية بالثلث لفلان وجعله لفلان فشهادتهما جائزة والثلث للآخر وأصل هذا أن شهادة الوارثين إذا
كانا عدلين مثل شهادة الأجنبيين فيما لا يجران إلى أنفسهما ولا يدفعان به عنها (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا شهد شاهدان أن الميت أوصى لرجل بالثلث وشهد وارثان أنه انتزعه منه وأوصى به للآخر
وشهد أجنبيان أنه انتزعه من الذي شهد له الوارثان وأوصى به لآخر غيرهما جعلت الأول المنتزع منه لا
شئ له بشهادة الوارثين أنه رجع في الوصية للأول ثم انتزعه أيضا من الذي شهد له الوارثان بشهادة
الأجنبيين أنه انتزعه من الذي أوصى له به وأوصى به لآخر ثم هكذا كلما ثبتت الشهادة لواحد فشهد
آخر أنه انتزعه منه وأعطاه آخر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان لرجل أن ميتا
أوصى له بالثلث وشهد شاهدان أنه أوصى به لآخر وشهد شاهدان أن الميت رجع عن أحدهما ولا
يدري من هو فشهادتهما باطلة وهو بينهما نصفان قال وإذا شهد شاهدان أن فلانا قال إن قتلت فغلامي
فلان حر وشهد رجلان على قتله وآخر أن على أنه قد مات موتا بغير قتل ففي قياس من زعم أنه يقتل
به قاتله يثبت العتق للعبد ويقتل القاتل وهذا قياس يقول به أكثر المفتين ومن قال لا أجعل الذين أثبتوا
له القتل أولى من الذين طرحوا القتل عن القاتل ولا آخذ القاتل بقتله لأن ههنا من يبرئه من قتله وأجعل
البينتين تهاترا لا يعتق العبد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل إن مت في سفري هذا أو في
مرضي هذا أو سنتي هذه أو بلد كذا وكذا فحضرني الموت في وقت من الأوقات أو في بلد من البلدان
فغلامي فلان حر فلم يمت في ذلك الوقت ولا في ذلك البلد ومات بعد قبل أن يحدث وصية ولا رجعة
في هذا العتق فلا يعتق هذا العبد لأنه أعتقه على شرط فلم يكن الشرط فلا يعتق (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وإذا شهد رجلان أن رجلا قال إن مت في رمضان ففلان حر وإن مت في شوال ففلان غيره
حر فشهد شاهدان أنه مات في رمضان وآخران أنه مات في شوال (1) فينبغي في قياس من زعم أنه
تثبت الشهادة للأول وتبطل للآخر لأنه إذا ثبت الموت أولا لم يمت ثانيا، وفي قول من قال أجعلها
تهاترا فنبطل الشهادتين معا ولا يثبت الحق لواحد منهما معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تداعى
عبدان فقال أحدهما قال مالكي إن مت من مرضي هذا فأنت حر وقال الآخر قال إن برئت من مرضي
هذا فأنت حر فادعى الأول أنه مات من مرضه والثاني أنه مات بعد برئه فالشهادة متضادة شهادة
الورثة وغيرهم سواء إن كانوا عدولا فإن شهدوا لواحد بدعواه عتق ورق الآخر قال وإن شهد الورثة
لواحد وشهد الأجنبيون لواحد فالقياس على ما وصفت أولا إلا أن الذي شهد له الوارث، يعتق
نصيب من شهد له بالعتق منهم على كل حال لأنه يقر أن لا رق له عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا شهد شاهدان لعبد أن سيده قال إن مت من مرضي هذا فأنت حر فقال العبد مات من

(1) كذا في النسخ ولا يخلو من سقط والمراد ظاهر فتأمل.
63

مرضه ذلك وقال الوارث لم يمت منه فالقول قول الوارث مع يمينه إلا أن يأتي العبد ببينة أنه مات من
ذلك المرض.
الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان
(أخبرنا الربيع) قال سئل الشافعي فقيل إنا نقول إن الكفارات من أمرين وهما قولك والله لأفعلن
كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك إن كان جائزا فعله وفي أن تكفر وتدعه وإن كان مما لا يجوز فعله
فإنه يؤمر بالكفارة وينهى عن البر وإن فعل (1) ما يجوز له من ذلك بر ولم تكن عليه كفارة والثاني قولك
والله لا أفعل كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك وعليك الكفارة إن كان مما يجوز لك فعله ومخيرا في
الإقامة على ترك ذلك ولا كفارة عليك إلا أن يكون ما حلف عليه طاعة لله عز وجل فيؤمر بفعله ويكفر
عن يمينه ونقول أن قوله بالله وتالله وأشهد بالله وأقسم بالله وأعزم بالله أو قال وعزة الله أو وقدرة الله أو
وكبرياء الله أن عليه في ذلك كله كفارة مثل ما عليه في قوله والله ونقول إنه إن قال أشهد ولم يقل بالله أو
أقسم ولم يقل بالله أو أعزم ولم يقل بالله أو قال الله إنه إن لم يكن أراد به يمينا في ذلك كله أنه لا حنث
عليه وإن أراد به يمينا فمثل قوله والله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف بالله أو باسم من أسماء
الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشئ غير الله عز وجل مثل أن يقول الرجل والكعبة وأبى كذا
وكذا ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله لعمري لا كفارة عليه وكل يمين بغير الله فهي
مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن
كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت) أخبرنا ابن عيينة قال حدثنا الزهري قال حدثنا سالم عن أبيه قال
سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه فقال (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) قال عمر
رضي الله تعالى عنه والله ما حلفت بها بعد ذلك (2) ذاكرا ولا آثرا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
فكل من حلف بغير الله كرهت له وخشيت أن تكون يمينه معصية وأكره الأيمان بالله على كل حال إلا
فيما كان لله طاعة مثل البيعة على الجهاد وما أشبه ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف على
يمين فرأى خيرا منها فواسع له واختار له أن يأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه لقول النبي صلى الله عليه
وسلم (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) ومن حلف
عامدا للكذب فقال والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن أو والله ما كان كذا وقد كان كفر وقد أثم وأساء
حيث عمد الحلف بالله باطلا فإن قال وما الحجة في أن يكفر وقد عمد الباطل؟ قيل أقر بها قول النبي
صلى الله عليه وسلم (فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) فقد أمره أن يعمد الحنث وقول الله عز
وجل (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى) نزلت في رجل حلف أن لا ينفع
رجلا فأمره الله عز وجل أن ينفعه وقول الله عز وجل (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) ثم جعل
فيه الكفارة ومن حلف وهو يرى أنه صادق ثم وجده كاذبا فعليه الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وقول الرجل أقسم فليس بيمين فإن قال أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما يمينا بالله فليست

(1) لعله: (ما لا يجوز) تأمل. كتبه مصححه.
(2) أي متكلما بها عن نفسي ولا مخبرا بها عن غيري كما يؤخذ من لسان العرب فانظره.
64

بيمين حادثة وإنما هو خبر عن يمين ماضية وإن أراد بها يمينا فهي يمين وإن قال أقسم بالله فإن أراد بها
إيقاع يمين فهي يمين وإن أراد بها موعدا أنه سيقسم بالله فليست بيمين وإنما ذلك كقوله سأحلف أو
سوف أحلف وإن قال لعمر الله فإن أراد اليمين فهي يمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين لأنها تحتمل غير
اليمين لأن قوله لعمري إنما هو لحقي فإن قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله
اليمين أو لا نية له فهي يمين وإن لم يرد بها اليمين فليست بيمين لأنه يحتمل وحق الله واجب على كل مسلم
وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يمين وإنما يكون يمينا بأن لا ينوي شيئا أو بأن ينوي يمينا وإذا قال بالله أو
تالله في يمين فهو كما وصفت إن نوى يمينا أو لم تكن له نية وإن قال (1) والله لأفعلن كذا وكذا لم يكن
يمينا إلا بأن ينوي يمينا لأن هذا ابتداء كلام لا يمين إلا بأن ينويه وإذا قال أشهد بالله فإن نوى اليمين
فهي يمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين لأن قوله أشهد بالله يحتمل أشهد بأمر الله، وإذا قال أشهد لم
يكن يمينا وإن نوى يمينا فلا شئ عليه ولو قال أعزم بالله ولا نية له فليست بيمين لأن قوله أعزم بالله إنما
هي أعزم بقدرة الله أو أعزم بعون الله على كذا وكذا واستحلافه لصاحبه لا يمينه هو مثل قولك للرجل
أسألك بالله أو أقسم عليك بالله أو أعزم عليك بالله، فإن أراد المستحلف بهذا يمينا فهو يمين وإن لم يرد
به يمينا فلا شئ عليه، فإن أراد بقوله أعزم بالله أو أقسم بالله أو أسألك بالله يمينا فهي يمين، وكذلك
إن تكلم بها وإن لم ينو فلا شئ عليه وإذا قال على عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فليس بيمين إلا أن
ينوي بها يمينا وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها لا ينوي يمينا فليس بيمين بشئ من قبل أن الله عليه
عهدا أن يؤدي فرائضه، وكذلك لله عليه ميثاق بذلك وأمانة بذلك وكذلك الذمة والكفالة.
الاستثناء في اليمين
(قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول في الذي يقول والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله أنه إن
كان أراد بذلك الثنيا فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنما قال ذلك لقول الله
عز وجل (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) أو قال ذلك سهوا أو استهتارا فإنه لا
ثنيا وعليه الكفارة إن حنث وهو قول مالك رحمه الله تعالى وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسق الثنيا
بها أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يصل الاستثناء باليمين فإنه إن كان نسقا بها تباعا
فذلك له استثناء وإن كان بين ذلك صمات فلا استثناء له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى من قال والله
أو حلف بيمين ما كانت بطلاق أو عتاق أو غيره أو أوجب على نفسه شيئا ثم قال إن شاء الله موصولا
بكلامه فقد استثنى ولم يقع عليه شئ من اليمين وإن حنث والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينه
سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر أو العي أو النفس أو انقطاع الصوت ثم وصل الاستثناء فهو
موصول وإنما القطع أن يحلف ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره أو يسكت
السكات الذين يبين أنه يكون قطعا فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء فإن حلف فقال والله
لأفعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فله أن يفعل ذلك الشئ حتى يشاء فلان فإن مات أو خرس أو
غاب لم يفعل وإن قال لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فليس له أن يفعل ذلك الشئ إلا أن يشاء

(1) كذا في النسخ بالواو والظاهر إسقاطها أو يقرأ بالرفع كما يشير إليه قوله ابتداء كلام تأمل كتبه مصححه.
65

فلان فإن مات فلان أو خرس لم يكن له أن يفعل ذلك الشئ حتى يعلم أن فلانا شاء (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإن حلف فقال والله (1) لأفعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يحنث إن شاء فلان وإن
مات فلان أو خرس أو غاب عنا معنى فلان حتى يمضي وقت يمينه حنث لأنه إنما يخرجه من الحنث
مشيئة فلان ولو كانت المسألة بحالها فقال والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يفعل حتى يشاء
فلان وإن غاب عنا معنى فلان فلم نعرف شاء أو لم يشاء لم يفعل فإن فعله لم أحنثه من قبل أن يمكن أن
يكون فلان شاء.
لغو اليمين
قيل للشافعي رحمه الله تعالى فإنا نقول إن اليمين التي لا كفارة فيها وإن حنث فيها صاحبها أنها يمين
واحدة إلا أن لها وجهين وجه يعذر فيه صاحبه ويرجى له أن لا يكون عليه فيها إثم لأنه لم يعقد فيها
على إثم ولا كذب وهو أن يحلف بالله على الأمر لقد كان ولم يكن فإذا كان ذلك جهده ومبلغ علمه
فذلك اللغو الذي وضع الله تعالى فيه المؤنة عن العباد وقال (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) والوجه الثاني أنه إن حلف عامدا للكذب استخفافا باليمين بالله كاذبا
فهذا الوجه الثاني الذي ليست فيه كفارة لأن الذي يعرض من ذلك أعظم من أن يكون فيه كفارة وإنه
ليقال له تقرب إلى الله بما استطعت من خير أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار وابن جريج عن
عطاء قال ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله عز وجل (لا
يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قالت هو: لا والله وبلى والله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولغو
اليمين كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها والله تعالى أعلم. قول الرجل لا والله وبلى والله ذلك إذا كان
على اللجاج والغضب والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه وعقد اليمين أن يثبتها على الشئ بعينه أن لا
يفعل الشئ فيفعله أو ليفعلنه فلا يفعله أو لقد كان وما كان فهذا آثم وعليه الكفارة لما وصفت من أن
الله عز وجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال
(ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى (بالغ الكعبة) ومثل قوله في الظهار (وإنهم ليقولون منكرا من القول
وزورا) ثم أمر فيه بالكفارة ومثل ما وصفت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حلف على
يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه).
الكفارة قبل الحنث وبعده
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فمن حلف على شئ فأراد أن يحنث فأحب إلى لو لم يكفر حتى
يحنث وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث لم يجز عنه وذلك أنا
نزعم أن الله تبارك وتعالى حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله

(1) لعل فيه سقطا وعبارة المختصر (لأفعلن كذا وكذا الوقت إلا أن يشاء الخ) وقال المزني في آخر الكلام قال
بخلافه في جامع الأيمان. تأمل كتبه مصححه.
66

أجزأهم وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل وأن
المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياسا على هذا فأما
الأعمال التي على الأبدان فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة التي لا تجزي إلى بعد الوقت والصوم لا
يجزي إلا في الوقت أو قضاء بعد الوقت الحج الذي لا يجزي العبد ولا الصغير من حجة الاسلام لأنهما
حجا قبل أن يجب عليهما.
من حلف بطلاق امرأته إن تزوج عليها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها تطليقة
يملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث والطلاق الذي أوقع، وإذا قال الرجل لامرأته
أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فسمى
وقتا فإن جاء ذلك الوقت وهي زوجته ولم يتزوج عليها فهي
طالق ثلاثا ولو أنه طلقها واحدة أو اثنتين ثم جاء ذلك الوقت وهي في عدتها وقعت عليها التطليقة الثالثة
وإن لم يوقت وكانت المسألة بحالها فقال أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فهذا على الأبد لا يحنث
حتى يموت أو تموت قبل أن يتزوج عليها وما تزوج عليها من امرأة تشبهها أو لا تشبهها خرج بها من
الحنث دخل بها أو لم يدخل ولا يخرجه من الحنث إلا تزويج صحيح يثبت فأما تزويج فاسد فليس
بنكاح يخرجه من الحنث وإن ماتت لم يرثها وإن مات هو ورثته لم ترثه في قول من يورث المبتوتة إذا
وقع الطلاق في المرض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: بعد لا ترث المبتوتة وهو قول ابن الزبير (قال
الربيع) صار الشافعي إلى قول ابن الزبير وذلك أنهم أجمعوا أن الله عز وجل إنما ورث الزوجات من
الأزواج وأنه إن آلى من المبتوتة فلا يكون عليه إيلاء وإن ظاهر فلا ظهار عليه وإن قذفها لم يكن له أن
يلاعن ولم يبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما زعموا أنها خارجة في هذه الأشياء من معاني الأزواج
وإنما ورث الله تعالى الزوجات لم نورثها والله تعالى الموفق.
الاطعام في الكفارات في البلدان كلها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجزي في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من
حنطة ولا يجزئ أن يكون دقيقا ولا سويقا وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة أو الأرز أو التمر أو الزبيب
أجزأ من كل جنس واحد من هذا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا يجزئ هذا أن النبي صلى
الله عليه وسلم أتى بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا والعرق فيما يقدر خمسة عشر
صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد. فإن قال قائل: فقد قال سعيد بن المسيب أتى النبي صلى
الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا أو عشرون صاعا قيل فأكثر ما قال ابن المسيب مد وربع أو
ثلث وإنما هذا شك أدخله ابن المسيب والعرق كما وصفت كان يقدر على خمسة عشر صاعا والكفارات
بالمدينة وبنجد ومصر والقيروان والبلدان كلها سواء ما فرض الله عز وجل على العباد فرضين في شئ
واحد قط ولا يجزئ في ذلك إلا مكيلة الطعام وما أرى أن يجزيهم دراهم وإن كان أكثر من قيمة
الطعام وما يقتات أهل البلدان من شئ أجزأهم منه مد ويجزئ أهل البادية مد أقط وإن لم يكن
67

لأهل بلد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: ويعطي الكفارات والزكاة كل من لا تلزمه نفقته من قرابته وهم من عدا الوالد والولد والزوجة
إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم متطوعا أعطاهم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وليس له إذا كفر بإطعام أن يطعم أقل من عشرة وإن أطعم تسعة وكسا واحدا كان
عليه أن يطعم عاشرا أو يكسو تسعة لأنه إنما جعل له أن يطعم عشرة أو يكسوهم وهو لا يجزئه أن يكسو
تسعة ويطعم واحدا لأنه حينئذ لا أطعم عشرة ولا كساهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن
رجلا كانت عليه ثلاثة أيمان مختلفة فحنث فيها فأعتق وأطعم وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها
العتق ولا عن أيها الاطعام ولا عن أيها الكسوة أجزأة بنية الكفارة وأيها شاء أن يكون عتقا أو إطعاما أو
كسوة كان وما لم يشأ فالنية الأولى تجزيه فإن أعتق وكسا وأطعم ولم يستكمل الاطعام أكمله ونواه عن أي
الكفارات شاء ولو كانت المسألة بحالها فكسا وأعتق وأطعم ولم ينو الكفارة ثم أراد أن ينوي كفارة لم تكن
كفارة لا تجزئه حتى يقدم النية قبل الكفارة أو تكون معها وأما ما كان عمله قبل النية فهو تطوع لا يجزيه
من الكفارة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أمر الرجل الرجل أن يكفر عنه من مال المأمور أو
استأذن الرجل الرجل أن يكفر عنه من ماله فأذن له أجزأت عنه الكفارة هذه هبة مقبوضة لأن دفعه
إياها إلى المساكين بأمره كقبض وكيله لهبة وهبها له، وكذلك إن قال أعتق عني فهي هبة فإعتاقه عنه
كقبضه ما وهب له وولاؤه للمعتق عنه لأنه قد ملكه قبل العتق وكان العتق مثل القبض كما لو اشتراه فلم
يقبضه حتى أعتقه كان العتق مثل القبض، ولو أن رجلا تطوع فكفر عن رجل بإطعام أو كسوة أو عتق
ولم يتقدم في ذلك أمر من الحالف لم يجز عنه وكان العتق عن نفسه لأنه هو المعتق لما يملك ما لم يهب
لغيره فيقبله، وكذلك الرجل يعتق عن أبويه بعد الموت فالولاء له إذا لم يكن ذلك بوصية منهما ولا
شئ من أموالهما، ولو أن رجلا صام عن رجل بأمره لم يجزه الصوم عنه وذلك أنه لا يعمل أحد عن
أحد عمل الأبدان لأن الأبدان تعبدت بعمل فلا يجزي عنها أن يعمل غيرها ليس الحج والعمرة بالخبر
الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأن فيهما نفقة وأن الله فرضهما على من وجد إليهما السبيل
والسبيل بالمال.
من لا يطعم من الكفارات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا فإن
أطعم منها ذميا محتاجا أو حرا مسلما غير محتاج أو عبد رجل محتاج لم يجزه ذلك وكان حكمه حكم من لم
يفعل شيئا وعليه أن يعيد وهكذا لو أطعم غنيا وهو لا يعلم ثم علم غناه كان عليه أن يعيد، وهكذا لو
أطعم من تلزمه نفقته ثم علم أعاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن كان له مسكن لا يستغني عنه
هو وأهله وخادم أعطى من كفارة اليمين والصدقة والزكاة ولو كان له مسكن يفضل عن حاجته وحاجة
أهله الفضل الذي يكون بمثله غنيا لم يعط.
ما يجزي من الكسوة في الكفارات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة
68

أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك للرجل والمرأة لأن ذلك كله يقع عليه اسم كسوة، ولو أن رجلا
أراد أن يستدل بما تجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين جاز لغيره أن يستدل بما يكفيه في
الشتاء أو في الصيف أو في السفر من الكسوة ولكن لا يجوز الاستدلال عليه بشئ من هذا وإذا أطلقه
الله فهو مطلق ولا بأس أن يكسو رجالا ونساء وكذلك يكسو الصبيان وإن كسا غنيا وهو لا يعلم رأيت
عليه أن يعيد الكسوة.
العتق في الكفارات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أعتق في كفارة اليمين أو في شئ وجب عليه العتق لم يجزه إلا
رقبة مؤمنة ويعتق فيها الأسود والأحمر والسوداء والحمراء وأقل ما يقع به اسم الأيمان على العجمي أن
يصف الأيمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه أو أحدهما مؤمنا لأن
حكمهم حكم الأيمان ويجزي في الكفارات ولد الزنا، وكذلك كل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل
ضررا بينا مثل العرج الخفيف والعور وشلل الخنصر والعيوب التي لا تضر بالعمل ضررا بينا ويجزي فيه
العرج الخفيف ولا يجزي المقعد ولا الأعمى ولا أشل الرجل يابسها ولا اليدين يابسهما ويجزي الأصم
والخصي المجبوب وغير المجبوب ويجزي المريض الذي ليس به مرض زمانة مثل الفالج والسبل وما أشبهه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الجارية حاملا من زوجها ثم اشتراها زوجها فأعتقها في
كفارة أجزأت عنه وإنما لا تجزي في قول من لا يبيع أم الولد إذا ولدت بعد شرائه إياها ووضعها لستة
أشهر فصاعدا لأنها تكون بذلك أم ولد فأما ما كان قبل ذلك فلا تكون به أم ولد (قال) ومن كانت
عليه رقبة واجبة فأراد أن يشتري رقبة تعتق عليه إذا ملكها بغير عتق فلا تجزي عنه، وما كان يجوز له أن
يملكه بحال أجزأ عنه ولا يعتق عليه إلا الآباء وإن بعدوا والبنون وإن سفلوا والدون كلهم أو مولودون
وسواء ذلك من قبل البنات والبنين لأن كلهم ولد ووالد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن اشترى
رقبة بشرط عتقها لم تجز عنه من رقبة واجبة عليه (قال) ويجزي المدبر في الرقاب الواجبة ولا يجزي عنه
المكاتب حتى يعجز فيعود رقيقا فيعتقه بعد العجز ويجزي المعتق إلى سنين وهو في أضعف من حال
المدبر، ومن اشترى عبدا فأعتقه وهو ممن لا يجزي في الرقاب الواجبة فالعتق ماض ويعود لرقبة تامة فإن
كان الذي باعه دلس له بعيب عاد عليه فأخذ منه قيمة ما بينه صحيحا ومعيبا من الثمن وإن كان معيبا
عيبا يجزي مثله في الرقاب الواجبة أجزأ عنه وعاد على صاحبه الذي باعه بقيمة ما بين العيب والصحة
ولم يكن عليه أن يتصدق بقيمة العيب إذا أخذه من البائع وهو مال من ماله.
الصيام في كفارات الأيمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله عز وجل
أن يكون متتابعا أجزأه أن يكون متفرقا قياسا على قول الله عز وجل في قضاء رمضان (فعدة من أيام
أخر) والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الصوم متتابعا
فأفطر فيه الصائم والصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف.
69

من لا يجزيه الصيام في كفارة اليمين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والذي يجب عليه من الكفارة الاطعام أو الكسوة أو العتق من
كان غنيا فليس له أن يأخذ من الصدقة شيئا فأما من كان له أن يأخذ من الصدقة فله أن يصوم وليس
عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأ عنه وإن كان غنيا وكان ماله غائبا عنه لم يكن له أن يكفر
بصوم حتى يحضره ماله أو يذهب المال إلا بإطعام أو كسوة أو عتق.
من حنث معسرا ثم أيسر أو حنث موسرا ثم أعسر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث الرجل موسرا ثم أعسر لم يكن له أن يصوم ولا أرى
الصوم يجزي عنه وأمرته احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه
ولو أنه حنث معسرا ثم لم يصم حتى أيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم من قبل أنه لم يكفر حتى أيسر
وإن صام ولم يكفر أجزأ عنه لأن حكمه حين حنث الصيام (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إنما
ينظر إلى الكفارة يوم يكفر فإذا كان معسرا كان له أن يصوم وإن كان موسرا كان عليه أن يعتق (قال)
ولا يصام في كفارة اليمين ولا في شئ وجب عليه من الصوم بإيجاب يوم من رمضان ولا يوم ولا يصلح
صومه متطوعا مثل يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وصيام ما سواها من الأيام.
من أكل أو شرب ساهيا في صيام الكفارة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويفسد صوم التطوع وصوم رمضان وصوم الكفارة والنذر ما
أفسد الصوم ولا خلاف بين ذلك فمن أكل فيها أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه ومن أكل أو شرب عامدا
أفسد الصوم عليه لا يختلف إلا في وجوب الكفارة على من جامع في رمضان وسقوطها عمن جامع في
صوم غيره تطوعا أو واجبا فإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم من عذر وغير عذر والصائمة استأنفا الصيام
إلا الحائض فإنها لا تستأنف.
الوصية بكفارة الأيمان وبالزكاة ومن تصدق بكفارة ثم اشتراها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن لزمه حق للمساكين في زكاة مال أو لزمه حج أو لزمته
كفارة يمين فذلك كله من رأس المال يحاص به ديون الناس ويخرج عنه في ذلك أقل ما يكفي في مثله
فإن أوصى بعتق في كفارة ولم يكن في رأس المال إلا الطعام فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه من الثلث
وإن لم يحمله أطعم عنه من رأس المال وإذا أعتق عنه من الثلث لم يطعم عنه من رأس المال (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كفر الرجل بالطعام أو بالكسوة ثم اشترى ذلك فدفعه إلى أهله ثم
اشتراه منهم فالبيع جائز ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلى.
70

كفارة يمين العبد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد فلا يجزيه إلا الصوم لأنه لا يملك شيئا وإن
كان نصفه عبدا ونصفه حرا وكان في يديه مال لنفسه لم يجزه الصيام وكان عليه أن يكفر مما في يديه من
المال مما يصيبه فإن لم يكن في يديه مال لنفسه صام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد
ثم عتق وكفر كفارة حر أجزأت عنه لأنه حينئذ مالك ولو صام أجزأ عنه لأنه يوم حنث كان حكمه
حكم الصيام.
من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل (1)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر
على المشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر والقياس أن لا يكون عليه
دم من قبل إنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كمن لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلي قاعدا
ولا يطيق القعود فيصلي مضطجعا وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج
بالصيام والصدقة والنسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا
يمشي أحد إلى بيت الله إلا حاجا أو معتمرا لا بد له منه (قال الربيع) وللشافعي رحمه الله تعالى: قول
آخر أنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزيه من ذلك إن أراد بذلك اليمين
(قال الربيع) وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال هذا قولك يا أبا عبد الله؟ فقال هذا هو قول من
هو خير مني قال ومن هو؟ قال عطاء بن أبي رباح (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن حلف
بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء أن كل من حلف بشئ من النسك
صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن
أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فرض الله عليه أو تبررا يريد الله به. فأما على غلق الأيمان فلا
يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير الغلق وقد قال غير عطاء: عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والتبرر أن يقول لله على إن شفي الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو
قضى عني دينا أو كان كذا أن أحج له نذرا فهو التبرر فأما إذا قال إن لم أقضك حقك فعلى المشي إلى
بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا من معاني النذور وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا
أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاء ولا كفارة فهذا يوافق السنة وذلك أن
يقول لله على إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله
فمن قال هذا فلا شئ عليه فيه وفي السائبة وإنما أبطل الله عز وجل النذر في البحيرة والسائبة لأنها
معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على أن من نذر معصية لله عز وجل أن لا يفي ولا كفارة
عليه وبذلك جاءت السنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد

(1) فد تقدم في نسخة البلقيني جمل من هذا الباب في أواخر الجزء الثاني في أبواب عقدها هو على حسب
المناسبات مع ترك بعض منه ولكنه بتمامه في الأصول بهذا الموضع فأثبتناه تبعا لها.
71

الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن
أبي المهلب عن عمران بن حصين قال كانت بنو عقيل حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد
أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بني عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد
سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلأ ترتع
فيه ولم تمنع من حوض تشرع فيه قال فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد فيم أخذتني
وأخذت سابقة الحاج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بجريرة حلفائك ثقيف) قال وحبس حيث يمر
به النبي صلى الله عليه وسلم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال يا محمد إني مسلم فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (لو قلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح) قال ثم مر به النبي صلى
الله عليه وسلم مرة أخرى فقال يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي صلى الله عليه
وسلم (تلك حاجتك) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بدا له ففادي به الرجلين اللذين أسرت ثقيف
وأمسك الناقة ثم إنه أغار على المدينة عدو فأخذوا سرج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا الناقة فيها،
قال وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة
إلى النعم فجعلت لا تجئ إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت
المدينة قال الناس العضباء العضباء فقالت المرأة إني نذرت إن الله أنجاني عليها أن انحرها فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (بئسما جزيتيها ولا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك بن آدم) أخبرنا عبد
الوهاب عن أيوب عن أبي قلاية عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر (قال)
وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول
قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما
سواه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشي حتى يحل له النساء ثم
ركب بعد وذلك كمال حج هذا وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشي حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر أن يحج ماشيا
فمشى ففاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ماشيا حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه
حج قابل إذا فاته هذا الحج ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا بالحج أو ناذرا له أو كانت عليه حجة
الاسلام أو عمرته أن لا يجزئ هذا الحج من حج ولا عمرة فإذا كان حكمه (1) أن يسقط ولا يجزئ
من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشي الذي إنما هو هيئة في الحج والعمرة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا نذر الرجل أن يحج أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر ذلك ماشيا فلا يمشي
لأنهما جميعا حجة الاسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الاسلام وعمرته وعليه أن يحج ويعتمر
ماشيا من قبل أن أول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو حجة الاسلام وإن لم
ينو حجة الاسلام ونوى به نذرا أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الاسلام وعمرته وعليه أن يعود
لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا أو غير ماش (قال الربيع) هذا إذا كان المشي لا يضر بمن يمشي فإذا كان

(1) أي أن يبطل ويلغو وقوله (لا يسقط المشي) أي لا يلغو فيجب إعادته ماشيا، تأمل!
72

مضرا به فيركب ولا شئ عليه على مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يتم صومه
ويتنحى عن الشمس فأمره بالذي فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لأنه لا حاجة لله في تعذيبه
وكذلك الذي يمشي إذا كان المشي تعذيبا له يضر به تركه ولا شئ عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: ولو أن رجلا قال إن شفى الله فلانا فلله على أن أمشي لم يكن عليه مشي حتى يكون نوى شيئا
يكون مثله برا فإن لم ينو شيئا فلا شئ عليه لأنه ليس في المشي إلى غير مواضع البربر (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: ولو نذر فقال على المشي إلى إفريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شئ
لأنه ليس لله طاعة في المشي إلى شئ من البلدان وإنما يكون المشي إلى الموضع الذي يرتجي فيه البر
وذلك المسجد الحرام وأحب إلى لو نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى مسجد بيت المقدس
أن يمشي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام
ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس) ولا يبين لي أن أوجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ومسجد بيت المقدس كما يبين لي أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام وذلك أن البر بإتيان بيت الله
تعالى فرض والبر بإتيان هذين نافلة وإذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى
بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه لأن المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشي إلى
مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشي إليه ولو نذر برء أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه وليس هذا كما يؤخذ
للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عز وجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه وإذا نذر
الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة وذلك أن النحر بمكة برء وإن نذر أن ينحر بغيرها
ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها برء لأنه نذر أن
يتصدق على مساكين ذلك البلد فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد فعليه أن يتصدق عليهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل غلامي حر إلا أن يبدو لي في ساعتي هذه أو في يومي هذا أو
أشاء أو يشاء فلان أن لا يكون حرا أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا تكون طالقا في يومي هذا أو يشاء
فلان فشاء أو شاء الذي استثنى مشيئته لم يكن العبد حرا ولا المرأة طالقا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا قال الرجل أنا أهدي هذه الشاة نذرا أو أمشي نذرا فعليه أن يهديها وعليه أن يمشي إلا أن
يكون أراد أني سأحدث نذرا أو أني سأهديها فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير إيجاب فإذا نذر الرجل أن
يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو
موضعا قريبا من الحرم ليس بالحرم لم يكن عليه شئ لأن هذا نذر في غير طاعة وإذا نذر الرجل حجا
ولم يسم وقتا فعليه حج يحرم به في أشهر الحج متى شاء وإن قال على نذر حج إن شاء فلان فليس عليه
شئ ولو شاء فلان إنما النذر ما أريد الله عز وجل به ليس على معاني الغلق ولا مشيئة غير الناذر وإذا
نذر أن يهدي شيئا من النعم لم يجزه إلا أن يهديه وإذا نذر أن يهدي متاعا لم يجزه إلا أن يهديه أو يتصدق
به على مساكين الحرم فإن كانت نيته في هذه أن يعلقه سترا على البيت أو يجعله في طيب البيت جعله
حيث نوى ولو نذر أن يهدي مالا يحمل مثل الأرضين والدور باع ذلك فأهدى ثمنه ويلي الذي نذر
الصدقة بذلك وتعليقه على البيت وتطييبه به أو يوكل به ثقة يلي ذلك له وإذا نذر أن يهدي بدنة لم يجزه
فيها إلا ثني من الإبل أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى والخصي وأكثرها ثمنا أحب إلى وإذا لم يجد
بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا وإذا لم يجد بقرة أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا إن كن معزى أو جذعا
فصاعدا إن كن ضأنا وإن كانت نيته على بدنة من الإبل دون البقر فلا يجزيه أن يهدي مكانها من البقر
73

والغنم إلا بقيمتها وإذا نذر الرجل هديا ولم يسم الهدي ولم ينو شيئا فأحب إلى أن يهدي شاة وما أهدى
من مد حنطة أو ما فوقه أجزأه لأن كل هذا هدي وإذا نذر أن يهدي هديا ونوى به بهمة جديا رضيعا
أهداه إنما معنى الهدي هدية وكل هذا يقع عليه اسم هدى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر
أن يهدي شاة عوراء أو عمياء أو عرجاء أو ما لا يجوز أضحية أهداه ولو أهدى تاما كان أحب إلى لأن
كل هذا هدي ألا ترى إلى قول الله عز وجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم
يحكم به ذوا عدل منكم هديا) فقد يقتل الصيد وهو صغير وأعرج وأعمى وإنما يجزيه بمثله أو لا ترى
أنه يقتل الجراد والعصفور وهما من الصيد فيجزي الجرادة بتمرة والعصفور بقيمته ولعله قبضة وقد سمى
الله تعالى هذا كله هديا وإذا قال الرجل شاتي هذه هدي إلى الحرم أو بقعه من الحرم أهدي وإذا نذر
الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة فإذا سمى موضعا من الأرض ينحرها فيه أجزأته وإذا نذر الرجل عدد
صوم صامه إن شاء متفرقا وإن شاء متتابعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نذر صيام أشهر فما
صام منها بالأهلة صامه عددا ما بين الهلالين إن كان تسعة وعشرين وثلاثين فإن صامه بالعدد صام عن
كل شهر ثلاثين يوما وإذا نذر صيام سنة بعينها صامها كلها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان ويوم الفطر
ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه كما لو قصد فنذر أن يصوم هذه الأيام لم يكن عليه نذر ولا
قضاء فإن نذر سنة بغير عينها قضى هذه الأيام كلها حتى يوفي صوم سنة كاملة وإذا قال لله على أن
أحج عامي هذا فحال بينه وبينه عدو أو سلطان حابس فلا قضاء عليه وإن حال بينه وبينه مرض أو
خطأ عدد أو نسيان أو توان قضاه إذا زعمت أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء كان من
نذر حجا بعينه مثله وما زعمت أنه إذا أحصر فعليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر وهكذا إن
نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض قضاها إلا الأيام التي ليس له أن يصومها فإن قال قائل فلم تأمر المحصر
إذا أحصر بالهدي ولا تأمر به هذا؟ قلت: آمره به للخروج من الاحرام وهذا لم يحرم فأمره بالهدي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أكل الصائم أو شرب في رمضان أو نذر أو صوم كفارة أو واجب
بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا فصومه تام ولا قضاء عليه وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم أو أفطر قبل
الليل وهو لا يعلم فليس بصائم في ذلك اليوم وعليه بدله فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه وإذا
قال الله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم لأنه
قدم في الليل ولم يقدم في النهار وأحب إلى لو صامه ولو قدم الرجل نهارا وقد أفطر الذي نذر الصوم
فعليه قضاء ذلك اليوم وهكذا لو قدم بعد الفجر وهو صائم ذلك اليوم متطوعا أو لم يأكل فعليه أن
يقضيه لأنه نذر والنذر لا يجزيه إلا أن ينوي صيامه قبل الفجر وهذا احتياط وقد يحتمل القياس أن لا
يكون عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا
أن يصام وليس هو كيوم الفطر وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا عليه قضاؤه وهذا أصح في
القياس من الأول ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصومه كنذره
وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم
ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه لأنه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة ولا يقضي ما لا طاعة فيه ولو قال الله
على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين كان عليه قضاء اليوم الذي قدم فيه فلان
وصوم الاثنين كلما استقبله فإن تركه فيما يستقبل قضاه إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام
التشريق فلا يصومه ولا يقضيه وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه من رمضان كما لو أن رجلا
74

نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه وكذلك لو نذر أن يصوم يوم
الفطر أو الأضحى أو أيام التشريق ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم
شهرين متتابعين صامهما وقضى كل اثنين فيهما ولا يشبه هذا شهر رمضان لأن هذا شئ أدخله على
نفسه بعد ما أوجب عليه صوم يوم الاثنين وشهر رمضان شئ أوجبه الله تعالى لا شئ أدخله على نفسه
ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضتها وإذا قالت المرأة
لله على أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضتي فليس عليها صوم ولا قضاء لأنها لا تكون صائمة وهي
حائض وإذا نذر الرجل صوما أو صلاة ولم ينو عددا فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ومن الصوم يوم
لأن هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم إلا الوتر (قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة
وذلك أنه يروي عن عمر أنه تنفل بركعة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة بعد عشر ركعات
وأن عثمان أوتر بركعة (قال الربيع) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلي صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة
كانت ركعة صلاة بما ذكرنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الله على عتق رقبة فأي رقبة أعتق
أجزأه.
فيمن حلف على سكنى دار لا يسكنها
(سئل الشافعي) رحمه الله تعالى فقيل له فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها
ساكن أنه يؤمر بالخروج من ساعة حلف ولا نرى عليه حنثا في أقل من يوم وليلة إلا أن يكون له نية في
تعجيل الخروج قبل يوم وليلة فإنه حانث إذا أقام يوما وليلة أو يقول نويت أن لا أعجل حتى أجد منزلا
فيكون ذلك له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يسكن الدار وهو فيها ساكن
أخذ في الخروج مكانه فإن تخلف ساعة وهو يمكنه الخروج منها حنث ولكنه يخرج منها ببدنه متحولا
ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه منها وإخراج أهله لأن ذلك ليس بسكن قال فإنا نقول في الرجل
يحلف أن لا يساكن الرجل وهما في دار واحدة ليس لها مقاصير كل بيت يدخله ساكنه أو كانت لها
مقاصير يسكن كل مقصورة منها ساكنها وكان الحالف مع المحلوف عليه في بيت منها أو في مقصورة من
مقاصيرها أو في حجرة المقصورة دون البيت وصاحبه المحلوف عليه في البيت أنه يخرج مكانه حين
حلف أنه لا يساكنه في البيت إلى أي بيوت الدار شاء وليس له أن يساكنه في المقصورة التي كانت فيها
اليمين وإن كان معه في البيت وليس له مقصورة أو له مقصورة أو كان في مقصورة دون البيت والآخر في
البيت دون المقصورة أنه إن أقام في البيت أو في المقصورة يوما وليلة كان حانثا وإن أقام أقل من ذلك
لغير المساكنة لم يكن عليه حنث إذا خرج إلى أي بيوت الدار ومقاصيرها شاء (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا حلف أن لا يساكن الرجل وهو ساكن معه فهي كالمسألة قبلها يخرج منها مكانه أو يخرج
الرجل مكانه فإن أقاما جميعا ساعة بعدما أمكنه أن يتحول عنه حنث وإن كانا في بيتين فجعل بينهما
حاجز أو لكل واحد من الحجرتين باب فليست هذه مساكنة وإن كانا في دار واحدة والمساكنة أن يكونا
في بيت أو بيتين حجرتهما ومدخلهما واحد فأما إذا افترق البيتان والحجرتان فليست مساكنة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف لا نية له إنما خرجت اليمين منه
بلا نية فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قال فإنا نقول إذا نقل أهله وعياله وترك متاعه فإنا
75

نستجب له أن ينتقل بجميع متاعه وأن لا يخلف شيئا من متاعه وإن خلف شيئا منه أو خلفه كله فلا
حنث عليه فإن خلف أهله وولده فهو حانث لأنه ساكن بعد والمساكنة التي حلف عليها هي المساكنة منه
ومن عياله لمن حلف أن لا يساكنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والنقلة والمساكنة على البدن دون
الأهل والمال والولد والمتاع فإذا حلف رجل لينتقلن فانتقل ببدنه وترك أهله وولده وماله فقد برء، وإن
قال قائل ما الحجة؟ قيل أرأيت إذا سافر ببدنه أيقصر الصلاة ويكون من أهل السفر أو رأيت إذا
انقطع إلى مكة ببدنه أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم؟ فإذا
قال: نعم قيل فإنما النقلة والحكم على البدن لا على مال ولا على ولد ولا على متاع قال: فإنا نقول
فيمن حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فتركه عليه بعد اليمين أنا نراه حانثا لأنه قد لبسه بعد
يمينه، وكذلك نقول فيه إن حلف لا يركب هذه الدابة وهو عليها فإن نزل مكانه وإلا كان حانثا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حلف أن لا يلبس الثوب وهو لابسه فمثل المسئلتين الأوليين إن لم ينزعه من
ساعته إذا أمكنه نزعه حنث وكذلك إن حلف أن لا يركب دابة وهو راكبها فإن نزل مكانه وإلا حنث
وهكذا كل شئ من هذا الصنف قيل فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن بيتا ولا نية له وهو من أهل
الحضارة فسكن بيتا من بيوت الشعر فإنه إن كان ليمينه معنى يستدل عليه بالأمر الذي له حلف مثل أن
يكون سمع بقوم أنهدم عليهم بيت فعمهم ترابه فلا شئ عليه في سكناه في بيت شعر وإن لم يكن له نية
حين حلف، وإن كان إنما وجه يمينه أنه قيل له إن الشمس محتجبة وإن السكنى في السطوح والخروج
من البيوت مصحة ويسرة فحلف أن لا يسكن بيتا فإنا نراه حانثا إن سكن بيت شعر (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإن حلف الرجل أن لا يسكن بيتا وهو من أهل البادية أو أهل القرية ولا نية له فأي
بيت شعر أو أدم أو خيمة أو ما وقع عليه اسم بيت أو حجارة أو مدر سكن حنث قال فإنا نقول فيمن
حلف أن لا يسكن دار فلان فسكن دارا بينه وبين رجل آخر أنه يحنث وكذلك إن كانت الدار كلها له
فسكن منها بيتا حيث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يسكن دارا لفلان ولم
ينو دارا بعينها فسكن دارا له فيها شرك أكثرها كان له أو أقلها لم يحنث ولا يحنث حتى تكون الدار كلها
له خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشترى فلان وآخر
معه طعاما ولا نية له لم يحنث ولا أقول بقولكم أنكم تقولون فيمن حلف أن لا يأكل من طعام اشتراه
فلان فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه أنكم تحنثونه إن أكل منه قبل أن يقتسماه وزعمنا وزعمتم
أنهما إن اقتسماه فأكل الحالف مما صار للذي لم يحلف عليه لم يكن عليه حنث والقول فيها على ما
أجبتك في صدر المسألة قال فإنا نقول من حلف أن لا يسكن دار فلان فباعها فلان أنه إن كان عقد
يمينه على الدار لأنها داره لا يحنث إن سكنها وهي لغيره وإن كان إنما عقد يمينه على الدار وجعل تسميته
صاحبها صفة من صفاتها مثل قوله هذه الدار المزوقة فذهب تزويقها فأراه حانثا إن سكنها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يسكن دار فلان هذه بعينها وباعها فلان فإن كانت نيته
على الدار حنث بأي وجه سكنها وإن ملكها هو وإن كانت نيته ما كانت لفلان لم يحنث إذا خرجت
من ملكه وإن لم يكن له نية حنث إذا قال دار فلان هذه.
76

فيمن حلف أن لا يدخل هذه الدار وهذا البيت فغير عن حاله
(قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول لو أن رجلا حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت حتى
صارت طريقا أو خربة يذهب الناس فيها ذاهبين وجائين أنه إن كان في يمينه سبب يستدل به على شئ
من نيته وما أراد في يمينه حمل على ما استدل به وإن لم يكن لذلك سبب يستدل به على شئ من نيته
فإنا لا نرى عليه حنثا في دخولها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يدخل هذه
الدار فانهدمت حتى صارت طريقا ثم دخلها لم يحنث لأنها ليست بدار قال فإنا نقول فيكن قال والله لا
أدخل من باب هذه الدار فحول بابها فدخل من بابها هذا المحدث إنه حانث (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يدخل من باب هذه الدار ولا نية له فحول بابها إلى موضع آخر
فدخل منه لم يحنث وإن كانت له نية فنوى من باب هذه الدار في هذا الموضع لم يحنث (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: ولو نوى أن لا يدخل الدار حنث (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يلبس هذا
الثوب وهو قميص فقطعه قباء أو سراويل أو جبة إنا نراه حانثا إلا أن تكون له نية يستدل بها على أنه لا
حنث عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوبا وهو رداء فقطعه قميصا
أو اتزر به أو ارتدى به أو قطعه قلانس أو تبابين أو حلف أن لا يلبس سراويل فاتزر بها أو قميصا فارتدى
به فهذا كله لبس وهو يحنث في هذا كله إذا لم تكن له نية فإن كانت له نية لم يحنث إلا على نيته إن
حلف أن لا يلبس القميص كما تلبس القمص فارتدى به لم يحنث، وكذلك إن حلف أن لا يلبس
الرداء كما تلبس الاردية فلبسه قميصا لم يحنث وإذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوب امرأته وقد كانت
منت بالثوب عليه أو ثوب رجل من عليه فأصل ما أبنى عليه أن لا أنظر إلى سبب يمينه أبدا وإنما أنظر
إلى مخرج اليمين ثم أحنث صاحبها أو أبره على مخرجها وذلك أن الأسباب متقدمة والأيمان محدثة بعدها
فقد يحدث على مثالها وعلى خلاف مثالها فلما كان هكذا لم أحنثه على سبب يمينه وأحنثه على مخرج
يمينه. أرأيت لو أن رجلا قال لرجل قد نحلتك داري أو قد وهبتك مالي فحلف ليضربنه أما يحنث إن
لم يضربه وليس حلفه ليضربنه بشبه سبب ما قال له فإذا حلف أن لا يلبس هذا الثوب لثوب امرأته
فوهبته له أو باعته فاشترى بثمنه ثوبا أو انتفع به لم يحنث ولا يحنث أبدا إلا بلبسه (قال) فإنا نقول
فيمن حلف أن لا يدخل دار فلان فرقي على ظهر بيته أنه يحنث لأنه دخلها من ظهرها (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان فرقى فوقها فلم يدخلها وإنما دخوله أن أن
يدخل بيتا منها أو عرصتها (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيت فلان
المحلوف عليه وإنما فلان ساكن في ذلك البيت بكراء أنه يحنث لأنه بيته ما دام ساكنا فيه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يدخل بيت فلان وفلان في بيت بكراء لم يحنث
لأنه ليس بيت فلان إلا أن يكون أراد مسكن فلان، ولو حلف أن لا يدخل مسكن فلان فدخل عليه
مسكنا بكراء حنث إلا أن يكون نوى مسكنا له يملكه (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل دار
فلان فاحتمله إنسان فأدخله قهرا فإنه إن كان غلبه على ذلك ولم يتراخ فلا حنث عليه إن كان حين
قدر على الخروج خرج من ساعته فأما إن أقام ولو شاء أن يخرج خرج فإن هذا حانث (أخبرنا
الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) رحمه الله تعالى: قال إذا حلف أن لا يدخل دار فلان فحمل فأدخلها
لم يحنث إلا أن يكون هو أمرهم أن يدخلوه تراخى أو لم يتراخ (قال) فإنا نقول فيمن حلف بالطلاق أن
77

لا يدخل دار فلان فقال إنما حلفت أن لا أدخلها ونويت شهرا أنا نرى عليه أنه إن كانت عليه في يمينه
بينة فإنه لا يصدق بنيته وإن دخلها حنث وإن كان لا بينة عليه في يمينه قبل ذلك منه مع يمينه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل بطلاق امرأته أن لا يدخل دار فلان فقال نويت شهرا
أو يوما فهو كذلك فيما بينه وبين الله عز وجل وعليه اليمين فأما في الحكم فمتى دخلها فهي طالق (قال)
فإنا نقول فيمن قال والله لا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه فلان ذلك بيتا إنا نراه حانثا إن أقام معه
في البيت حين دخل عليه وذلك أنه ليس يراد باليمين في مثل هذا الدخول ولكن يراد به المجالسة إلا أن
تكون نيته يوم حلف أن لا يدخل عليه وأنه كان هو في البيت أولا ثم دخل عليه الآخر فلا حنث عليه
وإذا كان هذا هكذا نيته يوم حلف فإنا لا نرى عليه حنثا إذا كان المحلوف عليه هو الداخل عليه بعد
دخوله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل عليه
الآخر بيته فأقام معه لم يحنث لأنه لم يدخل عليه (قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل على فلان
بيتا فدخل على جار له بيته فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره أنه يحنث لأنه داخل عليه وسواء كان
البيت له أو لغيره وأنه إن دخل عليه مسجدا لم يحنث إلا أن يكون نوى المسجد في يمينه (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل على رجل غيره بيتا فوجد ذلك
المحلوف عليه في ذلك البيت لم يحنث من قبل أنه ليس على ذلك دخل (قال الربيع) وللشافعي قول
آخر أنه يحنث إذا دخل عليه لأنه قد دخل عليه بيتا كما حلف وإن كان قد قصد بالدخول على غيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير
النية ولا يرفع الخطأ فأما إذا حلف أن لا يدخل عليه بيتا فدخل عليه المسجد لم يحنث بحال.
من حلف على أمرين أن يفعلهما أو لا يفعلهما ففعل أحدهما
(قال) فإنا نقول فيمن حلف أن لا يكسو امرأته هذين الثوبين فكساها أحدهما أنه حانث إلا أن
يكون نوى في يمينه أن لا يكسوها إياهما جميعا لحاجته إلى أحدهما أو لأنها لا حاجة لها فيهما جميعا
فقال أنت طالق إن فعلت فتكون له نيته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا
يكسو امرأته هذين الثوبين أو هذه الأثواب الثلاثة فكساها أحد الثوبين أو أحد الثلاثة أو كساها من
الثلاثة اثنين وترك واحدا لم يحنث وكذلك لو حلف أن لا يأكل هذين القرصين فأكلهما إلا قليلا لم
يحنث إلا أن يأتي على الشيئين اللذين حلف عليهما إلا أن يكون ينوي أن لا يكسوها من هذه الأثواب
شيئا أو لا يأكل من هذا الطعام شيئا فيحنث، وإذا قال والله لا أشرب ماء هذه الإداوة كله ولا ماء هذا
النهر ولا ماء هذه البحر كله فكل هذا سواء ولا يحنث إلا أن يشرب ماء الإداوة كله ولا سبيل إلى أن
يشرب ماء النهر كله ولا ماء البحر كله ولكنه لو قال لا أشرب من ماء هذه الإداوة ولا ماء هذا النهر
ولا من ماء هذا البحر فشرب منه شيئا حنث إلا أن تكون له نية فيحنث على قدر نيته، وإذا قال والله
لا أكلت خبزا وزينا فأكل خبزا ولحما لم يحنث وكذلك كل شئ أكله مع الخبز سوى الزيت وكل
شئ أكل به الزيت سوى الخبز فإنه ليس بحانث وكذلك لو قال لا آكل زيتا ولحما فكذلك كل ما
أكل مع اللحم سوى الزيت (قال) فأنا نقول لمن قال لأمته أو امرأته أنت طالق أو أنت حرة إن
دخلت هاتين الدارين فدخلت إحداهما ولم تدخل الأخرى أنه حانث وإن قال إن لم تدخليهما فأنت
78

طالق أو أنت حرة فإنا لا نخرجه من يمينه إلا بدخولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هاتين الدارين أو لأمته أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين لم يحنث
في واحدة منهما إلا بأن تدخلهما معا وكذلك كل يمين حلف عليها من هذا الوجه (قال) فإنا نقول
فيمن قال لعبدين له أنتما حران إن شئتما فإن شاءا جميعا الحرية فهما حران وإن شاءا جميعا الرق فهما
رقيقان وإن شاء أحدهما الحرية وشاء الآخر الرق فالذي شاء الحرية منهما حر ولا حرية بمشيئة هذا
للذي لم يشأ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبدين له أنتما حران إن شئتما لم يعتقا إلا
بأن يشاءا معا ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر، وكذلك إن قال أنتما حران إن شاء فلان وفلان لم
يعتقا إلا أن يشاء فلان وفلان ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر ولو كان قال لهما أيكما شاء العتق فهو
حر فأيهما شاء فهو حر شاء الآخر أو لم يشأ (قال) فإنا نقول في رجل قال والله لئن قضيتني حقي في
يوم كذا وكذا لأفعلن بك كذا وكذا فقضاه بعض حقه أنه لا يلزمه اليمين حتى يقضيه حقه كله لأنه أراد
به الاستقصاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان لرجل على رجل حق فحلف لئن قضيتني حقي
في يوم كذا وكذا لهبن لك عبدا من يومك فقضاه حقه كله إلا درهما أو فلسا في ذلك اليوم كله لم
يحنث ولا يحنث إلا بأن يقضيه حقه كله قبل أن يمر اليوم الذي قضاه فيه آخر حقه ولا يهب له عبدا.
من حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه
(أخبرنا الربيع) قال: قيل للشافعي فإنا نقول فإن حلف أن لا يفارق غريما له حتى يستوفي حقه
ففر منه أو أفلس أنه حانث إلا أن تكون له نية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل
أن لا يفارق غريمه حتى أخذ حقه منه ففر منه غريمه لم يحنث لأنه لم يفارقه هو ولو كان قال لا أفترق أنا
وهو حنث في قول من لا يطرح الخطأ والغلبة عن الناس ولا يحنث في قول من طرح الخطأ والغلبة عن
الناس فأما إن حلف لا يفارقه حتى يأخذ منه حقه فأفلس فيحنث في قول من لا يطرح الغلبة عن
الناس والخطأ ولا يحنث في قول من طرح الخطأ والغلبة عنهم (قال) فإنا نقول فيمن حلف لغريم له
أن لا يفارقه حتى يستوفي منه حقه فأحاله على غريم له آخر أنه إن كان فارقه بعد الحمالة فإنه حانث
لأنه حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي ففارقه ولم يستوف لما أحاله ثم استوفاه بعد (قال الربيع) الذي
يأخذ به الشافعي أنه إن لم يفرط فيه حتى فر منه فهو مكره فلا شئ عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يفارق الرجل حتى يستوفي منه حقه فأحاله بعد على رجل غيره فأبرأه
ثم فارقه حنث وإن كان حلف أن لا يفارقه وله عليه حق لم يحنث لأنه وإن لم يستوف أولا بالحمالة فقد
برئ بالحوالة (قال) فإنا نقول فيمن حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه منه فاستوفاه
فلما افترقا أصاب بعضها نحاسا أو رصاصا أو نقصا بينا نقصانه أنه حانث لأنه فارقه ولم يستوف وأنه إن
أخذ بحقه عرضا فإن كان يسوي ما أخذه به وهو قيمته لو أراد أن يبيعه باعه ولم يحنث (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي منه حقه فأخذ منه حقه فيما يرى ثم وجد دنانيره
زجاجا أو نحاسا حنث في قول من لم يطرح عن الناس الخطأ في الأيمان ولا يحنث في قول من يطرح
عن الناس ما لم يعمدوا عليه في الأيمان لأن هذا لم يعمد أن يأخذ إلا وفاء حقه وهو قول عطاء أنه
يطرح عن الناس الخطأ والنسيان ورواه عطاء فإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه فأخذ بحقه
79

عرضا فإن كان العرض الذي أخذ قيمة ماله عليه من الدنانير لم يحنث وإن كان قيمته أقل مما عليه من
الدنانير حنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لغريمه والله لا أفارقك حتى آخذ
حقي فإن كانت نيته حتى لا يبقى عليك من حقي شئ فأخذ منه عرضا يسوى أو لا يسوى برئ ولم
يحنث لأنه قد أخذ شيئا ورضيه من حقه وبرئ الغريم من حقه وكذلك إن كانت نيته حتى استوفي ما
أرضى به من جميع حقي وكذلك إن قال رجل لرجل والله لأقضينك حقك فوهب صاحب الحق
حقه للحالف أو تصدق به عليه أو دفع به إليه سلعة لم يحنث إن كانت نيته حين حلف أن لا يبقى على
شئ من حقك لأنه دفع إليه شيئا رضيه فقد استوفى فإن لم تكن له نية فلا يبرأ أبدا إلا بأن يأخذ حقه
ما كان إن كانت دنانير فدنانير أو دراهم فدراهم لأن ذلك حقه ولو أخذ فيه أضعاف ثمنه لم يبرأ لأن
ذلك غير حقه وحد الفراق أن يتفرقا من مقامهما الذي كانا فيه ومجلسهما.
من حلف أن لا يتكفل بمال فتكفل بنفس رجل
(قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل
أنه إن استثنى في حمالته أن لا مال عليه فلا حنث عليه وإن لم يستثن ذلك فعليه المال وهو حانث (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل لم يحنث لأن النفس
غير المال قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل لوكيل له بكفالة عن رجل
ولم يعلم أنه وكيل الذي حلف عليه فإنه إذا لم يكن علم بذلك ولم يكن ذلك الرجل من وكلائه
وحشمه ولم يعلم أنه من سببه فلا حنث عليه وإن كان ممن علم ذلك منه فإنه حانث (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة يكون له عليه فيها سبيل لنفسه فإن نوى هذا
فكفل لوكيل له في مال للمحلوف حنث وإن كان كفل في غير مال المحلوف لم يحنث وكذلك إن كفل
لوالده أو زوجته أو ابنه لم يحنث.
من حلف في أمر أن لا يفعله غدا ففعله اليوم
(قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول في رجل قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا فقضاه
اليوم أنه لا حنث عليه لأنه لم يرد بيمينه الغد إنما أراد وجه القضاء، فإذا خرج الغد عنه وليس عليه
فقد برء وهو قول مالك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا
فعجل له حقه اليوم فإن لم تكن له نية حنث من قبل أن قضاء غد غير قضائه اليوم كما يقول والله
لاكلمنك غدا فكلمه اليوم لم يبر وإن كانت نيته حين عقد اليمين أن لا يخرج غد حتى أقضيك حقك
فقضاه اليوم برء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال والله لآكلن هذا الرغيف اليوم فأكل بعضه
اليوم وبعضه غدا أنه حانث لأنه لم يأكله كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والبساط محال وإنما
يقال السبب بساط اليمين عند أصحاب مالك كأنه حلف أن لا يلبس من غزل امرأته فباعت الغزل
واشترت طعاما فأكله فهو عندهم حانث لأن بساط اليمين عندهم أن لا ينتفع بشئ من غزلها فإذا
أكل منه فقد انتفع به وهو عند الشافعي محال (قال الربيع) قد خرق الشافعي البساط وحرقه بالنار
80

(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا حلف الرجل فقال والله لآكلن هذا الطعام غدا أو لألبسن هذه
الثياب غدا أو لأركبن هذه الدواب غدا فماتت الدواب وسرق الطعام والثياب قبل الغد فمن ذهب إلى
طرح الاكراه عن الناس طرح هذا قياسا على الاكراه فإن قيل فما يشبهه من الاكراه؟ قيل لما وضع الله
عز وجل عن الناس أعظم ما قال أحد الكفر به أنهم إذا أكرهوا عليه فجعل قولهم الكفر مغفورا لهم
مرفوعا عنهم في الدنيا والآخرة وذلك قول الله عز وجل (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره)
الآية وكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم وعقلنا أن الاكراه هو أن يغلب بغير
فعل منه فإذا تلف ما حلف ليفعلن فيه شيئا فقد غلب بغير فعل منه وهذا في أكثر من معنى الاكراه
ومن ألزم المكره يمينه ولم يرفعها عنه كان حانثا في هذا كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكذلك
لو حلف ليعطينه حقه غدا فمات من الغد بعلمه أو بغير علمه لم يحنث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وكذلك الأيمان بالطلاق والعتاق والأيمان كلها مثل اليمين بالله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أصل
ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت به من الكتاب وألسنة (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وإذا حلف ليقضين رجلا حقه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء أن يؤخره فمات صاحب الحق أنه
لا حنث عليه ولا يمين عليه لورثة الميت من قبل أن الحنث لم يكن حتى مات المحلوف ليقضينه وكذلك
لو حلف ليقضينه حقه إلى أجل سماه إلا أن يشاء فلان فمات الذي جعل المشيئة إليه، قال فإنا نقول
فيمن حلف ليقضين فلانا ماله رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو إذا استهل الشهر أو إلى استهلال الهلال
أن له ليلة يهل الهلال ويومها حتى تغرب الشمس وكذلك الذي يقول إلى رمضان له ليلة الهلال ويومه
وكذلك إذا قال إلى رمضان أو إلى هلال شهر كذا وكذا فله حتى يهل هلال ذلك الشهر فإن قال له إلى
أن يهل الهلال فله ليلة الهلال ويومه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف ليقضينه حقه إلى
رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو إلى استهلال الهلال أو عند استهلال الهلال وجب عليه أن يقضيه
حين يهل الهلال فإن حلف ليقضينه ليلة يهل الهلال فخرجت الليلة التي يهل فيها الهلال حنث كما يحنث
لو حلف ليقضينه حقه يوم الاثنين فغابت الشمس يوم الاثنين حنث وليس حكم الليلة حكم اليوم ولا
حكم اليوم حكم الليلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى رمضان فلم
يقضه حقه حتى يهل هلال رمضان حنث وذلك أنه حد بالهلال كما تقول في ذكر حق فلان على فلان
كذا وكذا إلى هلال كذا وكذا فإذا هل الهلال فقد حل الحق قال فإنا نقول فيمن قال والله لأقضينك
حقك إلى حين أو إلى زمان أو إلى دهر إن ذلك كله سواء وإن ذلك سنة سنة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى حين فليس في الحين وقت معلوم يبر به ولا يحنث وذلك أن
الحين يكون مدة الدنيا كلها وما هو أقل منها إلى القيامة الفتيا لمن قال هذا أن يقال له إنما حلفت على ما
لا تعلم ولا نعلم فنصيرك إلى علمنا والورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم لأن الحين يقع عليه من حين
حلفت ولا تحنث أبدا لأنه ليس للحين غاية وكذلك الزمان وكذلك الدهر وكذا كل كلمة منفردة ليس
لها ظاهر يدل عليها وكذلك الأحقاب.
من حلف على شئ أن لا يفعله فأمر غيره ففعله
(قيل للشافعي) رحمه الله تعالى فإنا نقول فيمن حلف أن لا يشتري عبدا فأمر غيره فاشترى له
81

عبدا أنه حانث لأنه هو المشتري إذا أمر من يشتري له إلا أن يكون له في ذلك نية أو يكون يمينه على
أمر قد عرف وجهها أنه إنما أراد أن لا يشتريه هو لأنه قد غبن غير مرة في اشترائه فإذا كان كذلك
فليس بحانث وإذا كان إنما كره شراء العبد أصلا فأراه حانثا وإن أمر غيره وكذلك لو حلف أن لا يبيع
سلعة فأمر غيره فباعها أنه يحنث إلا أن تكون له نية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف أن لا
يشتري عبدا فأمر غيره فاشتر له عبدا لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يشتريه ولا يشتري له لأنه لم
يكن ولي عقدة شرائه والذي ولي عقدة شرائه غيره وعليه العهدة ألا ترى أن الذي ولي عقد شرائه لو زاد
في ثمنه على ما يباع به مثله ما لا يتغابن الناس فيه أو برئ من عيب لزمه البيع وكان للأمر. أن لا
يأخذ لشراء غيره غير شرائه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن لا يطلق امرأته
فجعل أمرها بيدها فطلقت نفسها لم يحنث إلا أن يكون جعل إليها طلاقها، وكذلك لو جعل أمرها إلى
غيرها فطلقها. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف ليضربن عبده فأمر غيره فضربه لم يبر إلا
أن يكون نوى ليضربن بأمره وهكذا لو حلف أن لا يضربه فأمر غيره فضربه لم يحنث إلا أن يكون نوى
أن لا يأمر غيره بضربه (قال الربيع) للشافعي في مثل هذا قول في موضع آخر فإذا حلف ليضربن
عبده فإن كان مما يلي الأشياء بيده فلا يبر حتى يضربه بيده فإن كان مثل الوالي أو ممن لا يلي الأشياء
بيده فالأغلب أنه إنما يأمر، فإذا أمر فضرب فقد برء. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف
الرجل لا يبيع لرجل شيئا فدفع المحلوف عليه سلعة إلى رجل فدفع ذلك الرجل السلعة إلى الحالف
فباعها لم يحنث لأنه لم يبعها للذي حلف أن لا يبيعها له إلا أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها فلان
فيحنث فلو حلف أن لا يبيع له رجل سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفع ذلك الغير إلى الذي حلف أن
لا يبيع له السلعة لم يحنث الحالف من قبل أن بيع الثالث غير جائز لأنه إذا وكل رجلا يبيع له فليس له
أن يوكل بالبيع غيره ولو كان حين وكله أجاز له أن يوكل من رآه فدفعها إليه فباعها فإن كان نوى أن لا
يبيع لي بأمري لم يحنث وإن كان نوى أن لا يبيعها بحال حنث لأنه قد باعها.
من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني ثم قال
لها قبل أن تسأله الإذن أو بعد ما سألته إياه قد أذنت لك فخرجت لم يحنث ولو كانت المسألة بحالها
فأذن لها ولم تعلم وأشهد على ذلك لم يحنث لأنه قد خرجت بإذنه فإن لم تعلم فأحب إلى في الورع أن لو
حنث نفسه من قبل أنها عاصية عند نفسها حين خرجت بغير إذنه وإن كان قد أذن لها فإن قال قائل
كيف لم تحنثه وهي عاصية ولا تجعله ب
بارا إلا أن يكون خروجها بعلمها بإذنه؟ قيل أرأيت رجلا غصب
رجلا حقا أو كان له عليه دين فحلله الرجل والغاصب المحلل لا يعلم أما يبرأ من ذلك أرأيت أنه لو مات
وعليه دين فحلله الرجل بعد الموت أما يبرأ؟ قال فإنا نقول فيمن قال لامرأته إن خرجت إلى موضع إلا
بإذني فأنت طالق ثم قال لها أخرجي حيث شئت فخرجت ولم يعلم فإنه سواء قال لها في يمينه إن
خرجت إلى موضع إلا بأذني أو لم يقل لها إلى موضع فهو سواء ولا حنث عليه لأنه إذا قال إن خرجت ولم يقل
إلى موضع فإنما هو إلى موضع وإن لم يقله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: مثل ذلك كله أقول لا حنث
عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته أن تخرج إلا في عيادة مريض فأذن لها في عيادة
مريض ثم عرضت لها حاجة غير العيادة وهي عند المريض فذهبت فيها فإنه إذا أذن لها إلى عيادة
82

مريض فخرجت إلى غير ذلك لم يحنث لأنها ذهبت إلى غير المريض بغير إذنه فلا حنث (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى مثل ذلك أقول إنه لا حنث عليه قال فإنا (1) نقول فيمن حلف أن لا يأذن
لامرأته بالخروج إلا لعيادة مريض فخرجت من غير أن يأذن لها إلى حمام أو غير ذلك (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني أو إن خرجت إلى مكان أو
إلى موضع إلا بإذني فاليمين على مرة فإن أذن لها مرة فخرجت ثم عادت لم يحنث لأنه قد برء
مرة فلا يحنث ثانية وكذلك إن قال لها أنت طالق إن خرجت إلا أن آذن لك فأذن لها فخرجت ثم
عادت فخرجت لم يحنث ولكنه لو قال لها أنت طالق كلما خرجت إلا بإذني أو طالق في كل وقت
خرجت إلا بإذني كان هذا على كل خرجة فأي خرجة خرجتها بغير إذنه فهو حانث ولو قال لها أنت
طالق متى خرجت كان هذا على مرة واحدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل أن
لا يدخل دار فلان إلا أن يأذن له فمات الذي حلف على إذنه فدخلها حنث ولو لم يمت والمسألة بحالها
فأذن له ثم رجع عن الأذن فدخل بعد رجوعه لم يحنث لأنه قد أذن له مرة (قال) فإنا نقول فيمن
حلف بعتق غلامه ليضربنه أنه يحال بينه وبين بيعه لأنه على حنث حتى يضربه (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: يبيعه إن شاء ولا يحال بينه وبين بيعه لأنه على برء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: من
حنث بعتق وله مكاتبون وأمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد يحنث فيهم كلهم إلا في المكاتب فلا
يحنث فيه إلا بأن ينويه في مماليكه لأن الظاهر من الحكم أن مكاتبه خارج عن ملكه بمعنى داخل فيه
بمعنى فهو يحال بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه فلا يكون عليه زكاة مال المكاتب ولا
يكون عليه زكاة الفطر فيه وليس هكذا أم ولده ولا مدبروه كل أولئك داخل في ملكه. له أخذ أموالهم
وله أخذ أرش الجناية عليهم وتكون عليه الزكاة في أموالهم لأنه ماله فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول
المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم فإنما يعني عبدا في حال دون حال لأنه لو كان عبدا بكل
حال كان مسلطا على بيعه وأخذ ماله وما وصفت من أنه يحال بينه وبينه منه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا حلف الرجل بعتق غلامه ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث لأن
الحنث إذا وقع مرة لم يعد ثانية وهذا قد وقع حنثه مرة فهو لا يعتق عليه ولا يعود عليه الحنث (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يأكل الرؤوس وأكل رؤوس الحيتان أو رؤوس
الجراد أو رؤوس الطير أو رؤوس شئ يخالف رؤوس البقر أو الغنم أو الإبل لم يحنث من قبل أن الذي
يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرؤوس أنها الرؤوس التي تعمل متميزة من الأجساد يكون لها سوق كما
يكون للحم سوق فإن كانت بلاد لها صيد ويكثر كما يكثر لحم الأنعام ويميز لحمها من رؤوسها فتعمل كما
تعمل رؤوس الأنعام فيكون لها سوق على حدة وللحمها سوق على حدة فحلف حنث بها وهكذا إن
كان ذلك يصنع بالحيتان، والجواب في هذا إذا لم يكن للحالف نية فإذا كان له نية حنث وبر على
نيته والورع أن يحنث بأي رأس ما كان والبيض كما وصفت هو بيض الدجاج والإوز والنعام فأما بيض
الحيتان فلا يحنث به إلا بنية لأن البيض الذي يعرف هو الذي يزايل بائضه فيكون مأكولا وبائضه حيا
فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل أن لا يأكل
لحما حنث بلحم الإبل والبقر والغنم والوحوش والطير كله لأنه كله لحم ليس له اسم دون اللحم ولا

(1) لعله نقوله بالضمير أو سقط من الكلام مقول القول، تأمل. كتبه مصححه.
83

يحنث في الحكم بلحم الحيتان لأن اسمه غير اسمه فالأغلب عليه الحوت وإن كان يدخل في اللحم
ويحنث في الورع به (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا نذر حلف أن لا يشرب سويقا فأكله أو لا
يأكل خبزا فماثه فشربه لم يحنث لأنه لم يفعل الذي حلف أن لا يفعله واللبن مثله وكذلك إن حلف أن
لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يأكل سمنا فأكل
السمن بالخبز أو بالعصيدة أو بالسويق حنث لأن السمن هكذا لا يؤكل إنما يؤكل بغيره ولا يكون
مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا منفردا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا حلف أن لا يأكل هذه التمرة فوقعت في التمر فأكل التمر كله حنث لأنه قد أكلها وإن بقي
من التمر كله واحدة أو هلكت من التمر كله واحدة لم يحنث إلا أن يكون يستيقن أنها فيما أكل وهذا في
الحكم والورع أن لا يأكل منه شيئا إلا حنث نفسه إن أكله وإن حلف أن لا يأكل هذا الدقيق ولا
هذه الحنطة فأكله حنطة أو دقيقا حنث وإذا خبز الدقيق أو عصده فأكله أو طحن الحنطة أو خبزها أو
قلاها فجعلها سويقا لم يحنث لأن هذا لم يأكل دقيقا ولا حنطة إنما أكل شيئا قد حال عنهما بصنعة
حتى لا يقع عليه اسم واحد منهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يأكل لحما
فأكل شحما أو لا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث في واحد منهما لأن كل واحد منهما غير صاحبه.
وكذلك إن حلف أن لا يأكل رطبا فأكل تمرا أو لا يأكل بسرا فأكل رطبا أو لا يأكل بلحا فأكل بسرا
أو لا يأكل طلعا فأكل بلحا لأن كل واحد من هذا غير صاحبه وإن كان أصله واحدا وهكذا إن قال
لا آكل زبدا فأكل لبنا أو قال لا آكل خلا فأكل مرقا فيه خل فلا حنث عليه لأن الخل مستهلك فيه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف أن لا يشرب شيئا فذاقه ودخل بطنه لم يحنث بالذوق
لأن الذوق غير الشرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف أن لا يكلم فلانا فسلم على قوم وهو
فيهم لم يحنث إلا بأن ينويه فيمن سلم عليهم (قال الربيع) وله قول آخر فيما أعلم أنه يحنث إلا أن يعزله
بقلبه في أن لا يسلم عليه خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مر عليه فسلم عليه وهو عامد
للسلام عليه وهو لا يعرفه ففيها قولان فأما قول عطاء فلا يحنثه فإنه يذهب إلى أن الله عز وجل وضع عن
الأمة الخطأ والنسيان وفي قول غيره يحنث فإذا حلف أن لا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه
كتابا فالورع أن يحنث ولا يبين لي أن يحنث لأن الرسول والكتاب غير الكلام وإن كان يكون كلاما في
حال ومن حنثه ذهب إلى أن الله عز وجل قال (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) الآية وقال إن الله عز وجل يقول في المنافقين (قل لا
تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم) وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل
على النبي صلى الله عليه وسلم ويخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوحي الله ومن قال لا يحنث قال إن
كلام الآدميين لا يشبه كلام الله تعالى كلام الآدميين بالمواجهة ألا ترى لو هجر رجل رجلا كانت
الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث فكتب إليه أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من هجرته
التي يأثم بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لقاض أن لا يرى كذا وكذا إلا رفعه
إليه فمات ذلك القاضي فرأى ذلك الشئ بعد موته لم يحنث لأنه ليس ثم أحد يرفعه إليه ولو رآه قبل
موته فلم يرفعه إليه حتى مات حنث ولو أن قاضيا بعده ولى فرفعه إليه لم يبر لأنه لم يرفعه إلى القاضي
الذي أحلف ليرفعه إليه وكذلك إذا عزل ذلك القاضي لم يكن عليه أن يرفعه إلى القاضي الذي خلف
بعده لأنه غير المحلوف عليه ولو عزل ذلك القاضي فإن كانت نيته ليرفعنه إليه إن كان قاضيا فرأى ذلك
84

الشئ وهو غير قاض لم يكن عليه أن يرفعه إليه ولو لم تكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه وإن
رآه فعجل ليرفعه ساعة أمكنه رفعه فمات لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يمكنه رفعه فيفرط حتى يموت وإن
علماه جميعا فعليه أن يخبره وإن كان ذلك مجلسا واحدا وإذا حلف الرجل ماله مال وله عرض أو دين
أو هما حنث لأن هذا مال إلا أن يكون نوى شيئا فلا يحنث إلا على نيته (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنه إذا
ضربه بها ماسته كلها فقد برء وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر وإن كان العلم مغيبا قد تماسه
ولا تماسه فضربه بها ضربة لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل
معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة أو غير مجموعة وقد قال الله عز وجل وخذ (بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث) وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا نضوا في الزنا بأثكال النخل وهذا
شئ مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل ليضربن
عبده مائة ولم يقل ضربا شديدا فأي ضرب ضربه إياه خفيفا أو شديدا لم يحنث لأنه ضاربه في هذا
كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا حلف الرجل لئن فعل عبده كذا ليضربنه ففعل ذلك العبد
وضربه السيد ثم عاد ففعله لم يحنث ولا يكون الحنث إلا مرة واحدة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وإذا حلف الرجل لا يهب رجل هبة فتصدق عليه بصدقة فهي هبة وهو حانث وكذلك لو نحله فالنحل
هبة وكذلك إن أعمره لأنها هبة فأما إن أسكنه فلا يحنث إنما السكنى عارية لم يملكه إياها وله متى شاء
أن يرجع فيها وكذلك إن حبس عليه لم يحنث لأنه لم يملكه ما حبس عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا حلف الرجل أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث وإن حلف أن لا يركب دابة
العبد فركب دابة العبد لم يحنث لأنها ليست للعبد ألا ترى أنه إنما اسمها مضاف إليه كما يضاف اسمها
إلى سائسها وإن كان حرا أو يضاف الغلمان إلى المعلم وهم أحرار فيقال غلمان فلان وتضاف الدار إلى
القيم عليها وإن كانت لغيره (قال الربيع) قلت أنا ويضاف اللجام إلى الدابة والسرج إلى الدابة فيقال
لجام الحمار وسرج الحمار وليس يملك الدابة اللجام ولا السرج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
حلف العبد بالله فحنث أو أذن له سيده فحج فأصاب شيئا مما عليه فيه فدية أو تظاهر أو آلى فحنث فلا
يجزيه في هذا كله أن يتصدق ولو أذن له سيده من قبل أنه لا يكون مالكا للمال وأن لمالكه أن يخرجه
من يديه وهو مخالف للحر يوهب له الشئ فيتصدق به لأن الحر يملكه قبل أن يتصدق به وعليه الصيام
في هذا كله (1) فإن كان هذا شئ منه بإذن مولاه فليس له أن يمنعه منه وإن كان منه بغير إذن مولاه
فإن كان الصوم يضر بعمل المولى كان له أن يمنعه فإن صام بغير إذن مولاه في الحال التي له أن يمنعه
فيها أجزأه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم وكذلك
أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر وكذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أحكام الله
وأحكام رسوله في الدنيا فأما السرائر فلا يعلمها إلا الله فهو يدين بها ويجزي ولا يعلمها دونه ملك
مقرب ولا نبي مرسل ألا ترى أن حكم الله تعالى في المنافقين أنه يعلمهم مشركين فأوجب عليهم في
الآخرة جهنم فقال عز وجل (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وحكم لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأحكام الاسلام بما أظهروا منه فلم يسفك لهم دما ولم يأخذ لهم مالا ولم يمنعهم أن يناكحوا

(1) لعله: فإن كان هذا أو شئ منه. أي إن كان ما وجب فيه الفدية والحنث أو شئ الخ، تأمل.
85

المسلمين وينكحوهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأعيانهم يأتيه الوحي ويسمع ذلك منهم
ويبلغه عنهم فيظهرون التوبة والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة ومثل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في جميع الناس (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني
دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحدود
فأقام على رجل حدا ثم قام خطيبا فقال (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب
منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) وروى عنه
أنه قال (تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات) وحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما أنا
بشر وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن
قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين العجلاني وامرأته وقذفها برجل بعينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبصروها فإن جاءت به كذا فهو
للذي يتهمه وإن
جاءت به كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها) فجاءت به على النعت المكروه وقد روي عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان لأحد من
الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأتيه به الوحي
وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتول أن
يقضي إلا على الظاهر والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا
يحكم إلا على الظاهر وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف الرجل لا نية له فأما إذا كانت اليمين بنية
فاليمين على ما نوى قيل للربيع كل ما كان في هذا الكتاب فإنا نقول فهو قول مالك؟ قال نعم والله أعلم.
باب الاشهاد عند الدفع إلى اليتامى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن
آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف
ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) الآية (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: ففي هذه الآية معنيان أحدهما الأمر بالاشهاد وهو (1) في مثل معنى الآية قبله والله تعالى
أعلم من أن يكون الأمر بالاشهاد دلالة لا حتما وفي قول الله عز وجل (وكفى بالله حسيبا) كالدليل على
الارخاص في ترك الاشهاد لأن الله عز وجل يقول (وكفى بالله حسيبا) أي إن لم تشهدوا والله تعالى
أعلم والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله والاشهاد به عليه يبرأ بالاشهاد عليه إن
جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره أو يكون مأمورا بالاشهاد عليه على الدلالة وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدقه
اليتيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والآية محتملة المعنيين معا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود وتسمية الشهود في غيرهما وتلك التسمية تدل على ما
يجوز فيهما وفي غيرهما وتدل معهما السنة ثم ما لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه وفي ذكر الله عز وجل

(1) قوله: وهو في مثل معنى الآية قبله هي قوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وقد كان قبل هذا الباب باب
الشهادة في البيوع فنقله السراج البلقيني إلى كتاب البيوع في الجزء الثالث فارجع إليه كتبه مصححه.
86

الشهادات دلالة على أن للشهادات حكما وحكمها والله تعالى أعلم أن يقطع بها بين المتنازعين بدلالة
كتاب الله تعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع سنذكره في موضعه، قال الله عز وجل
(واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم فإن شهدوا) الآية فسمى الله في
الشهادة في الفاحشة، والفاحشة ههنا - والله تعالى أعلم - الزنا وفي الزنا أربعة شهود ولا تتم الشهادة
في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء ودلت السنة
على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال
محصنون فإن قال قائل الفاحشة تحتمل الزنا وغيره فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟ قيل
كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا ثم نزلت (الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد
مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ودل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد
إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم فإن قال قائل ما دل على أن لا
يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء؟ قيل له الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على
ذلك، قال الله عز وجل في القذفة (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند
الله هم الكاذبون) يقول لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا وقول الله عز وجل
(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلده) ودل على ذلك مع
الاكتفاء بالتنزيل السنة ثم الأثر ثم الاجماع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا مالك
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت
لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم)
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن علي بن
أبي طالب رضي الله تعالى عنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فقال إن لم يأت
بأربعة شهداء فليعط برمته وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فحد الثلاثة ولم أعلم
الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء.
باب ما جاء في قول الله عز وجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم)
حتى ما يفعل بهن من الحبس والأذى
قال الله جل ثناؤه (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا
فأمسكوهن في البيوت) فيه دلالة على أمور منها أن الله عز وجل سماهن من نساء المؤمنين لأن المؤمنين
المخاطبون بالفرائض يجمع هذا أن لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم في الزنا وفي هذه الآية دلالة
على أن قول الله عز اسمه (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) كما
قال ابن المسيب إن شاء الله تعالى منسوخة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن
يحيى بن سعيد قال ابن المسيب نسختها (وأنكحوا الأيامى منكم) فهن من أيامى المسلمين وقال الله عز
وجل (فأمسكوهن في البيوت) يشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا
87

فالموارثة بأحكام الاسلام ثابتة عليها وإن زنت ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا لا
بأس أن ينكح امرأة وإن زنت إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها
وبينه وأمر الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت
أو يجعل الله لهن سبيلا منسوخ بقول الله عز وجل (الزانية والزاني) في كتاب الله ثم على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل فأين ما وصفت من ذلك؟ قيل إن شاء الله تعالى أرأيت إذا أمر الله
في اللاتي يأتين الفاحشة أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا أليس بينا أن
هذا أول ما أمر به في الزانية؟ فإن قال هذا وإن كان هكذا عندي فقد يحتمل أن يكون عندي حد
الزنا في القرآن قبل هذا ثم خفف وجعل هذا مكانه إلا أن يدل عليه غير هذا قيل له إن شاء الله تعالى
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن عبادة بن
الصامت في هذه الآية (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت
آية الحدود فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة
ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلا أدري أسقط من
كتابي حطان الرقاشي أم لا؟ فإن الحسن حدثه عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت وقد حدثنيه
غير واحد من أهل العلم عن الثقة عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا حديث يقطع الشك ويبين أن حد
الزانيين كان الحبس أو الحبس والأذى فكان الأذى بعد الحبس أو قبله وأن أول ما حد الله به الزانيين
من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم (قد جعل الله لهن سبيلا البكر
بالبكر جلد مائة وتغريب عام) والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجم ماعز بن مالك ولم يجلده ورجم المرأة التي بعث إليها أنيسا ولم يجلدها وكانا ثيبين (1) فإن قال
قائل ما دل على أن هذا منسوخ؟ قيل له أرأيت إذا كان أول ما حد الله به الزانيين الحبس أو الحبس
والأذى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة
والتغريب والثيب بالثيب الجلد والرجم) أليس في هذا دلالة على أن أول ما حدهما الله به من العقوبة
في أبدانهما الحبس والأذى؟ فإن قال بلى قيل فإذا كان هذا أولا فلا نجد ثانيا أبدا إلا بعد الأول فإذا
حد ثان بعد الأول فخفف من حد الأول شئ فذلك دلالة على ما خفف الأول منسوخ عن الزاني.
باب الشهادة في الطلاق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو
فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله عز وجل في
الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة
على الطلاق والرجعة شاهدان فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من شاهدين لأن ما كان دون
الكمال مما يؤخذ به الحق لبعض الناس من بعض فهو غير ما أمر بالأخذ به ولا يجوز أن يؤخذ بغير ما

(1) قوله: فإن قال قائل الخ الباب، كذا في غير نسخة، ولا تخلو العبارة من سقط أو تحريف، وحرر.
88

أمرنا بالأخذ به وكذلك يدل على ما دل عليه ما قبله من نفي أن يجوز فيه إلا ذلك رجال لا نساء معهم
لأن شاهدين لا يحتمل بحال أن يكونا إلا رجلين فاحتمل أمر الله عز وجل بالاشهاد في الطلاق
والرجعة ما احتمل أمره بالاشهاد في البيوع ودل ما وصفت من أني لم ألق مخالفا حفظت عنه من أهل
العلم أن حراما أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة
اختيار لا فرض يعصى به من تركه
ويكون عليه أداؤه، إن فات في موضعه واحتملت الشهادة على الرجعة من هذا ما أحتمل الطلاق
ويشبه أن تكون في مثل معناه لأنهما إذا تصادقا على الرجعة في العدة تثبت الرجعة وإن أنكرت المرأة
فالقول قولها كما إذا تصادقا على الطلاق يثبت وإن أنكر الرجل فالقول قوله والاختيار في هذا وفي غيره
مما أمر فيه بالشهادة والذي ليس في النفس منه شئ الاشهاد.
باب الشهادة في الدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)
الآية والتي بعدها وقال في سياقها (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) الآية فذكر الله عز وجل
شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة وذكر شهود الوصية فلم يذكر معهم امرأة فوجدنا شهود الزنا
يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في
واحد منهما وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصى ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا
يجوز في الزنا إلا الرجال وعلمت أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في
الوصية وكان ما حكيت من أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية
وكان ما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عز وجل وكان أولى الأمور أن يصار إليه
ويقاس عليه وذكر الله شهود الدين فذكر فيهم النساء وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه والأمر على ما
فرق الله بينه من الأحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحد فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها
مال وكان إنما يلزم بها حق غير مال أو شهد به لرجل وكان لا يستحق به مالا لنفسه إنما يتسحق به غير مال
مثل الوصية والوكالة والقصاص والجد وما أشبه فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال لا يجوز فيه امرأة وينظر كل ما
شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه ما لا بتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال، لأنه في معنى
الموضع الذي أجازهن الله فيه، فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول فلا يجوز غيره والله تعالى أعلم، ومن خالف
هذا الأصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لأحد خالفه حجة فيه بقياس ولا خبر
لازم، وفي قول الله عز وجل (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تصل
إحداهما. فتذكر إحداهما الأخرى) دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث تجيزهن إلا مع رجل ولا يجوز
منهن إلا امرأتان فصاعدا لأن الله عز وجل لم يسم منهن أقل من اثنتين ولم يأمر بهن الله إلا مع رجل.
باب الخلاف في هذا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن خالفنا أحد فقال إن شهدت امرأتان لرجل حلف معها فقد
89

خالفه عدد أحفظ عنهم ذلك من أهل المدينة وغيرهم وهذا أجاز النساء بغير رجل ويلزمه في أصل
مذهبه أن يجيز أربعا فيعطى بهن حقا على مذهبه فيكون خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب فإن قال
إني إنما أجزت شهادتهما أنهما مع يمين رجل فينبغي أن لا يحلف امرأة إن أقامت شاهدا والذي يستحق
به الرجل هو الذي تستحق به المرأة الحق لا فرق بينهما وهكذا ينبغي أن لا يحلف مشرك ولا عبد ولا حر
غير عدل مع أنه خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب والله تعالى أعلم وهذا قول لا يجوز لأحد أن يغلط
إليه فإن قال إني أعطى باليمين كما أعطى بشاهد فذلك بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لزمنا
أن نقول بما حكم به لا أنه من جهة الشهادات ولو كانت من جهة الشهادات ما أحلفنا الرجل وهو
شاهد ولا أجزنا شهادته لنفسه ولو جاز هذا ما جاز لغير عدل ولا جاز أن تحلف امرأة ولا عبد ولا كافر
ولا غير عدل فإن قال قائل فما هي؟ قيل يمين أعطى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطينا بها كما
كانت يمينا في المتلاعنين وللنبي صلى الله عليه وسلم سنة في المدعى عليه فأحلفنا في ذلك المرأة والرجل
والحر العدل وغير العدل والعبد والكافر لا أنها من الشهادات بسبيل.
باب اليمين مع الشاهد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد حكيت مما ذكر الله عز وجل في كتابه من الشهادات وكان
الكتاب كالدليل على أنها يحكم بها على ما فرض الله بغير يمين على من كانت له تلك الشهادات وكانت
على ذلك دلالة السنة ثم الآثار وما لا أعلم بين أحد لقيته فحفظت عنه من أهل العلم في ذلك مخالفا
قال وذكر الله عز وجل في الزنا أربعة وذكر في الطلاق والرجعة والوصية اثنين ثم كان القتل والجراح
من الحقوق التي لم يذكر فيها عدد الشهود الذين يقطع بهم فأحتمل أن تقاس على شهود الزنا وأن
تقاس على شهود الطلاق وما سمينا معه فلما احتمل المعنيين معا ثم لم أعلم مخالفا لقيته من أهل العلم إلا
واحدا في أنه يجوز فيما سوى الزنا شاهدان فكان الذي عليه أكثر من لقيت من أهل العلم أولى أن يقال
به مما انفرد به واحد لا أعرف له متقدما إذا احتمل القياس خلاف قوله وإن احتمل القياس قوله
وكذلك شهادة الشهود على الخمر وغير ذلك وكذلك الشهادة على القذف فإن قال قائل فإن الله عز
وجل يقول في القذفة (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) الآية وقال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) قيل له هذا كما قال الله عز وجل لأن الله حكم في الزنا بأربعة
فإذا قذف رجل رجلا بالزنا لم يخرجه من الحد إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان ولا يكون عليه بينة تقطع
أقل من أربعة وما لم يتموا أربعة فهو قاذف يحد وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا فيخرج من
ذلك القاذف ويحد المشهود عليه المقذوف وحكمهم معا حكم شهود الزنا لأنهن شهادات على الزنا لا
على القذف فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلا حد لأنه لم يذكر عدد شهود القذف فكان
قياسيا على الطلاق وغيره مما وصفت ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبتون الزنا على
المقذوف فيحد ويكون هذا صادقا في الظاهر والله تعالى الموفق.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) فأكثر ما جعل الله عز وجل من الشهود في الزنا أربعة وفي
90

الدين رجلان أو رجل وامرأتان فكان تفريق الله عز وجل بين الشهادات
على ما حكم الله عز وجل من
أنها مفترقة وأحتمل إذا كان أقل ما ذكر الله من الشهادات شاهدين أو شاهدا وامرأتين أن يكون أراد ما
تتم به الشهادة بمعنى لا يكون على المشهود له يمين إذا أتى بكمال الشهادة فيعطى بالشهادة دون يمينه لا
أن الله عز وجل حتم أن لا يعطى أحد بأقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين لأنه لم يحرم أن يجوز أقل من
ذلك نصا في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول لأن عليه دلالة السنة ثم
الآثار وبعض الاجماع والقياس فقلنا يقضى باليمين مع الشاهد فسألنا سائل ما رويت منها؟ فقلنا:
أخبرنا عبد الله بن الحرث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الأموال (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن
عباس ورجل آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه لا أحفظ أسمه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن
جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي أقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع
الشاهد؟ قال نعم وقضى بها علي رضي الله عنه بين أظهركم قال مسلم وقال جعفر في حديثه في الدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فحكمنا باليمين مع الشاهد في الأموال دون ما سواها وما حكمنا فيه
باليمين مع الشاهد أجزنا فيه شهادة النساء مع الرجال وما لم نحكم فيه باليمين مع الشاهد لم نجز فيه
شهادة النساء مع الرجال استدلالا بمعنى كتاب الله عز وجل الذي وصفت في شهادتهن قبل هذا.
باب الخلاف في اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في اليمين مع الشاهد
خلافا أسرف فيه على نفسه فقال أرد حكم من حكم بها لأنها خلاف القرآن فقلت لاعلى من لقيت
ممن خالفنا فيها علما أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين؟ فقال نعم فقلت ففيه أن حتما من الله عز وجل
أن لا يجوز أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين فقال فإن قلته؟ قلت له فقله فقال فقد قلته فقلت وتجد
من الشاهدان اللذان أمر الله عز وجل بهما فقال حران مسلمان بالغان عدلاان
قلت ومن حكم بدون ما
قلت خالف حكم الله؟ قال نعم قلت له إن كان كما زعمت فقد خالفت حكم الله عز وجل قال
وأين؟ قلت إذ أجزت شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله عز وجل أن تجوز شهادتهم وأجزت
شهادة القابلة وحدها على الولادة وهذان وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة ثم أعطيت بغير شهادة
في القسامة وغيرها قال فتقول ماذا؟ قلت أقول إن القضاء باليمين مع الشاهد ليس بخلاف حكم الله
عز وجل بل بحكم الله حكمت باليمين مع الشاهد ففرض الله طاعة رسوله فاتبعت رسوله فعن الله قبلت
كما قبلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المعنى الذي وصفت من أن اتباع أمره فرض ولهذا
كتاب طويل هذا مختصر منه قد قالوا فيه وقلنا وأكثرنا قال أفتوجد في لها نظيرا في القرآن؟ قلت نعم أمر
الله عز وجل في الوضوء بغسل القدمين أو مسحهما فمسحنا ومسحت على الخفين بالسنة وقول الله عز
وجل (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما) فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة وقول الله عز
وجل (كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) فحرمنا نحن وأنت أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين
91

المرأة وخالتها بالسنة قال الله عز وجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال (الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ودلت السنة على أنه إنما يقطع بعض السراق دون بعض ويجلد
مائة بعض الزناة دون بعض فقلنا نحن وأنت به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز
وجل معنى ما أراد خاصا وعاما فكذلك اليمين مع الشاهد تلزمك من حيث لزمك هذا فإن كنت
مصيبا باتباع ما وصفنا من السنة مع القرآن لم تسلم من أن تكون مخطئا بترك اليمين مع الشاهد وإن كنت
مصيبا بترك اليمين مع الشاهد لم تسلم من أن يكون عليك ترك المسح على الخفين وترك تحريم كل ذي
ناب من السباع وقطع كل سارق فقد خالفك في هذا كله بعض أهل العلم ووافقنا في اليمين مع الشاهد
عوام من أصحابنا. ومنهم من خالف أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أثبت من اليمين مع
الشاهد وإن كانت اليمين ثابتة لعلة أضعف من كل علة اعتل بها من رد اليمين مع الشاهد فإن كانت لنا
وله بهذا حجة على من خالفنا كانت عليه فيما خالف من الأحاديث.
باب شهادة النساء لا رجل معهن
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفا لقيته في أن شهادة النساء
فيه جائزة لا رجل معهن وهذا حجة على من زعم أن في القرآن دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين
أو شاهد واحد وامرأتين لأنه لا يجوز على جماعة أهل العلم أن يخالفوا الله حكما ولا يجهلوه ففيه دلالة على
أن أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين حكم لا يمين على من جاء به مع الشاهد والحكم باليمين مع
الشاهد حكم بالسنة لا مخالف للشاهدين لأنه غيرهما ثم اختلفوا في شهادة النساء (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يجوز في شهادة النساء
لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نأخذ فإن قال
قائل فكيف أخذت به؟ قلت لما ذكر الله عز وجل شهادة النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في
الموضع الذي أجازهما الله تعالى فيه وكان أقل ما انتهى إليه من عدد الرجال رجلين في الشهادات التي
تثبت بها الحقوق ولا يحلف معها المشهود له شاهدين أو شاهدا وامرأتين لم يجز والله تعالى أعلم إذا أجاز
المسلمون شهادة النساء في موضع أن يجوز منهن إلا أربع عدول لأن ذلك معنى حكم الله عز وجل.
الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال بعض الناس تجوز شهادة امرأة وحدها كما يجوز في الخبر
شهادة واحد عدل وليس من قبل الشهادات أجزتها وإن كان من قبل الشهادات أجزتها لم أجز إلا ما
ذكرت من أربع أو شاهد وامرأتين فقيل لبعض من يقول هذا القول وأين الخبر من الشهادة؟ قال
وأين يفترقان؟ قلت تقبل في الخبر كما قلت امرأة واحدة ورجلا واحدا وتقول فيه أخبرنا فلان عن
فلان أفتقبل هذا في الشهادات؟ فقال لا قلت والخبر هو ما استوى فيه المخبر والمخبر والعامة من حلال
وحرام؟ قال نعم قلت والشهادة ما كان الشاهد منها خليا والعامة وإنما تلزم المشهود عليه قال نعم قلت
أفترى هذا يشبه هذا؟ قال أما في هذا فلا قلت أفرأيت لو قال لك قائل إذا قبلت في الخبر فلانا عن
92

فلان فأقيل في أن تخبرك امرأة عن امرأة رجل ولدت هذا الولد؟ قال ولا أقبل هذا حتى أقف التي
شهدت أو يشهد عليها من تجوز شهادته بأمر قاطع قلت وأنزلته منزلة الخبر؟ قال أما في هذا فلا قلت
ففي أي شئ أنزلته منزلة الخبر؟ هل عدوت بهذا أن قلت هو بمنزلة الخبر ولم تقسه في شئ غير
الأصل الذي قلت؟ فأسمعك إذا تضع الأصول لنفسك قال فمن أصحابك من قال لا يجوز أقل من
شهادة امرأتين قلت له هل رأيتني أذكر لك قولا لا تقول به؟ قال لا قلت فكيف ذكرت لي ما لا أقول
به؟ قال فإلى أي شئ ذهب (1) من ذهب إلى ما ذهبنا إليه من أنه خبر لا شهادة ولا إلى ما ذهبت
إليه من أن تقول به على معنى كتاب الله وما أعرف له متقدما يلزم قوله فقلت له أن تنتقل عن قولك
الذي يلزمك فيه عندي أن تنتقل عنه أولى بك من ذكر قول غيرك فهذا أمر لم نكلفه نحن ولا أنت
ولولا عرضك بترفيع قولك وتخطئة من خالفك كنا شبيها أن ندع حكاية قولك قال فإن شهد على شئ
من ذلك رجلان وامرأتان قلت أجيز الشهادة وتكون أوثق عندي من شهادة النساء لا رجل
معهن قال وكيف لم تعدهم بالشهادة فساقا ولا تجيز شهادتهم؟ قلت الشهادة غير الفسق قال فادللني
على ما وصفت قلت قال الله عز وجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة
منكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال له أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال (نعم)
والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم ومن الرجل إلى محرم فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان
حراما فلما كان لإقامة شهادة لم يجز أن يأمر الله عز وجل ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بمباح لا
بمحرم فكل من نظر ليثبت شهادته لله أو للناس فليس بجرح ومن نظر للتلذذ وغير شهادة عامدا كان
جرحا إلا أن يعفو الله عنه.
باب شرط الذين تقبل شهادتهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (اثنان ذوا عدل منكم) وقال عز وجل
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد به الأحرار المرضيون
المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضاه أهل ديننا لا المشركون لقطع الله الولاية بيننا وبينهم بالدين
ورجالنا أحرارنا والذين نرضى أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يملكهم على كثير من أمورهم وأنا لا
نرضي أهل الفسق منا وأن الرضا إنما يقع على العدل منا ولا يقع إلا على البالغين لأنه إنما خوطب
بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم
يبلغ أكثر الفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه
يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض فإذا لم يلزمه أكثر الفرائض في نفسه لم يلزم غيره فرضا بشهادته ولم
أعلم مخالفا لقيته في أنه أريد بها الأحرار العدول في كل شهادة على مسلم غير أن من أصحابنا من
ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا فإذا تفرقوا لم تجز شهادتهم عنده. وقول الله

(1) لعل (من) محرفه عن (ما) النافية. أي ما ذهب إلى ما ذهبنا إليه فيجيز الواحدة ولا إلى ما ذهبت أنت إليه
فلا يجيز أقل من أربع، تأمل كتبه مصححه.
93

تبارك وتعالى (من رجالكم) يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان - والله أعلم - في شئ فإن قال
قائل أجازها ابن الزبير قيل فإن ابن عباس ردها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن
عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في شهادة الصبيان لا تجوز
وزاد ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس لأن الله عز وجل قال (ممن ترضون من الشهداء)
قال ومعنى الكتاب مع ابن عباس والله تعالى أعلم، فإن قال أردت أن تكون دلالة قيل وكيف تكون
الدلالة بقول صبيان منفردين إذا تفرقوا لم يقبلوا؟ إنما تكون الدلالة بقول البالغين الذين يقبلون بكل
حال فأشبه ما وصفت أن يكون دليلا على أن حكم الله فيمن تجوز شهادته هو من وصفت ممن يشبه أن
تكون الآية دلت على صفته ولا تجوز شهادة مملوك في شئ وإن قل ولا شهادة غير عدل.
باب شهادة القاذف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا)
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله عز وجل أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا
وسماه فاسقا إلا أن يتوب فقلنا يلزم أن يضرب ثمانين وأن لا تقبل له شهاده وأن يكون عندنا في حال
من سمى بالفسق إلا أن يتوب فإذا تاب قبلت شهادته وخرج من أن يكون في حال من سمى بالفسق
قال وتوبته إكذابه نفسه فإن قال قائل فكيف تكون التوبة الاكذاب؟ قيل له إنما كان في حد المذنبين
بأن نطق بالقذف وترك الذنب هو أن يقول القذف باطل وتكون التوبة بذلك وكذلك يكون الذنب في
الردة بالقول بها والتوبة الرجوع عنها بالقول فيها بالايمان الذي ترك فإن قال قائل فهل من دليل على
هذا؟ ففيما وصفت كفاية وفي ذلك دليل عن عمر سنذكره في موضعه فإن كان القاذف يوم قذف ممن
تجوز شهادته فحد قيل له مكانه إن تبت قبلت شهادتك فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته وإن لم يفعل
لم تقبل حتى يفعل لأن الذنب الذي ردت به شهادته هو القذف فإذا أكذب نفسه فقد تاب وإن
قذف وهو ممن لا تجوز شهادته ثم تاب لم تقبل شهادته من قبل أن ردها كان من وجهين أحدهما سوء
حاله قبل أن يقذف والآخر القذف فإذا خرج من أحد الوجهين لم يخرج من الوجه الآخر ولكن يكون
خارجا من أن يكون فيه علة رد الشهادة بالقذف فإذا أكذب نفسه وثبت عليه علة رد الشهادة بسوء
الحال حتى تختبر حاله فإذا ظهر منه الحسن قبلت شهادته، وهكذا لو حد مملوك حسن الحال ثم عتق لم
تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف، وهكذا لو حد ذمي حسن الحال فأسلم لم تقبل شهادته إلا
بإكذابه نفسه في القذف فقال لي قائل: أفتذكر في هذا حديثا فقلت إن الآية لمكتفى بها من
الحديث وإن فيه لحديثا (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة قال سمعت
الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القذف لا تجوز فأشهد لاخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر
بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لأبي بكرة (تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك)
قال سفيان شككت بعدما سمعت الزهري يسمي الرجل فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن
المسيب فقيل لسفيان شككت في خبره فقال لا هو سعيد إن شاء الله تعالى (قال الشافعي)؟ رحمه
الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس مثل هذا المعنى (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال حدثنا
94

إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي نجيح إنه قال في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله فقلت
من؟ قال عطاء وطاوس ومجاهد.
باب الخلاف في إجازة شهادة القذف
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في القاذف فقال إذا ضرب الحد ثم تاب لم تجز
شهادته أبدا وإن لم يضرب الحد أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته فذكرت له ما ذكرت من معنى
القرآن والآثار فقال فإنا ذهبنا إلى قول الله عز وجل (ولا تقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون *
إلا الذين تابوا) فقلنا نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة فقلت لقائل هذا أو تجد الأحكام
عندك فيما يستثني على ما وصفت فيكون مذهبا ذهبتم في اللفظ أم الأحكام عندك في الاستثناء على
غير ما وصفت؟ فقال أوضح هذا لي قلت أرأيت رجلا لو قال والله لا أكلمك أبدا ولا أدخل لك بيتا
ولا آكل لك طعاما ولا أخرج معك سفرا وإنك لغير حميد عندي ولا أكسوك ثوبا إن شاء الله تعالى
أيكون الاستثناء واقعا على ما بعد قوله (أبدا) أو على ما بعد غير حميد عندي أو على الكلام كله قال؟
بل على الكلام كله قلت فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعتها في هذا الذي هو
أكثر في اليمين على الكلام كله (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) قال محمد بن الحسن إن أبا بكرة
قال لرجل أراد استشهاده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني قلت فالرجل الذي وصفت امتنع من
أن يتوب من القذف وأقام عليه وهكذا كل من امتنع أن يتوب من القذف ولو لم يكن لنا في هذا إلا ما
رويت كان حجة عليك قال وكيف؟ قلت إن كان الرجل عندك ممن تاب من القذف بالرجوع عنه
فقد أخبر عن المسلمين أنه فسقوه وأنت تزعم أنه إذا تاب سقط عنه اسم الفسق وفيما قال دلالة على أن
المسلمين لا يلزمونه اسم الفسق إلا وشهادته غير جائزة قلت ولا يجيزون شهادته إلا وقد أسقطوا عنه اسم
الفسق لأنهم لا يفرقون بين إسقاط اسم الفسق عنه بالتوبة وإجازة شهادته بسقوط الاسم عنه كما تفرق
بينه وإذا كنت تقبل شهادة القاتل والزاني والمستتاب من الردة إذا تاب فكيف خصصت بها القاذف
وهو أيسر ذنبا من غيره؟ قال تأولت فيه القرآن قلت تأولك خطأ على لسانك قال قاله شريح قلت
أفتجعل شريحا حجة على كتاب الله وقول عمر بن الخطاب وابن عباس ومن سميت وغيرهم والأكثر
من أهل المدينة ومكة؟ وكيف؟ زعمت إن لم يطهر بالحد قبلت شهادته وإذا طهر بالحد لم تقبل
شهادته إذا كان تائبا في الحالين والله تعالى أعلم.
باب التحفظ في الشهادة
قال الله عز وجل (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤولا) وقال الله عز وجل (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي)
وحكى أن إخوة يوسف وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم فحكى أن كبيرهم قال (ارجعوا إلى أبيكم
فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) (قال) ولا يسع شاهدا
أن يشهد إلا بما علم والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما
95

أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته
في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وما شهد به رجل على رجل أنه فعله أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع
أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة والآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل وبهذا
قلت لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة أو معاينة وسمعا ثم عمى فتجوز شهادته لأن
الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه
فإذا كان ذلك قبل أن
يعمى ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز وإذا كان القول والفعل وهو أعمى لم
يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت وإذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لأحد أن
يشهد عليه والشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الأخبار بأنه مالك الدار وعلى أن لا
يرى منازعا له في الدار والثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه
ينتسب زمانا أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولم ير دلالة يرتاب بها وكذلك يشهد على عين
المرأة ونسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة ويراها مرة بعد مرة وهذا كله شهادة بعلم كما
وصفت وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد وفي رد اليمين وغير
ذلك. والله تعالى الموفق.
باب الخلاف في شهادة الأعمى
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في شهادة الأعمى فقال لا تجوز حتى يكون
بصيرا يوم شهد ويوم رأى وسمع أو رأى وإن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة
كتاب أو سنة أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا وكانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن
يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل أو سمع القول من المشهود عليه ولم
تكن واحدة من الحالين أولى به من الأخرى فقلت له أرأيت الشهادة أليست بيوم يكون القول أو الفعل
وإن يقم بها بعد ذلك بدهر؟ قال بلى قلت فإذا كان القول والفعل وهو بصير سميع مثبت ثم شهد به
بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال فأقول بغير الأول لا يجوز إلا بأمرين قلت أفيجوز أن يشهد على
فعل رجل حي ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة وهو لا يرى الرجل ويقوم بالشهادة على آخر وهو غائب
لا يراه؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها ولو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا
وشهد بها أعمى لأنه لا يعاين المشهود عليه لأن ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت
ولا غائب لأنه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا وأما الغائب ببلد فأنت تجيزها وهو لا
يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت وهو أشد عليك من
الغائب؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الأعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله
فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به؟ قلت ليس فيه أثر يلزم فأتبعه
ومعنا القرآن والمعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان أو عيان وإثبات سمع ولا يجوز أن
تجوز شهادة من لا يثبت بعيان لأن الصوت يشبه الصوت قال ويخالفونك في الكتاب قلت وذلك
أبعد من أن تجوز الشهادة عليه وقولهم فيه متناقض ويزعمون أنه لا يحل لي لو عرفت كتابي ولم أذكر
الشهادة أن أشهد إلا وأنا ذاكر ويزعمون أني إن عرفت كتاب ميت حل لي أن أشهد عليه وكتابي كان
96

أولى أن أشهد عليه من كتاب غيري ولو جاز أن أفرق بينهما جاز أن أشهد على كتابي ولا أشهد على
كتاب غيري ولا يجوز واحد منهما لما وصفت من معنى كتاب الله عز وجل قال فإنا نحتج عليك في أنك
تعطي بالقسامة وتحلف الرجل مع شاهده على ما غاب بأنهم قد يحلفون على ما لا يعلمون قلت يحلفون
على ما يعلمون من أحد الوجوه الثلاثة التي وصفت لك قلت فإن قال لا يكون إلا من المعاينة والسماع
فقلت له أترك هذا القول إذا سئلت قال فاذكر ذلك قلت أرأيت الشهادة على النسب والملك أتقبلهما
من الوجوه التي قبلناها منها؟ قال نعم قلت وقد يمكن أن ينتسب الرجل إلى غير نسبه لم ير أباه يقر به
ويمكن أن تكون الدار في يد الرجل وهو لا يملكها قد غصبها أو أعاره إياها غائب ويمكن ذلك في
الثوب والعبد قال فقد أجمع الناس على إجازة هذا قلنا وإن كانوا أجمعوا ففيه دلالة لك على أن القول
كما قلنا دون ما قلت أو رأيت عبدا ابن خمسين ومائة سنة ابتاعه ابن خمس عشرة سنة ثم باعه وأبق
عند المشتري فخاصمه فيه فقال أحلفه لقد باعه إياه بريا من الإباق فقلت وقال لك هذا ولد بالمشرق
وأنا بالمغرب ولا تمكنني المسألة عنه لأنه ليس ها هنا أحد من أهل بلده أثق به قال يحلف على البت
وإنما يرجع في ذلك إلى علمه قلت ويسعك ذلك ويسع القاضي؟ قال نعم قلت أرأيت قوما قتل
أبوهم فأمكنهم أن يعترفوا القاتل أو يعاينوه أو يخبرهم من عاينه ممن مات أو غاب ممن يصدق عندهم
ولا تجوز شهادتهم عندي أليسوا أولى أن يقسموا من صاحب العبد الذي وصفها أن يحلف؟ والله تعالى
أعلم:
باب ما يجب على المرء من القيام بشهادته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء
بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وقال (يا أيها الذين آمنوا
كونوا قوامين بالقسط شهداء () إلى آخر الآية وقال (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) وقال
(والذين هم بشهاداتهم قائمون) وقال عز وجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما
تعملون عليم) وقال (وأقيموا الشهادة لله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والذي أحفظ عن كل من
سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها
على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد ولا يكتم عن أحد ولا يحابي بها ولا يمنعها
أحدا قال ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم ولهذا كتاب غير هذا.
باب ما على من دعى يشهد بشهادة قبل أن يسألها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه
وليكتب بينكم كاتب بالعدل) إلى قوله (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: في قول الله عز وجل (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله) دلالة على أن عليه فيما علمه
الله من الكتاب حقا في منفعة المسلمين ويحتمل ذلك الحق أن يكون كلما دعي لحق كتبه لابد ويحتمل
أن يكون عليه وعلى من هو في مثل حاله أن يقوم منهم من يكفي حتى لا تكون الحقوق معطلة لا يوجد
97

لها في الابتداء من يقوم بكفايتها والشهادة عليها فيكون فرضا لازما على الكفاية فإذا قام بها من يكفي
أخرج من يتخلف من المأثم والفضل للكافي على المتخلف فإذا لم يقم به كان حرج جميع من دعى
إليه فتخلف بلا عذر كما كان الجهاد والصلاة على الجنائز ورد السلام فرضا على الكفاية لا يحرج
المتخلف إذا كان فيمن يقوم بذلك كفاية فلما احتمل هذين المعنيين معا وكان في سياق الآية (ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا) كان فيها كالدليل على أنه نهى الشهداء المدعوون كلهم أن يأبوا قال (ولا يضار
كاتب ولا شهيد) فأشبه أن يكون يحرج من ترك ذلك ضرارا وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية
وهذا يشبه والله تعالى أعلم ما وصفت من الجهاد والجنائز ورد السلام وقد حفظت عن بعض أهل العلم
قريبا من هذا المعنى ولم أحفظ خلافه عن أحد أذكره منهم.
الدعوى والبينات
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي).
باب في الأقضية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض
فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم
عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب (فإن جاءوك
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) إلى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) وقال
(وأن احكم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) وقال
(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأعلم الله نبيه صلى الله
عليه وسلم أن فرضا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل والعدل اتباع حكمه المنزل
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب (وأن أحكم بينهم بما
أنزل الله) ووضع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من دينه وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب الله عز وجل
معنى ما أراد الله وفرض طاعته فقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية. وقال (وليحذر الذين يخالفون عن أمره) الآية. فعلم أن الحق
كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس لمفت ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالما
بهما ولا أن يخالفهما ولا واحدا منهما بحال فإذا خالفهما فهو عاص لله عز وجل وحكمه مردود فإذا لم
يوجدا منصوصين فالاجتهاد بأن يطلبا كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت وليس لأحد أن يقول
مستحسنا على غير الاجتهاد كما ليس لأحد إذا غاب البيت عنه أن يصلي حيث أحب ولكنه يجتهد في
التوجه إلى البيت. وهذا موضوع بكماله في كتاب جماع علم الكتاب ثم السنة.
باب في اجتهاد الحاكم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ
98

نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) قال الحسن بن
أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا
باجتهاده (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن الهاد عن
محمد بن إبراهيم عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد
فأخطأ فله أجر) قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن
أبي هريرة ومن أمر أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد ويسعه فيه الاختلاف فيكون فرضا على
المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره وبين أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه كما لا يكون
لاحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنها في موضع أن يقلد غيره إن رأى أنها في غيرك ذلك الموضع
وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز (1) كلف لأحد (قال) والقياس قياسان
أحدهما يكون في مثل معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه ثم قياس أن يشبه الشئ بالشئ
من الأصل والشئ من الأصل غيره فيشبه هذا بهذا الأصل ويشبه غيره بالأصل غيره (قال الشافعي)
وموضع الصواب فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن ينظر فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه إن أشبه
أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين ومن اجتهد من الحكام ثم
رأى أن اجتهاده خطأ أو قد خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو شيئا في مثل معنى هذا رده ولا يسعه غير
ذلك وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب
فاستيقن الخطأ كان عليه الرجوع ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت ثم أبصر فرأى
البيت في غير الجهة التي صلى إليها أعاد وإن كان بموضع لا يراه لم يعد من قبل أنه رجع في المرة الأولى
من مغيب إلى يقين وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب وهذا موضوع في كتاب (جماع العلم
من الكتاب والسنة) وكتاب القضاء والحق في الناس كلهم واحد ولا يحل أن يترك الناس يحكمون بحكم
بلدانهم إذا كانوا يختلفون فيما فيه كتاب أو سنة أو شئ في مثل معناهما حتى يكون حكمهم واحدا إنما
يتفرقون في الاجتهاد إذا احتمل كل واحد منهم الاجتهاد وأن يكون له وجه.
باب التثبيت في الحكم وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ
فتبينوا) الآية وقال (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأمر الله من
يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون مستبينا قبل أن يمضيه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لأن الغضبان مخوف على أمرين. أحدهما قلة التثبت
والآخر أن الغضب قد يتغير معه العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن
بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحكم الحاكم أو لا يقضي القاضي بين

(1) قوله: لا يجوز كلف لأحد كذا في النسخ، وتأمل.
99

اثنين وهو غضبان) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومعقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا
أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا تغير خلقه ولا عقله والحاكم أعلم بنفسه فأي حال
أتت عليه تغير خلقه أو عقله انبغى له أن لا يقضي حتى تذهب وأي حال صيرت إليه سكون الطبيعة
واجتماع العقل انبغى له أن يتعاهدها فيكون حاكما عندها وقد روي عن الشعبي وكان قاضيا أنه رؤي أنه
يأكل خبزا بجبن فقيل له فقال آخذ حكمي كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك
حرها وتتوق النفس إلى المأكل فيشتغل عن الحكم وإذا كان (1) مريضا شقيحا أو تعبا شقيحا فكل
هذا في حال الغضب في بعض امره أو أشد يتوقى الحكم ويتوقاه على الملالة فإن العقل يكل مع
الملالة وجماع ما وصفت.
باب المشاورة
(قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى (وشاورهم في الأمر) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا
الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال: قال أبو هريرة ما رأيت أحدا أكثر مشاورة
لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله عز وجل (وأمرهم شورى بينهم) (قال الشافعي)
قال الحسن إن كان النبي صلى الله عليه وسلم لغنيا عن مشاورتهم ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام
بعده إذا نزل بالحاكم الأمر يحتمل وجوها أو مشكل ا ينبغي
له أن يشاور ولا ينبغي له أن يشاور جاهلا
لأنه لا معنى لمشاورته ولا عالما غير أمين فإنه ربما أضل من يشاوره ولكنه يشاور من جمع العلم والأمانة
وفي المشاورة رضا الخصم والحجة عليه.
باب أخذ الولي بالولي
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (أم لم ينبأ بما في صحف موسى *
وإبراهيم الذي وفي * أن لا تزر وازرة وزر أخرى) (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن
أبجر عن أبان بن لقيط عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم (من هذا؟) قال ابني يا رسول الله أشهد به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أما
إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان عن عمرو
بن دينار عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل
(وإبراهيم الذي وفي * أن لا تزر وازرة وزر أخرى) (قال الشافعي) رحمه الله: والذي سمعت والله
أعلم في قول الله تعالى (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره وذلك في بدنه دون
ماله وإن قتل أو كان حدا لم يقتل به غيره ولم يؤخذ ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين الله تعالى لأن الله جل
وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم عليه وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في
ماله إلا حيث خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته
فأما ما سواها فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ بجناية غيرهم وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة
وزكاة وغير ذلك وليس من وجه الجناية.

(1) قوله: مريضا شقيحا، الشقيح: الناقة من المرض اه‍. كتبه مصححه.
100

باب ما يجب فيه اليمين
(قال الشافعي) كل من ادعى على امرئ شيئا ما كان من مال وقصاص وطلاق وعتق وغيره
أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف استحق
وإن لم يحلف لم يستحق ما ادعى ولا يقوم النكول مقام إقرار في شئ حتى يكون مع النكول يمين
المدعى فإن قال قائل فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب
على المدعى عليه وتجعلها كلها ترد على المدعى؟ قيل له إن شاء الله تعالى قلت استدلالا بكتاب الله ثم
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فإن قال وأين
الدلالة من الكتاب؟ قيل له إن شاء الله قال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة) فحد الرامي بالزنا ثمانين وقال في الزوج (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم) إلى قوله (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فحكم الله عز وجل على
القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأن يأتي بأربعة شهاداء وأخرج الزوج من الحد بأن
يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة ويسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفي الولد (1) والتعانه وسن بينهما الفرقة ودرأ الله تعالى عنها الحد
بالأيمان مع التعانه وكانت أحكام الزوجين إذا خالفت أحكام الأجنبيين في شئ فهي مجامعة له في
غيره وذلك أن اليمين فيه قد جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان الحد والطلاق
والنفي معا داخلا فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها إلا بيمين الزوج وتنكل عن اليمين ألا ترى أن
الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف وترك الخروج باليمين منه ولم يكن على المرأة حد ولم تلتعن أو لا ترى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصاريين (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فلما لم يحلفوا رد
الأيمان على اليهود ليبروءا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم أو لا ترى أن عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنه بدأ بالأيمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين والله أعلم.
هذا كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى
عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى
(قال) إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال
الخياط أمرتني بقباء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول القول قول رب الثوب ويضمن الخياط
قيمة الثوب وبه يأخذ (يعني أبا يوسف) وكان ابن أبي ليلى يقول (القول قول الخياط في ذلك) ولو
أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان
عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت أيديهم وبلغنا عن علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه أنه قال لا ضمان عليهم وكان ابن أبي ليلى يقول لهم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم
تجن أيديهم فيه. قال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجئ شئ غالب (قال الشافعي) رحمه الله

(1) لعله: بالتعانه، تأمل. كتبه مصححه.
101

تعالى: إذا ضاع الثوب عند الخياط أو الغسال أو الصباغ أو أجير أمر ببيعه أو حمال استؤجر على تبليغه
وصاحبه معه أو تبليغه وليس صاحبه معه من غرق أو حرق أو سرق ولم يجن فيه واحد من الاجراء شيئا
أو غير ذلك من وجوه الضيعة فسواء ذلك كله فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن من أخذ
أجرا على شئ ضمنه ومن قال هذا قاسه على العارية تضمن وقال إنما ضمنت العارية لمنفعة فيها
للمستعير فهو ضامن لها حتى يؤديها بالسلامة وهي كالسلف وقد يدخل على قائل هذا أن يقال له إن
العارية مأذون لك في الانتفاع بها بلا عوض أخذه منك المعير وهي كالسلف وهذا كله غير مأذون لك
في الانتفاع به وإنما منفعتك في شئ تعمله فيه فلا يشبه هذا العارية وقد وجدتك تعطي الدابة بكراء
فتنتفع منها بعوض يؤخذ منك فلا تضمن إن عطبت في يديك وقد ذهب إلى تضمين القصار شريح
فضمن قصارا احترق بيته فقال تضمنني وقد احترق بيتي؟ فقال شريح أرأيت لو احترق بيته كنت
تترك له أجرتك؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا عنه ابن عيينة بهذا (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى ولا يجوز إذا ضمن الصناع إلا هذا وأن يضمن كل من أخذ على شئ أجرا ويخلو ما أخذ
عليه الأجر من أن يكون مضمونا والمضمون ضامن بكل حال والقول الآخر أن لا يكون مضمونا فلا
يضمن بحال كما لا تضمن الوديعة بحال وقد يروي من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله أن علي بن أبي
طالب رضي الله تعالى عنه ضمن الغسال والصباغ وقال لا يصلح الناس إلا ذلك أخبرنا بذلك إبراهيم
بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال ذلك ويروي عن عمر
تضمين بعض الصناع من وجه أضعف من هذا ولم نعلم واحدا منهما يثبت وقد روى عن علي بن أبي
طالب أنه كان لا يضمن أحدا من الاجراء من وجه لا يثبت مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وثابت عن عطاء بن أبي رباح أنه قال لا ضمان على صانع ولا على أجير فأما ما جنت أيدي الاجراء
والصناع فلا مسألة فيه وهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده والجناية لا تبطل عن أحد
وكذلك لو تعدوا ضمنوا (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي فيما رأيته أنه لا ضمان على الصناع إلا
ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الصناع.
باب الغصب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اغتصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشتري فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول البيع والعتق فيها باطل لا يجوز لأنه باع ما لا يملك وأعتق ما لا
يملك وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا اغتصب الرجل الجارية فأعتقها أو باعها ممن أعتقها أو اشتراها شراء فاسدا فأعتقها أو
باعها ممن أعتقها فالبيع باطل وإذا بطل البيع لم يجز عتق المبتاع لأنه غير مالك وهي مملوكة للمالك الأول
البائع بيعا فاسدا ولو تناسخها ثلاثون مشتريا فأكثر وأعتقها أيهم شاء إذا لم يعتقها البائع الأول فالبيع كله
باطل ويترادون لأنه إذا كان بيع المالك الأول الصحيح الملك فاسدا فباعها الذي لا يملكها فلا يجوز
بيعه فيها بحال ولا بيع من باع الملك عنه والبيع إذا كان فاسدا لم يملك به ومن أعتق ما لا يملك لم يجز
عتقه. وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها ثم اطلع المشتري على عيب كان بها دلسه البائع له فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ليس له أن يردها بعد الوطئ وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب
102

رضي الله عنه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ولكنه يقول يرجع عليه بفضل ما بين الصحة والعيب من
الثمن وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد معها مهر مثلها والمهر في قوله يأخذ العشر من قيمتها
ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك. ولو أن المشتري لم يطأ الجارية ولكنه حدث بها عيب عنده لم
يكن له أن يردها في قول أبي حنيفة ولكنه يرجع بفضل ما بين العيب والصحة وبه يأخذ صاحبه وكان
ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد ما نقصها العيب الذي حدث عنده (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا اشترى الرجل الجارية ثيبا فأصابها ثم ظهر منها على عيب كان عند البائع كان له ردها لأن الوطئ
لا ينقصها شيئا وإنما ردها بمثل الحال التي أخذها بها وإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخراج
بالضمان ورأينا الخدمة كذلك كان الوطئ أقل ضررا عليها من خدمة أو خراج لو أدته بالضمان وإن
كانت بكرا فأصابها فيما دون الفرج ولم يفتضها فكذلك وإن افتضها لم يكن له ردها من قبل أنه قد
نقصها بذهاب العذرة فلا يجوز له أن يردها ناقصة كما لم يكن يجوز عليه أن يأخذها ناقصة ويرجع بما
نقصها العيب الذي دلس له من أصل الثمن الذي أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن يأخذها ناقصة
فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشتري أن يحبسها معيبة الثمن الذي أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن
يأخذها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشتري أن يحبسها معيبة ولا يرجع بشئ من العيب ولا
نعلمه ثبت عن عمر ولا علي ولا خلافهما أنه قال خلاف هذا القول. وإذا اشترى الجارية فوطئها
فاستحقها رجل فقضى له بها القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول على الواطئ مهر مثلها
على مثل ما يتزوج به الرجل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على الذي باعه ولا يرجع بالمهر وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن
والمهر لأنه قد غره منها فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبي ليلى بما أحدث
وهو الذي وطئ؟ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه أو أهلكه فاستحقه رجل وضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع
على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل
الجارية فوطئها ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به
مثلها ويرجع المشترى على البائع بثمن الجارية الذي قبض منه ولا يرجع بالمهر الذي أخذه رب
الجارية منه لأنه كشئ استهلكه هو فإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قيل له لما قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في المرأة تزوج بغير إذن وليها أن نكاحها باطل وأن لها إن أصيبت المهر كانت الإصابة
بشبهة توجب المهر ولا يكون للمصيب الرجوع على من غره لأنه هو الآخذ للإصابة ولو كان يرجع به
على من غره لم يكن للمرأة عليه مهر لأنها قد تكون غارة له فلا يجب لها ما يرجع به عليها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل الجارية قد دلس له فيها بعيب علمه البائع أو لم يعلمه
فسواء في الحكم والبائع آثم في التدليس إن كان عالما فإن حدث بها عند المشتري عيب ثم اطلع على
العيب الذي دلس له لم يكن له ردها وإن كان العيب الذي حدث بها عنده أقل عيوب الرقيق وإذا
كان مشتريا فكان له أن يردها بأقل العيوب لأن البيع لا يلزمه في معيب إلا أن يشاء فكذلك عليه
للبائع مثل ما كان له على البائع ولا يكون له أن يرد على البائع بعد العيب الذي حدث في ملكه كما لم
يكن للبائع أن يلزمه البيع وفيه عيب كان في ملكه وهذا معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أنه قضى أن يرد العبد بالعيب وللمشتري إذا حدث العيب عنده أن يرجع بما نقصها العيب الذي
دلس له البائع ورجوعه به كما أصف لك أن تقوم الجارية سالمة من العيب فيقال قيمتها مائة ثم تقوم
103

وبها العيب فيقال قيمتها تسعون وقيمتها يوم قبضها المشتري من البائع لأنه يومئذ تم البيع ثم يقال له
ارجع بعشر ثمنها على البائع كائنا ما كان قل أو كثر فإن اشتراها بمائتين رجع بعشرين وإن كان اشتراها
بخمسين رجع بخمسة إلا أن يشاء البائع أن يأخذها معيبة بلا شئ يأخذه من المشتري فيقال للمشتري
سلمها إن شئت وإن شئت فأمسكها ولا ترجع بشئ. وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا
فرضي أحدهما بالعيب ولم يرض الآخر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ليس لواحد منهما
أن يرد حتى يجتمعا على الرد جميعا وكان ابن أبي ليلى يقول لأحدهما أن يرد حصته وإن رضي الآخر
بالعيب وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من
رجل فوجدا بها عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر التمسك فللذي أراد الرد الرد وللذي أراد التمسك التمسك
لأن موجودا في بيع الاثنين أنه باع كل واحد منهما النصف فالنصف لكل واحد كالكل لو باعه كما لو
باع لأحدهما نصفها وللآخر نصفها ثم وجدا بها عيبا كان لكل واحد منها رد النصف والرجوع بالثمن
الذي أخذ منه وكان لكل واحد منهما أن يمسك وإن رد صاحبه. وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نحل
وفيه ثمر ولم يشترط شيئا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الثمر للبائع إلا أن يشترط ذلك
المشتري. وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من اشترى نخلا له ثمر مؤبر
فثمره للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك
المشتري وبه يأخذ وكان بن أبي ليلى يقول الثمرة للمشتري وإن لم يشترط لأن ثمرة النخل من النخل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل من الرجل النخل قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن
يشترط ذلك المبتاع وإن كانت لم تؤبر فثمرتها للمشتري لأن ثمرها غير منكشف إلا في وقت الآبار
والآبار حين يبدو الانكشاف وما لم يبد الانكشاف في الثمر فهو كالجنين في بطن أمه يملكه من ملك أمه
وإذا بدا منه الانكشاف كان كالجنين قد زايل أمه وهذا كله في معنى السنة فإن اشترى عنبا أو تينا أو
ثمرا أي ثمر ما كان بعد ما طلع صغيرا كان أو كبيرا فالثمرة للبائع وذلك أنها منكشفة لا حائل دونها في
مثل معنى النخل المؤبر، وهكذا إذا باع عبدا له مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع وهذا كله مثل
السنة نصا أو شبيه بمعناها لا يخالفه.
باب الاختلاف في العيب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو الدابة أو الثوب أو
غير ذلك فوجد المشتري به عيبا وقال بعتني وهذا العيب به فأنكر ذلك البائع فعلى المشتري البينة فإن لم
تكن له البينة فعلى البائع اليمين بالله لقد باعه وما هذا العيب به فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا أرد اليمين عليه ولا يحولها عن الموضع الذي وضعها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول مثل قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أنه إذا
اتهم المدعي رد اليمين عليه فيقال احلف وردها فإن أبي أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل الدابة أو الثوب أو أي بيع ما كان فوجد المشتري به
عيبا فاختلف المشتري والبائع فقال البائع حدث عندك وقال المشتري بل عندك فإن كان عيبا يحدث مثله
بحال فالقول قول البائع مع يمينه على البت بالله لقد باعه وما هذا العيب به إلا أن يأتي المشتري على
104

دعواه ببينة، فتكون البينة أولي من اليمين وإن نكل البائع رددنا اليمين على المشتري اتهمناه أو لم نتهمه
فإن حلف رددنا على السلعة بالعيب وإن نكل عن اليمين لم نرددها عليه ولم نعطه بنكول صاحبه فقط
إنما نعطيه بالنكول إذا كان مع النكول يمينه، فإن قال قائل ما دل على ما ذكرت؟ قيل قضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم للأنصاريين بالأيمان يستحقون بها دم صاحبهم فنكلوا ورد الأيمان على يهود
يبرءون بها ثم رأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الأيمان على المدعى عليهم الدم يبرءون بها
فنكلوا فردها على المدعين ولم يعطهم بالنكول شيئا حتى رد الأيمان وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
النص المفسرة تدل على سنته الجملة وكذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقول النبي
صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) ثم قول عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنه ذلك جملة دل عليها نص حكم كل واحدة منهما والذي قال لا يعدو باليمين المدعى عليهم
يخالف هذا فيكثر ويحمل الحديث ما ليس فيه وقد وضعنا هذا في كتاب الأقضية واليمين بين المتبايعين
على البت فيما تبايعا فيه، وإذا باع الرجل بيعا فبرئ من كل عيب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول البراءة من كل ذلك جائزة ولا يستطيع المشتري أن يرده بعيب كائنا ما كان ألا ترى أنه لو
أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة ولو أبرأه من القروح برئ من كل قرحة وبهذا يأخذ وكان ابن أبي
ليلى يقول لا يبرأ من ذلك حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها ولم يذكر أن يضع يده عليها، (قال
الشافعي) رضي الله تعالى عنه: وإذا باع الرجل العبد أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي
نذهب إليه - والله تعالى أعلم - قضاء عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه برئ من كل عيب لم
يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ويقفه عليه وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وأن فيه معنى من
المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه وذلك أن ما كانت فيه الحياة فكان يتغذى بالصحة والسقم وتحول
طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر فإذا خفى على البائع أبرئه ببرئه منه فإذا لم يخف عليه فقد وقع
اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا أن يقفه
عليه وإن أصح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفريق الحيوان غيره لأن لا يبرأ من عيب كان به
لم يره صاحبه ولكن التقليد وما وصفنا أولى بما وصفناه، وإذا اشترى الرجل دابة أو خادما أو دارا أو
ثوبا أو غير ذلك فادعى فيه رجل دعوى ولم يكن للمدعي على دعواه بينة فأراد أن يستحلف المشتري
الذي في يديه ذلك المتاع على دعواه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول اليمين عليه البتة بالله ما
لهذا فيه حق وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه أن يحلف بالله ما يعلم أن لهذا فيه حقا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى اليمين عليه بالبت ما لهذا فيه حق ويسعه ذلك إذا لم يكن يعلم لهذا فيه حقا
وهكذا عامة الأيمان والشهادات، وإذا اشترى المشتري بيعا على أن البائع بالخيار شهرا أو على أن
المشتري بالخيار شهرا فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول البيع فاسد ولا يكون الخيار فوق
ثلاثة أيام بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين
ثلاثة أيام إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر أو صاعا من شعير فجعل الخيار كله على قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان أبن أبي ليلى يقول الخيار جائز شهرا كان أو سنة وبه يأخذ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل العبد أو أي سلعة ما اشترى على أن البائع بالخيار أو المشتري أو هما
معا إلى مدة يصفانها فإن كانت المدة ثلاثا أو أقل فالبيع جائز وإن كانت أكثر من ذلك بطرفة عين
فأكثر فالبيع منتقض فإن قال قائل وكيف جاز الخيار ثلاثا ولم يجز أكثر من ثلاث؟ قيل لولا الخبر عن
105

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاز أن يكون الخيار بعد تفرق المتبايعين ساعة لأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما جعل لهما الخيار إلى أن يتفرقا وذلك أن رجل لا يجوز أن يدفع ماله إلى البائع ويدفع
البائع جاريته للمشتري فلا يكون للبائع الانتفاع بثمن سلعته ولا للمشتري أن ينتفع بجاريته ولو زعمنا
أن لهما أن ينتفعا زعمنا أن عليهما إن شاء أحدهما أن يرد رد فإذا كان من أصل مذهبنا أنه لا يجوز أن
أبيع الجارية على أن لا يبيعها صاحبها لأني إذا شرطت عليه هذا فقد نقصته من الملك شيئا ولا يصلح
أن أملكه بعوض آخذه منه إلا ما ملكه عليه تام فقد نقصته بشرط الخيار كل الملك حتى حظرته عليه
وأصل البيع على الخيار لولا الخبر كان ينبغي أن يكون فاسدا لأنا نفسد البيع بأقل منه مما ذكرت فلما
شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة خيار ثلاث بعد البيع وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه
جعل (1) لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع انتهينا إلى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الخيار ولم نجاوزه إذا لم يجاوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك أن أمره به يشبه أن يكون
كالحد لغايته من قبل أن المصراة قد تعرف تصربتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفي يومين حتى لا يشك
فيها فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب النصربة؟ أشبه أن يقال له الخيار حتى يعلم أنها مصراة طال
ذلك أو قصر كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت طال ذلك أو قصر ولو كان خيار حبان
إنما كان لاستشارة غيره أمكنه أن يستشيره في مقامه وبعده بساعة وأمكن فيه أن يدع الاستشارة دهرا
فكان الخبر دل على أن خيار ثلاث أقصى غاية الخيار فلم يجز لنا أن نجاوزه ومن جاوزه كان عندنا
مشترطا بيعا فاسدا (قال) وإذا اشترى الرجل بيعا على أن البائع بالخيار يوما وقبضه المشتري فهلك
عنده فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول المشتري ضامن بالقيمة لأنه أخذه على بيع وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول هو أمين في ذلك لا شئ عليه فيه ولو أن الخيار كان للمشتري فهلك عنده فهو
عليه بثمنه الذي اشتراه به في قولهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل العبد بالخيار
ثلاثا أو أقل وقبضه فمات العبد في يدي المشتري فهو ضامن لقيمته وإنما منعنا أن نضمنه ثمنه أن البيع لم
يتم فيه ومنعنا أن نطرح الضمان عنه أنه لم يأخذه إلا على بيع يأخذ من المشترى به عوضا فلا نجعل البيع
إلا مضمونا ولا وجه لأن يكون أمينا فيه إنما يكون الرجل أمينا فيما لا يملك ولا ينتفع به منفعة عاجلة
ولا آجلة وإنما يمسكه لمنفعة ربه لا لمنفعة نفسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وسواء في ذلك كان
الخيار للبائع أو للمشتري لأن البيع لم يتم فيه حتى مات، وإذا اشترى الرجل الجارية فباع نصفها ولم
يبع النصف الآخر ثم وجد بها عيبا قد كان البائع دلسه له فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول
لا يستطيع أن يرد ما بقي منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول رد الجارية كلها كما أخذتها وإلا فلا
حق لك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول يرد ما في يده منها على البائع بقدر ثمنها
وكذلك قولهما في الثياب وفي كل بيع (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا اشترى الرجل من
الرجل الجارية أو الثوب أو السلعة فباع نصفها من رجل ثم ظهر منها على عيب دلسه البائع لم يكن له
أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ولا يرجع عليه بشئ من نقص العيب من أصل الثمن
ويقال له ردها كما هي أو احبس وإنما يكون له أن يرجع بنقص العيب إذا ماتت الجارية أو أعتقت

(1) هو بفتح الحاء المهملة وشد الباء الموحدة، وتقدم في الجزء الثالث (حيان بن سعد) وهو خطأ، فتنبه.
106

فصارت لا ترد بحال أو حدث بها عنده عيب فصار ليس له أن يردها عليه بحال فأما إذا باعها أو باع
بعضها فقد يمكن أن يردها وإذا أمكن أن يردها فيلزم ذلك البائع لم يكن له أن يردها ويرجع بنقص
العيب كما لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب (1) (قال) وإذا اشترى الرجل عبدا
واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان أو يهبه لفلان أو على أن يعتقه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان
يقول البيع في هذا فاسد وبه يأخذ وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نحو من ذلك
وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز والشرط باطل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل
الرجل العبد على أن لا يبيعه من فلان أو على أن لا يستخدمه أو على أن ينفق عليه كذا أو على أن
يخارجه فالبيع فيه كله فاسد لأن هذا كله غير تمام ملك ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد
وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق لما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز فإن
قال رجل ما فرق بين العتق وغيره قيل قد يكون لي نصف العبد فأهبه وأبيعه وأصنع فيه ما شئت غير
العتق فلا يلزمني ضمان نصيب شريكي فيه ولا يخرج نصيب شريكي من يده لأن كلا مالك لما ملك
فإن أعتقته وأنا موسر عتق على نصيب شريكي الذي لا أملك ولم أعتق وضمنت قيمته وخرج من يدي
شريكي بغير أمره وأعتق الحمل فتلده لأقل من ستة أشهر فيقع عليه العتق ولو بعته لم يجز البيع مع
خلافه لغيره في هذا وفي أم الولد والمكاتب وما سواهما (قال) وإذا كان لرجل على رجل مال من بيع
فحل المال فأخره عنه إلى أجل آخر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول تأخيره جائز وهو إلى
الأجل الآخر الذي أخره عنه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون
ذلك على وجه الصلح منهما. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل مال
حال من سلف أو من بيع أو أي وجه كان فأنظره صاحب المال بالمال إلى مدة من المدد كان له أن
يرجع في النظرة متى شاء وذلك أنها ليست بإخراج شئ من ملكه إلى الذي عليه الدين ولا شيئا أخذ
منه به عوضا فنلزمه إياه للعوض الذي يأخذه منه أو نفسده ويرد العوض ولا فرق بين السلف وبين البيع
إلا أن يتفاسخا في البيع والمبيع قائم فيجعلانه بيعا غيره بنظرة أو يتداعيان فيه دعوى فيصيرانه بيعا
مستأنفا إلى أجل فيلزمها البيع الذي أحدثاه، ولو أن رجلا كان له على رجل مال فتغيب عنه المطلوب
حتى حط عنه بعض ذلك المال على أن يعطيه بعضه ثم ظهر له بعد فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول ما حط عنه من ذلك المال فهو جائز. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع فيما حط عنه
لأنه تغيب عنه وبه يأخذ ولو أن الطالب قال إن ظهر لي فله مما عليه كذا وكذا لم يكن قوله هذا يوجب
عليه شيئا في قولهم جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تغيب الرجل عليه الدين من الرجل
فحط عنه وهو متغيب شيئا وأخذ منه البقية ثم قال إنما حططت عنه للتغيب فليس له أن يرجع فيما حط

(1) في بعض النسخ هنا زيادة هذا نصها:
(قال الربيع) إذا بعتك عبدا على أن لا تبيعه أو شيئا سواه أو شرطت عليك فيه شرطا ليس يلزمك في عبدك إلا
أن تشاء فالبيع فيه باطل من قبل أني إذا ملكت عليك العوض منه فلك أن تملكه كما كنت أنا مالكه فإذا بعتك على
أن لا تبيعه فقد نقصتك مما كنت أملكه لأنه كان لي أن أبيع وأصنع به ما شئت وإذا نقصتك مما كنت أنا أملك فيه
فلم تملكه ملكا تاما كما كنت أنا مالكا إلا العتق وحده بحديث بريرة فإن هذا خاص مستخرج من العام ألا ترى أني لو
وهبت لك نصف عبد لم يكن على لك أن أهب لك النصف الآخر وإذا أعتقت نصف عبد لي قوم على عتق الباقي
إذا كنت موسرا فالعتق خلاف غيره من جميع الأشياء اه‍.
107

عنه ولا يكون هذا من معاني الاكراه التي نطرحها عمن أكره عليها لأن الاكراه موضوع عن العبد فيما
بينه وبين الله وفي الحكم وليس هذا إكراها قد كان يظهر له بعد التغيب ويعدى عليه في التغيب
ويظن أنه غاب عنه ولم يغب. ولو قال الطالب إن ظهر لي فله وضع كذا فظهر له لم يكن له وضع لأنه
عطية مخاطرة. وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك
البيع فاسد. وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز والمال حال وكذلك قولهما في كل مبيع إلى أجل لا
يعرف فإن استهلكه المشتري فعليه القيمة في قول أبي حنيفة وإن حدث به عيب رده ورد ما نقصه
العيب وإن كان قائما بعينه فقال المشتري لا أريد الأجل وأنا أنقد لك المال جاز ذلك له في هذا كله
في قول أبي حنيفة وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء
فالبيع فاسد من قبل أن الله عز وجل أذن بالدين إلى أجل مسمى والمسمى الموقت بالأهلة التي سمى الله
عز وجل فإنه يقول (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) والأهلة معروفة المواقيت وما
كان في معناها من الأيام المعلومات فإنه يقول (في أيام معلومات) والسنين فإنه يقول (حولين كاملين)
وكل هذا الذي لا يتقدم ولا يتأخر والعطاء لم يكن قط فيما علمت ولا نرى أن يكون أبدا إلا يتقدم
ويتأخر ولو اجتهد الإمام غاية جهده لدخله التقدم والتأخر (أخبرنا الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال لا تبايعوا إلى العطاء ولا إلى إلا ندر ولا
إلى العصير (قال الشافعي) وهذا كله كما قال لأن هذا يتقدم ويتأخر وكل بيع إلى أجل غير معلوم
فالبيع فيه فاسد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فإن هلكت السلعة التي ابتيعت إلى أجل غير معلوم
في يدي المشتري رد القيمة وإن نقصت في يديه بعيب ردها وما نقصها العيب فإن قال المشتري أنا
أرضى السلعة بثمن حال وأبطل الشرط بالأجل لم يكن ذلك له إذا انعقد البيع فاسدا لم يكن لأحدهما
أن يصلحه دون الآخر ويقال لمن قال قول أبي حنيفة أرأيت إذا زعمت أن البيع فاسد فمتى صلح فإن
قال صلح بإبطال هذا شرطه قيل له فلهذا أن يكون بائعا مشتر أو إنما هذا مشتر ورب السلعة بائع. فإن
قال بل رب السلعة بائع قيل له فهل أحدث رب السلعة بيعا غير البيع الأول؟ فإن قال: لا، قيل
فقولك متناقض تزعم أن بيعا فاسدا حكمه كما لم يصر فيه بيع يصير بيعا من غير أن يبيعه مالكه.
باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الغلة كلها
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ فإن البيع جائز ألا ترى أنه لو
اشترى قصيلا يقصله على دوابه قبل أن يبلغ كان ذلك جائزا؟ قل ولو اشترى شيئا من الطلع حين
يخرج فقطعه كان جائزا وإذا اشتراه ولم يشترط تركه فعليه أن يقطعه فإذا استأذن صاحبه في تركه فأذن
له في ذلك فلا بأس بذلك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا خير في بيع شئ من ذلك حتى يبلغ
ولا بأس إذا اشترى شيئا من ذلك قد بلغ أن يشترط على البائع تركه إلى أجل وكان أبو حنيفة رضي الله
تعالى عنه يقول لا خير في هذا الشرط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل أصنافا
من الثمار قبل أن يبدو صلاحها فالبيع فاسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو
صلاحها ولو اشتراه ولم يسم قطعه ولا تركه قبل أن يبدو صلاحه كان البيع فيه فاسدا لأنه إنما يشتري ثم
108

يترك إلى أن يبلغ إبانه ولا يحل بيعه منفردا حتى يبدو صلاحه إلا أن يشتري منه شيئا يراه بعينه على أن
يقطع مكانه فلا يكون به بأس كما لا يكون به بأس إذا كان موضوعا بالأرض فليس هذا من المعنى
الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمرة أن تباع حتى يبدو
صلاحها وقال أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن بيع الثمرة حتى تنجو من العاهة وإنما يمنع من الثمرة ما يترك إلى مدة يكون المنع دونها وكذلك إنما
تأتي العاهة على ما يترك إلى مدة تكون العاهة دونها فأما ما يقطع مكانه فهو كالموضوع بالأرض، وإذا
اشترى الرجل أرضا فيها نخل فيها حمل فلم يذكر النخل ولا الحمل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول النخل للمشتري تبعا للأرض والثمرة للبائع إلا أن يشترط المشتري. بلغنا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال (من اشترى نخلا مؤبرا فثمرته للبائع إلا أن يستثنيه المشتري) وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول: الثمرة للمشتري (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه: وإذا اشترى الرجل أرضا فيها
نخل وفي النخل ثمرة فالثمرة للبائع إذا كان قد أبر وإن لم يؤبر فهو للمشتري والأرض بالنخل للمشتري
(قال) وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من دار غير مقسومة أو عشرة أجرية من أرض غير
مقسومة فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول في ذلك كله البيع باطل ولا يجوز لأنه لا يعلم ما
اشترى كم هو من الدار وكم هو من الأرض وأين موضعه من الدار والأرض. وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله تعالى يقول هو جائز في البيع وبه يأخذ وإن كانت الدار لا تكون مائة ذراع فالمشتري بالخيار إن شاء
ردها وإن شاء رجع بما نقصت الدار على البائع في قول ابن أبي ليلى (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا اشترى الرجل من الدار ثلثا أو ربعا أو عشرة أسهم من مائة سهم من جميعها فالبيع جائز
وهو شريك فيها بقدر ما اشترى (قال الشافعي) وهكذا لو اشترى نصف عبد أو نصف ثوب أو نصف
خشبة ولو اشترى مائة ذراع من دار محدودة ولم يسم أذرع الدار فالبيع باطل من قبل أن المائة قد تكون
نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل فيكون قد اشترى شيئا غير محدود ولا محسوب معروف كم قدره من الدار
فنجيزه ولو سمى ذرع جميع الدار ثم اشترى منها مائة ذراع كان جائزا من قبل أن هذا منها سهم معلوم
من جميعها وهذا مثل شرائه سهما من أسهم منها، ولو قال اشتري منك مائة ذراع آخذها من أي الدار
شئت كان البيع فاسدا * وإن كانت الآجام محظورة وقد حظر فيها سمك فاشتراه رجل فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه كان يقول لا يجوز ذلك. بلغنا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال (لا
تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإبراهيم
النخعي وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا شراؤه جائز لا بأس به وكذلك بلغنا عن عمر بن
عبد العزيز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان السمك في بئر (1) أو ما جل أو أجمة محظورة
وكان البائع والمشتري يريانه فباعه مالكه أو شيئا منه يراه بعينه وهو لا يؤخذ حتى يصاد فالبيع فيه باطل
من قبل أنه ليس ببيع صفة مضمونة ولا بيع عين مقدور عليها حين تباع فيدفع وقد يمكن أن يموت
فينتن قبل أن يقبض فيكون على مشتريه في موته المخاطرة في قبضه ولكنه لو كان في عين ماء لا يمتنع
فيه ويؤخذ باليد مكانه جاز بيعه كما يجوز إذا أخرج فوضع على الأرض، وإذا حبس الرجل في الدين
وفلسه القاضي فباع في السجن واشترى وأعتق أو تصدق
بصدقة أو وهب هبة فإن أبا حنيفة رضي الله

(1) الماجل: كل ماء في أصل جبل أو واد والأجمة الشجر الملتف فتنبه. كتبه مصححه.
109

تعالى عنه كان يقول هذا كله جائز ولا يباع شئ من ماله في الدين وليس بعد التفليس شئ ألا ترى
أن الرجل قد يفلس اليوم ويصيب غدا مالا وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا عتقه
ولا هبته ولا صدقته بعد التفليس فيبيع ماله ويقضيه الغرماء وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى مثل قول
ابن أبي ليلى ما خلا العتاقة في الحجر وليس من قبيل التفليس ولا نجيز شيئا سوى العتاقة من ذلك أبدا
حتى يقضي دينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجوز بيع الرجل وجميع ما أحدث في ماله كان
ذا دين أو غير ذي دين وذا وفاء أو غير ذي وفاء حتى يستعدى عليه في الدين فإذا استعدى عليه فثبت
عليه شئ أو أقر منه بشئ انبغى للقاضي أن يحجر عليه مكانه ويقول قد حجرت عليه حتى أقضي
دينه وفلسته ثم يحصي ماله ويأمره بأن يجتهد في التسوم ويأمر من يتسوم به ثم ينفذ القاضي فيه البيع
بأغلى ما يقدر عليه فيقضي دينه فإذا لم يبق عليه دين أحضره فأطلق الحجر عنه وعاد إلى أن يجوز له في
ماله كل ما صنع إلى أن يستعدى عليه في دين غيره وما استهلك من ماله في الحالة التي حجر فيها عليه
ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك فهو مردود وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه ولم يسم بالنقد ولا
بالنسيئة فباعه بالنسيئة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول البيع جائز والمأمور ضامن لقيمة المتاع حتى يدفعه لرب المتاع فإذا خرج الثمن من عند المشتري
وفيه فضل عن القيمة فإنه يرد ذلك الفضل على رب المتاع وإن كان أقل من القيمة لم يضمن غير
القيمة الماضية ولم يرجع البائع على رب المتاع بشئ والله تعالى أعلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا دفع الرجل إلى الرجل سلعة فقال بعها ولم يقل بنقد ولا بنسيئة ولا بما رأيت من نقد أو نسيئة
فالبيع على النقد فإن باعها بنسيئة كان له نقض البيع بعد أن يحلف بالله ما وكل أن يبيع إلا بنقد فإن
فاتت فالبائع ضامن لقيمتها فإن شاء أن يضمن المشتري ضمنه فإن ضمن البائع لم يرجع البائع على
المشتري وإن ضمن المشترى رجع المشتري على البائع بالفضل مما أخذ رب السلعة عما ابتاعها به لأنه لم
يؤخذ منه إلا ما لزمه من قيمة السلعة التي أتلفها إذا كان البيع فيها لم يتم (قال) وإذا اختلف البيعان
فقال البائع بعتك وأنا بالخيار وقال المشتري بعتني ولم يكن لك خيار فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول القول قول البائع مع يمينه وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المشتري وبه يأخذ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع ثم اختلفا فقال البائع بعتك على أني بالخيار
ثلاثا وقال المشتري بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا وكان المشتري بالخيار في فسخ البيع أو يكون للبائع
الخيار وهذا - والله تعالى أعلم - كاختلافهما في الثمن نحن ننقض البيع باختلافهما في الثمن وننقضه
بادعاء هذا أن يكون له الخيار وأنه لم يقر بالبيع إلا بخيار. وكذلك لو ادعى المشتري الخيار كان القول
فيه هكذا (قال) وإذا باع الرجل جارية بجارية وقبض كل واحد منهما ثم وجد أحدهما بالجارية التي
قبض عيبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول يردها ويأخذ جاريته لأن البيع قد انتقض وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويأخذ قيمتها صحيحة وكذلك قولهما في جميع الرقيق والحيوان
والعروض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا بايع الرجل الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد
أحدهما بالجارية التي قبض عيبا ردها وأخذ الجارية التي باع بها وانتقض البيع بينهما وهكذا جميع
الحيوان والعروض وهكذا إن كانت مع إحداهما دراهم أو عرض من العروض وإن ماتت الجارية في
يدي أحد الرجلين فوجد الآخر عيبا بالجارية الحية ردها وأخذ قيمة الجارية الميتة لأنها هي الثمن الذي
دفع كما يردها ويأخذ الثمن الذي دفع، وإذا اشترى الرجل بيعا لغيره بأمره فوجد به عيبا فإن أبا حنيفة
110

رضي الله تعالى عنه كان يقول يخاصم المشتري ولا نبالي أحضر الآمر أم لا ولا نكلف المشتري أن يحضر
الآمر ولا نرى على المشتري يمينا إن قال البائع الآمر قد رضي بالعيب وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
لا يستطيع المشتري أن يرد السلعة التي بها العيب حتى يحضر الآمر فيحلف ما رضي بالعيب ولو كان
غائبا بغير ذلك البلد، وكذلك الرجل معه مال مضاربة أتى بلادا يتجر فيها بذلك المال فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه كان يقول ما اشترى من ذلك فوجد به عيبا فله أن يرده ولا يستحلف على رضا الآمر
بالعيب وكان ابن أبي ليلى يقول لا يستطيع المشتري المضارب أن يرد شيئا من ذلك حتى يحضر رب
المال فيحلف بالله ما رضي بالعيب وإن لم ير المتاع وإن كان غائبا أرأيت رجلا أمر رجلا فباع له متاعا
أو سلعة فوجد المشتري به عيبا أيخاصم البائع في ذلك أو نكلفه أن يحضر الآمر رب المتاع ألا ترى أن
خصمه في هذا البائع ولا نكلفه أن يحضر الآمر ولا خصومة بينه وبينه فكذلك إذا أمره فاشترى له فهو
مثل أمره بالبيع أرأيت لو اشترى متاعا ولم يره أكان للمشتري الخيار إذا رآه أم لا يكون له خيار حتى
يحضر الآمر؟ أرأيت لو اشترى عبدا فوجده أعمى قبل أن يقبضه فقال لا حاجة لي فيه أما كان له أن
يرده بهذا حتى يحضر الآمر؟ بلى له أن يرده ولا يحضر الآمر (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا
وكل الرجل الرجل أن يشتري سلعة بعينها أو موصوفة أو دفع إليه ما لا قراضا فاشترى به تجارة فوجد بها
عيبا كان له أن يرد ذلك دون رب المال لأنه المشتري وليس عليه أن يحلف بالله ما رضي رب المال
وذلك أنه يقوم مقام المالك فيما اشتري لرب المال ألا ترى أن رب المال لو قال لا أرضى بما اشتري لم
يكن له خيار فيما ابتاع ولزمه البيع ولو اشترى شيئا فحابى فيه لم ينتقض البيع وكانت التباعة لرب المال
على الوكيل لا على المشتري منه. وكذلك تكون التباعة للمشتري على البائع دون رب المال فإن ادعى
البائع على المشتري رضا رب حلف على علمه لا على البت. وإذا باع الرجل ثوبا مرابحة على شئ
مسمى فباع المشتري الثوب ثم وجد البائع قد خانه في المرابحة وزاد عليه في المرابحة. فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه كان يقول البيع جائز لأنه قد باع الثوب ولو كان عنده الثوب كان له أن يرده ويأخذ
ما نقد إن شاء ولا يحطه شيئا وكان ابن أبي ليلى يقول تحط عنه تلك الخيانة وحصتها من الربح وبه
يأخذ (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه: وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثوبا مرابحة فباعه ثم وجد
البائع الأول الذي باعه مرابحة قد خانه في الثمن فقد قيل تحط عنه الخيانة بحصتها من الربح ويرجع
عليه به ولو كان الثوب قائما لم يكن له أن يرده وإنما منعنا من إفساد البيع وأن يرده إذا كان قائما ويجعله
بالقيمة إذا كان فائتا أن البيع لم ينعقد على محرم عليهما معا وإنما انعقد على محرم على الخائن منهما فإن
قال قائل ما يشبه هذا مما يجوز فيه البيع بحال والبائع فيه غار؟ قيل يدلس الرجل للرجل العيب فيكون
التدليس محرما عليه وما أخذ من ثمنه محرما كما كان ما أخذ من الخيانة محرما ولا يكون البيع فاسدا فيه
ولا يكون للبائع الخيار في رده وقيل للمشتري الخيار في أخذه بالثمن الذي سمى له أو فسخ البيع لأنه لم
ينعقد إلا بثمن مسمى فإذا وجد غيره فلم يرض به المشتري فسد البيع لأنه يرد إلى ثمن مجهول عند
المشتري لم يرض به البائع، وإذا اشترى الرجل للرجل سلعة فظهر فيها عيب قبل أن ينقد الثمن فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول: له أن يردها إن أقام البينة على العيب وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
رحمه الله تعالى يقول: لا أقبل شهودا على العيب حتى ينقد الثمن (قال الشافعي) وإذا اشترى الرجل
السلعة وقبضها ونقد ثمنها أو لم ينقده حتى ظهر منها على عيب يقر به البائع أو يرى أو يشهد عليه فله الرد
قبل النقد كما له الرد بعد النقد، وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا أو متاعا من غير حاجة ولا
111

عذر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز ذلك على ابنه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
بيعه عليه جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان الرجل يلي ماله نفسه فباع أبوه عليه شيئا
من ماله بأكثر مما يسوي أضعافا أو بغير ما يسوى في غير حاجة أو حاجة نزلت بأبيه فالبيع باطل وهو
كالأجنبي في البيع عليه ولا حق له في ماله إلا أن يحتاج فينفق عليه بالمعروف وكذلك ما استهلك من
ماله. وإذا باع الرجل متاعا لرجل والرجل حاضر ساكت فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول
لا يجوز ذلك عليه وليس سكوته إقرارا بالبيع وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول سكوته إقرار بالبيع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا باع الرجل ثوبا لرجل أو خادما والرجل المبيع ثوبه أو خادمه
حاضر البيع لم يوكل البائع ولم ينهه عن البيع ولم يسلمه فله رد البيع ولا يكون صمته رضا بالبيع إنما
يكون الصمت رضا البكر وأما الرجل فلا (قال) وإذا باع الرجل نصيبا من داره ولم يسم ثلثا أو ربعا أو
نحو ذلك أو كذا وكذا سهما فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز البيع على هذا الوجه وقال
أبو يوسف رحمه الله تعالى له الخيار إذا علم إن شاء أخذ وإن شاء ترك وكان ابن أبي ليلى رحمه الله
تعالى يقول إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم يسم وإن كانت أسهما كثيرة لم
يجز حتى يسمي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت الدار بين ثلاثة فقال أحدهم لرجل بعتك
نصيبا من هذه الدار ولم يقل نصيبي فالبيع باطل من قبل أن النصيب منها قد يكون سهما من ألف سهم
وأقل ويكون أكثر الدار فلا يجوز حتى يكون معلوما عند البائع والمشتري ولو قال بعتك نصيبي لم يجز
حتى يتصادقا بأنهما قد عرفا نصيبه قبل عقد البيع، وإذا ختم الرجل على شراء فإن أبا حنيفة رضي الله
تعالى عنه كان يقول ليس ذلك بتسليم للبيع حتى يقول سلمت وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله
تعالى يقول ذلك تسليم للبيع (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا أتى الرجل بكتاب فيه شراء
باسمه وختم عليه ولم يتكلم ولم يشهد ولم يكتب فالختم ليس بإقرار إنما يكون الاقرار بالكلام وإذا بيع
الرقيق والمتاع في عسكر الخوارج وهو متاع من متاع المسلمين أو رقيق من رقيقهم قد غلبوهم عليه فإن
أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا يجوز ويرد على أهله وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هو
جائز وإن كان المتاع قائما بعينه والرقيق قائما بعينه وقتل الخوارج قبل أن يبيعوه رد على أهله في قولهم
جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ظهر الخوارج على قوم فأخذوا أموالهم مستحلين فباعوها
ثم ظهر الإمام على من هي في يديه أخرجها من يديه وفسخ البيع ورده بالثمن على من اشترى منه،
وإذا باع الرجل المسلم الدابة من النصراني فادعاها نصراني آخر وأقام عليها بينة من النصارى فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا تجوز شهادتهم من قبل أنه يرجع بذلك على المسلم وكان ابن أبي ليلى
يقول شهادتهم جائزة على النصراني ولا يرجع على المسلم بشئ وبه يأخذ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ولا تجوز شهادة أحد خالف الاسلام ولا تجوز الشهادة حتى يجمع الشاهدان أن يكونا
حرين مسلمين بالغين عدلين غير ظنينين فيما يشهدان فيه بين المشركين ولا المسلمين ولا لاحد ولا على
أحد، وإذا باع الرجل بيعا من بعض ورثته وهو مريض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا
يجوز بيعه ذلك إذا مات من مرضه وكان ابن أبي ليلى يقول بيعه جائز بالقيمة وبه يأخذ (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا باع الرجل المريض بيعا من بعض ورثته بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس
به ثم مات فالبيع جائز والبيع لا هبة ولا وصية فيرد، وإذا استهلك الرجل مالا لولده وولده كبير
والرجل غني فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هو دين على الأب وبه يأخذ وكان ابن أبي
112

ليلى يقول لا يكون له دين على أبيه وما استهلك أبوه من شئ لابنه فلا ضمان عليه فيه (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا استهلك الرجل لابنه مالا ما كان من غير حاجة من الأب رجع عليه الابن كما
يرجع على الأجنبي ولو أعتق له عبدا لم يجز عتقه والعتق غير استهلاك فلا يجوز بحال عتق غير المالك،
وإذا اشترى رجل جارية بعبد وزاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبا وقد ماتت الجارية عند
المشتري فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول يرد العبد ويأخذ منه مائة درهم وقيمة الجارية
صحيحة فإن كانت الجارية هي التي وجد بها العيب وقد مات العبد رد الجارية وقسم قيمة العبد على
المائة الدرهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة الدرهم ويرد (1) ما أصاب العبد من قيمة
الجارية وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا إن وجد بالعبد عيبا رده وأخذ قيمته صحيحا
وكذلك الدراهم التي هي في يديه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى الرجل جارية بعبد
وزاد مع الجارية مائة درهم فتقابضا ثم ماتت الجارية فوجد بالعبد عيبا فله رد العبد وقبض المائة
الدرهم التي دفع وقيمة الجارية التي دفع وإنما جعلنا قيمتها على القابض من قبل أنها لو كانت قائمة
رددناها بعينها لأنها ثمن العبد هي والمائة الدرهم وكذلك إن مات العبد ووجد بالجارية العيب ردها
والمائة الدرهم وأخذ قيمته لأنه لو كان قائما لاخذه فإذا فات فقيمته تقوم مقامه وكل من ابتاع بيعا
فأصاب عيبا رده ورجع بما أعطى في ثمنه، وإذا اشترى الرجل ثوبين من رجل وقبضهما فهلك واحد
ووجد بالثوب الآخر عيبا فأراد رده فاختلفا في قيمة الهالك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول القول
قول البائع مع يمينه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المشتري (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا اشترى الرجل ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالآخر عيبا فاختلفا في ثمن
الثوب فقال البائع قيمته عشرة وقال المشتري قيمته خمسة فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد
لزم المشتري والمشتري إن أراد الثوب رده بأكثر الثمن أو أراد الرجوع بالعيب رجع به بأكثر الثمن فلا
نعطيه بقوله الزيادة (قال الربيع) وفيه قول آخر للشافعي أن القول قول المشتري من قبل أنه المأخوذ منه
الثمن وهو أصح القولين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى ثوبين أو شيئين في صفقة واحدة
فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فليس إلى الرد سبيل ويرجع بقيمة العيب لأنه اشتراهما صفقة واحدة
فليس له أن ينقضها.
باب المضاربة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعطى الرجل الرجل ثوبا يبيعه على أن ما كان فيه من ربح
فبينهما نصفان أو أعطاه دارا يبنيها ويؤاجرها على أن أجرتها بينهما نصفان فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى
عنه كان يقول في ذلك كله فاسد وللذي باع أجر مثله على رب الثوب ولباني
الدار أجر مثله على رب
الدار وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز والأجر والربح بينهما نصفان وكان ابن أبي ليلى يجعل
هذا بمنزلة الأرض للمزارعة والنخل للمعاملة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى
الرجل ثوبا أو سلعة يبيعها بكذا فما زاد فهو بينهما نصفان أو بقعة يبنيها على أن يكريها والكراء بينهما

(1) لعله ما أصاب الجارية من قيمة العبد، تأمل. كتبه مصححه
113

نصفان فهذا فاسد فإن أدرك قبل البيع والبناء نقض وإن لم يدرك حتى يكون البيع والبناء كان للبائع
والباني أجر مثله وكان ثمن الثوب كله لرب الثوب والدار لرب الدار، وإذا كان مع الرجل مال مضاربة
فأدانه ولم يأمره بذلك رب المال ولم ينهه يعني بقوله فأدانه المشتري به وباع بنسيئة ولم يقرضه ولو أقرضه
ضمن فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا ضمان على المضارب وما أدان من ذلك فهو جائز
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول المضارب ضامن إلا أن يأتي بالبينة أن رب المال أذن له في النسيئة
ولو أقرضه قرضا ضمن في قولهما جميعا لأن القرض ليس من المضاربة. أبو حنيفة عن حميد بن عبد الله
بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أعطى مال يتيم مضاربة
فكان يعمل به في العراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح. أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن عبد الله بن
علي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أعطى مالا
مقارضة يعني مضاربة أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أعطى
زيد بن خليده مالا مقارضة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة
ولم يأمره ولم ينهه عن الدين فأدان في بيع أو شراء أو سلف فسواء ذلك كله هو ضامن إلا أن يقر له رب
المال أو تقوم عليه بينة أنه أذن له في ذلك.
باب السلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض طعامه
وبعض رأس ماله فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هو جائز بلغنا عن عبد الله بن عباس
رضي الله تعالى عنه عنهما أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا أخذ
بعض رأس ماله فقد فسد السلم ويأخذ رأس ماله كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أسلف
الرجل الرجل مائة دينار في مكيلة طعام موصوف إلى أجل معلوم فحل الأجل فتراضيا أن يتفاسخا
البيع كله كان جائزا وإذا كان هذا جائزا جاز أن يتفاسخا نصف البيع ويثبتا نصف وقد سئل عن هذا
ابن عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل وقول ابن عباس القياس وخالفه فيه غيره *
(قال) وإذا أسلم الرجل في اللحم فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا خير فيه لأنه غير
معروف وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا بأس به ثم رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى إلى قول ابن
أبي ليلى وقال إذا بين مواضع اللحم فقال أفخاذ وجنوب ونحو هذا فهو جائز (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا أسلف الرجل في لحم بوزن وصفة وموضع ومن سن معلوم وسمى ذلك الشئ
فالسلف جائز.
باب الشفعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا تزوجت امرأة على شقص من دار فإن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى كان يقول لا شفعة في ذلك لاحد وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول للشفيع الشفعة بالقيمة
وتأخذ المرأة قيمة ذلك منه وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه كيف يكون ذلك وليس هذا شراء يكون
114

فيه شفعة إنما هذا نكاح أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها وبم يأخذ بالقيمة أو بالمهر
وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة بنصيب
من دار غير مقسومة فأراد شريك المتزوج الشفعة أخذها بقيمه مهر مثلها ولو طلقها قبل أن يدخل بها
كانت الشفعة تامة كان للزوج الرجوع بنصف ثمن الشفعة وكذلك لو اختلعت بشقص من دار ولا يجوز
أن يتزوجها بشقص إلا أن يكون معلوما محسوبا فيتزوجها بما قد علمت من الصداق فإن تزوجها على
شقص غير محسوب ولا معلوم كان لها صداق مثلها ولم يكن فيه شفعة لأنه مهر مجهول فيثبت النكاح
وينفسخ المهر ويرد إلى ربه ويكون لها صداق مثلها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اشترى
الرجل دارا وبنى فيها بناء ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول
يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يجعل الدار ولا بناء للشفيع
ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذي اشتراها به صاحب البناء والا فلا شفعة له (قال الشافعي)
رضي الله تعالى عنه وإذا اشترى الرجل نصيبا من دار ثم قاسم فيه وبنى ثم طلبه الشفيع بالشفعة قيل له
إن شئت فأد الثمن الذي اشتراه به وقيمة البناء اليوم وإن شئت فدع الشفعة لا يكون له إلا هذا لأنه بنى
غير متعد فلا يكون عليه هدم ما بنى وإذا اشترى الرجل أرضا أو دارا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى
كان يقول لصاحب الشفعة الشفعة حين علم فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له وبه يأخذ وكان ابن أبي
ليلى يقول هو بالخيار ثلاثة أيام بعد علمه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا بيع شقص من الدار
والشفيع حاضر عالم فطلب مكانه فله الشفعة وإن أخر الطلب فذكر عذرا من مرض أو امتناع من
وصول إلى السلطان أو حبس سلطان أو ما أشبهه من العذر كان على شفعته ولا وقت في ذلك إلا أن
يمكنه وعليه اليمين ما ترك ذلك رضي بالتسليم للشفعة ولا تركا لحقه فيه فإن كان غائبا فالقول فيه كهو
في معنى الحاضر إذا أمكنه الخروج أو التوكيل ولم يكن له حابس فإن ترك ذلك انقطعت شفعته وإذا
أخذ الرجل الدار بالشفعة من المشتري ونقده الثمن فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول العهدة
على المشتري الذي أخذ المال وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول العهدة على البائع لأن الشفعة وقعت
يوم اشترى المشتري للشفيع (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه فإذا أخذ الرجل الشقص بالشفعة من
المشتري فعهدته على المشتري الذي أخذ منه وعهدة المشتري على بائعه إنما تكون العهدة على من قبض
المال وقبض منه المبيع ألا ترى أن البائع الأول ليس بمالك ولو أبرأ الآخذ بالشفعة من الثمن لم يبرأ ولو
كان تبرأ إلى المشتري منه من عيب لم يعلم به المستشفع فإن علم المستشفع بعد أخذه بالشفعة كان له رده
وإذا كانت الشفعة لليتيم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول له الشفعة فإن كان له وصي أخذها
بالشفعة وإن لم يكن له وصي كان على شفعته إذا أدرك فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس
لليتيم شفعة إذا أدرك وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيا وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا شفعة
للصغير وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الشفعة للشريك الذي لم يقاسم وهي بعده للشريك الذي قاسم
والطريق واحدة بينهما وهي بعده للجار الملاصق وإذا اجتمع الجيران وكان التصاقهم سواء فهم شركاء
في الشفعة وكان ابن أبي ليلى يقول بقول أبي حنيفة حتى كتب إليه أبو العباس أمير المؤمنين يأمره أن لا
يقضي بالشفعة إلا للشريك الذي لم يقاسم فأخذ بذلك وكان لا يقضي إلا للشريك الذي لم يقاسم
وهذا قول أهل الحجاز وكذلك بلغنا عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما (1) (قال الشافعي)

(1) في بعض النسخ هنا زيادة هذا نصها:
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى عن عبد الله بن محمد بن عباد عن العوام عن يحيى بن سعيد عن عون بن أبي
رافع عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال قال عمر بن الخطاب إذا وقعت الحدود فلا شفعة أخبرنا الشافعي عن
عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن جرير عن أبان بن عثمان قال إذا وقعت الأزقة فلا شفعة
والأزقة الحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا معلى بن أسد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن
الحكم قال قال إذا وقعت الحدود فلا شفعة.
115

رضي الله تعالى عنه وإذا بيع الشقص من الدار ولليتيم فيه شفعة أو الغلام في حجر أبيه فلولي
ن اليتيم
والأب أن يأخذا للذي يليان بالشفعة إن كانت غبطة فإن لم يفعلا فإذا بلغا أن يليا أموالهما كان لهما الأخذ
بالشفعة فإذا علما بعد البلوغ فتركا الترك الذي لو أحدث البيع في تلك الحال فتركاه انقطعت شفعتهما
فقد انقطعت شفعتهما ولا شفعة إلا فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وكذلك لو اقتسموا الدار
والأرض وتركوا بينهم طريقا أو تركوا بينهم مشربا لم تكن شفعة ولا نوجب الشفعة فيما قسم بشرك في
طريق ولا ماء وقد ذهب بعض أهل البصرة إلى جملة قولنا فقالوا لا شفعة إلا فيما بين القوم الشركاء فإذا
بقيت بين القوم طريق مملوكة لهم أو مشرب مملوك لهم فإن كانت الدار والأرض مقسومة ففيها شفعة
لأنهم شركاء في شئ من الملك ورووا حديثا عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم شبيها بهذا المعنى أحسبه يحتمل شبيها بهذا المعنى ويحتمل خلافه قال الجار أحق
بسقبه إذا كانت الطريق واحدة وإنما منعنا من القول بهذا أن أبا سلمة وأبا الزبير سمعا جابرا وأن بعض
حجازيينا يروي عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة شيئا ليس فيه هذا وفيه
خلافه وكان اثنان إذا اجتمعا على الرواية عن جابر وكان الثالث يوافقهما أولى بالتثبت في الحديث إذا
اختلف عن الثالث وكان المعنى الذي به منعنا الشفعة فيما قسم قائما في هذا المقسوم ألا ترى أن الخبر
عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ولا يجد أحد قال بهذا
القول مخرجا من أن يكون قد جعل الشفعة فيما وقعت فيه الحدود فإن قال فإني إنما جعلتها فيما وقعت فيه
الحدود لأنه قد بقي من الملك شئ لم تقع فيه الحدود قيل فيحتمل ذلك الباقي أن يجعل فيه الشفعة
فإن احتمل فاجعلها فيه ولا تجعلها فيما وقعت فيه الحدود فتكون قد اتبعت الخبر وإن لم يحتمل فلا تجعل
الشفعة في غيره وقال بعض المشرقيين الشفعة للجار وللشريك إذا كان الجار ملاصقا أو كانت بين الدار
المبيعة والدار التي له فيها الشفعة رحبة ما كانت إذا لم يكن فيها طريق نافذة وإن كان فيها طريق نافذة
وإن ضاقت فلا شفعة للجار قلنا لبعض من يقول هذا القول على أي شئ اعتمدتم؟ قال على الأثر
أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (الجار أحق بسقبه) فقيل له فهذا لا يخالف حديثنا ولكن هذا جملة وحديثنا مفسر
قال وكيف لا يخالف حديثكم؟ قلنا الشريك الذي لم يقاسم يسمى جارا ويسمى المقاسم ويسمى
من بينك وبينه أربعون دارا فلم يجز في هذا الحديث إلا ما قلنا من أنه على بعض الجيران دون بعض
فإذا قلناه لم يجز ذلك لنا على غيرنا إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة دل هذا على أن قوله في الجملة (الجار
أحق بسقبه) على بعض الجيران دون بعض وأنه الجار الذي لم يقاسم، فإن قال وتسمي العرب
الشريك جارا قيل نعم كل من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له جار قال فادللني على هذا قيل له قال
116

حمل بن مالك بن النابغة كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى (1) بمسطح فألقت جنينا ميتا
فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة وقال الأعشى لامرأته:
* أجارتنا بيني فإنك طالقة *
فقيل له فأنت إذا قلت هو خاص على بعض الجيران دون بعض لم تأت فيه بدلالة على النبي صلى الله
عليه وسلم ولم تجعله على من لزمه اسم الجوار وحديث إبراهيم بن ميسرة لا يحتمل إلا أحد المعنيين وقد خالفتهما
معا ثم زعمت أن الدار تباع وبينها وبين دار الرجل رحبة فيها ألف ذراع فأكثر إذا لم يكن فيها طريق نافذة
فيكون فيها الشفعة وإن كانت بينهما طريق نافذة عرضها ذراع لم تجعل فيها الشفعة فجعلت الشفعة لابعد
الجارين ومنعتها أقربهما وزعمت أن من أوصى لجيرانه قسمت وصيته على من كان بين داره وداره أربعون دارا
فكيف لم تجعل الشفعة على ما قسمت عليه الوصية إذا خالفت حديثنا وحديث إبراهيم بن ميسرة الذي
احتججت به؟ قال فهل قال بقولكم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا نعم ولا يضرنا بعد إذ
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقول به أحد قال فمن قال به؟ قيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعثمان رضي الله تعالى عنه وقال بعض التابعين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عليه وغيره، وإذا اشترى
الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه كان يقول هو على شفعته لأنه إنما سلم بأكثر من الثمن وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله تعالى يقول لا شفعة له لأنه قد سلم ورضي (2) أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن
عباس وعن الحكم عن يحيى عن علي أنهما قالا لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن
شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بسقبه ما كان) أبو
حنيفة عن أبي أمية عن المسور بن محرمة أو عن سعد بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار
أحق بسقبه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل النصيب من الدار فقال أخذته بمائة فسلم
ذلك الشفيع ثم علم الشفيع بعد أنه أخذ بأقل من المائة فله حينئذ الشفعة وليس تسليمه بقاطع شفعته إنما
سلمه على ثمن فلما علم ما هو دونه كان له الأخذ بالشفعة ولو علم بعد أن الثمن أكثر من الذي سلمه به لم يكن
له شفعة من قبل أنه إذا سلمه بالأقل كان الأكثر أولى أن يسمه به.
باب المزارعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أعطى الرجل الرجل أرضا مزارعة بالنصف أو الثلث أو
الربع أو أعطى نخلا أو شجرا معاملة بالنصف أو أقل من ذلك أو أكثر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول هذا كله باطلا لأنه استأجره بشئ مجهول يقول أرأيت لو لم يخرج من ذلك شئ أليس كان
عمله ذلك بغير أجر وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك كله جائز بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
أعطى خيبر بالنصف فكانت كذلك حتى قبض وخلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعامة خلافة عمر
وبه يأخذ وإنما قياس هذا عندنا مع الأثر ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا

(1) المسطح كمنبر: عمود الخباء اه‍.
(2) كذا الأسانيد في هذا الموضع من النسخ.
117

بأس بذلك وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعن عبد الله بن مسعود وعن عثمان بن
عفان رضي الله تعالى عنه أنهم أعطوا مالا مضاربة وبلغنا عن سعد بن أبي وقاص وعن ابن مسعود
رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
دفع الرجل إلى الرجل النخل أو العنب يعمل فيه على أن للعامل نصف الثمرة أو ثلثها أو ما تشارطا عليه
من جزء منها فهذه المساقاة الحلال التي عامل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر وإذا دفع
الرجل إلى الرجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شئ فله منه جزء من
الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا المعاملة في
النخل خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمنا المعاملة في الأرض البيضاء خبرا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يكن تحريم ما حرمنا بأوجب علينا من إحلال ما أحللنا ولم يكن لنا أن نطرح
بإحدى سنتيه الأخرى ولا نحرم بما حرم ما أحل كما لا نحل بما أحل ما حرم ولم أر بعض الناس سلم من
خلاف النبي صلى الله عليه وسلم من واحد من الأمرين لا الذي أحلهما جميعا ولا الذي حرمهما جميعا
فأما ما روي عن سعد وابن مسعود أنهما دفعا أرضهما مزارعة فما لا يثبت هو مثله ولا أهل الحديث ولو
ثبت ما كان في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وأما قياسه وما أجاز من النخل والأرض على
المضاربة فعهدنا بأهل الفقه يقيسون ما جاء عمن دون النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم وأما أن يقاس سنة النبي صلى الله عليه وسلم على خبر واحد من الصحابة كأنه
يلتمس أن يثبتها بأن توافق الخبر عن أصحابه فهذا جهل إنما جعل الله عز وجل للخلق كلهم الحاجة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضا يغلط في القياس، إنما أجزنا نحن المضاربة وقد جاءت عن عمر
وعثمان أنها كانت قياسا على المعاملة في النخل فكانت تبعا قياسا لا متبوعة مقيسا عليها، فإن قال قائل
فكيف تشبه المضاربة المساقاة؟ قيل النخل قائمه لرب المال دفعها على أن يعمل فيها المساقي عملا يرجى
به صلاح ثمرها على أن له بعضها فلما كان المال المدفوع قائما لرب المال في يدي من دفع إليه يعمل فيه
عملا يرجو به الفضل جاز له أن يكون له بعض ذلك الفضل على ما تشارطا عليه وكان في مثل المساقاة
فإن قال فلم لا يكون هذا في الأرض؟ قيل الأرض ليست بالتي تصلح فيؤخذ منه الفضل إنما يصلح
فيها شئ من غيرها وليس بشئ قائم يباع ويؤخذ فضله كالمضاربة ولا شئ مثمر بالغ فيؤخذ ثمره
كالنخل وإنما هو شئ يحدث فيها ثم بتصرف لا في معنى واحد من هذين فلا يجوز أن يكون قياسا عليها
وهو مفارق لها في المبتدأ والمتعقب ولو جاز أن يكون قياسا ما جاز أن يقاس شئ نهى عنه النبي صلى الله
عليه وسلم فيحل به شئ حرمه كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفسد للصوم بالجماع رقبة فلم
يقس عليها المفسد للصلاة بالجماع وكل أفسد فرضا بالجماع.
باب الدعوى والصلح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار أو دين أو غير
ذلك فأنكر ذلك المدعى عليه الدعوى ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله
كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى لا يجيز الصلح على الانكار وكان أبو حنيفة يقول
كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الانكار وإذا وقع الاقرار لم يقع الصلح (قال الشافعي)
118

رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه ثم صالح المدعي من دعواه
على شئ وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من
الأثمان الحلال المعروفة فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الانكار كان هذا عوضا
والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا بما تصادقا عليه المعوض والمعوض إلا أن يكون في هذا
أثر يلزم فيكون الأثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وبه أقول وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول الصلح مردود لأن المطلوب متغيب عن
الطالب وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك (قال الشافعي)
رضي الله تعالى عنه وإذا صالح الرجل عن الرجل والمصالح عنه غائب أو أنظره صاحب الحق وهو
غائب فذلك كله جائز ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور لأن هذا ليس من معاني الاكراه
الذي أرده * وإذا صالح الرجل الرجل أو باع بيعا أو أقر بدين فأقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ذلك كله جائز ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول أقبل البينة على الاكراه وأرد ذلك عليه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا كان الاكراه
في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة على الاكراه وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفا فقال
لتقرن أو لأقتلنك فقال أقبل منه البينة على الاكراه وأبطل عنه ذلك الاقرار (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا أكره الرجل الرجل على بيع أو إقرار أو صدقة ثم أقام المكره البينة أنه فعل ذلك كله وهو
مكره أبطلت هذا كله عنه والاكراه ممن كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له
فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطانا كان أو لصا أو خارجيا أو رجلا في صحراء أو في بيت مغلق
على من هو أقوى منه، وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعدما قاما من عند
القاضي وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما إلا عندي (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما عند القاضي في مجلس
الحكم أو غير مجلسه أو علم القاضي فإن ثبت لأحدهما على الآخر حق قبل الحكم أو بعده فالقول فيه
واحد من قولين من قال يقضي القاضي يعلمه لأنه إنما يقضي بشاهدين على أنه عالم في الظاهر أن ما
شهدا به كما شهدا قضى بهذا وكان علمه أولى من شهادة شاهدين وشهود كثيرة لأنه لا يشك في علمه
ويشك في شهادة الشاهدين ومن قال القاضي كرجل من الناس قال إن حكم بينهما لم يكن شاهدا
وكلف الخصم شاهدين غيره وكان حكمه كحكم من لم من لم يسمع شيئا ولم يعلمه وهذا قول شريح قد
جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال ائتني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك قال
أنت تعلم حقي قال فأذهب إلى الأمير فأشهد لك ومن قال هذا قال إن الله عز وجل تعبد الخلق بأن
تؤخذ منهم الحقوق إذا تجاحدوا بعدد بينة فلا تؤخذ بأقل منها ولا تبطل إذا جاءوا بها وليس الحاكم على
يقين من أن ما شهدت به البينة كما شهدت وقد يكون ما هو أقل منها عددا أزكى فلا يقبل وما تم العدد
أنقص من الزكاة فيقبلون إذا وقع عليهم أدنى اسم العدل ولم يجعل للحاكم أن يأخذ بعلمه كما لم يجعل
له أن يأخذ بعلم واحد غيره ولا أن يكون شاهدا حاكما في أمر واحد كما لم يكن له أن يحكم لنفسه لو علم
أن حقه حق (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه يحكم بعلمه لأن علمه أكبر من تأدية
119

الشاهدين الشهادة إليه وإنما كره إظهار ذلك لئلا يكون القاضي غير عدل فيذهب بأموال الناس. وإذا
اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأي القاضي فارتفعا إلى ذلك
القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ينبغي لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم
بينهما وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول حكمه عليهما جائز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اصطلح
الرجلان على أن يحكم الرجل بينهما في شئ يتنازعان فيه فحكم لأحدهما على الآخر فارتفعنا إلى القاضي
فرأى خلاف ما يرى الحكم بينهما فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين إما أن يكون إذا اصطلحا جميعا
على حكمه ثبت القضاء وافق ذلك قضاء القاضي أو خالفه فلا يكون للقاضي أن يرد من حكمه إلا ما
يرد من حكم القاضي غيره من خلاف كتاب أو سنة أو إجماع أو شئ داخل في معناه وإما أن يكون
حكمه بينهما كالفتيا فلا يلزم واحدا منهما شئ فيبتدئ القاضي النظر بينهما كما يبتدئه بين من لم يحاكم
إلى أحد.
باب الصدقة والهبة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت له من مهرها
ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي
عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشئ أو وضعت له من مهرها أو من
دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها
كله، وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوب له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة أو كانت جارية
صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا يرجع
الواهب في شئ من ذلك ولا في كل هبة زادت عند صاحبها خيرا. ألا ترى أنه قد حدث فيها في
ملك الموهوبة له شئ لم يكن في ملك الواهب؟ أرأيت إن ولدت الجارية ولذا كان للواهب أن يرجع
فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط؟ وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك كله وفي
الولد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دارا فزادت الجارية في
يديه أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي
حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم طلقها
أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه
ويقال له إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها
صاحبها ولا يرجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها لأنه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني
ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له لأن حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج
والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف
الجارية إن أراد ذلك، وإذا وهب الرجل جارية لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى كان يقول لا تجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وأن
كان قد أدرك فهذه الهبة جائزة وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
120

وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن
وسواء كان في عياله أو لم يكن وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الأب يجوز لولده ما كانوا صغارا وهذا يدل على أنه لا يجوز لهم
إلا في حال الصغر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها
من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى، وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو
متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز تلك الهبة
إلا أن يقسم لكل واحد منهما منها حصته وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبه يأخذ وإذا وهب اثنان
لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل
لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز
البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبدا لرجل وقبض جازت الهبة، وإذا
كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان
يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبه يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة
مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها جذاذ
عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال
الوارث فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان
ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه
معلومة وهذه جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار بين
رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدي
الواهب فصارت في يدي الموهوبة له لا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى بينه وبينها حتى يكون لا
حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما
كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة، وإذا وهب
الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه كان يقول ذلك جائز ولا يكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان
ابن أبي ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن
يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل الرجل
شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها لثواب
كان فيها الشفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في
قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس
له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا وهب واشترط الثواب فالهبة
باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في
شئ وهبه وهو معنى قول الشافعي، وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهبة له
حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز وبه يأخذ
(قال) ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيته وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من
121

الثلث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى
مات لم يكن للموهوبة له شئ وكانت للورثة الحجاج بن أرطأة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
رضي الله تعالى عنهما قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة. الأعمش عن إبراهيم قال: الصدقة إذا
علمت جازت والهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يأخذ بقول ابن عباس في
الصدقة وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس للواهب أن
يرجع في الهبة إلا قبض منها عوضا قل أو كثر.
باب في الوديعة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتني أن
أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه فالقول قول رب الوديعة والمستودع
ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه
اليمين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها ثم قال
المستودع أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة
وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع
لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة رضي الله
تعالى عنه كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما لأنه أتلف ما
استودع بجهالته. ألا ترى أنه لو قال هذا استودعينها ثم قال أخطأت بل هو هذا كان عليه أن يدفع
الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك لأن قوله أتلفه وكذلك الأول إنما أتلفه هو
بجهلة وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في الأول ليس عليه شئ والوديعة والمضاربة بينهما نصفان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها
له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد والبعير والدار فقال هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل
تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا لا وقال كل وحد منهما هو لي أحلف بالله لا يدري لأيهما هو
ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه أو يحلفا
فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما. وفيها قول آخر يحتمل وهو أن
يحلف الذي في يديه الوديعة ثم تخرج من يديه ولا شئ عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه
ومن قال هذا القول قال هذا شئ ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لأحدهما
لا لهما، وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
هو ضامن لأنه خالف وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت لأن المستودع رضي بأمانته لا
أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره وكان متعديا ضامنا إن تلفت، وإذا مات الرجل وعليه دين
معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول جميع ما ترك بين الغرماء
وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة
لأن الوديعة شئ مجهول ليس بشئ بعينه وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب
122

الوديعة إذا علم وكذلك قال ابن
ليلى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت
وعنده الوديعة وعليه دين أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة. الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر
وعطاء مثل ذلك. الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا
استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر بالوديعة بعينها أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط
بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد أو
قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.
باب في الرهن
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي
عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
الرهن بما فيه وقد بطل الدين وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من
ماله لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
رهن الرجل الرهن فقبضه منه أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه أو في يدي العدل فسواء
الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شئ وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا، وإذا مات الراهن وعليه
دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من
الغرماء وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول الرهن بين الغرماء والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم وإذا
كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد (قال الشافعي) رضي الله
تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين أو يدي غيره فسواء
والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن
نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له يبقي له في مال الميت، وإذا رهن الرجل الرجل دارا ثم
استحق منها شقص وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الرهن باطل لا يجوز
وبهذا يأخذ حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع
لدينه وكان ابن أبي ليلى يقول ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه
وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا رهن
الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن ثم استحق من الدار شئ كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين
الذي كانت الدار به رهنا ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جار أن يكون
رهنا والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن، وإذا وضع
الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى كان يقول للعدل أن يبيع الرهن ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لأبطل الرهن وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول ليس له أن يبيع وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن
ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وضع الراهن الرهن على
يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن
حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان أو برضا الوارث، لأن الميت وإن رضي بأمانته في بيع
123

الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن
الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك
الوارث والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن، وإذا ارتهن الرجل دارا ثم أجرها
بإذن الراهن فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن
يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هي رهن على حالها والغلة للمرتهن
قضاء من حقه (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن
أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن لأنه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا
أن نجعل الكراء رهنا أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن هو المرهون ألا ترى أنه لو باعه
دارا فسكنها أو استغلها ثم ردها بعيب كان السكن والغلة للمشتري ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن
له أن يردها لأن ما أخذ من الدار من أصل البيع والكراء والغلة ليس أصل البيع فلما كان الراهن إنما
رهن رقبة الدار وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء
والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتهن الرجل ثلث دار أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز ما جاز أن
يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن وإذا رهن الرجل الرجل دارا أو دابة
فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة أو الدار أن ينتفع بالدار أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له
من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن لأنه شئ يملكه
الراهن دون المرتهن وإذا كان شئ لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الأصل ثم أذن له في الانتفاع بما لم
يرهن لم ينفسخ الرهن ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن.
باب الحوالة والكفالة في الدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ
الذي أحاله لأنه قد أبرأه وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيهما
جميعا لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به
على الذي عليه الأصل، وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما
جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن
يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت
الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له ولو كانت حوالة
فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما
تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال، وإذا أخذ الرجل من
الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هما كفيلان
جميعا وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول قد برئ الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر (قال
الشافعي) وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرئ الأول
124

فكلاهما كفيل بنفسه، وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول هو له ضامن وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك لأنه ضمن
شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شئ وما
كان لك عليه من حق وما شهد من الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضي على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا
فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشئ من قبل أنه قد يقضي له ولا يقضي له ويشهد له ولا يشهد له فلا
يلزمه شئ مما شهد له بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن
فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة، وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا
شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان على الكفيل لأن الدين قد توى
وكان ابن أبي ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن
الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به، (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا ضمن الرجل دين الميت بعد ما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم
يترك، وإذ كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول كفالته باطلة لأنها
معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول كفالته جائزة لأنها من التجارة، وإذا
أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال
عليه ولا يترك مالا وكان ابن أبي ليلى يقول له: أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كفل العبد
المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال وإذا كنا نمنعه أن
يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل أو كثر، وإذا وكل
الرجل رجلا في شئ فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ليس
له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يوكل
غيره إذا أراد أن يغيب أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وكيف
يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضي بخصومته (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها
لأن الموكل له رضي بوكالته ولم يرض بوكالة غيره فإن قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا
الموكل، وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن
تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عند القاضي فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان
يقول إقراره جائز وبه يأخذ قال وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من
الخصومة وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه وكان ابن أبي ليلى يقول إقراره باطل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه
ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرئ ولا يهب ولا يصالح فإن فعل فما فعل من
ذلك كله باطل لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله، وإذا وكل رجل رجلا في قصاص أو حد
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة
قال أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر
125

المدعي وقال أبو يوسف لا أقبل البينة إلا من المدعي ولا أقبل في ذلك وكيلا وكان ابن أبي ليلى يقول
تقبل في ذلك الوكالة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو
قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة، وإذا حضر الحد والقصاص لم أحده ولم أقتص
حتى يحضر المحدود له والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص
ويعفو، وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلني بها فلان لرجل
غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة
وأجعله خصما وبه يأخذ، وقال أبو يوسف رحمه الله بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته
خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة
وكان ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه
ليست لي هي في يدي وديعة أو هي على بكراء أو أنا فيها وكيل فمن قضى على الغائب سمع من المدعي
البينة وأحضر الذي هي في يديه فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها
البينة وكتب في القضاء إني قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض
على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء أو وديعة لم
يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما. (قال الربيع) وحفظي عن الشافعي رحمه الله
تعالى أنه يقضي على الغائب، قال وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال قد وكلني بقبضه
منك فلان فقال الذي عليه المال صدقت، فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أجبره على أن
يعطيه إياه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة عليه وأقول أنت أعلم
فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان للرجل على الرجل مال
وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن
يدفعه إليه فإن دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله أو تقوم عليه بينة بذلك وكذلك لو
ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه وذلك
أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره، وإذا وكل الرجل رجلا في شئ فإن أبا
حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ وكان ابن أبي
ليلى يقول نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم وقد كان أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا
جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته
وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وكل الرجل الرجل
عند القاضي بشئ أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم أو لم يحضر وليس
الخصم من هذا بسبيل وإنما أثبت له الوكالة على الموكل وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شئ وقد
يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل،
وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يجوز بيعه لأنه لم
يوكله بالبيع إلا أن يقول ما صنعت من شئ فهو جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا وكله في
كل قليل وكثير فباع دارا أو غير ذلك كان جائزا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا شهد الرجل لرجل أنه
وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل
126

والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه
المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو
غير ذلك، وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنفية رحمه الله كان يقول لا أقبل
إلا أن يرضى الخصم وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله
وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره وقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان رضي الله عنه وكان يوكل
قبل عند الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولعل عند أبي بكر رضي الله عنه (قال الشافعي) رحمه الله وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه
يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها.
باب في الدين
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان على الرجل دين وكان عنده وديعة غير معلومة بعينها فإن
أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ما ترك الرجل فهو بين الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ليس لصاحب الوديعة شئ لا أن يعرف وديعته بعينها فتكون له خاصة
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت قد هلكت ألا ترى أنه لم يعلم لها
سبيل ذهبت فيه وكذلك كل مال أصله أمانة وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان عند
الرجل وديعة بعينها وكانت على ديون فالوديعة لرب الوديعة لا تدخل عليه الغرماء فيها ولو كانت بغير
عينها مثل دنانير ودراهم وما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء إلا أن يقول المستودع الميت قبل
أن يموت قد هلكت الوديعة فيكون القول قوله لأنه أمين. وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه
بدين وعليه دين بشهود في صحته وليس له وفاء فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول يبدأ
بالدين المعروف الذي في صحته فإن فضل عنهم شئ كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص ألا ترى
أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئا ولا تجوز وصيته فيه لما عليه من الدين فكذلك إقراره له وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هو مصدق فيما أقر به والذي أقر له في الصحة والمرض سواء (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت على الرجل ديون معروفة من بيوع أو جنايات أو شئ استهلكه أو
شئ أقر به وهذا كله في الصحة ثم مرض فأقر بحق لانسان فذلك كله سواء ويتحاصون معا لا يقدم
واحد على الآخر ولا يجوز أن يقال فيه إلا هذا والله تعالى أعلم أو أن يقول رجل إذ مرض فإقراره باطل
كإقرار المحجور عليه فأما أن يزعم أن إقراره يلزمه ثم لا يحاص به غرماؤه فهذا تحكم وذلك أن يبدأ
بدين الصحة وإقرار الصحة فإن كان عليه دين في المرض ببينة حاص وإن لم يكن ببينة لم يحاص وإذا
فرع الرجل أهل دين الصحة ودين المرض بالبينة لم تجز له وصية ولم يورث حتى يأخذ هذا حقه فهذا
دين مرة يبدأ على المواريث والوصايا وغير دين إذا صار لا يحاص به. وإذا استدانت المرأة وروجها
غائب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته ثم رجع
عن ذلك فقال لا شئ لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة وكان ابن أبي ليلى لا يفرض لها
نفقة إلا فيما يستقبل وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله وإذا غاب الرجل
127

عن امرأته فلم ينفق عليه فرضت عليه النفقة لما مضى منذ ترك النفقة عليها إلى أن أنفق ولا يجوز أن
يكون لو كان حاضرا ألزمناه نفقتها وبعنا لها في ماله ثم يغيب عنها أو يمنعها النفقة ولا نجعل لها عليه دينا
لأن الظلم إذا يقطع الحق الثابت والظلم لا يقطع حقا والذي يزعم أنه يفرض عليه نفقتها في الغيبة يزعم
أنه لا يقضي على غائب إلا زوجها فإنه يفرض عليه نفقتها وهو غائب فيخرجها من ماله فيدفعها إليها
فيجعلها أوكد من حقوق الناس مرة في هذا ثم يطرحها بغيبته إن لم تقم عليه وهو لا يطرح حقا بترك
صاحبه القيام عليه ويعجب من قول أصحابنا في الحيازة ويقول الحق جديد والترك غير خروج من الحق
ثم يجعل الحيازة في النفقة. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا
عن نسائهم فأمرهم بأن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا (قال الشافعي)
رحمه الله وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفوا
حكم عمر ويزعمون أنهم لا يقبلون من أحد ترك القياس وقد تركوه وقالوا فيه قولا متناقضا. وإذا كان
لرجل على رجل مال وله عليه مثله فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو قصاص وبه يأخذ وكان
ابن أبي ليلى يقول لا يكون قصاصا إلا أن يتراضيا به فإن كان لأحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك
لم يكن ذلك قصاصا في قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان لرجل على رجل مال وله
عليه مثله لا يختلفان في وزن ولا عدد وكانا حالين معا فهو قصاص فإن كانا مختلفين لم يكن قصاص إلا
بتراض ولم يكن التراضي جائزا إلا بما تحل به البيوع. وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء بذلك الدين
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول يستوفي الغريم من ذلك الوارث المقر جميع ماله من نصيبه لأنه
لا ميراث له حتى يقضي الدين وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إنما يدخل عليه من الدين بقدر
نصيبه من الميراث فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف وإن كانوا ثلاثة دخل عليه الثلث والشاهد
عنده منهم وحده بمنزلة المقر وإن كانا اثنين جازت شهادتهما في جميع الميراث في قولهما جميعا إذا كانا
عدلين فإن لم يكونا عدلين كان ذلك في أنصبائهما على ما فسرنا من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى (قال
الشافعي) رضي الله تعالى عنه إذا مات الرجل وترك ابنين غير عدلين فأقر أحدهما على أبيه بدين فقد
قال بعض أصحابنا للغريم المقر له أن يأخذ من المقر مثل الذي كان يصيبه مما في يديه لو أقر به الآخر
وذلك النصف من دينه مما في يديه وقال غيرهم يأخذ جميع ماله من هذا فمتى أقر له الآخر رجع
المأخوذ من يديه على الوارث معه فيقاسمه حتى يكونا في الميراث سواء. وإذا كتب الرجل بقرض في
ذكر حق ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول آخذه به وإقراره على
نفسه بالقرض أصدق من دعواه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة وهو
فيه أمين (قال الشافعي) رحمه الله وإذا أقر الرجل أن للرجل عليه ألف درهم سلفا ثم جاء بالبينة أنها
مقارضة سئل الذي له السلف فإن قال نعم هي مقارضة أردت أن يكون له ضامنا أبطلنا عنه السلف
وجعلناها مقارضة وإن لم يقر بهذا رب المال وادعاه المشهود له أحلفناه فإن حلف كانت له عليه دينا
وكان إقراره على نفسه أولى من شهود شهدوا له بأمر قد يمكن أن يكونوا صدقوا فيه ويكون أصلها
مقارضة تعدى فيها فضمن أو يكونوا كذبوا، وإذا أقام الرجل على الرجل البينة
بمال في ذكر حق من شئ جائز فأقام الذي عليه الدين البينة أنه من ربا وأنه قد أقر أنه قد
كتب ذكر حق من شئ جائز فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقبل منه
128

المخرج ويلزمه المال بإقراره أنه ثمن شئ جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقبل منه البينة على ذلك
ويرده إلى رأس المال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بألف درهم
فأقام الذي عليه الألف البينة أنها من ربا فإن شهدت البينة على أصل بيع ربا سئل الذي له الألف هل
كان ما قالوا من البيع (1) فإن قالوا لم يكن بينه وبينه بيع ربا قط ولا له حق عليه من وجه من الوجوه
إلا هذه الألف وهي من بيع صحيح قبلت البينة عليه وأبطلت الربا كائنا ما كان ورددته إلا رأس ماله
وإن امتنع من أن يقر بها أحلفته له فإن حلف لزمت الغريم الألف وهي في مثل معنى المسألة قبلها لأنه
قد يمكن أن يكون أربى عليه في الألف ويكون له ألف غيرها. وإذا أقر الرجل بمال في ذكر حق من
بيع ثم قال بعد ذلك لم أقبض المبيع ولم تشهد عليه بينة بقبضه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول
المال له لازم ولا ألتفت إلى قوله وكان ابن أبي ليلى يقول لا يلزمه شئ من المال حتى يأتي الطالب
بالبينة أنه قد قبض المتاع الذي به عليه ذكر الحق وقال أبو يوسف رحمه الله أسأل الذي له الحق أبعت
هذا؟ فإن قال نعم قلت فأقم البينة على أنك قد وفيته متاعه فإن قال الطالب لم أبعه شيئا لزمه المال
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا جاء بذكر حق وبينة على رجل أن عليه ألف درهم من ثمن متاع أو
ما كان فقال الذي عليه البينة إنه باعني هذا المتاع ولم أقبضه كلفت الذي له الحق بينة أنه قد قبضه أو
أقر بقبضه فإن لم يأت بها أحلفت الذي عليه الحق ما قبضت المتاع الذي هذه الألف ثمنه ثم أبرأته من
هذه الألف وذلك أن الرجل يشتري من الرجل الشئ فيجب عليه ثمنه بتسليم البائع ما اشترى منه
ويسقط عنه الثمن بهلاك الشئ قبل أن يقبضه ولا يلزمه أن يكون دافعا للثمن إلا بأن يدفع السلعة إليه
ولو كان الذي له الألف أتى بذكر حق وبشاهدين يشهدان أن عليه ألف درهم من ثمن متاع اشتراه منه
ثم قال المشهود عليه لم أقبضه سئل المشهود له بالألف فإن قال هذه الألف من ثمن متاع بعته إياه
وقبضه كلف البينة على أنه قبضه وكان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها وإن قال قد أقر لي بالألف
فخذه لي بإقراره أخذته له به وأحلفته على دعوى المشهود عليه، وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف
درهم وجاء عليه بالبينة فشهد أحد شاهديه بالألف وشهد الآخر بألفين فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول لا شهادة لهما لأنهما قد اختلفا وكان ابن أبي ليلى يجيز من ذلك ألف درهم ويقضي بها
للطالب وبه يأخذ ولو شهد أحدهما بألف وشهد الآخر بألف وخمسمائة كانت الألف جائزة في قولهما
جميعا وإنما أجاز هذا أبو حنيفة لأنه كان يقول قد سمى الشاهدان جميعا ألفا وقال الآخر خمسمائة
فصارت هذه مفصولة من الألف (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم
وجاء عليه بشاهدين شهد له أحدهما بألف والآخر بألفين سألتهما فإن زعما أنهما شهدا بها عليه بإقراره أو
زعم الذي شهد بألف أنه شك في الألفين وأثبت الألف فقد ثبت عليه الألف بشاهدين إن أراد أخذها
بلا يمين وإن أراد الألف الأخرى التي له عليها شاهد واحد أخذها بيمين مع شاهد وإن كانا اختلفا
فقال الذي شهد بالألفين شهدت بهما عليه من ثمن عبد قبضه وقال الذي شهد عليه بألف شهدت بها
عليه من ثمن ثياب قبضها فقد بينا أن أصل الحقين مختلف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما فإن
أحب حلف معهما وإن أحب حلف مع أحدهما وترك الآخر إذا ادعى ما قالا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وسواء ألفين أو ألفا وخمسمائة، وإذا شهد الرجل على شهادة رجل وشهد آخر على شهادة

(1) قوله: فإن قالوا لم يكن إلى آخر الفرع، كذا في النسخ، وتأمله.
129

نفسه في دين أو شراء أو بيع فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا تجوز شهادة شاهد على شهادة
شاهد ولا يقبل عليه إلا شاهدان وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل شهادة شاهد على شهادة شاهد وكذلك بلغنا عن شريح وإبراهيم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين لم أقبل على كل شاهد لا شهادة
شاهدين معا (قال الربيع) من قبل أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهد لم يحكم بها الحاكم إلا
بشاهد آخر فلما شهدا على شهادة الشاهد الآخر كانا إنما جرا إلى أنفسها إجازة شهادتهما الأولى التي
أبطلها الحاكم فلم نجز إلا شهادة شاهدين على كل شاهد، وإذا شهد الشهود على دار أنها لفلان مات
وتركها ميراثا بين فلان وفلان فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول إن شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا
غير هؤلاء جازت الشهادة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز شهادتهم إذا قالوا لا نعلم له وارثا
غير هؤلاء حتى يثبتوا ذلك فيقولوا لا وارث له غيرهم. وإذا وارث غيرهم ببينة أدخله معهم في الميراث
ولم تبطل شهادة الأولين في قولهما (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا شهد الشهود أن هذه الدار دار
فلان ما ت وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا إلا فلان وفلان قبل القاضي شهادتهم فإن كان الشاهدان من
أهل المعرفة الباطنة به قضى لهم بالميراث وإن جاء ورثة غيرهم أدخلتهم عليهم وكذلك لو جاء أهل
وصية أو دين فإن كانوا من غير أهل المعرفة الباطنة بالميت احتاط القاضي فسأل أهل المعرفة فقال هل
تعلمون له وارثا غيرهم؟ فإن قالوا نعم قد بلغنا فإنا لا نقسم الميراث حتى نعلم كم هم فنقسمه عليهم فإن
تطاول أن يثبت ذلك دعا القاضي الوارث بكفيل بالمال ودفعه إليه ولم يجبره إن لم يأت بكفيل ولو قال
الشهود لا وارث له غيرهم قبلته على معنى لا نعلم ولو قالوا ذلك على الإحاطة لم يكن هذا صوابا منهم
ولم يكن فيه ما رد شهادتهم لأن الشهادة على البت تؤول إلى العلم. وإذا شهد الشهود على زنا قديم أو
سرقة قديمة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول يدرأ الحد في ذلك ويقضي بالمال وينظر في المهر لأنه
قد وطئ فإذا لم يقم الحد بالوطئ فلا بد من مهر وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه قال أيما قوم
شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول أقبل شهادتهم وأمضى الحد فأما السكران فإن أتى به وهو غير سكران فلا حد عليه وإن
كان أخذ وهو سكران فلم يرتفع إلى الوالي حتى ذهب السكر عنه إلا أنه في يدي الشرط أو عامل الوالي
فإنه يحد (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد الشهود على حد لله أو للناس أو حد فيه شئ لله عز
وجل وللناس مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وأثبتوا الشهادة على المشهود عليه أنها بعد بلوغه في حال
يعقل فيها أقيم عليه الحد ذلك الحد إلا أن يحدث بعده توبة فيلزمه ما للناس ويسقط عنه ما لله قياسا
على قول الله عز وجل في المحاربين (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) الآية فما كان من حد لله
باب صاحبه من قبل أن يقدر عليه سقط عنه والتوبة مما كان ذنبا بالكلام مثل القذف وما أشبهه الكلام
بالرجوع عن ذلك والنزوع عنه والتوبة مما كان ذنبا بالفعل مثل الزنا وما أشبهه فبترك الفعل مدة يختبر
فيها حتى يكون ذلك معروفا وإنما يخرج من الشئ بترك الذي به فيه (قال الربيع) للشافعي فيها
قول آخر أنه يقام عليه الحد وإن تاب لأن الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالحد لم يأته إن
شاء الله تعالى إلا تائبا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه وليس طرح الحدود التي لله عز وجل إلا
في المحاربين خاصة فأما ما كان للآدميين فإنهم إن كانوا قتلوا فأولياء الدم مخيرون في قتلهم أو أخذ الدية
أو أن يعفوا وإن كانوا أخذوا المال أخذ منهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد الشهود عند
130

القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا بزور وقال أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا
وأنهم قوم فساق فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقبل الجرح على مثل هذا وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقبله فأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا
وحفظي عن أبي يوسف أنه قال بعد يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به (قال الشافعي) رضي الله عنه
وإذا شهد الشهود على الرجل بشهادة فعدلوا انبغى للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود
عليه ويمكنه من جرحهم فإن جاء بجرحتهم قبلها وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ويقبل في جرحتهم
أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا فيها عليه وإن كانوا عدولا ويقبل جرحتهم بما تجرح به
الشهود من الفسق وغيره وينبغي أن يقف الشهود على جرحتهم ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما
يجرحون به مما يراه هو جرحا فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا جرح في مثله فلا يقبل
حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل، وإذا شهد الوصي للوارث
الكبير على الميت بدين أو صدقة في دار أو هبة أو شراء فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا تجوز ذلك
وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل فأوصى
إلى رجل فشهد الوصي لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد أو أجنبي أو وارث يليه غير الوصي فشهادته
جائزة وليس فيها شئ ترد له وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا شهد الوصي على غير
الميت للوارث الكبير بشئ له خاصة فشهادته جائزة في قولهما جميعا (قال الشافعي) وكذلك إذا شهد
لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا ادعى رجل دينا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر
على وصية ودين لرجل عليه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول شهادتهم جائزة لأن الغريم يضر
نفسه بشهادته وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز شهادته وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم
لبعض لم تجز لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم وقال أبو يوسف أصحاب الوصايا والغرماء سواء لا
تجوز شهادة بعضهم لبعض (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه وإذا كان لرجل دين ببينة على ميت ثم
شهد هو وآخر معه لرجل بوصية فشهادتهما جائزة ولا شئ فيها مما ترد له إنما ترد بأن يجرا إلى أنفسهما بها
وهذان لم يجرا إلى أنفسهما بها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم
لبعض لم يجز لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم، وإذا شهد الرجل لامرأته فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول لا تجوز شهادته لها وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول شهادته
لها جائزة (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه ترد شهادة الرجل لوالديه وأجداده وإن يعدوا من قبل
أبيه وأمه ولولده وإن سفلوا ولا ترد لأحد سواهم زوجة ولا أخ ولا عم ولا خال، وإذا شهد الرجل
على شهادة وهو صحيح البصر ثم عمى فذهب بصره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز
شهادته تلك إذا شهد بها بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رد شهادة أعمى شهد عنده وكان
ابن أبي ليلى يقول شهادته جائزة وبه يأخذ إذا كان شئ لا يحتاج أن يقف عليه (قال الشافعي) رحمه
الله وإذا شهد الرجل وهو بصير ثم أدى الشهادة وهو أعمى جازت شهادته من قبل أن أكثر ما في
الشهادة السمع والبصر وكلاهما كان فيه يوم شهد فإن قال قائل ليسا فيه يوم يشهد قيل إنما احتجنا إلى
الشهادة يوم كانت فأما يوم تقام فإنما هي تعاد بحكم شئ قد أثبته بصيرا ولو رددناها إذا لم يكن بصيرا
لأنه لا يرى المشهود عليه حين يشهد لزمنا أن لا نجيز شهادة بصير على ميت ولا على غائب لأن الشاهد
لا يرى الميت ولا الغائب والذي يزعم أنه لا يجيز شهادته بعد العمى وقد أثبتها بصيرا يجيز شهادة البصير
131

على الميت والغائب، وإذا أقر الرجل بالزنا أربع مرات في مقام واحد عند القاضي فإن أبا حنيفة رحمه
الله كان يقول هذا عندي بمنزلة مرة واحدة ولا حد عليه في هذا وبه يأخذ بلغنا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن ماعز بن مالك أتاه فأقر عنده بالزنا فرده ثم أتاه الثانية فأقر عنده فرده ثم أتاه الثالثة فأقر
عنده فرده ثم أتاه الرابعة فأقر عنده فسأل قومه هل تنكرون من عقله شيئا قالوا لا فأمر به فرجم وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقيم الحد إذا أقر أربع مرات في مقام واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا أقر الرجل بالزنا ووصفه الصفة التي توجب الحد في مجلس أربع مرات فسواء هو والذي أقر به في
مجالس متفرقة إن كنا إنما احتجنا إلى أن يقر أربع مرات قياسا على أربعة شهود فالذي لم يقم عليه في
أربع مرات في مقام واحد وأقامها عليه في أربع مرات في مقامات مختلفة ترك أصل قوله لأنه يزعم أن
الشهود الأربعة لا يقبلون إلا في مقام واحد (قال) ولو تفرقوا حدهم فكان ينبغي له أن يقول الاقرار
أربع مرات في مقام أثبت منه في أربعة مقامات فإن قال إنما أخذت بحديث ماعز فليس حديث ماعز
كما وصف ولو كان وصف أن ماعزا أقر في أربعة أمكنة متفرقة أربع مرات ما كان قبول إقراره في
مجلس أربع مرات خلافا لهذا لأنا لم ننظر إلى المجالس إنما نظرنا إلى اللفظ وليس الأمر كما قالا جميعا
وإقراره مرة عند الحاكم يوجب الحد إذا ثبت عليه حتى يرجم ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه
وسلم (أغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) وحديث ماعز يدل حين سأل أبه جنة أنه رده
أربع مرات لانكار عقله، وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات فإن أبا حنيفة رضي الله
تعالى عنه كان لا يرى ذلك شيئا ولا يحده وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا قامت عليه الشهود
بذلك أحده (قال الشافعي) رضي الله عنه: وإذا أقر الرجل عند غير قاض بالزنا فينبغي للقاضي أن
لا يرجمه حتى يقر عنده وذلك أنه يقر عنده ويقضي برجمه فيرجع فيقبل رجوعه فإذا كان أصل القول
في الاقرار هكذا لم ينبغ أن يرجمه حتى يقر عنده وينبغي إذا بعث به ليرجم أن يقول لهم متى رجع
فاتركوه بعد وقوع الحجارة وقبلها وما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز (فهلا تركتموه؟) إلا بعد
وقوع الحجارة، وإذا رجع الرجل عن شهادته بالزنا وقد رجم صاحبه بها فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول يضرب الحد ويغرم ربع الدية وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول أقتله فإن رجعوا أربعتهم
قتلتهم ولا نغرمهم الدية فإن رجع ثلاثة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى: ضربوا الحد وغرم كل
واحد منهم ربع الدية (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم فرجع
أحدهم عن شهادته سأله القاضي عن رجوعه فإن قال عمدت أن أشهد بزور قال له القاضي علمت
أنك إذا شهدت مع غير ك قتل؟ فإن قال نعم دفعه إلى أولياء المقتول فإن شاءوا وقتلوا وإن شاءوا عفوا
فإن قالوا نترك القتل ونأخذ الدية كان لهم عليه ربع الدية وعليه الحد في هذا كله وإن قال شهدت ولا
أعلم ما يكون عليه القتل أو غيره أحلف ما عمد القتل وكان عليه ربع الدية والحد وهكذا الشهود معه
كلهم إذا رجعوا، وإذا شهد الشهود عند القاضي على عبد وحلوه ووصفوه وهو في بلدة أخرى فكتب
القاضي شهادتهم على ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقبل ذلك ولا أدفع إليه العبد
لأن الحلية قد توافق الحلية وهو ينتفع بالعبد حتى يأتي به إلى القاضي الذي كتب له أرأيت لو كانت
جارية جميلة والرجل غير أمين أكنت أبعث بها معه؟ وكان ابن أبي ليلى يختم في عنق العبد ويأخذ من
الذي جاء بالكتاب كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي فإذا جاءه العبد والكتاب الثاني دعا الشهود فإن
شهدوا أنه عبده أبرأ كفيله وقضى بالعبد أنه له وكتب له بذلك كتابا إلى القاضي الذي أخذ منه الكفيل
132

حتى يبرئ كفيله وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا شهد الشهود لرجل على دابة غائبة
فوصفوها وحلوها فالقياس أن لا يكلف صاحب الدابة أن يدفعها من قبل أن الحلية قد تشبه الحلية
وإذا ختم القاضي الذي هو ببلده في عنقها وبعث بها إلى القاضي المشهود عنده فإن زعم أن ضمانها من
الذي هي في يده فقد أخرجها من يديه ولم يبرئه من ضمانها ويقطع عنه منفعتها إلى البلد الذي تصير
إليه فإن لم يثبت عليه الشهود أو ماتوا قبل أن تصل إلى ذلك البلد فردت إليه كان قد انقطعت منفعتها
عنه ولم يعط لها إجارة عوضت تلفا غير مضمون له ولو جعل ضمانها من المدفوعة له وجعل عليه
كراءها في مغيبها إن ردت كان قد ألزم ضمانها وإنما يضمن المتعدي وهذا لم يتعد وإنما ذهب ابن أبي
ليلى وغيره ممن ذهب مذهبه إلى أن قال لا سبيل إلى أخذ هذه الدابة إلا بأن يؤتى بها إلى الشهود أو
يذهب بالشهود إليها وليس على الشهود أن يكلفوا الذهاب من بلدانهم والآتيان بالدابة أخف ولرب
الدابة في الدابة مثل ما للشهود في أنفسهم من أن لا يكلف الخروج بشئ لم يستحق عليه وهكذا العبد
مثل الدابة وجميع الحيوان، وإذا شهد الرجل من أهل الكوفة شهادة بعدل بمكة وكتب بها قاضي
مكة إلى قاضي مصر في مصر غير مصره بالشهادة وزكى هناك وكتب بذلك إلى قاضي الكوفة فشهد قوم
من أهل الكوفة أن هذا الشاهد فاسق فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول شهادتهم لا تقبل عليه أنه
فاسق وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ترد شهادته ويقبل قولهم وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا ينبغي
للقاضي أن يفعل ذلك لأنه قد غاب عن الكوفة سنين فلا يدري ما أحدث ولعله قد تاب (قال
الشافعي) رضي الله عنه: وإذا شهد الرجلان من أهل مصر بشهادة فعدلا بمكة وكتب قاضي مكة إلى
قاضي مصر فسأل المشهود عليه قاضي مصر أن يأتيه بشهود على جرحهما فإن كان جرحهما بعداوة أو ظنة
أو ما ترد به شهادة العدل قبل ذلك منه وردهما عنه وإن جرحهما بسوء حال في أنفسها نظر إلى المدة التي
قد زايلا فيها مصر وصارا بها إلى مكة فإن كانت مدة تتغير الحال في مثلها التغير الذي لو كانا بمصرهما
مجروحين فتغيرا إليها قبلت شهادتهما قبل القاضي شهادتهما ولم يلتفت إلى الجرح لأن الجرح متقدم وقد
حدثت لهما حال بعد الجرح صارا بها غير مجروحين وإن لم تكن أتت عليهما مدة تقبل فيها شهادتهما إذا
تغيرا قبل عليهما الجرح وكان أهل بلدهما أعلم بهما ممن عدلهما غريبا أو من أهل بلدهما لأن الجرح أولى من
التعديل (قال الشافعي) رحمه الله: قال الله عز وجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال (ممن
ترضون من الشهداء) (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد أنه قال عدلان حران مسلمان ثم لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن هذا معنى الآية وإذا
لم يختلفوا فقد زعموا أن الشهادة لا تتم إلا بأربع أن يكون الشاهدان حرين مسلمين عدلين بالغين وأن
عبدا لو كان مسلما عدلا لم تجز شهادته بأنه ناقص الحرية وهي أحد الشروط الأربعة فإذا زعموا هذا
فنقص الاسلام أولى أن لا تجوز معه الشهادة من نقص الحرية فإن زعموا أن هذه الآية التي جمعت
هذه الأربع الخصال حتم أن لا يجوز من الشهود إلا من كانت فيه هذه الخصال الأربعة المجتمعة فقد
خالفوا ما زعموا من معنى كتاب الله حين أجازوا شهادة كافر بحال وإن زعموا أنها دلالة وأنها غير مانعة
أن يجوز غير من جمع هذه الشروط الأربعة فقد ظلموا من أجاز شهادة العبيد وقد سألتهم فكان أعلى
من زعموا أنه أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض. شريح وقد أجاز شريح شهادة العبيد فقال
له المشهود عليه أتجيز على شهادة عبد؟ فقال قم فكلكم سواء عبيد وإماء فإن زعم أنه يخالف شريحا
لقول أهل التفسير أن في الآية شرط الحرية فليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها وفي الآية
133

بيان شرط الاسلام فلم وافق شريحا مرة وخالفه أخرى وقد كتبنا هذا في كتاب الأقضية ولا تجوز شهادة
ذكر ولا أنثى في شئ من الدنيا لأحد ولا على أحد حتى يكون بالغا عاقلا حرا مسلما عدلا ولا تجوز
شهادة ذمي ولا من خالف ما وصفنا بوجه من الوجوه. وإذا شهد الشاهدان من اليهود على رجل من
النصارى وشهد شاهدان من النصارى على رجل من اليهود فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول
ذلك جائز لأن الكفر كله ملة واحدة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك ويقول لأنهما ملتان
مختلفتان وكان أبو حنيفة يورث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي ويقول أهل الكفر بعضهم
من بعض وإن اختلفت مللهم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى لا يورث بعضهم من بعض (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تحاكم أهل الملل إلينا فحكمنا بينهم لم يورث مسلما من كافر ولا كافرا من
مسلم وورثنا الكفار بعضهم من بعض فنورث اليهودي النصراني والنصراني اليهودي ونجعل الكفر ملة
واحدة كما جعلنا الاسلام ملة لأن الأصل إنما هو إيمان أو كفر، وإذا شهد الشهود عند قاضي الكوفة
على عبد وحلوه ووصفوه أنه لرجل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا أكتب له وقال ابن أبي ليلى
أكتب شهادتهم إلى قاضي البلد الذي فيه العبد فيجمع القاضي الذي العبد في بلده بين الذي جاء
بالكتاب وبين الذي عنده العبد فإن كان للذي عنده العبد حجة وإلا بعث بالعبد مع الرجل الذي جاء
بالكتاب مختوما في عنقه وأخذ منه كفيلا بقيمته ويكتب إلى القاضي بجواب كتابه بذلك فيجمع قاضي
الكوفة بين البينة وبين العبد حتى يشهدوا عليه بعينه ثم يرده مع الذي جاء به إلى قاضي البلد الذي كان
فيه العبد حتى يجمع بينه وبين خصمه ثم يمضي عليه القضاء ويبرأ كفيله وبه يأخذ قال أبو يوسف رحمه
الله تعالى ما لم تجئ تهمة أو أمر يستريبه من الغلام، وإذا سافر الرجل المسلم فحضره الموت فأشهد على
وصيته رجلين من أهل الكتاب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تجوز شهادتهما وبه يأخذ
لقول الله عز وجل (وأشهدوا ذي عدل منكم) وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك جائز (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا سافر المسلم فأشهد على وصيته ذميين لم نقبلهما لما وصفنا من شرط الله عز وجل
في الشهود وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى على شاهد الزور تعزيرا غير أنه يبعث به إلى سوقه إن
كان سوقيا وإلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول القاضي يقرئكم السلام ويقول إنا وجدنا هذا
شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس وذكر ذلك أبو حنيفة عن القاسم عن شريح وكان ابن أبي ليلى
يقول عليه التعزير ولا يبعث به ويضربه خمسة وسبعين سوطا قال أبو يوسف رحمه الله أعزره ولا أبلغ به
أربعين سوطا ويطاف وبه وقال أبو يوسف بعد ذلك أبلغ به خمسة وسبعين سوطا (قال الشافعي) رحمه
الله وإذا أقر الرجل بأن قد شهد بزور أو علم القاضي يقينا أنه قد شهد بزور عزره ولا يبلغ به أربعين
ويشهر بأمره فإن كان من أهل المسجد وقفه في المسجد وإن كان من أهل القبيلة وقفه في قبيلته وإن كان
سوقيا وقفه في سوقه وقال إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه وأحذروه وإذا أمكن بحال أن لا يكون
شاهد زور أو شبه عليه بما يغلط به مثله قيل له لا تقدمن على شهادة إلا بعد إثبات ولم يعزره وإذا شهد
شاهدان لرجل على رجل بحق فأكذبهما المشهود له ردت شهادتهما لأنه أبطل حقه في شهادتهما ولم
يعزرا ولا واحد منهما لأنا لا ندري أيهما الكاذب فأما الأولان فقد يمكن أن يكونا صادقين والذي
أكذبهما كاذب فإذا أمكن أن يصدق أحدهما ويكذب الآخر لم يعزر واحد منهما من قبل أنا لا ندري
أيهما الكاذب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكذلك لو شهد رجلان لرجل بأكثر مما ادعى لم يعزرا
لأنه قد يمكن أن يكونا صادقين، وإذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي شهدا فيه فإن أبا حنيفة
134

رضي الله عنه كان يقول لا نعزرهما ويقول لأني لا أدري أيهما الصادق من الكاذب إذا كانا شهدا على
فعل فإن كانا شهدا على إقرار فإنه كان يقول لا أدري لعلهما صادقان جميعا وإن اختلفا في الاقرار وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما وكذلك لو خالف المدعي الشاهدين في
قول أبي حنيفة رحمه الله فشهدا بأكثر مما ادعى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا نضربهما ونتهم
المدعى عليهما وكان ابن أبي ليلى ربما عزرهما وضربهما وربما لم يفعل (قال الشافعي) رضي الله عنه لا
نعزرهما إذا أمكن صدقهما، وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا
يسأل عن الشاهد وكان ابن أبي ليلى يقول يسأل عنه وبهذا يأخذ، وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يجيز
شهادة الصبيان بعضهم على بعض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يجيز شهادة الصبيان بعضهم على
بعض. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولا يقبل القاضي شهادة شاهد حتى يعرف عدله طعن فيه
الخصم أو لم يطعن ولا تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح ولا غيرها قبل أن يتفرقوا ولا
بعد أن يتفرقوا لأنهم ليسوا من شرط الله الذي شرطه في قوله (ممن ترضون من الشهداء) وهذا قول ابن
عباس رضي الله عنهما وخالفه ابن الزبير وقال نجيز شهادتهم إذا لم يتفرقوا وقول ابن عباس رضي الله عنه
ما أشبه بالقرآن والقياس لا أعرف شاهدا يكون مقبولا على صبي ولا يكون مقبولا على بالغ، ويكون
مقبولا في مقامه ومردودا بعد مقامه، والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب في الأيمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول لا نرى عليه يمينا مع شهوده ومن حجته في ذلك أنه قال بلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال (اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي) فلا نجعل على المدعي ما لم
يجعل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحول اليمين عن الموضع الذي وضعها عليه النبي صلى الله
عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول على المدعي اليمين مع شهوده وإذا لم يكن له شهود لم
يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه فإن قال المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا
أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا كان كذلك وهذا في الدين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا جاء
الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن
لاحلافنا مع الشاهد معنى وكان خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه) وإذا ادعى رجل على رجل دعوى ولا بينة له أحلفنا المدعى عليه فإن حلف برئ وإن
نكل قلنا لصاحب الدعوى لسنا نعطيك بنكوله شيئا إلا أن تحلف مع نكوله فإن حلفت أعطيناك وإن
امتنعت لم نعطك ولهذا كتاب في كتاب الأقضية، وإذا ورث الرجل ميراثا دارا أو أرضا أو غير ذلك
فادعى رجل فيها دعوى ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا وكذلك كان ابن أبي ليلى يقول أيضا وإنما جعل
أبو حنيفة رضي الله عنه على هذا اليمين على علمه لأن الميراث لزمه إن شاء وإن أبى والبيع لا يلزمه إلا
بقول وإذا كان الشئ لا يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع والهبة والصدقة فاليمين في ذلك البتة
والميراث لو قال لا أقبله كان قوله ذلك باطلا وكان الميراث له لازما فلذلك كانت اليمين على علمه في
135

الميراث وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير
ذلك (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ورث الرجل دارا أو غيرها فادعى رجل فيها دعوى سألناه عن
دعواه فإن ادعى شيئا كان في يدي الميت أحلفنا الوارث على علمه ما يعلم له فيها حقا ثم أبرأناه وإن
ادعى فيها شيئا كان في يدي الوارث أحلفناه على البت نحلفه في كل ما كان في يديه على البت وما كان
في يدي غيره فورثه على العلم وإذا استحلف المدعى عليه على دعواه فحلفه القاضي على ذلك ثم أتى
بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقبل منه ذلك لأنه بلغنا عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وشريح أنهما كانا يقولان اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة بهذا
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقبل منه البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى ولم يأت عليه ببينة وأحلفه القاضي فحلف ثم جاء المدعي
ببينة قبلتها وقضيت له بها ولم أمنع البينة العادلة التي حكم المسلمون بالاعطاء بها باليمين الفاجرة.
باب الوصايا
وإذا أوصى الرجل للرجل بسكنى دار أو بخدمة عبد أو بغلة بستان أو أرض وذلك ثلثه أو أقل فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز ذلك والوقت
في ذلك وغير الوقت في قول ابن أبي ليلى سواء (قال الشافعي) رضي الله عنه: وإذا أوصى الرجل
للرجل بغلة داره أو ثمرة بستانه والثلث يحمله فذلك جائز وإذا أوصى له بخدمة عبده والثلث يحمل
العبد فذلك جائز وإن لم يحمل الثلث العبد جاز له منه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل، وإذا أوصى
الرجل للرجل بأكثر من ثلثه فأجاز ذلك الورثة في حياته وهم كبار ثم ردوا ذلك بعد موته فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول لا تجوز عليهم تلك الوصية ولهم أن يردوها لأنهم أجازوا وهم لا يملكون
الإجازة ولا يملكون المال وكذلك بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وشريح وبهذا يأخذ وكان
ابن أبي ليلى يقول إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى شئ منها ولو أجازوها بعد موته، ثم
أرادوا أن يرجعوا فيها قبل أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في
قولهما جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلث ماله فأجاز ذلك
الورثة وهو حي ثم أرادوا الرجوع فيه بعد أن مات فذلك جائز لهم لأنهم أجازوا ما لم يملكوا ولو مات
فأجازوها بعد موته ثم أرادوا الرجوع قبل القسم لم يكن ذلك لهم من قبل أنهم أجازوا ما ملكوا فإذا
أجازوا ذلك قبل موته كانت الوصية وصاحبهم مريض أو صحيح كان لهم الرجوع لأنهم في الحالين
جميعا غير مالكين أجازوا ما لم يملكوا (قال) وإذا أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبماله كله لآخر فرد
ذلك الورثة كله إلى الثلث، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول الثلث بينهما نصفان لا يضرب
صاحب الجميع بحصة الورثة من المال، وكان ابن أبي ليلى يقول الثلث بينهما على أربعة أسهم يضرب
صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم واحد وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا أوصى الرجل لرجل بثلث ماله، ولآخر بماله كله ولم يجز ذلك الورثة أقسم الوصية على
أربعة أسهم لصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث واحد قياسا على عول الفرائض ومعقول في الوصية
أنه أراد هذا بثلاثة وهذا بواحد.
136

باب المواريث
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجده فإن
أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل ميراث، وكذلك بلغنا عن أبي
بكر الصديق وعن عبد الله بن عباس وعن عائشة أم المؤمنين وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنهم
كانوا يقول وإن الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن له أب وكان ابن أبي ليلى يقول في
الجد بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأخ النصف وللجد النصف وكذلك قال زيد بن ثابت
وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا هلك الرجل وترك جده
وأخاه لأبيه وأمه فالمال بينهما نصفان وهكذا قال زيد بن ثابت وعلي وعبد الله بن مسعود وروي عن
عثمان رضي الله عنهم وخالفهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجعل المال للجد وقالته معه عائشة وابن
عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة رضي الله عنهم وهو مذهب أهل الكلام في الفرائض وذلك أنهم
يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الأخ بالجد أبعد من القياس من إثبات
الأخ معه وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب إنما طرحنا الأخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون
معنا عليها إنكم تحجبون به بني الأم وكذلك منزلة الأب ولا تنقصونه من السدس وكذلك منزلة الأب
وأنكم تسمونه أبا (قال الشافعي) رحمة الله تعالى: قلت إنما حجبنا به بني الأم خبرا لا قياسا على
الأب قال وكيف ذلك؟ قلت نحن نحجب بني الأم ببنت ابن ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة
الأب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وأنت بأن تكون تقوم مقام الأب في غيره وإذا وافقه في معنى
وإن خالفه في غيره وأما أن لا ننقصه من السدس فإنا لم ننقصه خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس
أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الأب أن وافقته في معنى وأما اسم الأبوة فنحن وأنت نلزم من بيننا وبين آدم
اسم الأبوة وإذا كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث وكذلك لو كان كافرا والموروث مسلما
أو قاتلا والموروث مقتولا أو كان الموروث حرا والأب مملوكا فلو كان إنما ورثنا باسم الأبوة فقط ورثنا
هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم قال فأي القولين أشبه بالقياس؟ قلت
ما فيهما قياس والقول الذي اخترت أبعد من القياس والعقل قال فأين ذلك؟ قلت أرأيت الجد والأخ
إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما أم بقرابة غيرهما؟ قال وما ذلك قلت أليس إنما يقول الجد
أنا أبو أبي الميت ويقول الأخ أنا ابن أبي الميت؟ قال بلى قلت فبقرابة أبي الميت يدليان معا إلى الميت
قلت فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه ابنه أو أبوه؟ قال بل ابنه لأن له خمسة أسداس
ولأبيه السدس قلت فكيف حجبت الأخ بالجد والأخ إذا مات أب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت
حاجبا أحدهما بالآخر انبغى أن تحجب الجد بالأخ قال وكيف يكون القياس فيه؟ قلت لا معنى
للقياس فيهما معا يجوز ولو كان له معنى انبغي أن نجعل للأخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس
وللجد السدس وقلت أرأيت الأخوة امثبتي الفرض في كتاب الله قال نعم قلت فهل للجد في كتاب الله
فرض؟ قال لا قلت وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا
يثبته أهل الحديث كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الأقوى من كل وجه بالأضعف. وإذا أقرت
الأخت وهي الأب وأم وقد ورث معها العصبة بأخ لأب فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول نعطيه
نصف ما في يدها لأنها أقرت أن المال كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبه يأخذ
137

وكان ابن أبي ليلى يقول لا نعطيه مما في يدها شيئا لأنها أقرت بما في يدي العصبة (1) وهو سواء في
الورثة كلهم ما قالا جميعا (قال الشافعي) وإذا مات الرجل وترك أخته لأبيه وأمه وعصبته فأقرت
الأخت بأخ فالقياس أنه لا يأخذ شيئا وهكذا كل من أقر به وهو وارث فكان إقراره لا يثبت نسبة
فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له لحق عليه في ذلك الحق مثل الذي أقر له به لأنه إذا
كان وارثا بالنسب كان موروثا به وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به
وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها
قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شئ فلما
سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الاقرار له وذلك مثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه وقد
تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشتري فلما لم يسلم للمشتري ما زعم أنه ملكه به
سقط الاقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق وقد أحطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية ولا
حق على المقر له إلا الميراث الذي إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا
بالنسب لم يثبت له أن يكون وارثا به، وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته ثم
جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أقبل
هذا ولا أثبت نسبة ولا أورثه بشهادة امرأة وكان ابن أبي ليلى يقول أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها
وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فولدت فأنكر ابنه ولدها
فجاءت بأربع نسوة يشهدن بأنها ولدته كان نسبه ثابتا وكان وارثا ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا
على القرآن لأن الله عز وجل ذكر شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل فلما
أجزنا النساء فيما يغيب عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت وجملة هذا القول
قول عطاء بن أبي رباح، وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمه فأقر في صحته
أن أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يثبت نسب واحد
منهما ويعتق من كل منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن
أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيها أقر به فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه
وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرفقنا الآخر وإن لم تكن قافة أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا
منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه وأصل هذا مكتوب
في كتاب العتق، وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذي هي في
يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقضي بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد
تركها ميراثا لأبيه ولأبي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا
يعلمون له وارثا غيره وكان ابن أبي ليلى يقول أقضي له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذي هي في
يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبي حنيفة ولا يقولان لا نعلم في
قول ابن أبي ليلى لكن يقولان لا وارث له غيرهما في قول ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف أسكنه ولا

(1) لعل مراده وهكذا الحكم في الورثة كلهم على ما قالا من الاعطاء مما في يديها وعدمه، تدبر.
138

يقتسمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها
دار جدهما أبي أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذي في يديه الدار ينكر قضيت بها دارا لجدهما ولم
أقسمها بينهما حتى تثبت البينة على من ورث جدهما ومن ورث أباهما لأني لا أدري لعل معهما ورثة أو
أصحاب دين أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما ولا يكونون
بهذا شهودا على ما لا يعلمون لأنهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب
س على الملك وكشهادتهم على العدل ولا أقبلهم إذا قالوا لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن
يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الأغلب منهم أنه لا يخفي عليهم وارث لو كان له
وذلك أن يكونوا ذوي قرابة أو مودة أو خلطة أو خبرة بجوار أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم
لأن معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت، وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال ما كان للرجال من المتاع فهو
للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما المرأة كانت أو الرجل وكذلك
الزوج إذا طلق والباقي الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف ثم قال بعد ذلك لا يكون
للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله لأنه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته أو صانع أو
تكون رهونا عند رجل وكان ابن أبي ليلى يقول إذا مات الرجل أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا
الدرع والخمار وشبيهه
إلا أن تقوم لأحدهما بينة على دعواه ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت
في قولهما جميعا (قال الشافعي) وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعد ما
تفرقا كان البيت للمرأة أو الرجل أو بعد ما يموتان واختلفت في ذلك ورثتهما بعد موتهما أو ورثة الميت
منهما والباقي كان الباقي الزوج أو الزوجة فسواء ذلك كله فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له ومن
لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الاجماع أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو
بينهما نصفان كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما نصفين بعد الأيمان فإن قال
قائل فكيف يكون للرجل النضوح والخلوق والدروع والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع؟
قيل قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال أرأيت لو أقام الرجل البينة على متاع النساء
والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضي لكل بما أقام عليه البينة؟ فإذا قال بلى قيل أفليس قد
زعمت وزعم الناس أن كينونة الشئ في يدي المتنازعين تثبت لكل النصف؟ فإن قال بلى قيل كما
تثبت له البينة فإت قال بلى قيل فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهي في أيديهما فإن استعملت عليهم الظنون
وتركت الظاهر قيل ذلك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت
أنك تعطي الدباغ متاع الدباغين والعطار متاع العطارين قيل فما تقول في رجل غير موسر ورجل موسر
تداعيا ياقوتا ولؤلؤا فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو بأيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت
أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغي لك أن تقول في متاع الرجل والمرأة (قال)
وإذا أسلم الرجل على يدي الرجل ووالده وعاقده ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى
كان يقول ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى لا يورثه شيئا مطرف عن الشعبي أنه
قال لا ولاء إلا لذي نعمة الليث بن أبي سليم عن أبي الأشعث الصنعاني عن عمن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت
139

المال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الأرض
والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له (قال فالشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا أسلم الرجل على يدي رجل ووالاه ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي صلى الله عليه
وسلم (فإنما الولاء لمن أعتق) وهذا يدل على معنين أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق والآخر أنه لا
يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في كتاب الولاء.
باب في الأوصياء
(قال الشافعي) رحمه الله: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن
أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هذا الآخر ووصى الرجلين جميعا وبهذا يأخذ وكذلك بلغنا عن
إبراهيم وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول هذا الآخر وصى الذي أوصى إليه ولا يكون وصيا
للأول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الأول فيكون وصيهما جميعا وقال أبو يوسف رحمه الله
تعالى بعد لا يكون وصيا للأول إلا أن يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شئ أو يذكر وصية الآخر
(قال الشافعي) رحمه الله: وإذا أوصى الرجل إلى رجل ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى بماله وولده
ووصية الذي أوصى إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الأوسط وصيا للأول ويكون وصيا
للأوسط الموصى إليه وذلك أن الأول رضي بأمانة الأوسط ولم يرض أمانة الذي بعده والوصي أضعف
حالا في أكثر أمره من الوكيل ولو أن رجلا وكل رجلا بشئ لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذي وكله
به ليستوجب الحق ولو كان الميت الأول أوصى إلى الوصي أن لك أن توصي بما أوصيت به إليك إلى
من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للأول ولا يكون وصيا للأول حتى يقول قد
أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له ولو أن وصيا لأيتام تجر لهم بأموالهم أو دفعها مضاربة.
فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو جائز عليهم ولهم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي وكان ابن أبي
ليلى يقول لا تجوز عليهم والوصي ضامن لذلك وقال ابن أبي ليلى أيضا على اليتامى الزكاة في أموالهم
فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ ألا ترى
أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رضي الله عنه وإذا كان الرجل وصيا
بتركة ميت يلي أموالهم كان أحب إلى أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا وإذا لم تكن تعديا
لم يكن ضامنا إن تلفت وقد أتجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمال يتيم كان يليه وكانت عائشة
رضي الله تعالى عنها تبضع بأموال بني محمد بن أبي بكر في البحر وهم أيتام وتليهم وتؤدي منها الزكاة
وعلى ولي اليتيم أن يؤدي الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما
يجب عليهما كما على ولي اليتيم أن يعطي من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها أو نفقة له من صلاحه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر بن راشد عن أيوب بن أبي
تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل إن عندنا مالا ليتيم قد
أسرعت فيه الزكاة وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إما قال مضاربة
وإما قال بضاعة وقال بعض الناس لا زكاة في مال اليتيم الناض وفي زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر
تؤدي عنه وجناياته التي تلزم من ماله واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان سقوط الصلاة عنه يسقط
140

عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع وقد كتب هذا في كتاب الزكاة
(قال) ولو أن وصى ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشئ باع عقارا من عقار
الميت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك بيعه جائز على الصغار والكبار وكان ابن أبي ليلى
يقول يجوز على الصغار والكبار إذا كان ذلك مما لا بد منه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بيعه على
الصغار جائز في كل شئ كان منه بدأ ولم يكن ولا يجوز على الكبار في شئ من بيع العقار إذا لم يكن
الميت أوصى بشئ يباع فيه أو يكون عليه دين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا مات
وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا ولم يوص بوصية ولم يكن عليه دين فباع الوصي
عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار فإن كان باع عليهم فيما لا
صلاح لمعاشهم إلا به أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا وإن لم يبع في واحد من الوجهين
ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا وإذا أمرناه إذا كان في يده الناض أن يشتري لهم به العقار الذي هو خير
لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر.
باب في الشركة والعتق وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف درهم
وللآخر أكثر من ذلك. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول ليست هذه بمفاوضة وبهذا يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول هذه مفاوضة جائزة والمال بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وشركة
المفاوضة باطلة ولا أعرف شيئا عن الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة إلا أن يكونا
شريكين يعدان المفاوضة خلط المال بالمال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي
يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى
فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه معا من تجارة أو إجارة أو كنز أو
هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه وإن زعما المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه
من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة فيه فاسدة ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك
الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا
بمال كان يجوز فإن قال لا يجوز لأنه عطية ما لم يكن للمعطي ولا للمعطى وما لم يعلمه واحد منهما
أفتجيزه على مائتي درهم اشتركا بها فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز أرأيت رجلا وهب له هبة أو
أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر فيها شريكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا
(قال) ولو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر كان الخيار للآخر في قول أبي حنيفة
رضي الله عنه فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون
الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد ويكون
الولاء للشريك كله وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شئ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول هو
حر كله يوم أعتقه الأول والأول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء ولا يخير
صاحبه في أن يعتق العبد أو يستسعيه ولو كان الذي أعتق العبد معسرا كان الخيار في قول أبي حنيفة
للشريك الآخر إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق
141

صاحبه والولاء بينهما وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان معسرا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في
نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه والولاء كله للذي أعتقه وليس للآخر أن يعتق منه
شيئا وكان يقول إذا أعتق شقصا في مملوك فقد أعتقه كله ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقا وبعضه
حرا وبه يأخذ أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقا؟ فإن كان ما أعتق منه يكون رقيقا فقد عتق فكيف
يجتمع في معتق واحد عتق ورق؟ ألا ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق
وبعضها امرأة للزوج على حالها. وكذلك الرقيق وبهذا يأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه على
الذي أعتقه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يعتق بعضه وبعضه رقيق وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه
شئ رقيق أو يسعى في قيمته أرأيت لو أن الشريك قال نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا، هل
كان يعتق منه ما لا يملك؟ وإذا أعتق منه ما يملك، فكيف يعتق منه ما لا يملك؟ وهل يقع عتق فيما
لا يملك الرجل؟ (قال الشافعي) رحمه الله وإذا كان العبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه منه فإن
كان موسرا بأن يؤدي نصف قيمته فالعبد حر كله والولاء للمعتق الأولي ولا خيار لسيد العبد الآخر وإن
كان معسرا فالنصف الأول حر والنصف الثاني لمالكه ولا سعاية عليه وهذا مكتوب في كتاب العتق
بحججه إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم كان مما احتجوا به في هذا
الكتاب أن قال قائلهم كيف تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك لا يكون كما لا تكون المرأة
بعضها طالق وبعضها غير طالق فإن زعم أن العبد يكون فيه الرق والحرية قياس على المرأة قيل له أيجوز
للرجل أن ينكح بعض امرأة فإن قال لا لا تكون إلا منكوحة كلها أو غير منكوحة قيل له أفيجوز أن
يشتري بعض عبد فإن قال نعم قيل له فأين العبد من المرأة وقيل له أيجوز له أن يكاتب المرأة على
الطلاق ويكون ممنوعا حتى تؤدي الكتابة أو تعجز فإن قال لا قيل أفيجوز هذا له في العبد؟ فإن قال
نعم قيل فلم تجمع بينهما؟ فإن قال لا يجتمعان قيل وكذلك لا يجتمعان حيث جمعت بينهما ويقال له
أيضا أتكون المرأة لاثنين كما يكون العبد مملوكا لاثنين ويكون لزوج المرأة أن يهبها للرجل فتكون زوجة له
كما يكون العبد إذا وهبه صار عبدا لمن وهبه له فإن قال لا قيل فما بال المرأة تقاس على المملوك ويقال له
أرأيت العبد إذا عتق مرة أيكون لسيده أن يسترقه كما يكون له إذا طلق المرأة مرة أن يكون له رجعتها
فإن قال لا قيل فما نعلم شيئا أبعد مما قاسه به منه (قال) ولو أن عبدا بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن
صاحبه ولا رضاه فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه
كان يقول المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لأنها منفعة تصل إليه وليس ذلك له دون صاحبه وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها ولو أن الشريك أعتق العبد كان العتق
باطلا في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة فإن أداها إلى صاحبها عتق وكان الذي كاتب
ضامنا لنصف القيمة والولاء كله له وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: عتق ذلك جائز ويخير
المكاتب فإن شاء ألغى الكتابة وعجز عنها وإن شاء سعى فيها فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب
بالخيار إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرا وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق
العبد فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد بما ضمن (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فالكتابة مفسوخة وما أخذ منه بينهما
نصفان ما لم يؤد جميع الكتابة فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب وكان كمن ابتدأ العتق في
عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا عتق كله وإن معسرا عتق منه ما عتق ولو ردت الكتابة قبل
142

الأداء كان مملوكا بينهما ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتبه قبل الأداء كان نصفه منه حرا فإن كان
موسرا ضمن نصفه الباقي لأن الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد لأن عقد الكتابة كان فاسدا وإن
كان معسرا عتق منه ما عتق وكانت الكتابة بينهما باطلة إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها (قال) ولو
أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول ليس للآخر أن يبيعه لما دخل فيه
من العتق وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يبيع حصته، وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا فإن
أبا حنيفة رحمه الله كان يقول هو له خاصة وبهذا يأخذ، قال وتنتقض المفاوضة إذا قبض ذلك وكان
ابن أبي ليلى يقول هو بينهما نصفان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فدبره
أحدهما فللآخر بيع نصيبه لأن التدبير عندي وصية وكذلك للذي دبره أن يبيعه وهذا مكتوب في
كتاب المدبر ومن زعم أنه ليس للمدبر أن يبيع المدبر لزمه أن يزعم أن على السيد المدبر نصف القيمة
لشريكه إن كان موسرا ويكون مدبرا كله كما يلزمه هذا في العتق إذا جعل هذا عتقا يكون له بكل حال
فإن قال فالعتق الذي ألزمته فيه نصف القيمة عتق واقع مكانه قيل فأنت تزعم في الجارية بين الرجلين
يطؤها أحدهما فتلد أنها أم ولد وعليه نصف القيمة وهذا عتق ليس بواقع مكانه إنما هو واقع بعد مدة
كعتق المدبر يقع بعد مدة، وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما ثم أعتقه الآخر البتة فإن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته
مدبرا وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما
نصفان وكان ابن أبي ليلى يقول التدبير باطل والعتق جائز والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان موسرا
وإن كان معسرا سعى فيه العبد ثم يرجع على المعتق والولاء كله للمعتق وقال أبو يوسف إذا دبره أحدهما
فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته وعتق الآخر باطل لا يجوز فيه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر بتاتا فإن كان موسرا فالعبد حر كله وعليه
نصف قيمته وله ولاؤه وإن كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر ومن زعم أنه لا يبيع المدبر
فيلزمه أن يبطل العتق الآخر ويجعله مدبرا كله إذا كان المدبر الأول موسرا لأن تدبير الأول عتق والعتق
الأول أولى من الآخر قال وهكذا قال أهل القياس الذين لم يبيعوا المدبر.
باب في المكاتب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل المكاتب على نفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله
كان يقول ماله لمولاة إذا لم يشترط المكاتب ذلك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول المكاتب له المال
وإن لم يشترط (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل عبده وبيد العبد مال فالمال للسيد
لأنه لا مال للعبد إلا أن يشترط
المكاتب على السيد ماله فيكون له بالشرط وهذا معنى السنة نصا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ولا يعدو المكاتب
أن يكون مشتريا لنفسه قرب المكاتب بائع وقد جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم المال أو يكون غير
خارج من ملك مولاه فيكون معه كالمعلق فذلك أحرى أن لا يملك على مولاه مالا كان لمولاه قبل
الكتابة والمشتري الذي أعطى ماله في العبد أولى أن يكون مالكا لمال العبد بشراء العبد لأنه لو مات
مكانه مات من ماله من المكاتب الذي لو مات لم يلزمه شئ وإذا قال المكاتب قد عجزت وكسر
143

مكاتبته ورده مولاه في الرق فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز وبهذا يأخذ وقد بلغنا عن
عبد الله بن عمر أنه رد مكاتبا له حين عجز وكسر مكاتبته عند غير قاض وكان ابن أبي ليلى يقول لا
يجوز ذلك إلا عند إلا عند قاض وكذلك لو أتى القاضي فقال قد عجزت فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يرده وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا أرده حتى يجتمع عليه نجمان قد حلا عليه في يوم
خاصم إليه ثم قال أبو يوسف يعد لا أرده حتى أنظر فإن كان نجمه قريبا وكان يرجى لم يعجل عليه
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال المكاتب قد عجزت عند محل نجم من نجومه فهو كما قال وهو
كمن لم يكاتب يبيعه سيده ويصنع به ما شاء كان ذلك عند قاض أو لم يكن (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا الثقفي وابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه رد مكاتبا له
عجز في الرق (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة أنه شهد شريحا رد مكاتبا
عجز في الرق وإذا تزوج المكاتب أو وهب هبة أو أعتق عبدا أو كفل بكفالة أو كفل عنه رجل لمولاه
بالذي عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هذا كله باطل لا يجوز وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول نكاحه وكفالته باطل وما تكفل به رجل عنه لمولاه فهو جائز وأما عتقه وهبته فهو موقوف فإن عتق
أمضى ذلك وإن رجع مملوكا فذلك كله مردود وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى كيف يجوز عتقه وهبته
وكيف تجوز الكفالة عنه لمولاه أرأيت رجلا كفل لرجل عن عبده كفالة أليست باطلا فكذلك مكاتبه
وبهذا يأخذ وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لا يجوز أن يكفل الرجل للرجل بمكاتبة عبده لأنه عبده
وإنما كفل له بماله وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كان له مال حاضر فقال أودية اليوم أو غدا فإنه كان
يقول يؤجله ثلاثة أيام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تزوج المكاتب أو وهب أو أعتق أو كفل
عن أحد بكفالة فذلك كله باطل لأن في هذا إتلافا لماله وهو غير مسلط على المال أما التزوج فأبطلناه
بالعبودية التي فيه أنه لا يكون للعبد أن ينكح إلا بإذن سيده ولو كفل رجل لرب المكاتب بالكتابة
كانت الكفالة باطلة من قبل أنه إنما تكفل له بماله عن ماله.
باب في الأيمان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر ثم باعه فإن أبا حنيفة
رحمه الله كان يقول لا يعتق لأن العتق إنما وقع عليه بعد البيع وبعدما خرج من ملكه وصار لغيره
وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول يقع العتق من مال البائع ويرد الثمن على المشتري لأنه حلف يوم
حلف وهو في ملكه وكذلك لو قال البائع إن كلمت فلانا فأنت حر فباعه ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى كان يقول لا يعتق ألا ترى أنه قد خرج من ملك البائع الحالف أرأيت لو أعتقه المشتري
أيرجع إلى الحالف وقد صار مولى للمشتري؟ أرأيت لو أن المشتري ادعاه وزعم أنه ابنه فأثبت القاضي
نسبه وهو رجل من العرب وجعله ابنه ثم كلم البائع ذلك الرجل الذي حلف عليه أن لا يكلمه أبطل
دعوى هذا ونسبه ويرجع الولاء إلى الأول وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا يرجع الولاء إلى الأول ويرد
الثمن ويبطل النسب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه
بيعا ليس ببيع خيار بشرط فهو حر حين عقد البيع وإنما زعمت أنه يعتق من قبل أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) (قال الشافعي) وتفرقهما تفرقهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه فلما
144

كان لمالك العبد الحالف بعتقه إجازة البيع ورده كان لم ينقطع ملكه عنه الانقطاع كله ولو ابتدأ العتق
في هذه الحال لعبده الذي باعه عتق فعتق بالحنث ولو كان باعه بيع خيار كان هكذا عندي لأني أزعم
أن الخيار إنما هو بعد البيع ومن زعم أن الخيار يجوز مع عقد البيع لم يعتق لأن الصفقة أخرجته من
ملك الحالف خروجا لا خيار له فيه فوقع العتق عليه وهو خارج من ملكه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وهكذا لو قال رجل لغلامه أنت حر لو كلمت فلانا أو دخلت الدار فباعه وفارق المشتري ثم كلم
فلانا أو دخل الدار لم يعتق لأن الحنث وقع وهو خارج من ملكه وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن
كلمت فلانا ثم طلقها واحدة بائنة أو واحدة يملك الرجعة وانقضت عدتها ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى كان يقول لا يقع عليه الطلاق الذي حلف به لأنها قد خرجت من ملكه ألا ترى أنها لو
تزوجت زوجا غيره ثم كلم الأول فلانا وهي عند هذا الرجل لم يقع عليها الطلاق وهي تحت غيره وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول يقع عليها الطلاق لأنه حلف بذلك وهي في ملكه (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى ولو قال لامرأته أنت طالق إن كلمت فلانا ثم خالعها ثم كلم فلانا لم يقع عليها طلاق من قبل
أن الطلاق وقع وهي خارجة من ملكه وهكذا لو طلقها واحدة فانقضت عدتها ثم كلم فلانا لم يقع عليه
الطلاق لأن الطلاق لا يقع إلا على زوجة وهي ليست بزوجة ولو نكحها نكاحا جديدا لم يحنث بهذا
الطلاق وإن كلمه كلاما جديدا لأن الحنث لا يقع إلا مرة وقد وقع وهي خارجة من ملكه (قال) وإذا
قال الرجل كل امرأة أتزوجها أبدا فهي طالق ثلاثا وكل مملوك أملكه فهو حر لوجه الله تعالى فاشترى
مملوكا وتزوج امرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول يقع العتق على المملوك والطلاق على المرأة
ألا ترى أنه طلق بعد ما ملك وأعتق بعد ما ملك وقد بلغنا عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول لا طلاق
إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك فهذا إنما وقع بعد الملك كله ألا ترى أنه لو قال إذا تزوجتها أو
ملكتها فهي طالق صارت طالقا وبهذا يأخذ ألا ترى أن رجلا لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر ثم
ولدت بعد عشر سنين كان حرا فهذا عتق ما لم يملك ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده امرأة فقال لها إن
تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها في العدة أو بعدها أن ذلك واقع عليها لأنه
حلف وهو يملكها ووقع الطلاق وهو يملكها أرأيت لو قال لعبد له إن اشتريتك فأنت حر فباعه ثم اشتراه
أما كان يعتق وكان ابن أبي ليلى يقول لا يقع في ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت وقتا فإن وقت وقتا
في سنين معلومة أو قال ما عاش فلان أو فلانة أو وقت مصرا من الأمصار أو مدينة أو قبيلة لا يتزوج ولا
يشتري منها مملوكا فإن ابن أبي ليلى يوقع على هذا الطلاق وأما قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه يوقع
في الوقت وغير الوقت وقد بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال إذا وقت وقتا أو قبيلة
أو ما عاشت فلانة وقع، وإذا قال الرجل إن وطئت فلانة فهي حرة فاشتراها فوطئها فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه كان يقول لا تعتق من قبل أنه حلف وهو لا يملكها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله تعالى يقول تعتق فإن قال إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة فاشتراها فوطئها فهي حرة في قولهما جميعا
(قال الربيع) للشافعي رحمه الله تعالى هاهنا جواب.
باب في العارية وأكل الغلة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعار الرجل الرجل أرضا يبني فيها ولم يوقت وقتا ثم بدا له أن
145

يخرجه بعدما بنى فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول نخرجه ويقال للذي بنى أنقض بناءك وبهذا
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان والبناء للمعير وكذلك بلغنا عن شريح
فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما جميعا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أعار الرجل الرجل بقعة من الأرض يبني فيها بناء فبناه لم يكن
لصاحب البقعة أن يخرجه من بنائه
حتى يعطيه قيمته قائما يوم يخرجه ولو وقت له وقتا وقال أعرتكها
عشر سنين وأذنت لك في البناء مطلقا كان هكذا ولكنه لو قال فإن انقضت العشر السنين كان عليك
أن تنقض بناءك كان ذلك عليه لأنه لم يغر إنما هو غر نفسه (قال) وإذا أقام الرجل البينة على أرض
ونخل أنها له وقد أصاب الذي هو في يديه من غلة النخل والأرض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان
يقول الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ من الثمر وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه في
ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت النخل والأرض في يدي الرجل فأقام رجل عليها
البينة أنها له منذ عشر سنين وقد أصاب الذي هي في يديه ثمرها منذ عشر سنين أخرجت من يديه
وضمن ثمرها وما أصاب منها من شئ فدفعه إلى صاحب البينة فإن كانت الأرض تزرع فزرعها للزارع
وعليه كراء مثل الأرض وإن كان لم يزرعها فعليه كراء مثل الأرض (قال) وإذا زرع الرجل الأرض
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الزرع للذي كانت في يديه وهو ضامن لما نقص الأرض في قول
أبي حنيفة ويتصدق بالفضل وكان ابن أبي ليلى يقول لا يتصدق بشئ وليس عليه ضمان (قال) وإذا
أخذ الرجل أرض رجل إجارة سنة وعملها وأقام فيها سنتين فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول هو
ضامن لما نقص الأرض في السنة الثانية ويتصدق بالفضل ويعطي أجر السنة الأولى وكان ابن أبي ليلى
يقول عليه أجر مثلها في السنة الثانية (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الأرض
ليزرعها سنة فزرعها سنتين فعليه كراؤها الذي تشارطا عليه في السنة الأولى وكراء مثلها في السنة الثانية
ولو حدث عليها في السنة الثانية حدث ينقصها كان ضامنا، وهكذا الدور والعبيد والدواب وكل شئ
استؤجر (قال) وإذا وجد الرجل كنزا قديما في أرض رجل أو داره فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان
يقول هو لرب الدار وعليه الخمس وليس للذي وجده منه شئ وكان ابن أبي ليلى يقول هو للذي
وجده وعليه الخمس ولا شئ لصاحب الدار والأرض فيه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا وجد الرجل كنزا جاهليا في دار رجل فالكنز لرب الدار وفيه الخمس وإنما يكون الكنز
لمن وجده إذا وجده في موضع لا يملكه أحد وإذا كان الكنز إسلاميا ولم يوجد في ملك أحد فهو لقطة
يعرفه سنة ثم هو له.
باب في الأجير والإجارة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الأجير والمستأجر في الأجرة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه
كان يقول القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول القول
قول الأجير فيما بينه وبين أجر مثله إلا أن يكون الذي ادعى أقل فيعطيه إياه وإن لم يكن عمل العمل
تحالفا وترادا في قول أبي حنيفة وينبغي كذلك في قول ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف بعد: إذا كان شئ
متقارب قبلت قول المستأجر وأحلفته وإذا تفاوت لم أقبل وأجعل للعامل أجر مثله إذا حلف (قال
146

الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا استأجر الرجل أجيرا فتصادقا على الإجارة واختلفا كم هي فإن كان
لم يعمل تحالفا وترادا الإجارة وإن كان عمل تحالفا وترادا أجر مثله كان أكثر مما ادعى أو أقل مما أقر به
المستأجر إذا أبطلت العقد وزعمت أنها مفسوخة لم يجز أن أستدل بالمفسوخ على شئ ولو استدللت به
كنت لم أعمل المفسوخ ولا الصحيح على شئ (قال) وإذا استأجر الرجل بيتا شهرا يسكنه فسكنه
شهرين أو استأجر دابة إلى مكان فجاوز ذلك المكان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول الآجر فيما
سمى ولا أجر له فيما لم يسم لأنه قد خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والأجرة وبهذا
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له الأجر فيما سمى وفيما خالف إن سلم وإن لم يسلم ذلك ضمن ولا نجعل
عليه أجرا في الخلاف إذا ضمنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة إلى
موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذي تكاراها إليه الكراء الذي تكاراها به وعليه من حين
تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذي عطبت فيه
وقيمتها وهذا مكتوب في كتاب الإجارات (قال) وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم
فحمل عليها أكثر من ذلك فعطبت الدابة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو ضامن قيمة الدابة
بحساب ما زاد عليها وعليه الأجر تاما إذا كانت قد بلغت المكان وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه
قيمتها تامة ولا أجر عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة على أن يحمل
عليها عشرة مكاييل مسماة فحمل عليها أحد عشر مكيالا فعطبت فهو ضامن لقيمة الدابة كلها وعليه
الكراء وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجعل عليه الضمان بقدر الزيادة كأنه تكاراها على أن يحمل عليها
عشرة مكاييل فحمل عليها أحد عشر فيضمنه سهما من أحد عشر سهما ويجعل الأحد عشر كلها قتلتها ثم
يزعم أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه تكاراها مائة ميل فتعدى بها على المائة ميلا أو بعض ميل فعطبت
ضمن الدابة كلها وكان ينبغي في أصل قوله أن يجعل المائة والزيادة على المائة قتلتها فيضمنه بقدر الزيادة
لأنه يزعم أنه ضامن للدابة حين تعدى بها حتى يردها ولو كان الكراء مقبلا ومدبرا فماتت في المائة
ميل، وإذا غرقت سفينة الملاح فغرق الذي فيها وقد حمله بأجر فغرقت من مده أو معالجته السفينة فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو ضامن وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه في المد
خاصة (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا فعل من ذلك الفعل الذي يفعل بمثلها في ذلك الوقت الذي
فعل لم يضمن وإذا تعدى ذلك ضمن والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب القسمة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار صغيرة بين اثنين أو شقص قليل في دار لا
يكون بيتا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول أيهما طلب القسمة وأبى صاحبه قسمت له ألا ترى أن
صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب الكثير وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يقسم شئ منها
(قال الشافعي) وإذا كانت الدار أو البيت بين شركاء فسأل أحدهم القسمة ولم يسأل ذلك من بقي فإن
كان يصل إليه بالقسم شئ ينتفع به وإن قلت المنفعة قسم له وإن كره أصابه وإن كان لا يصل إليه
منفعة ولا إلى أحد لم يقسم له.
147

باب الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أتى الرجل إلى الإمام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة
فسلم الإمام عند فراغه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه لأن
التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول يكبر ثم يقوم فيقضي (قال)
وإذا صلى الرجل في أيام التشريق وحده أو المرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا تكبير عليه ولا
تكبير على من صلى في جماعة في غير مصر جامع ولا تكبير على المسافرين وكان ابن أبي ليلى يقول عليهم
التكبير أبو يوسف عن عبيدة عن إبراهيم أنه قال التكبير على المسافرين وعلى المقيمين وعلى الذي يصلي
وحده وفي جماعة وعلى المرأة وبه يأخذ مجالد عن عامر مثله. (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
سبق الرجل بشئ من الصلاة في أيام التشريق فسلم الإمام وكبر لم يكبر المسبوق بشئ من الصلاة
وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما
يتبع الإمام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة ويكبر في أيام التشريق المرأة والعبد والمسافر
والمصلي منفردا وغير منفرد والرجل قائما وقاعدا ومضطجعا وعلى كل حال، وإذا أدرك الإمام وهو
راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الإمام رأسه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول يسجد معه ولا
يعتد بتلك الركعة أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينهى عن القنوت في الفجر
وبه يأخذ ويحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقنت إلا شهرا واحدا حارب حيا من
المشركين فقنت يدعو عليهم وأن أبا بكر رضي الله عنه لم يقنت حتى لحق بالله عز وجل وأن ابن مسعود
رضي الله عنه لم يقنت في سفر ولا في حضر وأن عمر بن الخطاب لم يقنت وأن ابن عباس رضي الله عنه
لم يقنت وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لم يقنت وقال يا أهل العراق أنبئت أن إمامكم يقوم لا
قارئ قرآن ولا راكع يعني بذلك القنوت وأن عليا رضي الله عنه قنت في حرب يدعو على معاوية فأخذ
أهل الكوفة عنه ذلك وقنت معاوية بالشام يدعو على علي رضي الله فأخذ أهل الشام عنه ذلك وكان
ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يرى القنوت في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع في الفجر ويروى
ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قنت بهاتين (3) السورتين (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك
ونثني عليك الخير نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد
وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق) وكان يحدث عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه بهذا الحديث ويحدث عن علي رضي الله عنه أنه قنت
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن أدرك الإمام راكعا فكبر ولم يركع حتى يرفع الإمام رأسه سجد
مع الإمام ولم يعتد بذلك السجود لأنه لم يدرك ركوعه ولو ركع بعد رفع الإمام رأسه لم يعتد بتلك
الركعة لأنه لم يدركها مع الإمام ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه فقرأ ولا صلى مع الإمام فيما أدرك مع
الإمام ويقنت في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك علمناه
القنوت في الصبح قط وإنما قنت النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قتل أهل بئر معونة خمس عشر
ليلة يدعو على قوم من المشركين في الصلوات كلها ثم ترك القنوت في الصلوات كلها فأما في صلاة
الصبح فلا أعلم أنه تركه بل نعلم أنه قنت في الصبح قبل قتل أهل بئر معونة وبعد. وقد قنت بعد رسول
148

الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم كلهم بعد الركوع وعثمان رضي
الله عنه في بعض إمارته ثم قدم القنوت على الركوع وقال ليدرك من سبق بالصلاة الركعة.
باب صلاة الخوف
(قال) وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في صلاة الخوف: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة فيكبرون
مع الإمام ركعة وسجدتين ويسجدون معه فينفتلون من غير أنه يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتي
الطائفة التي كانت بإزاء
العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين ويسلم
الإمام فينفتلون هم من غير تسليم ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم
يسلمون وذلك لقول الله عز وجل (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) وكذلك بلغنا عن
عبد الله بن عباس وإبراهيم النخعي وكان ابن أبي ليلى يقول يقوم الإمام والطائفتان جميعا إذا كان العدو
بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعا ويسجد الإمام والصف الأول ويقوم الصف
الآخر في وجوه العدو فإذا رفع الإمام رفع الصف الأول رؤوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر فإذا
فرغوا من سجودهم قاموا ثم تقدم الصف المؤخر ويتأخر الصف الأول فيصلي بهم الإمام الركعة الأخرى
كذلك ويحدث بذلك ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان العدو في دبر القبلة قام الإمام وصف معه مستقبل القبلة
والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذي
مع الإمام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجئ الآخرون فيسجدون ويصلي بهم الإمام الركعة
الثانية فيركعون جميعا ويسجد معه الصف الذي معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجئ الآخرون
فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الإمام وهم جميعا (قال الشافعي) وإذا صلى الإمام صلاة الخوف مسافرا
جعل طائفة من أصحابه بينه وبين العدو وصلى بطائفة ركعة ثم ثبت قائما يقرأ وصلوا لأنفسهم الركعة
التي بقيت عليهم وتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا وقاموا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو
فكبروا لأنفسهم وصلى بهم الركعة التي كانت بقيت عليه فإذا جلس في التشهد قاموا فصلوا الركعة التي
بقيت عليهم ثم جلسوا فتشهدوا فإذا رأى الإمام أن قد قضوا تشهدهم سلم بهم وبهذا المعنى صلى النبي
صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وقد روي عنه في صلاة الخوف خلاف هذا وهذا
مكتوب في كتاب الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل
بينه وبينهم ولا سترة وحيث لا يناله النبل وكان العدو قليلا مأمونين وأصحابه كثيرا وكانوا بعيدا منه لا
يقدرون في السجود على الغارة عليه قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع صلى بأصحابه كلهم فإذا ركع
ركعوا كلهم وإذا رفع رفعوا كلهم وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفا يكونون على رأسه قياما فإذا رفع
رأسه من السجدتين فاستوى قائما أو قاعدا في مثنى اتبعوه فسجدوا ثم قاموا بقيامه وقعدوا بقعوده
وهكذا صلى الله عليه وسلم في غزاة الحديبية بعسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وكان خالد في
مائتي فارس منتبذا من النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر والنبي صلى
الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جهر الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراء عمدا فإن أبا حنيفة
149

رحمه الله تعالى كان يقول قد أساء وصلاته تامة وكان ابن أبي ليلى يقول يعيد بهم الصلاة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا جهر الإمام في الظهر أو العصر أو خافت في المغرب أو العشاء فليس
عليه إعادة وقد أساء إن كان عمدا، وإذا صلى الرجل أربع ركعات بالليل ولم يسلم فيها فإن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى كان يقول لا بأس بذلك وكان ابن أبي ليلى يقول أكره ذلك له حتى يسلم في كل
ركعتين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى صلاة الليل والنهار من النافلة سواء يسلم في كل
ركعتين، وهكذا جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وقد يروى عنه خبر يثبت أهل
الحديث مثله في صلاة النهار ولو لم يثبت كان إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل أن
يسلم من كل ركعتين كان معقولا في الخبر عنه أن أراد والله تعالى أعلم الفرق بين الفريضة والنافلة ولا
تختلف النافلة في الليل والنهار كما لا تختلف المكتوبة في الليل والنهار لأنها موصولة كلها (قال) وهكذا
ينبغي أن تكون النافلة في الليل والنهار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والتكبير على الجنائز أربع وما
علمت أحدا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه يثبت مثله أنه كبر إلا أربعا وكان أبو حنيفة
يكبر على الجنائز أربعا وكان ابن أبي ليلى يكبر خمسا على الجنائز (قال الشافعي) ويجهر في الصلاة
ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل أم القرآن وقبل السورة التي بعدها فإن جمع في ركعة سورا جهر
ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل كل سورة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن يجهر ب‍ (بسم الله
الرحمن الرحيم) وكان ابن أبي ليلى يقول إذا جهرت فحسن وإذا أخفيت فحسن (قال) وذكر عن
ابن أبي ليلى عن رجل توضأ ومسح على خفيه من حدث ثم نزع الخفين قال يصلي كما هو وحدث
بذلك عن الحكم عن إبراهيم وذكر أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا يصلي
حتى يغسل رجليه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا صلى الرجل وقد مسح على خفيه ثم
نزعهما أحببت له أن لا يصلي حتى يستأنف الوضوء لأن الطهارة إذا انتقضت عن عضو احتملت أن
تكون على الأعضاء كلها فإذا لم يزد على غسل رجليه أجزأه وقد روي عن ابن عمر أنه توضأ وخرج إلى
السوق ثم دعى لجنازة فمسح على خفيه وصلى كان أحب إلى وإن كان إنما يعدها عقدا ولا يلفظ بعددها
لفظا لم يكن عليه شئ وإن لفظ بشئ من ذلك لفظا فقال واحدة وثنتان وهو ذاكر لصلاته انتقضت
صلاته وكان عليه الاستئناف، قال وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول يتم ما قد بقي ولا يعيد على ما مضى وبه يأخذ وكان ابن أبي
ليلى يقول إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقي وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك
أعاده على ما جف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ورأيت المسلمين جاءوا بالوضوء متتابع نسقا على
مثل ما توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لغير عذر من انقطاع الماء وطلبه
بنى على وضوئه ومن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا أنه أخذ في عمل غيره فأحب إلى
أن يستأنف وإن أتم ما بقي أجزأه. ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال
لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يتشهد ويسلم وبه يأخذ، أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم
أنه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى بذلك
بأسا وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو ترك المصلي مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان
أحب إلى فإن فعل فلا شئ عليه.
150

باب الزكاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان على رجل دين ألف درهم وله على الناس دين ألف
درهم وفي يده ألف درهم فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول ليس عليه زكاة فيما في يديه
حتى يخرج دينه فيزكيه وكان ابن أبي ليلى يقول عليه فيما في يديه الزكاة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا كانت في يدي رجل ألف درهم وعليه مثلها فلا زكاة عليه وإن كانت المسألة بحالها وله
دين ألف درهم فلو عجل الزكاة كان أحب إلى وله أن يؤخرها حتى يقبض ماله فإن قبضه زكى مما في
يديه وإن تلف لم يكن عليه فيه زكاة (قال الربيع) آخر قول الشافعي إذا كانت في يديه ألف وعليه
ألف فعليه الزكاة (قال الربيع) من قبل أن الذي في يديه إن تلف كان منه وإن شاء وهبها وإن شاء
تصدق بها فلما كانت في جميع أحكامها مالا من ماله وقد قال الله عز وجل (خذ من أموالهم صدقة)
كانت عليه فيها الزكاة، قال وكان ابن أبي ليلى يقول زكاة الدين على الذي هو عليه فقال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى بل هي على صاحبه الذي هو له إذا خرج كذلك بلغنا عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه
وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل دين على الناس فإن كان حالا وقد
حال عليه الحول في يدي الذي هو عليه أو أكثر من حول فإن كان يقدر على أخذه منه فتركه فعليه فيه
الزكاة وهو كمال له وديعة في يدي رجل عليه أن يزكيه إذا كان قادرا عليه وإن كان لا يدري لعله
سيفلس له به أو كان متغيبا عنه فعليه إذا كان حاضرا طلبه منه بألح ما يقدر عليه فإذا نض في يديه
فعليه الزكاة لما مضى في يديه من السنين فإن تلف قبل أن يقبضه فلا زكاة عليه فيه وهكذا إذا كان
صاحب الدين متغيبا عنه، قال وإذا كانت أرض من أرض الخراج فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان
يقول ليس فيها عشر لا يجتمع عشر وخراج وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه فيها العشر مع
الخراج (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا زرع الرجل أرضا من أرض الخراج فعليه في زرعها
العشر كما يكون عليه في زرع أرض لرجل تكاراها منه، وهي لذلك الرجل أو هي صدقة موقوفة،
قال وإذا كانت الأرض من أرض العشر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في كل قليل وكثير
أخرجت من الحنطة والشعير والزبيب والتمر والذرة وغير ذلك من أصناف الغلة العشر ونصف العشر
والقليل والكثير في ذلك سواء وإن كانت حزمة من بقل وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم
وكان ابن أبي ليلى يقول ليس في شئ من ذلك عشر إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا يكون
فيه العشر حتى يبلغ خمسة أوسق فصاعدا والوسق عندنا ستون صاعا والصاع مختوم بالحجاجي
وهو ربع
بالهاشمي الكبير وهو ثمانية أرطال والمد رطلان وبه يأخذ وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس في
البقول والخضراوات عشر ولا أرى في شئ من ذلك عشرا إلا الحنطة والشعير والحبوب وليس فيه
شئ حتى يبلغ خمسة أوسق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا زرع الرجل أرضا من أرض العشر
فلا زكاة عليه حتى يخرج منها خمسة أوسق من كل صنف مما أخرجت مما فيه الزكاة وذلك ثلاثمائة صاع
بصاع النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس في الخضر زكاة والزكاة فيما
اقتيت ويبس وادخر مثل الحنطة والذرة والشعير والزبيب والحبوب التي في هذا المعنى التي ينبت
الناس، قال وإذا كان لرجل إحدى وأربعون بقرة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إذا حال
عليها الحول ففيها مسنة وربع عشر مسنة وما زاد فبحساب ذلك إلى أن تبلغ ستين بقرة وأظنه حدثه أبو
151

حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبي ليلى يقول لا شئ في الزيادة على الأربعين حتى تبلغ ستين
بقرة وبه يأخذ وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا شئ في الأوقاص والأوقاص عندنا
ما بين الفريضتين وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وليس في البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين
فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم ليس في الزيادة على الثلاثين صدقة حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين
ففيها مسنة ثم ليس في زيادتها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان ثم ليس في الفضل
على الستين صدقة حتى تبلغ سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة ثم ليس في الفضل على السبعين
صدقة حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغت الثمانين ففيهما مسنتان ثم هكذا صدقتها ولك صدقة من الماشية فلا
شئ فيها فيما بين الفريضتين وكل ما كان فوق الفرض الأسفل لم يبلغ الفرض الأعلى فالفضل فيه عفو
صدقته صدقة الأسفل قال وإذا كان للرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم فحال عليها الحول فإن أبا
حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في الزكاة يضيف أقل الصنفين إلى أكثرهما ثم يزكيه إن كانت الدنانير
أقل من عشرة دراهم بدينار تقوم الدراهم دنانير
ثم يجمعها جميعا فتكون أكثر من عشرين مثقالا من
الذهب فيزكيها في كل عشرين مثقالا نصف مثقال فما زاد فليس فيه شئ من الزكاة حتى يبلغ أربعة
مثاقيل فيكون فيها عشر مثقال وإذا كانت الدنانير أكثر من عشرة دراهم بدينار قوم الدنانير دراهم
وأضافها إلى الدارهم فتكون أكثر من مائتي درهم ففي كل مائتين خمسة دراهم ولا شئ فيما زاد على
المائتين حتى يبلغ أربعين درهما فإذا بلغت ففي كل أربعين زادت بعد المائتين درهم وكان
ابن أبي ليلى
يقول لا زكاة في شئ من ذلك حتى يبلغ الذهب عشرين مثقالا وتبلغ الفضة مائتي درهم ولا يضيف
بعضها إلى بعض ويقول هذا مال مختلف بمنزلة رجل له ثلاثون شاة وعشرون بقرة وأربعة أبعرة فلا
يضاف بعضها إلى بعض وقال ابن أبي ليلى ما زاد على المائتي الدرهم والعشرين المثقال من شئ
فبحساب ذلك ما كان من قليل أو كثير وبهذا يأخذ في الزيادة، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه
ليس فيما زاد على المائتين شئ حتى يبلغ أربعين درهما وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يقوم الذهب ولا الفضة إنما الزكاة على وزنه جاءت بذلك السنة
إن كان له منها خمسة عشر مثقالا ذهبا لم يكن عليه فيها زكاة ولو كان قيمتها ألف درهم لأن الحديث
إنما جاء في عشرين مثقالا ولو كان له مع ذلك أربعون درهما لم يزكه حتى يكون خمسين درهما فإذا
كمل من الأخرى أوجبت فيه الزكاة وكذلك لو كان نصف من هذا ونصف من هذا ففيه الزكاة
فيضيف بعضه إلى بعض ويخرجه دراهم أو دنانير وإن شاء زكى الذهب والفضة بحصتهما أي ذلك
فعل أجزأه ولو كان له مائتا درهم وعشرة مثاقيل زكى المائتي الدرهم بخمسة دراهم وزكى العشرة
مثاقيل بربع مثقال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كانت لرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم
فحال عليها الحول فلا زكاة فيها ولا يضم الذهب إلى الورق وهو صنف غيرها يحل الفضل في بعضها
على بعض يدا بيد كما لا يضم التمر إلى الزبيب وللتمر بالزبيب أشبه من الفضة بالذهب وأقرب ثمنا
بعضه من بعض وكما لا تضم الإبل إلى البقر ولا البقرة إلى الغنم، قال ولو أن رجلا له مائتا درهم وعشرة
مثاقيل ذهبا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول إذا حال عليها الحول يضيف بعضه إلى بعض
ويزكيه كله وقال ابن أبي ليلى هذان مالان مختلفان تجب الزكاة على الدراهم ولا تجب على الذهب
وقال أبو يوسف فيه الزكاة كله ألا ترى أن التاجر يكون له المتاع للتجارة وهو مختلف فيقومه ويضيف
بعضه إلى بعض ويزكيه وكذلك الذهب والفضة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر
152

رجلا تاجرا أن يقوم تجارته عند الحول فيزكيها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان له مائتا درهم
وتسعة عشر مثقالا زكى المائتين ولم يزك عشر مثقالا كما يكون له خمسة أوسق تمرا وخمسة أوسق زبيبا إلا
صاعا فيزكي التمر ولا يزكي الزبيب.
باب الصيام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اكتحل الرجل في شهر رمضان أو غير رمضان وهو صائم
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا بأس
بذلك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك ويكره
أن يدهن شاربه بدهن يجد طعمه وهو صائم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا بأس أن يكتحل
الصائم ويدهن شاربه ورأسه ووجهه وقدميه وجميع بدنه بأي دهن شاء غالية أو غير غالية، وإذا
صام الرجل يوما من شهر رمضان فشك أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أنه من رمضان فإن أبا
حنيفة رحمه الله تعالى قال يجزيه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجزيه ذلك وعليه قضاء يوم
مكانه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصبح الرجل يوم الشك من رمضان وقد بيت الصوم من
الليل على أنه من رمضان فهذه نية كاملة تؤدى عنه ذلك اليوم إن كان من شهر رمضان وإن لم يكن من
شهر رمضان أفطر (قال الربيع) قال الشافعي في موضع آخر لا يجزيه لأنه صام على الشك، وإذا
أفطرت المرأة يوما من رمضان متعمدة ثم حاضت من آخر النهار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
ليس عليها كفارة وعليها القضاء وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليها الكفارة وعليها القضاء (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل امرأته في شهر رمضان ثم مرض الرجل في آخر يومه
فذهب عقله أو حاضت المرأة فقد قيل على الرجل عتق رقبة وقيل لا شئ عليه فأما إذا سافرا فإن عليه
عتق رقبة وذلك أن السفر شئ يحدثه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بشئ يحدثه (قال) وإذا وجب
على الرجل صوم شهرين من كفارة إفطار من رمضان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ذانك
الشهران متتابعان ليس له أن يصومها إلا متتابعين وذكر أبو حنيفة نحوا من ذلك عن النبي صلى الله
عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ليسا بمتتابعين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا لم
يجد المجامع في شهر رمضان عتقا فصام لم يجز عنه إلا شهران متتابعان وكفارته الظهار ولا يجزي
عنه الصوم ولا الصدقة وهو يجد عتقا (قال) وإذا توضأ الرجل للصلاة المكتوبة فدخل المال حلقه وهو
صائم في رمضان ذاكرا لصومه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إن كان ذاكرا لصومه حين
توضأ فدخل الماء حلقه فعليه القضاء وإن كان ناسيا لصومه فلا قضاء عليه وذكر أبو حنيفة عن حماد
عن إبراهيم وكان ابن أبي ليلى يقول لا قضاء عليه إذا توضأ لصلاة مكتوبة وإن كان ذاكرا لصومه وقد
ذكر عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا توضأ لصلاة مكتوبة وهو صائم فدخل الماء
حلقه فلا شئ عليه وإن كان توضأ لصلاة تطوع فعليه القضاء (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا
توضأ الرجل للصلاة وهو صائم فتمضمض ودخل الماء جوفه وهو ناس لصومه فلا شئ عليه. ولو
شرب وهو ناس لم ينقض ذلك صومه. وإذا كان ذاكرا لصومه فدخل الماء جوفه فأحب إلى أن يعيد
الصوم احتياطا. وأما
الذي يلزمه فلا يلزمه أن يعيد حتى يكون أحدث شيئا من ازدراد أو فعل فعلا
ليس له دخل به الماء جوفه. فأما إذا كان إنما أراد المضمضة فسبقه شئ في حلقه بلا إحداث ازداد
عبد الغني
153

تعمد به الماء إلا إدخال النفس وإخراجه فلا يجب عليه أن يعيد الصوم. وهذا خطأ في معنى النسيان
أو أخف منه.
باب في الحج
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا تشعر البدن ويقول
الاشعار مثلة وكان ابن أبي ليلى يقول الاشعار في السنام من الجانب الأيسر وبه يأخذ (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وتشعر البدن في أسنمتها والبقر في أسنمتها أو مواضع الأسمنة
ولا تشعر الغنم والاشعار
في الصفحة اليمنى وكذلك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشعر في الشق الأيمن وبذلك تركنا قول من قال لا يشعر إلا في
الشق الأيسر وقد روى أن ابن عمر أشعر في الشق الأيسر أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن نافع
أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يبالي في أي الشقين أشعر في الأيمن أو الأيسر، قال
وإذا أهل الرجل بعمرة فأفسدها فقدم مكة وقضاها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول يجزيه
أن يقضيها من التنعيم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجزيه أن يقضيها إلا من ميقات بلاده (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أهل الرجل بعمرة من ميقات فأفسدها فلا يجزيه أن يقضيها إلا من
الميقات الذي أبتدأ منه العمرة التي أفسدها ولا نعلم القضاء في شئ من الأعمال إلا بعمل مثله فأما
عمل أقل منه فهذا قضاء لبعض دون الكل وإنما يجزي قضاء الكل لا البعض ومن قال له أن يقضيها
خارجا من الحرم دخل عليه خلاف ما وصفنا من القياس وخلاف الآثار وقد ظننت أنه إنما ذهب إلى
أن عائشة رضي الله تعالى عنها إنما كانت مهلة
بعمرة وأنها رفضت العمرة وأمرها النبي صلى الله عليه
وسلم بأن تقضيها من التنعيم وهذا ليس كما روي إنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على
العمرة فكانت قارنة وإنما كانت عمرتها شيئا استحبته فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بها فاعتمرت لا
أن عمرتها كانت قضاء وإذا أصاب الرجل من صيد البحر شيئا سوى السمك فإن أبا حنيفة رضي
الله تعالى عنه كان يقول لا خير في شئ من صيد البحر سوى السمك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول لا بأس بصيد البحر كله (قال الشافعي) رضي الله تعالى عنه ولا بأس بأن يصيد المحرم جميع ما
كان معاشه في الماء من السمك وغيره قال الله عز وجل (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم
وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) فقال بعض أهل العلم بالتفسير طعامه كل ما كان فيه
وهو شبه ما قال والله تعالى أعلم وقال أبو يوسف رحمه الله سألت أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عن
حشيش الحرم فقال أكره أن يرعى من حشيش الحرم شيئا أو يحتش منه. قال وسألت ابن أبي ليلى عن
ذلك فقال لا بأس أن يحتش من الحرم ويرعى منه، قال وسألت الحجاج بن أرطاة فأخبرني أنه سأل
عطاء بن أبي رباح فقال لا بأس أن يرعى وكره أن يحتش وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ولا بأس أن يرعى نبات الحرم شجره ومرعاه ولا خير في أن يحتش منه شئ لأن الذي حرم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من مكة أن يختلي خلاها إلا الإذخر والاختلاء الاحتشاش نتفا وقطعا وحرم أن
يعضد شجرها ولم يحرم أن يرعى قال أبو يوسف رحمه الله تعالى سألت أبا حنيفة رضي الله عنه قال لا
بأس أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل وبه يأخذ قال وسمعت ابن أبي ليلى يحدث عن
154

عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم
وحجارته إلى الحل شيئا وحدثنا شيخ عن رزين مولى علي بن عبد الله بن عباس أن علي بن عبد الله كتب
إليه أن يبعث إليه بقطعة من المروة يتخذها مصلى يسجد عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا خير
في أن يخرج من حجارة الحرم ولا ترابه شئ إلى الحل لأن له حرمة ثبتت باين بها ما سواها من
البلدان ولا أرى والله تعالى أعلم أن جائزا لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير
كغيره (قال الشافعي) وقد أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرق عن أبيه عن عبد الأعلى
ابن عبد الله بن عامر قال قدمت مع أمي أو قال جدتي مكة فأتتها صفية بنت شيبة فأكرمتها وفعلت بها
فقالت صفية ما أدري ما أكافئها به فأرسلت إليها بقطعة من الركن فخرجت بها فنزلنا أول منزل فذكر
من مرضهم وعلتهم جميعا قال فقالت أمي أو جدتي ما أرانا أتينا إلا أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم
فقالت لي وكنت أمثلهم انطلق بهذا القطعة إلى صفية فردها وقل لها إن الله جل وعلا وضع في حرمه
شيئا فلا ينبغي أن يخرج منه قال عبد الأعلى فقالوا لي فما هو إلا أن تجيزنا دخولك الحرم فكأنما أنشطنا
من عقل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقال غير واحد من أهل العلم لا ينبغي أن يخرج من الحرم
شئ إلى غيره، وإذا أصاب الرجل حماما من حمام الحرم فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول عليه قيمته
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه شاة وسمعت ابن أبي ليلى يقول في حمام الحرم عن عطاء بن أبي
رباح شاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة اتباعا
لعمر وعثمان وابن عباس وابن عمر ونافع ابن عبد الحرث وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وقد زعم الذي قال فيه قيمة أنه لا يخالف واحدا من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف أربعة في حمام مكة، وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن المحرم
يصيب الصيد فيحكم عليه فيه عناق أو جفرة أو شبه ذلك فقال لا يجزي في هدي الصيد إلا ما يجزي
في هدي المتعة الجذع من الضأن إذا كان عظيما أو الثني من المعز والبقر والإبل فما فوق ذلك لا يجزي ما
دون ذلك ألا ترى إلى قول الله عز وجل في كتاب في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبة) وسألت ابن
أبي ليلى عن ذلك فقال يبعث به وإن كان عناقا أو حملا قال أبو يوسف رحمه الله أخذ بالأثر في
العناق والجفرة وقال أبو حنيفة رحمه الله في ذلك كله قيمته وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
وإذا أصاب الرجل صيدا صغيرا فداه بشاة صغيرة لأن الله عز وجل يقول (مثل) والمثل مثل الذي
يفدى فإذا كان كبيرا كان كبيرا وإذا كان الذي يفدى صغيرا كان صغيرا ولا أعلم من قال لا يجوز أن
يفدي الصيد الصغير بصغير مثله من الغنم إلا خالف القرآن والآثار والقياس والمعقول وإذا كان يزعم أن
الصيد محرم كله فزعم أنه تفدى الجرادة بتمرة أو أقل من تمرة لصغرها وقلة قيمتها وتفدى بقرة الوحش
ببقرة لكبرها فكيف لم يزعم أنه يفدى الصغير بالصغير وقد فدى الصغير بصغير والكبير بكبير وقد قال
الله عز وجل (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وإنما رفع وخفض بالمثل عنده فكيف يفدي بتمرة ولا
يفدي بعناق وما للضحايا وهدي المتعة وجزاء الصيد هل رآه قياس جزاء الصيد حين أصاب المحرم
البقرة بأن قال يكفيه شاة كما يكفي المتمتع أو المضحي أو قاسه حين أصاب المحرم جرادة بأن قال لا
يجزي المحرم إلا شاة كما لا يجزي المضحي والمتمتع إلا شاة فإن قال لا قيل ألأن جزاء الصيد كما قال الله
تبارك وتعالى مثل وإنما (المثل) صغيرا أو كبيرا على قدر المصاب فإن قال نعم قيل فما أضلك عن الجفرة
إذا كانت مثل ما أصيب وإن كنت تقلد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وحده في أقضية لا
155

حجة لك في شئ منها إلا تقليده فكيف خالفته ومعه القرآن والقياس والمعقول وغيره من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم؟ وقد قضى عمر رضي الله عنه في الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وقضى
في الضب بجدي قد جمع الماء والشجر وقضى ابن مسعود رضي الله عنه في اليربوع بجفرة أو جفر وقضى عثمان
رضي الله عنه في أم حبين بحلان من الغنم يعني حملا وذكر عن خصيف الجزري عن أبي عبيدة عن
عبد الله بن مسعود أنه قال في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه داود بن أبي هند عن عامر مثله وسمعت
ابن أبي ليلى يقول عن عطاء بن أبي رباح في البيضة درهم وقال أبو حنيفة رحمه الله قيمتها (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب المحرم بيض نعام أو بيض حمام أو بيضا من الصيد ففيه قيمته
قياسا على الجرادة وعلى ما لم يكن له مثل من النعم.
باب الديات
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وللمقتول ورثة صغار وكبار فإن
أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول للكبار أن يقتلوا صاحبهم إن شاءوا وكان ابن أبي ليلى يقول ليس
لهم أن يقتلوا حتى يكبر الأصاغر وبه يأخذ، حدثنا أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر أن الحسن بن
علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم بعلي وقال أبو يوسف وكان لعلي رضي الله عنه أولاد صغار (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وله ورثة صغار وكبار أو كبار غيب فليس
لأحد منهم أن يقتل حتى تبلغ الصغار وتحضر الغيب ويجتمع من له سهم في ميراثه من زوجة أو أم أو
جدة على القتل فإذا اجتمعوا كان لهم أن يقتلوا فإذا لم يجتمعوا لم يكن لهم أن يقتلوا وإذا كان هذا
هكذا فلأيهم شاء من البالغين الحضور أن يأخذ حصته من الدية من مال الجاني بقدر ميراثه من المقتول
وإذا فعل كان لأولياء الغيب وعلى أولياء الصغار أن يأخذوا لهم حصصهم من الدية لأن القتل قد حال
وصار مالا فلا يكون لولي الصغير أن يدعه وقد أمكنه أخذه فإن قال قائل كيف ذهبت إلى هذا دون
غيره من الأقاويل وقد قال بعض أهل العلم أي ولاة الدم قام به قتل وإن عفا الآخرون فأنزله بمنزلة
الحد وقال غيره من أهل العلم يقتل البالغون ولا ينتظرون الصغار وقال غيره يقتل الولد ولا ينتظرون
الزوجة؟ قيل ذهبنا إليه أنه السنة التي لا ينبغي أن تخالف أو في مثل معنى السنة والقياس على الاجماع
فإن قال فأين السنة فيه؟ قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن
أحبوا أخذوا القصاص وإن أحبوا فالدية) فلما كان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لولاة
الدم أن يقتلوا ولهم أن يأخذوا المال وكان إجماع المسلمين أن الدية موروثة لم يحل لوارث أن يمنع الميراث
من ورث معه حتى يكون الوارث يمنع نفسه من الميراث وهذا معنى القرآن في قول الله عز وجل (فمن
عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وهذا مكتوب في كتاب الديات ووجدنا ما
خالفه من الأقاويل لا حجة فيه لما وصفت من السنة بخلافهم ووجدت مع ذلك قولهم متناقضا إذ
زعموا إنهم امتنعوا من أن يأخذوا الدية من القاتل لأنه إنما عليه دم لا مال فلو زعموا أن واحدا من
الورثة لو عفا حال الدم مالا ما لزموا قولهم ولقد نقضوه فأما الذين قالوا هو كالحد يقوم به أي الورثة شاء
وإن عفا غيره فقد خالفوا بينه وبين الحد من أجل أنهم يزعمون أن للورثة العفو عن القتل ويزعمون أنه
لا عفو لهم عن الحد ويزعمون أنهم لو اصطلحوا في القتل على الدية جاز ذلك ويزعمون أنهم لو
156

اصطلحوا على مال في الحد لم يجز وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل لم يدر أيهم أصابه فإن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى كان يقول هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيها إذا لم يدع ذلك أولياء القتيل على غيرهم
وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول هو على عاقلة الذين اقتتلوا جميعا إلا أن يدعي أولياء القتيل
على غير أولئك وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل فادعى
أولياؤه على أحد بعينه أو على طائفة بعينها أو قالوا قد قتلته إحدى الطائفتين لا يدري أيتهما قتلته قيل لهم
إن جئتم بما يوجب القسامة على إحدى الطائفتين أو بعضهم أو واحد بعينه أو أكثر قيل لكم أقسموا على
واحد فإن لم تأتوا بذلك فلا عقل ولا قود ومن شئتم أن نحلفه لكم على قتله أحلفناه ومن أحلفناه أبرأناه
وهكذا إن كان جريحا ثم مات ادعى على أحد أو لم يدع عليه إذا لم أقبل دعواه فيما هو أقل من الدم لم
أقبلها في الدم وما أعرف أصلا ولا فرعا لقول من قال تجب القسامة بدعوى الميت ما القسامة التي قضى
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن سهل إلا على خلاف ما قال فيها دعوى ولا لوث من
بينة، وإذا أصيب الرجل وبه جراحة فاحتمل فلم يزل مريضا حتى مات فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى
عنه كان يقول ديته على تلك القبيلة التي أصيب فيهم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ليس عليهم
شئ، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القصاص لكل وارث وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يجعل
لكل وارث قصاصا إلا الزوج والمرأة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الزوج والمرأة الحرة والجدة وبنت
الابن وكل وارث من ذكر أو أنثى فله حق في القصاص وفي الدية، وإذا وجد القتل في قبيلة فإن أبا
حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول القسامة على أهل الخطة والعقل عليهم وليس على السكان ولا على
المشترين شئ وبه يأخذ ثم قال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد على المشترين والسكان وأهل الخطة وكان
ابن أبي ليلى يقول الدية على السكان والمشترين معهم وأهل الخطة، وكذلك إذا وجد في الدار فهو
على أهل القبيلة قبيلة تلك الدار والسكان الذين فيها في قول ابن أبي ليلى، وكان أبو حنيفة رحمه الله
تعالى يقول على عاقلة أرباب الدور خاصة وإن كانوا مشترين وأما السكان فلا وبهذا يأخذ (رجع أبو
يوسف رحمه الله تعالى إلى قول ابن أبي ليلى وقول أبي حنيفة المعروف ما بقي من أهل الخطة رجل
فليس على المشتري شئ) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا وجد الرجل قتيلا في دار رجل أو
أهل خطة أو سكان أو صحراء أو عسكر فكلهم سواء لا عقل ولا قود إلا ببينة تقوم أو بما يوجب
القسامة فيقسم الأولياء فإذا ادعى الأولياء على واحد وألف أحلفناهم وأبرأناهم لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال للأنصاريين (فتبرئكم يهود بخمسين يمينا) فلما أبوا أن يقبلوا أيمانهم لم يجعل على يهود شيئا
وقد وجد القتيل بين أظهرهم ووداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده متطوعا، وإذا قطع رجل يد
امرأة أو امرأة يد رجل فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول ليس في هذا قصاص ولا قصاص فيما
بين الرجال والنساء فيما دون النفس ولا فيما بين الأحرار والعبيد فيما دون النفس ولا قصاص بين الصبيان
في النفس ولا غيرها وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
القصاص بينهم في ذلك وفي جميع الجراحات التي يستطاع فيها القصاص (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: القصاص بين الرجل والمرأة في الجراح وفي النفس وكذلك العبيد بعضهم من بعض وإذا كانوا
يقولون القصاص بينهم في النفس وهي الأكثر كان الجرح الذي هو الأقل أولى لأن الله عز وجل ذكر
النفس والجراح في كتابه ذكرا واحدا وأما الصبيان فلا قصاص بينهم، وإذا قتل الرجل رجلا بعصا
أو بحجر فضربه ضربات حتى مات من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا قصاص بينهما
157

وكان ابن أبي ليلى يقول بينهما القصاص وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل
الرجل بحديدة تمور أو بشئ يمور فمار فيه موران الحديد فمات من ذلك ففيه القصاص وإذا أصابه
بعصا أو بحجر أو ما لا يمور موران السلاح فأصله شيئان إن كان ضربه بالحجر العظيم والخشبة العظيمة
التي الأغلب منها إنه لا يعاش من مثلها وذلك أن يشدخ بها رأسه أو يضرب بها جوفه أو خاصرته أو
مقتلا من مقاتله أو حمل عليه الضرب بشئ أخف من ذلك حتى بلغ من ضربه ما الأغلب عند الناس أن
لا يعاش من مثله قتل به وكان هذا عمد القتل وزيادة أنه أشد من القتل بالحديد لأن القتل بالحديد
أوحى وإن ضربه بالعصا أو السوق أو الحجر الضرب الذي الأغلب منه أنه يعاش من مثله فهذا الخطأ
شبه العمد ففيه الدية مغلظة ولا قود فيه وإذا عض الرجل يد الرجل فانتزع المعضوض يده فقلع سنا
من أسنان العاض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان عليه في السن لأنه قد كان له أن
ينزع يده من فيه وبه يأخذ وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا عض يد رجل فانتزع
يده من فيه فنزع ثنيته فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (أيعض أحدكم أخاه عض الفحل)
وكان ابن أبي ليلى يقول هو ضامن لدية السن وهما يتفقان فيما سوى ذلك مما يجني في الجسد سواء في
الضمان (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا عض الرجل يد الرجل أو رجله أو بعض جسده فانتزع
المعضوض ما عض منه من في العاض فسقط بعض ثغره أو كله فلا شئ عليه لأنه كان للمعضوض أن
ينزع يده من في العاض ولم يكن متعديا بالانتزاع فيضمن وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مثل هذا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن صفوان
بن يعلي بن أمية عن أبيه أن رجلا عض يد رجل فانتزع المعضوض يده في العاض فسقطت ثنيته أو
ثنيتاه فأهدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في، في فحل)
وإذا نفحت الدابة برجلها وهي تسير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا ضمان على صاحبها لأنه
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الرجل جبار) وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هو
ضامن في هذا لما أصابت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يضمن قائد الدابة وسائقها وراكبها ما
أصابت بيد أو فم أو رجل أو ذنب ولا يجوز إلا هذا (1) ولا يضمن شيئا إلا أن يحملها على أن تطأ شيئا
فيضمن لأن وطأها من فعله فنكون حينئذ كأداة من أداته جنى بها فأما أن نقول يضمن عن يدها ولا يضمن
عن رجلها فهذا تحكم فإن قال لا يرى رجلها فهو إذا كان سائقا لا يرى يدها فينبغي أن يقول
في السائق يضمن عن الرجل ولا يضمن عن اليد وليس هكذا بقول فأما ما روي عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أن الرجل جبار فهو والله تعالى أعلم غلط لأن الحفاظ لم يحفظوا هكذا، وكان أبو
حنيفة رحمه الله يقول في الرجل إذا قتل العبد إن قيمته على عاقلة القاتل وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول: لا تعقله العاقلة ثم رجع أبو يوسف فقال هو مال لا تعقله العاقلة وعلى القاتل قيمته ما بلغ حالا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قتل الرجل العبد خطأ عقلته عاقلته لأنها إنما تعقل جناية حر في
نفس محرمة قد يكون فيها القود قال ويكون فيها الكفارة كما تكون في الحر بكل حال فهو بالنفوس أشبه
منه بالأموال هو لا يجامع الأموال في معنى إلا في أن ديته قيمته فأما ما سوى ذلك فهو مفارق
للأموال مجامع للنفوس في أكثر أحكامه وبالله تعالى التوفيق.

(1) قوله: ولا يضمن شيئا الخ هذا تقييد للضمان قبله أي أن ضمانه لا يكون إلا في هذه الحالة، تأمل.
158

باب السرقة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة والسرقة تساوي عشرة دراهم
فصاعدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أقطعه ويقول إن لم أقطعه جعلته عليه دينا ولا قطع في
الدين وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقطعه حتى يقر مرتين وبهذا يأخذ ثم رجع إلى قول أبي حنيفة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة وثبت على الاقرار وكانت مما تقطع فيه
اليد قطع وسواء إقراره مرة أو أكثر فإن قال قائل كما لا أقطعه إلا بشاهدين فهو إذا شهد عليه شاهدان
قطعه ولم يلتفت إلى رجوعه لو كان أقر وهو لو أقر عنده مائة مرة ثم رجع لم يقطعه فإن قال قائل فهكذا
لو رجعت الشهود لم نقطعه، قيل لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه بما رجعوا
عنه لم تقبل شهادتهم، ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه فالاقرار مخالف للشهادات في البدء والمتعقب،
وإن كان المسروق منه غائبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا أقطعه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى
يقول اقطعه إذا أقر مرتين وإن كان المسروق منه غائبا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان
المسروق منه غائبا حبس السارق حتى يحضر المسروق منه لأنه لعله أن يأتي له بمخرج يسقط عنه القطع
أو القطع والضمان، وإن كانت السرقة تساوي خمسة دراهم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
لا قطع فيها بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه وعن ابن مسعود أنهم قالوا
لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول تقطع اليد في خمسة دراهم ولا
تقطع في دونها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمر بن حفص وسفيان بن
عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القطع
في ربع دينار فصاعدا) وبه نأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة من
الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تخالف هذا فإنها ليست من وجه يثبت مثله لو انفرد، وأما ما
روي عن علي رضي الله عنه وابن مسعود فليست في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ولا أعلمه
ثابتا عن واحد منهما وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك
رحمه الله تعالى عنه عن القطع فقال حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع سارقا في شئ ما
يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
(القطع في ربع دينار فصاعدا) وهو مكتوب في كتاب السرقة (قال) وإذا شهد الشاهدان على رجل
بالسرقة والمسروق منه غائب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا أقبل الشهادة والمسروق منه غائب
أرأيت لو قال لم يسرق مني شيئا أكنت أقطع السارق وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل الشهادة
عليه واقطع السارق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة والمسروق منه
غائب قبلت الشهادة وسألت عن الشهود وأخرت القطع إلى أن يقدم المسروق منه (قال) وإذا اعترف
الرجل بالسرقة مرتين وبالزنا أربع مرات ثم أنكر بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ندرأ
عنه الحد فيهما جميعا ونضمنه السرقة وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعترف عنده
ماعز بن مالك وأمر به أن يرجم هرب حين أصابته الحجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا
خليتم سبيله) حدثنا بذلك أبو حنيفة رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي
ليلى يقول لا أقبل رجوعه فيهما جميعا وأمضى عليه الحد (قال الشافعي) وإذا أقر الرجل بالزنا أو
159

بشرب الخمر أو بالسرقة ثم رجع قبلت رجوعه قيل أن تأخذه السياط أو الحجارة أو الحديد وبعد جاء
يسبب أو لم يأت به عير أو لم يعير قياسا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماعز (فهلا تركتموه)
وهكذا كل حد لله فأما ما كان للآدميين فيه حق فيلزمه ولا يقبل رجوعه فيه وأغرمه السرقة لأنها حق
للآدميين، وإذا دخل الرجل من أهل الحرب إلينا بأمان فسرق عندنا سرقة فإن أبا حنيفة رحمه الله
كان يقول يضمن السرقة ولا يقطع لأنه لم يأخذ الأمان لتجري عليه الأحكام وكان ابن أبي ليلى يقول
تقطع يده وبه يأخذ ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا
دخل الحربي دار الاسلام بأمان فسرق ضمن السرقة ولا يقطع ويقال له ننبذ إليك عهدك ونبلغك
مأمنك لأن هذه دار لا يصلح أن يقيم فيها إلا من يجري عليه الحكم (قال الربيع) لا يقطع إذا كان
جاهلا فإن كان عالما قطع (قال الشافعي) رحمه الله لا ينبغي لأحد أن يعطي أحدا أمانا على أن لا
يجري عليه حكم الاسلام ما دام مقيما في دار الاسلام.
باب القضاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أثبت القاضي في ديوانه الاقرار وشهادة الشهود ثم رفع إليه
ذلك وهو لا يذكره فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا ينبغي له أن يجيزه وكان ابن أبي ليلى رحمه
الله يجيز ذلك وبه يأخذ قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن كان يذكره ولم يثبته عنده أجازه وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجيزه حتى يثبته عنده وإن ذكره (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا وجد
القاضي في ديوانه خطا لا يشك أنه خطه أو خط كاتبه بإقرار رجل لآخر أو بثبت حق عليه بوجه لم
يكن له أن يقضي به حتى يذكر منه أو يشهد به عنده كما لا يجوز إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة أن
يشهد، وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض والقاضي لا يعرف كتابه ولا خاتمه فإن أبا حنيفة رحمه
الله كان يقول لا ينبغي للقاضي الذي أتاه الكتاب أن يقبله حتى يشهد شاهدا عدل على خاتم القاضي
وعلى ما في الكتاب كله إذا قرئ عليه عرف القاضي الكتاب والخاتم أو لم يعرفه ولا يقبله إلا
بشاهدين على ما وصفت لأنه حق وهو مثل شهادة على شهادة ثم رجع أبو يوسف رحمه الله وقال لا
يقبل الكتاب حتى يشهد الشهود أنه قرأه عليهم وأعطاهم نسخة معهم يحضرونها هذا القاضي مع
كتاب القاضي وكان ابن أبي ليلى يقول إذا شهدوا على خاتم القاضي قبل ذلك منهم وبه يأخذ (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على كتاب القاضي إلى القاضي عرف المكتوب إليه
كتاب القاضي وخاتمه أو لم يعرفه فهو سواء في الحكم ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين يشهدان أن هذا
كتاب فلان قاضي بل كذا إلى فلان قاضي بلد كذا ويشهدان على ما في الكتاب إما بحفظ له وإما
بنسخة معهما توافق ما فيه ولا أرى أن يقبله مختوما وهما يقولان لا ندري ما فيه لأن الخاتم قد يصنع على
الخاتم ويبدل الكتاب وإذا قال الخصم للقاضي لا أقر ولا أنكر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا
أجبره على ذلك ولكنه يدعو المدعي بشهوده بهذا يأخذ (قال) وكان ابن أبي ليلى لا يدعه حتى يقر أو
ينكر وكان أبو يوسف إذا سكت يقول له احلف مرارا فإن لم يحلف قضى عليه (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: وإذا تنازع الرجلان وادعى أحدهما على الآخر دعوى فقال المدعى عليه لا أقر ولا أنكر قيل
للمدعي إن أردت نحلفه عرضنا عليه اليمين فإن حلف برئ إلا أن تأتي ببينة وإن نكل قلنا لك
160

احلف على دعواك وخذ فإن أبيت لم نعطك بنكوله شيئا دون يمينك مع نكوله، وإذا أنكر الخصم
الدعوى ثم جاء بشهادة الشهود على المخرج منه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول أقبل ذلك منه وبهذا
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقبل منه بعد الانكار مخرجا وتفسير ذلك أن الرجل يدعي قبل الرجل
الدين فيقول ماله قبلي شئ فيقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة أنه قد أوفاه إياه وقال أبو
حنيفة المطلوب صادق بما قال ليس قبلي شئ وليس قوله هذا بإكذاب لشهوده على البراءة (قال
الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل دينا فأنكر المدعى عليه فأقام عليه المدعي بينة
فجاء المشهود عليه بمخرج مما شهد به عليه قبلته منه وليس إنكاره الدين إكذابا للبينة فهو صادق إنا
ليس عليه شئ في الظاهر إذا جاء بالمخرج منه ولعله أراد أولا أن يقطع عنه المؤنة، وإذا أدعى رجل
قبل رجل دعوى فقال عندي المخرج فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ليس هذا عندي بإقرار إنما
يقول عندي البراءة وقد تكون عند البراءة من الحق ومن الباطل وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
هذا إقرار فإن جاء بمخرج وإلا ألزمه الدعوى وأبو حنيفة يقول إن لم يأت بالمخرج لم تلزمه الدعوى إلا
ببينة (قال الشافعي) رحمه الله وإذا ادعى الرجل على الرجل حقا فقال المدعى عليه عندي منها
المخرج فسأل المدعي القاضي أن يجعل هذا إقرارا يأخذه به إلا أن يجئ منه بالمخرج فليس هذا بإقرار
لأنه قد يكون عنده المخرج بأن لا يقربه ولا يوجد عليه بينة ولا يأخذ المدعي إلا ببينة يثبتها ويقبل من
المدعى عليه المخرج وإن شهد عليه. قال وإذا أقر الرجل عند القاضي بشئ فلم يقض به القاضي
عليه ولم يثبته في ديوانه ثم خاصمه إليه فيه بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله قال إذا ذكر القاضي
ذلك أمضاه عليه وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله لا يمضي ذلك عليه وإن كان ذاكرا له حتى
يثبته في ديوانه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل عند الحاكم فأثبت الحاكم إقراره في
ديوانه أو كان ذاكرا لاقراره ولم يثبت في ديوانه فسواء فإن كان ممن يأخذ بالاقرار عنده أخذه به ولا
معنى للديوان إلا الذكر وإذا كان القاضي ذاكرا فسواء كان في الديوان أو لم يكن (قال الربيع) وكان
الشافعي يجيز الاقرار عند القاضي وإنما كره أن يتكلم بإجازته لحال ظلم بعض القضاة.
باب الفرية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل لرجل من العرب: يا نبطي أو لست بني فلان
لقبيلة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا حد عليه في ذلك وإنما قوله هذا مثل قوله يا كوفي، يا
بصري، يا شامي. حدثنا أبو يوسف عمن حدثه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس بذلك وأما
قوله لست من بني فلان فهو صادق ليس هو من ولد فلان لصلبه وإنما هو من ولد الولد إن القذف
ههنا إنما وقع على أهل الشرك الذين كانوا في الجاهلية وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول فيهما جميعا
الحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال رجل لرجل من العرب يا نبطي وقفته فإن قال عنيت
نبطي الدار أو نبطي اللسان أحلفته بالله ما أراد أن ينفيه وينسبه إلى النبط فإن حلف نهيته عن أن يقول
ذلك القول وأدبته على الأذى وإن أبى أن يحلف أحلفت المقول له لقد أراد نفيك فإذا حلف سألت
القائل عمن نفى فإذا قال ما نفيته ولا قلت ما قال جعلت القذف واقعا على أم المقول له لقد أراد نفيك
فإذا حلف سألت القائل عمن نفى فإذا قال ما نفيته ولا قلت ما قال جعلت القذف واقعا على أم المقول
161

له فإن كانت حرة مسلمة حددته إن طلبت الحد فإن عفت فلا حد لها وإن كانت ميتة فلابنها القيام
بالحد وإن قال عنيت بالقذف الأب الجاهلي أحلفته ما عنى به أحدا من أهل الاسلام وعزرته ولم
أحده وإن قال لست من بني فلان لجده ثم قال إنما عنيت لست من بنيه لصلبه إنما أنت من بني بنيه لم
أقبل ذلك منه وجعلته قاذفا لأمه فإن طلبت الحد وهي حرة كان لها ذلك إلا أن يقول نفيت الحد
الأعلى الذي هو جاهلي فأعزره ولا أحد لأن القذف وقع على مشركة. وإذا قال الرجل لرجل لست
ابن فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا حد على القاذف إنما
وقع القذف ههنا على الأم ولا حد على قاذفها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول في ذلك عليه الحد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نفى الرجل الرجل من أبيه وأم المنفي ذمية أو أمة فلا حد عليه
لأن القذف إنما وقع على من لا حد له ولكنه ينكل عن أذى الناس بتعزير لا حد. قال وإذا قذف
رجل رجلا فقال: يا ابن الزانيين وقد مات الأبوان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إنما عليه
حد واحد لأنها كلمة واحدة وبهذا يأخذ قلت إن فرق القول أو جمعه فهو سواء وعليه حد واحد وكان
ابن أبي ليلى يقول عليه حدان ويضربه الحدين في مقام واحد وقد فعل ذلك في المسجد (قال
الشافعي) رحمه الله وإذا قال الرجل للرجل يا ابن الزانيين وأبواه حران مسلمان ميتان فعليه حدان ولا
يضربهما في موقف واحد ولكنه يحد ثم يحبس حتى إذا برأ جلده حد حدا ثانيا وكذلك لو فرق القول أو
جمعه أو قذف جماعة بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فلكل واحد منهم حده ألا ترى أنه لو قذف ثلاثة
بالزنا فلم يطلب واحد الحد وأقر آخر بالزنا حد للطالب الثالث حدا تاما ولو كانوا شركاء في الحد ما كان
ينبغي أن يضرب إلا ثلث حد لأن حدين قد سقطا عنه أحدهما باعتراف صاحبه والآخر بترك صاحبه
الطلب وعفوه وإذا كان الحد حقا لمسلم فكيف يبطل بحال أرأيت لو قتل رجل ثلاثة أو عشرة معا أما
كان عليه لكل واحد منهم دية إن قتلهم خطأ وعليه القود إن قتلهم عمدا ودية لكل من لم يقد منه
لأنهم لا يجدون إلى القود سبيلا. وإذا قال الرجل للرجل يا ابن الزانيين أو قالت المرأة للرجل يا ابن
الزانيين والأبوان حيان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول إذا كانا حيين بالكوفة لم يكن على
قاذفهما الحد إلا أن يأتيا يطلبان ذلك ولا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه جميعا
وبه يأخذ. قال ولا يكون في هذا أبدا إلا حد واحد وكان ابن أبي ليلى يضربهما جميعا حدين في مقام
واحد ويضرب المرأة قائمة ويضربهما حدين في كلمة واحدة ويقيم الحدود في المسجد أظن أبا حنيفة
رحمه الله تعالى قال لا ولا يكون على من قذف بكلمة واحدة أو كلمتين أو جماعة أو فرادى إلا حد
واحد فإن أخذه بعضهم فحد له كان لجميع ما قذف بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ
وقال لا تقام الحدود في المساجد (قال الشافعي) ولا يقام على رجل حدان وجبا عليه في مقام واحد
ولكنه يحد أحدهما ثم يحبس حتى يبرأ ثم يحد الآخر ولا يحد في مسجد، ومن قذف أبا رجل وأبوه حي
لم يحد له حتى يكون الأب الذي يطلب وإذا مات كان للابن أن يقوم بالحد وإن كان له عدد بنين
فأيهم قام به حد له وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه
جميعا ولكنه يقيم عليه أحدهما ثم يحبس حتى يخف الضرب ثم يضرب الحد الآخر وإنما الحدان في
شرب وقذف أو زنا وقذف أو زنا وشرب فأما قذف كله وشرب كله مرارا أو زنا مرارا فإنما عليه حد
واحد، قال ولو كان الأبوان المقذوفان حيين كانا بمنزلة الميتين في قول ابن أبي ليلى وأما في قول أبي حنيفة
فلا حق للولد حتى يجئ الولدان أو أحدهما يطلب قذفه وإنما عليه حد واحد في ذلك كله (قال
162

الشافعي) رحمه الله تعالى: وتضرب الرجال في الحدود قياما وفي التعزيز وتترك لهم أيديهم يتقون بها
ولا تربط ولا يمدون وتضرب النساء جلوسا وتضم عليهن ثيابهن ويربطن لئلا ينكشفن ويلين رباط
ثيابهن أو تليه منهن امرأة، وإذا قذف الرجل رجلا ميتا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا
يأخذ بحد الميت إلا الولد أو الوالد وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول يأخذ أيضا الأخ
والأخت وأما غير هؤلاء فلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يأخذ حد الميت ولده وعصبته من كانوا،
وإذا قذف الرجل امرأته وشهد عليه الشهود بذلك وهو يجحد فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول
إذا رفع إلى الإمام خبره حبسه حتى يلاعن وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا جحد ضربته الحد
ولا أجبره على اللعان منها إذا جحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على رجل
أنه قذف امرأته مسلمة وطلبت أن يحد لها وجحد شهادتهما قيل له إن لاعنت خرجت من الحد وإن لم
تلاعن حددناك.
باب النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تزوج المرأة بغير مهر مسمى فدخل بها فإن لها مهر مثلها من
نسائها لا وكس ولا شطط وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نساؤها أخواتها وبنات عمها وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول نساؤها أمها وخالاتها (قال الشافعي) وإذا تزوج الرجل المرأة بغير مهر فدخل بها فلها
صداق مثلها من نسائها ونساؤها نساء عصبتها الأخوات وبنات العم وليس الأم ولا الخالات إذا لم يكن
بنات عصبتها من الرجال ونساؤها اللاتي يعتبر عليها بهن من كان مثلها من أهل بلدها وفي سنها وجمالها
ومالها وأدبها وصراحتها لأن المهر يختلف باختلاف هذه الحالات وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة
ابن أخيه وهو صغير يتيم في حجره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول النكاح جائز وله الخيار
إذا أدرك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك ثم رجع أبو يوسف وقال إذا
زوج الولي فلا خيار وهو مثل الأب (قال الشافعي) رحمه الله ولا يجوز نكاح الصغار من الرجال ولا
من النساء إلا أن يزوجهن الآباء والأجداد إذا لم يكن لهن آباء وإذا زوجهن أحد سواهم فالنكاح
مفسوخ ولا يتوارثان فيه وإن كبرا فإن دخل عليها فأصابها فلها المهر ويفرق بينهما ولو طلقها قبل أن
يفسخ النكاح لم يقع طلاقه ولا ظهاره ولا إيلاؤه لأنها لم تكن زوجة قط. وإذا تزوج الرجل المرأة
وامرأة أبيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: كان يقول هو جائز بلغنا ذلك عن عبد الله بن جعفر أنه فعل
ذلك وبه يأخذ تزوج عبد الله بن جعفر امرأة علي رضي الله عنه وابنته جميعا، وكان ابن أبي ليلى
يقول لا يجوز النكاح وقال كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل لها نكاح صاحبتها فلا ينبغي
للرجل أن يجمع بينهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا بأس أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من
غيرها (قال الشافعي) فإن قال قائل لم زعمت أن الآباء يزوجون الصغار قيل زوج أبو بكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست أو سبع وبنى بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع
فالحالان اللذان كان فيهما النكاح والدخول كانا وعائشة صغيرة ممن لا أمر لها في نفسها وزوج غير واحد
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة فإن قال قائل فإذا أجزت هذا للآباء ولم
تلتفت إلى القياس في أنه لا يجوز أن يعقد على حرة صغيرة نكاح ثم يكون لها الخيار لأن أصل النكاح
لا يجوز أن يكون فيه خيار إلا في الإماء إذا تحولت حالهن والحرائر لا تحول حالهن ولا يجوز أن يعقد
163

عليهن مالهن منه بد ثم يلزمهن فكيف لم تجعل الأولياء قياسا على الآباء؟ قيل لافتراق الآباء والأولياء وأن
الأب يملك من العقد على ولده ما لا يملكه منه غيره ألا ترى أنه يعقد على البكر بالغا ولا يرد عنها وإن
كرهت ولا يكون ذلك للعم ولا للأخ ولا ولي غيره فإن قال قائل: فإنا لا نجيز للأب أن يعقد على البكر
بالغا ونجعله فيها وفي الثيب مثل غيره من الأولياء قيل فأنت تجعل قبضه لمهر البكر قبضا ولا تجعل ذلك لولي
غيره إلا وصي بمال وتجعل عقده عليها صغيرة جائزا لا خيار لها فيه وتجعل لها الخيار إن عقد عليها ولي غيره ولو
كان مثل سائر الأولياء ما كنت قد فرقت بينه وبين الأولياء وهذا مكتوب في كتاب النكاح وإذا نظر
الرجل إلى فرج المرأة من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول تحرم على ابنه وعلى أبيه وتحرم عليه
أمها وابنتها بلغنا ذلك عن إبراهيم وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خلا بجارية له
فجردها وأن أبنا له استوهبها منه فقال له إنها لا تحل لك وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه أنه قال (ملعون من نظر إلى فرج وأمها) وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يحرم من ذلك شئ
ما لم يلمسه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم
عليه بالنظر دون اللمس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يتزوج الرجل ابنة الرجل
وامرأة الرجل فيجمع بينهما لأن الله عز وجل إنما حرم الجمع بين الأختين وهاتان ليستا بأختين وحرم
الأم والبنت إحداهما بعد الأخرى وهذه ليست بأم ولا بنت وقد جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي
رضي الله عنه وابنته وعبد الله بن صفوان بين امرأة رجل وابنته وإذا نظر الرجل إلى فرج أمته من شهوة
فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له أمها ولا بنتها وبه يأخذ وكان
ابن أبي ليلى رضي الله عنه يقول هي له حلال حتى يلمسها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا زنا
الرجل بالمرأة فلا تحرم عليه هي إن أراد أن ينكحها ولا أمها ولا ابنتها لأن الله عز وجل إنما حرم
بالحلال والحرام ضد الحلال، وهذا مكتوب في كتاب النكاح من أحكام القرآن. وإذا تزوج الرجل
المرأة بشاهدين من غير أن يزوجها ولي والزوج كفؤ لها فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: النكاح جائز
ألا ترى أنها لو رفعت أمرها إلى الحاكم وأبى وليها أن يزوجها كان للحاكم أن يزوجها ولا يسعه إلا
ذلك ولا ينبغي له غيره فكيف يكون ذلك من الحاكم والولي جائزا ولا يجوز ذلك منها وهي قد وضعت
نفسها في الكفاءة بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن امرأة زوجت ابنتها فجاء أولياؤها
فخاصموا الزوج إلى علي رضي الله تعالى عنه فأجاز علي النكاح وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك وقال
أبو يوسف هو موقوف وإن رفع إلى الحاكم وهو كفؤ أجزت ذلك كأن القاضي ها هنا ولي بلغه أن ابنته
قد تزوجت فأجاز ذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: كل نكاح بغير ولي فهو باطل لقول النبي
صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثلاثا. وإذا تزوج الرجل المرأة
فأعلن المهر وقد كان أسر قبل ذلك مهرا وأشهد شهودا عليه وأعلم الشهود أن المهر الذي يظهره فهو كذا
وكذا سمعة يسمع بها لقوم وأن أصل المهر هو كذا وكذا الذي في السر ثم تزوج فأعلن الذي قال فإن أبا
حنيفة رضي الله عنه كان يقول المهر هو الأول وهو المهر الذي في السر والسمعة باطل الذي أظهر للقوم
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول السمعة هي المهر والذي أسر باطل أبو يوسف عن مطرف عن عامر قال
إذا أسر الرجل مهرا وأعلن أكثر من ذلك أخذ بالعلانية. أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم
عن شريح وإبراهيم مثله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل امرأة بمهر علانية وأسر
قبل ذلك مهرا أقل منه فالمهر مهر العلانية الذي وقعت عليه عقدة النكاح إلا أن يكون شهود المهرين
واحدا فيثبتون على أن المهر مهر السر وأن المرأة والزوج عقدا النكاح عليه وأعلنا الخطبة بمهر غيره أو
164

يشهدون أن المرأة بعد العقد أقرت بأن ما شهد لها به منه سمعة لا مهر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
ولا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل ورضا المنكوحة والناكح إلا في الأمة فإن سيدها يزوجها
والبكر فإن أباها يزوجها ومن لم يبلغ فإن الآباء يزوجونهم وهذا مكتوب في كتاب النكاح (قال) وإذا
زوج الرجل ابنته وقد أدركت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كرهت ذلك لم يجز النكاح
عليها لأنها قد أدركت وملكت أمرها فلا تكره على ذلك، بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال (البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها) فلو كانت إذا كرهت أجبرت على ذلك لم تستأمر وبه
يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول النكاح جائز عليها وإن كرهت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إنكاح
الأب خاصة جائز على البكر بالغة وغير بالغة والدالة على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها) ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما
فجعل الأيم أحق بنفسها وأمر في هذه بالمؤامرة والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس لأنه روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآمروا النساء في بناتهن) ولقول الله عز وجل (وشاورهم في الأمر)
ولو كان الأمر فيهن واحدا لقال الأيم والبكر أحق بنفسيهما وهذا كله مستقصى بحججه في كتاب
النكاح، وإذا تزوج الرجل المرأة ثم اختلفا في المهر فدخل بها وليس بينهما بينة فإن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى كان يقول في ذلك: لها مهر مثلها إلا أن يكون ما ادعت أقل من ذلك فيكون لها ما ادعت،
وكان ابن أبي ليلى يقول إنما لها ما سمي لها الزوج وليس لها شئ غير ذلك وبه يأخذ ثم قال أبو يوسف
بعد أن أقر الزوج بما يكون مهر مثلها أو قريبا منه قبل منه وإلا لم يقبل منه (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا تزوج الرجل المرأة دخل بها أو لم يدخل فاختلفا في المهر تحالفا وكان لها مهر مثلها كان أقل
مما ادعت أو أقل مما أقر به الزوج أو أكثر كالقول في البيوع الفائتة إلا أنا لا نرد العقد في النكاح بما يرد
به العقد في البيوع ونحكم له حكم البيوع الفائتة لأن البيوع الفائتة يحكم فيها بالقيمة وهذا يحكم فيه
بالقيمة والقيمة فيه مهر مثلها كما هي في البيوع قيمة مثل السلعة، وإذا أعتقت الأمة وزوجها حر فإن
أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يجعل لها الخيار إن شاءت اختارت نفسها وإن شاءت أقامت مع زوجها
وكان ابن أبي ليلى يقول لا خيار لها ومن حجة ابن أبي ليلى في بريرة أنه يقول كان زوجها عبدا ومن
حجة أبي حنيفة في ذلك أنه يقول إن الأمة لا تملك نفسها ولا نكاحها وقد بلغنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه خير بريرة حين عتقت وقد بلغنا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أعتقت الأمة فإن كانت تحت عبد فلها الخيار وإن كانت
تحت حر فلا خيار لها وذلك أن زوج بريرة كان عبدا وهذا مكتوب في كتاب النكاح وإذا تزوجت
وزوجها غائب كان قد نعي إليها فولدت من زوجها الآخر ثم جاء زوجها الأول فإن أبا حنيفة رضي الله
تعالى عنه كان يقول الولد للأول وهو صاحب الفراش وقد بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وكان ابن أبي ليلى يقول الولد للآخر لأنه ليس بعاهر والعاهر
الزاني لأنه متزوج وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى وإذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء زوجها المنعى حيا فسخ
النكاح الآخر واعتدت منه وكانت زوجة الأول كما هي وكان الولد للآخر لأنه نكحها نكاحا حلالا في
الظاهر حكمه حكم الفراش (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه
وابنه ولا تحرم على أبيه وابنه بالنظر دون اللمس.
165

باب الطلاق
قال أبو يوسف عن الأشعث بن سوار عن الحكم عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان يقول في
الحرام إن نوى يمينا فيمين وإن نوى طلاقا فطلاق وهو ما نوى من ذلك. وإذا قال الرجل كل حل على
حرام فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى عنه كان يقول القول قول الزوج فإن لم يعن طلاقا فليس بطلاق
وإنما هي يمين يكفرها وإن عنى الطلاق ونوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى
طلاقا ولم ينو عددا فهي واحدة بائنة وكذلك إذا قال لامرأته هي على حرام وكذلك إذ قال لامرأته
خلية أو برية أو بائن أو بتة فالقول قول الزوج وهو ما نوى إن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى
ثلاثا فثلاث بلغنا ذلك عن شريح وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فليس بطلاق غير
أن عليه اليمين ما نوى طلاقا وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول في جميع ما ذكرت هي ثلاث
تطليقات لا ندينه في شئ منها ولا نجعل القول قوله في شئ من ذلك (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا قال الرجل لامرأته أنت على حرام فإن نوى طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق
والقول في ذلك قوله مع يمينه وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق ويكفر كفارة يمين قياسا على الذي يحرم
أمته فيكون عليه فيها الكفارة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أمته فأنزل الله عز وجل (لم تحرم
ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) وجعلها الله يمينا فقال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)
وإذا قال الرجل لامرأته أمرك في يدك فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان
يقول إذا كان الزوج نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة فهي واحدة بائنة وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول هي ثلاث ولا يسأل الزوج عن شئ (قال الشافعي) وإذا خير الرجل امرأته أو ملكها
أمرها فطلقت نفسها تطليقة فهو يملك الرجعة فيها كما يملكها لو ابتدأ طلاقها، وكان أبو حنيفة يقول في
الخيار إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فلا شئ وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
إن اختارت نفسها فواحدة يملك بها الرجعة وإن اختارت زوجها فلا شئ (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق أنت طالق بانت بالأولى ولم يكن عليها عدة
فتلزمها الثنتان وإنما أحدث كل واحدة منهما لها وهي بائن منه حلال لغيره وهكذا قال أبو بكر بن عبد
الرحمن بن الحرث بن هشام وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق
طلقت بالتطليقة الأولى ولم يقع عليها التطليقتان الباقيتان وهذا قول أبي حنيفة بلغنا عن عمر بن
الخطاب وعن علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وإبراهيم بذلك لأن امرأته ليست عليها عدة فقد
بانت منه بالتطليقة الأولى وحلت للرجال ألا ترى أنها لو تزوجت بعد التطليقة الأولى قبل أن يتكلم
بالثانية زوجا كان نكاحها جائزا فكيف يقع عليها الطلاق وهي ليست بامرأته وهي امرأة غيره وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول عليها الثلاث التطليقات إذا كانت من الرجل في مجلس واحد على ما وصفت
لك وإذا شهد شاهد على رجل أنه طلق امرأته واحدة وشهد آخر أنه طلقها اثنتين فإن أبا حنيفة رحمه
الله تعالى كان يقول شهادتهما باطلة لأنهما قد اختلفا وكان ابن أبي ليلى يقول يقع عليها من ذلك تطليقة
لأنهما قد اجتمعا عليها وبهذا يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد الرجل أنه سمع رجلا يقول
لامرأته أنت طالق واحدة وشهد آخر أنه سمعه يقول لها أنت طالق ثنتين فهذه شهادة مختلفة فلا تجوز ولو
شهدا فقالا نشهد أنه طلق امرأته وقال أحدهما قد أثبت الطلاق ولم أثبت عدده وقال الآخر قد أثبت
166

الطلاق وهو ثنتان لزمته واحدة لأنهما يجتمعان عليها، وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وقد دخل بها فإن
أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك لها السكنى والنفقة حتى تنقضي عدتها وبه يأخذ وكان
ابن أبي ليلى يقول لها السكنى وليس لها النفقة وقال أبو حنيفة لم؟ وقد قال الله عز وجل في كتابه
(فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه جعل
للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا ولا
حبل بها فلها السكنى وليس لها نفقة وهذا مكتوب في كتاب الطلاق. وإذا آلى الرجل من امرأته
فحلف لا يقربها شهرا أو شهرين أو ثلاثا لم يقع عليه بذلك إيلاء ولا طلاق لأن يمينه كانت على أقل
من أربعة أشهر حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحوال عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
رضي الله عنهما وهو قول أبي حنيفة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: هو مول منها إن تركها أربعة
أشهر بانت بالايلاء والايلاء تطليقة بائنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يطأ
امرأته أربعة أشهر أو أقل لم يقم عليه حكم الايلاء لأن حكم الايلاء إنما يكون بعد مضى الأربعة
الأشهر فيوم يكون حكم الايلاء يكون الزوج لا يمين عليه وإذا لم يكن عليه يمين فليس عليه حكم
الايلاء وهكذا مكتوب في كتاب الايلاء، وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أربعة
أشهر فتركها أربعة أشهر فلم يقربها فيه ولا في غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ليس عليه في هذا
إيلاء ألا ترى أن له أن يقربها في غير ذلك البيت ولا تجب عليه الكفارة وإنما الايلاء كل يمين تمنع
* * * * *
الجماع أربعة أشهر لا يستطيع أن يقربها إلا إن يكفر يمينه وبه يأخذ وكان بن أبي ليلى يقول في هذا هو مول
إن تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء والايلاء تطليقة بائنة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا حلف
الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أو في هذه الغرفة أو في موضع يسميه فليس على هذا حكم
الايلاء إنما حكم الايلاء على من كان لا يصل إلى أن يصيب امرأته بحال إلا لزمه الحنث فأما من يقدر
على إصابة امرأته بلا حنث فلا حكم للايلاء عليه، وإذا ظاهر الرجل من امرأته فقال أنت على
كظهر أمي يوما أو وقت وقتا أكثر من ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو مظاهر منها لا
يقربها في ذلك الوقت حتى يكفر كفارة الظهار فإذا مضى ذلك الوقت سقطت عنه الكفارة وكان له أن
يقربها بغير كفارة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هو مظاهر منها أبدا وإن مضى ذلك الوقت فهو
مظاهر لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ظاهر الرجل من امرأته يوما
فأراد أن يقربها في ذلك اليوم كفر كفارة الظهار وإن مضى ذلك اليوم ولم يقربها فيه فلا كفارة للظهار
عليه كما قلنا في المسألة في الايلاء إذا سقطت اليمين سقط حكم اليمين والظهار يمين لا طلاق، وإذا
ارتد الزوج عن الاسلام وكفر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول بانت منه امرأته إذا ارتد لا تكون
مسلمة تحت كافر وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هي امرأته على حالها حتى يستتاب فإن تاب فهي
امرأته وأن أبي قتل وكان لها ميراثها منه (قال الشافعي) رحمه الله: وإذا ارتد الرجل عن الاسلام
فنكاح امرأته موقوف فإن رجع إلى الاسلام قبل أن تنقضي عدتها فهما على النكاح الأولي وإن انقضت
عدتها قبل رجوعه إلى الاسلام فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق وإن رجع إلى الاسلام فخطبها لم
يكن هذا طلاقا وهذا مكتوب في كتاب المرتد (قال) وإذا رجعت المرأة من أهل الاسلام إلى الشرك
كان هذا والباب الأول سواء في قولهما جميعا غير أن أبا حنيفة كان يقول يعرض على المرأة الاسلام فإن
أسلمت خلى سبيلها وإن أبت حبست في السجن حتى تتوب ولا تقتل. بلغنا ذلك عن ابن عباس
167

رضي الله عنهما وكان ابن أبي ليلى يقول إن لم تتب قتلت وبه يأخذ ثم رجع إلى قول أبي حنيفة وكيف
تقتل وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء في الحروب من أهل الشرك فهذه مثلهم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ارتدت المرأة عن الاسلام فلا فرق بينها وبين الرجل تستتاب فإن
تابت وإلا قتلت كما يصنع بالرجل فخالفنا في هذا بعض الناس فقال يقتل الرجل إذا ارتد ولا تقتل
المرأة واحتج بشئ رواه عن ابن عباس لا يثبت أهل الحديث مثله وقد روى شبيه بذلك الاسناد عن
أبي بكر الصديق رضي الله عنه إنه قتل نسوة ارتددن عن الاسلام فلم نر أن نحتج به إذا كان إسناده مما لا
يثبته أهل الحديث واحتج من خالفنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء في دار الحرب
وقال إذا نهى عن قتل المشركات اللاتي لم يؤمن فالمؤمنة التي ارتدت عن الاسلام أولى أن لا تقتل قيل
لبعض من يقول هذا القول قد رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الكبير الفاني وعن قتل
الأجير ورويت أن أبا بكر الصديق نهى عن قتل الرهبان أفرأيت إن ارتد شيخ فإن أو أجير أتدع قتلهما
أو ارتد رجل راهب أتدع قتله؟ قال لا قيل ولم؟ ألأن حكم القتل على الردة حكم قتل حد لا يسع
الوالي تعطيله مخالف لحكم قتل المشركين في دار الحرب، قال نعم قلت فكيف احتججت بحكم دار
الحرب في قتل المرأة ولم تره حجة في قتل الكبير الفاني والأجير والراهب ثم قلت لنا أن ندع أهل
الحرب بعد القدرة عليهم ولا نقتلهم وليس لنا أن ندع مرتدا فكيف ذهب عليك افتراقهما في المرأة فإن
المرأة تقتل حيث يقتل الرجل في الزنا والقتل؟ وإذا قال الرجل كل امرأة أتزوجها فهي طالق فإن أبا
حنيفة كان يقول هو كما قال وأي امرأة تزوجها فهي طالق واحدة وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول
لا يقع عليه الطلاق لأنه عمم فقال كل امرأة أتزوجها فإذا سمى امرأة مسماة أو مصرا بعينه أو جعل
ذلك إلى أجل فقولهما فيه سواء ويقع به الطلاق (قال الربيع) للشافعي فيه جواب (قال) وإذا قال
الرجل لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو قال إذا تزوجت إلى كذا وكذا من الأجل امرأة فهي طالق أو
قال كل امرأة أتزوجها من قرية كذا وكذا فهي طالق أو من بني فلان فهي طالق فهما جمعيا كانا يقولان
إذا تزوج تلك فهي طالق وإن دخل بها فإن أبا حنيفة كان يقول لها مهر ونصف مهر مهر بالدخول
ونصف مهر بالطلاق الذي وقع عليها قبل الدخول وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لها نصف مهر
ويفرق بينهما في قولهما جميعا (قال) وإذا قذف الرجل امرأته وقد وطئت وطئا حراما قبل ذلك فإن
أبا حنيفة كان يقول لا حد عليه ولا لعان وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول عليه الحد. ولو قذفها غير
زوجها لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة وكان ابن أبي ليلى يقول عليه الحد ينبغي في قول ابن أبي
ليلى أن يكون مكان الحد اللعان (قال الشافعي) وإذا وطئت المرأة وطئا حراما مما يدرأ عنها الحد فيه
ثم قذفها زوجها سئل فإن قذفها حاملا وانتفى من ولدها لو عن بينهما لأن الولد لا ينفى إلا بلعان وإن
قذفها غير حامل بالوطئ الأول أو بزنا غيره فلا حد عليه وعليه التعزير، وكذلك إن قذفها بأجنبي فقال
عنيت ذلك الوطئ الذي هو محرم فلا حد عليه وعليه التعزير، وإذا قال الرجل لامرأته لا حاجة لي
فيك فإن أبا حنيفة كان يقول ليس هذا بطلاق وإن أراد به الطلاق وبه يأخذ وقال أبو حنيفة وكيف
يكون هذا طلاقا وهو بمنزلة لا أشتهيك ولا أريدك ولا أهواك ولا أحبك؟ فليس في شئ من هذا
طلاق (قال الشافعي) وإذا قال الرجل لامرأته لا حاجة لي فيك فإن قال لم أرد طلاقا فليس بطلاق
وإن قال أردت طلاقا فهو طلاق وهي واحدة إلا أن يكون أراد أكثر منها ولا يكون طلاقا إلا أن يكون
أراد به إيقاع طلاق فإن كان إنما قال لا حاجة لي فيك سأوقع عليك الطلاق فلا طلاق حتى يوقعه
168

بطلاق غير هذا، وإذا قذف الرجل وهو عبد امرأته وهي حرة وقد أعتق نصف العبد أحد الشريكين
وهو يسعى للآخر في نصف قيمته فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هو عبد ما بقي عليه
شئ من السعاية وعليه حد العبد وكان ابن أبي ليلى يقول هو حر وعليه اللعان وبه يأخذ، وكذلك لو
شهد شهادة أبطلها أبو حنيفة وأجازها ابن أبي ليلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويحد العبد
والأمة في كل شئ حد العبد والأمة حتى تكمل فيهما جميعا الحرية ولو بقي سهم من ألف سهم فهو
رقيق (قال الشافعي) وكذلك لا يحد له حتى تكمل فيه الحرية ولا يقص له من جرح حتى يستكمل
العبد الحرية، ولو قذف رجل هذا العبد الذي يسعى في نصف قيمته لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة
لأنه بمنزلة العبد وكان على قاذفه الحد في قول ابن أبي ليلى وبه يأخذ، ولو قطع هذا العبد يد
رجل متعمدا لم يكن عليه القصاص في قول أبي حنيفة وبه يأخذ وهو بمنزلة العبد وكان عليه القصاص
في قول ابن أبي ليلى وهو بمنزلة الحر في كل قليل أو كثيرا أو حد أو شهادة أو غير ذلك وهو في قول أبي
حنيفة بمنزلة العبد ما دام عليه درهم من قيمته وكذلك هو في قولهما جميعا لو أعتق جزء من مائة جزء أو
بقي عليه جزء من مائة جزء من كتابته إن شاء الله تعالى، وإذا كانت أمة بين اثنين ولها زوج عبد
أعتقها أحد موليها وقضى عليها بالسعاية للآخر لم يكن لها خيار في النكاح في قول أبي حنيفة حتى
تفرغ من السعاية وتعتق وكان لها الخيار في قول ابن أبي ليلى يوم يقع العتق عليها وبه يأخذ، ولو طلقت
يومئذ كانت عدتها وطلاقها في قول أبي حنيفة عدة أمة وطلاق أمة وكانت عدتها وطلاقها في ابن أبي
ليلى عدة حرة وطلاق حرة ولو لم يكن لها زوج وأرادت أن تتزوج لم يكن لها ذلك حتى يأذن الذي له
عليها السعاية فهي في قول أبي حنيفة بمنزلة الأمة وفي قول ابن أبي ليلى بمنزلة الحرة (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وإذا كانت أمة تحت عبد لم يكن لها الخيار حتى تكمل فيها الحرية فيوم تكمل فيها
الحرية فلها الخيار فإن طلقت وهي لم تكمل فيها الحرية كانت عدتها عدة أمة وحكمها في كل شئ
حكم أمة، وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء فلان وفلان غائب لا يدري أحي هو أو ميت
أو فلان ميت قد علم بذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يقع عليها الطلاق وبهذا يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول يقع عليها الطلاق قال أبو حنيفة وكيف يقع عليها الطلاق ولم يشأ فلان (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء فلان وفلان ميت قبل ذلك أو
مات فلان بعدما قال ذلك وقبل أن يشاء فلا تكون طالقا أبدا بهذا الطلاق إذ لو كان فلان حاضرا حيا
ولم يشأ لم تطلق وإنما يتم الطلاق بمشيئته فإذا مات قبل أن يشاء علمنا أنه لا يشاء أبدا ولم يشأ قبل
فتطلق بمشيئته، وإذا قذف الرجل امرأته وقامت لها البينة وهو يجحد فإن أبا حنيفة كان يقول يلاعن
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا يلاعن ويضرب الحد. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له
مولاه طلقها فإن أبا حنيفة كان يقول ليس هذا بإقرار بالنكاح إنما أمره بأن يفارقها فكيف يكون هذا
إقرار بالنكاح وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول هذا إقرار بالنكاح (قال الشافعي) وإذا تزوج العبد
بغير إذن مولاه فقال له مولاه طلقها فليس هذا بإقرار بالنكاح من مولاه في قول من يقول إن أجازه
مولاه فالنكاح يجوز وأما في قولنا فلو أجازه له المولى لم يجز لأن أصل ما نذهب إليه أن كل عقدة نكاح
وقعت والجماع لا يحل أن يكون فيها أو لأحد فسخها فهي فاسدة لا نجيزها إلا أن تجدد ومن أجازها
بإجازة أحد بعدها فإن لم يجزها كانت مفسوخة دخل عليه أن يجيز أن ينكح الرجل المرأة على أنه
بالخيار وعلى أنها بالخيار والخيار لا يجوز عنده في النكاح كما يجوز في البيوع. وإذا طلق الرجل امرأته
169

بائنة فأراد أن يتزوج في عدتها خامسة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أجيز ذلك وأكرهه
له وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا فارق الرجل امرأته
بخلع أو فسخ نكاح كان له أن ينكح أربعا وهي في العدة وكان له أن كان لا يجد طولا لحرة وخاف
العنت على نفسه أن ينكح أمة مسلمة لأن المفارقة التي لا رجعة له عليها غير زوجة وإذا طلق الرجل
امرأة ثلاثا وهو مريض فإن أبا حنيفة رضي الله
تعالى عنه كان يقول إن مات بعد انقضاء العدة فلا
ميراث لها منه وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لها الميراث ما لم تتزوج (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها وهو مريض ثم مات بعد
انقضاء عدتها فإن عامة أصحابنا يذهبون إلى أن لها منه الميراث ما لم تتزوج وقد خالفنا في هذا بعض
الناس بأقاويل فقال أحدهم لا يكون لها الميراث في عدة ولا في غير عدة وهذا قول ابن الزبير وقال
غيره هي ترثه ما لم تنقض العدة ورواه عن عمر بإسناد لا يثبت مثله عند أهل العلم بالحديث وهو
مكتوب في كتاب الطلاق وقال غيره وترثه وإن تزوجت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: لا ترث
مبتوتة في عدة كانت أو غير عدة وهو قول ابن الزبير وعبد الرحمن طلق امرأته إن شاء الله على أنها لا
ترث وأجمع المسلمون أنه إذا طلقها ثلاثا ثم آلى منها لم يكن موليا وإن تظاهر لم يكن متظاهرا وإذا
قذفها لم يكن له أن أن يلاعنها ويبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما أجمعوا جميعا أنها خارجة من
معاني الأزواج لم ترثه وإذا طلق الرجل امرأته في صحته ثلاثا فجحد ذلك الزوج وادعته عليه المرأة ثم
مات الرجل بعد أن استحلفه القاضي فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا ميراث لها وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول لها الميراث إلا أن تقر بعد موته أنه كان طلقها ثلاثا (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: وإذا ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها ثلاثا البتة فأحلفه القاضي بعد إنكاره وردها عليه ثم
مات لم يحل لها أن ترث منه شيئا إن كانت تعلم أنها صادقة ولا في الحكم بحال لأنها تقر أنها غير زوجة
فإن كانت تعلم أنها كاذبة حل لها فيما بينها وبين الله أن ترثه، وإذا خلا الرجل بامرأته وهي حائض أو
وهي مريضة ثم طلقها قبل أن يدخل بها. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لها نصف المهر،
وبه يأخذ: وكان ابن أبي ليلى يقول لها المهر كاملا وإذا قال الرجل لامرأته إن ضممت إليك امرأة
فأنت طالق واحدة فطلقها فبانت منه وانقضت العدة ثم تزوج امرأة أخرى ثم تزوج تلك المرأة التي
حلف عليها فإن أبا خنيفة كان يقول لا يقع عليها الطلاق من قبل أنه لم يضمها إليها وبه يأخذ وكان ابن
أبي ليلى يقول يقع عليها الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لامرأته إن ضممت
إليك امرأة فأنت طالق ثلاثا فطلقها وانقضت عدتها ثم نكح غيرها ثم نكحها بعد نكحا جديدا فلا طلاق
علها وهو لم يضم إليها امرأة إنما ضمها هي إلى امرأة * وإذا قال الرجل إن تزوجت فلانة فهي طاق
فتزوجها على مهر مسمى ودخل بها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هي طالق واحدة بائنة
وعليها العدة ولها مهر ونصف، نصف من ذلك بالطلاق ومهر بالدخول وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى
يقول لها نصف مهر بالطلاق وليس لها بالدخول شئ ومن حجته في ذلك أن رجلا آلى من امرأته
فقدم بعد أربعة أشهر فدخل بامرأته ثم أتى ابن مسعود فأمره أن يخطبها فخطبها وأصدقها صداقا
مستقبلا ولم يبلغنا أنه جعل في ذلك الوطئ صداقا ومن حجة أبي حنيفة أنه قال قد وقع الطلاق قبل
الجماع فوجب لها نصف المهر وجامعها بشبهة فعليه المهر ولو لم أجعل عليه الحد وقال أبو حنيفة كل جماع
يدرأ فيه الحد ففيه صداق لا بد من الصداق إذا درأت الحد وجب الصداق وإذا لم أجعل الصداق
170

فلا بد من الحد قال أبو يوسف حدثني محدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال فيه لها مهر ونصف مهر مثل
قول أبي حنيفة وإذا قال الرجل لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار فإن أبا
حنيفة وابن أبي ليلى قالا: لا يقع الطلاق ولو قال أنت طالق إن شاء الله ولم يقل إن دخلت الدار فإن
أبا حنيفة رضي الله عنه قال لا يقع الطلاق وقال هذا والأول سواء وبه يأخذ أبو حنيفة عن حماد عن
إبراهيم أنه قال في ذلك لا يقع الطلاق ولا العتاق وأخبرنا عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء بن أبي
رباح أنه قال لا يقع الطلاق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا قال الرجل لإمرته أنت طالق إن
شاء الله تعالى فلا طلاق ولا عتاق، وإذا طلق الرجل امرأته واحدة فانقضت عدتها فتزوجت زوجا
ودخل بها ثم طلقها ثم تزوجها الأول فإن أبا حنيفة قال هي على الطلاق كله وبه يأخذ وقال ابن أبي
ليلى هي على ما بقي (قال الشافعي) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فانقضت عدتها ونكحت
زوجا غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها فانقضت عدتها فنكحت الزوج الأول فهي عنده على ما
بقي من الطلاق يهدم الزوج الثاني الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين وقولنا هذا قول عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه وعدد من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفنا في بعض
هذا بعض الناس فقال إذا هدم الزوج ثلاثا هدم واحدة واثنتين واحتج بقول ابن عمر وابن عباس
رضي الله عنهم وسألنا فقال من أين زعمتم أن الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم ما هو أقل منها؟ قلنا
زعمناه بالأمر الذي لا ينبغي لأحد أن يدفعه قال وما هو؟ قلنا حرمها الله بعد الثلاث حتى تنكح زوجا
غيره وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن النكاح الذي أحلها الله به بعد الثلاث
إصابة الزوج وكانت محرمة قبل الزوج لا تحل بحال إلا بالزوج فكان للزوج حكم هدم الثلاث لهذا
المعنى وكانت في الواحدة والثنتين حلالا فلم يكن للزوج ها هنا حكم فزعمنا أنه يهدم حيث كانت لا
تحل له إلا به وكان حكمه قائما ولا يهدم حيث لا حكم له وحيث كانت حلالا بغيره وكان أصل المعقول
أن أحدا لا يحل له يفعل غيره شئ فلما أحل الله له بفعل غيره أحللنا له حيث أحل الله له ولم يجز أن
نقيس عليه ما خالفه لو كان الأصل للمعقول فيه وقد رجع إلى هذا القول محمد بن الحسن بعدما كان
يقول بقول أبي حنيفة، والله أعلم.
باب الحدود
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقيم الحد على البكر وجلد مائة جلدة فإن أبا حنيفة رحمه الله
تعالى كان يقول لا أنفيه من قبل أنه بلغنا عن علي بن أبي طالب أنه نهى عن ذلك وقال كفى بالنفي فتنة
وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول ينفى سنة إلى بلد غير البلد الذي فجر به وروي ذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعلى رضي الله عنهما (قال الشافعي) وينفي الزانيان البكران من
موضعهما الذي زنيا به إلى بلد غيره بعد ضرب مائة وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني ونفى أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وقد خالف هذا بعض الناس وهذا مكتوب في كتاب
الحدود بحججه، وإذا زنى المشركان وهما ثيبان فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال ليس على واحد منهما
الرجم وكان ابن أبي ليلى يقول عليهما الرجم ويروي ذلك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا ويهودية وبه يأخذ، أبو يوسف قال أبو حنيفة لا تقام
171

الحدود في المساجد وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى قول
نقيم الحدود في المساجد وقد فعل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا تحاكم إلينا أهل الكتاب
ورضوا أن نحكم بينهم فترافعوا في الزنا وأقروا به رجمنا الثيب وضربنا البكر مائة ونفيناه سنة وقد رجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا وهو معنى كتاب الله تبارك وتعالى فإن الله عز وجل يقول لنبيه
صلى الله عليه وسلم (إن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط) وقال (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله)
ولا يجوز أن يحكم بينهم في شئ من الدنيا إلا بحكم المسلمين لأن حكم الله واحد لا يختلف (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولا تقام الحدود في المساجد وإذا وطئ الرجل جارية أمة فقال ظننت إنها
تحل لي فإن أبا حنيفة كان يقول يدرأ عنه الحد فإذا أقر بذلك في مقام واحد أربع مرات لم يحد وبه
يأخذوا عليه المهر وقال ابن أبي ليلى وأنا أسمع أقر عندي رجل أنه وطئ جارية أمه فقال له وطئتها؟
قال نعم فقال له أوطئتها؟ قال نعم فقال له أوطئتها؟ قال نعم قال له الرابعة وطئتها؟ قال نعم قال ابن أبي
ليلى فأمرت به فجلد الحد وأمرت الجلواز فأخذه بيده فأخرجه من باب الجسر نفيا (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل جارية أمه وقال ظننتها تحل لي أحلف ما وطئها إلا وهو يراها حلالا
ثم درئ عنه الحد وأغرم المهر فإن قال قد علمت أنها حرام على قبل الوطئ ثم وطئتها حد ولا يقبل هذا
إلا ممن أمكن فيه أنه يجهل مثل هذا فأما من أهل الفقه فلا قال أبو حنيفة: ليس ينبغي للحاكم أن
يقول له أفعلت ولا نوجب عليه الحد بإقرار أربع مرات في مقام واحد ولو قال: وطئت جارية أمي في
أربعة مواطن لم يكن عليه حد لأن الوطئ قد يكون حلالا وحراما فلم يقر هذا بالزنا، والله أعلم.
اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما
أبواب الوضوء والغسل والتيمم
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن شعبة عن عمرو بن مرة عن
زاذان قال سأل رجل عليا رضي الله عنه عن الغسل فقال اغتسل كل يوم إن شئت فقال لا الغسل
الذي هو الغسل قال يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر وهم لا يرون شيئا من هذا واجبا،
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن خالد عن أبي إسحاق أن عليا رضي الله عنه قال
في التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين هكذا يقولون ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
باب الوضوء
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال توضأ علي رضي
الله تعالى عنه فغسل ظهر قدميه وقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهر قدميه
لظننت أن باطنهما أحق، أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان قال رأيت عليا رضي الله عنه بال ثم
توضأ ومسح على النعلين ثم دخل المسجد فخلع نعليه وصلى ابن مهدي عن سفيان عن حبيب عن زيد
بن وهب أنه رأى عليا رضي الله عنه فعل ذلك ابن مهدي عن سفيان عن الزبير بن عدي عن أكتل
بن سويد بن غفلة أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك محمد بن عبيد عن محمد بن أبي إسماعيل عن معقل
172

الخثعمي أن عليا فعل ذلك (قال الشافعي) رحمه الله ولسنا ولا إياهم ولا أحد نعلمه يقول بهذا
من المفتين خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري عن علي رضي الله عنه في
الفأرة تقع في البئر فتموت قال تنزح حتى تغلبهم قال ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول بما روينا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا) وأما هم فيقولون ينزح منها عشرون
أو ثلاثون دلوا عمرو بن الهيثم عن شعبة عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال
قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن أبي قد مات قال (اذهب فواره)) فقلت إنه مات مشركا قال
(أذب فواره) فواريته ثم أتيته قال (اذهب فاغتسل) وهم لا يقولون بهذا هم يزعمون أنه ليس على
من مس ميتا مشركا غسل ولا وضوء عمرو بن الهيثم عن الأعمش عن إبراهيم بن أبي عبيدة عن عبد الله
قال القبلة من اللمس وفيها الوضوء عن شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله مثله وهم يخالفون هذا
فيقولون لا وضوء من القبلة ونحن نأخذ بأن في القبلة الوضوء وقال ذلك ابن عمر وغيره وعن الأعمش
عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله أنه قال الماء من الماء (قال الشافعي) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا
نقول إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهذا القول كان في أول الاسلام ثم نسخ (قال
الشافعي) أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال الجنب لا يتيمم وليسوا يقولون
بهذا ويقولون لا نعلم أحدا يقول به ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الجنب أن يتيمم
ورواه ابن علية عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه أمر رجلا أصابته جناية أن يتيمم ويصلي (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحرث
بن الأزمع قال سمعت ابن مسعود يقول إذا غسل الجنب رأسه بالخطمي فلا يعيد له غسلا وليسوا
يقولون بهذا يقولون ليس الخطمي بطهور وإن خالطه الماء الطهور إنما الطهور الماء محضا فأما غسل رأسه
بالماء بعد الخطمي أو قبله فأما الخطمي فلا يطهر وحده.
أبواب الصلاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد
عن عقيل عن ابن الحنيفة أن عليا رضي الله تعالى عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وبهذا نقول نحن لا يحرم بالصلاة إلا بالتكبير
وقال صاحبهم يحرم بها بغير التكبير بالتسبيح ورجع صاحباه إلى قولنا وقولنا لا تنقضي الصلاة إلا
بالتسليم فمن عمل عملا مما يفسد الصلاة فيما بين أن يكبر إلى أن يسلم فقد أفسدها لا فيما بين أن يكبر إلى
أن يجلس قدر التشهد (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة
عن علي رضي الله تعالى عنه قال إذا وجد أحدكم في صلاته في بطنه رزا أو قيئا أو رعافا فلينصرف
فليتوضأ فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم احتسب بما صلى وليسوا يقولون بهذا يقولون ينصرف من
الرز وإن انصرف من الرعاف فصلاته تامة ويخالفونه في بعض قوله ويوافقونه في بعضه وإن كانوا يثبتون
هذه الرواية فيلزمهم أن يقولوا في الرز ما يقولون في الرعاف لأنه لم يخالفه في الرز غيره من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم علمته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا هشيم عن حصين قال حدثنا أبو
ظبيان قال كان علي رضي الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح فيقول الصلاة فإذا قام
173

الناس نعم ساعة الوتر هذه فإذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله
أخبرنا ابن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن حبان بن الحرث قال أتيت عليا رضي الله عنه وهو معسكر
بدير أبي موسى فوجدته يطعم فقال ادن فكل فقلت إني أريد الصوم فقال وأنا أريده فدنوت فأكلت
فلما فرغ قال يا ابن التياح أقم الصلاة وهذان خبران عن علي رضي الله عنه كلاهما يثبت أنه كان يغلس
بأقصى غاية التغليس وهم يخالفونه فيقولون يسفر بالفجر أشد الاسفار ونحن نقول بالتغليس به وهو
يوافق ما روينا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في التغليس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا
هشيم وغيره عن ابن حبان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال (لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد) قيل ومن جاز المسجد؟ قال من أسمعه المنادي ونحن وهم نقول يحب لمن لا عذر له أن لا
يتخلف عن المسجد فإن صلى فصلاته تجزي عنه إلا أنه قد ترك موضع الفضل (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى أخبرنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن زاذان أن عليا رضي الله عنه كان يغتسل من
الحجامة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا (قال الشافعي) أخبرنا شريك عن عمران بن ظبيان عن حكيم بن
سعد أن رجلا من الخوارج قال لعلي رضي الله عنه (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك) الآية
فقال علي رضي الله عنه (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) وهو راكع وهم
يقولون من فعل هذا يريد به الجواب فصلاته فاسدة (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعبة عن أبي
إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال إذا ركعت فقلت (اللهم لك ركعت ولك
خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت) فقد تم ركوعك وهذا عندهم كلام يفسد الصلاة
وهم يكرهون هذا وهذا عندي كلام حسن وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيه به ونحن نأمر
بالقول به وهم يكرهونه (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحرث عن
الحرث الهمداني عن علي رضي الله تعالى عنه كان يقول بين السجدتين (اللهم اغفر لي وارحمني
واهدني واجبرني) وزاد ابن علية عن شعبة عن أبي إسحاق ونسي إسناده وهم يكرهون هذا ولا يقولون
به (قال الشافعي) أخبرنا هشيم على مغيرة على أبى رزين أن عليا رضي الله عنه كان يسلم عن يمينه وعن
شماله سلام عليكم سلام عليكم (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن شعبة عن الأعمش عن أبي
رزين عن علي رضي الله عنه مثله سواء وليسوا يأخذون به ويزيدون فيه (ورحمة الله وبركاته) (قال
الشافعي) أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل أن عليا رضي الله عنه
قنت في المغرب يدعو على قوم بأسمائهم وأشياعهم فقلنا آمين هشيم عن رجل عن ابن معقل أن عليا
رضي الله عنه قنت بهم فدعا على قوم يقول (اللهم العن فلانا بادئا وفلانا) حتى عد نفرا وهم يفسدون
صلاة من دعا لرجل باسمه أو دعا على رجل فسماه باسمه ونحن لا نفسد بهذا صلاته لأنه يشبه ما روينا
عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي
الله عنه أن رجلا قال إني صليت ولم أقرأ قال أتممت الركوع والسجود؟ قال نعم قال تمت صلاتك
وهم لا يقولون بهذا ويزعمون أن عليه إعادة الصلاة هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضي الله
تعالى عنه قال (اقرأ فيما أدركت مع الإمام) وهم لا يقولون بهذا يقولون إنما يقرأ فيما يقضي لنفسه فأما
وهو وراء الإمام فلا قراءة عليه ونحن نقول كل صلاة صليت خلف الإمام والإمام يقرأ قراءة لا يسمع
فيها قرأ فيها هشيم ويزيد عن حجاج عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله تعالى عنه في إمام
صلى بغير وضوء قال يعيد ولا يعيدون وهذا موافق للسنة وما روينا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
174

وابن عمر رضي الله تعالى عنهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى عنه أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي
حكيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم ثم
رجع وعلى جلده أثر الماء (قال الشافعي) أخبرنا وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى
الأسود ابن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
نحوه (قال الشافعي) أخبرنا حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم نحوه (قال الشافعي) أخبرنا ابن علية عن ابن عون عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه
وسلم نحوه وقال إني كنت جنبا فنسيت (قال الشافعي) أخبرنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال إذا أحدث في صلاة بعد السجدة فقد تمت صلاته
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أمنا نحن فنقول انقضاء الصلاة بالتسليم للحديث الذي رويناه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأما هم فيقولون كل حدث يفسد الصلاة إلا حدثا كان بعد التشهد أو أن يجلس
مقدار التشهد فلا يفسد الصلاة (قال الشافعي) أخبرنا هشيم عن أصحابه عن أبي إسحاق عن أبي
الخليل عن علي رضي الله عنه كان إذا افتتح الصلاة قال (لا إله إلا أنت سبحانك ظلمت نفسي
فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من
المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)
وقد روينا من حديثنا عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا الكلام إذا
افتتح الصلاة وبهذا ابتدأ يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضيل
عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثله وهم يخالفونه ولا يقولون منه بحرف يقولون إن سبحانك اللهم وبحمدك كلام (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي عن وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله تعالى عنه كان إذا
تشهد قال (بسم الله وبالله) وليسوا يقولون بهذا وقد روى عن علي رضي الله عنه فيه كلام كثيرهم
يكرهونه (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن السدي عن عبد
خير أن عليا رضي الله عنه قرأ في الصبح ب‍ (سبح اسم ربك الأعلى) فقال سبحان ربي الأعلى وهم
يكرهون هذا ونحن نستحبه وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ يشبهه (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضي الله عنه كره الصلاة في جلود
الثعالب ولسنا ولا إياهم نقول بهذا بل نقول نحن وإياهم لا بأس بالصلاة في جلود الثعالب إذا دبغت
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن علي رضي
الله عنه في المستحاضة تغتسل لكل صلاة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا ولا أحد علمته (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن هلال عن وهب ابن الأجدع
عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا
والشمس مرتفعة) ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا بل نكره جميعا الصلاة بعد العصر
والصبح نافلة ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي دبر كل صلاة ركعتين إلا العصر والصبح وهذا يخالف الحديث الأول
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن
175

ضمرة قال: كنا مع علي رضي الله تعالى عنه في سفر فصلى العصر ثم دخل فسطاطه فصلى ركعتين
وهذه الأحاديث يخالف بعضها بعضا إذا كان على يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا
يصلي بعد العصر ولا الصبح فلا يشبه هذا أن يكون صلى ركعتين بعد العصر وهو يروي أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان لا يصليهما.
باب الجمعة والعيدين
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق قال رأيت
عليا رضي الله عنه يخطب نصف النهار يوم الجمعة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول لا يخطب إلا بعد
زوال الشمس وكذلك روينا عن عمر وعن غيره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حميد
بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح عن أبي إسحاق قال رأيت عليا رضي الله عنه يخطب
يوم الجمعة ثم لم يجلس حتى فرغ ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول يجلس الإمام بين الخطبتين ونقول
يجلس على المنبر قبل الخطبة وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده (أخبرنا الربيع)
قال؟ أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن الحرث ين ثور أن عليا رضي الله عنه
صلى الجمعة ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال أتموا ولسنا ولا إياهم ولا أحد يقول بهذا ولست أعرف
وجه هذا إلا أن يكون يرى أن الجمعة عليه هو ركعتان لأنه يخطب وعليهم أربع لأنهم لا يخطبون فإن
كان هذا مذهبه فليس يقول بهذا أحد من الناس (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي
عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عليا رضي الله عنه قال من كان منكم مصليا بعد
الجمعة فليصل بعدها ست ركعات ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول يصلي أربعا (أخبرنا
الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن منهال عن عباد بن عبد الله أن عليا
كان يخطب على منبر من آجر فجاء الأشعث وقد
المسجد وأخذوا مجالسهم فجعل يتخطى حتى
دنا وقال غلبتنا عليك هذه (1) الحمراء فقال علي ما بال هذه الضياطرة يختلف أحدهم ثم ذكر كلاما
وهم يكرهون للامام أن يتكلم في خطبته ويكرهون أن يتكلم أحد والامام يخطب وقد تكلم الأشعث ولم
ينهه علي رضي الله عنه وتكلم علي وأحسبهم يقولون يبتدئ الخطبة ولسنا نرى بأسا وبالكلام في الخطبة
تكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن شعبة عن محمد بن النعمان عن أبي قيس الأودي عن هذيل أن عليا
رضي الله عنه أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس يوم العيد أربع ركعات في المسجد (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو أحمد عن سفيان عن أبي قيس الأودي عن هذيل عن علي مثله (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن ليث عن الحكم عن حنش بن المعتمر أن عليا
رضي الله عنه قال صلوا يوم العيد في المسجد أربع ركعات ركعتان للسنة وركعتان للخروج (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق أن عليا رضي الله تعالى
عنه أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس يوم العيد في المسجد ركعتين وهذان حديثان مختلفان ولسنا ولا

(1) المراد بهم الفرس، والضياطرة: جمع ضيطر، وهو الضخم، انظر اللسان.
176

إياهم نقول بواحد منهما يقولون الصلاة مع الإمام ولا جماعة إلا حيث هو فإن صلى قوم جماعة في موضع
فليست بصلاة العيد ولا قضاء منها وهي كنافلة لو تطوع بها رجل في جماعة ونحن نقول إذا صلاها أحد
صلاها وقرأ وفعل كما يفعل الإمام فيكبر في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن علي رضي الله
تعالى عنه في الفطر إحدى عشرة تكبيرة وفي الأضحى خمس وليسوا يأخذون بهذا.
باب الوتر والقنوت والآيات
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الرحيم
عن زاذان أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم
يقولون يقرأ ب‍ (سبح اسم ربك الأعلى) والثانية ب‍ (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة يقرأ بفاتحة الكتاب
و (قل هو الله أحد) وأما نحن فنقول يقرأ فيها ب‍ (قل هو الله أحد) وقل أعود برب الفلق) و (قل أعوذ
برب الناس) يفصل بين كل ركعتين والركعة بالتسليم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
هشيم عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي أن أن عليا رضي الله عنه كان يقنت في الوتر
بعد الركوع وهم لا يأخذون بهذا يقولون يقنت قبل الركوع فإن لم يقنت قبل الركوع لم يقنت بعده وعليه
سجدتا لا سهو (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عطاء عن أبي عبد الرحمن أن
عليا رضي الله تعالى عنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي)
قال أخبرنا هشيم عن معقل أن عليا رضي الله عنه قنت في صلاة الصبح وهم لا يرون القنوت في
الصبح ونحن نراه للسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الصبح. أخبرنا بذلك
سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت
في الصبح فقال (اللهم أنج الوليد ابن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) وذكر الحديث
ونقول من أوتر أول الليل صلى مثنى مثنى حتى يصبح (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
ابن علية عن أبي هروة الغنوي عن حطان بن عبد الله قال: قال علي رضي الله عنه (الوتر ثلاثة أنواع
فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة يصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح
ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل) وهم يكرهون أن ينقص
الرجل وتره ويقولون إذا أوتر صلى مثنى مثنى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يزيد بن
هارون عن حماد عن عاصم عن أبي عبد الرحمن أن عليا رضي الله عنه خرج حين ثوب المؤذن فقال
أين السائل عن الوتر؟ نعم ساعة الوتر هذه ثم قرأ (والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس) وهم لا
يأخذون بهذا ويقولون ليست هذه من ساعات الوتر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
عباد عن عاصم الأحول عن قزعة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع
سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة ولسنا نقول بهذا نقول لا يصلي
في شئ من الآيات إلا في كسوف الشمس والقمر ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله تعالى
عنه لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به ويقولون يصلي ركعتين في الزلزلة في كل ركعة ركعة (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن يونس عن الحسن أن عليا رضي الله عنه صلى
177

في كسوف الشمس خمس ركعات وأربع سجدات ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول بالذي
روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وأربع سجدات أخبرنا بذلك مالك عن يحيى عن
عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين وسجدتين في كل ركعة
ركعتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة بمثله
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وقالوا هم يصلي ركعتين كما يصلي سائر الصلوات ولا يركع في
كل ركعة ركعتين فخالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوا ما رووه عن علي رضي الله تعالى
عنه
الجنائز
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن عبد الله
بن معقل قال صلى على على سهل حنيف فكبر عليه ستا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن ابن أبي زياد عن عبد الله بن معقل أن عليا رضي الله تعالى عنه كبر
على سهل بن حنيف خمسا ثم التفت إلينا وقال إنه بدري وهذا خلاف الحديث الأول ولسنا ولا إياهم
نأخذ بهذا التكبير عندنا وعندهم على الجنائز أربع وذلك الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمير بن سعيد أن عليا رضي الله عنه
كبر (1) على ابن المكفف أربعا وهذا خلاف الحديثين قبله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا هشيم عن أشعث عن الشعبي عن قرظة أن عليا رضي الله تعالى عنه أمره أن يصلي على قبر سهل
بن حنيف وهم لا يأخذون بهذا ولا يقولون به يقولون لا يصلي على قبر وأما نحن فنأخذ به لأنه موافق ما
روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر (أخبر الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
مالك وسفيان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد عن عمه
يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد بن ثابت الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر.
سجود القرآن
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضي
الله تعالى عنه قال عزائم السجود (ألم تنزيل) و (حم تنزيل) و (النجم) و (اقرأ بسم ربك الخلق)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي

(1) لعله على أبي مكنف وهو كمحسن زيد الخيل صحابي اه‍. كتبه مصححه.
178

قال أخبرنا هشيم عن أبي عبد الله الجعفي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله تعالى عنه قال
كان يسجد في الحج سجدتين وبهذا نقول وهذا قول العامة قبلنا يروي عن عمر وابن عمر وابن عباس
وهم ينكرون السجدة الآخرة في الحج وهذا الحديث عن علي رضي الله تعالى عنه يخالفونه (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن محمد بن قيس عن أبي موسى أن
عليا رضي الله تعالى عنه لما أتى بالمخدج خر ساجدا ونحن نقول لا بأس بسجدة الشكر ونستحبها ويروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها وعن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وهم ينكرونها ويكرهونها
ونحن نقولا لا بأس بالسجدة لله تبارك وتعالى في الشكر.
الصيام
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبيد
ابن عمرو أن عليا رضي الله تعالى عنه نهى عن القبلة للصائم فقال ما يريد إلى خلوف فمها ولسنا ولا
إياهم نقول بهذا نقولا لا بأس بقبلة الصائم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي
عن سفيان وغيره عن إسماعيل عن أبي السفر عن علي رضي الله تعالى عنه أنه صلى الصبح ثم قال هذا
حين يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا إنما السحور
قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر حرم الطعام والشراب على الصائم.
أبواب الزكاة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت
عن ابن أبي رافع أن عليا رضي الله تعالى عنه كان يزكي أموالهم وهم أيتام في حجره وبهذا نأخذ وهو
موافق لما روينا عن عمر وابن عمر وعائشة في زكاة أموال اليتامى وهم يخالفونه فيقولون ليس على مال
اليتيم زكاة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال (في خمس وعشرين من الإبل خمس من الغنم)
ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه نأخذ بهذا والثابت عندنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا عباد بن محمد عن محمد بن يزيد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن
أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب (في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض
فابن لبون ذكر) وكان عمر يأمر عماله بذلك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو كامل
وغيره عن حماد بن سلمة عن ثمامة عن أنس قال أعطاني أبي كتابا كتبه له أبو بكر فقال هذه فريضة
الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمس وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر.
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه
قال إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن الهيثم وغيره عن
أبي إسحاق عن عاصم عن علي
179

رضي الله تعالى عنه مثله وبهذا نقول وهو موافق للسنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
عباد ومحمد بن يزيد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتب (فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون) أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا أبو كامل عن حماد بن سلمة عن ثمامة عن أنس عن (3) أبي زكريا أنه كتب له
السنة فذكر هذا وهم لا يأخذون بهذا يقولون إذا زادت على عشرين ومائة استقبل بالفرائض أولها وكان
في كل خمس شاة إلى أن يبلغ بها خمسين ومائة ثم في كل خمسين حقة وهذا قول متناقض لا أثر ولا
قياس فيخالفون ما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر والثابت عن علي عندهم إلى
قول إبراهيم وشئ يغلط به عن علي رضي الله تعالى عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحرث أن عثمان أهديت له حجل
وهو مرم فأكل القوم إلا عليا فإنه كره ذلك ولسنا ولا إياهم نقول بهذا أما نحن فنقول بحديث أبي قتادة
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأكلوا لحم الصيد وهم حرم. أخبرنا بذلك مالك عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن صالح
بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة نحوه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن
منصور عن الحسن عن علي رضي الله تعالى عنه فيمن أصاب بيض نعام قال يضرب بقدرهن نوقا قيل
له فإن أربعت منهن ناقة؟ قال فإن من البيض ما يكون مارقا ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه نأخذ
بهذا نقول يغرم ثمنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن سعيد عن قتادة عن
الحسن عن علي فيمن يجعل عليه المشي؟ قال يمشي فإن عجز ركب وأهدى بدنة وهم يقولون يمشي إن
أحب وكان مطيقا وإلا ركب وأهدى شاة ونحن نقول ليس لأحد أن يركب وهو يستطيع أن يمشي بحال
وإن عجر ركب وأهدى فإن صح مشى الذي ركب وركب الذي الذي مشى حتى أتى به كما نذر (قال
الربيع) وقد قال الشافعي غير هذا قال عليه كفارة يمين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي في هذه الآية (وأتموا الحج والعمرة لله)
قال أن يحرم الرجل من دويرة أهله وهم يقولون أحب إلينا أن يحرم من الميقات (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي مثله بهذا نقول وهو
موافق للسنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن
علي رضي الله تعالى عنه في الضبع كبش (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن أبان عن سفيان عن سماك
عن عكرمة أن عليا رضي الله تعالى عنه قضى في الضبع بكبش وبهذا بقول وهو يوافق ما ذكرنا عن
عمر وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما هم فيقولون يغرم قيمتها في الموضع الذي
أصابها فيه لا يجعلون فيها شيئا موقتا.
أبواب الطلاق والنكاح
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن معاوية
بن سويد بن مقرن أنه وجد في كتاب أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه أن لا نكاح إلا بولي فإذا بلغ
الحقائق النص فالعصبة أحق وبهذا نقول لأنه يوافق ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
180

(أيما امرأة لم ينكحها الولاة فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) أخبرنا بذلك
الزنجي عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها
وهم يقولون إذا كان الزوج كفوا وأخذت صداق مثلها جاز النكاح وإن كان غير ولي (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن حنش أن رجلا تزوج امرأة
فزنى بها قبل أن يدخل بها فرفع إلى علي ففرق بينهما وجلده الحد وأعطاها نصل الصداق ولسنا ولا
إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن
رجل عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه في رجل تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص قال إذا
لم يدخل بها فرق بينهما فإن كان دخل بها فهي امرأته إن شاء طلقها وإن شاء أمسك وهم يقولون هي
امرأته على كل حال إن شاء طلق وإن شاء أمسك (أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم
عن مطرف عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه في النصراني تسلم امرأته قال هو أحق بها ما لم
يخرجها من دار الهجرة ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد خير عن علي رضي الله تعالى عنه في الرجل يتزوج
المرأة ثم يموت ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا أن لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وبهذا نقول
إلا أن يثبت حديث بروع وقد رويناه عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضيا لله عنهم وهم
يخالفونه ويقولون لها صداق نسائها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن عباد عن
حماد بن سلمة عن بديل عن ميسرة عن أبي الوضى أن أخوين تزوجا أختين فأهديت كل واحدة منهما
إلى أخي زوجها فأصابها فقضى علي رضي الله عنه على كل واحد منهما صداق وجعله يرجع به على
الذي غره وهم يخالفونه ويقولون لا يرجع بالصداق وبه يقول الشافعي لا يرجع بالصداق (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن جرير بن حازم عن عيس عن عاصم الأسدي عن
زاذان عن علي رضي الله عنه يقول في الخيار إن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها ولسنا ولا إياهم
نقول بهذا القول أما نحن فنقول إن اختارت زوجها فلا شئ ويروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك طلاقا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحكم عن إبراهيم أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في الخلية
والبرية والحرام ثلاثا ثلاثا ولسنا ولا إياهم نقول بهذا س نحن فنقول إن نوى الطلاق فهو ما نوى من
الطلاق إن كانت واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فاثنتين ويملك الرجعة وأما هم فيقولون إن نوى واحدة
فواحدة وإن نوى اثنتين فلا يكون اثنتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن
داود عن الشعبي عن علي رضي الله عنه في الحرام ثلاث ولسنا ولا إياهم نقول بهذا (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن يزيد ومحمد بن عبيد وغيرهما عن إسماعيل عن الشعبي عن
رياش بن عدي الطائي قال أشهد أن عليا رضي الله عنه جعل البتة ثلاثا ولسنا ولا إياهم نقول بهذا
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وسفيان بن عيينة عن الشيباني عن الشعبي عن
عمرو بن سلمة أن عليا رضي الله عنه وقف المولى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم
عن الشيباني عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عليا رضي الله تعالى عنه
وقف المولى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ليت عن مجاهد عن مروان شهد
عليا رضي الله عنه وقف المولى وهكذا نقول وهو موافق لما روينا عن عمر وابن عمر وعائشة وعثمان زيد
181

بن ثابت وبضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم وقفوا المولى وهم يخالفونه
ويقولون لا يوقف إذا مضت أربعة أشهر بانت منه. أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عبيد عن
إسماعيل عن الشعبي أن عليا رضي الله عنه كان يؤجل المتوفى عنها لا ينظر بها (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي قال نقل علي رضي الله تعالى
عنه أم كلثوم بعد قتل عمر بسبع ليال ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بحديث فريعة ابنة مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله ونحن نقول بهذا وهم في
المتوفى عنها والمبتوتة وهم يروون عن علي رضي الله عنه أنه نقل ابنته في عدتها من عمر (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن أشعث عن الكم عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن
علي رضي الله عنه قال العدة من يوم يموت أو يطلق وبهذا نقول ويقولون يقول إنا (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عمن سمع الحكم يحدث عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي
رضي الله تعالى عنه قال الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال وليسوا يقولون بهذا وينكرون هذا
القول فيقولون ما نقول بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش
عن أبي الضحى عن علي رضي الله تعالى عنه قال الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بآخر الأجلين وليسوا
يقولون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة
قال سألت ابن عباس وأبا هريرة عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال ابن عباس آخر الأجلين
وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت قال أبو سلمة فدخلت على أم سلمة فسألتها عن ذلك فقالت
ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر شيخ
فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا فرجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد حللت فانكحي من شئت) فبهذا نقول وهم يقولون بقولنا فيه
وينكرون ما روي عن علي رضي الله عنه ويخالفونه، وعن صالح بن مسلم عن الشعبي أن عليا رضي
الله عنه قال في التي تتزوج في عدتها قال تتم ما بقي من عدتها من الأول وتستأنف من الآخر عدة
جديدة وكذلك نقول وهو موافق لما روينا عن عمر وهم يقولون عليها عدة واحدة وينكرون ما روى
علي رضي الله عنه ويخالفونه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وأبو معاوية محمد
بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن شريح أن رجلا طلق امرأته فذكرت أنها قد حاضت في شهر
ثلاث حيض فقال علي رضي الله عنه لشريح قل فيها فقال إن جاءت ببينة من بطانة أهلها يشهدون
صدقت فقال له علي قالون وقالون بالرومية أصبت وهم لا يأخذون بهذا ويخالفونه، أما بعضهم فيقول
لا تنقضي العدة في أقل من أربعة وخمسين يوما (قال الربيع) قول الشافعي أقل ما تنقضي العدة فيمن
تحيض ثلاثة وثلاثون يوما لأن أقل الحيض يوم وليلة وأقل الطهر خمس عشرة ليلة وقال بعضهم أقل ما
تنقضي منه تسعة وثلاثون يوما (1) وأما نحن فنقول بم روي عن علي رضي الله عنه لأنه موافق ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل للحيض وقتا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إنه لا تنقضي
عدتها في أقل من ثلاثة وثلاثين يوما (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قالت فاطمة بنت أبي
حبيش لرسول الله صلى الله عليه

(1) كذا في النسخ وليتأمل.
182

وسلم إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا
أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي) فلم يوقت النبي صلى الله
عليه وسلم لها وقتا في الحيضة فيقول كذا وكذا يوما ولكنه قال إذا أقبلت وإذا أدبرت، وروي عن
سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود في العزل قال هو الوأد الخفي ولسنا نقول بهذا لا
يرون بالعزل بأسا وروي عن عمرو بن الهيثم عن شعبة عن عاصم عن زر عن علي رضي الله عنه أنه كره
العزل وليسوا يأخذون بهذا ولا يرون بالعزل بأسا ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم أنه سئل عنه فلم يذكر عنه نهيا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن
عطاء بن أبي رباح عن جابر قال كنا نعزل والقرآن ينزل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
يزيد بن هارون عن الأشعث عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال اكتموا
الصبيان النكاح فإن كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه ولسنا نأخذ بهذا ونقول لا طلاق لصغير حتى يبلغ
ولا نجيز طلاق المعتوه ولا المبرسم ولا النائم، ويروى عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عليا
رضي الله عنه قال لا طلاق لمكره وهم يخالفون هذا ويقولون طلاق المكره جائز، وحماد عن قتادة عن
خلاس أن رجلا طلق امرأته فأشهد على طلاقها وراجعها وأشهد على رجعتها واستكتم الشاهدين حتى
انقضت عدتها فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه ففرق بينهما ولم يجعل له عليها رجعة وعزر الشاهدين
وهم يخالفون هذا ويجعلون الرجعة ثابتة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن داود
عن سماك عن أبي عطية الأسدي أنه تزوج امرأة أخيه وهي ترضع ابن أخيه فقال والله لا أقربها حتى
تفطمه فسأل عليا رضي الله عنه عن ذلك فقال علي إن كنت إنما تريد الاصلاح لك ولابن أخيك فلا
إيلاء عليك وإنما الايلاء ما كان في الغضب، والله أعلم.
المتعة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال
سمعت ابن مسعود يقول كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا
عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشئ وليسوا يأخذون بهذا ويخالفون ما روي عن
عبد الله (أخبرنا الربيع) قال أخبر ما الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري قال حدثني حسن و عبد الله
ابنا محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه أنه قال لابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه
وسلم نهى عن نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان عن الزهري قال أخبرني الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن نكاح المتعة وبهذا يقول الشافعي (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مغيرة عن إبراهيم
عن عبد الله قال بيع الأمة طلاقها وهم يثبتون مرسل إبراهيم عن عبد الله ويروون عنه أنه قال إذا قلت
قال عبد الله فقد حدثني غير واحد من أصحابه وهم لا يقولون بقول عبد الله هذا ويقولون لا يكون بيع
الأمة طلاقها وهكذا نقول ونحتج بحديث بريرة أن عائشة رضي الله عنها اشترتها ولها زوج ثم أعتقتها
183

فجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ولو كان بيعها طلاقها لم يكن للخيار معنى وكانت قد بانت
من زوجها بالشراء وروينا عن عثمان وعبد الرحمن بن عوف أنهما لم يريا بيع الأمة طلاقها. أخبرنا
بذلك سفيان عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اشترى من عاصم بن عدي جارية
فأخبر أن لها زوجا فردها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن الهيثم عن شعبة عن
الحكم عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود في الرجل يزني بامرأة ثم يتزوجها قال لا يزالان
زانيين ولسنا ولا إياهم نقول بهذا هما آثمان حين زنيا ومصيبان الحلال حين تناكحا غير زانيين وقد قال
عمر وابن عباس نحو هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شريك عن أبي حصين عن
يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله قال إذا قال الرجل لامرأته استلحقي بأهلك أو وهبها لأهلها
فقبلوها فهي تطليقة وهو أحق بها وبهذا نقول إذا أراد الطلاق وهم يخالفونه يزعمون أنها تطليقة
بائنة. عبد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن طلحة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لا يكون
طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء وهم يخالفونه في عامة الطلاق فيجعلونه بائنا وأما نحن فنجعل الطلاق كله
يملك الرجعة إلا طلاق الخلع وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر في البتة أنها واحدة
يملك فيها الرجعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمي محمد بن علي عن عبد الله بن
علي بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة أنه طلق امرأته البتة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم (ما أردت؟) فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد عن المطلب قال قال لي عمر وطلقت امرأتي البتة
أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت وروي عن زيد ابن ثابت في التمليك وطلقت نفسها واحدة
يملك الرجعة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي ومغيرة عن إبراهيم عن عبد الله في الخيار إن اختارت نفسها فواحدة وهو أحق بها وهكذا نقول
نحن وهم يخالفونه ويرون الطلاق فيه بائنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حفص عن
الأعمش عن إبراهيم في اختاري وأمرك بيدك سواء وبهذا نقول وهم يخالفونه فيفرقون بينهما أبو معاوية
ويعلي عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق أن امرأة قالت لزوجها لو أن الأمر الذي بيدك بيدي
طلقت نفسي فقال قد جعلت الأمر إليك فطلقت نفسها ثلاثا فسأل عمر عبد الله عن ذلك فقال هي
واحدة وهو أحق بها فقال عمر وأنا أرى ذلك وبهذا نقول إذا جعل الأمر إليها ثم قال لم أرد إلا واحدة
فالقول قوله وهي تطليقة يملك الرجعة وهم يخالفون هذا فيجعلونها واحدة بائنة (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن سيار أبي الحكم وأبي الحكم وأبي حيان عن الشعبي أن رجلا قال من يذبح
للقوم شاة وأزوجه أول بنت تولد لي فذبح لهم رجل من القوم فأجاز عبد الله النكاح ولسنا ولا إباهم ولا
أحد من الناس علمته يقول بهذا يجعلون للذابح أجر مثله ولا يكون هذا نكاحا (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود قال يكره أن يطأ الرجل امرأته
إذا فجرت أو يطأها وهي مشركة وهم لا يقولون بهذا ويقولون لا بأس أن يطأها قبل الفجور وبعده
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد الله في
الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال ولسنا ولا أحد يقول بهذا إذا مات الميت وجب الميراث
لأهله، والله أعلم.
184

ما جاء في البيوع
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إسماعيل عن الشعبي عن عبيدة قال قال علي رضي
الله تعالى عنه استشارني عمر في بيع أمهات الأولاد فرأيت أنا وهو أنها عتيقة فقضى به عمر حياته
وعثمان بعده فلما وليت رأيت أنها رقيق ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بقول عمر لا تباع (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن عمرو بن راشد
الأشجعي أن رجلا باع نجيبة واشترط (1) ثنياها فرغب فيها فاختصما إلى عمر فقال اذهبا إلى علي رضي
الله عنه فقال علي اذهبا بها إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها وليسوا
يقولون بهذا وهو عندهم بيع فاسد فخالفوا عليا ولا نعلم له مخالفا في هذا من أصحاب النبي صلى الله
عليه وهم يثبتون هذه الرواية عن علي رضي الله عنه فإن يثبتوها فيلزمهم أن يقولوا به لأنه ليس له
دافع عندهم ونحن نقول هذا فاسد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن عثمان
البتي عن الحسن أن عليا رضي الله عنه قضى بالخلاص وليسوا يقولون بهذا يقولون إن استحق البائع
الثمن الذي قبض ولم يكن عليه أن يخلصها بثمن ولا غير ذلك وليسوا يروون خلاف هذا عن أحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيلزمهم إذا ثبتوا هذا في أصل قولهم أن يقولوا به (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن ضمرة عن علي
رضي الله تعالى عنه قال كسب الحجام من السحت وليسوا يأخذون بهذا ولا يرون بكسب الحجام بأسا
ونحن لا نرى يذلك بأسا ونروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم
يعطه إياه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم وحفص وغيرهما عن الحجاج عن ابن
عمرو بن حريث عن أبيه أنه باع عليا رضي الله عنه درعا منسوجة بالذهب بأربعة آلاف درهم إلى
العطاء وليسوا يقولون بهذا هذا عندهم بيع مفسوخ لأنه إلى غير أجل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمر وعن علي رضي الله عنه فيمن اشترى
ما أحرز العدو قال هو جائز وهم يقولون إن صاحبه إذا جاء بالخيار إن أحب أخذه بالثمن أخذه (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله
قال لا بأس بالدرهم بالدرهمين ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بالأحاديث التي رويت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل وعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل وقد
كان عبد الله لقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففهموه فلما رجع قال ما أرى به بأسا وما أنا بفاعله
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود
قال من ابتاع مصراة فهو بالخيار إن شاء ردها وصاعا من طعام وهكذا نقول وبهذا مضت السنة وهم
يزعمون أنه إذا حلبها فليس له ردها لأنه قد أخذ منها شيئا (أخبرنا الربيع) قال: أخبرنا الشافعي،
قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله أنه قال في أم الولد تعتق من نصيب
ولدها ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بحديث عمر أنه أعتق أمهات الأولاد إذا مات ساداتهن
ويقولون جميعا تعتق من رأس المال، (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن

(1) الثنيا بالضم من الجزور الرأس والقوائم أي اشتراط أن له رأسها وأرجلها. كتبه مصححه.
185

حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه كره شراء المصاحف وبيعها وليسوا يقولون بهذا لا يرون بأسا
ببيعها وشرائها ومن الناس من لا يرى بشرائها بأسا، ونحن نكره بيعها (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا وكيع أن عليا رضي الله عنه قال لا يحل أكل الثوم إلا مطبوخا وليسوا يقولون بهذا
بل ينكرونه ويقولون ما يقول بهذا أحد ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أكل من هذه
الشجرة فلا يقربن مساجدنا يؤذينا بريح الثوم) وهذا الذي نأخذ به.
باب الديات
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال الخطأ شبه العمد بالخشبة والحجر الضخم ثلث حقاق
وثلث جذاع وثلث ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وفي الخطأ خمس وعشرون بنت مخاض
وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت لبون ونحن نروي عن النبي صلى
الله عليه وسلم في شبه العمد أربعون خلفة في بطونها أولادها وروي عن عمر أنه قضى به ثلاثين حقة
وثلاثين جذعة وأربعين خلفة وبهذا نقول وهم يقولون بخلاف هذا ويقولون في الحجر الضخم والخشبة
هذا عمد فيه القود ويعيبون مذهب صاحبهم بأنه يقول هو خطأ (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا الطنافسي عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق قال كنت عند علي
رضي الله عنه فأتاه ثلاثة فشهدوا على اثنين أنهما غرقا صبيا وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى
علي رضي الله عنه على الثلاثة بخمسي الدية وقضى على الاثنين بثلاثة أخماس الدية ولسنا ولا أحد
علمناه يقول بهذا يقولون لولي الدم أن يدعي على إحدى الطائفتين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي عن علي رضي الله عنه في الرجل يقتل المرأة قال إن أراد أولياء
المرأة أن يقتصوا لم يكن ذلك لهم حتى يعطوا نصف الدية وليسوا يقولون بهذا يقولون بينهما القصاص في
النفس وينكرون هذا القول ويقولون ما نعلم أحدا يقوله (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن أن عليا رضي الله عنه قضى بالدية اثني عشر ألفا وهم يقولون
الدية عشرة آلاف (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي
عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قضى في القامصة والقارصة والواقصة جارية ركبت جارية فقرصتها
جارية فقمصت فوقصت المحمولة فاندق عنقها فجعلها أثلاثا وليسوا يقولون بهذا وينكرون الحكم به
ويقولون ما يقول هذا أحد ويزعمون أن ليس على الموقوصة شئ وأن ديتها على العاقلة (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عباد بن العوام عن عمرو بن عامر عن قتادة عن خلاس عن علي رضي
الله عنه أن غلامين كانا يلعبان بقلة فقال أحدهما حذار، وقال الآخر حذار فأصابت ثنيته فكسرتها
فرفع إلى علي رضي الله عنه فلم يضمنه وهم يضمنون هذا ويخالفون ما رووا فيه (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد عن قتادة عن خلاس عن علي قال: إذا أمر الرجل عبده أن يقتل
رجلا فإنما هو كسيفه أو سوطه يقتل المولى ويحبس العبد في السجن (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قلت لعلي رضي الله عنه هل عندكم
من النبي صلى الله عليه وسلم غير ما في أيدي الناس؟ قال: لا إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما
186

في الصحيفة قلت وما في الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر وهم يخالفون
هذا ويقولون يقتل المؤمن بالكافر ويخالفون ما رووا عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عبيد بن القعقاع
قال: كنت رابع أربعة نشرب الخمر فتطاعنا بمدية كانت معنا فرفعنا إلى علي رضي الله عنه فسجننا
فمات منا اثنان فقال أولياء المتوفيين أقدنا من الباقيين فسأل علي رضي الله عنه القوم ما تقولون؟ فقالوا
نرى أن تقيدهما قال فلعل أحدهما قتل صاحبه قالوا لا ندري قال وأنا لا أدري وسأل الحسن بن علي
رضي الله تعالى عنهما فقال مثل مقالة القوم فأجابه بمثل ذلك فجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ثم
أخذ دية جراح الباقيين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك عن
حنش بن المعتمر أن ناسا حفروا بئرا لأسد فازدحم الناس عليها فتردى فيها رجل فتعلق برجل وتعلق
الآخر بآخر فجرحهم الأسد فاستخرجوا منها فماتوا فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السلاح فقال علي
رضي الله تعالى عنه لم تقتلون مائتين من أجل أربعة؟ تعالوا فلنقض بينكم بقضاء إن رضيتم وإلا
فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية
وللرابع الدية كاملة وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا على البئر فمنهم من رضي ومنهم من لم يرض
فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة وقالوا إن عليا رضي الله عنه قضى بكذا
وكذا فأمضى قضاء علي رضي الله تعالى عنه وهم لا يأخذون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا شعبة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله في جراحات الرجال والنساء تستوي في السن
والموضحة وما خلا فعلى النصف وهم يخالفون هذا فيقولون على النصف من كل شئ (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عبد الله في الذي يقتص منه فيموت قال علي الذي
اقتص منه الدية ويرفع عنه بقدر جراحته وليسوا يقولون بهذا بل نقول نحن وهم لا شئ على المقتص لأنه فعل
فعلا كان له أن يفعله.
باب الأقضية
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الأجلح عن الشعبي عن علي رضي الله عنه
اختصم إليه ناس ثلاثة يدعون ولدا فسألهم أن يسلم بعضهم لبعض فأبوا فقال أنتم شركاء
متشاكسون ثم أقرع بينهم فجعله لواحد منهم خرج سهمه وقضى عليه بثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى
الله عليه وسلم فقال أصبت وأحسنت (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن سلمة
بن كهيل قال سمعت الشعبي يحدث عن أبي الخليل أو ابن الخليل أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر فلم يدر
لمن الولد فاختصموا إلى علي رضي الله عنه فأمرهم أن يقترعوا وأمر الذي أصابته القرعة أن يعطي
للآخرين ثلثي الدية وليسوا يقولون بهذا وهم يثبتون هذا عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم وهم يخالفونه والذي يقولونه هم ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد أن يخالفه ولو
ثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به ونحن نقول ندعو القافة له فإن ألحقوه بأحدهم فهو ابنه
وإن ألحقوه بكلهم أو لم يلحقوه بأحدهم فلا يكون له ويوقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء ولا
يكون له أبوان في الاسلام وهم يقولون هو ابنهم يرثهم ويرثونه وهو للباقي منهم (أخبرنا الربيع) قال
187

أخبرنا الشافعي قال أخبرنا شعبة عن سماك عن أبي عبيد بن الأبرص أن رجلا استأجر نجارا يضرب له
مسمارا فانكسر المسمار فخاصمه إلى علي رضي الله عنه فقال أعطه درهما مكسورا وهم يخالفون هذا ولا
يقولون به ونحن لا نقول به ومن ضمن الأجير ضمنه قيمة المسمار ولم يجعل له شيئا إذا لم يتم العمل فإن
تم العمل فله ما استأجره عليه إن كانت الإجارة صحيحة وإن كانت الإجارة فاسدة فله أجر مثله
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن موسى
بن طريف الأسدي قال دخل علي رضي الله عنه بيت المال (1) فأضرط به وقال لا أمسي وفيك درهم
فأمر رجلا من بني أسد فتسمه إلى الليل فقال الناس لو عوضته فقال إن شاء ولكنه سحت وهم
يخالفون هذا ويقولون لا بأس بالجعل على القسم وهم يقولون قال علي سحت وهم يروون عن علي
رضي الله عنه إن شاء أعطيته وهو سحت ونحن وهم نقول لا يحل لأحد أن يعطي السحت كما لا يحل
لأحد أن يأخذه ولا نرى عليا رضي الله عنه يعطي شيئا يراه سحتا إن شاء الله تعالى (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن علية عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال أتى علي رضي الله عنه
في بعض الأمر فقال ما أراه إلا جورا ولولا أنه صلح لرددته وهم يخالفون هذا ويقولون إذا كان
جورا فهو مردود ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من اصطلح على شئ غير جائز فهو رد
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حفص بن غياث عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن
حنش أن عليا رضي الله عنه رأى الحلف مع البينة وهم يخالفون هذا ولا يستحلفون أحدا مع بينته
وهم يروون عن شريح أنه استحلف مع البينة ولا نعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم خلافهما.
باب اللقطة
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن أبي قيس قال سمعت هذيلا
يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال قد عرفتها ولم أجد من يعرفها فقال استمتع بها وهذا
قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه
وسلم وحديث ابن مسعود أشبه بالسنة وقد خالفوا هذا كله ورووا حديثا عن عامر عن أبيه عن عبد الله
أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدق بثمنها وقال اللهم عن صاحبها فإن كره فلي وعلى الغرم ثم قال
هكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها وخالفوا حديث عبد الله بن مسعود الذي
يوافق السنة وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو فيه بعينه
يقولون إن ذهب البائع فليس للمشتري أن يتصدق بثمنها ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء.
باب الفرائض
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن

(1) أي استخف به وسخر منه، أنظر اللسان. كتبه مصححه.
188

سلمة عن علي رضي الله عنه أنه كان يشرك بين الجد والأخوة حتى يكون سادسا وليسوا يقولون بهذا أما
صاحبهم فيقول الجد أب فيطرح الأخوة وأما هم ونحن فنقول بقول زيد يقاسم الأخوة ما كانت المقاسمة
خيرا له ولا ينقص من الثلث من رأس المال وهم ينكرون قول علي ويقولون ما يقول هذا أحد (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله
يورثان الأرحام دون الموالي (3) وكان علي رضي الله عنه أشدهم في ذلك وليسوا يقولون بهذا يقولون
إذا لم يكن أهل فرائض مسماة ولا عصبة ورثنا الموالي ونقول نحن لا نورث أحدا غير من سميت له
فريضة أو عصبة وهم يورثون الأرحام وليسوا بعصبة ولا مسمى لهم إذا لم تكن أموال وقالوا القول قول
زيد والقياس عليه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن ابن أبي ليلى عن الشعبي
عن الحرث عن علي رضي الله عنه أنه ورث نفرا بعضهم من بعض ويقولون في هذا بقولنا (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن سفيان الثوري عن أبي قيس عن هذيل عن عبد الله
أنه لم يشرك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أن
عبد الله أشرك ونحن نقول بشرك وهم يخالفونه ويقولون لا نشرك (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي
قال أخبرنا رجل عن سفيان الثوري عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله في ابنتين وبنات ابن
وبني ابن للبنتين الثلثان وما بقي فلبني الابن دون البنات وكذلك قال في الأخوة والأخوات للأب مع
الأخوات لأب وأم ولسنا ولا أحد علمته يقول بهذا إنما يقول الناس للبنات أو الأخوات الثلثان وما بقي
فلبني الابن وبنات الابن أو الأخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال كان عبد الله يشرك الجد مع الأخوة
فإذا كثروا أوفاه السدس ولسنا ولا أحد يقول بهذا أما نحن فنقول إنه إذا كان مع الأخوة لم ننقصه من
الثلث وأما بعضهم فكان يطرح الأخوة ويجعل المال للجد وبذلك يقولون (أخبرنا الربيع) قال أخبر
الشافعي قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان عبد الله يجعل الأكدرية من ثمانية
للأم سهم وللجد سهم وللأخت ثلاثة أسهم وللزوج ثلاثة أسهم ولسنا ولا أحد يقول بهذا ولكنهم
يقولون بما روي عن زيد بن ثابت نجعلها من تسعة للأم سهمان وللجد سهم وللأخت ثلاثة أسهم
وللزوج ثلاثة أسهم ثم يقاسم الجد الأخت فيجعل بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين (أخبرنا الربيع) قال
أخبرنا الشافعي عن رجل عن الثوري عن إسماعيل بن رجاء عن إبراهيم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سفيان عمن سمع الشعبي يقول في جد وأم وأخت فللأخت ثلاثة أسهم وللأم سهم
وللجد سهمان وليسوا يقولون بهذا إنما يقولون بقول زيد يجعلها من تسعة للأم ثلاثة أسهم وللجد أربعة
أسهم وللأخت سهمان (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن الحكم عن
إبراهيم عن عبد الله قال أهل الكتاب والمملوكون يحجبون ولا يورثون وليسوا يقولون بهذا يقولون بقول زيد
لا يحجبون ولا يرثون وهم يقولون في هذا بقولنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم
عن يونس عن ابن سيرين (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش
عن إبراهيم أن عبد الله سئل عن رجل مات وترك أباه مملوكا ولم يدع وارثا قال يشتري من ماله فيعتق ثم
يدفع إليه ما ترك وليسوا يقولون بهذا يقولون لا يرث المملوك ولا يورث ونحن نقول ماله في بيت المال
وكذلك يقولون هم إن لم يوص به.
189

باب المكاتب
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن طارق عن الشعبي أن عليا
رضي الله تعالى عنه قال في المكاتب يعتق منه بحساب وقال ابن عمر وزيد بن ثابت هو عبد ما بقي عليه شئ
وروى ذلك عمرو بن شعيب وبذلك نقول ويقولون به معنا وهم يخالفون الذي رووا عن علي رضي الله تعالى
عنه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حجاج عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن الحارث
عن علي رضي الله عنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدى ويرث بقدر ما أدى وليسوا يقولون بهذا (أخبرنا الربيع)
قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا رجل عن حماد عن قتادة عن خلاس عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
يستسعي المكاتب بعد العجز وليسوا ولا أحد من الناس يقول بهذا إنما نقول إذا عجز فهو رقيق وحدثنا أن عليا
رضي الله تعالى عنه قال لا نعجز المكاتب حتى يدخل نجما في نجم وليسوا ولا أحد من المفتين يقول بهذا نحن
وهم نقول إذا حلت نجومه فإن لم يجد فهو عاجز رقيق ولا ينتظر بتعجيزه النجم الآخر وكذلك يقول مفتو الناس
لا أعلمهم يختلفون فيه (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حماد بن خالد الخياط عن يونس بن
أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله إذا أدى المكاتب قيمته فهو حر ونحن نروي عن
زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة أنه عبد ما بقي عليه شئ وبه نقول.
باب الحدود
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي أن
عليا رضي الله تعالى عنه جلد سراحه يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال أجلدها بكتاب الله وأرجمها
بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسوا يقولون بهذا يقولون ترجم ولا تجلد والسنة الثابتة أن تجلد البكر
ولا ترجم وترجم الثيب ولا تجلد وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا ولم يجلده وقال لأنيس
(اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) فغدا أنيس فاعترفت فرجمها (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أشياخه أن عليا
رضي الله تعالى عنه جلد امرأة في الزنا وعليها درع قيل لي جديد، وكذلك يقول المفتون ولا أعلمهم
يختلفون في ذلك. هشيم عن الشيباني عن الشعبي أن عليا نفى إلى البصرة. ابن مهدي عن سفيان عن
أبي إسحاق عن أشياخه أن عليا رضي الله تعالى عنه نفى إلى البصرة وليسوا يأخذون بهذا ويزعمون أنه لا
نفي على أحد وأما نحن فنأخذ به لأنه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة (أخبرنا الربيع)
قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن
خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين اختصما إليه (لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل
على ابنك جلد مائة وتغريب عام) ابن مهدي عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن خليد الثوري أن
رجلا أقر عند على بحد فجهد عليه أن يخبره ما هو فأبى فقال اضربوه حتى ينهاكم وهم يخالفون هذا
ولا يقولون به ولا أعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي خلاف هذا فإن كانوا يثبتون مثل هذه
الرواية عن علي رضي الله تعالى عنه فيلزمهم أن يقولوا بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا ابن مهدي عن سفيان وإسرائيل عن عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي رضي الله تعالى عنه قال
190

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) وهم يخالفون هذا إلى غير
فعل أحد علمته من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقول به وهو السنة الثابتة عن النبي صلى
الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بذلك مالك عن ابن شهاب عن عبيد
الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت فقال
(إذا زنت أمة أحدكم فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها في الرابعة ولو
بضفير حبل) قال ابن شهاب لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة والضفير الحبل (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد نحوه (أخبرنا
الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها
الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها فإن عادت زناها
فليبعها ولو بضفير من شعر - يعني الحبل) وهم يخالفون ما رووا عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم وما روينا نحن عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرتد عن حجر بن عنبس قال شهد رجلان على
رجل عند علي رضي الله تعالى عنه أنه سرق فقال السارق لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا
لنزل عذري فأمر بالناس فضربوا حتى اختلطوا ثم دعا الشاهدين فلم يأتيا فدرأ الحد وليسوا يأخذون بهذا
يقولون لا نسترهب الشهود يقولون نقف الشاهدين فإن شهدا وكانا عدلين قطع وإن لم يكونا عدلين لم
تجز الشهادة وما علمت أحدا يأخذ بقولهم هذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان
عن عاصم بن كليب عن أبيه قال لم أر السارق قط أكثر منهم في زمان علي رضي الله تعالى عنه ولا
رأيته قطع أحدا منهم قلت وكيف كان يصنع قال كان يأمر الشهود أن يقطعوا وليسوا يأخذون بهذا
يقولون إذا شهد الشهود فمن شاء الحاكم أن يأمر بقطعه قطع ولا يأمر بذلك الشهود ونحن نقول بهذا ولم
نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده أمروا شاهدين بقطع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي أن رجلين أتيا عليا رضي الله تعالى عنه فشهدا على
رجل أنه سرق فقطع يده ثم آتياه بآخر فقالا هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول فلم يجز شهادتهما على
الآخر وغرمهما دية يد الأول وقال لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما وبهذا نقول إذا قالا أخطأنا على الأول
غرمتهما دية يد المقطوع وإن قالا عمدنا أن نشهد عليه بباطل قطعت أيديهما بيده قودا، وهذا أشبه
بالقياس إن كان يجوز أن يقتل اثنان بواحد فلم لا تقطع يدان بيد واليد أقل من النفس وإذا جاز الكثير
فلم لا يجوز القليل؟ وهم يخالفون عليا رضي الله عنه في الشاهدين إذا تعمدا ويقولون لا تقطع أيديهما
بيد ولا تقطع يدان بيد وهم يقولون يقتل اثنان بواحد ولا تقطع يدان بيد (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا رجل عن رجل عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي جحيفة أن عليا رضي الله عنه
أتى بصبي قد سرق بيضة فشك في احتلامه فأمر به فقطعت بطون أنامله وليسوا ولا أحد علمته
يقول بهذا يقولون ليس على الصبي حد حتى يحتلم أو يبلغ خمس عشرة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا
الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن حماد بن زيد عن عمرو ابن دينار أن عليا رضي الله تعالى عنه قطع
من شطر القدم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي أن عليا كان
يقطع الرجل من القدم ويدع العقب يعتمد عليه وليسوا ولا أحد علمناه يقول بهذا القول بل يقولون
191

تقطع الرجل من الكعب الذي فيه المفصل بين الساق والقدم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
أخبرنا أبو بكر بن عياش عن ابن حصين عن سويد بن غفلة أن عليا رضي الله عنه أتى بزنادقة فخرج
بهم إلى السوق فحفر لهم حفرا فقتلهم ثم رمى بهم في الحفر فحرقهم بالنار وهم يخالفون هذا فيقولون لا
يحرق بالنار أحد أما نحن فروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يعذب أحد بعذاب الله فقلنا
به ولا نحرق حيا ولا ميتا. ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا تنصر بعد
إسلامه فأتي به إلى علي رضي الله تعالى عنه فجعل يعرض عليه فقال لا أدري ما تقول غير أنه يشهد أن
المسيح ابن الله فوثب إليه علي رضي الله تعالى عنه فوطئه وأمر الناس أن يطؤوه ثم قال كفوا فكفوا عنه
فإذا هو قد مات وهم لا يأخذون بهذا يقولون لا يقتل الإمام أحدا بهذه القتلة ولا يقتل إلا بالسيف.
أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي المغيرة في قوم دخلوا على امرأة في دار قوم فخرج إليهم بعض
أهل الدار فقتلوهم فأصبحوا وقد جاءت عشائرهم إلى علي رضي الله تعالى عنه فرفعوهم إليه فقال علي
رضي الله تعالى عنه وما جمع هؤلاء في دار واحدة ليلا وقال بيده فقلبها ظهرا لبطن ثم قال لصوص قتل
بعضهم بعضا قوموا فقد أهدرت دماءهم فقال الحسن أنا أضمن هذه الدماء فقال أنت أعلم بنفسك
وليسوا يقولون بهذا أما نحن فنروي عن علي رضي الله عنه أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله فسئل
علي رضي الله تعالى عنه فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته أخبرنا بذلك مالك عن يحيى بن
سعيد عن ابن المسيب وبهذا نقول نحن وهم إلا أنهم يقولون في اللص يدخل دار رجل فيقتله ينظر إلى
المقتول فإن لم يكن يعرف باللصوصية قتل القاتل وإن كان يعرف باللصوصية درئ عن القاتل القتل
وكانت عليه الدية وهذا خلاف ما رووا عن علي رضي الله تعالى عنه ابن مهدي عن سفيان عن الشيباني
عن بعض أصحابه أن رجلا أتى عليا رضي الله تعالى عنه برجل فقال إن هذا يزعم أنه احتلم على أم
الآخر فقال أقمه في الشمس واضرب ظله وليسوا يقولون بهذا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال
حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أبي بشر عن شبيب بن أبي روح أن رجلا كان تواعد
جارية له مكانا في خلاء فعلمت جارية بذلك فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم فأتى عمر فقال أئت
عليا فسأل عليا رضي الله تعالى عنه فقال أرى أن تضرب الحد في خلاء وتعتق رقبة وعلى المرأة الحد
وليسوا يقولون بهذا يقولون يدرأ عنه الحد بالشبهة فأما نحن فنقول في المرأة تحد كما رووا عن علي رضي الله
تعالى عنه لأنها زنت وهي تعلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن مهدي عن سفيان
عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال كنت عند علي رضي الله تعالى عنه فأتته امرأة فقالت إن
زوجي وقع على جاريتي فقال إن تكوني صادقة نرجمه وإن تكوني كاذبة نجلدك وبهذا نأخذ لأن زناه
بجارية امرأته كزناه بغيرها إلا أن يكون ممن يعذر بالجهالة ويقول كنت أرى أنها لي حلال وهم يخالفون
هذا ويدرءون عنه الحد كان جاهلا أو عالما. وعن عمر بن شعيب قال رأيت رجلا يستقي على بئر قد
قطعت يده وتركت إبهامه فقلت من قطعك؟ فقال علي وهم يخالفون هذا ويقولون تقطع من مفصل
الكف ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن
علية عن سعيد بن عبد الله عن حضين بن المنذر أن عليا رضي الله تعالى عنه جلد الوليد في الخمر
أربعين وهم يخالفون هذا ويقولون يجلد ثمانين ونحن نروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جلد الوليد
بالمدينة بسوط له طرفان أربعين فذلك ثمانون وبه نقول (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
بذلك سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن علي رضي الله تعالى عنه (أخبرنا
192

الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا رجل عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن الوليد عن يزيد أراه ابن
مذكور أن عليا رضي الله تعالى عنه رجم لوطيا وبهذا نأخذ نرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب يقول السنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن (رجع
الشافعي) فقال لا يرجم إلا أن يكون قد أحصن وعكرمة يرويه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم وصاحبهم يقول ليس على اللوطي حد ولو تلوط وهو محرم لم يفسد إحرامه ولا غسل عليه ما لم يمن
وقد خالفه بعض أصحابه فقال اللوطي مثل الزاني يرجم إن أحصن ويجلد إن لم يحصن ولا يكون اللوطي
أشد حالا من الزاني وقد بين الله عز وجل فرقا بينهما فأباح جماع النساء بوجهين أحدهما النكاح والآخر
ملك اليمين وحرم هذا من كل الوجوه فمن أين يشتبهان (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا
الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال إني سرقت
فطرده، ثم قال: إني سرقت فقطع يده وقال إنك شهدت على نفسك مرتين وهم يخالفون هذا
ويقولون حتى يقول أربع مرات وإنما تركنا نحن أن نقول الاعتراف بمنزلة الشهادة لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة فإن اعترفت رجمها ولو يقل أربع مرات ولو كان
الاقرار يشبه الشهادة كان لو أقر أربع مرات ثم رجع بطل عنه الحد وهم يقولون في الزنا لا يحد الزاني
حتى يقر أربعا قياسا على الشهادات ويخالفون ما رووا عن علي رضي الله تعالى عنه ويقولون في السرقة
إقراره مرة وأكثر سواء ويخالفون ما رووا عن علي رضي الله عنه وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم
ويدعون القياس فيه. وكيع عن سفيان الثوري عن سماك عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر
كتب إلى علي يسأله عن مسلم زنى بنصرانية فكتب إليه أن أقم الحد على المسلم وادفع النصرانية إلى أهل
دينها وهم يقولون أيضا يقام الحد على النصرانية ويخالفون هذا الحديث. يزيد بن هارون عن أيوب عن
قتادة عن خلاس عن علي رضي الله عنه في حرين باع أحدهما صاحبه فقطعهما على جميعا وهم
يخالفون هذا وينكرون القول فيه، أبو بكر بن عياش قال حدثني أبو حصين عن عامر الكاهلي قال
كنت عند علي رضي الله عنه إذ أتى برجل فقال ما شأن هذا؟ فقالوا يا أمير المؤمنين وجدناه تحت
فراش امرأة فقال لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا به إلى نتن مثله فمرغوه فيه فمرغوه في عدرة وخلى سبيله
وهم يخالفون هذا ويقولون يضرب ويرسل وكذلك قول المفتين لا يختلفون في ذلك، سفيان عن
مطرف عن الشعبي عن ابن مسعود أنه كان يقول لا نرى على الذي يصيب وليدة امرأته حدا ولا عقرا،
رجل عن شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش عن عبد الله أن رجلا أتاه فذكر له أنه أصاب جارية
امرأته فقال استغفر الله ولا تعد وهم يخالفون هذا ويقولون يعزر وأما نحن فنقول إن كان من أهل
الجهالة وقال قد كنت أرى أنها حلال لي فأنا ندرأ عنه الحد وعزرناه وإن كان عالما حددناه حد الزاني،
ابن مهدي عن سفيان عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قطع سارقا في قيمة خمسة دراهم ونحن نأخذ بهذا إلا أنا نقطع في ربع دينار وخمسة دراهم في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع دينار وهم يخالفون هذا ويقولون لا قطع في أقل من عشرة
دراهم، رجل عن شعبة عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله أنه وجد
امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين فذهبوا فشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال
لم فعلت ذلك؟ قال لأني أرى ذلك قال وأنا أرى ذلك وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزير هذا
وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب وهم يقولون لا يبلغ بالتعزير في شئ أربعين فيخالفون ما رووا
193

عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، يزيد بن هارون عن ابن أبي عروبة عن حماد عن إبراهيم عن
عبد الله في أم الولد تزني بعد موت سيدها تجلد وتنفي وهم لا يقولون بهذا يقولون لا ينفي أحد زان ولا
غيره ونحن نقول ينفي الزاني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم كلهم قد رأوا
النفي، جرير عن منصور عن زيد بن وهب أن عبد الله دخل المسجد والامام راكع فركع ثم دب
راكعا، ابن عيينة عن عمرو عن أبي عبيدة عن رجل عن مجالد عن الشعبي عن عمه قيس بن عبد
عن عبد الله مثله وهكذا نقول نحن وقد فعل هذا زيد بن ثابت وهم ينهون عن هذا ويخالفونه، ابن
عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة قال كان عبد الله يصلي الصبح نحوا من صلاة أمير المؤمنين يعني
ابن الزبير وكان ابن الزبير يغلس، رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي عمرو والشيباني قال
كان عبد الله يصلي بنا الصبح بسواد أو قال بغلس فيقرأ بسورتين وبهذا جاءت السنة وهو قولنا وهم
يخالفونه ويقولون بل يسفر والذي أخذنا به أن سفيان أخبرنا عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنه
ا قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن
من الغلس، مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مثله، ابن علية عن عوف عن سيار بن
سلمة أبي المنهال عن أبي برزة الأسلمي أنه سمعه يصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان
يصلي الصبح ثم ينصرف وما يعرف الرجل منا جليسه وكان يقرأ بالستين إلى المائة، ابن إدريس عن
الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
خمسا فقيل له زيد في الصلاة أو قالوا صليت خمسا فاستقبل القبلة فسجد سجدتين، رجل عن شعبة
عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وبهذا نأخذ وهو يوافق
ما روينا عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي
اليدين وهم لا يأخذون بهذا ويزعمون أنه إن لم يكن جلس في الرابعة قدر التشهد فسدت صلاته، أبو
معاوية وحفص عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم
ثم سجد سجدتي السهو بعد الكلام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وذلك لأنه إنما ذكر السهو بعد
السلام فسأل فلما استيقن أنه قد سها سجد سجدتي السهو ونحن نأخذ بهذا، مالك عن داود بن الحصين
عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر،
ابن علية وهشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال أبو هريرة وابن عمر في ركعتين وقال عمران في ثلاث فقال له ذو اليدين أقصرت
الصلاة أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن ثم أقبل على الناس فقال أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا نعم
فاستقبل القبلة فأتم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتي السهو وهم يخالفون هذا كله ويقولون لا يسجد
للسهو بعد الكلام، رجل عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة قط إلا لوقتها إلا بالمزدلفة فإنه جمع بين المغرب
والعشاء وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان صلاها بعد الفجر لم يقل
قبل وقتها ولقال في وقتها الأول، ابن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال
كان عبد الله يصلي الصبح بجمع ولو أن متسحرا تسحر لجاز ذلك (قال الشافعي) ولم يختلف أحد في أن
لا يصلي أحد الصبح غداه جمع ولا في غيرها إلا بعد الفجر وهم يخالفونه أيضا في قوله إن النبي صلى
194

الله عليه وسلم لم يجمع إلا بين المغرب والعشاء فيزعمون أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك
نقوله نحن للسنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك حاتم بن إسماعيل عن جعفر
بن محمد عن أبيه عن جابر قال فراح النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حين زالت الشمس فخطب ثم
صلى الظهر والعصر معا وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غير ذلك الموطن،
مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير يجمع بين المغرب
والعشاء، مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في سفره إلى تبوك، أخبرنا الليث عن عقيل بن خالد عن
الزهري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر
الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم ينزل فيصليهما معا، أخبرنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن
حسين بن عبد الله عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال ألا أخبركم عن صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في السفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس وهو في المنزل جمع
بين الظهر والعصر في وقت الظهر وإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر وهذه
مواطن قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم فيها غير عشية عرفة وليلة جمع، ابن علية عن أيوب عن
محمد بن عجلان أن ابن مسعود كان يقرأ في الآخرتين بفاتحة الكتاب وبهذا نقول ولا يجزيه إلا أن
يقرأها فإن نسي أعاد وهم يقولون إن شاء قرأ وإن شاء لم يقرأ وإن شاء سبح، محمد بن عبيد عن محمد
بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أن عبد الله صلى به وبعلقمة فأقام أحدهما عن يمينه
والآخر عن يساره وقال هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وليسوا يقولون بهذا ونحن معهم
يكونان خلف الإمام فأما نحن فنأخذ بحديث مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (قوموا لأصلي لكم) فقمت إلى حصير فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف، أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه قال دخلت على عمر بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه
فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم
عن علقمة والأسود قالا دخلنا على عبد الله في داره فصلى بنا فلما ركع طبق بين كفيه فجعلهما بين فخذيه
فلما انصرف قال كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فخذيه وأقام أحدنا
عن يمينه والآخر عن يساره وليسوا يقولون بهذا ولا نحن أما نحن فنأخذ بحديث رواه يحيى القطان عن
عبد الحميد بن جعفر قال حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي أنه سمعه في عدة
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
ركع وضع يديه على ركبتيه، أخبرنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال حدثني علي بن يحيى بن خلاد
الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة عن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل (إذا ركعت فضع
يديك على ركبتيك). أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال صلى عبد الله بأصحابه
الجمعة ضحى خشيت الحر عليكم وليسوا يقولون بهذا ولا يقول به أحد صلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعد في كل جمعة بعد زوال الشمس. أخبرنا يحيى بن عباد عن شعبة عن
إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عبد الله أنه كان يوتر بخمس أو سبع. سفيان عن
الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يكره أن يكون ثلاثا وتر ولكن خمسا أو سبعا وليسوا يقولون
195

بهذا يقولون صلاة الليل مثنى مثنى إلا الوتر فإنها ثلاث متصلات لا يصلى الوتر أكثر من ثلاث وأما
نحن فنقول بالسنة الثابتة أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا
خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر مثله أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) سفيان عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله هشيم وأبو معاوية وابن علية وغير واحد عن ابن
عون وعاصم عن ابن سيرين عن يحيى بن الجزار أظنه عن عبد الله أنه صلى وعلى بطنه فرث ودم وليسوا
يقولون بهذا يقولون إذا كان على بطنه مقدار الدرهم الكبير أعاد الصلاة وإن كان أقل لم يعد ولم نعلم
أحدا ممن مضى قال إذا كان الدم في الثوب أو على الجسد مقدار الدرهم أعاد الصلاة وإن كان أقل لم
يعد أخبرنا هشيم عن حصين عن خارجة بن الصلت أن ابن مسعود ركع فمر به رجل فقال السلام
عليك يا أبا عبد الرحمن فقال عبد الله صدق الله ورسوله فلما قضى صلاته قيل له كأن الرجل راعك
قال أجل إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقا
وحتى يسلم الرجل على الرجل للمعرفة) وليسوا يقولون بهذا وهو عندهم نقض للصلاة إذا تكلم بمثل
هذا حين يريد به الجواب وهم لا يروون خلاف هذا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكلام في الصلاة ولو كان هذا عنده من
الكلام المنهي عنه لم يتكلم به أخبرنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود
عن أبيه قال رأيت ابن مسعود إذا مر بين يديه رجل وهو يصلي التزمه حتى يرده ونحن نقول بهذا وهو
يوافق ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يأخذون به وأحسبهم يقولون إن هذا ينقض الصلاة
ولا يروون قولهم هذا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعون قول عبد الله وهو
موافق السنة أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال إذا
أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى وإذا فاتك الركوع فصل أربعا وبهذا نقول لأنه موافق
معنى ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف هذا بعضهم فزعم أنه إذا لم يدرك الخطبة
صلى أربعا رجع بعضهم إلى أن قال مثل قولنا وقال بعضهم إذا أدرك الإمام في شئ من الصلاة وإن
كان جالسا صلى ركعتين فخالف هذا الحديث والذي قبله أخبرنا رجل عن الأعمش عن المسيب بن
رافع عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله هيئت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا حتى بالمرافق وليسوا
يقولون بهذا ولا نعلم أحدا يقول بهذا فأما نحن فأخبرنا سفيان عن داود بن قيس عن عبيد الله بن عبد الله
بن أقرم الخزاعي عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاع من نمرة ساجدا فرأيت بياض
إبطيه أخبرنا سفيان قال أخبرنا عبد الله بن أخي يزيد بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم عن ميمونة
أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو أرادت بهيمة أن تمر من تحته لمرت مما يجافي أبو
معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال خبط عبد الله الحصا بيده خبطة في المسجد فقال لبيك
وسعديك * رجل عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله
نحوه وهذا عندهم فيما أعلم كلام في الصلاة يكرهونه وأما نحن فنقول كل شئ من الكلام خاطبت به
الله عز وجل ودعوته به فلا بأس به وذلك لأن سفيان حدثنا عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
196

هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح
قال (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم أشدد
وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهم يخالفون هذا كله ويقولون القنوت قبل
الركوع ابن مهدي عن سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة عن الأسود قال كان عبد الله لا يقصر
الصلاة إلا في حج أو عمرة وهم يخالفون هذا ويقولون تقصر الصلاة في كل سفر بلغ ثلاثا وغيرهم
يقول كل سفر بلغ ليلتين أخبرنا إسحاق بن يوسف وغيره عن محمد بن قيس عن عمران بن عمير مولى
ابن مسعود عن أبيه قال سافرت مع ابن مسعود إلى ضيعة بالقادسية فقصر الصلاة بالنجف وليسوا ولا
أحد علمته من المفتين يقول بهذا، أما هم فيقولون تقصر الصلاة في أقل من مسيرة ثلاث ليال قواصد
ولا أعلمهم يروون هذا عن أحد ممن مضى ممن قوله حجة بل يروون عن حذيفة خلاف قولهم رواه أبو
معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال استأذنت حذيفة من المدائن فقال آذن لك على
أن لا تقصر حتى ترجع وهم يخالفون هذا ويقولون يقصر من الكوفة إلى المدائن وأما نحن فنأخذ في
القصر بقول ابن عمر وابن عباس تقصر الصلاة في مسيرة أربع برد، أخبرنا بذلك ابن عيينة عن عمرو
بن دينار عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال تقصر الصلاة إلى عسفان والى الطائف وجدة وهذا كله
من مكة على أربعة برد ونحو من ذلك أخبرنا مالك عن نافع عن سالم عن ابن عمر أنه خرج إلى ذات
النصيب فقصر الصلاة قال مالك وهي أربع برد وهم يخالفون روايتهم عن حذيفة وابن مسعود وروايتنا
عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ابن مهدي عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب قال: قال عبد الله لا تغيروا بسوادكم فإنما سوادكم من كوفتكم يعني لا تقصروا
الصلاة إلى السواد وهم يقولون إن أراد من السواد مسيرة ثلاث قصر إليه الصلاة وهذه أحاديث يروونها
في صلاة السفر مختلفة يخالفونها كلها، ابن مهدي عن سفيان عن أشعث بن سليم عن عبد الله بن زياد
قال سمعت عبد الله يقرأ في الظهر والعصر وهذا عندنا لا يوجب سهوا ولا نرى بأسا إن تعمد الجهر
بالقراءة ليعلم من خلفه أنه يقرأ وهم يكرهون هذا يكرهون أن يجهر بشئ من القراءة في الظهر والعصر
ويوجبون السهو على من فعله ونحن نوافق هذا وهم يخالفونه، ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق
عن الأسود أن عبد الله كان يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، ابن
مهدي عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن عمرو ابن مرة عن أبي وائل عن عبد الله مثله وليسوا
يقولون بهذا يقولون يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وأما نحن
فنقول بما روي عن ابن عمر وابن عباس يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر
أيام التشريق فنترك قول ابن مسعود لقول ابن عباس وابن عمر وأما هم فيخالفون قول من سمينا وما رووا
عن ابن مسعود معا والذي قلنا أشبه الأقاويل والله تعالى أعلم بما يعرف أهل العلم وذلك أن للتلبية وقتا
تنقضي إليه وذلك يوم النحر وأن التكبير إنما يكون خلف الصلاة وأول صلاة تكون بعد انقضاء التلبية
يوم النحر صلاة الظهر وآخر صلاة تكون بمنى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ابن مهدي عن
سفيان عن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة قال: قرأت السجدة عند عبد الله فنظرت إليه فقال أنت
أعلم فإذا سجدت سجدنا وبهذا نقول ليست السجدة بواجبة على من قرأ وعلى من سمع وأحب إلينا أن
يسجد وإذا سجد القارئ أحببنا للسامع أن يسجد وقد روينا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن
عمر ورووا ذلك عن ابن مسعود وهم يخالفون هذا ويزعمون أنها واجبة على السامع أن يسجد وإن لم
197

يسجد الإمام فيخالفون روايتهم عن ابن مسعود وروايتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، ابن
عيينة عن عبدة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد في صلى الله عليه وسلم ويقول إنما هي توبة نبي
ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها وهم يخالفون
ابن مسعود ويقولون هي واجبة، ابن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله في
الصلاة على الجنائز لا وقت ولا عدد، رجل عن شعبة عن رجل قال سمعت زر بن حبيش يقول صلى
عبد الله على رجل ميت فكبر عليه خمسا ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أربعا، مالك
عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر على النجاشي أربعا ولم
يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه كبر على ميت إلا أربعا وهم يقولون قولنا ونقول التكبير على
الجنائز أربعا أربعا لا يزاد فيها ولا ينقص فخالفوا ابن مسعود وقالوا في هذا بروايتنا، أخبرنا هشيم عن
يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع قال (اللهم ربنا لك
الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد) ونحن نستحب هذا ونقول به لأنه
موافق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكرهون هذا كراهة شديدة، أخبرنا إسحاق بن يوسف
الأزرق عن سفيان عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله قال صلى العصر قدر ما يسير الراكب
فرسخين وهم يقولون تؤخر العصر قدر ما يسير الراكب فرسخا فيخالفون ما رووا ما لم يدخل الشمس
صفرة وأما نحن فنقول يصلي العصر في أول وقتها لأنا روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر
ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس بيضاء نقية. هشيم عن منصور عن الحسن عن رجل من
هذيل أن ابن مسعود كان يقرأ بفاتحة الكتاب في الجنائز وهم يخالفون هذا ولا يقرءون على الجنائز وأما
نحن فنقول بهذا نقول يقرأ الإمام بفاتحة الكتاب، أخبرنا بذلك إبراهيم بن سعد عن أبيه عن طلحة بن
عبد الله بن عوف قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا
فلما فرغ أخذت بيده فسألته عن ذلك فقال سنة وحق، أخبرنا ابن علية عن ابن عجلان عن سعيد بن
أبي سعيد قال سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنائز ويقول إنما فعلت لتعلموا أنها سنة،
أخبرنا إسحاق بن يوسف عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال التكبير
تحريم الصلاة وانقضاؤها التسليم وليسوا يقولون بهذا يزعمون أن من جلس مقدار التشهد فقد تمت
صلاته ولا شئ عليه وأما نحن فنقول تحريم الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم لأنه يوافق ما روينا عن
النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
محمد بن الحنفية عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير
وتحليلها التسليم) وهكذا نقول لا يخرج من الصلاة حتى يسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حد
الخروج من التسليم فكل حدث كان يفسد الصلاة فيما بين التكبير إلى التسليم فهو يفسدها لأن من
الدخول فيها إلى الخروج منها صلاة فلا يجوز أن يكون في صلاة فيعمل ما يفسدها ولا تفسد هشيم عن
حصين قال أخبرني الهيثم أنه سمع ابن مسعود يقول لأن أجلس على الرضف أحب إلى من أن أتربع في
في الصلاة وهم يقولون قيام صلاة الجالس التربع ونحن نكره ما يكره ابن مسعود من تربع الرجل في
الصلاة وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربع في الصلاة. أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن
إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال صلى عثمان بمنى أربعا فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله
عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق قال الأعمش فحدثني
198

معاوية ابن قرة أن عبد الله صلاها بعد أربعا فقيل له عبت على عثمان وتصلي أربعا قال الخلاف شر
وهم يقولون لا يصلح للمسافر أن يصلي أربعا فإن صلى أربعا فلم يجلس في الثانية مقدار التشهد فسدت
صلاته فيروون عن عبد الله أنه فعل ما إن فعله أحد فسدت صلاته، أخبرنا حفص عن الأعمش عن
إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث وهم يستحبون
أن يقرأ في أقل من ثلاث أخبرنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد
قال رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه وهم يروون عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي
بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس وهما من كتاب الله عز وجل وأنا أحب
أن أقرأ بهما في صلاتي أخبرنا ابن مهدي وغيره عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن هيبرة بن (1)
يريم قال كان عبد الله يعطينا العطاء في زبل صغار ثم يأخذ منها زكاة وهم يقولون لا زكاة في مال حتى
يحول عليه الحول ولا نأخذ من العطاء ونحن نروي عن أبي بكر أنه كان لا يأخذ من العطاء زكاة وعن
عمر وعثمان ونحن نقول بذلك أخبرنا ابن علية وابن أبي زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن مسعود أنه
كان يقول لولي اليتيم أحص ما مر من السنين فإذا دفعت إليه ماله قلت له قد أتى عليه كذا وكذا فإن
شاء زكى وإن شاء ترك ولو كان ابن مسعود لا يرى عليه زكاة لم يأمره بالاحصاء لأن من لم تجب عليه
زكاة لا يؤمر بإحصاء السنين كما لا يؤمر الصبي بإحصاء سنيه في صغره للصلاة ولكن كان ابن مسعود
يرى عليه الزكاة وكان لا يرى أن يزكيها الولي وكان يقول يحسب الولي السنين التي وجبت على الصبي فيها
الزكاة فإذا بلغ الصبي ودفع إليه ماله أعلمه ذلك وهم يقولون ليس في مال الصبي زكاة ونحن نقول
يزكي لأنا روينا ذلك عن عمر وعلي وعائشة وابن عمر وروينا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا
بذلك عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف ابن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ابتغوا في
أموال اليتامى لئلا تذهبها أو تستهلكها الصدقة).
باب الصيام
أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عبيد بن عمير أن عليا سئل عن القبلة
للصائم فقال ما يريد إلى خلوف فمها وليسوا يقولون بهذا يقولون لا بأس بقبلة الصائم أخبرنا إسماعيل بن
أبي خالد عن أبي السفر عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال هذا حين يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود وليسوا ولا أحد علمناه يقول بهذا إنما السحور قبل طلوع الفجر فإذا طلع
الفجر فقد حرم الطعام والشراب على الصائم أخبرنا رجل عن الشيباني عن أبي ماوية أن عليا رضي
الله عنه خرج يستسقي يوم عاشوراء فقال من كان منكم أصبح صائما فليتم صيامه ومن كان مفطرا فلا
يأكل وليسوا يقولون بهذا يقولون من أصبح مفطرا فلا يصوم أخبرنا رجل من شعبة عن أبي إسحاق عن
عبد الله بن مرة عن الحرث عن علي رضي الله عنه أنه كره صوم يوم الجمعة وهم يستحبون صوم يوم
الجمعة فيخالفون عليا رضي الله تعالى عنه أخبرنا رجل عن شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن

(1) يريم بالمثناة التحتية المفتوحة. كتبه مصححه.
199

عبد الله أنه كره القبلة للصائم وليسوا يأخذون بهذا وأما نحن فنروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل
وهو صائم وعن غير واحد من أصحابه ونقول لا بأس أن يقبل الصائم أخبرنا ابن مهدي وإسحق
الأزرق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن المستورد بن الأحنف قال جاء رجل فصلى معه
الظهر فقال إني ظللت اليوم لا صائم ولا مفطر كنت أتقاضى غريما لي فماذا ترى؟ قال إن شئت
صمت وإن شئت أفطرت أخبرنا رجل بشر بن السري وغيره عن سفيان الثوري عن الأعمش عن
طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن أن حذيفة بدا له بعدما زالت الشمس فصام وهم لا
يرون هذا ويزعمون أنه لا يكون صائما حتى ينوي الصوم قبل الزوال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش
عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال أحدكم بالخيار ما لم يأكل أو يشرب وأما نحن
فنقول المتطوع بالصوم متى شاء نوى الصيام فأما من عليه صوم واجب فعليه أن ينويه قبل الفجر والله
أعلم.
باب الحج
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن
شهاب عن عبد الله قال الحج أشهر معلومات ليس فيها عمرة وليسوا يأخذون بذلك ويزعمون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة في أشهر الحج وأما نحن فروينا أن أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه في حجته منهم من قرن الحج مع العمرة ومنهم من تمتع
بالعمرة إلى الحج ومنهم من أفرد الحج أخبرنا بذلك مالك عن ابن شهاب عن عروة من عائشة رضي
الله تعالى عنها قالت وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فهذا قلنا لا بأس بالعمرة في أشهر الحج
وقد كان ابن مسعود فيمن شهد تلك الحجة فيما علمنا أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن إبراهيم بن عبد
الأعلى عن سويد بن غفلة قال قال لي عمر يا أبا أمية حج واشترط فإن لك ما شرطت ولله عليك ما
اشترطت وهم يخالفون هذا ولا يرون الشرط شيئا وأما نحن فنقول يشترط وله الشرط لأنه موافق ما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر ضباعة بنت الزبير بالشرط وما روي عن عائشة أخبرنا سفيان عن
هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير فقال (أما تريدين الحج؟)
فقالت إني شاكية فقال (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة
عن أبيه قال قالت لي عائشة يا ابن أختي هي تستثني إذا حججت قلت ماذا أقول؟ قالت قل اللهم
الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهي عمرة أخبرنا ابن عيينة عن
منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله أنه لبى على الصفا في عمرة بعد ما طاف بالبيت وليسوا
ولا أحد من الناس علمناه يقول بهذا وإنما اختلف الناس عندنا فمنهم من قال يقطع التلبية في العمرة
إذا دخل الحرم وهو قول ابن عمر ومنهم من قال إذا استلم الركن وهو قول ابن عباس وبهذا نقول أخبرنا
رجل عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وبه يقولون هم أيضا فأما بعد الطواف بالبيت فلا يلبي
أحد أخبرنا ابن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال كانت تلبية
رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك)
وليسوا ولا أحد علمناه يقول هذا فخالفوه لأن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمين إلى اليوم
زيادة على هذه التلبية (والملك لا شريك لك) أخبرنا ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
200

عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله تنفل بين المغرب والعشاء يجمع وليسوا يقولون بهذا بل ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهما ولم يصل بينهما شيئا أخبرنا الوليد بن مسلم عن ابن أبي ذئب عن
الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء ولم يتطوع بينهما ولا
على أثر واحدة منهما وبهذا نقول أخبرنا ابن علية عن أبي حمزة ميمون عن إبراهيم عن الأسود عن
عبد الله قال نسكان أحب إلي أن يكون لكل منهما شعث وسفر وهو يزعمون أن القرآن أفضل وبه يفتون
من استفتاهم وعبد الله كان يكره القرآن أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة عن
عبد الله أنه حكم في اليربوع جفرا أو جفرة وهم يخالفونه ويقولون نحكم فيه بقيمته في الموضع الذي
يصاب فيه ولو يبلغ أن يكون غير جفرة لم يهد إلا الثني فصاعدا ما يكون أضحية. فيخالفونه من
وجهين ولا يقولون علمته في قولهم هذا بقول أحد من السلف وأما نحن فنقول به لأنه مثل ما روينا عن
عمر وهو قول عوام فقهائنا. والله أعلم.
كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما
أخبرنا أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي المؤذن صاحب الشافعي رحمه الله تعالى قال سألت
الشافعي بأي شئ تثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال قد كتبت هذه الحجة في
كتاب (جماع العلم) فقلت أعد من هذا مذهبك ولا تبال أن يكون فيه في هذا الموضع فقال الشافعي
إذا حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا نترك لرسول الله حديثا أبدا إلا حديثا وجد عن رسول الله حديث يخالفه وإذا
اختلفت الأحاديث عنه فالاختلاف فيها وجهان أحدهما أن يكون بها ناسخ ومنسوخ فنعمل بالناسخ
ونترك المنسوخ والآخر أن تختلف ولا دلالة على أيها الناسخ فنذهب إلى أثبت الروايتين فإن تكافأتا
ذهبت إلى أشبه الحديثين بكتاب الله وسنة نبيه فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته ولا يعدو
حديثان اختلفا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجد فيهما هذا أو غيره مما يدل على إلا ثبت من الرواية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له عنه
وكان يروي عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يوافقه لم يزده قوة وحديث النبي صلى الله
عليه وسلم مستغن بنفسه وإن كان يروي عمن دون رسول الله حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه
وحديث رسول الله أولى أن يؤخذ به ولو علم من روى خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنته
أتبعها إن شاء الله فقلت للشافعي أفيذهب صاحبنا هذا المذهب؟ قال نعم في بعض العلم وتركه في
بعض قلت فاذكر ما ذهب إليه صاحبنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يرو عن الأئمة أبي
بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على شيئا يوافقه فقال نعم سأذكر من ذلك إن شاء الله ما يدل على ما
وصفت وأذكر أيضا ما ذهب إليه من حديث رسول الله وفيه عن بعض الأئمة ما يخالفه ليكون أثبت
للحجة عليكم في اختلاف أقاويلكم فتستغنون مرة بالحديث عن النبي دون غيره وتدعون له ما خالفه
ثم تدعون الحديث مرة أخرى بغير حديث يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ومن ذلك أنه
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس، قال: وأخبرنا مالك عن
يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة كلاهما قالا إن الشمس خسفت فصلى النبي صلى الله عليه وسلم
201

ركعتين ووصفاهما في كل ركعة ركعتين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأخذنا نحن وأنتم به وخالفنا
غيركم من الناس فقال تصلي ركعتين كصلاة الناس وروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله
وخالفنا غيرهم من الناس فقال تصلي ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا بأن ابن عباس
صلى في زلزلة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا غيره بأن علي بن أبي طالب صلى
ركعتين في كل ركعة أربع ركعات أو خمس وكانت حجتنا عليهم أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يكن في أحد بعده حجة لو جاء عنه شئ يخالفه (قال الشافعي) رحمه الله
وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن يسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد
أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) فقلنا نحن وأنتم بهذا
وخالفنا بعض الناس فيه فقال هو مدرك العصر وصلاته الصبح فائتة من قبل أنه خرج إلى وقت نهى
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فكانت حجتنا عليه
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عما لا يلزم من الصلوات وهذه صلاة لازمة قد بينها وأخبر أنه
مدرك في الحالين معا أفرأيتم لو احتج عليكم رجل فقال كيف ثبتم حديث أبي هريرة وحده عن النبي
صلى الله عليه وسلم ولم يروه أحد علمته عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة ولم تردوه بأن هذا
لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قلت ما كانت حجتنا عليه إلا أنه إذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عمن
سواه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) فأخذنا نحن وأنتم به
أفرأيتم إن قال لنا قائل إن الحر والبرد لم يحدثا بعد ولم يذهبا بعد فلما لم يأت عن أبي بكر ولا عمر ولا
عثمان ولا علي أنهم أمروا بالابراد ولم ترووه عن واحد منهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحض على أول
الوقت وذلك في الحر والبرد سواء هل الحجة إلا ثبوت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن حضه
على أول الوقت لا يدفع أمره بتأخير الظهر في شدة الحرة ولو لم يرو عن أحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم استغنى فيه بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك عن
أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة (إنها ليست بنجس) قال فأخذنا نحن وأنتم به
فقلنا لا بأس بالوضوء بفضل الهرة وخالفنا بعض الناس فكره الوضوء بفضلها واحتج بأن ابن عمر كره
الوضوء بفضلها أفرأيتم إن قال لكم قائل حديث حميدة عن كبشة لا يثبت مثله والهرة لم تزل عند
الناس بعد النبي الله صلى الله عليه وسلم فنحن نوهنه بأن لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ما
يوافق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا شرب
الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) والكلب لا يؤكل لحمه ولا الهرة فلا أتوضأ بفضلها فهل
الحجة عليه إلا أن المرأتين إن كانتا معروفتين ثبت حديثهما وأن الهر غير الكلب الكلب نجس مأمور بغسل
الإناء منه سبعا ولا نتوضأ بفضله وفي الهرة حديث أنها ليست بنجس فنتوضأ بفضلته
ونكتفي بالخبر عن
النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون أحد بعده قال به ولا يكون في أحد قال بخلاف ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم حجة ولا في أن لم يرو إلا من وجه واحد إذا كان الوجه معروفا (قال
202

الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) فقلنا نحن وأنتم به وخالفنا بعض
الناس فقال لا يتوضأ من مس الذكر واحتج بحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق قوله
فكانت حجتنا عليه أن حديثه مجهول لا يثبت مثله وحديثنا معروف واحتج علينا بأن حذيفة وعلي بن
أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وعمران بن الحصين وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص قالوا ليس
في مس الذكر وضوء وقالوا رويتم عن سعد قولكم وروينا عنه خلافه ورويتموه عن ابن عمر ومن
رويناه عن أكثر لا توضئون لو مسستم أنجس منه فكانت حجتنا أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يكن في قول أحد خالفه حجة على قوله فقال منهم قائل أفلا نتهم الرواية عن رسول الله إذا جاء
عن مثل من وصفت وكان من مس ما هو أنجس منه لا يجب عليه عندكم وضوء فقلت لا يجوز لعالم
في دينه أن يحتج بما يرى الحجة في غيره قال ولم لا تكون الحجة فيه؟ والغلط يمكن فيمن يروي فقلت
له أرأيت إن قال لك قائل أتهم جميع ما رويت عمن رويته عنه فأخاف غلط كل محدث منهم عمن
حدث عنه إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قال لا يجوز أن يتهم حديث أهل الثقة قلت
فهل رواه عن أحد منهم إلا واحد عن واحد؟ قال نعم قلت ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واحد
عن واحد؟ قال نعم قلت فإننا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بصدق المحدث عندي وعلمنا أن
من سمينا قاله بحديث الواحد عن الواحد؟ قال نعم قلت وعلمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله
علمنا بأن من سمينا قاله؟ قال نعم قلت فإذا استوى العلمان من خبر الصادقين أيهما كان أولى بنا أن نصير
إليه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن نأخذ به أو الخبر عمن دونه؟ قال بل الخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ثبت قلت ثبوتهما واحد قال فالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولى أن يصار إليه وإن أدخلتم على المخبرين عنه أنهم يمكن فيهم الغلط دخل عليكم في كل حديث
روى مخالف الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قلتم ثبت خبر الصادقين فما ثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى عندنا أن يؤخذ به (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر
والعصر والمغرب والعشاء في سفره إلى تبوك فأخذنا نحن وأنتم به وخالفنا فيه غيرنا فروى عن ابن مسعود
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا بالمزدلفة وروى عن عمر أنه كتب أن الجمع بين الصلاتين إلا
من عذر من الكبائر فكانت حجتنا عليه أن ابن مسعود وإن قال لم يفعل فقال غيره فعل فقول من قال
فعل أولى أن يؤخذ به لأنه شاهد والذي قال لم يفعل غير شاهد وليس في قول أحد خالف ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم حجة لما وصفت من أنا إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا وغيره
قال غيره فلا يشك مسلم في أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى أن يؤخذ به وإن أدخلت
أن الرجال المحدثين يمكن فيهم الغلط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أدخلنا ذلك في حديث من
روى عنه ما يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في حديث من روى عن بعض
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمكن لأنه لا يروي النبي عليه السلام شيئا سماعا إلا أصحابه
وأصحابه خير ممن بعدهم وعامة من يروي عمن دونه التابعون فكيف يتهم حديث الأفضل ولا يتهم
حديث الذي هو دونه؟ ولسنا نتهم منهم واحدا ولكنا نقبلهما معا والحجة فيما قاله رسول الله صلى الله
عليه وسلم دون ما قال غيره ولا يوهن الجمع في السفر بأن يقول رجل سافر أبو بكر غازيا وحاجا وعمر
203

حاجا وغازيا وعثمان غازيا وحاجا ولم يثبت أن أحدا منهم جمع في سفر بل يكتفي بما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم فلا يوهنه أن لم يحفظ أنه عمل به بعده ولا يزيده قوة أن يكون عمل به بعده ولو
خولف بعدما أوهنه وكانت الحجة فيما روى عنه دون ما خالفه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن داود
ابن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم (كل ذلك لم يكن) ثم أقبل على الناس فقال (أصدق ذو اليدين؟) فقالوا نعم فأتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس فقلنا نحن وأنتم بهذا وخالفنا غيرنا
فقال الكلام في الصلاة عامدا يقطعها وكذلك يقطعها الكلام وإن ظن المصلي أنه قد أكمل ثم تكلم
وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما
أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة) فقلنا هذا لا يخالف حديثنا نهى عن الكلام عامدا فأما الكلام
ساهيا فلم ينه عنه والدليل على ذلك أن حديث ابن مسعود بمكة قبل الهجرة وحديث أبي هريرة بالمدينة
بعد حديث ابن مسعود بزمان فلم نوهن نحن وأنتم هذا الحديث بأن لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا
عثمان ولا على أنهم فعلوا مثل هذا ولا قالوا من فعل مثل هذا جاز له واكتفينا بالخبر لما ثبت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم نحتج فيه إلى أن يعمل به بعده غيره (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركعتين ثم قام فلم يجلس وقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو
جالس قبل التسليم فأخذنا نحن وأنتم بهذا وقلنا وقلتم يسجد للسهو في النقص من الصلاة قبل التسليم.
فخالفنا بعض الناس وقال تسجدان بعد التسليم واحتج بروايتنا فقال من احتج عن مالك سجدهما
النبي صلى الله عليه وسلم في الزيادة بعد السلام فسجدتهما كذلك وسجدهما في النقص قبل السلام
فسجدتهما كذلك ولم نوهن هذا بأن لم يرو عن أحد من الأئمة فيه شئ يخالفه ولا يوافقه واكتفينا
بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح ابن
خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه
وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو
وجاء الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم
بهم (قال الشافعي) أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله (1) بن عمر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن
القاسم عن صالح بن خوات عن خوات بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه فأخذنا نحن
وهو بهذا حتى حكى لنا عنه غير ما عرضنا عليه وخالفنا بعض الناس فقال فيه بخلاف قولنا فقال لا
تصلي صلاة الخوف اليوم فكانت حجتنا عليه ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من
حجته أن قال قد اختلفت الأحاديث في صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم نعلم أن أبا
بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ثبت عن علي أن واحدا منهم صلى صلاة الخوف ولا أمروا بها والصلاة
خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل ليست كهي خلف غيره وبأن لم يرو عن خلفائه حديث يثبت
بصلاتها ولم يزالوا محاربين ومحاربا في زمانهم فهذا يدل على أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة

(1) أي ابن حفص بن عاصم العمري عن أخيه عبيد الله الخ، فتنبه. كتبه مصححه.
204

فكانت حجتنا عليه أن هذا إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام إلا بدلالة لأنه لا يكون
شئ من فعله خاصا حتى تأتينا الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أنه خاص وإلا اكتفينا بالحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم عمن بعده كما قلنا فيما قبله.
باب ما جاء في الصدقات
(قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس أواق
صدقة) فأخذنا نحن وأنتم بهذا وخالفنا فيه بعض الناس فقال: قال الله تبارك وتعالى لنبيه عليه السلام
(خذ من أموالهم صدقة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر) لم يخصص الله عز
وجل مالا دون مال ولم يخصص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مالا دون مال فهذا
الحديث يوافق كتاب الله والقياس عليه وقال لا يكون مال فيه صدقة وآخر لا صدقة فيه وكل ما
أخرجت الأرض من شئ وإن حزمة بقل ففيه العشر فكانت حجتنا عليه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم المبين عن الله معنى ما أراد إذ أبان ما يؤخذ منه من الأموال دون ما لم يرد والحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء جملة والمفسر يدل على الجملة (قال الشافعي) وقد سمعت من
يحتج عنه فيقول كلاما يريد به قد قام بالأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
وأخذوا الصدقات في البلدان أخذا عاما وزمانا طويلا فما روى عنهم ولا عن واحد منهم أنه قال ليس
فيما دون خمسة أوسق صدقة قال وللنبي صلى الله عليه وسلم عهود ما هذا في واحد منها وما رواه عن
النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو سعيد الخدري (قال الشافعي) فكانت حجتنا على أن المحدث به لما
كان ثقة اكتفى بخبره ولم نرده بتأويل ولا بأنه لم يروه غيره ولا بأنه لم يرو عن أحد من الأئمة مثله
اكتفاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما دونها وبأنها إذا كانت منصوصة بينة لم يدخل عليها تأويل
كتاب إذ النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى الكتاب ولا تأويل حديث جملة يحتمل أن يوافق قول
النبي صلى الله عليه وسلم المنصوص ويخالفه وكان إذا احتمل المعنيين أولى أن يكون موافقا له ولا يكون
مخالفا فيه ولم يوهنه أن لم يروه إلا واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان ثقة (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن نافع عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلا قد أبرت فثمرتها
للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فقلنا نحن وأنتم بهذا وقلنا في هذا دليل على أنه من باع نخلا لم تؤبر فالثمرة
للمشتري فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالثمرة إذا أبرت للبائع
إلا أن يشترط المبتاع علمناه إذا أبر فقد زايل أن يكون مغيبا في شجره لم يظهر كما يكون الحمل مغيبا لم
يظهر وكذلك إذا زايلها وإن لم يؤبر فهو للبائع وقال هكذا تقولون في الأمة تباع حاملا حملها للمشتري
فإذا فارقها فولدها للبائع والثمر إذا خرج من النخلة فقد فارقها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكانت
حجتنا عليهم أن قلنا إن الثمرة قبل الإبار
وبعده
اتبعنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر به ولم
أحدهما قياسا على الآخر ونسوي بينهما إن ظهرا فيها ولم نقسمها على ولد الأمة ولا نقيس سنة على
سنة ولكن نمضي كل سنة على وجهها ما وجدنا السبيل إلى إمضائها ولم نوهن هذا الحديث بقياس ولا
شئ مما وصفت ولا بأن اجتمع هذا فيه وإن لم يرو فيه عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قول ولا
حكم ولا أمر يوافقه واستغنينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه عما سواه
205

باب في بيع الثمار
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي
فقيل يا رسول الله وما تزهي؟ قال حتى تحمر وقال أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه
قال فأخذنا بهذا الحديث نحن وأنتم وقلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يدل على معنيين أحدهما أن بدو
صلاحها الحمرة ومثلها الصفرة وأن قوله إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه أنه إنما يمنع من
الثمرة ما يترك إلى مدة يكون في مثلها التلف فقلنا كل من ابتاع ثمرة قد بدا صلاحها فله تركها حتى تجد
وخالفنا بعض الناس في هذا فقال من اشترى ثمرة قد بدا صلاحها لم يكن له تركها وذلك أن ملك
النخل والماء الذي به صلاح النخل للبائع يستبقي نخله وماءه ولا يجوز أن يشترطه لأنه لا يعرف حصة
الثمرة من الثمن من حصة الإجارة فكانت حجتنا عليه أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا منع الله
الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه يدل على أنه إنما يمنع ما يترك لا ما يكون على مشتريه أن يقطفه مكانه
ورأينا أن من خالفنا فيه قد ترك السنة وتر ك ما تدل عليه السنة لو احتج علينا بأنه لم يرو عن أبي بكر ولا
عمر ولا عثمان ولا علي قول ولا قضاء يوافق هذا استغنينا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما
سواه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن
زيدا أبا عياش أخبره عن سعد بن أبي وقاص أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع
الرطب بالتمر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها قال فأخذنا نحن وأنتم بالأحاديث كلها حين وجدنا لها
كلها مخرجا فقلنا المزابنة بيع الجزاف كله بشئ من صنفه كيلا والرطب بالتمر إذا كان الرطب ينقص
شئ واحد متفاضل أو مجهول فقد حرم أن يباع إلا مستويا وذلك إذا كان موضوعا بالأرض وأحللنا
بيع العرايا بخرصها تمرا وهي داخلة في معنى المزابنة والرطب بالتمر إذا كان لهما وجه معا وخالفنا في هذا
بعض الناس فلم يجز بيع العرايا وردها بالحديثين وقال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان
مختلفان فأخذنا بأحدهما وكان الذي أخدنا به أشبه بسنته في النهي عن التمر بالتمر إلا كيلا بكيل فرأينا لنا
الحجة ثابتة بما قلنا على من خالفنا إذا وجدنا للحديثين وجها نمضيهما فيه معا (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: فإذا كانت لنا حجة كانت عليكم في الحديثين يكونان هكذا فتنسبهما إلى الاختلاف وقد
يوجد لهما وجه يمضيان فيه معا فلم ندعه بما وصفنا من حجة غيرنا بحديثنا ولا بأن لم يرو عن أبي بكر ولا
عمر ولا عثمان ولا علي واستغنينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال
استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فجاءته إبل فقال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه
فإن خيار الناس أحسنهم قضاء فأخذنا نحن وأنتم بهذا وقلنا لا بأس أن يستسلف الحيوان إلا الولائد وأن
206

يسلف في الحيوان كله قياسا على هذا وخالفنا بعض الناس في هذا لا يستسلف الحيوان ولا يسلف فيه
وروي عن ابن مسعود أنه كره السلف فيه وعن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم نر في
واحد دون النبي صلى الله عليه وسلم حجة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الربيع) معنى
قول الشافعي في هذا الذي نهى عنه ههنا قرض الأمة خاصة (1) لأن له أخذها منه فأما العبد فيجوز
وقال هذا قول الشافعي.
باب في الأقضية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأخذنا نحن وأنتم به وإنما أخذنا
نحن به من قبل أنا رويناه من حديث المكيين موتصلا صحيحا وخالفنا فيه بعض الناس فما احتج في
شئ منه قط علمته أكثر من حججه فيه وفي ثلاث مسائل معه فزعم أن القرآن يدل على أن لا يجوز
أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واليمين على المدعى عليه)
وقاله عمر فكان هذا دلالة على أن لا تجوز يمين إلا على المدعى عليه ولا يحلف مدع واحتج بابن شهاب
وعطاء وعروة وهما رجلا مكة والمدينة في زمانهما أنكراه غاية النكرة واحتج بأن لم يحفظ عن أبي بكر
ولا عمر ولا عثمان فيه شئ يوافقه ولا عن علي من وجه يصح عنده ولا عن واحد من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم من وجه يصح ولا عن ابن المسيب ولا القاسم ولا أكثر التابعين وبأنا أحلفنا في
المال ولم نحلف في غيره وأن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال إنما أخذنا باليمين مع الشاهد أنا وجدناه في
كتب سعد وقال تأخذون بيمين وشاهد بأن وجدتموهما في كتاب وتردون الأحاديث القائمة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فكانت حجتي عليه أن قلت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثابتة وما ثبت عن رسول الله لم يوهنه أن لا يوجد عند غيره ولم يتأول معه قرآن ولم يدفعه أن أنكره عروة
وابن شهاب وعطاء لأنه ليس في الانكار حجة إنما الحجة في الخبر لا في الانكار ورأينا هذا لنا حجة
ثابتة فإذا كان مثل هذا يكون لنا حجة فعليك مثله وأحرى وأولى أن لا يوجد عليه ما يوهنه منه (قال
الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن
نسطاس عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من حلف على منبري هذا بيمين
آثمة تبوأ مقعده من النار) فأخذنا نحن وأنتم بهذا الحديث وقلنا فيه دلالة على أن امرءا لا يحلف على منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مجبورا على اليمين لا متطوعا بها وإنما يجبر الناس على الأيمان الحكام
وخالفنا بعض الناس في هذا واحتج فيه بأن قال هاشم بن هاشم ليس بالمشهور بالحفظ وعبد الله بن
نسطاس ليس بالمعروف ولو احتججنا عليكم بمثل هذا رددتموه وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
أحلف على المنبر وقد يتطوع الرجل فيحلف على المنبر كما يتطوع فيحلف بطلاق وعتاق ولم يستحلف ولم
تحفظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره أنه أحلف أحدا على منبر في غرم ولا غيره واحتج بأن
النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الزوجين فحكى اللعان ولم يحك أنه كان على منبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال أو رأيت أهل البلدان أيجلبون إلى المدينة أو يحلفون ببلدانهم؟ فكيف تكون الأيمان على

(1) بمراجعة الجزء الثالث في صفات الحيوان إذا كانت دينا يعلم المراد، ا ه‍ كتبه مصححه.
207

الناس مختلفة فلم نر له في هذا حجة وقلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهره أنه لا يحلف أحد
على منبر إلا مجبورا كما وصفنا.
كتاب العتق
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (من أعتق شركاؤه له
في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى
شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) فأخذنا نحن وأنتم بهذا الحديث وأبطلنا
به الاستسعاء وشركنا الرق والحرية في العبد إذا كان المعتق للعبد مفلسا وخالفنا فيه بعض الناس ووهنه
بأن قال رواه سالم عن ابن عمر فلم يقل فيه وإلا فقد عتق منه ما عتق ورواه أيوب عن نافع عن ابن
عمر وقال أيوب وربما قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقل وأكثر ظني أنه شئ كان يقوله
نافع برأيه ووهنه بأن قال حديث رواه ابن عمر وحده وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم خلافه وعن غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه الاستسعاء ووهنه بأن قال لم يرو عن
أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ما يوافقه بل روينا عن عمر خلافه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
فكانت حجتنا عليه أن سالما وإن لم يروه فنافع ثقة وليس في قول أيوب ربما قاله وربما لم يقله إذا قاله
عنه غيره حجة وما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه فالحفاظ يروونه لا
يخالف حديثنا وغيرهم يروونه يخالف حديثنا ولو خالفه كان حديثنا أثبت منه والحديث الذي ذكره
يخالف حديثنا لا يثبت ولا يرويه الحفاظ يخالف حديثنا وإذا كانت لنا الحجة بهذا على من خالفنا
فهكذا ينبغي لنا أن نلزم أنفسنا في الحديث كله وأن نستغني بخبر الصادقين عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وإن لم يأت عن أحد من خلفائه ما يوافقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأدخلوا علينا
فيه أن عبدا يكون نصفه حرا ونصفه عبدا فلا يكون له بالحرية أن يرث ولا يورث وتكون حقوق
الحرية كلها فيه معطلة إلا أنه يترك لنفسه يوما ثم يكسب في يومه فيمنع أن يهب ماله فقلنا لا نترك
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدخله من القياس ما وصفت ولا أكثر ولا موضع
القياس مع السنة فقلت للشافعي قد فهمت ما كتبت مما أخذت وأخذنا به من حديث رسول الله
ووجدت فيها ما وصفت من من أنا ثبتنا أحاديث كثيرة لم تأت إلا من وجه واحد وليس فيه عن أحد
من خلفائه شئ يوافقه ولا يخالفه ووجدنا فيه ما نثبته عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه عن بعض
خلفائه شئ يخالفه فذهبنا إلى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا ما خالفه (1) في القسامة
وقد روينا عن عمر في القسامة خلاف ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم صرنا إلى حديث النبي
صلى الله عليه وسلم وكذلك روينا عن عمر في الضرس وغيرها وذهبنا إلى حديث النبي صلى الله عليه
وسلم دون ما روينا عن عمر وعن ابن عمر في أشياء وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قلت للشافعي أفتبين لي أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم تركناه لغيره؟ فقال كثير فقلت
للشافعي فما حجة فعل هذا؟ فقال قد جهدت أن أجد لكم شيئا يكون عندي أو عند أحد من أهل

(1) لعله وقد فعلنا كذلك في القسامة فقد روينا الخ، تأمل. كتبه مصححه.
208

العلم حجة يعذر بها فلم أجده وذلك أن الذين رويتم عنهم ما أخذتم من حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم س والذين رويتم عنهم ما تركتم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لكم أن
تقولوا هم متهمون فإن قلتم قد يغلطون فقد يجوز لغيركم أن يقول لا نأخذ من أهل الغلط وإن قلتم
يغلطون في بعض ويحفظون في بعض جاز لغيركم أن يقول إنما يدل على غلط المحدث أن يخالفه غيره
ممن هو أحفظ منه أو أكثر منه فإن قلتم فيه لا يخالف به عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحبه غلط
مرة وحفظ جاز عليك أن يقال غلط حيث زعمت أنه حفظ وحفظ حيث زعمت أنه غلط وجاز
عليك وعلى غيرك أن يقال كله يحتمل الغلط فندعه ونطلب العلم من حديث غيرهم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وهذا لا يوجد إلا من حديث أهل الصدق ولا يجوز فيه إلا أن يقبل فلا يترك شئ
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما روي عن النبي نفسه وبالناس الحاجة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما ألزمهم الله من اتباع أمره فقلت للشافعي فاذكر مما روي شيئا فقال الشافعي لا أرب لي في
ذكره وإن سألتني عن قولي لأوضح الحجة فيما حبيتك أنت نفسك في قولك وقد أعطيتك جملة
تغنيك إن شاء الله لا تدع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أبدا إلا أن يأتي عن رسول الله خلافه
فتفعل فيه بما قلت لك في الأحاديث إذا اختلفت فقلت للشافعي فلست أريد مسألتك ما كرهت من
ذكر أحد ولكني أسألك في أمر أحب أن توضح لي فيه الحجة قال فسل.
باب صلاة الإمام إذا كان مريضا بالمأمومين جالسا وصلاتهم خلفه قياما
سألت الشافعي هل للامام أن يؤم الناس جالسا وكيف يصلون وراءه أيصلون قعودا أو قياما؟ فقال
يأمر من يقوم فيصلي بهم أحب إلى وإن أمهم جالسا وصلوا خلفه قياما كان صلاتهم وصلاته مجزية
عنهم معا وكان كل صلى فرضه كما يصلي الإمام إذا كان صحيحا قائما ويصلي خلفه من لم يقدر على
القيام جالسا فيكون كل صلى فرضه وإنما اخترت أن يوكل الإمام إذا مرض رجلا صحيحا يصلي
بالناس قائما أن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أياما كثيرة وإنا لم نعلمه صلى بالناس جالسا
في مرضه إلا مرة لم يصل بهم بعدها علمته حتى لقي الله فدل ذلك على أن التوكيل بهم والصلاة
قاعدا جائزان عنده معا وكان صلاتهم مع غيره بأمره أكثر منه فقلت للشافعي فهل حفظت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اقعدوا ثم أمرهم حين فرغ من
الصلاة إذا صلى الإمام قاعدا أن يصلوا قعودا أجمعون؟ فقال نعم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه
الأيمن فصلى في بيته قاعدا وصلى خلفه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا
صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن
عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى خلفه قوم قياما
فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا
وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا) فقلت للشافعي فقد رويت هذا فكيف لم تأخذ به؟ فقال هذا منسوخ
بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وما نسخه؟ فقال الحديث الذي ذكرت لك يدلك على أن
هذا كان في صرعة صرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت فما نسخه؟ فقال صلى رسول الله صلى
209

الله عليه وسلم بالناس في مرضه الذي مات فيه جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بجلوس ولم يجلسوا
ولولا أنه منسوخ صاروا إلى الجلوس بمتقدم أمره إياهم بالجلوس ولو ذهب ذلك عليهم لأمرهم بالجلوس
وقد صلى أبو بكر إلى جنبه بصلاته قائما ومرضه الذي مات فيه آخر فعله وبعد سقطته لأنه لم يركب في
مرضه الذي مات فيه حتى قبضه الله بأبي هو وأمي قلت فاذكر الحديث الذي رويته في هذا فقال
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه فأتى أبا بكر
وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (كما أنت) فجلس
رسول الله إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الناس يصلون
بصلاة أبي بكر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة بمثل معناه لا يخالفه وأوضح منه قال وصلى أبو بكر إلى جنبه قائما (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن يحيى بن سعيد عن ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير قال أخبرتني الثقة
كأنه يعني عائشة ثم ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه بمثل معنى حديث هشام
بن عروة عن أبيه، قال وروي عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة بمثل معنى حديث
هشام وعبيد بن عمير، فقلت للشافعي فإنا نقول لا يصلي أحد بالناس جالسا ونحتج بأنا روينا عن
ربيعة أن أبا بكر صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فإن كان هذا ثابتا فليس فيه
خلاف لما أخذنا به ولا ما تركنا من هذه الأحاديث قلت ولم؟ قال قد مرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم أياما وليالي لم يبلغنا أنه صلى بالناس إلا صلاة واحدة وكان أبو بكر يصلي بالناس في أيامه تلك
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس مرة لا تمنع أن يكون صلى أبو بكر مرة ومرات لم يمنع ذلك أن
يكون صلى خلفه أبو بكر أخرى كما كان أبو بكر يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر عمره
فقلت للشافعي فقد ذهبنا إلى توهين حديث هشام بن عروة بحديث ربيعة قال وإنما ذهبتم إليه
لجهالتكم بالحديث والحجج حديث ربيعة مرسل لا يثبت مثله ونحن لم نثبت حديث هشام بن عروة
عن أبيه حتى أسنده هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة والأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه
وسلم ووافقه عبيد بن عمير فكيف احتججتم بما لا يثبت من الحديث على ما ثبت؟ وهو إذا ثبت حتى
يكون أثبت حديث يكون كما وصفت لا يخالف حديث عروة ولا أنس ولا موافقه ولا بمعنى فيوهن
حديثنا وهذا منكم جهالة بالحديث وبالحجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أو رأيت إذ جهلتم
الحديث والحجة فلو كان حديث هشام بن عروة عن أبيه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر
غير ثابت فيكون ناسخا لحديث أنس وعائشة عن النبي بأمره إذا صلى جالسا يصلي من خلفه جلوسا أما
كنتم خالفتم حديثين ثابتين عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير حديث ثابت عنه وهو لا يحل خلاف
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إلى حديث عنه ينسخ حديثه الذي خالفه إليه أو يكون أثبت منه؟ فلو
لم يثبت حديث هشام حتى يكون ناسخا للحديثين لزمكم أن تأمروا من صلى خلف الإمام قائما أن
يجلس إذا جلس كما روى أنس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره وإن كان حديث هشام ناسخا
فقد خالفتم الناسخ والمنسوخ إلى قول أنفسكم وخلاف السنة ضيق على كل مسلم فقلت للشافعي فهل
خالفك في هذا غيرنا؟ فقال نعم بعض الناس روى عن جابر الجعفي عن الشعبي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال (لا يؤم أحد بعدي جالسا) قلت فما كانت حجتك عليه فقال الشافعي قد علم الذي
احتج بهذا أن ليست فيه حجة وأن هذا حديث لا يثبت مثله بحال على شئ ولو لم يخالفه غيره فقلت
210

للشافعي فإن قلت لم يعمل بهذا أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال الشافعي قد بينا لك قبل هذا
ما نرى أنا وأنتم نثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعمل به بعده استغناه بالخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سواه فلا حاجة لنا بإعادته فقلت للشافعي فهل قال قولك هذا أحد
من المشرقيين؟ فقال نعم أبو حنيفة يقول فيه بقولنا ويخالفه صاحباه فقلت للشافعي أفرأيت حديثهم
عندهم في هذا يثبت؟ فقال لا فقلت فلم يحتجون به؟ قال الله أعلم فأما الذي احتج به عليها فسألناه
عنه فقال لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه فقلت فهذا سوء نصفة
(فقال الشافعي) رحمه الله تعالى أجل وأنتم أسوأ منه نصفة حين لا تعتدون بحديثهم الذي هو ثابت
عندهم وتخالفون وما رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له عنه والله أعلم.
باب رفع اليدين في الصلاة
قال سألت الشافعي أين ترفع الأيدي في الصلاة؟ قال يرفع المصلي يديه في أول ركعة ثلاث
مرات وفيما سواها من الصلاة مرتين مرتين يرفع يديه حين يفتتح الصلاة مع تكبيرة الافتتاح حذو منكبيه
ويفعل ذلك عند تكبيرة الركوع وعند قوله (سمع الله لمن حمده) حين يرفع رأسه من الركوع ولا تكبيرة
للافتتاح إلا في الأول وفي كل ركعة تكبير ركوع وقول سمع الله لمن حمده عند رفع رأسه من الركوع
فيرفع يديه في هذين الموضعين في كل صلاة والحجة في هذا أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه
من الركوع رفعهما كذلك وكان لا يفعل ذلك في السجود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان
عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا
افتتح الصلاة وإذا أراد أن يركع وإذا أراد رفع رأسه من الركوع ولا يرفع في السجود قال وروي هذا
عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن
عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند
افتتاح الصلاة وحين يريد أن يركع وإذا رفع من الركوع قال ثم قدمت عليهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون
أيديهم في البرانس (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا
ابتدأ الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك فقلت للشافعي فإنا
نقول يرفع يديه حين يفتتح الصلاة ثم لا يعود لرفعهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأنتم إذا تتركون
ما روى مالك عن رسول الله ثم عن ابن عمر فكيف جاز لكم لو لم تعلموا علما إلا أن تكونوا رويتم رفع
اليدين في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا؟ وعن ابن عمر مرتين فاتبعتم النبي صلى
الله عليه وسلم في إحداهما وتركتم اتباعه في الأخرى ولو جاز أن يتبع أحد أمريه دون الآخر جاز لرجل
أن يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث تركتموه ويتركه حيث اتبعتموه ولكن لا يجوز لأحد علمه
من المسلمين عندي أن يتركه إلا ناسيا أو ساهيا فقلت للشافعي فما معنى رفع اليدين عند الركوع؟ فقال
مثل معنى رفعهما عند الافتتاح تعظيما لله وسنة متبعة يرجى فيها ثواب الله ومثل رفع اليدين على الصفا
والمروة وغيرهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أرأيت إذا كنتم تروون عن ابن عمر شيئا فتتخذونه
أصلا يبنى عليه فوجدتم ابن عمر يفعل شيئا في الصلاة فتركتموه عليه وهو موافق ما روي عن النبي
211

صلى الله عليه وسلم أفيجوز لأحد أن يفعل ما وصفتم من اتخاذ قول ابن عمر منفردا حجة ثم تتركون معه
سنة رسول الله لا مخالف له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهم ممن تثبت روايته؟
من جهل هذا انبغى أن لا يجوز له أن يتكلم فيما هو أدق من العلم قلت فهل خالفك في هذا غيرنا؟
قال نعم بعض المشرقيين وخالفوكم فقالوا يرفع يديه حذو أذنيه في ابتداء الصلاة فقلت هل رووا فيه
شيئا؟ قال نعم ما لا نثبت نحن ولا أنتم ولا أهل الحديث منهم مثله وأهل الحديث من أهل المشرق
يذهبون مذهبنا في رفع الأيدي ثلاث مرات في الصلاة فتخالفهم مع خلافكم السنة وأمر العامة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب الجهر بآمين
سألت الشافعي عن الإمام إذا قال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هل يرفع صوته بآمين؟ قل
نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم فقلت وما الحجة فيما قلت من هذا؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) قال
ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين قال وفي قول رسول الله (إذا أمن الإمام
فأمنوا) دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين لأن من خلفه لا يعرف وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه
ثم بينه ابن شهاب فقال كان رسول الله يقول آمين فقلت للشافعي فإنا نكره للإمام أن يرفع صوته بآمين
فقال هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن عندنا
وعندكم علم إلا هذا الحديث الذي ذكرنا عن مالك انبغى أن نستدل بأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يجهر بآمين وأنه أمر الإمام أن يجهر بها فكيف ولم يزل أهل العلم عليه؟ وروى وائل بن حجر
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين يجهر بها صوته ويحكي مطه إياها وكان أبو هريرة يقول
للإمام لا تسبقني بآمين وكان يؤذن له (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن
جريج عن عطاء قال كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ومن خلفهم آمين حتى إن
للمسجد لجة (قال الشافعي) رأيتك في مسألة إمامة القاعد ومسألة رفع اليدين في الصلاة ومسألة
قول الإمام آمين خرجت من السنة والآثار ووافقت منفردا من بعض المشرقيين الذي ترغب فيما يظهر
عن أقاويلهم.
باب سجود القرآن
سألت الشافعي عن السجود في (إذا السماء انشقت؟) فقال فيها سجدة فقلت وما الحجة أن فيها
سجدة؟ (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم (إذا السماء انشقت) فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سجد فيها (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج أن عمر بن
الخطاب قرأ (والنجم إذا هوى) فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى (قال الشافعي) وأخبرنا بعض
212

أصحابنا عن مالك أن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلم أن يأمر القراء أن يسجدوا في (إذا
السماء انشقت) وسألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في
ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سجد في سورة الحج سجدتين (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن نافع عن رجل من أهل مصر أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن
هذه السورة فضلت بسجدتين فقلت للشافعي فإنا نقول اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى
عشرة سجدة ليس في المفصل منها شئ فقال الشافعي إنه يجب عليكم أن لا تقولوا اجتمع الناس إلا
لما إذا لقي أهل العلم فقيل لهم اجتمع الناس على ما قلتم أنهم اجتمعوا عليه قالوا نعم وكان أقل قولهم
لك أن يقولوا لا نعلم من أهل العلم مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه فأما أن تقولوا اجتمع الناس وأهل
المدينة معكم يقولون ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمران أسأتم النظر بهما
لأنفسكم في التحفظ في الحديث وأن تجعلوا السبيل لمن سمع قولكم اجتمع الناس إلى رد قولكم
ولا سيما إذ كنتم إنما أنتم معتضدون على علم مالك رحمه الله وإياه وكنتم تروون عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه سجد في (إذا السماء انشقت) وإن أبا هريرة سجد فيها ثم تروون عمر بن عبد العزيز إنه أمر
من يأمر القراء أن يسجدوا فيها (قال) وأنتم تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلا من أصول العلم
فتقولون كان لا يحلف الرجل للمدعى عليه إلا أن يكون بينهما مخالطة فتركتم قول النبي صلى الله عليه
وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) لقول عمر ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في (إذا
السماء انشقت) ومعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي أبي هريرة فتتركونه ولم تسموا أحدا
خالف هذا وهذا عندكم العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه ثم أبو هريرة في الصحابة ثم عمر
بن عبد العزيز في التابعين والعمل يكون عندكم بقول عمر وحده وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن
يقال كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في (إذا السماء انشقت) وأن عمر أمر بالسجود فيها وأن عمر بن
الخطاب سجد في (النجم) ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل وهذا من أصحاب
رسول الله وهذا من علماء التابعين فيقال قولكم اجتمع الناس لما تحكون فيه غير ما قلتم بين في قولكم أن
ليس كما قلتم ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في (النجم) ثم لا تروون عن غيره خلافه ثم
رويتم عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في سورة الحج سجدتين وتقولون ليس فيها إلا واحدة وتزعمون أن
الناس أجمعوا أن ليس فيها إلا واحدة ثم تقولون أجمع الناس وأنتم تروون خلاف ما تقولون وهذا لا
يعذر أحد بأن يجهله ولا يرضى أحد أن يكون موجودا عليه لما فيه مما لا يخفى على أحد يعقل إذا سمعه
أرأيت إذا قيل لكم أي الناس أجمع على أن لا سجود في المفصل وأنتم تروون عن أئمة الناس السجود
فيه ولا تروون عن غيرهم خلافهم أليس تقولون أجمع الناس أن في المفصل سجودا أولى بكم من أن
تقولوا أجمع الناس أن لا سجود في المفصل؟ فإن قلتم لا يجوز إذا لم نعلمهم أجمعوا أن نقول أجمعوا
فقد قلتم أجمعوا ولم ترووا عن واحد من الأئمة قولكم ولا أدري من الناس عندكم أخلق كانوا لم يسم
واحد منهم وما ذهبنا بالحجة عليكم إلا من قول أهل المدينة وما جعلنا الاجماع إلا إجماعهم فأحسنوا
النظر لأنفسكم واعلموا أنه لا يجوز أن تقولوا أجمع الناس بالمدينة حتى لا يكون بالمدينة مخالف من
أهل العلم ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه اخترنا كذا ولا تدعوا الاجماع فتدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه
فما أعلمه يؤخذ على أحد نسب إلى علم أقبح من هذا قلت للشافعي أرأيت إن كان قولي اجتمع الناس
عليه أعني
من رضيت من أهل المدينة وإن كانوا مختلفين فقال الشافعي أفرأيتم إن قال من يخالفكم
213

ويذهب إلى قول من خالف قول من أخذت بقوله أجمع الناس أيكون صادقا فإن كان صادقا وكان
بالمدينة قول ثالث يخالفكما أجمع الناس على قول فإن كنتم صادقين معا بالتأويل فبالمدينة إجماع من
ثلاثة وجوه مختلفة وإن قلتم الاجماع هو ضد الخلاف فلا يقال إجماع إلا لما لا خلاف فيه بالمدينة قلت
هذا الصدق المحض فلا تفارقه ولا تدعوا الاجماع أبدا إلا فيما لا يوجد بالمدينة فيه اختلاف وهو لا يوجد
بالمدينة إلا وجد بجميع البلدان عن أهل العلم متفقين فيه لم يخالف أهل البلدان أهل المدينة إلا ما
اختلف فيه أهل المدينة بينهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى واجعل ما وصفنا على هذا الباب كافيا
لك دالا على ما سواه إذا أردت أن تقول أجمع الناس فإن كانوا لم يختلفوا فيه فقله وإن كانوا اختلفوا
فيه فلا تقله فإن الصدق في غيره.
باب الصلاة في الكعبة
وسألت الشافعي عن الرجل يصلي في الكعبة المكتوبة فقال يصلي فيها المكتوبة والنافلة وإذا صلى
الرجل وحده فلا موضع يصلي فيه أفضل من الكعبة فقلت أفيصلي فوق ظهرها؟ فقال إن كان بقي
فوق ظهرها من البناء شئ يكون سترة صلى فوق ظهرها المكتوبة والنافلة وإن لم يكن بقي عليه بناء يستر
المصلي لم يصل إلى غير شئ من البيت فقلت للشافعي فما الحجة فيما ذكرت؟ فقال أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة فقلت للشافعي فهل خالفك في
هذا غيرك؟ فقال نعم دخل أسامة وبلال وعثمان بن طلحة فقال أسامة نظر فإذا هو إذا صلى في البيت
في ناحية ترك شيئا من البيت لظهره فكره أن يدع شيئا من البيت لظهره فكبر في نواحي البيت ولم
يصل فقال قوم لا تصلح الصلاة في الكعبة بهذا الحديث وهذه العلة، فقلت للشافعي فما حجتك
عليهم؟ فقال قال بلال صلى وكان من قال صلى شاهدا ومن قال لم يصل ليس بشاهد فأخذنا بقول
بلال وكانت الحجة الثابتة عندنا أن المصلي خارجا من البيت إنما يستقبل منه موضع متوجهه لا كل
جدرانه فكذلك الذي في بطنه يستقبل موضع متوجهه لا كل جدرانه ومن كان البيت مشتملا عليه
فكان يستقبل موضع متوجهه كما يستقبل الخارج منه موضع متوجهه كان في هذا الموضع أفضل من
موضع الخارج منه أين كان فقلت للشافعي فإنا نقول يصلي فيه النافلة ولا يصلي فيه المكتوبة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا القول غاية في الجهل إن كان كما قال من خالفنا لا تصلى فيه النافلة
ولا تصلى فيه المكتوبة وأن كان كما رويتم فإن النافلة في الأرض لا تصلح إلا حيث تصلح المكتوبة
والمكتوبة إلا حيث تصلح النافلة أو رأيت المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم النوافل
حول المدينة وبين المدينة ومكة وبالمحصب ولم يصل هنالك مكتوبة أيحرم أن يصلي هنالك مكتوبة وإن
صلاته النافلة في موضع من الأرض تدل على أن الصلاة المكتوبة تجوز فيه.
باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة
سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شئ؟ قال نعم والذي اختار أن
أصلي عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في أن يجوز بواحدة فقال الحجة فيه السنة
214

والآثار (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر
له ما قد صلى؟) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يصل بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بركعة، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم
من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته قال وكان عثمان يحيي الليل بركعة هي وتره وأوتر
معاوية بواحدة فقال ابن عباس أصاب به، فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لأحد أن يوتر بأقل من
ثلاث ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر فقال الشافعي لست أعرف لما تقول وجها والله المستعان إن
كنتم ذهبتم إلى أنكم تكرهون أن يصلي ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه فإفراد
الركعة لأن من سلم من الصلاة فقد فصلها مما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلي النافلة ركعات فيسلم في
كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم منهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل
للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير
الصلاة التي قبلها وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام فإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلي
واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أكثر منها فإنما نستحب أن يصلي إحدى عشر ركعة يوتر منها
بواحدة وإن كان أردتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى) فأقل مثنى أربع
فصاعدا وواحدة غير مثنى وقد أمر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقد
أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي الله صلى الله عليه وسلم
كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن فقلت للشافعي فما معنى هذا؟ قال
هذه نافلة يسع أن نوتر بواحدة وأكثر ونختار ما وصفت من غير أن نضيق غيره وقولكم والله يغفر لنا
ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا قولكم خارج من كل شئ من هذا وأقاويل الناس إما
أن يقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض المشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن لئلا يكون الوتر واحدة (1)
وأنتم تأمرون بالسلام فيها فإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوتر
بواحدة ليس قبلها شئ فلم يوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليس قبلهن شئ وقد استحسنتم أن
توتروا بثلاث.
باب القراءة في العيدين والجمعة
سألت الشافعي بأي شئ تحب أن يقرأ في العيدين فقال ب‍ (ق) و (اقتربت الساعة) وسألته بأي
شئ تستحب أن يقرأ في الجمعة فقال في الركعة الأولى بالجمعة وأختار في الثانية (إذا جاءك
المنافقون) ولو قرأ (هل أتاك حديث الغاشية) أو (سبح اسم ربك الأعلى) كان حسنا لأنه قد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كلها فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال إبراهيم وغيره عن جعفر
عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في أثر سورة الجمعة

(1) كذا في الأصل ويظهر أن فيه سقطا، تأمل وحرر. كتبه مصححه.
215

(إذا جاءك المنافقون) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يقرأ يوم الجمعة على أثر (سورة الجمعة) فقال كان يقرأ ب‍ (هل أتاك حديث الغاشية) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن
عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ به في الأضحى والفطر؟
فقال كان يقرأ ب‍ (ق والقرآن المجيد) و (اقتربت الساعة) فقلت للشافعي فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ
فقال ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت لأنه يجزيه فقال أو رأيتم إذ
أمرنا بالغسل للإهلال والصلاة في المعرس وغير ذلك اقتداء بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو قال
قائل لا نستحبه أو لا نبالي أن لا نفعله لأنه ليس بواجب هل الحجة عليه إلا كهى عليكم؟ أو رأيتم إذا
استحببنا ركعتي الفجر والوتر وركعتين بعد المغرب وأن يطيل في الصبح والظهر ويخفف في المغرب لو
قال قائل لا أبالي أن لا أفعل من هذا شيئا هل الحجة عليه إلا أن تقول قولكم لا أبالي جهالة وترك
للسنة؟ ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله بكل حال.
باب الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير
خوف ولا سفر قال مالك أرى ذلك في مطر (قال الشافعي) فزعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جمع بالمدينة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولم يكن له وجه عندكم إلا أن ذلك في مطر ثم زعمتم أنتم
أنكم تجمعون بين المغرب والعشاء بالمدينة وكل بلد جامع ولا تجمعون بين الظهر والعصر في المطر (قال
الشافعي) وإنما ذهب الناس في هذا مذاهب فمنهم من قال جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يحرج
منهم أحد إن جمع بحال وليس لأحد أن يتأول في الحديث ما ليس فيه وقالت فرقة بوهن هذا لأن
النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت في الصلاة فكان هذا خلافا لما رووا من أمر المواقيت فردوا أن
يجمع أحد في الحضر في مطر أو غيره وامتنعوا من تثبيته وقالوا خالفه ما هو أقوى منه وقالوا لو ثبتناه لزمنا
مثل قول من قال يجمع لأنه ليس في الحديث ذكر مطر ولا غيره، بل قال من حمل الحديث أراد أن
لا تحرج أمته (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فذهبتم ومن ذهب مذهبكم المذهب الذي وصفت من
الإحتجاج في الجمع في المطر ورأي أن وجه الحديث هو الجمع في المطر ثم خالفتموه في الجمع في
الظهر والعصر في المطر أرأيتم إن قال لكم قائل بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر ولا نجمع بين
المغرب والعشاء في المطر هل الحجة عليه إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يجز أن يؤخذ ببعضه
دون بعض؟ فكذلك هي على من قال يجمع بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر وقلما نجد
لكم قولا يصح والله المستعان أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر
والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء هل تعدون
أن يكون لكم بهذا حجة فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر
والعصر وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء
216

لا يجوز غير هذا وأنتم خارجون من الحديث ومن معاني مذاهب أهل العلم كلها والله المستعان أو رأيتم إذ
رويتم الجمع في السفر لو قال قائل كما قلتم أجمع بين المغرب والعشاء لأن أكثر الأحاديث جاءت فيه
ولا أجمع بين الظهر والعصر لأنهما في النهار والليل أهول من النهار هل الحجة عليه إلا أن الجمع رخصة
فيها فلا يجوز أن يمنع أحد من بعضها دون بعض فكذلك هي عليكم والله أعلم.
باب إعادة المكتوبة مع الإمام
سألت الشافعي عن الرجل يصلي في بيته ثم يدرك الصلاة مع الإمام قال يصلي معه (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له بسر بن
محجن عن أبيه أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام رسول الله فصلى
ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل
مسلم؟) قال بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا
جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت) (قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
أنه كان يقول من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعدلهما، فقلت للشافعي فإنا نقول
يعيد كل صلاة إلا المغرب فإنه إذا أعاد لها صارت شفعا (قال الشافعي) وقد رويتم الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يخص فيه صلاة دون صلاة فلم يحتمل الحديث إلا وجهين أحدهما وهو أظهرهما
أن يعيد كل صلاة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وسعة الله أن يوفيه أجر الجماعة والانفراد وقد روى
مالك عن ابن عمر وابن المسيب أنهما أمرا من صلى في بيته أن يعود لصلاته مع الإمام وقال السائل
أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله وروي عن أبي أيوب الأنصاري أنه أمر
بذلك وقال من فعل ذلك فله سهم جمع أو مثل سهم جمع وإنما قلنا بهذا لما وصفنا من أن حديث
النبي صلى الله عليه وسلم جملة وأنه بلغنا أن الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين أن يعودا
لها صلاة الصبح أو يقول رجل إن أدرك العصر أو الصبح لم يعد لهما لأنه لا نافلة بعد واحدة منهما
فهكذا قال بعض المشرقيين وأما ما قلتم فخلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم من الوجهين وخلاف
ابن عمر وابن المسيب وابن العمل؟ وقولكم إذا أعاد المغرب صارت شفعا فكيف تصير شفعا وقد
فصل بينهما بسلام أترى العصر حين صليت بعدها المغرب شفعا أو العصر وترا أو ترى كذلك العشاء إذا
صليت بعد المغرب أو ترى ركعتين بعد أو قبل المغرب تصيران وترا بأن المغرب قبلهما أو بعدهما أم كل
صلاة فصلت بسلام مفارقة للصلاة قبلها وبعدها؟ ولو كنتم قلتم يعود للمغرب ويشفعها بركعة فيكون
تطوع بأربع كان مذهبا فأما ما قلتم فليس له وجه.
باب القراءة في المغرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا
مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحرث
217

سمعته يقرأ (والمرسلات عرفا) فقالت يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب؟ فقلت للشافعي فإنا نكره أن يقرأ في المغرب بالطور
والمرسلات ونقول يقرأ بأقصر منهما فقال وكيف تكرهون ما رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعله؟ الأمر رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه فاخترتم إحدى الروايتين على الأخرى؟ أو رأيتم
لو لم أستدل على ضعف مذهبكم في كل شئ إلا أنكم تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم
تقولون نكرهه ولم ترووا غيره فأقول إنكم اخترتم غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم لا أعلم إلا أن أحسن
حالكم أنكم قليلوا العلم ضعفاء المذهب.
باب القراءة في الركعتين الأخيرتين
سألت الشافعي أتقرأ خلف الإمام أم القرآن في الركعة الأخيرة تسر؟ فقال الشافعي أحب ذلك
وليس بواجب عليه فقلت وما الحجة فيه؟ فقال أخبرنا مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك
أن عبادة بن نسي أخبره أنه سمع قيس بن الحرث يقول أخبرني عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في
خلافة أبي بكر الصديق فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من
قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن
وبهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) فقلت
للشافعي فإنا نكره هذه ونقول ليس عليه العمل لا يقرأ على أثر أم القرآن في الركعة الثالثة بشئ فقال
الشافعي وقال سفيان بن عيينة لما سمع عمر بن عبد العزيز بهذا عن أبي بكر الصديق قال إن كنت لعلي
غير هذا حتى سمعت بهذا فأخذت به قال فهل تركتم للعمل عمل أبي بكر وابن عمر وعمر بن عبد
العزيز؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى وحده يقرأ
في الأربع جميعا في كل ركعة بأم القرآن وبسورة من القرآن قال وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث
في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا كله ونقول لا يزاد في الركعتين
الأخيرتين على أم القرآن (قال الشافعي) هذا خلاف أبي بكر وابن عمر من روايتكم وخلاف عمر بن
عبد العزيز من رواية سفيان وقولكم لا يجمع السورتين في الركعتين الأوليين هو خلاف ابن عمر من
روايتكم وخلاف عمر من روايتكم لأنكم أخبرتم أن عمر قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة
أخرى وخلاف غيرهما من رواية غيركم فأين العمل ما نراكم رويتم في القراءة في الصلاة في هذا
الباب شيئا إلا خالفتموه فمن اتبعتم ما أراكم قلتم بمعنى نعرفه إذا كنتم تروون عن أحد الشئ مرة فتبنون
عليه أيسعكم أن تخالفوهم مجتمعين؟ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن هشام بن عروة
عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما. فقلت للشافعي إنا نخالف
هذا نقول يقرأ في الصبح بأقل من هذا لأن هذا تثقيل على الناس (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
هشام بن عروة أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها
بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة فقلت والله لقد كان إذا يقوم حين يطلع الفجر قال أجل. فقلت
للشافعي فإنا نقول لا يقرأ في الصبح بهذا ولا بقدر نصف هذا لأنه تثقيل (قال الشافعي) أخبرنا مالك
218

عن يحيى بن سعيد وربيعة ابن أبي عبد الرحمن أو الفرافصة ابن عمير الحنفي قال ما أخذت سورة
يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها فقلت للشافعي فإنا نقول
لا يقرأ بهذا هذا تقثيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ
في الصبح في السفر بالعشر الأول من الفصل في كل ركعة سورة، قلت للشافعي فإنا نقول لا يقرأ
بهذا في السفر هذا تثقيل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقد خالفتم في القراءة في الصلاة كل ما
رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ابن عمر ولم ترووا شيئا يخالف ما خالفتم
عن أحد علمته من الناس فأين العمل؟ خالفتموهم من جهتين من جهة التثقيل وجهة التخفيف وقد
خالفتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم جميع ما رويتم عن الأئمة بالمدينة بلا رواية رويتموها عن أحد منهم
هذا مما يبين ضعف مذهبكم إذ رويتم هذا ثم خالفتموه ولم يكن عندكم فيه حجة فقد خالفتم الأئمة
والعمل وفي هذا دليل على أنكم لم تجدوا من خلق الله خلقا قط يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم
أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر في القراءة في الصلاة ولا في أمر واحد شيئا ثم يخالفه غيركم وأنه لا
خلق أشد خلافا لأهل المدينة منكم ثم خلافكم ما رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فرض
الله طاعته وما رويتم عن الأئمة الذين لا تجدون مثلهم فلو قال لكم قائل أنتم أشد الناس معاندة لأهل
المدينة وجد السبيل إلى أن يقول ذلك لكم على لسانكم لا تقدرون على دفعه عنكم ثم الحجة عليكم
في خلافكم أعظم منها على غيركم لأنكم ادعيتم القيام بعلمهم واتباعهم دون غيركم ثم خالفتموهم
بأكثر مما خالفهم به من لم يدع من اتباعهم ما ادعيتم فلئن كان هذا خفى عليكم من أنفسكم إن فيكم
لغفلة ما يجوز لكم معها أن تفتوا خلقا والله المستعان وأراكم قد تكلفتم الفتيا وتطاولتم على غيركم ممن هو
أقصد وأحسن مذهبا منكم.
باب المستحاضة
سألت الشافعي عن المستحاضة يطبق عليها الدم دهرها فقال إن الاستحاضة وجهان أحدهما أن
تستحاض المرأة فيكون دمها مشتبها لا ينفصل إما ثخين كله وإما رقيق كله وإذا كان هكذا نظرت عدد
الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فتركت الصلاة فيهن إن كانت
تحيض خمسا من أول الشهر تركت الصلاة خمسا من أوله ثم اغتسلت عند مضي أيام حيضها كما
تغتسل الحائض عند طهرها ثم توضأ لكل صلاة وتصلي وليس عليها أن تعيد الغسل مرة أخرى ولو
اغتسلت من طهر إلى طهر كان أحب إلى وليس ذلك بواجب عليها عندي والمستحاضة الثانية المرأة لا
ترى الطهر فيكون لها أيام من الشهر ودمها أحمر إلى السواد محتدم ثم يصير بعد تلك الأيام رقيقا إلى
الصفرة غير محتدم فأيام حيض هذه أيام احتدام دمها وسواده وكثرته فإذا مضت اغتسلت كغسلها لو
طهرت من الحيضة وتوضأت لكل صلاة وصلت، فقلت للشافعي وما الحجة فيما ذكرته من هذا؟
فقال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قالت فاطمة بنت أبي
حبيش يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس
بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا هب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة
219

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفز بثوب ثم
لتصلي) قال فدل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت من انفراق حال المستحاضتين
وفي قوله دليل على أنه ليس للحائض أن تستظهر بطرفة عين وذلك أنه أمر إحداهما إذا ذهبت مدة
الحيض أن تغسل عنها الدم وتصلي وأمر الأخرى أن تربص عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ثم
تغتسل وتصلى والحديثان جميعا ينفيان الاستظهار فقلت للشافعي فإنا نقول تستظهر الحائض بثلاثة أيام
ثم تغتسل وتصلي ونقول تتوضأ لكل صلاة (قال الشافعي) فحديثكم كم اللذان تعتمدون عليهما عن
رسول الله يخالفان الاستظهار والاستظهار خارج من السنة والآثار والمعقول والقياس وأقاويل أكثر أهل
العلم فقلت ومن أين؟ فقال الشافعي أرأيتم استظهارها من أيام حيضها أم أيام طهرها؟ فقلت هي من
أيام حيضها فقال فأسمعكم عمدتم إلى امرأة كانت أيام حيضها خمسا فطبق عليها الدم فقلتم نجعلها
ثمانيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إذا مضت أيام حيضها قبل الاستحاضة أن تغتسل وتصلي
وجعلتم لها وقتا غير وقتها الذي كانت تعرف فأمرتموها أن تدع الصلاة في الأيام التي أمرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تصلي فيها قال أفرأيتم إن قال لكم قائل لا يعرف السنة تستظهر بساعة أو يوم أو
يومين أو تستظهر بعشرة أيام أو ست أو سبع بأي شئ أنتم أولى بالصواب من أحد إن قال ببعض هذا
القول هل يصلح أن يوقت العدد إلا بخبر عن رسول الله أو إجماع من المسلمين؟ ولقد وقتموه بخلاف
ما رويتم عن رسول الله وأكثر أقاويل المسلمين ثم قلتم فيه قولا متناقضا فزعمتم أن أيام حيضها إن كانت
ثلاثا استظهرت بمثل أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كان أيام حيضها أثني عشر استظهرت بمثل ربع
أيام حيضها وذلك ثلاث وإن كانت أيام حيضها خمسة عشر لم تستظهر بشئ وإن كانت أربعة عشر
استظهرت بيوم وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين فجعلتم الاستظهار مرة ثلاثا ومرة يومين ومرة
يوما ومرة لا شئ فقلت للشافعي فهل رويتم في المستحاضة عن صاحبنا شيئا غير هذا؟ فقال نعم شيئا
عن سعيد بن المسيب وشيئا عن عروة بن الزبير (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن سمي
مولى أبي بكر أن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ليسأله كيف تغتسل
المستحاضة فقال تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحدا ثم
تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة قال ما لك الأمر عندنا على حديث هشام بن عروة فقلت للشافعي فإنا
نقول بقول عروة وندع قول ابن المسيب؟ فقال الشافعي أما قول ابن المسيب فتركتموه كله ثم ادعيتم
قول عروة وأنتم تخالفونه في بعضه فقلت وأين؟ قال قال عروة تغتسل غسلا واحدا يعني كما تغتسل
المتطهرة وتتوضأ لكل صلاة يعني توضأ من الدم للصلاة لا تغتسل من الدم إنما ألقي عنها الغسل بعد
الغسل الأول والغسل إنما يكون من الدم وجعل عليها الوضوء ثم زعمتم أنه لا وضوء عليها فخالفتم
الأحاديث التي رواها صاحبنا وصاحبكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب وعروة وأنتم تدعون
أنكم تتبعون أهل المدينة وقد خالفتم ما روى صاحبنا عنهم كله إنه لبين في قولكم أنه ليس أحد أترك
على أهل المدينة لجميع أقاويلهم منكم مع ما تبين في غيره ثم ما أعلمكم ذهبتم إلى قول أهل بلد
غيرهم فإذا انسلختم من قولهم وقول أهل البلدان ومما رويتم وروى غيركم والقياس والمعقول فأي موضع
تكونون به علماء وأنتم تخطئون مثل هذا وتخالفون فيه أكثر الناس؟
220

باب الكلب يلغ في الإناء أو غيره
سألت الشافعي عن الكلب يلغ في الإناء في الماء لا يكون فيه قلتان أو في اللبن أو المرق قال يهراق
الماء واللبن والمرق ولا ينتفعون به ويغسل الإناء سبع مرات وما مس ذلك الماء واللبن من ثوب وجب
غسله لأنه نجس فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)
(قال الشافعي) فكان بينا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الكلب يشرب الماء في الإناء
فينجس الإناء حتى يجب غسله سبعا أنه إنما ينجس بمماسة الماء إياه فكان الماء أولى بالنجاسة من الإناء
الذي إنما نجس بمماسته وكان الماء الذي هو طهور إذا نجس فاللبن والمرق الذي ليس بطهور أولى أن
ينجس بما نجس الماء فقلت للشافعي فإنا نزعم أن الكلب إذا شرب في الإناء فيه اللبن بالبادية شرب
اللبن وغسل الإناء سبعا لأن الكلاب لم تزل بالبادية فقال الشافعي هذا الكلام المحال أيعدو الكلب أن
يكون ينجس ما يشرب منه ولا يحل شرب النجس ولا أكله أو لا ينجسه فلا يغسل الإناء منه ولا يكون
بالبادية فرض من النجاسة إلا وبالقرية مثله وهذا خلاف السنة والقياس والمعقول والعلة الضعيفة وأرى
قولكم: لم تزل الكلاب بالبادية حجة عليكم فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل الإناء
من شرب الكلب سبعا والكلاب في البادية في زمانه وقبله وبعده إلى اليوم فهل زعمتم عن النبي صلى
الله عليه وسلم أن ذلك على أهل القرية دون أهل البادية أو أهل البادية دون أهل القرية؟ أو زعم لكم
ذلك أحد من أئمة المسلمين أو فرق الله بين ما ينجس بالبادية والقرية؟ أو رأيت أهل البادية هل زعموا
لكم أنهم يلقون ألبانهم للكلاب ما تكون الكلاب مع أهل البادية إلا ليلا لأنها تسرح مع مواشيهم
ولهم أشج على ألبانهم وأشد لها إبقاء من أن يخلوا بينها وبين الكلاب وهل قال لكم أحد من أهل
البادية ليس يتنجس بالكلب وهم أشد تحفظا من غيرهم أو مثلهم أو لو قاله لكم منهم قائل أيؤخذ
الفقه من أهل البادية وإن اعتللتم بأن الكلاب مع أهل البادية؟ أفرأيتم إن اعتل عليكم مثلكم من
أهل الغباوة بأن يقول الفأر والوزغان واللحكاء والدواب لأهل القرية ألزم من الكلاب لأهل البادية
وأهل القرية أقل امتناعا من الفأر ودواب البيوت من أهل البادية من الكلاب فإذا ماتت فأرة أو دابة
في ماء رجل قليل أو زيته أو لبنه أو مرقه لم تنجسه هل الحجة عليه إلا أن يقال الذي ينجس في الحال
التي ينجس فيها ينجس ما وقع فيه كان كثيرا بقرية أو بادية أو قليلا فكذلك الكلاب بالبادية والفأر
والدواب بالقرية أولى أن لا تنجس إن كان فيما ذكرتم حجة وما علمت أحدا روى عنه من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين أنه قال فيه إلا بمثل قولنا إلا أن من أهل زماننا من قال يغسل
الإناء من الكلب مرة واحدة وكلهم قال ينجس جميع ما يشرب منه الكلب من ماء ولبن ومرق وغيره
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن ممن تكلم في العلم من يختال فيه فيشبه والذي رأيتكم تختالونه لا
شبهة فيه ولا مؤنة على من سمعه في أنه خطأ إنما يكفي سامع قولكم أن يسمعه فيعلم أنه خطأ لا
ينكشف يتكلف ولا بقياس يأتي به فإن ذهبتم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذا ماتت الفأرة في
السمن الجامد أن تطرح وما حولها فدل ذلك على نجاستها فقد أخبر أن النجاسة تكون من الفأرة وهي
في البيوت وإنما قال في الفأرة قولا عاما وفي الكلب قولا عاما فإن ذهبتم إلى أن الفأرة تنجس على أهل
القرية ولا تنجس على أهل البادية فقد سويتم بين قوليكم وزدتم في الخطأ وإن قلتم إن ما لم يسم من
221

الدواب غير الفأرة والكلب لا ينجس فاجعل الوزغ لا ينجس لأنه لم يذكر فأما أن تقولوا الوزغ ينجس
ولا خير فيه قياسا وتزعمون أن الكلب ينجس مرة ولا ينجس أخرى فلا يجوز هذا القول.
باب ما جاء في الجنائز
سألت الشافعي عن الصلاة على الميت الغائب وعلى القبر فقال أستحبها فقلت له وما الحجة فيها؟
قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال نعى رسول الله صلى الله
عليه وسلم للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وكبر أربع تكبيرات (قال
الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
على قبر مسكينة توفيت من الليل قال وقد روى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قوم ببلد
آخر قلت للشافعي نحن نكره الصلاة على ميت غائب وعلى القبر فقال فقد رويتم على النبي صلى الله
عليه وسلم الصلاة على النجاشي وهو غائب ورويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ميت وهو
في القبر غائب فكيف كرهتم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد حفظ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بإسناد موصول من وجوه أنه صلى على قبور وصلت عائشة على قبر أخيها وغير واحد من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الثقات غير مالك وإنما الصلاة دعاء للميت وهو إذا
كان ملففا؟ بيننا يصلى عليه فإنما ندعو بالصلاة بوجه علمنا فكيف لا ندعو له غائبا وهو في القبر بذلك
الوجه؟!.
باب الصلاة على الميت في المسجد
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت
ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد، قلت للشافعي فإنا نكره
الصلاة على الميت في المسجد فقال أرويتم هذا أنه صلى على عمر في المسجد فكيف كرهتم الأمر فيه
وقد ذكره صاحبكم أذكر حديثا خالفه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاخترتم أحد الحديثين على الآخر
فقلت ما ذكر فيه شيئا علمناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فكيف يجوز أن تدعوا ما رويتم عن النبي
صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب النبي أنهم فعلوه بعمر وهذا عندكم عمل مجتمع عليه لأنه لا نرى من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا حضر موت عمر فتخلف عن جنازته فتركتم هذا بغير شئ
رويتموه وكيف أجزتم أن ينام في المسجد ويمر فيه الجنب طريقا ولا يجوز أن يصلى فيه على ميت (أخبرنا
الربيع) مات سعيد فخرج أبو يعقوب البويطي وخرجنا معه فصف بنا وكبر أربعا وصلينا عليه، وكان
أبو يعقوب الإمام فأنكر الناس ذلك علينا وما بالينا.
باب في فوت الحج
سألت الشافعي هل يحج أحد عن أحد؟ قال نعم يحج عمن لا يقدر أن يثبت على المركب والميت
قلت وما الحجة قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن الفضل بن
222

العباس كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم فقالت يا رسول الله إن فريضة
الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال (نعم) وذلك
في حجة الوداع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا جعل
على نفسه أن لا يبلغ أحد من ولده الحلب فيحلب فيشرب ويسقيه إلا حج وحج به معه فبلغ رجل من
ولده الذي قال الشيخ وقد كبر الشيخ فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال إن
أبي قد كبر ولا يستطيع أن يحج أفأحج عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وذكر مالك أو غيره عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة لا تستطيع أن نركبها على البعير وإن
ربطتها خفت أن تموت أفأحج عنها؟ قال (نعم) فقلت للشافعي فإنا نقول ليس على هذا العمل فقال
خالفتم ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم من روايتكم ومن رواية غيركم علي بن أبي طالب يروي
هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن المسيب والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى هذه
الأحاديث وعلي وابن عباس وابن المسيب وابن شهاب وربيعة بالمدينة يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل
وهذا أشبه شئ يكون مثله عندكم عملا فتخالفونه كله لغير قول أحد من خلق الله علمته من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع من عدا أهل المدينة من أهل مكة والمشرق واليمن من أهل الفقه
يفتون بأن يحج الرجل عن الرجل، فقلت للشافعي فإن من حجة بعض من قال هذا القول أنه قال أنه
روى عن ابن عمر لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فجعل الحج في معنى الصيام
والصلاة فقال الشافعي وهذا قول الضعف فيه بين من كل وجه قال أرأيتم لو قال ابن عمر لا يحج أحد
عن أحد وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا أن يحج عن أحد كان في قول أحد حجة مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأى أنفسكم ولرأى مثلكم ولرأى بعض التابعين
فتجعلونه لا حجة في قوله إذا شئتم لأنكم لو كنتم ترون في قوله حجة لم تخالفوه لرأى أنفسكم ثم
تقيمون قوله مقاما تردون به السنة والآثار ثم تدعون في قوله ما ليس فيه من النهي عن الحج قياسا وما
للحج والصلاة والصيام؟ هذا شريعة وهذا شريعة فإن قلتم قد يشتبهان لأنه عمل على اليدن أفرأيتم إن
قال لكم قائل أنتم تزعمون أن الحج في معنى الصلاة والصوم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة
أن تحج عن أبيها فأنا آمر الرجل أن يصلي عن الرجل ويصوم عنه هل الحجة عليه إلا أنه لا تقاس
شريعة على شريعة؟ فكذلك الحجة عليكم. أو رأيتم ما فرقت بينه السنة مما هو أشد تقاربا منها فكيف
فرقتم بينه؟ فإن قلتم ما هو؟ قلت نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر ونهى عن المزابنة
وأجاز بيع العرايا وهي داخلة في المزابنة وداخلة في بيع الرطب بالتمر لو لم يجزها، فلما أجازها فرقنا بينهما
بالسنة وقلنا تجوز العرايا وهي رطب بتمر وكيل بجزاف؟ ولا يجوز ذلك إذا وضع بالأرض فكان التمر
والرطب في الأرض معا فهذا أولى أن لا يفرق بينه بأنه شئ واحد (1) بعضه حلال بما أحله به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبعضه منهي عنه بما نهى عنه رسول الله وقد خالف هذا بعض المشرقيين فرأينا
لنا عليهم بهذا حجة فالحجة عليكم بنصه أن يحج أحد عن أحد وأنتم تروونه عن النبي صلى الله عليه
وسلم ولا تروون عن أحد من أصحابه خلافه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكيف تقيسونه بالصوم

(1) أي وقد فرق بينه فبعضه الخ تأمل. كتبه مصححه.
223

والصلاة أفرأيتم إذا كنتم تجيزون أن يحج أحد عن أحد إذ أوصى بذلك فخالفتم ما قلتم من أن لا يحج
أحد عن أحد وأجزتم مثل ما رددتم فيه السنة أفيجوز لو أوصى أن يصلي عنه أو يصام عنه؟ فإن
أجزتموه فقد دخلتم فيما كرهتم من أن يكون عمل آخر لغيره وإن لم تجيزوه فقد فرقتم بين الصلاة والصوم
والحج. والله أعلم.
باب الحجامة للمحرم
سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم فقال يحتجم ولا يحلق شعرا ويحتجم من غير ضرورة فقلت
وما الحجة؟ فقال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم
احتجم وهو محرم وهو يومئذ بلحى جمل (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء
وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، فقلت
للشافعي فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه وقال مالك مثل ذلك
قال الشافعي ما روى مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يذكر في حجامة النبي صلى الله عليه
وسلم هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه ولعل
ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله فقال برأيه
فكيف إذا سمعت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت بخلاف ما سمعت عنه لقول ابن عمر وأنتم
لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره وأنتم تتركون قول ابن عمر
لرأي أنفسكم أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح
له الاغتسال والأكل والشرب فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق
الشعر وغيره؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى
فينبغي أن تقولوا إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم وتقولون في الحجامة قولا متناقضا.
باب ما يقتل المحرم من الدواب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة
والكلب العقور) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ وهو عندنا جواب على المسألة فكل ما
جمع من الوحش أن يكون غير مباح اللحم في الإجلال وأن يكون مضرا قتله المحرم لأن النبي صلى الله
عليه وسلم إذا أمر المحرم أن يقتل الفأرة والغراب والحدأة مع ضعف ضرها إذ كانت مما لا يؤكل لحمه
كان ما جمع أن لا يؤكل لحمه وضره أكثر من ضرها أولى أن يكون قتله مباحا في الاحرام، قلت قد
قال مالك لا يقتل المحرم من الطير ما ضر إلا ما سمى وقال بعض أصحابه كان قول النبي صلى الله عليه
وسلم (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم جناح) يدل على أن ما سواهن على المحرم في قتله
224

جناح (قال الشافعي) رحمه الله أفرأيتم الحية أسميت؟ فقد زعم مالك عن ابن شهاب أن عمر أمر
بقتل الحيات في الحرم قلت فيراها كلبا عقورا قال أو تعرف العرب أن الحية كلب عقور؟ إنما الكلب
عندها السبع والكلاب التي خلقها الله متقاربة كخلق الكلب، فإن قلتم إنها قد تضر فتقتل، قيل غير
مكابرة كما زعم صاحبكم أن الكلب العقور ما عدا على الناس فأخافهم وهي لا تعدو مكابرة، وإن
ذهبتم إلى أنها تضر هكذا فقد أمر عمر بن الخطاب أن يقتل الزنبور في الاحرام والزنبور إنما هو كالنحلة
فكيف لم تأمروا بقتل الزنبور وقد أمر به عمر وأمرتم بقتل الحية إذ أمر بها عمر؟ ما أسمعكم تأخذون من
الأحاديث إلا ما هو يتم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقلتم يقتل المحرم الفأرة الصغيرة ولا يقتل
الغراب الصغير وإذا قلتم هذا فقد أباحه النبي صلى الله عليه وسلم ومنعتموه فإن قلتم إنما أباح قتله على
معنى أنه يضر والصغير لا يضر في حاله تلك فالفأرة الصغيرة لا تضر في حالها تلك فلا بد أن تخالفوا
النبي صلى الله عليه وسلم في الغراب الصغير والفأرة الصغيرة وهذا حجة عليكم أزعمتم أن الغراب
يقتل لمعنى ضرره فينبغي أن تقتل العقاب لأنها أضر منه، فإن قال لا بل الحديث جملة لا المعنى،
قيل فلم لا يقتل الغراب الصغير لأنه غراب؟ سألت الشافعي عمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن
يرمي قال يفعل ولا فدية ولا حرج، وكذلك كل ما كان يعمل في ذلك اليوم فقدم منه شيئا قبل شئ
ناسيا أو جاهلا عمل ما يبقى عليه ولا حرج، فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو بن العاص قال وقف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس بمنى يسألونه فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل
أن أذبح قال (اذبح ولا حرج) فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال (إرم
ولا حرج) فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج (قال
الشافعي) رحمه الله وبهذا كله نأخذ.
باب الشركة في البدنة
سألت الشافعي هل يشتري السبعة جزورا فينحرونها عن هدي إحصار أتمتع؟ قال نعم قلت وما
الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا نحروا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية بدنة عن سبعة وبقرة عن سبعة والعلم يحيط أنهم من أهل
بيوتات شتى لا من أهل بيت واحد فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة متمتعين ومحصورين وعن كل
سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة إذا لم يجدوا شاة وسواء اشتروها وأخرج كل واحد منهم حصته
من ثمنها أو ملكوها بأي وجه ما كان ملك ومن زعم أنها تجزئ عن سبعة لو وهبت لهم أو ملكوها بوجه
غير الشراء كانت المشتراة أولى أن تجزئ عنهم قلت للشافعي فإنا نقول لا تذبح البدنة إلا عن واحد ولا
البقرة وإنما يذبحها الرجل عن نفسه وأهل بيته فأما أن يخرج كل إنسان منهم حصته من ثمنها ويكون له
حصة من لحمها فلا وإنما سمعنا لا يشترك في البدنة في النسك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقد
يجوز أو يقال لا يشترك في النسك أن يوجب الرجل النسيكة ثم يشرك فيها غيره وليس في هذا لأحد
حجة لأنه كلام عربي ولا حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم
225

وأصحابه أهل الحديبية فكان ينبغي أن يكون هذا العمل عندكم لا تخالفونه لأنه فعل النبي صلى الله
عليه وسلم وألف وأربعمائة من أصحابه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر بن عبد الله
قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الأرض قال
جابر لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة وأنتم تجعلون قول الواحد وفعله حجة في بعض الأشياء فإذا
وجدتم السنة وفعل ألف وأربعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو أوجب عليكم أن تجعلوه
حجة.
باب التمتع في الحج
سألت الشافعي عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال حسن غير مكروه وقد فعل ذلك بأمر النبي صلى
الله عليه وسلم وإنما اخترنا الافراد لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد غير كراهية للتمتع ولا يجوز
إذا كان فعل التمتع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مكروها فقلت للشافعي وما الحجة فيما
ذكرت؟ قال الأحاديث الثابتة من غير وجه وقد حدثنا مالك بعضها (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحرث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي
وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يتذاكران التمتع بالعمرة إلى الحج
فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد بئسما قلت يا ابن أخي فقال الضحاك
فإن عمر قد نهى عن ذلك فقال سعد قد صنعها رسول الله وصنعناها معه فقلت للشافعي قد قال مالك
قول الضحاك أحب إلى من قول سعد وعمر أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد (قال
الشافعي) عمر وسعد عالمان برسول الله وما قال عمر عن رسول الله شيئا يخالف ما قال سعد إنما روى
مالك عن عمر أنه قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وعمرته أن يعتمر في غير
أشهر الحج ولم يرو عنه أنه نهى عن العمرة في أشهر الحج (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب
عن عروة عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع فمنا من أهل بحج ومنا من أهل
بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة وكنت ممن أهل بعمرة (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن
ابن عمر عن حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك
قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صدقة
بن يسار عن ابن عمر أنه قال لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلى من أعتمر بعد الحج في ذي
الحجة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فهذان الحديثان من حديث مالك موافقان ما قال سعد من
أنه عمل بالعمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج فكيف جاز لكم وأنتم ترون هذا أن
تكرهوا العمرة فيه وأنتم تثبتون عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما وصفت وادعيتم من خلاف عمر وسعد
وعمر لم يخالف سعدا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أختار شيئا غير مخالف لما جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم وقد تتركون أنتم على عمر اختياره وحكمه هو أكثر من الاختيار لما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم ثم تتركونه لما جاء عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تتركونه لقولكم فإذا جاز
لكم هذا فكيف يجوز لكم أن تحتجوا بقوله على السنة وأنكم تدعون أنه خالفها وهو لا يخالفها وما
رويتم عنه يدل على أنه لا يخالفها فادعيتم خلاف ما رويتم وتخالفون اختياره.
226

باب الطيب للمحرم
سألت الشافعي عن الطيب قبل الاحرام بما يبقى ريحه بعد الاحرام وبعد رمي الجمرة والحلاق قبل
الإفاضة فقال جائز وأحبه ولا أكرهه لثبوت السنة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخبار عن
غير واحد من أصحابه فقلت وما الحجة فيه؟ فقال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه
عن عائشة أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن
يطوف بالبيت فقلت للشافعي فإنا نكره الطيب للمحرم ونكره الطيب قبل الاحرام وبعد الاحلال قبل
أن يطوف بالبيت ونروي ذلك عن عمر بن الخطاب فقال الشافعي إني أراكم لا تدرون ما تقولون
فقلت ومن أين؟ فقال أرأيتم نحن وأنتم بأي شئ عرفنا أن عمر قاله أليس إنما عرفنا بأن ابن عمر رواه
عن عمر فقلت بلى فقال وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب بخبر عائشة فقلت بلى قال وكلاهما
صادق فقلت نعم فإذا علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر نهى عن الطيب علما واحدا
هو خبر الصادقين عنهما معا فلا أحسب أحدا من أهل العلم يقدر أن يترك ما جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم لغيره فإن جاز أن يتهم الغلط على بعض من بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم ممن حدثنا
جاز مثل ذلك على من بيننا وبين عمر ممن حدثنا بل من روى عن عائشة تطيب النبي صلى الله عليه
وسلم أكثر ممن روى عن ابن عمر نهى عمر عن الطيب روى عن عائشة سالم والقاسم وعروة والأسود بن
يزيد وغيرهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فأراكم إذا أصبتم لم تعقلوا من أين أصبتم وإذا أخطأتم لم
تعرفوا سنة تذهبون إليها فتعذروا بأن تكونوا ذهبتم إلى مذهب بل أراكم إنما ترسلون ما جاء على ألسنتكم
عن غير معرفة إنما كان ينبغي أن تقولوا من كره الطيب للمحرم إنما نهى عن الطيب أنه حضر النبي
صلى الله عليه وسلم بالجعرانة حين سأله أعرابي أحرم وعليه جبة وجلوق فأمره بنزع الجبة وغسل الصفرة.
فقلت للشافعي أفترى لنا بهذا حجة أو إنما هذا شبهة وما الحجة على من قال هذا قال إن كان قاله بهذا
فقد ذهب عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب فقال بما حضر وتطيب النبي صلى الله عليه وسلم في
حجة الاسلام سنة عشر وأمر الإعرابي قبل ذلك بسنتين في سنة ثمان فلو كانا مختلفين كان إباحته
التطيب ناسخا لمنعه وليسا بمختلفين إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل (قال الشافعي) وأمر الرجل أن يغسل الزعفران عنه وقد تطيب سعد
بن أبي وقاص وابن عباس للاحرام وكانت الغالية ترى في مفارق ابن عباس مثل الرب (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال قال عمر من
رمى الجمرة فقد حل ما حرم عليه إلا النساء والطيب وقال سالم قالت عائشة طيبت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيدي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك
الغير لرأي أنفسكم فالعلم إذا إليكم تأتون منه ما شئتم وتدعون منه ما شئتم تأخذون بلا تبصر لما تقولون
ولا حسن روية فيه أرأيتم إذا خالفتم السنة هل عرفتم ما قلتم كرهتم الطيب قبل الاحرام لأنه يبقى بعد
الاحرام وقد كان الطيب حلالا فإذ كرهتموه إذا كان يبقى بعد الاحرام فلا وجه لقوكم إلا أن تقولوا
وجدناه إذا كان محرما ممنوعا أن يبتدئ طيبا فإذا تطيب قبل يحرم فما يبقى كان كابتداء الطيب في
227

الاحرام قلت فأنتم تجيزون بأن يدهن المحرم بما يبقى لينه وذهابه الشعث ويرجل الشعر قال وما هو؟
قلت ما لا طيب فيه مثل الزيت والشيرق وغيره قال هذا لا يصلح للمحرم أن يبتدئ الادهان به ولو
فعل وجبت عليه كفارة المتطيب عندنا وعندكم وإنما كان ينبغي أن تقولوا لا يدهن بشئ يبقى في
رأسه لينة ساعة أو تجيزوا الطيب إذا كان قبل الاحرام ولو لم يكن في هذا سنة تتبع انبغى أن لا يقال إلا
واحد من هذين القولين.
باب في العمرى
قال سألت الشافعي عمن أعمر عمري له ولعقبه فقال هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها
فقلت وما الحجة؟ فقال السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال (أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها) لا ترجع إلى الذي أعطى عطاء
وقعت فيه المواريث قال وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل
العلم وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت للشافعي
فإنا نخالف هذا فقال أتخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن حجتنا فيه أن
مالكا قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم
بن محمد عن العمري وما يقول الناس فيها فقال له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في
أموالهم وفيما أعطوا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ما أجابه القاسم عن العمري بشئ وما أخبره إلا أن
الناس على شروطهم فإن ذهب إلى أن يقول العمري من المال والشرط فيها جائز فقد شرط الناس في
أموالهم شروطا لا تجوز لهم فإن قال قائل وما هي؟ قيل الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع
فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل فإن قال السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل
على إبطال الشرط في العمري فلم أخذت بالسنة مرة وتركتها مرة؟ قول القاسم لو كان قصد به قصد
العمري فقال إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
فإن قال قائل ولم؟ قيل نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك
علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في العمري بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى
الله عليه وسلم وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح ممن روى
هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به مما قاله
أناس بعده قد يمكن أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله ولا بلغهم عنه شئ وأنهم لناس لا نعرفهم فإن
قال قائل لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي
صلى الله عليه وسلم سنة ولا يجمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجمعون إلا من جهة السنة قيل له أخبرنا
مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم
بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاثة فإذا قيل لكم تتركون قول القاسم والناس إنها تطليقة
قلتم لا ندري من الناس الذين يروى هذا عنهم القاسم فإن لم يكن قول القاسم والناس حجة عليكم في
رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لعله
228

أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمري مثل قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي
ثابت قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال إني وهبت لابني ناقة حياته وإنها
تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال إني تصدقت عليه بها قال ذلك أبعد لك منها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله
إلا أنه قال أضنت واضطربت يعني كبرت واضطربت (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو عن
سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرة عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (العمرى للوارث) (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي
رباح عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله
سبيل الميراث) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال حضرت
شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال له الأعمى يا أبا أمية بما قضيت لي؟ فقال له شريح لست أنا
قضيت لك ولكن محمد صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال (من أعمر شيئا حياته فهو
لورثته إذا مات) (قال الشافعي) فتتركون ما وصفت من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهذا عندكم
عمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم أفتى في رجل
قال لأمه قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس. والله
أعلم.
باب ما جاء في العقيقة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم ابن الحرث التيمي قال
تستحب العقيقة ولو بعصفور قلت للشافعي فإنا نقول ليس عليه العمل ولا نلتفت إلى قول تستحب قال
قد يمكن أن لا يكون استحبها إلا أهل العلم بالمدينة (قال الشافعي) أخبرنا الثقفي عن يحيى بن سعيد
عن سليمان بن يسار أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أصيبوا
يقضي لهم بقدر ما يعقلهم قومهم فيما بينهم قلت فإنا نقول في اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ولا
نلتفت إلى رواية سليمان بن يسار إن الناس (قال الشافعي) سليمان مثل القاسم في السن أو أسن منه فإن
كانت لكم حجة بقول القاسم الناس فهي عليكم بقول سليمان بن يسار ألزم لأنه لا يثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم في اليهودي والنصراني قول.
باب في الحربي يسلم
سألت الشافعي عن المشركين الوثنيين الحربيين يسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج أقام المسلم
منهما في دار الاسلام أو خرج فقال ذلك كله سواء ولا يحل للزوج إصابتها (2) ولا له أن يصيبها إذا
229

كان واحد منهما مسلما ونظرتهما انقضاء العدة فإن انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم الزوج انقطعت
العصمة بينهما وكذلك ولو كان الزوج المسلم فانقضت عدة المرأة قبل أن تسلم هي انقطعت العصمة
بينهما لا اختلاف بين الزوج والمرأة في ذلك. فقلت له علام اعتمدت في هذا؟ فقال على ما لا أعلم
من أهل العلم بالمغازي في هذا اختلافا من أن أبا سفيان أسلم قبل امرأته وأن امرأة صفوان وعكرمة
أسلمتا قبلهما ثم استقروا على النكاح وذلك أن آخرهم إسلاما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة وفيه أحاديث
لا يحضرني ذكرها وقد حضرني منها حديث مرسل وذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب أن صفوان
بن أمية هرب من الاسلام ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وشهد حنينا والطائف مشركا وامرأته مسلمة
واستقر على النكاح قال ابن شهاب فكان بين اسلام صفوان وامرأته نحو من شهر فقلت له أرأيت إن
قلت مثل إذا أسلمت قبل زوجها خرجت من الدار أو لم تخرج ثم أسلم الزوج فهما على النكاح ما لم
تنقض العدة وإذا أسلم الزوج قبل المرأة وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الاسلام فلم تسلم لأن الله
تبارك وتعالى يقول (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (قال الشافعي) إذا يدخل عليكم والله أعلم خلاف
التأويل والأحاديث والقياس وما القول في رجل يسلم قبل امرأته والمرأة قبل زوجها إلا واحد من قولين
أنتم قوم لم تعرفوا فيه الأحاديث أو عرفتموها فرددتموها بتأويل القرآن فإذا تأولتم قول الله (ولا تمسكوا
بعصم الكوافر) لم تعدوا أن تكونوا أردتم بقوله تبارك وتعالى أنه إذا أسلم الزوج انقطعت العصمة بينهما
مكانه وأنتم لم تقولوا بهذا وزعمتم أن العصمة إنما تقطع بينهما إذا عرض على الزوجة الاسلام فأبت وقد
يعرض عليها الاسلام من ساعتها ويعرض عليها بعد سنة وأكثر فليس هذا بظاهر الآية ولم تقولوا في هذا
بخبر ولا يجوز أن يقال بغير ظاهر الآية إلا بخبر لازم فقلت فإن قلت يعرض عليها الاسلام من ساعتها
(قال الشافعي) أفليس يقيم بعد إسلامه قبل يفرق بينهما؟ أو رأيتم إن كانت غائبة عن موضع إسلامه
أو بكماء لا تكلم أو مغمى عليها فإن قلتم تطلق فقد تركتم العرض وإن قلتم ينتظر بها فقد أقامت في حباله
وهي كافرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها قال الله تعالى (فإن علمتموهن
مؤمنات فلا ترجعونهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) فسوى بينهما وكيف فرقتم بينهما؟
(قال الشافعي) هذه الآية في معنى تلك لا تعدو هاتان الآيتان أن تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا
الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين فقد انقطعت العصمة بينهما أو يكون لا
يحل له في تلك الحال ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة ولم يسلم المتخلف عن الاسلام منهما
فإن كان هذا المعنى لم يصلح أن تكون المدة إلا بخبر يلزم لأن رجلا لو قال مدتهما ستة أشهر أو يوم لم
يجز هذا من قبل الرأي إنما يجوز من جهة الأخبار اللازمة فلما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة
أبي سفيان وكان أبو سفيان قد أسلم هو وامرأته هند مقيمة بمكة هي دار حرب لم تسلم وأمرت بقتله ثم
أسلمت بعد أيام فاستقرا على النكاح وهرب عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية من الاسلام
وأسلمت زوجتاهما ثم أسلما فاستقرا على النكاح وكان ابن شهاب حمل أحد الحديثين أو هما معا فذكر فيه
توقيت العدة دل ذلك على انقطاع العصمة بين الزوجين إن انقضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن
الاسلام منهما لا أن انقطاع العصمة هو أن يكون أحدهما مسلما ويكون الفرج ممنوعا حين يسلم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: فقيل لبعض من يذهب إلى التفريق بين الزوج يسلم قبل المرأة والمرأة تسلم
قبل الزوج أتجهلون امرأة أبي سفيان؟ قالوا لا ولكن كان الذي بين إسلامهما يسيرا قيل أما علمتم أن أبا
سفيان قد أسلم وقد أقامت هند على الكفر ثم أسلمت فاستقر على النكاح؟ قال بلى قيل أو ليس بقيت
230

عقدته عليها وقد أسلم قبلها قال بلى قيل فلو كان معنى الآية (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) على أنه متى
أسلم حرمت كنتم قد خالفتم الآية وقولكم وعلمتم أن السنة في هند على غير ما قلتم وإذا كان (لا تمسكوا
بعصم الكوافر) جاءت عليهم مدة لم تسلم فيها فالمدة لا تجوز إلا بخبر يلزم مثله (قال الشافعي) وأنتم إذا
قلتم لا يفسخ بينهما حتى يعرض عليها الاسلام فتأباه فإذا عرض عليها الاسلام فأبته انفسخ النكاح قيل
فإذا كانت ببلاد نائية فإذا انقضت عدتها انفسخ النكاح وإن لم يعرض عليها الاسلام وهذا خارج من
الوجهين والمعقول إن كان يقطع العصمة أن يسلم الزوج قبلها انبغى أن نخرجها من يده قبل عرض
الاسلام وإن كان ذلك بمدة فالمدة التي نذهب إليها نحن وأنتم العدة.
باب في أهل دار الحرب
سألت الشافعي عن أهل الدار من أهل الحرب يقتسمون الدور ويملك بعضهم على بعض على
ذلك القسم ويسلمون ثم يريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسمه على قسم الاسلام فقال ليس
ذلك له قلت ما الحجة في ذلك قال؟ الاستدلال بمعنى الاجماع والسنة قلت وأين ذلك؟ قال أرأيت
أهل دار الحرب إذا سبى بعضهم بعضا وغصب بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت
الدماء وأقررت الأرقاء في يدي من أسلموا وهم رقيق لهم والأموال لأنهم ملكوها عليهم قبل الاسلام
فإذا ملكوا بقسم الجاهلية فما ذلك الملك بأحق وأولى أن يثبت لمن ملكه من ملك الغصب والاسترقاق
لمن كان حرا مع أنه أخبرنا مالك عن ثور بن يزيد الديلي أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الاسلام لم
تقسم فهي على قسم الاسلام) (قال الشافعي) نحن نروي فيه حديثا أثبت من هذا بمثل معناه.
باب البيوع
سألت الشافعي عن الرجل يأتي بذهب إلى دار الضرب فيعطيها الضراب بدنانير مضروبة ويزيده
على وزنها، قال هذا الربا بعينه المعجل قلت وما الحجة؟ قال أخبرنا مالك عن موسى بن أبي تميم عن
سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم
لا فضل بينهما) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال لا
تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثل بمثل
ولا تشفوا بعضها على بعض، فقلت للشافعي فإنا نزعم أنه لا بأس بهذا قال فهذا الذي نهى عنه النبي
صلى الله عليه وسلم بعينه فكيف أجزتموه؟ قال هذا من ضرب قولكم في اللحم أنه لا بأس أن يباع
بعضه ببعض بغير وزن بالبادية وحيث ليس موازين فإن كان اللحم من الطعام الذي نهى عنه إلا مثلا
بمثل فقد أجزتموه وإن لم يكن منه فلم تحرمونه في القرية وتجيزونه في البادية وأنتم لا تجيزون بالبادية تمرا
بتمر إلا مثلا بمثل وإن لم يكن في البادية مكيال وأجزتم هذا في الخبز أن يباع بعضه ببعض بغير وزن
إذا تحرى في القرية والبادية وفي البيض وما أشبهه.
231

باب متى يجب البيع
سألت الشافعي متى يجب البيع حتى لا يكون للبائع نقضه ولا للمشتري نقضه إلا من عيب؟ قال
إذا تفرق المتبايعان بعد عقدة البيع من المقام الذي تبايعا فيه فقلت وما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار
على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) فقلت له فإنا نقول ليس لذلك عندنا حد معروف ولا أمر
معمول به فيه (قال الشافعي) الحديث بين لا يحتاج إلى تأويل ولكني أحسبكم التمستم العذر من
الخروج منه بتجاهل كيف وجه الحديث وأي شئ فيه يخفى عليه قد زعمتم أن عمر قال لمالك ابن
أوس حين اصطرف من طلحة بن عبيد الله بمائة دينار فقال له طلحة أنظرني حتى يأتي خازني من
الغابة فقال لا والله لا تفارقه حتى تقبض منه فزعمتم أن الفراق فراق الأبدان فكيف لم تعلموا أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أن الفراق فراق الأبدان) فإن قلتم ليس هذا أردنا
إنما أردنا أن يكون عمل به بعده فابن عمر الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ابتاع
الشئ يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع أخبرنا بذلك سفيان عن ابن جريج عن
نافع عن ابن عمر وقد خالفتم النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر جميعا.
باب بيع البرنامج
سألت الشافعي عن بيع الساج المدرج والقبطية وبيع الأعدال على البرنامج على أنه واجب بصفة
أو غير صفة قال لا يجوز من هذا شئ إلا لمشتريه الخيار إذا رآه قلت وما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا
مالك عن محمد بن يحيى ابن حبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة فقلت للشافعي فإنا نقول في الساج المدرج والقبطي المدرج لا
يجوز بيعهما لأنهما في معنى الملامسة ونزعم أن بيع الأعدال على البرنامج يجوز (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: فالاعتدال التي لا ترى أدخل في معنى الغرر المحرم من القبطية والساج يرى بعضه دون
بعض ولأنه لا يرى من الأعدال شئ وأن الصفقة تقع منها على ثياب مختلفة فقلت للشافعي إنما نفرق
بين ذلك لأن الناس أجازوه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ما علمت أحدا يقتدي به في العلم
أجازه فإن قلتم إنما أجزناه على الصفقة فبيوع الصفقات لا تجوز إلا مضمونة على صاحبها بصفة يكون
عليه أن يأتي بها بكل حال وليس هكذا بيع البرنامج أرأيت لو هلك المبيع أيكون على بائعه أن يأتي
بصفة مثله فإن قلتم لا فهذا لا بيع عين ولا بيع صفة.
باب بيع الثمر
سألت الشافعي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه نهى البائع والمشتري (قال الشافعي) وبهذا
نأخذ وفيه دلائل بينة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه قال
232

وصلاحه أن ترى فيه الحمرة أو الصفرة لأن الآفة قد تأتي عليه أو على بعضه قبل بلوغه أو يجد بسرا وهو
في الحال التي نهى عنها ظاهر يراه البائع والمشتري كما كانا يريانه إذا ريئت فيه الحمرة بما وصفنا من
معنى أن الآفة ربما كانت فقطعته أو نقصته كانت كل ثمرة مثله لا يحل أن تباع أبدا حتى تزهى وينضج
منها ذلك وبهذا قلنا وقد قلتم بالجملة وقلنا لا يحل بيع القثاء ولا الخربز وإن ظهر وعظم حتى يرى فيه
النضج (قال الشافعي) وقلنا فإذا لم يحل بيع القثاء والخربز حتى يرى فيه النضج كان بيع ما لم يخرج
من القثاء والخربز أحرم لأنه لم يبد صلاحه ولم يخلق ولا يدرى لعله لا يكون فقلت للشافعي فإنا نقول
إذا ظهر شئ من القثاء حل أن تباع ثمرته تلك وما خلق من القثاء من نبت أصله (قال الشافعي) وقد
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فلم أجزتم بيع شئ لم يخلق بعد؟
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين وبيع السنين بيع الثمر سنين فإن زعمتم أنه يجوز في
النخل إذا طابت العام أن ثمرته قابلا فقد خالفتم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الوجهين وإن
زعمتم أن بيع ثمرة لم تأت لا يحل فكذلك كان ينبغي أن تقولوا في القثاء والخربز سألت الشافعي عن
القثاء والخربز والفجل يشترى أيكون لمشتريه أن يبيعه قبل أن يقبضه فقال لا ولا يباع شئ منه بشئ
منه متفاضلا يدا بيد قلت للشافعي وما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
فقلت للشافعي فإنا نقول كما قلت لا يباع حتى يقبض ولا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد
ولا خير فيه نسيئة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا خلاف السنة في بعض القول قلت ومن
أين؟ قال زعمتم أنه لا يباع حتى يقبض وزعمتم أنه لا يباع بعضها ببعض نسيئة وهذا في حكم
الطعام من التمر والحنطة ثم زعمتم أنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد وهذا خلاف حكم
الطعام وهذا قول لا يقبل من أحد من الناس إما أن تكون خارجة من الطعام فلا بأس عندكم أن تباع
قبل أن تقبض ويباع منها واحد بعشرة من صنفه نسيئة أو تكون طعاما فلا يجوز الفضل في الصنف منها
على الآخر من صنفه يدا بيد.
باب ما جاء في ثمن الكلب
سألت الشافعي عن الرجل يقتل الكلب للرجل فقال ليس عليه غرم فقلت وما الحجة في ذلك؟
فقال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود
الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن قال مالك وإنما
أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب (قال
الشافعي) نحن نجيز الرجل أن يتخذ الكلاب الضواري ولا نجيز له أن يبيعها لنهى النبي صلى الله عليه
وسلم وإذا حرمنا ثمنها في الحال التي يحل اتخاذها فيه اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل أن
يكون لها ثمن بحال قلت للشافعي فإنا نقول أو قتل رجل لرجل كلبا غرم له ثمنه فقال الشافعي هذا
خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس عليه وخلاف أصل قولكم كيف يجوز أن تغرموه
ثمنه في الحال التي تفوت فيها نفسه وأنتم لا تجعلون له ثمنا في الحال التي يحل أن ينتفع به فيها فإن قال
قائل فإن من المشرقيين من زعم أنه إذا قتل ففيه ثمنه ويروى فيه أثر فأولئك يجيزون بيعه حيا ويردون
الحديث الذي في النهي عن ثمنه ويزعمون أن الكلب سلعة من السلع يحل ثمنه كما يحل ثمن الحمار
233

والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شئ على من
قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا
دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ
ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل
ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهي خمر أو بعدما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك
الحال لأن أصلها محرم ولم تصر خلا لأنهم يعقلون ما يقولون وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث
الذي ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم
محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا
أو رأيتم لو قال لكم قائل لا أجعل له ثمنا إذا قتل لأنه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت
المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له مالك وكان له ثمن في حياته
كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الأخرى.
باب في الزكاة
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) قال وبهذا نقول
وتقولون في الجملة ثم خالفتموه في معان وقد زعمتم وزعمنا أن لا يضم صنف طعام إلى غيره لأنا إذا
ضممناها فقد أخذنا فيما دون خمسة أوسق فإن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أنه لا
يكون في خمسة أوسق صدقة حتى تكون من صنف واحد ثم زعمتم أنكم تضمون الحنطة والسلت
والشعير معا لأن سعدا لم يجز الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل (قال الشافعي) وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم (بيعوا الحنطة بالشعير كيف شئتم يدا بيد) ولم يقل في السلت شيئا علمته والسلت غير الحنطة والتمر
من الزبيب أقرب من السلت من الحنطة وأنتم لا تضمون أحدهما إلى الآخر وزعمتم أنكم تضمون
القطنية كلها بعضها إلى بعض وتزعمون أن حجتكم فيها أن عمر أخذ من القطنية العشر ونحن وأنتم
نأخذ من القطنية والحنطة والتمر والعشور أفيضم بعض ذلك إلى بعض وأخذ عمر من الحنطة والزبيب
نصف العشر أفيضم الزبيب إلى الحنطة؟ إن هذا لإحالة عما جاء عن عمر وخلافه هذا قول متناقض
أنتم تحلون التفاضل إذا اختلف الصنفان فكيف حل لكم أن تضموها وهي عندكم مختلفة؟ وكيف جاز
لكم أن يحل فيها التفاضل وهي عندكم طعام من صنف واحد؟ ما أعلم قولكم في القطنية والسلت
والشعير إلا خلافا للسنة والآثار والقياس.
باب النكاح بولي
سألت الشافعي عن النكاح فقال كل نكاح بغير ولي فهو باطل فقلت وما الحجة في ذلك؟ قال
أحاديث ثابتة فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها
234

وإذنها صماتها) (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول قال عمر بن الخطاب لا
تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان (قال الشافعي) وثبتم هذا وقلتم لا يجوز
نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين (قال الشافعي)
أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثلاثا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال جمع الطريق ركبا
فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما (قال
الشافعي) أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لا نكاح إلا بولي مرشد
وشاهدي عدل (قال الشافعي) وهذا قول العامة بالمدينة ومكة. قلت للشافعي نحن نقول في الدنية لا
بأس بأن تنكح بغير ولي ونفسخه في الشريفة فقال الشافعي عدتم لما سددتم من أمر الأولياء فنقضتموه
فقلتم لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولي فأما الشريفة فلا (قال الشافعي) السنة والآثار على كل امرأة فمن
أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها وتخالفون الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم وعمن بعده في الدنية؟ أرأيتم لو قال لكم قائل بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من
أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحي على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان
أقرب إلى أن يكون أصاب منكم؟ فإن الخطأ في هذا القول لا بين من أن يحتاج إلى تبيينه بأكثر من
حكايته (قال الشافعي) النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالأولياء والشهود
والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة وحق الله عليهن وفيهن كلهن واحد لا
يحل لواحد منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للأخرى وحرم منها.
باب ما جاء في الصداق
سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون
في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت وما الحجة في ذلك؟
قال السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل
بن سعد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(التمس ولو خاتما من حديد) فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن قلت للشافعي فإنا نقول لا
يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول (وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فأي شئ يعطيها
لو أصدقها درهما؟ قلنا نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت فهذا قليل
(قال الشافعي) هذا شئ خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه
وعمر بن الخطاب يقول ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول لو أصدقها سوطا فما فوقة
جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة
ثم أخطأ ثم قوله لأن أبا حنيفة قال لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد وذلك عشرة دراهم
فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة أو خالفتم ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده
235

فإلى قول من ذهبتم؟ فروي عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة
دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم يكون الصداق ربع دينار قال وقال بعض أصحاب أبي حنيفة إنا استقبحنا
أن يباح الفرج بشئ يسير قلنا أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا نعم قلنا فقد
أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشئ يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا
يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست
بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنئ فقير؟ أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه
اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا الصداق خبر
والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا
فلو قال رجل لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم لأن ذلك صداق النبي صلى الله عليه وسلم
وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم لأن
الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير
مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس أرأيتم إن كان الرجل
يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده ويصدق المرأة عشرة
وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم
يكون هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة
يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن
شهاب أن زيد بن ثابت قال إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق (قال
الشافعي) ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه (إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس قال وكذا روى عن ابن عباس
وشريح وهو معنى القرآن.
باب في الرضاع
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل الله في
القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهن مما يقرأ من القرآن (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم
مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر
رضعات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي
عبيد أنها أخبرته
أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر
رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها (قال الشافعي) فرويتم عن عائشة أن
236

الله أنزل كتابا أن يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات وأن النبي صلى الله عليه
وسلم توفي وهي مما يقرأ من القرآن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يرضع سالم خمس
رضعات يحرم بهن ورويتم عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ورويتم عن
ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأي حفصة بقول ابن المسيب وأنتم
تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأي أنفسكم مع أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روت
عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل (قال
الشافعي) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال (لا تحرم المصة ولا المصتان) فقلت للشافعي أسمع ابن الزبير من النبي صلى الله عليه
وسلم؟ فقال: نعم وحفظه عنه وكان يوم توفي النبي ابن تسع سنين.
باب ما جاء في الولاء
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الولاء لمن أعتق) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى: وبهذا أقول فقلت للشافعي إنا نقول في السائبة ولاؤه للمسلمين وفي النصراني يعتق
المسلم ولاؤه للمسلمين (قال الشافعي) وتقولون في الرجل يسلم على يدي الرجل أو يلتقطه أو يواليه لا
يكون لواحد من هؤلاء ولاء لأن واحدا من هؤلاء لم يعتق والعتق يقوم مقام النسب ثم تعودون
فتخرجون من الحديثين وأصل قولكم فتقولون إذا أعتق الرجل عبده سائبة لم يكن له ولاؤه وإذا أعتق
الذمي عبده المسلم لم يكن له ولاؤه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولا يعدو المعتق عبده سائبة
والنصراني يعتق عبده مسلما أن يكونا مالكين يجوز عتقهما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولاء
لمن أعتق) فمن قال لا ولاء لهذين فقد خالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الولاء
من المعتق الذي جعله له رسول الله أو يكون كل واحد منهما في حكم من لا يجوز له العتق إذا كانا لا
يثبت لهما الولاء فإذا أعتق الرجل عبده سائبة أو النصراني عبده مسلما لم يكن واحد منهما حرا لأنه لا
يثبت لهما الولاء وأنتم والله يعاقبنا وإياكم لا تعرفون ما تتركون ولا ما تأخذون فقد تركتم على عمر أنه قال
للذي التقط المنبوذ ولاؤه لك وتركتم على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس أنها وهبته
ولاء سليمان بن يسار وتركتم حديث عبد العزيز بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسلم على
يدي الرجل له ولاؤه وقلتم الولاء لا يكون إلا لمعتق ولا يزول بهبة ولا شرط عن معتق ثم زعمتم في
السائبة وله معتق وفي النصراني يعتق المسلم وهو معتق أن لا ولاء لهما فلو أخذتم ما أصبتم فيه بتبصر كان
السائبة والنصراني أولى أن تقولوا: ولاء السائبة لمن أعتقه والمسلم للنصراني إذا أعتقه وقد فرقتم بينهما كان
ما خالفتموه لما خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) أولى أن تتبعوه لأن فيه آثارا
مما لا أثر فيه.
237

باب الافطار في شهر رمضان
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن
أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام
شهرين أو إطعام ستين مسكينا فقال إني لا أجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فقال له (خذ هذا
فتصدق به) فقال يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت
أنيابه ثم قال كله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أن أعرابيا
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله (هل تستطيع
أن تعتق رقبة؟) قال لا قال (فهل تستطيع أن تهدي بدنة) قال لا قال (فاجلس) فأتى النبي صلى الله
عليه وسلم بعرق فأعطاه إياه (قال الشافعي) رحمه الله بهذا نقول يعتق رقبة لا يجزيه غيرها إذا وجدها
وكفارته كفارة الظهار وزعمتم أن أحب إليكم أن لا تكفروا لا بإطعام يا سبحان الله العظيم كيف تروون
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا تخالفونه ولا تخالفون إلى قول أحد من خلق الله ما رأينا أحدا قط
في شرق ولا غرب قبلكم ولا بلغنا عنه أنه قال مثل هذا وما لأحد خلاف رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
باب في اللقطة
سألت الشافعي عمن وجد لقطة فقال يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء
صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك؟ قال السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبي بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبى من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى
المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة
فقال (أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم
بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب
المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها (قال الشافعي) فرويتم عن النبي
صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك وقلتم نكره أكل
اللقطة (1) للغني والمسكين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله
بن عمر فقال إني وجدت لقطة فماذا ترى؟ فقال له ابن عمر عرفها قال قد فعلت قال زد قال قد
فعلت قال لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها (قال الشافعي) فابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا
وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا
تقولون وابن عمر كره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل
تستحبونه وتقولون لو تركها ضاعت.

(1) قوله: للغني والمسكين، كذا في الأصل، وانظره مع بقية العبارة وحرر. كتبه مصححة.
238

باب المسح على الخفين
سألت الشافعي عن المسح على الخفين فقال يمسح المسافر والمقيم إذا لبسا على كمال الطهارة فقلت
وما الحجة؟ قال السنة الثابتة وقد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن
شعبة عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك ثم توضأ ومسح
على الخفين وصلى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه
أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك
عليه عبد الله بن عمر فقال له سعد خل أباك فسأله فقال له عمر إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما
طاهرتان فامسح عليهما قال ابن عمر وإن جاء أحدنا من الغائط؟ قال وإن جاء أحدكم من الغائط،
أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر بال في السوق ثم توضأ ومسح على خفيه ثم صلى (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال وتوضأ
ومسح على الخفين ثم صلى (قال الشافعي) فخالفتم ما روى صاحبكم عن عمر بن الخطاب وسعد بن
أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وابن شهاب فقلتم لا يمسح المقيم وقد
أخبرنا مالك عن هشام أنه رأى أباه يمسح على الخفين (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب
قال يضع الذي يمسح على الخفين يدا من فوق الخفين ويدا من تحت الخفين ثم يمسح، فقلت
للشافعي فإنا نكره المسح في الحضر والسفر قال هذا خلاف ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم
وخلاف العمل من أصحابه والتابعين بعدهم فكيف تزعمون أنكم تذهبون إلى العمل والسنة جميعا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لليهود حين افتتح خيبر (أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم) فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يبعث ابن رواحة فيخرص بينة وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي.
باب ما جاء في الجهاد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي
محمد مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال
فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل على فضمني ضمة وجدت منها
ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له ما بال الناس؟ فقال أمر الله
ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتلا له عليه بينة فله سلبه) فقمت
فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا له عليه بينة في الثالثة)
فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل
صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد
من أسد يقاتل عن الله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدق فأعطه إياه) قال أبو
قتادة فأعطانيه فبعث الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الاسلام قال مالك
239

المخرف النخيل (قال الشافعي) وبهذا نقول السلب للقاتل في الاقبال وليس للامام أن يمنعه بحال لأن
إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم السلب حكم منه وقد أعطى رسول الله السلب يوم حنين وأعطاه ببدر
وأعطاه في غير موطن. فقلت للشافعي فإنا نقول إنما ذلك على الاجتهاد من الإمام فقال تدعون ما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدل على أن هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم للقاتل
فكيف ذهبتم إلى أنه ليس بحكم؟ أو رأيتم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه أعطى من حضر
أربعة أخماس الغنيمة فلو قال قائل هذا من الإمام على الاجتهاد هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال
إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم على العام والحكم حتى تأتي دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن قوله
خاص فيتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم فأما أن يتحكم متحكم فيدعي أن قولي النبي صلى الله عليه
وسلم أحدهما ح 1 حكم والآخر اجتهاد بلا دلالة فإن جاز هذا خرجت السنن من أيدي الناس فإن قلتم
لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا إلا يوم حنين (قال الشافعي): ولو لم يقله إلا يوم حنين أو
آخر غزوة غزاها أو أولى لكان أولى ما آخذ به والقول الواحد منه يلزم لزوم الأقاويل مع أنه قد قال
وأعطاه ببدر وحنين وغيرهما وقولكم ذلك من الإمام على الاجتهاد فإن لم يكن للقاتل وكان لمن حضر
فكيف كان له أن يجتهد مرة فيعطيه ويجتهد أخرى فيعطيه غيره؟ وأي شئ يجتهد إذا ترك السنة إنما
الاجتهاد قياس على السنة فإذا لزم الاجتهاد له صار تبعا للسنة وكانت السنة ألزم له أو كان يجوز له في
هذا شئ إلا ما سن رسول الله أو أجمع المسلمون عليه أو كان قياسا عليه فقلت فهل خالفك في هذا
غيرنا؟ فقال نعم بعض الناس قلت فما أحتج به (قال الشافعي) قال إذا قال الإمام قبل لقاء العدو من
قتل قتيلا فله سلبه فهو له وإن لم يقله فالسلب الغنيمة بين من حضر الوقعة إذا أخذ خمسة فقلت
للشافعي فما كانت حجتك؟ قال الحديث الذي روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بعد تقضي
حرب حنين لا قبل الوقعة فقلت قد خالف الحديث (قال الشافعي) وأنتم قد خالفتموه فإن كان له عذر
بخلافه فهو أقرب للعذر منكم فإن قلتم تأوله فكيف جاز أن يتأول فيقول فلعل النبي إنما أعطاه إياه من
قبل أنه قال ذلك قبل الوقعة فإن قلت هذا تأويل قيل والذي قلت تأويل أبعد منه وقلت للشافعي ما
رأيت ما وصفت لك أنا أخذنا به من الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو أصح
رجالا وأثبت عند أهل الحديث أو ما سألناك عنه مما كنا نتركه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل نلقاك (قال الشافعي) عقل فيما زعمتم أنكم تتركون من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما هو
أثبت من الأكثر مما كنتم تأخذون به وأولى ففي ما تركتم مثل ما أخذتم به والذي أخذتم به ما لا يثبته
أهل الحديث فقلت مثل ماذا؟ فقال مثل أحاديث أرسلها عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
عمرو بن شعيب وغيره ومثل أحاديث منقطعة فقلت فكيف أخذت بها؟ قال ما أخذت بها إلا لثبوتها
من غير وجه من روايتكم ورواية أهل الصدق فقلت للشافعي أرجو أن أكون قد فهمت ما ذكرت من
الحديث وصرت إلى ما أمرت به ورأيت الرشد فيما دعيت إليه وعلمت أن بالعباد كما قلت الحاجة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في مذاهبنا ما وصفت من تناقضها والله أسأله التوفيق وأنا أسألك
عما روينا في كتابنا الذي قدمنا على الكتب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي)
فسل منه عما حضرك وفقنا الله وإياك لما يرضى وعصمنا وإياك بالتقوى وجعلنا نريده بما نقول ونصمت
عنه إنه على ذلك قادر (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر
صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما. فقلت للشافعي فإنا نكره للامام أن يقرأ بقريب
240

من هذا لأن هذا يثقل قال أفرأيت إن قال لكم قائل: أبو بكر يقرأ بسورة البقرة في الصبح في
روايتكم في الركعتين معا وأقل أمره أنه قسمها في الركعتين وأنك تكره هذا فكيف رغبت عن قراءة أبي
بكر وأصحابه متوافرون صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من والاسلاء وأهله بالوضع الذي هو به وقد أخبرنا
ابن عيينة عن ابن شهاب عن أنس أن أبا بكر صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة فقال له عمر
قربت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين ورويت عن عمر وعثمان تطويل القراءة وكرهتها
كلها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي عبيدة مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسي أخبره
أنه سمع قيسا يقول أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر فصلى وراء أبي بكر
المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة، سورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة
فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد
إذ هديتنا) الآية قلت للشافعي فإنا نكره القراءة في الركعتين الآخرتين والركعة الأخرى بشئ غير أم
القرآن فهل تستحبه أنت؟ فقال نعم وقال لي الشافعي فكيف تكرهونه وقد رويتموه عن أبي بكر وروى
ابن عيينة عن عمر بن عبد العزيز أنه حين بلغه عن أبي بكر أخذ به (قال الشافعي) رحمه الله: وقد
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم القرآن وسورة ويجمع
الأحيان السور في الركعة الواحدة فقلت للشافعي فهذا أيضا مما نكرهه فقال أرويتم عن ابن عمر عن
عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى فكيف كرهتم هذا وخالفتموهما معا؟ فقلت
للشافعي أتستحب أنت هذا؟ قال: نعم وأفعله.
باب ما جاء في الرقية
سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت
أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله فقلت وما الحجة في
ذلك؟ قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة
بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر أرقيها بكتاب
الله فقلت للشافعي فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ولا أعلمكم
تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل
الكتاب ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف.
باب في الجهاد
سألت الشافعي عن القوم يدخلون بلاد الحرب أيخربون العامر ويقطعون الشجر المثمر ويحرقونه
والنخل والبهائم أو يكره ذلك كله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أما كل ما لا روح فيه من شجر
مثمر وبناء عامر وغيره فيخربونه ويهدمونه ويقطعونه وأما ذوات الأرواح فلا يقتل منها شئ إلا ما كان
يحل بالذبح ليؤكل فقلت له وما الحجة في ذلك وقد كره أبو بكر الصديق أن يخرب عامرا أو يقطع
مثمرا أو يحرق نخلا أو يعقر شاة أو بعيرا إلا لمأكلة وأنت أخبرتنا بذلك عن مالك عن يحيى بن سعيد أن
241

أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي هذا من حديث مالك
منقطع وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا فقلت للشافعي وقد روى أصحابنا سوى هذا عن
أبي بكر فبأي شئ تخالفه أنت؟ فقال بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرق أموال بني
النضير وقطع وهدم لهم وحرق وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهي آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقاتل بها، فقلت للشافعي فكيف كرهت عقر ذوات الأرواح وتحريقها إلا لتؤكل؟ فقال
بالسنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها) قيل وما حقها
قال (يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيلقيه) فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في
الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الرواح (قال
الشافعي) رحمه الله (1) فقال فإنا نقول شبيها بما قلت قلت قد خالفتم ما رويتم عن أبي بكر فقد
خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه فقلت إن كان خالفه لما وصفت مما روي عن
أبي بكر لأنه رأى أنه ليس لأحد أن يخالف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا ينبغي أن
يقول أبدا يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد
لرأي نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء ولين ذلك لأحد من أهل دهرنا، سألت الشافعي عن الرجل
يقر بوطئ أمته فتأتي بولد فينكره فيقول قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي فقال يلحق به الولد
إذا أقر بالوطئ ولم يدع استبراء بعد الوطئ ولا ألتفت إلى قوله كنت أعزل عنها لأنها قد تحبل وهو يعزل
ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله فقلت فما الحجة فيما
ذكرت؟ قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال ما
بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها
فاعزلوا بعد أو اتركوا، فقلت للشافعي صاحبنا يقول لا نلحق ولد الأمة وإن أقر بالوطئ بحال حتى
يدعي الولد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال
الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم (قال الشافعي) فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم
عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خلفه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روى عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه؟ فقلت للشافعي فهل
خالفك في هذا غيرنا؟ قال نعم بعض المشرقيين قلت فما كانت حجتهم؟ قال كانت حجتهم أن قالوا
انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له
فقلت فما حجتك عليهم؟ فقال أما عمر فروي عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد
وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في
الأمة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس
منه وإنما قلت هذا فيما بينة وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه
بجهدها وعلى الإمام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا أن ولد الأمة لا يلحق إلا بدعوة حادثة وأن للرجل
بعدما يحصن الأمة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي

(1) قوله فقال فإنا نقول إلى قوله (سألت) كذا في الأصل ولا يخلو من سقط أو تحريف. فتأمله.
242

أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الأمة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد
ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به وكان الذي اعتدوا في هذا أن قالوا القياس أن لا يلحق ولكنا
استحسنا (قال الشافعي) إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس
حيث تركوا وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الأمة إلا واحد من قولين إما قولنا وإما لا يلحق
به إلا بدعوة فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف
بهم نفوا معا عنه.
باب فيمن أحيا أرضا مواتا
سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الاسلام
فهو له دون غيره ولا أبالي أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه وإعطاء
النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان فقلت فما الحجة فيما قلت؟ قال ما
رواه مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق) (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال من أحيا أرضا ميتة
فهي له (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه
(قال الشافعي) وبهذا نأخذ وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا مواتا أنها له أكثر له من
عطية الوالي، فقلت للشافعي فإنا نكره أن يحيى الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالي (قال الشافعي)
رحمه الله فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما
وأثبتم للوالي أن يعطي وليس للوالي أن يعطي أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ
ماله وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه لا تأخذ
إلا بإذن سلطان فإن قال قائل (1) للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف إلا وهو معه
خصم والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا، ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى
مستحقها وكذلك لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا
أعطاه لم يكن لأحد استحقها أخذها من يديه فأما ما كان لأحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها
أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه (قال الشافعي) وهذا التحكم في العلم
تدعون ما تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا، فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا؟
فقال ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أبا حنيفة فإني أراكم
سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبي حنيفة بخلاف السنة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن
بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) كذا في الأصل، وحرر. كتبه مصححه.
243

قال (لا ضرر ولا ضرار؟) قال ثم اتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم
جاره أن يغرز خشبه في جداره) قال ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين
أكتافكم (قال الشافعي) ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صنفه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض
فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن سلمة فأبى
محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد
بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال ابن مسلمة لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟
تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد لا فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف
فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد
الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فرويتم في هذا الكتاب عن
النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها فقلتم
في كل واحد منها لا يقضي بها على الناس وليس عليها العمل ولم ترووا عن أحد من الناس علمته
خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعني تخالف به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغي أن
يكون ذلك العمل مردودا عندنا وتخالف عمر مع السنة لأنه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه
السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا
نعرفه ما بقينا. والله أعلم.
باب في الأقضية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن
الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق
عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك قال أربعمائة درهم قال عمر أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه ليس
عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضي بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب
الناقة فقلت للشافعي بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين والأنصار (1) فإن خالفه غيره لازم لنا
فتدعون لقول عمر السنة والآثار لأن حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من
أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الأكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد
حكم بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون حكمه بالمدينة كالاجماع من
عامتهم فإن كان قضاء عمر رحمه الله عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره وإن لم يكن كما
تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير

(1) قوله فإن خالفه غيره لعله (وإن خالفه) بالواو أي هو حديث ثابت لازم لنا وإن الخ وحرر.
244

شئ رويتموه عن غيره ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا
حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لأنفسكم وكيف
أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير
هذا؟
باب في الأمة تغر بنفسها
(قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا
فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدي ولده بمثلهم قال مالك وذلك يرجع إلى القيمة قلت
للشافعي فنحن نقول بقول مالك (قال الشافعي) فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم
نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه فلم تركتم هذا ولم ترووا عن
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه؟ أرأيتم إذا اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي
الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر
أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن؟
باب القضاء في المنبوذ
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم
أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال ما حملك على أخذ هذه النسمة؟
قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال أكذلك؟ قال نعم
فقال عمر اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر
وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ
فإن كنتم تركتموه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الولاء لمن أعتق) فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن
لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم
أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق
العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم
يقول (إنما الولاء لمن أعتق) وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له فمن أجمع
على ترك السنة والخلاف لعمر فياليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله
المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟
إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى
في اللقيط عن عمر للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا نتبع
ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا
ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن
245

النبي صلى الله عليه وسلم وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول
النبي صلى الله عليه وسلم (فإنما الولاء لمن أعتق) أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن
كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه
حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه.
باب القضاء في الهبات
(قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن
مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع
فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك إن
الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها
يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا (قال الشافعي) فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها
إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته، ولو أعطى أضعافها في
مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان
كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له
نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة وكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك.
الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها قال مالك لا تنفي العبيد * فقلت
للشافعي نحن لا ننفي العبيد قال ولم؟ ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا
التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر؟ أفيجوز لأحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم
له مخالفا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لرأي نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة
وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان كذلك أخرى فإن جاز أن يكون الخيار إلى من
سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جاز لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم
الناس من العلم على شئ تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب
فقال له اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر وماذا سرق؟ قال سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما
فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم * (قال الشافعي) بهذا نأخذ لأن العبد ملك
لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا
فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لأنه لم
يسأله أتأمنونه أو لا تأمنونه قال وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه فقلتم بقطع العبد فيما سرق
لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه.
باب في إرخاء الستور
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن
246

الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب
الصداق (قال الشافعي) وروى عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما
بقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا لا يلتفت إلى
الاغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج وقال غيرهم يجب المهر بإغلاق
الباب وإرخاء الستور وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وأن عمر قال ما ذنبهن؟ إن جاء العجز من
قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من
عدة تعتدونها) وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني
بالدخول ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في
البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس وعمر يدين ثم يقضي بالمهر وإن لم يدع
المسيس لقوله ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والارخاء إذا لم تدع
المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم إذا كان استمتع بها سنة حتى
تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة؟ ومن حد لكم إيلاء الثياب؟ وإن بليت الثياب قبل السنة
فكيف لم يجب المهر؟ أرأيت إن قال إنسان إذا استمتع بها يوما وقال آخر يومين وقال آخر شهرا وقال
آخر عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان
انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع
أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان فإن قلتم إنما يؤجل
العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام
معها قبل ذلك دهرا.
باب في القسامة والعقل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك
أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال
عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم أتحلفون بالله خمسين يمنا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان
فقال للآخرين احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين (قال الشافعي)
فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من
الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن كنتم ذهبتم إلى ما
ذهبنا إليه من أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم
يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما
كان شئ من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد
كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دم عمد فنتبع ما
247

حكم به النبي صلى الله عليه وسلم كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد
منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي صلى الله عليه
وسلم ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن تختلف
أقاويلكم.
باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى
عمر بن الخطاب أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قضى عمر في الأضراس ببعير بعير
وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب فالدية تنقص في قضاء
عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء * فقلت
للشافعي فإنا نقول في الأضراس خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف
وإنما فيها حكومة باجتهاد قال فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الأضراس خمس
خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السن خمس كانت الضرس سنا قال فهذا
كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس مما أقبل من
الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي صلى الله
عليه وسلم فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأن توجه لغيره أن لا يكون خلاف
قول النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا
لقول غيره فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم مرة وتتركوا قول النبي صلى الله عليه
وسلم لقول عمر مرة فهذا ما لا يجهل عالم أنه ليس لأحد إن شاء الله. قال وخالفتم عمر في الترقوة
والضلع فقلتم ليس فيهما شئ مؤقت (قال الشافعي) وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لأنه لم يخالفه واحد
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمته فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه (قال الشافعي)
وروى مالك عن سعيد أنه روى عن عمر في الأضراس بعير بعير وعن معاوية خمسة أبعرة وقال فيهما
بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من
الحديث وكنتم تخالفون عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن
علم وتحتجون بقوله في شئ وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة
لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الأشياء إنما
الاجماع عندهم فيما يوجد الاجماع فيه عند غيرهم وأن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع
بالمدينة الديات لأن ابن طاوس قال عن أبيه ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم من عقل وصدقات
فإنما نزل به الوحي وعمر من الاسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم
ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم
تقبلون العلم إلا عن أنفسكم.
248

باب في النكاح
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم
يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت (قال
الشافعي) وقد خالفتم هذا وقلتم النكاح مفسوخ ولا حد عليه فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم يعني
لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي.
باب ما جاء في المتعة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن
الخطاب فقالت إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال
هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يشبه قوله في الأول ومذهب
عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح
فيدرأ عنهم بالاستحلال أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم
وحملهم على حكمه وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال يستحل قوم الدينار بالدينارين يدا بيد
فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة
ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام
أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك وإنما يكون ذلك لزوجها
غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه
غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها، فقلت للشافعي
فإنا نقول بقول مالك وسألت عن قوله في ذلك فقال إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على
وليها لأنه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه
بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع
بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم؟ قال ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو
ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولي لأنه قد
أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف
عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته
حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه
الرجل فسلم عليه فقال من أنت؟ فقال أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر أنشدك برب هذه
البنية هل أردت بقولك حبلك على غاربك الطلاق؟ فقال الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما
صدقتك أردت الفراق فقال عمر هو ما أردت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فبهذا نقول وفيه دلالة
على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم
يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الأغلب من الكلام على رجل أحتمل غير الأغلب فخالفتم عمر
في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد.
249

باب في المفقود
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال
أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا قال والحديث
الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة فإذا
تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول
المفقود بالخيار بين امرأته والمهر ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم
تخالفون ما روي عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الأول فيها خيار هي من
الآخر، فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي
قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت
الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن
يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا أرأيت إن قال لك قائل آخذ بالذي
تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة عليه إلا أن يقال من جعل قوله غاية ينتهي إليها أخذ بقوله
كما قال فأما قولك فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لأنك
تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها (قال الربيع) لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لأن
الله قال (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) فجعل على المتوفي عدة، وكذلك جعل على المطلقة
عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهي معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال (إن الشيطان ينقر
عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)
فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج
بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبي طالب.
باب في الزكاة
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام
قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه
أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وأرددها عليهم قال مالك يعني ردها إلى فقرائهم
(قال الشافعي) وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس
شاتين أو عشرة أو عشرين درهما، فقلت للشافعي فإنا نقول لا تؤخذ في الخيل صدقة لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) (قال الشافعي) فقد رويتم وروى غيركم
عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشئ رويتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهكذا فاصنعوا في
كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وأنكم لتخالفون ما جاء
عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما هو أبين من هذا وتعلمون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا
يخالفه وتقولون لا يخفي على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم ولو شاء
رجل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة إذا كان فرسه مربوطا
250

له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين ولو
ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم جملة وجملة كل شئ عليه فهكذا فاصنعوا في كل شئ ولا تختلف أقاويلكم إن شاء الله.
باب في الصلاة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له ما قرأت قال
فكيف كان الركوع والسجود قالوا حسنا قال فلا بأس، قلت للشافعي فإنا نقول من نسي القراءة في
الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزئ صلاة إلا بقراءة قال فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين
والأنصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون
إجماعا منه ومن المهاجرين والأنصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه
فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة إلا بقراءة) فينبغي أن تذهبوا في كل
شئ هذا المذهب فإذا جاء شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تدعوه لشئ إن خالفه غيره كما قلتم
ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لأنه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا
والنسيان موضوع كما أن نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة
فلم تقولوه وصرتم إلى جملة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من
المهاجرين والأنصار لجملة حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان؟
باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج
سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الاحرام فقال لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي
المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له ما الحجة فيه؟ فقال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد
بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن ربيعة ابن عبد الله أنه رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا فقلت
للشافعي فإن صاحبنا يقول لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا
أو حلمة من بعير قال وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره؟
فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الاسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن
تقلدوه (قال) وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر فإذا تركتم ما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلي ابن عمر
فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما
هويتم وهذا ما لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره
فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر
خاص الفقه (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى
251

يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل
ثناؤه (ثم محلها إلى البيت العتيق) فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت
(قال) وقال مالك من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شئ إلا أن يكون قريبا
فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول
صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس (من نسي من نسكه
شيئا فليهرق دما) وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده (من نسي من نسكه شيئا فليهرق
دما) ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن.
باب ما جاء في الصيد
سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله
من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول (فجزاء مثل ما قتل من النعم) والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد
فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش
وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت للشافعي فإنا نخالف ما روينا عن عمر في
الأرنب واليربوع فيقول لا يفديان بجفرة ولا بعناق (قال الشافعي) هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله
عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في
تنزيل الكتاب شئ يحتاج إلى تأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم
المثل أبدا فماله مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به
وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين
وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في
كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة
وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته
والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة
فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية (قال الشافعي) فتصيرون إلى
قول عمر في النهي عن الطيب قبل الاحرام وتتركون فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وتصيرون
إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تخالفون
عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم عثمان وابن مسعود ومن التابعين عطاء وأصحابه (قال الشافعي) وقد جهدت أن أجد
أحدا يخبرني إلى أي شئ ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا
يزيدني على أن ابن عمر قال الضحايا والبدن والثني فما فوقه (قال الشافعي) وأنتم أيضا تخالفون في
هذا لأن قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم
تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه
252

أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله (قال
الشافعي) وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه
في هذا شئ يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن عمر
وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل فجزاء الصيد ضحايا قلنا معاذ الله أن
يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد (1) والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها
تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن
قال قائل فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من
شاة؟ فإن قال لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج؟ فإن قال بلى قيل
أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه
هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة؟ فإن قال بلى: قيل فكما تحكم لمالك الصيد على رجل
لو قتله بالبدن منه؟ فإن قال نعم قيل فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن
قال نعم قيل أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدي التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال قد يفترقان قيل
أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال؟ فإن قال
نعم قيل فإذا كان هذا بدلا لشئ أتلف فكان على أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن
أعطى دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة؟ (قال الشافعي) فإن قال
فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل فمن قال لك إن شيئا يكون بدلا
من شئ فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو
أعلى منها وإذا كان شئ دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله على بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية
فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية؟ قيل نعم فكما
يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا
أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم على في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم على وافيا
فمثلت الصيد الصغير مرة بالانسان الحي يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم
الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الانسان الحر فلا يفرق بين قيمته
منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الانسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على
المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا بغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال ما معنى
قول الله (هديا) قلت الهدي شئ فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من
مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية
على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها؟ قلت نعم كما يجوز أن تتصدق
بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست
بدلا من شئ (قال الشافعي) وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما
فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عبد

(1) قوله: والبدل يكون الخ كذا في النسخة ولا يخفى ما فيه ولعل أصل العبارة (والبدل منه ما يكون بقرة مثله
وأرفع وأخفض منها إلى التمرة والتمرتين وذلك الخ) وذلك الخ تأمل. كتبه مصححه.
253

الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى
فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن
مسعود حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن
عثمان قضى في أم حيين بحلان من الغنم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال
خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر:
أحكم فيه فقال: أنت خير مني - يا أمير المؤمنين - وأعلم فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم
آمرك أن تزكيني فقال أربد أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذاك فيه (قال الشافعي) لا
أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى
المشرقيون عن علي لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال
المشرقيون - لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي
توفى عنها زوجها يقينا فقلتم عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم وعلى عالم بكتاب الله وأنتم لا
تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته
فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط؟ قلتم لا يقال لما روي عن عمر لم؟ ولا كيف؟ ولا
يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء
وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال من أصاب ولد ظبي
صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو
مريضا فداه بمريض وأحب إلى لو فداه بواف (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير
عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق
إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعالى نحكم أنا وأنت
فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال هذا عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي) أخبرنا
الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي قلت
للشافعي فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول. (قال
الشافعي) وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى
قول غير أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول
الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم؟ قال ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس
فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد
منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد
والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة
فإن قال قائل فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال ومن أين؟ قيل
تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شئ لا يزاد فيها
ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه
يقول (فجزاء مثل ما قتل من النعم) فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله
أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول عمر لرأي أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي)
254

أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال عليهم كلهم جزاء واحد (قال
الشافعي) أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم قال سئل ابن عباس عن نفر أصابوا
صيدا قال عليهم جزاء قيل على كل واحد منهم جزاء؟ قال إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء
واحد. والله أعلم.
باب الأمان لأهل دار الحرب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك إنه بلغه إن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان
بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول
لا تحلف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال
مالك وليس هذا بالأمر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك (قال الشافعي)
قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه علمناه
وأما قوله ليس هذا بالأمر المجتمع عليه فليس في مثله هذا اجتماع وهو لا يروي شيئا يخالفه ولا يوافقه
فأين الاجماع فيما لا رواية فيه؟ فإن كان ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مسلم
بكافر) وهذا كافر لزمه إذا جاء شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لأحد.
باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه
سألت الشافعي أيخمر المحرم وجهه؟ فقال نعم ولا يخمر رأسه وسألته عن المحرم يصطاد من أجله
الصيد قال لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه فقلت وما الحجة؟ فقال أخبرنا مالك عن
عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف
وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتى بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا ألا تأكل
أنت؟ قال إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي فقلت إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه
صاحبنا ويروي فيه عن ابن عمر أنه قال ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت
ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير
الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من
هذا كله؟ قلت وما هو؟ قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون
وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه
وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغي عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل
وبدلالة السنة وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ
صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر إن التبرؤ
يبرئه مما علم لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة (1) عن قضاه

(1) كذا في النسخة بدون نقط ولعله محرف وأصله قد قضاه بين الخ وحرر. كتبه مصححه.
255

بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما
وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول
عامة المفتين بالبلدان * فقلت للشافعي فإنا نقول ما فوق الذقن من الرأس قال الشافعي ينبغي أن يكون
من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإني أراك تكثر أن تكلم بغير روية فقلت
وما ذلك؟ فقال وما تعني بقولك وما فوق الذقن من الرأس؟ أتعني أن حكمه حكم الرأس في
الاحرام؟ فقلت نعم فقال أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة أن تخمر رأسها فقلت لا قال.
أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره؟ فقلت نعم قال أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما
فوق الذقن من وجهه؟ فقلت لا فقال لي الشافعي وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال اغسلوا
وجوهكم فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه وقال (امسحوا برءوسكم) فكان
الرأس غير الوجه فقلت نعم قال وقولك لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب
على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك
تعرفها فاتق الله وأمسك عن أن تقول بغير علم ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم
يصمت وذلك أنه (قال فيما نرى) يعلم أنه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به *
قلت للشافعي فمن أين قلت أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه؟ فقال لأن الله جل
ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله فقال عز وجل (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
النعم) فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن
على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود فإن الله قضى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال ولما كان
الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز
أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه وإنما
نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لأنه لم يحدث بعدها قتلا يوجب
فدية قلت إن الأكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية لذلك قال وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة
ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شئ من هذا وهو آثم بالأكل والفدية في الصيد إنما تكون
بالقتل * فقلت للشافعي فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل
لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لأنه مال لغيره أطعمه
إياه ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه فإن كانت لنا عليه
حجة بخلاف بعض الحديث فهي لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول وإن زل عندنا ولستم
والله يعافينا وإياكم تعرفون كثيرا مما تقولون أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر
أو عبد فقتله المعطى كان على المعطى عقل أو قود؟ قال لا ولكنه مسئ آثم بتقوية القاتل قلت وكذلك
لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال نعم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أفلا ترى هذا أولى أن
يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله؟ فإذا قلت إنما جعل العقل
والقود بالقتل فهذا غير قاتل (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري قال كان الرجل
يضحى بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة.
256

باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين
فقلت للشافعي ما لغو اليمين؟ قال الله أعلم إما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة (قال
الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لغو اليمين قول الانسان لا والله
وبلى والله، فقلت للشافعي وما الحجة فيما قلت؟ قال الله أعلم اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود
عليه وجماع اللغو يكون الخطأ (قال الشافعي) فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الانسان على الشئ
يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه (قال الشافعي) وهذا ضد اللغو هذا هو الاثبات في
اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)
ما عقدتم ما عقدتم به عقد الأيمان عليه ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه
عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لأنها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال فخالفتموها فيه إلى قول عمر.
باب في بيع المدبر
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة
دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسئ ملكتها
فبيعت قال فخالفتموها فقلتم لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها.
باب ما جاء في لبس الخز
فقلت للشافعي فما تقول في لبس الخز؟ قال لا بأس به إلا أن يدعه رجل ليأخذ بأقصد منه فأما
لأن لبس الخز حرام فلا (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها
كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه (قال الشافعي) وروينا أن القاسم دخل عليها في
غداة بادرة وعليه مطرف خز فألقاه عليها فلم تنكره، فقلت للشافعي فإنا نكره لبس الخز فقال أو ما
رويتم هذا عن عائشة؟ فقلت بلى فقال لأي شئ خالفتموها ومعها بشر لا يرون به بأسا فلم يزل القاسم
يلبسه حتى بيع في ميراثه فيما بلغنا فإذا شئتم جعلتم قول القاسم حجة وإذا شئتم تركتم ذلك على عائشة
والقاسم ومن شئتم والله المستعان.
باب خلاف ابن عباس في البيوع
(قال الشافعي) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت ابن
عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس تلك الورق بالورق
وكره ذلك قال مالك وذلك فيما نرى لأنه أراد بيعها من صاحبه الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي
ابتاعها به ولو باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به وليس هذا قول ابن عباس ولا
257

تأويل حديث (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن
عباس قال أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن
عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله (قال الشافعي) وبقول ابن عباس نأخذ لأنه إذا باع شيئا
اشتراه قبل أن يقبضه فقد باع مضمونا له على غيره وأصل البيع لم يبرأ إليه منه وأكل ربح ما لم يضمن
وخالفتموه فأجزتم بيع ما لم يقبض سوى الطعام من غير صاحبه الذي اتبع به (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى ولا أعلم بين صاحبه الذي ابتيع منه وغيره فرقا لئن لم يكن ذلك فهل الحجة عليه إلا أن يقال
مخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم عام فلا يصلح أن يكون خاصا فكيف نهى عنه ابن عباس وأنتم لا
تروون خلاف هذا عن أحد علمته وعن ابن عباس أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء
فماتت قبل أن تقضي فأمر ابنتها أن تمشي عنها.
فقلت للشافعي فإنا نقول لا يمشي أحد عن أحد (قال الشافعي) أحسب ابن عباس إنما ذهب إلى
أن المشي إلى قباء نسك فأمرها أن تنسك عنها وكيف خالفتموه ولا أعلمكم رويتم عن أحد أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
باب
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
عباس أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة (قال
الشافعي) وبهذا نأخذ قال مالك عليه عمرة وبدنة وحجة تامة ورواه عن ربيعة فترك قول ابن عباس
بخبر ربيعة ورواه عن ثور بن يزيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس (قال الشافعي) وهو سئ القول
في عكرمة لا يرى لأحد أن يقبل حديثه وهو يروي سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه وعطاء ثقة
عنده وعند الناس قال والعجب له أن يقول في عكرمة ما يقول ثم يحتاج إلى شئ من علمه يوافق قوله
ويسميه مرة ويروي عنه ظنا ويسكت عنه مرة فيروي عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع
وذبائح نصارى العرب وغيره وسكت عن عكرمة وإنما حدث به ثور عن عكرمة وهذا من من الأمور
التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها فيأخذ بقول ابن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق
دما فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى هل رأى أحد قط تم
حجة يعمل في الحج بشئ ما لا ينبغي له فقضاه بعمرة فكيف يعتمر عنده وهو في بقية من حجه؟
فإن قلتم نعمره بعد الحج فكيف يكون حج قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الاسلام وقد خرج من
إحرامه في الحج ثم نقول أحرم بعمرة عن حج ما علمت أحدا من مفتي الأمصار قال هذا قبل ربيعة
إلا ما روي عن عكرمة. وهذا من قول ربيعة عفا الله عنا وعنه ومن ضرب من أفطر يوما من رمضان
قضى باثني عشر يوما ومن قبل امرأته وهو صائم أعتكف ثلاثة أيام وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها
قال والعجب لكم وأنتم لا تستوحشون من الترك على ربيعة ما هو أحسن من هذا فكيف تتبعونه فيه.
باب خلاف زيد بن ثابت في الطلاق
سألت الشافعي عن الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق نفسها ثلاثا فقال القول قول الزوج فإن قال
258

إنما ملكتها أمرها في واحدة لا في ثلاث كان القول قوله وهي واحدة وهو أحق بها فقلت له ما الحجة
في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه
أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد ما
شأنك؟ فقال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أحق
بها، فقلت للشافعي فإنا نقول هي ثلاث إلا أن يناكرها وروى شبيها بذلك عن ابن عمر ومروان بن
الحكم (قال الشافعي) ما أراكم تبالون من خالفتم فإن ذهبتم إلى قول ابن عمر ومروان دون قول زيد
فبأي وجه ذهبتم إليه فهل يعدو المملك امرأته أمرها إذا طلقت نفسها ثلاثا أن يكون أصل التمليك
إخراج جميع ما في يده من طلاقها إليها فإذا طلقت نفسها لزمه ولم تنفعه مناكرتها أو لا يكون إخراج
جميعه فيكون محتملا لاخراج الجميع والبعض فيكون القول قوله فيه وإذا كان القول قول الزوج فلو
ملكها واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن لها أن تطلق إلا واحدة وأسمعكم إذا اخترتم - والله يغفر لنا
ولكم - لا تعرفون كيف موضع الاختيار وما موضع المناكرة فيه إلا ما وصفت. والله أعلم.
باب في عين الأعور
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سليمان
بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا أطفئت أو قال بخقت بمائة دينار قال مالك ليس
بهذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شئ مؤقت (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن أنس بن مالك كبر حتى
لا يقدر على الصيام فكان يفتدي وخالفه مالك فقال ليس عليه بواجب (قال الشافعي) أخبرنا مالك
عن ربيعة عن أبي بكر بن حزم أنه كان يصلي في قميص فقلت إنا نكره هذا فقال كيف كرهتم ما
استحب أبو بكر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت
عبد الرحمن أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن
القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة قوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة قال
مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائط فلا بأس أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث
الثمر لا يجاوزه (قال الشافعي) أيضا يروي عن القاسم وعمرة الاستثناء ولم يرو عنهما حد الاستثناء ولو
جاز أن يستثني منه سهما من ألف سهم ليجوز تسعة أعشاره وأكثر ولا أدري من اجتمع لكم على هذا
والذي يروي خلاف ما يقول (قال الشافعي) ولا يجوز الاستثناء إلا أن يكون البيع واقعا على شئ
والمستثنى خارج من البيع وذلك أن يقول أبيعك ثمر حائطي إلا كذا وكذا نخلة فيكون النصف خارجا
من البيع أو أبيعك ثمره إلا نصفه أو إلا ثلثه فيكون ما استثنى خارجا من البيع (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن ربيعة أن رجلا أتى القاسم فقال إني أفضت وأفضت معي بأهلي فعدلت إلى شعب فذهبت
لأدنو منها فقالت امرأتي لم أقصر من شعر رأسي بعد فأخذت من شعر رأسها بأسناني ثم وقعت بها قال
فضحك القاسم ثم قال فمرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين (قال الشافعي) وهذا كما قال القاسم إذا قصر
من رأسها بأسنانه أجزأ عنها من الجلمين قال مالك يهريق دما وخالف القاسم لقول نفسه (قال
الشافعي) أخبرنا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين القاسم يرمي جمرة العقبة؟ قال من
حيث تيسر قال مالك لا أحب أن يرميها إلا من بطن المسيل ولم يرو فيها خلافا عن أحد.
259

باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر
في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك
من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون للتجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص
فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقص من عشرين دينارا ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها
شيئا ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارا دينارا
فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا
واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول (قال الشافعي) ويقول عمر نأخذ لا يؤخذ منهم إلا
مرة في الحول وخالفتموه إن اختلفوا في السنة مرارا وخالفتم عمر بن عبد العزيز في عشرين دينارا إن
نقص ثلث دينار فأخبرت عنه أنه قال إن جازت جواز الوازنة أخذت منه الزكاة ولو نقصت أكثر وإن لم
تجز جواز الوازنة وهي تنقص ثلث دينار أو أكثر أو أقل لم يؤخذ منها زكاة وزعمتم أن الدراهم إن نقصت
عن مائتي درهم وهي تجوز جواز الوازنة أخذت منها الزكاة (قال الشافعي) لسنا نقول بهذا إذا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) فهو كما قال رسول الله صلى لله عليه
وسلم فلو نقصت حبة لم يكن فيها صدقة لأن ذلك دون خمس أواق وأنتم لم تقولوا بحديث النبي صلى
الله عليه وسلم الذي روى ليس فيما دون خمس أواق صدقة وهو سنة ولا بقول عمر بن العزيز (قال
الشافعي) أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال فيه العشر وخالفه مالك فقال لا يؤخذ
العشر إلا من زيته وجواب ابن شهاب على حبه (قال الشافعي) أخبرنا مالك أن عمر بن عبد العزيز
كتب إنما الصدقة في العين والحرث والماشية قال مالك لا صدقة إلا في عين أو حرث أو ماشية وقال
مالك في العرض الذي يدار صدقة (قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن أن سعيدا يعني ابن
المسيب وسليمان بن يسار سئلا هل في الشفعة سنة؟ فقالا جميعا نعم الشفعة في الدور والأرضين ولا
تكون الشفعة إلا بين القوم الشركاء (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وتأخذون في الجملة وفي هذا يعني أن
تكون الشفعة إلا فيما كانت له أرض فإنه يقسم وقد روى مالك عن عثمان أنه قال لا شفعة في بئر ولا
فحل نخل وقال مالك لا شفعة في طريق ولا عرصة دار، وإن صلح فيها القسم وقال فيمن اشترى
شقصا من دار أو حيوان، أو عرض الشفعة في الشقص بقدر ما يصيبه من الثمن، ثم خالفتم معنى هذا
في المكاتب، فجعلتم نجومه تباع وجعلتموه أحق بما يباع منه بالشفعة.
باب خلاف سعيد وأبي بكر في الايلاء
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد يعني ابن المسيب وأبي بكر بن عبد
الرحمن أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها
الرجعة ما كانت في العدة وقال مالك إن مروان كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا
مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما كانت في العدة قال مالك وعلى ذلك رأي ابن
شهاب (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب أنه سئل عن المرأة
260

يطلقها زوجها في بيت بكراء على من الكراء؟ فقال سعيد على زوجها قال فإن لم يكن عند زوجها؟
قال فعلى الأمير.
باب في سجود القرآن
سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال فيها سجدتان فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال
أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج
سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري
عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية بسورة الحج فسجد فيها
سجدتين، فقلت للشافعي فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة (قال الشافعي) فقد خالفتم ما رويتم
عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فكيف تتخذون قوله عمر وحده حجة وابن عمر وحده حجة حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبنون
عليهما عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأي أنفسكم هل تعلمون يستدرك على أحد قول العورة فيه
أبين منها فيما وصفت من أقاويلكم، وسألت الشافعي عما روى صاحبنا وحده في المحصب فقال أخبرنا
مالك عن ابن عمر قال كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل
فيطوف بالبيت، قلت للشافعي نحن نقول لا ينبغي لعالم أن يفعله (قال الشافعي) ما على العالم من
النسك ما ليس على غيره قلت هو العالم والجاهل (قال الشافعي) فإن تركاه؟ قلت: لا فدية على
واحد منهما، قال ولكنكم من أصل مذهبكم أن من ترك من نسكه شيئا أهراق دما فإن كان نسكا
فقد تركتم أصل قولكم وإن كان منزل سفر لا منزل نسك فلا تأمر عالما ولا جاهلا أن ينزله.
باب غسل الجنابة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه
الماء قال مالك ليس عليه العمل (قال الشافعي) هذا ما تركتم على ابن عمر ولم ترووا عن أحد خلافه
فإذا وسعكم الترك على ابن عمر لغير مثله لم يجز لكم أن تقولوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه
لأنفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز تركه لأنفسكم.
باب في الرعاف
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم
يتكلم (قال الشافعي) فمالك روى عن ابن المسيب وابن عباس مثله (قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد
بن عبد العزيز عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يقول من أصابه رعاف أو من
وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور بن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه إنما
يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروي عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في
الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك، لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن
المسيب في رواية غيركم أنه يبني في المذي وزعمتم أنكم لا تبنون في المذي.
261

باب الغسل بفضل الجنب والحائض
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن
حائضا أو جنبا قال مالك لا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض، قلت للشافعي أنت تقول بقول
مالك؟ قال نعم ولست أرى قول أحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة إنما تركته لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يغتسل وعائشة فإذا اغتسلا معا كان كل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه وأنتم
تجعلون قول ابن عمر حجة على السنة وتجعلون سنة أخرى حجة عليه إن كنتم تركتموه على ابن عمر
فلعلكم لا تكونون تركتموه عليه إلا بشئ عرفتموه.
باب التيمم
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل
فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن عجلان
عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمربد الغنم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد
العصر، قلت للشافعي فإنا نقول إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل
آخر الوقت وصلى ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذا
خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وقد تيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شئ صالح فلم
يعد الصلاة فكيف خالفتموه في الأمرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه
غيركم كنتم شبيها أن تقولوا تخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم تخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن
يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه.
باب الوتر
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع قال كنت مع ابن عمر بمكة والسماء متغيمة فخشي ابن
عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (قال الشافعي) وأنتم تخالفون
ابن عمر من هذا في موضعين فتقولون لا يوتر بواحدة ومن أوتر لا يشفع وتره ولا أعلمكم تحفظون عن
أحد أنه قال لا يشفع وتره فقلت للشافعي ما تقول أنت في هذا؟ قال بقول ابن عمر أنه يوتر بركعة،
قلت أفتقول يشفع وتره؟ فقال لا فقلت وما حجتك فيه؟ قال روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر
أن يشفع وتره وقال إذا أوترت فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا
حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر.
باب الصلاة بمنى والنافلة في السفر
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا
262

صلى لنفسه صلى ركعتين (قال الشافعي) هذا يدل على أن الإمام إذا كان من أهل مكة صلى بمنى
أربعا لأنه لا يحتمل إلا هذا أو يكون الإمام من غير أهل مكة يتم بمنى لأن الإمام في زمان ابن عمر من
بني أمية وقد أتموا بإتمام عثمان قال وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر
لأن صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه (قال الشافعي) وبهذا نقول وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن
عمر لغير رأي أحد رويتموه يخالف ابن عمر بل مع ابن عمر فيه غيره من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم يوافقه وتخالفونه ابن مسعود عاب إتمام الصلاة بمنى ثم قام فأتمها فقيل له في ذلك فقال
الخلاف شر ولو كان ذلك يفسد صلاته لم يتم وخالف فيه ولكنه رآه واسعا فأتم، وإن كان الفضل
عنده في القصر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في
السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل (قال الشافعي) ومعروف عن ابن عمر عيب النافلة في
النهار في السفر قال مالك لا بأس بالنافلة في السفر نهارا، قال فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا
فقال الشافعي كيف خالفتم ابن عمر واستحببتم ما كره ولم أعلمكم تحفظون فيه شيئا يخالف هذا يدل
على أن إحتجاجكم بقول ابن عمر استتار من الناس لأنه لا ينبغي لأحد أن يخالف الحجة عنده.
باب القنوت
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت في شئ من الصلوات (قال
الشافعي) وأنتم ترون القنوت في الصبح (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه
(الشك من الربيع) أنه كان لا يقنت في شئ من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة
الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته (قال الشافعي) وأنتم تخالفون عروة فتقولون يقنت
بعد الركوع فقلت للشافعي فأنت تيقنت في الصبح بعد الركوع؟ فقال نعم لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قنت ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قلت فقد وافقناك قال أجل من حيث لا تعلمون وموافقتكم في
هذا حجة عليكم في غيره فقلت من أين؟ قال أنتم تتركون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الحج عن الرجل بقياس على قول ابن عمر وتقولون لا يجهل ابن عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت للشافعي قد يذهب على ابن عمر بعض السنن ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها فقال الشافعي
أو يخفى عليه القنوت والنبي صلى الله عليه وسلم يقنت عمره وأبو بكر أو يذهب عليه حفظه؟ فقلت
نعم (قال الشافعي) أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم تروون عنه إنكار القنوت ويروي غيركم من المدنيين
القنوت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فهذا يبطل أن العمل كما تقول في كل أمر ويبطل قولكم
لا يخفى على ابن عمر سنة وإذا جاز عليه أن ينسى أو يذهب عليه ما شاهد كان أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها من العلم من هذا أولى أن يذهب عليه ولا يجعل قوله حجة على ألسنة
وأنها عليك في رد الحديث زعمت أن يكون لا يذهب على ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن
نافع عن ابن عمر في التشهد (قال الشافعي) وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة
وعلم العامة مختلف فيه بالمدينة تخالف فيه ابن عمر وعمر وعائشة فأين الاجتماع والعمل ما كان ينبغي
لشئ أن يكون أولى أن يكون مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث
مختلفة كلها حديثا منها يخالفان (3) فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم تخالف فيها ابنه وعائشة
263

فكيف إذا ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم ثم قال أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز ادعاء
الاجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت الأحاديث ردا
لإجازته.
باب الصلاة قبل الفطر وبعده
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة وبعدها
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أن أباه كان يصلي قبل يغدو إلى المصلى أربع
ركعات (قال الشافعي) والذي يروي الاختلاف فأين الاجماع إذا كانوا يختلفون في مثل هذا من
الصلاة وما تقولون أنتم قالوا لا نرى بأسا أن يصلي قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) فإذا خالفتم ابن
عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر في هذا لقول الرجل من التابعين أيجوز لغيركم خلافه لقول رجل من
التابعين أو تضيقون على غيركم ما توسعون على أنفسكم فتكونون غير منصفين ويكون هذا غير
مقبول من أحد ويجوز أن تدع على ابن عمر لرجل من التابعين ولرأي صاحبك وتجعل قول ابن عمر
حجة على السنة في موضع آخر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف
بشئ خالفتموه فيه ومالك يقول لا أراه حكى إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن أبي ذئب يرويه
عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك فيه (قال الشافعي) فإذا
تركتم على ابن عمر رأيه وروايته في صلاة الخوف بحديث يزيد بن رومان عن النبي صلى الله عليه وسلم
فكيف تتركون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت من حديث يزيد بن رومان لرأي ابن عمر ثم
تدعون حديث يزيد بن رومان لقول سهل ابن أبي حثمة فتدعون السنة لقول سهل فما أعرف لكم في
العلم مذهبا يصح والله المستعان.
باب نوم الجالس والمضطجع
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ (قال
الشافعي) وهكذا نقول وإن طال ذلك لا فرق بين طويلة وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الأرض
ونقول إذا كان مضجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر أنه قال من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه. فقلت للشافعي
فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) ولا يجوز في
النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع قليله وكثيره سواء أو خارجا من ذلك الحكم فلا ينقض
الوضوء قليله ولا كثيره. فقلت للشافعي فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوؤه وإن تطاول ذلك
توضأ (قال الشافعي) فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره والخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر
كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقول الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس
فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال في
السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعى للجنازة فمسح على خفيه ثم صلى
264

قلت للشافعي فإنا نقول لا يجوز هذا إنما يسمح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف فقال الشافعي
إني لأرى خلاف ابن عمر عليكم خفيفا لرأي أنفسكم لا بل لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا
يخالف قول ابن عمر وإن جاز زلل ابن عمر عندكم وإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم فلم تكلفتم
الرواية عن غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم لا حجة.
باب إسراع المشي إلى الصلاة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى
المسجد (قال الشافعي) وكرهتم زعمتم إسراع المشي إلى المسجد فقلت للشافعي نحن نكره الاسراع إلى
المسجد إذا أقمت الصلاة (قال الشافعي) فإن كنتم كرهتموه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم
الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة) فقد أصبتم وهكذا ينبغي لكم في كل
أمر لرسول الله فيه سنة فأما أن قياسا قول ابن عمر ويخطئ القياس عليه حجة على أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر امرأة تحج عن أبيها ورجلا يحج عن أبيه فقال (لا يحج أحد عن أحد) لأن ابن عمر
قال (لا يصلي أحد عن أحد) فكيف يجوز لمسلم أن يدع ما يروي رسول الله إلى ما يروى عن غيره ثم
يدعه لقياس يخطئ فيه وهو هنا يصيب في ترك ما روي عن ابن عمر إذ روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم خلافه ثم يزيد فيخرج إلى خلاف ابن عمر معه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا
الموضع.
باب رفع الأيدي في التكبير
سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه
وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود فقلت للشافعي
فما الحجة في ذلك؟ فقال أخبرنا هذا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثل قولنا فقلت فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن
ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع عن الركوع رفعهما كذلك وهو يرى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من لركوع
رفعهما كذلك ثم خالفتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمر فقلتم لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة
وقد رويتم عنهما أنهما رفعا في الابتداء وعند الرفع من الركوع (قال الشافعي) أفيجوز لعالم أن يترك على
النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر لرأي نفسه أو على النبي صلى الله عليه وسلم لرأي ابن عمر ثم
القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر ويصيب فيه يترك على ابن عمر لما روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض؟ أرأيت إن جاز له أن يروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا وعن ابن عمر فيه اثنتين ويأخذ بواحدة ويترك واحدة أيجوز
لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك أو يجوز لغيره تركه عليه؟ (قال الشافعي) لا يجوز له ولا لغيره
ترك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال ما معنى رفع الأيدي (قال
265

الشافعي) هذه الحجة غاية من الجهل معناه تعظيم الله واتباع السنة معنى الرفع في الأول معنى الرفع
الذي خالف فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه
روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معا لغير قول واحد روى عنه رفع الأيدي في الصلاة
تثبت روايته يروى ذلك عن رسول الله ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ويروى عن أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم من غير وجه فقد ترك السنة.
باب وضع الأيدي في السجود
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع
عليه وجهه قال ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس له (قال الشافعي) وبهذا
نأخذ وهذا يشبه سنة النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه
عن ابن عباس قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبع فذكر منها كفيه وركبتيه (قال
الشافعي) ففعل في هذا بما أمر به ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فأفضى بيده إلى الأرض وإن كان
البرد شديدا كما يفضي بجبهته إلى الأرض فإن كان فبهذا كله نقول وخالفتم هذا عن ابن عمر حيث وافق
سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقلتم لا يفضي بيديه إلى الأرض في حر ولا برد إن شاء الله.
باب من الصيام
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا
خافت على ولدها فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة قال مالك وأهل العلم يرون
عليها من ذلك القضاء قال مالك عليها القضاء لأن الله عز وجل يقول (فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر) (قال الشافعي) وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم ويتأول في
خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لأن الحامل
ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغي أن يجعل
قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي صلى الله عليه وسلم ويخطئ
القياس فيقول حين قال ابن عمر لا يصلي أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر
وترك قول النبي صلى الله عليه وسلم له (1) وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان؟ فقال عليه
القضاء ولا كفارة عليه ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه ولا كفارة فقلت وما الحجة في ذلك؟ فقال
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فليس
عليه القضاء. فقلت للشافعي فإنا نقول ذلك من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه (قال الشافعي)
فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت فقال الخطب يسير وقد

(1) قوله: وكيف جاز أن يترك من استقاء الخ كذا في النسخة وفيه سقط ولعل أصل العبارة (وكيف جاز أن
يتركه وسألت الشافعي عن استقاء الخ) وبعد ذلك ففي بقية الباب ما لا يخفى على متأمل، فحرر كتبه مصححه.
266

اجتهدنا - يعني قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضع تخالفونهما
فيما هو مثل معناه قال فقلت للشافعي وما هذا الموضع الذي نخالفهما في مثل معناه؟ فقال روينا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق
لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم فقلتم لا يعتق ولا يصوم ويتصدق فخالفتموه في
اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة ومن استقاء أو أفطر وهو يرى أن
الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين؟ ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالاجماع فلم تحسنوا الاتباع ولا
القياس والله يغفر لنا ولكم. فقلت للشافعي فكيف كان يكون القياس على ما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم في المجامع نهارا فقال ما قلنا من أن لا يقاس عليه شئ غيره وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف
في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس
وهو يرى أن الشمس غربت ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس
يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الأمر الذي لا أعلم فيه مخالفا
وأن أنظر فأي حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في
المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم
يطلع والمستقئ وغيره ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لأنك تجعل ذلك فطرا له وأنت
تترك الحديث نفسه ثم تدعي فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شئ تعرفه.
باب في الحج
قال سألت الشافعي هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة؟ فقال نعم والماء يزيده شعثا وقال الحجة
فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رأسه ثم غسله عمر قلت كيف ذكر مالك عن ابن عمر؟ قال
أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام قال ونحن ومالك
لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو
محرم قلت فهكذا نقول (قال الشافعي) وإذا ترك قول ابن عمر لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعمر فهكذا ينبغي أن تتركوا عليه لكل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه وإذا وجد في
الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا
تنكروا أن يذهب على ابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو
علمها ما خالفها ولا رغب عنها إن شاء الله فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم فقلت
للشافعي فإنه يخالف ابن عمر ويقول بقول ابن المسيب فقال الشافعي إن من استجاز خلاف ابن عمر
ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول ابن عمر
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول (ما استيسر من
الهدي) بعير أو بقرة (قال الشافعي) ونحن وأنت نقول (ما استيسر من الهدي) شاة ويرويه عن ابن
عباس وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي صلى الله عليه وسلم واجبا
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ
267

من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج
(قال الشافعي) وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته
وشاربه قلت فإنا نقول ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس (قال الشافعي)
وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن
عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة قلت فإنا نقول يقصر الصلاة إذا جاوز
البيوت (قال الشافعي) فهذا مما تركتم على ابن عمر (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن محمد بن أبي
بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع
رسول الله؟ قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه (قال الشافعي) أخبرنا
مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر. قلت
للشافعي فإنا نقول يلبي حتى تزول الشمس ويلبي وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت
الشمس من يوم عرفة (قال الشافعي) فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير
وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا
ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الاجماع في كل أمر وأنت تروي
الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي صلى الله عليه وسلم وتروي الاختلاف في الصوم مع النبي
صلى الله عليه وسلم وبعده فتقول عن أنس سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصيام على
المفطرين ولا المفطرون على الصائمين وقد اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده في غير
شئ. قلت للشافعي فما تقول أنت فيه؟ فقال أقول إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله عز وجل الأمر
فيه والاختلاف واسع وليس الاجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان وإذا كان بها
اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الاجماع فليس بموجود. قال وسألت الشافعي عن العمر في
أشهر الحج فقال حسنة استحسنها وهي أحب منها بعد الحج لقول الله عز وجل (فمن تمتع بالعمرة إلى
الحج) ولقول رسول الله (دخلت العمرة في الحج) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه (من
لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة) (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن
عمر أنه قال والله لأن اعتمر قبل أن أحج وأهدي أحب إلى من أعتمر بعد الحج في ذي الحجة فقلت
للشافعي فإنا نكره العمرة قبل الحج (قال الشافعي) فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه منها وما
رويتم عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا
من أهل بحج فلم كرهتم ما روى أنه فعل مع النبي صلى الله عليه وسلم وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله
فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار والله المستعان.
باب الاهلال من دون الميقات
قال سألت الشافعي عن الاهلال من دون الميقات فقال حسن قلت له وما الحجة فيه؟ قال أخبرنا مالك
عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء وإذا كان ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت
المواقيت وأهل من أيلياء وإنما روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما وقت المواقيت قال يستمتع
الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه ولكنه أمر أن لا يجاوزه
268

حاج ولا معتمر إلا بإحرام (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: قلت للشافعي فإنا نكره أن يهل أحد من وراء الميقات (قال الشافعي) وكيف كرهتم ما اختار
ابن عمر لنفسه وقاله معه علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب في رجل من أهل العراق إتمام العمرة أن تحرم
من دويرة أهلك ما أعلمه يؤخذ على أحد أكثر مما يؤخذ عليكم من خلاف ما رويت وروى غيرك عن
السلف.
باب في الغدو من منى إلى عرفة
قال سألت الشافعي عن الغدو من منى إلى عرفة يوم عرفة فقال ليس فيه ضيق والذي أختار أن
يغدو إذا طلعت الشمس (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو من منى إلى
عرفة إذا طلعت الشمس قال فقلت للشافعي فإنا نكره هذا ونقول يغدو من منى إذا صلى الصبح قبل
أن تطلع الشمس (قال الشافعي) فكيف لم تتبعوا ابن عمر وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم
وخلفائه وكان الحج خاصة مما ينسب ابن عمر عندهم إلى العلم به وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم من وجد آخر أنه غدا من منى حين طلعت الشمس وقال محمد بن علي السنة أن يغدو الإمام من
منى إذا طلعت الشمس فعمن رويتم كراهية هذا؟
باب قطع التلبية
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في
الحج إذا انتهى إلى الحرم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر حج في الفتنة فأهل ثم
نظر فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ونحن لا نرى بهذا بأسا فقلت
للشافعي فإنا نكره أن يقرن الحج مع العمرة فقال الشافعي فكيف كرهتم غير مكروه وخالفتم من لا
ينبغي لكم خلافه؟ وما نراكم تبالون من خالفتم إذا شئتم.
باب النكاح
(قال الشافعي) أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس وابن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة
حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد
عن ابن المسيب أنه كان يقول لا تنكح الأمة على الحرة فإن أطاعت فلها الثلثان (قال الشافعي) وهذا
مما تركتم بغير رواية عن غيره عندكم علمتها فقلت للشافعي فإنا نكره أن ينكح أحد أمة وهو يجد طولا
لحرة (قال الشافعي) فقد خالفتم ما رويتم عن ابن عباس وابن عمر لأنهما لم يكرها في روايتكم إلا
الجمع بين الحرة والأمة لا أنهما كرها ما كرهتم وهكذا خالفتم ما رويتم عن ابن المسيب وهل رويتم في
قولكم شيئا عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه فقلت ما علمت فقال فكيف
استجزتم خلاف من شئتم لقول أنفسكم؟
269

باب التمليك
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما
قضيت إلا أن يناكرها الرجل فيقول لها لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما
كانت في عدتها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن
زيد أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان. فقال له زيد
ما شأنك؟ قال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ما حملك على ذلك؟ فقال له القدر فقال
له زيد ارتجعها إن شئت وإنما هي واحدة وأنت أملك بها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق
فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فقالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فاختصما إلى
مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا
القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قلت للشافعي إنا نقول في المخيرة إذا اختارت نفسها هي ثلاث
وفي التي يجعل أمرها بيدها أو تملك أمرها أيما تملك القضاء ما قضت إلا أن يناكرها زوجها (قال
الشافعي) هذا خلاف ما رويتم عن زيد بن ثابت وخلا ماري غيركم عن علي بن أبي طالب وابن
مسعود وغيرهما فأجعلك اخترت قول ابن عمر على قول من خالفه في المملكة فإلى قول من ذهبت في
المخيرة؟ وعمن تقول أن اختاري وأمرك بيدك سواء وأنت لا نعلمك رويت في المخيرة عن واحد من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا يوافق قولك فإن رويت في هذا اختلافا عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ادعيت الاجماع؟ وإذا حكيت فأكثر ما تحكي الاختلاف.
باب المتعة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق
وقد فرض لها الصداق ولم تمس فحسبها ما فرض لها (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن القاسم بن محمد
مثله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول لكل مطلقة متعة فقلت للشافعي فإنا
نقول خلاف قول ابن شهاب لقول ابن عمر (قال الشافعي) فبقول ابن عمر قلتم وأنتم تخالفونه قال
فقلت للشافعي وأين؟ قال زعمتم أن ابن عمر قال لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها
نصف الصداق وهذا يوافق القرآن فيه وقوله فيمن سواها من المطلقات أن لها متعة يوافق القرآن لقول
الله جل ثناؤه (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) وقال
الله جل ذكره (وللمطلقات متاع بالمعروف) قلت فإنما ذهبنا إلى أن هذا إنما هو لمن ابتدأ الزوج طلاقه
فيها أرأيت المختلعة والمملكة فإن هاتين طلقتا بأنفسهما قال أليس الزوج ملكها ذلك وملكه التي حلف أن
لا تخرج فخرجت وملكه رجلا يطلق امرأته ثم فرقت بينهن وبين المطلقات في المتعة ثم فرقت بين
أنفسهن وكلهن طلقها غير الزوج إلا أن ابتداء الطلاق الذي به كان من الزوج؟ فإن قلت لأن الله إنما
ذكر المطلقات والمطلقات المرأة يطلقها زوجها فإن اختلعت عندك فليس الزوج هو المطلق لأنه أدخل
قبل الطلاق شيئا لزمك أن تخالف معنى القرآن لأن الله عز وجل يقول (والمطلقات يتربصن بأنفسهن
270

ثلاثة قروء) فإن زعمت أن المملكة والمختلعة ومن سمينا من النساء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء مطلقات
لأن الطلاق جاء من الزوج إذا قبل الخلع وجعل إليهن الطلاق وإلى غيرهن فطلقهن فهو المطلق وعليه
يحرمن فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات لهن المتعة في كتاب الله ثم قول ابن عمر، والله
أعلم.
باب الخلية والبرية
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا (قال
الشافعي) مذهب ابن عمر فيه ومن ذهب مذهبه أن الخلية والبرية تقوم مقام قوله لامرأته أنت طالق
ثلاثا ولا ينويه شيئا من ذلك ومن قال لمدخول بها وغير مدخول بها أنت طالق ثلاثا وقعت عليه عندنا
وعند عامة المفتين وعندكم (قال الشافعي) لنا: قد خالفتم ابن عمر في بعض هذا القول ووافقتموه في
بعض فقلتم الخيلة والبرية ثلاث في المدخول بها فلا يدين ويدين في التي لم يدخل بها ثلاثا أراد أو
واحدة فلا أنتم قلتم كما قال ابن عمر ومن قال قوله فيقول لا التفت أن يدين المطلق وأستعمل عليها
الأغلب ولا أنتم ذهبتم إذ كان الكلام منه يحتمل معنيين إلى أن يجعل القول قوله مع يمينه ولكنكم
خالفتم هذا معا في معنى ووافقتموه معا في معنى وما للناس فيها قول إلا قد خرجتم منه إنما قال الناس
قولين أحدهما أن قال بعضهم قول ابن عمر أولئك استعملوا الأغلب فجعلوا الخلية والبرية والبتة ثلاثا
كقوله أنت طالق ثلاثا وآخرون قالوا بقول عمر في البتة يدين فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة
فواحدة وآخرون ذهبوا إلى أن الكلمة احتملت معنيين فجعلوا عليه الأقل فجعلوا الخلية والبرية واحدة
إذا أراد بها الطلاق وقولكم خارج من هذا مخالف لما رويتم وجميع الآثار في بعضه وزدتم قولا ثالثا هو
داخل في أحد القولين وهو أن يملك الرجل امرأته أمرها فرويتم عن ابن عمر القضاء ما قضت إلا أن
يناكرها ثم زعمتم أنه إن ملك امرأته أمرها وهي مدخول بها فهكذا وإن كانت غير مدخول بها نويتموه
والبتة ليست مذهبكم إنما البتة مذهب من لا يوقع عليها الطلاق إذا احتمل الكلام الطلاق وغيره إلا
بإرادة الطلاق كما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر وغيرهما.
باب في بيع الحيوان
قد سألت الشافعي عن بيع الحيوان فقال: لا ربا في الحيوان يدا بيد ونسيئة ولا يعدو الربا في زيادة
الذهب والورق والمأكول والمشروب فقلت وما الحجة فيه؟ فقال فيه حديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم ثابت وعن ابن عباس وغيره من رواية أهل البصرة ومن حديث مالك أحاديث (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي)
أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن عليا باع جملا له يقال له عصيفير
بعشرين بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب كان يقول لا ربا
في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) أخبرنا
مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال لا بأس به (قال الشافعي) وبهذا
271

كله نقول وخالفتم هذا كله ومثل هذا يكون عندكم العمل لأنكم رويتم عن رجلين من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ورجلين من التابعين أحدهما أسن من الآخر وقلتم لا يجوز البعير بالبعيرين إلا أن
تختلف رحلتهما ونجابتهما فيجوز فإن أردتم بها قياسا على التمر بالتمر فذلك لا يصلح إلا كيلا بكيل ولو كان
أحد التمرين خيرا من الآخر ولا يصلح شئ من الطعام بشئ من الطعام نسيئة وأنتم تجيزون بعض الحيوان
ببعض نسيئة فلم تتبعوا فيه من رويتم عنه إجازته ممن سميت ولم تجعلوه قياسا على غيره وقلتم فيه قولا
متناقضا خارجا من السنة والآثار والقياس والمعقول لعمري إن حرم البعير بالبعيرين مثله في الرحلة
والنجابة ما يعدو أن يحرم خيرا والخبر يدل على إحلاله وقد خالفتموه ولو حرمتموه قياسا على ما الزيادة
في بعضه على بعض الربا لقد خالفتم القياس وأجزتم البعير بالبعيرين مثله وزيادة دراهم وليس يجوز التمر
بالتمر وزيادة دراهم ولا شئ من الأشياء وما علمت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال قولكم وإن عامة المفتين بمكة والأمصار لعلى خلاف قولكم وإن قولكم وإن قولكم لخارج من الآثار يخالفها
كلها ما رويتم منها وروى غيركم خارج من القياس والمعقول فكيف جاز لأحد قول يستدرك فيه ما
وصفت ثم لا يستدرك في قليل من قوله بل في كثير والله المستعان (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن
شهاب عن عروة بن أذمنة قال خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض
الطريق عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت قال
مالك وعليها الهدي (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال كان على مشي فأصابتني
خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي فلما قدمت المدينة
سألت فأمروني أن أمشي من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى (قال الشافعي) فرويتم عن ابن عمر أنه
أمرها أن تمشي ورويتم ذلك عمن سأل بالمدينة ولم ترووا عنهم أنهم أمروها بهدي فخالفتم في أمرها
بهدي وهذا عندكم إجماع بالمدينة ورويتم أن عطاء وغيره أمروه بهدي ولم يأمروه بمشي فخالف في رواية
نفسه عطاء وابن عمر والمدنيين ولا أدري أين العمل الذي تدعون من قولكم ولا أين الاجماع منه هذا
خلافهما فيما رويتم وخلاف رواية غيركم عن ابن عمر وغيره وما يجوز من هذا إلا واحد من قولين إما قول
ابن عمر يمشي ما ركب حتى يكون بالمشي كله وإما أن لا يكون عليه عودة لأنه قد جاء بحج أو عمرة
وعليه هدي مكان ركوبه وإما أن يمشي ويهدي فقد كلفه الأمرين معا وإنما ينبغي أن يكون عليه
أحدهما والله أعلم.
باب الكفارات
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال (من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق
رقبة) (قال الشافعي) فخالفتم ابن عمر فقلتم التوكيد وغيره سواء يجزيه فيه إطعام عشرة مساكين نراكم
تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو
غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين قلتم هم أشد تقدما في العلم وأحدث برسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم
وعظمتم خاطتهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقكم منه أن يكون خلافه
لأن من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق عليكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع
روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم
272

وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لأنه إذا لم يجز من يخالف بعض الأثر فيحسن
الإحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد قلتم إن
زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد
هشام (قال الشافعي) وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما أدري إلى أي شئ ذهبتم
إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي صلى الله
عليه وسلم وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد
أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون مد هشام فإن
زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لأن الله
عز وجل أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم كم قدر كيلها كما أبان ذلك في زكاة
الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس وكفر
به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن
زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي صلى
الله عليه وسلم هل الحجة عليه إلا أن نقول لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم. فقال
للشافعي فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحد؟ فقال معاذ الله أن يكون
زعمنا أن مسلما قط غيركم قال إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي صلى الله عليه وسلم قال فما شئ
يقوله بعض المشرقيين؟ قلت قول متوجه وإن خالفناه قال وما هو؟ قلت قالوا الكفارات بمد النبي صلى
الله عليه وسلم يطعم المسكين مدين مدين قياسا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة أن
يطعم في فدية الأذى كل مسكين مدين مدين ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول إن كفارة بغير
مد النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت للشافعي فلعل مد هشام مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم فقال
الشافعي لا هو مد وثلث أو مد ونصف، فقلت للشافعي أفتعرف لقولنا وجها؟ فقال: لا وجه لكم
يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول هي مد مد
بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين وقال بعض المشرقيين مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين
مكيلة شئ من الكفارات فلا.
باب زكاة الفطر
(قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي
تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة (قال الشافعي) هذا حسن وأستحسنه لمن فعله والحجة بأن النبي
صلى الله عليه وسلم تسلف صدقة العباس قبل أن تحل ويقول ابن عمر وغيره، فقلت للشافعي فإنا نكره
لأحد أن يؤدي زكاة الفطر إلا مع الغدو يوم الفطر وذلك حين يحل بعد الفجر (قال الشافعي) قد
خالفتم ابن عمر في روايتكم وما روى غيركم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسلف صدقة عباس بن
عبد المطلب قبل محلها لغير قول واحد علمتكم رويتموه عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا
التابعين فلست أدري لأي معنى تحملون ما حملتم من الحديث إن كنتم حملتموه لتعلموا الناس أنكم قد
عرفتموه فخالفتموه بعد المعرفة فقد وقعتم بالذي أردتم وأظهرتم للناس خلاف السلف وإن كنتم حملتموه
273

لتأخذوا به فقد أخطأتم ما تركتم منه وما تركتم منه كثير في قليل ما رويتم وإن كانت الحجة عندكم ليست
في الحديث فلم تكلفتم روايته واحتججتم بما وافقتم منه على من خالفه؟ ما تخرجون من قلة النصفة
والخطأ فيما صح إذ تركتم مثله وأخذتم بمثله ولا يجوز أن يكون شئ مرة حجة ومرة غير حجة.
باب في قطع العبد
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له سرق وهو آبق فأبى سعيد بن العاص أن
يقطعه فأمر به ابن عمر فقطعت يده، فقلت للشافعي فإنا نقول لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان
يقطعه فقال الشافعي قد كان سعيد بن العاص من صالحي ولاة أهل المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر ابن
عمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل
المدينة كانوا يختلفون فيأخذ أمراؤهم برأي بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لأنكم كنتم توهمون أن قضاء
من هو أسوأ حالا من سعيد ومثله لا يقضي إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما
توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء أمرائهم وقد خالفتم رأي سعيد وهو الوالي وابن عمر وهو المفتي فأين العمل؟
إن كان العمل فيما عمل به الوالي فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول ابن
عمر فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما
وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والاجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الاجماع
تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لأن ما نجد عندكم من روايتكم ورواية
غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت للشافعي قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى
الأخذ به من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما تركنا من
الآثار عن التابعين بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا
تركناه؟ قال نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال أي
علم هو؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين (قال الشافعي) ولم أدخلتم علم المصريين دون علم
غيرهم مع علم أهل المدينة؟ فقلت أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال ومن ذلك علم خالد ابن أبي
عمران؟ قلت نعم (قال الشافعي) فقد وجدتك تروي عن خالد بن أبي عمران أنه سأل سالم بن عبد الله
والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك
تروي عن ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد فوجدتك تخالفهم ولست أدري من تبعتم إذا كنت تروي أنت
وغيرك عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا
تقبل إلا إذا شئت وأنت تغيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج
بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل
المدينة إجماعا كله أو الأكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم
وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما حفظت لك مذهبا
واحدا في شئ من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شئ إلا تركتها في مثل الذي
ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين أحدهما أن تجد الأئمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
274

قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للأئمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها
ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا هذا كله لا تروي
فيه عن أحد من الأئمة شيئا يوافقه بل أنت تروي في القسامة عن عمر خلاف حديثك عن النبي صلى الله عليه
وسلم وتروي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها سعيد بن المسيب
برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل
البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهري
وغيرهما وبمكة عطاء وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عائشة وابن عباس وغيرهما ثم رددت أن النبي صلى
الله عليه وسلم تطيب للاحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبي وقاص وابن عباس كما تطيب النبي صلى الله عليه
وسلم وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لأن رويت أن عمر كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي
صلى الله عليه وسلم لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم
فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت
تتهمه، قلت للشافعي أفيجوز أن تتهم الرواية؟ قال لا إلا أن يروي حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب
إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين
بغير معارض روايته فأما أن يروي رجل عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويروي آخر عن رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل
واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول عمر في المنبوذ هو حر ولك
ولاؤه وعلينا نفقته فقلت لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذه إلا أن تقول قال النبي صلى
الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) وهذا غير معتق ورويت عن عمر أنه بدأ في القسامة المدعى عليهم فأبوا فردها
على المدعين فأبوا الأيمان فأغرم المدعى عليهم نصف الدية فخالفته أنت فقلت يبدأ المدعون ولا نغرم المدعى
عليهم إذا لم يحلف من أنه بدأ المدعين ولم يجعل على المدعى عليهم غرامة حين لم يقبل المدعون أيمانهم ورويت
عن عمر أنه قال في المؤمن يؤمن العلج ثم يقتله لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قتلته فخالفته وقلت لا يقتل
مؤمن بكافر مع ما وصفنا مما تركت على عمر والرجل من الصحابة ثم تتخلص إلى أن تترك عليه لرأي نفسك
ولا يجوز إذا كانت السنة حجة على قول من تركها أن لا يوافقها إلا أن تكون كذلك أبدا ولا يجوز هذا القول
المختلط المتناقض ورويت عن عمر في الضرس جمل وعن ابن المسيب في الضرس جملان ثم تركت عليهما معا
قولهما ولا أعلم لك حجة في هذا أقوى من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (في السن خمس) وأن الضرس قد
يسمى سنا ثم صرت إلى أن رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها وهذا قول علي بن
أبي طالب وابن عباس وابن المسيب وربيعة وكل من عرفت قوله من كل أهل بلد غير أصحابك لا أعلمهم
يختلفون فيه فتركته لقياس زعمت على قول ابن عمر لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فقلت
والحج يشبههما (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ورويت عن ابن عمر أنه سمع الإقامة فأسرع المشي إلى المسجد
فتركته عليه لا أعلم لك حجة في تركه عليه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تأتوها تسعون وائتوها
تمشون وعليكم السكينة) ورويت عن ابن عمر أنه كان ينضح في عينيه الماء إذا اغتسل من الجنابة وخالفته ولم
ترو عن أحد من الناس خلافه ورويت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع ورويت عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله ثم خالفته وهو يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير قول أحد من الناس
275

رويته عنه ورويت عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه حتى يخرجهما في
شدة البرد وتروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يسجد على سبع فيها الكفان فخالفت ابن عمر فيما
يوافق فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كنت تخالف ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب للمحرم
لقول عمر وما رويت عن عمر في تقريد البعير وهو محرم لقول ابن عمر وما رويت عن ابن عمر فيما وصفنا وغيره
لقول نفسك فلا أسمع العلم إذا إلا علمك ولا أعلمك تدري لأي شئ تحمل الحديث إذا كنت تأخذ منه ما
شئت وتترك منه ما شئت ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تعتمدوا على أمر تعرفونه. فقلت للشافعي
إنما ذهبنا إلى أن نثبت ما اجتمع عليه أهل المدينة دون البلدان كلها فقال الشافعي هذه طريق الذين أبطلوا
الأحاديث كلها وقالوا نأخذ بالاجماع إلا أنهم ادعوا إجماع الناس وادعيتم أنتم إجماع بلد هم يختلفون على
لسانكم والذي يدخل عليهم يدخل عليك معهم للصمت كان أولى بكم من هذا القول قلت ولم؟ قال لأنه
كلام ترسلونه لا بمعرفة فإذا سئلتم عنه لم تقفوا منه على شئ ينبغي لأحد أن يقبله أرأيتم إذا سئلتم من الذين
اجتمعوا بالمدينة؟ أهم الذين ثبت لهم الحديث وثبت لهم ما اجتمعوا عليه وإن لم يكن فيه حديث من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن قلتم نعم قلت يدخل عليكم في هذا أمران أحدهما أنه لو كان لهم
إجماع لم تكونوا وصلتم إلى الخبر عنهم إلا من جهة خبر الانفراد الذي رددتم مثله في الخبر عن رسول الله فإن
ثبت خبر الانفراد فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يؤخذ به والآخر أنكم لا تحفظون في قول
واحد غيركم شيئا متفقا فكيف تسمون إجماعا لا تجدون فيه عن غيركم قولا واحدا؟ وكيف تقولون أجمع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مختلفون على لسانكم وعند أهل العلم؟ فإن قلتم إنا ذهبنا إلى أن
إجماعهم أن يحكم أحد الأئمة أبو بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم بالمدينة بحكم أو يقول القول فقال
الشافعي إنه قد احتج لكم بعض المشرقيين بأن قال ما قلتم وكان حكم الحاكم وقول القائل من الأئمة لا يكون
بالمدينة إلا علما ظاهرا غير مستتر وهم يجمعون أنهم أعلم الناس بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلب
الناس لما ذهب علمه عنهم منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عوام الناس ويبتدئون
فيخبرون بما لم يسألوا عنه فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم فإذا حكم أحدهم الحكم لم تجوز أن
يكون حكم به إلا وهو موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير مخالف لها فإن جاء حديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم فخالفه من وجهة الانفراد أتهم لما وصفت فقلت للشافعي هذا المعنى الذي ذهبنا إليه بأي
شئ احتججت عليه (قال الشافعي) أول ما نحتج به عليكم من هذا أنكم لا تعرفون حكم الحاكم منهم ولا
قول القائل إلا بخبر الانفراد الذي رددتم مثله إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرض من الله وما روى
عمن دونه لا يحل محل قول النبي صلى الله عليه وسلم أبدا فكيف أجزتم خبر الانفراد عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ورددتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت للشافعي فما رد عليك! فقال ما كان عنده
في هذا شئ أكثر من الخروج منه وأنا أعلم - إن شاء الله - أنه يعلم أنه يلزمه فهل عندكم في هذا حجة؟
فقلت ما يحضرني قال فقلت للشافعي وما حجتك عليه سوى هذا؟ فقال الشافعي قد أوجدتكم أن عمر -
مع فضل علمه وصحبته وطول عمره وكثرة مسألته وتقواه قد حكم أحكاما بلغه بعضها عن النبي صلى الله
عليه وسلم شئ فرجع عن حكمه إلى ما بلغه عن رسول الله ورجع الناس عن بعض حكمه بعده إلى ما بلغهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد يعزب عن الكثير الصحبة الشئ من العلم يحفظه الأقل علما وصحبة منه
فلا يمنعه ذلك من قبوله واكتفيت من ترديد هذا بما وصفت في كتاب هذا وكتاب جماع العلم (قال الشافعي)
ولو لم يكن هذا هكذا ما كان على الأرض أحد أعلمه أترك لما زعم أن الصواب فيه منكم قلت فكيف؟ قال
276

قد تركتم على عمر بن الخطاب من زوايتكم؟ منها ما تركتموه وزعمتم لأن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
جاء يخالفه ومنها ما تركتموه لأن ابن عمر خالفه ومنها ما تركتموه لرأي أنفسكم لا يخالف عمر فيه أحد يحفظ
عنه فلو كان حكم الحاكم وقوله يقوم المقام الذي قلت كنت خارجا منه فيما وصفنا وفيما روى الثقات عن عمر
أنكم لتخالفون عنه أكثر من مائة قول منها ما هو لرأي أنفسكم ومثلكم وحفظت أنك تروي عن أبي بكر ستة
أقاويل تركتم عليه منها خمسة اثنين في القراءة في الصلاة وأخرى في نهيه عن عقر الشجر وتخريب العامر وعقر
ذوات الأرواح إلا لمأكلة وحفظت أنك تركت على عثمان أنه كان يخمر وجهه وهو محرم من روايتكم وغير
ذلك وما تركت عليهم من رواية الثقات من أهل المدينة أضعاف ما تركتم عليهم من روايتكم لغفلة ولقلة
روايتكم وكثرة روايتهم فإن ذهبتم إلى غيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ترووا عن أحد قط شيئا
علمته إلا تركتم بعض ما رويتم وإن ذهبتم إلى التابعين فقد خالفتم كثيرا من أقاويلهم وإن ذهبتم إلى تابعي
التابعين فقد خالفتم أقاويلهم مما رويتم وروى غيركم ما كتبنا منه في هذا الكتاب شيئا يدل على ما رويتم وما
تركنا من رواية غيركم أضعاف ما كتبنا فإن أنصفتم بأقاويلكم فلا تشكوا في أنكم لم تذهبوا مذهبا علمناه إلا
فارقتموه كان كانت حجتكم لازمة فحالكم بفراقها غير محمودة وإن كانت غير لازمة دخل عليكم فراقها
والضعف في الحجة بما لا يلزم قال فقلت للشافعي فقد سمعتك تحكي أن بعض المشرقيين قام بحجتنا فيما ذكرنا
من الاجماع فأحب أن تحكي لي ما قلت وقال لك فقال لي الشافعي فيما حكيت الكفاية مما لم أحك وما تصنع
بما لم تقله أنت في حجتك؟ فقلت للشافعي قد ذكرت الذي قام بالعذر في بعض ترك الحديث ووصفت أنه
منسوب إلى البصرة فقال لي الشافعي هو كما ذكرت وقد جاء منه على ما لم تأت عليه لنفسك ولو لم أر في مذهبه
شيئا تقوم به حجة فقلت فاذكر منه ما حضرك (قال الشافعي) قلت له أرأيت الفرض علينا وعلى من قبلنا في
اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس واحدا؟ قال بلى فقلت إذا كان أبو بكر خليفة النبي صلى الله
عليه وسلم والعامل بعده فورد عليه خبر واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر لا مدة بينه وبين النبي
صلى الله عليه وسلم يمكنه فيها أن يعمل بالخبر فلا يترك ما تقول فيه؟ قال أقول أنه يقبله ويعمل به فقلت قد
ثبت إذا بالخبر ولم يتقدمه عمل من أحد بعد عن النبي صلى الله عليه؟ وسلم يثبته لأنه لم يكن بينهما إمام فيعمل
بالخبر ولا يدعه وهو مخالف في هذا حال من بعده (قال الشافعي) فقلت أرأيت إذا جاء الخبر في آخر عمره
ولا يعمل به ولا بما يخالفه في أول عمره وقد عاش أكثر من سنة يعمل فما تقول فيه؟ قال يقبله فقلت فقد قبل
خبرا لم يتقدمه عمل (قال الشافعي) لو أجبت إلى النصفة على أصل قولك يلزمك أن لا يكون على الناس
العمل بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن يعمل به من بعده أو يترك العمل لأنه إذا كان للإمام الأول
أن يدعه لم يعمل به كان جميع من بعده من الأئمة في مثل حاله لأنه لابد أن يبتدئ العمل به الإمام الأول
أو الثاني أو من بعده قال فلا أقول هذا (قال الشافعي) فما تقول في عمر وأبو بكر إمام قبله إذا ورد خبر الواحد
لم يعمل به أبو بكر ولم يخالفه؟ قال يقبله قلت أيقبله ولم يعمل به أبو بكر قال نعم ولم يخالفه قلت أفيثبت ولم
يتقدمه عمل؟ قال نعم قلت وهكذا عمر في آخر خلافته وأولها؟ قال نعم قلت وهكذا عثمان؟ قال نعم قلت
زعمت أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يلزم ولم يتقدمه عمل قبله وقد ولى الأئمة ولم يعملوا به ولم يدعوه
قال فلا يمكن أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم سنة إلا عمل بها الأئمة بعده (قال الشافعي) فقلت له وقد
حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء لا يحفظ عن أحد من خلفائه فيها شئ؟ فقال نعم سنن كثيرة ولكن
من أين ترى ذلك (قال الشافعي) فقلت استغنى فيها فالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن بعده
وذلك أن بالخلق الحاجة إلى الخبر عنه وأن عليهم اتباعه ولعل منها ما لم يرد على من بعده قال فمثل لي ما
277

عملت أنه ورد على من بعده من خلفائه فلم يحك عنه فيه شئ قلت قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما
دون خمسة أوسق صدقة) لا أشك أن قد ورد على جميع خلفائه لأنهم كانوا القائمين بأخذ العشر من الناس
ولم يحفظ عن واحد منهم فيها شئ قال صدقت هذا بين قلت وله أمثال كثيرة قد كتبناها في غير هذا الموضع
فقلت إذا كان يرد علينا الخبر عن بعض خلفائه ويرد علينا الخبر عنه يخالفه فنصير إلى الخبر عن النبي صلى
الله عليه وسلم لأن لكل غاية وغاية العلم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه أتعلم أن السنة ما
كانت موجودة مستغني بها عن غيرها؟ قال نعم وقد سمعتك ذكرت ما لا أجهل من أنه قد يرد عن غير واحد
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القول يقوله توجد السنة بخلافه فإن وجدها من بعده صار إليها فهذا
يدل على ما ذكرت من استغناء السنة عما سواها وبالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين
ألف رجل إن لم يزيدوا لعلك لا تروي عنهم قولا واحدا عن ستة نعم إنما تروي القول عن الواحد والاثنين
والثلاثة والأربعة متفرقين فيه أو مجتمعين والأكثر التفرق فأين الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله قلت له ضع
لقولك إذا كان الأكثر مثالا قال نعم كأن خمسة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قولا متفقين
عليه وقال ثلاثة قولا مخالفا لقولهم فالأكثر أولى أن يتبع فقلت هذا قلما يوجد وإن وجد أيجوز أن تعده إجماعا
وقد تفرقوا موافقة؟ قال نعم على معنى أن الأكثر مجتمعون قلت فإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من
العدد على ما وصفت فهل فيمن لم ترووا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دلالة موافقة الأكثر
فيكونون أكثر بعددهم ومن موافقتهم أو موافقة الثلاثة الأقلين فيكون الأقلون الأكثرين بمن وافقهم لا تدري
لعلهم متفرقون ولا تدري أين الأقل وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم قال ما
أدري كيف قولهم لو قالوا وإن لهم أن يقولوا قلت والصدق فيه أبدا أن لا يقول أحد شيئا لم يقله أحد أنه قاله
ولو قلت وافقوا بعضهم قال غيرك بل خالفوه قال ولا ليس الصدق أن تقول وافقوا ولا خالفوا بالصمت قلت
هذا الصدق قلت فترى ادعاء الاجماع يصح لمن ادعاه في شئ من خاص العلم (قال الشافعي) وقلت له
فهكذا التابعون بعدهم وتابعو التابعين وقال وكيف تقول أنت؟ قلت ما علمت بالمدينة ولا بأفق من آفاق الدنيا
أحدا من أهل العلم ادعى طريق الاجماع (2) إلا بالفرض وخاص من العلم إلا حدثنا ذلك الذي فيه إجماع
يوجد فيه الاجماع بكل بلد ولقد ادعاه بعض أصحاب المشرقيين فأنكر عليه جميع من سمع قوله من أهل العلم
دعواه الاجماع حيث ادعاه وقالوا أو من قال ذلك منهم لو أن شيئا روى عن نفر من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ثم عن نفر من التابعين فلم يرو عن مثلهم خلافهم ولا موافقتهم ما دل على إجماع من لم يرو عنه منهم
لأنه لا يدري مجتمعون أم مفترقون لو قالوا وسمعت بعضهم يقول لو كان بيننا من السلف مائة رجل وأجمع منهم
عشرة على قول أيجوز أن ندعي أن التسعين مجتمعون معهم وقد نجدهم يختلفون في بعض الأمور ولو جاز لنا إذا
قال لنا قائل شيئا أخذنا به لم نحفظ عن غيره قولا يخالفه ولا يوافقه أن ندعي موافقته جاز لغيرنا ممن خالفنا أن
يدعي موافقته له ومخالفته لنا ولكن لا يجوز أن يدعي على أحد فيما لم يقل فيه شئ (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فقال لي فكيف يصح أن تقول إجماعا؟ قلت يصح في الفرض الذي لا يسع جهله من الصلوات والزكاة
وتحريم الحرام وأما علم الخاصة في الأحكام الذي لا يضير جهله على العوام والذي إنما علمه عند الخواص من
سبيل خبر الخواص وقليل ما يوجد من هذا فنقول فيه واحد من قولين نقول لا نعلمهم اختلفوا فيما لا نعلمهم
اختلفوا فيه ونقول فيما اختلفوا فيه اختلفوا واجتهدوا فأخذنا أشبه أقاويلهم بالكتاب والسنة وإن لم يوجد عليه

(1) كذا في النسخة، ولعل أصله (كان بالفرض أو خاض) الخ تأمل.
278

دلالة من واحد منهما وقلما يكون إلا أن يوجد أو أحسنها عند أهل العلم في ابتداء التصرف والمعقب ويصح إذا
اختلفوا كما وصفت أن نقول روى هذا القول عن نفر اختلفوا فيه فذهبنا إلى قول ثلاثة دون اثنين وأربعة دون
ثلاثة ولا نقول هذا إجماع فإن الاجماع قضاء على من لم يقل ممن لا ندري ما يقول لو قال وادعاء رواية الاجماع
وقد يوجد مخالف فيما ادعى فيه الاجماع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فقال قد علمت أنهم اختلفوا في الرأي
الذي لا متقدم فيه من كتاب ولا سنة أفيوجد فيما اختلفوا فيه كتاب وسنة؟ قلت نعم قال وأين؟ قلت قال الله
عز وجل (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبو موسى
الأشعري لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الأقراء الحيض وقال هذا ابن المسيب
وعطاء وجماعة من التابعين والمفتين بعدهم إلى اليوم وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر الأقراء الأطهار
فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال هذا القول بعض التابعين وبعض المفتين إلى اليوم وقال
الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فقال علي ابن أبي طالب تعتد آخر الأجلين وروي
عن ابن عباس مثل قوله وقال عمر بن الخطاب إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت وفي هذا كتاب وسنة وفي
الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة وقال الله جل ثناؤه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر (1)) فهي
تطليقة وروى عن عثمان وزيد بن ثابت خلافه وقال علي بن أبي طالب وابن عمر ونفر من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم من الأنصار لا يقع عليها طلاق ويوقف فإما أن يفئ وإما أن يطلق ومسح رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الخفين فأنكر المسح علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس وأبو هريرة وهؤلاء أهل علم بالنبي
صلى الله عليه وسلم ومسح عمر وسعد وابن عمر وأنس بن مالك وهؤلاء أهل علم به والناس مختلفون في هذه
الأشياء وفي كل واحد منها كتاب أو كتاب وسنة قال ومن أين ترى ذلك؟ فقلت تحتمل الآية المعنيين فيقول
أهل اللسان بأحدهما ويقول غيرهم منهم بالمعنى الآخر الذي يخالفه والآية محتملة لقولهما معا لاتساع لسان
العرب وأما السنة فتذهب على بعضهم وكل من ثبتت عنده السنة قال بها إن شاء الله ولم يخالفها لأن كثيرا منها؟
يأتي واضحا ليس فيه تأويل (قال الشافعي) وذكرت له مس الذكر فإن عليا وابن عباس وعمار بن ياسر
وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء وابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان
فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي صلى الله عليه وسلم سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروي عن
سعيد أنه لا يرى منه الوضوء (قال الشافعي) رحمه الله وقلت الاجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف
من ادعى الاجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال حدثني فلان عن فلان
وترك أن يتكلف هذا في الاجماع فيقول حدثني فلان عن فلان لنص الاجماع الذي يلزم أولى به من نص
الحديث الذي لا يلزم عنده قال إنه يقول يكثر هذا عن أن ينص فقلت له فينص منه أربعة وجوه أو خمسة
فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الاجماع متفرقا فيه (قال
الشافعي) فقال فإن قلت إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول يكون أكثرهم متفقين عليه
سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الأكثر منهم يتفقون على شئ بجهالة ما
كان قبلهم ولا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو أثبت منه وإن لم يذكروه قلت أفرأيت إذا
أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشئ علموه أتجيز ذلك

(1) كذا في النسخة، وفيه سقط طاهر، ولعل أصله (روى عن سعيد وأبي بكر إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة
وروى عن عثمان ألخ) كما يؤخذ ذلك مما سبق قريبا فحرر، كتبه مصححه.
279

بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم
فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم
لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها قال فإن قلت نعم؟ قلت إذا تجعل العلم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال
فإن قلت لا؟ قلت فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال فإن قلت أجيز بعض ذلك دون بعض ذلك دون
بعض قلت فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان فما من
بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لأهل مكة
حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الأكثر من قوله؟ أو ترى لأهل البصرة
حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين أو لأهل الكوفة في الشعبي وإبراهيم ولأهل الشام وكل من وصفنا أهل
علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم وإنما العلم اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال فتقول أنت
ماذا؟ قلت أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك
صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو
عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من
الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان
أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا
تعني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام وقد وجدنا الأئمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما
أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم
الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين في موضع
أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم والعلم طبقات شتى الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت
السنة ثم الثانية الاجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، الخامسة القياس على
بعض الطبقات ولا يصار إلى شئ غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما
ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الأغلب
الأكثر من قول من قال فيه نتابعهم وإن خالفهم أحد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الأغلب الأكثر
لمتقدم قبله أو لأحد في دهرهم أو بعدهم؟ قلت نعم قال فاذكر منه واحدا قلت إن لبن الفحل لا يحرم قال فمن
قاله من التابعين أو السابقين؟ (قال الشافعي) أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني مروان
بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى
سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها
فقال له الناس ويلك إنها أختك فرفع ذلك إلى هشام ابن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد
الملك أنه ليس ذلك برضاع، أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن
القاسم أنه كان يقول كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني
أبي بكر (قال) أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي عبيدة بن عبد الله
بن زمعة أن أمه زينب بنت أبي
سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي
بكر امرأة الزبير فقالت زينب بنت أبي
سلمة
فكان الزبير يدخل على وأنا امتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول أقبلي على فحدثيني أراه أنه أبي وما ولد
فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلى فخطب أم كلثوم بنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزه
280

للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له إنما هي بنت أخته فأرسل إلى عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك
بأخ أنا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي
عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها إن الرضاعة
من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا عبد
العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول
الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن
علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان ابن يسار
وعن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن
مروان بن عثمان بن أبي المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت لعبد العزيز
من عبد الملك؟ قال ابن مروان (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن
أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز وذلك كان
رأي ربيعة ورأي فقهائنا وأبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد وقال حديث رجل
من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روى عن الزهري خلافهم فما
التفتم إليه وهؤلاء أكثر وأعلم (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت
جاء عمي من الرضاعة أفلح ابن أبي القعيس يستأذن على بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي صلى
الله عليه وسلم أخبرته فقال إنه عمك فأذنوا له فقال وما في هذا حديثها أم أبي بكر أرضعته فليس هذا برضاع
من قبل الرجل ولو كان من قبل الرجل لكانت عائشة إعلم بمعنى ما تركت وكان أصحاب رسول الله والتابعون
ومن أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا ولا يتفق هؤلاء على خلاف سنة ولا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه
قال قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبي القعيس ويدفعه دفعا شديدا ويحتج فيه أن رأي عائشة خلافه
(قال الشافعي) فقلت له أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم
لبن الفحل فقد تركناه وتركتموه ومن يحتج بقوله إذا كنا نجد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم كالدلالة
على ما نقول أفيجوز لأحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والتابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل أكثر من روى عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي صلى الله
عليه وسلم نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال لا قلت فقد ترك من
تحتج بقوله هذا ولا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (يحرم من الرضاعة ما
يحرم من الولاد) فقال لي فلذلك تركته؟ فقلت نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولي في أنه لا أذهب إذا ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم شئ إلى أن أدعه لأكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل وقد يمكن أن يتأول حديث
النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان من النساء دون الرجل فأخذت بأظهر معانيه وإن أمكن فيه باطن وتركتم
قول الأكثر ممن روى عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الأكثر وتركت خبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما
عدوت ما قال الأكثر من المدنيين أن لا يحرم لبن الفحل (قال الشافعي) وقد وصفت حديث الليث بن سعد
عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال الزهري وإن ناسا ليقولون
يقوم سلعة فالزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب ومن خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك وهذا
عندكم كالاجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة وقلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة وأقاويل بني آدم
وذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة والمأمومة والمنقلة ثم
281

خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم (قال
الشافعي) وقد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رجلا خطب إلى النبي
صلى الله عليه وسلم امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في صداقها (التمس ولو خاتما من حديد) وحفظنا
عن عمر قال في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن
موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه
وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبي يحيى قال سألت ربيعة كم أقل الصداق؟ قال ما تراضى به
الأهلون فقلت وإن كان دورهما؟ قال وإن كان نصف درهم قلت وإن كان أقل قال لو كان قبضة حنطة أو
حبة حنطة قال فهذا حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة
وهذا عندكم كالاجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار؟
فقال لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي أراه أخذه عن أبي حنيفة، قلت للشافعي فقد
فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول
أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملا به ورقا كثيرا مما
خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت
للشافعي إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الأمر المجتمع عليه عندنا وفيه الأمر
عندنا (قال الشافعي) فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الاجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون
وفي القول الذي ادعيتم فيه الاجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم
شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت فاذكر ذلك قال تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن
سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شئ؟ قلت نعم (قال الشافعي) وقد رويتم عن أبي هريرة أنه
سجد في (إذا السماء انشقت) وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر
القراء أن يسجدوا في (إذا السماء انشقت) وأن عمر سجد في النجم قلت نعم وإن عمرو ابن عمر سجدا في
سورة الحج سجدتين؟ قلت نعم قال فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وأبي
هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الأئمة الذين ينتهي إلى
أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما
جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود؟ قال لا أقول
اجتمعوا ولكن أعزي ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعي الاجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع
أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شئ يصح لكم أبدا قلت
فعلى أي شئ أكثر الفقهاء؟ قال على إن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين
وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلا
سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في
الحج سجدتين أو تعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم
أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له! فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه
وقلتم هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه
ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الانسان يجب أن يعرف وجه الصواب، فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن
شاء الله تعالى قال بلى وهكذا نقول (قال الشافعي) أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمين مع الشاهد يقولون بما
282

قلتم؟ قلت مماذا؟ قال أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه؟
قلت لا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين
خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق؟ قلت بلى قال فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت نعم
ولكن لعله زلل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز
الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لأنكم إذا زللتم في
أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم (قال الشافعي) وقولكم في اليمين مع
الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها
حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء
ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تحفظون أن
أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة
فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال من غير
الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل
وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة (قال الشافعي) وزعمت أن ما أشكل فيما
احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد
يقولون نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكون عنها وهذا سنة غير
القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطي أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد
وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما
الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بأن من الحجة لا يبان ما أشكل
منها (قال الشافعي) أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحرث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن
أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في
الملطاة بنصف دية الموضحة (قال الشافعي) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن
قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن
مالك بهذا الاسناد مثله (قال الشافعي) وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث
أفتى فيما دون الموضحة بشئ (قال الشافعي) فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون
الموضحة بشئ وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون
الموضحة بشئ موقت ولست أعرف لمن قال هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت
عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون
علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشئ كان حائزا له
أن يقول لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشئ وقد روى عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع
أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشئ ولا نجد وقد روينا أن زيد بن
ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت
مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا
أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد، قال سألت الشافعي من أي
شئ يجب الوضوء؟ قال من أن ينام الرجل مضجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو
283

يمس ذكره قلت فهل قال قائل ذلك (قال الشافعي) نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت
ونحن نقوله (قال الشافعي) إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت نعم قال
فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو
ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بني آدم
غيركم والله المستعان ثم
تؤكدونه بأن تقولوا الأمر عندنا قال فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة
لا معنى لها فلم تكلفتموها؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما
ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم.
284

كتاب
جماع العلم
285

كتاب جماع العلم
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه
إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز
وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله الله صلى الله عليه
وسلم وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة
سأصف قولها إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم تفرقا متباينا وتفرق غيرهم ممن نسبته العامة إلى الفقه فيه تفرقا. أما بعضهم فقد أكثر
من التقليد والتخفيف من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالا يدل
على ما وراءه إن شاء الله تعالى.
باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل
بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها
استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال عز وجل في القرآن (تبيانا لكل شئ) فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في
شئ فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه
دلالة؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو
ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرؤون أحدا لقيتموه
وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطي في حديثه بل وجدتكم
تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل
لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخطأتم أو من حدثكم
وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت أفيجوز أن يفرق بين شئ من أحكام
القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها
وتمنعون بها؟ قال فقلت إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا
مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال ومثل ماذا؟ قلت إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة
وإبائه اليمين وحلف صاحبه والاقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا
287

بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة قال وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم
وما حجتكم فيه على من ردها قال لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله
كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحد الشك في جرف منه أو يجوز أن يقوم شئ مقام الإحاطة وليس بها؟ فقلت
له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم (1) والفرق بين ما دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك
مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال نعم قلت فقد رددتها إذ
كنت تدين بما تقول قال أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر؟ فإن أوجدته كان أزيد في
ايضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت إن سلكت
سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم
أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال فاذكر شيئا إن حضرك قلت قال الله عز وجل
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) قال فقد علمنا أن
الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟ قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب
جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه؟ قلت تعني بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة
الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي
على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم قال إنه ليحتمل ذلك قلت فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول
قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟
قلت وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال يحتمل أن يكونا كما وصفت
كتابا وسنة فيكونا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا
وخلاف ما ذهبت إليه قال وأين هي؟ قلت قول الله عز وجل (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله
والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟
قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى
وقلت افترض الله علينا اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم قال وأين؟ قلت قال الله عز وجل (فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وقال الله عز وجل (من
يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)
قال ما من شئ أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان بعض قال
أصحابنا إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن
ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لقد فرض الله عز وجل علينا اتباع أمره فقال (وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) قال إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به
وننتهي عما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد؟ قال
نعم فقلت فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئا
فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرصة؟ قال نعم قلت فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع

(1) كذا في النسخة وفيه سقط وتحريف لم نهتد إليهما فحرر وقد انفردت هنا نسخة سقيمة جدا لم نعثر على غيرها بعد
البحث والتنقيب وتنتهي إلى كتاب القرعة، كتبه مصححه.
288

أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب على أن
أقبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقلت له أيضا يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال فاذكر منه
شيئا قلت قال الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) وقال
في الفرائض (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه
الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس) فزعمنا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الفرائض
نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل الوصية نسخت الفرائض هل نجد
الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن
علينا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما
في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة
فيه بل أتدين بأن على الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما
مرة وخاصا أخرى، قلت له لسان العرب واسع وقد تنطق بالشئ عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها
ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال
فاذكر منها شيئا قلت قال الله عز وجل (الله خالق كل شئ) فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال (إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فكل نفس مخلوقة من
ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالتقوى وخلافها لا
تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من
دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال (وأسألهم
عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له
أشياء مما كتبت في كتابي فقال هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به
خاص قلت فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة؟ قال بلى: قلت وتجد الحيض مخرجات منه؟
قال نعم: وقلت وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها؟ قال بلى: قلت وتجد الوصية
للوالدين منسوخة بالفرائض؟ قال نعم قلت وفرض المواريث للآباء والأمهات والولد عاما ولم يورث المسلمون
كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت فما ذلك على
هذا؟ قال السنة لأنه ليس فيه نص قرآن قلت فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة
رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا؟ قال نعم
وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين أحد
الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه؟ قال أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من
جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين
في كل يوم أو قال في كل أيام وقال ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره ما كان فيه
قرآن يقبل فيه الخبر فقال بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه
ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما
والخطأ قال ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن
289

تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة؟ قلت نعم قال ما هو؟ قلت ما تقول في هذا الرجل إلى جنبي أمحرم الدم
والمال؟ قال نعم قلت فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه قال أقتله قودا
وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له قال قلت أو يمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط؟ قال
نعم قلت فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة قال أمرت بقبول الشهادة قلت
أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل؟ قال لا ولكن استدلالا أني لا أؤمر بها إلا بمعنى
قلت أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون الحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية؟ قال فإن الحجة في
هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين قلنا الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ
عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم والاجماع دونه قال ذلك الواجب على وقلت له نجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة
وهي غير إحاطة؟ قال كذلك أمرت قلت فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على
الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة البشر لا نقبل
حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا
دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات قال فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد
مثله أخرى مع ما وصفت من بيان الخطأ فيه وما يلزمهم من اختلاف أقاويلهم وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب
قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم فقال لي قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله
قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق
إن شاء الله تعالى أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عز وجل ولا خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما
أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شئ وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه؟ وأتى لك بمعرفة الصواب
والخطأ فيه؟ وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا؟ فمن أباح لك أن تحل
وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذى عليه؟ فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قلبه بلا
مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه فأبن من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة
وإلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك فقلت له ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شئ ولا حظره
ولا أخذ شئ من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم فما لم يكن
داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا
على اجتهاد به (1) على طلب الأخبار اللازمة ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب
من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث
وصفت فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسألتان إحداهما
أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير
قياس؟ واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك قلت إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شئ والتبيين من وجوه منها
ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده
دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم فإذا أمرهم بطلب ما افترض ذلك - ذلك والله أعلم - على

(1) لعله: (بعد طلب الأخبار) تأمل.
290

دلالتين
أحدهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشئ أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى أنه
كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه قال فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت قال الله عز وجل (قد نرى
تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) وشطره قصده وذلك تلقاؤه
قال أجل قلت وقال (هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال (1) (وسخر لكم
النجوم والليل والنهار والشمس والقمر) وخلق الجبال والأرض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه
فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى
داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد
يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض قال هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت
من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت أما على إحاطة من أتى إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف
أكثر من هذا فنعم قال أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك؟ قلت أفهذا شئ كلفت الإحاطة في
أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال فما كلفت؟ قلت التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف
وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي قال
فنقول أصبت قلت نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما
أجبت به وإن من قال كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن
ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة فقال
أذكر غير هذا إن كان عندك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وقلت له قال الله عز وجل (ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل) على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر
فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت
عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في
القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء من غير
اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لأحد أن يقول في شئ من العلم إلا بالاجتهاد
والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل
عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما
يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا
ومثل هذا إن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة
الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير
إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل
عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لأحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال: أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس؟
فقلت نعم قال وما هي؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه
قال لا يريه إلا أهل العلم به قلت لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه
عيبا ينقصه ومالا ينقصه؟ قال نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم؟ قال نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن
يقيسوا الشئ بعضه ببعض على سوق سومها؟ قال نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة؟ قال نعم قلت فإن قال

(1) مراده أن القرآن دل على ذلك لا أن لفظ (القرآن) هكذا، فتنبه.
291

غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء
يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف فقال ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة
قلت ولو قال أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة فنحن نقول فيه على غير قياس ونكتفي في الظن بسعر اليوم
والتأمل لم يكن ذلك لهم؟ قال نعم قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وبما
قال العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس
والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه
جاهلين قال أفتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا؟ قلت نعم، قال: فاذكرها، قلت لم
أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور
ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى قال أفتوجدني هذا
من سنة؟ قلت نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد
بن إبراهيم التيمي عن يسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله
أجر) وقال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو
سلمة عن أبي هريرة (قال الشافعي) فقال فأسمعك تروي (فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ
فله أجر).
باب حكاية قول من رد خبر الخاصة
(أخبرنا الربيع) قال قال محمد بن إدريس الشافعي فوافقنا طائفة في أن تثبيت الأخبار عن النبي
صلى الله عليه وسلم لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها
ويضيقون على كل أحد أن يخالفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكى كلام
المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما
احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى
العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتين أن يفتي ولا
يحكم إلا من جهة الإحاطة والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله وذلك
الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن لا نقبل
منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا
يشك فيه قلت له لست أحسبه يخفي عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد
في علم العامة قال وكيف؟ قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقي أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه
عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها وعلم
الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فما ليس فيه
نص كتاب يتأولون فيه ولم ذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند
المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى
وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به
292

كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا
وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال
قلت فاذكره قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل
الفرائض قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد، ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه
فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه
فإذا تفرقوا فهو على الظاهر قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكموا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم
يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن
رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه قلت فصف لي ما بعده قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم
الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط ثم آخر هذا القياس ولا يقاس منه الشئ
بالشئ حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء فيكون في معنى
الأصل ولا يسع التفرق في شئ مما وصفت من سبيل العلم والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على
إزالتها عن أصولها والاجماع حجة على كل شئ لأنه لا يمكن فيه الخطأ قال فقلت أما ما ذكرت من
العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع
عليه وتحكي عمن قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن
قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الاسلام غير
مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا؟ قال بل هو وجه غير هذا
قلت فصفه قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم منفردون بالعلم دونهم
مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة
وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها؟ دلتني على
حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن
لأنهم (1) لا يجتمعون من جهة فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن
وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا
تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما
ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال فقلت له هذا تجويز
إبطال الأخبار وإثبات الاجماع لأنك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم
غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له ومن أهل العلم الذي إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة
قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا
كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون
قولهم حجة؟ قال فإن قلت لا؟ قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن
يقولوا؟ قال فإن قلت نعم؟ وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول؟ قال فإن قلت لا قلت فأي
شئ قلت فيه كان متناقضا قال فدع هذا قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان
فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في

(1) في العبارة سقط ولعل الأصل (لأنهم لا يجتمعون من جهة إلا وهم مجتمعون من كل جهة) تأمل كتبه مصححة.
293

الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم قال فإن قلت إنهم داخلون
فيهم؟ قلت فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت فما تقول في المسح على الخفين؟ قال فإن قلت لا يمسح
أحد لأني إذا اختلفوا في شئ رددته إلى الأصل والأصل الوضوء قلت وكذلك تقول في كل شئ؟
قال نعم قلت فما تقول في الزاني الثيب أترجمه قال: نعم، قلت: كيف ترجمه وممن نص بعض
الناس علماء أن لا رجم على زان لقول الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)
فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج
بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال إن أعطيتك هذا دخل على فيه شئ يجاوز القدر كثرة
أجل قال فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الأول قلت فقل قال لا أنظر إلى إلى قليل من
المفتيين وأنظر إلى الأكثر قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو
ثلثهم أو ربعهم قال ما أستطيع أن أجدهم ولكن الأكثر قلت أفعشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء
متقاربون قلت فحدهم بما شئت قال ما أقدر أن أحدهم قلت فكأنك أردت أن تعجل هذا القول
مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول أختلف فيه قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت هؤلاء الأقل
أفترضى من غيرك بمثل هذا الجواب رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من التفرق أرأيت لو
كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الأكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس
قد شهدت للستة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ؟ قال فإن قلت بلى؟ قلت فقال الأربعة في قول غيره
فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة قال فآخذ بقول الستة قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين
وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول
متناقض وقلت له أرأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل
إلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن كل واحد
منهم؟ قال ما يوجد هذا قلت فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل
واحد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا
سبيل إليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة قلت فأسمعك
قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما
قلدوه الفقه ونسبوه إليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث
وذلك أجهلهم لأن الجهل عندك قبول خبر الانفراد وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه إلى الفقهاء
ويفضلونهم به مع أن الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال فكيف لا يوجد؟ قال هو أو بعض من
حضر معه فإني أقول إنما أنظر في هذا إلى من يشهد له أهل الحديث الفقه فقلت ليس من بلد إلا وفيه
من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا
يحل لأحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن
من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه ثم أفتى بها الزنجي ابن
خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من
هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب ثم
يتركون بعض قوله ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في
تضعيف مذاهبهم وقد رأيت ابن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وابن أبي حازم
294

والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى
يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف
أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من
البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في
العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي ثم لعل كل صنف من
هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان، وهكذا رأيناهم
فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض
من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت
يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي
زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم
من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام؟ وكما وصفت رأيهم أو رأي
أكثرهم وبلغني عمن غاب عني منهم شبيه بهذا فإن اجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء
إذا اجتمعوا على شئ قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو
نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له فإن لم يجمعوا لك على واحد
منهم أنه في غاية (3) فكيف جعلته عالما؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم
ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء
وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما أسمك وطريقك إلا بطريق التفرق، إلا أنك تجمع إلى ذلك أن
تدعي الاجماع وإن في دعواك الاجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى
الاجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع؟ قلت نعم نحمد الله كثير في جملة الفرائض التي لا يسع
جهلها فذلك الاجماع هو الذي لو قلت أجمع الناس لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس
هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الاجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه
ودون الأصول غيرها فأما ما ادعيت من الاجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكي عن أهل
كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الاجماع فيما ادعى من
ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته
وعابوه؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الاجماع على الأمة في الدنيا قال إنما عبناه
أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الاجماع ولا يجوز الاجماع إلا على ما وصفت من أن
لا يكون مخالف فلعل الاجماع عنده الأكثر وإن خالفهم الأقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول
الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شئ في شئ لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على
قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه
أكثر، لأن الاجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك
وقول من قال الاجماع خلاف الاجماع قال فأوجدني ما قلت، قلت إن كان الاجماع قبلك إجماع
الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمر تسميه إجماعا قال ما
هو؟ اجعل له مثالا لأعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم
أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الاجماع ما أجمع
295

عليه هؤلاء قال نعم قلت زعمت أنهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل
الخبر عنهم وأنك لما وجدتهم يقولون في الأشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على أنهم قالوا بها
من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي أجمع عليه أهل العلم أنه حق قال هكذا قلت وقلت
له قد يمكن أن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وإن لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا
بالرأي دون القياس قال إن هذا وإن أمكن عليهم فلا أظن بهم أنهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا أنهم
قالوا إلا من جهة القياس فقلت له لأنك وجدت أقاويلهم تدل على أنهم ذهبوا إلى أن القياس لازم
لهم أو إنما هذا شئ ظننته لأنه الذي يجب عليهم وقلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك قال
ما أرى إلا ما وصفت لك فقلت له هذا الذي رويته عنهم من أنهم قالوا من جهة القياس توهم ثم
جعلت التوهم حجة قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت أن لا يقال إلا به؟ قلت من غير
الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع وقلت أرأيت الذين نقلوا لك عنهم أنهم قالوا فيما
تجد أنت فيه خيرا فتوهمت أنهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شئ فهو دليل على
إجماعهم أنقلوا إليك عنهم أنهم قالوا من جهة الخبر المنفرد فروى أبي المسيب عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا
فأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وروى عطاء عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في
المخابرة شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم وروى الحسن عن رجل عن النبي صلى الله
عليه وسلم أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم أنهم عاشوا يقولون
بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا قال نعم قد رووا هذا عنهم
فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت أن ما وجد من فعلهم مجمعا عليه لزم العامة الأخذ به
ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف ثم عبت
ما أجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف
وتوهمت عليهم أنهم قاسوا فزعمت أنه لا يحل لأحد أن يدع القياس ولا يقول إلا بما يعرف أن قولك
الاجماع خلاف الاجماع بهذا وبأنك زعمت أنهم لا يسكتون على شئ علموه وقد ماتوا لم يقل أحد
منهم قط الاجماع علمناه والاجماع أكثر العلم لو كان حيث ادعيته أو ما كفاك عيب الاجماع أنه لم يرو
عن أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى الاجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إلا عن أهل
زمانك هذا فقال فقد ادعاه بعضهم قلت أفحمدت ما أدعي منه قال لا قلت فكيف صرت إلى أن
تدخل فيما ذممت في أكثر مما عبت ألا تستدل من طريقك أن الاجماع هو ترك ادعاء الاجماع ولا تحسن
النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فيوجد سواك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله، أن يكون هذا
إجماعا بل فيما ادعيت أنه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد أو أكثر من يحكي لنا عنه من أهل البلدان
قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك إلى المسألة عما لزم لنا ولك من هذا قال وما
هو؟ قلت: أفرأيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي شئ تثبت، قال أقول القول الأول الذي
قاله لك صاحبنا، فقلت: ما هو؟ قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه، قلت فاذكر الأول منها
قال خبر العامة عن العامة قلت أكقولكم الأول مثل أن الظهر أربع؟ قال نعم، فقلت هذا مما لا
يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني؟ قال تواتر الأخبار؟ فقلت له حدد لي تواتر الأخبار بأقل مما
296

يثبت الخبر واجعل له مثالا لعلم ما يقول وتقول قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للأربعة الذين جعلتهم
مثالا يروون واحد فتتفق روايتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم شيئا أو أحل شيئا استدللت على
أنهم بتباين بلدانهم وأن كل منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه إلينا ممن لم
يقبل عن صاحبه أن روايتهم إذا كانت هذا تتفق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغلط لا يمكن فيها
قال فقلت له لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني
يروي عن المدني والمكي يروي عن المكي والبصري عن البصري والكوفي عن الكوفي حتى ينتهي كل
واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا
جميعا على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم للعلة التي وصفت قال نعم لأنهم إذا كانوا في بلد واحد
أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة فقلت له لبئسما نبثت به على من
جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت قال فاذكر ما يدخل على فيه فقلت له أرأيت لو لقيت رجلا
من أهل بدر وهم المقدمون ومن أثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت أليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر
الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه؟
قال بلى فقلت أفتحكم فيما تثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروي لك أنه سمع جابر بن
عبد الله يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل أبي سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروي لك
أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
واجعل أبا إسحاق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول أحدهما سمعت البراء بن
عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسميه واجعل أيوب يروي عن الحسن
البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم بتحليل الشئ أو تحريم له أتقوم بهذا حجة؟ قال نعم فقلت له أيمكن في الزهري
عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على
من فوقه؟ فقال فإن قلت نعم قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن
هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وترد خبر الواحد من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خير الناس وتقبله عمن لا يعد لهم في الفضل لأن كل
واحد من هؤلاء ثبت عمن فوقه ومن فوقه ثبت عمن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهذه الطريق التي عبت قال هذا هكذا إن قلته ولكن أرأيت إن لم أعطك هذا هكذا؟ قلت لا
يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح قال فإن قلت لا أقبل من
واحد نثبت عليه خبرا إلا من أربعة وجوه متفرقة كما لم أقبل عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أربعة
وجوه متفرقة قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به؟ قال: إذا نقول به. لا يوجد هذا أبدا قال فقلت
أجل وتعلم أنت أنه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجل ولكن دع هذا قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون
ثلاثة؟ أرأيت إن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن
وقت لك الأربعة؟ قال إنما مثلتهم قلت أفتحد من يقبل منه؟ قال لا قلت أو تعرفه فلا تظهره لما
297

يدخل عليك فتبين انكساره وقلت له أو لبعض من حضر معه فما الوجه الثالث الذي يثبت به عن النبي
صلى الله عليه وسلم؟ قال إذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواحد من أصحابه الحكم حكم
به فلم يخالفه غيره استدللنا على أمرين أحدهما أنه إنما حدث به في جماعتهم والثاني أن تركهم الرد عليه
بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة منهم بأن ما كان كما يخبرهم فكان خبرا عن عامتهم قلت له فلما رأيتكم
تنتقلون إلى شئ إلا احتججتم بأضعف مما تركتم فقال ابن لنا ما قلت، قلت له أيمكن لرجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بالمدينة رجلا أو نفرا قليلا ما تثبته عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويمكن أن يكون أتى بلدا من البلدان فحدث به واحدا أو نفرا أو حدث به في سفر أو عند
موته واحدا أو أكثر قال فإن قلت لا يمكن أن يحدث واحدهم بالحديث إلا وهو مشهور عندهم قلت
فقد تجد العدد من التابعين يروون الحديث فلا يسمون إلا واحدا ولو كان مشهورا عندهم بأنهم سمعوا
من غيره سمعوا من سمعوه منه وقد نجدهم يختلفون في الشئ قد روى فيه الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم فيقول بعضهم قولا يوافق الحديث وغيره قولا يخالفه قال فمن أين ترى ذلك؟ قلت لو سمع
الذي قال بخلاف الحديث، الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال إن شاء الله تعالى بخلافه
وقلت له قد روى اليمين مع الشاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وغيره ولم يحفظ عن أحد
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علمته خلافها فيلزمك أن تقول بها على أصل مذهبك
وتجعلها إجماعا فقال بعضهم ليس ما قال من هذا مذهبنا قلت ما زلت أرى ذلك فيه وفي غيره مما
كلمتمونا به والله المستعان قال فاليمين مع الشاهد إجماع بالمدينة فقلت لا هي مختلف فيها غير أنا نعمل بما
اختلف فيه إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطريق الذي يثبت منها قال وقلت له من
الذين إذا اتفقت أقاويلهم في الخبر صح وإذا اختلفوا طرحت لاختلافهم الحديث قال أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) خبر الخاصة قال لا قلت فهل يستدرك عنهم العلم بإجماع أو اختلاف
بخبر عامة؟ قال ما لم أستدركه بخبر العامة نظرت إلى إجماع أهل العلم اليوم فإذا وجدتهم ما أجمعوا
عليه استدللت على أن اختلافهم عن اختلاف من مضى قبلهم قلت له أفرأيت استدلالا بأن إجماعهم
خبر جماعتهم؟ قال فنقول ماذا؟ قلت أقول لا يكون لأحد أن يقول حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا
يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا بخبر الجماعة عن الجماعة قال فإن قلته؟ قلت فقله
إن شئت قال قد يضيق هذا جدا فقلت له وهو مع ضيقه غير موجود ويدخل عليك خلافه في القياس
إذا زعمت للواحد أن يقيس فقد أجزت القياس والقياس قد يمكن فيه الخطأ وامتنعت من قبول السنة
إذا كان يمكن فيمن رواها الخطأ فأجزت الأضعف ورددت الأقوى وقلت لبعض أرأيت قولك
إجماعهم يدل لو قالوا لك مما قلنا به مجتمعين ومتفرقين ما قبلنا الخبر فيه والذي ثبت مثله عندنا عمن
قبلنا ونحن مجمعون على أن جائزا لنا فيما ليس فيه نص ولا سنة أن نقول فيه بالقياس وإن اختلفنا أفتبطل
أخبار الذين زعمت أن أخبارهم وما اجتمعت عليه أفعالهم حجة في شئ وتقبله في غيره؟ أرأيت لو
قال لك قائل أنا أتبعهم في تثبيت أخبار الصادقين وإن كانت منفردة وأقبل عنهم القول بالقياس فيما لا
خبر فيه فأوسع أن يختلفوا فأكون قد تبعتهم في كل حال أكان أقوى حجة وأولى باتباعهم وأحسن ثناء
عليهم أم أنت؟ قال بهذا نقول قلت نعم وقلت أرأيت قولك إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه

(1) كذا في النسخة ولعل أصله قلت في أخبر الخاصة الخ، تأمل.
298

وسلم ما معناه؟ أتعني أن يقولوا أو أكثرهم قولا واحدا أو يفعلوا فعلا واحدا قال لا أعني هذا وهذا غير
موجود ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارضه منهم معارض
بخلافه فذلك دلالة على رضاهم به وأنهم علموا أن ما قال منه كما قال قلت أو ليس قد يحدث ولا
يسمعونه ويحدث ولا علم لمن سمع حديثه منهم أن ما قال كما قال وأنه خلاف ما قال وإنما على المحدث
أن يسمع فإذا لم يعلم خلافه فليس له رده قال قد يمكن هذا على ما قلت ولكن الأئمة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أبدا أن يحدث محدثهم بأمر فيدعوا معارضته إلا عن علم بأنه كما
قال وقال فأقول فإذا حكم حاكمهم فلم يناكروه فهو علم منهم بأن ما قال الحق وكان عليهم أن يقيموا
على ما حكم فيه قلت أفيمكن أن يكونوا صدقوه بصدقه في الظاهر كما قبلوا شهادة الشاهدين بصدقهما
في الظاهر؟ قال فإن قلت لا؟ فقلت إذا قلت لا فيما عليهم الدلالة فيه بأنهم قبلوا عبر الواحد وانتهوا إليه
لمت أنك جاهل بما قلنا وإذا قلت فيما يمكن مثله لا يمكن كنت جاهلا بما يجب عليك قال فتقول
ماذا؟ قلت أقول إن صمتهم عن المعارضة قد يكون علم بما قال وقد يكون عن غير علم به ويكون قبولا
له ويكون عن وقوف عنه ويكون أكثرهم لم يسمعه لا كما قلت واستدلالا عنهم فيما سمعوا قوله ممن كان
عندهم صادقا ثبتا قال فدع هذا قلت لبعضهم هل علمت أن أبا بكر في إمارته قسم مالا فسوى فيه
بين الحر والعبد وجعل الجد أبا؟ قال نعم قلت فقبلوا منه القسم ولم يعارضوه في الجد في حياته؟ قال نعم
ولو قلت عارضوه في حياته قلت فقد أراد أن يحكم وله مخالف قال نعم ولا أقوله قال فجاء عمر ففضل
الناس في القسم على النسب والسابقة وطرح العبيد من القسم وشرك بين الجد والإخوة؟ قال نعم قلت
وولي على فسوى بين الناس في القسم قال نعم قلت فهذا على أخبار العامة عن ثلاثتهم عندك قال نعم
قلت فقل فيها ما أحببت قال فتقول فيها أنت ماذا؟ قلت أقول إن ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا
طلب بالاجتهاد فيه المجتهدون وسع كلا إن شاء الله تعالى أن يفعل ويقول بما رآه حقا لا على ما قلت
فقل أنت ما شئت قال لئن قلت العمل الأول يلزمهم كان ينبغي للعمل الثاني والثالث أن يكون مثله لا
يخالفه ولئن قلت بل لم يكونوا وافقوا أبا بكر على فعله في حياته ليدخل على أن له يمضي له اجتهاده
وإن خالفهم قلت أجل قال فإن قلت لا أعرف هذا عنهم ولا أقبله حتى أجد العامة تنقله عن العامة
فتقول عنهم حدثنا جماعة ممن مضى قبلهم بكذا فقلت له ما نعلم أحدا شك في هذا ولا روى عن أحد
خلافه فلئن لم تجز أن يكون مثل هذا ثابتا فما حجتك على أحد إن عارضك في جميع ما زعمت أنه
إجماع بأن يقول مثل ما قلت فقال جماعة ممن حضر منهم فإن الله عز وجل ذم على الاختلاف فذممناه
فقلت له في الاختلاف حكمان أم حكم؟ قال حكم قلت فأسألك قال فسل قلت أتوسع من
الاختلاف شيئا؟ قال لا قلت أفتعلم من أدركت من أعلام المسلمين الذين أفتوا عاشوا أو ماتوا وقد
يختلفون في بعض أمور يحكون عمن قبلهم؟ قال نعم: قلت فقل فيهم ما شئت قال فإن قلت قالوا بما
لا يسعهم قلت فقد خالفت اجتماعهم قال أجل قال فدع هذا قلت أفيسعهم القياس قال نعم قلت فإن
قاسوا فاختلفوا يسعهم أن يمضوا على القياس؟ قال فإن قلت لا؟ قلت فيقولون إلى أي شئ نصير؟
قال إلى القياس قلت قالوا قد فعلنا فرأيت القياس بما قلت ورأي هذا القياس بما قال؟ قال فلا يقولون
حتى يجتمعوا قلت من أقطار الأرض؟ قال: فإن قلت نعم: قلت فلا يمكن أن يجتمعوا ولو أمكن
اختلفوا قال فلو اجتمعوا لم يختلفوا. قلت قد اجتمع اثنان فاختلفا فكيف إذا اجتمع الأكثر؟ قال ينبه
بعضهم بعضا قلت ففعلوا فزعم كل واحد من المختلفين أن الذي قاله القياس قال فإن قلت يسع
299

الاختلاف في هذا الموضع قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين وتركت
قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا قال ما تقول أنت؟ قلت الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص
حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه وما لم يكن فيه
من هذا واحد كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن
يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع فإن ورد أمر مشتبه
يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشئ وغيره بخلافه وهذا
قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت؟ قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والاجماع قال فاذكر
الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عز وجل (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما
جاءهم البينات) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) فإنما رأيت الله ذم
الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك
على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة
إلى المسجد الحرام فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما
الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره) أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الأغلب على أنها في جهة والأغلب على
غيري في جهة ما الفرض علينا؟ فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن
نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما أمكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا
فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه وقلت قال
الله (ممن ترضون من الشهداء) وقال (ذوي عدل منك) أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان
بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن
يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك
إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد
أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا وقلت له قال الله عز وجل (ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فإن
حكم عدلان في موضع بشئ وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وأدى ما عليه وإن
اختلفا وقال (والآتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع وأضربوهن فإن أطعنكم)
الآية وقال عز وجل (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) أرأيت إذا فعلت
امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟ قال
يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجر والضرب ولا يسع الآخر الضرب وقلت وهكذا يسع الذي
يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الأخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما قال نعم قال: قال
وإن قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة
الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر
بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد
بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن
أبي هريرة قال وماذا: قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتيين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا
300

فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان
موجودا في أفعالهم الاختلاف؟ والله أعلم.
بيان فرائض الله تعالى
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) فرض الله عز وجل في كتابه من وجهين أحدهما
أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر والآخر أنه أحكم فرضه
بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم في كتابه بقوله عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وبقوله تبارك
اسمه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) إلى (تسليما) وبقوله عز وجل (وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) مع غير آية في القرآن بهذا
المعنى فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله عز وجل قبل (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل ثم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفرق بين ما فرق منها ونجمع بين ما جمع منها فلا يقاس فرع شريعة على
غيرها وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم
ساقطة عن الحيض أيام حيضهن ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز الدخول في
واحدة منهما إلا بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان موجودا أو التيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما
وفي الحضر أو كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في العضو أو زيادة في العلة ونجدهما
مجتمعتين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالأرض ونجدهما وإذا
كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلي تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ
إيماء ولا نجد ذلك للمصلي فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من الخوف ونجد المصلي صلاة تجب
عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المتنفل يجوز له أن يصلي جالسا ونجد
المصلي فريضة يؤديها في الوقت قائما فإن لم يقدر أداها جالسا فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن
قدر وموميا إن لم يقدر. ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة تكون إلا ثابتة أو ساقطة
فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أداؤها مما وجبت في جميع الحالات مستويا ليست تختلف بعذر كما اختلفت
تأدية الصلاة قائما أو قاعدا ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان عليه دين مثله زالت
عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شئ في تلك الحال والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها
(قال الربيع) وللشافعي قول آخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل
أن الله عز وجل قال (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فلما كانت هذه العشرون لو وهبها
جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها
مال من ماله وجبت عليه فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى (خذ من أموالهم) الآية (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها ولا تزول عنها الزكاة وكذلك
الصبي والمغلوب على عقله.
301

باب الصوم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى ونجد الصوم فرضا بوقت كما أن الصلاة فرض بوقت ثم نجد الصوم
مرخصا فيه للمسافر أن يدعه وهو مطيق له في وقته ثم يقضيه بعد وقته وليس هكذا الصلاة لا يرخص
في تأخير الصلاة عن وقتها إلى يوم غيره ولا يرخص له في أن يقصر من الصوم شيئا كما يرخص في أن
يقصر من الصلاة ولا يكون صومه مختلفا باختلاف حالاته في المرض والصحة ونجده إذا جامع في
صيام شهر رمضان وهو واجد وأعتق وإذا جامع في الحج نحر بدنة وإن جامع في الصلاة استغفر ولم
تكن عليه كفارة والجماع في هذه الحالات كلها محرم ثم يكون جماع كثير محرم لا يكون في شئ منه
كفارة ثم نجده يجامع في صوم واجب عليه في قضاء شهر رمضان أو كفارة قتل أو ظهار فلا يكون عليه
كفارة ويكون عليه البدل في هذا كله ونجد المغمى عليه والحائض لا صوم عليهما ولا صلاة فإذا أفاق
المغمى عليه وطهرت الحائض فعليهما قضاء ما مضى من الصوم في أيام إغماء هذا وحيض هذه وليس
على الحائض قضاء الصلاة في قول أحد ولا على المغمى عليه قضاء الصلاة في قولنا، ووجدت الحج
فرضا على خاص وهو من وجد إليه سبيلا ثم وجدت الحج يجامع الصلاة في شئ ويخالفها في غيره
فأما ما يخالفها فيه فإن الصلاة يحل له فيها أن يكون له أن يمضي فيها ويكون عليه أن يستأنف صلاة
غيرها بدلا منها ولا يكفر ويفسد حجه فيمضي فيه فاسدا لا يكون له غير ذلك ثم يبدله ويفتدي والحج
في وقت والصلاة في وقت فإن أخطأ رجل في وقته لم يجز عنه الحج ثم وجدتهما مأمورين بأن يدخل
المصلي في وقت فإن دخل المصلي قبل الوقت لم تجز عنه صلاته وإن دخل الحاج قبل الوقت أجزأ عنه
حجه ووجدت للصلاة أولا وآخرا فوجدت أولها التكبير وآخرها التسليم ووجدته إذا عمل ما يفسدها
فيما بين أولها وآخرها أفسدها كلها ووجدت للحج أولا وآخرا ثم أجزأ بعده فأوله الاحرام ثم آخر أجزائه
الرمي والحلاق والنحر فإذا فعل هذا خرج من جميع إحرامه في قولنا ودلالة السنة إلا من النساء خاصة
وفي قول غيرنا إلا من النساء والطيب والصيد ثم وجدته في هذه الحال إذا أصاب النساء قبل
يحللن له نحر بدنة ولم يكن مفسدا لحجه وإن لم يصب النساء حتى يطوف حل له النساء وكل شئ
حرمه عليه الحج معكوفا على نكسه من حجه من البيتوتة بمنى ورمى الجمار والوداع يعمل هذا حلالا
خارجا من إحرام الحج وهو لا يعمل شيئا في الصلاة إلا وإحرام الصلاة قائم عليه ووجدته مأمورا في
الحج بأشياء إذا تركها كان عليه فيها البدل بالكفارة من الدماء والصوم والصدقة وحجة ومأمورا في
الصلاة بأشياء لا تعدو واحدا من وجهين إما أن يكون تاركا لشئ منها فتفسد صلاته ولا تجزيه كفارة
ولا غيرها إلا استئناف الصلاة أو يكون إذا ترك شيئا مأمورا يه من غير صلب الصلاة كان تاركا لفضل
والصلاة مجزية عنه ولا كفارة عليه ثم للحج وقت آخر وهو الطواف بالبيت بعد النحر الذي يحل له به
النساء ثم لهذا آخر وهو النفر من منى ثم الوداع وهو مخير في النفر إن أحب تعجل في يومين وإن أحب
تأخر، أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة بإسناده عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنه قال (لا يمسكن الناس على بشئ فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما
حرم الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى هذا منقطع ونحن نعرف فقه طاوس ولو ثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبين فيه أنه على ما وصفت إن شاء الله تعالى قال (لا يمسكن الناس على بشئ)
ولم يقل لا تمسكوا عني بل قد أمر أن يمسك عنه وأمر الله عز وجل بذلك (قال الشافعي) أخبرنا ابن
302

عيينة عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا
أعرفن ما جاء أحدكم الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما ندري، هذا
وما وجدنا في كتاب الله عز وجل اتبعناه) وقد أمرنا باتباع ما أمرنا واجتناب ما نهى عنه وفرض الله
ذلك في كتابه على خليقته وما في أيدي الناس من هذا إلا تمسكوا به عن الله تبارك وتعالى ثم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن دلالته ولكن قوله إن كان قاله (لا يمسكن الناس على بشئ)
يدل على أن رسوله صلى الله عليه وسلم إذ كان بموضع القدوة فقد كانت له خواص أبيح له فيها ما لم
يبح للناس وحرم عليه منها ما لم يحرم على الناس فقال (لا يمسكن الناس على بشئ) من الذي لي أو
على دونهم فإن كان على ولي دونهم لا يمسكن به وذلك مثل أن الله عز وجل إذا أحل له من عدد
النساء ما شاء وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له قال الله تعالى (خالصة لك من دون المؤمنين) فلم
يكن لأحد أن يقول قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع ونكح رسول الله صلى
الله عليه وسلم امرأة بغير مهر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيا من المغانم وكان لرسول الله صلى
الله عليه وسلم لأن الله عز وجل قد بين في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك له
دونهم وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق فلم يكن لأحد أن يقول على أن أخير
امرأتي على ما فرض الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول النبي صلى الله
عليه وسلم إن كان قاله (لا يمسكن الناس على بشئ فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم
إلا ما حرم الله) وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك أمره وافترض عليه أن يتبع ما
أوحى إليه ونشهد أن قد اتبعه فما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله عز وجل في الوحي اتباع سنته فيه فمن
قبل عنه فإنما قبل بفرض الله عز وجل قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا) وقال عز وعلا (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا
مما قضيت ويسلموا تسليما) وأخبرنا عن صدقة بن يسار عن عمر بن عبد العزيز سأل بالمدينة فاجتمع له
على أنه لا يبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر (قال الشافعي) إن الله عز وجل وضع نبيه صلى الله عليه
وسلم من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول فيما
أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه وأنه لا يخالف كتاب الله وأنه بين عن الله عز وعلا معنى ما أراد الله
وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا
يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى
إلى) وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (اتبع ما أوحي إليه من ربك) وقال مثل هذا في غير
آية وقال عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (فلا وربك لا يؤمنون) الآية (قال
الشافعي) أخبرنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (ما تركت شيئا مما أمركم الله تعالى به إلا وقد أمرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه
إلا وقد نهيتكم عنه) (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي
النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ألفين أحدكم متكئا
على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ومثل
هذا إن الله عز وجل فرض الصلاة والزكاة والحج جملة في كتابه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
معنى ما أراد الله تعالى من عدد الصلاة ومواقيتها وعدد ركوعها وسجودها وسنن الحج وما يعمل المرء منه
303

ويجتنب وأي المال تؤخذ منه الزكاة وكم ووقت ما تؤخذ منه وقال الله عز وجل (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما) وقال عز ذكره (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فلو صرنا إلى
ظاهر القرآن قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا كل من لزمه اسم زنا مائة جلدة ولما قطع النبي في ربع
دينار ولو يقطع في أقل منه ورجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما استدللنا على أن الله عز وجل إنما أراد
بالقطع والجلد بعض السراق دون بعض وبعض الزناة دون بعض ومثل هذا لا يخالفه المسح على
الخفين قال الله عز وجل (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فلما مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين استدللنا على أن
فرض الله عز وجل غسل القدمين إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض وأن المسح لمن أدخل رجليه
في الخفين بكمال الطهارة استدلالا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يمسح والفرض عليه
غسل القدم كما لا يدرأ القطع عن بعض السراق وجلد المائة عن بعض الزناة والفرض عليه أن يجلد
ويقطع فإن ذهب ذاهب إلى أنه قد يروي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سبق
الكتاب المسح على الخفين فالمائدة نزلت قبل المسح المثبت بالحجاز في غزاة تبوك والمائدة قبله فإن زعم
أنه كان فرض وضوء قبل الوضوء الذي مسح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض وضوء بعده
فنسخ المسح فليأتنا بفرض وضوئين في القرآن فإن لا نعلم فرض الوضوء إلا واحدا وإن زعم أنه مسح
قبل يفرض عليه الوضوء فقد زعم أن الصلاة بلا وضوء ولا نعلمها كانت قط إلا بوضوء فأي كتاب
سبق المسح على الخفين المسح كما وصفنا من الاستدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان
جميع ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرائض الله تبارك وتعالى مثل ما وصفنا من السارق
والزاني وغيرهما (قال الشافعي) ولا تكون سنة أبدا تخالف القرآن، والله تعالى الموفق.
304

كتاب صفة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أصل النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما نهى عنه
فهو محرم حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم إما أراد به نهيا عن بعض
الأمور دون بعض وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهي والأدب والاختيار ولا نفرق بين نهي النبي
صلى الله عليه وسلم إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن
المسلمين كلهم لا يجهلون سنة وقد يمكن أن يجهلها بعضهم فمما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان على التحريم لم يختلف أكثر العامة فيه أنه نهى عن الذهب بالورق إلا هاء وهاء وعن الذهب
بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ونهى عن بيعتين في بيعة فقلنا والعامة معنا إذا تبايع المتبايعان ذهبا بورق
أو ذهبا بذهب فلم يتقابضا قبل أن يتفرقا فالبيع مفسوخ وكانت حجتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
نهى عنه صار محرما وإذا تبايع الرجلان بيعتين في بيعة فالبيعتان جميعا مفسوختان بما انعقدت وهو أن
يقول أبيعك على أن تبيعني لأنه إنما انعقدت العقدة على أن ملك كل واحد منهما عن صاحبه شيئا
ليس في ملكه ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ومنه أن أقول سلعتي هذه لك بعشرة نقدا
أو بخمسة عشر إلى أجل فقد وجب عليه بأحد الثمنين لأن البيع لم ينعقد بشئ معلوم وبيع الغرر فيه
أشياء كثيرة نكتفي بهذا منها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة فما انعقدت على شئ
محرم علي ليس في ملكي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لأني قد ملكت المحرم بالبيع المحرم فأجرينا
النهي مجرى واحدا إذا لم يكن عنه دلالة تفرق بينه ففسخنا هذه الأشياء والمتعة والشغار كما فسخنا
البيعتين ومما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات دون بعض واستدللنا على أنه إنما
أراد بالنهي عنه أن يكون منهيا عنه في حال دون حال بسنته صلى الله عليه وسلم وذلك أن أبا هريرة
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فلولا الدلالة عنه
كان النهي في هذا مثل النهي في الأول فيحرم إذا خطب الرجل امرأة أن يخطبها غيره فلما قالت
فاطمة بنت قيس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حللت فآذنيني) فلما حلت من عدتها
أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما معاوية فصعلوك لا مال له
وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ولكن انكحي أسامة بن زيد) قالت فكرهته فقال (انكحي
أسامة) فنكحته فجعل الله فيه خيرا وأغتبطت به استدللنا على أنه لا ينهى عن الخطبة ويخطب على
خطبة إلا ونهيه عن الخطبة حين ترضى المرأة فلا يكون بقي إلا العقد فيكون إذا خطب أفسد ذلك على
الخاطب المرضي أو عليها أو عليهما معا وقد يمكن أن يفسد ذلك عليهما ثم لا يتم ما بينها وبين الخاطب
ولو أن فاطمة أخبرته أنها رضيت واحدا منهما لم يخطبها إن شاء الله تعالى على أسامة ولكنها أخبرته
بالخطبة واستشارته فكان في حديثها دلالة على أنه لم ترض ولم ترد فإذا كانت المرأة بهذه الحال جاز أن
305

تخطب وإذا رضيت المرأة الرجل وبدا لها وأمرت بأن تنكحه لم يجز أن تخطب في الحال التي لو زوجها
فيها الولي جاز نكاحه فإن قال قائل فإن حالها إذا كانت بعد أن تركن بنعم مخالفة حالها بعد الخطبة وقبل
أن تركن فكذلك حالها حين خطبت قبل الركون مخالفة حالها قبل أن تخطب وكذلك إذا أعيدت عليها
الخطبة وقد كانت امتنعت فسكتت والسكات قد لا يكون رضا فليس ههنا قول يجوز عندي أن يقال
إلا ما ذكرت بالاستدلال ولولا الدلالة بالسنة كانت إذا خطبت حرمت على غير خاطبها الأول أن
يخطبها حتى يتركها الخاطب الأول ثم يتفرق نهى النبي صلى الله عليه وسلم على وجهين فكل ما نهى
عنه مما كان ممنوعا إلا بحادث يحدث فيه يحله فأحدث الرجل فيه حادثا منهيا عنه لم يحله وكان على أصل
تحريمه إذا لم يأت من الوجه الذي يحله وذلك مثل أن أموال الناس ممنوعة من غيرهم وأن النساء
ممنوعات من الرجال إلا بأن يملك الرجل مال الرجل بما يحل من بيع أو هبة وغير ذلك وأن النساء
محرمات إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فإذا اشترى الرجل شراء منهيا عنه فالتحريم فيما
اشترى قائم بعينه لأنه لم يأته من الوجه الذي يحل منه ولا يحل المحرم وكذلك إذا نكح نكاحا منهيا عنه
لم تحل المرأة المحرمة (1) عنه من فعل شئ في ملكي أو شئ مباح لي ليس بملك لأحد فذلك نهي
اختيار ولا ينبغي أن نرتكبه فإذا عمد فعل ذلك أحد كان عاصيا بالفعل ويكون قد ترك الاختيار ولا
يحرم ما له ولا ما كان مباحا له وذلك مثل ما روى عنه أنه أمر الآكل أن يأكل مما يليه ولا يأكل من
رأس الثريد ولا يعرس على قارعة الطريق فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أو عرس على قارعة
الطريق أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم ذلك طعام عليه
وذلك أن الطعام غير الفعل ولم يكن يحتاج إلى شئ يحل له به الطعام كان حلالا فلا يحرم الحلال عليه
بأن عصى في الموضع الذي جاء منه الأكل ومثل ذلك النهي عن التعريس على قارعة الطريق،
الطريق له مباح وهو عاص بالتعريس على الطريق ومعصيته لا تحرم عليه الطريق وإنما قلت يكون فيها
عاصيا إذا قامت الحجة على الرجل بأنه كان علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، والله أعلم.

(1) كذا في النسخة وفيه سقط ظاهر ولعل الأصل (وما نهى عنه من فعل شئ الخ) تأمل.
306

كتاب
إبطال الاستحسان
307

كتاب إبطال الاستحسان
الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله وكما ينبغي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
محمد عبده ورسوله بعثه بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
فهدي بكتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بما أنعم عليه وأقام الحجة على خلقه لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرسل وقال (وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى رحمة) وقال
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وفرض عليهم اتباع ما أنزل عليه وسن رسوله لهم فقال
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله
ورسوله) فاعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله ولم يجعل لهم إلا اتباعه وكذلك قال لرسوله صلى
الله عليه وسلم فقال (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم * صراط الله) مع ما أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه فقال (فاستمسك بالذي أوحي إليك)
وقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم فقال عز وجل
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وأبان الله عز وجل
لخلقه أنه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم وافقت سرائرهم علانيتهم أو
خالفتها وإثما جزاهم بالسرائر فأحبط عمل كل من كفر به ثم قال تبارك وتعالى فيمن فتن عن دينه (إلا
من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) فطرح عنهم حبوط أعمالهم والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين وقلوبهم على
الطمأنينة بالايمان وخلاف الكفر وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا وأبان ذلك عز وجل حتى يظهروا
الايمان ثم أوجب للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وقال
(إذا جاءك والمنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون *
اتخذوا أيمانهم جنة) يعني والله تعالى أعلم من القتل فمنعهم من القتل ولم يزل عنهم في الدنيا أحكام
الايمان مما أظهر ومنه وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار يعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالايمان
فأعلم عباده مع ما أقام عليهم من الحجة بأن ليس كمثله أحد في شئ أن علمه بالسر والعلانية واحد
فقال تعالى ذكره (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)
وقال عز وعلا (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) مع آيات أخر من الكتاب (قال الشافعي)
فعرف جميع خلقه في كتابه أن لا علم إلا ما علمهم فقال عز وجل (والله أخرجكم من بطون
أمهاتكم لا تعلمون شيئا) وقال (لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء) (قال الشافعي) ثم من
عليهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم وقال لنبيه صلى الله
عليه وسلم (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) وقال عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) وقال لنبيه (قل ما
309

كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) ثم أنزل على نبيه أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر يعني والله أعلم ما تقدم من ذنبه قبل الوحي وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من
رضاه عنه وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة وسيد الخلائق وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تقف ما
ليس لك به علم) وجاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل في امرأة رجل رماها بالزنا فقال له يرجع
فأوحى الله إليه آية اللعان فلاعن بينهما وقال الله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب
إلا الله) وقال (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) الآية وقال لنبيه
(يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * فحجب عن نبيه علم الساعة وكان من
جاور ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما من ملائكته وأنبيائه لأن الله عز
وجل فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئا وأولى أن لا يتعاطوا حكما على غيب
أحد لا بدلالة ولا ظن لتقصير علمهم عن علم أنبيائه الذين فرض الله تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم
حتى يأتينهم أمره فإنه عز وجل ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا بأن لا يحكموا
إلا بما ظهر من المحكوم عليه وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره ففرض على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى
يسلموا وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الاسلام ثم بين الله ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم
بالاسلام إلا الله فقال عز وجل لنبيه (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) (قرأ الربيع) إلى
قوله (فلا ترجعوهن إلى الكفار) يعني والله تعالى أعلم بصدقهن بإيمانهن قال (فإن علمتموهن
مؤمنات) يعني ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الايمان لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالايمان
ما يعلم الله فاحكموا لهن بحكم الايمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار (لا هن حل لهم ولا هم يحلون
لهن) (قال الشافعي) ثم اطلع الله رسوله على قوم يظهرون الاسلام ويسرون غيره ولم يجعل له أن يحكم
عليهم بخلاف حكم الاسلام ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا فقال لنبيه
صلى الله عليه وسلم (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) الآية (قال الشافعي)
أسلمنا يعني أسلمنا بالقول بالايمان مخافة القتل والسباء ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعني
إن أحدثوا طاعة رسوله وقال له في المنافقين وهم صنف ثان (إذا جاءك المنافقون) إلى (اتخذوا
إيمانهم) جنة يعني والله تعالى أعلم أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الايمان جنة من القتل
وقال في المنافقين (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم) الآية فأمر بقبول ما أظهروا ولم يجعل لنبيه أن
يحكم عليهم خلاف حكم الايمان وكذلك حكم نبيه صلى الله عليه وسلم على من بعدهم بحكم الايمان
وهم يعرفون أو بعضهم بأعيانهم منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله
فإذا أظهروا التوبة منه والقول بالايمان حقنت عليهم دماؤهم وجمعهم ذكر الاسلام وقد أعلم الله رسوله
صلى الله عليه وسلم أنهم في الدرك الأسفل من النار فقال (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)
فجعل حكمه عليهم عز وجل وسرائرهم وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما
قامت عليه بينة من المسلمين بقوله وما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر مما لم يقروا به ولم تقم به
بينة عليهم وقد كذبهم على قولهم في كل وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد عبد الله
بن عدي ين الخيار أن رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم فلم ندر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى
الله عليه وسلم فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أليس
310

يشهد أن لا إله إلا الله؟) قال بلى ولا شهادة له فقال (أليس يصلي؟) قال بلى ولا صلاة له فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك الذين نهاني الله تعالى عنهم) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن
عطاء بن يزيد عن أسامة بن زيد قال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس أخبرنا عبد العزيز
بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا
أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها وحسابهم على الله) (قال الشافعي) فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فرض الله أن يقاتلهم
حتى يظهروا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها يعني إلا بما يحكم الله تعالى
عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم والله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون
أنبيائه وحكام خلقه وبذلك مضت أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود
وجميع الحقوق وأعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون وأن الله يدين بالسرائر، أخبرنا مالك عن
هشام بن عروة وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم العجلاني وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال يا
رسول الله رأيت شريك بن السحماء يعني ابن عمه وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين حاد الخلق
يصيب فلانة يعني امرأته وهي حبلى وما قربتها منذ كذا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكا
فجحد ودعا المرأة فجحدت فلاعن بينها وبين زوجها وهي حبلى ثم قال (أبصروها فإن جاءت به
أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد
كذب) فجاءت به أدعج عظيم الأليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا (إن أمره لبين لولا ما
قضى الله) يعني أنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم على أحد إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه
لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة، وقال (لولا ما قضى الله لكان لي فيهما قضاء غيره) ولم
يعرض لشريك ولا للمرأة والله أعلم وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد أن الزوج هو
الصادق (قال الشافعي) أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن
نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لركانة (والله ما أردت إلا واحدة؟) فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها
إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما (قال
الشافعي) وفي جميع ما وصفت ومع غيره مما استغنيت بما كتبت عنه مما فرض الله تعالى على الحكام
في الدنيا دليل على أن حراما على حاكم أن يقضى أبدا على أحد من عباد الله إلا بأحسن ما يظهر
وأخفه على المحكوم عليه وإن احتمل ما يظهر منه غير أحسنه كانت عليه دلالة بما يحتمل ما يخالف
أحسنه وأخفه عليه أو لم تكن لما حكم الله في الأعراب الذين قالوا آمنا وعلم الله الايمان لم يدخل في
قلوبهم وما حكم الله تعالى به في المنافقين الذين أعلم الله أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كذبة بما أظهروا من
الايمان وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين حين وصف قبل أن تلد إن جاءت به
أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق فجاء به على الوصف الذي قال النبي صلى الله
عليه وسلم لزوجها فلا أراه إلا قد صدق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمره لبين) أي لقد
زنت وزنى بها شريك الذي رماه زوجها بالزنى ثم لم يجعل الله إليهما سبيلا إذا لم يقرا ولم تقم عليهما بينة
وأبطل في حكم الدنيا عليهما استعمال الدلالة التي لا يوجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين
311

والأعراب أقوى مما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مولود امرأة العجلاني قبل يكون ثم كان كما
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والأغلب على من سمع الفزاري يقول للنبي صلى الله عليه وسلم إن
امرأتي ولدت غلاما أسود وعرض بالقذف أنه يريد القذف ثم لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم
يكن التعريض ظاهر قذف فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه حكم القاذف والأغلب على من
سمع قول ركانة لامرأته أنت طالق البتة أنه يعقل أنه قد أوقع الطلاق بقوله طالق وأن البتة إرادة شئ
غير الأول أنه أراد الابتات بثلاث ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا بظاهر الطلاق وذلك واحدة (قال الشافعي) فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر
عليهم استدلالا على أن ما أظهروا يحتمل غير ما أظهروا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من
خلاف التنزيل والسنة وذلك أن يقول قائل من رجع عن الاسلام ممن ولد على الاسلام قتلته ولم أستتبه
ومن رجع عنه ممن لم يولد على الاسلام استتبته ولم يحكم الله تعالى على عباده إلا حكما واحدا مثل أن
يقول من رجع عن الاسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهر كالمجوسية استتبته فإن أظهر التوبة
قبلت منه ومن رجع إلى دين يخفيه لم أستتبه (قال الشافعي) وكل قد بدل دينه دين الحق ورجع إلى
الكفر فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض وكل باطل فإن قال لا أعرف توبة الذي يسر دينه،
قيل ولا يعرفها إلا الله وهذا مع خلافه حكم الله ثم رسوله كلام مجال يسأل من قال هذا هل تدرى لعل
الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة؟ فإن قال نعم قيل
فتدري لعلك قتلت المؤمن الصادق بالايمان واستحييت الكاذب بإظهار الايمان فإن قال ليس على إلا
الظاهر قيل فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة والمنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من
الايمان فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يعتل بشئ له وجه ولكنه يخالفها ويعتل
بما لا وجه له كأنه يرى النصرانية واليهودية لا تكون إلا بإتيان الكنائس، أرأيت إذا كانوا ببلاد لا
كنائس فيها أما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم؟ قال وما وصفت من حكم الله ثم حكم
رسوله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين أن جاءت به المتلاعنة على النعت المكروه يبطل حكم الدلالة
التي هي أقوى من الذرائع فإذا أبطل الأقوى من الدلائل أبطل له الأضعف من الذرائع كلها وأبطل
الحد في التعريض بالدلالة، فإن من الناس من يقول: إذا تشاتم الرجلان فقال أحد ما ما أبي بزان
ولا أمي بزانية حد لأنه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب إنما يريد به قذف أم الذي يشاتم وأبيه وإن قاله
على غير المشاتمة لم أحده إذا قال لم أرد القذف مع إبطال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم التعريض
في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلاما أسود فإن قال قائل فإن عمر حد في التعريض في مثل
هذا قيل واستشار أصحابه فخالفه بعضهم ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة ويبطل مثله من قول
الرجل لامرأته أنت طالق البتة لأن طالق إيقاع طلاق ظاهر والبتة تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير
زيادة فعليه الظاهر والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر حتى لا يحكم عليه أبدا إلا بظاهر ويجعل
القول قوله في غير الظاهر قال وهذا يدل على أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه لا يفسد بشئ
تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بأغلب وكذلك كل شئ لا نفسده إلا بعقده ولا نفسد البيوع بأن يقول
هذه ذريعة وهذه نية سوء ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال متى خالف أن تكون ذريعة إلى الذي
لا يحل كان أن يكون اليقين من البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يرد به من الظن ألا ترى أن رجلا لو
312

اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها
البيع، قال وكذلك لو باع البائع سيفا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا وكذلك لو اشترى
فرسا وهو يراها عقوقا فقال هو والله ما اشتريتها بمائة إلا لعقاقها وما تسوى لولا العقاق خمسين وقال
البائع ما أردت منها العقاق لم يفسد البيع بهذه النية إذا انعقدت صفقة البيع على الفرس ولم يشترط فيها
العقاق ولو اشترط فيها العقاق فسد البيع لأنه بيع ما لا يدري أيكون أو لا يكون ألا ترى لو أن رجلا
شريفا نكح دنية أعجمية أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد
منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لأن ظاهر عقدته كانت صحيحة إن
شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الاسلام على أن العقود إنما
يثبت بالظاهر عقدها ولا يفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا
تفسد يتوهم غير عاقدها على عاقدها ثم سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم.
باب إبطال الاستحسان
(قال الشافعي) وكل ما وصفت مع ما أنا ذاكر وساكت عنه أكتفاء بما ذكرت منه عما لم أذكر
من حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن
يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم وذلك الكتاب ثم السنة أو ما قاله
أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا لا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان إذ لم يكن
الاستحسان واجبا ولا في واحد من هذه المعاني فإن قال قائل فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا
لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا؟ قيل قال الله عز وجل (أيحسب
الانسان أن يترك سدى) فلم يختلف أهل العمل بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهي
ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه الله أنه لم يتركه
سدى ورأي أن قال أقول بما شئت وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفي السنن فخالف منهاج
النبيين وعوام حكم جماعة من روى عنه من العالمين فإن قال فأين ما ذكرت من القرآن ومنهاج النبيين
صلى الله عليه وسلم أجمعين؟ قيل قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام (اتبع ما أوحي إليك
من ربك) وقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) الآية ثم جاءه قوم فسألوه عن
أصحاب الكهف وغيرهم فقال أعلمكم غدا يعنى أسأل جبريل ثم أعلمكم فأنزل الله عز وجل (ولا
تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) الآية وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه
أوسا فلم يجبها حتى أنزل الله عز وجل (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وجاءه العجلاني
يقذف امرأته قال لم ينزل فيكما وانتظر الوحي فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله عز وجل وقال
لنبيه (أن أحكم بينهم بما أنزل الله) وقال عز وجل (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين
الناس بالحق) الآية وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله
نصا أو دلالة من الله فقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس تنزل بأحد
نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة فإن قال وما النص والجملة؟ قيل النص ما حرم الله وأحل
نصا حرم الأمهات والجدات والعمات والخالات ومن ذكر معهن وأباح من سواهن وحرم الميتة والدم
313

ولحم الخنزير والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بالوضوء فقال (اغسلوا وجوهكم وأيديكم) الآية
فكان مكتفي بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه مع أشباه له فإن قيل فما الجملة؟ قيل ما
فرض الله من صلاة وزكاة وحج فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة وعددها ووقتها
والعمل فيها وكيف الزكاة وفي أي المال هي وفي أي وقت هي وكم قدرها وبين كيف الحج والعمل فيه
وما يدخل فيه وما يخرج به منه (قال الشافعي) فإن قيل فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن الله؟
قيل نعم فإن قيل فمن أين قيل؟ قبل عن الله لكلامه جملة وقبل تفسيره عن الله بأن الله فرض طاعة نبيه
فقال عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال (من يطع الرسول فقد أطاع
الله) مع ما فرض من طاعة رسوله فإن قيل فهذا مقبول عن الله كما وصفت فهل سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم بوحي؟ قيل الله أعلم * أخبرنا مسلم بن خالد عن طاوس (قال الربيع) هو عن ابن
جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن عنده كتابا من العقول نزل به الوحي (قال الشافعي) وما فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط إلا بوحي فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحيا إلى رسول الله
صلى الله
عليه وسلم فيستن به * أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن
حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا
شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الأمين قد ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى
تستوفي رزقها فأجملوا في الطلب) (قال الشافعي) وقد قيل ما لم يتل قرآنا إنما ألقاه جبريل في روعه
بأمر الله فكان وحيا إليه وقيل جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدي إلى صراط مستقيم أن يسن وأيهما
كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن لهم وفرض عليهم اتباع سنته
(قال الشافعي) فإن قال قائل فما الحجة في قبول ما اجتمع الناس عليه؟ قيل لما أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين لم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا لزوم قول جماعتهم وكان معقولا أن
جماعتهم لا تجهل كلها حكما لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن الجهل لا يكون إلا في خاص وأما ما
اجتمعوا عليه فلا يكون فيه الجهل فمن قبل قوله جماعتهم فبدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
قولهم (قال الشافعي) رحمة الله وإن قال قائل أرأيت ما لم يمض فيه كتاب ولا سنة ولا يوجد الناس
اجتمعوا عليه فأمرت بأن يؤخذ قياسا على كتاب أو سنة أيقال لهذا قبل عن الله؟ قيل نعم قبلت جملته
عن الله فإن قيل ما جملته؟ قيل الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة فإن قيل أفيوجد في الكتاب دليل
عن ما وصفت؟ قيل نعم نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت فكان على من
رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان وفرض الله على من غاب عنه البيت أن يولي وجهه شطر المسجد
الحرام لأن البيت في المسجد الحرام فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة والمتوجه قصد البيت ممن
غاب عنه قابلين عن الله معا التوجه إليه وأحدهما على الإحاطة والآخر متوجه بدلالة فهو على إحاطة
من صواب جملة ما كلف وعلى غير إحاطة كإحاطة الذي يرى البيت من صواب البيت ولم يكلف
الإحاطة (قال الشافعي) فإن قيل فبم يتوجه إلى البيت؟ قيل قال الله تعالى (هو الذي جعل لكم
النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) وقال (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وكانت العلامات
جبالا يعرفون مواضعها من الأرض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون مهابها على
الهواء تدل على قصد البيت الحرام فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال (ومن
حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وكان معقولا
314

عن الله عز وجل أنه إنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما
سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم لأنه قضى أن لا يتركهم سدى وكان
معقولا عنه أنه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره وغيب عنهم عينه أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاءوا
لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه (قال الشافعي) وقال الله عز وجل (واشهدوا ذوي عدل
منكم) قال (ممن ترضون من الشهداء) فكان على الحكام أن لا يقبلوا إلا عدلا في الظاهر وكانت
صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع وقد يكون في الظاهر عدلا
وسريرته غير عدل ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى عمله ولم يجعل لهم إذا كان يمكن
إلا أن يردوا من ظهر منه خلاف العدل عندهم وقد يمكن أن يكون الذي ظهر منه خلاف العدل
خيرا عند الله عز وجل من الذي ظهر منه العدل ولكن كلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر
الذي لم يؤتوا أكثر منه (قال الشافعي) وقال الله جل ثناؤه (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) فكان معقولا عن الله في الصيد
النعامة وبقر الوحش وحماره والثيتل والظبي الصغير الكبير والأرنب واليربوع وغيره ومعقولا أن
النعم الإبل والبقر والغنم وفي هذا ما يصغر عن الغنم وعن الإبل وعن البقر فلم يكن المثل فيه في
المعقول وفيما حكم به من حكم من صدر هذه الأمة إلا أن يحكموا في الصيد بأولى الأشياء شبها منه
من النعم ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز والضبع من الكبش أن يبطلوا
اليربوع مع بعده من صغير الغنم وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد وكل أمر الله جل ذكره
وأشبه لهذا تدل على إباحة القياس وحظر أن يعمل بخلافه من الاستحسان لأن من طلب أمر الله
بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبيل التي فرضت عليه ومن قال أستحسن لا عن أمر الله ولا عن أمر
رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ما قال ولم يطلب ما قال بحكم الله ولا
بحكم رسوله وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا بأنه قد قال أقول وأعمل بما لم أومر به ولم أنه عنه
وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه وقد قضى الله بخلاف ما قال فلم يترك أحدا إلا متعبدا (قال
الشافعي) في قول الله عز وجل (أيحسب الانسان أن يترك سدى) إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو
قياس عليه فقد أدى ما كله وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤديا ما أمر به نصا وفي
القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الأمرين ثم لرسوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد فيروى أنه قال لمعاذ (بم تقضي؟) قال بكتاب الله قال (فإن
لم يكن في كتاب الله) قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإن لم يكن) قال أجتهد قال
(الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد
فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم (قال
الشافعي) ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجا بأن معنى قوله أفعل
ما هويت وإن لم أومر به مخالف معنى الكتاب والسنة فكان محجوجا على لسانه ومعنى ما لم أعلم فيه
مخالفا فإن قيل ما هو؟ قيل لا أعلم أحدا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن
يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالما بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والاجماع
والعقل لتفصيل المشتبه فإذا زعموا هذا قيل لهم ولم لم يجز لأهل العقول التي تفوق كثيرا من عقول أهل
العلم بالقرآن والسنة والفتيا أن يقولوا فيما قد نزل مما يعلمونه معا أن ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع
315

وهم أوفر عقولا وأحسن إبانة لما قالوا من عامتكم؟ فإن قلتم لأنهم لا علم لهم بالأصول قيل لكم فما
حجتكم في علمكم بالأصول إذا قلتم بلا أصل ولا قياس على أصل؟ هل خفتم على أهل العقول
الجهلة بالأصول أكثر من أنهم لا يعرفون الأصول فلا يحسنون أن يقيسوا بما لا يعرفون وهل أكسبكم
علمكم بالأصول القياس عليهم أو أجاز لكم تركها؟ فإذا جاز لكم تركها جاز لهم القول معكم لأن
أكثر ما يخالف عليهم ترك القياس عليها أو الخطأ ثم لا أعلمهم إلا أحمد على الصواب إن قالوا على
غير مثال منكم لو كان أحد يحمد على أن يقول على غير مثال لأنهم لم يعرفوا مثالا فتركوه وأعذر بالخطأ
منكم وهم أخطأوا فيما لا يعلمون ولا أعلمكم إلا أعظم وزرا منهم أتركتم ما تعرفون من القياس على
الأصول التي لا تجهلون فإن قلتم فنحن تركنا القياس على غير جهالة بالأصل قيل فإن كان القياس حقا
فأنتم خالفتم الحق عالمين به وفي ذلك من المأثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم وإن زعمتم
أن واسعا لكم ترك القياس والقول بما سنج في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم
حججتم بما وصفنا من القرآن ثم السنة وما يدل عليه الاجماع من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم وما لا
تختلفون فيه من أن الحاكم لو تداعى عنده رجلان في ثوب أو عبد تبايعاه عيبا لم يكن للحاكم إذا
كان مشكلا أن يحكم فيه وكان عليه أن يدعو أهل العلم به فيسألهم عما تداعيا فيه هل هو عيب فإن
تطالبا قيمة عيب فيه وقد فات سألهم عن قيمته فلو قال أفضلهم دينا وعلما إني جاهل بسوقه اليوم وإن
كنت عالما بها قبل اليوم ولكني أقول فيه لم يسعه أن يقبل قوله بجهالته بسوق يومه وقبل قول من يعرف
سوق يومه ولو جاء من يعرف سوق يومه فقال إذا قست هذا بغيره مما يباع وقومته على ما مضى وكان
عيبه دلني القياس علي كذا ولكني أستحسن غيره لم يحل له أن يقبل استحسانه وحرم عليه إلا أن يحكم
بما يقال إنه قيمة مثله في يومه وكذلك هذا في امرأة أصيبت بصداق فاسد يقال كم صداق مثلها في
الجمال والمال والصراحة الشباب واللب والأدب فلو قيل مائة دينار ولكنا نستحسن أن نزيدها درهما أو
ننقصها لم يحل له وقال للذي يقول أستحسن أن أزيدها أو أنقصها ليس ذلك لي ولا لك وعلى الزوج
صداق مثلها وإذا حكم بمثل هذا في المال الذي نقل رزيته على من أخذ منه ولم يوسع فيه
الاستحسان وألزم فيه القياس وأهل العلم به ولم يجهل لأهل الجهالة قياسا فيه لأنهم لا يعلمون ما يقيسون
عليه فحلال الله وحرامه من الدماء والفروج وعظيم الأمور أولى أن يلزم الحكام والمفتين (قال الشافعي)
أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال أستحسن فلا بد أن يزعم
أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن فيقال في الشئ
الواحد بضروب من الحكم والفتيا فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا
وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وإن قال الذي يرى منهم ترك القياس بل على الناس اتباع ما
قلت قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك؟ أو رأيت إن ادعى عليك غيرك هذا
أتطيعه أم تقول لا أطيع إلا من أمرت بطاعته؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد وإنما الطاعة لمن أمر الله
أو رسوله بطاعته والحق فيما أمر الله ورسوله باتباعه ودل الله ورسوله عليه نصا أو استنباطا بدلائل أو
رأيت إذ أمر الله بالتوجه قبل البيت وهو مغيب عن المتوجه هل جعل له أن يتوجه إلا بالاجتهاد بطلب
الدلائل عليه؟ أو رأيت إذا أمر بشهادة العدل فدل على أن لا يقبل غيرها هل يعرف العدل من غيره
إلا بطلب الدلائل على عدله؟ أو رأيت إذا أمر بالحكم بالمثل في الصيد هل أمر أن يحكم إلا بأن
يحكم بنظره؟ فكل هذا اجتهاد وقياس أو رأيت إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحكم
316

هل يكون مجتهدا على غير طلب عين وطلب العين لا يكون إلا باتباع الدلائل عليها وذلك القياس لأن
محالا أن يقال اجتهد في طلب شئ من لم يطلبه باحتياله والاستدلال عليه لا يكون طالبا لشئ من
سنح على وهمه أو خطر بباله منه (قال الشافعي) وإنه ليلزم من ترك القياس أكثر مما ذكرت وفي بعضه
ما قام عليه الحجة وأسأل الله تعالى لي ولجميع خلقه التوفيق وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع
أحدا ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخه
وخاصة وعامه وأدبه وعالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا وعالما
بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس فإن عدم واحدا من هذه الخصال لم يحل له أن
يقول قياسا وكذلك لو كان عالما بالأصول غير عاقل للقياس الذي هو الفرع لم يجز أن يقال لرجل قس
وهو لا يعقل القياس وإن كان عاقلا للقياس وهو مضيع لعلم الأصول أو شئ منها لم يجز أن يقال له
قس على ما لا تعلم كما لا يجوز أن يقال قس لأعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك وكذا عن يسارك
فإذا بلغت كذا فانتقل متيامنا وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يمينا ويسارا أو يقال سر بلادا ولم يسرها قط
ولم يأتها قط وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سمت يضبطه لأنه يسير فيها عن غير مثال
قويم وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يقال له قوم عبدا من صفته كذا
لأن السوق تختلف ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه والغير الذي جهل لا
دلالة عليه ببعض علم الذي علم قوم كذا كما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء
فإن قال قائل فقد حكم وأفتى من لم يجمع ما وصفت قيل فقد رأيت أحكامهم وفتياهم فرأيت كثيرا
منها متضادا متباينا ورأيت كل واحد من الفريقين يخطئ صاحبه في حكمه وفتياه والله تعالى المستعان
فإن قال قائل أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله؟ قيل لا يجوز فيه عندنا والله تعالى
أعلم أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدا لأن علم الله عز وجل وأحكامه واحد لاستواء السرائر
والعلانية عنده وأن علمه بكل واحد جل ثناؤه سواء فإن قيل من له أن يجتهد فيقيس على كتاب أو سنة
هل يختلفون ويسعهم الاختلاف؟ أو يقال لهم إن اختلفوا مصيبون كلهم أو مخطئون أو لبعضهم
مخطئ وبعضهم مصيب؟ قيل لا يجوز على واحد منهم إن اختلفوا إن كان ممن له الاجتهاد وذهب
مذهبا محتملا أن يقال له أخطأ مطلقا ولكن يقال لكل واحد منهم قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه ولم
يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه أحد فإن قال قائل فمثل لي من هذا شيئا قيل لأمثال أدل عليه من
الغيب عن المسجد الحرام واستقباله فإذا اجتهد رجلان (3) بالطريقين عالمان بالنجوم والرياح والشمس
والقمر فرأى أحدهما القبلة متيامنا منه ورأي أحدهما القبلة منحرفة عن حيث رأى صاحبه كان على كل
واحد منهما أن يصلي حيث يرى ولا يتبع صاحبه إذا أداه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إليه
ولم يكلف واحد منهما صواب عين البيت لأنه لا يراه وقد أدى ما كلف من التوجه إليه بالدلائل عليه
فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ قيل أما فيما كلف فلا وأما خطأ عين البيت فنعم لأن البيت لا يكون
في جهتين فإن قيل فيكون مطيعا بالخطأ قيل هذا مثل جاهد يكون مطيعا بالصواب لما كلف من
الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف صواب المغيب العين عنه فإذا لم يكلف صوابه لم يكن عليه خطأ
ما لم يجعل عليه صواب عينه فإن قيل أفتجد سنة تدل على ما وصفت؟ قيل نعم. أخبرنا عبد العزيز بن
محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو
بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم
317

فاجتهد فأصاب فله أجران إذا اجتهد فأخطأ فله أجر) قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا
الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة فإن قال قائل
فما معنى هذا؟ قيل ما وصفت من أنه إذا اجتهد فجمع الصواب بالاجتهاد وصواب العين التي اجتهد
كان له حسنتان وإذا أصاب الاجتهاد وأخطأ العين التي أمر يجتهد في طلبها كانت له حسنة ولا يثاب من
يؤدي في أن يخطئ العين ويحسن من يؤدي أن يكف عنه وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف
صواب العين في حال فإن قيل ذم الله على الاختلاف قيل الاختلاف وجهان فما أقام الله تعالى به
الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة منه ليس عليهم إلا اتباعه ولا لهم مفارقته فإن اختلفوا فيه فذلك
الذي ذم الله عليه والذي لا يحل الاختلاف فيه فإن قال فأين ذلك؟ قيل قال الله تعالى (وما تفرق
الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد؟ ما جاءتهم البينة) فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل أو سنة قائمة
فلا يحل له الخلاف ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة ومن
خالف في أمر له فيه الاجتهاد فذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب إليه ويكون عليه دلائل لم يكن في (1)
من خلاف لغيره وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا بأنه إنما نظر
في القياس فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما
أدى إليه صاحبه فإن قال ويكون هذا في الحكم؟ قيل نعم فإن قيل فمثل هذا إذا كان في الحكم دلالة
على موضع الصواب قيل قد عرفناها في بعضه وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في
الأصلين شبه فيذهب ذاهب إلى أصل والآخر إلى أصل غيره فيختلفان فإن قيل فهل يوجد السبيل إلى
أن يقيم أحدهما على صاحبه حجة في بعض ما اختلفا فيه؟ قيل نعم إن شاء الله تعالى بأن تنظر النازلة
فإن كانت تشبه أحد الأصلين في معنى والآخر في اثنين صرفت إلى الذي أشبهته في الاثنين دون الذي
أشبهته في واحد وهكذا إذا كان شبيها بأحد الأصلين أكثر فإن قال قائل فمثل من هذا شيئا قيل لم
يختلف الناس في أن لا دية للعبد يقتل خطأ مؤقتة إلا قيمته فإن كانت قيمته مائة درهم أو أقل أو أكثر
إلى أن تكون أقل من عشرة آلاف درهم فعلى من قتله وذهب بعض المشرقيين إلى أنه إن زادت ديته
على عشرة ألاف درهم نقصها من عشرة ألاف درهم وقال لا أبلغ بها دية حر وقال بعض أصحابنا
نبلغ بها دية أحرار فإذا كان ثمنه مائة درهم لم يزد عليها صاحبه لأن الحكم فيها أنها ثمنه وكذلك إذا
زادت على دية أحرار أخذها سيده كما تقتل له دابة تسوى ديات أحرار فتؤخذ منه كان وهذا عندنا من
قول من قال من المشرقيين أمرا لا يجوز الخطأ فيه لما وصفت ثم عاد بعض المشرقيين فقال يقتل العبد
بالعبد وآخذ الأحرار بالعبيد ولا يقص العبد من حر ولا من العبد فيما دون النفس فقلت لبعض من
تقدم منهم ولم قتلتم العبد والإعبد بالعبد قودا ولم تقيدوا العبد من العبد فيما دون النفس؟ قال من أصل
ما ذهبنا إليه في العبيد إذا قتلوا خطأ أن فيهم أثمانهم وأثمانهم كالدواب والمتاع فقلنا لا نقص لبعضهم
من بعض في الجراح لأنهم أموال فقلت لهم أفيقاس القصاص على الديات والأثمان أم القصاص
مخالف للديات والأثمان؟ فإن كان يقاس على الديات فلم تصنع شيئا قتلت عبدا يسوى ألف دينار بعبد
يسوى خمسة دنانير وقتلت به عبيدا كلهم ثمنه أكثر من ثمنه ولم تصنع شيئا حين قتلت بعض العبيد
ببعض وأنت تمثلهم بالبهائم والمتاع وأن لا تقتل بهيمة ببهيمة لو قتلتها فإن زعمت أن الديات أصل

(1) بياض بالأصل.
318

والديات عبرة لأنك تقتل الرجل بالمرأة وديتها نصف دية الرجل فلم تذهب مذهبا بتركك القصاص بين
العبيد فيما دون النفس إذا قتلت العبد بالعبد كان أن يتلف بعضه ببعضه أقل وإن اختلفت أثمانهم مع
ما يلزمك من هذا القول قال وما يلزمني بقولي هذا؟ قلت أنت تزعم أن من قتل عبدا فعليه الكفارة
وعليه ما على من قتل الحر من الآثم لأنه مسلم عليه فرض الله وله حرمة الاسلام ولا تزعم هذا فيمن
قتل بعيرا أو حرق متاعا وتزعم أن على العبد حلالا وحراما وحدودا وفرائض وليس هذا على البهائم
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى إن الله عز وجل حكم على عباده حكمين حكما فيما بينهم وبينه أن
أثابهم وعاقبهم على ما أسروا كما فعل بهم فيما أعلنوا وأعلمهم إقامة للحجة عليهم وبينها لهم أنه علم
سرائرهم وعلم علانيتهم فقال (يعلم السر وأخفى) وقال (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وخلقه
لا يعلمون إلا ما شاء عز وجل وحجب علم السرائر عن عباده وبعث فيهم رسلا فقاموا بأحكامه على
خلقه وأبان لرسله وخلقه أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا وأباح دماء أهل الكفر من خلقه فقال
(اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وحرم دماءهم إن أظهروا الاسلام فقال (وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله) وقال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) وقال (ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم) فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتما وفرضا عليهم إن لم يظهروا
الايمان ثم أظهره قوم من المنافقين فأخبر الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون فقال (يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) وقال (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم
لتعرضوا عنه فأعرضوا عنهم) مع ما ذكر به المنافقين فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الايمان ولم يمنعهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم مناكحة المسلمين ولا موارثتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ورأيت
مثل هذا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)
وقال المقداد أرأيت يا رسول الله لو أن مشركا قاتلني فقطع يدي ثم لاذ مني بشجرة فأسلم أفأقتله؟ قال
(لا تقتله) قال والله تبارك وتعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) قال عز
وجل (ويدرأ عنها العذاب) الآية فحكم بالايمان بينهما إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه
الأجنبيون ودرأ عنه وعنها بها على أن أحدهما كاذب وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحد إن لم
يأت بأربعة شهداء على ما قال ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها
وقذفها بشريك بن السحماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظروها فإن جاءت به - يعني
الولد أسخم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا صدق) وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها
وزعم أن حبلها منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا
كذب عليها) وكانت تلك الصفة صفة زوجها فجاءت به يشبه شريك بن السحماء. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم (إن أمره لبين لولا ما حكم الله) أي لكان لي فيه قضاء غيره يعني والله أعلم لبيان
الدلالة بصدق زوجها فلما كانت الدلالة لا تكون عند العباد إحاطة دل ذلك على إبطال كل ما لم يكن
إحاطة عند العباد من الدلائل إن لم (1) يقروا به من الحكم عليه لم يمتنع مما وجب عليه أو تقوم عليه
بينة فيؤخذ من حيث أمر الله أن يؤخذ لا يؤخذ بدلالة وطلق ركانة بن عبد يزيد امرأته البتة ثم أتى النبي

(1) كذا في النسخة بهذا التحريف وحرر. كتبه مصححه.
319

صلى الله عليه وسلم فأحلفه ما أراد إلا واحدة وردها عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لما كان
كلامه محتملا لأن لم يرد إلا واحدة جعل القول قوله كما حكم الله فيمن أظهر الايمان بأن القول قوله في
الدنيا فينكح المؤمنات ويوارث المؤمنين وأعلم بأن سرائرهم على غير ما أظهروا وأنه يغلب على من سمع
طلاق البتة أنه يريد الابتات الذي لا غاية له من الطلاق وجاءه رجل من بني فزارة فقال إن امرأتي
ولدت غلاما أسود فجعل يعرض بالقذف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل؟) قال
نعم قال (ما ألوانها) قال حمر قال (فهل فيها من أورق) قال نعم قال (فأنى أتاه؟) قال لعله نزعه
عرق قال ولعل هذا نزعة عرق) ولم يحكم عليه بحد ولا لعان إذ لم يصرح بالقذف لأنه قد يحتمل أن
لا يكون أراد قذفا وإن كان الأغلب على سامعه أنه أراد القدف مع أن أحكام الله عز وجل ورسوله
صلى الله عليه وسلم تدل على ما وصفت من أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بالظن. وإن كانت له عليه
دلائل قريبة فلا يحكم إلا من حيث أمره الله بالبينة تقوم على المدعى عليه أو إقرار منه بالأمر البين وكما
حكم الله أن ما أظهر فله حكمه كذلك حكم أن ما أظهر فعليه حكمه لأنه أباح الدم بالكفر وإن كان
قولا فلا يجور في شئ من الأحكام بين العباد أن يحكم فيه إلا بالظاهر لا بالدلائل.
320

كتاب
الرد على محمد بن الحسن
321

كتاب الرد على محمد بن الحسن
باب الديات
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا أبو حنيفة رضي الله تعالى
عنه في الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وزن سبعة وقال أهل
المدينة على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن بلغنا
عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف
درهم، حدثنا بذلك أبو حنيفة رضي الله عنه عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب وزاد وعلى
أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألف شاة، أخبرنا سفيان الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن
عن الشعبي، قال على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار، وقال أهل المدينة
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن
كلا الفريقين روى عن عمر وانظر أي الروايتين أقرب إلى ما قال المسلمون في غير هذا فهو الحق أجمع
المسلمون جميعا لا اختلاف بينهم في القولين كافة أهل الحجاز وأهل العراق أن ليس في أقل من
عشرين دينارا من الذهب صدقة وليس في أقل من مائتي درهم من الورق صدقة فجعلوا لكل دينار
عشرة دراهم ففرضوا الزكاة على هذا فهذا لا اختلاف فيه بينهم فإذا فرضوا هذا في الصدقة فكيف
ينبغي لهم أن يفرضوا الدية كل دينار بعشرة دراهم أو يفرضوا كل دينار باثني عشر درهما إنما ينبغي أن
يفرضوا الدية بما يفرضون عليه الزكاة وقد جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود
أنهما قالا لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم فجعلوا الدينار بمنزلة العشرة الدراهم فعلى هذا
الأحرى ما فرضوا في مثل هذا فإن زاد سعر أو نقص لم ينظر في ذلك ألا ترى لو كان له مائة درهم
وعشرة دنانير وجب في ذلك الزكاة وجعل في كل صنف منها زكاة وجعل دينار على عشرة دراهم
فهذا أمر واضح ليس ينبغي لهم أن يفرضوا الدية فيه إلا على ما فرضت عليه الزكاة ونحوها ونحن فيما
نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فرض الدية دراهم من أهل المدينة لأن
الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية أهل العراق وقد صدق أهل المدينة أن عمر رضي الله عنه
فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثني عشر ألف درهم وزن ستة، أخبرنا الثوري
عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال كانت الدية الإبل فجعلت الإبل الصغير والكبير كل بعير بمائة
وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم (3) وقيل لشريك بن عبد الله أن رجلا من المسلمين
قال شريك قال أبو إسحاق فأتى رجل منا رجل من العدو وضربه فأصاب رجلا منا فكبه على وجهه
323

حتى وقع على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه اثني عشر ألف
درهم وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة (قال الشافعي) روى مكحول وعمرو بن شعيب وعدد من
الحجازيين أن عمر فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولم أعلم بالحجاز أحدا خالف فيه عن الحجازيين
ولا عن عثمان بن عفان وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة ولا أعلم
بالحجاز أحدا خالف في ذلك قديما ولا حديثا ولقد روى عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى
بالدية اثني عشر ألف درهم وزعم عكرمة أنه نزل فيه (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)
فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين قال في أحدهما فرض الدية عشرة آلاف درهم وقال في
الآخر اثني عشر ألفا وزن ستة قلت لمحمد بن الحسن أفتقول إن الدية اثنا عشر ألف درهم وزن ستة
فقال لا (1) فقلت من أين زعمت أن كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لأنك من أهل
الورق ولأنك عن عمر قلتها فإن عمر قضى فيها بشئ لا تقضي به قال لم تكونوا تحسبون قلت أفتروي
شيئا تجعله أصلا في الحكم فأنت تزعم أن من تروي عنه لا يعرف قضى به وكيف تقضي بالدية وزن
سبعة أفرأيت ما جعلت فيه الزكاة وغير ذلك مما جعلت فيه القطع وجاء تسمية دراهم ليس فيها وزن
ستة ولا وزن سبعة وقال لك قائل بل هي على وزن ستة لا وزن سبعة لأن عمر لا يفرض الدية وزن
ستة ويفرض فيما سواها وزن سبعة ما تقول؟ قال أقول إن الدراهم إذا جاءت جملة فهي على وزن
الاسلام قلنا: فكيف أخرجت الدية من وزن الاسلام إذا كان وزن الاسلام عندك وزن سبعة ثم
زعمت أنك أعلم بالدية منهم لأنكم من أهلها وزعمت لنا أن الدراهم إنما كانت صنفين، أحدهما
الدرهم وزن مثقال والآخر كل عشرة دراهم وزن ستة حتى ضرب زياد دراهم الاسلام فلو قال لك
قائل كل درهم جاءت به الزكاة أو في الدية أو في القطع أو غير ذلك فهو يوزن المثقال وقال آخر بوزن
ستة وقال آخر كل درهم فهو بوزن الاسلام (3) قيل له فهكذا ينبغي لك أن تقول في الدية (قال
الشافعي) يقول لقائل قوله أرأيت لو قال لك قائل قد خرجت من حديث أبي إسحاق الهمداني إن
الدية اثنا عشر ألفا وزن ستة ومن حديث الشعبي أن الدية عشرة آلاف درهم لأنه لم يذكر فيما تروون فيها
وزن ستة كما حدث أبو إسحاق لأن أبا إسحاق يذكر وزن ستة فهو أولى بها وقال آخرون وزن المثاقيل لأن
الأكثر أولى بها فإن قال بل وزن الاسلام فادعى محمد على أهل الحجاز أنهم أعلم بالدية منهم وإنما عمر
قبل الدية من أهل الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية منه إذا كان منهم فمن كان الحاكم منهم أولى
بالمعرفة بالدراهم منه إذا كان الحكم إنما وقع بالحاكم وقال محمد بن الحسن فرض المسلمون الزكاة في
كل عشرين دينارا وفي مائتي درهم كل دينار بعشرة دراهم فإن قيل له ومن أخبرك أنهم فرضوا الزكاة
قياسا؟ أرأيت إذا فرضت الزكاة في أربعين من الغنم وفي ثلاثين من البقر أقاسوا البقر على الغنم؟ فإن
قاسوها فالقياس لا يصلح إلا عددا وعدد البقر أقل من عدد الغنم أو بالقيمة فقيمة ثلاثين من البقر أكثر
من قيمة أربعين من الغنم وهكذا خمس من الإبل لا عددها عدد واحد منها ولا قيمتها قيمة واحد منها
قال ما الزكاة بقياس قلنا ولذلك كانت الدواب سوى البقر والغنم والإبل لا زكاة فيها والتبر سوى الذهب
والورق لا زكاة فيه وكل واحد منها أصل في نفسه لا قياس على غيره قال نعم قلنا فكيف زعمت أن
الذهب يقاس على الورق والورق يقاس على الذهب فإن زعمت أن أحدهما قياس على الآخر فأيهما

(1) في الكلام هنا تحريف فليحرر.
324

الأصل؟ فإن زعمت أنه الذهب لزمك أن تقول عشرين دينارا إذا كانت فيها الزكاة فلو كانت أربعين
درهما تسوى عشرين دينارا كانت فيها الزكاة أو ألف درهم لا تسوى عشرين دينارا لم يكن فيها الزكاة
وإن زعمت أن الورق هي الأصل قيل لك فيها كما قيل لك في الذهب والورق قال فما هي؟ قلنا كما
قلت في الماشية كل واحد منهما أصل في نفسه قال فالدية قلنا فأصل الدية الإبل في سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقومها عمر ألف دينار وأثنى عشر ألف درهم الذهب على أهل الذهب والورق على أهل
الورق فاتبع في ذلك قضاء عمر كما قضى قال فكيف كان الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعمر وعثمان رضي الله عنهما؟ قيل أما ما روي من الأخبار بينا فعلى اثنا عشر درهما بدينار وقطع
عثمان سارقا في أترجة ثمن ثلاثة دراهم من صرف اثنا عشر درهما بدينار وقضى في امرأة قتلت في الحرم
بدية وثلث ثمانية آلاف درهم (قال الشافعي) أخبرنا بذلك سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه وأما
الدلالة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فبمثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تقطع يد
السارق في ربع دينار فصاعدا) وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة
دراهم وهذا يشبه قضاء عثمان وقيل لمحمد بن الحسن من زعم لك أن في عشرة دنانير ومائة درهم
زكاة؟ أرأيت من قال في وسقين ونصف زبيب ووسقين ونصف تمر زكاة؟ قال ليس ذلك له حتى
يكون من كل واحد منهما ما يجب فيه الزكاة قال وكذلك في عشرين شاة وخمس عشرة بقرة؟ قال نعم
قيل ولم؟ قال لأن كل واحد منهما صنف غير صنف صاحبه قيل وكذلك الحنطة والشعير لا يضم واحد
منهما إلى صاحبه؟ قال نعم قيل فالحنطة من الشعير والتمر من الزبيب أقرب أو الذهب من الورق في
القيمة واللون؟ قال وما للقرب ولهذا؟ وكل واحد منهما صنف قيل فكيف جمعت بين الأبعد المختلف
من الفضة والذهب وأبيت أن تجمع ما بين الأقرب المختلف؟ قال فإنا نقول هذا قلنا فمن قال قولك
هذا هل تجد به أثرا يتبع؟ قال لا قلنا فقياس؟ قال لا قلنا فلا قياس ولا أثر قال فإن بعض أصحابكم
يقوله معنا قلنا فإن كانت الحجة إنما هي لك بأن ذلك الصاحب يقوله معك يجمع بين الحنطة والشعير
والسلت فيضم بعضها إلى بعض ويجمع بين القطنية قال هذا خطأ قلنا وما دلك على خطئه؟ أليس إذ
قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فإنما عنى من صنف واحد لا من
صنفين قال نعم قلنا أفرأيت إن قال لك هي صنف واحد؟ قال إذا يقول لي ما يعرف العقل غيره فلا
أقبله منه ما قيمتها ولا خلقتها بواحدة قلنا فالذهب أبعد من الورق في القيمة والخلقة من الحنطة من
الشعير والسلت فأراك تتخذ قوله إذا وافقك حجة وتزعم في موضع غيره من قوله أنه يخطئ ويحيل
وقلنا له لا يثبت عن ابن مسعود ما ذكرت من القطع في عشرة دراهم وأنت تروي عن الثوري عن
عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في خمسة دراهم
قال هذا مقطوع قلنا والذي رويت عنه القطع في عشرة دراهم عن ابن مسعود مقطوع بروايته عن رجل
أدنى في الثقة عندك من رواية هذا وأما روايتنا عن علي فجعفر بن محمد يروي عن أبيه أن علي ابن أبي
طالب رضي الله عنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا. أخبرنا بذلك حاتم بن إسماعيل قال هذا
منقطع قلنا وحديثكم مقطوع عن رجل لا نعرفه فإن قال قائل فإنا جمعنا بين الذهب والفضة في
الزكاة من قبل أنهما ثمن لكل شئ قيل له إن شاء الله تعالى أفيكونان ثمنا لكل شئ مجموعين فإن قال
ما تعني بمجموعين؟ قيل يقال لك أرأيت من استهلك لرجل متاعا يغرم قيمته ذهبا وورقا أو أحدهما
فإن قال بل أحداهما وإنما يقوم الورق على أهل الورق الذين هي أموالهم والذهب على أهل الذهب
325

الذين هي أموالهم قيل فما أسمعك جمعت بينهما في قيمة ما استهلك ولا في دية وما أنت إلا تفرد كل
منهما على حدته فكيف لم تفردهما هكذا في الزكاة؟ أو رأيت إذا كانا والإبل والبقر والغنم تجتمع في أنها
أثمان للأحرار المقتولين أتجمع بينها في الزكاة فإن قلت لا وليس اجتماعها في شئ يدل اجتماعها في غيره
قيل فهكذا ما أخرجت الأرض مما فيه الزكاة وفيه العشر كله فهو مجتمع في أن فيه العشر كما في الذهب
والورق ربع العشر ويفترق في أنه ليس بثمن لكل شئ كما الذهب والورق عندك ثمن لكل شئ
ويفترق في أنه مأكول كما الذهب والورق عندك غير مأكول أفتجمع بينه لاجتماعه فيما وصفنا؟ فإن قال
لا ولا يدلني اجتماعه في معنى ولا في معان أن أجمع بينه في كل شئ قيل فهكذا فافعل في الجمع بين
الذهب والفضة. أخبرنا سفيان قال أخبرنا المغيرة عن إبراهيم أنه قال لا يكون شبه العمد إلا في النفس
والعمد ما أصبت بسلاح والخطأ إذا تعمدت الشئ فأصبت غيره وشبه العمد كل شئ تعمدت ضربه
بلا سلاح.
القصاص بين العبيد والأحرار
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا قود بين العبيد والأحرار إلا في النفس فإن العبد إذا قتل حرا
متعمدا أو قتله لحر متعمدا قتل به وقال أهل المدينة ليس بين العبيد والأحرار قود إلا أن يقتل العبد الحر
فيقتل العبد الحر وقال محمد بن الحسن كيف يكون نفسان تقتل بصاحبتها إن قتلتها الأخرى ولا تقتل بها
الأخرى إن قتلتها؟ قالوا لنقصان العبد عن نفس الحر فهذا الرجل يقتل المرأة عمدا وديتها نصف دية
الرجل فيقتل بها وكذلك الوجه الأول وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا
قتل الحر العبد متعمدا قتله به. أخبرنا محمد بن أبان ابن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم أنه قال:
ليس بين الرجال والنساء ولا بين الأحرار والمملوكين فيما بينهم قصاص فيما دون النفس (قال الشافعي)
إذا كان الحر القاتل للعبد فلا قود بينهما في نفس ولا غيرها وإذا قتل العبد الحر أو جرحه فلأولياء الحر أن
يستقيدوا منه في النفس وللحر أن يستقيد منه في الجراح إن شاء أو يأخذ الأرش في عنقه إن شاء ويدع
القود قال محمد بن الحسن إن المدنيين زعموا أنهم إنما تركوا إقادة العبد من الحر لنقص نفس العبد عن
نفس الحر وقد يقيدون المرأة من الرجل وهي أنقص نفسا منه (قال الشافعي) رحمه الله: ولا أعرف
من قال هذا له ولا احتج به عليه من المدنيين إلا أن يقوله له من ينسبونه إلى علم فيتعلق به وإنما منعنا
من قود العبد من الحر ما لا اختلاف بيننا فيه والسبب الذي قلناه له مع الاتباع أن الحر كامل الأمر في
أحكام الاسلام والعبد ناقص الأمر في عام أحكام الاسلام وفي الحدود فيما يتصف منها بأن حده نصف
حد الحر ويقذف فلا يحد له قاذفه ولا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا يأخذ سهما إن حضر القتال
وأما المرأة فكاملة الأمر في الحرية والاسلام وحدها وحد الرجل في كل شئ سوا وميراثها ثابت بما جعل
الله لها وشهادتها جائزة حيث أجيزت وليست ممن عليه فرض الجهاد فلذلك لا تأخذ سهما ولو كان المعنى
الذي روى محمد عمن روى عنه من المدنيين أنه لنقص الدية كان المدنيون قد يجعلون في نفس العبد
قيمته وإن كانت عدد ديات أحرار فكان ينبغي لهم أن لا يقتلوا العبد الذي قيمته ألفا دينار بحر إنما
قيمته ألف دينار ولكن الدية ليست عندهم من معنى القصاص بسبيل وقول محمد بن الحسن ينقض
بعضه بعضا أرأيت إذا قتله به وأقاد النفس التي هي جماع البدن كله من الحر بنفس العبد فكيف لا
326

يقصه منه في موضحة إذا كان الكل بالكل فالبعض بالبعض أولى فإن جاز لأحد أن يفرق بينهم جاز
لغيره أن يقصه منه في الجراح ولا يقصه منه في النفس ثم جاز لغيره أن يبعض الجراح فيقصه في بعضها
ولا يقصه في بعض في الموضع الذي ذكر الله عز وجل فيه القصاص فقال (النفس بالنفس) الآية إلى
قوله (والجروح القصاص) وأصل ما يذهب إليه محمد بن الحسن في الفقه أنه لا يجوز أن يقال بشئ
من الفقه إلا بخبر لازم أو قياس وهذا من قوله ليس بخبر لازم فيما علمت وضد القياس فأما قول محمد
بن الحسن رحمه الله تعالى كيف يكون نفسان تقتل إحداهما بالأخرى ولا تقتل الأخرى بها فلنقص
القاتل فإذا كان القاتل ناقص الحرمة لم يكن النقص يمنعه من أن يقتل إذا قتل من هو أعظم حرمة منه
والنقص لا يمنع القود وإنما يمنع الزيادة. فإن قال قائل: فأوجدنيه يقول مثل هذا قيل نعم وأعظم منه
يزعم أن رجلا لو قتل أباه قتل له ولو قتله أبوه لم يقتل به لفضل الأبوة على الولد وحرمتهما واحدة يزعم
أن رجلا لو قتل عبده لم يقتله به ولو قتله عبده قتله به ولو قتل مستأمنا لم يقتل به ولو قتله المستأمن يقتل
به.
الرجلان يقتلان الرجل أحدهما ممن يجب عليه القصاص
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الصغير والكبير يقتلان الرجل جميعا عمدا إن على الكبير نصف
الدية في ماله وعلى الصغير نصف الدية على عاقلته وقال أهل المدينة يقتل الكبير ويكون على الصغير
نصف الدية قال محمد بن الحسن. وكيف يقتل الكبير وقد شركه في الدم من لا قود عليه أرأيتم لو أن
رجلا قتل نفسه هو ورجل آخر معه أكان على ذلك الرجل القود وقد شركه في دم المقتول نفسه؟ ينبغي
لمن قال القول الأول أن يقول هذا أيضا أرأيتم لو أن رجلا وجب عليه القود في قطع يده فقطعت يده
وجاء رجل آخر فقطع رجله فمات من القطعين جميعا أيقتل الذي قطع الرجل وقد شركه في الدم حد
من حدود الله؟ أرأيتم لو أن رجلا عقره سبع وشجه رجل موضحة عمدا فمات من ذلك كله أيقتل
صاحب الموضحة الضارب وقد شركه في الدم من ليس في فعله قود ولا أرش؟ ينبغي لمن قال هذا أن
يقول لو أن رجلا وصبيا سرقا سرقة واحدة أنه يقطع الرجل ويترك الصبي وينبغي له أيضا أن يقول لو أن
رجلين سرقا من رجل ألف درهم لأحدهما فيها شرك قطع الذي لا شرك له ولا يقطع الذي له الشرك
أرأيتم رجلا وصبيا رفعا سيفا بأيديهما فضربا به رجلا ضربة واحدة فمات من تلك الضربة أتكون ضربة
واحدة بعضها عمد فيه القود وبعضها خطأ فإن كان ذلك عندكم فأيها العمد وأيها الخطأ؟ أرأيتم إن
رفع رجلان سيفا فضربا به أحدهما متعمدين لذلك فمات من تلك الضربة وهي ضربته وضربة صاحبه
ولم ينفرد أحدهما بضربة دون صاحبه أيكون في هذا قود ليس في هذا قود إذا أشرك في الدم شئ لا
قود فيه ولا تبعيض في شئ من النفس أرأيتم رجلا ضرب رجلا فشجه موضحة خطأ ثم ثنى فشجه
موضحة عمدا فمات في مكانه من ذلك جميعا ينبغي في قولكم أن تجعلوا على عاقلته نصف الدية
بالشجة الخطأ وتقتلوه بالشجة العمد فيكون رجل واحد عليه في نفس واحدة نصف الدية والقتل
وينبغي لكم أن تقولوا لو أن رجلا وجب له على رجل قصاص في شجة موضحة فاقتص منه ثم زاد
على حقه متعمدا فمات المقتص منه من ذلك أنه يقتل الذي اقتص بالزيادة التي تعمد أخبرنا عباد بن
العوام قال حدثنا هشام بن حسان عن الحسن البصري أنه سئل عن قوم قتلوا رجلا عمدا فيهم مصاب
327

قال تكون فيه الدية أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا عمر ابن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال إذا
دخل خطأ في عمد فهي دية (قال الشافعي) إذا قتل الرجل البالغ والصبي معه أو المجنون معه رجلا
وكان القتل منهما جميعا عمدا فلا يجوز عندي والله أعلم لمن قتل اثنين بالغين قتلا رجلا عمدا برجل إلا
أن يقتل الرجل ويجعل نصف الدية على الصبي والمجنون وأصل هذا أن ينظر إلى القتل فإذا كان عمدا
كله لا يخالطه خطأ فاشترك فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم أقيد منه ومن زال عنه القود أزاله
وجعل عليه حصته من الدية (قال الربيع) ترك الشافعي العاقلة لأنه عمد عنده ولكنه مطروح عنه
للصغر والجنون فإن قال قائل ما يشبه هذا؟ قيل له الرجلان يقتلان الرجل عمدا فيعفو الولي عن
أحدهما أو يصالحه فلا يكون له سبيل على المعفو عنه ولا المصالح ويكون له السبيل على الذي لم يعف
عنه فيقتله فيأخذ من أحد القاتلين بعض الدية أو يعفو عنه ويقتل الآخر فإن قال قائل فهذان كان عليهما
القود فزال عن أحدهما بإزالة الولي قيل له أفرأيت إن أزاله الولي عنه أزال عن غيره؟ فإن قال لا قيل
وفعلهما واحد فإن قال نعم قيل ويحكم على كل واحد منهما حكم نفسه لا حكم غيره فإن قال نعم قيل
فإذا كان هذا عندك هكذا في هذين فكيف إذا قتل الرجلان الرجل عمدا وأحد القاتلين ممن عليه
القود والآخر ممن لا قود عليه كيف لم تقد من الذي عليه القود وتأخذ الدية من الذي لا قود عليه مثل
الصبي والمجنون والأب (قال الشافعي) ويقال له إن كنت إنما رفعت القود في الصبي والمجنون يقتلان
الرجل ومعهما عاقل من قبل أن القلم مرفوع عنهما فحكمت بأن أحدهما خطأ فقد تركت هذا الأصل في
الرجل المستأمن يقتله مسلم ومستأمن إذا كنت تحكم على المستأمن وتجعل على المسلم حصته من الدية أو
رأيت أبا رجل ورجلا أجنبيا قتلا رجلا لم تقتل الأجنبي وتجعل على الأب نصف الدية إذا كان هؤلاء
ممن يعقل ويكون عليه القود ولا يكون القلم عنه مرفوعا وتجعل عليه الدية في ماله لا على عاقلته وتجعل
عمده عمدا لا خطأ وتفرق بينه وبين الصغير والمعتوه فتزعم أن عمد أولئك خطأ وأن عمدهما على
عاقلتهما فما الحجة في أن تجمع بين ما فرقت بينه؟ فإن زعم أن حجته أن عمد الصبي والمعتوه خطأ
تعقله عاقلته وعمد الأب يقتل ابنه معه غيره أو ليس معه غيره عمد يزول عنه القود لمعنى فيه ويجعل
عليه الدية في ماله دون عاقلته وكذلك عمد المستأمن يقتل المستأمن مع المسلم إذا حكم عليه فإذا زعم
أن الأجنبي إذا شرك الأب والمستأمن إذا شرك المسلم في القتل قتل الذي عليه القود فقد ترك الأصل
الذي إليه ذهب فأما ما أدخل على أصحابنا فأكثره لا يدخل عليهم وذلك قوله في الرجل تقطع يده في
الحد أو القصاص ثم يقطع آخر رجله فيموت هذا لا قصاص فيه لأنه مات من جناية حق وجناية
باطل ولأنه لو مات من قطع اليد لم يكن له دية لأن يده قطعت في غير معصية الله عز وجل فلما كان
للإباحة فيه موضع لم يجز أن يقتل به من قتله وقتله غير منفرد به ولا شركة فيه بتعد وعليه عقل ولا وقود
قال وكذلك لو ضربه السبع فجرحه وضربه آخر لم يكن عليه قود من قبل أن جناية السبع لا عقل فيها
ولا قود فأما جناية المجنون والصبي فثابتة عليهما إن لم تكن بقود فبعقل وإذا كانت جنايتهما غير لغو
والنفس مقتولة قتل عمد ومن قوله أن تقتل العشرة بواحد إذا قتلوه عمدا ويجعل كل واحد منهم كأنه
قاتل على الانفراد حتى لو أزال القود عن بعضهم أخذ القود من الباقين لأن أصل القتل كان عمدا فإذا
كان القتل خطأ لم يقتل فإن قال فقتل الصبي والمعتوه خطأ قيل له هذا محال أن تزعم أنه خطأ وهو عمد
ولكن قد كانت فيهما علة يمنع بها القصاص فإن قال قائل أجعله على العاقلة كما أجعل خطأه قيل وهذا
إن رد عليك وجعل في أموالهما لم تجد فيه حجة ولو كانت فيه حجة كانت عليك في الرجل يقتل ابنه
328

مع الأجنبي وأنت لا تجعل الدية إلا في مال الأب لا على العاقلة وفي المستأمن يقتل المستأمن معه مسلم. والله
أعلم.
في عقل المرأة
(قال الشافعي) قال أبو حنيفة رضي الله عنه في عقل المرأة إن عقل جميع جراحها ونفسها على
النصف من عقل الرجل في جميع الأشياء وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علي بن
أبي طالب أنه قال عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها وقال أهل المدينة
عقلها كعقله إلى ثلث الدية فأصبعها كأصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته فإذا
كان الثلث أو أكثر من الثلث كان على النصف قال محمد بن الحسن وقد روى الذي قال أهل المدينة
عن زيد بن ثابت قال يستوي الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث ثم النصف فيما بقي أخبرنا أبو حنيفة
رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم عن زيد بن ثابت أنه قال يستوي الرجل والمرأة في العقل إلى
الثلث ثم النصف فيما بقي وأخبرنا أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال قول علي بن
أبي طالب رضي الله تعالى عنه في هذا أحب إلي من قول زيد وأخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن
إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا عقل المرأة على
النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها فقد اجتمع عمر وعلي على هذا فليس ينبغي أن يؤخذ بغيره
ومما يستدل به على صواب قول عمر وعلى أن المرأة إذا قطعت أصبعها خطأ وجب على قاطعها في قول
أهل المدينة عشر دية الرجل فإن قطع إصبعين وجب عليه عشرا الدية فإن قطع ثلاث أصابع وجب
عليه ثلاثة أعشار الدية فإن قطع أربع أصابع وجب عليه عشرا الدية فإذا عظمت الجراحة فل العقل
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى القياس الذي لا يدفعه أحد يعقل ولا يخطئ به أحد فيما نرى أن
نفس المرأة إذا كان فيها من الدية نصف دية الرجل وفي يدها نصف ما في يده ينبغي أن يكون ما صغر
من جراحها هكذا فلما كان هذا من الأمور التي لا يجوز لأحد أن يخطئ بها من جهة الرأي وكان ابن
المسيب يقول في ثلاث أصابع المرأة ثلاثون وفي أربع عشرون ويقال له حين عظم جرحها نقص عقلها
فيقول هي السنة وكان يروي عن زيد بن ثابت أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل ثم تكون على
النصف من عقله لم يجز أن يخطئ أحد هذا الخطأ من جهة الرأي لأن الخطأ إنما يكون من جهة
الرأي فيما يمكن مثله فيكون رأى أصح من رأى فأما هذا فلا أحسب أحدا يخطئ بمثله إلا اتباعا لمن
لا يجوز خلافه عنده فلما قال ابن المسيب هي السنة أشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن
عامة من أصحابه ولم يشبه زيد أن يقول هذا من جهة الرأي لأنه لا يحتمله الرأي فإن قال قائل فقد
يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلافه قيل فلا يثبت عن علي ولا عن عمر ولو ثبت كان
يشبه أن يكونا قالاه من جهة الرأي الذي لا ينبغي لأحد أن يقول غيره فلا يكون قلة علم من قبل أن
كل أحد يعقل ما قالا إذا كانت النفس على نصف عقل نفسه واليد كان كذلك ما دونهما ولا يكون فيما
قال سعيد السنة إذا كانت تخالف القياس والعقل إلا عن علم اتباع فيما نرى والله تعالى أعلم وقد كنا نقول
به على هذا المعنى ثم وقفت عنه وأسأل الله تعالى الخيرة من قبل أنا قد نجد منهم من يقول السنة ثم لا
نجد لقوله السنة نفاذا بأنها عن النبي صلى الله عليه وسلم فالقياس أولى بنا فيها على النصف من عقل
الرجل ولا يثبت عن زيد كثبوته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.
329

باب في الجنين
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في الرجل يضرب بطن الأمة فتلقى جنينا ميتا إن كان غلاما ففيه
نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال أهل المدينة فيه عشر
قيمة أمه وقال محمد بن الحسن كيف فرض أهل المدينة في جنين الأمة الذكر والأنثى شيئا واحدا وأنما
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة فقدر ذلك بخمسين دينارا
والخمسون من دية الرجل نصف عشر ديته ومن دية المرأة عشر ديتها وينبغي أن يكون ذلك أيضا من
قيمة الجنين لو كان حيا ليس من قيمة أمه أرأيتم لو ألقت الجنين حيا فمات كم كان يكون فيه؟ أليس
إنما يكون فيه قيمته لا اختلاف بيننا وبينكم في ذلك؟ قالوا بلى قيل لهم فما تقولون إن كانت قيمته
عشرين دينارا فغرم قاتله عشرين دينارا ثم ألقت آخر ميتا أليس يغرم في قولكم عشر ثمن أمه وأمه
جارية تساوي خمسمائة؟ دينار قالوا بلى يغرم عشر قيمتها وهو خمسون دينارا قيل لهم فيكون القاتل غرم
في الذي ألقته حيا أقل من الذي غرم فيه ميتا وإنما ينبغي أن يغرم أكثر في الذي ألقته حيا لأنه يغرم في
الجنين الحر إذا ألقته حيا فمات الدية كاملة وإذا ألقته ميتا غرم غرة وإنما ينبغي أن يقاس جنين الأمة على
ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين الحرة فيغرم في الميت أقل مما يغرم في الحي وقد غرمتموه
أنتم في جنين الأمة إذا كان حيا فمات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا ضرب الرجل بطن الأمة
فألقت جنينا حيا ثم مات ففي الجنين قيمة نفسه فإذا ألقته ميتا ففيه عشر قيمة أمه لأنه ما لم تعرف فيه
حياة فإنما حكمه حكم أمه إذا لم يكن حرا في بطنها وهكذا قال بن المسيب والحسن وإبراهيم النخعي
وأكثر من سمعنا منه من مفتي الحجازيين وأهل الآثار فخالفنا محمد بن الحسن وأبو حنيفة رحمهما الله
تعالى في جنين الأمة فقالا فيه إذا خرج فيه حيا كما قلنا وقالا فيه إذا خرج ميتا فإن كان غلاما ففيه
نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية (قال الشافعي) وكلمني
محمد بن الحسن وغيره ممن يذهب مذهب بما سأحكي إن شاء الله تعالى وإن كنت لعلي لا أفرق بين
كلامه وكلام غيره وأكثر كلامه فقال من أين قلت هذا؟ قلت أما نصا فعن سعيد بن المسيب والحسن
وإبراهيم قال ليس يلزمني قول واحد من هؤلاء ولا يلزمك قلت ولكن ربما غالطت بقول الواحد منهم
وقلت قلته قياسا على السنة قال إنا لنزعم أن قولنا هو القياس على السنة والمعقول قلت فإن شئت فأسأل
وإن شئت سألتك قال سل فقلت أليس الأصل جنين الحرة؟ قال بلى قلت فلما قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في جنين الحرة بغرة ولم يذكر عنه أنه سأل عنه أذكر وأنثى فكان الجنين هو الحمل قلنا فلما
كان الجنين واحدا فسواء كان ذكرا أو أنثى؟ قال بلى قلت هكذا قلنا فجمعنا بين جنينها فجعلنا في كل
واحد منهما خمسا من الإبل وخمسين دينارا إذا لم تكن غرة قلت أفرأيت لو خرجا حيين فماتا قال ففي
الغلام مائة من الإبل وفي الجارية خمسون قلنا وسواء كانا ابني أم ولد من سيدها قيمة أمهما عشرون
دينارا أو كانا ابني حرة لا يلتفت إلى أمهما قال نعم إنما حكمهما حكم أنفسهما مختلفين في الذكر منهما مائة
من الإبل وفي الأنثى خمسون قلت ثم سويت بينهما إذا لم يكن فيهما حياة أليس هذا يدل على أن
حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما؟ قال فلا أعطيك ذلك ولكن أجعل حكمهما حكم أنفسهما بكل
حال قلت فإذا لم تعط هذا فكيف فرقت بين حكمهما إذا عرفت حياتهما ولم تعرف قال اتباعا قلت في
الجنينين من الحرة دلالة من خبر بأن حكمهما حكم أنفسهما أم إنما قلت يحتمل أن يكون حكمهما حكم
330

أنفسهما قال ما فيه خبر ولكنه يحتمل قلنا أفيحتمل أن يكون حكمهما حكم غيرهما إذا لم تعرف حياتهما
وحكم نفسهما إذا عرفت حياتهما؟ قال نعم قلنا فإذا كانا يحتملان معا فكيف لم تصر إلى ما قلنا حيث
فرقت بين حكمهما ولا تزعم أن أصلهما واحد وأن حكمهما يتفرق وإذا كان يحتمل فزعمت أن كل قولين
أبدا إحتملا فأولاهما بأهل العلم أن يصيروا إليه أولاهما بالقياس والمعقول فقولنا فيه القياس والمعقول
وقولك خلافهما قال وكيف؟ قلنا بما وصفنا من أنا إذا لم نفرق بين أصل حكمهما وهو جنين الحرة لأن
الذكر والأنثى فيه سواء لم يجز أن تفرق بين فرعي حكمهما وهو جنين الأمة في الذكر والأنثى ومن قبل
أنني وإياك نزعم أن دية الرجل ضعف دية المرأة وأنت في الجنين تزعم أن دية المرأة ضعف دية الرجل
وقلت فكيف زعمت أنهما لو سقطا حيين فكانت قيمتهما سواء أو مختلفة كان فيهما قيمتهما ما كانت وإن
ميتين كان في الذكر منهما نصف عشر قيمته لو كان حيا وفي الأنثى عشر قيمتها لو كانت حية أليس قد
زعمت أن عقل الأنثى من أصل عقلها في الحياة ما أعلمك إلا نكست القياس فقلبته قال فأنت
سويت بينهما قلت من أجل أنني زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين
الذكر والأنثى في جنين الحرة فلم أفرق بين قياسهما وجعلت كلا يحكم فيه حكم أمه إذا كان مل أمه
عتيقا بعتقها ورقيقا برقها وأنت قلبت فيه القياس قال فقولنا يحتمل قلنا ما يحتمل إلا النكس والقياس
كما وصفنا في الظاهر فمعنا القياس والمعقول ونزعم أن الحجة تثبت بأقل من هذا وقال محمد بن الحسن
يدخل عليكم في قولكم أن تكون دية جنين الأمة ميتا أكثر من ديته حيا في بعض الحالات قيل ليس
يدخل علينا من هذا شئ من قبل أنا نزعم أن الدية إنما هي بغيره كانت أكثر أو أقل وأنت يدخل
عليك في غير هذا أكثر منه مع ما دخل عليك من خلاف القياس مع السنة قال وأين ذلك؟ قلت
أرأيت رجلا لو جنى على أطراف رجل فيها عشر ديات في مقام فسيح؟ قال يكون فيه عشر ديات قلنا
فإن جنى هذه الجناية التي فيها عشر ديات ثم قتله مكانه قال فدية واحدة قلنا فقد دخل عليك إذا
زعمت أنه إذا زاد في الجناية الموت نقصت جنايته منه تسع ديات قال إنما يدخل هذا على من قبل
أنني أجعل البدن كله تبعا للنفس قلنا فكيف تجعله تبعا للنفس وهو متقدم قبلها وقد أصابه وله حكم؟
فإن جاز لك هذا رددت أصبح منه أنهم زعموا لك أن جنين الأمة لم يكن له حكم قط إنما كان حكمه
بأمه (قال الشافعي) وكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا قط؟.
باب الجروح في الجسد
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الشفتين الدية وهما سواء السفلى
والعليا وأيهما قطعت كان فيها نصف الدية وقال أهل المدينة فيهما الدية جميعا فإن قطعت السفلى ففيها
ثلثا الدية قال محمد بن الحسن ولم قال أهل المدينة هذا؟ ألأن السفلى أنفع من العليا؟ فقد فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإصبع الخنصر والابهام فريضة واحدة فجعل في كل واحدة عشر
الدية وروى ذلك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخنصر والابهام سواء مع آثار كثيرة
معروفة قد جاءت فيها قال محمد بن الحسن أخبرنا مالك قال حدثنا داود بن الحصين أن أبا غطفان بن
طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس فيه
خمس من الإبل فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم كالأضراس؟ فقال ابن عباس
331

لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء فهذا مما يدلك على أن الشفتين عقلهما سواء وقد جاء
في الشفتين سوى هذا آثار (قال الشافعي) الشفتان سواء والأصابع سواء والدية على الأسماء ليست على
قدر المنافع وهكذا بلغني أن مالكا يقول وهو الذي قصد محمد بن الحسن قصد الرواية عنه رواية عن
أهل المدينة فلم تكن ينبغي له إذا كان الذي قصد قصده بالرواية أن يروى عنه ما لا يقول ويروي عن
غيره من أهل المدينة ما قد تركه مالك عليه إلا أن ينصه فيسمي من قال ذلك فأما أن يغالط به فليس
ذلك له أسمعه إذا سمى واحدا من أهل المدينة في كل دهر أهل المدينة وهو يعيب على غيره أدنى من
هذا فإن قال قائل ما الحجة في أن الشفتين والأصابع سواء؟ قلنا له دلالة السنة ثم ما لم أعلم الفقهاء
اختلفوا فيه فإن قال وما ذلك؟ قيل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصابع بعشر عشر
والأصابع مختلفة الجمال والمنفعة فلما رأيناه إنما قصد قصد الأسماء كان ينبغي في كل ما وقعت عليه
الأسماء أن يكون هكذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في العين خمسون وفي اليد خمسون) فلم أعلم
الفقهاء اختلفوا في أن في اليسرى من اليدين ما في اليمنى واليمنى أنفع من اليسرى فلو كان إذ قال في اليد
خمسون عني بها اليمنى وكان للناس أن يفضلوا بين اليدين أنبغي أن يكون في اليسرى أقل من خمسين
ولو كان قصد في اليد التي جعل فيها خمسون قصد اليسرى انبغى أن يكون في اليمنى أكثر من خمسين
فلما رأينا مذاهب الفقهاء على التسوية بينهما وأنهم إنما ذهبوا إلى الأسماء والسلامة فإذا جمع العضوان
وأكثر الأسماء والسلامة كانا سواء وهكذا هذا في العينين والأسنان سواء والثنية أنفع من الرباعية وهما
سواء في العقل.
باب في الأعور يفقأ عين الصحيح
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الأعور يفقأ عين الصحيح وفق ء الصحيحة من عينيه إن كان
عمدا فللصحيح القود لا شئ له غير ذلك وإن كان خطأ فإن على ما قلته نصف الدية وليس له غير
ذلك وقال أهل المدينة في الأعور يفقأ عين الصحيح إن أحب أن يستقيد فله القود وإن أحب فله الدية
ألف دينار أو أثناء عشر ألف درهم، وقال أبو حنيفة في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت إن كان عمدا
ففيها القود وإن كان خطأ فعلى عاقلة التي فقأها نصف الدية وهي وعين الصحيح سواء وقال أهل المدينة
في عين الأعور إذا فقئت الدية كاملة وقال محمد بن الحسن فكيف صارت عين الأعور أفضل من عين
الصحيح؟ هذا عقل أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في العينين جميعا فجعل في كل عين نصف
الدية فإن فقئت عين رجل فغرم الفاقئ نصف الدية ثم إن رجلا آخر عدا على العين الأخرى ففقأها
خطأ لم يجب على الفاقئ الثاني الدية كاملة فيكون الرجل قد أخذ في عينيه دية ونصفا وإنما أوجب
فيهما دية ففي الأولى
نصف الدية وكذا في الثانية نصف الدية وليس يتحول ذلك بفقء الأولى ولا تزاد
إحداهما في عقلها على الذي أوجبه الله عز وجل شيئا يفق ء الأخرى ينبغي لمن قال هذا في العينين أن
يقول ذلك في اليدين وأن يقوله في الرجلين ليس هذا بشئ والأمر فيه على الأمر الأول ليس يزداد شيئا
لعين فقئت ولا غير ذلك (قال الشافعي) في الأعور يفقأ عين الصحيح والصحيح يفقأ عين الأعور
كلاهما سواء إن كان الفق ء عمدا فالمفقوءة عينه بالخيار إن شاء فله القود وإن كان خطأ فله العقل
خمسون من الإبل على العاقلة في سنتين ثلثاهابعد مضي سنة وثلثها في مضي السنة الثانية فإن قال قائل ما
332

الحجة في هذا؟ قيل السنة فإن قال وأين السنة؟ قلنا إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي العين
خمسون) فإن أصاب الصحيح عين الأعور أصاب عينا أو عينين فإن قال عينا قلنا فإنما جعل رسول الله
في العين خمسين فمن جعل فيها أكثر من الخمسين فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال
فهل من حجة أكثر من هذا قلنا لا أكثر من السنة هي الغاية وما دونها تبع لها فإن قال ففيها زيادة؟ قيل
نعم موجود في السنة إذا كان في العين خمسون وفي العينين مائة فإذا كانتا إذا فقئتا معا كانت فيهما مائة فما
بالهما إذا فقئتا معا يكون في كل واحدة منهما خمسون وإذا فقئت إحداهما بعد ذهاب الأخرى كانت فيها
مائة أزاد تفرق الجناية في عقلها أو خالف تفريق الجناية بينهما أو رأيت لو أن رجلا أقطع اليد والرجلين
قطعت يده الباقية أليس إن جعلنا فيه خمسين فقد جعلناها في جميع ما في بطشه ووافقنا السنة ولم نزد
على الجاني غير جنايته وإن جعلنا فيها مائة من الإبل كنا قد جعلنا عليه ما لم يجن وخالفنا ما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم في اليد، والله سبحانه أعلم.
باب ما لا يجب فيه أرش معلوم
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في العين القائمة إذا فقئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت وفي كل نافذة
في عضو من الأعضاء أنه ليس في شئ من ذلك أرش معلوم وفي ذلك كله حكومة عدل أخبرني أبو
حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في العين قائمة واليد الشلاء والرجل العرجاء واللسان الأخرس
وذكر الخصي حكومة عدل وقال بعض أهل المدينة بمثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس قال نرى
في ذلك الاجتهاد وقال بعضهم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار وكل نافذة من عضو من الأعضاء
ثلث دية ذلك العضو (قال الشافعي) وفي ذكر الخصي الدية وكذلك ذكر الرجل تقطع أنثياه ويبقى
ذكره تاما كما هو فإن قال قائل ما الحجة؟ قيل أرأيت الذكر إذا كانت فيه دية أبخبر لازم هي فإن قال
نعم قيل ففي الخبر اللازم أنه ذكر غير خصي فإن قال لا قيل فلم خالفتم الخبر؟ فإن قال لأنه لا يحبل
قيل أفرأيت الصبي يقطع ذكره أو الشيخ الذي قد انقطع عنه أمر النساء أو المخلوق خلقا ضعيفا لا
يتحرك فإن زعم أن في هذه الدية فقد جعلوها فيما لا يحبل ولا يجامع به وذكر الخصي يجامع به أشد ما
كان الجماع قط ولا أعلم في الذكر نفسه منفعة إلا مجرى البول والجماع وهما قائمان وجماعه أشد من
جماع غير الخصي فأمر الولد فشئ ليس من الذكر إنما هو بمني يخرج من الصلب قال الله عز وجل
(يخرج من بين الصلب والترائب) ويخرج فيكون ولا يكون ومن أعجب قول أبي حنيفة أنه زعم إن
قطع أولا ثم قطعت الأنثيان بعد ففي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وإن قطعت الأنثيان قبل ثم قطع
الذكر ففي الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل فإن قالوا فإنما أبطلنا الدية في الذكر إذا ذهب الأنثيان
لأن أداته التي يحبل بها الأنثيان فهل في الأنثيين منفعة أو جمال غير أنهما أداة للذكر فإن قالوا لا، قيل
لهم أرأيتم الذكر إذا استؤصل فعلمنا أنه لا يبقى منه شئ يصل إلى فرج امرأة فتحبل به لم زعمتم أن في
الأنثيين الدية إذ الأنثيان إذا كانتا أداة الذكر أولى أن لا يكون فيهما دية لأنه لا منفعة فيهما ولا جمال إلا
أن تكونا أداة للذكر وقد ذهب الذكر والذكر فيه منفعة بالجماع فأبطلتم فيه الدية وفيه منفعة وهو الذي له
الأداة وأثبتموها في الأنثيين اللتين لا منفعة فيهما وإنما هما أداة لغيرهما وقد بطلتا بأن ذهب الشئ الذي
هما أداة له والذكر لا يبطل بذهاب أداته لأنه يجامع به وتنال منه فإن قالوا فإنما جعلناها على الأسماء
333

والأنثيان قائمتان قيل فهكذا الذكر قائم وهكذا احتججنا نحن وأنتم في التسوية بين الأصابع والشفتين
والعينين وكل ما لزمه الاسم ولم نلتفت إلى منافعهما كذا كان ينبغي لكم أن تقفوا في الذكر وهكذا قلنا
وأنتم اليد اليمنى الباطشة الكاتبة الرفيقة كاليد اليسرى الضعيفة التي لا تبطش ولا تكتب فأما العين القائمة
فإن مالكا أخبرنا عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة بمائة دينار وأصل ما تذهبون إليه زعمتم أن
لا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو قلتم في العين القائمة إذا فقئت مائة
دينار كنتم وافقتم زيد بن ثابت إذ لم نعلم أحدا خالفه فإذا قلتم قد يحتمل قول زيد بن ثابت أن يكون
اجتهد فيها فرأى الاجتهاد فيها قدر خمسها قيل فقد يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون حكم به فأما كل
نافذة في عضو فلا أعلم أحدا قال هذا أكثر من سعيد بن المسيب وجراح البدن مخالفة جراح الرأس فيها
حكومة فإن قال قائل فما الحجة في أن جراح البدن مخالفة جراح الرأس؟ قيل قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل وكان الذي أحفظ عن بعض من أحفظ عنه ممن لقيت أن
الموضحة إنما تكون في الوجه والرأس والوجه رأس كله لأنه إذا قطع قطع معا وإن كان يتفرق في
الوضوء وكأن الرأس إذا ذهب ذهب الوجه فلو قست الموضحة في الضلع على الموضحة في الرأس
قضيت بنصف عشر بعير لأني أقضي في الضلع إذا كسر ببعير وذلك أني أقضي في الرأس إذا كسر ولم
يكن مأموما بعشر من الإبل فيدخل على أحد إن قال هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
في الموضحة بخمس من الإبل فإن زعم أن الموضحة في البدن داخلة في الموضحة التي قضى فيها رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأن الاسم يجمعهما دخل عليه أن يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا قاس الموضحة في الجسد أو يخالف القياس فيقول قولا محالا فيجعل في الموضحة في الضلع
خمسا من الإبل والضلع نفسه لو كسر لم يكن فيه إلا بعير وفي اليد الشلاء ولسان الأخرس حكومة
(قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن في كل ما دون الموضحة من الجراح وفي الضلع والترقوة حكومة.
باب دية الأضراس
قال أبو حنيفة رضي الله عنه في كل ضرس خمس من الإبل مقدم الفم ومؤخره سواء وقال بعض
أهل المدينة مثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس وقال بعضهم في كل ضرس بعير وروى بعضهم أن
سعيدا قال لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء أخبرنا محمد بن أبان بن
صالح القرشي عن حماد عن النخعي في الأسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء،
أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم
أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس إن فيه خمسا من الإبل قال فردني مروان
إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا
بالأصابع عقلها سواء. أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال الأسنان عقلها سواء في
كل سن نصف عشر الدية، وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال الأسنان كلها سواء في كل سن
نصف عشر الدية (قال الشافعي) وفي الأضراس خمس خمس والأضراس أسنان فإن قال قائل ما
الحجة فيما قلت؟ قيل له قال النبي صلى الله عليه وسلم (وفي السن خمس من الإبل) فكانت الضرس
سنا في فم لا تخرج من اسم السن فإن قيل فقد تسمى باسم دون السن قيل وكذلك الثنيتان يميزان من
334

الرباعيتين والرباعيتان تميزان من الثنيتين فإن كنت إنما تفرق بينها بالتمييز فاجعل أي هذا شئت سنا
واحكم في غيره أقل أو أكثر منه فإن قال لا هي عظام بادية الجمال والمنفعة مجتمعة مخلوقة في الفم قيل
وهكذا الأضراس وهكذا الأصابع مجتمعة في كف متباينة الأسماء من إبهام ومسبحة ووسطى وبنصر
وخنصر ثم استوى بينها من قبل جماع الأصابع مع تباين منفعتها والضرس أنفع في المأكول من الثنيتين
والثنيتان أنفع في إمساك اللسان من الضرس فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن فلو لم تكن فيه حجة غير
قول شريح وإبراهيم والشعبي لم يكونوا عنده حجة فأما ما روى عن ابن عباس فلو ذهب غيره إلى أن
عمر يخالفه هل كانت عليه حجة بتقليد ابن عباس إلا وعليه له بتقليد عمر حجة.
باب جراح العبد
قال أبو حنيفة رضي الله عنه كل شئ يصاب به العبد من يد أو رجل أو عين أو موضحة أو منقلة
أو مأمومة أو غير ذلك فهو من من قيمته على مقدار ذلك من الحر في كل قليل أو كثير له أرش معلوم من
الحر السن والموضحة وما سوى ذلك ففي موضحته أرشها نصف عشر قيمته وفي يده نصف قيمته
وكذلك عينه وفي المأمومة والحائفة ثلث قيمته وفي منقلته عشر ونصف عشر قيمته وقال أهل المدينة في
موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته عشر ونصف العشر من ثمنه ومأمومته وجائفته في كل واحد
منهما ثلث ثمنه فوافقوا أبا حنيفة في هذا الخصال الأربع وقالوا فيما سوى ذلك ما نقص من ثمنه قال
محمد بن الحسن كيف جاز لأهل المدينة أن يتحكموا في هذا فيختاروا هذه الخصال الأربع من بين
الخصال؟ أرأيت لو أن أهل البصرة قالوا فنحن نزيد خصلتين أخريين وقال أهل الشام فإنا نزيد ثلاث
خصال أخر ما الذي يرد به عليهم فينبغي أن ينصف الناس ولا يتحكم فيقول قولوا بقولي ما قلت من
شئ إلا أن يأتي أهل المدينة فيما قالوا من هذا بأثر فتنقاد له وليس عندهم في هذا أثر يفرقون به بين هذه
الأشياء فلو كان عندهم جاءونا به فيما سمعنا من آثارهم فإذا لم يكن هذا فينبغي الإنصاف فإما أن يكون
هذا على ما قال أبو حنيفة في الأشياء كلها وإما أن تكون الأشياء كلها شيئا واحدا فيكون في ذلك كله
من هذه الخصال أو غيرها ما نقص من العبد من قيمته (قال الشافعي) أخبر ما سفيان بن عيينة عن
ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن ابن
شهاب عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه (قال الشافعي) وبقول ابن المسيب نقول فقال لي
بعض من يخالفني فيه نقول يقوم العبد سلعة فما نقصت جراحته من ثمنه كان في جراحته كما نقول ذلك
في المتاع أرأيت إذ كنت تزعم أن عقل العبد في ثمنه بالغا ما بلغ فلم لم تقل هكذا في البعير يقتل والمتاع
يهلك؟ قلت قلته من قبل ما يلزمك مثله زعمت أن دية المرأة نصف دية الرجل وأن جراحها بقدر ديتها
كجراح الرجل في قدر ديته وقلت لغيره ممن يخالفنا ممن أصحابنا أنت تزعم أن دية اليهودي والنصراني
نصف دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة ثم تزعم أن جراحهم في دياتهم كجراح الحر في ديته فلما كنا نحن
وأنتم نقول دية العبد ثمنه خبرا لم يكن يجوز أن يقال في جراحه إلا هكذا لأنا لم نبطل الجراح باختلاف
الديات، قال فهل يجامع البعير والمتاع في رقبته بثمنه؟ قلنا نعم ديته ثمنه وهي قيمته وهكذا الحر يجامع
البرذون فيكون ثمنه مثل دية الحر ولكنه في البرذون قيمته، فإن قال ما فرق بينهما؟ ولم قسته على الحر
دون الدابة قلنا بما لا تخالفنا فيه مما يدل عليه كتاب الله قضى الله في النفس تقتل خطأ بدية مسلمة إلى
335

أهل المقتول وتحرير رقبة وقضى بمثل ذلك في المعاهد فجعلنا نحن وأنت في المسلم والذمي رقبتين والديتان
مختلفتان وكل دية، وكذلك جعلنا نحن وأنت في المرأة والرجل رقبتين وديتاهما مختلفتان، فإن زعمت
أن العبد إذا قتل كان على قاتله رقبة مؤمنة يعتقها فإنما جعل الله تعالى الرقبة في القتل حيث ذكر الله
الدية وإنما الرقبة في النفس مع القيمة والمتاع قيمة لا رقبة معها أو رأيت لو لم يكن عليه من الدلالة ما
وصفت وجهلنا هذا أو عمينا عنه فكان يجامع البعير في أن فيه قيمة وفي المتاع قيمة ويجامع الأحرار في
أن فيه كفارة وفي أن العبد إذا قتل العبد كان بينهما قصاص وإذا جرحه كان بينهما قصاص عندنا وفي أن
عليه ما على الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصوم والصلاة والكف عن المحارم ألم يكن
الواجب على العالمين إذا كان آدميا أن يقيسوه على الآدميين ولا يقيسوه على البهائم ولا على المتاع وأصل
ما يذهب إليه أهل العلم بالقياس أن يقولوا لو كان شئ له أصلان وآخر لا أصل فيه فأشبه الذي لا
أصل فيه أحد الأصلين في معنيين والآخر في معنى كان الذي أشبهه في معنيين أولى أن يقاس عليه من
الذي أشبهه في معنى واحد فهو آدمي مجامع للآدميين فيما وصفت وليس من البهائم ولا المتاع الذي لا
فرض عليه بسبيل (قال الشافعي) وهذه الحجة على أصحابنا وعلى من يخالفنا من أصحاب أبي حنيفة
رحمه الله في بعض هذا وليس من شئ يدخل عليهم في أصل قولهم إلا الجراح ويلزمهم أكثر منه
لأنهم يقصون العبد من الحر في النفس أما من قال من أصحابنا موضحته ومأمومته ومنقلته وجائفته في
ثمنه كجراح الحر في ديته فهذا لا معنى لقوله ولقد خرج فيه من جميع أقاويل بني آدم
من القياس
والمعقول وإنه ليلزمه ما قال محمد وأكثر منه وإن خالف ما روى عن ابن شهاب عن سعيد بن شهاب
عن سعيد بن المسيب فإنه روي عنه ما وصفنا من أن عقل العبد في ثمنه وروي عن غيره ولا نراه أراد إلا
المدنيين أنهم قالوا يقوم سلعة فلا هو قومه سلع ولا هو جعل عقله في ثمنه فخرج من قول المتفقين
والمختلفين.
باب القصاص بين المماليك
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا قصاص بين المماليك فيما بينهم إلا في النفس وقال أهل المدينة
القصاص بين المماليك كهيئته بين الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها كجرحه، وقال أبو حنيفة
إذا قتل عبد عبدا متعمدا فلمولى العبد المقتول القصاص وليس له غير ذلك إلا أن يعفو فإن عفا رجع
العبد القاتل إلى مولاه ولا سبيل لمولى العبد المقتول عليه، وقال أهل المدينة مولى العبد المقتول بالخيار
فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أعطى ثمن
المقتول وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد
القاتل أن يقتله وذلك كله في القصاص بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل،
قال محمد بن الحسن إذا قتل العبد العبد عمدا وجب عليه القصاص ينبغي لمن قال (1) هذا الوجه أن
يقول في الحر يقتل الحر عمدا أن ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية، أرأيتم إذا أراد أن يأخذ
الدية فقال القاتل أقل أو دع ليس لك غير ذلك فأبى ولي المقتول أن يقتل إلا أن يأخذ الدية؟ أو رأيت
لو أن رجلا حرا قطع يد رجل حر عمدا فقال المقطوعة يده آخذ دية العبد فقال القاطع اقطع أو دع

(1) أي قول أهل المدينة وقوله (أن يقول الخ) أي وعم لا يقولون ذلك وأورد عليه ما أورد، تأمل.
336

أكان يجبر القاطع على أن يعطيه دية اليد ليس هذا بشئ وليس له إلا القصاص إما أن يأخذ وإما أن
يعفو قال الله عز وجل في كتابه (أن النفس بالنفس والعين بالعين)، (قرأ الربيع) إلى (والجروح
قصاص) فما أستطيع فيه القصاص فليس فيه إلا القصاص كما قال الله عز وجل وليس فيه دية ولا مال
وما كان من خطأ فعليه ما سمى الله في الخطأ من الدية المسلمة إلى أهله فمن حكم بغير هذا فهو مدع
فعليه البينة في نفس العبد وغير ذلك فمن وجب له القصاص في عبد أو حر لم يكن له أن يصرفه إلى
عقل ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قود في حر ولا مملوك فمن فرق بين المملوك في هذا وبين
الحر فليأت عليه بالبرهان من كتاب الله عز وجل الناطق ومن السنة المعروفة (قال الشافعي) قال الله
تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) إلى (لعلكم تتقون)
وقال الشافعي فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا العقل ولم
يكن فيهم قصاص وكان في أهل التوراة القصاص ولم يكن فيهم دية فحكم الله عز وجل في هذه الأمة
بأن في العمد الدية إن شاء الولي أو القصاص إن شاء فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كتب
عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) إلى قوله (لعلكم تتقون) (قال
الشافعي) وذلك والله أعلم بين في التنزيل مستغني به عن التأويل وقد ذكر عن ابن عباس بعضه ولم
أحفظ عنه بعضه فقال والله أعلم في كتاب الله عز وجل أنه أنزل فيما فيه القصاص وكان بينا أن ذلك
إلى ولي الدم لأن العفو إنما هو لمن له القود وكان بينا أن قول الله عز وجل (فمن عفي له من أخيه شئ
فاتباع بالمعروف) أن يعفو ولي الدم القصاص ويأخذ المال لأنه لو كان ولي الدم إذا عفا القصاص لم يبق
له غيره لم يكن له إذا ذهب حقه ولم تكن دية يأخذها شئ يتبعه بمعروف ولا يؤدي إليه بإحسان،
وقال الله عز وجل (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) فكان بينا أنه تخفيف القتل بأخذ المال، وقال
(ولكم في القصاص حياة) أن يمتنع بها من القتل فلم يكن المال (1) إذا كان الولي في حال يسقط عنه
القود إذا أراد، قال وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في تفسير هذه الآية
شبيها بما وصفت في أحد المعنيين ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معناه أخبرنا محمد
بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال من (قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا العقل وإن أحبوا فلهم القود)
أخبرنا الثقة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى الكتاب والسنة معا يدلان دلالة لا إشكال فيها أن
لولي الدم أن يقتص أو يعفو القتل ويأخذ المال أي ذلك شاء أن يفعل فعل ليس إلى القاتل من ذلك
شئ وإذا كان هذا في النفس كان فيما دون النفس من الجراح هكذا وكان ذلك للرجل في عبده فإذا
قتل عبد رجل فسيده بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة عبده المقتول في عنق العبد القاتل فإن أداها
سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد إلا ذلك إذا عفا القصاص وإن أبى سيد العبد القاتل أن
يؤديها لم يجبر عليها وبيع العبد القاتل فإن كان ثمنه أقل من قيمة العبد المقتول أو ثمنه فليس لسيد العبد
المقتول إلا ذلك وإن كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل، قال وإذا بان الفضل في العبد القاتل
خير سيد العبد بين أن يباع بعضه حتى يوفي هذا ثمنه ويبقى هذا على ما بقي من ملكه أو يباع كله فيرد
عليه فضله وأحسبه سيختار بيعه كله لأن ذلك أكثر لثمنه، وكل نفسين أبدا قتلت إحداهما بالأخرى
جعلت القصاص بينهما فيما دون النفس لأني إذا جعلت القصاص في النفس التي هي أكثر كان جميع
337

البدن فأنا مضطر إلى أن أقيد في الأقل من البدن إلا أن يكون فيه خبر يلزم يخالف هذا ولا خبر فيه يلزم
يخالف هذا والكتاب يدل على هذا وذلك أن الله عز وجل حين ذكر القصاص جملة قال (النفس
بالنفس والعين بالعين) إلى (والجروح قصاص) وقد احتج بهذا محمد بن الحسن على أصحابنا وهو
حجة عليه وذلك أنه يقال له إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية فلم يفرق الله بين القصاص في
الجروح والنفس وإن كان غير داخل في هذه الآية فأجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يقص أحدهما من
الآخر فأما ما أدخل محمد بن الحسن على من أدخل عليه من أصحابنا من أنهم جعلوا لسيد العبد
الخيار في أن يقتل أو يأخذ ثمن عبده ولم يجعلوا ذلك في الأحرار ولا فرق بين العبيد والأحرار فكما قال
يدخل عليه منه ما أدخل غير أنهم قد أصابوا في العبد الكتاب والسنة وإن كانوا قد غفلوا عنهما في
الأحرار وهو غفل عنه فيهما جميعا واحتج محمد بن الحسن بأن الله تبارك وتعالى ذكر في العمد
القصاص وفي الخطأ الدية ثم زعم أن من جعل في العمد الدية فقد خالف حكم الله فإن كان هذا كما
ذكر كان ممن قد دخل في خلاف حكم الله من قبل أنه إذا كان زعم من حكم الله أن لا يكون في
عمد مال فإنما أنزله بمنزلة الحدود التي يقذف بها المرء فلا يكون عليه مال بقذفه إنما يكون عليه عقوبة
في بدنه فيلزمه فيما لا يقيد منه من العمد أن يبطله ولا يجعل فيه مالا فإن قال إنما أجعل فيه المال إذا لم
أستطع فيه القود قلنا فمن استثنى لك هذا؟ إن كان أصل حكم الله كما وصفت في العمد والخطأ وقد
يكون الدم بين مائة فيعفو أحدهم أو يصالح فيجعل محمد الدية للباقين بقدر حقوقهم منها فقد جعل
أيضا في العمد الذي يستطاع فيه القصاص ما لا رضيه أولياء الدم أو لم يرضوه فإن قال فإنما جعلنا فيه
مالا حين دخله العفو فكان يلزمه على أصل قوله واحد من قولين أن يجعله كالرجلين قذف أبوهما فأيهما
قام بالحد فله الحد ولو عفا الآخر لم يكن له عفو ويزعم أنه إذا كان الأحرار يعفون بشركهم في الدم
فحقن الدم بعفو أحدهم لم يكن للآخرين مال لأنه لم يكن لهم مال إنما وجب لهم ضربة سيف لا
تتحول مالا فإن قال فأنت تقول مثل هذا معي قلت أجل على ما وصفت من حكم الله عز وجل
وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم على خلاف ما قلت أنت كله وذلك للآثار.
باب دية أهل الذمة
أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: قال أبو حنيفة رضي الله عنه ودية اليهودي والنصراني
والمجوسي مثل دية الحر المسلم وعلى من قتله من المسلمين القود وقال أهل المدينة دية اليهودي والنصراني
إذا قتل أحدهما نصف دية الحر المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال أهل المدينة لا يقتل مؤمن بكافر
قال محمد بن الحسن: قد روى أهل المدينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بكافر وقال (أنا
أحق من أوفى بذمته) قال محمد أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن
البيلماني أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (أنا أحق من أوفى بذمته) ثم أمر به فقتل فكان يقول بهذا القول فقيههم ربيعة بن أبي عبد
الرحمن وقد قتله أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة فرق بين قتل الغيلة وقتل غير الغيلة وقد بلغنا عن عمر بن
الخطاب أنه أمر أن يقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة فقتله به وقد بلغنا
338

عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا قتل المسلم النصراني قتل به فأما ما قالوا في الدية فقول الله عز
وجل أصدق القول ذكر الله الدية في كتابه فقال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) ثم ذكر أهل الميثاق فقال (وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة ولم يقل في
أهل الميثاق نصف الدية كما قال أهل المدينة وأهل الميثاق ليسوا مسلمين فجعل في كل واحد منهما دية
مسلمة إلى أهل والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورة معروفة أنه جعل
دية الكافر مثل دية المسلم وروى ذلك أفقههم وأعلمهم في زمانه وأعلمهم بحديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم ابن شهاب الزهري فذكر أن دية المعاهد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مثل
دية الحر المسلم فلما كان معاوية جعلها مثل نصف دية الحر المسلم فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه
بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية، أخبرنا ابن المبارك عن معمر بن راشد قال
حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن
تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال أتى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال فقامت عليه البينة
فأمر بقتله فجاء أخوه فقال قد عفوت عنه قال فلعلهم هددوك أو فرقوك؟ قال لا ولكن قتله لا يرد على
أخي وعوضوني فرضيت قال أنت أعلم من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا. أخبرنا أبو حنيفة
عن حماد عن إبراهيم قال دية المعاهد دية الحر المسلم. حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلا
من بني بكر ابن وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفع إلى
أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من
أهل الحيرة فقتله فكتب عمر بعد ذلك إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم
من الدية. أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل
رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنهوه عن قتله قال فجعل ديته ألف دينار. أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان
بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب قال دية كل معاهد في عهده ألف دينار. وأخبرنا ابن عبد الله
عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء. أخبرنا خالد عن مطرف عن
الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي (قال الشافعي) رحمه الله تعالى لا يقتل مؤمن بكافر ودية اليهودي
والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس
وغيرهم وسألني بعضهم وسألته وسأحكي ما حضرني منه إن شاء الله تعالى فقال ما حجتك في أن لا
يقتل مؤمن بكافر؟ فقلت ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين. ثم سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أيضا ثم الاخبار عمن بعده فقالوا وأين ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين من
الأحكام؟ فأما الثواب والعقاب فما لا أسأل عنه ولكن أسأل عن أحكام الدنيا فقيل له يحضر المؤمن
والكافر قتل الكفار فنعطي نحن وأنت المؤمن السهم ونمنعه الكافر وإن كان أعظم غناء منه ونأخذ ما
أخذنا من مسلم بأمر الله صدقة يطهره الله بها ويزكيه ويؤخذ ذلك من الكفار صغارا قال الله تعالى
(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فوجدت الكفار في حكم الله ثم حكم رسوله في موضع
العبودية للمسلمين صنفا متى قدر عليهم تعبدوا وتؤخذ منهم أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع
339

ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإعطاء الجزية إذا لزمهم فهو صنف من العبودية
فلا يجوز أن يكون من كان خولا للمسلمين في حال أو كان خولا لهم بكل حال إلا أن يؤدي جزية
فيكون كالعبد المخارج في بعض حالاته كفؤا للمسلمين. وقد فرق الله عز وجل بينهما بهذا وبأن أنعم
على المسلمين فأحل لهم حرائر نساء أهل الكتاب وحرم المؤمنات على جميع الكافرين مع ما يفترقون فيه
سوى هذا قال إن فيما دون هذا لفرقا ولكن ما السنة؟ قلت أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين
عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح (لا يقتل
مسلم بكافر) قال هذا مرسل قلت نعم وقد يصله غيرهم من أهل المغازي من حديث عمران بن الحصين
وحديث غيره ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم، أخبرنا ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن
ابن أبي جحيفة قال سألت عليا رضي الله تعالى عنه فقلت هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه
وسلم شئ سوى القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما
في الصحيفة قلت وما في الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر قال هذا
حديث ثابت عندنا معروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مؤمن بكافر) غير أنا تأولناه
وروى سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده)
فذهبنا إلى أنه عني الكفار من أهل الحرب الذين لا عهد لهم لأن دماءهم حلال فأما من منع دمه
العهد فيقول من قتله به فقلنا حديث سعيد مرسل ونحن نجعله لك ثابتا هو عليك مع هذه الأحاديث
قال فما معناه؟ قلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) ثم إن كان قال (ولا ذو
عهد في عهده) فإنما قال ولا يقتل ذو عهد في عهده تعليما للناس إذ سقط القود بين المؤمن والكافر أنه
لا يحل لهم قتل من له عهد من الكافرين قال فيحتمل معنى غير هذا؟ قلنا لو احتمله كان هذا أولى به
لأنه الظاهر قال وما يدلك على أنه الظاهر؟ قلنا لأن ذوي العهد من الكافرين كفار قال فهل من سنة
تبين هذا؟ قلنا نعم وفيه كفاية قال وأين هي؟ قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم
الكافر ولا الكافر المسلم) فهل زعمت أن هذا على الكافرين غير أهل العهد فتكون قد تأولت فيه مثل ما
تأولت في الحديث الآخر؟ قال لا ولكنها على الكافرين من كانوا من أهل العهد وغيرهم لأن اسم
الكفر يلزمهم قلنا ولا تجد بدا إذا كان هذا صوابا عندك من أن تقول مثل ذلك في قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم (لا يقتل مؤمن بكافر) أو يكون ذلك صوابا فترد هذا فتقول يرث الكافر المسلم إذا كان
من أهل العهد ولا يرثه إذا كان من أهل الحرب فتبعضه كما بعضت حديث (لا يقتل مؤمن بكافر) قال
ما أقوله قلنا لم؟ ألأن الحديث لا يحتمله؟ قال بلى هو يحتمله ولكن ظاهره غيره قلنا فكذلك ظاهر
ذلك الحديث على غير ما تأولت وقد زعمت أن معاذا ومعاوية ورثا مسلما من كافر ثم تركت الذي
رويت نصا عنهما وقلت لا حجة في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أردت أن تجعل سعيد بن جبير
متأولا حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأتيك بنفسه فلا تقبله منه وتقول رجل من التابعين لا
يلزمني قوله قال فليس بهذا وحده قلته قلنا وقد يلزمك في هذا ترك ما ذهبت إليه لأنك إذا (1) لم تقد
المسلم من الحربي للعلة التي ذكرت فقد لا تقيده وله عهد قال وأين قلت؟ المستأمن يقتله المسلم لا تقتله
به وله عهد هو به حرام الدم والمال فلو لم يلزمك حجة إلا هذا لزمتك قال ويقال لهذا معاهد؟ قلنا نعم

(1) لعله (لم تقد الحربي من المسلم) تأمل.
340

لعهد الأمان وهذا مؤمن قال فيدل على هذا بكتاب أو سنة؟ قلنا نعم قال الله عز وجل (براءة من الله
ورسوله) إلى قوله (أنكم غير معجزي الله) فجعل لهم عهدا إلى مدة ولم يكونوا أمناء بجزية كانوا أمناء
بعهد ووصفهم باسم العهد وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه بأن من كان عنده
من النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته قال ما كنا نذهب إلا أن العهد عهد الأبد قلنا فقد
أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله (وإن أحد
من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) فجعل له العهد إلى سماع كلام الله
وبلوغ مأمنه والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه ما استقام بها كانت له
فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال فأقدت المعاهد الذي العهد فيه إلى المشرك ولم تقد المعاهد
الذي عقد له العهد إلى مدة بمسلم ثم هما جميعا في الحالين ممنوعا الدم والمال عندك معاهدين أفرأيت لو
قال لك قائل أقيد المعاهد إلى مدة من قبل أنه ممنوع الدم والمال وجاهل بأن حكم الاسلام لا يقتل
المؤمن به ولا أقيد المعاهد المقيم ببلاد الاسلام لأنه عالم أن لا يقتل مسلم به فقد رضي العهد على ما لم
يرضه عليه ذلك ألا يكون أحسن حجة منك؟ قال فإنا قد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي صلى
الله عليه وسلم قتل مؤمنا بكافر قلت أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن رواه فروى
حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي ثبتناه وقد عرفنا من رواه
بالصدق أو الذي ثبتناه بالظن؟ قال بل الذي ثبتناه متصلا فقلت فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني
منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإن ما رواه ابن البيلماني فيما بلغنا أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له
عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به ولو كان ثابتا كنت أنت قد خالفت
الحديثين معا حديث ابن البيلماني (3) والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير وقبل الفتح بزمان
وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) عام الفتح قلت فلو كان كما تقول كان منسوخا
قال فلم لم تقبل به وتقول هو منسوخ وقلت هو خطأ؟ قلت عاش عمرو بن أمية بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم دهرا طويلا وأنت إنما تأخذ العلم من بعد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا وعمرو قتل اثنين
وداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عمرا على أن قال (قتلت رجلين لهما
مني عهد لأدينهما) قال فإنما قلت هذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل رجلا
من أهل الحيرة وكتب أن اقتلوه ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه قلنا أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم
يرجع عنه أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ قال لا قلنا فأحسن حالك أن
تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ نقيم الحجة عليك
به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان عمر يحكم بحكم ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله
فهذا عليك أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعا أولى أن تصير إليه؟
قال فلعله أراد أن يرضيه بالدية قلنا فلعله أراد أن يخيفه بالقتل ولا يقتله قال ليس هذا في الحديث قلنا
وليس ما قلت في الحديث قال فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانيا إن كان
القاتل قتالا فاقتلوه وإن كان غير قتال فذروه ولا تقتلوه قلنا فقد روينا فإن شئت فقل هو ثابت ولا
ننازعك فيه قال فإن قلته؟ قلت فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال ولا فيما قلنا فنسمعك تحتج بما
عليك قال فيثبت عندكم عن عمر في هذا شئ؟ قلت لا ولا حرف وهذه أحاديث منقطعات أو
ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف جميعا قال فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر
341

بمسلم قتل كافرا أن يقتل فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعوه فوداه بألف
دينار ولم يقتله فقلت هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الإحتجاج به وإن كان ثابتا
فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه قال وما على فيه؟ قلنا
زعمت أنه أراد قتله فمنعه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليهم فهذا عثمان في
أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعين أن لا يقتل مسلم بكافر فكيف خالفتم؟ قال
فقد أراد قتله قلنا فقد رجع فالرجوع أولى به قال فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد
أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم دية مسلم تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال قلنا
أفتقبل عن الزهري مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر أو عن عمر أو عن عثمان فنحتج
عليك بمرسله؟ قال ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل قلنا وإذا أبيت أن تقبل المرسل
فكان هذا مرسلا وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين قال فهل من شئ يدل
على خلاف حديث الزهري فيه؟ قلنا نعم إن كنت صححته عن الزهري ولكنا لا نعرفه عن الزهري كما
نقول قال وما هو قلت أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي
بثمانمائة درهم (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله
عن عن دية المعاهد فقال: قضى فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه بأربعة آلاف قال فقلنا فمن قبله؟
قال فحسبنا (قال الشافعي) وهم الذين سألوه آخرا قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع قلنا إنه ليرغم
أنه قد حفظ عنه ثم تزعمونه أنتم أنه خاصة وهو عن عثمان غير منقطع قال فبهذا قلت قلت نعم وبغيره
قال فلم قال أصحابك نصف دية المسلم قلت روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (لا يقتل مسلم بكافر وديته نصف دية المسلم) قال فلم لا تأخذ به أنت؟ قلت لو كان ممن يثبت
حديثه لأخذنا به وما كان في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة قلنا فيكون لنا مثل ما لهم قال
نعم قال فعندهم فيه رواية غير ذلك قلت له نعم شئ يروونه عن عمر بن عبد العزيز قال هذا أمر
ضعيف قلنا فقد تركناه قال فإن من حجتنا فيه أن الله عز وجل قال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا
خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال (فإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فلما سويت وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في
الرقبة بحكم الله كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية قلنا الرقبة معروفة فيهما والدية جملة لا دلالة على
عددها في تنزيل الوحي فإنما قبلت الدلالة على عددها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل
بطاعته أو عمن بعده إذا لم يكن موجودا عنه قال ما في كتاب الله عدد الدية قلنا ففي سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم عدد دية المسلم مائة من الإبل وعن عمر من الذهب والورق فقبلنا نحن وأنت عن
النبي صلى الله عليه وسلم الإبل وعن عمر الذهب والورق إذا لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
شئ قال نعم قلنا فهكذا قبلنا عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد دية المسلم وعن عمر عدد دية غيره ممن
خالف الاسلام إذا لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ نعرفه أرأيت إذا عشوت إلى أن
كلتيهما اسم دية أفي فرض الله من قتل المؤمن الدية والرقبة ومن قتل المؤمنة مثل ذلك لأنها داخلة في
ذلك؟ قال نعم فرض الله عز وجل على من قتلها تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة قلنا فلما ذكر أن المؤمن
يكون فيه تحرير رقبة ودية هل سوى بينهما في الدية المسلمة؟ قال لا قلنا وهي أولى بمساواته مع الاسلام
342

والحرية فإن مؤمنا يحتمل مؤمنا ومؤمنة كما يحتمل المؤمنين الرجال والنساء (3) والكافرين الذين ذكر
منفردا فيه أو رأيت الرجل يقتل الجنين أليس عليه فيه كفارة بعتق رقبة ودية مسلمة؟ قال بلى قلت لأنه
داخل في معنى مؤمن؟ قال نعم قلت فلم زعمت أن ديته خمسون دينارا وهو مساو في الرقبة أو رأيت
الرجل يقتل العبد أليس عليه تحرير رقبة لأنه قتل مؤمنا؟ قال بلى قلت ففيه دية أو هي قيمته؟ قال
بل هي قيمته وإن كانت عشرة دراهم أو أكثر قلت فترى الديات إذا لزمت وكان عليه أن يؤدي دياتهم
إلى أهليهم وأن يعتق رقبة في كل واحد منهم سواء فيه أعلاهم وأدناهم ساويت بين دياتهم قال لا قلت
فلم أردت أن تسوى بين الكافر والمسلم إذا استويا في الرقبة وأن تلزم قاتلهما أن يؤدي دية ولم تسو بين
المسلمين الذين هم أولى أن تسوى بينهم من الكفار (قال الشافعي) فقال بعض من يذهب مذهب
بعض الناس أن مما قتلنا به المؤمن بالكافر والحر بالعبد آيتين قلنا فاذكر إحداهما فقال إحداهما قول الله
عز وجل في كتابه (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) قلت وما أخبرنا الله عز وجل أنه حكم به على
أهل التوراة حكم بيننا؟ قال نعم حتى يبين أنه قد نسخه عنا فلما قال (النفس بالنفس) لم يجز أن تكون
كل نفس بكل نفس إذا كانت النفس المقتولة محرمة أن تقتل قلنا فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من
قولك إن هذه الآية عامة فزعمت أن فيها خمسة أحكام مفردة وحكما سادسا جامعا فخالفت جميع
الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأول والحكم (3) الخامس والسادس جماعتها في موضعين في الحر
يقتل العبد والرجل يقتل المرأة فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد
ولا أذنه بأذنها ولا أذن العبد ولا سنه بسنها ولا سن العبد ولا جروحه كلها بجروحها ولا جروح العبد وقد
بدأت أولا بالذي زعمت أنك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض فزعمت أن الرجل يقتل
عبده فلا تقتله به ويقتل ابنه فلا تقتله به ويقتل المستأمن فلا تقتله به وكل هذه نفوس محرمة قال اتبعت
في هذا أثرا قلنا فتخالف الأثر الكتاب؟ قال لا قلنا فالكتاب إذا على غير ما تأولت فلم فرقت بين
أحكام الله عز وجل على ما تأولت؟ قال بعض من حضره دع هذا فهو يلزمه كله قال والآية الأخرى
قال الله عز وجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فقوله (فلا يسرف في
القتل) دلالة على أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله قيل له فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في
الابن يقتله أبوه والعبد يقتله سيده والمستأمن يقتله المسلم قال فلي من كل هذا مخرج قلت فاذكر مخرجك
قال إن شاء الله تبارك وتعالى لما جعل الدم إلى الولي كان الأب وليا فلم يكن له أن يقتل نفسه قلنا
أفرأيت إن كان له ابن بالغ أتخرج الأب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله؟ قال لا أفعل قلت فلا
تخرجه بالقتل من الولاية؟ قال لا قلت فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وكان
له ابن عم هو أبعد منه أفتجعل للأبعد أن يقتل الأقرب؟ قال نعم قلنا ومن أين وهذا وليه وهو قاتل قال
القاتل يخرج بالقتل من الولاية قلنا والقاتل يخرج بالقتل من الولاية قال نعم قلنا فلم لم تخرج الأب من
الولاية وأنت تخرجه من الميراث؟ قال اتبعت في الأب الأثر قلنا فالأثر يدلك على خلاف ما قلت قال
فاتبعت فيه الاجماع قلنا فالاجماع يدلك على خلاف ما تأولت فيه القرآن قلنا فالعبد يكون له ابن حر
فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويكون لابنه أن يقتل مولاه؟ قال لا بالاجماع قلت فالمستأمن
يكون معه ابنه أيكون له أن يقتل المسلم الذي قتله قال لا بالاجماع قلت أفيكون الاجماع على خلاف
الكتاب؟ قال لا قلنا فالاجماع إذا يدلك على أنك قد أخطأت في تأويل كتاب الله عز وجل وقلنا له لم
يجمع معك أحد على أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لا يقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن
343

بالكافر فكيف جعلت إجماعهم حجة وقد زعمت أنهم أخطئوا في أصل ما ذهبوا إليه؟ والله أعلم.
باب العقل على الرجل خاصة
قال أبو حنيفة رضي الله عنه تعقل العاقلة من الجنايات الموضحة والسن فما فوق ذلك وما كان دون
ذلك فهو في مال الجاني لا تعقله العاقلة وقال أهل المدينة لا تعقل العاقلة شيئا من ذلك حتى يبلغ
الثلث فإذا بلغ الثلث عقلته العاقلة وكذلك ما زاد على الثلث فهو على العاقلة، وقال محمد بن الحسن
قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإصبع عشرا من الإبل وفي السن خمسا من الإبل وفي
الموضحة خمسا فجعل ذلك في مال الرجل أو على عاقلته وذلك في الكتاب الذي كتبه كتبه رسول الله صلى
الله عليه وسلم لعمرو بن حزم مجتمع في العينين والأنف والمأمومة والجائفة واليد والرجل فلم يفرق رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعض ذلك من بعض فكيف افترق ذلك عند أهل المدينة لو كان في هذا افتراق
لأوجب على العاقلة ما وجب عليها وأوجب في مال الرجل ما وجب عليه ليس الأمر هكذا ولكن
أدنى شئ فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم الموضحة والسن فجعل ذلك على العاقلة وما كان دون
ذلك فهو على الجاني في ماله وقد بلغنا عن رسول صلى الله عليه وسلم في المرأتين اللتين ضربت
إحداهما بطن الأخرى فألقت جنينا ميتا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بغرة على
العاقلة فقال أولياء المرأة القاتلة من العاقلة كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل
ذلك يطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هذا من إخوان الكهان) فالجنين قضى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أولياء المرأة ولم يقض به في مالها وإنما حكم في الجنين بغرة فعدل ذلك
بخمسين دينارا ليس فيه اختلاف بين أهل العراق وبين أهل الحجاز فهذا أقل من ثلث الدية وقد جعل
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة فهذا يبين لك ما قبله مما اختلف القوم فيه، أخبرنا أبو
حنيفة رضي الله عنه عن حماد عن إبراهيم النخعي قال تعقل العاقلة الخطأ كله إلا ما كان دون الموضحة
والسن مما ليس فيه أرش معلوم، أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم قال لا
تعقل العاقلة شيئا دون الموضحة وكل شئ كان دون الموضحة ففيه حكومة عدل، أخبرنا محمد بن أبان
عن حماد عن إبراهيم أن امرأة ضربت بطن ضرتها بعمود فسطاط فألقت جنينا ميتا وماتت فقضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بديتها على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة على العاقلة فقالت العاقلة
أتكون الدية فيمن لا شرب ولا أكل ولا استهل فدم مثله يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(سجع كسجع الجاهلية أو شعر كشعرهم كما قلت لكم فيه غرة عبد أو أمة) فهذا قد قضى فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بغرة عبد أو أمة وهو أقل من ثلث الدية وهذا حديث مشهور معروف
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) العقل عقلان فعقل العمد في مال الجاني دون عاقلته
قل أو كثر وعقل الخطأ على عاقلة الجاني قل ذلك العقل أو كثر لأن من غرم الأكثر غرم الأقل فإن قال
قائل فهل من شئ يدل على ما وصفت؟ قيل له نعم ما وصفت أولا كاف منه إذا كان أصل حكم
العمد في مال الجاني فلم يختلف أحد في أنه فيه قل أو كثر ثم كان أصل حكم الخطأ في الأكثر في مال
العاقلة فهكذا ينبغي أن يكون في الأقل فإن قال فهل من خبر نص عن النبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل
نعم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بالدية ولا يجوز لو لم يكن عنه خبر غير هذا إذ سن
344

أن دية الخطأ على العاقلة إلا أن يكون كل خطأ عليها أو يتوهم متوهم فيقول كان أصل الجنايات على
جانيها فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة في الخطأ قلنا ما بلغ أن يكون دية فعلى
العاقلة وما نقص من الدية فعلى جانيه وأما أن يقول قائل تعقل العاقلة الثلث ولا تعقل دونه أفرأيت إن
قال له إنسان تعقل التسعة الأعشار أو الثلثين أو النصف ولا تعقل دونه فما حجته عليه؟ فإن قال قائل
فهل من خبر يدل على ما وصفت؟ قيل نعم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وقضى
به على العاقلة وذلك نصف عشر الدية وحديثه في أنه قضى في الجنين على العاقلة أثبت إسنادا من أنه
قضى بالدية على العاقلة، وإذا قضى بالدية على العاقلة حين كانت دية ونصف عشر الدية لأنهما معا
من الخطأ فكذلك يقضي بكل خطأ والله تعالى أعلم وإن كان درهما واحدا، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه
يقضي عليهم بنصف عشر الدية ولا يقضي عليهم بما دونه ويلزمه في هذا مثل ما لزم من قال يقضي
عليهم بثلث الدية ولا يقضي عليهم بما دونه فإن قال قائل فإنه قد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم
قضى بنصف عشر الدية على العاقلة وأنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيما دون
نصف العشر بشئ قيل له فإن كنت إنما اتبعت الخبر فقلت اجعل الجنايات على جانيها إلا ما كان فيه
خبر لزمك لأحد إن عارضك أن تقول وإذا جنى جان ما فيه دية أو ما فيه نصف عشر الدية فهي على
عاقلته وإذا جنى ما هو أقل من دية وأكثر من نصف عشر دية ففي ماله حتى تكون امتنعت من القياس
عليه ورددت ما ليس فيه خبر نص إلى الأصل من أن تكون الجناية على جانيها وإن رددت القياس
عليه فلا بد من واحد من وجهين أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يقض فيما دون الموضحة
بشئ أن يكون ذلك هدرا لا عقل فيه ولا قود كما تكون اللطمة واللكزة أو يكون إذا جنى جناية
اجتهدت فيها الرأي فقضيت فيها بالعقل قياسا على الذي قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم من
الجنايات فإذا كان حق أن يقضى في الجنايات فيما دون الموضحة بعقل قياسا فالحق أن يقضي على
العاقلة بالجناية الخطأ ما كانت قلت أو كثرت لا يجوز إلا ذلك والله تعالى أعلم ولقلما رأيت بعض الناس
عاب شيئا إلا شرك في طرف منه إلا أنه قد يحسن أن يتخلص بأكثر مما يتخلص به غيره مما لعل فيه مؤنة
على من جهل موضع الحجة فأما من علمها فليست عليها مؤنة فيها إن شاء الله تعالى وقال بعض من
ذهب إلى أن تعقل العاقلة الثلث كأنه إنما جعل عليهم الثلث فصاعدا لأن الثلث يفدح وما دونه لا
يفدح قلنا فلم لم تجعل هذا في دم العمد وأنت تزعم أنه لو لزمه مائة دية عمدا لم يكن عليهم أن يعينوه
فيها بفلس أو رأيت لو كانت العلة فيه ما وصفت فجنى جانيان أحدهما معسر بدرهم والآخر موسر بألف
ألف أما يكون الدرهم للمعسر به أفدح من ألف ألف دينار للموسر بها الذي لا يكون جزءا من ألف من
ماله فلو كان الأمر كما وصفت كان ينبغي أن ينظر في حال الجاني فإن كانت جنايته درهما ففدحه جعلته
على العاقلة وإن كانت جنايته ألفين ولا تفدحه لم تجعل على العاقلة منها شيئا فإن قال لو قلت هذا
خرجت من السنة قيل قد خرجت من السنة ولم تقل ذا ولا شيئا له وجه قال بعضهم فإن يحيى بن
سعيد قال من الأمر القديم أن تعقل العاقلة الثلث فصاعدا قلنا القديم قد يكون ممن يقتدي به ويلزم
قوله ويكون من الولاة الذين لا يقتدى بهم ولا يلزم قولهم فمن أي هذا هو؟ قال أظن أنه أعلاها
وأرفعها قلت أفنترك اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بنصف عشر الدية على العاقلة لظن ليس
مما أمرنا به لو لم يكن في هذا إلا القياس ما تركنا القياس للظن ولئن أدخلت التهمة على الرواية على
الرجال المأمونين عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس ذلك لكم لأنها تقوم مقام الشهادة للتهمة على
345

الذي ألقى كلمة ظن أولى أن تكون مدخلة ولقلما رأيت بعض من ذهب هذا المذهب يذهب إلا إلى
ظن يمكن عليه مثل ما أمكن فيستوي هو وغيره في حجته ويكون اليقين أبدا من روايته ورواية أصحابه
عليه وكذلك يكون عليه القياس فما حجة من كان عليه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
قطع الله به العذر والقياس والمعقول وقول عوام أهل البلدان من الفقهاء إلا ما وصفت من ظن هو وغيره
فيه يستويان ولو كان الظن له دون غيره ما كان الظن وحده يقوم مقامها فكيف إذا كان يمكن غيره فيه
مثل ما يمكنه وكان يخالف اليقين من الخبر والقياس فإن قال قائل ما الخبر بأن النبي صلى الله عليه
وسلم قضى بالجنين على العاقلة؟ قيل أخبرنا الثقة (وهو يحيى بن حسان) عن الليث بن سعد عن ابن
شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة.
باب الحر إذا جنى على العبد
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال قال أبو حنيفة رضي الله عنه في العبد يقتل خطأ إن على عاقلة
القاتل القيمة بالغة ما بلغت إلا أنه لا يجاوز بذلك دية الحر المسلم فينقص من ذلك ما تقطع فيه الكف
لأنه لا يكون أحد من العبيد إلا وفي الأحرار من هو خير منه ولا يجاوز بدية الحر وإن كان خيرا فاضلا
ما فرض من الديات وقال أهل المدينة لا تحمل عاقلة قاتل العبد من قيمة العبد شيئا وإنما ذلك على
القاتل في ماله بالغا ما بلغ إن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر من ذلك لأن العبد سلعة من السلع وقال
محمد بن الحسن إذا كان العبد سلعة من السلع بمنزلة المتاع والثياب فلا ينبغي أن يكون على عبد قتل
عبدا قود لأنه بمنزله سلعة استهلكها فلا قود فيها وذكر أهل المدينة أن في العبد قيمته بالغة ما بلغت وإن
كانت القيمة أكثر من ذلك فينبغي إن قتل رجل مولى العبد أن تكون فيه الدية وإن قتل العبد كانت فيه
ديتان إذا بلغت عشرين ألفا فيكون في العبد من الدية أكثر مما يكون في سيده (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى في العبد يقتل فيه قيمته بالغة ما بلغت وهذا يروي عن عمر وعن علي ولو لم يرو عن واحد منهما
كانت لنا فيه حجة على من خالفنا فيه بأن يزعم أن فيه قيمته بما بينه وبين أن يبلغ دية الحر فينقصه منها
عشرة دراهم فإذا كان العبد يقتل وقيمته تسعة آلاف وتسعمائة وتسعون فلا ينقص عن قاتله منها شئ
أنهم اجتمعوا على أنهم إنما يؤدون قيمة في بعير قتل أو متاع استهلك ومتى رأوا رجلا يغرم الأكثر ويجني
جناية فيبطل عنه بعضها فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن من أن في الأحرار من هو خير من العبيد
أفرأيت خير الأحرار المسلمين عنده وشر المجوس عنده كيف سوى بين دياتهم فإن زعم أن الديات ليست
على الخير ولا على الشر وأنها مؤقتات فيؤدي في مجوسي سارق فاسق منقطع الأطراف في السرقة ما
يؤدي في خير مسلم على ظهر الأرض فإن كانت حجته وفي الأحرار من هو خير من العبيد حجة فهي
عليه في المجوسي قد يكون في العبيد من هو خير من الأحرار لأنهم مسلمون معا والتقوى والخير حيث
جعله الله تبارك وتعالى لا يكون كافر أبدا خيرا من مسلم فأما قوله لو قتل رجل مولى العبد فيدخل عليه لو
قتل رجل رجلا وبعيره أن عليه أن يؤدي في الحر المسلم المالك للبعير أقل مما يؤدي في البعير فإن كان
بهذا يصير البعير خيرا من المسلم فلا ينبغي لأحد أن يزعم أن بهيمة خير من مسلم وإن كان هذا ليس من
الخير ولا من الشر في شئ وكانت دية المسلم مؤقتة لا ينقص منها شر الناس ولا يزيد فيها خيرهم وكان
من استهلك من شئ من المال ففيه قيمته بالغة ما بلغت فكيف لم يقل هذا في العبيد؟ وكيف إذا
346

نقص العبيد لم ينقص الإبل وكيف إذا نقص من دية العبد لم ينقص أقل ما يقع عليه اسم النقصان
أرأيت لو قال له رجل آخر أنقصه ثلاثة أرباعه فأجعله نصف امرأة لأن حده نصف حدها أو قال له
رجل آخر لا بل أجعل ديته مؤقتة كما قد تكون دية الأحرار مؤقتة ألا يكون هؤلاء أقرب أن يكون لقولهم
علة تشتبه إذا كان لا شبهة لقوله أنقصه ما تقطع فيه اليد أو رأيت لو قال آخر بل أنقصه ما تجب فيه
الزكاة أو قال آخر بل أنقصه نصف عشر الدية لأن ذلك أقل ما انتهى إليه النبي في الجراح ما الحجة
عليه إلا أن هذا كله ليس من طريق القيمة ولا طريق الدية أو رأيت لو أن رجلا قتل مكاتبا وعبدا
للمكاتب وقيمة المكاتب مائة وقيمة عبده تسعة آلاف أليس يجعل في عبد المكاتب أكثر مما يجعل في
سيده؟ ولا أعلم أنه احتج بشئ له وجه ولا شئ إلا وهو يخطئ في أكثر منه (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى إن كانت حجته بأن إبراهيم النخعي قاله فهو يزعم أن إبراهيم وغيره من التابعين ليسوا بحجة
على أحد.
باب ميراث القاتل
قال أبو حنيفة رضي الله عنه من قتل رجلا خطأ أو عمدا فإنه لا يرث من الدية ولا من القود ولا
من غيره شيئا وورث ذلك أقرب الناس من المقتول بعد القاتل إلا أن يكون القاتل مجنونا أو صبيا فإنه لا
يحرم الميراث بقتله إذ القلم مرفوع عنهما وقال أهل المدينة بقول أبي حنيفة في القتل عمدا وقالوا في القتل
خطأ لا يرث من الدية ويرث من ماله وقال محمد بن الحسن كيف فرقوا بين ديته وماله ينبغي إن ورث
من ماله أن يرث من ديته هل رأيتم وارثا ورث من ميراث رجل ميراثا من بعض دون بعض إما أن يرث
هو من ذلك كله وإما أن لا يرث من ذلك شيئا أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي قال لا يرث
قاتل ممن قتل خطأ أو عمدا ولكن يرثه أولى الناس به يعده. أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا الحجاج
بن أرطأة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قتل أخاه خطأ
فلم يورثه وقال لا يرث قاتل شيئا (قال الشافعي) يدخل على محمد بن الحسن من قوله إنه يورث الصبي
والمغلوب على عقله إذا قتلا شيبه بما أدخل على أصحابنا لأنه هو لا يفرق بينهما في الموضع الذي فرق
بينهما فيه هو يزعم أن على عاقلتهما الدية وعلى عاقلة البالغ الدية وهو يزعم أنه لا مأثم على قاتل خطأ إذا
تعمد غير الذي قتل مثل أن يرمي صيدا ولا يرمي إنسانا فيعرض الانسان فيصيبه السهم وهذا عنده مما
رفع عنه القلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه) (قال الشافعي) وهو يدخل على أصحابنا ما أدخل عليهم من أنهم يورثون قاتل الخطأ من المال
دون الدية وهي لو كانت في مال القاتل لم تعد أن تكون دينا عليه (قال الشافعي) فلو أن رجلا كان
لأبيه عليه دين فمات أبوه ورثه من ماله وورثه من الدين الذي عليه لأنه مال له وليس في الفرق بين أن
يرث قاتل الخطأ ولا يرث قاتل العمد خبر يتبع إلا خبر رجل فإنه يرفعه ولو كان ثابتا كانت الحجة فيه
ولكن لا يجوز أن يثبت له شئ ويرد آخر لا معارض له.
347

باب القصاص في القتل
قال أبو حنيفة لا قصاص على قاتل إلا قاتل قتل بسلاح وقال أهل المدينة القود بالسلاح فإذا قتل
القاتل بشئ لا يعاش من مثله يقع موقع السلاح أو أشد فهو بمنزلة السلاح وإذا ضربه فلم يزل يضربه
ولم يقلع عنه حتى يجئ من ذلك شئ لا يعيش هو من مثله أو يقع موقع السلاح أو أشهد فهذا أيضا
فيه القصاص قال محمد بن الحسن من قال القصاص في السوط والعصا فقد ترك حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم المشهور المعروف وخطبته يوم فتح مكة حين خطب (ألا إن قتيل الخطأ العمد مثل
السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) فإذا كان ما تعمد به من عصا أو حجر
فقتله به ففيه القصاص بطل هذا الحديث فلم يكن له معنى إلا أن قتيل الخطأ العمد هو ما تعمد ضربه
بالسوط أو بالعصا أو نحو ذلك فأتى على نفسه فإن كان الأمر كما قال أهل المدينة فقد بطلت الدية في
شبه العمد إذا كان كل شئ تعمدت به النفس من صغير أو كبير فقتلت به كان فيه القصاص فالدية في
شبه العمد في أي شئ فرضت إنما هو خطأ في قول أهل المدينة أو عمد فشبه العمد الذي غلظت فيه
الدية أي شئ هو في النفس ما ينبغي أن يكون لشبه العمد في النفس معنى في قولهم. أخبرنا ابن عيينة
عن عمرو بن دينار عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل في عمية في رميا تكون بينهم
بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود يده فمن
حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل (قال الشافعي) القتل ثلاثة وجوه قتل
عمد وهو ما عمد المرء بالحديد الذي هو أوحى في الاتلاف وبما الأغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة
الضرب وتتابعه أو عظم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد والخطأ كلما ضرب
الرجل أو رمى يريد شيئا وأصاب غيره فسواء كان ذلك بحديد أو غيره وشبه العمد وهو ما عمد بالضرب
الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على يد الضارب فهذا العمد في الفعل
الخطأ في القتل وهو الذي تعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة
وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها (قال الشافعي) أخبرنا عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن
القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن في قتيل العمد
الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) (قال الشافعي)
فاحتج محمد بن الحسن على من احتج عليه من أصحابنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا وتركه
فإن كانت فيه عليهم حجة فهي عليه لأنه يزعم أن دية شبه العمد أرباع خمس وعشرون ابنة مخاض
وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة فأول ما يلزم محمدا في هذا
أن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دية شبه العمد (أربعون خلفة في بطونها أولادها) وهو لا
يجعل خلفة واحدة فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد حدد خلافه وإن كان ليس
بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس ينصف من احتج بشئ إذا احتج عليه بمثله قال هو غير
ثابت عنده وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل ما قلنا في شبه العمد (ثلاثون حقة
وثلاثون جذعة وأربعون خلفة) من حديث سلام بن سليم ومن حديث آخر (ثلاث وثلاثون حقة
وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة) وروى عن عمر بن الخطاب في شبه العمد مثل ما قلنا
وخالف ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما روى عن علي وعن عمر واحتج عليهم بخلافهم ما قد
خالف هو بعضه فإن كانت له عليهم به حجة فهي عليه معهم.
348

باب قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء
قال أبو حنيفة رضي الله عنه من قتل رجلا عمدا قتل غيلة أو غير غيلة فذلك إلى أولياء القتيل فإن
شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا وقال أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة من غير نائرة ولا عداوة فإنه يقتل وليس
لولاة المقتول أن يعفوا عنه وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل وقال محمد بن الحسن قول الله عز وجل
أصدق من غيره قال الله عز وجل (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه
كان منصورا) وقال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد
بالعبد) إلى قوله (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) فلم يسم في ذلك قتل الغيلة ولا غيرها
فمن قتل وليه فهو وليه في دمه دون السلطان إن شاء قتل وإن شاء عفا وليس إلى السلطان من ذلك شئ
أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى برجل قد قتل
عمدا فأمر بقتله فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله فقال ابن مسعود رضي الله عنه كانت لهم النفس فلما
عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره قال فما ترى قال أرى أن تجعل الدية
عليه في ماله وترفع حصة الذي عفا فقال عمر وأنا أرى ذلك. أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي
قال: من عفا من ذي سهم فعفوه عفو فقد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء ولم يسألوا
أقتل غيلة كان ذلك أو غيره (قال الشافعي) كل من قتل في حرابة أو صحراء أو مصر أو مكابرة أو قتل
غيلة على مال أو غيره أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى الأولياء وليس إلى السلطان من ذلك شئ إلا
الأدب إذا عفا الولي.
باب الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله
قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه بسلاح فيموت مكانه إنه لا
قود على الممسك والقود على القاتل ولكن الممسك يوجع عقوبة ويستودع في في السجن وقال أهل
المدينة إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وقال محمد بن الحسن كيف يقتل الممسك ولم
يقتل وإذا أمسكه وهو يرى أنا لا يريد قتله فتقتلون الممسك قالوا لا إنما نقتله إذا ظن أنه يريد قتله قيل
لهم فلا نرى القود في قولكم يجب على الممسك إلا بظنه والظن يخطئ ويصيب أرأيتم رجلا دل على
رجل فقتله والذي دل يرى أنه سيقتله إن قدر عليه أيقتل الدال والقاتل جميعا وقد دل عليه في موضع
لا يقدر على أن يتخلص منه ينبغي في قولكم أن تقتلوا الدال كما تقتلون الممسك أرأيتم رجلا أمر رجلا
يقتل رجل فقتله أيقتل القاتل والآمر ينبغي في قولكم أن يقتلا جميعا أرأيتم رجلا حبس امرأة لرجل
حتى زنى بها أيحدان جميعا أو يحد الذي فعل الفعل؟ فإن كانا محصنين أيرجمان جميعا؟ ينبغي لمن قال
يقتل الممسك أن يقول يقام الحد عليهما جميعا أرأيتم رجلا سقى خمرا أيحدان جميعا حد الخمر أم يحد
الشارب خاصة أرأيتم رجلا أمر رجلا أن يفتري على رجل فافترى عليه أيحدان جميعا أم يحد القاذف
خاصة ينبغي في قولكم أن يحدا جميعا هذا ليس بشئ لا يحد إلا الفاعل ولا يقتل إلا القاتل ولكن
349

على الآخر التعزير والحيس. أخبرنا إسماعيل بن عياش الحمصي قال أخبرنا عبد الملك بن جريج عن
عطاء بن أبي رباح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه
آخر فقال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: حد الله
الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود فقال تبارك وتعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال
(ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) فكان معروفا عند من خوطب بهذه الآية أن السلطان لولي
المقتول على القاتل نفسه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اعتبط مسلما يقتل فهو قود
يده) وقال الله تبارك وتعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال (الذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولم أجد أحدا من خلق الله تعالى يقتدي به حدا أحدا
قط على غير فعل نفسه أو قوله فلو أن رجلا حبس رجلا لرجل فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس ولا
يجوز في حكم الله تعالى إذا قتلت القاتل بالقتل أن أقتل الحابس بالحبس والحبس غير القتل ومن قتل
هذا فقد أحال حكم الله عز وجل لأن الله إذا قال (كتب عليكم القصاص في القتلى) فالقصاص أن
يفعل بالمرء مثل ما فعل. وقلنا أرأيت الحابس إذا اقتصصنا منه والقصاص هو أن يفعل به مثل ما فعل
هل ثم قتل فيقتل به وإنما ثم حبس والحبس معصية وليس فيها قصاص فيعزر عليها وسواء حبسه ليقتله
أو لا بقتله ولو كان الحبس يقوم مقام القتل إذا نوى الحابس أن يقتل المحبوس انبغى لو لم يقتل أن يقتله
لأنه قد فعل الفعل الذي يقيمه مقام القتل مع النية ولكنه على خلاف ما قال صاحبنا وعلى ما قال
محمد بن الحسن في الجملة وعامة ما أدخل محمد على صاحبنا يدخل وأكثر منه ولكن محمد لا يسلم من
أن يغفل في موضع آخر فيدخل في أكثر مما عاب على صاحبنا فيكون جميع ما احتج به على صاحبنا في
هذا الموضع حجة عليه فإن قال قائل: وما ذلك؟ قيل يزعم أن قوما لو قطعوا الطريق فقتلوا ولهم قوم
ردء حيث يسمعون الصوت وإن كانوا لا يرون ما فعل هؤلاء من القتل قتل القاتلون بقتلهم والرادون بأن
هؤلاء قتلوا بقوتهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فقلت لمحمد بن الحسن رحمه الله أو رويت في
هذا شيئا؟ فلم يذكر رواية فقلت له أرأيت رجلا شديدا أراد رجل ضعيف أن يقتله فقال لرجل شديد
لولا ضعفي قتلت فلانا فقال أنا أكتفه لك فكتفه وجلس على صدره ورفع لحيته حتى أبرز مذبحه
وأعطى الضعيف سكينا فذبحه فزعمت أنك تقتل الذابح لأنه هو القاتل ولا تلتفت إلى معونة هذا الذي
كان سببه لأن السبب غير الفعل وإنما يؤاخذ الله الناس على الفعل أكان هذا أعون على قتل هذا أو
الردء على قتل من مر في الطريق؟ ثم تقول في الردء لو كانوا حيث لا يسمعون الصوت وإن كانوا يرون
القوم ويعززونهم ويقوونهم لم يكن عليهم شئ إلا التعزير فمن حد لك حيث يسمعون الصوت قال
فصاحبكم يقول معي مثل هذا في الردء يقتلون قلت فتقوم لك بهذا حجة على غيرك إن كان قولك لا
يكون حجة أفيكون قول صاحبنا الذي تستدرك عليه مثل هذا حجة؟ قال فلا تقوله قلت لا ولم أجد
أحدا يعقل يقوله ومن قاله خرج من حكم الكتاب والقياس والمعقول ولزمه كثير مما احتججت به فلو
كنت إذا احتججت في شئ أو عبته سلمت منه كان (قال الشافعي) وروي عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أنه قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت وهو لا يحبسه حتى يموت فخالف ما
احتج به.
350

باب القود بين الرجال والنساء
قال أبو حنيفة لا قود بين الرجال والنساء إلا في النفس. وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن
إبراهيم وقال أهل المدينة نفس المرأة بنفس الرجل وجرحها بجرحه قال محمد بن الحسن أرأيتم المرأة في
العقل أليست على النصف من دية الرجل؟ قالوا بلى: قيل لهم فكيف قطعت يده بيدها ويده ضعف
يدها في العقل؟ قالوا أنت تقول مثل هذا أنت تقتله بالمرأة ودية المرأة على النصف من دية الرجل قيل
لهم ليست النفس كغيرها ألا ترى أن عشرة لو قتلوا رجلا ضربوه بأسيافهم حتى قتلوا به جميعا. ولو أن
عشرة قطعوا يد رجل واحد لم تقطع أيديهم فلذلك اختلف النفس والجراح. فإن قلتم إنا نقطع يدي
رجلين بيد رجل فأخبرونا عن رجلين قطعا يد رجل جميعا جزها أحدهما من أعلاها والآخر من أسفلها
حتى التقت الحديدتان في النصف منها أتقطع يد كل واحد منهما وإنما قطع نصف يده؟ ليس هذا مما
ينبغي أن يخفي على أحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إذا قتل الرجل المرأة قتل بها وإذا قطع
يدها قطعت يده بيدها فإذا كانت النفس التي هي الأكثر بالنفس فالذي هو أقل أولى أن يكون بما هو
أقل وليس القصاص من العقل بسبيل. ألا ترى أن من قتل الرجل بالمرأة فقد يقتله بها وعقلها نصف
عقله. قال محمد بن الحسن يقتل الحر بالعبد ودية الحر عنده ألف دينار ولعل دية العبد خمسة دنانير فلو
كان تفاوت الدية يمنع القتل لم يقتل رجل بامرأة ولا حر بعبد لأنه لا يكون في العبد عنده إلا أقل من
دية حر ولا عبد بعبد إذا كان القاتل أكثر قيمة من المقتول. فإن زعم أن القصاص في النفس ليس من
معنى العقل بسبيل فكذلك ينبغي له أن يقول في الجراح لأن الله تبارك وتعالى ذكرها ذكرا واحدا فلم
يفرق بينهما في هذا الموضع الذي حكم بها فيه فقال جل ثناؤه (النفس بالنفس إلى والجروح
قصاص) فلم يوجب في النفس شيئا من القود إلا أوجب فيما سمى مثله. فإذا زعم محمد أن من حجته
أن عشرة يقتلون رجلا واحدا فيقتلون به ولو قطعوا يده لم تقطع أيديهم فلو قالوا معه قوله لم تكن عليهم
حجة بل كانت عليه بقوله وذلك أنهم يقدرون على أن يقتلوه فإذا جعلت العشرة كل واحد منهم يقتل
كأنه قاتل نفس على الكمال فكذلك فاجعل عليهم عشر ديات إذا قتلوا إنسانا فإن قلت معنى القصاص
غير معنى الدية قلنا وكذلك في النفس أيضا فإن قلت نعم قالوا لك لا نسمع ما احتججت به إلا عليك
مع أنهم يقطعون أو من قطع منهم يدين بيد وإذا يدين بيد فإنما يشبه أن يكونوا قاسوها على النفس
فقالوا إذا أفاتا شيئا لا يرجع كإفاتة النفس التي لا ترجع قضينا عليهما باشتراكهما في الإفاتة قضاء كل
من فعل فعلا على الانفراد.
باب القصاص في كسر اليد والرجل
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا قصاص على أحد كسر يدا أو رجلا لأنه عظم ولا قود في
عظم إلا السن وقال أهل المدينة من كسر يدا أو رجلا أقيد منه ولا يعقل ولكنه لا يقاد حتى يبرأ جرح
صاحبه وقال محمد بن الحسن الآثار في أنه لا قود في عظم أكثر من ذلك. أخبرنا محمد بن أبان
القرشي عن حماد عن إبراهيم قال ليس في عظم قصاص إلا السن وقال أبو حنيفة لا قصاص في شئ
من ذلك وفي اليد نصف الدية في ماله وفي الكسر حكومة عدل في ماله ولم أكن لأضع الحديد في غير
351

الموضع الذي وضعها فيه القاطع ولا أقتص من عظم فلذلك جعلت في ذلك الدية قال وقد اجتمعنا
نحن وأهل المدينة أنه لا قود في مأمومة فينبغي لمن رأى القود في العظام أن يرى ذلك في المأمومة لأنها
عظم كسر فوصل إلى الدماغ ولم يصب الدماغ وينبغي له أيضا أن يجعل في المنقلة القود وإن اقتص من
عظم اليد والرجل ولم يقتص من كسر عظم الرأس فقد ترك قوله وليس بينهما افتراق وينبغي له أيضا أن
يقتص من الهاشمة وهي الشجة التي هشمت عظم الرأس فإن لم يقتص من هذا فقد ترك قوله في كسر
اليد والرجل وقد قال مالك بن أنس رضي الله عنه ذات يوم كنا لا نقص من الأصابع حتى قص منها
عبد العزيز بن المطلب قاض عليهم فقصصنا منها فليس يعدل أهل المدينة في الأشياء بما عمل به عامل
في بلادهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: معقول في كتاب الله عز وجل في القصاص إذ قال جل
وعلا (النفس بالنفس) الآية إنما هو إفاتة شئ بشئ فهذا سواء وفي قوله (والجروح القصاص) إنما هو
أن يفعل بالجارح مثل ما فعل بالمجروح فلا نقص من واحد إلا في شئ يفات من الذي أفات مثل عين
وسن وأذن ولسان وغير هذا مما يفات فهذا يفات إفاتة النفس أو جرح فيؤخذ من الجارح كما أخذ من
المجروح فإذا كان على الابتداء يعلم أنه يقدر على أنه يقص منه فلا يزاد فيه ولا ينقص اقتص منه وإذا
كان لا يقدر على ذلك فلا قصاص فيه قال وأولى الأشياء أن لا يقص منه كسر اليد والرجل لمعنيين
أحدهما أن دون عظمهما حائلا من جلد وعروق ولحم وعصب ممنوع إلا بما وجب عليه فلو استبقينا أنا
نكسر عظمه كما كسر عظمه لا نزيد فيه ولا ننقص فعلنا ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ننال مما دونه مما
وصفت مما لا يعرف قدره مما هو أكثر أو أقل مما نال من غيره والثاني أنا لا نقدر على أن يكون كسر
ككسر أبدا فهو ممنوع من الوجهين والمأمومة والمنقلة والهاشمة أولى أن يكون فيها قصاص من حيث إن
من جناها فقد شق بها اللحم والجلد فنشق اللحم والجلد كما شقه ونهشم العظم أو ننقله أو نؤمه فنخرقه
فإن قال لا يقدر على العظم وهو بارز فهو لم يتعذر دونه فكذلك لا يقدر على العظم دونه غيره.
كتاب سير الأوزاعي
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال: قال أبو حنيفة رحمه الله
تعالى إذا غنم جند من المسلمين غنيمة في أرض العدو من المشركين فلا يقتسمونها حتى يخرجوها إلى دار
الاسلام ويحوزوها وقال الأوزاعي لم يقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة أصاب فيها مغنما إلا
خمسة وقسمه قبل أن يقف من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن ويوم حنين وخيبر وتزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم بخيبر حين افتتحها صفية وقتل كنانة بن الربيع وأعطى أخيه دحية ثم لم يزل المسلمون على
ذلك بعده وعليه جيوشهم في أرض الروم في خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان رضي الله عنهما في
البر والبحر ثم هلم جرا وفي أرض الشرك حين هاجت الفتنة وقتل الوليد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى
أما غزوة بني المصطلق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح بلادهم وظهر عليهم فصارت بلادهم
دار الاسلام وبعث الوليد بن عقبة فأخذ صدقاتهم وعلى هذه الحال كانت خيبر حين افتتحها وصارت
دار الاسلام وعاملهم على النخل وعلى هذا كانت حنين وهوازن ولم يقسم فئ حنين إلا بعد منصرفه
عن الطائف حين سأله الناس وهم بالجعرانة أن يقسمه بينهم فإذا ظهر الإمام على دار وأثخن أهلها
فيجري حكمه عليها فلا بأس أن يقسم الغنيمة فيها قبل أن يخرج وهذا قول أبي حنيفة أيضا وإن كان
352

مغيرا فيها لم يظهر عليها ولم يجر حكمه فإنا نكره أن يقسم فيها غنيمة أو فيئا من قبل أنه لم يحرزه ومن قبل
أنه لو دخل جيش من جيوش المسلمين مددا لهم شركوهم في تلك الغنيمة ومن قبل أن المشركين لو
استنقذوا ما في أيديهم ثم غنمه جيش آخر من جيوش المسلمين بعد ذلك لم يرد على الأولين منه شئ
وأما ما ذكر عن المسلمين أنهم لم يزالوا يقسمون مغانمهم في خلافة عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في
أرض الحرب فإن هذا ليس يقبل إلا عن الرجال الثقات فعمن هذا الحديث وعمن ذكره وشهده
وعمن روى؟ ونقول أيضا إذا قسم الإمام في دار الحرب فقسمه جائز فإن لم يكن معه حمولة يحمل
عليها المغنم أو احتاج المسلمون إليها أو كانت علة فقسم لها المغنم ورأي أن ذلك أفضل فهو مستقيم جائز
غير أن أحب ذلك إلينا وأفضله أن لا يقسم شيئا من ذلك إذا لم يكن به إليه حاجة حتى يخرجه إلى
دار الاسلام. قال أبو يوسف عن مجاهد بن سعيد عن الشعبي عن عمر أنه كتب إلى سعد بن أبي
وقاص إني قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة قال أبو يوسف وهذا يعلم
أنهم لم يحرزوا ذلك في أرض الحرب قال محمد بن إسحاق سئل عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال
فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنزلت (يسئلونك عن الأنفال) الآية انتزعه منا حين اختلفنا
وساءت أخلاقنا فجعله الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجعله حيث شاء. قال أبو يوسف
رحمه الله تعالى وذلك عندنا لأنهم لم يحرزوه ويخرجوه إلى دار الاسلام الحسن بن عمارة عن الحكم
عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر إلا من بعد مقدمه المدينة
والدليل على ذلك أنه ضرب لعثمان وطلحة في ذلك بسهم سهم فقالا وأجزنا فقال وأجركما ولم يشهدا
وقعة بدر) أشياخنا عن الزهري ومكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقسم غنيمة في دار
الحرب * قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وأهل الحجاز يقضون بالقضاء فيقال لهم عمن؟ فيقولون بهذا
جرت السنة وعسى أن يكون قضى به عامل السوق أو عامل ما من الجهات وقول الأوزاعي على هذا
كانت المقاسم في زمان عمر وعثمان رضي الله عنهما وهلم جرا غير مقبول عندنا * الكلبي من حديث
رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة فأصاب هنالك عمرو
بن الحضرمي وأصاب أسيرا أو اثنين وأصاب ما كان معهم من أدم وزيت وتجارة من تجارة أهل الطائف
فقدم بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقسم ذلك عبد الله بن جحش حتى قدم المدينة
وأنزل الله عز وجل في ذلك (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) حتى فرغ من الآية
فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم المغنم وخمسه محمد بن إسحاق عن مكحول عن الحرث بن معاوية
قال قيل لمعاذ بن جبل إن شرحبيل ابن حسنة باع غنما وبقرا أصابها بقنسرين نحلها الناس وقد كان
الناس يأكلون ما أصابوا من المغنم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبيعونه فقال معاذ لم (1)
شرحبيل إذا لم يكن المسلمون محتاجين إلى لحومها فقووا على خلتها فليبيعوها فليكن ثمنها في الغنيمة
والخمس وإن كان المسلمون محتاجين إلى لحومها فلتقسم عليهم فيأكلونها فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصاب أموال أهل خيبر وفيها الغنم والبقر فقسمها وأخذ الخمس وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يطعم الناس ما أصابوا من الغنم والبقر إذا كانوا محتاجين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى،
القول ما قال الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند أهل المغازي لا

(1) بياض بالأصل.
353

يختلفون في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غير مغنم في بلاد الحرب فأما ما احتج به أبو يوسف
من أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على بني المصطلق وصارت دارهم دار إسلام فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون في نعمهم فقتلهم وسباهم وقسم أموالهم وسبيهم في دارهم سنة
خمس وإنما أسلموا بعدها بزمان وإنما بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا سنة عشر وقد رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنهم ودارهم دار حرب وأما خيبر فما علمته كان فيها مسلم واحد وما صالح إلا اليهود
وهم على دينهم إن ما حول خيبر كله دار حرب وما علمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقلت
من موضعها حتى تقسم ما ظهرت عليه ولو كان الأمر كما قال لكان قد أجاز أن يقسم الوالي ببلاد
الحرب فدخل فيما عاب وأما حديث مجالد عن الشعبي عن عمر أنه قال من جاءك منهم قبل تنفق القتلى
فأسهم له فهو إن لم يكن ثابتا داخل فيما عاب على الأوزاعي فإنه عاب عليه غير الثقات المعروفين ما
علمت الأوزاعي قال عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا إلا ما هو معروف، ولقد احتج على
الأوزاعي بحديث رجال وهو يرغب عن الرواية عنهم فإن كان حديث مجالد ثابتا فهو يخالفه هو يزعم
أن المدد إذا جاءه ولما يخرج المسلمون من بلاد الحرب والقتلى نظراؤهم لم ينفقوا ولا ينفقون بعد ذلك
بأيام لم يكن لهم سهم مع أهل الغنيمة فلو كانت الغنيمة عنده إنما تكون للأولين دون المدد إذا نفقت
القتلى انبغى أن يعطى المدد ما بينهم وبين أن تنفقي القتلى قال وبلغني عمه أنه قال وإن قسم ببلاد
الحرب كان جائزا وهذا ترك لقوله ودخول فيما عاب على الأوزاعي وبلغني عنه أنه قال وإن قسم ببلاد
الحرب ثم جاء المدد قبل تنفقي القتلى لم يكن للمدد شئ وهذا يناقض قوله وحجته عليه بحديث عن
عمر لا يأخذ به ويدعه من كل وجه وقد بلغني عنه أنه قال وإن نفقت القتلى وهم في بلاد الحرب لم
يخرجوا منها ولم يقتسموا شركهم المدد وكل هذا القول خروج مما احتج به (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى وإنما الغنيمة لمن شهد الوقعة لا للمدد وكذلك روى عن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأما
ما احتج به من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر حتى ورد المدينة وما ثبت من الحديث
بأن قال والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان وطلحة رضي الله تعالى عنهما ولم
يشهدا بدرا فإن كان كما قاله فهو يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لأنه يزعم أن ليس
للامام أن يعطي أحدا لم يشهد الوقعة وليس كما قال غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر بسير
شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر وكانت غنائم بدر كما يروي عبادة بن الصامت غنمها
المسلمون قبل تنزل الآية في سورة الأنفال فلما تشاحوا عليها انتزعها الله من أيديهم بقوله عز وجل
(يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) فكانت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم كلها خالصة وقسمها بينهم أدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين
والأنصار وهم بالمدينة وإنما أعطاهم من ماله وإنما نزلت (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه)
بعد غنيمة بدر ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لخلق لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية ومن
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤلفة وغيرهم فإنما من ماله أعطاهم لا من شئ من أربعة
الأخماس وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية
وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت (يسألونك عن الشهر الحرام
قتال فيه) وليس مما خالفه فيه الأوزاعي بسبيل.
354

أخذ السلاح
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا بأس أن يأخذ الرجل السلاح من الغنيمة إذا احتاج إليه بغير إذن
الإمام فيقاتل به حتى يفرغ من الحرب ثم يرده في المغنم وقال الأوزاعي يقاتل ما كان الناس في معمعة
القتال ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فيعرضه للهلاك وانكسار سنه من طول مكثه في دار الحرب
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إياك وإياك الغلول أن تركب الدابة حتى يحسر قبل أن
يؤدي إلى المغنم أو تلبس الثوب حتى يخلق قبل أن ترده إلى المغنم) قال أبو يوسف قد بلغنا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما قال الأوزاعي ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى ووجوه تفسير لا
يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله تعالى عليه فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني
يبقى بذلك على دابته وعلى ثوبه أو يأخذ ذلك يريد به الحاحه فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس
معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة ولا يستطيع أن يمشي فإذا كان هذا فلا
يحل للمسلمين تركه ولا بأس بتركيبه إن شاءوا وإن كرهوا وكذلك هذه الحال في السلاح والحال في
السلاح أبين وأوضح ألا ترى أن قوما من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت ولهم غناء في المسلمين
أنه لا بأس أن يأخذوا سيوفا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في الحرب أرأيت إن لم يحتاجوا إليها في
معمعة القتال واحتاجوا إليها بعد ذلك بيومين وأغار عليهم العدو يقومون هكذا في وجه العدو بغير سلاح
أرأيت لو كان المسلمون كلهم على حالهم كيف يصنعون يستأسرون هذا الرأي توهين لمكيدة المسلمين
ولجنودهم وكيف يحل هذا ما دام في المعمعة ويحرم بعد ذلك وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الثقات حديث مسند عن الرجال المعروفين بالفقه المأمونين عليه أنه كان يغنم الغنيمة فيها
الطعام فيأكل أصحابه منها إذا احتاج الرجل شيئا يأخذه وحاجة الناس إلى السلاح في دار الحرب
وإلى الدواب وإلى الثياب أشد من حاجتهم إلى الطعام، أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي المجالد
عن ابن أبي أوفى قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة
فيأخذ حاجته (قال الشافعي) كان أبو حنيفة إنما جعل السلاح والثياب والدواب قياسا على الطعام من
غني يجد ما يشري به طعاما أو فقير لا يجد ما يشري به أحل لهم أكله وأكله استهلاك له فهو إن أجاز
لمن يجد ما يشتري به طعاما أن يأكل الطعام في بلاد العدو فقاس السلاح والدواب عليه جعل له أن
يستهلك الطعام ويتفكه بركوب الدواب كما يتفكه بالطعام فيأكل فالوذا ويأكل السمن والعسل وإن
اجتزأ بالخبز اليابس بالملح والجبن واللبن وأن يبلغ بالدواب استهلاكها ويأخذ السلاح من بلاد العدو
فيتلذذ بالضرب بها غير العدو وكما يتلذذ بالطعام لغير الجوع وكان يلزمه إذا خرج بالدواب والسلاح من
بلاد العدو أن يجعله ملكا له في قول من قال يكون ما بقي من الطعام ملكا له ولا أحسب من الناس
أحدا يجيز هذا وكان له بيع سلاحه ودوابه وأخذ سلاح ودواب كما تكون له الصدقة بطعامه وهبته
وأكل الطعام من بلاد العدو فقد كان كثير من الناس على هذا ويصنعون مثله في دوابهم وسلاحهم
وثيابهم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو نزعت سهما من جبل من بلاد العدو ما
كنت بأحق به من أخيك) وما أعلم ما قال الأوزاعي إلا موافقا للسنة معقولا لأنه يحل في حال
الضرورة الشئ، فإذا انقضت الضرورة لم يحل وما علمت قول أبي حنيفة قياسا ولا خبرا.
355

سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يضرب للفارس بسهمين سهم له وسهم لفرسه ويضرب للراجل
بسهم وقال الأوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم واحد
والمسلمون بعد لا يختلفون فيه، وقال أبو حنيفة الفرس والبرذون سواء، وقال الأوزاعي كان أئمة
المسلمين فيما سلف حتى هاجت الفتنة لا يسهمون للبراذين قال أبو يوسف رضي الله تعالى عنه كان أبو
حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن تفضل بهيمة على رجل مسلم ويجعل سهمها في القسم أكثر من سهمه.
فأما البراذين فما كنت أحسب أحدا يجهل هذا ولا يميز بين الفرس والبرذون ومن كلام العرب المعروف
الذي لا تختلف فيه العرب أن تقول هذه الخيل ولعلها براذين كلها أو جلها ويكون فيها المقاريف أيضا
ومما نعرف نحن في الحرب أن البراذين أوفق لكثير من الفرسان من الخيل في لين عطفها وقودها
وجودتها مما لم يبطل الغاية وأما قول الأوزاعي على هذا كانت أئمة المسلمين فيما سلف فهذا كما وصف
من أهل الحجاز أو رأى بعض مشايخ الشام ممن لا يحسن الوضوء ولا التشهد ولا أصول الفقه صنع هذا
فقال الأوزاعي بهذا مضت السنة وقال أبو يوسف بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن غيره من
أصحابه أنه أسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم وبهذا أخذ أبو يوسف (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى القول ما قال الأوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم (قال الشافعي) وأخبرنا عن عبيد الله
بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب للفارس
بثلاثة أسهم وللراجل بسهم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأما ما حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة
أنه قال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم فلو لم يكن في هذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان
محجوجا بخلافه لأن قوله لا أفضل بهيمة على مسلم خطأ من وجهين أحدهما أنه كان إذا كان أعطى
بسبب الفرس سهمين كان مفضلا على المسلم إذ كان إنما يعطي المسلم سهما انبغى له أن لا يسوى البهيمة
بالمسلم ولا يقربها منه وإن هذا كلام عربي وإنما معناه أن يعطي الفارس سهما له وسهمين بسبب فرسه
لأن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط
الخيل) فإذا أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفنا فإنما سهما الفرس لراكبه لا للفرس
والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه بعنائه والمؤنة عليه فيه وما ملكه به رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأما تفضيل الأوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن
الأسود بن قيس عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت
الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبي حمصة الهمداني ففضل الخيل على الكوادن وقال لا أجعل
ما أدرك كما لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال (1) هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهم يروون في هذا أحاديث كلها أو بعضها أثبت مما احتج به أبو
يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهي عليه ولكن هذه منقطعة والذي نذهب إليه من هذا التسوية
بين الخيل العراب والبراذين والمقاريف ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه وقال أبو حنيفة إذا كان الرجل
في الديوان راجلا ودخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو

(1) جملة دعائية والغرض منها الاعجاب بعلمه وقوله (لقد أذكرت به) أي ولدت شهما اه‍. كتبه مصححه.
356

فارس أنه لا يضرب له إلا سهم راجل وقال الأوزاعي لم يكن للمسلمين على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ديوان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسهم للخيل وتتابع على ذلك أئمة المسلمين وقال
أبو يوسف ليس فيما ذكر الأوزاعي حجة ونحن أيضا نسهم للفارس كما قال فهل عنده أثر مسند عن
الثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم سهم فارس لرجل غزا معه راجلا ثم استعار أو اشترى
فرسا فقاتل عليه عند القتال ويفسرها هكذا وعليه في هذا أشياء أرأيت لو قاتل عليه بعد يوم ثم باعه
من آخر فقاتل عليه ساعة أكل هؤلاء يضرب لهم بسهم فرس وإنما هو فرس واحد هذا لا يستقيم وإنما
توضع الأمور على ما يدخل عليه الجند فمن دخل فارسا أرض الحرب فهو فارس ومن دخل راجلا فهو
راجل على ما عليه الدواوين منذ زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى يومك هذا (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الأوزاعي وقد زعم أبو يوسف أن السنة جرت على ما قال
وعاب على الأوزاعي أن يقول قد جرت السنة بغير رواية ثابتة مفسرة ثم ادعاها بغير رواية ثابتة ولا خبر
ثابت ثم قال الأمر كما جرى عليه الديوان منذ زمان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو لا
يخالف في أن الديوان محدث في زمان عمر وأنه لم يكن ديوان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا أبي بكر ولا صدر من خلافة عمر وأن عمر إنما دون الديوان حين كثر المال والسنة إنما تكون لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم فهذا الدليل على ما قال الأوزاعي
لأنه لا يسهم عنده ولا عنده إلا لمن حضر القتال فإذا لم يكن حاضر القتال فارسا فكيف يعطى بفرسه
ما لا يعطى ببدنه وأما قوله إن قاتل هذا عليه يوما وهذا يوما أيعطى كل واحد سهم فارس فلا يعطى
بفرس في موضعين كما لا يعطى لو قاتل في موضعين إلا أن تكون غنيمة فلا يعطى بشئ واحد في
موضعين والسهم للفارس المالك لا لمن استعار الفرس يوما ولا يومين إذا حضر المالك فارسا القتال ولو
بعضنا بينهم سهم الفرس ما زدناه على سهم فرس واحد كما لو أسهمنا للراجل ومات لم نزد ورثته على
سهم واحد وكذلك لو خرج سهمه إلى بعير اقتسموه فقال بعض من يذهب مذهبه إني إنما أسهمت
للفارس إذا دخل بلاد الحرب فارسا للمؤنة التي كانت عليه في بلاد الاسلام قلنا فما تقول إن اشترى
فرسا قبل أن يفرض عليه الديوان في أدنى بلاد الحرب بساعة؟ قال يكون فارسا إذا ثبت في الديوان
قلنا فما تقول في خراساني أو يماني قاد فرسا من بلاده حتى أتى بلاد العدو فمات فرسه قبل أن تنتهي
الدعوة إليه؟ قال فلا يسهم له سهم فرس قلنا فقد أبطلت مؤنة هذين في الفرس وهذان أكثر مؤنة من
الذي اشتراه قبل الديوان بساعة * وقال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل أنه لا
يضرب له بسهم في الغنيمة وقال الأوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من المسلمين
قتل بخيبر فاجتمعت أئمة الهدى على الأسهام لمن مات أو قتل. وقال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا
عن الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يضرب لأحد ممن استشهد معه بسهم في شئ من
المغانم قط وأنه لم يضرب لعبيدة بن الحرث في غنيمة بدر ومات بالصفراء قبل أن يدخل المدينة. وقال
أبو يوسف ما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في
الفئ وغيره حال ليست لغيره وقد أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ولرسول الله صلى الله
عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في بدر ولم يشهدها فقل وأجري يا رسول الله؟ قال
(وأجرك) قال وأسهم أيضا لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها فقال وأجري؟ (وأجرك) ولو أن
إماما من أئمة المسلمين أشرك قوما لم يغزوا مع الجند لم يتسع ذلك له وكان مسيئا فيه وليس للأئمة في
357

هذا ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لأحد من الغنيمة
ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر وقد قتل بها رهط معروفون فما نعلم أنه أسهم لأحد منهم
وهذا ما لا يختلف فيه فعليك من الحديث بما تعرف العامة وإياك والشاذ منه فإنه حدثنا ابن أبي كريمة
عن أبي جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى
فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال (إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني
يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني) مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن
عمرو بن مرة عن البختري عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال (إذا أتاكم الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه الذي هو أهدى والذي هو أتقى والذي هو أحيا) أشعت بن
سوار وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري أنه قال أقبلت في رهط من
الأنصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يمشي حتى انتهينا إلى مكان قد سماه ثم
قال هل تدرون لم مشيت معكم يا معشر الأنصار؟ قالوا نعم لحقنا قال إن لكم الحق ولكنكم تأتون قوما
لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فاقتلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم فقال
قرظة لا أحدث حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا كان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين ولولا طول الكتاب لأسندت الحديث لك وكان علي بن أبي
طالب رضي الله تعالى عنه لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية تزداد كثرة
ويخرج منها ما لا يعرف ولا يعرفه أهل الفقه ولا يوافق الكتاب ولا السنة فإياك وشاذ الحديث وعليك
بما عليه الجماعة من الحديث وما يعرفه الفقهاء وما يوافق الكتاب والسنة فقس الأشياء على ذلك فما
خالف القرآن فليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن جاءت به الرواية. حدثنا الثقة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه (إني لأحرم ما حرم القرآن والله لا يمسكون
على بشئ فاجعل القرآن والسنة المعروفة لك إماما قائدا واتبع ذلك وقس عليه ما يرد عليك مما لم
يوضح لك في القرآن والسنة). حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة هوازن أن وفد
هوازن سألوه فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس إذا صليت الظهر
فقوموا وقولوا إنا نتشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو
لكم) فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار مثل ذلك وقال
عباس بن مرداس أما ما كان ولي ولبني سليم فلا وقالت بنو سليم أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال الأقرع بن حابس أما ما كان لي ولبني تميم فلا وقال عيينة أما ما كان لي ولبني فزارة فلا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك بحصته من هذا السبي فله بكل رأس ست فرائض من
أول فئ نصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم فرد الناس ما كان في أيديهم ولرسول الله صلى الله
عليه وسلم في هذا حال لا تشبه حال الناس ولو أن إماما أمر جندا أن يدفعوا ما في أيديهم من السبي
إلى أصحاب السبي بست فرائض كل رأس لم يجز ذلك له ولم ينفذ ولم يستقم ولا تشبه الأئمة في هذا
والناس النبي صلى الله عليه وسلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما ما ذكر من أمر
بدر وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لعبيدة بن الحرث فهو عليه إن كان كما زعم أن الغنيمة
358

أحرزت وعاش بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهما فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال
قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وأعطى عبيدة سهمه وهو حي ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم
الغنيمة فأما ما ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله فقد فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدرا وإنما نزل تخميس
الغنيمة وقسم الأربعة الأسهم بعد الغنيمة (قال الشافعي) وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من
شهد فأما الرواية المتظاهرة عندنا فكما وصفت قال الله عز وجل (يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) فكانت غنائم بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها
حيث شاء وإنما نزلت (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) بعد بدر على
ما وصفت لك يرفع خمسها ويقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب
فإنه سن أنه للقاتل في الاقبال فكان السلب خارجا منه وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل كان
يأخذه من سهمه من الخمس وإلا البالغين من السبي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن فيهم سننا
فقتل بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين فالإمام في البالغين من السبي مخير فيما حكيت أن النبي
صلى الله عليه وسلم سنه فيهم فإن أخذ من أحد منهم فدية فسبيلها سبيل الغنيمة وإن استرق منهم أحدا
فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة وإن أقاد بهم بقتل أو فادى بهم أسيرا مسلما فقد خرجوا من الغنيمة وذلك
كله كما وصفت وأما قوله في سبي هوازن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوهبهم من المسلمين فكما
قال وذلك يدل على أنه يسلم كالمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفسا وأما قوله أن النبي
صلى الله عليه وسلم ضمن ست فرائض بكل سبي شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا
عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمنا عن رضا ممن قبله ولم يرض عيينة فأخذ عجوزا وقال أعير بها
هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها
ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا جدها بماجد فقال حقا ما قال؟ قال أي والله قال فأبعدها الله وأباها
ولم يأخذ بها عوضا، وأما قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير
ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروي عن النبي
صلى الله عليه وسلم إلا الثقات وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيرا
وقضى مثله وإذا زعم أن الحيوان لا يجوز نسيئة لأنه لا يكال ولا يوزن ولا يذرع ولا يعلم إلا بصفة وقد
تقع الصفة على البعيرين وهما متفاوتان فهو محجوج بقوله لأنه لا يجيز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهر
النساء والديات وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد
أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيئة فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة وإن زعم أن المسلمين
أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة فقد رغب عما أجاز المسلمون ودخل بعضهم فيه وأما ما ذكر من
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمسكن الناس على بشئ فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا
أحرم عليهم إلا ما حرم الله) فما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فيه حكم إلا بما أحله الله
به وكذلك ما حرم شيئا قط فيه حكم إلا بما حرم بذلك أمر وكذلك افترض عليه قال الله عز وجل
(فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه وشهد
له أنه على صراط مستقيم وكذلك قال (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي
إلى صراط مستقيم) فأخبر أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله وشهد له بأنه هاد مهتد وكذلك يشهد له
359

قوله (لا يمسكن الناس على بشئ) فإن الله أجل له أشياء حظرها على غيره مثل عدد النساء وأن لا
تهب المرأة بغير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا
على غيره فقال (لا يمسكن الناس على بشئ) يعنى مما خص بدونهم فإن نكاحه أكثر من أربع ولا
يحل لهم أن يبلغوه لأنه انتهى بهم إلى الأربع ولا يجب عليهم ما وجب عليه من تخيير نسائه لأنه ليس
بفرض عليهم فأما ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان
محجوجا به وليس يخالف القرآن الحديث ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبين معنى ما
أراد الله خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما من بفرض الله فمن قبل عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعن الله عز وجل قبل لأن الله تعالى أبان ذلك في غير موضع من كتابه قال الله عز وجل
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) الآية
وقال عز وجل (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وبين ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر قال أخبرني عبيد الله بن
أبي رافع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري
مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله عز وجل أخذنا به) (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى ولو كان كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى دخل من رد الحديث عليه ما
احتج به على الأوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم جمع ما بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل
ذي ناب من السباع وغير ذلك، قال أبو حنيفة رحمه الله إذا دخل الجيش أرض الحرب فغنموا غنيمة
ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا بها إلى دار الاسلام مددا لهم ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا بها إلى
دار الاسلام فهم شركاء فيها، وقال الأوزاعي قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم ولا
تشارك واحدة منهما صاحبتها في شئ أصابته من الغنيمة لا ينكر ذلك منهم والى جماعة ولا عالم، وقال
أبو يوسف حدثنا الكلبي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا عامر الأشعري يوم حنين
إلى أوطاس فقاتل من بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلم يبلغنا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا
أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئا واحدا وحدثنا مجالد عن عامر الشعبي وزياد بن علاقة الثعلبي أن
عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفق القتلى فأشركه في
الغنيمة. محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث
عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة من المسلمين مددا لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبي أمية فوافقوا الجند
قد افتتح البحثر في اليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدرا في الغنيمة وقال أبو يوسف فما كنت
أحسب أحدا يعرف السنة والسيرة يجهل هذا ألاتي أنه لو غزا أرض الروم جند فدخل فأقام في بعض
بلادهم ثم فرق السرايا وترك الجند ردءا لهم لولا هؤلاء ما اقترب السرايا أن يبلغوا حيث بلغوا وما أظنه
كان للمسلمين جند عظيم في طائفة أخطأهم أن يكون مثل هذا فيهم وما سمعنا بأحد منهم قسط الغنائم
مفترقة على كل سرية أصابت شيئا ما أصابت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: احتج أبو يوسف أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين
من كان مع أبي عامر وهذا كما قال وليس مما قال الأوزاعي وخالقه هو فيه بسبيل أبو عامر كان في
جيش النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بحنين فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في اتباعهم وهذا جيش
360

واحد كل فرقة منهم ردء للأخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئا دون السرية أو
السرية شيئا دون الجيش كانوا فيه شركاء لأنهم جيش واحد وبعضهم ردء لبعض وإن تفرقوا فساروا
أيضا في بلاد العدو فكذلك شركت كل واحدة من الطائفتين الأخرى فيما أصابوا فأما جيشان مفترقان
فلا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد ولا أحدهما ردء لصاحبه مقيم له عليه ولو جاز
جاز أن يشرك أهل طرسوس وغذقذونة من دخل بلاد العدو لأنه قد يعينونهم أو ينفروا إليهم حين ينالون
نصرتهم في أدنى بلاد الروم وإنما يشترك الجيش الواحد الداخل واحدا وإن تفرق في ميعاد اجتماع في
موضع وأما ما احتج به من حديث مجالد أن عمر كتب فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركهم في
الغنيمة فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته عنه فهو محجوج
به لأنه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد
الاسلام عشية وجاءهم المدد والقتلى يتشحطون في دمائهم لم يشركوهم ولو قتلوهم فنفقوا وجاءوا
والجيش في بلاد العدو قد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم الجيش المدد بأشهر شركوهم
فخالف عمر في الأول والآخر واحتج به فأما ما روى عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة فإن زيادا
كتب فيه إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا نفسا أن
أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم وهذا قولنا وهو يخالفه ويروى عنه خلاف ما رواه عنه أهل
العلم بالغزو، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في المرأة تداوى الجرحى وتنفع الناس لا يسهم لها ويرضخ
لها وقال الأوزاعي أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء بخيبر وأخذ المسلمون بذلك بعده قال أبو
يوسف رحمه الله تعالى ما كنت أحسب أحدا يعقل الفقه يجهل هذا ما يعلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسهم للنساء في شئ من غزوه وما جاء في هذا من الأحاديث كثير لولا طول ذلك لكتبت لك
من ذلك شيئا كثيرا ومحمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن ابن هرمز قال كتب نجدة إلى ابن عباس
كان النساء يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه ابن عباس كان النساء يغزون
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرضخ لهن من الغنيمة ولم يكن يضرب لهن بسهم والحديث في
هذا كثير والسنة في هذا معروفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا كما قال أبو حنيفة يرضخ لهن ولا
يسهم والحديث في هذا كثير وهذا قول من حفظت عنه من حجازيينا، (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره أن ابن عباس كتب إلى
نجدة كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فقد كان يغزو بهن فيداوين
المرضى وذكر كلمة أخرى وكتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لهن بسهم فلم
يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة وإنما ذهب الأوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو
منقطع روى أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين وضرب لليهود وللنساء بمثل
سهمان الرجال والحديث المنقطع لا يكون حجة عندنا وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس أنه متصل
وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيمن يستعين به
المسلمون من أهل الذمة فيقاتل معهم العدو لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم، وقال الأوزاعي أسهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن غزا معه من يهود وأسهم ولاة المسلمين بعده لمن استعانوا به على
عدوهم من أهل الكتاب والمجوس، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ما كنت أحسب أحدا من أهل
الفقه يجهل هذا ولا يشك الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
361

أنه قال استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم والحديث في هذا
معروف مشهور والسنة فيه معروفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والقول ما قال أبو حنيفة وعذر
الأوزاعي فيه ما وصفت قبل هذا وقد رأيت أهل العلم بالمغازي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم
إنما رضخ لمن استعان به من المشركين وقد روى فيه حديثا موصولا لا يحضرني ذكره.
سهمان الخيل
قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الرجل يكون معه فرسان لا يسهم له إلا لواحد وقال الأوزاعي
يسهم للفرسين ولا يسهم لأكثر من ذلك وعلى ذلك أهل العلم وبه عملت الأئمة، قال أبو يوسف لم
يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه أسهم للفرسين إلا حديث واحد
وكان الواحد عندنا شاذا لا نأخذ به، وأما قوله بذلك عملت الأئمة وعليه أهل العلم فهذا قول أهل
الحجاز وبذلك مضت السنة وليس يقبل هذا ولا يحمل هذا الجهال فمن الإمام الذي عمل بهذا والعالم
الذي أخذ به حتى ننظر أهو أهل لأن يحمل عنه مأمون هو على العلم أو لا؟ وكيف يقسم للفرسين ولا
يقسم لثلاثة من قبل ماذا؟ وكيف يقسم للفرس المربوط في منزله لم يقاتل عليه وإنما قالت على غيره؟
فتفهم في الذي ذكرنا وفيما قال الأوزاعي وتدبره (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أحفظ عمن لقيت
ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد وبهذا آخذ، أخبرنا سفيان عن هشام بن
عروة عن يحيى بن عباد أن عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم كان يضرب في المغنم
بأربعة أسهم سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذوي القربى سهم أمه صفية يعني يوم خيبر وكان سفيان
بن عيينة يهاب أن يذكر يحيى بن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد وروى مكحول أن الزبير
حضر خيبر فأسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهم له وأربعة أسهم لفرسيه فذهب
الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا وهشام بن عروة أحرص لو أسهم لابن الزبير لفرسين أن
يقول به فأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه بحرصه على زيادته، وإن كان
حديث مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا إنهم لم يرووا
أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر خيبر بثلاثة
أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى
لا يسهم لصبي في الغنيمة، وقال الأوزاعي يسهم لهم وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم
بخيبر لصبي في الغنيمة وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وقال أبو يوسف ما سمعنا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لصبي
وإن هذا لغير معروف عن أهل العلم ولو كان هذا في شئ من المغازي ما خفى علينا محمد بن إسحاق
وإسماعيل بن أمية عن رجل أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه كتبت تسألني عن الصبي
متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم فإنه يخرج من اليتم إذا احتلم ويضرب له بسهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى حدثنا عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله (شك أبو محمد الربيع) عن نافع عن
ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني
وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني قال نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد
362

العزيز فكتب إلى عماله في المقاتلة فلو كان هذا كما قال الأوزاعي لأجازه النبي صلى الله عليه وسلم عام
أحد وما أحد من المهاجرين والأنصار ولد له ولد في سفر من أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
محمد بن أبي بكر فإن أسماء ولدته بذي الحليفة في حجة الاسلام فثبت من هذه الأحاديث والفتيا والله
أعلم أن غزوهم ومقامهم فيه كان أقل مدة من أن يتفرغوا للنساء والأولاد (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: الحجة في هذا مثل الحجة في المسألة قبل في النساء وأهل الذمة يرضخ للغلمان ولا يسهم لهم
ولا يسهم للنساء ويرضخ قال أبو حنيفة في رجل من المشركين يسلم ثم يلحق بعسكر المسلمين في دار
الحرب أنه لا يضرب له بسهم إلا أن يلقى المسلمون قتالا فيقاتل معهم وقال الأوزاعي من أسلم في دار
الشرك ثم رجع إلى الله وإلى أهل الاسلام قبل أن يقتسموا غنائمهم فحق على المسلمين إسهامه وقال أبو
يوسف فكر في قول الأوزاعي ألا ترى أنه أفتى في جيش من المسلمين دخل في دار الحرب مددا
للجيش الذي فيها أنهم لا يشركون في المغانم وقال في هذا أشركه وإنما أسلم بعدما غنموا والجيش
المسلمون المدد الذين شددوا ظهورهم وقووا من ضعفهم وكانوا ردءا لهم وعونا لا يشركونهم ويشرك
الذي قاتلهم ودفعهم عن الغنيمة بجهده وقوته حتى أعان الله عليه فلما رأى ذلك أسلم فأخذ نصيبه.
سبحان الله ما أشد هذا الحكم والقول وما نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف أنه
أسهم لمثل هذا وبلغنا أن رهطا أسلموا من بني قريظة فحقنوا دماءهم وأموالهم ولم يبلغنا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لأحد منهم في الغنيمة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى معلوم عند غير
واحد ممن لقيت من أهل العلم بالغزوات أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة
أخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى وبهذا نقول وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ يثبت ما روى
عن أبي بكر وعمر لا يحضرني حفظه فمن شهد قتالا ثم أسلم فخرج من دار الحرب أو كان مع المسلمين
مشركا فأسلم أو عبدا فأعتق وجاء من حيث جاء شرك في الغنيمة ومن لم يأت حتى تنقضي الحرب وإن
لم تحرز الغنائم لم يشرك في شئ من الغنيمة لأن الغنيمة إنما كانت لمن حضر القتال ولو جاز أن يشرك
في الغنيمة من لم يحضر القتال ويكون ردءا لأهل القتال غازيا معهم جاز أن يسهم لمن قارب بلاد
العدو من المسلمين الذين هم مجموعون على الغوث لمن دخل بلاد الحرب من المسلمين قال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى في التاجر يكون في أرض الحرب وهو مسلم ويكون فيها الرجل من أهل الحرب قال أسلم
فيلحقان جميعا بالمسلمين بعدما يصيبون الغنيمة أنه لا يسهم لهما إذا لم يلق المسلمون قتالا بعد لحاقهما
وقال الأوزاعي يسهم لهما وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى وكيف يسهم لهذين ولا يسهم للجند الذين
هم ردء لهم ومعونة؟ ما أشد اختلاف هذا القول؟! وعلم الله أنه لم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا عن أحد من السلف أنه أسهم لهؤلاء وليسوا عندنا ممن يسهم لهم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى في التاجر المسلم والحربي يسلم في بلاد الحرب يلتقيان بالمسلمين لا يسهم لواحد منهما إلا أن يلقيا
مع المسلمين قتالا فيشتركان فيما غنم المسلمون وهذا مثل قولنا الأول وكان ينبغي لأبي حنيفة إذا قال هذا
أن يقوله في المدد فقد قال في المدد خلافه فزعم أن المدد يشركون الجيش ما لم يخرج بالغنيمة من
بلاد الحرب فإن قال على أولئك عناء لم يكن على هذين فقد ينبعثون من أقصى بلاد الاسلام بعد
الوقعة بساعة ولا يجعل لهم شيئا فلو جعل لهم ذلك بالعناء جعله ما لم تقسم الغنيمة ولو جعله بشهود
363

الوقعة كما جعله في الأولين لم يجعله إلا بشهود الوقعة فهذا قول متناقض. قال أبو حنيفة في الرجل يقتل
الرجل ويأخذ سلبه لا ينبغي للامام أن ينفله إياه لأنه صار من الغنيمة قال الأوزاعي مضت السنة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل علجا فله سلبه وعملت به أئمة المسلمين بعده إلى اليوم وقال أبو
يوسف حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا نفل الإمام أصحابه فقال من قتل قتيلا فله
سلبه فهو مستقيم جائز وهذا النفل وأما إن لم ينفل الإمام شيئا من هذا فلا ينفل أحد دون أحد والغنيمة
كلها بين جميع الجند على ما وقعت عليه المقاسم وهذا أوضح وأبين من أن يشك فيه أحد من أهل العلم
(قال الشافعي) القول فيها ما قال الأوزاعي وأقول قوله. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن
كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم
حنين (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذا حديث ثابت
صحيح لا مخالف له علمته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إنما قاله بعد تقضى الحرب لأنه وجد سلب قتيل أبي قتادة في يدي رجل فأخرجه من يديه
وهذا يدل على خلاف قول أبي حنيفة لأن الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا
قبل الحرب إنما قاله بعد تقضى الحرب (قال الشافعي) رحمه الله: فالسلب لمن قتل مقبلا في الحرب
مبارزا أو غير مبارز قاله الإمام أو لم يقله وهذا حكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم من سنه.
بعده قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بئر معونة وقد قاله من بعده من الأئمة. أخبرنا سفيان بن
عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى بشر بن علقمة قال بادرت رجلا يوم القادسية
فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرجل يأخذ العلف فيفضل
معه شئ بعدما يخرج إلى بلاد الاسلام فإن كانت الغنيمة لم تقسم أعاده فيها وإن كانت قد قسمت
باعه فتصدق بثمنه وقال الأوزاعي كان المسلمون يخرجون من أرض الحرب بفضل العلف والطعام إلى
دار الاسلام ويقدمون به على أهليهم وبالقديد ويهدي بعض إلى بعض لا ينكره إمام ولا يعيبه عالم
وإن كان أحد منهم باع شيئا منه قبل أن تقسم الغنائم ألقى ثمنه في الغنيمة وإن باعه بعد القسمة
يتصدق به عن ذلك الجيش. وقال أبو يوسف أبا عمرو ما أشد اختلاف قولك تشدد فيما احتاج
المسلمون إليه في دار الحرب من السلاح والدواب والثياب إذا كان من الغنيمة وتنهى عن السلاح إلا
في معممة القتال وترخص في أن يخرج بالطعام والعلف من الغنيمة إلى دار الاسلام ثم يهديه إلى
صاحبه هذا مختلف فكيف ضاق الأول مع حاجة المسلمين إليه واتسع هذا لهم وهم في بيوتهم والقليل
من هذا والكثير مكروه ينهى عنه أشد النهي؟ بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل
لي من فيئكم ولا هذه - وأخذ وبرة من سنام بعير - إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط
والمخيط فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة) فقام إليه رجل بكبة من شعر فقال هب هذا إلى
أخيط برذعة بغير لي أدبر فقال أما نصيبي منه فهو لك فقال إذا بلغت هذا فلا حاجة لي فيها وقد بلغنا
نحو من هذا من الآثار والسنة والمحفوظة المعروفة وكيف يرخص أبو عمرو في الطعام والعلف ينتفع به (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: أما قول أبي يوسف يضيق أبو عمرو في السلاح ويوسع في الطعام فإن أبا
عمرو لم يأخذ الفرق بين السلاح والطعام من رأيه فيما نرى والله تعالى أعلم. إنما أخذه من السنة وما لا
اختلاف فيه من جواز الطعام في بلاد العدو أن يأكله غنيا كان أو فقيرا وليس لأحد قدر على سلاح
وكراع غنى عنه أن يركب ولا يتسلح السلاح وبكل هذين مضت السنة وعليه الاجماع فإن الذي قال
364

الأوزاعي أن يتصرف بفضل الطعام للقياس إذا كان يأخذ الطعام في بلاد العدو فيكون له دون غيره
من الجيش ففضل منه شئ إنما فضل من شئ قد كان له دون غيره والله أعلم. ولو لم يجز له أن يحبس
ذلك بعد خروجه من بلاد العدو لم يخرجه منه إلا أداؤه إلى المغنم لأنه للجيش كلهم ولأهل الخمس
لا يخرجه منه التصدق به لأنه تصدق بمال غيره فإن قال لا أجد أهل الجيش ووجد أمير الجيش أو
الخليفة أداه إلى أيهما شاء. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرجل يقع على الجارية من الغنيمة أنه
يدرأ عنه الحد ويؤخذ منه العقر والجارية وولدها من الغنيمة ولا يثبت نسب الولد. وقال الأوزاعي
وكان من سلف من علمائنا يقولون عليه أدنى الحدين مائة جلدة ومهر قيمة عدل ويلحقونها وولدها به
لمكانه الذي له فيها من الشرك: قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كان له فيها نصيب على ما قال
الأوزاعي فلا حد عليه وفيها العقر. بلغنا عن عبد الله بن عمر في جارية بين اثنين وطئها أحدهما أنه قال
لا حد عليه وعليه العقر. أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنه أنه قال (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من
أن يخطئ في العقوبة فإذا وجدتم لمسلم مخرجا فادرءوا عنه الحد) قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الرجل زانيا فعليه الرجم إن كان
محصنا والجلد إن كان غير محصن ولا يلحق الولد به لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد
للفراش وللعاهر الحجر والعاهر الزاني ولا يثبت نسب الزاني أبدا ولا يكون عليه المهر وهو زان أرأيت
رجلا زنى بامرأة وشهدت عليه الشهود بذلك وأمضى عليه الإمام الحد أيكون عليه مهر وهل يثبت
ونسب الولد منه؟ وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم غير واحد وعن أبي بكر وعمر
رضي الله تعالى عنهما والسلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أقاموا الحدود على الزناة
ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه قضى مع ذلك بمهر ولا أثبت منه نسب الولد حدثنا أبو حنيفة رحمه الله
تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا يجتمع الحد والصداق الصداق درء الحد وبلغنا عن عمر وعلي
رضي الله تعالى عنهما في غير حديث في المرأة يؤتى بها وقد فجرت فتقول جعت فأعطاني وتقول
الأخرى عطشت فسقاني كل واحدة منها تقول هذا وإن كان هذا الذي وطئ الجارية له نصيب فيها
فذلك أحرى أن يدرأ عنه الحد أرأيت الذي وطئ الجارية له فيها نصيب لو أعتق جميع السبي أكان
يجوز عتقه فيهم ولا يكون للمسلمين عليهم سبيل فإن كان عتقه يجوز في جماعتهم فقد أخطأ السنة حيث
جعل غنيمة المسلمين مولى لرجل واحد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وما علمت أن أبا يوسف احتج
بحرف من هذا إلا عليه زعم أن الرجل إذا وقع بالجارية من السبي لا يثبت للولد نسب ولا يؤخذ منه
مهر لأنه زنا ويدرأ عنه الحد ويحتج بأن ابن عمر قال في رجل وقع على جارية له فيها نصيب يدرأ عنه
الحد وعليه العقر فإن زعم أن الواقع على الجارية له فيها شرك فإن ابن عمر قال في الرجل يقع على
الجارية بينه وبين آخر عليه العقر ويدرأ عنه الحد ونحن وهو نلحق الولد به فلو قاس أبو حنيفة رحمه الله
تعالى الواقع على الجارية من الجيش على الواقع على الجارية بينه وبين آخر لحق النسب وجعل عليه المهر
ودرأ عنه الحد وإن جعله زانيا كما قال لزمه أن يحده إن كان ثيبا حد الزنا بالرجم وحده حد الكبر إن
كان بكرا فجعله زانيا غير زان وقياسا على شئ وخالف بينهما وبين ما قاسها عليه والأوزاعي ذهب في
أدنى الحدين إلى شئ. روى عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في مولاة لحاطب زنت
فاستهلت بالزنا فرأى أنها تجهله وهي ثيب فضربها مائة وهي ثيب وما احتج به من أن الرجل من الجيش
365

لو أعتق لم يجز عتقه حجة عليه وهو أيضا لا يقول في عتق الرجل من الجيش قولا مستقيما فزعم أن
الجيش إذا أحرزوا الغنيمة فأعتق رجل من الجيش لم يجز عتقه وإن كان له فيهم شرك لأنه استهلاك
ويقول فإن قسموا بين أهل كل راية فأعتق رجل من أهل الراية جاز العتق لأنه شريك فجعله مرة
شريكا يجوز عتقه وأخرى شريكا لا يجوز عتقه.
في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها
قال أبو حنيفة رحمه تعالى في المرأة إذا سبيت ثم سبى زوجها بعدها بيوم وهما في دار الحرب أنهما
على النكاح وقال الأوزاعي ما كانا في المقاسم فهما على النكاح وإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما
جمع وإن شاء فرق بينهما وأخذها لنفسه أو زوجها لغيره بعدما يستبرئها بحيضة على ذلك مضى المسلمون
ونزل به القرآن وقال أبو يوسف إنما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم أصابوا سبايا
وأزواجهم في دار الحرب وأحرزوهم دون أزواجهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا توطأ الحبالى
من الفئ حتى يضعن وغير الحبالى حتى يستبرأن بحيضة حيضة) وأما المرأة سبيت هي وزوجها وصارا
مملوكين قبل أن تخرج الغنيمة إلى دار الاسلام فهما على النكاح وكيف يجمع المولى بينهما إن شاء في قول
الأوزاعي على ذلك النكاح فهو إذا كان صحيحا فلا يستطيع أن يزوجها أحدا غيره ولا يطأها هو وإن
كان النكاح قد انتقض فليس يستطيع أن يجمع بينهما إلا بنكاح مستقبل (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى أوطاس وبني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء
وقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا
غيرها ولا هل سبى زوج مع امرأته ولا غيره وقال وإذا استؤمنين بعد الحرية فاستبرئت أرحامهن بحيضة
ففي هذا دلالة على أن تصييرهن إماءا بعد الحرية قطعا للعصمة بينهن وبين أزواجهن وليس العصمة
بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استيمائهن بعد حريتهن (قال الشافعي) وأبو يوسف قد خالف الخبر
والمعقول أرأيت لو قال قائل بل انتظر بالتي سبيت أن يخلوا رحمها فإن جاء زوجها مسلما وأسلمت ولم
يسب معها كانا على النكاح وإلا حلت ولا أنتظر بالتي سبى معها زوجها إلا الاستبراء ثم أصيبها لأن
زوجها قد أرق بعد الحرية فحال حكمه كما حال حكمها أما كان أولى أن يقبل قوله لو جاز أن يفرق بينهما
من أبي يوسف قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإن سبى أحدهما فأخرج إلى دار الاسلام ثم أخرج
الآخر بعده فلا نكاح بينهما وقال الأوزاعي إن أدركها زوجها في العدة وقد استردها زوجها هي في
عدتها جمع بينهما فإنه كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين نسوة ثم أتبعهن
أزواجهن قبل أن تمضي العدة فردهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم قال أبو يوسف قول الأوزاعي
هذا ينقض قوله الأول زعم في القول الأول إن شاء ردها إلى زوجها وإن شاء زوجها غيره وإن شاء
وطئها وهي في دار الحرب بعد. وزعم أنهم إذا خرجوا إلى دار الاسلام فهي مردودة على زوجها وروي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك فكيف استحل أن يخالف رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا وقع السباء وأخرج بهن إلى دار الاسلام فقد انقطعت العصمة أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم الناس في السبايا أن لا توطأ الحبالى حتى يضعن والحيال حتى يستبرأن بحيضة ولو كان عليهن عدة
كان أزواجهن أحق بهن فيها إن جاءوا ولم يأمر بوطئهن في عدة والعدة أكثر من ذلك ولكن ليس عليهن
366

عدة ولا حق لأزواجهن فيهن إلا أن المسلمين يستبرئونهن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا بين
واضح وليس فيه اختلاف (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وهذه داخلة في جواب المسألة قبلها.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب فأصابه المسلمون فأدركه سيده في
الغنيمة بعد القسمة أو قبلها أنه يأخذه بغير قيمة وإن كان المشركون أسروه فأصابه سيده قبل القسمة
أخذه بغير شئ وإن أصابه بعد القسمة أخذه بالقيمة وقال الأوزاعي إن كان أبق منهم وهو مسلم
استتيب فإن رجع إلى الاسلام رده إلى سيده وإن
قتل وإن أبق وهو كافر خرج من سيده ما كان
يملكه وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وإن شاء صلبه ولو كان أخذ أسيرا لم يحل قتله ورد على صاحبه
بالقيمة إن شاء وقال أبو يوسف لم يرجع هذا العبد عن الاسلام في شئ من الوجوه ولم تكن المسألة
على ذلك وإنما كان وجه المسألة أن يحوز المشركون العبد إليهم كما يحوزون العبد الذي اشتروه وأما قوله
في الصلب فلم تمض بهذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما نعلم ولم
يبلغنا ذلك في مثل هذا وإنما الصلب في قطع الطريق إذا قتل وأخذ المال. قال حدثنا الحسن بن
عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد وبعير
أحرزهما العدو ثم ظفر بهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبهما (إن أصبتهما قبل القسمة فهما
لك) قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في عبد أحرزه العدو فظفر به المسلمون فرده على
صاحبه. قال وحدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولهم
ويرد عليهم لقطاءهم) قال أبو يوسف فهذا عندنا على العبد الآبق وشبهه وقوله ويرد متسربهم على
قاعدهم فهذا عندنا في الجيش إذا غنمت السرية رد الجيش على الفقراء القعد فيهم بهذا الحديث
وقال أبو يوسف الذي ياسره العدو وقد أحرزوه وملكوه فإذا أصابه المسلمون فالقول فيه ما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإذا أبق إليهم فهذا مما لا يجوز ألا ترى أن عبيد المسلمين لو حاربوا المسلمين وهم
على الاسلام لم يلحقوا بالعدو فقاتلوا وهم مقرون بالاسلام فظهر المسلمون عليهم فأخذوهم أنه يردون
إلى مواليهم فأما الصلب فليس يدخل فيما ههنا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فرق أبو حنيفة بين العبد
إن أبق إلى العدو والعبد يحرزه العدو ولا فرق بينهما وهما لسيدهما إذا ظفر بهما وحالهم قبل يقسمان وحالهم
بعد القسمة سواء وإن كان للسيد أن يأخذهما قبل القسم أخذهما بعده وقد قال هذا بعض أهل العلم
وإن لم يكن له أخذ أحدهما إلا بثمن لم يكن له أن يأخذ الآخر إلا بثمن قال أبو حنيفة إذا كان
السبي رجالا ونساء وأخرجوا إلى دار الاسلام فإني أكره أن يباعوا من أهل الحرب فيتقووا قال
الأوزاعي كان المسلمون لا يرون ببيع السبايا بأسا وكانوا يكرهون بيع الرجال إلا أن يفادى بهم أسارى
المسلمين وقال أبو يوسف لا ينبغي أن يباع منهم رجل ولا صبي ولا امرأة لأنهم قد خرجوا إلى دار
الاسلام فأكره أن يردوا إلى دار الحرب ألا ترى إنه لو مات من الصبيان صبي ليس معه أبواه ولا
أحدهما صليت عليه لأنه في أيدي المسلمين وفي دارهم وأما الرجال والنساء فقد صاروا فيئا للمسلمين
فأكره أن يردوا إلى دار الحرب أرأيت تاجرا مسلما أراد أن يدخل دار الحرب برقيق للمسلمين كفار أو
رقيق من رقيق أهل الذمة رجالا ونساء أكنت تدعه وذلك؟ ألا ترى أن هذا مما يتكثرون وتعمر
بلادهم ألا ترى أني لا أترك تاجرا يدخل إليهم بشئ من السلاح والحديد وشئ من الكراع مما يتقوون
به في القتال ألا ترى أن هؤلاء قد صاروا مع المسلمين ولهم في ملكهم ولا ينبغي أن يفتنوا ولا يصنع
367

بهم ما يقرب إلى إلى الفتنة وأما مفاداة المسلم بهم فلا بأس بذلك (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا
سبى المسلمون رجالا ونساء وصبيانهم معهم فلا بأس أن يباعوا من أهل الحرب ولا بأس في الرجال
البالغين بأن يمن عليهم أو يفادى بهم ويؤخذ منهم على أن يخلوا والذي قال أبو يوسف من هذا خلاف
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر فقتل بعضهم وأخذ الفدية من بعضهم ومن على
بعض ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة ابن أثال فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك ثم أسلم بعد
ومن على غير واحد من رجال المشركين ووهب الزبير (1) بن باطا لثابت ابن قيس بن شماس ليمن عليه
فسأل الزبير أن يقتله وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى بني قريظة فيهم النساء والولدان فبعث
بثلث إلى نجد وثلث إلى تهامة وثلث قبل الشام فبيعوا في كل موضع من المشركين وفدى رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجلا برجلين. أخبرنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن
أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين (قال
الشافعي) فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم أحد والديه فلا نبيعهم منهم ولا يفادى بهم
لأن حكمهم حكم آبائهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه
وأما قول أبي يوسف يقوى بهم أهل الحرب فقد يمن الله عليهم بالاسلام ويدعون إليه فيمن على غيرهم
بهم وهذا مما يحل لنا أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى لهم في كثير من
الحالات من بيع عبد أو عبدين منهم وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي
بكر
فقالت إن أمي أتتني وهي راغبة في عهد قريش أفأصلها؟ قال نعم وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكسا ذا قرابة له بمكة وقال الله عز وجل (ويطعمون الطعام على
حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) مع ما وصفت من بيع النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين سبى بني
قريظة فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحدا رخص في بيعهما وهو لا يجيز أن نبيعهما. وقال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى إذا أصاب المسلمون أسرى فأخرجوهم إلى دار الاسلام رجالا ونساء وصبيانا وصاروا
في الغنيمة فقال رجل من المسلمين أو اثنان قد كنا أمناهم قبل أن يؤخذوا أنه لا يصدقون على ذلك
لأنهم أخبروا عن فعل أنفسهم وقال الأوزاعي هم مصدقون على ذلك وأمانهم جائز على جميع
المسلمين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يعقد على المسلمين أدناهم) ولم يقل إن جاء على
ذلك ببينة وإلا فلا أمان لهم قال أبو يوسف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معان ووجوه لا
يبصرها إلا من أعانه الله تعالى عليها وهذا من ذلك إنما معنى الحديث عندنا يعقد على المسلمين أولهم
ويسعى بذمتهم أدناهم القوم يغزون قوما فيلتقون فيؤمن رجل من المسلمين المشركين أو يصالحهم على
أن يكونوا ذمة فهذا جائز على المسلمين كما أمنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا
العاص وأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما غنيمة أحرزها المسلمون فقال رجل منهم قد
كنت أمنتهم قبل الغنيمة فإنه لا يصدق ولا يقبل قوله أرأيت إن كان إذا غزا فاسقا غير مأمون على قوله
أرأيت إن كانت امرأة فقالت ذلك تصدق أرأيت إن قال ذلك عبد أوصى أرأيت إن قال ذلك رجل
من أهل الذمة استعان به المسلمون في حربهم له فيهم أقرباء أيصدق أو كان مسلما له فيهم قرابات
أيصدق فليس يصدق واحد من هؤلاء وهل جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال

(1) أي وهب النبي الزبير بن باطا لثابت ليمن عليه جزاء يد عنده فسأل الزبير ثابتا أن يقتله اه‍ كتبه مصححه.
368

يعقد لهم أدناهم في مثل هذا مفسرا هكذا قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا
لهذا عن الثقة ادعى رجل وهو في أسارى بدر أنه كان مسلما فلم يقبل ذلك منه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجرى عليه الفداء وأخذ ما كان معه في الغنيمة ولم يحسب له من الفداء وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (الله أعلم بذلك أما ما ظهر من أمرك فكان علينا) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى حالهم
قبل أن يملكهم المسلمون مخالفة حالهم بعدما يملكونهم فإذا قال رجل مسلم أو امرأة قد أمنتهم قبل أن
يصيروا في أيدي المسلمين فإنما هي شهادة تخرجهم من أيدي مالكيهم ولا تقبل شهادة الرجل على فعل
نفسه ولكن إن قام شاهدان فشهدا أن رجلا أو امرأة من المسلمين أمنهم قبل أن يصيروا أسرى فهم
آمنون أحرار وإذا أبطلنا شهادة الذي أمنهم فحقه منهم باطل لا يكون له أن يملكه وقد زعم أن لا ملك
له عليه. والله تعالى أعلم.
حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا حصر المسلمون عدوهم فقام العدو على سورهم معهم أطفال
المسلمين يتترسون بهم قال يرمونهم بالنبل والمنجنيق يعمدون بذلك أهل الحرب ولا يتعمدون بذلك
أطفال المسلمين قال الأوزاعي يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله عز وجل يقول
(ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) حتى فرغ من الآية فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من
المشركين قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تأول الأوزاعي هذه الآية في غير ولو كان يحرم رمى المشركين
وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك أيضا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم فقد نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال والصبيان وقد حاصر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل الطائف وأهل خيبر وقريظة والنضير وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد من قدروا عليه وبلغنا
أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق فلو كان يجب على المسلمين الكف عن المشركين إذا كان في
ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لم يقاتلوا لأن مدائنهم وحصونهم لا تخلو
من الأطفال والنساء والشيخ الكبير الفاني والصغير والأسير والتاجر وهذا من أمر الطائف وغيرها محفوظ
مشهور من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ثم لم يزل المسلمون والسلف الصالح من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في حصون الأعاجم قبلنا على ذلك لم يبلغنا عن أحد منهم أنه كف
عن حصن برمي ولا غيره من القوة لمكان النساء والصبيان ولمكان من لا يحل قتله لمن ظهر منهم (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى أما ما احتج به من قتل المشركين وفيه الأطفال والنساء والرهبان ومن نهى
عن قتله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق غارين في نعمهم وسئل عن أهل
الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم يعني صلى الله عليه وسلم أن الدار مباحة لأنها
دار شرك وقتال المشركين مباح، وإنما يحرم الدم بالايمان كان المؤمن في دار حرب أو دار إسلام وقد
جعل الله تعالى فيه إذا قتل الكفارة وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد يعقد
عقده المسلمون لا يكون لأحد أن يغير عليها وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار فلما
كان الأطفال والنساء وإن نهى عن قتلهم لا ممنوعي الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم ولا ممنوعي
الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا
369

عرف مكانهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل فإغارته وأمره بالغارة ومن أغار لم يمتنع من أن
يصيب وقوله هم منهم يعني أن لا كفارة فهم أي أنهم لم يحرزوا بالاسلام ولا الدار ولا يختلف المسلمون
فيما علمته أن من أصابهم في الغارة فلا كفارة عليه فأما المسلم فحرام الدم حيث كان ومن أصابه إثم
بإصابته إن عمده وعليه القود إن عرفه فعمد إلى إصابته والكفارة إن لم يعرفه فأصابه وسبب تحريم دم
المسلم غير تحريم دم الكافر الصغير والمرأة لأنهما منعا من القتل بما شاء الله والذي نراه والله تعالى أعلم
منعا له أن يتحولا فيصيرا رقيقين أنفع من قتلهما لأنه لا نكاية لهما فيقتلان للنكاية فإرقاقهما أمثل من قتلهما
والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم بما سبق في علمه من أنه أسلم
منهم طائفة طائعين والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن وإذا
كنا في سبعة من أن لا نقاتل أهل حصن غيره وإن لم يكن فيهم مسلمون كان تركهم إذا كان فيهم
المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم
على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم فإن أصبناه كفرنا وما لم تكن هذه الضرورة
فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلى.
ما جاء في أمان العبد مع مولاه
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان العبد يقاتل مع مولاه جاز أمانه وإلا فأمانه باطل وقال
الأوزاعي أمانه جائز أجازه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولم ينظر كان يقاتل أم لا وقال أبو
يوسف في العبد القول ما قال أبو حنيفة ليس لعبد أمان ولا شهادة في قليل ولا كثير ألا ترى أنه لا
يملك نفسه ولا يملك أن يشتري شيئا ولا يملك أن يتزوج فكيف يكون له أمان يجوز على جميع المسلمين
وفعله لا يجوز على نفسه أرأيت لو كان عبدا كافرا ومولاه مسلم هل يجوز أمانه أرأيت إن كان عبدا لأهل
الحرب فخرج إلى دار الاسلام بأمان وأسلم ثم أمن أهل الحرب جميعا هل يجوز ذلك؟ أرأيت إن كان
عبدا مسلما ومولاه ذمي فأمن أهل الحرب هل يجوز أمانه ذلك؟ حدثنا عاصم بن سليمان عن الفضل
بن يزيد قال كنا محاصري حصن قوم فعمد عبد لبعضهم فرمى بسهم فيه أمان فأجاز ذلك عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه فهذا عندنا مقاتل على ذلك يقع الحديث وفي النفس من إجازته أمانه إن
كان يقاتل ما فيها لولا هذا الأثر ما كان له عندنا أمان قاتل أو لم يقاتل ألا ترى الحديث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم) وهو عندنا
في الدية إنما هو سواء ودية العبد ليست دية الحر وربما كانت ديته لا تبلغ مائة درهم فهذا الحديث
عندنا إنما هو على الأحرار ولا تتكافأ دماؤهم مع دماء الأحرار ولو أن المسلمين سبوا سبيا فأمن صبي
منهم بعد ما تكلم بالاسلام وهو في دار الحرب أهل الشرك جاز ذلك على المسلمين فهذا لا يجوز ولا
يستقيم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الأوزاعي وهو معنى سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم والأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقال أبو يوسف لا يثبت إبطال أمان العبد ولا
إجازته أرأيت حجته بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المسلمون يد واحدة على من سواهم تتكافأ
دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) أليس العبد من المؤمنين ومن أدنى المؤمنين أو رأيت عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه حين أجاز أمان العبد ولم يسأل يقاتل أو لا يقاتل أليس ذلك دليلا على أنه إنما
370

أجازه على أنه من المؤمنين أو رأيت حجته بأن دمه لا يكافئ دمه فإن كان إنما عني أن معنى الحديث
أن مكافأة الدم بالدية فالعبد الذي يقاتل هو عنده قد يبلغ هو بديته دية حر إلا عشرة دراهم ويجعله
أكثر من دية المرأة فإن كان الأمان يجوز على الحرية والاسلام فالعبد يقاتل خارج من الحرية وإن كان
يجيزه على الاسلام فالعبد لا يقاتل داخل في الاسلام وإن كان يجيزه على القتال فهو يجيز أمان المرأة
وهي لا تقاتل وأمان الرجل المريض والجبان وهو لا يقاتل وما علمته بذلك يحتج إلا للأوزاعي على
نفسه وصاحبه حتى سكت وإن كان يجيز الأمان على الديات انبغى أن لا يجيز أمان المرأة لأن ديتها
نصف دية الرجل والعبد لا يقاتل يكون أكثر دية عنده وعندنا من الحرة أضعافا فإن قال هذا للمرأة
دية فكذلك ثمن العبد للعبد دية فإن أراد مساواتهما بثمن الحر فالعبد يقاتل يسوى خمسين درهما عنده
جائز الأمان والعبد لا يقاتل ثمن عشرة آلاف إلا عشرة غير جائزة وهو أقرب من دية الحر عن المرأة.
وطئ السبايا بالملك
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الإمام قد قال من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية
لا يطؤها ما كان في دار الحرب وقال الأوزاعي له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين
وطئوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابوا من السبايا في غزاة بني المصطلق قبل أن يقفلوا ولا
يصلح للإمام أن ينفل سرية ما أصابت ولا ينفل سوى ذلك إلا بعد الخمس فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسوة حسنة كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث قال أبو يوسف ما أعظم قول
الأوزاعي في قوله هذا حلال من الله أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا هذا
حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير. حدثنا ابن السائب عن ربيع بن
خيثم وكان من أفضل التابعين أنه قال إياكم أن يقول الرجل إن الله أحل هذا أو رضيه فيقول الله له لم
أحل هذا ولم أرضه ويقول إن الله حرم هذا فيقول الله كذبت لم أحرم هذا ولم أنه عنه وحدثنا بعض
أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشئ أو نهوا عنه قالوا هذا
مكروه وهذا لا بأس به فأما نقول هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا. قال أبو يوسف وأما ما ذكر
الأوزاعي من الوطئ فهو مكروه بغير خصلة يكره أن يطأ في دار الحرب ويكره أن يطأ من السبي قبل أن
يخرجوه إلى دار الاسلام. أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه أنه نهى أن يوطأ السبي من الفئ في دار الحرب. أخبر ما بعض أصحابنا عن الزهري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نقل سعد بن معاذ يوم بني قريظة سيف بن أبي الحقيق قبل القسمة والخمس
وقال أبو يوسف أرأيت رجلا أغار وحده فأرق جارية أيرخص له في وطئها قبل أن يخرجها إلى دار
الاسلام ولم يحرزها؟ فكذلك الباب الأول. وأما النفل الذي ذكر أنه بعد الخمس فقد نقضه بما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينفل في البداة الربع وفي الرجعة الثلث ولم يذكر أن هذا
بعد الخمس وصدق وقد بلغنا هذا وليس فيه الخمس فأما النفل قبل الخمس فقد نفل رسول الله
صلى الله عليه وسلم غنيمة بدر فيما بلغنا قبل أن تخمس (قال الشافعي) وإذا قسم الإمام الفئ في دار
الحرب ودفع إلى رجل في سهمه جارية فاستبرأها فلا بأس أن يطأها وبلاد الحرب لا تحرم الحلال من
الفروج المنكوحة والمملوكة وقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة المريسيع بامرأة أو امرأتين من
371

نسائه والغزو بالنساء أولا لو كان فيه مكروه بأن يخاف على المسلمات أن يؤتى بهن بلاد الحرب فيسبين
أولى أن يمنع من رجل أصار جارية في ملكه في بلاد الحرب يغلبون عليها فيسترق ولد إن كان في بطنها
وليس هذا كما قال أبو يوسف وهو كما قال الأوزاعي قد أصاب المسلمون نساءهم المسلمات ومن كان من
سبائهم وما نساؤهم إلا كهم فإذا غزوا أهل قوة بجيش فلا بأس أن يغزوا بالنساء وإن كانت الغارة التي
إنما يغير فيها القليل على الكثير فيغنمون من بلادهم إنما ينالون غرة وينحبون ركضا كرهت الغزو بالنساء
في هذا الحال وأما ما ذكر أبو يوسف من النفل فإن الخمس في كل ما أوجف عليه المسلمون من صغيره
وكبيره بحكم الله إلا السلب للقاتل في الاقبال الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قتل. وأما
ما ذكر من أمر بدر فإنما كانت الأنفال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله عز وجل (يسألونك عن
الأنفال قل الأنفال لله والرسول) فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ثم نزل عليه منصرفه
من بدر (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول) فجعل الله له ولمن سمى معه الخمس
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوجف الأربعة الأخماس بالحضور للفارس ثلاثة أسهم
وللراجل سهم.
بيع السبي في دار الحرب
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أكره أن يبيعها حتى يخرجها إلى دار الاسلام قال الأوزاعي لم يزل
المسلمون يتبايعون السبايا في أرض الحرب ولم يختلف في ذلك اثنان حتى قتل الوليد قال أبو يوسف
ليس يؤخذ في الحكم في الحلال والحرام بمثل هذا أن يقول لم يزل الناس على هذا فأكثر ما لم يزل
الناس عليه مما لا يحل ولا ينبغي مما لو فسرته لك لعرفته وأبصرته عليه العامة مما قد نهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنما يؤخذ في هذا بالسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف من أصحابه
ومن قوم فقهاء وإذا كان وطؤها مكروها فكذلك يبيعها لأنه لم يحرزها بعد (قال الشافعي) قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر بخيبر وجميع مالها دار شرك وهم غطفان ودفعها إلى يهود، وهم له
صلح معاملة بالنصف لأنهم يمنعونها بعده صلى الله عليه وسلم وأنفسهم به وقسم سبى بني المصطلق وما
حوله دار كفر ووطئ المسلمون ولسنا نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل من غزاة حتى يقسم السبي
فإذا قسم السبي فلا بأس بابتياعه وإصابته والابتياع أخف من القسم ولا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق
ولا طعام ولا شئ غيره.
الرجل يغنم وحده
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا خرج الرجل والرجلان من المدينة أو من المصر فأغارا في أرض
الحرب فما أصابا بها فهو لهما ولا يخمس قال الأوزاعي إذا خرجا بغير إذن الإمام فإن شاء عاقبهما
وحرمهما وإن شاء خمس ما أصابا ثم قسمه بينهما وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في
أرض الحرب بطائفة من أموالهم فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا به بعد الخمس وقال أبو يوسف
قول الأوزاعي يناقض بعضه بعضا ذكر في أول هذا الكتاب أن من قتل قتيلا فله سلبه وأن السنة
372

جاءت بذلك وهو مع الجند والجيش إنما قوى على قتله بهم وهذا الواحد الذي ليس معه جند ولا
جيش إنما هو لص أغار يخمس ما أصاب فالأول أحرى أن يخمس وكيف يخمس فيئا مع هذا ولم
يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقد قال الله عز وجل في كتابه (وما أفاء الله على رسوله منهم فما
أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) وقال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) فجعل
الفئ في هذه الآية لهؤلاء دون المسلمين وكذلك هذا الذي ذهب وحده حتى أصاب فهو له ليس معه
فيه شريك ولا خمس وقد خالف قوله عمر بن عبد العزيز هؤلاء أسرى أرأيت قوما من المسلمين خرجوا
بغير أمر الإمام فأغاروا في دار الحرب ثم انفلتوا من أيديهم وخرجوا بغنيمة فهل يسلم ذلك لهم؟ أرأيت
إن خرج قوم من المسلمين يحتطبون أو يتصيدون أو لعلف أو لحاجة فأسرهم أهل الحرب ثم انفلتوا من
أيديهم بغنيمة هل تسلم لهم؟ وإن ظفروا بتلك الغنيمة قيل أن يأسرهم أهل الحرب هل تسلم لهم؟ فإن
قال به فقد نقض قوله وإن قال لا فقد خالف عمر بن عبد العزيز (قال الشافعي) رحمه الله تعالى بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما وبعث عبد الله
بن أنيس سرية وحده فإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الواحد يتسرى وحده وأكثر منه من
العدد ليصيب من العدو غرة بالحيلة أو يعطب فيعطب في سبيل الله وحكم الله بأن ما أوجف عليه
المسلمون فيه الخمس وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه للموجفين فسواء قليل
الموجفين وكثيرهم لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه والسلب لمن قتل منهم والخمس بعده حيث وضعه
الله ولكنا نكره أن يخرج القليل إلى الكثير بغير إذن الإمام وسبيل ما أوجفوا عليه بغير إذن الإمام
كسبيل ما أوجفوا عليه بإذن الإمام ولو زعمنا أن من خرج بغير إذن الإمام كان في معنى السارق زعمنا
أن جيوشا لو خرجت بغير إذن الإمام كانت سراقا وأن أهل حصن من المسلمين لو جاءهم العدو
فحاربوهم بغير إذن الإمام كانوا سراقا وليس هؤلاء بسراق بل هؤلاء المطيعون لله المجاهدون في سبيل الله
المؤدون ما افترض عليهم من النفير والجهاد والمتناولون نافلة الخير والفضل فأما ما احتج به من قول الله
عز وجل (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) وحكم الله في أن مالا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سمى معه فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة بني النضير فقاتلوهم بين
بيوتهم لا يوجفون بخيل ولا ركاب ولم يكلفوا مؤنة ولم يفتتحوا عنوة وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معهم والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين لو أوجفوا الخيل
والركاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا يضمها حيث يضع ماله ثم أجمع أئمة المسلمين على أن
ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو لجماعة المسلمين لأن أحدا لا يقوم بعده مقامه صلى
الله عليه وسلم ولو كانت حجة أبي يوسف في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب كان
ينبغي أن يقول يخمس ما أصابا وتكون الأربعة الأخماس لهما لأنهما موجفان فإن زعم أنهما غير موجفين
انبغى أن يقول هذا لجماعة المسلمين أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة
الحشر فما قال بما تأول ولا بكتاب في الخمس فإن الله عز وجل أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك
أوجف عليها أو لم يوجف.
373

في الرجلين يخرجان من العسكر فيصيبان جارية فيتبايعانها
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا خرج رجلان متطوعان من عسكر فأصابا جارية والعسكر في دار
الحرب فاشترى أحدهما حصة الآخر منه أنه لا يجوز ولا يطؤها المشتري وقال الأوزاعي ليس لأحد أن
يحرم ما أحل الله فإن وطأه إياها مما أحل الله له كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده وإن
المسلمين غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية إلى جانبه فقالوا يا رسول الله هل في بنت حيي
من بيع؟ فقال (إنها قد أصبحت كنتكم) فاستدار المسلمون حتى ولوا ظهورهم وقال أبو يوسف إن
خيبر كانت دار إسلام فظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليها حكمه وعاملهم على
الأموال فليس بشبيه خيبر ما يذكر الأوزاعي وما يعني به وقد نقض قوله في هذين الرجلين قوله الأول
حيث زعم في الأول أنهم يعاقبون ويؤخذ ما معهم ثم زعم ههنا أنه جائز في الرجلين (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى وقد وصفنا أمر خيبر وغيرها في الوطئ في المسائل قبل هذا وليس هذا كما قالا وهو أن
اللذين أصابا الجارية ليست لهما الخمس فيها لمن جعله الله له في سورة الأنفال وسورة الحشر ولهما أربعة
أخماسها فيقاسمهما الإمام بالقيمة والبيع كما يفعل الشركاء ثم يكون وطؤها لمن اشتراها بعد استبرائها في
بلاد الحرب كان أو غيرها.
إقامة الحدود في دار الحرب
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في
عسكره إلا أن يكون إمام مصر والشام والعراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره وقال الأوزاعي من
أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من
الدرب فإذا قفل قطع وقال أبو يوسف ولم يقيم الحدود غير القطع وما للقطع من بين الحدود إذا خرج
من الدرب فقد انقطعت ولايته عنهم لأنه ليس بأمير مصر ولا مدينة إنما كان أمير الجند في غزوهم فلما
خرجوا إلى دار الاسلام انقطعت العصمة عنهم. أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت
أنه قال لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو والحدود في هذا كله سواء. حدثنا
بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وإلى
عماله أن لا يقيموا أحدا على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة وكيف
يقيم أمير سرية حدا وليس هو بقاض ولا أمير يجوز حكمه أو رأيت القواد الذين على الخيول أو أمراء
الأجناد يقيمون الحدود في دار الاسلام فكذلك هم إذا دخلوا دار الحرب (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الأرض إذا ولى ذلك فإن لم يول فعلى الشهود الذين
يشهدون على الحد أن يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام إلى ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد الاسلام ولا فرق
بين دار الحرب ودار الاسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما * والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وسن رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الاسلام ولا
في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا
374

ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الاسلام حلال
في بلاد الكفر والحرام في بلاد الاسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله عليه ما شاء
منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئا أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار والى عمال الأمصار فمن أصاب
حدا ببادية من بلاد الاسلام فالحد ساقط عنه وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله ومن أصاب حدا في المصر ولا
وإلي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعدما أصاب أن يقيم الحد فكذلك عامل الجيش إن
ولي الحد اقامه وإن لم يول الحد فأول من يليه يقيمه عليه وكذلك هو في الحكم والقطع ببلاد الحرب
وغير القطع سواء فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له ومن ترك الحد خوف أن يلحق
المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي اتصلت ببلاد الحرب مثل طرسوس
والحرب وما أشبههما وما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منكر غير ثابت وهو يعيب أن يحتج
بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ يقول مكحول عن زيد بن ثابت.
ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإذا أصاب المسلمون غنائم من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله ذبحوا
الغنم وحرقوا المتاع وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك وقال الأوزاعي نهى أبو بكر أن
تعقر بهيمة إلا لمأكلة وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح
الشاة والبقرة ليأكل طائفة منها ويدع سائرها. وبلغنا أنه من قتل نحلا ذهب ربع أجره ومن عقر جوادا
ذهب ربع أجره وقال أبو يوسف قول الله في كتابه أحق أن يتبع قال الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها
قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) واللينة فيما بلغنا النخلة وكل ما قطع من شجرهم وحرق
من نخلهم ومتاعهم فهو من العون عليهم والقوة وقال الله عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
وإنما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر لأن الصائفة كانت تغزو كل عام فيتقوون بذلك على
عدوهم ولو حرقوا ذلك خافوا أن لا تحملهم البلاد والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم
أنفع للمسلمين وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال حدثنا بعض مشايخنا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه حين حاصر الطائف أمر بكرم لبني الأسود ابن مسعود أن يقطع حتى طلب بنو الأسود إلى
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها لنفسه ولا
يقلعها فكف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما كل ما لا روح فيه
للعدو فلا بأس أن يحرقه المسلمون ويخربوه بكل وجه لأنه لا يكون معذبا إنما المعذب ما يألم بالعذاب
من ذوات الأرواح قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير وحرقها وقطع من أعناب
الطائف وهي آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم لقي فيها حربا وأما ذوات الأرواح فإن زعم أنها
قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت فإن زعم أن
المسلمين ذبحوا ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة أن تكون مأكولة (قال الشافعي) وقد أخبرنا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها) قيل وما حقها؟ قال (إن يذبحها فيأكلها
ولا يقطع رأسها فيرمي به) (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة عن أكلها
375

فقد أحل إماتة ذوات الأرواح لمعنيين أحدهما أن يقتل ما كان فيه ضرر لضرره وما كان فيه المنفعة
للأكل منه وحرم أن تعذب التي لا تضر لغير منفعة الأكل فإذا ذبحنا غنم المشركين في غير الموضع الذي
نصل فيه إلى أكل لحومها فيه فهو قتل لغير منفعة وهم يتقوون بلحومها وجلودها فلم نشك في أن يتقوى
بها المشركون حين ذبحناها وإنما أراد أن يذبحها قطعا لقوتهم فإن قال ففي ذبحها قطع للمنفعة لهم فيها في
الحياة قيل قد تنقطع المنفعة عنهم بأبنائهم لو ذبحناهم وشيوخهم والرهبان لو ذبحناهم فليس كل ما قطع
المنفعة وبلغ غيظهم حل لنا فما حل لنا منه فعلناه وما حرم علينا تركناه وما شككنا فيه أنه يحل أو يحرم
تركناه وإذا كان يحل لنا لو أطعمناهم من طعامنا فليس يحرم علينا لو تركنا أشياء لهم إذا لم نقدر على
حملها كما ليس بمحرم علينا أن نترك مساكنهم أو نخيلهم لا نحرقها فإذا كان مباحا أن نترك هذا لهم وكنا
ممنوعين أن نقتل ذا الروح المأكول إلا للمنفعة بالأكل كان لأولى بنا أن نتركه إذا كان ذبحه لغير منفعة.
قطع أشجار العدو
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق ذلك لأن الله عز
وجل يقول (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) وقال الأوزاعي أبو بكر يتأول
هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين وقال أبو يوسف أخبرنا الثقة من أصحابنا عن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم
أحرقوها فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين وقطع المسلمون نخلا
من نخلهم فأنزل الله عز وجل (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) وانزل الله عز وجل (ما قطعتم من لينة
أو تركتموها) قال وأخبرنا محمد بن إسحاق عن عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال لما بعث أبو بكر خالد
بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال أي واد أو دار غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسألهم ما
يريدون وما ينقمون وأي دار غشيتها فلم تسمع منها أذانا فشن عليهم الغارة واقتل وحرق ولا نرى أن أبا
بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم فنهى عنه لذلك فيما
نرى لا أن تخريب ذلك وتحريقه لا يحل ولكن من مثل هذا توجيه. حدثنا بعض أشياخنا عن عبادة
بن نسي عن عبد الرحمن ين غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل إن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستلقحونها
ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من خيلنا؟ قال ليسوا بأهل أن ينقصوا منكم إنما هم غدا رقكم وأهل
ذمتكم. قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إنما الكراهية عندنا لأنهم كانوا لا يشكون في الظفر عليهم وأن
الأمر في أيديهم لما رأوا من الفتح فأما إذا اشتدت شوكتهم وامتنعوا فإنا نأمر بحسير الخيل أن يذبح ثم
يحرق لحمه بالنار حتى لا ينتفعون به ولا يتقوون منه بشئ وأكره أن نعذبه أو نعقره لأن ذلك مثله (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: يقطع النخل ويحرق وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها ولعل أمر أبي بكر
بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا إنما هو لأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام
تفتح على المسلمين فلما كان مباحا له أن يقطع ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين وقد قطع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم بني النضير فلما أسرع في النخل قيل له قد وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك
فكف القطع استبقاء لا أن القطع محرم فإن قال قائل: قد ترك في بني النضير قيل ثم قطع بالطائف
وهي بعد هذا كله وآخر غزاة لقي فيها قتالا.
376

باب ما جاء في صلاة الحرس
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا كان الحرس يحرسون دار الاسلام أن يدخلها العدو فكان في
الحرس من يكتفي به فالصلاة أحب إلى قال الأوزاعي بلغنا أن حارس الحرس يصبح وقد أوجب (1)
في ما لم يمض في هذا المصلى مثل هذا الفضل قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا احتاج المسلمون إلى
حرس فالحرس أفضل من الصلاة فإذا كان في الحرس من يكفيه ويستغني به فالصلاة لأنه قد يحرس
أيضا وهو في الصلاة حتى لا يغفل عن كثير مما يجب عليه من ذلك فيجمع أجرهما أفضل. أخبرنا محمد
بن إسحاق والكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل واديا فقال (من يحرسنا في هذا الوادي
الليلة؟) فقال رجلان نحن فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل
أحب إليك؟ فاختار أحدهما أوله والآخر آخره فنام أحدهما وقام الحارس يصلي (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى إن كان المصلي وجاه الناحية التي لا يأتي العدو إلا منها وكانت الصلاة لا تشغل طرفه ولا سمعه
عن رؤية الشخص وسماع الحس فالصلاة أولى لأنه مصل حارس وزائد أن يمتنع بالصلاة من النعاس
وإن كانت الصلاة تشغل سمعه وبصره حتى يخاف تضييعه فالحراسة أحب إلى أن يكون الحرس جماعة
فيصلي بعضهم دون بعض فالصلاة أعجب إلى إذا بقي من الحرس من يكفي وإذا كان العدو في غير
جهة القبلة فكذلك إذا كانوا جماعة أن يصلي بعضهم أحب إلى لأن ثم من يكفيه وإن كان وحده
والعدو في غير جهة القبلة فالحراسة أحب إلى من الصلاة تمنعه من الحراسة.
خراج الأرض
وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى: أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الأرض؟ فقال لا إنما
الصغار خراج الأعناق وقال الأوزاعي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من يدل طائعا
فليس منا) وقال عبد الله بن عمر وهو المرتد على عقبيه وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى القول ما قال أبو حنيفة لأنه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الإرث
وللحسين بن علي ولشريح أرض خراج. حدثنا مجالد عن عامر الشعبي عن عتبة بن فرقد السلمي أنه
قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إني اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر أكل
أصحابها أرضيت؟ قال لا قال فأنت فيها مثل صاحبها حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتبة أن
دهاقين السواد من عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعلي بن أبي طالب
ففرض عمر على الذين أسلموا في زمانه ألفين ألفين وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: ولم يبلغنا عن أحد
منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم وكيف الحكم في أرض هؤلاء؟ أيكون الحكم لهم أم لغيرهم؟ (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: أما الصغار الذي لا شك فيه فجزية الرقبة التي يحقن بها الدم وهذه لا
تكون على مسلم وأما خراج الأرض فلا يبين أنه صغار من قبل أن لا يحقن به الدم الدم محقون بالاسلام
وهو يشبه أن يكون ككراء الأرض بالذهب والورق وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين
وكرهه قوم احتياطا.

(1) كذا في النسخة بهذا التحريف وغرض الأوزاعي تفضيل الحراسة مطلقا على الصلاة، وحرر.
377

شراء أرض الجزية
وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الرجل المسلم يشتري أرضا من أرض الجزية فقال هو جائز
وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن ذلك ويكتبون فيه ويكرهه علماؤهم وقال
أبو يوسف رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
وقد أحببتك في هذا.
المستأمن في دار الاسلام
وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن قوم من أهل الحرب خرجوا مستأمنين للتجارة فزنى بعضهم في
دار الاسلام أو سرق هل يحد؟ قال لا حد عليه ويضمن السرقة لأنه لم يصالح ولم تكن له ذمة قال
الأوزاعي رحمه الله تعالى تقام عليه الحدود وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة
ليس تقام عليه الحدود لأنهم ليسوا بأهل ذمة لأن الحكم لا يجري عليهم أرأيت إن كان رسولا لملكهم
فزنى أترحمه؟ أرأيت إن زنى رجل بامرأة منهم مستأمنة أترجمها؟ أرأيت إن لم أرجمهما حتى عادا
إلى دار الحرب ثم خرجا بأمان ثانية أمضى عليهما ذلك الحد أرأيت إن سبيا أيمضي عليهما حد الحر أم
حد العبد وهما رقيق لرجل من المسلمين؟ أرأيت إن لم يخرجا ثانية فأسلم أهل تلك الدار وأسلماهما أو
صارا ذمة أيؤخذان؟ وإن أخذوا بذلك في دار الحرب ثم خرجوا إلينا أنقيم عليهم الحد (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الاسلام بأمان فأصابوا حدودا فالحدود عليهم
وجهان فما كان منها لله لا حق فيه للآدميين فيكون لهم عفوه وإكذاب شهود شهدوا لهم به فهو معطل
لأنه لا حق فيه لمسلم إنما هو لله ولكن يقال لهم لم تؤمنوا. على هذا فإن كففتم وإلا رددنا عليكم الأمان
وألحقناكم بمأمنكم فإن فعلوا ألحقوهم بمأمنهم ونقضوا الأمان بينهم وبينهم وكان ينبغي للامام إذا أمنهم
أن لا يؤمنهم حتى يعلمهم أنهم إن أصابوا حدا أقامه عليهم وما كان من حد للآدميين أقيم عليهم ألا
ترى أنهم لو قتلوا قتلناهم؟ فإذا كنا مجتمعين على أن نقيد منهم حد القتل لأنه للآدميين كان علينا أن
نأخذ منهم كل ما كان دونه من حقوق الآدميين مثل القصاص في الشجة وأرشها ومثل الحد في القذف
والقول في السرقة قولان أحدهما أن يقطعوا ويغرموا من قبل أن الله عز وجل منع مال المسلم بالقطع وأن
المسلمين غرموا من استهلك مالا غير السرقة وهذا مال مستهلك فغرمناه قياسا عليه والقول الثاني أن يغرم
المال ولا يقطع لأن المال للآدميين والقطع لله فإن قال قائل فما فرق بين حدود الله وحقوق الآدميين؟
قيل أرأيت الله عز وجل ذكر المحارب وذكر حده ثم قال (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) ولم
يختلف أكثر المسلمين في أن رجلا لو أصاب لرجل دما أو مالا ثم تاب أقيم عليه ذلك فقد فرقنا بين
حدود الله عز وجل وحقوق الآدميين بهذا وبغيره.
بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين
378

لم يكن بذلك بأس لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز
قال الأوزاعي الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع من
ربا أهل الجاهلية ما أدركه الاسلام من ذلك وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب فكيف
يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله تعالى عليه دماءهم وأموالهم؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك وقال أبو يوسف القول ما قال الأوزاعي لا يحل
هذا ولا يجوز وقد بلغتنا الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة
حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا بين أهل الحرب وقال أبو يوسف
وأهل الاسلام في (3) في قولهم أنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الاسلام أبطله ولكنه كان
يقول إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الاسلام فهو مستقيم (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى: القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف والحجة كما احتج الأوزاعي وما احتج به أبو يوسف لأبي
حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه.
في أم ولد الحربي تسلم وتخرج إلى دار الاسلام
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في أم ولد أسلمت في دار الحرب ثم خرجت إلى دار الاسلام وليس
بها حمل أنها تزوج إن شاءت ولا عدة عليها وقال الأوزاعي أي امرأة هاجرت إلى الله بدينها فحالها
كحال المهاجرات لا تزوج حتى تنقضي عدتها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى مثلها تستبرأ بحيضة لا
ثلاث حيض.
المرأة تسلم في أرض الحرب
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في امرأة أسلمت من أهل الحرب وخرجت إلى دار الاسلام
وليست بحبلى أنه لا عدة عليها ولو أن زوجها طلقها لم يقع عليها طلاقه قال الأوزاعي بلغنا أن
المهاجرات قدمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجهن بمكة مشركون فمن أسلم منهم فأدرك
امرأته في عدتها ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى على أم الولد
العدة وعلى المرأة الحرة العدة كل واحدة منهن ثلاث حيض لا يتزوجن حتى تنقضي عددهن ولا سبيل
لأزواجهن ولا للموالي عليهن آخر الأبد أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد زينب إلى زوجها بنكاح جديد وإنما قال أبو
حنيفة رحمه الله تعالى ولا عدة عليهن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبايا (يوطأن إذا استبرئن
بحيضة) فقال السباء والاسلام سواء قال أبو يوسف رحمه الله تعالى. حدثنا الحجاج عن الحكم عن
مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عبدين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف
فأعتقهما. وحدثنا بعض أشياخنا أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأعتقهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك عتقاء الله) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى:
إذا خرجت امرأة الرجل من دار الحرب مسلمة وزوجها كافر مقيم بدار الحرب لم تزوج حتى تنقضي
379

عدتها كعدة الطلاق فإن قدم زوجها مهاجرا مسلما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح الأول وكذلك لو
خرج زوجها قبلها ثم خرجت قبل أن تنقضي عدتها مسلمة كانا على النكاح الأول ولو أسلم أحد
الزوجين وهما في دار الحرب فكذلك لا فرق بين دار الحرب ودار الاسلام في هذا ألا ترى أنهما لو كانا
في دار الحرب وقد أسلم أحدهما لم يحل واحد منهما لصاحبه حتى يسلم الآخر إلا أن تكون المرأة كتابية
والزوج المسلم فيكونا على النكاح لأنه يصلح للمسلم أن يبتدئ بالنكاح كتابية فإن قال قائل ما دل على
أن الدار في هذا وغير الدار سواء؟ قيل أسلم أبو سفيان بن حرب بمر وهي دار خزاعة وهي دار إسلام
وامرأته هند بنت عتبة كافرة مقيمة بمكة وهي دار كفر ثم أسلمت هند في العدة فأقرهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم على النكاح وأسلم أهل مكة وصارت مكة دار إسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية
وامرأة عكرمة بن أبي جهل وهما مقيمان في دار الاسلام وهرب زوجاهما إلى ناحية البحرين باليمن يجوز
وهي دار كفر ثم رجعا فأسلما وأزوجهما في العدة فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح الأول
ولا أن يكون يروي حديثا يخالف بعضه وإذا خرجت أم ولد الحربي مسلمة لم تنكح حتى ينقضي
استبراؤها وهي حيضة لا ثلاث حيض وأم الولد مخالفة للزوجة أم الولد مملوكة فإذا خرجت إلى دار
الاسلام من دار الكفر فقد عتقت أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر عبدا من عبيد
الطائف خرجوا مسلمين وسأل ساداتهم بعدما أسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أولئك عتقاء
الله) ولم يردهم ولم يعوضهم منهم. غير أن من أصحابنا من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
خرج إلينا من عبد فهو حر) فقال إذا قال ذلك الإمام أعتقهم وإذا لم يقل أجعلهم على الرق ومنهم من
قال يعتقون قاله الإمام أو لم يقله وبهذا القول نقول إذا خرجت أم الولد فهي حرة (1) ولو سبقت
سيدها الحرة لأنها تخرج من رق حال المسبية استؤميت واسترقاقها بعد الحرية أكثر من انفساخ ما بينها
وبين زوجها وتستبرأ بحيضة ولا سبيل لزوجها الأول عليها. وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سبي هوازن ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها أو لا ترى أن الأمة تخرج مملوكة فتصير حرة فكيف يجوز
أن يجمع بين اثنين مختلفين هذه تسترق بعد الحرية وتلك تعتق بعد الرق.
الحربية تسلم فتزوج وهي حامل
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كانت المرأة المسلمة التي جاءت من دار الحرب حاملا فتزوجت
فنكاحها فاسد وقال الأوزاعي ذلك في السبايا فأما المسلمات فقد مضت السنة أن أزواجهن أحق بهن
إذا أسلموا في العدة وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن تزوجهن فاسد وإنما قاس أبو حنيفة هذا على
السبايا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن) قال فكذلك
المسلمات (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا سبيت المرأة حاملا لم توطأ بالملك حتى تضع وإن خرجت
مسلمة فنكحت قبل أن تضع فالنكاح مفسوخ وإذا خرج زوجها قبل أن تضع فهو أحق بها ما كانت
العدة وهذه معتدة وهذه مثل المسألة الأولى.

(1) قوله ولو سبقت سيدها الحرة، إلى قوله (من انفساخ ما بينها الخ) فيه سقط واضح وتحريف فليتأمل.
380

في الحربي يسلم وعنده خمس نسوة
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في رجل من أهل دار الحرب تزوج خمس نسوة في عقدة ثم أسلم
هو وهن جميعا وخرجوا إلى دار الاسلام: إنه يفرق بينه وبينهن وقال الأوزاعي بلغنا أنه قال أيتهن شاء
وقال أبو يوسف رحمه الله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال
الأوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به لأن الله تبارك وتعالى لم يحل إلا نكاح الأربع
فما كان من فوق ذلك كله فحرام من الله في كتابه فالخامسة ونكاح الأم والأخت سواء في ذلك كله
حرام فلو أن حربيا تزوج أما وابنتها أكنت أدعمهما على النكاح أو تزوج أختين في عقدة النكاح ثم
أسلموا أكنت أدعهما على النكاح وقد دخل بالأم والبنت أو بالأختين فكذلك الخمس في عقدة ولو
كن في عقد متفرقات جاز نكاح الأربع وفارق الآخرة أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن
إبراهيم أنه قال في ذلك نثبت الأربع الأول ونفرق بينه وبين الخامسة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى
أخبرنا الثقة أحسبه ابن علية فإن لا يكن ابن علية فالثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن
غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمسك أربعا وفارق
سائرهن) أخبرنا الثقة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد المجيد بن عوف عن نوفل بن معاوية
الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أختر منهن أربعا وفارق
واحدة) فعمدت إلى عجوز أقدمهن عاقر عندي منذ خمسين أو ستين سنة فطلقتها (قال الشافعي)
رحمه الله تعالى فقال لي قائل كلمنا على حديث الزهري وإعفنا من حديث نوفل بن معاوية الديلي قلت
ما ذاك فافعل قال فقد يحتمل أن يكون قال له أمسك الأوائل وفارق الأواخر قلت وتجده في الحديث أو
تجد عليه دلالة منه؟ قال لا ولكن يحتمله قلت ويحتمل أن يكون قال له أمسك أربعا إن كن شبابا
وفارق العجائز أو أمسك العجائز وفارق الشباب قال قل كل كلام إلا وهو يحتمل ولكن الحديث على
ظاهره قلنا فظاهر الحديث بخلاف ما قلتم ولو لم يكن فيه حديث كنت قد أخطأت أصل قولك قال
وأين؟ قلت في النكاح شيئان عقدة وتمام فإن زعمت أنك تنظر في العقدة وتنظر في التمام فتقول أنظر
كل نكاح مضى في الشرك فإن كان في الاسلام أجزته فأجيزه وإن كان له كان في الاسلام لم أجزه
فأرده تركت أصل قولك قال فأنا أقوله ولا أدع أصل قولي قلت أفرأيت غيلان أليس بوثني ونساؤه
وثنيات وشهوده وثنيون؟ قال أجل قلت فلو كان في الاسلام فتزوج بشهود وثنيين أو ولي وثني أيجوز
نكاحه؟ قال لا قلت فأحسن حاله في النكاح حال لو ابتدأ فيها النكاح في الاسلام رددته مع أنا نروي
أنهم قد قد ينكحون بغير شهود وفي العدة وما جاز في أهل الشرك إلا واحد من قولين أما ما قلت إن
خالف السنة فنفسخه كله ونكلفه بأن يبتدئ النكاح في الاسلام وإما أن لا تنظر إلى العقدة وتجعله
معفوا لهم كما عفى لهم ما هو أعظم منه من الشرك والدماء والتباعات وتنظر إلى ما أدركه الاسلام من
الأزواج فإن كن عددا أكثر من أربع امرته بفراق الأكثر لأنه لا يحل الجمع بين أكثر من أربع وإن كن
أختين أمرته بفراق إحداهما لأنه لا يحل الجمع بينهما وإن كن ذوات محارم فرقت بينه وبينهن فتكون قد
عفوت العقدة ونظرت إلى ما أدركه الاسلام منهن فإن كان يصلح أن يبتدئ نكاحه في الاسلام أقررته
معه وإن كان لا يصلح رددته كما حكم الله ورسوله فيما أدرك من المحرم قال الله عز وجل (اتقوا الله
وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) الآية إلى قوله (وهم لا يظلمون) ووضع رسول الله صلى الله عليه
381

وسلم بحكم الله كل ربا أدركه الاسلام ولم يقبض ولم يأمر أحدا قبض ربا في الجاهلية أن يرده وهكذا
حكم في الأزواج عفا العقدة ونظر فيما أدركه مملوكا بالعقدة فما حل فيه من العدد أقره وما حرم من
العدد نهى عنه.
في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيشتري دارا أو غيرها
سئل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى دارا أو أرضا أو
رقيقا ثيابا فظهر عليه المسلمون قال أما الدور والأرضون فهي فئ للمسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو
للرجل الذي اشتراه وقال الأوزاعي فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين
وأرضهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عفا عن مكة وأهلها وقال (من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي
سفيان فهو آمن) ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحدا فيقتل وقال لهم حين اجتمعوا في
المسجد (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم
جعل شيئا قليلا ولا كثيرا من متاعهم فيئا وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا
كغيره فهذا من ذلك وتفهم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لذلك وجوها ومعاني فأما الرجل
الذي دخل دار الحرب فالقول فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى المتاع والثياب والرقيق للذي اشترى
والدور والأرضون فئ لأن الدور والأرضين لا تحول ولا يحوزها المسلم والمتاع والثياب تحرز وتحول (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال الأوزاعي ولكنه لم يصنع في الحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئا لم
يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وإنما دخلها سلما وقد سبق لهم أمان والذين قاتلوا وأذن في
قتلهم هم أبعاض قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دور ولا مال إنما هم قوم هربوا إليها فأي شئ يغنم ممن لا
مال له؟ وأما غيرهم ممن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال فلم يعقد لهم أمان وادعى خالد أنهم بدءوه ثم
أسلموا قبل أن يظهروا لهم حمي شئ ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره وقد
تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أغلق داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن) فمال من
يغنم مال من له أمان ولا غنيمة على مال هذا وما يقتدي فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما
صنع أرأيت حين قلنا نحن وهو في رجال أهل الحرب المأمور به إن الإمام مخير بين أن يقتلهم أو يفادي
بهم أو يمن عليهم أو يسترقهم أليس إنما قلنا ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار فيهم بهذه السيرة
كلها أفرأيت إن عارضنا أحد بمثل ما عارض به أبو يوسف فقال ليس الإمام بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم من هذا شئ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ما ليس للناس أو قال في كل ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعطاء السلب وقسم الأربعة الأخماس ليس هذا للامام هل الحجة
عليه إلا أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم بين الحق والباطل فما فعل فهو الحق وعلينا أن
نفعله فكذلك هي على أبي يوسف ولو دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فترك لهم أموالهم
قلنا فيما ظهر عليه عنوة لنا أن نترك له ماله كما لنا في الأسارى أن نحكم فيهم أحكاما مختلفة كما حكم
فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل قد خص الله رسوله بأشياء قيل كلها مبينة في كتاب والله
عز وجل أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيهما معا ولو جاز إذا كان مخصوصا بشئ فيبينه الله ثم
382

رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقال في شئ لم يبينه الله عز وجل ثم رسوله صلى الله عليه وسلم إنه خاص
برسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس لعل هذا من الخاص برسول الله صلى الله عليه وسلم جاز
ذلك في كل حكمه فخرجت أحكامه من أيدينا ولكن لم يجعل الله هذا لأحد حتى يبين الله ثم رسوله
صلى الله عليه وسلم أنه خاص وقد أسلم بنا سعية القرظيان من بني قريظة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
حائم عليهم قد حصرهم فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما دورهما وأموالهما من النخل والأرض
وغيرها والذي قال أبو حنيفة من هذا خلاف السنة والقياس وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله
بدينه؟ وكيف ولو جاز أن يغنم ماله بكينونته في بلاد الحرب جاز أن يغنم كل ما عليه من ثيابه وفي يديه
من ماله ورقيقه أرأيت لو قال رجل لا تغنم دوره ولا أرضوه من قبل أنه لا يقدر على تحويلهما بحال فتركه
إيها ليس برضا بأن يقرها بين المشركين إلا بالضرورة ويغنم كل مال استطاع أن يحوله من ذهب أو
ورق أو عرض من العروض لأن تركه ذلك في بلاد العدو الذين هو بين أظهرهم رضا منه بأن يكون
مباحا ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن الله عز وجل منع بالاسلام دماءهم وأموالهم إلا بحقها فحيث
كانوا فحرمة الاسلام لهم ثابتة في تحريم دمائهم وأموالهم ولو جاز هذا عندنا جاز أن يسترق المسلم بين
ظهراني المشركين فيكون حكمه حكم من حوله ولكن الله عز وجل فرق بالاسلام بين أهله وغيرهم.
اكتساب المرتد المال في ردته
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه عن المرتد عن الاسلام إذا
اكتسب مالا في ردته ثم قتل على الردة فقال ما اكتسب في بيت المال لأن دمه حلال فحل ماله وقال
أبو يوسف رحمه الله تعالى مال المرتد الذي كان في دار الاسلام والذي اكتسب في الردة ميراث بين
ورثته المسلمين وبلغنا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم أنهم
قالوا ميراث المرتد لورثته المسلمين وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إنما هذا فيما كان له قبل الردة وقال أبو
يوسف هما سواء ما اكتسب المرتد في الردة وقبل ذلك لا يكون فيئا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى كل
ما اكتسب المرتد في ردته أو كان له قبل الردة سواء وهو فئ لأن الله تبارك وتعالى منع الدماء بالاسلام
ومنع الأموال بالذي منع به الدماء فإذا خرج الرجل من الاسلام إلى أن يباح دمه بالكفر كما كان يكون
مباحا قبل أن يسلم يباح معه ماله وكان أهون من دمه لأنه كان ممنوعا تبعا لدمه فلما هتكت حرمة الدم
كانت حرمة المال أهتك وأيسر من الدم وليس قتلنا إياه على الردة كقتلنا إياه على الزنا ولا القتل ولا
المحاربة تلك حدود لسنا نخرجه بها من أحكام الاسلام وهو فيها وارث موروث كما كان قبل أن يحدثها
وليس هكذا المرتد: المرتد يعود دمه مباحا بالقول بالشرك وقال أبو حنيفة يكون ميراث المرتد لورثته من
المسلمين فقيل لبعض من يذهب مذهبه ما الحجة لكم في هذا؟ فقالوا روينا عن علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه أنه قتل رجلا وورث ميراثه ورثته من المسلمين قلنا أما الحفاظ منكم فلا يروون إلا
قتله ولا يروون في ميراثه شيئا ولو كان ثابتا عن علي رضي الله تعالى عنه لم يكن فيه حجة عندنا وعندكم
لأنا وإياكم نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن
الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أفيعدو
383

المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر قلنا فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرث مسلم
كافرا ولا يرث كافر مسلما قال فإن قلت لا يذهب مثل هذا عن علي بن أبي طالب وأقول بهذا الحديث
وأقول إنما عنى به بعض الكافرين دون بعض قلنا فيعارضك غيرك بما هو أقوى عليك في الحجة من
هذا فيقول إن عليا قد أخبر بحديث الاشجعيين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بروع بنت
واشق فاتهمه ورده وقال بخلافه وقال معه ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت فزعمت أن لا حجة في
أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قلت لو ثبت وزعمت أن عمارا حدث عمر بن الخطاب رضي
الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب أن يتيمم فرده عليه عمر وأقام على أن لا يتيمم
الجنب هو وابن مسعود وتأول ابن مسعود فيه القرآن فزعمت أن قول من قال كان أولى من قول من رده
وهو كما قلت فكيف لم تقل بمثل هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر) وأنت
لا تروي عن علي أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولا أخبر به عنه، وقد روى عن معاذ بن جبل
أنه ورث مسلما من ذمي فقال نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال
قائل بهذا وقال لا يذهب على معاذ شئ حفظه أسامة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بهذا
مشركي أهل الأوثان دون أهل الكتاب ألا يكون هذا أولى أن يكون له شبهة منك؟ أو رأيت إذ زعمت
أن حكم المرتد مخالف في الميراث حكم المشرك غيره لم لم تورثه هو من ورثته من المسلمين كما تورثهم منه
فتكون قد قلت قولا واحد أخرجته فيه من جملة المشركين بما ثبت له من حرمة الاسلام؟ فما قلت فيه
بما رويت عن علي رضي الله تعالى عنه لأنه لم يقل لا يرث المسلم وإذا ورث عقلنا أنه يورثه ولا بما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالقياس لأن المسلمين الذي أدركنا نحن وأنت لا يختلفون في أن
الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر غير ما ادعيت في المرتد وكذلك قالوا في المملوكين وإما ورثوا
في هذين الوجهين من يورثون منه ولم يتحكموا فيورثون من رجل ولا يورثونه.
ذبيحة المرتد
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تؤكل ذبيحة المرتد وإن كان يهوديا أو نصرانيا لأنه ليس
بمنزلته لا يترك المرتد حتى يقتل أو يسلم وقال الأوزاعي معنى قول الفقهاء أن من تولى قوما فهو منهم
وكان المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أكلوا ما وجدوا في بيوتهم من اللحم وغيره ودماؤهم حلال وقال
أبو يوسف طعام أهل الكتاب وأهل الذمة سواء لا بأس بذبائحهم وطعامهم كله فأما المرتد فليس يشبه
أهل الكتاب في هذا وإن والاهم ألا ترى أني أقبل من أهل الكتاب جميعا ومن أهل الشرك الجزية
ولا أقبل من المرتد الجزية والسنة في المرتد مخالفة للسنة في المشركين والحكم فيه مخالف للحكم فيهم ألا
ترى أن امرأة لو ارتدت عن الاسلام إلى النصرانية فتزوجها مسلم لم يجز ذلك وكذلك لو تزوجها نصراني
لم يجز ذلك أيضا ولو تزوج مسلم نصرانية جاز ذلك. أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن
ابن عباس عن علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم فكره نكاح
نسائهم وقال لا بأس بأكل ذبائحهم وقال أبو يوسف فالمرتد أشد من ذلك (قال الشافعي) رحمه الله
تعالى ولا تؤكل ذبيحة المرتد.
384

العبد يسرق من الغنيمة
سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن العبد يسرق من الغنيمة وسيده في ذلك الجيش أيقطع؟ قال:
لا وقال الأوزاعي يقطع لأن العبد ليس له من الغنيمة شئ ولأن سيده لو أعتق شيئا من ذلك السبي
وله فيهم نصيب كان عتقه باطلا وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قطع رقيقا
سرقوا من دار الإمارة وقال أبو يوسف لا يقطع في ذلك حدثنا بعض أشياخنا عن ميمون بن مهران عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبدا من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال مال الله بعضه في
بعض. حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن النابغة عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى
عنه أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه وقال أبو يوسف وعلى هذا عامة فقهائنا لا يختلفون فيه.
أما قوله لا حق له في المغنم، فقد حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضخ للعبيد في المغنم ولم يضرب لهم بسهم. حدثنا بعض أشياخنا عن عمير مولى آبي اللحم عن العبد
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر يسأله قال فقال لي تقلد هذا السيف فتقلدته فأعطاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرثي المتاع (قال الشافعي) رحمه الله تعالى القول ما قال أبو حنيفة
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحرار بالسهمان ورضخ للعبيد فإذا سرق أحد حضر المغنم شيئا لم
أر عليه قطعا لأن الشركة بالقليل والكثير سواء.
الرجل يسرق من الغنيمة لأبيه فيها سهم
سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الرجل يسرق من الغنيمة وقد كان أبوه في ذلك الجند أو أخوه
أو ذو رحم محرم أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند فقال لا يقطع واحد من هؤلاء وقال
الأوزاعي يقطعون ولا يبطل الحد عنهم وقال أبو يوسف لا يقطعون وهؤلاء والعبيد في ذلك سواء أرأيت
رجلا يسرق من أبيه أو أخيه أو امرأته والمرأة من زوجها هل يقطع واحد من هؤلاء؟ ليس يقطع واحد
من هؤلاء وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) فكيف يقطع هذا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: إن كان السارق من هؤلاء شهد المغنم لم يقطع لأنه شريك ولا يقطع
الرجل ولا أبوه فيما سرق من مال ابنه أو أبيه لأنه شريك فيه فأما المرأة يحضر زوجها الغنيمة أو الأخ
وغيره فكل هؤلاء سراق لأن كل واحد من هؤلاء لو سرق من صاحبه شيئا لم يأتمنه عليه قطعته.
الصبي يسبى ثم يموت
سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو
كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالاسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لأنه لم يقر بالاسلام
وقال الأوزاعي مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه
أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه كان مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل
بأمان وهو ينقض قول الأوزاعي أنه لا بأس أن يباع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا
385

فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر
بالاسلام وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: سبى رسول الله
صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل
بيت عجوز وولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبايا
أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال وفيهم الصغير
والكبير وقد يحتمل هذا أن يكون من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من
لا أم له فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات
أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الاسلام لم يكن لنا أن نصلي عليهم وهم على دين الأمهات
والآباء إذا كان السباء معا ولنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم
الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم من آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم
حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله صلى الله عليه
وسلم جارية بالغة من أصحابه ففدى بها رجلين.
المدبرة وأم الولد تسبيان هل يطؤهما سيدهما إذا دخل بأمان؟
سئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن المدبرة أسرها العدو وأم الولد فدخل سيدهما بأمان فقال إنه لا
بأس أن يطأهما إن لقيهما لأنهما له ولأنهم لم يحوز وهما وقال الأوزاعي لا يحل له أن يطأ فرجا يطؤه المولى
سرا والزوج الكافر علانية ولو لقيها وليس لها زوج ما كان له أن يطأها حتى يخلوا بينها وبينه ويخرج بها
ولو كان له ولد منها كانوا أملك به منه وقال أبو يوسف قول الأوزاعي هذا ينقض بعضه بعضا قال
الأوزاعي في غير هذا المسألة لا بأس أن يطأ السبي في دار الحرب وكره أن يطأ أم الولد التي لا شأن له
في ملكها كيف هذا؟ قال أبو يوسف كان أبو حنيفة يكره أن يطأ الرجل امرأته أو مدبرته أو أمته في دار
الحرب لأنها ليست بدار مقام وكره له المقام فيها وكره له أن يكون له فيها نسل على قياس ما قال في
مناكحتهم ولكنه كان يقول أم الولد والمدبرة ليس يملكهما العدو وكان يقول إن وطئهما في دار الحرب فقد
وطئ ما يملك ولم يكن يقول إن كان لها زوج هنالك يطؤها أن لمولاها أن يطأها (قال الشافعي) رحمه
الله تعالى: زعم أبو يوسف أن قول الأوزاعي ينقض بعضه بعضا روي عنه أنه قال لا بأس في بوطئ
السبي ببلاد العدو وهو كما قال الأوزاعي وقد وطئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
الاستبراء في بلاد العدو وعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بالصهباء وهي غير بلاد المسلمين
يومئذ والسبي قد جرى عليهم الرق وانقطعت العصم بينهم وبين من يملكهم بنكاح أو شراء وكره
الأوزاعي أن يطأ الرجل أم ولده وهي زوجة لغيره وأبو حنيفة كان أولى أن يكره هذا في أصل قوله من
الأوزاعي من قبل معنيين أحدهما ما يزعم أن شاهدين لو شهدا على رجل بزور أنه طلق امرأته ثلاثا
ففرق القاضي بينهما كان لأحدهما أن ينكحها حلالا وهو يعلم أنها زوجة لغيره والثاني أنه يكره أن يطأ
الرجل ما ملكت يمينه في بلاد العدو فهو أولى أن ينسب في تناقض القول في هذا من الأوزاعي وليس
هو كما قال الأوزاعي للرجل أن يطأ أم ولده وأمته في بلاد العدو وليس يملك العدو من المسلمين شيئا ألا
ترى أن المسلمين لو ظفروا بشئ أحرزه العدو وحضر صاحبه قبل القسم كان أحق به من المسلمين الذين
386

أوجفوا عليه ولو كان العدو ملكوه ملكا تاما ما كان إلا لمن أوجف عليه كما يكون سائر ملكهم غير أنا
نحب للرجل إذا شركه في بضع جاريه غيره أن يتوقى وطأها للولد.
الرجل يشتري أمته بعد ما يحرزها العدو
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا اشترى الرجل أمته فليس له أن يطأها وقال الأوزاعي يطؤها
وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة لا يطؤها وكان ينهى عن هذا أشد النهي ويقول قد أحرزها أهل
الشرك ولو أعتقوها جاز عتقهم فكيف يطؤها مولاها وليست هذه كالمدبرة وأم الولد لأن أهل الشرك
يملكون الأمة ولا يملكون أم الولد ولا المدبرة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا اشترى الرجل أمته
من المشركين بعد ما يحرزونها فأحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها كما لا يطؤها لو نكحت نكاحا فاسدا
وأصيبت حتى يستبرئها بحيضة وقد صارت إلى من كان يستحلها وكذلك أم الولد والمدبرة وليس يملك
العدو على أحد من المسلمين شيئا ملكا صحيحا لما وصفت من أنه يوجف على ما أحرزوا المسلمون
فيملكونه ملكا يصح عن المشركين فيأتي صاحبه قبل أن يقسم فيكون أحق به من الموجفين عليه وكيف
يملك العدو على المسلمين وقد منع الله أموال المسلمين بدينه وخولهم عدوهم من المشركين فجعلهم
يملكون رقابهم وأموالهم متى قدروا عليها؟ أفيجوز أن يكون من يملكونه متى قدروا عليه أن يملك
عليهم؟ هذا محال أن يملك على من أملكه متى قدرت عليه ولو أعتقوا جميع ما أحرزوا من رقيق
المسلمين لم يجز لهم عتق وإذا كان الغاصب من المسلمين لا يجوز له العتق فيما غصب فالمشرك أولى أن لا
يجوز له ذلك فإن قال قائل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم على شئ فهو له فهذا مما لا
يثبت ولو ثبت كان من أسلم على شئ يجوز له ملكه فهو له فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل أرأيت
لو استرقوا أحرارا من المسلمين فأسلموا عليهم أيكونون لهم فإن قال لا قيل فيدل هذا على خلافك
الحديث وأن معناه كما قلنا فإن قال ما هذا الذي يجوز لهم ملكه؟ قيل مثل ما كان يجوز للمسلمين
ملكه. فإن قال فأين ذلك؟ قيل مثل سبي المسلمين لهم وأخذهم لأموالهم فذلك لهم جائز حلال فإن
سبى بعضهم بعضا وأخذ بعضم مال بعض ثم أسلم السابي الآخذ فهو له لأنه أخذ رقبة ومالا غير
ممنوع وأما مال المسلمين فما منعه الله تعالى بالاسلام حتى لو أن مسلما أخذ منه شيئا كان عليه رده ولم
يكن له ملكه فالمشرك أولى أن لا يملك على المسلم على المسلم.
الحربي يسلم في دار الحرب وله بها مال
قال أبو حنيفة في الرجل من أهل الحرب يسلم في دار الحرب وله بها مال ثم يظهر المسلمون على
تلك الدار إنه يترك له ما كان في يديه من ماله ورقيقه ومتاعه وولده الصغار وما كان من أرض أو دار
فهو فئ وامرأته إذا كانت كافرة فإذا كانت حبلى فما في بطنها فئ وقال الأوزاعي كانت مكة دار حرب
ظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وفيها رجال مسلمون فلم يقبض لهم رسول الله صلى
387

الله عليه وسلم دار ولا أرضا ولا امرأة وأمن الناس وعفا عنهم قال أبو يوسف قد نقض الأوزاعي حجته
هذه ألا ترى أنه قد عفا عن الناس كلهم وأمنهم الكافر منهم والمؤمن ولم يكن في مكة غنمة ولا فئ
فهذه لا تشبه الدار التي تكون فيئا يقتسمها المسلمون بما فيها (قال الشافعي) الذي قال الأوزاعي كما قال
إلا أنه لم يصنع شيئا في احتجاجه بمكة وقد بيناها في مسألة قبل هذه فتركنا تكريرها ولكن الحجة في
هذا أن ابني سعية القرظيين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر بني قريظة فأسلما فأحرز
لهما إسلامهما دماءهما وجميع أموالهما من النخل والدور وغيرها وذلك معروف في بني قريظة وكيف يجوز
أن يحرز لهم الاسلام الدماء ولم يؤسروا ولم يحرز لهم الأموال؟ وكيف يجوز أن يحرز لهم بعض الأموال
دون بعض؟ أرأيت لو لم يكن في هذا خبر أما كان القياس إذا صار الرجل مسلما قبل أن يقدر عليه أن
يقال إن حكمه حكم المسلم فيما يحرز له الاسلام من دمه وماله أو يقال يكون غير محرز له من ماله إلا ما
لم يكن يستطيع تحويله أما ما يستطيع تحويله من ثيابه وماله وماشيته فلا، لأن تركه إياه في بلاد الحرب
المباحة رضا منه بأن يكون مباحا إذ أمكنه تحويله فلم يحوله ألا يكون قوله أشد من قول من قال يحرز له
جميع ماله إلا ما لا يستطيع تحويله؟ هذا القول خارج من القياس والعقل والسنة.
الحربي المستأمن يسلم في دار الاسلام
قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في الرجل من أهل الحرب يخرج مستأمنا إلى دار
الاسلام فيسلم فيها ثم يظهر المسلمون على الدار التي فيها أهله وعياله هم فئ أجمعون وقال
الأوزاعي يترك له أهل وعياله كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه من المسلمين
أهله وعياله حين ظهر على مكة قال أبو يوسف ليس في هذا حجة على أبي حنيفة وقد ترك
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الشرك ممن أهله بمكة أموالهم وعيالهم وعفا عنهم جميعا
(قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذه مثل المسألة الأولى بل خروج المسلم الذي كان
مشركا إلى دار الاسلام أولى أن يحرز له دمه وماله وعياله الذين لم يبلغوا من ولده ومن المسلم
في بلاد الشرك فكيف يترك للأول بعض ماله ولا يترك لهذا الذي هو خير حالا منه بعض
ماله؟ بل جميع ماله كله له وكل مولود له لم يبلغ متروك له وكل بالغ من ولده وزوجته
يسبى لأن حكمهم حكم أنفسهم لا حكمه ومن أحرز له الاسلام دمه قبل أن يقدر عليه
أحرز له الاسلام ماله وماله أصغر قدرا من دمه والحجة في هذا مثل الحجة في الأولى وقد
أصاب الأوزاعي فيها وحجته بمكة وأهلها ليست بشئ ليست مكة من هذا بسبيل لا في
هذه ولا في المسألة الأولى. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لو كان هذا الرجل أسلم في دار
الحرب كان له ولده الصغار لأنهم مسلمون على دينه وما سوى ذلك من أهله وماله فهو
فئ. وقال الأوزاعي حال هذا كحال المهاجرين من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يرد إليه أهله وماله كما رده لأولئك قال أبو يوسف قد فرغنا من القول في هذا والقول
فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: القول فيه ما قال
الأوزاعي والحجة فيه مثل الحجة في الأولين.
388

المستأمن يسلم ويخرج إلى دار الاسلام وقد استودع ماله
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لو كان أخذ من ماله شيئا فاستودعه رجلا من أهل الحرب كان
فيئا أيضا وقال الأوزاعي لا واحتج في ذلك بصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم فتح مكة وقال أحق من اقتدى به وتمسك بسنته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال شريح إن السنة
سبقت قياسكم هذا فاتبعوا ولا تبتدعوا فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر وقال أبو يوسف ليس يشبه
الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشبه الحكم في الأعاجم وأهل الكتاب الحكم في العرب ألا
ترى أن مشركي العرب من غير أهل الكتاب لا ينبغي أن تؤخذ منهم جزية ولا يقبل منهم إلا الاسلام أو
القتل وأن الجزية تقبل من مشركي الأعاجم وأن إماما لو ظهر على مدينة من مدائن الروم أو غيرها من
أهل الشرك حتى تصير فيئا أو غنيمة في يده لم يكن له أن يفتك منها شيئا ولا يصرفها عن الذي
افتتحوها يخمسها ويقسمها بينهم وأن السنة هكذا كان الاسلام على (1) وليس هكذا فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال في مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرمها فلم تحل لأحد قبلي ولا
تحل لأحد بعدي) وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى هوازن وسبى يوم بني المصطلق ويوم
خيبر في غزوات من غزواته ظهر على أهلها وسبى ولم يصنع في شئ من ذلك ما صنع في مكة لو كان
الأمر على ما صنع في مكة ما جاز لأحد من الناس أن يسبي أحدا أبدا ولا كانت غنيمة ولا فئ ولكن
الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة على غير ما عليه المقاسم والمغانم فتفهم حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يغنم من مكة غنيمة من كافر ولا مسلم ولا سبى منها لا من عيال مسلم ولا من
عيال كافر وعفا عنهم جميعا وقد جاءته هوازن فكانت سنته ما أخبرت به وفدى رسول الله صلى الله
عليه وسلم من تمسك بحقه من السبي كل رأس بستة فرائض فكان القول في هذا غير القول في أهل مكة
وما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق كما صنع ليس لأحد بعده في مثل هذا ماله (قال
الشافعي) رحمه الله تعالى: قد كثر التردد في مكة والأمر فيها على خلاف ما قالا معا وقد بينا هذا ولم
تختلف سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا يستن إلا بما علم من بعده أن يستن إلا ما بين الله له
إنه جعله له خالصا دون المؤمنين وبينه هو عليه السلام ولم يختلف فيه من بعده وأما قوله الحكم في
العرب غير الحكم في العجم فقد ادعى أن مكة دار حرب وهي دار محرم فزعم أن النبي صلى الله عليه
وسلم حكم فيها خلاف حكمه في العرب وهوازن وبني المصطلق ولم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شئ من ذلك ولا غيره بشئ اختلف ولكنه سبى من ظفر به عنوة وغنمه من عربي وعجمي ولم
يسب عربيا ولا عجميا تقدم إسلامه الظفر به ولا قبل أمانه وترك قتاله وأهل مكة أسلموا ومنهم من قال
الأمان ولا شئ لهم بها فيؤخذ إنما هم قوم من غير أهلها لجأوا إليها وأما قوله لا تؤخذ الجزية من العرب
فنحن كنا على أحرص لولا أن الحق في غير ما قال فلم يكن لنا أن نقول إلا الحق وقد أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر الغساني ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية فأما عمر
بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومن بعده الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ

(1) بياض بالأصل ولعله (على عهد السلف) أو نحو ذلك، تأمل. كتبه مصححه.
389

وهراة وخليط من خليط العرب وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية فضعف عليهم الصدقة وذلك
جزية وإنما الجزية على الأديان لا على الانسان ولولا أن نأثم بتمني الباطل وددنا أن الذي قال أبو
يوسف كما قال وأن لا يجري صغار على عربي ولكن الله عز وجل أجل في أعيننا من أن نحب غير ما
قضى به، والله أعلم.
تم الجزء السابع من كتاب الأم
للإمام محمد إدريس ويليه الجزء الثامن
390