الكتاب: كلمة التقوى
المؤلف: الشيخ محمد أمين زين الدين
الجزء: ٧
الوفاة: ١٤١٩
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٣
المطبعة: مهر
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: الموزع : السيد جواد الوداعي

كلمة التقوى
الجزء السابع
كتاب النكاح
فتاوى المرجع الديني
الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله
فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها
وأهلها، وكان الله بكل شئ عليما.
المعاملات
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وصلواته
الدائمة الفاضلة وتسليماته المباركة الكاملة ورحماته
الجامعة الشاملة على سيد أنبيائه محمد وآله أدلة الحق
وسادة الخلق. ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على
كل شئ قدير.
وبعد فهذا هو الجزء الثامن من رسالة كلمة التقوى،
وهو يحتوي على كتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب
الظهار والايلاء واللعان، وكتاب الميراث من المعاملات،
ومن الله العلي العظيم سبحانه أسأل لي ولإخواني في الله
وأوليائي في دينه: اتمام النعم، وثبات القدم وشمول
الرحمة وغفران الخطأ، وحسن التوفيق والرعاية ودوام
الهدى في الأولى والأخرى إنه أرحم الراحمين وخير
الغافرين وأن يستجيب لعبده المفتقر إليه.
محمد أمين زين الدين
3

[كتاب النكاح]
وفيه عدة فصول:
[الفصل الأول]
[في مقدمات التزويج وأحكام الخلوة بالزوجة]
[المسألة الأولى:]
النكاح من المستحبات المؤكدة في الاسلام، وهذا الحكم فيه غني عن
البيان، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام أحب إلى
الله عز وجل من التزويج، وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (النكاح من سنتي فمن
رغب عن سنتي فليس مني)، وعنه صلى الله عليه وآله: (من تزوج أحرز نصف
دينه، فليتق الله في النصف الآخر)، وعنه صلى الله عليه وآله: (من أحب أن يلقى
الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة).
بل يستفاد من كثير من النصوص كراهة العزوبة، وقد ورد عن أبي
عبد الله (ع): (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها
أعزب)، وعنه صلى الله عليه وآله: (رذال موتاكم العزاب)، وعن أبي عبد الله (ع):
(ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته، وإذا غاب عنها
حفظته في نفسها وماله)، وعنه صلى الله عليه وآله: (من ترك التزويج مخافة العيلة
فقد ساء ظنه بالله (عز وجل)، إن الله (عز وجل) يقول: إن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله).
واستحباب النكاح شامل لمن اشتاقت نفسه للنكاح ومن لم تشتق
نفسه إليه، وهو كذلك ثابت لمن لم يتزوج ولمن تزوج الواحدة ولمن
تزوج الأكثر، والظاهر أن الاستحباب فيه لا يختص بالنكاح الدائم،
بل هو شامل له وللنكاح المنقطع وللتسري بالإماء المملوكة.
5

[المسألة الثانية:]
مما يهتم به في هذا السبيل أن ينظر الرجل في صفات المرأة التي
يطلب الزواج بها، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال: (اختاروا
لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين)، وقد روي عنه صلى الله عليه وآله: (تخيروا
لنطفكم فإن الأبناء تشبه الأخوال)، والظاهر أن هذا الخبر نقل بالمعنى
لرواية منقولة في كتاب كنز العمال.
وعن الإمام أبي عبد الله (ع): (إنما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلد)،
وعنه صلى الله عليه وآله: (إياكم وخضراء الدمن، قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما
خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء).
وعن أبي جعفر (ع) عنه صلى الله عليه وآله: (من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا
لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله
الله إليه، فعليكم بذات الدين).
وأن تنظر المرأة وأولياؤها في صفات الرجل الذي يريد الزوج بها
فعن الرسول صلى الله عليه وآله: (النكاح رق فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها،
فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته).
وأهم الصفات التي ينبغي أن يدور حولها الاختيار في كل من المرأة
والرجل على السواء: الخلق والدين، فإنهما جماع الخصال الحميدة
والسلوك الرضي، وأوثق ما تضمن به السعادة للأسرة، وأحفظ
ما تصان به صلة الزواج المقدسة في الاسلام، وعنه صلى الله عليه وآله: (إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه، ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد
كبير)، ومما يستحب من صفات المرأة أن تكون بكرا، ولودا، ودودا،
عفيفة، كريمة الأصل، عزيزة في أهلها، ذليلة مع بعلها، إن أنفقت
أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، ومما يطلب فيها
أن تكون جميلة، ضحوكا، حسناء الوجه، طويلة الشعر، كما نطقت
بذلك كله أحاديث الرسول وأهل بيته الهداة (ع).
[المسألة الثالثة:]
يكره للرجل أن يتزوج بالمرأة العاقر، وإن كانت جميلة حسناء ذات
6

رحم منه وذات دين، ويكره له أن يتزوج بقابلته وهي المرأة التي تولت
أمر أمه عند ولادته والتي تولت تربيته وأن يتزوج بنتها، وأن يتزوج
بامرأة كانت ضرة أمه عند غير أبيه، وبالمجنونة والحمقاء.
ويكره له التزوج بالمرأة المتولدة من الزنا، ويكره التزوج بالمرأة
الزانية للرجل الزاني بها ولغيره، ولا يترك الاحتياط باجتناب التزوج
بالمرأة المشهورة بالزنا، للزاني بها ولغيره، إلا إذا أظهرت توبتها،
ويعلم ذلك كما في الخبر بأن تدعى إلى الفجور، فإن أبت عنه ظهرت
بذلك توبتها.
ويكره أن يزوج سئ الخلق من الرجال، والمخنث، والفاسق وشارب
الخمر، والأعرابي، ويراد به من أبعدته بداوته وعدم تحضره عن
الدين وأخلاق الاسلام.
[المسألة الرابعة:]
يستحب للرجل إذا هم بالتزويج وقبل أن يعين المرأة أن يصلي ركعتين
ويحمد الله، ثم يقول: (اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فأقدر لي من
النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا،
وأعظمهن بركة وأقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي
وبعد موتي). ويستحب أن يقول: (أقررت بالميثاق الذي أخذ الله،
امساك بمعروف أو تسريح باحسان).
[المسألة الخامسة:]
تستحب الخطبة أمام العقد، ويكفي فيها: (الحمد لله والصلاة على
محمد وآله)، وأكملها ما اشتمل على الحمد والصلاة والشهادتين والوصية
بالتقوى والدعاء للزوجين. ويستحب اعلان النكاح والاشهاد عليه
وايقاعه ليلا، ويستحب أن يكون الزفاف ليلا كذلك.
وتستحب الوليمة للتزويج يوما أو يومين، ويكره أكثر من ذلك،
ويستحب أن يدعى لها المؤمنون وأن يعم بها الفقراء والأغنياء من
إخوانه وقرابته، وتستحب لهم إجابة الدعوة والآكل منها، وينبغي أن
لا يخص بها الأغنياء ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله: (شر الولائم
ما يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء).
7

[المسألة السادسة:]
يكره ايقاع العقد والقمر في برج العقرب، وايقاعه يوم الأربعاء
وفي محاق الشهر، وينبغي التوقي من الأيام السبعة المعروفة بالكوامل،
وهي اليوم الثالث من الشهر القمري، والخامس منه، والثالث عشر
والسادس عشر، والحادي والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس
والعشرون.
[المسألة السابعة:]
يستحب عند الدخول أن يكون كل من الرجل والمرأة على طهر، وأن
يصلي الرجل ركعتين وتصلي المرأة كذلك، وأن يدعو الرجل بعد
الصلاة ويبدأ بالحمد لله والتمجيد له، والصلاة على محمد وآله، ثم
يقول: (اللهم ارزقني ألفها وودها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع
بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام).
ويأمر من معها أن يؤمنوا على دعائه.
ويستحب أن يضع يده على ناصيتها، ويقول: (اللهم على كتابك
تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت
في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان).
[المسألة الثامنة:]
يجوز أن يؤكل ما ينثر في الأعراس والمواليد وغيرهما من مناسبات
الأفراح ومواسمها، بل وما ينثر في المشاهد المشرفة مع الإذن من المالك،
وتكفي في ذلك دلالة القرائن وشاهد الحال عليه، ويجوز للملتقط
تملكه إذا أعرض عنه صاحبه بعد بذله كما هو الغالب، أو قصد صاحبه
ببذله التمليك للآخذين.
وإذا أعرض عنه صاحبه فأخذه الملتقط، فهل يجوز لصاحبه الرجوع
به؟ فيه اشكال، ولا يترك الاحتياط لكل منهما.
[المسألة التاسعة:]
من آداب خلوة الرجل بزوجته، ولو في غير ليلة الزفاف: التسمية
عند إرادة الجماع، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يقول:
8

(بسم الله وبالله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني)،
أو يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات
والأرض، اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان
فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا، واجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان
ورجزه، جل ثناؤك)، أو يقرأ غير ذلك مما هو مأثور عن المعصومين (ع)
ومن الآداب أن يداعب الرجل المرأة قبل جماعها، وأن يمكث فيه
ولا يعجل، ففي الحديث: (إذا جامع أحدكم أهله فلا يأتيهن كما يأتي
الطير، ليمكث وليلبث). وفي خبر آخر: (فلا يعجلها فإن للنساء
حوائج).
ويجوز له أن يقبل أي جزء أراد من جسد الزوجة، وأن تمس هي
أي جزء من بدنه أرادت بأي جزء من بدنها، ومما يندب إليه على وجه
العموم أن يكون الزوج على طهر عند الجماع، ويستحب ذلك إذا كانت
المرأة حاملا. ويستحب الجماع في ليالي الاثنين والثلاثاء والخميس
والجمعة، وفي يوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر.
[المسألة العاشرة:]
يكره الجماع في يوم تنكسف فيه الشمس وفي ليلة ينخسف فيها
القمر، وفي يوم أو ليلة تحدث فيها الزلزلة أو الريح السوداء، أو الريح
الحمراء أو الصفراء، أو تحدث فيها أية آية سماوية أو أرضية أخرى
توجب الخوف.
ويكره الجماع ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مغيب
الشمس إلى أن يذهب الشفق، وعند زوال النهار إلا في يوم الخميس،
وفي أولى ليلة من الشهر المقري إلا شهر رمضان، وفي النصف من كل
شهر وفي المحاق منه، وفي ليلة الفطر وليلة الأضحى، ويكره الجماع
في السفر إذا لم يجد ماءا للغسل، وفي أي ليلة يريد السفر فيها، ويكره
الجماع في السفينة، وعلى ظهر الطريق، وتحت السماء، وتحت الشجرة
المثمرة، وعلى الامتلاء من الطعام، ويكره وهو مستقبل القبلة
ومستدبرها.
9

ويكره الجماع وأحد الزوجين أو كلاهما مختضب، ويكره للرجل
أن يجامع بعد أن يحتلم قبل أن يغتسل من احتلامه، وتتكرر الكراهة
إذا كرر الجماع قبل أن يغتسل من الاحتلام، ويكره له أن يجامع وهو
عريان، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه وإن كان طفلا غير مميز،
وأن يتكلم في حال الجماع بغير ذكر الله، وأن ينظر عند الجماع إلى فرج
المرأة، وأن يكون معه خاتم فيه ذكر الله أو شئ من القرآن.
ومما يندب إليه: أن تكون خرقة الرجل غير خرقة المرأة فلا يمسحا
بخرقة واحدة، ففي الخبر أن وقوع الشهوة على الشهوة تعقب العداوة
بينهما.
[المسألة 11:]
يجوز للرجل أن يعود للجماع قبل أن يغتسل من جماعه الأول ولا
كراهة عليه في ذلك وأن جامع مرارا، نعم، يستحب له غسل الفرج
والوضوء في كل مرة، سواء كان جماعه لامرأة واحدة أم لأكثر، وربما
كان التأكيد على غسل الفرج والوضوء مع تعدد المرأة أكثر، فلا ينبغي
تركه بل الأحوط عدم تركه.
[المسألة 12:]
يستحب تخفيف مؤونة الزواج وتقليل المهر، ففي الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وآله: (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن مهرا)،
ويستحب التعجيل في تحصين البنت بتزويجها عند بلوغها، فقد ورد عن
الإمام الصادق (ع): (من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته).
ويستحب السعي في التزويج بين المؤمنين والشفاعة فيه، ففي الحديث
عن أمير المؤمنين (ع): (أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح
حتى يجمع الله بينهما).
ومما يندب للرجل إذا خشي العنت من العزوبة ولم يتمكن من
الزواج أن يوفر شعر بدنه وأن يكثر من الصيام، ففي الرواية:
(أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس عندي طول
فأنكح النساء، فإليك أشكو العزوبة، فقال صلى الله عليه وآله له وفر شعر جسدك
وأدم الصيام، ففعل فذهب ما به).
10

[المسألة 13:]
المشهور بين فقهائنا قدس الله أرواحهم أنه يجوز للرجل أن يطأ
زوجته ومملوكته دبرا، وإن كان ذلك على كراهة شديدة، وهو الأقوى،
وإن كان الأحوط تركه ويتأكد الاحتياط بالترك مع عدم رضا المرأة
به، ولا فرق في هذا الحكم بين المرأة الطاهرة والحائض، فإن الظاهر
من تحريم وطء الحائض إنما هو حرمة وطئها قبلا، فليس إلا الكراهة
الشديدة في وطئها دبرا والاحتياط المذكور.
[المسألة 14:]
إذا منعت المرأة زوجها فلم تمكنه من وطئها دبرا لم تكن بذلك ناشزا
على الأقوى إذا مكنته من غيره، وإن قلنا بجوازه كما تقدم.
[المسألة 15:]
وطء المرأة في دبرها كوطئها في قبلها، فتترتب عليه جميع الأحكام
التي تترتب على دخول الرجل بالمرأة عدا ما سيأتي التنبيه عليه في
المسألة اللاحقة، فإذا وطأ الرجل زوجته، المعقودة عليه دبرا استقر
بذلك جميع مهرها كما يستقر في وطئها قبلا، وإذا طلقها بعده وجبت
عليها العدة، وإذا دخل بها كذلك وهي صائمة أو وهو صائم بطل الصوم
وإن لم ينزل، وتثبت به كذلك أحكام المصاهرة المشروطة بالدخول كحرمة
الربيبة المشروطة بالدخول بأمها، وإذا وطأ امرأة أجنبية كذلك ثبت
به حد الزنا، وإذا كان الوطء شبهة ثبت به مهر المثل للمرأة ووجبت
عليها العدة، وإذا وطأ كذلك وأنزل وجب عليه الغسل، وإذا وطأها
دبرا ولم ينزل ففيه تفصيل ذكرناه في مبحث الجماع من فصل غسل
الجنابة فلتراجع المسألة الأربعمائة والسابعة والثلاثون من كتاب الطهارة
وما بعدها.
[المسألة 16:]
يشكل الاكتفاء بوطء المرأة الشابة دبرا في حصول ما يجب لها من
الوطء مرة في كل أربعة أشهر ولعل الأقوى عدم الاكتفاء بذلك، وسيأتي
ذكر هذا الحكم قريبا (إن شاء الله تعالى). ويشكل الحكم بحصول الفئة
بعد الايلاء من الزوجة بوطئها دبرا، ويشكل الاكتفاء به في تحليل
11

المرأة المطلقة ثلاثا إذا نكحها زوج آخر فوطأها دبرا ولم تذق عسيلته،
ولا يترك الاحتياط في المسألتين.
[المسألة 17:]
عزل الرجل عن المرأة هو أن يخرج ذكره منها عند الانزال فيفرغ
ماءه في الخارج، وبحكمه ما يستعمل لذلك من كيس ونحوه، يلبسه
الرجل ذكره، فينزل فيه عند الجماع ثم يخرجه مع الذكر خارج الفرج
بعد الفراغ.
والعزل جائز عن الأمة سواء كانت زوجة للواطئ أم مملوكة له أم
محللة، وهو جائز عن الحرة المتمتع بها سواء أذنت للزوج بذلك أم
لم تأذن به، وجائز كذلك عن الزوجة الحرة الدائمة إذا أذنت للزوج
بذلك أو كان الزوج قد اشترط ذلك عليها في عقد التزويج بها، بل
الأقوى جواز ذلك مطلقا وإن لم تأذن به ولم يشترط عليها في العقد
ولكنه مكروه.
وتزول الكراهة أو تخف في المرأة التي لا تلد، وفي المرأة التي لا
ترضع ولدها، وفي المرأة المسنة من النساء، وفي السليطة والبذية منهن،
والسليطة هي طويلة اللسان كثيرة الصخب، والبذية هي التي تتكلم
بالفحش والكلام القبيح.
ولا تجب على الرجل دية النطفة إذا عزل عن زوجته فأفرغ ماءه في
الخارج حتى على تقدير القول بحرمة ذلك.
ولا يحل للزوجة أن تعزل نفسها عن الرجل عند الانزال حتى يفرغ
ماءه في الخارج فإن ذلك ينافي وجوب تمكين الزوج من نفسها.
[المسألة 18:]
لا يجوز للرجل أن يترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، سواء
كانت الزوجة حرة أم أمة، وسواء كانت دائمة أم منقطعة، بل حتى المرأة
الموطوءة بالملك أو بالتحليل على الأحوط، وسواء طالبت الرجل بالوطء
أم لا، وفي شمول الحكم للمرأة غير الشابة تأمل بل منع، وإن كان
الشمول لها أحوط، والظاهر أن الحكم المذكور يختص بالرجل الحاضر،
12

فلا يعم من كان مسافرا، سواء كان سفره واجبا لحج أو عمرة أو غير
ذلك من الأسفار الواجبة أم لتجارة أو زيارة أو عمل أو تحصيل علم
أو استشفاء ونحو ذلك من الأسفار المباحة أو المستحبة وخصوصا إذا
كان السفر برضا الزوجة، ويشكل إذا كان السفر للأنس والتفرج فلا
يترك فيه الاحتياط.
ويسقط وجوب الوطء هذا إذا رضيت المرأة بترك الوطء وإن طالت
المدة، وإذا كان تركه مشروطا عليها في عقد النكاح، ومثال ذلك: أن
يشترط الزوج عليها في العقد أن يكون الجماع تابعا لرغبة الزوج وإن
طالت المدة، ويسقط وجوب الوطء إذا كانت الزوجة غائبة عن الزوج
باختيارها، أو كان الزوج معذورا في تركه لمرض أو سجن، أو لعدم
انتشار العضو، أو لخوف الضرر على نفسه أو عليها بذلك.
ويشكل الحكم بسقوط وجوب الوطء عن الزوج إذا كانت المرأة
ناشزا، فلا يترك الاحتياط فيه.
ولا يكفي في حصول الواجب أن يطأها الزوج دبرا كما تقدم في المسألة
السادسة عشرة، ولا يكفي أن يطأها قبلا بدون انزال، ويكفي الدخول
مع الانزال وإن تجرد عن سائر الاستمتاعات الأخرى.
[المسألة 19:]
المراد من الحكم المذكور في المسألة المتقدمة أن لا يكون ما بين الوطء
السابق للزوجة والوطء اللاحق لها أكثر من أربعة أشهر، وليس المعنى
أن يطأها الزوج في كل أربعة أشهر مرة كيفما اتفقت، فلا يكفي مثلا
أن يطأها في ابتداء الأربعة الأولى مرة وفي آخر الأربعة الثانية مرة.
[المسألة 20:]
لا يجب على الرجل قضاء هذا الحق للزوجة إذا فات، فإذا ترك
مواقعتها ثمانية أشهر أو سنة مثلا، لم يجب عليه أن يطأها مرتين أو
ثلاثا قضاءا لحقها الفائت. وإن كان عاصيا في ذلك إذا كان تركه لغير
عذر، والأحوط مصالحة الزوجة عن حقها الفائت وارضاؤها عنه بمال
أو غيره، وإذا ترك مواقعة زوجته أربعة أشهر أو أكثر لم يسقط عنه
13

وجوب الوطء، بل يجب عليه فورا ففورا، وإن لم يكن قضاءا، ويأثم
بالتأخير لا لعذر.
[المسألة 21:]
يحرم على الرجل وطء الزوجة قبل أن تكمل لها تسع سنين، ولا فرق
في هذا الحكم بين أن تكون حرة أو أمة وأن يكون الزواج بها دائما أو
منقطعا، وكذلك في الأمة المملوكة له أو المحللة على الأحوط فيهما،
فإذا وطأ الأنثى قبل أن تبلغ السن المذكورة كان آثما، سواء دخل بها
أم لم يدخل، كما إذا وطأها ببعض الحشفة ويجوز له الاستمتاع
بما سوى ذلك منها كالتقبيل والشم والضم والتفخيذ وغير ذلك.
[المسألة 22:]
إذا وطأ الرجل زوجته الدائمة أو المنقطعة قبل أن تكمل لها تسع
سنين، فأفضاها وسيأتي بيان المراد منه فالمشهور بين الأصحاب أن
وطأها بعد ذلك يكون محرما عليه أبدا، وقيل: إنها تخرج بذلك عن
زوجيته، والأقوى أنها لا تخرج بذلك عن الزوجية، ولا يحرم على
الزوج وطؤها بسبب ذلك وخصوصا إذا اندمل جرحها وبرئت منه،
سواء طلقها ثم جدد العقد عليها أم بقيا على نكاحهما الأول.
ويجب على الرجل أن يدفع لها دية الافضاء، وهي دية النفس، فإذا
كانت المرأة حرة كان لها نصف دية الرجل الحر، وإذا كانت أمة كان
لها أقل الأمرين من قيمتها ودية الحرة، وتثبت لها الدية المذكورة وإن
استمسك بنكاحها ولم يطلقها على الأحوط، وتجب على الرجل نفقتها
ما دامت في الحياة وإن طلقها ولم يمسك بزوجيتها ولعل الأقوى وجوب
نفقتها عليه وإن تزوجت بغيره بعد الطلاق.
والافضاء الذي تناط به هذه الأحكام هو أن يخلط الرجل بجماعه
مسلكي المرأة، فيصير مسلكي الحيض والبول فيها مسلكا واحدا، قيل:
أو يصير مسلكي الحيض والغائط مسلكا واحدا، أو يخلط المسالك
الثلاثة جميعا فيصيرها مسلكا واحدا، وفي امكان تحقق الافضاء بالمعنى
الثاني في الخارج تأمل فضلا عنه بالمعنى الأخير.
14

[المسألة 23:]
إذا وطأ الرجل زوجته الحرة أو الأمة والدائمة أو المنقطعة بعد أن
كملت لها تسع سنين أو تجاوزت عنها فأفضاها بوطئه إياها على الوجه
الآنف ذكره لم تحرم عليه بذلك، ولم تجب لها الدية، ووجبت عليه
نفقتها ما دامت موجودة على نهج ما تقدم بيانه في الزوجة الصغيرة.
وإذا زنى بامرأة باكرة فأفضاها بوطئه إياها، لم يحرم عليه أن
يتزوجها بعد ذلك ولم تجب عليه نفقتها سواء كانت كبيرة أم صغيرة
لم تبلغ التسع، ووجبت لها الدية وقد تقدم ذكرها، وكذلك الحكم إذا
وطأ المرأة شبهة فأفضاها، فتجب لها الدية ولا تجب عليه نفقتها ولا
يحرم عليه التزويج بها إذا لم تحرم عليه من جهة أخرى، وكذلك إذا
وطأ الأمة التي حللها له مالكها فأفضاها بالوطء.
[المسألة 24:]
إذا وطأ الرجل أمته المملوكة له فأفضاها بالوطء، على الوجه الذي
تقدم ذكره لم تحرم عليه بذلك ولم تجب عليه ديتها ولم يجب عليه
الانفاق عليها إذا أخرجها عن ملكه.
[المسألة 25:]
لا تجري الأحكام الآنف ذكرها إذا أفضى المرأة بغير الوطء كما إذا
أفضاها بإصبعه أو بشئ آخر نعم تجب الدية على المفضي وإن كان
امرأة مثلا.
[المسألة 26:]
إذا وجبت على الرجل نفقة الزوجة بافضائها بالوطء قبل أن تبلغ
التسع أو بعدها على ما مر بيانه وجبت عليه ما دامت في الحياة ولا يسقط
وجوبها عن الزوج إذا طلق الزوجة وإن كان الطلاق برضا الزوجة
أو بطلب منها، أو تزوجت بغيره بعد الطلاق، ولا تسقط النفقة
بنشوز المرأة وخروجها من بيت الرجل بغير إذنه، ولا تسقط باعسار
الرجل وعدم تمكنه من الانفاق عليها، فتكون دينا في ذمته،
وكذلك إذا امتنع عن الانفاق عليها مع قدرته، وتسقط بموت الزوجة
15

أو موت الزوج، ولا يسقط منها ما استقر في ذمته باعساره أو امتناعه
عن دفع النفقة فيجب اخراجه من أصل تركته إذا مات.
[المسألة 27:]
إذا وطأ الرجل زوجته الصغيرة قبل أن تبلغ تسع سنين كاملة ودخل
بها ولم يفضها أثم بفعله كما ذكرنا في المسألة الحادية والعشرين، ولم
يترتب عليه شئ من الأحكام الأخرى المتقدم ذكرها، فإنها منوطة
بالافضاء، وكذلك إذا وطأ أمته المملوكة له أو أمة غيره المحللة له من
مالكها فدخل بها قبل أن تبلغ تسعا، فلا يترتب عليه شئ من الأحكام
المتقدمة غير الإثم.
[المسألة 28:]
إذا وطأ الرجل الأنثى قبل أن تبلغ تسع سنين، فأوجب وطوءه لها
عيبا غير الافضاء جرحا أو كسرا أو تمزقا في بعض العضلات أو غير
ذلك كان ضامنا لأرش ذلك العيب، ولديته إذا كان مما فيه الدية،
وإذا أفضاها وأحدث فيها مع الافضاء عيبا آخر لزمته أحكام الافضاء
ووجب لها مع الافضاء أرش العيب أو ديته.
[المسألة 29:]
إذا شك الرجل في أن زوجته المعقودة له قد بلغت تسع سنين كاملة
أم له تبلغ، لم يجز له أن يطأها حتى يعلم بأنها قد أكملت ذلك أو
يحصل له الاطمئنان ببلوغها من قول الثقاة من أهلها أو غير ذلك من
الأمور المفيدة للاطمئنان، وكذلك الأمة المملوكة له أو التي حللها له
مالكها.
[الفصل الثاني]
[في أحكام النظر]
[المسألة 30:]
يجوز للزوج أن ينظر إلى جسد زوجته المعقودة له ظاهره وباطنه
حتى العورة، ويجوز له أن يمس أي عضو أراد من أعضائها بأي عضو
شاء من أعضائه بتلذذ وبغير تلذذ، ويجوز للزوجة كذلك أن تنظر إلى
16

جسد زوجها حتى العورة وأن تمس جميع أعضائه بأي عضو تشاء من
أعضائها بتلذذ وبغير تلذذ.
[المسألة 31:]
يجوز للمالك أن ينظر إلى جسد أمته المملوكة له، ظاهره وباطنه
حتى العورة، وأن يمس جميع أجزاء بدنها بأي جزء يريد من بدنه،
كما يجوز ذلك للأمة من السيد، ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الأمة
مزوجة من الغير أو محللة له، فلا يباح للسيد ولا للأمة ذلك، وكذلك
إذا كانت الأمة معتدة من وطء التزويج للغير أو من وطء التحليل له،
فلا يباح النظر واللمس للسيد ولا للأمة على الأحوط فيهما.
ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الأمة مشتركة في الملك بين الرجل
وغيره، أو كانت مكاتبة، أو كانت مشركة أو وثنية أو مرتدة فلا يباح
للسيد ولا للأمة النظر واللمس على الأحوط في جميع ذلك.
[المسألة 32:]
المطلقة الرجعية بحكم الزوجة للرجل المطلق، فيجوز له النظر إليها
وهي في العدة وإن لم يقصد بنظره الرجوع بها، ويجوز لها أن تنظر
إليه، ويجوز للرجل أن ينظر إلى زوجته أو أمته، وهي معتدة من وطء
شبهة مع غيره، وإن حرم على الزوج وطؤها في أيام عدتها.
[المسألة 33:]
لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية عنه وإلى شعرها وإلى شئ
من جسدها، سواء كان نظره إليها بريبة أو تلذذ أم لا، والمراد بالأجنبية
غير الزوجة والمملوكة فقد بينا حكمهما في المسائل المتقدمة وغير المحارم
وسيأتي ذكر أحكامها في المسألة الثامنة والثلاثين.
قيل: ويستثنى من حرمة النظر إلى الأجنبية وجه المرأة وكفاها،
فيجوز النظر إليها إذا كان بغير ريبة ولا تلذذ، وهذا القول لا يخلو
عن قوة وإن كان الأحوط الاجتناب.
ويحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل الأجنبي عنها ما عدا الوجه
والكفين كذلك وإن كان الرجل أعمى لا يبصر، ويحرم على كل من
17

الرجل والمرأة الأجنبيين أن يمس أي جزء من أجزاء الآخر، بأي عضو
من أعضائه حتى السن والظفر والشعر مما لا تحله الحياة، فلا يجوز
للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية إلا من وراء الثياب، وإذا صافحها
كذلك، فلا يغمز كفها على الأحوط.
[المسألة 34:]
يجوز للرجل أن يسمع صوت المرأة الأجنبية عنه، وأن يتكلم معها،
إذا لم يكن في ذلك تلذذ ولا ريبة، ويجوز لها أن تسمع الرجال الأجانب
عنها صوتها إذا لم يكن في ذلك خوف فتنة، نعم، يحرم عليها أن تتكلم
مع الأجنبي بصورة تطمع الذي في قلبه مرض كما في (الكتاب الكريم).
[المسألة 35:]
المراد من الريبة خوف الوقوع في الحرام مع الشخص المنظور إليه،
أو الميل النفساني للوقوع في محرم معه وإن لم يخف الوقوع فيه،
والتلذذ أن يحس في قلبه بوجود لذة محرمة في النظر إلى الشخص أو في
سماع صوته ونحوهما، فهو يتشهاها ويطلب المزيد منها، وهي مختلفة
المراتب، والمدار في الحكم: أن تكون اللذة التي يجدها محرمة فلا تشمل
مثل الالتذاذ بالنظر إلى وجه ولده الذي يحبه أو صديقه الذي يأنس
به، أو أخيه الذي يسكن إليه ويرغب في النظر إلى وجهه والاستماع إلى
صوته أو إلى حديثه.
[المسألة 36:]
يحرم على الرجل أن ينظر إلى العضو المقطوع من جسد المرأة الأجنبية،
ويحرم على المرأة أن تنظر إلى العضو المقطوع من الرجل الأجنبي عنها،
كالذراع والرجل والقدم وأصابع القدم، ولا يحرم النظر إلى السن
أو الظفر المقلوع.
أما الشعر المقطوع من المرأة فالظاهر حرمة نظر الرجل الأجنبي
إليه، فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر امرأة أخرى لم يجز لزوجها النظر
إليه، وقد ذكرنا هذا في فصل الستر والساتر من كتاب الصلاة.
[المسألة 37:]
يستثنى من حرمة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية عنه ونظر المرأة
18

إلى الرجل الأجنبي عنها موارد:
(1): إذا توقف علاج المرأة من مرض أصابها أو كسر أو جرح
أو شبه ذلك على مباشرة رجل أجنبي بحيث لم توجد المرأة المماثلة أو
وجدت ولم تغن شيئا، جاز للرجل النظر إليها إذا توقف عليه العلاج،
وجاز له لمسها إذا لم يمكن ذلك إلا باللمس، وكذلك الحكم في الرجل
إذا توقف علاجه على مباشرة المرأة، وإذا أمكن العلاج بالنظر وحده
أو باللمس وحده اقتصر عليه ولم يجز الآخر.
(2): إذا استدعت الضرورة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية أو
لمسها، ومثال ذلك: أن يتوقف على النظر أو اللمس انقاذها من الحرق
أو الغرق أو غيرهما من المهالك جاز له ذلك، ومثله العكس، ويجب أن
تقدر الضرورة بمقدارها في كلتا الصورتين، فلا يجوز النظر أو اللمس
أكثر مما يستدعي الانقاذ، وكذلك في المورد الأول.
(3): إذا توقفت الشهادة لاحقاق الحق أو لابطال الباطل على نظر
الشاهد للمرأة، لمعرفة المشهود عليها وتعيينها، سواء كان ذلك في تحمل
الشهادة أم عند أدائها، فيجوز للشاهد ذلك، وقد يتفق ذلك إذا
كانت الشاهدة امرأة والمشهود عليه رجلا.
(4): القواعد من النساء، وهن المسنات اللاتي لا يرجون نكاحا،
فيباح للرجل النظر إلى رؤوسهن وأيديهن، بل وإلى رقابهن وأعالي
صدورهن على الأقوى.
[المسألة 38:]
يجوز للرجل أن ينظر إلى محارمه وإلى شعورهن وأجسادهن ما عدا
العورة بشرط أن لا يكون النظر إليهن بتلذذ أو ريبة، ويجوز لهن
النظر إليه وإلى جسده ما عدا العورة كذلك مع الشرط المذكور، وقد
تقدم بيان المراد من الريبة والتلذذ في المسألة الخامسة والثلاثين، والمراد
من العورة: القبل والدبر والبيضتان والعجان وهو ما بين القبل والدبر،
والشعر النابت في أطراف العورة على الأحوط في الأخيرين.
والمحارم هن النساء اللاتي يحرم نكاحهن على الرجل من حيث النسب
أو المصاهرة أو الرضاع، وسيأتي ذكر ذلك في فصل أسباب التحريم.
19

[المسألة 39:]
يختص الحكم الآنف ذكره من محارم المصاهرة بالنساء اللاتي نشأت
الحرمة فيهن من جهة الزوجية كأم الزوجة وزوجة الولد ومنكوحة الأب،
فلا يعم النساء التي نشأت الحرمة فيهن من جهة الزنا أو اللواط، أو
نكاح الشبهة كابنة المرأة المزني بها وأمها بالنسبة إلى الزاني، وابنة
المفعول به وأخته وأمه بالنسبة إلى اللائط، على أن المحرمات من النساء
بسبب الزنا أو بسبب اللواط أو بسبب نكاح الشبهة ليست من محرمات
المصاهرة، وإنما أتبعها الفقهاء بها في مورد البحث لبعض الملاحظات،
وعلى ما ذكرنا فلا يحل نظر الرجل إليهن ولا نظرهن إليه.
ويختص الحكم من محارم الرضاع، بالنساء التي نزلت في التحريم
بسبب الرضاع بمنزلة محارم النسب، فلا يعم النساء التي ثبت تحريمها
بقاعدة (يحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن أو أولاد
المرضعة)، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى هذه المحرمات ولا يجوز لهن
أن ينظرن إليه.
[المسألة 40:]
يباح النظر إلى وجوه نساء الكفار وأهل الذمة وإلى شعورهن وأيديهن
ما لم يكن النظر بتلذذ أو ريبة على ما سبق في معناهما في المسألة الخامسة
والثلاثين، ويقتصر على الأحوط لزوما على ما جرت عادتهن في
ابدائه وعدم ستره في أيام الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) لا في الأزمنة
الحاضرة.
[المسألة 41:]
قيل: ويلحق بنساء أهل الذمة في جواز النظر إليهن وإلى شعورهن
نساء سكان البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم ممن لا ينتهين إذا
نهين، وهو مشكل، نعم، يجوز التردد في الأسواق والطرق والمجامع
العامة التي تحتويهن مع العلم بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض
البصر عنهن إذا لم تكن ريبة أو تلذذ على ما سبق من معناهما.
[المسألة 42:]
يباح للرجل أن ينظر إلى جسد الانسان الذكر مثله، ما عدا العورة
20

على ما سبق في بيان معناها في المسألة الثامنة والثلاثين، سواء كان
المنظور إليه شيخا أم شابا، وحسن الصورة أم قبيحا، ما لم يكن النظر
إليه بتلذذ أو ريبة، فيحرم.
ويباح للمرأة أن تنظر إلى جسد الأنثى مثلها ما عدا العورة، ما لم
يكن النظر إليها بتلذذ أو ريبة، فيحرم كذلك وأما العورة فيحرم النظر
إليها في الرجال والنساء على السواء.
[المسألة 43:]
يباح للرجل أن ينظر إلى الصبية الأجنبية قبل البلوغ إذا لم يكن
النظر إليها بتلذذ أو ريبة أو تبلغ مبلغا يكون النظر إليها مثيرا للشهوة،
والأحوط لزوما أن لا ينظر منها إلى الأعضاء التي تستر عادة بالألبسة
المتعارفة كالفخذين والثديين والبطن والصدر، وخصوصا إذا بلغت ست
سنين، ويجوز له تقبيل الطفلة قبل أن تبلغ ست سنين وأن يضعها في
حجره ما لم يكن بتلذذ.
ويباح للمرأة أن تنظر إلى الصبي قبل بلوغه ما لم يكن نظرها إليه
بتلذذ أو ريبة كما في نظائره، أو يبلغ مبلغا يكون النظر إليه مثيرا،
ويجب التستر منه إذا كان النظر منه إلى المرأة أو النظر منها إليه مثيرا
للشهوة.
[المسألة 44:]
لا يجوز للمملوك أن ينظر إلى مالكته، ولا يجوز للخصي ولا للعنين
والجبوب أن ينظر للمرأة الأجنبية عنه ولا للمسن الكبير من الرجال
الذي يشبه القواعد من النساء على الأحوط فيه.
[المسألة 45:]
يجب على المرأة أن تتستر عن الرجال كما يحرم على الرجال أن
ينظروا إليها، ولا يجب على الرجل أن يستر غير العورة من بدنه، وإن
علم بأن النساء يتعمدن النظر إليه، ولا يصدق عليه بمجرد عدم
تستره عن نظرهن إليه أنه أعانهن على الإثم، إلا إذا قصد بعدم
تستره عنهن اغراءهن أو ايقاعهن في الحرام.
21

[المسألة 46:]
يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة على البعد وإن كان لا يميزها،
أهي فاطمة مثلا أم هند، أولا يميز أعضاءها بعضها عن بعض، ولا
يحرم عليه النظر إذا كان بعده عنها بدرجة لا يميزها أهي رجل أم
امرأة، أو هي انسان أم حيوان.
[المسألة 47:]
لا يجوز للولد أن يدخل على أبيه إذا كانت مع الأب زوجته، بل مطلقا
على الأحوط إلا بعد الاستئذان، قالوا: ويجوز للأب أن يدخل على ولده
وإن كانت معه زوجته بغير إذنه، وفي اطلاق هذا الحكم تأمل.
[المسألة 48:]
يكره للرجل أن يجلس في مجلس المرأة إذا قامت عنه حتى يبرد موضع
جلوسها، ويكره أن تزاحم النساء الرجال في الأسواق والمجتمعات
والمواسم، ويكره لهن أن يخرجن إلى الجمعة والعيدين إلا العجائز.
[المسألة 49:]
ينبغي أن يفرق بين الأطفال في مضاجعهم إذا بلغوا عشر سنين،
وروي لست سنين، ويكفي في استحباب التفريق بينهم على الظاهر أن
يبلغ بعضهم هذه السن وإن كان الآخر دونها.
[المسألة 50:]
يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد الزواج بها بثلاثة شروط:
الأول: أن لا يقصد الرجل التلذذ بالنظر إليها، وإن كان يعلم
أن التلذذ يحصل له بالنظر.
الثاني: أن لا يكون عارفا بأوصاف المرأة قبل نظره إليها، بحيث
لا يزيده النظر معرفة بصفاتها.
الثالث: أن يحتمل الرجل أنه يختارها للتزويج بها بعد رؤيتها.
فلا يجوز له أن ينظر إلى المرأة مع انتفاء بعض هذه الشروط الثلاثة،
وإذا توفرت الشروط كلها، جاز له النظر إلى وجه المرأة وكفيها وإلى
22

شعرها ومعاصمها ومحاسنها، وإليها من وراء الثياب مقبلة ومدبرة،
فيباح له أن ينظر إليها كذلك وإن أمكن له أن يتعرف على حالها وأوصافها
من امرأة أو من رجل خبير بأمرها، سواء أذنت له بالنظر إليها أم لم
تأذن، ويجوز له أن ينظرها أكثر من مرة إذا لم يحصل الغرض المطلوب
بالنظر الأول أو الثاني.
ولا يختص جواز النظر بمن يريد التزويج بها بالخصوص، فإذا قصد
التزويج وكان بصدد البحث عن امرأة توافق رغبته، وأراد النظر إلى
هذه المرأة لعله يختارها لذلك جاز له النظر إليها.
ويجوز له النظر إلى أمة يريد شراءها، وإن كان نظره إليها بغير
إذن سيدها، ولا يجوز للوكيل أو الولي أن ينظر المرأة أو الأمة التي
يريد عقدها أو شراءها لموكله أو للمولى عليه. ولا يجوز للمرأة أن
تنظر إلى الرجل الذي تريد الزواج منه.
[الفصل الثالث]
[في عقد النكاح وأحكامه]
[المسألة 51:]
النكاح سواء كان دائما أم منقطعا عقد من العقود، ولذلك فلا بد
فيه من الصيغة المشتملة على الايجاب والقبول، ولا بد وأن يكون انشاء
الايجاب والقبول فيه باللفظ الدال على المعنى المقصود دلالة يعتبرها
أهل اللسان، فلا يكتفى فيه بالتراضي القلبي بين المتعاقدين، ولا تصح
فيه المعاطاة فينشأ العقد بايجاب وقبول فعليين، ولا يكتفى بانشاء
العقد بالكتابة أو بالإشارة المفهمة للمعنى لغير الأخرس.
والأحوط أن يكون انشاء العقد باللغة العربية مع التمكن من ذلك
ولو بالتوكيل، ولا ينبغي تركه، وإن كان الظاهر صحة نكاح كل قوم
إذا أنشئ بلسانهم، وإذا أجريت الصيغة بلغة غير العربية فلا بد وأن
تكون ترجمة مطابقة للفظ العربي.
23

[المسألة 52:]
الأحوط أن يكون الايجاب في النكاح الدائم بلفظ النكاح أو التزويج،
فيقول الوكيل للرجل: أنكحتك أو زوجتك موكلتي سعاد على المهر
المعلوم، وإن كان الأقرب صحة الايجاب أيضا إذا أنشئ بلفظ المتعة
وأتى معه بما يدل على دوام النكاح، فقال الموجب للزوج: متعتك
موكلتي سعاد متعة دائمة، أو ما دمتما حيين، والأحوط كذلك أن
يكون الايجاب بلفظ الماضي، فيقول الموجب للزوج: زوجتك أو
أنكحتك فلانة كما تقدم، وإن صح أن ينشأ بلفظ المستقبل، فيقول
له: أزوجك فلانة، وبالجملة الخبرية فيقول له: أنا مزوجك إياها.
والأحوط أن يكون القبول من الزوج أو وكيله بلفظ قبلت أو
رضيت، ويصح أن يكون من الزوج بلفظ تزوجت أو نكحت.
[المسألة 53:]
الأحوط أن يتقدم الايجاب على القبول كما هو المتعارف، وإن كان
العكس صحيحا أيضا، فيقول الزوج مثلا: نكحت أو تزوجت، والأحوط
أن يذكر معه متعلقات العقد، ثم يقول الموجب بعده زوجتك فلانة على
المهر المعلوم، ولا يصح تقديم القبول على الايجاب إذا كان بلفظ قبلت
أو رضيت.
[المسألة 54:]
الأحوط أن يكون الايجاب في عقد النكاح من الزوجة أو وكيلها أو
وليها إذا كانت قاصرة، وأن يكون القبول من الزوج أو وكيله أو وليه،
وإن كان العكس صحيحا أيضا على الأظهر.
[المسألة 55:]
إذا كان ايجاب العقد من الزوج أو من وكيله فلا بد وأن يكون مفاد
ايجابه انشاء الزوجية له بضم الزوجة إليه وتبعيتها له، فيقول مثلا:
تزوجت فلانة أو نكحتها على الصداق المعلوم، ولا يصح انشاؤه بمثل:
زوجت فلانة نفسي أو أنكحتها نفسي مما يدل على تبعيته للزوجة،
فإذا تم الايجاب من الزواج أو وكيله على الوجه المتقدم ذكره، قبلت
24

الزوجة أو وكيلها، فقالت: قبلت أو رضيت، أو قالت: زوجتك
نفسي.
[المسألة 56:]
لا يعتبر في القبول حين يأتي بعد الايجاب أن تذكر فيه المتعلقات
التي ذكرت في الايجاب، فإذا قال الموجب للزوج: زوجتك موكلتي
فاطمة على عشرة دنانير مثلا، فقال الزوج: قبلت، صح ولم يفتقر إلى
أن يقول: قبلت تزويج موكلتك فاطمة لنفسي على المهر المعلوم، وقد
تقدم في المسألة الثالثة والخمسين أن الأحوط أن تذكر متعلقات العقد
مع القبول إذا قدم على الايجاب.
[المسألة 57:]
إذا أريد انشاء عقد النكاح بين الزوجين مباشرة بعد التفاهم
والتراضي بينهما وتعيين المهر، قالت المرأة للرجل: زوجتك نفسي على
مائة دينار مثلا، أو قالت له: زوجت نفسي منك، أو زوجت نفسي
بك على المهر المعلوم، وقال الرجل بعد أن يتم الايجاب من المرأة،
قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم.
أو قالت المرأة في الايجاب: أنكحتك نفسي، أو أنكحت نفسي منك
على الصداق المعين، فيقول الرجل بعدها: قبلت النكاح لنفسي على ذلك.
وإذا كان العقد بين وكيل المرأة ونفس الرجل، قال وكيلها للرجل:
زوجتك موكلتي ليلى مثلا، أو قال له: زوجت موكلتي ليلى منك، أو
زوجت موكلتي بك على الصداق المعين، فيقول الرجل: قبلت التزويج
لنفسي على ذلك.
أو قال الوكيل للرجل: أنحكتك موكلتي ليلى، أو أنكحت موكلتي
ليلى منك على المهر المعلوم، فيقول الرجل قبلت النكاح لنفسي.
وإذا كان العقد بين الزوجة ووكيل الزوج، قالت المرأة للوكيل:
زوجت موكلك سعدا نفسي على مهر كذا، أو قالت له: زوجت نفسي
من موكلك سعد، أو زوجت نفسي، بموكلك سعد على المهر المعلوم،
فيقول وكيل الزوج: قبلت التزويج لموكلي سعد على المهر المعلوم.
25

أو قالت المرأة: أنكحت سعدا موكلك نفسي على مهر كذا، أو قالت
أنكحت نفسي من موكلك سعد على مهر كذا، فيقبل وكيل الزوج له
على نهج ما تقدم.
وإذا كان العقد بين الوكيلين، قال وكيل الزوجة لصاحبه: زوجت
موكلك سعدا موكلتي ليلى على مائة دينار معجلة، أو قال له: زوجت
موكلتي ليلى من موكلك سعد على الصداق المعين، أو زوجت موكلتي
ليلى بموكلك سعد على الصداق المعلوم، فيقول وكيل الزوج: قبلت
التزويج لموكلي سعد على الصداق المعلوم.
أو قال وكيل الزوجة لصاحبه أنكحت موكلك سعدا موكلتي ليلى على
مهر كذا، أو أنكحت موكلتي ليلى من موكلك سعد على الصداق المعلوم،
فيقول وكيل الزوج: قبلت النكاح لموكلي سعد على المهر المعلوم، ويصح
أن يقع القبول مجردا عن ذكر المتعلقات في جميع الصور، وقد ذكرنا
هذا في المسألة السادسة والخمسين.
وهكذا تجري الصيغة إذا كان العقد بين الوليين للقاصرين أو بين
الولي لأحدهما ونفس الآخر أو وكيله، فيأتي الموجب بلفظ زوجت
أو بلفظ أنكحت مخيرا بينهما، ويصح له أن يأتي باللفظ الذي يختاره
منهما متعديا بنفسه إلى المفعولين، وعليه في هذه الصورة أن يقدم ذكر
الزوج على الزوجة، لأنه المفعول الأول، فيقول زوجت أو أنكحت سعدا
ليلى، ويصح له أن يعدي لفظ زوجت أو أنكحت إلى الزوج بمن، وإذا
صنع كذلك قدم الزوجة عليه بالذكر، فيقول زوجت ليلى من سعد أو
أنكحت ليلى من سعد، ويصح له أن يعدي كلمة زوجت بالباء أيضا
فيدخلها على الزوج ويقدم الزوجة بالذكر كذلك، فيقول: زوجت ليلى
بسعد، ولا يصح في لفظ أنكحت أن يعديه بالباء، فلا يقال أنكحت
فلانة بفلان.
[المسألة 58:]
يشترط في صحة عقد النكاح أن يكون كل واحد من الموجب والقابل
قاصدا لانشاء مضمون العقد الذي يجريه مع صاحبه، فيقصد الموجب
بقوله: زوجت مثلا أنه ينشئ علاقة الزوجية بين الزوجين، ويقصد
26

القابل بقوله: قبلت، إنه ينشئ قبول هذه العلاقة التي ينشئها الموجب،
وهذا يتوقف على أن يكون الشخصان عارفين بمعنى الصيغة حتى
يقصداه، ويكفي في الصحة أن يعلم الموجب والقابل بالمعنى على وجه
الاجمال، وإن لم يعلما بتفاصيل معاني الألفاظ وخصوصياتها التي
تدل عليها، فإذا قصد الموجب بقوله: زوجت أو أنكحت أنه يوجد بذلك
الرابطة المعلومة في الدين، والمعروفة بين الناس، والتي يسمونها
بالزوجية، وأنه ينشئ وجودها بين الزوجين بعدما لم تكن، طبقا لموازين
الاسلام المقررة فيه، كفى ذلك وصح منه ايجابه، وإذا قصد القابل
بقوله: قبلت أو رضيت أنه ينشئ به قبول ما فعله الموجب، كفى منه
وصح قبوله، وبتطابق كل من الايجاب والقبول كذلك يتم العقد
وتترتب عليه آثاره.
[المسألة 59:]
يشترط في صحة العقد أن تحصل الموالاة العرفية بين الايجاب والقبول
بحيث يعد الثاني قبولا لذلك الايجاب في نظر أهل العرف، فلا يخل
بالموالاة وبصحة العقد أن يتأخر القبول قليلا إذا كان مرتبطا به عرفا،
ولا يخل بالموالاة بينهما أن تذكر المتعلقات الكثيرة في الايجاب وإن طال
ذكرها، ومثال ذلك: أن يكون المهر منه المعجل والمؤجل ويكون المؤجل
مقسما على أقساط كثيرة، وتكون بين الزوجين شروط كثيرة كذلك،
فإذا عدد الموجب جميع ذلك في ايجابه ثم وقع بعده القبول لم يكن ذلك
من الفضل المضر بالموالاة والمخل بصحة العقد.
[المسألة 60:]
المعتبر في القبول أن يكون دالا على إنشاء الرضا بما أوجبه الموجب
من المضمون المقصود كما تقدم بيانه وهذا المقدار هو المعتبر من التطابق
بين الايجاب والقبول، ولا يشترط فيه أن يتطابق مع الايجاب في
اللفظ، فإذا قال الموجب للرجل: زوجتك فلانة، فقال الرجل: قبلت
النكاح صح، وكذا إذا قال الموجب له: أنكحتك زينب على المهر المعلوم،
فقال: رضيت بزواجها على الصداق المعين أو المقرر أو المذكور.
27

[المسألة 61:]
إذا قال الرجل لوكيل المرأة أو لولي أمرها: هل زوجتني فلانة
بمائة دينار، فقال له: نعم، وقصد بقوله: نعم: ايجاب النكاح،
وقال الزوج: قبلت: لم يكتف بذلك على الأحوط، بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 62:]
إذا لحن الرجل في اجراء الصيغة لحنا يغير معناها كانت باطلة، كما
إذا قال وكيل الزوجة: نكحت فلانة بدل أنكحت، أو قال: تزوجتها
بدل زوجتها، فتكون باطلة، وكذلك إذا أتى بها على غير الوجه الصحيح،
وإن لم يكن لحنا، ومثال ذلك: أن يقول الموجب للزوج: زوجت فلانة
منك نفسها، على أن تكون فلانة هي فاعل زوجت وهي التي أوقعت
التزويج، فلا يصح ذلك لأنها لم تزوج نفسها وإنما زوجها الموجب
بالوكالة عنها.
وإذا لحن في الصيغة لحنا لا يغير المعنى، فإن كان اللحن في لفظ
زوجت أو أنكحت أو في لفظ قبلت ففتح التاء من الكلمات بدل ضمها،
أو فتح الباء من كلمة قبلت بدل كسرها، فالأحوط عدم الاكتفاء بها
أيضا، فتعاد الصيغة على الوجه الصحيح، وكذلك إذا قال: جوزت
بدل زوجت. وإن كان اللحن في المتعلقات وهو لا يغير المعنى فالظاهر
الصحة.
[المسألة 63:]
لا يشترط في صحة العقد أن يكون الموجب والقابل في مجلس واحد،
فإذا كانا في مجلسين وأمكن توجه الخطاب من الموجب للقابل لتقارب
مجلسيهما بحيث يسمع كل منهما قول الآخر، أو أمكن التخاطب بينهما
بواسطة الآلات الحديثة الموصلة للصوت كالهاتف ونحوه، فتتحقق
المعاقدة بينهما ويرتبط الايجاب بالقبول وبالعكس من غير فصل يخل
بالموالاة ويصح العقد.
[المسألة 64:]
يشترط في صحة عقد النكاح أن يوقعه المتعاقدان منجزا غير معلق،
فلا يصح العقد إذا أنشأ الموجب ايجابه معلقا على وجود شرط أو على
28

مجئ زمان، ولا يصح إذا أنشأ القابل قبوله معلقا كذلك. وإذا علق
الايجاب أو القبول على وجود شئ وهو حاصل بالفعل وكان كل من
الموجب والقابل عالمين بحصول ذلك الشئ، فالظاهر صحة العقد،
ومثال ذلك أن يقول الموجب للرجل: زوجتك فلانة إذا كان هذا اليوم
هو يوم الجمعة، وكان الموجب والقابل عالمين بأنه يوم الجمعة، ومثاله
أيضا أن تقول المرأة للرجل: زوجتك نفسي إن لم أكن أختا لك من
الرضاعة، وكانا معا يعلمان بأنها ليست أخته، وإذا كانا جاهلين
بوجود الشرط أو كان أحدهما جاهلا به فالصحة مشكلة في كلا الفرضين.
[المسألة 65:]
يصح للأخرس أن يتولى عقد النكاح لنفسه، ويكون ايجابه أو قبوله
بالإشارة المفهمة للمعنى المقصود، ويصح عقده إذا قصد الانشاء بإشارته
وإن أمكن له أن يوكل من يتولى الايجاب أو القبول اللفظي عنه. فإذا
كانت المرأة هي الخرساء، وأنشأت ايجاب العقد على نفسها بالإشارة،
وكان القابل قادرا على النطق، فالأحوط له أن يجمع بين النطق بالقبول،
والإشارة المفهمة به، إذا كانت المرأة الخرساء لا تسمع نطقه أو تسمعه
ولا تفهم معناه، وإذا كانت تسمع قوله وتفهم معناه، اكتفى بالنطق
في قبوله ولم يفتقر إلى إنشائه بالإشارة.
وإذا كان الأخرس هو الزوج القابل، وكان الموجب قادرا على النطق
بالصيغة، جمع الموجب على الأحوط بين انشاء ايجابه بالنطق وانشائه
بالإشارة المفهمة، فإذا حصل الايجاب منه كذلك قبل الأخرس من بعده
بالإشارة.
[المسألة 66:]
الأحوط أن لا يتولى الأخرس اجراء عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه،
وإذا كان وليا وأراد تزويج طفله أو طفلته مثلا، فالأحوط له أن يوكل
عنه من يجري صيغة العقد اللفظي لهما.
[المسألة 67:]
لا ريب في بطلان عقد الصبي إذا كان غير كامل التمييز، أو كان
غير قاصد للمعنى أو كان القصد فيه مشكوك التحقق، سواء عقد لنفسه
29

أم لغيره، وسواء أجاز وليه عقده أم أجاز هو بعد بلوغه أم لا.
وإذا كان الصبي كامل التمييز وعارفا بالصيغة وقاصدا للمعنى،
وعقد النكاح لغيره بالوكالة عنه أو عقد لنفسه مع إذن وليه له باجراء
الصيغة أو إجازة وليه لفعله بعد العقد، أو أجاز الصبي نفسه بعد
بلوغه، ففي بطلان عقده في هذه الصور تأمل، ولكن لا يترك الاحتياط
بتجديد العقد من غيره إذا أريد الامساك، واجراء الطلاق إذا أريد
الفراق، وكذلك إذا عقد لغيره فضولا وحصلت الإجازة من المعقود له
بعد ذلك.
[المسألة 68:]
لا ريب في بطلان عقد المجنون وإن كان جنونه أدوارا إذا أوقعه في
حال جنونه، سواء عقد لنفسه أم لغيره وسواء أجاز الولي عقده أو
أجازه هو بعد إفاقته أم لا، ويصح عقده في دور إفاقته، لنفسه ولغيره
بالوكالة عنه، أو الولاية عليه، كما إذا اتفق عروض ذلك للأب أو
للجد أبي الأب فعقد لولده الصغير أو لولد ولده في دور إفاقته من الجنون
مع وجود الشرائط المعتبرة.
[المسألة 69:]
لا يصح عقد السكران لنفسه ولا لغيره وإن أجاز العقد بعد أن أفاق
وكذلك الحكم في المرأة السكري، وهذا مع السكر الذي لا يعي فيه
السكران أو السكري ما يقول.
وإذا زوجت المرأة السكري نفسها وهي ملتفتة إلى ما تقول، ثم
رضيت بالعقد بعد إفاقتها فالظاهر صحة العقد، سواء كان تزويجها
بتوكيل أحد على عقدها أم باجرائها صيغة العقد بنفسها، والظاهر
أن الرجل السكران مثلها في ذلك إذا كان في حال سكره وعقده ملتفتا
يعي ما يقول.
[المسألة 70:]
لا يمنع السفيه المحجور عليه في التصرف في الماليات من أن يتولى اجراء
عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، ويصح له أن يرجي عقد النكاح لنفسه
30

إذا أذن له وليه قبل اجراء الصيغة أو إجازة بعد العقد، وسنتعرض له
إن شاء الله تعالى في فصل أولياء العقد بصورة أكثر تفصيلا.
ويشكل الحكم بصحة عقده لنفسه أو لغيره بل يمنع إذا كان سفهه
عاما يوجب حجره في الماليات وغيرها، أو كان سفهه خاصا في التصرف
في نفسه كما ذكرناه في كتاب الحجر، فإذا أريد تزويجه فلا بد من
الرجوع إلى وليه.
[المسألة 71:]
يصح عقد المكره إذا أكرهه أحد على اجراء عقد النكاح لغيره بالوكالة
عنه، ولا يبطله كونه مكرها عليه إذا كان جامعا لشرائط الصحة فيه
من قصد الانشاء وغيره.
وإذا أكره على اجراء عقد النكاح لنفسه، فأوقعه مكرها عليه لم
يصح، وإذا زال الاكراه عنه وأجاز العقد بعد ارتفاعه صح العقد
وترتبت عليه آثاره، سواء كان المكره هو الزوج أم الزوجة.
[المسألة 72:]
لا يشترط في صحة العقد أن يكون العاقد ذكرا، فيصح للمرأة أن
تتولى عقد النكاح لغيرها بالوكالة عنه ايجابا وقبولا، كما يصح لها
أن تتولى عقد نفسها بالأصالة.
[المسألة 73:]
إذا أوقع الموجب الايجاب في عقد التزويج، ثم جن أو أغمي عليه
أو نام قبل أن ينطق صاحبه بالقبول بطل العقد، وكذلك الحكم إذا
قدم القبول على الايجاب بناءا على صحة ذلك كما اخترناه في المسألة
الثالثة والخمسين فإذا اعترض القابل الجنون أو الاغماء أو النوم قبل
أن يؤتى بالايجاب بطل العقد.
وأولى من ذلك ببطلان العقد ما إذا عرض مثل ذلك للقابل في أثناء
الايجاب، والوجه في بطلان العقد في هذه الفروض هو عدم صدق
المعاقدة بين الطرفين إذا انتفت الأهلية من أحدهما قبل أن يتم العقد،
وعدم شمول الأدلة لمثل هذا أن سمي عقدا.
31

[المسألة 74:]
يشترط في صحة عقد النكاح أن يعين فيه الرجل والمرأة اللذين
يقع لهما العقد، بحيث يتميز الرجل المعقود له عن غيره من الرجال،
وتتميز المرأة المعقودة عمن سواها من النساء، أما بذكر الاسم الخاص
بالشخص، وأما بوصفه توصيفا يعين شخصه ويميزه عما عداه، أو
بالإشارة إليه إشارة مشخصة، وإذا كان الاسم مشتركا بينه وبين غيره،
فلا بد من ذكر ما يدل على الفرد المقصود من اسم أبيه أو لقبه أو أحد
مشخصاته. فيبطل العقد إذا قال الموجب لصاحبه: زوجتك إحدى
بناتي، أو قال له: زوجتك ابنة زيد وكانت لزيد أكثر من بنت واحدة
ولم يعين المقصودة منهن، أو قال له: زوجت ابنتي مريم من أحد بنيك،
أو زوجت إحدى موكلاتي من أحد موكليك، أو عين الموجب زوجة أو
زوجا، وعين القابل غير ذلك.
[المسألة 75:]
إذا عين العاقدان بينهما المرأة المقصودة والرجل المقصود قبل اجراء
العقد، ولكنهما حين اجراء الصيغة ذكرا أحد الزوجين أو كليهما بلفظ
مشترك لا يدل على التعيين، لم يبعد القول بالصحة، ومثال ذلك أن
يخطب الرجل من زيد ابنته الكبرى، ويتفقا على تزويجها منه، ثم
يقول له عند العقد: زوجتك ابنتي مع أن له أكثر من بنت واحدة،
أو يقول له: زوجتك ابنتي سعاد مع أن هذا اسم لبنتين عنده، فلا يبعد
الحكم بالصحة والأحوط لهما أن يجددا العقد على الزوجة المقصودة.
[المسألة 76:]
هل يكفي في صحة العقد أن تكون المرأة المعقود عليها معينة في الواقع
وهي غير متميزة عند العاقدين أو عند أحدهما في حال اجراء الصيغة،
ثم يحصل العلم بها بعد العقد، ومثال ذلك أن يقول الأب الموجب
للرجل: زوجتك ابنتي الكبري، وهما لا يعلمان في حال العقد إن الكبرى
هي زينب أو فاطمة، ولكنهما سيعلمان بها تفصيلا بعد العقد إذا رجعا
إلى سجل موجود يضبط فيه ولادة البنتين؟ لا يبعد القول بصحة العقد،
وكفاية التعين في الواقع، لتحقق القصد لتزويج المرأة المعينة مع رضا
32

الزوج بزواجها وإن لم يميزها في حال العقد، فإذا رجعا إلى السجل
الموجود تميزت المرأة المعقودة وارتفع اللبس الذي أوجبه الجهل
بالتأريخ، والأحوط استحبابا تجديد العقد إذا أرادا الامساك، ولا بد
من الطلاق إذا أرادا الفراق.
وكذلك الحكم إذا كان الرجل المعقود له معينا في الواقع وهو غير
متميز عند العاقدين على النحو الذي ذكرناه في المرأة فيجري فيه الحكم
الآنف ذكره.
[المسألة 77:]
يصح التوكيل في عقد النكاح، فتوكل المرأة الرشيدة من يتولى ايجاب
العقد بالنيابة عنها، ويوكل الرجل الرشيد من يتولى قبول الزواج عنه،
ويصح للولي على الصبي الصغير أو على الصبية الصغيرة أن يوكل من
يتولى اجراء الصيغة للطفل أو للطفلة بالنيابة عن الولي.
[المسألة 78:]
يجب على الوكيل أن يتبع في تصرفه ما عين له موكله في توكيله، فإذا
وكلته المرأة على عقدها من رجل معين لم يصح له أن يعقدها على غيره،
وإذا ذكرت لها صداقا لم يجز له أن يعقدها على صداق غيره، وإذا حددت
شروطا لم يجز له التعدي عنها فيعقدها بغير شرط أو بشروط أخرى
غيرها، فإن تعدى شيئا من ذلك كان فضوليا وتوقفت صحة عقده على
إجازة موكلته للعقد، وكذلك الحكم في وكيل الرجل في قبول العقد عنه.
وإذا وكلته المرأة أو وكله الرجل وأطلق الموكل له التوكيل في اختيار
الزوج أو الزوجة مثلا وفي تحديد المهر والخصوصيات وجبت على الوكيل
مراعاة المصلحة في الاختيار لموكله، فإذا تعدى في فعله ما تقتضيه المصلحة
لم ينفذ عقده وكان فضوليا، فلا يصح عقده إلا بالإجازة من موكله،
فإذا اختلف الموكل معه في بعض الخصوصيات ولم يجز العقد كما حصل
بطل العقد وجددا الوكالة والعقد إذا شاءا على خصوصية أخرى، وإذا
أريد تجديد العقد وفق رأي الموكل لم يحتج إلى وكالة أخرى.
[المسألة 79:]
إذا ذكرت المرأة لوكيلها شروطا وخصوصيات تشترطها على الزوج
33

ووكلت الوكيل على اجراء عقدها وفقا لتلك الشروط، وذكر الرجل
لوكيله شروطا وخصوصيات، ووكله على قبول العقد وفقا لما يطلب،
صح للوكيلين أن يجريا صيغة العقد مع الاتفاق في الحدود المشترطة.
وإذا اختلفا في ذلك لم يصح لهما العقد، وإذا أجرى وكيل الزوجة
صيغة العقد طبقا للشروط التي عينتها الزوجة، وقبل وكيل الزوج
العقد عنه مع مخالفته لشروط موكله كان وكيل الزوج فضوليا في
قبوله، فإن أجازه موكله العقد ولم يحتج إلى إجازة الزوجة عقد
وكيلها أو إجازتها فعل وكيل زوجها. وإذا انعكس الفرض فأجري
العقد وفقا للشروط التي عينها الزوج لوكيله انعكس الحكم، فكان
وكيل الزوجة هو الفضولي فيصح العقد إذا أجازته الزوجة ويبطل
إذا لم تجزه.
[المسألة 80:]
إذا وكلت المرأة وكيلا على اجراء صيغة عقدها من فلان، فظاهر
هذا التوكيل أن يتولى وكيلها ايجاب العقد عليها سواء قدمه على قبول
الزوج أم أخره عنه، فلا تتناول وكالته أن يتولى القبول عنها، وإن قلنا
بصحة عقد النكاح إذا كان الايجاب فيه من الزوج أو من وكيله وكان
القبول من الزوجة أو من وكيلها، فلا يصح منه ذلك، وإذا وكل الرجل
وكيلا على قبول عقد النكاح له بفلانة، فظاهر هذه الوكالة أن يتولى
القبول عنه، سواء أخره عن الايجاب أم قدمه عليه، ولا يصح له أن
يتولى ايجاب العقد عن الزوج، لعدم توكيله في ذلك، وإذا وكل الرجل
والمرأة وكيليهما وكالة مطلقة في اجراء العقد بينهما حسبما يختاران
من صور العقد، صح لكل من الوكيلين أن يتولى الايجاب عن صاحبه
أو القبول، وأن يقدم الايجاب على القبول أو يؤخره عنه كما يختاران.
[المسألة 81:]
إذا وكلت المرأة رجلا على تزويجها لم يصح له أن يعقدها من نفسه،
وإن صرحت له بالتعميم في وكالته، فقالت له: وكلتك على أن تزوجني
وتتولى عقد زواجي من أي شخص تريد.
34

[المسألة 82:]
الأحوط أن لا يتولى شخص واحد طرفي العقد، فيتولى انشاء الايجاب
بالوكالة عن الزوجة أو عن وليها مثلا، ويتولى القبول لنفسه أو بالوكالة
عن الزوج أو عن وليه، بل المنع لا يخلو من قوة في توكيل المرأة للرجل
في زواجها منه.
[المسألة 83:]
إذا وكل الزوجان وكيلين في اجراء عقد النكاح بينهما، واتفقا
معهما على اجرائه في وقت معين ومضى ذلك الوقت، لم تجز للزوجين
المقاربة حتى يعلما بأن الوكيلين قد أجريا صيغة العقد أو يخبرهما
العاقد بأنه قد أجراها، ولا يكفي حصول الظن بذلك وإن أخبرهما به
ثقة، بل وإن حصل العلم به لأحدهما دون الآخر.
[المسألة 84:]
لا يجوز أن يشترط خيار الفسخ في عقد النكاح، سواء اشترط
للزوج أم للزوجة أم لكليهما، أم لشخص ثالث، وسواء كان النكاح
دائما أم منقطعا. وإذا شرطه أحد الزوجين أو كلاهما كان الشرط
باطلا، والمشهور بين الفقهاء بطلان العقد بذلك، وهو مشكل، فلا بد
من الاحتياط إذا اشترط ذلك، بتجديد العقد من غير شرط إذا أريد
الامساك، وبايقاع الطلاق إذا أريد الفراق.
[المسألة 85:]
يصح لأحد الزوجين أن يشترط لنفسه الخيار في الصداق الذي جرى
عليه العقد بينهما، بأن يفسخ الصداق المسمى وحده من غير أن يفسخ
العقد، وهذا إذا كان النكاح دائما، وكانت للخيار المشترط مدة
معلومة فإذا شرط ذلك لنفسه أو شرطه لكليهما ثبت الحق للمشروط
له، وإذا فسخ صاحب الخيار في المدة المعينة سقط المهر المسمى في العقد
وكانت المرأة بحكم مفوضة البضع، فإذا دخل الزوج بها ثبت لها مهر
أمثالها من النساء، وإذا طلقها قبل دخوله بها وجبت لها المتعة، وسيأتي
تفصيل ذلك في أحكام مفوضة البضع من فصل المهر (إن شاء الله تعالى)
35

ولا يصح اشتراط الخيار في الصداق إذا كان عقد النكاح منقطعا،
وإذا شرطه أحد الزوجين أو كلاهما بطل الشرط ولزمت مراعاة
الاحتياط الآنف ذكره، فيجددان العقد من غير شرط إذا أرادا بقاء
النكاح، ويهبها المدة إذا أرادا الفراق.
[المسألة 86:]
إذا تصادق الرجل والمرأة على زوجية أحدهما للآخر ثبتت الزوجية
بينهما في الظاهر وترتبت عليها جميع أحكامها ولوازمها من جواز وطء
وثبوت مهر ونفقة وميراث وغير ذلك، إذا لم يعلما أو يعلم أحدهما
بكذب قولهما.
وإذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكرها الثاني، فإن أقام المدعي بينة
على صدق قوله ثبتت الزوجية ظاهرا، وكان على الطرفين ترتيب آثارها
المحللة كالانفاق من جانب الزوج، وكعدم الخروج من البيت إلا بإذن
الزوج من جانب الزوجة، وأما في واقع الأمر فيجب عليهما العمل
بالتكليف الذي يعلمان به في الحقيقة، وكذلك الحكم إذا لم تكن للمدعي
بينة ولكن المنكر رد عليه اليمين فحلف المدعي على صدق مدعاه، فتجري
الأحكام الظاهرية المذكورة، والواقع كما هو لا يتغير ولا تتبدل أحكامه.
وإذا لم تكن لمدعي الزوجية بينة تثبت قوله توجه اليمين على منكرها،
فإذا أحلف حكم ظاهرا بعدم الزوجية. ويلزم مدعي الزوجية وهو
الطرف الثاني من الدعوى بلوازم اقراره بالزوجية، فإن كان هو
الرجل، وجب عليه أن يوصل المهر إليها، ولم يحل له أن يتزوج بأمها
ولا ببنتها إذا كان قد دخل بالأم أو لم يطلقها، ولا يجوز له التزويج
بأختها ما دامت المرأة في حباله، ولا يتزوج بنت أخيها ولا بنت أختها
إلا برضاها ما دامت في حباله كذلك، ولا يتزوج خامسة إذا كانت عنده
ثلاث زوجات غيرها.
وإذا كان مدعي الزوجية هي المرأة لم يجز لها الزواج بغيره إلا إذا
فارقها بموت أو طلاق ونحوه.
[المسألة 87:]
إذا أنكر أحدهما الزوجية في المسألة السابقة ثم رجع بعد انكاره
36

فاعترف بها وأبدى العذر عن انكاره الأول وكان غير متهم في ذلك سمع
منه اقراره، وثبتت الزوجية، وإن كان ذلك بعد حلفه على عدم
الزوجية.
[المسألة 88:]
إذا ادعت المرأة أنها خلية لا زوج لها، وكان الرجل لا يعلم حالها
ويحتمل صدقها في قولها، حكم بصدقها وجاز له أن يتزوجها أو يزوجها
من يريد، من غير أن يفحص عن أمرها، سواء حصل له العلم أو الوثوق
من قولها أم لم يحصل.
وكذلك إذا دعاها هو أو غيره إلى الزواج منها فأجابت، أو ابتدأت
هي فدعت أحدا إلى الزواج منها، سواء كان المدعو هو أم غيره، فيصح
الاعتماد على قولها في جميع ذلك. ومثله ما إذا علم الرجل بأنها كانت
ذات بعل في السابق، فادعت أن بعلها قد مات أو طلقها.
ويستثنى من ذلك ما إذا كانت متهمة في دعواها، فيستحب للرجل
أن يسأل عن حالها إذا أراد الزواج بها بل هو الأحوط.
وإذا كانت ذات بعل فغاب زوجها عنها غيبة انقطع فيها خبره، ثم
ادعت أنها علمت بموته واعتدت منه صدقت في قولها وجاز للرجل أن
يتزوجها، وإذا وكلت أحدا على اجراء صيغة العقد عليها صح له أن
يقبل الوكالة منها ويتولى عقد نكاحها إلا إذا علم بكذبها، وإن كان
الأحوط استحبابا الترك.
[المسألة 89:]
إذا ادعت المرأة أنها خلية ليس لها زوج، فصدقها الرجل وتزوجها،
ثم ادعت بعد زواجه بها أنها ذات بعل غيره، لم تسمع منها هذه الدعوى
الثانية، فلا يفرق الحاكم بينها وبين الرجل الذي تزوجها ولا يجب
على الرجل الاجتناب عنها، إلا إذا أقامت بينة على صدق دعواها، فإذا
شهدت البينة بذلك، وجب التفريق بينها وبين الزوج الثاني.
ولا تستحق عليه شيئا إذا كانت حين زواجها به عالمة بأنها ذات بعل،
لأنها بغي، وإذا كانت تجهل ذلك، كما إذا اعتقدت بأن بعلها قد مات
37

فاعتدت منه وتزوجت، ثم تبين لها خطأ لها في الاعتقاد، كان نكاحها
شبهة، فإذا كان الرجل الثاني قد دخل بها استحقت عليه مهر المثل.
ويكفي في جريان هذه الأحكام أن تشهد البينة بأن المرأة ذات بعل
حين ما تزوجها الثاني، وإن لم تعين من هو البعل الأول، ولم تشهد
بأنه مات بعد ذلك أم لا يزال حيا.
[الفصل الرابع]
[في أولياء العقد]
[المسألة 90:]
تثبت للأب وللجد أبي الأب وإن علا بأكثر من واسطة واحدة، ولاية
شرعية على ولده وولد ولده الصغيرين وعلى ابنته وبنت ابنه الصغيرتين
وعلى المجنون والمجنونة من أولادهما إذا اتصل جنونهما بصغرهما وإن
كانا بالغين بالفصل فيصح للأب وللجد أبي الأب أن يتوليا عقد الزواج
عليهم، إذا لم تكن في ذلك مفسدة على القاصرين المولى عليهم.
ويشكل الحكم بثبوت ولاية لهما على المجنون والمجنونة اللذين يتأخر
عروض الجنون عليهما عن البلوغ، فإذا اقتضت الضرورة تزويج
أحدهما، فلا يترك الاحتياط بالاستئذان من الأب أو الجد ومن الحاكم
الشرعي معا.
[المسألة 91:]
لا تثبت الولاية للأم على القاصرين من أبنائها وبناتها ولا على ذريتهم
ولا للجد أبي الأم، حتى أم الأب وأبيها سواء كانوا بواسطة أم أكثر،
لا في عقد نكاح ولا في تصرف في مال أو اجراء معاملة أو في شئ من
شؤونهم، ولا تثبت الولاية للأخ وإن كان شقيقا كبيرا على أخيه الصغير
ولا للعم أو الخال ولا لسائر الأرحام.
[المسألة 92:]
لا ولاية للأب ولا للجد أبي الأب على الولد في عقد النكاح بعد بلوغه
ورشده، ولا ولاية لهما في عقد النكاح على البالغة الرشيدة إذا كانت
38

ثيبا وأما البكر البالغة الرشيدة، فالأقوى استقلال كل منها ومن أبيها
بأمر تزويجها، فإذا زوجت هي نفسها، صح عقدها ونفذ، وإن لم
تستأذن أباها في اجراء العقد، سواء أجرت الصيغة بنفسها أم وكلت
أحدا سواها في ذلك، وإذا زوجها أبوها نفذ تزويجه وصح وإن لم
يستأذن منها في اجراء العقد، والأفضل بل الأحوط لكل منهما أن
يستأذن الآخر إذا أراد العقد عليها. بل يجوز للأب أن ينقض عقد
البنت إذا زوجت نفسها من غير إذنه، وإن كان عقدها صحيحا في نفسه
كما ذكرنا، وكل هذا مع مراعاة الشروط في ولاية الأب عليها وسيأتي
بيان ذلك.
[المسألة 93:]
لا أمر ولا ولاية للجد أبي الأب ولا لغيره من الأولياء على البنت
الباكر في عقدها بعد بلوغها ورشدها فلا يجري للجد الحكم الذي تقدم
ذكره في ولاية الأب.
[المسألة 94:]
إذا منع الأب بنته البكر البالغة الرشيدة من التزويج بالكفؤ مع
رغبتها بالزواج منه، سقطت ولايته عليها، فإذا زوجت نفسها منه
بغير إذن الأب وقد منعها من ذلك، صح زواجها منه، وليس للأب أن
ينقض عقدها الذي أوقعته أو أوقعه وكيلها.
وسقوط ولاية الأب في هذا المورد لا يعني سقوط ولايته في غيره،
فإذا لم تتزوج البنت من ذلك الرجل ثم زوجت نفسها من رجل آخر
ليس بكفؤ، صح للأب أن ينقض عقدها.
[المسألة 95:]
لا يسقط اعتبار إذن الأب إذا منعها من الزواج بغير الكفؤ شرعا،
ومثال ذلك أن يمنعها من الزواج بكافر أو بمرتد أو بغير مؤمن، ولا
يسقط اعتبار إذنه إذا منعها من الزواج بغير الكفؤ عرفا ممن يكون في
تزويجه غضاضة أو منقصة عليهم، ولا يسقط اعتبار إذنه إذا منعها
من الزواج بكفؤ معين مع وجود كفؤ آخر يطلب الزواج بها، فإذا عقدت
نفسها على أحد هؤلاء بغير إذن الأب جاز أن ينقض عقدها.
39

ويسقط اعتبار إذن الأب إذا كان غائبا لا يمكن للبنت أن تستأذن
منه، لسفر أو سجن مع حاجة البنت إلى الزواج.
[المسألة 96:]
البنت التي تذهب بكارتها بغير الوطء لها حكم البكر، وحكم الولاية
عليها قد تقدم بيانه في الولاية على البكر البالغة الرشيدة في المسألة
الثانية والتسعين، وكذلك إذا ذهبت بكارتها بالزنا أو بوطء الشبهة
على الأقوى.
[المسألة 97:]
لا يشترط في ولاية الجد على القاصر أو القاصرة أن يكون الأب حيا
كما يراه جماعة من الأصحاب ولا يعتبر فيها أن يكون الأب ميتا كما
يراه البعض من غيرهم، بل هو ولي مستقل في الولاية في حال وجود
الأب وفي حال موته، وإذا كان الأب والجد كلاهما موجودين، كان كل
واحد منهما مستقلا في ولايته، فلا تتوقف صحة عمله على أن يشترك
فيه مع الآخر أو يستأذن منه، بل ويصح تصرفه مع مراعاة شروط
الولاية وإن خالفه الثاني في الرأي إذا لم يؤد ذلك إلى تشاح بينهما أو
تعارض في التصرف، وتلاحظ المسائل الآتية في ما يتعلق بذلك.
[المسألة 98:]
يشترط في ولاية الأب والجد أبي الأب أن لا تكون في تصرفه في
شؤون القاصر أو أمواله مفسدة للمولى عليه، كما ذكرناه أكثر من
مرة، فإذا زوج أحدهما الصبي أو الصبية، أو المجنون الذي اتصل
جنونه بصغره مع وجود المفسدة في التزويج لم يصح وكان العقد
فضوليا، لا ينفذ إلا بإجازة الطفل أو الطفلة المعقود لهما بعد أن يبلغا
ويرشدا، وإجازة المجنون بعد أن يفيق من جنونه ويصحو.
وإذا تم عقد الأب أو الجد وفقا للشروط المعتبرة في ولايتهما على
القاصر، صح العقد ولزم، ولم يكن للصبية المعقودة خيار فيه بعد
بلوغها ورشدها، ولا خيار للصبي المعقود له في العقد بعد بلوغه ورشده،
ولا للمجنون المعقود له بعد إفاقته وبرئه.
40

[المسألة 99:]
إذا زوج الصبية القاصرة أبوها أو جدها بأقل من مهر أمثالها أو
بشخص لا يقدر على الانفاق عليها، فإن كان ذلك لوجود مصلحة في
التزويج تغلب على المفسدة الموجودة فيه، صح العقد والمهر ولزم،
وإن لم توجد فيه مصلحة أو كانت فيه مصلحة عادية غير غالبة على
المفسدة كان العقد فضوليا، يتوقف نفوذه على إجازة البنت بعد بلوغها
ورشدها، فلا يصح إذا لم تجزه، وكذلك الحال في الصبي إذا زوجه
أحدهما بأكثر من مهر المثل.
[المسألة 100:]
إذا زوج الصبية القاصرة أبوها أو جدها مع وجود المفسدة في
تزويجها لم ينفذ العقد كما ذكرناه، في ما تقدم وكان فضوليا لا يصح
إلا بإجازة المعقودة بعد بلوغها، فإذا تغيرت الحال فارتفعت المفسدة
الموجودة في التزويج، أو تجددت فيه مصلحة تغلب على المفسدة، أمكن
للولي الثاني منهما غير العاقد أن يجيز العقد فيكون صحيحا بإجازته،
ويشكل الحكم بالصحة إذا أجازه الولي العاقد نفسه.
[المسألة 101:]
إذا تشاح الأب والجد في أمر تزويج القاصر أو القاصرة، فاختار
كل واحد منهما للصبي زوجة أو اختار للصبية زوجا مثلا، قدم اختيار
الجد، وإذا بادر الأب في هذا الفرض فعقد على الطفلة للزوج الذي
الذي اختاره لها قبل الجد، فلا يترك الاحتياط إما باسترضاء الجد
وتجديد العقد عليها لمن اختاره الأب وإما بطلاق الزوج لها.
[المسألة 102:]
إذا زوج الأب بنته الصغيرة من رجل، وزوجها جدها من رجل آخر،
فللمسألة صور، ولكل صورة منها حكمها الخاص بها:
(الصورة الأولى): أن يسبق الأب أو الجد في تزويجه للبنت على
تزويج الآخر لها، ويعلم السابق منهما على النحو التعيين فيعلم أن الأب
قد عقد على البنت قبل جدها، أو أن الجد قد أجرى عقده قبل أبيها،
41

فيكون عقد الولي السابق منهما هو الثابت، ويبطل عقد اللاحق،
سواء كان السابق هو الأب أم الجد.
(الصورة الثانية): أن يقترن عقد الأب على البنت مع عقد الجد
عليها في الزمان، فيتفق اجراؤهما للصيغة في وقت واحد ويعلم التقارن
بينهما، والحكم في هذه الصورة أن تثبت الولاية للجد على الخصوص،
فيكون عقده على البنت هو الثابت، ويبطل عقد الأب عليها.
(الصورة الثالثة): أن يعلم الوقت الذي أجرى فيه الجد عقده على
البنت فيعلم بأنه أوقع الصيغة في الساعة الأولى من يوم الخميس مثلا،
ويجهل وقت عقد الأب، فهل أوقعه قبل ذلك الوقت أم بعده أم وقع
العقدان متقارنين في زمان واحد، والحكم في هذه الصورة أيضا هو
صحة عقد الجد ونفوذه وبطلان عقد الأب.
(الصورة الرابعة): أن يعلم الوقت الذي أوقع الأب فيه عقده على بنته
كما تقدم، ويجهل زمان عقد الجد، فهل أوقعه في وقت عقد الأب
أيضا أم قبله أم بعده، فيحكم بصحة عقد الأب ونفوذه وبطلان عقد
الجد.
(الصورة الخامسة): أن يجهل وقت كل من عقد الأب وعقد الجد،
فلا يعلم في أي ساعة حدثا؟ وهل سبق أحدهما على الآخر أم اقترنا في
الوقت؟ والحكم في هذه الصورة أن المرأة تكون معلومة الزوجية لأحد
الرجلين المعقود لهما على وجه الاجمال فإذا كان في الصبر عسر وحرج، فلا
بد من الرجوع إلى القرعة في تعيين الزوج الذي ثبتت له الزوجية منهما،
فأيهما عينته القرعة حكم بأنه هو الزوج، أو طلاق الزوجين كليهما
للمرأة، وتجديد العقد بعد ذلك لمن تشاء أو طلاق أحد الزوجين ثم
يتزوجها الثاني بعقد جديد.
والمسألة في جميع صورها الخمس الآنف ذكرها إنما تفرض في غير
حالة التشاح بين الأب والجد في تعيين الزوج، وإذا فرض وقوع تشاح
بينهما في ذلك رجع إلى حكمها الذي بيناه في المسألة المائة والواحدة.
42

[المسألة 103:]
إذا تحقق سفه الرجل أو المرأة في الأمور المالية وحكم عليه بالحجر
شرعا، لم يصح له أن يتولى عقد النكاح لنفسه إلا إذا أذن له وليه بذلك،
فيكون الولي هو الذي يعين له المهر ويعين له الزوجة إذا كان رجلا.
ويكون الولي هو المشرف على الانفاق على الزوجة من مال السفيه بعد
التزوج بها، ويكون الولي هو الذي يعين الزوج ويقدر الصداق إذا
كان السفيه المولى عليه هو المرأة، وإذا زوج السفيه نفسه أو زوجت
المرأة السفيهة نفسها بغير إذن الولي كان العقد فضوليا، فلا ينفذ إلا
بإجازة الولي، فإذا أجازه صح ولم يفتقر إلى تجديد العقد.
وكذلك الحكم إذا كان سفهه عاما في الماليات وغيرها، أو كان خاصا
في الشؤون غير المالية كما إذا كان سفيها في التزويج أو في التصرف في
نفسه، بناءا على ما اخترناه من اجراء حكم السفه في جميع ذلك، وقد
ذكرناه في كتاب الحجر فيكون محجورا عن أن يتولى عقد النكاح
لنفسه إلا بإذن الولي.
[المسألة 104:]
ولي السفيه هو الأب أو الجد أبو الأب إذا كان قد اتصل سفهه
بصغره، فإن لم يكن له أب ولا جد، فوليه هو القيم الذي ينصبه الأب
أو الجد لذلك، وإن لم يكن لهما وصي منصوب فالولي على السفيه هو
الحاكم الشرعي، وإذا طرأ له السفه بعد أن بلغ الحلم ورشد، فالولاية
عليه للحاكم الشرعي وإن كان أبوه وجده موجودين.
[المسألة 105:]
السفيه غير مسلوب العبارة، فإذا كان ممن يحسن اجراء الصيغة
في عقد التزويج صح له أن يتولى عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، ويصح
له أن يتولى اجراء العقد لنفسه أيضا إذا قام وليه بأصل المعاملة حتى
أتمها فعين الزوجة وقدر المهر وحدد الشروط ثم أذن للمولى عليه أو
وكله في اجراء الصيغة على ما عينه، وإذا أجرى السفيه عقد النكاح
لنفسه بنفسه ثم أجاز وليه عقده بعد ذلك، صح ولم يفتقر إلى تجديد،
وقد تقدم ذكر هذا قبل مسألتين.
43

[المسألة 106:]
يجوز للوصي المنصوب من قبل الأب أو الجد أبي الأب أن يزوج
الطفل الصغير والطفلة الصغيرة إذا نص أبوهما أو جدهما الموصي على
ولايته في التزويج، سواء عين الزوج والزوجة لهما أم لم يعين، فيجوز
للوصي أن يتولى العقد لهما بنفسه وأن يوكل غيره في إنشائه، إلا إذا
عين له الموصي أن يباشر بنفسه أو يوكل فيتبع ما حدد له. ويجوز
للوصي القيم كذلك أن يزوج ابنهما المجنون أو بنتهما المجنونة اللذين
اتصل جنونهما بصغرهما مع نص الأب أو الجد على ذلك في وصيته كما
ذكرنا في الصغير، ويجوز لهذا الوصي القيم أن يزوج السفيه الذي
اتصل سفهه بصغره إذا نص الموصي على أن يتولى أمر تزويجه كذلك.
[المسألة 107:]
إذا لم يكن للطفل الصغير أو الطفلة الصغيرة أب ولا جد يتولى أمرهما،
ولا وصي منصوب من أبيهما أو جدهما واقتضت المصلحة الملزمة
تزويجهما أودعت إلى ذلك ضرورة ملحة بحيث تترتب على تركه
مفسدة شديدة يجب الاحتراز عنها، فللحاكم الشرعي أن يتولى
تزويجهما، وكذلك الحكم في المجنون والمجنونة اللذين لا ولي لهما
إذا اقتضت الضرورة تزويجهما. وقد تقدم في المجنون الذي عرض له
الجنون بعد البلوغ وكان له أب أو جد أو وصي من أحدهما، أن الأحوط
لزوما في صحة تزويجه إذا اقتضت ذلك ضرورة ملزمة أن يستأذن منهم
ومن الحاكم الشرعي.
[المسألة 108:]
الولاية على العبد المملوك في التزويج وغيره لسيده، سواء كان عبدا
أم أمة وكبيرا أم صغيرا، وعاقلا أم مجنونا، وإذا تزوج أو زوجه أحد
بغير إذن سيده كان العقد فضوليا، فإن أجازه السيد صح وإن لم يجزه
بطل.
[المسألة 109:]
يشترط في ولاية الولي أن تتوفر فيه عدة أمور:
الأول: أن يكون بالغا، فلا ولاية للصبي الصغير أو الصبية الصغيرة
44

على أحد، فإذا كان لأحدهما عبد مملوك أو أمة مملوكة فالولاية عليه
للولي على السيد الصغير.
الثاني: أن يكون عاقلا، فلا ولاية للمجنون على غيره، وإن كان
أبا أو جدا أو مالكا.
الثالث: أن يكون حرا، فلا ولاية للمملوك على ولده ولا على عبده،
بل الولاية لمالك الولد، وإذا كان الولد حرا فالولاية عليه للجد إذا
كان حرا ولوصيه القيم من بعده، وإلا فالولاية للحاكم الشرعي،
وتكون الولاية على عبده، لمالك العبد المالك.
الرابع: أن يكون مسلما إذا كانت الولاية على مسلم، فلا ولاية
للكافر ولا للمرتد على ولده ولا على ولد ولده إذا كان مسلما، وتثبت
ولاية الكافر على ولده إذا كان كافرا على الأقوى.
[المسألة 110:]
لا يصح للولي أن يتولى عقد التزويج للمولى عليه إذا كانا محرمين
بحج أو بعمرة، واجبين أو مندوبين، أو مختلفين، أو كان أحدهما
محرما كذلك ولا يصح له أن يوكل في تزويجه في هذه الفروض وإن
كان الوكيل محلا، ويصح له أن يوكل في حال الاحرام من يتولى العقد
للمولى عليه بعد أن يحل الولي والمولى عليه من احرامهما.
[المسألة 111:]
العقد الفضولي هو العقد الذي يصدر من شخص غير مخول شرعا
في أن يجري ذلك العقد للشخص المعقود له، سواء كان الشخص الذي
أجرى العقد قريبا للشخص المعقود له أم أجنبيا عنه، وقد يطلق
الفقهاء كلمة الفضولي ويجعلونها وصفا لنفس العقد الصادر كما
ذكرنا، وهذا هو الأكثر، وقد يجعلونها وصفا للشخص الذي أجرى
العقد، فيقولون: عقد الفضولي، ويقولون إذا تعدى الوكيل ما حدد
له الموكل كان فضوليا.
ومن الفضولي عقد الولي والوكيل إذا وقع على غير الوجه الذي
يصح لهما ايقاعه عليه، ومثال ذلك أن يعقد الأب أو الجد مع وجود
45

مفسدة للمولى عليه، أو يعقد غيرهما من الأولياء على غير مصلحة له،
وأن يتجاوز الوكيل ما عين له موكله في وكالته، فيعقد له على غير
الزوجة المعينة أو على غير المهر المحدد، ومن الفضولي أن يعقد العبد
لنفسه أو تعقد الأمة نفسها بغير إذن سيدهما.
والأقوى صحة العقد الفضولي إذا لحقته الإجازة ممن بيده أمر
العقد، سواء كان المعقود له كبيرا أم صغيرا وحرا أم مملوكا، ورجلا
أم امرأة، وسواء كان العقد فضوليا من جانب الزوج والزوجة كليهما
أم من أحد الجانبين، فإذا أجاز الأصيل أو الولي وهما يملكان الأمر
في العقد صح ونفذ.
[المسألة 112:]
إذا كان الشخص المعقود له بالعقد الفضولي ممن يصح له أن يتولى
العقد لنفسه وهو البالغ الحر العاقل سواء كان رجل أم امرأة،
فلا يصح العقد الفضولي له إلا بإجازته بنفسه، وإذا كان ممن لا يصح
له أن يتولى ذلك، وهم الصغير والمجنون والسفيه والمملوك، فيصح
العقد الفضولي لأحدهم بإجازة ولي أمره ما دام قاصرا، فإذا أجازه
الولي كذلك نفذ مع اجتماع شروط ذلك، ولم يكن للمولى عليه رده
بعد ذلك، وإذا رده الولي كان باطلا ولا تصححه إجازة المولى عليه بعد
كماله وارتفاع الولاية عنه، وإذا لم يجز الولي العقد الفضولي ولم
يرده حتى كمل المولى عليه وارتفع الحجر عنه، فبلغ الصغير مثلا وأفاق
المجنون ورشد السفيه وأعتق العبد كان له أن يجيز العقد الفضولي،
فإذا أجازه نفذ.
[المسألة 113:]
ليس للأب ولا للجد أبي الأب أن يجيز العقد الفضولي للطفل أو
الطفلة أو غيرهما ممن تثبت ولايتهما عليه، إذا كانت فيه مفسدة
للمولى عليه، كما لا يصح لهما تزويجه مع المفسدة، وليس لغيرهما
من الأولياء أن يجيز العقد الفضولي للمولى عليه إذا لم تكن فيه مصلحة
له، كما لا يصح لهم تزويجه حيث لا مصلحة، فإذا لم يجز الولي العقد
في الفرضين الآنف ذكرهما ولم يرده حتى كمل المولى عليه وارتفع عنه
46

الحجر، كان له أن يجيز العقد كما ذكرناه قريبا، فإذا أجازه نفذ.
[المسألة 114:]
لا يبطل العقد الفضولي بتأخر الإجازة عنه وإن تأخرت زمنا طويلا،
لبعض الأسباب الطارئة، فإذا لم يجزه الأصيل أو الولي لجهله بحصول
العقد، أو لجهله بأن الإجازة توجب صحته ونفوذه، أو للتروي
والاستشارة لأحد في الإجازة والرد، أو للنسيان، أو لرغبة الصبي في
اخفاء ذلك على الولي خوفا من رده فيبطل العقد، فإذا لم يجز الأصيل
أو الولي العقد لبعض هذه الأسباب أو غيرها، ثم أجازه بعد ذلك صح
ونفذ.
[المسألة 115:]
إذا رد الأصيل العقد الفضولي أو رده الولي لغي العقد، فلا تصححه
الإجازة إذا لحقته بعد الرد على الأحوط إن لم يكن ذلك هو الأقوى،
الأجر
سواء كانت الإجازة اللاحقة من الولي أم من الأصيل، وإذا أجازه
الأصيل أو الولي صح العقد ونفذ كما تقدم ولم يبطله الرد اللاحق
بعد ذلك سواء كان الرد من الولي أم من الأصيل.
[المسألة 116:]
يكفي في إجازة العقد الفضولي أي لفظ يكون دالا على إنشاء الرضا
بالعقد في متفاهم أهل العرف واللسان وإن كان ظهوره في ذلك بمعونة
القرائن، ويكفي فيها الفعل الدال على ذلك أيضا.
[المسألة 117:]
إذا أوقع الفضولي العقد عن الزوج وكان الزوج راضيا في نفسه
بالتزويج حين اجراء العقد له ولم يظهر منه قول أو فعل يدل على رضاه
بالعقد، فالعقد فضولي لا ينفذ إلا بالإجازة وكذلك إذا أوقعه فضولا
عن المرأة وهي راضية به في نفسها ولم تدل على رضاها بقول أو بفعل،
فالعقد فضولي لا يصح إلا بالإجازة.
[المسألة 118:]
إذا أوقع الفضولي العقد عن الزوج وكان الزوج كارها في نفسه
47

لذلك حين العقد ولم يقع منه فعل أو لفظ يدل على الرد، فالظاهر صحة
العقد إذا لحقته الإجازة بعد ذلك، وكذلك إذا استأذنه في العقد له فنهاه
ولم يأذن له، فإذا أجرى له العقد مع نهيه فهو من الفضولي فإذا لحقته
الإجازة صح ونفذ، ولا يكون نهيه المتقدم بمنزلة الرد، وكذلك الحكم
في الزوجة في كلا الفرضين.
[المسألة 119:]
الفضولي كما ذكرناه سابقا هو العقد الصادر عن شخص غير
مخول شرعا في اجراء ذلك العقد للانسان المعقود له سواء كان الشخص
العاقد يعلم بذلك حين اجرائه للعقد أم كان يتخيل خلافه، فإذا أجرى
العقد بعنوان الفضولية ثم اتضح بعد ذلك أنه ولي للشخص المعقود
له أو وكيل عنه، صح عقده ونفذ ولم يفتقر إلى إجازة، إلا إذا تعدى
الوجه المحدد له شرعا وإذا أجرى العقد وهو يعتقد أنه ولي للمعقود
له أو وكيل عنه، ثم استبان له أنه مخطئ في اعتقاده، فهو فضولي
لا ينفذ عقده إلا بالإجازة.
[المسألة 120:]
إذا زوج الصبية الصغيرة بالصبي الصغير غير ولييهما فضولا، توقفت
صحة العقد على الإجازة من كلا الجانبين، سواء حصلت من وليي
الصغيرين قبل أن يدركا ويرشدا أم من الصغيرين بعد البلوغ والرشد،
أم من ولي أحدهما قبل بلوغه ومن الآخر بعد كماله، ويكفي في بطلان
العقد أن يحصل الرد من أحد الجانبين قبل الإجازة، سواء حصل من
ولي أحدهما قبل بلوغه أم من أحدهما بعد كماله، ويبطل العقد كذلك
إذا مات الصبيان المعقود لهما قبل أن تحصل الإجازة منهما أو من
ولييهما، أو مات أحدهما قبل الإجازة منه.
[المسألة 121:]
إذا بلغ أحد الصغيرين المعقود لهما بالعقد الفضولي، فأجاز العقد
ثم مات قبل أن يجيز الآخر عزل للآخر نصيبه من الميراث لو كان وارثا،
فإذا بلغ وأجاز العقد أحلف أنه لم يدعه إلى أخذ الميراث إلا الرضا
بالزواج، فإذا حلف كذلك دفع إليه نصيبه من الميراث، وإذا كانت هي
48

الزوجة دفع إليها نصف المهر المسمى، وإذا لم يجز العقد، أو لم يحلف
اليمين المذكورة لم يدفع إليه شئ ورد المال إلى الورثة، وكذلك الحكم
إذا مات قبل أن يجيز، أو مات بعد الإجازة وقبل الحلف، وإذا كان
الشخص الباقي منهما غير متهم بالطمع في المال لم يتوجه عليه اليمين
وثبت له الميراث بعد إجازته.
وإذا أجاز العقد وحلف اليمين المذكورة ترتبت جميع الأحكام الأخرى
للزوجية أيضا، فإذا كان هو الزوج حرمت عليه أم المعقودة، وإذا
كانت هي الزوجة حرمت على أبي الزوج وابنه، بل الأحوط ترتيب
هذه الآثار بمجرد الإجازة منه، وإن لم يحلف، وإن كان متهما.
[المسألة 122:]
الظاهر جريان الحكم الآنف ذكره في الكبيرين إذا زوجهما أحد بالعقد
الفضولي، فأجاز أحدهما العقد ثم مات بعد إجازته وقبل أن يجيز
الآخر، ويجري الحكم أيضا في ما إذا وقع العقد بين أحد الكبيرين
والفضولي عن الآخر ثم مات الأصيل قبل أن يجيز صاحبه عقد الفضولي
عنه، ويجري كذلك في ما إذا وقع العقد بين ولي أحد الصغيرين
والفضولي عن الآخر ومات الصغير الذي عقد له الولي قبل أن يجيز
الآخر أو وليه، أو عقد الفضولي للمجنونين أو لأحدهما مع ولي الآخر،
وسائر نظام المقام.
فإذا لزم العقد في هذه الموارد من أحد الجانبين لأنه أصيل، أو لأن
العقد جرى له من وليه، أو لأنه أجاز العقد لنفسه بعد ارتفاع الحجر
عنه أو أجازه وليه، ثم مات قبل أن يجيز صاحبه العقد، جرى فيه الحكم
المتقدم، فيعزل مقدار نصيب الزوج الآخر الموجود من تركة الزوج الميت
لو كان وارثا منه، وينتظر، فإذا رد هذا الزوج المعقود له عقد
الفضولي، بطل العقد ورد المال إلى ورثة الزوج الميت، وإذا أجاز
العقد ترتبت أحكام الزوجية على نهج ما تقدم بيانه، والأحوط في
الجميع مع اتهام الزوج الموجود في إجازته أن لا يدفع له نصيبه من
الميراث إلا بعد الحلف، وإذا كانت الباقية هي الزوجية فلا تعطى نصف
49

المهر كذلك إلا بعد الحلف.
[المسألة 123:]
لا تثبت في العقد الفضولي أحكام الزوجية ولا أحكام المصاهرة قبل
أن تحصل الإجازة، وإن كان العقد لازما من أحد الجانبين، لأنه أصيل
كما قلنا في المسألة السابقة، أو لأن العقد قد جرى له من وليه أو لأنه
أجاز العقد لنفسه بعد أن ارتفع عنه الحجر أو أجازه وليه، فإذا كان
هو الزوج فلا يحرم عليه قبل حصول الإجازة نكاح أم المعقودة وبنتها
وأختها، ولا يحرم عليه التزويج بالخامسة إذا كانت المعقودة فضولا
هي الرابعة، وإذا كانت هي الزوجة فلا يحرم عليها أن تتزوج بغيره
حتى مع العلم بأن الإجازة تحصل بعد ذلك، وهذا بناءا على أن الإجازة
كاشفة كشفا انقلابيا كما هو المختار في المسألة، ونتيجة لذلك فإذا
تزوج الرجل أم المرأة المعقودة عليه فضولا أو تزوج بنتها أو أختها أو
الخامسة، ثم حصلت الإجازة من الزوج الآخر بعد ذلك كشفت الإجازة
عن بطلان تزويجه بهن. وكذلك إذا تزوجت المرأة بغيره ثم حصلت
الإجازة منه كشفت إجازته عن بطلان تزويج المرأة بغيره. وإذا حصل
الرد من أحد الجانبين بطل العقد كما تقدم ذكره، ولم تترتب أحكام
المصاهرة وإن كان الجانب الآخر أصيلا أو مجيزا.
[المسألة 124:]
إذا عقد الفضولي امرأة على رجل من غير أن تعلم المعقودة بذلك،
وزوجت المرأة نفسها من رجل آخر صح عقد الثاني عليها وبطل العقد
الفضولي فليس لها أن تجيزه إذا علمت به بعد ذلك، وكذلك إذا كانت
تعلم بعقد الفضولي لها فإن تزويجها بالثاني يكون ردا له فيبطل، إلا
إذا أجازته قبل ذلك فيكون هو الصحيح ويبطل عقدها على الثاني.
وإذا عقد الفضولي امرأة على رجل من غير أن يعلما بعقده، ثم
تزوج الرجل المعقود له بنت المرأة المعقودة أو أمها صح زواجه كذلك
وثبت وبطل العقد الفضولي، فلا يجوز للرجل أن يجيزه إذا علم به
بعد ذلك.
50

[المسألة 125:]
إذا زوج فضولي امرأة معينة برجل، ثم زوجها فضولي آخر برجل
آخر، تخيرت المرأة في العقدين فإن شاءت ردتهما معا فيبطلان، وإن
شاءت أجازت أحدهما وردت الآخر، من غير فرق بين أن يسبق أحد
العقدين على الآخر أو يقترنا في الوقت.
[المسألة 126:]
إذا زوج فضولي رجلا بامرأة معينة، ثم زوجه فضولي آخر ببنت
تلك المرأة المعقودة له أو بأختها، أمكن للرجل المعقود له أن يختار أي
العقدين فيجيزه ويرد الآخر سواء سبق أحد العقدين على الآخر في الوقت
أم تقارنا في الحدوث، وأمكن له أن يرد العقدين كليهما.
[المسألة 127:]
إذا زوج الفضولي امرأة برجل على مهر عينه في العقد، فلا يصح
للمرأة أو الرجل في إجازة العقد أن يسقط المهر فيكون التزويج من
غير مهر، ولا يصح أن يبدل المهر المعين بمهر آخر أقل منه أو أكثر
أو يخالفه في الجنس، أو يذكر في الإجازة شرطا أو شروطا لم يذكرها
الفضولي في العقد أو يسقط شرطا ذكره في العقد فإذا اختلفت الإجازة
عن العقد ببعض ذلك لم تصح، فإذا أريد ذلك فلا بد من رد العقد
الفضولي وتجديد عقد آخر بين الرجل والمرأة حسب ما يتفقان عليه
من المهر والشروط.
[المسألة 128:]
إذا عقد الفضولي المرأة للرجل، واعتقدت المرأة المعقودة إن النكاح
قد لزمها بعقد الفضولي لها وإن لم توكل، فرضيت به لذلك، أشكل
الحكم بصحة هذه الإجازة وصحة العقد بها، فلا يترك الاحتياط بتجديد
العقد عليها إذا أريد بقاء الزواج، وباجراء الطلاق إذا أريد الفراق.
وكذلك الاشكال إذا فرض مثل ذلك في الزوج، فاعتقد إن النكاح
قد تم بعقد الفضولي ولزمه وإن لم يوكله في القبول، فرضي به وأجازه
لذلك، فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.
51

[الفصل الخامس]
[في أسباب التحريم]
سبب التحريم هو الأمر الذي إذا تحقق وجوده بين الرجل والمرأة
حرم عليه الزواج بها ولم يصح له العقد عليها، وأسباب تحريم النكاح
عدة أمور:
السبب الأول: النسب.
[المسألة 129:]
[يحرم على الرجل من النسب نكاح سبعة أصناف من النساء:
الصنف الأول: الأم، وهي كل امرأة ينتمي إليها الانسان بالولادة،
سواء كانت بلا واسطة أم بواسطة واحدة أم بوسائط متعددة، وسواء
كانت الوسائط بين الانسان وبينها ذكورا أم إناثا، أم ذكورا وإناثا،
فالأم هي الأنثى التي ولدت الانسان، أو ولدت أباه أو ولدت
أمه، أو ولدت أحد آبائه من قبل الأب أو من قبل الأم، أو ولدت إحدى
أمهاته من قبل الأب أو من قبل الأم وإن تعددت الوسائط ما بينه وبينها.
الصنف الثاني: البنت، وهي كل أنثى تنتمي إلى الانسان بالولادة،
سواء كانت بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم بوسائط متعددة، وسواء
كانت الوسائط ذكورا أم إناثا، أم ذكورا وإناثا.
فالبنت هي الأنثى التي ولدها الانسان أو ولدها أحد أبنائه، أو
إحدى بناته، أو أحد أحفاده، أو أحد أسباطه وأن تعددت الوسائط
واختلفت في الذكورة والأنوثة، ويراد الحفيد: ابن الابن وإن نزل،
والسبط ابن البنت كذلك.
الصنف الثالث: الأخت وهي كل أنثى ولدها أحد أبوي الانسان
بلا واسطة، أو ولدها كلاهما كذلك، فأخت الانسان هي بنت أبيه،
أو بنت أمه، أو بنت أبيه وأمه معا.
الصنف الرابع: بنت الأخ، وهي كل أنثى تنتمي إلى أخي الانسان
52

بالولادة، سواء كان أخاه لأبيه وأمه معا، أم لأحدهما، وسواء كانت
الأنثى بنت الأخ بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم بوسائط متعددة،
وسواء كانت الوسائط ذكورا أم إناثا، أم ذكورا وإناثا.
فبنت الأخ هي الأنثى التي ولدها أخو الانسان أو ولدها أحد أبناء
أخيه، أو ولدتها إحدى بنات أخيه، أو ولدها أحد أحفاد الأخ أو
أحد أسباطه، وإن تعددت الوسائط واختلفت كما ذكرنا في البنت.
الصنف الخامس: بنت الأخت، وهي كل أنثى تنتمي بالولادة إلى
أخت الانسان لأبيه، أو لأمه، أو لكليهما، على ما تقدم بيانه في بنت
الأخ سواء بسواء.
الصنف السادس: العمة، وهي كل أنثى تكون أختا لرجل ينتمي
الانسان إليه بالولادة بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم بوسائط متعددة،
وإن اختلفت الوسائط في الذكورة والأنوثة.
فالعمة هي أخت أبي الانسان وأخت جده لأبيه، أو جده لأمه، وأخت
أحد أجداده، من قبل أبيه أو من قبل أمه وإن اختلفت الوسائط كما
ذكرنا، وعلى ما بيناه في معنى الأخت، وبعبارة ثانية، المحرمة في النكاح
هي عمة الرجل وعمة أبيه، وعمة أمه، وعمة أحد من أجداده أو جداته
من قبل الأب أو من قبل الأم.
الصنف السابع: الخالة، وهي كل أنثى تكون أختا لامرأة ينتمي
الانسان إليها بالولادة وإن كانت بالواسطة كما تقدم في العمة.
فالخالة هي أخت أم الانسان وأخت جدته لأبيه، وأخت جدته لأمه،
وأخت إحدى جداته من قبل أبيه أو من قبل أمه، وإن تعددت الواسطة
واختلفت في الذكورة والأنوثة، وبتعبير آخر، المحرمة في النكاح هي
خالة الانسان وخالة أبيه وخالة أمه وخالة أحد من أجداده أو جداته
من قبيل أبيه أو من قبل أمه.
تنبيه: ليست من المحارم أخت أخيك ولا أخت أختك، وهي أن تكون
لزوجة أبيك بنت من زوج آخر، أو تكون لزوج أمك بنت من زوجة
53

أخرى غير أمك، فتكون هذه البنت في كلا الفرضين أختا لأخيك أو
أختك، وليست من محارمك.
وليست من المحارم أخت العمة، وهي أن تكون لزوجة جدك من
قبل أبيك بنت من زوج آخر غير جدك فتكون هذه الأنثى أختا لعمتك
وليست من محارمك وليست من المحارم عمة العمة، وهي أن تكون
لزوجة جدك الأعلى من قبل الأب بنت من زوج آخر غير جدك، فتكون
هذه الأنثى عمة لعمتك وليست من محارمك.
وليست من المحارم أخت الخالة، وهي أن تكون لزوجة جدك من
قبل أمك بنت من زوج آخر، فتكون أختا لخالتك وليست من محارمك،
وهكذا في خالة الخالة، ولبعض ما ذكر فروض أخرى لا تخفى على
المتفطن.
[المسألة 130:]
النسب الشرعي هو ما كانت الولادة فيه حاصلة من وطء صحيح،
بسبب نكاح دائم أو منقطع، أو ملك يمين أو تحليل أمة، ويلحق به
في الحكم وطء الشبهة، وعلى النسب الشرعي وما يلحق به تدور عامة
الأحكام الشرعية في المواريث والمصاهرات وغيرها.
ولكن الحكم بتحريم النكاح لا يختص بذلك، بل يعم ما حصل
بالسفاح أيضا، فتحرم على الرجل أمه التي ولدته من الزنا وتحرم
عليه بنته من الزنا، وتحرم عليه أخته وعمته وخالته وابنة أخيه وابنة
أخته وإن كان النسب بينه وبينهن من السفاح، وتحرم بنته من الزنا
على أولاده من النكاح الصحيح أو من وطء الشبهة أو من الزنا بتلك
المرأة أو بامرأة أخرى، ويعم الحكم بالتحريم جميع طبقات النسب
كما في النسب الشرعي سواء بسواء.
[المسألة 131:]
وطء المرأة شبهة هو الوطء الذي لا يستحقه الواطئ في حكم الشرع،
إذا فعله وهو يعتقد أنه يستحق ذلك، لجهله بالحكم أو لجهله بالموضوع،
سواء كان معذورا في ذلك أم غير معذور، فإذا وطأ المرأة الأجنبية وهو
54

يعتقد صحة فعله، وعلقت منه لحق به الولد وثبت به نسبه إليه وإن
كان مأثوما بفعله في صورة عدم العذر.
ويلحق بوطء الشبهة وطء النائم والمجنون ونحوهما من فاقد العقل
عند العمل، ما عدا السكران إذا شرب الخمر عامدا عاصيا فإن الأقوى
أن فعله كفعل العامد، فلا تسقط عنه أحكام الزنا ولا يثبت به النسب.
[السبب الثاني من أسباب تحريم النكاح: الرضاع]
[المسألة 132:]
لا يكون الرضاع سبب لتحريم نكاح المرأة إلا إذا استجمع شروطا:
الشرط الأول: أن يتكون اللبن الذي يرتضعه الرضيع عن وطء
صحيح والوطء الصحيح ما كان بعقد نكاح دائم أو بعقد نكاح
مؤقت، أو بملك يمين، أو بتحليل الأمة من مالكها، أو بشبهة لكل من
الرجل والمرأة.
[المسألة 133:]
لا ينشر الرضاع الحرمة إذا كان اللبن ناشئا عن الوطء بالزنا،
ولا ينشر الحرمة رضاع ما يدر من ثدي الرجل إذا اتفق حدوث ذلك،
ولا من الخنثى المشكل الذي لا يتضح حاله أذكر هو أم أنثى، ولا ينشر
الحرمة رضاع ما يدر من ثدي المرأة إذا تكون اللبن فيه من غير وطء.
[المسألة 134:]
إذا سبق ماء الزوج إلى المرأة في المداعبة من غير دخول، فحملت منه
وولدت وتكون اللبن بسبب ذلك، فالظاهر أن رضاع لبنها ينشر الحرمة
إذا اجتمعت فيه بقية الشروط، وكذلك الأمة إذا سبق إليها ماء مالكها
أو الشخص الذي حللت له، فحملت منه وتكون اللبن فيها، ومثلها
المرأة الموطوءة بالشبهة إذا كانت الشبهة من الطرفين.
[المسألة 135:]
إنما ينتسب اللبن إلى الوطء إذا تكون في المرأة بعد علوقها وحملها
من وطء الرجل أو بسبب سبق ماء الرجل إليها كما ذكرنا، وقد يلحق
بذلك في وجه قوي ما يتكون في ثدي المرأة بعد حملها من التلقيح الصناعي
55

بنطفة زوجها، فما يتكون من اللبن في ثدي المرأة قبل أن تحمل لا يكون
رضاعه سببا لتحريم النكاح وإن كانت المرأة موطوءة، والمتيقن نشره
للحرمة هو الرضاع بعد ولادة المرأة لحملها، وأما ما يكون حال الحمل
وقبل ولادة الجنين فالحكم فيه مشكل ولا يترك الاحتياط فيه.
[المسألة 136:]
يشكل الحكم بنشر الحرمة برضاع اللبن المتكون من وطء الشبهة
إذا كانت الشبهة من أحد الطرفين، وكان الطرف الآخر عالما بتحريم
الوطء، وخصوصا إذا كان العالم بالتحريم هو الرجل، ولا يترك
الاحتياط.
[المسألة 137:]
الشرط الثاني من شرائط نشر الحرمة بالرضاع، أن يكون شرب
الطفل للبن بامتصاصه من ثدي المرأة، فإن ذلك هو الذي يتحقق به
مسمى الرضاع منها، فإذا حلب لبنها ووضع في إناء ثم سقي الطفل
لم يكن ذلك رضاعا ولم ينشر حرمة، وإن شرب الطفل بالامتصاص
منه كما في القوارير التي أعدت لتغذية الرضيع، وكذلك إذا صير اللبن
جبنا أو مخيضا ثم أطعم الطفل منه أو سقي، أو دفع في عروق الطفل
وأوردته ببعض آلات التغذية الحديثة التي تستعمل للمغذيات الأخرى،
فلا يكون اللبن سببا للتحريم.
[المسألة 138:]
إذا وضعت على رأس ثدي المرأة آلة تجذب ما في باطنه من اللبن أو
تنقيه من بعض الرواسب، ثم تدفعه في فم الطفل، فالظاهر صدق
الرضاع على الشرب منها ونشر الحرمة به كشرب الطفل من ثدي المرأة
مباشرة.
وإذا كانت الآلة تجمع اللبن فيها، بحيث يكون شرب الطفل مما
يتجمع فيها لم يكن ذلك رضاعا محرما وكان من أفراد المسألة السابقة.
[المسألة 139:]
الشرط الثالث أن تكون المرأة التي يرتضع الطفل من لبنها حية غير
56

ميتة، فإذا ارتضع الطفل من ثدي امرأة ميتة خمس عشرة رضعة تامة
وذلك هو العدد الذي يوجب تحريم النكاح إذا كان الرضاع من امرأة
حية لم ينشر هذا الرضاع حرمة، فلا يحرم على هذا الرضيع أن
يتزوج من بناتها إذا كان ذكرا، ولا يحرم عليه أن يتزوج من أولادها
إذا كان أنثى.
وكذلك الحكم إذا ارتضع الطفل من المرأة بعض العدد وهي حية ثم
أتمه بعد موتها فلا يكون سببا للتحريم نعم إذا ماتت المرأة وقد بقي
من عدد الرضعات المعتبرة في الحكم بالحرمة رضعة واحدة أو بعض
رضعة، فأتمها الطفل بعد موت المرضعة ففي ثبوت التحريم اشكال
ولا يترك الاحتياط بالاجتناب في هذا الفرض.
[المسألة 140:]
الشرط الرابع أن يكون الرضاع في أثناء الحولين للطفل المرتضع
من حين ولادته، و الحولان هما المدة التي حددت في شريعة الاسلام لرضاع
الطفل وبانتهائها يحق فطامه، أو يكون الرضاع في آخر المدة بحيث
ينتهي عدد الرضعات المعتبرة بانتهاء الحولين.
[المسألة 141:]
إذا كان رضاع الطفل من لبن المرأة بعد انتهاء مدة الحولين من حين
ولادته لم ينشر رضاعه حرمة بينه وبين المرأة التي أرضعته، ولا بينه
وبين زوجها صاحب اللبن، ولا بينه وبين فروعهما وأقاربهما من بنين
وبنات، وإخوان وأخوات وآباء وأمهات، وكذلك الحكم إذا رضع الطفل
بعض العدد الآنف ذكره في أثناء الحولين وأتم العدد بعد انتهاء الحولين،
فلا يكون هذا الرضاع موجبا للتحريم.
[المسألة 142:]
لا أثر للفطام قبل أن يحل وقته المحدد له في الشريعة، وهو أن يتم
للطفل حولان منذ ولادته، فإذا فطم الطفل قبل وقت فطامه، ثم عاد
فارتضع وهو في أثناء الحولين من لبن امرأة خمس عشرة رضعة كاملة
الشروط كان رضاعه موجبا للتحريم.
57

[المسألة 143:]
الحولان الكاملان اللذان جعلا في الاسلام مدة للرضاع هما أربعة
وعشرون شهرا هلاليا، والشهر الهلالي هو ما بين الهلالين، سواء كان
ناقصا أم تاما، وإذا كانت ولادة الطفل في أثناء الشهر، اعتبرت الثلاثة
والعشرون شهرا بعد الشهر الأول المنكسر أشهرا هلالية، ثم يتم من
الشهر الخامس والعشرين ما نقص من أيام الشهر الأول الذي تولد
الطفل فيه فيتم ثلاثين يوما على الأحوط بل على الأقوى.
[المسألة 144:]
إذا ارتضع الطفل من لبن امرأة العدد الكامل من الرضعات وكان
عمر الطفل المرتضع دون الحولين منذ يوم ولادته، وكان لبن المرضعة
قد تجاوزت أيامه الحولين منذ ولادتها التي يتبعها ذلك اللبن، فهل
يكون رضاع الطفل من ذلك اللبن سببا لتحريم النكاح؟ فيه اشكال،
ولا يترك الاحتياط بالاجتناب.
[المسألة 145:]
الشرط الخامس أن لا يمتزج اللبن الذي يرتضعه الطفل من ثدي
المرأة بشئ آخر يخرج به عن اسم اللبن المعروف بين الناس، فإذا
وضع في فم الطفل شئ جامد أو مائع يختلط باللبن حال امتصاصه
بحيث لا يسمى اللبن بعد امتزاجه بذلك الخليط لبنا في متفاهم أهل
العرف، أو يكون اختلاطه به موجبا للشك في تسميته عندهم لبنا، لم
يسبب ذلك الرضاع حرمة، وإذا كان الخليط لا يوجب تغيرا في مسمى
اللبن كقليل من السكر، كان رضاعه موجبا للتحريم.
[المسألة 146:]
الشرط السادس والسابع أن يكون جميع عدد الرضعات المعتبرة
من امرأة واحدة ومن لبن فحل واحد، فإذا رضع الطفل بعض الرضعات
من امرأة، ثم أتم العدد من امرأة أخرى لم يوجب ذلك تحريما وإن
كان لبن المرأتين لرجل واحد.
وكذلك إذا رضع من امرأة واحدة وكان بعض الرضعات من لبن
فحل وبقية العدد من لبن فحل آخر كما قد يتفق ذلك وسنذكره في
58

المسألة اللاحقة إن شاء الله تعالى، فلا يكون هذا الرضاع موجبا للتحريم
حتى للمرضعة نفسها.
[المسألة 147:]
إذا طلق الرجل زوجته وهي حامل منه ثم وضعت حملها كان اللبن
لذلك الزوج وإن بانت المرأة منه بالطلاق وانتهت عدتها منه بالوضع،
فإذا تزوجت بعد ذلك وحملت من زوجها الثاني فاللبن لا يزال للزوج
الأول حتى تضع، فإذا وضعت حملها من زوجها الثاني واللبن لا يزال
مستمرا، فالمعروف بين الفقهاء إن اللبن بعد الولادة يكون للزوج
الثاني.
وعلى هذا القول، فإذا أرضعت هذه المرأة طفلا أجنبيا بعض
الرضعات قبل أن تلد، وأتمت عدد رضعاته بعد الولادة كانت رضاعتها
لذلك الطفل من لبن فحلين، فلا تكون موجبة للتحريم بين الطفل
والمرضعة ولا بين الطفل والفحلين كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.
ولكن المسألة موضع تأمل ما دام اللبن مستمرا منذ ولادتها الأولى،
وخصوصا إذا كانت مدة رضاع طفلها من زوجها الأول لم تنته بعد،
لاحتمال أن يكون اللبن للفحلين معا، ولا مانع من ذلك، وعلى هذا
فيكون رضاعها للطفل الأجنبي محرما بالإضافة إلى المرأة المرضعة
وبالإضافة إلى زوجها الأول ولا يكون محرما بالإضافة إلى الزوج الثاني،
والحكم في المسألة مشكل فلا بد من الاحتياط.
وقد يتحقق نظير الفرض الآنف ذكره في المرأة إذا توفي عنها زوجها
وهي حامل منه، وإذا حملت من وطء الشبهة، فإذا وضعت حملها من
الزوج المتوفى أو من واطئ الشبهة كان لبنها يتبع ذلك النكاح فإذا
استمر لبنها حتى تزوجت بعد العدة وحملت من الزوج الثاني ثم وضعت
جرى فيها الكلام المتقدم، والحكم في الجميع سواء والاحتياط لازم في
الجميع.
[المسألة 148:]
الشرط الثامن أن يرتضع الطفل من اللبن الذي توفرت فيه الشروط
59

المتقدمة مقدارا ينبت به لحم الرضيع ويشد عظمه، أو يستمر رضاعه
بحسب الزمان يوما وليلة، أو يبلغ بحسب العدد خمس عشرة رضعة
كاملة فلا ينشر الحرمة رضاع لا يبلغ أحد هذه التقديرات الثلاثة،
وسنتعرض لتفصيلها في ما يأتي إن شاء الله تعالى.
[المسألة 149:]
التقدير الأول هو تقدير الرضاع بحسب ما يؤثره في نمو الطفل،
والميزان فيه أن يحصل العلم بأن الرضاع قد أنبت اللحم في الطفل وشد
عظمه أو يثبت ذلك بقول أهل الخبرة الموثوقين بأنه قد أوجب حصول
الأثر المذكور، ولا يشترط في هذا التقدير أن تكون كل واحدة من
الرضعات كاملة يرتوي الطفل منها حتى يصدر بنفسه أو ينام، ولا
يشترط فيه أن تكون الرضعات متوالية بأن لا يفصل ما بينها رضاع
من امرأة أخرى.
[المسألة 150:]
إذا رضع الطفل من لبن المرأة حتى علم بأن رضاعه منها قد أنبت
له اللحم في بدنه وشد العظم، أو شهد الثقاة من أهل الخبرة بذلك،
أوجب الرضاع التحريم وترتبت عليه الآثار، وإن كان بعض رضعاته
من المرأة أو جميعها ناقصا لم يرتو فيه الطفل، إلا أن مجموع الرضاع
كان كاملا ومؤثرا في نموه، ولا يضر كذلك بثبوت أحكام الرضاع له
أن تكون الرضعات غير متوالية بل كانت مفصولة برضاع الطفل من
امرأة أخرى أو بتناول بعض المأكول والمشروب، إذا حصل العلم أو
أهل الخبرة بأن الرضاع قد أوجب الأثر المذكور.
وإذا كان لهذا الخليط الذي يفصل بين الرضعات دخل في حصول
الأثر والنمو في نظر أهل الخبرة، بحيث كان نبات اللحم واشتداد العظم
في الطفل أثرا للجميع، لم ينشر الرضاع الحرمة، فإن معنى ذلك أن
الرضاع بمفرده لم يكن هو الموجب لحصول الأثر في رأي أهل الخبرة،
وكذلك إذا كان وجود الخليط موجبا للشك في ذلك عندهم.
[المسألة 151:]
الظاهر الاكتفاء بحصول أحد الأثرين المذكورين من النمو بسبب
60

الرضاع، فإذا رضع الطفل من المرأة حتى نبت لحمه بالرضاع حكم
بالتحريم وإن لم يعلم بأنه قد شد العظم أيضا، أو علم بأنه لم يشد
العظم، كما إذا كان الطفل مبتلى ببعض العوارض التي تمنع من ذلك،
وكذا إذا رضع حتى اشتد عظمه ولم يعلم أن الرضاع أنبت لحمه أم لا
وإن كان هذا الفرض نادرا.
[المسألة 152:]
التقدير الثاني للرضاع الموجب لتحريم النكاح هو تقديره بحسب
الزمان، بأن يبلغ الوقت الذي يرتضع الطفل فيه من لبن المرأة مدة
يوم وليلة، والمراد أن يرتضع الطفل من هذه المرأة كل ما احتاج إلى
الرضاع في الفترة المذكورة فلا يعتبر استيعاب جميع الوقت بالرضاع.
ويشترط في هذا التقدير أن تتوالى رضعات الطفل من المرأة المعينة
في المدة المذكورة، فلا يفصل ما بينها رضاع من امرأة أخرى وإن كان
قليلا، ولا يضر بتوالي الرضعات أن يفصل ما بينها بتناول بعض
المأكول والمشروب غير الرضاع.
ولا يشترط في هذا التقدير أن تكون كل واحدة من الرضعات في
هذه المدة كاملة يرتوي فيها الطفل من الرضاع حتى يصدر بنفسه،
بل يكفي أن يكون مجموع ما يرضعه من المرأة في المدة المذكورة كافيا
له ووافيا بحاجته إلى الغذاء في جميع الوقت بحيث لا يكون محتاجا إليه
في أثناء المدة.
[المسألة 153:]
إذا أكمل الطفل رضاع يوم وليلة من لبن امرأة على الوجه الآنف
ذكره كان رضاعه سببا للتحريم وإن كان بعض رضعاته غير كاملة كما
بيناه.
[المسألة 154:]
يكفي التلفيق في اليوم أو الليلة، فإذا بدأت المرأة في ارضاع الطفل
أثناء النهار أتمت من اليوم الثاني ما نقص من ساعات اليوم الأول،
وإذا ابتدأت في ارضاعه في أثناء الليل أتمت من الليلة الثانية ما نقص
من ساعات الليلة الأولى، وصدق بذلك أنها أرضعت الطفل يوما وليلة.
61

[المسألة 155:]
التقدير الثالث للرضاع الموجب للتحريم هو تقديره بحسب العدد:
بأن يبلغ عدد رضعات الطفل من لبن المرأة خمس عشرة رضعة،
ويشترط في هذا التقدير:
أولا: أن تكون كل واحدة من رضعات الطفل كاملة، والمراد
بكمال الرضعة أن يرتوي الطفل فيها ارتواءا تاما من اللبن، وعلامة
ارتوائه أن يكف بنفسه عن الرضاع، أو ينام بعد الرضعة اكتفاءا،
وهذا هو كمال الرضعة في نظر أهل العرف.
وثانيا: أن تكون الرضعات التي يتناولها من ثدي المرأة متوالية،
لا يفصل ما بينها رضاع من امرأة أخرى.
[المسألة 156:]
إذا ارتضع الطفل من لبن المرأة خمس عشرة رضعة كاملة متوالية
وكان الرضاع جامعا للشروط المتقدم ذكرها كان سببا لتحريم النكاح.
[المسألة 157:]
إذا كان بعض الرضعات الخمس عشرة ناقصا لا يكتفي به الطفل،
كما إذا منع عن استكمال الرضعة، أو نام مقسورا قبل أن يرتوي لم
يوجب ذلك الرضاع حرمة.
[المسألة 158:]
لا تدخل الرضعة الناقصة في العدد كما ذكرنا في ما تقدم، ولا تكون
مخلة بالتوالي بين الرضعات، فإذا أتم الطفل خمس عشرة رضعة كاملة
كان رضاعه موجبا للحرمة وإن تخلل في أثنائه بعض الرضعات الناقصة
من تلك المرأة نفسها.
[المسألة 159:]
لا يخل بوحدة الرضعة وبكمالها أن يعرض الطفل في أثنائها عن
الثدي قليلا لسبب من الأسباب، أو لينتقل من ثدي إلى آخر، فإذا عاد
إلى رضاعه حتى اكتفى كانت الرضعة واحدة وكاملة، ونتيجة لهذا،
فإذا ارتضع الطفل رضعة ناقصة أمكن إعادته إلى الرضاع قبل أن يتحقق
62

الفاصل العرفي من الزمان ما بين الرضعات، فإذا عاد وأكمل رضاعه
حتى ارتوى عدت رضعة كاملة، ودخلت في العدد.
[المسألة 160:]
إذا كانت الرضعات الخمس عشرة غير متوالية وهي أن يفصل
ما بينها رضاع من امرأة ثانية لم تنشر حرمة، وإن كان الفصل
برضعة غير كاملة على الأحوط، أو كان الرضاع الفاصل بلبن ذلك
الفحل من زوجة أخرى أو مملوكة مثلا.
[المسألة 161:]
لا يضر بالتوالي الذي اشترطناه في الرضعات أن يتناول الطفل ما
بينها بعض المأكولات أو بعض المغذيات فإذا أكمل العدد من الرضعات
نشر الحرمة.
[المسألة 162:]
يشترط في ثبوت الأخوة الرضاعية بين الطفلين إذا لم يكن أحدهما
ولدا نسبيا للمرأة المرضعة أن يكون اللبن الذي يرتضعان منه لفحل
واحد، فإذا ارتضع طفلان أحدهما أجنبي عن الآخر من ثدي امرأة
واحدة وكان رضاع أحدهما بلبن فحل ورضاع الثاني بلبن فحل آخر
لم تتحقق بين الطفلين أخوة بسبب الرضاع وإن كانت الأم المرضعة لهما
واحدة، ولا يكون أحدهما عما لولد الآخر ولا عمة ولا خالا ولا خالة،
فيجوز للذكر من أحد الجانبين أن يتزوج الأنثى من الجانب الآخر.
وإذا كان أحد الطفلين ولدا نسبيا للمرضعة تحققت الأخوة بين
الطفلين وتحققت توابعها وثبتت أحكامها وإن كان صاحب اللبن الذي
استقى منه الرضيع ليس أبا للطفل الآخر.
[المسألة 163:]
المدار في ثبوت الأخوة من الرضاع بين الطفلين أن يكون اللبن الذي
ارتضعا منه لفحل واحد كما ذكرنا، سواء كانت المرأة التي أرضعتهما
واحدة أيضا أم متعددة، فإذا كانت للرجل زوجتان، فأرضعت إحداهما
بلبن ذلك الرجل طفلا رضاعا تاما، وأرضعت الثانية بلبن الرجل أيضا
63

طفلا آخر رضاعا تاما، ثبتت الأخوة بين الرضيعين، فإذا كانت أحداهما
أنثى حرم نكاحها على الطفل الآخر لأنها أخته، وحرم نكاحها على أولاده
لأنها عمتهم، وحرم على بناتها أن يتزوجن به، لأنه خالهن، وهكذا إذا
كانت للرجل عدة زوجات أو عدة إماء ذوات لبن منه وأرضعت كل واحدة
منهن بلبنه طفلا أو طفلة أو أكثر نشأت الأخوة بين المرتضعين كلهم
لوحدة صاحب اللبن.
[المسألة 164:]
إذا كمل رضاع الرضيع من المرأة على الوجه الذي ذكرناه، وتوفرت
فيه جميع الشروط التي فصلناها كانت المرأة المرضعة أما للرضيع،
وكان الرجل صاحب اللبن أبا رضاعيا له، وكان الطفل الرضيع ابنا
لهما، فيحرم عليه أن يتزوج المرضعة إذا كان ذكرا، ويحرم على صاحب
اللبن أن يتزوجها إذا كانت أنثى.
وكان آباء المرضعة وصاحب اللبن للرضيع أجدادا وجدات، وكان
أبناؤهما له إخوانا وأخوات، سواء كان أبناء المرضعة من الرجل
صاحب اللبن أم من غيره، وسواء كان أبناء صاحب اللبن من المرضعة
أم من غيرها، ومن غير فرق في أبنائهما بين من قارنت ولادته رضاع
الرضيع في الوقت ومن تقدمت ولادته عليه أو تأخرت عنه.
وكان أحفاد المرضعة وأحفاد صاحب اللبن أبناء أخ للرضيع وأبناء
أخت.
وكان أخوة صاحب اللبن له أعماما وعمات، وكان إخوة المرضعة
أخوالا له وخالات، وكان أخوة أجداده أعماما وعمات كذلك في الدرجة
الثانية سواء كان الأجداد من قبل صاحب اللبن أم من قبل المرضعة،
وكان أخوة الجدات أخوالا له وخالات كذلك في الدرجة الثانية، سواء
كانت الجدات من قبل أبيه الرضاعي أم من قبل أمه الرضاعية كما هو
الحال في النسب على السواء.
64

وكان أبناء الرضيع أحفادا للمرضعة ولصاحب اللبن ولآبائهما
الرجال والنساء، وسواء كان الأجداد من قبل الأب أم من قبل الأم.
وكان أبناء الرضيع أبناء أخ أو أبناء أخت لأولاد المرضعة ولأولاد
صاحب اللبن ولإخوانهما وأعمامهما وأخوالهما في الدرجة الأولى أو
الثانية، فيجوز في الجميع أن ينظر بعضهم إلى بعض مع اختلاف الجنس
ويحرم النكاح كما هو الحكم في محارم النسب على السواء.
[المسألة 165:]
يحرم على الرضيع إذا تم رضاعه على الوجه الآنف ذكره نكاح جميع
أولاد صاحب اللبن من الرضاع وإن اختلفت المرضعات بينه وبينهم،
ويحرم عليه من أولاد صاحبة اللبن الرضاعيين من يتحد معه في الفحل
ولا يحرم عليه أولادها الآخرون من الرضاعة الذين يختلفون معه في
الفحل كما ذكرناه في المسألة المائة والثانية والستين وما بعدها.
ويحرم على الرضيع آباء الفحل من الرضاعة وإن علوا سواء كانوا
رجالا أم نساءا، ويحرم عليه آباء المرضعة من الرضاعة كذلك، ويحرم
عليه إخوانهما وأخواتهما من الرضاعة، وأعمامهما وعماتهما،
وأخوالهما وخالاتهما من الرضاعة كذلك.
وإذا كانت الأخوة الرضاعية في الإخوة وفي الأعمام والأخوال ناشئة
من قبل الأم المرضعة فلا تنشر الحرمة إلا مع اتحاد الفحل بين الرضيعين
على ما ذكرناه في المسألة التي أشرنا إليها فلا يكون أخو الأب الرضاعي
ولا أخو الجد عما، ولا يكون أخو المرأة المرضعة ولا أخو الجدة خالا إذا
اختلف الفحل بينهما وهما أجنبيان عن مرضعتهما.
[المسألة 166:]
يحرم على الرجل أن ينكح حليلة ابنه من الرضاع كما يحرم عليه
أن ينكح حليلة ابنه في النسب، ويحرم عليه أن يطأ المملوكة التي
وطأها ولده الرضاعي بالملك أو بالتحليل كما هو الحكم في النسب أيضا.
ويحرم على الولد أن ينكح زوجة أبيه من الرضاع والأمة التي وطأها
أبوه الرضاعي بالملك أو بالتحليل، كما يحرم عليه أن ينكح ما نكح
أبوه في النسب من النساء.
ويحرم على الرجل أن ينكح أم زوجته من الرضاع كما يحرم عليه
65

أن ينكح أم زوجته في النسب، ويحرم عليه أن يتزوج مرضعة الأمة
التي وطأها بالملك أو بالتحليل.
ويحرم على الرجل أن يتزوج ربيبته من الرضاع، وهي البنت التي
أرضعتها زوجته بلبن غيره رضاعا محرما إذا كان قد دخل بالزوجة كما
يحرم عليه أن يتزوج بنت زوجته في النسب مع الدخول بالزوجة،
وكذلك البنت الرضاعية للأمة التي وطأها بالملك أو بالتحليل ويحرم
على الرجل أن يجمع بين الأختين من الرضاعة في التزويج أو في الوطء
بالملك أو بالتحليل، كما يحرم عليه أن يجمع بين الأختين في النسب.
ولا يجوز أن يدخل المرأة على عمتها أو خالتها الرضاعيتين في التزويج
إلا بإذن العمة والخالة كما هو الحكم في العمة والخالة النسبيتين.
وإذا لاط أحد غلاما فأوقبه، حرم على الواطئ أن يتزوج أم الموطوء
من الرضاع وكذلك أخته وبنته من الرضاع كما يحرم عليه أن يتزوج
أم الموطوء وأخته وبنته في النسب.
[المسألة 167:]
لا يحل لأبي المرتضع أن يتزوج من أولاد صاحب اللبن الذي ارتضع
منه ولده أو بنته، من غير فرق بين أولاد صاحب اللبن في النسب وأولاده
من الرضاع، وسواء كن من أولاد المرضعة التي أرضعت ولده أم من
أولاد امرأة أخرى دائمة أو متمتع بها أو مملوكة، وسواء أراد التزويج
بهن دواما أم متعة فلا يحل له جميع ذلك، وإذا كانت بنات صاحب اللبن
إماءا فلا يحل له وطؤهن بملك ولا بتحليل، ويحرم عليه نكاح أحفاد
صاحب اللبن من بناته وبنات أبنائه، ويشمل التحريم من كانت زوجته
أو أمته قبل الرضاع، فإذا تم رضاع الولد، حرمت زوجة أبيه وأمته
عليه إذا كانت من ذرية صاحب اللبن من غير فرق بين أم المرتضع
وغيرها.
وبحكم أبي المرتضع في جميع ما فصلناه أجداد المرتضع لأبيه أو
لأمه، وأبوه وجده من الرضاعة، فلا يحل لأحد منهم أن ينكح في أولاد
صاحب اللبن ولا في أحفاده على المنهج المتقدم بيانه.
66

ولا يحل لأبي المرتضع ولا لجده كذلك من النسب أو من الرضاعة
أن ينكح في أولاد مرضعة الطفل إذا كانوا من النسب وأما أولادها من
الرضاعة، فتحرم عليهم منهن من أرضعتها بلبن الفحل الذي شرب منه
ولدهم المرتضع، ولا تحرم عليهم الأخريات اللاتي يختلفن معه في الفحل.
ونتيجة لما تقدم فإذا ارتضع الطفل من لبن جده لأمه رضاعا كملت
فيه شروط التحريم حرمت أم الطفل المرتضع على أبيه، سواء كانت
المرضعة له جدته أم زوجة أخرى لجده أم مملوكة موطوءة لجده بالملك
أو بالتحليل، أو موطوءة له بالشبهة.
وتحرم أم الطفل المرتضع على أبيه كذلك إذا أرضعت الطفل جدته
لأمه بلبن فحل آخر غير جده، كما إذا تزوجت بعده رجلا غيره أو وطئت
بالملك أو بالتحليل أو بالشبهة.
[المسألة 168:]
الأحوط لزوما الحاق أم المرتضع بأبي المرتضع في الأحكام المذكورة،
فلا تتزوج أم المرتضع ولا جدته في النسب ولا في الرضاع من أولاد
صاحب اللبن ولا من أحفاده نسبا ولا رضاعا، ولا من أولاد المرضعة أو
أحفادها نسبا لا رضاعا، على نهج ما تقدم بيانه في أبي المرتضع على
الأحوط في جميع ذلك.
[المسألة 169:]
لا يحرم على إخوة المرتضع أن يتزوجوا من أولاد صاحب اللبن الذي
ارتضع منه أخوهم سواء كانوا أخوته لأبيه وأمه أم لأحدهما، الذكور
منهم والإناث، ولا يحرم عليهم كذلك أن يتزوجوا من أولاد المرضعة
التي أرضعت أخاهم، بل يجوز لبعض أخوته الذكور أن يتزوج مرضعة
أخيه إذا فارقها زوجها، ويجوز لصاحب اللبن أن يتزوج بعض أخوات
المرتضع.
[المسألة 170:]
إذا تم الرضاع على الوجه تقدم بيانه وتوفرت فيه الشروط
المعتبرة في تحريم النكاح منع من وقوع النكاح بعده إذا كان الرضاع
67

سابقا عليه، وأبطل النكاح إذا كان لاحقا له من غير فرق بين أن يكون
سبب النكاح عقدا أو ملكا أو تحليلا، فإذا كانت للرجل زوجة في
الحولين من عمرها، فأرضعتها أمه أو جدته أو أخته أو بنته، أو أرضعت
بلبن أخيه أو أبيه مثلا حرمت تلك المرتضعة عليه وبطل عقدها السابق
ولم يفتقر في فراقها إلى طلاق أو فسخ.
[المسألة 171:]
إذا أرضعت زوجة الرجل الكبيرة زوجة له صغيرة في الحولين من
عمرها رضاعا تام انفسخ نكاح الزوجتين معا، وحرم عليه نكاح
الكبيرة منهما، وإذا كان رضاع الزوجة الصغيرة بلبنه حرم عليه نكاحها
لأنها بنته وإذا كان رضاعها بلبن غيره وكانت الزوجة الكبيرة مدخولا بها
حرمت عليه الصغيرة أيضا لأنها ربيبته من زوجته المدخول بها، وإذا
كان رضاع الصغيرة بلبن غيره وكانت زوجته الكبيرة غير مدخول بها لم
يحرم عليه نكاح الصغيرة، فيجوز له أن يجدد العقد عليها إذا شاء.
وكذلك الحكم إذا أرضعت أمته الكبيرة زوجته الصغيرة، فيحرم
عليه نكاح الأمة لأنها أم زوجته، وتحرم عليه زوجته الصغيرة إذا كان
الرضاع بلبنه، وتحرم عليه أيضا إذا كان الرضاع بلبن غيره وكانت
الأمة المرضعة مدخولا بها، وإذا كان رضاع الصغيرة بلبن غيره وكانت
الأمة الرضعة غير مدخول بها لم يحرم عليه نكاح الصغيرة
[المسألة 172:]
إذا أرضعت زوجة الرجل الكبيرة أمة له صغيرة في الحولين من عمرها،
لم تحرم الزوجة المرضعة على الرجل، وحرم عليه نكاح الأمة الصغيرة
إذا كان رضاعها بلبنه أو كان رضاعها بلبن غيره وكانت الزوجة المرضعة
لها مدخولا بها، ولا تحرم الأمة المرتضعة عليه إذا كان الرضاع بلبن
غيره وكانت الزوجة المرضعة غير مدخول بها، فإذا هو استمر على نكاح
المرضعة ودخل بها حرمت المرتضعة الصغيرة عليه.
[المسألة 173:]
إذا أرضعت أمة الرجل الكبيرة الموطوءة له بالملك أمته الصغيرة،
حرم عليه نكاح الأمة الصغيرة ولم يحرم عليه نكاح الكبيرة، وإذا كانت
68

الأمة الكبيرة غير موطوءة له في حال الرضاع لم تحرم عليه كلتاهما،
فإذا دخل بإحداهما حرمت عليه الثانية منهما.
[المسألة 174:]
إذا كانت للرجل زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة في الحولين من
عمرها فأرضعتها إحدى زوجتيه الكبيرتين رضاعا تام الشرائط انفسخ
نكاح كل من الزوجة المرضعة والزوجة الصغيرة، وحرم عليه نكاح
الزوجة الكبيرة المرضعة لأنها أصبحت أم زوجته، فإذا أرضعتها الزوجة
الكبيرة الثانية بعد ذلك لم تحرم عليه الكبيرة الثانية ولم ينفسخ نكاحها.
وإذا كان رضاع الزوجة الصغيرة بلبن الزوج نفسه، ولو من إحدى
المرضعتين حرم عليه نكاحها لأنها تكون بنته، وكذلك إذا كان رضاعها
من كلتا الزوجتين بلبن غير الزوج، وكان قد دخل بالزوجتين أو
بإحداهما فيحرم عليه نكاحها فإنها ربيبته من زوجة مدخول بها.
ولا تحرم عليه الصغيرة إذا كان رضاعها من الزوجتين بلبن غير
الزوج مع عدم الدخول بهما معا، فيجوز له أن يجدد العقد على الصغيرة
إذا شاء، ومتى جدد العقد عليها حرمت عليه المرضعة الثانية بعد العقد
فإنها تصبح أم زوجته، وكذلك إذا كانت له أمتان كبيرتان وزوجة
صغيرة فأرضعت الأمتان زوجته فتجري الفروض المتقدمة وتترتب
أحكامها.
[المسألة 175:]
إذا كانت للرجل زوجتان كبيرتان وأمة صغيرة، فأرضعت الزوجتان
الأمة، لم تحرم على الرجل زوجتاه، وحرم عليه نكاح الأمة إذا كان
رضاعها بلبنه، أو كان الرضاع بلبن غيره مع الدخول بإحدى الزوجتين
المرضعتين، ولا تحرم عليه الأمة إذا كان الرضاع بلبن غيره ولم يدخل
بكلتا الزوجتين.
وإذا هو استبقى نكاح الزوجتين حتى وطأهما أو وطأ إحداهما
حرمت عليه الأمة وكذلك إذا أبقى نكاح واحدة منهما حتى وطأها
فتحرم عليه الأمة، وإذا هو لم يدخل بالزوجتين واستبقى ملك الأمة
69

حتى كبرت فوطأها بالملك حرمت عليه الزوجتان معا.
[إيضاح]
المدار في التحريم بسبب الرضاع أن يتحقق به أحد العناوين الخاصة
التي حكم الشارع فيها بالتحريم إذا كانت من النسب، كعنوان الأم
والبنت والأخت وسائر محرمات النسب، وكعنوان أم الزوجة وحليلة
الابن ومنكوحة الأب وباقي محرمات المصاهرة، فتحرم الأم والبنت
والأخت كذلك إذا كانت من الرضاع، وتحرم الأم الرضاعية للزوجة،
وحليلة الابن الرضاعي ومنكوحة الأب الرضاعي، كما حرم ذلك في
النسب.
وإذا لم يتحقق أحد هذه العناوين الخاصة المحكومة بالتحريم في
النسب لم تثبت الحرمة بالرضاع وإن استلزم ذلك استلزاما، وسنذكر
له بعض الأمثلة في ما يأتي، فالقول بعموم المنزلة ضعيف.
[المسألة 176:]
يجوز للمرأة أن ترضع أخاها، ولا تحرم برضاعه على زوجها، وإن
أصبحت أختا لولده من الرضاعة، فإن أخت الولد لا تحرم في الشريعة
على الرجل إلا إذا كان بنتا، أو ربيبة قد دخل بأمها.
ويجوز للمرأة أن ترضع ابن أخيها، ولا تحرم بذلك على زوجها،
وإن أصبحت بعد الرضاع عمة ولده من الرضاعة فإن عمة الولد إنما
تكون محرمة على الرجل إذا كانت أختا له من النسب أو الرضاع.
ويجوز للمرأة أن ترضع ابن أختها، ولا تحرم بالرضاع على زوجها
وإن كانت خالة ولده فإن خالة الولد لا تكون محرمة إلا إذا جمع بينها
وبين أختها وهي زوجته.
ويجوز للمرأة أن ترضع ابن ابنها، ولا يضر بزوجيتها لصاحب
اللبن أنها تكون جدة لولده من الرضاعة، فإن جدة الولد إنما تحرم
على الرجل لأنها أم للأب أو أم للزوجة.
ويجوز للمرأة أن ترضع أخا زوجها أو أخته، ولا يحرمها على الزوج
أنها أصبحت بالرضاع أما لأخيه أو أخته فإن أم الأخ والأخت المحرمة
70

في الاسلام، إنما هي الأم أو زوجة الأب ويجوز للمرأة أن ترضع ابن
ابن زوجها ولا يحرمها على الزوج إنها أصبحت أما لولد ولده فإن أم
الحفيد المحرمة في الاسلام إنما هي البنت أو حليلة الابن.
ويجوز لها أن ترضع عم زوجها وخاله ولا يضر بالنكاح أنها تكون
بعد الرضاع أما لعم زوجها أو خاله، فإن أم العم وأم الخال المحرمتين
في الاسلام إنما هما الجدة من قبل الأب أو من قبل الأم أو زوجة أحد
الجدين. إلى كثير من هذه النظائر والفروض التي قال فيها بعضهم
بالتحريم لعموم المنزلة، والأصح إن الرضاع لا يكون سببا لتحريم
النكاح في جميع ذلك.
[المسألة 177:]
إذا علم بتحقق الرضاع، وعلم بتوفر جميع الشروط المعتبرة فيه
ثبت التحريم المؤبد في النكاح بين الرجل والمرأة وأصبحت المرأة من
محارم الرجل وترتبت جميع أحكام ذلك وآثاره، وتترتب جميع أحكامه
وآثاره كذلك إذا شهد بثبوته وتحقق شروطه شاهدان عادلان من الرجال
أو أربع شاهدات عادلات من النساء، ولا تكفي شهادة الأربع إذا كانت
المرضعة إحداهن.
[السبب الثالث من أسباب التحريم المؤبد في النكاح: المصاهرة وتوابعها]
[المسألة 178:]
المصاهرة علاقة تحدث بسبب الزوجية بين أحد الزوجين وأقرباء
الزوج الآخر، وهي قد توجب التحريم عينا، وقد توجب التحريم جمعا،
وقد لا توجب شيئا، لعدم قابلية المورد للتحريم كما في العلاقة بين
الزوج وأبي الزوجة وأخيها.
وأما العلاقة التي تحدث بسبب وطء بالملك أو بالتحليل،
وبسبب الوطء للشبهة، والزنا واللواط بين الواطئ وأقرباء الموطوء
وبالعكس، فهي ليست من المصاهرة، وإن شاركتها في بعض الأحكام
كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
71

[المسألة 179:]
إذا عقد للرجل عقد النكاح على امرأة حرمت المعقودة على ولده تحريما
مؤبدا سواء دخل بها الأب أم لم يدخل، وسواء كان عقد النكاح عليها
دائما أم مؤقتا، وسواء كان الولد للنسب أم للرضاع، وسواء كان ولده بلا
واسطة أم بواسطة واحدة أم أكثر، وسواء كانت الوسائط ذكورا أم
إناثا، وتحرم كذلك معقودة الابن على أبيه تحريما مؤبدا في جميع
ما ذكرناه من الفروض.
[المسألة 180:]
إذا ملك الرجل أمة ووطأها بالملك أو لمسها بشهوة أو نظر إليها
كذلك حرمت على ولده تحريما مؤبدا فلا يحل له وطؤها بالملك ولا
بالتحليل ولا بالتزويج ولا يحل له غير ذلك من التقبيل واللمس والنظر
بشهوة، وكذلك الحكم في الأمة التي حللها مالكها للرجل فوطأها أو
لمسها بشهوة أو نظر إليها كذلك فإنها تحرم على ولده تحريما مؤبدا
في كل ما تقدم.
ولا تحرم على الولد مملوكة أبيه ولا الأمة المحللة له إذا لم يدخل
بهما الأب ولم يلمسهما أو ينظر إليهما بشهوة.
وتحرم على الأب مملوكة ابنه والأمة المحللة له إذا دخل بهما الولد
أو نظر إليهما أو لمسهما بشهوة كما تقدم، ولا تحرمان على الأب إذا
لم يوجد الشرط المذكور.
وتجري الأحكام المذكورة في كل من الابن والأب النسبيين والرضاعيين،
وسواء كانا بلا واسطة أم مع الواسطة ذكورا وإناثا.
[المسألة 181:]
إذا عقد للرجل على امرأة صغيرة أو كبيرة حرم عليه الزواج بأم
زوجته سواء كانت أمها بلا واسطة أم بواسطة واحدة أم أكثر وسواء
كانت الوسائط متفقة في الذكورة والأنوثة أم مختلفة وسواء كانت
أمها نسبا أم رضاعا، وسواء كان زواجه بالمرأة دائما أم موقتا،
وسواء دخل بالزوجة أم لم يدخل بها.
72

وتحرم على الزوج بنت زوجته في جميع الفروض التي ذكرناها،
إذا كان الرجل قد دخل بالزوجة، ولم دبرا، ولا تحرم عليه بنت زوجته
إذا لم يدخل بأمها، فإذا فارق الزوجة بموت أو بطلاق أو بفسخ ولم
يكن دخل بها جاز له أن يتزوج بنتها.
ولا فرق في بنت الزوجة في أحكامها المذكورة بين البنت الموجودة في
حال الزواج بأمها والمولودة بعد ذلك، فإذا طلق المرأة أو فسخها
وتزوجت بغيره وولدت منه جرت في بنتها الأحكام المتقدمة.
وإذا وطأ الرجل أمة بالملك أو بالتحليل حرمت عليه أمها وبنتها
كذلك نسبا ورضاعا مع الواسطة وبدونها.
[المسألة 182:]
يكفي في تحريم بنت الزوجة على الرجل أن يدخل بأمها قبلا أو دبرا،
ولو بالحشفة، وإن كان مكرها على ذلك منها أو من غيرها، ولا يكفي
في تحريم البنت عليه أن يداعب الزوجة الأم أو يتفخذها أو ينزل على
فرجها من غير دخول، وإن حملت منه بسبب ذلك.
[المسألة 183:]
إذا وطأ الرجل امرأة بالشبهة، فالأحوط لزوما أن لا يتزوج الواطئ
بعد الوطء أم المرأة الموطوءة ولا إحدى جداتها وإن علت، وأن لا يتزوج
بنتها ولا بنت ولدها أو بنت بنتها وإن تعددت الواسطة بينهما،
والأحوط لزوما كذلك حرمة نكاح المرأة الموطوءة بالشبهة على أبي
الواطئ وجده وإن علا، وعلى ولده وإن نزل، وهذا كله إذا كان
الوطء بالشبهة سابقا على التزويج بالنساء المذكورات أو الرجال
المذكورين.
ولا تثبت الرحمة في الجميع إذا كان التزويج والدخول سابقا، ثم
حدث الوطء بالشبهة للمرأة بعد ذلك، فلا تحرم الزوجة المدخول بها
إذا وطأ الرجل بنتها شبهة بعد ذلك أو وطأ أمها شبهة كذلك، ولا تحرم
الزوجة المدخول بها على زوجها إذا وطأها أبوه أو ولده شبهة بعد ذلك.
وإذا حدث وطء الشبهة بعد العقد في الفروض المذكورة وقبل الدخول
73

بالمرأة المعقودة فلا يترك الاحتياط بالاجتناب في جميع الفروض في
هذه الحالة.
[المسألة 184:]
تجري الأحكام المذكورة كلها في وطء الشبهة إذا تحقق حدوثه سواء
كان قبلا أم دبرا فتجري الفروض والتفصيلات المتقدمة وتنطبق
أحكامها.
[المسألة 185:]
يجري في الزنا جميع ما ذكرناه في وطء الشبهة، فإذا زنى الرجل
بامرأة حرم الزواج بالمرأة المزني بها على الأحوط لزوما على أبي
الرجل الزاني وعلى جده وإن علا، وعلى ولده وإن نزل إذا كان زنى
الرجل بالمرأة سابقا على زواج المذكورين بها، وحرم على الزاني على
الأحوط كذلك أن يتزوج بأم المرأة التي زنى بها وبابنتها إذا كان
الزنا سابقا على العقد كما تقدم أيضا، ولا يحرم النكاح في الجميع
إذا حدث الزنا بعد العقد والدخول فلا تحرم على الرجل زوجته المدخول
بها إذا زنى بها أبوه أو ولده بعد العقد والدخول، ولا تحرم عليه
الزوجة المدخول بها إذا زنى هو بعد ذلك بأمها أو ببنتها، وإذا كان
الزنا في الفروض المذكورة طارئا بعد العقد وقبل الدخول بالمعقودة فلا
يترك الاحتياط بالاجتناب كما هو الحكم في وطء الشبهة من غير فرق
بين أن يكون الزنا بالمرأة قبلا أو دبرا.
[المسألة 186:]
الأقوى أن لمس الرجل للمرأة الأجنبية بشهوة لا يوجب تحريما،
وكذلك نظره إليها بشهوة، فلا تحرم المرأة المنظورة أو الملموسة بشهوة
على أبي الناظر واللامس أن يتزوجها ولا على ابنه، ولا يحرم على الناظر
أو اللامس بشهوة أن يتزوج أم المنظور إليها أو الملموسة ولابنتها،
سواء كان النظر واللمس سابقا على العقد أم لاحقا له وإن كان اللمس
والنظر إلى أعضاء خفية.
ويستثنى من ذلك ما قدمنا ذكره في المسألة المائة والثمانين في الأمة
المملوكة للأب والأمة المملوكة للولد فتحرم الأمة المملوكة للأب على
74

الولد أن يتزوجها أو يطأها بالملك أو بالتحليل إذا كان الأب قد نظر
إليها أو لمسها بشهوة وإن لم يطأها وتحرم الأمة المملوكة للولد على أبيه
أن يتزوجها أو يطأها بالملك أو بالتحليل إذا كان الولد قد نظر إليها
أو لمسها بشهوة وإن لم يطأها، وكذلك الأمة المحللة لأحدهما إذا نظرها
أو لمسها بشهوة وإن لم يطأها تكون محرمة على الآخر منهما حتى اللمس
للوجه والكفين إذا كان بمثل الشم والتقبيل من أنواع الاستمتاع فتحرم
المملوكة والمحللة به على الآخر.
ولا تثبت الحرمة إذا كان النظر واللمس إليها بغير شهوة وإن كان
لغير الوجه والكفين، كما إذا نظرها أو لمسها للعلاج من بعض الأمراض،
فلا تحرم به على الآخر، وإذا نظر الأب أو الولد إلى الأمة لا بقصد
التلذذ أو الشهوة فحصل ذلك من غير قصد فالأحوط الاجتناب.
[المسألة 187:]
لا يجوز للرجل أن يتزوج ابنة الأخ وهو متزوج بعمتها، أو يتزوج
ابنة الأخت وهو متزوج بخالتها إلا بإذن العمة أو الخالة الموجودة عنده
من غير فرق بين أن تكون العمة أو الخالة زوجة له بالعقد الدائم أو
العقد المنقطع، وأن يتزوج ابنة الأخ أو ابنة الأخت عليها بالعقد
الدائم أو المنقطع، وسواء كان قد دخل بالعمة والخالة أم لم يدخل بها،
وسواء كانت الداخلة والمدخول عليها كبيرتين أم صغيرتين أم مختلفتين،
وسواء علمت العمة أو الخالة بذلك في حال العقد أم لم تعلم، بل وإن
لم تطلعا على تزويج ابنة الأخ أو ابنة الأخت أبدا، أو كانتا في بلد
آخر.
فلا يصح العقد على ابنة الأخ إلا مع إذن العمة ولا يصح عقد ابنة
الأخت إلا مع إذن الخالة في جميع الحالات المذكورة، وإذا تزوج البنت
من غير إذن منهما كانت صحة عقد البنت موقوفة على إجازتهما فإذا
أجازت العمة عقد ابنة أخيها صح وإلا بطل، وكذلك الخالة مع ابنة
أختها.
[المسألة 188:]
إذا تزوج الرجل العمة وهي صغيرة فعقدها له وليها، ثم أراد أن
75

يتزوج ابنة أخيها، أشكل الأمر في عقدها، فإن العمة غير قابلة للإذن
لصغرها، ولا يكفي إذن ولي العمة في عقد ابنة الأخ، ولذلك فالأحوط
ترك العقد على ابنة الأخ في هذه الصورة حتى تكبر العمة وترشد،
وكذلك الحال إذا تزوج الخالة وهي صغيرة وأراد أن يتزوج ابنة أختها،
فالأحوط ترك العقد عليها للسبب المذكور حتى تكبر الخالة وترشد.
[المسألة 189:]
يجوز للشخص أن يتزوج العمة وهو متزوج قبلها بابنة أخيها،
ولا يشترط في صحة العقد أن تأذن العمة بزواجها على ابنة أخيها، أو
تجيز العقد بعد وقوعه، سواء كانت عالمة بذلك أم جاهلة، ولا يثبت
لها خيار في عقدها ولا في عقد ابنة أخيها، ويجوز له أن يتزوج الخالة
وهو متزوج قبلها بابنة أختها، ولا يعتبر إذن الخالة في صحة العقد
وإن كانت جاهلة بأنها تدخل على ابنة أختها، ولا خيار لها في العقدين.
[المسألة 190:]
يجري الحكم الآنف ذكره في العمة القريبة وهي أخت الأب، وفي عمة
الأب وهي أخت الجد، وعمة الأم وهي أخت الجد للأم، وفي سائر طبقات
العمات التي ذكرناها في مبحث النسب في المسألة المائة والتاسعة
والعشرين ويجري الحكم في الخالة القريبة وهي أخت الأم، وفي خالة
الأب وخالة الأم وفي جميع طبقات الخالات الدانية منها والعالية، ويجري
الحكم في العمة والخالة للنسب وللرضاع.
[المسألة 191:]
لا يكفي الرضا القلبي بالعقد من العمة أو الخالة على الأحوط حتى
تظهر ذلك بالإذن في العقد قولا أو فعلا.
[المسألة 192:]
إذا أذنت العمة أو الخالة فعقد على البنت ثم رجعت العمة أو الخالة
عن إذنها لم يبطل الإذن وصح العقد ونفذ، وإذا أذنت بالعقد ثم رجعت
عن أذنها قبل أن يحصل العقد بطل الإذن، فإذا عقدت البنت كانت
صحة العقد موقوفة على إجازة العمة أو الخالة فإن أجازت صح وإلا بطل.
76

[المسألة 193:]
اعتبار إذن العمة أو الخالة في صحة عقد ابنة أخيها أو ابنة أختها
إنما هو حكم شرعي وليس حقا من حقوق العمة أو الخالة، ولذلك فلا
يسقط باسقاطهما، حتى إذا اشترط الاسقاط عليهما في ضمن عقدهما
أو في عقد لازم آخر.
[المسألة 194:]
إذا اشترط الرجل على العمة في عقد النكاح بينهما أن تأذن له بالزواج
من ابنة أخيها، وجب عليها أن تفي له بالشرط وكذلك الخالة، فإذا
هي لم تأذن به كانت عاصية آثمة، ولم يصح عقد البنت، وإذا أجبرها
هو أو أجبرها الحاكم الشرعي على الإذن عملا بالشرط فأذنت لم يكف
ذلك في صحة العقد، لأن الإذن مع الجبر لا يكون كاشفا عن الرضا.
[المسألة 195:]
إذا تزوج الرجل العمة وابنة أخيها، أو تزوج الخالة وابنة أختها،
وشك بعد ذلك في أن السابق أي العقدين، فالظاهر صحة العقدين،
إلا إذا علم بأنه كان في غفلة عن ذلك في حال العقد فيكون الحكم بالصحة
مشكلا ولا بد فيه من مراعاة الاحتياط.
وكذلك الحكم إذا تزوج ابنة الأخ وكانت عنده عمتها، أو تزوج
ابنة الأخت وكان متزوجا قبلها بخالتها، وشك بعد ذلك في أن تزوجه
كان بإذن العمة أو الخالة فيصح أم كان بغير إذن فلا يصح، فالظاهر
الصحة، إلا إذا علم بغفلته عن ذلك في حال العقد فيشكل الحكم بالصحة
ولا بد من الاحتياط.
[المسألة 196:]
إذا كانت للرجل زوجة كبيرة ولها أخت مرضعة، ثم عقد له زوجة
صغيرة في الحولين من عمرها فأرضعت أخت زوجته الكبيرة تلك الطفلة
رضاعا تاما، لم يضر ذلك بنكاح زوجته الصغيرة ولم تتوقف صحته على
إجازة زوجته الكبيرة لعقدها من حيث أن الصغيرة بنت أختها
من الرضاع.
77

وكذلك إذا أرضعت الصغيرة بلبن أخي الزوجة الكبيرة من زوجته
أو مملوكته، فلا تكون صحة نكاح الصغيرة متوقفة على إجازة الكبيرة
لأنها أصبحت بنت أخيها من الرضاع.
[المسألة 197:]
إذا كانت عند الرجل جارية قد وطأها بملك اليمين أو بالتحليل من
مالكها، ثم أراد أن يطأ ابنة أخيها أو ابنة أختها بالملك أو بالتحليل
أو بالزواج، جاز له ذلك ولم تتوقف صحة الوطء على إذن العمة أو
الخالة، وكذلك إذا كانت له زوجة ثم أراد وطء بنت أختها أو بنت
أخيها بالملك أو بالتحليل من مالكها.
[المسألة 198:]
المطلقة الرجعية بحكم الزوجة، فإذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا
وأراد أن يتزوج ابنة أخيها أو ابنة أختها، فلا يجوز أن يتزوجهما
إلا بإذن زوجته المطلقة ما دامت في العدة منه.
وإذا طلق زوجته طلاقا بائنا جاز له العقد على ابنه أخيها وابنة
أختها من حين الطلاق، ولا يتوقف على الإذن، حتى إذا كانت مباراة
أو مختلعة، فإذا عقد على البنت صح العقد وجاز له الدخول، ولا يبطل
العقد إذا رجعت عمتها أو خالتها بالبذل وإن انقلب الطلاق رجعيا،
فإذا أراد الرجل الرجوع بالمرأة بعد رجوعها بالبذل فالأحوط له أن
يستأذنها في عقد البنت، وإذا لم يكن الرجل قد عقد على البنت حتى
رجعت عمتها أو خالتها بالبذل، فالأحوط إن لم يكن هو الأقوى لزوم
الاستئذان منها.
[المسألة 199:]
لا يجوز للرجل أن يجمع في الزواج بين الأختين في النسب ولا بين
الأختين من الرضاع، بل وإن كانتا أختين من الزنا، بأن كانتا بنتين
لزان واحد أو لزانية واحدة أو لزان وزانية، وسواء كانت كلتاهما
للزنا أو كانت إحداهما من النسب، فلا يجوز له أن يجمع بينهما في
نكاح دائم ولا في نكاح منقطع ولا يتزوج إحداهما دواما والأخرى متعة،
وإذا تزوج إحداهما ثم تزوج الثانية بعدها بطل العقد اللاحق منهما
78

سواء دخل بالأولى أم لم يدخل.
[المسألة 200:]
إذا تزوج الأختين بصيغة واحدة، تخير أي الأختين أرادها فأمسك
بعقدها وخلى سبيل الأخرى منهما، كما دلت عليه صحيحة جميل، ولا
موجب لحمل هذه الصحيحة على ما يخالف ظاهرها، كما عليه أكثر
المتأخرين على ما قيل، وإذا تزوج الأختين بعقدين مقترنين في وقت
واحد، فلا يترك الاحتياط بأن يطلق واحدة منهما يعينها ويجدد العقد
على الثانية، أو يطلقهما معا ثم يعقد على من يختارها، وإذا كان قد
دخل بالمرأة التي طلقها منهما، لم يجز له أن يعقد على الأخرى حتى
تخرج تلك من عدتها، وكذلك الحال إذا شك في سبق أحد العقدين
على الآخر واقترانهما في زمان واحد، فلا يترك الاحتياط بذلك.
[المسألة 201:]
إذا تزوج إحدى الأختين، ثم تزوج بالثانية بعدها بطل العقد الثاني
كما تقدم، ولم يحرم عليه وطء زوجته الأولى، وإن دخل بالثانية،
وإذا دخل بالثانية وهو جاهل بأنها أخت زوجتها بحيث كان وطوءها شبهة
فالأحوط له أن لا يطأ الأولى حتى تخرج أختها من عدة وطء الشبهة،
وكذلك إذا دخل بالثانية وهو يعتقد مخطئا جواز ذلك فيكون الوطء
شبهة وإن كان آثما بفعله، فالأحوط له ترك وطء الأولى في مدة العدة،
وفي لزوم الاحتياط تأمل في كلا الفرضين بل الظاهر عدم لزومه.
[المسألة 202:]
يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين الأمتين في ملك اليمين إذا كان
لا يطأهما معا، ولا يستمتع بهما بما دون الوطء من الاستمتاعات،
ولا يحل له أن يجمع بينهما في الملك والوطء معا، والأحوط له أن لا
يجمع بينهما في الملك لهما مع وطء إحداهما والاستمتاع بالأخرى بما
دون الوطء، أو مع الاستمتاع بكلتيهما بما دون الوطء.
[المسألة 203:]
إذا تزوج الرجل إحدى الأختين بالنكاح الدائم أو المؤقت، ثم ملك
79

الأخت الثانية لم يجوز له وطء الجارية المملوكة إلا بعد أن يطلق أختها،
وبعد أن تخرج عن عدته إذا كان طلاقها رجعيا، ولا فرق في الحكم
المذكور بين أن يكون قد دخل بالزوجة أم لم يدخل، وإذا وطأ الأخت
المملوكة من غير أن يطلق أختها عصى وأثم بفعله ووجب تعزيره ولم
تحرم عليه زوجته بذلك سواء كان قد دخل بها قبل ذلك أم لم يدخل.
[المسألة 204:]
إذا وطأ الرجل جاريته بملك اليمين ثم تزوج بأختها بعد وطء الأولى
لم تحرم المملوكة عليه بزواج أختها وحرم عليه الاستمتاع بالزوجة،
وفي بطلان تزويجها اشكال، فلا يترك الاحتياط بطلاق الزوجة.
[المسألة 205:]
إذا جمع الرجل بين الأمتين الأختين في ملكه، ووطأ إحداهما لم يجز
له أن يطأ أختها حتى تموت الأولى أو يخرجها عن ملكه ببيع أو هبة أو
غيرهما من المملكات، والأحوط أن يكون لازما لا خيار فيه، ولا يكفي
في حل الجارية الثانية أن يزوج الأولى لغيره أو يرهنها أو يكاتبها وهي
في ملكه.
وإذا وطأ الجارية الثانية بعد أن وطأ الأولى منهما وهو يعلم بأنهما
أختان وإن الحكم في الأختين هو حرمة الجمع بينهما حرمتا عليه معا،
ويحل له وطء الثانية منهما في هذه الصورة إذا أخرج الأولى عن ملكه،
وأما الأولى فلا تحل له حتى يخرج الثانية عن ملكه بشرط أن لا يقصد
بذلك الرجوع إلى الأولى، فإذا هو أخرج الثانية عن ملكه بقصد أن
يرجع إلى وطء الأولى لم تحل له الأولى بذلك.
وإذا وطأ الجارية الثانية بعد أن وطأ الأولى وهو يجهل أنهما أختان
أو يجهل إن الحكم هو حرمة الجمع بينهما لم تحرم عليه الأولى بذلك.
[المسألة 206:]
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، لم يجز له أن يتزوج أختها
ما دامت أختها المطلقة في العدة، وإذا طلقها طلاقا بائنا، أو فارقها
بفسخ ونحوه جاز له أن يتزوج أختها بعد الفراق وإن كانت في العدة،
80

وإذا بذلت الزوجة للرجل فطلقها خلعا أو مباراة ثم تزوج أختها لم
يصح للزوجة أن ترجع ببذلها.
[المسألة 207:]
إذا تزوج الرجل امرأة بالعقد المنقطع ودخل بها ثم فارقها لم يجز
له أن يتزوج أختها وهي في العدة منه وإن كانت بائنة منه، سواء
كانت العدة بعد انتهاء مدة النكاح أم بعد هبة المدة.
[المسألة 208:]
الأقوى جواز الجمع بين الفاطميتين على كراهة، سواء كان الرجل
فاطميا أم لا، ولا كراهة في الجمع بين امرأتين تنتسبان إلى فاطمة (ع)
بالأم.
[المسألة 209:]
لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج أمة بالنكاح الدائم ولا بالنكاح
المنقطع على الأقوى إلا مع وجود شرطين.
الأول: عدم الطول، والمقصود به أن لا تكون للرجل استطاعة
مالية لدفع مهر الحرة.
الشرط الثاني: خشية العنت في ترك التزويج، والعنت هو المشقة
الشديدة، وخشية العنت هي الخوف من وطأة ذلك بما يجلبه على النفس
من ضغط وكبت وبما قد تتبعه من آثار ومحاذير شرعية أو عرفية،
ولا تختص محاذيره بخوف الوقوع في الزنا أو المحرمات الأخرى، فقد
تكون المحاذير أمراضا بدنية أو نفسانية لا تتحمل عادة أو ارتباكات
فكرية تجر إلى ما لا يسعد أو لا يحمد.
وإذا اجتمع الشرطان الآنف ذكرهما للرجل الحر، جاز له أن يتزوج
بالأمة دواما وأن يتزوج بها متعة ويجوز للرجل الحر أن يطأ الإماء
بملك اليمين وبالتحليل من مالكهن، ولا يعتبر في جواز ذلك وجود
الشرطين المذكورين.
وإذا تزوج الحر أمة مملوكة مع عدم وجود الشرطين المذكورين،
فالظاهر بطلان تزويجه، وإن كان الأحوط استحبابا له أن يطلق الأمة
81

إذا كان النكاح دائما، وأن يهبها المدة إذا كان الزواج منقطعا، وإذا
اجتمع له الشرطان فتزوج الأمة، ثم زال الشرطان بعد ذلك كلاهما
أو زال أحدهما لم يبطل عقده للأمة ولم يجب عليه طلاقها.
[المسألة 210:]
لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج بالأمة عند وجود الشرطين المتقدم
ذكرهما إذا كان من المستطاع له أن يسد حاجته الجنسية ويدفع خشية
العنت بالوطء بملك اليمين أو بالتحليل.
[المسألة 211:]
لا يجوز للرجل الحر أو العبد أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذن الحرة
بزواج الأمة عليها، وإذا كان الزوج حرا فلا بد مع إذن الحرة من وجود
الشرطين الآنف ذكرهما في المسألة المائتين والتاسعة.
وإذا عقد الرجل على الأمة بغير إذن الحرة كانت صحة عقد الأمة
موقوفة على إجازة الحرة ورضاها بالعقد، فإذا أجازته صح ونفذ وإذا
لم تجزه كان باطلا، سواء كان نكاح الحرة دائما أم مؤقتا، وسواء
كان نكاح الأمة كذلك دائما أم مؤقتا، وسواء كانت الحرة قابلة للوطء
أم غير قابلة له، لمرض أو قرن أو رتق أو غيرها فلا يصح عقد الأمة
إلا بإذنها في جميع الحالات، وحتى إذا كانت الحرة مطلقة رجعية وهي
لا تزال في عدتها.
[المسألة 212:]
يجوز للرجل أن يتزوج حرة على أمة، سواء كانت الحرة تعلم بأنها
تتزوج على أمة أم تجهل ذلك وإذا كانت تجهل ذلك ثم علمت به بعد العقد
كان لها الخيار في أن تفسخ عقد نفسها أو تبقيه ولا خيار لها في عقد
الأمة، ويجوز للزوج أن يخفي الأمر عليها ولا يخبرها به.
[المسألة 213:]
إذا تزوج الرجل أمه على حرة ولم يستأذنها، وماتت الحرة قبل أن
تجيز عقد الأمة لم يصح عقد الأمة بموت الحرة، فإذا أراد الزوج بقاء
نكاحها فلا بد له من تجديد العقد عليها، وإذا أراد فراقها احتاط
82

بطلاقها، وكذلك الحكم إذا طلق الحرة طلاقا بائنا قبل أن تجيز عقد
الأمة، أو انقضى أجلها في عقد المتعة، أو وهبها المدة، وأما المطلقة
الرجعية فهي بحكم الزوجة فلا بد من إذنها إذا كانت في العدة كما تقدم،
وإذا انقضت عدة المطلقة الرجعية ولم تجز عقد الأمة جرى الحكم المتقدم
في المطلقة البائن.
[المسألة 214:]
إذا كانت عند الرجل الحر زوجة حرة لا يتمكن من مقاربتها لأنها غائبة
أو لأنها مريضة أو لوجود ما يمنع الجماع من رتق أو قرن أو غيرهما
من الموانع، فإذا خشي الرجل العنت لذلك ولم يجد الطول أن يدفع مهر
حرة غيرها جاز له أن يتزوج أمة، ولا بد من إذن الحرة الموجودة عنده
مع الامكان.
[المسألة 215:]
إذا أذنت الزوجة الحرة لزوجها في أن يتزوج الأمة عليها، فعقد على
الأمة صح العقد، فإذا رجعت الحرة عن إذنها بعد ذلك لم يبطل العقد
ولم يؤثر رجوعها شيئا، وإذا هي رجعت عن الإذن قبل أن يجري العقد
على الأمة بطل الإذن السابق ولم يصح العقد حتى تأذن به قبل وقوعه
أو تجيزه بعد أن يقع.
[المسألة 216:]
لا يصح للرجل أن يتزوج امرأة ذات عدة من رجل غيره، لا زواجا
دائما ولا منقطعا، ولا فرق بين أن تكون عدة المرأة عدة طلاق رجعي
أو طلاق بائن أو عدة وفاة أو عدة وطء شبهة.
فإذا عقد على المرأة في أيام عدتها وكان الرجل والمرأة يعلمان معا
بأنها ذات عدة، ويعلمان بأن الزواج بذات العدة محرم في الاسلام بطل
نكاحهما وحرمت المرأة على الرجل تحريما مؤبدا، وكذلك الحكم إذا
كان الرجل وحده أو كانت المرأة وحدها تعلم بالأمرين كليهما، سواء
دخل الرجل بالمرأة المعتدة بعد العقد أم لم يدخل بها في الفروض
الثلاثة كلها.
83

وإذا عقد عليها في أيام عدتها وهما معا يجهلان بأن المرأة صاحبة
عدة، أو يجهلان الحكم عليهما بالتحريم، فإن دخل بالمرأة بعد العقد
عليها حرمت عليه كذلك تحريما مؤبدا، سواء كان الدخول قبلا أم
دبرا، وإن لم يدخل بها لم تحرم عليه، فيجوز له أن يجدد العقد عليها
بعد انقضاء العدة.
[المسألة 217:]
إذا عقد الرجل على المرأة وهي في العدة، وكان الرجل والمرأة كلاهما
يجهلان بأنها صاحبة عدة، أو يجهلان بأن الحكم في ذات العدة حرمة الزواج
بها ثم دخل بالمرأة بعد انقضاء العدة، فالظاهر أن المرأة لا تحرم على
الرجل بذلك، ولكن لا يترك الاحتياط، وكذلك الحكم إذا علم الرجل
بأنه عقد على المرأة في عدتها، وشك في أنه دخل بها أم لم يدخل فلا
تحرم المرأة عليه إذا كانا جاهلين بالحكم أو الموضوع فإذا أراد التزويج
جدد العقد بعد العدة في كلتا المسألتين.
[المسألة 218:]
إذا عقد للرجل وكيله أو وليه على امرأة ذات عدة، وكان الرجل
المعقود له لا يعلم بحالها لم تحرم المرأة عليه بذلك، وإن كان الوكيل
أو الولي العاقد يعلم بأنها صاحبة عدة يحرم زواجها، فلا تحرم المرأة
المعقودة على الرجل إلا إذا دخل بها بعد العقد أو تكون المرأة عالمة
بعدتها وتحريمها فتحرم كما تقدم.
وإذا عقد له وكيله عليها وكان المعقود له يعلم بحال المرأة وبأن
التزويج بها محرم، حرمت عليه وإن كان وكيله أو وليه العاقد يجهل
ذلك.
[المسألة 219:]
إذا وطأ الرجل امرأة صاحبة عدة وطء شبهة من غير عقد لم يحرم
عليه التزويج بها بعد انقضاء عدتها، وكذلك إذا زنا بها في أيام
عدتها، فلا تحرم عليه بذلك حرمة مؤبدة، ويستثنى من ذلك ما إذا
كانت عدتها من طلاق رجعي، فإن المطلقة الرجعية ذات بعل فإذا زنا
بها حرمت عليه مؤبدا، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
84

[المسألة 220:]
إذا شك الرجل في المرأة أنها ذات عدة أم لا، بنى على عدم ذلك وجاز
له أن يتزوج بها ولم يجب عليه أن يفحص عن أمرها، وإذا كانت في
عدة وأخبرت بانقضاء عدتها صدقها إذا كانت غير متهمة.
[المسألة 221:]
إذا تيقن الرجل بأنه قد عقد على فلانة في أيام عدتها وكانا معا
جاهلين بالعدة أو بالتحريم وشك في أنه هل دخل بها في العدة فتكون
محرمة عليه أم لم يدخل بها فلا تحرم، بنى على عدم الدخول بها، فلا
تكون محرمة.
[المسألة 222:]
إذا مات زوج المرأة لم تدخل المرأة في العدة إلى أن يبلغها خبر وفاته،
فالمدة التي تقع بين وفاة الرجل وبلوغ الخبر لزوجته لا تكون من
العدة، ولا تكون المرأة فيها ذات بعل ولا ذات عدة، ولا يصح العقد
عليها لأحد في تلك المدة، وإذا عقد عليها رجل في هذه المدة فالظاهر
أن هذا العقد لا يوجب تحريم المرأة عليه إذا كان عالما بالوفاة، وإذا
أراد الزواج بها فلا بد من تجديد العقد عليها بعد انقضاء العدة، وإن
كان الأحوط استحبابا اجتناب التزويج بها.
[المسألة 223:]
يجوز للرجل أو يتزوج المرأة وهي ذات عدة منه بنفسه، فإذا طلق
زوجته طلاق خلع أو مباراة فاعتدت منه، جاز له أن يتزوجها في أثناء
عدتها، ولا يجب عليه التربص إلى نهاية العدة، وإذا وطأ امرأة خلية
من الزوج وطء شبهة فاعتدت منه، جاز له أن يعقد عليها عقدا دائما
أو منقطعا قبل أن تنقضي عدتها منه، وإذا تزوج امرأة بالمتعة وانتهى
أجلها، جاز له أن يتزوجها زواجا دائما أو يعقد عليها بالمتعة مرة
أخرى في أثناء عدتها من زواجها الأول، ولا يجب عليه الصبر حتى
تنتهي العدة.
85

ويستثنى من ذلك مطلقة الانسان الرجعية فإنها بمنزلة الزوجة له،
فلا يجوز له أن يعقد عليها،، فإنه من عقد الزوج على زوجته وهو باطل،
ويستثنى من ذلك ما إذا كانت لديه زوجة بالعقد الدائم، ورغب ورغبت
هي معه في أن يكون زواجهما بالعقد المنقطع، فإذا طلقها طلاقا رجعيا،
لم يصح له أن يعقد عليها بالعقد المنقطع حتى تنقضي جميع عدتها،
وإذا طلقها طلاقا بائنا، جاز له ذلك لأنها ليست بزوجة، ويستثنى
من ذلك مطلقته بالطلاق الثالث فلا يجوز له نكاحها حتى تنكح زوجا
غيره، ومطلقته بالطلاق التاسع إذا كان للعدة فإنها تحرم عليه مؤبدا
وسيأتي بيانه.
[المسألة 224:]
إذا عقد الرجل على امرأة ذات بعل، وهما معا يعلمان بأنها ذات
بعل، حرمت المرأة على الرجل حرمة مؤبدة، سواء دخل الرجل بالمرأة
بعد العقد عليها أم لم يدخل، وكذلك الحكم إذا كان الرجل خاصة أو
المرأة خاصة تعلم بأنها ذات بعل، فلا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة
بعد أن يفارقها بعلها في جميع الفروض الثلاثة.
وإذا عقد عليها وهما يجهلان بأن المرأة ذات بعل، فإن دخل بها بعد
العقد عليها قبلا أو دبرا حرم عليه نكاحها كذلك تحريما مؤبدا، وإن
لم يدخل بها بعد العقد لم تحرم، ولا فرق بين أن تكون المرأة حرة أو
أمة، وسواء كان تزويجها الأول بالبعل وتزويجها الثاني بالرجل
الآخر متعة أم دائما أم مختلفين.
[المسألة 225:]
لا يحرم على الرجل أن يتزوج بالمرأة الزانية إذا لم تكن ذات بعل
أو ذات عدة، والأحوط لزوما أن يكون الزواج بها إذا أراد ذلك بعد
أن يستبرئ رحمها من ماء الزنا بحيضة، حتى إذا كان الزوج هو
الزاني.
[المسألة 226:]
لا يترك الاحتياط بعدم التزويج بالمرأة المشهورة بالزنا، من غير
فرق بين الزاني بها وغيره إلا بعد ظهور توبتها، وقد ذكر في النصوص
أن ذلك يعرف بأن تدعى إلى الزنا فإذا امتنعت عن ذلك ظهرت توبتها.
86

[المسألة 227:]
لا تحرم المرأة على زوجها إذا زنت وهي في حباله، وإن أصرت على
فعلها، إلا إذا أصبحت مشهورة بالزنا، فيجري فيها الاحتياط الذي
قدمناه في المسألة السابقة.
[المسألة 228:]
إذا زنى الرجل بامرأة ذات بعمل، حرمت المرأة على الرجل الزاني
حرمة مؤبدة، فإذا فارقها بعلها بموت أو طلاق أو فسخ لم يجز لذلك
الرجل أن يتزوجها أو يطأها بملك أو بتحليل إذا كانت أمة، ولا فرق
في ثبوت هذا الحكم وعمومه بين أن يكون الرجل الزاني يعلم بأنها
ذات بعل وأن يجهل ذلك ولا بين أن تكون المرأة حرة وأن تكون أمة،
ولا بين أن تكون مسلمة وكافرة، وأن تكون زوجة دائمة لبعلها
ومنقطعة، ومدخولا بها وغيرها، وسواء كان بعلها صغيرا أو كبيرا،
حتى إذا كان طفلا عقد المرأة له وليه، وحتى إذا كانت زوجة كافر
وقد زنى بها مسلم، وحتى إذا كانت المرأة مشتبهة أو مكرهة وكان
الرجل هو الزاني خاصة، وحتى إذا خادعها فأجرى عليها صورة العقد
فتحرم عليه حرمة مؤبدة في جميع الصور.
[المسألة 229:]
إذا زنى الرجل بامرأة ذات عدة من طلاق رجعي حرمت على الزاني
حرمة مؤبدة، ولا يعم الحكم بالتحريم من زنى بذات العدة من طلاق
بائن أو من فسخ أو من وطء شبهة أو من وفاة، فإذا زنى بواحدة
منهن لم يحرم عليه أن يتزوج بها بعد انقضاء العدة.
[المسألة 230:]
إذا لاط الفاعل بذكر فأوقبه ولو ببعض الحشفة على الأحوط،
حرم على الفاعل تحريما مؤبدا أن يتزوج بأم الموطوء وبجدته وإن
علت، وببنته ولو بالواسطة وإن تعددت، وأخته، وهذا إذا كان
الواطئ كبيرا سواء كان الموطوء صغيرا أم كبيرا، ويعم الحكم بالتحريم
أم الموطوء وبنته وأخته من الرضاع فيحرم نكاحهن جميعا على الواطئ
إذا سبق اللواط على العقد، ولا يحرم النكاح على الواطئ إذا سبق
87

العقد على إحداهن والدخول بها على اللواط، وإذا حصل اللواط بعد
العقد وقبل الدخول بالمعقودة، فالأحوط لزوم الاجتناب.
ولا تحرم على الموطوء أم الواطئ ولا بنته ولا أخته ولا محارمه
الأخرى لا من النسب ولا من الرضاع.
[المسألة 231:]
إذا شك في حصول الايقاب بهذا الفعل الفاحش بنى على عدم حصوله،
فلا تحرم المذكورات على الواطئ.
[السبب الرابع من أسباب التحريم في التزويج
استيفاء عدد الزوجات، واستيفاء عدد الطلقات]
[المسألة 232:]
لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج من النساء بالعقد الدائم أكثر من
أربع حرائر، ولا أكثر من اثنتين من الإماء، وإذا تزوج بالعقد الدائم
أمتين، جاز له أن ينكح معهما حرتين بالعقد الدائم أيضا، فنصاب
الحر من النساء في العقد الدائم أربع، أما أربع حرائر، وأما ثلاث
حرائر وأمة واحدة، وأما حرتان وأمتان، ولا يجوز له أن يتزوج
ثلاث إماء وحرة، فقد ذكرنا أنه لا يباح للحر أن يتزوج أكثر من
أمتين.
ويجب على الحر أن يراعي ما ذكرناه في المسألة المائتين والتاسعة،
فلا يجوز له الزواج بالأمة إلا مع تحقق الشرطين المذكورين في تلك
المسألة، ولا يباح له أن يتزوج أمه على حرة إلا بإذن الحرة، فزواج
الحر بحرتين وأمتين أو بأمة وثلاث حرائر إنما يصح له مع وجود
الشروط المشار إليها.
[المسألة 233:]
لا يجوز للعبد المملوك أن يتزوج بالعقد الدائم من النساء أكثر من
أربع إماء، ولا أكثر من حرتين، والحرتان هما تمام نصاب العبد من
النساء في العقد الدائم فلا يجوز له أن يزيد عليهما حرة ولا أمة فإن
88

الحرة للعبد بمنزلة أمتين، ويجوز له أن يتزوج حرة واحدة وأمتين،
ولا يحل له أن يتزوج حرتين وأمة أو أكثر، أو يتزوج حرة وثلاث إماء.
[المسألة 234:]
ليس للحر ولا للعبد في العقد المنقطع ولا في الوطء بملك اليمين أو
بالتحليل نصاب محدد من النساء، فيجوز له أن يتزوج بالمتعة وأن
ينكح بملك اليمين وبالتحليل أي عدد شاء، بل يجوز ذلك وإن كان عند
الحر أربع حرائر بالعقد الدائم وعند العبد أربع إماء فلهما أن يزيدا
على ذلك بالمتعة وبملك اليمين ما يريدان.
[المسألة 235:]
إذا طلق الرجل الحر إحدى زوجاته الأربع طلاقا رجعيا، فلا يحل
له أن يتزوج امرأة أخرى بالعقد الدائم ما دامت مطلقته في العدة حتى
تخرج منها، وكذلك إذا طلق إحداهن طلاقا بائنا على الأحوط، إن
لم يكن ذلك هو الأقوى، وإذا ماتت زوجته الرابعة أو فارقها بفسخ
أو بطلاق لا عدة فيه، كما إذا كانت يائسة أو غير مدخول بها، جاز
له أن يتزوج امرأة أخرى بعد فراق زوجته من غير انتظار، وكذلك
الحكم في العبد المملوك.
[المسألة 236:]
إذا طلق الرجل زوجته الحرة، ثم رجع بها في العدة أو تزوجها بعد
انتهاء العدة بعقد جديد ثم طلقها مرة ثانية، ورجع بها في العدة بعد
الطلاق الثاني أو تزوجها ثالثا بعد انتهاء العدة بعقد جديد ثم طلقها
مرة ثالثة، حرم عليه أن يتزوجها أو يرجع بها بعد ذلك حتى تنكح
زوجا غيره على ما سيأتي من الشروط.
وكذلك الحكم إذا طلق الحرة قبل أن يدخل بها ثم عقد عليها،
وطلقها مرة ثانية قبل أن يدخل بها ثم تزوجها ثالثا، وطلقها مرة
ثالثة، أو كانت بعض الطلقات قبل الدخول بالمرأة وبعضها بعد الدخول،
فإنه لا يحل للمطلق نكاحها بعد الطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره،
ولا فرق في الحكم بين أن يكون الزوج الأول المطلق، أو الثاني المحلل
حرا أو عبدا مملوكا أو مبعضا.
89

[المسألة 237:]
يشترط في الزوج الثاني المحلل للمرأة المطلقة ثلاثا أن يكون زواجه
بها زواجا دائما، فلا تحل المرأة لزوجها الأول إذا تزوجها الثاني زواجا
منقطعا، ويشترط كذلك أن يدخل الزوج الثاني بها قبلا فلا تحل
المرأة للزوج الأول إذا وطأها الثاني في غير القبل أو وطأها ولم ينزل
ولذلك يشترط أن يكون بالغا.
[المسألة 238:]
إذا طلق الرجل زوجته الحرة طلاقا للعدة تسع مرات، يتزوجها بينها
رجل غيره مرة بعد التطليقة الثالثة ومرة ثانية بعد التطليقة السادسة،
حرمت الزوجة عليه بعد التطليقة التاسعة حرمة مؤبدة.
[المسألة 239:]
تفصيل الطلاق المذكور الذي يستتبع الحرمة المؤبدة بين الرجل والمرأة
إذا وقع بينهما هو أن يطلق الرجل زوجته الحرة بعد أن يدخل بها
طلاقا رجعيا كامل الشرائط، ثم يرجع بالمرأة وهي في العدة، ويدخل
بها بعد رجوعه بنكاحها، ثم يطلقها مرة ثانية طلاقا تام الشرائط كما
تقدم، ثم يرجع بها في العدة، ويواقعها بعد الرجوع، ثم يطلقها مرة
ثالثة طلاقا جامعا للشروط، وتتربص المرأة بعد الطلاق الثالث حتى
تخرج من عدته، ثم تنكح بعد انتهاء العدة منه زوجا غير الزوج الأول،
على الشروط التي بيناها في المسألة المائتين والسابعة والثلاثين، فإذا
فارقها الزوج الثاني بموت أو طلاق، وتزوجها زوجها الأول بعد أن
تنتهي عدتها من الثاني، فيصنع زوجها الأول معها كما صنع في المرة
السابقة، فيدخل بها بعد التزويج، ويطلقها بعد الدخول وبعد أن
تحيض بعد الدخول وتطهر من الحيض، ثم يرجع بها في العدة، ويطلقها
بعد أن يدخل بها ثم تحيض وتطهر، وهكذا حتى المرة السادسة، فإذا
تربصت بعد الطلاق السادس حتى خرجت من عدته، نكحت زوجا غيره
على المنهج الذي تقدم بيانه، ثم فارقها الزوج الآخر بعد الدخول بها
فإذا انتهت عدتها من فراق هذا الزوج، يتزوجها الأول ويصنع معها
كما صنع في المرتين السابقتين، فيطلقها بعد أن يدخل بها وبعد أن
90

تحيض من بعد الدخول وتطهر من الحيض، ويرجع بها بعد الطلاق،
ويطلقها بعد الدخول في طهر غير طهر المواقعة فإذا استكملت المرأة تسع
تطليقات على الوصف المذكور حرمت على زوجها المطلق حرمة مؤبدة.
[المسألة 240:]
إذا تزوج الرجل أمة مملوكة بالعقد الدائم سواء كان الرجل حرا
أم عبدا أم مبعضا، ثم طلقها ثم رجع بها أو تزوجها بعد العدة بعقد
جديد ثم طلقها مرة ثانية، حرمت على الرجل المطلق حتى تنكح زوجا
غيره حرا أو عبدا أو مبعضا، فإذا نكحت الزوج الثاني على ما ذكرنا
في طلاق الحرة، وفارقها هذا الزوج وانقضت أيام عدته حلت لزوجها
الأول فإذا تزوجها وطلقها مرتين بعد الرجوع بينهما حرمت عليه حتى
تنكح زوجا غيره، فإذا نكحها الزوج الأول بعد أن تفارق الثاني وتعتد
منه، ثم طلقها مرتين على التفصيل الذي مر في طلاق الحرة، حرمت
على الزوج المطلق تحريما مؤبدا على القول المشهور إذا كان الطلاق
للعدة كذلك، ولكن الحكم فيها مشكل فلا يترك الاحتياط.
[السبب الخامس من أسباب التحريم المؤبد في النكاح
اختلاف الدين بين الزوجين]
[المسألة 241:]
لا يصح للمرأة المسلمة أن تتزوج رجلا كافرا كتابيا ولا غير كتابي،
لا زواجا دائما ولا موقتا، ولا يصح لها أن تتزوج مرتدا عن الاسلام
فطريا ولا مليا، وسنذكر في ما يأتي حكم الزوجة إذا ارتد الرجل عن
الاسلام بعد زواجه بها.
ولا يصح للرجل المسلم أن ينكح امرأة كافرة غير كتابية، ولا مرتدة
عن الاسلام وإن انتسبت في ارتدادها إلى دين كتابي لا زواجا دائما
ولا منقطعا، ولا بملك يمين، ويجوز للمسلم أن يتزوج امرأة كتابية،
يهودية أو مسيحية، زواجا دائما، ومنقطعا، على كراهة في النكاح
الدائم بل وفي المنقطع أيضا، وتتأكد الكراهة في نكاحها إذا كان الرجل
غير مضطر إليه وإذا كانت له زوجة مسلمة.
91

ويجوز للمسلم أن ينكح أمة كتابية بملك اليمين وبالتحليل من
مالكها، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة مجوسية نكاحا دائما على
الأقوى ولا نكاحا منقطعا على الأحوط، فلا تلحق باليهودية والمسيحية
في جواز التزويج بهما وإن كان المجوس من الكتابيين على الظاهر،
ويجوز نكاح المجوسية إذا كانت أمة بملك اليمين.
وأما الصابئون فيجري فيهم حكم الكفار غير الكتابيين، فلا يجوز
للمرأة المسلمة أن تتزوج رجلا صابئيا، ولا يجوز للرجل المسلم أن
ينكح امرأة صابئية نكاحا دائما ولا نكاح متعة ولا يحل له أن يطأها
بملك اليمين إذا كانت أمة.
[المسألة 242:]
إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين عن دينه قبل أن يدخل الزوج بالمرأة
حكم على نكاحهما بالبطلان حين حصول الارتداد، سواء كان المرتد منهما
هو الزوجة أم الزوجة، وسواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة،
وينفسخ نكاحهما كذلك إذا هما ارتدا معا في وقت واحد، وإذا كانت
المرتدة هي الزوجة سقط مهرها.
[المسألة 243:]
إذا ارتد الزوج عن الاسلام بعد أن دخل بالزوجة وكان ارتداده
عن فطرة بطل النكاح بينه وبين الزوجة من حين ارتداده، واعتدت
المرأة منه عدة وفاة، ووجب عليه أن يدفع إليها مهرها المسمى لها في
العقد إذا لم يكن قد دفعه إليها، وهذا إذا كانت تسمية المهر في العقد
صحيحة، وإذا كانت التسمية فاسدة وجب عليه أن يدفع إليها مهر
مثلها، وإذا كان قد عقدها ولم يسم لها في العقد شيئا وجب عليه أن
يدفع إليها المتعة، وسيأتي بيانها في فصل المهر إن شاء الله تعالى.
[المسألة 244:]
إذا ارتد الزوج عن الاسلام بعد أن دخل بالزوجة وكان ارتداده
عن ملة، أو ارتدت الزوجة عن الاسلام بعد دخول الزوج بها سواء
كان ارتدادها عن ملة أم عن فطرة، فالقول المشهور بين الفقهاء في كلا
الفرضين المذكورين أن النكاح بينهما لا ينفسخ حتى تنقضي العدة،
92

فإذا رجع المرتد منهما إلى الاسلام وتاب قبل أن تنقضي العدة، فالنكاح
باق، وإذا لم يتب المرتد حتى انقضت العدة بطل نكاحهما، ولكن
الاحتياط في ذلك لا يترك، فإذا رجع المرتد إلى الاسلام في أثناء العدة،
وأراد الزوجان بقاء النكاح جددا العقد بينهما، وإذا أرادا الفراق،
أوقع الزوج أو وكيله صيغة الطلاق، ولا يتزوج الرجل المسلم أخت
الزوجة المرتدة ولا بخامسة ما لم يطلقها أو ينفسخ النكاح بينهما
بانقضاء العدة وعدم رجوعها إلى الاسلام، ويلزمه مهرها على ما مر
ذكره، وإن كانت هي المرتدة، ويجب على المرأة أن تعتد من الرجل
المرتد عدة الوفاة إذا كان ارتداده عن فطرة، وتعتد منه عدة الطلاق
إذا كان ارتداده عن ملة.
[المسألة 245:]
المرتد الفطري هو الذي يخرج عن دين الاسلام وقد انعقدت نطفته
وأبواه كلاهما مسلمان أو انعقدت وأحدهما مسلم وولد على الاسلام
وأقام عليه إلى أن خرج عنه بعد البلوغ، والمرتد الملي هو الذي يخرج
عن الاسلام وقد انعقدت نطفته وأبواه كافران، وهو يشمل من حكم
باسلامه تبعا لاسلام أبويه في صغره ثم ارتد بعد ذلك ويشمل من دخل
في الاسلام مميزا أو مراهقا أو كبيرا ثم ارتد.
[المسألة 246:]
إذا أسلم الكافر وله زوجة يهودية أو مسيحية وبقيت هي على دينها،
استمرت الزوجية بينهما ولم تنفسخ سواء كان الرجل قد دخل بالزوجة
قبل اسلامه أم لم يدخل، وسواء كان قبل اسلامه كتابيا أم مشركا أم
ملحدا، وكذلك إذا أسلم وله أكثر من زوجة من اليهود أو النصارى فلا
ينفسخ نكاحهن إذا بقين على دينهن وسيأتي حكم ما يزيد منهن على أربع،
ويأتي حكم الزوجة المجوسية إذا أسلم عنها الزوج وبقيت على دينها.
[المسألة 247:]
إذا أسلم الرجل الكافر وله زوجة مشركة أو ملحدة أو على دين آخر
من الكفار غير الكتابيين، وبقيت زوجته على دينها، فإن أسلم الرجل
قبل أن يدخل بالزوجة المذكورة بطل النكاح بينهما بمجرد دخوله في
93

الاسلام، وإن كان اسلامه بعد دخوله بالزوجة، فرق ما بينهما، ثم
انتظر فإن أسلمت الزوجة بعده وقبل أن تنتهي عدتها منه، ثبتت
الزوجية بينهما بنكاحهما الأول ولم تفتقر إلى تجديد عقد، وإن بقيت
الزوجة على دينها ولم تسلم حتى انقضت العدة كان ذلك كاشفا عن
بطلان النكاح بينهما من حين اسلام الزوج، وكذلك الحكم في الزوجات
المتعددة إذا لم يزدن على أربع، والعدة الملحوظة في المسألة هي عدة
الطلاق، ومبدأها من حين اسلام الزوج.
وكذلك الحكم في الزوجة أو الزوجات من المجوس إذا أسلم الزوج
قبل أن يدخل بهن أو بعد ما دخل وبقين على دينهن على الأحوط إن لم
يكن ذلك هو الأقوى.
[المسألة 248:]
إذا أسلمت المرأة الكافرة وبقي زوجها على كفره، وكان اسلامها
قبل أن يدخل الزوج بها بطل النكاح بينهما بمجرد دخول المرأة في
الاسلام، ولا مهر لها على الزوج، ولا فرق في الحكم بين أن يكون الزوج
كتابيا أو مشركا أو ملحدا أو غير ذلك من أصناف الكفار، وسواء
كانت المرأة قبل اسلامها كتابية أم غير كتابية.
وإذا أسلمت وكان اسلامها بعد دخول الزوج بها، فرق ما بينهما
واعتدت من الزوج عدة الطلاق فإن أسلم الرجل قبل أن تنتهي العدة
ثبتت الزوجية ما بينهما من حين اسلام الزوجة، وإن لم يسلم الزوج
حتى انقضت عدة الزوجة منه حكم بأنها بائنة من حين اسلامها،
ويثبت لها المهر عليه في كلتا الصورتين.
[المسألة 249:]
إذا أسلم الرجل الكافر وعنده أكثر من أربع زوجات كافرات، فإن
أسلمن معه كلهن تخير منهن أربعا، فإذا اختارهن ثبتت له زوجيتهن
وانفسخ عقد الباقي، من غير فرق بين من دخل بها منهن وغيرها،
وكذلك إذا لم تسلم الزوجات معه وكان جميعهن يهوديات أو مسيحيات،
أو أسلم بعضهن معه وبقي بعضهن على دينهن وكان البعض الذي بقي
منهن على دينه من اليهود أو النصارى، فيختار الزوج منهن أربعا ممن
94

أسلم معه وممن لم يسلم أو من هؤلاء وهؤلاء فيثبت له نكاح الأربع التي
اختارها وينفسخ عقد الباقي من غير فرق بين من دخل بها منهن ومن
لم يدخل.
[المسألة 250:]
إذا أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع زوجات كافرات غير كتابيات
أو مجوسيات ولم يسلمن معه، بطل نكاح كل امرأة منهن لم يدخل بها
قبل أن يسلم، واعتدت الأخريات التي دخل بهن عدة الطلاق، وانتظر
بهن، فمن أسلمت منهن قبل أن تنقضي العدة بقيت على زواجه ولم
تنفسخ، ومن لم تسلم بعده حتى انقضت عدتها بطل نكاحها، فإذا
كانت المسلمات منهن في العدة أكثر من أربع تخير منهن أربعا فأمسك
بهن وانفسخ نكاح ما زاد على الأربع.
[المسألة 251:]
إذا أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع زوجات، واختلفن في الحالات
الآنف ذكرها، والتي تختلف أحكام المرأة باختلافها، فقد كان الرجل
دخل ببعضهن قبل أن يسلم، وقد أسلم بعضهن معه أو أسلم في العدة،
وبقي بعضهن على دينه، واختلفت الباقيات في الدين فبعضهن كتابي
وبعضهن غير كتابي، ثبت لكل واحدة منهن حكمها الخاص كما قدمناه
فتثبت زوجية من حكمها ثبوت الزوجية، وينفسخ نكاح من يكون حكمها
الانفساخ فإذا زادت اللاتي تثبت زوجيتهن على أربع تخير منهن أربعا
وانفسخ عقد الباقي.
[السبب السادس من أسباب تحريم النكاح
التزويج حال الاحرام]
[المسألة 252:]
لا يجوز للرجل المحرم أن يجري عقد النكاح لنفسه، ولا لغيره بالوكالة
عنه أو الولاية عليه ولا فضولا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى،
سواء كان الشخص المعقود له محرما أيضا أم محلا، وسواء كانت المرأة
المعقودة محرمة أم محلة، ولا يجوز العقد للرجل المحرم ولا للصبي
95

المحرم ولا على المرأة أو الصبية المحرمتين وإن كان الوكيل أو الولي
العاقد محلا، وإذا أوقع عقد النكاح في جميع الصور المذكورة كان
العقد باطلا سواء كان النكاح الذي أوقعه دائما أم منقطعا.
[المسألة 253:]
إذا تزوج الرجل المحرم وهو يعلم بحرمة التزويج في حال الاحرام،
حرمت عليه المرأة المعقودة، تحريما مؤبدا سواء كانت محرمة في حال
عقدها عليه أم محلة، وسواء دخل بها أم لم يدخل، وسواء كانت كبيرة
أم صغيرة، حتى الطفلة إذا عقدها له وليها، وسواء كان العاقد له
محرما أم محلا، فتحرم عليه الزوجة في جميع الصور المذكورة، وإذا
عقدها لنفسه أو عقدت له في حال احرامه وهو جاهل بحرمة ذلك عليه
لم تحرم المرأة عليه سواء دخل بها أم لم يدخل، فيجوز له أن يجدد
العقد عليها بعد أن يحل من احرامه إذا أراد الزواج بها.
[المسألة 254:]
يحرم عقد المرأة في حال احرامها وإن كان الزوج محلا وكان العاقد
محلا أيضا، فيبطل العقد بذلك كما ذكرنا، وإذا عقدت المرأة المحرمة
وهي عالمة بحرمة التزويج في حال الاحرام، فالأحوط لزوما إنها تحرم
على الزوج المعقود له تحريما مؤبدا بل لا يخلو من قوة وإن كان الزوج
محلا أو كان جاهلا بالحرمة، ولا تحرم عليه إذا كانت جاهلة بالحكم
كما هو الحكم في الزوج.
[المسألة 255:]
تثبت جميع الأحكام الآنف ذكرها مع انعقاد الاحرام سواء كان لحج
أم لعمرة واجبين أم مندوبين، وسواء كان الحج أو العمرة للمحرم
نفسه أم بالنيابة عن غيره، وسواء كان عقد النكاح لنفسه أم لغيره.
[المسألة 256:]
إذا تزوج الرجل المحرم امرأة بعقد باطل، فالأقوى عدم تحريم
المرأة عليه وكذلك إذا تزوجت المرأة رجلا في حال احرامها وكان العقد
باطلا، فلا تحرم على الرجل بذلك العقد، ولكن الاحتياط لا ينبغي
تركه، ويتأكد في ما إذا كان الرجل والمرأة جاهلين ببطلان العقد حين
ايقاعه، ولكنه غير لازم المراعاة على أي حال.
96

[المسألة 257:]
إذا تزوج الرجل في حال احرامه ثم استبان له فساد احرامه من أصله
لم يبطل العقد ولم يثبت التحريم بينه وبين المرأة المعقودة، وكذلك
إذا تزوجت المرأة رجلا في حال احرامها ثم تبين لها بطلان احرامها،
فلا تحرم على الرجل ولا يبطل عقدهما.
وليس من ذلك ما إذا كان الاحرام صحيحا فأفسده المحرم عامدا،
ثم أجرى بعد ذلك عقد النكاح، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب في هذه
الصورة.
[المسألة 258:]
إذا غفل الرجل عن كونه محرما أو نسي ذلك فأجرى لنفسه عقد
الزواج على امرأة في حال احرامه وهو يعلم بحرمة ذلك على المحرم،
بطل العقد، والأحوط له اجتناب التزويج بتلك المرأة أبدا، وكذلك
المرأة المحرمة إذا غفلت عن احرامها أو نسيته وزوجت نفسها من رجل
وهي تعلم بحرمة ذلك على المحرم فالأحوط لها اجتناب التزويج بذلك
الرجل.
[المسألة 259:]
يجوز للرجل المحرم أن يرجع بزوجته المطلقة في عدتها الرجعية،
وأن يرجع بزوجته المختلعة والمباراة إذا هما رجعتا ببذلهما، ويجوز
له أن يملك الإماء، ولا يمنعه الاحرام من ذلك.
[المسألة 260:]
يجوز للرجل المحرم أن يوكل أحدا محلا في أن يزوجه بعد أن يحل
من احرامه، ويجوز له أن يوكل محرما في أن يزوجه بعد أن يحل الموكل
والوكيل من احرامهما، ويصح للمرأة المحرمة أن توكل في تزويجها
كذلك في الصورتين.
[المسألة 261:]
إذا عقد الفضولي وهو محرم بطل عقده وإن كان الرجل المعقود له
أو المرأة المعقود عليها محلين غير محرمين، فلا يكون عقده قابلا للإجازة،
97

وإذا عقد لمحرم وهو محل لم يكن للمحرم أن يجيزه في حال احرامه،
والأحوط لزوما عدم إجازته حتى بعد الاحلال.
[المسألة 262:]
لا يبطل زواج الرجل إذا وطأ زوجته في حال احرامه وإن كان عالما
بأنه محرم وبأن الوطء محرم عليه في حال احرامه، ولا يبطل عقد المرأة
إذا وطأها الزوج وهي محرمة وتعلم بالاحرام وبحكمه، ويرجع إلى
فصل كفارات الاحرام من كتاب الحج لمعرفة الأحكام والآثار التي تلزم
الزوجين بسبب ذلك.
[السبب السابع من أسباب تحريم النكاح
اللعان بين الزوج والمرأة]
[المسألة 263:]
إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، وادعى أنه شاهد ذلك، ولم تكن
له بينة شرعية تثبت مدعاه، وكانت الزوجة دائمة ومدخولا بها، وغير
مشهورة بالزنا، ولم تكن خرساء، وجبت على الزوجين الملاعنة بحضور
الحاكم الشرعي وسيأتي تفصيل الملاعنة في كتاب اللعان (إن شاء الله
تعالى)، فإذا تم التلاعن بينهما، سقط عن الرجل حد القذف، ودرئ
عن المرأة حد الزنا وحرمت المرأة على الرجل تحريما مؤبدا.
[المسألة 264:]
إذا قذف الرجل زوجته بالزنا وهي خرساء لا تستطيع النطق لتقابله
في شهادات الملاعنة، سقطت الملاعنة بينهما وحرمت المرأة على الرجل
كذلك تحريما مؤبدا.
[المسألة 265:]
إذا علم الرجل بأن الولد الذي ولدته زوجته ليس منه وجب عليه
أن ينفي الولد عن نفسه، ولم يجز له استلحاقه به، فإذا كان الولد
ممن يلحق به النسب بحسب موازين النسب الشرعية الظاهرية،
افتقر الرجل في نفي الولد عنه إلى ملاعنة الزوجة، وهذا هو السبب
الثاني من أسباب اللعان بين الزوجين.
98

[المسألة 266:]
إذا تم اللعان بينهما فإن كانت دعوى الرجل تشتمل على قذف المرأة
بالزنا ونفي الولد عنه، ولاعن المرأة على كل من الأمرين، سقط
بذلك حد القذف عنه، وسقط حد الزنا عن المرأة، وانتفى الولد عن
الرجل، فلا قربى بينهما ولا نسب ولا توارث، وحرمت المرأة على
الرجل تحريما مؤبدا.
وإن كانت دعوى الرجل هي نفي الولد فحسب، ولا تشتمل على قذف
المرأة بالزنا، وتم اللعان بينهما على ذلك انتفى الولد عنه، وهل يكون
هذا اللعان موجبا لتحريم المرأة على الرجل؟ فيه اشكال، ولا يترك
الاحتياط فيه، بل الحكم بالتحريم لا يخلو من قوة.
[مسائل متفرقة]
[المسألة 267:]
لا يحل للمرأة المؤمنة أن تتزوج معاديا لأهل البيت (ع) ولو لأحد
من الأئمة المعصومين (ع) وإن لم يكن معلنا بذلك بين الناس ولا متدينا
به، وإن كان منتسبا إلى إحدى فرق الشيعة، إذا علم منه النصب لأحد
المعصومين الذين لا يقول بإمامتهم، ولا يحل للمؤمنة أن تتزوج مغاليا
بالرسول صلى الله عليه وآله أو بعلي (ع) أو بأحد أبنائه (ع) أو بغيرهم، يرجع
غلوه إلى الشرك بالله أو إلى إنكار ذاته سبحانه، أو إلى إنكار شئ
ضروري من ضروريات الاسلام، مع الالتفات إلى كونه ضروريا، ولا
يجوز للرجل المؤمن أن ينكح امرأة معادية أو مغالية بالمعنى الذي ذكرناه
من النصب والغلو.
[المسألة 268:]
يجوز للمؤمن أن ينكح من فرق المسلمين الذين يخالفونه في المذهب
غير المعادين والمغالين الذين ذكرناهم ما لم يكونوا منكرين لبعض
ضروريات الاسلام مع الالتفات إلى كونه ضروريا في الدين، ويجوز
للمرأة المؤمنة أن تتزوج من فرق المسلمين كذلك غير المعادين والمغالين
ومنكري بعض الضروريات في الدين.
99

[المسألة 269:]
إذا علم المؤمن أن زواجه من اليهودية أو المسيحية أو من بعض فرق
المسلمين يوجب وقوعه أو وقوع ذريته في الضلال ومخالفة الحق أو
خشي من ذلك حرم عليه التزويج وكذلك الحكم في المؤمنة.
[المسألة 270:]
يحرم نكاح الشغار، وهو أن يجعل نكاح امرأة معينة صداقا لامرأة
أخرى، سواء لوحظ ذلك في كل من المرأتين، ومثال ذلك أن ينشئ
الوليان نكاح المرأتين ويجعلا في عقديهما تزويج كل واحدة من
المعقودتين مهرا للثانية، فيقول أحدهما للآخر: زوجتك ابنتي صفية
على أن تزوجني ابنتك سعاد ويكون زواج كل من البنتين صداقا للأخرى،
فيقول صاحبه قبلت زواج ابنتك وزوجتك ابنتي على ما ذكرت، فيبطل
نكاح المرأتين معا، أم يلاحظ ذلك في جانب امرأة واحدة منهما،
فيزوجها وليها من صاحبه على أن يزوجه صاحبه بنته مثلا ويكون تزويج
الثانية صداقا للأولى، فيقول الأول للثاني زوجتك ابنتي صفية على
أن تزوجني بنتك سعاد فيكون تزويج سعاد صداقا لصفية، فيقول
الثاني قبلت زواج صفية على الصداق المعين وهو تزويج سعاد، وزوجتك
ابنتي على ألف دينار مثلا، فيبطل نكاح الأولى لأنه شغار ويصح نكاح
الثانية بما ذكر لها من المهر وإذا لم يذكر لها مهر معين ثبت لها مهر
المثل.
[المسألة 271:]
المؤمن كفو المؤمنة في النكاح وإن اختلفا في القبيلة أو في الشعب
والدم، أو في الصناعة والحرفة، إذا توفرت بينهما الشرائط التي تتوقف
عليها صحة النكاح، فيجوز أن تتزوج العربية بالأعجمي والهاشمية
بغير الهاشمي والحرة بالعبد وذات الشرف الكبير بالرجل الدني الأصل،
وذات الصنعة الرفيعة بصاحب الحرفة الوضيعة، وبالعكس.
[المسألة 272:]
لا يشترط في صحة النكاح أن يكون الزوج قادرا على نفقة الزوجة،
فيصح نكاح العاجز عن النفقة سواء كان عجزه عن النفقة سابقا على
100

العقد أم كان متجددا بعده، ولا يثبت للزوجة بذلك خيار الفسخ،
لا بنفسها ولا بمراجعة الحاكم الشرعي.
نعم إذا زوج الصبية الصغيرة أبوها أو جدها، وكان الزوج غير قادر
على الانفاق عليها كان هذا العقد فضوليا، لوجود المفسدة في تزويجها
كذلك، فلا تثبت له الولاية عليه، وتكون صحة العقد موقوفة على اختيار
البنت المعقودة بعد بلوغها وكمالها، فإذا أجازته صح ونفذ وإذا ردته
بطل، إلا إذا كان الولي قد لاحظ في تزويج البنت من ذلك الرجل
المعين وجود مصلحة مهمة تغلب على تلك المفسدة، فيصح العقد لذلك
ولا يكون للصبية رده بعد كمالها.
[المسألة 273:]
إذا عقد الانسان لنفسه على امرأة وهو مريض، مرضا كان سببا
لموته في ما بعد، كانت صحة عقده هذا مشروطة بدخوله في الزوجة
المعقودة، فإذا هو دخل بها قبل موته كان ذلك كاشفا عن صحة العقد
فتترتب عليه جميع آثار التزويج الصحيح، فيثبت لها المهر الذي سماه
لها بالعقد، وتجب لها النفقة منذ يوم تمكين المرأة له من الدخول وترثه
إذا مات بعد ذلك، ويرثها هو إذا ماتت قبله، وإذا هو لم يدخل بها
بعد العقد حتى مات كشف ذلك عن بطلان العقد من أصله، فلا مهر لها
ولا نفقة ولا ميراث، وإذا ماتت المرأة في مرضه قبل أن يدخل بها، فلا
ميراث للزوج منها، ولا مهر، ولا أثر للاستمتاعات الأخرى بها إذا
استمتع بها في مرضه من تقبيل وملامسة بشهوة من غير دخول.
[المسألة 274:]
إذا عقد له على المرأة وهو مريض، ثم برئ من ذلك المرض، ثم
مات قبل أن يدخل بالمرأة بمرض آخر أو بقتل ونحوه ثبت النكاح
والميراث، واستحقت نصف المهر على الأقوى، وكذلك الحكم إذا ماتت
الزوجة قبل الزوج في هذا الفرض وقبل الدخول، فيرثها الزوج ويثبت
لها نصف المهر.
[المسألة 275:]
يشكل الحكم الذي ذكرناه في المسألة المائتين والثالثة والسبعين إذا
101

كان مرض الزوج الذي عقد فيه المرأة من الأمراض الطويلة التي
تستمر سنين، فإذا مات الزوج ولم يدخل بها أو ماتت هي قبله وقبل
الدخول فلا يترك الاحتياط بالتصالح بين الورثة وبين الطرف الباقي
منهما من حيث المهر ومن حيث الميراث وخصوصا في الأمراض التي يكون
الابتلاء بها أدوارا.
[المسألة 276:]
يجوز للمرأة الخلية من الزوج ومن العدة أن تزوج نفسها وإن كانت
مريضة وفي مرض الموت، وإذا عقدت نفسها في مرض الموت، صح
نكاحها وثبت التوارث بينها وبين الزوج إذا ماتت هي أو مات الزوج،
سواء كان ذلك قبل الدخول بها أم بعده، وإذا كان موتها أو موت زوجها
قبل الدخول استحقت عليه نصف المهر على الأقوى.
[المسألة 277:]
يجوز للرجل أن يعرض بالخطبة للمرأة صاحبة العدة من غيره، إذا
كانت ممن يجوز له أن يتزوج بها بعد العدة كالمعتدة للوفاة والمعتدة
من الطلاق البائن، إذا قال في تعريضه بها قولا معروفا، ليس فيه إشارة
إلى ما يقبح أو يخالف الأدب الذي من أجله شرعت العدة للمرأة، ولم
يعزم عقدة النكاح حتى تنقضي العدة ويبلغ الكتاب أجله.
وأما المعتدة البائنة من الرجل نفسه، فيجوز له التعريض بل
والتصريح بخطبتها لنفسه ليتزوجها بعد العدة أو فيها إلا أن تكون
محرمة عليه أبدا، أو تكون محرمة عليه حتى تنكح زوجا غيره، أو
يكون قد تزوج بعد طلاقها بائنا بأختها، فلا يجوز له ذلك على الأقوى في
بعض الصور المذكورة وعلى الأحوط في بعضها وأما ذات العدة الرجعية
فهي بالإضافة إلى المطلق نفسه بحكم الزوج فلا يمنع من التعريض ولا
التصريح بخطبتها ليتزوج بها بعد العدة كما لا يمنع من الرجعة بها في
أثناء العدة، وهي بالإضافة إلى الرجال الآخرين بحكم ذات البعل، فلا
يجوز لأحد منهم التعريض على الأحوط ولا يجوز له التصريح بخطبتها
وإن لم يعزم عقد النكاح في أثناء العدة.
102

[الفصل السادس]
[في النكاح المنقطع]
[المسألة 278:]
النكاح المنقطع كالنكاح الدائم لا ينعقد إلا بعقد لفظي يشتمل على
ايجاب وقبول لفظيين، ولا يكفي فيه التراضي بين الزوجين بغير عقد،
ولا ينعقد بالمعاطاة، ولا بكتابة الصيغة بقصد انشائها، ولا بالإشارة
المفهمة إلا في الأخرس العاجز عن النطق، ويعتبر أن يكون الايجاب
بلفظ النكاح أو بلفظ التزويج أو بلفظ المتعة، والأحوط أن يكون
العقد باللغة العربية مع الامكان، وإن كان الظاهر صحة نكاح كل قوم
إذا أنشئ العقد بلسانهم، وأتى فيه بالترجمة المطابقة للفظ العربي
كما قلنا في العقد الدائم.
والأحوط أن يوقع العقد بلفظ الماضي، فتقول المرأة للرجل:
زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسي كذا يوما، بكذا دينارا، أو يقول
وكيل المرأة للرجل: زوجتك موكلتي فلانة، وإن صح أيضا أن ينشأ
بلفظ المستقبل وبالجملة الخبرية على الأقوى كما ذكرنا في العقد الدائم،
فتقول المرأة للرجل أزوجك نفسي أو أنا مزوجتك نفسي بكذا، وأن
يكون القبول بلفظ قبلت أو رضيت، أو نكحت، أو تمتعت.
[المسألة 279:]
يصح أن يقدم القبول في العقد على الايجاب، إذا أنشئ لفظه بمثل
تزوجت ونكحت وتمتعت، لا بلفظ قبلت ورضيت كما قلنا في النكاح
الدائم وإن كان الأحوط تقديم الايجاب.
ويصح أن يكون الايجاب من الزوج وإن كان الأحوط أن يقع من
الزوجة أو من وكيلها، وإذا حصل الايجاب من الزوج فلا بد وأن يكون
انشاء الزوجية بما يفيد ضم الزوجة إليه وتبعيتها له بأن يقول للمرأة
تزوجتك أو نكحتك أو تمتعتك، لا بمثل زوجتك أو أنكحتك أو متعتك
نفسي، فإن مفاد هذه الصيغ تبعيته هو للزوجة وقد قلنا نظير هذا في
العقد الدائم.
103

[المسألة 280:]
إذا تم الايجاب من الزوجة أو من وكيلها، وذكرت فيه الصيغة
والأجل والمهر، فيكفي في القبول أن يقول الزوج أو وكيله قبلت أو
رضيت، وإن لم يذكر فيه المتعلقات التي ذكرت في الايجاب، فلا يشترط
فيه أن يقول قبلت الزواج أو المتعة لنفسي أو لموكلي في جميع المدة
المعينة بالمهر المعلوم، وكذلك إذا وقع الايجاب من الزوج وكان القبول
من الزوجة أو من وكيلها، نعم إذا تقدم القبول على الايجاب سواء كان
من الزوج أم من الزوجة أم من وكيليهما فلا بد من ذكر المتعلقات في
القبول في هذه الصورة على الأحوط بل الأقوى.
[المسألة 281:]
لا يحل أن تتزوج المؤمنة بالمتعة رجلا كافرا كتابيا أو غير كتابي،
ولا مرتدا عن الاسلام فطريا أو مليا، ولا معاديا ولا مغاليا، ولا بمن
ينكر إباحة المتعة وإن كان ينتسب إلى إحدى فرق الشيعة، ولا يجوز
للرجل المؤمن أن يتزوج بالمتعة بغير الكتابية اليهودية أو النصرانية من
أصناف الكفار ولا بالمجوسية على الأحوط ولا بالمرتدة فطرية كانت أم
ملية، ولا بالمعادية والمغالية ولا بمن تنكر إباحة المتعة وإن كانت من
إحدى فرق الشيعة.
[المسألة 282:]
يحرم التمتع بالمرأة إذا تحقق لها سبب من الأسباب التي تحرم
نكاحها على الرجل من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو توابع المصاهرة
أو لعان أو استيفاء عدد الطلقات أو النكاح في حال الاحرام، أو غير
ذلك مما تقدم تفصيله في فصل أسباب التحريم، ولا يحل للرجل أن
يتمتع بالمرأة وعنده أختها، سواء كانت أختها زوجة بالعقد الدائم أم
بالمتعة أم كانت أمة موطوءة بملك اليمين، ولا يحل له أن يتمتع بابنة
الأخ وهو متزوج بعمتها، ولا بابنة الأخت وهو متزوج بخالتها إلا
بإذنهما، سواء كانت العمة أو الخالة زوجة له بالعقد الدائم أم بالمتعة،
وإذا تمتع بالبنت بغير إذن عمتها أو خالتها قبل العقد توقفت صحة
النكاح على إجازتهما بعد العقد، ولا يمنع من التمتع بالبنت إذا كانت
104

العمة أو الخالة أمة له موطوءة بملك اليمين ولا يحل له أن يتمتع
بالأمة وعنده زوجة حرة إلا بإذنها، سواء كانت الحرة زوجة له بالعقد
الدائم أم بالمتعة، وإذا تمتع بالأمة بغير إذن الحرة قبل العقد توقفت
صحة المتعة على إجازة الحرة بعد العقد.
[المسألة 283:]
يكره التمتع بالمرأة الزانية من غير فرق بين الزاني بها وغيره، ولا
يترك الاحتياط باجتناب التمتع بالمرأة إذا كانت مشهورة بالزنا ما لم
تظهر توبتها، كما قلنا في العقد الدائم في المسألة المائتين والسادسة
والعشرين، ويكره التمتع بالمرأة الباكر بدون إذن وليها، والكراهة
مع افتضاضها أشد.
[المسألة 284:]
يستحب للرجل أن يختار المؤمنة على غيرها، ويستحب أن يختارها
عفيفة مأمونة، فإذا كانت متهمة بما يخالف ذلك استحب له أن يسأل
عن حالها قبل أن يتمتع بها، فإذا هو تزوجها كره له الفحص والسؤال
عنها بعد ذلك.
[المسألة 285:]
يشترط في صحة التزويج بالمتعة أن يذكر المهر في العقد، فإذا لم
يذكر فيه كان العقد باطلا سواء ترك ذكره عامدا أم ساهيا أم ناسيا.
[المسألة 286:]
يصح أن يكون المهر في التزويج بالمتعة عينا من الأعيان المملوكة وأن
يكون دينا في ذمة المرأة أو في ذمة أحد سواها، وأن يكون منفعة، أو عملا
من الأعمال التي تصلح أن تكون عوضا، ويصح على الأقوى أن يكون
حقا من الحقوق المالية التي تقبل الانتقال كحق التحجير، ويشكل بل
يمنع أن يجعل المهر اسقاط حق من الحقوق الثابتة، ومثال ذلك أن
تزوج المرأة نفسها للرجل وتجعل صداقها اسقاط حق خيار كان ثابتا
للزوج في بيع سابق، أو اسقاط حق شفعة له في معاملة على دار أو
على بستان أو أرض.
105

[المسألة 287:]
يشترط في المهر أن يكون مما يصح أن يتملكه المسلم سواء كان عينا
أم دينا، فلا يجوز أن يجعل المهر شيئا لا يصح تملكه، أو شيئا لا يملكه
المسلم كالخمر والخنزير وإن كانت المرأة المتمتع بها ذمية، ويشترط
أن يكون معلوما في الجملة ولو بالمشاهدة، ومثال ذلك أن تزوجه نفسها
مدة معينة بهذا الثوب، أو بهذه القطعة من الذهب، أو بهذه الصبرة من
الطعام، وإن لم يعلم مقدار كيلها أو وزنها، ويكفي الوصف الموجب للعلم
به في الجملة، كما إذا قال المهر الذي أدفعه لك كساء يشبه هذا الكساء،
أو هو سوار من الذهب يحكي سوار فلانة إذا كان الوصف معلوما عند
المرأة، ولا حد للمهر في القلة والكثرة، والمدار أن يكون المقدار مما
تراضى عليه الطرفان مما يصلح أن يكون عرضا ولا يصح إذا سقط
عن المالية في نظر أهل العرف لقلته.
[المسألة 288:]
تملك المرأة المتمتع بها جميع المهر الذي سماه الزوج لها بمجرد
عقده عليها، وإن كان ملكها جميع المهر لا يكون مستقرا إلا بالدخول
بها، وبأن تفي للزوج بشرطه، فتمكنه من الاستمتاع بوطئها متى
شاء في جميع المدة المعينة.
ونتيجة لذلك فإذا وهبها الزوج جميع المدة بعد العقد وقبل الدخول
بها كان لها نصف المهر، وكذلك إذا انقضى بعض المدة ولم يدخل بها
ثم وهبها باقي المدة من غير دخول فيكون لها نصف المهر.
وإذا لم تف للزوج بشرطه، فلم تمكنه من الاستمتاع بوطئها في
بعض المدة كان للزوج أن يقطع من مهرها بمقدار ما أخلفته من المدة،
فإن لم تف له بنصف المدة أو بربعها مثلا جاز له أن يقطع من المهر
بتلك النسبة.
ويستثنى من ذلك أيام الحيض ونحوها مما يحرم فيه الوطء شرعا
كأيام شهر رمضان إذا اتفقت في أثناء أجل المتعة، فلا يجوز للزوج أن
يقطع من مهر المرأة شيئا بسبب امتناعها من التمكين فيها.
106

[المسألة 289:]
إذا طرأت للمرأة المتمتع بها أعذار أخرى من مرض واشتغال ببعض
الأعمال أو بمباشرة ضيوف أو مرضى فامتنعت عن تمكين الزوج في بعض
الأيام جاز له أن يقطع من المهر بحساب تلك الأيام على الأقوى، وإذا
مكنت زوجها من الوطء في المدة ومنعته من الاستمتاعات الأخرى لم يكن
له أن يقطع من المهر شيئا، وإذا لم تحضر عند الزوج في بعض الأيام
لعجزه هو عن الوطء ففي جواز الاقتطاع من المهر بحساب تلك الأيام،
اشكال، والأحوط له أن لا يقطع.
[المسألة 290:]
إذا دخل الرجل بالمرأة المتمتع بها ثم وهبها المدة كان لها جميع المهر
سواء كان ذلك في أول المدة أم بعد انقضاء قسط منها، إلا إذا كانت
ممتنعة منه في بعض المدة فيقطع منها بالنسبة، وكذلك إذا مات الزوج
أو ماتت الزوجة في أثناء الأجل كان لها جميع المهر وإن كان ذلك قبل
الدخول بها، إلا إذا كانت ممتنعة عن تمكينه قبل الموت فيقطع من
المهر بالنسبة.
[المسألة 291:]
إذا مكنت المرأة زوجها من الوطء ولم يدخل بها حتى انقضى الأجل
استحقت عليه جميع المهر، وإذا قسط المدة فوهب المرأة بعض المدة
وأبقى له بعضها، فكان الأجل شهرين مثلا فوهبها شهرا وأبقى له شهرا
ثم لم يدخل بها حتى انقضى الأجل، ففي ثبوت جميع المهر للمرأة أو
نصفه اشكال، ولا يبعد ثبوت جميع المهر لها والأحوط المصالحة.
[المسألة 292:]
إذا تبين فساد عقد المتعة لفقدان بعض شرائط الصحة في العقد أو
في المعقودة، كما إذا ظهر أن المرأة محرمة على الرجل بأحد أسباب
التحريم وجب على الرجل الامتناع عن المرأة، ولم تستحق عليه مهرا
إذا لم يدخل بها، ولا مهر لها كذلك مع الدخول بها إذا كانت حين وطئها
تعلم بفساد العقد لأنها بغي، وإذا كان قد دفع المهر إليها فله استعادته
منها في هذه الصورة، بل وعليها ضمانه مع التلف، وإذا كانت جاهلة
107

بفساد العقد كان الوطء شبهة واستحقت على الواطئ مهر مثلها متعة
لا دواما.
[المسألة 293:]
يشترط في صحة النكاح المنقطع أن يذكر فيه أجل معين، فإن لم
يذكر فيه أجل بطل العقد متعة، وانعقد دائما على الأقوى، سواء كان
عامدا في ترك ذكره أم ساهيا أم ناسيا.
[المسألة 294:]
الأجل في النكاح المنقطع هو ما تراضى عليه الزوجان من الأمد،
سواء كان قصيرا أم طويلا، ولا يمنع طول الزمان من صحة اشتراطه
بينهما إذا كان من المحتمل بقاؤهما إليه، وإذا كان الأجل طويلا يعلم
بعدم بقاء الزوجين إليه، ففي صحة اشتراطه فينعقد النكاح بينهما
متعة، أو عدم صحته فينعقد النكاح دائما، اشكال، ولا يترك
الاحتياط.
[المسألة 295:]
يشترط أن يكون الأجل في النكاح المنقطع معلوما عند الزوج
والزوجة محدود البداية والنهاية بما لا يقبل الزيادة والنقصان، وإذا
أطلق المتعاقدان أجلا معينا كالشهر والأسبوع والشعرة أيام، ولم يذكرا
أوله كان ابتداؤه من حين العقد، وكان عليهما أن يحددا آخره بغاية
معلومة، بأن يقولا إلى نهاية الساعة العاشرة مثلا من يوم كذا، أو إلى
الزوال من ذلك اليوم أو إلى الغروب منه، وهكذا الساعة واليوم وغيرهما
من الآماد القصيرة أو الطويلة.
[المسألة 296:]
يجوز أن يكون الأجل في المتعة متأخرا عن العقد إذا كان معينا محدودا
بما لا يقبل الزيادة والنقصان، ومثال ذلك أن تزوج المرأة نفسها
للرجل من غروب الشمس لأول ليلة من شهر رمضان إلى غروبها في آخر
يوم من أيامه من هذا العام، وهما في شهر رجب أو قبله من الشهور،
وإذا زوجت المرأة نفسها للرجل كذلك فالأحوط لها أن لا تزوج نفسها
متعة لغير ذلك الرجل في ما بين العقد وأول الأجل، وإن كان الوقت يتسع
108

لمده هذا التزويج، وللاعتداد منه، والأحوط للرجل المعقود له أن لا
يتمتع أخت المعقودة قبل حضور أجلها وإن كان الوقت يتسع لمدة التزويج
بالأخت ولعدتها، وأحوط من ذلك كله أن لا تعقد المتمتع بها نفسها
على رجل آخر قبل أن تنقضي مدة الأول والعدة منه، وإن كان أجل
العقد الثاني متأخر عن ذلك.
[المسألة 297:]
لا يصح أن يجعل الأجل في عقد المتعة مقدرا بالوطء، مرة واحدة
أو مرتين مثلا، فإنه أمد غير محدود فإذا جعل الزوجان ذلك أجلا
لنكاحهما بطل عقدهما متعة وانعقد دائما على الأقوى، وإذا عقد الرجل
على المرأة إلى أجل معين واشترطا في العقد أن يطأها في الأمد كله مرة
واحدة أو مرتين مثلا، صح عقدهما ووجب عليهما الوفاء بالشرط،
فلا يجوز له أن يطأها أكثر من ذلك وإن كان الأجل باقيا، وإذا أذنت
به جاز له ذلك.
[المسألة 298:]
يجوز للمرأة أن تشترط في العقد لنفسها ما تشاء إذا كان الشرط
سائغا ولا ينافي مقتضى العقد ويصح للرجل ذلك أيضا فإذا وقع عليه
الايجاب والقبول وجب الوفاء به، فإذا اشترط أحدهما على صاحبه أن
يكون الاتيان ليلا فحسب أو أن يكون نهارا وجب على صاحبه الوفاء
بالشرط، فلا يجوز له الاتيان في غير ما شرط، وإذا أذن المشروط له
فأسقط حقه جاز الاتيان مطلقا، وسيأتي مزيد بيان للشروط التي
تقع في عقد النكاح في فصل المهر والشروط إن شاء الله تعالى.
[المسألة 299:]
إذا حملت المرأة المتمتع بها لحق الولد شرعا بالرجل المتمتع، وإن
عزل ماءه عن المرأة عند جماعها، فإن الماء قد يسبق من غير تنبه،
ولا يجوز للرجل أن ينفي الولد عن نفسه إلا مع القطع بانتفائه عنه،
وإذا نفاه عن نفسه انتفى عنه في الظاهر من غير حاجة إلى لعان مع المرأة
كما في الزوجة في العقد الدائم، إلا أن يعلم أنه قد نفى الولد عن نفسه
وهو يحتمل أنه ولده، فيلحق به الولد ولا يلتفت إلى نفيه.
109

[المسألة 300:]
إذا انقضى الأجل المسمى في النكاح المنقطع بانت المرأة من زوجها
بذلك، ولزمها الاعتداد منه إذا كان قد دخل بها، وكذلك إذا وهبها
الزوج المدة فتبين منه ويجب عليها الاعتداد مع الدخول، وليس للزوج
أن يرجع بها في العدة، ويصح له أن يتزوجها بعقد جديد وإن كانت
في العدة سواء أرادا نكاحا دائما أم منقطعا بأجل مسمى آخر، وقد
تقدم أن العدة لا تمنع من نكاح صاحب العدة نفسه للمرأة وإنما تمنع
من نكاح غيره وتلاحظ المسألة المائتان والثالثة والعشرون
[المسألة 301:]
إذا انقضى الأجل المعين في عقد المتعة أو وهب الرجل المدة للمرأة ولم
يدخل بها فلا عدة عليها، وكذلك إذا دخل بها وهي غير بالغة، أو
كانت يائسة من المحيض، وإذا دخل بالمرأة وكانت بالغة وغير يائسة
من المحيض وجب عليها أن تعتد كما يأتي.
[المسألة 302:]
لا يقع في عقد المتعة طلاق بين الزوجين ولا خلع ولا مباراة بل تبين
المرأة من زوجها بانتهاء الأجل المضروب بينهما في العقد، وبهبة المدة
كما تقدم، ولا يقع في المرأة المتمتع بها لعان ولا ايلاء، ويقع بها الظهار
على الأقوى وتترتب أحكامه كما يأتي في كتاب الظهار.
[المسألة 303:]
إذا مات الزوج في أثناء مدة النكاح المؤقت لم ترث المرأة المتمتع بها
من تركته شيئا، وإذا ماتت الزوجة في أثناء المدة لم يرث الزوج منها
شيئا إلا مع الشرط، فإذا شرط الرجل على المرأة في عقد النكاح بينهما
أن يرث منها إذا ماتت قبله، وقبلت بالشرط، أو شرطت هي ذلك على
الزوج وقبل به، نفذ الشرط ووجب العمل به فيرث المشروط له من
صاحبه إذا مات قبله، وإذا شرط الطرفان وقبلا به، ثبت التوارث
بين الطرفين، وكان إرثهما وفقا لما يرثه الزوجان في العقد الدائم.
[المسألة 304:]
عدة المرأة المتمتع بها إذا دخل بها الزوج وانتهى الأجل أو وهبها
110

المدة حيضتان كاملتان على الأقوى، فلا يكفي المسمى في الحيضتين أو
في إحداهما، فإذا انقضى الأجل وهي في أثناء الحيض لم تعد تلك الحيضة
من العدة، بل يجب عليها أن تعتد بحيضتين كاملتين بعدها، وإذا كانت
لا تحيض وهي في سن من تحيض، اعتدت بخمسة وأربعين يوما بلياليهن
على الأحوط، وإذا كانت حاملا اعتدت على الأحوط بأبعد الأجلين من
المدة المذكورة ووضع الحمل.
وإذا مات الرجل في أثناء مدة المتعة، اعتدت المرأة بأربعة أشهر
وعشرة أيام، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، أم يائسة، ومدخولا بها
أم لا، بل وسواء كانت حرة أم أمة على الأحوط إن لم يكن هو الأقوى،
وإذا كانت حاملا منه اعتدت إلى آخر الأجلين، المدة المذكورة ووضع
الحمل.
[الفصل السابع]
[في العيوب والتدليس]
[المسألة 305:]
عيوب الرجل التي توجب تسلط الزوجة على فسخ النكاح بينها وبينه
أربعة.
الأول: الجنون الذي يطرأ على الرجل بعد العقد على المرأة سواء
كان طروءه عليه قبل دخوله بالمرأة أم بعده وسواء كان الجنون مطبقا
أم أدوارا، وسواء كان الرجل يعقل معه أوقات الصلاة أم لا يعقلها،
إذا كان الجنون بدرجة يسقط معه التكليف عن الرجل، فيجوز للمرأة
أن تفسخ عقد النكاح منه متى علمت بجنونه.
وكذلك إذا كان جنون الرجل سابقا على العقد أو مقارنا له ولم تكن
المرأة عالمة به، وقد استمر جنونه إلى ما بعد العقد، فيجوز لها الفسخ
متى علمت به سواء كان الجنون مطبقا أم أدوارا، وسواء حصل العلم
لها بجنونه قبل وطئه لها أم بعده.
[المسألة 306:]
إذا كان جنون الرجل سابقا على العقد أو مقارنا له، ثم برئ منه بعد
111

العقد، ففي جواز فسخ المرأة للعقد بسببه اشكال، سواء برئ من
الجنون قبل أن تعلم المرأة به أم بعد ذلك، ولعل الأقرب عدم جواز
الفسخ، وإذا علمت المرأة بجنون الرجل، ورضيت به مع وجود العيب
لم يكن لها الفسخ بعد ذلك سواء كان الجنون سابقا على العقد أم
طارئا بعده.
[المسألة 307:]
الثاني من عيوب الرجل الخصاء، وهو سل الأنثيين، وإنما يكون
هذا العيب موجبا لتسلط المرأة على فسخ النكاح إذا كان حدوثه سابقا
على العقد، ولم تعلم به المرأة، فلا فسخ لها إذا كان بعد العقد أو
حدث مقارنا له، ولا فسخ لها إذا كانت عالمة به قبل العقد، ولا فسخ
لها إذا علمت بالعيب بعد العقد فرضيت بالإقامة معه، ويجوز لها
الفسخ في الصورة الأولى سواء علمت به قبل الدخول أم بعده.
[المسألة 308:]
قال جماعة من الأصحاب، وموجوء الخصيتين بحكم الخصي أو هو
بعض أفراده، فيجوز للمرأة أن تفسخ النكاح إذا كان الرجل موجوءا
قبل العقد عليها ولم تكن المرأة تعلم بذلك، وما ذكروه مشكل فلا يترك
الاحتياط في الفرض المذكور، والوجاء هو رض الأنثيين حتى يبطل
عملهما.
[المسألة 309:]
الثالث من عيوب الرجل الجب، وهو قطع ذكره إذا كان سابقا على
العقد ولم تعلم المرأة به، وكذلك إذا حدث بعد العقد وقبل الدخول
على الأقوى، فيجوز للمرأة أن تفسخ عقد النكاح في كلتا الصورتين،
وإنما يكون الجب موجبا لتسلط المرأة على الفسخ إذا لم يبق من العضو
مقدار الحشفة، فإذا بقي منه بقدرها أو أكثر مما يمكن معه حصول
الوطء من الرجل لم يثبت للمرأة حق الفسخ. وإذا علمت المرأة بالعيب
في الرجل قبل انشاء العقد أو بعده ورضيت به لم يجز لها فسخ النكاح
بعد ذلك، وإذا حدث الجب بعد العقد، وحصول الدخول بالمرأة ولو
مرة واحدة، أشكل الحكم بجواز الفسخ.
112

[المسألة 310:]
الرابع من عيوب الرجل العنن، وهو سبب عارض يعجز معه عضو
الرجل عن الانتشار ويضعف عن مباشرة المرأة، ولا يكون هذا العيب موجبا
لجواز فسخ النكاح حتى يكون عنة كاملة عن هذه المرأة وعن غيرها،
فإذا عن الرجل عن هذه المرأة دون غيرها، أو عن قبل المرأة دون
دبرها أو في بعض الحالات دون بعض أو في بعض فصول السنة دون
بعض، لم يكن للمرأة معه حق الفسخ.
[المسألة 311:]
لا يكون العن موجبا لجواز فسخ النكاح إذا عرض للرجل بعد أن
وطأ المرأة ولو مرة واحدة، فيجب عليها الصبر فإنها مبتلاة كما
في النصوص.
[المسألة 312:]
إذا كان العنن في الرجل سابقا على العقد على المرأة أو طرأ له بعد
العقد عليها وقبل الوطء، فإن رضيت المرأة بذلك كان العقد لازما
ولم يجز لها أن تفسخ العقد بعد ذلك، وإن لم ترض به رفعت أمرها
إلى الحاكم الشرعي، فيؤجل الحاكم الرجل سنة كاملة من يوم المرافعة
يتركه معها، فإذا هو لم يستطع وطأها في هذه المدة ولا وطء غيرها
جاز للمرأة فسخ النكاح.
[المسألة 313:]
إذا حصل العنن في الزوج وانقضت المدة التي أجله الحاكم الشرعي
إليها ولم يستطع في المدة المعينة وطء الزوجة ولا وطء غيرها جاز
للمرأة أن تتولى بنفسها فسخ العقد ولم تفتقر فيه إلى مباشرة الحاكم
الشرعي، نعم لا بد وأن يكون تأجيل الرجل إلى السنة بأمر الحاكم،
فإن ذلك من وظائفه فلا يقوم بها غيره، وإذا تعذر على المرأة أو على
وكيلها الوصول إلى الحاكم الشرعي ليضرب الأجل، أو امتنع الرجل
من الحضور عند الحاكم ولم يمكن اجباره جرى عليه حكم التأجيل،
فإذا انقضت السنة من ذلك الوقت ولم يمكن للرجل الوطء جاز للمرأة
فسخ النكاح.
113

[المسألة 314:]
يجوز أن تتولى المرأة بنفسها فسخ النكاح في عيوب الرجل الثلاثة
المتقدمة: الجنون والخصاء والجب، إذا ثبت العيب وتمت الشروط
المعتبرة فيه كما مر ذكره، ولم تفتقر في الفسخ إلى مباشرة الحاكم،
نعم لا بد من الرجوع إلى فتوى الفقيه المقلد، في أن العارض الذي حدث
في الرجل من العيوب المجوزة للفسخ أم لا، ولا بد من الرجوع إلى الحاكم
الشرعي في اثبات وجود العيب في الرجل إذا كان موضعا للنزاع، وبعد
ثبوت العيب تفسخ المرأة إذا شاءت.
[المسألة 315:]
إذا فسخت المرأة عقدها بعد ثبوت العنن في الرجل وانقضاء المدة
التي ضربها الحاكم وتوفر الشروط التي بيناها فيه، انفسخ نكاحها،
وكان لها نصف المهر المسمى لها في العقد ولا عدة عليها لعدم الدخول
وإذا فسخت العقد في أحد العيوب الأخرى المذكورة فإن كان الفسخ
قبل الدخول بها لم تستحق من المهر شيئا ولا عدة عليها، وإن كان بعد
الدخول بها استحقت المهر المسمى كله ولزمتها العدة.
[المسألة 316:]
لا يثبت للمرأة حق الفسخ في غير هذه العيوب الأربعة، كما إذا كان
الرجل مجذوما أو أبرص أو أعمى، أو مبتلى بغيرها من العيوب، إلا
أن يشترط في العقد للمرأة أو لولي أمرها سلامة الرجل من ذلك العيب
أو يوصف الرجل له في العقد بخلوه من ذلك العيب، أو يذكر ذلك قبل
العقد بحيث يكون اجراء العقد بين المتعاقدين مبنيا عليه، فإذا كان
العيب موجودا فيه كان ذلك من التدليس وجاز للمرأة فسخ العقد لذلك.
[المسألة 317:]
عيوب المرأة التي توجب تسلط الزوج على فسخ النكاح سبعة:
وهي (1) الجنون، (2) الجذام، (3) البرص، (4) العمى،
(5) الافضاء (6) القرن، (7) الاقعاد، ومنه العرج البين.
والجنون هو فساد العقل سواء كان مطبقا أم أدوارا، وسواء عقلت
114

المرأة معه أوقات الصلاة أم لم تعقل، إذا بلغ جنونها درجة يسقط معها
التكليف عنها كما ذكرنا في عيوب الرجل، وليس منه الاغماء الذي
يعرض في بعض الأوقات وليس منه مرض الصرع الذي قد يصيب بعض
الناس.
والجذام والبرص مرضان معروفان، وإذا اشتبه أمرهما رجع في
تشخيصهما إلى أصحاب الخبرة من الأطباء الثقاة وغيرهم وإذا استقرت
الشبهة في المرض الموجود أنه منهما أم لا ولم تتضح الحال لم يجز الفسخ.
والعمى هو ذهاب البصر من العينين وإن كانتا مفتوحتين والقرن
ويقال له العفل أيضا، هو شئ ينبت في فرج المرأة، لحم أو غدة أو
عظم يمنع الزوج من الوطء، أو يوجب تنفره وانقباضه عند جماع
المرأة، وكذلك الرتق، وهو التحام الفرج، والأحوط الاقتصار على
صورة العجز عن علاجه، وإن كان ذلك بسبب امتناع المرأة عنه
والافضاء هو تصيير مسلكي الحيض والبول مسلكا واحدا، وقد تعرضنا
لذكره وبيان المراد منه في المسألة الثانية والعشرين.
[المسألة 318:]
إذا وجد الرجل بالمرأة أحد العيوب الآنف ذكرها وكان العيب فيها
سابقا على العقد جاز له أن يفسخ النكاح بينه وبين المرأة، وإن كان
قد وطأ المرأة قبل أن يعلم بالعيب وإذا علم بالعيب ثم جامعها بعد
علمه به لم يكن له الفسخ بعد ذلك، وإذا علم بعيب المرأة ورضي بها
بعد علمه بعيبها لم يكن له فسخ العقد وإن لم يجامعها بعد.
[المسألة 319:]
إذا تزوج الرجل المرأة وهي صحيحة، ثم حدث فيها أحد العيوب
السبعة بعد الدخول بها، لم يكن له فسخ النكاح بسبب ذلك العيب،
كما إذا عميت المرأة أو جنت أو برصت أو جذمت أو أقعدت بعد عقدها
والدخول بها.
وإذا تزوجها الرجل وهي صحيحة ثم حدث فيها أحد العيوب قبل
الدخول بها أشكل الحكم بجواز الفسخ وعدمه بهذا العيب، فلا بد فيه
من مراعاة الاحتياط بأن يطلق المرأة إذا أراد فراقها.
115

[المسألة 320:]
إذا فسخ الرجل نكاح المرأة بسبب أحد العيوب، فإن كان الفسخ
قبل الدخول بالمرأة فلا مهر لها ولا عدة عليها، وإذا كان الفسخ بعد
الدخول بها ولو مرة واحدة استحقت المرأة المهر كله ووجب على الرجل
دفعه إليها إذا لم تكن هي دلست العيب الموجود فيها، كما إذا كانت جاهلة
بوجود العيب أو كانت جاهلة بكونه عيبا يوجب الفسخ، وإذا كانت
هي التي دلست العيب على الزوج لم تستحق من المهر شيئا، فإذا كان
الزوج قد دفعه إليها رجع عليها به.
[المسألة 321:]
إذا استحقت المرأة مهرها على الزوج لأنه فسخ بعد الوطء وهي
جاهلة بالعيب كما ذكرنا وكان الذي تولى تزويجها من الرجل هو الذي
دلس عليه عيبها رجع الزوج عليه بما دفعه لها من المهر، سواء كان
وليا شرعيا للمرأة أم وليا عرفيا، وسواء كان قريبا لها أم بعيدا
أجنبيا عنها، وإذا كان الشخص الذي تولى تزويجها لا يعلم بوجود العيب
فيها لم يرجع الزوج عليه بشئ.
[المسألة 322:]
يتحقق التدليس بكتمان العيب على الزوج إذا كان من عيوب المرأة،
وبكتمانه على الزوجة إذا كان من عيوب الرجل، فإذا كان من بيده أمر
المرأة وتولى تزويجها عالما بوجود العيب في المرأة وعالما كذلك بأنه
عيب، وأخفى أمر العيب على الزوج ولم يعرفه به، فقد دلس، فإذا
فسخ الزوج بعد أن علم بالعيب وكان فسخه بعد الدخول بالمرأة، رجع
بالمهر الذي يدفعه للمرأة على ذلك الشخص الذي دلس العيب عليه،
وإذا كان الشخص جاهلا بالعيب، وكانت المرأة هي التي كتمت العيب
وأخفته لم تستحق من المهر شيئا، فإذا كان الزوج قد دفعه إليها
استرجعه منها، وإذا كانت المرأة جاهلة أيضا استحقت المهر بالوطء
كما ذكرنا ولم يرجع الزوج على أحد.
[المسألة 323:]
إذا ثبت في المرأة أحد العيوب الآنف ذكرها، صح للرجل أن يباشر
116

الفسخ بنفسه من غير أن يراجع الحاكم الشرعي أو يستأذنه في الفسخ،
ولا بد من الرجوع إلى فتوى الفقيه المقلد في أن العارض الذي حدث في
المرأة من العيوب أم ليس منها ولا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي
في اثبات وجوب العيب فيها إذا كان موضعا للنزاع، فإذا ثبت وجود
العيب جاز للزوج أن يتولى الفسخ بنفسه، وقد تقدم مثل ذلك في المرأة.
[المسألة 324:]
فسخ النكاح ليس بطلاق، سواء وقع من قبل الزوج أم من قبل
الزوجة، فلا تشترط فيه شروط الطلاق ولا تترتب عليه أحكامه، فلا
يشترط فيه أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس أو في غير طهر
المواقعة ولا يعتبر فيه حضور شاهدين عادلين، ولا يعد من الطلقات
الثلاث التي توجب تحريم المرأة على الرجل حتى تنكح زوجا غيره.
نعم يجب على المرأة أن تعتد بعد الفسخ عدة المطلقة إذا كان الفسخ
بعد الدخول وكانت المرأة ممن تثبت عليها العدة في الطلاق، وهذا ليس
من الأحكام المختصة بالطلاق.
[المسألة 325:]
لا يختص الحكم بجواز الفسخ عند حدوث أحد العيوب المتقدم ذكرها
بالنكاح الدائم بل يجري في النكاح المنقطع أيضا، فإذا حدث في أحد
الزوجين بعض العيوب صح للآخر فسخ النكاح إذا توفرت الشروط
التي تقدم بيانها.
[المسألة 326:]
الأقوى أن حق الفسخ الذي يثبت للزوج أو للزوجة عند حدوث أحد
العيوب، ليس على الفور، ولذلك فلا يسقط بالتأخير إلا إذا كان ذلك
عن رضا ببقاء النكاح، من غير فرق بين الرجل والمرأة، وإن كان
الأحوط اعمال الخيار على الفور بل لا يترك ذلك ما أمكن.
[المسألة 327:]
يثبت وجود العيب في الرجل والمرأة بشهادة البينة العادلة المطلعة
على وجوده، حتى العنن في الرجل على الأقوى، إذا اتفق علم الشاهدين
117

بذلك من الأمارات الطبية وغيرها المفيدة للعلم، ويثبت باقرار صاحبه
وبالبينة على اقراره، وإذا لم تكن بينة على اثبات العيب كان القول
قول منكر العيب مع يمينه، وإذا رد المنكر اليمين على المدعي حلف هذا
على مدعاه وثبت العيب.
[المسألة 328:]
لا يثبت حق الفسخ للرجل في العيوب الأخرى التي توجد في المرأة
كالعور والعقم ونحوهما، إلا إذا شرط الرجل في ضمن العقد أن تكون
سالمة من ذلك العيب، أو وصفت له في العقد بأنها سليمة منه، أو ذكر
له ذلك قبل العقد ثم أجري العقد مبنيا عليه، فإذا كان كذلك ثم تبين
بعد ذلك وجود العيب في المرأة كان ذلك من التدليس وجاز للرجل
الفسخ، وسيأتي بيانه في المسائل اللاحقة إن شاء الله تعالى.
[المسألة 329:]
من التدليس الموجب لخيار الفسخ أن تذكر للمرأة صفة جمال أو
صفة كمال تبعث على الرغبة في التزويج بها، وتكون المرأة خالية عن
تلك الصفة، فإذا اشترط الرجل وجود تلك الصفة في المرأة في عقد
النكاح، أو وصفت المرأة بتلك الصفة في العقد وإن لم يكن ذلك على
نحو الشرط، ثم تبين خلو المرأة من تلك الصفة كان ذلك من التدليس،
وجاز للرجل بسببه فسخ العقد، وكذلك إذا وصفت المرأة بتلك الصفة
في أثناء الخطبة وقبل العقد بحيث تسالم عليها الطرفان وبني عليها
عقد النكاح.
ومثله العيوب الأخرى غير العيوب السبعة التي توجب الفسخ، فإذا
اشترطت في العقد سلامة المرأة من بعض العيوب أو وصفت في العقد
بذلك أو ذكرت قبل العقد بحيث بني العقد عليها، ثم تبين خلاف ذلك
كان تدليسا وجاز للرجل بسببه فسخ النكاح.
وكذلك الحال في اتصاف الرجل ببعض الصفات أو براءته من بعض
العيوب، فإذا اشترط ذلك في العقد أو بني عليه العقد على السبيل
118

المتقدم ذكره ثم ظهر خلاف ذلك كان من التدليس وجاز للمرأة بسببه
فسخ النكاح.
[المسألة 330:]
لا تستحق المرأة من المهر شيئا إذا وقع الفسخ بسبب التدليس قبل
الدخول بها، سواء كان الفسخ من قبل الزوج بسبب تدليس المرأة أو من
تولى أمر تزويجها، أم كان من قبل الزوجة بسبب تدليس الزوج أو من
تولى زواجه بالمرأة، وتستحق المهر المسمى كله إذا كان الفسخ بعد
الدخول بها، سواء كانت هي الفاسخة للنكاح أم هو الزوج. فإذا كان
الفاسخ هو الزوج وكان الفسخ بعد الدخول رجع الزوج بالمهر الذي
يدفعه إلى الزوجة على من تولى تزويجها منه إذا كان هو الذي دلس على
الزوج، فاشترط له وجود الصفة المفقودة أو عدم النقص الموجود،
وإذا كانت المرأة ذاتها هي التي دلست ذلك لم تستحق من المهر شيئا،
ويأخذه الزوج منها إذا كان قد دفعه إليها.
[المسألة 331:]
إذا تزوج الرجل امرأة وشرط له في عقد النكاح عليها إنها حرة غير
مملوكة، أو وصفت له في العقد بهذا الوصف، أو ذكرت صفة الحرية
لها قبل العقد حتى تسالم عليها الجانبان وبني العقد على ذلك ثم ظهر
إنها أمة مملوكة فالصور المحتملة في هذا التزويج ثلاث.
الصورة الأولى أن يكون العقد عليها بغير إذن سابق على العقد من
السيد المالك لها ولا إجازة لاحقة منه، ولا ريب في بطلان العقد في
هذه الصورة.
[المسألة 332:]
الصورة الثانية أن يكون الزوج ممن لا يباح له الزواج بالأمة،
فقد تقدم إن جواز نكاح الحر للأمة مشروط بعدم الاستطاعة لدفع مهر
الحرة ونكاحها، وبخشية العنت والمشقة في عدم التزويج، فإذا فرض
أن الرجل ممن لا يتحقق له كلا الشرطين أو أحدهما لم يجز له نكاح
الأمة فيكون نكاحه باطلا.
119

[المسألة 333:]
الصورة الثالثة أن يكون نكاح الرجل للمرأة بإذن مولاها أو بإجازته
بعد العقد، وأن يكون ممن يباح له الزواج بالأمة لوجود الشرطين
المذكورين، فيكون النكاح صحيحا وإن ثبت للزوج خيار الفسخ من
حيث التدليس.
فإذا فسخ الزوج العقد قبل دخوله بالمرأة لم تستحق من المهر شيئا،
ولا عدة عليها وإذا فسخ العقد بعد دخوله بها دفع الزوج المهر ويكون
لمولاها، ثم يرجع الزوج بالمهر الذي دفعه على من دلسها إذا كان هو
غيرها وغير مولاها.
وإذا كانت هي التي دلست نفسها رجع الزوج بالمهر عليها واتبعت
به بعد عتقها، وإذا كان المدلس هو مولاها لم يستحق من المهر شيئا،
بل قد يحكم بحرية الأمة أخذا له باقراره بحريتها، وإذا حكم بحريتها
لذلك لا يكون للزوج خيار الفسخ لثبوت كونها حرة، تكون هي
المستحقة للمهر، والمسألة في هذا الفرض لا تخلو من اشكال.
[المسألة 334:]
إذا تزوجت المرأة رجلا وشرط لها في عقد النكاح أنه حر غير مملوك،
أو وصف لها في العقد بذلك، أو ذكرت له صفة الحرية قبل العقد حتى
تسالم عليها الجانبان وبني عليها العقد، ثم ظهر بعد ذلك أنه عبد
مملوك، فإن كان تزويجه بالمرأة بغير إذن سابق على العقد من مولاه
ولا إجازة لاحقة كان العقد باطلا، ولا مهر للمرأة إذا تبين ذلك قبل
الدخول بها، ويثبت لها مهر المثل إذا تبين ذلك بعد الدخول بها، ويتبع
به بعد العتق، وإذا كان تزويجه بالمرأة بإذن مولاه أو بإجازته كان
التزويج صحيحا، وثبت للمرأة خيار الفسخ، فإذا فسخت العقد قبل
الدخول فلا مهر لها، وإذا فسخته بعد الدخول كان لها المهر المسمى،
وقد تعرضنا في تعليقنا على المسألة الثالثة من فصل نكاح العبيد والإماء
من كتاب العروة الوثقى لبيان أن المهر يكون في ذمة العبد أو في ذمة مولاه
فليرجع إليه من يطلب بيان ذلك.
120

[المسألة 335:]
إذا تزوج الرجل امرأة وشرط في عقد النكاح أن تكون باكرة فوجدها
ثيبا، لم يكن للزوج فسخ النكاح بذلك، فإن البكارة قد تزول بالنزوة
وشبهها، فلا يكون زوالها دليلا على عدم وجودها حين العقد ليكون ذلك
تدليسا يوجب حق الفسخ، نعم ينتقص مهرها بنسبة التفاوت ما بين
مهر الباكرة والثيب، وسنذكره في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
[المسألة 336:]
إذا تزوج الرجل امرأة وشرط عليها في عقد النكاح إنها باكرة،
أو وصفت في العقد بذلك أو كان العقد مبنيا على ذلك بين المتعاقدين،
ثم وجدها ثيبا، وثبت بالبينة أو باقرار المرأة أو بالقرائن المفيدة
للعلم أنها كانت ثيبا قبل العقد عليها، كان ذلك من التدليس وجاز
للزوج فسخ النكاح.
فإذا فسخ العقد قبل الدخول بها فلا مهر لها كما لا عدة عليها، وإذا
فسخها بعد الدخول بها كان لها المهر المسمى كله، ورجع به الزوج
على المدلس، وإذا كانت المرأة ذاتها هي المدلسة لم تستحق من المهر
شيئا.
وإذا اختار البقاء على نكاحها جاز له أن ينقص من مهرها بمقدار
النسبة في التفاوت ما بين مهر مثلها وهي باكرة، ومهر مثلها وهي
ثيب، فإذا كان مهر مثلها وهي بكر خمسمائة دينار، وكان مهر مثلها
وهي ثيب أربعمائة دينار، كان التفاوت بينهما مائة دينار، وهي
خمس مهر البكر، فينقص منها خمس المهر المسمى لها بالعقد، فإذا
كان مهرها المسمى ألف دينار مثلا نقص منه مائتا دينار.
وإذا تزوج الرجل المرأة باعتقاد إنها بكر من غير شرط في العقد
ولا تدليس فظهرت ثيبا، لم يكن له فسخ العقد، وإن ثبت باقرار
المرأة نفسها أو بشهادة البينة العادلة المطلعة كونها ثيبا قبل العقد
عليها، ونقص من مهرها بالنسبة المذكورة.
121

[الفصل الثامن]
[في المهر والشروط]
[المسألة 337:]
المهر هو ما تراضى به الزوجان بينهما، سواء كان عينا مشخصة
في الخارج أم كلية، أم دينا، بشرط أن لا يسقط لقلته أو لتفاهته عن
المالية المقصودة بين العقلاء وفي نظر أهل العرف، ويصح أن يكون
منفعة لشئ مملوك من دار أو عقار أو بستان، أو عبد، أو غيرها من
الأشياء ذات المنافع، ويصح أن يكون منفعة حر كتعليم قراءة أو كتابة
أو صناعة أو لغة أو أي عمل من الأعمال، ويصح أن يكون حقا من
الحقوق المالية التي تقبل الانتقال كحق التحجير، وتلاحظ المسألة المائتان
والسادسة والثمانون في صداق النكاح المنقطع.
[المسألة 338:]
إذا كان الزوج مسلما اشترط في المهر أن يكون مما يملكه المسلم،
فإذا تزوج المسلم يهودية أو نصرانية وجعل صداقها خمرا أو خنزيرا
أو غيرهما مما لا يصح للمسلم أن يتملكه، صح العقد وبطل المهر،
فإذا دخل بالمرأة وجب لها مهر المثل بالدخول، وإذا طلقها قبل الدخول
بها لم يكن لها شئ، وكذلك إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول.
وإذا تزوج الرجل المسلم بامرأة مسلمة وجعل صداقها خمرا أو
خنزيرا أو شيئا آخر لا يملكه المسلم جرى فيه الحكم المذكور فيصح
النكاح ويبطل المهر ويثبت للزوجة مهر المثل بالدخول ولا تستحق عليه
من المهر شيئا إذا طلقها قبل أن يدخل بها أو مات أحد الزوجين كذلك،
ويرث الباقي من الزوجين صاحبه إذا مات قبله.
[المسألة 339:]
إذا تزوج الرجل الذمي امرأة ذمية وجعل صداقها ما لا يملكه المسلم
صح العقد وصح المهر المجعول فإذا أسلم الزوجان جميعا قبل أن تقبض
المرأة صداقها المعين لها من الزوج دفع لها قيمة الخمر أو الخنزير أو
غيرهما عند من يستحله، وكذلك إذا أسلمت الزوجة وحدها قبل أن
122

تقبض المهر فيدفع لها قيمة الشئ عند من يستحله، وإذا أسلم الزوج
وحده قبل أن تقبض الزوجة مهرها، ففيه اشكال، ولا يترك الاحتياط،
وإن كان دفع القيمة عند من يستحله كذلك لا يخلو من قوة.
[المسألة 340:]
إذا ذكر المهر في عقد النكاح بين الزوجين ولم يفوض تقديره إلى
أحد، فيكفي أن يكون متعينا في الجملة بين المتعاقدين وإن لم يعلما به على
وجه التفصيل، ومثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة على صبرة مشاهدة
من الطعام أو على قطعة معينة من الذهب أو طاقة حاضرة من الحرير
وإن لم يعلم الزوج والزوجة مقدار ذلك الشئ المعين بحسب الكيل أو
الوزن أو الذرع، ويكفي أن يصفه لها بما يعينه في الجملة عندها كما
ذكرنا في مهر المتعة، فإذا حصل التراضي بينهما على ذلك وأجريت
صيغة العقد صح النكاح والمهر، فإذا لم يعلم مقداره بعد ذلك على
التفصيل وتلف قبل أن تقبضه المرأة، أو طلق الرجل امرأته قبل أن
يدخل بها رجع إلى المصالحة بينهما.
[المسألة 341:]
إذا تزوج الرجل امرأة وجعل صداقها شيئا مبهما غير معين، فأمهرها
أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لا على التعيين، صح عقده
وبطل المهر لعدم التعيين، فإذا دخل بالمرأة ثبت لها مهر المثل، وإذا
طلقها أو مات أحد الزوجين قبل الدخول بها لم تستحق شيئا من المهر،
ويأخذ الباقي منهما ميراثه من تركة الميت، وإذا أمهرها خادما أو
دارا أو بيتا على وجه الاطلاق صح العقد والمهر، وكان لها وسط من
ذلك.
[المسألة 342:]
إذا عقد الرجل على المرأة وسمى لها ألف دينار مثلا، وسمى لأبي
الزوجة أو لأخيها أو لغيرهما مبلغا آخر من المال، ثبت للمرأة المبلغ
الذي سماه لها، وسقط المبلغ الذي سماه لغيرها، إلا إذا كان ذلك جعالة
للشخص على عمل محلل قد قام به، فيثبت المبلغ لذلك الغير، ولا يكون
من مهر المرأة ولا تجري عليه أحكام المهر فإذا طلق الرجل المرأة قبل
123

الدخول بها لم ينتصف المبلغ المذكور كما ينتصف المهر، أو يكون دفع
المبلغ المعين إلى ذلك الغير شرطا للمرأة على الزوج تشترطه عليه في العقد
بحيث يكون حقا لها لا لغيرها تطالب به أو تسقطه إذا شاءت فيثبت المبلغ
لذلك الشخص بسبب اشتراط المرأة، ويعد من المهر وتجري عليه
أحكامه، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول رجع بنصف ذلك المبلغ إذا
كان قد دفعه كما يرجع بنصف ما سماه للمرأة.
[المسألة 343:]
يصح أن يجعل صداق المرأة كله حالا، ويصح أن يجعل كله مؤجلا،
وأن يجعل بعضه حالا وبعضه مؤجلا حسب ما يتراضى عليه الزوجان،
ويجوز للمرأة أن تطالب الزوج بالمهر المعجل إذا لم يدفعه إليها.
والمعروف بين الفقهاء قدس الله أرواحهم أنه يجوز للزوجة أن
تمتنع من تمكين الزوج من نفسها حتى يدفع إليها مهرها المعجل، ونقل
بعضهم الاتفاق على ذلك، وقال بعضهم: يجب على الزوج دفع المهر
المعجل ويجب على المرأة تمكين الزوج ووجوب أحدهما لا يسقط حق
الآخر، ولا يترك الاحتياط في المسألة.
[المسألة 344:]
إذا كان بعض الصداق أو جميعه مؤجلا لزم تعيين الأجل، ويكفي
التعيين في الجملة كما إذا أجله إلى رجوع زيد من الحج أو إلى أن تضع
هند حملها أو إلى جذاذ ثمرة النخيل في هذا العام، وإذا أجله إلى أجل
مبهم ليس فيه تعيين صح العقد والمهر وبطل التأجيل.
[المسألة 345:]
لا يشترط في صحة العقد الدائم أن يذكر فيه مهر للمرأة المعقودة،
فإذا عقدها ولم يذكر لها مهرا صح العقد، ويصح العقد كذلك إذا
صرحت المرأة أو صرح وكيلها بذلك فقال للزوج: زوجتك موكلتي
فلانة بلا مهر، وتسمى هذه مفوضة البضع، فإذا دخل الزوج بها بعد
العقد ثبت لها مهر المثل، وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا مهر لها،
وثبتت لها المتعة، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، وسيأتي بيانه
إن شاء الله تعالى.
124

وإذا مات أحد الزوجين قبل الدخول بالمرأة ورثه صاحبه، ولا مهر
للمرأة ولا متعة.
[المسألة 346:]
مهر المثل هو ما يتعارف دفعه بين الناس لمثل هذه المرأة المعينة في
أوصافها التي هي عليها من السن والجمال، والبكارة، والشرف،
والنجابة، والأدب، وحسن السلوك، والثقافة، والثروة، وحسن
التدبير في المنزل، والصناعة، وأضداد هذه الصفات، وتلاحظ كذلك
أقارب المرأة وعشيرتها وبلدها، ويلاحظ كل ما من شأنه أن يزيد في
الرغبة في تزويجها أن يحط منها، ولا يعتبر في مهر المثل أن لا يزيد
على مهر السنة على الأقوى، من غير فرق بين المرأة التي تعقد ولا يسمى
لها مهر وغيرها ممن يثبت لها مهر المثل.
[المسألة 347:]
تثبت المتعة للمرأة التي تعقد ولا يسمى لها مهر إذا طلقها زوجها
قبل الدخول بها، والمتعة هي أن يدفع إليها الزوج شيئا من المال بحسب
حاله من السعة والاقتار، وقد ذكر في النصوص إن الموسع يمتع مطلقته
بالعبد أو الأمة أو الدار، وأن المقتر يمتعها بمقدار من الحنطة أو
الزبيب أو بالثوب أو الدراهم أو الخاتم أو الخمار، وذكر هذه الأمور
إنما هو من باب المثال، والمراد أن الرجل يعطيها شيئا يناسب مقدرته
المالية، والأحوط في ذلك أن يراعي حالها وشرفها أيضا.
ولا يجب دفع المتعة لغير مفوضة البضع إذا طلقت قبل الدخول.
[المسألة 348:]
يجوز أن تعقد المرأة ويفوض في العقد تعيين صداقها إلى حكم الزوج
أو إلى حكم الزوجة، فتقول المرأة أو يقول وكيلها للزوج: زوجتك
موكلتي فلانة على ما تحكم به أنت من المهر، أو على ما تحكم به هي،
فيقول الزوج قبلت، فإذا جعل الحكم في تقدير الصداق إلى الزوج،
نفذ حكمه في كل ما يعينه من قليل أو كثير، ما لم يسقط لقلته عن
المالية، وإذا جعل الحكم في تقديره إلى الزوجة، نفذ حكمها في جانب
125

القلة بما شاءت ما لم يخرج عن كونه مالا، ونفذ حكمها في طرف
الكثرة ما لم تتجاوز به عن مهر السنة وهو خمسمائة درهم من الفضة.
وإذا طلقها الزوج قبل الدخول بها وقبل أن يعين من له الحكم
مقدار الصداق، ألزم بالحكم والتعيين ويكون للمرأة نصف ما يعين،
وإذا كان الحكم للمرأة لم ينفذ حكمها في ما تجاوز مهر السنة كما تقدم.
وإذا مات من له الحكم منهما قبل أن يعين مقدار الصداق كان للمرأة
مهر المثل إذا كان موته بعد الدخول، وثبتت لها المتعة التي تقدم بيانها
إذا كان الموت قبل الدخول، وورث الباقي من الزوجين صاحبه.
[المسألة 349:]
إذا تم عقد المرأة على الرجل ملكت المهر كله عاجله وآجله، وجاز
لها أن تتصرف فيه بما شاءت ولا تستقر ملكيتها لجميع المهر إلا بالدخول
بها، فإذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها عاد إليه نصف الصداق،
وكذلك إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول عاد إلى الزوج نصف الصداق
على الأقوى.
وتستقر ملكية المرأة لجميع المهر بالدخول بها مطلقا، سواء أدخل
قبلا أو دبرا وسواء أنزل أم لم ينزل، ولا تكفي الخلوة بينهما وارخاء
الستر.
[المسألة 350:]
تملك المرأة نماء صداقها كله بمجرد العقد عليها كما تملك الأصل
سواء كان النماء متصلا أم منفصلا فإذا كان الصداق دارا أو عقارا
كانت منفعتهما للمرأة خاصة وإذا آجرتهما قبل الدخول كان بدل
الإجارة ملكا لها، وإذا كان الصداق نخيلا أو شجرا، ملكت ما يتجدد
بعد العقد من ثمره ونمائه، وإذا كان حيوانا أو عبدا مملوكا ملكت
ما يتجدد من نتاجه كالولد واللبن والكسب والخدمة، فإذا طلقها الزوج
قبل الدخول رجع بنصف الأصل ولم يرجع بشئ من النماء، نعم،
إذا أصدقها حيوانا حاملا أو شجرا مثمرا بحيث كان حمل الحيوان وثمر
الشجر بعضا من الصداق المسمى ثم طلقها ولم يدخل بها رجع عليها
بنصف الجميع من الأصل والنماء المذكور.
126

وإذا أصدقها حيوانا فسمن الحيوان عندها أو عبدا صغيرا فكبر
ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمة الحيوان أو العبد يوم
دفعه إليها صداقا، وكانت الزيادة المتجددة فيهما ملكا للمرأة خاصة.
[المسألة 351:]
إذا كان صداق المرأة دينا على الزوج فأبرأت ذمته منه أو كان عينا
فوهبته إياها، ثم طلقها قبل الدخول رجع الزوج عليها بنصف المهر،
فيجب عليها أن تدفع إليه نصف مثله إذا كان مثليا ونصف قيمته إذا
كان قيميا.
[المسألة 352:]
إذا سمى الرجل للمرأة في العقد مهرا معينا ودفع إليها شيئا آخر
عوضا عنه كما إذا أصدقها ألف دينار، ودفع إليها نخيلا أو أرضا بدلا
عنه، ثم طلق المرأة قبل الدخول كان له نصف ما سماه لها في العقد،
ولم يسترجع من العوض شيئا.
[المسألة 353:]
إذا طلق الرجل المرأة، فادعت هي أنه جامعها قبل الطلاق ونتيجة
دعواها أن يكون طلاقه لها بعد الدخول وأنها تستحق المهر كله، وأنكر
هو الجماع ولذلك فيكون الطلاق قبل الدخول فليس لها إلا نصف المهر،
فالقول قول الرجل مع يمينه. ويمكن له في بعض الحالات أن يقيم
بينة على كذب دعواها، كما إذا ادعت أنه واقعها قبلا، وكانت باكرة،
فإذا أقام البينة على أنها لا تزال باكرة، ثبت قوله من غير يمين،
وكذلك إذا شهدت البينة بأنهما لم يتلاقيا بعد العقد لأنه كان مسافرا
أو مسجونا أو مريضا مثلا.
[المسألة 354:]
إذا جعل الرجل صداق زوجته عينا مشخصة، دارا أو عقارا أو
شبههما فملكت المرأة تلك العين شخصا آخر بأحد المملكات الشرعية ثم
طلقها الزوج قبل الدخول بها، فإذا كان تمليكها العين بناقل لازم
كالبيع والصلح والهبة اللازمة كان ذلك بمنزلة تلف العين، فيسترد
الزوج منها نصف مثل العين إذا كانت مثلية ونصف قيمتها إذا كانت
127

قيمية، وإذا كان تمليكها بعقد جائز كالهبة غير اللازمة والبيع بخيار،
فلا يترك الاحتياط بأن تفسخ المرأة العقد على العين وتدفع إلى الزوج
نصفها إذا طالبها به.
[المسألة 355:]
إذا اختلف الرجل والمرأة في مقدار المهر فقالت الزوجة: هو مائة
دينار مثلا، وقال الزوج: هو خمسون دينارا، فالقول قول الزوج مع
يمينه إلا أن تثبت الزوجة صحة ما تقول، وكذلك إذا ادعت دارا أو
عقارا أو عينا أخرى أن الزوج قد جعلها مهرا لها في عقد نكاحهما
وأنكر الزوج ذلك، فالقول قول الزوج مع يمينه إذا لم تثبت المرأة
صحة دعواها.
[المسألة 356:]
إذا اختلفا في تعجيل المهر وتأجيله فقالت المرأة: إنه حال معجل،
وقال الزوج: إنه مؤجل، فالقول قول المرأة في نفي الأجل مع يمينها، إلا
أن يثبت الرجل صحة ما يدعيه، وكذلك الحكم إذا اتفقا على التأجيل
واختلفا في مقدار الأجل، فقالت المرأة: إنه مؤجل إلى سنة، وقال
الزوج: هو مؤجل إلى سنتين، فالقول قول المرأة مع يمينها، إلا أن
يثبت الزوج صحة مدعاه.
[المسألة 357:]
إذا ادعى الرجل أنه قد دفع إلى المرأة مهرها وأنكرت المرأة أنه دفع
إليها شيئا منه، أحلفت على عدم التسليم، فإذا حلفت حكم على الزوج
بوجوب دفع المهر إلا أن يثبت بالموازين الشرعية صحة قوله وكذلك
الحكم إذا ادعى أنه دفع إليها المهر كله وهو مائة دينار مثلا، فأقرت
له بأنه قد دفع إليها خمسين دينارا وأنكرت أنه دفع الباقي، فيقدم
قولها مع يمينها على عدم دفع الباقي.
[المسألة 358:]
إذا دفع الرجل إلى المرأة مبلغا معينا من المال، ثم اختلفا، فقالت
المرأة: إنك دفعت لي المبلغ المعين هبة، وقال الرجل: بل دفعته لك
صداقا، فإذا كان اختلافهما في ما قصده الزوج حين ما دفع إليها المال،
128

كان القول في ذلك قول الزوج مع يمينه، فيحلف لها يمينا، ويحكم
بكون المبلغ المدفوع لها صداقا، وإذا ادعت المرأة أنه حين ما دفع إليها
المبلغ تلفظ بصيغة الهبة، وادعى الرجل أنه قال لها: هو وفاء ما في
ذمته من الصداق كان ذلك من التداعي بينهما، فيحلف كل واحد منهما
على نفي ما يدعيه الآخر وتسقط الدعويان كلتاهما.
[المسألة 359:]
إذا زوج الأب أو الجد للأب ولده الصغير على مهر معين، فالمهر في
مال الولد إذا كان له مال، وفي ذمته إذا كان المهر مؤجلا واقتضت
مصلحة الطفل ذلك أو لم تكن فيه مفسدة على الطفل، وإذا زوجه وكان
في اشغال ذمة الطفل بالمهر المؤجل مفسدة أو كان المهر معجلا ولم يكن
للطفل مال كان المهر على الولي، فإذا مات أخرج من تركته.
[المسألة 360:]
إذا تبرع أحد عن الزوج بمهر زوجته فدفعه إليها، ثم طلق الرجل
زوجته قبل أن يدخل بها استرجع الزوج نصف المهر من الزوجة ولم
يرجع إلى المتبرع، وكذلك إذا تبرع الولي فدفع المهر عن ولده الصغير
أو كان المهر على الولي كما في بعض فروض المسألة السابقة، فإذا بلغ
الطفل وطلق زوجته ولم يدخل بها كان نصف المهر للولد لا للولي.
[المسألة 361:]
يجوز لكل من الرجل والمرأة أن يشترط على الآخر في عقد النكاح
بينهما ما يشاء من الشروط المباحة، والتي لا تخالف مقتضى العقد،
فإذا تراضى الطرفان على ذلك وتم عليه الايجاب والقبول لزم الشرط
على المشروط عليه ووجب الوفاء به، وإذا لم يف بالشرط كان آثما،
إلا أن يأذن المشروط له فيسقط حقه برضاه.
وإذا تخلف الشرط أو تعذر وجوده لم يكن للمشترط خيار فسخ
النكاح، إلا إذا اشترط وجود بعض الصفات في الزوج أو في الزوجة
كما تقدم في فصل العيوب والتدليس، وهذا أحد الفوارق بين النكاح
وسائر العقود الأخرى.
129

[المسألة 362:]
لا يصح أن يشترط الرجل أو المرأة في عقد النكاح ما يخالف الكتاب
والسنة كما إذا اشترطت المرأة على الرجل أن يجعل الطلاق بيدها إذا
شاءت، أو أن لا يمنعها من أن تخرج من بيته متى شاءت، أو أن لا
يمنعها من صحبة من تريد من رجال ونساء، أو أن لا يجعل لزوجته
الأخرى حظا في قسمة الليالي والمضاجعة أو لا يجعل للضرة نصيبا في
النفقة أو ما يشبه ذلك، فإذا اشترطت المرأة أو الرجل في عقد النكاح
شيئا من ذلك بطل الشرط وصح العقد والمهر. وإذا اشترطت المرأة
عليه أن لا يتزوج عليها زوجة أو لا يتسرى بأمة مملوكة ففي صحة هذا
الشرط اشكال، ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 363:]
إذا شرطت المرأة على الرجل في عقد النكاح أن لا يفتضها، صح
الشرط ولزم الزوج الوفاء به فلا يجوز له افتضاض بكارتها، ويجوز
له ما سوى ذلك من الاستمتاعات، وإذا أذنت له بعد ذلك به جاز له
سواء كان زواجهما دائما أم منقطعا.
[المسألة 364:]
لا يجوز لأحد الزوجين أن يشترط خيار فسخ النكاح لنفسه أو لغيره
سواء كان النكاح دائما أم منقطعا، وإذا شرط ذلك بطل الشرط
والمشهور بطلان العقد بذلك، ولا يترك الاحتياط بتجديد العقد إذا
أراد الامساك، وبايقاع الطلاق أو هبة المدة إذا أراد الفراق.
[المسألة 365:]
يجوز لكل من الزوجين أن يشترط لنفسه الخيار في المهر إذا كان
العقد دائما ولا بد وإن تعين للخيار مدة معلومة، فإذا فسخ المهر المسمى
بينهما ودخل الزوج بالمرأة قبل ذلك أو بعده وجب عليه أن يدفع للمرأة
مهر المثل سواء كان أكثر من المسمى أم أقل، فإذا دخل بها وقد دفع
إليها المهر المسمى استرد الزائد منه إذا كان أكثر من مهر المثل وأتمه
إذا كان أقل. وإذا طلق الزوجة قبل الدخول بها وجبت لها المتعة،
130

وقد تقدم بيانها في المسألة الثلاثمائة والسابعة والأربعين، ويسترد
المهر المسمى إذا كان قد دفعه إليها.
ولا يجوز اشتراط الخيار في المهر إذا كان العقد منقطعا، وإذا
شرطه أحدهما فلا بد من مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه في المسألة
المتقدمة.
[المسألة 366:]
إذا شرطت المرأة على الرجل أن لا يخرجها من بلدها أو من أهلها،
أو أن تكون إقامتها في بلد خاص أو في منزل معين أو مع جماعة
مخصوصين تقيم معهم حيث أقاموا، صح ذلك ولزم على الزوج العمل به.
[الفصل التاسع]
[في القسم والمضاجعة]
[المسألة 367:]
الظاهر أنه يثبت للزوجة حق القسم في الليالي للمضاجعة وإن كانت
واحدة كما هو القول المشهور وإنما يثبت هذا الحق للزوجة الدائمة
فلا يجب القسم في الليالي للمتمتع بها وإن كانت طويلة الأجل، ولا
للأمة الموطوءة بالملك أو بالتحليل.
[المسألة 368:]
إذا كانت للرجل زوجة واحدة وجب على الزوج أن يبات معها ليلة
واحدة من كل أربع ليال، وتبقى للزوج ثلاث ليال من الأربع يجوز
له أن يضعها حيث يشاء، وإذا كانت له زوجتان كانت لهما ليلتان من
الأربع لكل واحدة منهما ليلة يضاجعها فيها، وللزوج الليلتان الباقيتان،
وإذا كانت له ثلاث زوجات اختصت كل زوجة منهن بليلة، وبقيت له
الليلة الرابعة، ويجوز له في هذه الصور أن يفضل بعض زوجاته
بالليالي التي يختص بها أو ببعضها فيبات في الليلة أو الليلتين اللتين
يختص بهما عند أيهن أراد، والأفضل التسوية بينهن، فإذا فضل إحداهن
في الدور الأول بلية فضل الثانية في الدور الثاني بليلة ثم الثالثة حتى
131

يتساوين في التفضيل كما تساوين في القسم، وإذا كن أربع زوجات،
اختصت كل واحدة منهن بليلة ولم يبق للزوج شئ، ثم يبتدي ء الدور
الثاني ويصنع فيه كما صنع في الدور الأول، وهكذا، ولا يجب للزوجة
في ليلتها التي تختص بها أكثر من المضاجعة، وأما الجماع فهو إلى
اختيار الزوج نعم يجب للمرأة الشابة في كل أربعة أشهر مرة واحدة
وهو الأحوط استحبابا لغير الشابة، وقد تقدم ذلك في المسألة الثامنة
عشرة.
[المسألة 369:]
يثبت للزوجة حق القسم في الليالي سواء كان الزوج حرا أم عبدا
بل وإن كان خصيا أو عنينا إذا رضيت به المرأة ولم تفسخ عقد النكاح،
وسواء كانت الزوجة أو الزوجات حرائر أم مملوكات أم ذميات أم
مختلفات، وإذا كان بعض الزوجات حرائر وبعضهن مملوكات أو ذميات
كان الدور بينهن من ثمان ليال، وتكون للحرة المسلمة ليلتان منها،
وللمملوكة المسلمة أو الحرة الذمية ليلة واحدة، ويكون باقي الليالي
الثمان للزوج يضعها حيث يشاء.
[المسألة 370:]
يجوز للزوجة أن تسقط حقها من قسمة الليالي، وأن تهبه للزوج
ليصرف ليلتها في ما يريد، ويجوز لها أن تهب حقها لبعض ضراتها إذا
رضي الزوج بذلك فتكون ليلتها حقا لتلك الضرة، ويجوز لها أن ترجع
بهبتها، فيعود الحق لها في ما يأتي من أدوار القسمة، ولا يقضي لها
ما مضى من الليالي.
ويجوز للرجل أن يصالح المرأة عن حقها من قسمة الليالي بمبلغ
من المال، فتكون ليلتها له خاصة، ويجوز كذلك لبعض ضراتها أن
تصالحها عنه إذا رضي الزوج بمصالحتها فيكون الحق لتلك الضرة.
[المسألة 371:]
إذا تزوج الرجل امرأة باكرة، فله أن يخصها في أول زواجه بها
بسبع ليال، والأحوط أن لا تكون أقل من ثلاث ليال، وإذا تزوج امرأة
132

ثيبا خصصها بثلاث ليال، ثم عاد إلى القسم بين نسائه، ولا يقضي تلك
الليالي لزوجاته الأولى
[المسألة 372:]
لا يجب القسم من الليالي للزوجة إذا كانت صغيرة لا يجوز وطؤها،
أو كانت ناشزة أو مجنونة مطبقة، ولا ذات أدوار في دور جنونها،
ويجوز للزوج أن يسافر وحده ولا يصحب معه أحدا من زوجاته، ثم
لا يقضي لهن ما فاتهن في أثناء السفر، وإذا صحب بعضهن فلا يقضي
للمتخلفات.
[الفصل العاشر]
[في النشوز والشقاق]
[المسألة 373:]
نشوز المرأة هو خروجها عما يجب للرجل عليها من حقوق الزوجية،
فإذا منعت زوجها من الاستمتاع بها ولم تمكنه من نفسها ولا عذر لها
في ذلك فقد نشزت، وإذا خرجت من بيته بغير إذنه ولو إلى بيت أبيها
أو قريبها، ولا عذر لها في ذلك فقد نشزت، وإذا عصمت أمره أو نهيه
في غير معصية الله ولا عذر لها في مخالفته فقد نشزت والأحوط أن لا
تجري أحكام النشوز عليها، حتى يتكرر ذلك منها، ويخشى أن يكون
عادة لها ودأبا، ولعل ذلك هو المراد في الآية الكريمة واللاتي تخافون
نشوزهن.
[المسألة 374:]
الزوج المؤمن والزوجة المؤمنة هما الخلية الموحدة التي تتكون منها
الأسرة السعيدة في ظل الاسلام، وترتكز الوحدة بينهما على الايمان
بالله وبدينه، والسعي الدائب في تطبيق أحكامه، وعلى الصلة العميقة
الحية الواعية التي أنشأها دين الله بينهما وأفهمهما روحها ولقنهما
تعاليمها وأطعمهما غذاءها ولذذهما وأسعدهما بعطائها.
ومن أجل ذلك حث الاسلام الزوج حين ما يختار له زوجة تشاركه
الحياة، وحث الزوجة وولي أمرها حين ما يطلبان لها زوجا يسعدها
133

في البقاء، حثهما أن يكون الدين والايمان الحي والخلق الرضي أول
ما يفكر الزوج أن يكون موجودا في زوجته، وأول ما تطلبه الزوجة
أن يكون مضمونا في زوجها، وأن يكون الجمال والمال والملذات الأخرى
هي آخر ما يبتغيان وجوده أو يفكران فيه، فالدين والايمان والخلق
الزكي هي الأمور الثابتة التي لا تتحول، وإذا تحولت فإلى ما هو أكثر
رقيا وأكثر سعادة، والمال والجمال وشبههما هي الأمور التي تحول
وتتغير، وإذا تغيرت فإلى ما هو أكثر تحولا وأشد تغيرا.
والدين والايمان والخلق الرضي حين ما تكون هي الركيزة التي
توحد الزوجين وتغمر حياتهما تجعل من العسير أو من المستحيل أن تفكر
المرأة أو الرجل في نشوز أو شقاق أو تنكر أو فراق، وكل ما يكون في
هذا المجال من ذلك فإنما يكون من أضداد تلك الأمور، من عدم الدين،
أو الدين غير الثابت، ومن عدم الايمان أو الايمان غير الواعي، ومن
عدم الخلق أو الخلق غير الزكي، فتتجاوز المرأة حدودها لبعض
الانفعالات الطارئة من غضب وشبهه، أو لدالة منها على الرجل بمال
أو بجمال أو لحب غير معتدل من الزوج، وهو على الأكثر يكون لجهل
بالحدود الشرعية وضعف في الخلق الزكي، فتمنع الزوج بعض حقوقه
الواجبة عليها وتصر على ذلك فيكون النشوز منها ثم يكون الشقاق.
ويتعالى الرجل برجولته أو بشئ مما خوله الله وأنعم به عليه فيتعدى
حدوده مع زوجته الضعيفة، ويغمط حقوقها الواجبة عليه، ويصر على
ذلك فيكون النشوز منه ثم يكون الشقاق، وهو في الأكثر أيضا ينشأ
من جهل الرجل بحدوده وجهله بحقوق المرأة وجهله بأحكام الله التي
وضعها لتعيين هذه الحدود والحقوق أو لضعف ايمانه بالله الذي شرع
هذه الأحكام، ولولا الجهل وضعف الايمان وضعف الخلق ما احتاج الرجل
المسلم ولا المرأة المسلمة إلى جعل أحكام للنشوز ولا لنصب حكام للشقاق
بين الزوجين.
[المسألة 375:]
يحسن بالرجل المؤمن حين يتزوج بالمرأة المؤمنة ويختارها شريكة
له في الحياة لأنها مؤمنة، كما أرشده إلى ذلك دين الله العظيم، ففي الحديث
134

عن أبي جعفر (ع) قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله يستأمره في النكاح،
فقال صلى الله عليه وآله: نعم، انكح وعليك بذوات الدين تربت يداك، وقوله صلى الله عليه وآله
للرجل: تربت يداك كلمة تستعمل العرب أمثالها للحث على الفحص
والبحث عن الشئ قدر ما يستطاع، فهو صلى الله عليه وآله يوصي الرجل بالزواج
بذوات الدين وبذل المزيد من الجهد في الفحص عنهن للتزويج.
يحسن بالرجل المؤمن حين يقترن بالمرأة المؤمنة أن يغتنم وجودها
لديه فرصة يستعرض فيها مع زوجته مقويات العقيدة ومرسخات الايمان
ومزكيات الخلق، ليثبت الغرس فيهما معا ويكثر ويطيب النماء ويزداد
العطاء، ويستعرضان أحكام الشريعة التي تخص العلاقة الزوجية
ليتعرفا ما لكل منهما على صاحبه من الحقوق وما عليه من الواجبات،
فإن ذلك أضمن لصلتهما من الوهن، وآمن لحياتهما من الانزلاق والله
هو المعين الكافي.
[المسألة 376:]
إذا تحقق النشوز من المرأة على ما تقدم بيانه في المسألة الثلاثمائة
والثالثة والسبعين، وعظها الزوج وحذرها مغبة ذلك وذكرها نهي الله
عنه وتحريمه إياه، ولو بذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن،
أو بالاستعانة بغيره ممن يحسن القيام به، والأحوط له أن يتدرج في
الوعظ من اللين إلى الشدة بحسب مراتب النهي عن المنكر، فإذا لم
يؤثر ذلك في ردعها، هجرها في المضجع، فيوليها ظهره في المنام ويبدي
عدم الاهتمام بها، أو يعتزل فراشها، متدرجا كذلك من الأخف إلى
الأشد، فإذا لم ترجع عن نشوزها جاز له ضربها متدرجا في ذلك، ولا
يضربها الضرب المبرح، وهو الذي يدمي اللحم أو يلون الجسد، ولا
يضربها بقصد التشفي والانتقام منها، بل بقصد الردع والتأديب،
فإن ذلك هو مقتضى القوامة للزوج والاصلاح لخطأ الزوجة.
[المسألة 377:]
إذا ظهرت من المرأة علامات النشوز، ولم يتحقق بالفعل خروجها
عن الطاعة الواجبة عليها، كما إذا غيرت آدابها المعتادة مع الزوج،
أو أبدت العبوس والتقطيب أمامه، أو أظهرت التثاقل والتبرم في
135

حوائجه بعد ما كانت على خلاف ذلك، وعظها وحذرها عقبى هذا
السلوك كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإذا لم يجد ذلك في اصلاحها
جاز له هجرها، ولم يجز له ضربها حتى يتحقق النشوز على ما سبق
بيانه.
[المسألة 378:]
إذا حصلت بالضرب جناية على المرأة أو اتلاف لبعض أموالها وجب
على الزوج الغرم فيضمن أرش الجناية وبدل المال التالف، وإذا كانت
الجناية عن عمد ثبت لها أو لوليها حق القصاص.
[المسألة 379:]
لا يتحقق النشوز من المرأة إذا خرجت عن الطاعة في شئ لا يجب
عليها القيام به ومثال ذلك أن تمتنع عن الطبخ أو عن كنس المنزل أو
عن تمهيد الفراش أو عن غسل الثياب، أو من بعض حوائج الرجل التي
لا تجب عليها وإن كان ذلك على خلاف عادتها معه.
[المسألة 380:]
إذا تحقق النشوز من الرجل فمنع الزوجة بعض حقوقها الواجبة
عليه من قسمتها في الليالي أو من النفقة أو غير ذلك مما يجب عليه
القيام به، جاز للمرأة أن تطالبه بحقها الممنوع وتحذره نتائج ذلك
وعقباه وتخوفه عقوبة الله سبحانه في مخالفة أمره ونهيه ويمكنها أن
تستعين بغيرها في وعظه وتحذيره وتذكيره، فإذا لم يؤثر ذلك شيئا
رفعت الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإذا أثبتت نشوز الرجل عند الحاكم
زجره عن تعديه ومخالفته لما يجب عليه، فإن لم ينفع ذلك عزره بما
يراه، وألزمه القيام بالحقوق، وإذا امتنع عن الانفاق على المرأة تولى
الحاكم الانفاق عليها من مال الزوج ولو ببيع بعض ممتلكاته.
[المسألة 381:]
إذا كره الرجل صحبة المرأة لكبر سنها مثلا فهم بطلاقها أو أراد
التزويج عليها، أو هم بشئ آخر يباح له ولكنه يضايقها كابعادها عن
أهلها، أو اسكانها في موضع لا ترغب السكنى فيه، فللزوجة أن تبذل
له بعض المال أو تترك له بعض حقوقها الواجبة عليه كالقسمة من
136

الليالي والنفقة، لئلا يطلقها، أو لئلا يتزوج عليها، أو لا يفعل الأمر
الذي يضايقها فيه، ويجوز للزوج أن يقبل ذلك منها.
وإذا أساء الرجل معاشرة المرأة وترك بعض حقوقها الواجبة عليه
أو آذاها بالضرب والشتم والإهانة، فبذلت له بعض المال أو تركت له
بعض الحقوق ليمسك عن أذاها أو لتتخلص بذلك من سوء معاشرتها،
أو ليقوم بما ترك من الحق الواجب لها لم يحل للزوج أخذ شئ من
ذلك، وإذا أخذه كان غاصبا آثما.
[المسألة 382:]
إذا كره كل من الزوجين صاحبه وخيف وقوع الشقاق بينهما، ورفع
الأمر إلى الحاكم الشرعي، أنفذ الحاكم حكما من أهل الزوج وحكما
من أهل الزوجة ممن يعتمد عليه في حل مثل هذه المشكلات وعدم التحيز
بغير حق لينظروا في أمر المتنازعين ويحلا مشكلتهما، وإذا تعذر وجود
الحكمين من أهليهما أنفذ حكمين أجنبيين على الأحوط، وإذا تعذر
الحكم من أهل أحدهما أنفذ عنه حكما أجنبيا.
ويجب على الحكمين أن يبذلا وسعهما في استيضاح سبب المنافرة بين
الزوجين، فينفرد حكم الزوج بالزوج ويستقصي بالسؤال منه عن
الأشياء التي تدور في نفسه حول المشكلة، وينفرد حكم الزوجة بالزوجة
كذلك، ثم يجتمع الحكمان ليتفاهما ولا يخفي أحدهما من معلوماته
شيئا عن صاحبه، ويتفاهمان في الأمر مبلغ طاقتهما، فإذا استقر رأيهما
على الصلح بين الزوجين، وحكما به نفذ حكمهما على الزوجين ولزمهما
الرضا بكل شرط يشترطه الحكمان عليهما أو على أحدهما إذا كان
سائغا، كما إذا شرطا على الرجل أن يسكن المرأة في بلد معين أو في
منزل مخصوص أو مع أناس معينين، أو شرطا عليه أن لا يسكن المرأة
مع ضرتها أو مع بعض أقاربه في منزل واحد، أو أن يدفع لها مبلغا
من المال، مع قدرته على إنفاذ شرطهما، وكما إذا شرطا على المرأة أن
تؤجل بعض ديونها الحالة على الرجل من صداق أو غيره، أو أن تمتنع
من صحبة من يتهمهم الزوج بأنهم يفسدون أمرها، أو أن تترك بعض
الخصال التي يمقتها الزوج فيها.
137

ولا ينفذ قولهما إذا شرطا أمرا غير سائغ في الشريعة، ومثال ذلك أن
يشترطا على الزوج أن لا يقسم لزوجته الأخرى من الليالي أو أن لا
ينفق عليها، أو أن تخرج المرأة من بيته بغير إذنه متى أرادت وأين
أرادت.
[المسألة 383:]
إذا استقر رأي الحكمين على أن يفرقا بين الزوجين لم يصح ذلك ولم
ينفذ إلا بعد أن يستأمراهما في ذلك، ويرضى الزوج بالطلاق وترضى
الزوجة بالبذل إذا كان خلعا أو مباراة.
ويمكن للحكمين أن يشترطا ذلك على الزوجين في أو التحكيم،
فيقولا لهما مثلا: نحن حكمان شرعيان في أمركما، وقولنا نافذ في
شأنكما إن شئنا جمعنا بينكما وإن شئنا فرقنا، فإذا رضي الزوجان
بشرطهما صح ويمكن لهما أن يستأمرا الزوجين في هذه الصورة أيضا
بعد أن يتفقا على الفرقة.
والتفريق الذي يوقعه الحكمان بين الزوجين إنما هو طلاق أو خلع،
ولذلك فلا بد من اجتماع شرائط الطلاق أو الخلع، فلا بد من أن تكون
المرأة في طهر لم يواقعها الزوج فيه، ولا بد من صيغة الطلاق أو الخلع
من حكم الزوج وحضور شاهدين عادلين يسمعان الصيغة، وهكذا في
بقية الشرائط المعتبرة، ولا يصح التفريق من الحكمين إذا هما اختلفا
في ذلك، بل ولا حكم لهما في غير التفريق أيضا مع اختلافهما.
[المسألة 384:]
من أهم ما يوجب النحج للحكمين في سعيهما أن يخلصا نيتهما في إرادة
الاصلاح في عملهما كما يرشد إليه قوله تعالى في آية التحكيم: (أن يريدا
اصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا).
138

[الفصل الحادي عشر]
[في أحكام الأولاد]
[المسألة 385:]
يلحق الولد شرعا بالزوج إذا اجتمعت ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يدخل الرجل بالأم بحيث يعلم أنه أنزل فيها أو
يحتمل ذلك، أو ينزل ماءه على فرج المرأة أو حواليه بحيث يحتمل
تسرب الماء داخل الفرج، ويلحق بذلك أن تستدخل نطفة الزوج في
المرأة بإبرة أو أنبوب صناعي ونحوهما من الوسائل التي تعد لذلك.
الشرط الثاني: أن تمضي مدة ستة أشهر أو أكثر من حين وطء
الزوج الآنف بيانه أو ما هو بحكمه إلى وقت ولادة الطفل.
الشرط الثالث: أن لا يتجاوز ما بينهما أقصى مدة الحمل، وهو
سنة على الأقوى، والقول المشهور بين الفقهاء أن أقصى مدته تسعة
أشهر، وقيل هو عشرة أشهر.
فلا يلحق الولد بالزوج إذا انتفى واحد من الشروط المذكورة، فلا
يكون الولد ولدا له شرعا إذا انتفى الوطء على الوجه المتقدم ذكره أو
ما هو بحكم الوطء، ولا يكون ولده شرعا إذا تولد طفلا حيا كاملا قبل
أن تمضي على حمله ستة أشهر من حين الدخول بأم الولد أو ما هو بحكم
الدخول، ولا يكون ولده شرعا إذا ولد الطفل بعد ما تجاوز سنة من
حين دخول الزوج بأم الطفل أو ما هو بحكم دخوله بها، كما إذا اعتزل
الرجل عنها أكثر من سنة أو غاب عنها أو سجن كذلك ثم ولدت الطفل
بعد ذلك.
[المسألة 386:]
إذا اجتمعت الشروط الثلاثة المذكورة لحق الولد بالرجل شرعا ولم
يجز للرجل أن ينفيه عن نفسه وإن علم بأن المرأة قد فجرت أو وطئت
بشبهة في ذلك الوقت أو اتهمها بالفجور، أو كان قد عزل عنها في
جماعه لها من غير فرق بين أن يكون نكاحهما دائما أو بالمتعة فيكون
آثما في جميع ذلك.
139

[المسألة 387:]
إذا نفى الرجل الولد عن نفسه مع اجتماع الشرائط الآنف ذكرها
وكان نكاحه للزوجة دائما لم ينتف الولد عنه إلا باللعان، ما بينه وبين
الزوجة، وإذا نفاه مع اجتماع الشرائط وكان النكاح منقطعا انتفى
الولد عنه بحسب الظاهر من غير لعان، نعم إذا ادعت الأم المتمتع بها
صحة نسبة الولد إليه، كان على الرجل اليمين في نفي دعواها إذا لم
تكن لها بينة على الاثبات، وكذلك إذا ادعى الولد بعد كماله صحة نسبه
إلى الرجل وأنكر الرجل ذلك كان عليه اليمين، ويلاحظ ما سيجئ من
التفصيل في كل من الزوجة الدائمة والمنقطعة في كتاب اللعان.
[المسألة 388:]
إذا نفى الرجل ولد الزوجة المتمتع بها عن نفسه وعلم من القرائن
أو من تصريحه أو بشهادة بينة على قوله إنه يحتمل أن الولد ولده ألحق
الولد به شرعا وكان نفيه ملغى وقد تقدم هذا في المسألة المائتين والتاسعة
والتسعين.
[المسألة 389:]
الوطء مع الشبهة كالوطء في النكاح الصحيح يلحق معه الولد
بالواطئ المشتبه إذا ولد بعد مضي ستة أشهر أو أكثر من حين الوطء
ولم يتجاوز أقصى مدة الحمل وهو سنة كما تقدم بيانه.
[المسألة 390:]
إذا كانت المرأة زوجة شرعية لرجل ووطأها رجل آخر مع الشبهة ثم
ولدت طفلا، وتوفرت شروط الالحاق بكل من الرجلين، أقرع بينهما
وألحق الولد بمن تعينه القرعة منهما.
[المسألة 391:]
إذا كانت المرأة ذات عدة رجعية ووطأها رجل آخر مع الشبهة ثم
ولدت طفلا وتوفرت شروط الالحاق بكل من الزوج المطلق لها والرجل
الذي وطأها شبهة أقرع بينهما كما في ذات البعل والحق الولد بمن تعينه
القرعة، وكذلك الحكم في المرأة إذا وطأها رجلان مع الشبهة، وتوفرت
140

شرائط الالحاق بكلا الرجلين، فيقرع بين الرجلين، فمن أخرجته
القرعة لحق به الولد.
[المسألة 392:]
إذا عقد الرجل على امرأة فحملت المرأة بعد العقد، أو ولدت طفلا
بعد مدة، فادعت المرأة أن الرجل قد دخل بها لتلحق به الولد، وأنكر
الرجل أنه قد دخل بها، فالقول قول الرجل مع يمينه، وكذلك إذا
أتته زوجته المدخول بها بولد وادعت أنها ولدت الطفل منه، وأنكر
الزوج أنها ولدت الطفل وإنما هو ولد آخرين قد تبنته، فليس الولد
لهما، فالقول قول الزوج مع يمينه إلا أن تثبت صحة ما تدعيه.
[المسألة 393:]
إذا ولدت زوجة الرجل طفلا واعترف الرجل بأنه قد دخل بالمرأة،
وادعى أنها ولدت الطفل قبل أن تمضي على دخوله بها ستة أشهر، أو
ادعى أنها ولدته بعد أن تجاوزت أقصى مدة الحمل من حين جماعه إياها،
وأنكرت المرأة ذلك، فالقول قول المرأة مع يمينها، فإذا حلفت لحق
به الولد ولم ينتف عنه إلا باللعان.
[المسألة 394:]
إذا طلق الرجل زوجته واعتدت منه ثم تزوجت رجلا غيره، وأتت
بولد حي كامل، وتردد الأمر في الحاق الولد بأي الرجلين، فالصور
المحتملة في ذلك أربع، ولكل صورة منها حكمها.
الصورة الأولى: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول للمرأة
آخر مرة وولادة الطفل قد تجاوزت أقصى مدة الحمل وهو سنة، وتكون
المدة ما بين وطء الزوج الثاني وولادة الطفل تبلغ أشهر أو أكثر،
والولد في هذه الصورة يلحق شرعا بالزوج الثاني.
الصورة الثانية: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول في آخر
مرة وولادة الطفل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل، وتكون المدة ما بين
وطء الزوج الثاني إياها وولادة الطفل ستة أشهر أو أكثر، والولد في
هذه الصورة يلحق شرعا بالزوج الثاني كذلك.
141

الصورة الثالثة: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول وولادة
الطفل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل، وتكون المدة ما بين وطء الزوج
الثاني وولادة الطفل دون ستة أشهر، والولد في هذه الصورة للزوج
الأول، ويعلم من ذلك أن عقد الرجل الثاني ووطأه المرأة قد وقعا في
أثناء العدة من الأول، ولذلك فتحرم المرأة على الثاني تحريما مؤبدا.
الصورة الرابعة: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول وولادة
الطفل تتجاوز أقصى مدة الحمل، وتكون المدة ما بين وطء الزوج
الثاني وولادة الطفل أقل من ستة أشهر، والولد في هذه الصورة لا يلحق
شرعا بالزوج الأول ولا بالزوج الثاني.
[المسألة 395:]
إذا وطأ المالك أمته أو زوجها فوطأها الزوج، ثم باعها المالك فوطأها
المشتري أو زوجها المشتري من أحد فوطأها زوجها الجديد، فأتت بولد
وتردد الأمر في الحاق الولد بأي الواطئين، فتجري فيه الصور الأربع
التي تقدم تفصيلها وتثبت لكل صورة منها حكمها، ونظير ذلك ما إذا
طلق الرجل زوجته ثم وطأها بعد الطلاق رجل آخر وطء شبهة، وأتت
بولد تردد الحاقه بأيهما، فتجري فيها الصور الأربع وأحكامها.
[المسألة 396:]
لا يجوز للرجل أن يلحق ولد الزنا بنفسه وإن كان هو الزاني، كما
إذا أحبل المرأة من الزنا ثم تزوجها، أو أحبل الأمة من الزنا ثم اشتراها.
[المسألة 397:]
إذا وطأ السيد أمته بملك اليمين لحق به الولد شرعا ولا يجوز له
نفيه عنه، وإذا نفاه عن نفسه قبل نفيه من غير لعان، وإذا كان قد
اعترف بالولد لم يقبل منه نفيه بعد ذلك.
[المسألة 398:]
إذا وطأ السيد أمته وحملت وتمت شروط الحاق الولد بالمولى لحق
به الولد شرعا وإن كانت الأمة قد زنت قبل ذلك أو بعده.
[المسألة 399:]
إذا وطأ رجل أمة غيره مع الشبهة فحملت منه لحق الولد شرعا
142

بالواطئ، ويجب على الأمة أن تعتد من وطئه، وإذا كانت ذات زوج
وجب على زوجها أن يعتزلها ما دامت في العدة فإذا انقضت عدتها ردت
إلى الزوج.
[المسألة 400:]
لا يجوز للمرأة أن تلقح نفسها تلقيحا صناعيا بمني غير زوجها،
بأن تستدخله فيها بتوسط إبرة حاقنة أو أنبوب صناعي ونحوهما،
وتأثم إذا فعلت ذلك، فإذا حملت منه لحق الولد بها وبصاحب المني،
فلا يصح النكاح بين الولد وبينهما، ولا بينه وبين أولادهما أو إخوانهما
أو أخواتهما، وهكذا في بقية المحارم، وإذا كان التلقيح بمني زوجها
المعقودة عليه لحق الولد بالزوج والزوجة ولا إثم عليها في ما فعلت.
[المسألة 401:]
إذا ولدت امرأتان في موضع واحد كما قد يتفق ذلك في
مستشفيات الولادة أو مواضع التوليد الأخرى، واشتبه طفل إحدى
المرأتين بالآخر ولم يمكن التمييز، رجع إلى القرعة في التعيين، فيدفع
لكل امرأة منهما من تعينه القرعة لها من الطفلين، سواء كانت المرأتان
زوجتين لرجل واحد أم كان لكل واحدة زوج.
[الفصل الثاني عشر]
[في الولادة وما يتبعها]
[المسألة 402:]
يجب أن تتولى النساء خاصة شؤون المرأة عند ولادتها، ولا يجوز
أن يتولى ذلك غير الزوج من الرجال إذا لازم ذلك اطلاعهم على ما يحرم
اطلاعهم عليه، أو اقتضى المباشرة له بلمس ونحوه، إلا إذا اقتضت
الضرورة ذلك كحضور طبيب أو موظف صحي خاص، فيباح ذلك
للضرورة ويقدر الجواز بقدرها.
[المسألة 403:]
يستحب غسل المولود بعد ولادته إذا أمن من ضرر ذلك، ويستحب
أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في أذنه اليسرى، ففي الحديث إنه عصمة
143

له من الشيطان الرجيم، ويستحب تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين
(ع) فيخلط الماء بشئ من التربة ويدخل إلى حنكه وهو أعلى داخل فمه.
[المسألة 404:]
ينبغي أن يسمى الطفل الذكر عند ولادته محمدا إلى مدة سبعة أيام،
ثم إن شاء الأب أو غيره أن يغير اسمه بعد ذلك وإن شاء أبقاه، ويستحب
أن يختار له بعض الأسماء الحسنة وقد ورد عنهم (ع) إن ذلك من حقوق
الولد على والده، ويستحب أن يختار له كنية، وإذا كان اسم الطفل
محمدا فلا يكنه بأبي القاسم، ويستحب أن يحلق رأس الطفل في اليوم
السابع من ولادته وأن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويستحب
ختانه فيه.
[المسألة 405:]
تستحب الوليمة عند ولادة المولود، ويجوز له أن يؤخر الوليمة عن
يوم ولادته بأيام، وتستحب الوليمة أيضا عند الختان، وإذا ختن
المولود في اليوم السابع أو قبله وأولم عند الختان بقصد امتثال الاستحباب
للولادة وللختان معا فقد حصل الامتثال لهما.
[المسألة 406:]
يجب ختان الولد الذكر، وإذا لم يختن حتى بلغ وجب عليه أن يختن
نفسه، بل ويجب على الأحوط أن لا يترك الولي ختان الصبي إلى ما
بعد بلوغه، فإن أخره من غير عذر حتى بلغ الصبي عصى الولي بذلك
على الأحوط، ووجب على الولد أن يختتن كما ذكرنا.
[المسألة 407:]
إذا أسلم الكافر وهو غير مختون وجب عليه أن يختن نفسه مهما بلغ
من العمر وإن كان شيخا كبيرا وإذا أدركته المنية قبل ختانه سقط
وجوب الختان بالموت، وأثم بالتأخير إذا كان عامدا بتركه في حياته.
[المسألة 408:]
الختان واجب نفسي كما تقدمت الإشارة إليه، فيأثم المكلف الذكر
إذا ترك نفسه غير مختون، وهو شرط في صحة الطواف، سواء كان
144

في حج أم في عمرة، واجبين أم مندوبين، فإذا طاف الرجل وهو غير
مختون بطل طوافه، ولا تبطل صلاة الرجل ولا سائر عباداته إذا أتى
بها وهو غير مختون، إلا إذا أوجب ذلك خللا في طهارته من النجاسة أو
في غسله من الجنابة فتبطل صلاته من هذه الناحية.
[المسألة 409:]
الحد اللازم في الختان على الأحوط أن تقطع الجلدة الساترة للحشفة
حتى تبدو الحشفة كلها نعم لا يقدح بقاء بعض الجلدة إذا كانت الحشفة
ظاهرة، وإذا ولد الطفل ولا غلفة له كفى ذلك في ختانه، ويستحب
امرار الموسى على الموضع لإصابة السنة كما جاء في الحديث.
[المسألة 410:]
يستحب خفض الجواري، بل ورد أنه فيهن من المكرمات، والخفض
في الإناث كالختان في الذكور، وينبغي للمرأة الخافضة أن لا تستأصل،
وأن يكون لسبع سنين من عمر الفتاة.
[المسألة 411:]
يستحب العقيقة عن المولود استحبابا مؤكدا، وأن تكون في اليوم
السابع من ولادته، ولا يسقط استحباب العقيقة إذا تأخرت عن اليوم
السابع لعذر أو لغير عذر من غير فرق بين المولود الذكر والأنثى، وإذا
لم يعق عنه في صغره حتى كبر استحب له أن يعق عن نفسه مهما بلغ
من العمر، بل تستحب العقيقة عنه بعد موته إذا لم يعق عنه في حياته.
[المسألة 412:]
يستحب أن يعق عن المولود الذكر بذكر، وعن المولودة الأنثى بأنثى
وأن تكون العقيقة سمينة سالمة من العيوب، ولا بد وأن تكون من الأنعام
الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، وفي النصوص هي شاة لحم يجزي فيها
كل شئ، وإن خيرها أسمنها، ويستحب أن يقطعها جداول وأن لا
تكسر العظام، ولا يكره ذلك.
والأفضل أن تطبخ وأن يدعى عليها جماعة من المؤمنين، وأن يكون
عدد المدعوين عشرة فما زاد، والأفضل أن يكون طبخها بماء وملح،
145

ويجوز له أن يفرقها لحما، والأفضل في هذه الصورة أن يعطي القابلة
الربع من العقيقة وفي بعض النصوص أنها تعطى الرجل والورك،
وإذا أعطاها الربع الذي فيه الرجل والورك فقد عمل بالاستحبابين
ويقسم الباقي من لحمها على المحتاجين من المؤمنين.
[المسألة 413:]
يكره للأب أن يأكل من عقيقة ولده، بل ويكره أن يأكل منها أحد
من عيال الأب، والأحوط أن لا تأكل منها أم الطفل، بل لا يترك
هذا الاحتياط.
[المسألة 414:]
لا يجزي عن العقيقة أن يتصدق على الفقراء بثمنها، فإذا عجز عن
تحصيلها أخرها حتى يتمكن، وفي الحديث: الولد مرتهن بعقيقته فكه
أبواه أو تركاه، وفيه أيضا: إذا ضحي عنه أو ضحى الولد عن نفسه
فقد أجزأه عن عقيقته.
[المسألة 415:]
لا يجب على أم الطفل أن ترضع ولدها إذا لم ينحصر قوته برضاعها،
كما إذا وجدت له مرضعة غيرها أو أمكن سقيه اللبن وإن كان صناعيا
أو مستحضرا طبيا آخر يقومان بالحاجة، أو أمكن سقيه غير اللبن مما
يتقوت به الطفل فيجوز لها أن تمتنع عن ارضاعه في هذه الحالات ولها
أن تطلب الأجرة عليه.
وإذا انحصر قوت الطفل بارضاع أمه ولم يكن له قوت غيره، وجب
عليها ارضاعه ولكن تجوز لها المطالبة بالأجرة كذلك، فتدفع لها من
مال الطفل إذا كان له مال، وإذا لم يكن للطفل مال دفعت الأجرة لها
من مال الأب إذا كان موسرا، وإذا لم يكن له أب أو كان الأب معسرا
دفعت من مال جده للأب، الأقرب فالأقرب إذا كان موسرا.
[المسألة 416:]
إذا انحصر قوت الطفل بارضاع أمه ولم يكن للطفل مال، ولم يكن
له أب ولا جد، أو كانا غير موسرين وجب على الأم ارضاعه مجانا،
146

وتتخير بين ارضاعه بنفسها واستيجار مرضعة له أخرى، أو تحصيل
أية وسيلة أخرى لقوته، ويكون ذلك من مال الأم فإن الطفل يكون
واجب النفقة عليها في هذه الحال.
[المسألة 417:]
إذا تبرعت الأم بارضاع ولدها أو طلبت من الأجرة عليه مثل ما
يطلبه غيرها من المرضعات أو أقل منه كانت الأم أحق بارضاعه فلا يجوز
لأبي الطفل أن يسترضع له سواها، وإن كانت المرضعة الأخرى والأم
كلتاهما متبرعتين.
وإذا تبرعت غير الأم بارضاع الطفل وطلبت الأم عليه الأجرة، أو
طلبت من الأجرة ما يزيد على المرضعة الأخرى صح للأب أن يأخذ الطفل
من أمه ويدفعه إلى تلك المرضعة، والظاهر سقوط حق حضانة الأم
أيضا بذلك كما سقط حق الرضاع، وإن كان الأحوط مراعاة حق الأم
في الحضانة مع الامكان فيدفع الطفل إليها لتحضنه في غير أوقات الرضاع.
[المسألة 418:]
لبن الأم أفضل ما يرتضعه الطفل وأعظمه بركة عليه فلا ينبغي أن
يقدم عليه غيره، إلا إذا كانت المرضعة الثانية أشرف نسبا أو أحسن
دينا أو أزكى خلقا.
[المسألة 419:]
حد الرضاعة حولان كاملان أربعة وعشرون شهرا، وتجوز الزيادة
على ذلك، ويجوز أن ينقص عنه فيفصل الطفل وله أحد وعشرون شهرا،
ولا يفطم قبل ذلك لغير ضرورة تقتضيه فإنه من الجور على الصبي كما
ورد في الحديث.
[المسألة 420:]
أم الطفل أحق بحضانة ولدها وتربيته والقيام بشؤونه وصيانته
وحفظه إذا شاءت ذلك من غير فرق بين أن يكون الطفل ذكرا أو أنثى.
وإنما يثبت لها حق الحضانة بشرط أن تكون حرة مسلمة عاقلة،
والأحوط أن تكون مأمونة، فلا تثبت الحضانة لها إذا كانت أمة مملوكة،
147

أو كانت كافرة والولد لمسلم، أو كانت مجنونة، أو غير مأمونة،
ويسقط حقها من الحضانة إذا شاءت اسقاط حقها منها.
[المسألة 421:]
إذا توفرت الشروط المذكورة في الأم ثبت لها حق الحضانة، ولم
يجز للأب أن ينتزع الطفل منها إلى نهاية مدة رضاعه سنتين كاملتين،
ثم إلى أن يبلغ الطفل سبع سنين على الأحوط، وخصوصا في الأنثى،
بل لا يترك الاحتياط بالتصالح مع المرأة عن حقها إذا أراد الأب أن
يأخذ الطفل منها قبل ذلك.
نعم إذا طلبت الأم أجرة على رضاع الولد مع وجود مرضعة أخرى
متبرعة أو أقل منها في الأجرة سقط حقها من الرضاع وحقها من
الحضانة كما ذكرناه في المسألة الأربعمائة والسابعة عشرة، وقد قلنا
إن الأحوط مراعاة هذا الحق مع الامكان.
[المسألة 422:]
إذا فسخ الرجل نكاح الزوجة أو طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا وكانت
الزوجة ذات طفل منه، لم يسقط بذلك حق المرأة من حضانة ولدها،
إلا إذا تزوجت غيره بعد ذلك، فإذا تزوجت غيره سقط حقها من حضانة
ولد الأول، ثم لا تعود الحضانة إليها إذا فارقها الزوج الثاني، والأحوط
المصالحة.
[المسألة 423:]
لا يسقط حق المرأة في حضانة ولدها إذا هي زنت سواء كانت باقية
في عصمة الزوج أبي الطفل أم فارقته بطلاق أو فسخ.
[المسألة 424:]
الأب أحق بولده بعد أن تنتهي مدة حضانة الأم إلى أن يبلغ الولد
ويرشد، فإذا بلغ ورشد كان له الحق أن يلتحق بمن يشاء الالتحاق به
من الأبوين أو غيرهما أو يختار الاستقلال ولا فرق في ذلك بين الذكر
والأنثى.
والأب أحق بولده كذلك إذا لم تتوفر في الأم شروط الحضانة في مدة
الحضانة، وإذا تركت حضانته باختيارها، وإذا سقطت حضانتها بأحد
148

الأمور المسقطة لهذا الحق، وقد ذكرناها في المسائل المتقدمة، والأب
أحق بولده كذلك إذا ماتت الأم في أيام حضانتها.
[المسألة 425:]
الظاهر أن حق الأب في هذه الموارد الآنف ذكرها حكم شرعي، فلا
يسقط باسقاطه.
[المسألة 426:]
إنما ينتقل حق الحضانة إلى الأب في الموارد المذكورة إذا كان حرا
مسلما عاقلا، فلا ينتقل حق الحضانة إليه إذا كان مملوكا أو كان كافرا
والولد مسلم، أو كان الأب مجنونا، وتكون الأم أولى بالولد إلى أن
يبلغ وإن تزوجت.
[المسألة 427:]
إذا مات الأب في أيام حضانته للولد، فالأم أولى به من الجد أبي
الأب ومن وصي الأب وأقاربه جميعا.
[المسألة 428:]
إذا فقد الأب والأم معا، ففي ثبوت حق حضانة الطفل للجد أبي
الأب اشكال، وكذا في وصي الأب ووصي الجد، والأقرب من الأقارب.
[الفصل الثالث عشر]
[في نفقة الزوجة]
النفقات التي تجب على الانسان ثلاثة أنواع (1): نفقة الزوجة،
(2): نفقة الأقارب، (3): نفقة المماليك والبهائم.
[المسألة 429:]
يجب على الرجل القيام بنفقة زوجته إذا كان الزواج بينهما دائما،
سواء كانت الزوجة مسلمة أم ذمية وسواء كانت حرة أم أمة، ولا تجب
عليه نفقة الزوجة إذا كان النكاح منقطعا، ولا نفقة للزوجة في المدة
التي تكون بين العقد والزفاف على الزوج، وخصوصا إذا كانت الزوجة
صغيرة لا يبلغ عمرها تسع سنين.
149

[المسألة 430:]
القول المشهور بين الفقهاء قدس سرهم أنه لا نفقة للزوجة إذا نشزت
عن طاعة الزوج، وهذا الحكم على اطلاقه محل اشكال، نعم يسقط
وجوب نفقتها عن الرجل إذا خرجت عن منزله من غير إذنه ودون مسوغ
شرعي ما دامت خارجة عنه فإذا استمر خروجها مدة فلا نفقة لها في
تلك المدة وإن طالت، سواء كانت في سفر أم حضر، وسواء سكنت مع
أهلها أو غيرهم في منزل آخر أم لا، فإذا رجعت إلى زوجها وجبت
النفقة عليه.
[المسألة 431:]
تجب نفقة الزوجة على الرجل إذا زفت إليه وإن كانت مراهقة،
بل وإن كانت محرمة الوطء لصغر سنها، أو كان فيها أحد العيوب
الموجبة لجواز الفسخ إذا رضي الزوج بها ولم يفسخ العقد ولم يدخل.
ولا يبعد عدم وجوب النفقة على الزوج إذا كان صغيرا غير قابل
للاستمتاع بالمرأة، وإن زفت الزوجة إليه وكانت مراهقة أو كبيرة،
وإذا كان مراهقا قابلا للاستمتاع بالمرأة وزفت إليه زوجته وهي مراهقة
أو كبيرة فلا يترك الاحتياط بالانفاق عليها.
[المسألة 432:]
لا تسقط نفقة الزوجة إذا سافرت وكان سفرها بإذن زوجها،
سواء كان السفر واجبا أم مندوبا أم مباحا، ولا تسقط نفقتها كذلك
إذا سافرت بغير إذنه في سفر واجب مضيق كالسفر لحجة الاسلام والسفر
للحج المنذور المعين، إذا كان نذرها للحج بإذن زوجها.
وإذا سافرت في واجب موسع كالحج المنذور مطلقا والزيارة أو
العمرة المنذورين مطلقا وكان سفرها بغير إذن الزوج، فالظاهر سقوط
نفقتها بذلك.
[المسألة 433:]
يحرم على المرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه ودون عذر شرعي
لخروجها كذلك، سواء كان الخروج منافيا لحق استمتاع الزوج بها أم
150

لا، ويثبت بذلك نشوزها وتسقط به نفقتها كما تقدم، ولا يجب عليها
أن تستأذن من الزوج في سائر الأفعال الأخرى، وإذا فعلت شيئا من
ذلك بغير إذنه لم يكن محرما إذا لم يناف حق الاستمتاع.
[المسألة 434:]
تجب على الرجل نفقة مطلقته الرجعية إلى أن تنقضي عدتها منه
سواء كانت حاملا أم حائلا، إلا إذا كانت ممن لا نفقة لها كما إذا خرجت
من بيت زوجها بغير إذنه فسقطت نفقتها بسبب ذلك ثم طلقت قبل أن
تعود وتتوب من نشوزها، فلا تكون لها نفقة في هذه الحالة، وإذا رجعت
وتابت ثبتت لها النفقة، وإن كانت توبتها ورجوعها بعد الطلاق،
كما هو الحكم في غير المطلقة.
[المسألة 435:]
يجب الانفاق على المطلقة البائنة إذا كانت حاملا من المطلق، فينفق
عليها حتى تضع حملها، ولا تجب النفقة للمطلقة البائنة غير الحامل
منه، ولا للبائنة بغير الطلاق، سواء كانت حاملا أم حائلا، ولا لذات
العدة من النكاح المنقطع وإن كانت حاملا، ولا للمعتدة عدة الوفاة وإن
كانت حاملا كذلك، فلا نفقة لها في تركة زوجها ولا في نصيب الجنين الذي
في بطنها من الميراث.
[المسألة 436:]
إذا ادعت المطلقة البائنة أنها حامل من المطلق لوجود بعض الأمارات
التي تدل على الحمل بحسب العادة، وصدقها بعض النساء الثقاة
الخبيرات في دعواها، دفعت إليها النفقة يوما بعد يوم حتى ينكشف
أمرها، فإن استبان أنها حامل أتمت لها النفقة حتى تضع، وإذا تبين
عدم حملها استعيد منها ما أخذت من النفقة، ومع الشك تؤخر النفقة
حتى تنكشف الحال.
[المسألة 437:]
الانفاق على الزوجة هو القيام بما تحتاج إليه من طعام وأدام وكسوة
ومسكن، وفراش للمنزل وأثاث، ووسائل إنارة، وفراش للنوم
ودثار، ووسائل طبخ وأدوات، وأواني أكل وشرب، وآلات تنظيف
151

وتزين، وسائر ما تحتاج إليه بحسب حالها وشأنها ومكانها وزمانها
من صيف أو شتاء ويراعى في جنس كل شئ من أولئك وفي مقداره
ما تعارف اعتياده لأمثال تلك المرأة بحسب شرفها ومكانتها.
ومن الانفاق دفع أجرة الحمام إذا كان ذلك هو المعتاد لأمثالها في
البلد، وأجرة الطبيب وقيمة الدواء إذا احتاجت إليهما، ومصاريف
الولادة، وما تحتاج إليه في الشتاء من وسائل الاصطلاء والتدفئة وفي
الصيف من وسائل التهوية والتبريد، ومنه الاخدام إذا كانت من ذوات
الحشمة والاخدام، أو كانت مريضة محتاجة إلى الخدمة في أيام مرضها،
ويراعى في جميع ما ذكر وفي كيفيته ومقداره ما هو المتعارف لأمثالها
كما تقدم.
[المسألة 438:]
يجوز للمرأة أن تطالب زوجها في بداية اليوم بنفقة ذلك اليوم إذا
لم يكن قد دفع النفقة إليها، ولم يحدث لها ما يوجب سقوط نفقتها،
ويجوز لها أن تجتزي عن ذلك بالأكل والشرب مع الزوج من طعامه
وشرابه، وتقضي سائر احتياجاتها بما يعده في منزله لنفسه ولعياله
من أدوات ووسائل، وليس للزوج أن يجبرها على ذلك.
[المسألة 439:]
إذا انقضى اليوم ولم يدفع الرجل نفقة الزوجة فيه ولم تجتز بما
يبذله في بيته من نفقات، استقرت نفقة الزوجة لذلك اليوم في ذمته
ووجب عليه قضاؤها وهكذا في سائر الأيام، من غير فرق بين أن يكون
الزوج موسرا أو معسرا، نعم ليس للزوجة أو تطالب الزوج بهذا
الدين في حال اعساره.
[المسألة 440:]
إذا دفع الرجل إلى زوجته نفقة يوم أو أيام وانقضت تلك المدة ولم
يحدث في أثنائها ما يوجب سقوط وجوب النفقة عن الرجل، ملكت
الزوجة النفقة التي دفعها إليها، فإذا فضل منها شئ أو بقي جميعها،
كما إذا قترت على نفسها أو أنفقت من غيرها كان ذلك ملكا لها، سواء
كان ما دفعه الرجل إليها من أعيان النفقة نفسها أم من قيمتها.
152

[المسألة 441:]
إذا مات الزوج وقد استقرت في ذمته نفقة بعض الأيام لزوجته وجب
على الوارث أن يفي ذلك من أصل تركة الميت كما هو الحكم في سائر
الديون، وإذا ماتت الزوجة انتقل الدين إلى ملك ورثتها، فيرث الزوج
حصته منه ويجب عليه أداء حصص الباقين من الورثة.
[المسألة 442:]
يجوز للرجل أن يدفع للزوجة أعيان المأكول والمشروب جاهزة كاملة
كالخبز والأرز المطبوخ واللحم المطبوخ والكسوة المخيطة وسائر أعيان
النفقة مما هو جاهز بالفعل ولا يحتاج إلى طبخ ومزاولة واعداد،
ويجوز له أن يدفع لها أعيان النفقة، مما يحتاج إلى اعداد وكلفة
كالأرز والدقيق واللحم غير المطبوخة، والأقمشة غير المخيطة، وإذا
دفع لها النفقة من القسم الثاني واحتاجت في أعدادها إلى مؤونة وأجرة،
كان ذلك على الزوج كالحطب أو النفط، أو الغاز للطبخ، والأجرة
للخياطة.
ويجوز لهما أن يتراضيا بينهما على دفع القيمة، فتشتري هي أو
وكيلها ما تحتاج إليه، فإذا قبضت الزوجة القيمة أجزأت الزوج عن
الواجب.
[المسألة 443:]
النفقات التي تحتاج إليها المرأة في حياتها وفي إقامة شؤونها تكون
على قسمين، القسم الأول ما لا ينتفع به إلا بذهاب عينه، كالمأكول
والمشروب والصابون ودهن الرأس وزيوت الزينة والعطور، ولا ريب
في أن الزوجة تملك هذا القسم على الزوج، فيصح لها أن تطالب الزوج
بأن يملكها أعيان تلك الأشياء، لتصرفها في حاجاتها، ولها أن تجتزئ
عن تملكها بالانتفاع بما يدع الزوج منها لنفسه ولعياله في المنزل كما
تقدم في المسألة الأربعمائة والثامنة والثلاثين، ولعل الكسوة من هذا
القسم أيضا وإن كانت مما ينتفع به مع بقاء عينه، فتملك الكسوة على
الأقرب وتملك مطالبة الزوج بتمليكها، ولها أن تجتزئ بما يبذله منها.
153

القسم الثاني ما ينتفع به مع بقاء عينه، كالمنزل والخادم وفراش
البيت وفراش النوم، والدثار والأدوات والأواني والوسائل، والظاهر
أن الأشياء من هذا القسم إنما تستحقها الزوجة على سبيل الامتاع لا
التمليك فلا يجب عليه أن يملكها المنزل أو الخادم أو المبردة أو المدفئة،
بل يجوز له أن يمتع زوجته ويسد حاجتها بما يملكه هو أو بما يملكه
غيره بالإجارة أو الاستعارة ونحوهما، ويجوز له أن يملكها إياه.
[المسألة 444:]
ما تملكه المرأة من أعيان النفقة وهو القسم الأول في المسألة
المتقدمة يجوز لها أن تتصرف فيه بما تشاء، وأن تهبه أو تتصدق
به أو تبيعه، وإذا ملكته غيرها فليس لها بدله على الزوج، وإنما تجب
عليه نفقتها للأيام الأخرى.
فإذا ملك الرجل زوجته كسوة لتلبسها مدة معينة، وباعث المرأة
الكسوة أو وهبتها أو تصدقت بها في أثناء المدة لم يجب على الرجل أن
يدفع لها بدل الكسوة قبل أن تنتهي المدة المعينة لها، وإنما تجب عليه
الكسوة لما بعد ذلك من الأيام، إذا لم يحدث للمرأة ما يسقط وجوب
نفقتها.
وما يمتعها به الرجل من أعيان النفقة التي ينتفع بها مع بقاء
عينها وهو القسم الثاني في المسألة السابقة فلا يجوز لها أن تتصرف
فيه على غير الوجه المتعارف من الانتفاع إلا بإذن زوجها وإذن مالك
الشئ إذا كان مالكه غير زوجها.
[المسألة 445:]
لا يسقط وجوب النفقة عن الزوج بفقره واعساره، فيجب عليه
لكسب لذلك إذا كان قادرا عليه، وإذا عجز عن الكسب أو كان
غير لائق بشأنه بقيت النفقة دينا في ذمته، وتجب عليه الاستدانة لها،
إلا إذا علم بعدم قدرته على الوفاء، أو احتمل ذلك احتمالا قويا يعتد به.
[المسألة 446:]
لا يسقط عن الرجل وجوب الانفاق على زوجته إذا سافرت وكان
154

سفرها بإذن الزوج أو كان واجبا شرعيا عليها وقد تقدم بيان هذا
قريبا، فتجب على الزوج نفقة الزوجة في السفر كما تجب في الحضر،
وتجب عليه أيضا نفقة السفر نفسه من أجور ومصاريف أخرى إذا
كان السفر لشؤون حياة الزوجة ومثال ذلك أن تكون مريضة وتسافر
بإذن زوجها للعلاج في بعض البلاد، أو كان السفر لشؤون الزوج
نفسه، كما إذا سافر هو لعلاج نفسه، وسافرت المرأة معه لمداراته
وتمريضه ورعايته، ولا تجب عليه نفقات سفرها إذا كان لأداء واجب
مثلا كحج الاسلام، أو الحج والعمرة والزيارة المنذورات.
[المسألة 447:]
إذا كان الزوج قادرا على النفقة على زوجته وامتنع عن القيام بها،
جاز للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فإذا ثبت لديه امتناع
الزوج، ألزمه بالانفاق عليها أو الطلاق، فإذا امتنع عن الأمرين،
أنفق الحاكم على المرأة من مال الزوج، وإن كان ذلك ببيع بعض
ممتلكاته، فإذا لم يمكن ذلك صح للحاكم الشرعي أن يطلق المرأة،
سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا.
[المسألة 448:]
إذا كان لدى الرجل ما يكفيه لنفقة نفسه خاصة من غير زيادة وجب
صرفه على نفسه، وكان الحكم في نفقة زوجته ما تقدم في المسألة
الأربعمائة والخامسة والأربعين، فإذا فضل من المال شئ وجب عليه
أن يصرفه في نفقة الزوجة ولم يدخر لنفسه في اليوم الآتي مثلا، فإذا
فضل منه شئ وجب عليه أن يصرفه في نفقة الآخرين ممن تجب عليه
نفقتهم، ولم يدخر لنفسه أو لزوجته في اليوم الآتي.
[المسألة 449:]
لا يشترط في وجوب نفقة المرأة على زوجها أن تكون فقيرة، بل
تلزمه نفقتها وإن كانت غنية موسرة.
[المسألة 450:]
نفقة الزوجة ليومها الحاضر حق من حقوقها على الزوج، ولذلك
فيصح للمرأة اسقاطه عن الزوج قبل أن تقبضه، فإذا أسقطته سقط
155

وجوب نفقة ذلك اليوم عن الزوج ولم يصح لها أن تطالبه بالنفقة بعد
ذلك، وإذا انقضى اليوم ولم يدفع الرجل نفقته أصبحت دينا ثابتا
للمرأة في ذمة الرجل، فيصح لها أن تبرئ ذمة الرجل منه وكذلك نفقتها
في الأيام الماضية التي لم يدفعها لعذر أو لغير عذر فهي ديون يصح
فيها الابراء.
وأما نفقتها للأيام المقبلة، ونفقتها بقول مطلق، فيشكل الحكم
بصحة اسقاطها عن الرجل، فتقول له أسقطت عنك نفقتي في أيامي
المقبلة، أو تقول أسقطت عنك جميع نفقتي الحاضرة والمقبلة ما عشت
معك.
[الفصل الرابع عشر]
[في نفقة الأقارب والمماليك]
[المسألة 451:]
تجب على الولد مع وجود الشرائط الآتي بيانها نفقة أبيه وأمه،
ونفقة جده لأبيه وجده لأمه، ونفقة جدته لأبيه وجدته لأمه، وإن
كانوا أجداده وجداته بواسطة أو أكثر، وتجب على الأب كذلك نفقة
ولده وبنته، ونفقة أبنائهما وبناتهما وإن تعددت الواسطة ما بينه
وبينهم، سواء كانت الواسطة ذكورا أم إناثا أم مختلفين، وسواء
كانوا مسلمين أم كفارا غير حربيين.
[المسألة 452:]
يشترط في وجوب النفقة أن يكون الشخص المكلف قادرا على الانفاق،
أما لكونه واجدا للنفقة بالفعل، أو لكونه قادرا على الاكتساب اللائق
بشأنه، والذي يكفي بسد الحاجة الموجودة، وأن يكون المعال به ممن
لا يجد ما يكفيه لتسديد نفقته بالفعل، مع عجزه عن التكسب اللائق
بحاله.
فلا تجب نفقته إذا كان ممن يجد كفايته لسد العوز، أو كان قادرا
على اكتساب ذلك بما يناسب شأنه، وإذا وجد بعض ما يكفيه بالفعل
وعجز عن التكسب للوفاء بالباقي، كان واجب النفقة على أبيه أو ولده
156

القادرين، وإن أمكنه أن يسد نفقته بالاقتراض أو الاستجداء والسؤال،
أو أخذ الزكاة أو الخمس ونحوهما، وإذا بذلت له الزكاة أو الخمس
بالفعل واكتفى بها لحاجته، لم يجب على قريبه الانفاق عليه.
وتجب نفقته على قريبه إذا كان التكسب مما يشق تحمله عليه لضعف
بدنه، أو كان التكسب مما لا يناسب شرفه ومكانته في المجتمع، أو
اشتغل عنه بطلب علم واجب، ونحو ذلك من الأمور المهمة في الدين
أو الدنيا.
[المسألة 453:]
المدار في وجوب نفقة الشخص على قريبه على حاجته وعجزه عن
الكسب بالفعل، فإذا كان قادرا على الاكتساب ولكنه تركه في وقته
باختياره وأصبح محتاجا بالفعل وغير قادر على تسديد حاجته، وجبت
نفقته على قريبه، وإن كان هو آثما بترك الكسب، وإذا كان قادرا
على تعلم صناعة أو أمر يكفيه ناتجه لمعاشه، فلم يتعلم ذلك وأصبح
محتاجا بالفعل، وجبت نفقته على قريبه كذلك.
[المسألة 454:]
لا يجب الانفاق على غير الآباء والأمهات والأولاد من الأقارب، نعم
يستحب ذلك، ويتأكد الاستحباب في الانفاق على الوارث منهم.
[المسألة 455:]
ليس من الكسب أن تتزوج المرأة بمن يليق بها من الرجال فيقوم
بنفقاتها، فلا تعد المرأة التي تستطيع ذلك قادرة على الكسب، وإذا
تركت هذا التزويج مع تيسره لها لم تسقط بذلك نفقتها عن أبيها أو
عن ولدها.
[المسألة 456:]
إذا لم يجد المكلف ما ينفقه على زوجته أو على قريبه الواجب النفقة،
وكان قادرا على الاكتساب لذلك وجب عليه الاكتساب اللائق بحاله،
وإذا ضاق به الكسب في وقت وأمكن له أن يستدين للنفقة أو يشتري
نسيئه، وهو يستطيع أن يقضي الدين من كسبه في وقت آخر وجبت
157

عليه الاستدانة أو الشراء للنفقة نسيئة، من غير فرق بين نفقة الزوجة
ونفقة القريب.
[المسألة 457:]
إذا كان المكلف مما يشق عليه التكسب لضعف بدنه أو مرضه أو
كان مما لا يليق به لشرفه، ومكانته الاجتماعية أو كان مشغولا عنه
بما هو أهم منه كطلب العلم الواجب، سقطت عنه نفقة أقاربه، وكانت
نفقة زوجته دينا في ذمته، ولا يجب عليه التوسل للوفاء بها بالاستعطاء
والسؤال أو أخذ الزكاة مثلا، ويجب عليه ذلك في نفقة نفسه إذا ضاق
عنها كسبه وما يجد من مال.
[المسألة 458:]
الواجب في الانفاق على القريب: أن يقوم المكلف بما يحتاج قريبه
من طعام وأدام وكسوة، ومسكن وأثاث، ويراعى في ذلك حال المعال
به وما يناسبه بحسب شرفه وضعته، ويلاحظ كذلك ما يناسبه في بلده
وزمانه من صيف أو شتاء كما ذكرنا في نفقة الزوجة سواء بسواء.
[المسألة 459:]
ليس من النفقة الواجبة للقريب اعفافه بتزويج أو اعطاء مهر أو
تمليك أمة أو تحليلها من غير فرق بين الأب والولد، فلا يجب ذلك على
المكلف وإن كان القريب محتاجا إليه، والأحوط مراعاة ذلك وخصوصا
مع الحاجة إليه، وخصوصا في الأب.
[المسألة 460:]
لا تجب على المكلف نفقة من يعول به ذلك القريب، إلا إذا كان واجب
النفقة على الكلف نفسه فإذا أنفق الولد على أبيه لم تجب عليه نفقة
زوجة الأب إلا إذا كانت أم الولد نفسه، ولا نفقة أولاد أبيه وإن كانوا
أشقاءه، وتجب عليه نفقة أبي الأب وأمه فإنهما أبوان للولد بالواسطة،
وإذا أنفق الأب على ولده لم تجب عليه نفقة زوجة الولد، ووجبت
عليه نفقة أولاد ولده، فإنهم أولاد الأب بالواسطة.
[المسألة 461:]
إذا عجز الانسان الذكر أو الأنثى عن نفقة نفسه، وكان له أب قادر
158

على الانفاق وجبت نفقته على أبيه مع الانفراد، وكذلك إذا كان له
ولد قادر على الانفاق عليه سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، فتجب على
الولد نفقة أبيه مع أبيه.
وإذا كان له أب وولد موسران اشتركا في الانفاق عليه، وكذلك إذا
كان له أبناء متعددون موسرون، فإنهم يشتركون في وجوب الانفاق
عليه، سواء كانوا ذكورا أم إناثا أم مختلفين. ويجوز لأحدهم أن
ينفرد بنفقته مع التراضي.
[المسألة 462:]
لا تجب نفقة الانسان العاجز عن نفقة نفسه على جده لأبيه مع وجود
أبيه أو ابنه الذكر أو الأنثى إذا كانوا موسرين، وإذا لم يكن له أب
ولا ولد، أو كانا غير قادرين على الانفاق عليه وجبت نفقته على جده
لأبيه مع القدرة، ويكون مقدما على جد الأب لأبيه.
[المسألة 463:]
قال المشهور من الفقهاء قدس الله أرواحهم: وهكذا يتصاعد الحكم
بوجوب الانفاق على المعسر إلى الأقرب من الأجداد فالأقرب، وإلى الأقرب
من الأحفاد فالأقرب، فإذا كان للمعسر ابن ابن موسر اشترك مع الجد
للأب في النفقة، واختص بها مع الانفراد، وقدم على جد الأب، ويقدم
الحفيد الذي يتقرب إلى المعسر بواسطتين على الحفيد والجد اللذين
يتقربان إليه بثلاث وسائط أو أكثر، ويشترك مع الحفيد والجد اللذين
يتقربان مثله بواسطتين، وكذلك يقدم الجد الذي يتقرب بواسطتين
على الحفيد والجد اللذين يتقربان بثلاث وسائط أو أكثر، وعلى هذا
النهج يجري في بقية المراتب والطبقات إذا اتفق وجود ذلك.
وقالوا أيضا: إذا كان للمعسر أب أو ولد ذكر أو أنثى أو جد لأب
وإن علا، لم تجب نفقته على أمه وإن كانت موسرة، وإذا فقد كل
أولئك أو كانوا غير قادرين على الانفاق وجبت النفقة على أمه إذا
كانت قادرة. وإذا فقدت الأم أو كانت غير قادرة كانت نفقته على أبي
الأم وأمها إذا كانا موجودين وقادرين على الانفاق وتشترك معهما أم
الأب ويشترك معهم ولد الولد إذا كان موسرا، وإذا كان القادر على
159

الانفاق أحدهم خاصة انفرد بوجوب النفقة، فإذا فقدوا جميعا أو
كانوا معسرين كانت النفقة على الأقرب فالأقرب من الأحفاد وآباء الأم
وأمهاتها وآباء أمهات الأب وأمهات آبائه، وإذا وجد متعددون منهم في
مرتبة واحدة اشتركوا في النفقة.
هكذا ذكروا رحمهم الله في ترتيب طبقات المنفقين، وفي كثير مما
ذكروه في وجود التقديم اشكال وتأمل، فلا يترك الاحتياط بالتراضي
والمصالحة في فروض التقديم.
[المسألة 464:]
يجب على المكلف القادر على الانفاق أن يقوم بنفقة غير القادر من
آبائه وأبنائه على ما تقدم بيانه سواء كان المعسر واحدا أم أكثر وسواء
كانوا من مرتبة واحدة أم أكثر، فيجب عليه الانفاق على الجميع ما دام
مستطيعا لذلك.
وإذا أمكنه الانفاق على البعض خاصة وجب عليه الانفاق على الأقرب
إليه فالأقرب منهم حسب قدرته ولم يجب عليه الانفاق على من بعد،
فإذا استطاع الانفاق على واحد وكان له أب وجد معسران أو ولد وجد
كذلك أنفق على أبيه في الفرض الأول وعلى ولده في الفرض الثاني ولم
تجب عليه نفقة جده، وإذا استطاع أن ينفق على اثنين أنفق على أبويه
إذا كانا معسرين ولم ينفق على جده وكذلك إذا كان ولده وأحد أبويه
معسرين أو كان له ابنان معسران فلا تجب عليه نفقة جده في الفرضين
فإن الأب والولد أقرب إليه من الجد.
[المسألة 465:]
إذا استطاع المكلف الانفاق على واحد وكان له أبوان معسران أو
ولدان كذلك أو ولد وأب، فإن أمكن له أن يقسم ما يجده بينهما
ويكون مجديا، قسمه بينهما، وإن لم يمكن تقسيم الشئ الموجود أو
كان مع التقسيم لا يجدي شيئا، أنفق على من تعينه القرعة منهما على
الأحوط، وهكذا كلما كان المحتاجون أكثر مما يستطيع وكانوا
متساوين في القرب إليه.
160

[المسألة 466:]
لا يجوز ترك الانفاق على الأقارب مع القدرة على النفقة ويأثم المكلف
بها إذا تركها عامدا دون عذر يسوغ له ذلك، ولا يجب قضاء النفقة
عليهم إذا فاتت لعذر أو لغير عذر إلا في الصورة الآتي ذكرها.
[المسألة 467:]
إذا وجبت نفقة القريب على المكلف وامتنع على الانفاق الواجب،
وعلم الحاكم الشرعي بامتناعه، أجبره على الانفاق، وإذا أصر على
امتناعه تولى الحاكم الانفاق على القريب من بعض أموال المكلف ولو
بأن يبيع بعض ممتلكاته، ويصح للحاكم الشرعي أن يأمر القريب
المعسر بأن يستدين لنفقته على ذلك المكلف إذا كان ممتنعا أو غائبا،
أو يأمره بالشراء للنفقة نسيئة، ويجب على المكلف قضاء هذا الدين.
[المسألة 486:]
وجوب نفقة الأقارب على المكلف بها حكم شرعي محض وليس حقا
من الحقوق ولذلك فهو لا يقبل الاسقاط إذا أسقطه القريب المعسر.
[المسألة 469:]
إذا أعسر العبد المملوك ولم يستطع الانفاق على نفسه لم تجب نفقته
على قريبه الحر، بل تجب نفقته على مالكه ويجبر المالك عليها إذا امتنع
عن أدائها وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، وإذا أعسر الكافر الحربي
أو المرتد الفطري لم تجب نفقته على قريبه المسلم.
[المسألة 470:]
تجب نفقة المملوك على سيده من غير فرق بين العبد والأمة ولا بين
الصغير والكبير ومن غير فرق في الأمة بين الموطوءة لسيدها بالملك
وغيرها، والواجب من نفقة المملوك ما يقوم بكفايته وسد حاجته من
الطعام والإدام والشرب والكسوة والمسكن وغير ذلك مما يحتاج إليه،
ويراعى في جنس ذلك ما يتعارف لمماليك أمثال سيده في ذلك البلد.
[المسألة 471:]
إذا كان المملوك قابلا للاكتساب تخير مولاه بين أن ينفق عليه من
161

ماله، وأن يأذن له في الكسب والانفاق على نفسه من حاصل كسبه،
فإذا فضل منه شئ دفعه إلى مولاه، وإذا قصر كسبه عن النفقة أتمها
المولى من ماله.
[المسألة 472:]
إذا امتنع مولى العبد عن الانفاق على مملوكه بأحد الوجهين الآنف
ذكرهما، أجبره، الحاكم على بيع المملوك أو غير البيع مما يزيل ملكه
عنه أو الانفاق عليه.
[المسألة 473:]
تجب نفقة البهيمة المملوكة على مالكها بما يقوم بكفايتها من أكل
وسقي ومكان وجل إذا كانت مما تحتاج إلى ذلك، ويراعى فيه جنس
ما تقتات به تلك البهيمة فالحيوانات التي تقتات الكلاء والحشائش
وألقت وأمثالها يجب على مالكها أن يهيئ لها ما يقوم بحاجتها منه،
ودود القز الذي يقتات ورق التوت مثلا على المالك أن يوفره له ونحل
العسل الذي يقتات من أزهار الشجر على المالك أن يوفره له وهكذا.
ويكفي أن يطلق البهيمة تسوم في الأرض وترعى من خصبها فإن لم
يكفها ذلك علفها بمقدار كفايتها.
وإذا امتنع المالك عن الانفاق على البهيمة أجبر على بيعها أو الانفاق
عليها، أو ذبحها إذا كانت مما ينتفع به بالتذكية عادة.
والحمد لله رب العالمين
162

[كتاب الطلاق]
163

[كتاب الطلاق]
[المسألة الأولى:]
تكثرت الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته المعصومين
(ع) الدالة على كراهة طلاق الزوجة وخصوصا مع ملائمة الأخلاق بين
الزوجين، ففي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما من شئ أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح،
وما من شئ أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة
يعني الطلاق، وعن أبي عبد الله (ع): ما من شئ مما أحله الله أبغض
إليه من الطلاق، وإن الله يبغض المطلاق الذواق، وتخف الكراهة وقد
تزول إذا كانت الأخلاق بين الزوجين متنافرة وغير متلائمة، وقد يؤدي
البقاء إلى ما لا يحمد، فيكون الطلاق علاجا مشكلة لا تحل إلا به،
وتخلصا من خطر أكبر منه، وكتاب الطلاق يشتمل على عدة فصول:
[الفصل الأول]
[في شروط الطلاق]
[المسألة الثانية:]
يشترط في صحة الطلاق أن يكون الزوج المطلق بالغا، فلا يصح
الطلاق إذا كان صبيا صغيرا وإن كان مميزا، فليس له أن يطلق زوجته
بنفسه أو يوكل أحد غيره في طلاقها، وإذا بلغ عمره عشر سنين وكان
مميزا فلا يترك الاحتياط فيه، فلا يتولى طلاق زوجته بالمباشرة أو
بالتوكيل، وإن هو أوقع الطلاق أو أوقعه وكيله فلا يترك الاحتياط
بأن يجدد له عقد النكاح إذا أراد إمساك الزوجة، وأن يجدد الطلاق
بعد بلوغه ورشده إذا أراد فراقها، ولا يصح لوليه أن يتولى اجراء
الطلاق عنه حتى حتى الأب والجد للأب.
165

[المسألة الثالثة:]
يشترط في الزوج المطلق أن يكون عاقلا، فلا يصح طلاقه إذا كان
مجنونا مطبقا لا بالمباشرة ولا بالتوكيل، ولا يصح طلاقه كذلك إذا
كان جنونه أدوارا وقد أوقعه أو أوقعه وكيله عنه في حال جنونه،
وكذلك الحكم في السكران الذي زال عقله لسكره فلا يصح طلاقه ولا
توكيله في الطلاق.
[المسألة الرابعة:]
إذا بلغ الصبي وهو مجنون فاسد العقل فاتصل جنونه بصغره،
وكان الجنون مطبقا، واقتضت المصلحة تطليق زوجته منه صح لأبيه
أو جده لأبيه أن يتولى طلاق زوجته والأحوط لزوما أن يشترك معهما
الحاكم الشرعي في اجراء الطلاق عنه وإذا لم يكن له أب ولا جد،
واقتضت المصلحة تطليق الزوجة تولى الحاكم الشرعي ذلك، وكذلك
الحكم إذا طرأ له الجنون المطبق بعد البلوغ، فيطلق عنه الأب أو الجد
مع الحاكم في الصورة المذكورة، ويطلق عنه الحاكم إذا لم يوجد له أب
ولا جد.
[المسألة الخامسة:]
لا يطلق الأب ولا الجد مع الحاكم ولا بدونه ولا غيرهما من الأولياء
عن المجنون الأدواري سواء اتصل جنونه بصغره أم طرأ عليه بعد
البلوغ، ولا يطلق الولي عن السكران ولا عن الصبي.
ويصح للمجنون أدوارا أن يطلق زوجته في دور إفاقته، وأن يوكل
أحدا في طلاقها كذلك بشرط أن يوقع الوكيل طلاق الزوجة في حال
إفاقة الزوج أيضا، وإذا جن الزوج قبل الطلاق بطلت الوكالة ولم
يصح للوكيل أن يوقع الطلاق بعد إفاقة الزوج إلا بوكالة جديدة منه
بعد إفاقته.
[المسألة السادسة:]
يشكل الحكم بصحة الطلاق إذا كان الزوج مغمى عليه في حال الطلاق،
فإذا وكل الانسان أحدا أن يطلق عنه زوجته ثم أغمي عليه، فالأحوط
لزوما أن لا يوقع الوكيل طلاق الزوجة في حال الاغماء على الزوج،
166

وإذا أفاق الزوج من إغمائه فالأحوط كذلك أن لا يوقع الوكيل الطلاق
إلا بوكالة جديدة بعد الإفاقة، وتراجع المسألة السابعة عشرة من
كتاب الوكالة، ويجري مثل هذا الاحتياط في السكران، فإذا وكل
الرجل أحدا في طلاق زوجته ثم سكر سكرا أزال عقله لم يوقع الوكيل
الطلاق عنه في حال سكره، ولا بعد إفاقته من السكر إلا بوكالة جديدة،
على تأمل في الصورة الثانية ولكنه احتياط لا يترك وخصوصا في الفروج.
[المسألة السابعة:]
يشترط في الزوج المطلق أن يكون قاصدا لمعنى الصيغة التي يوقعها
وأن يكون مختارا في فعله فلا يصح الطلاق إذا أوقع صيغته وهو نائم
أو ساه أو غالط أو هازل، لا يريد معنى الطلاق من لفظه، ولا يصح
الطلاق إذا أوقعه مكرها أو مجبرا عليه اكراها أو جبرا أزال منه،
اختياره في الفعل، أو وكل أحدا على الطلاق وهو مكره أو مجبر،
وأوقعه الوكيل عنه معتمدا على هذه الوكالة.
[المسألة الثامنة:]
إنما يمنع النوم والسهو وأخواتهما من صحة الطلاق إذا وقعت
صيغة الطلاق من الزوج كما ذكرنا لعدم القصد المعتبر في الانشاء
ولا يمنع من طلاق الوكيل إذا وكله الزوج في الطلاق وهو قاصد مختار
للتوكيل في الطلاق ثم أوقع الوكيل صيغة الطلاق والموكل نائم أو ساه
أو غافل في تلك الحال إذا كان تام العقل تام الاختيار.
[المسألة التاسعة:]
الاكراه هو أن يرغم أحد شخصا غيره على أن يفعل أمرا يكره فعله،
ويتوعده إذا هو لم يفعل ذلك الشئ أن ينزل به أو بعرضه أو بماله
أو ببعض شؤونه أو متعلقيه ضررا يخشى وطأته، وهو كذلك يخشى من
وقوع هذا الوعيد إذا هو خالف ولم يفعل، ويلحق بذلك ما إذا أمره
المتنفذ بفعل ذلك الشئ على وجه الالزام، وهو يخاف الضرر منه إذا
خالف ولم يمتثل وإن لم يتوعده بشئ، وتلاحظ المسألة السابعة
والسبعون من كتاب التجارة وما بعدها.
167

[المسألة العاشرة:]
ليس من الاكراه ما إذا توقع الانسان أن يحل عليه ضرر يخشاه من
المتنفذ إذا هو لم يفعل شيئا معينا، ففعل ذلك الشئ ليتخلص من ذلك
الضرر المتوقع أو المتخيل، ولم يحصل من المتنفذ اكراه ولا الزام بالفعل
ومن أمثلة ذلك أن يتزوج الرجل امرأة ثم يعلم أن بعض أرحام المرأة
العتاة يمنع من زواجها بغيره وخالف من ضرره إذا علم بأنه قد تزوج
المرأة، فطلقها خوفا من ضرره، فلا يكون الطلاق باطلا لعدم الاكراه.
ومن أمثلته ما إذا كانت للرجل زوجة ثم تزوج عليها زوجة ثانية،
وخاف بعد الزواج بها من سطوة الأولى أو من ضرر يحل به من بعض
أرحامها فطلق الثانية خوفا منه، فلا يكون الطلاق باطلا وإن كان
الضرر معلوما.
[المسألة 11:]
إذا أكره المتنفذ الزوج على طلاق زوجته وتوعده بالضرر إذا هو لم
يطلقها وكان الزوج قادرا على التخلص منه ومن ضرره بالاستعانة
ببعض الأقوياء، أو بالخروج إلى مكان لا يصل إليه ضرره، فطلق
زوجته ولم يفعل شيئا يتخلص به، فالظاهر صحة الطلاق وعدم تحقق
الاكراه، إلا إذا أوجب له الوعيد شدة الخوف فأدهشته عن الفكر في
ذلك وطلق الزوجة ولم يلتفت.
وأما التورية وهي أن يتكلم بصيغة الطلاق ويقصد معنى آخر
غير إنشاء الطلاق بها، فهي أمر لا يلتفت إليه العامة من الناس ولا تعد
ميسورة لهم، فإذا أوقع الرجل صيغة الطلاق ولم يقصد التورية فهو
مكره لا يصح طلاقه.
وإذا كان الرجل ممن يلتفت إلى التورية ولم يذهله الخوف عن
استعمالها، وأجرى الصيغة ولم يقصد التورية فلا يترك الاحتياط
فيه، فيرجع بالمرأة أو يجدد العقد عليها إذا أراد الامساك بزوجيتها،
ويجدد صيغة الطلاق بعد ارتفاع الاكراه إذا أراد فراقها.
[المسألة 12:]
لا يصح طلاق المكره وإن رضي به بعد زوال الاكراه عنه، فلا تصححه
168

الإجازة اللاحقة كما هو الحكم في عقد النكاح أو عقد البيع أو غيرهما
من العقود التي تصح إذا لحقتها الإجازة.
[المسألة 13:]
يصح طلاق الرجل لزوجته مع اجتماع الشرائط المعتبرة فيه وإن
لم تعلم الزوجة بطلاقها ولم ترض به.
[المسألة 14:]
إنما يقع الطلاق على المرأة المزوجة بالنكاح الدائم ولا يقع على
الزوجة المتمتع بها، وقد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة والاثنتين من
كتاب النكاح وفي مواضع غيرها من الكتاب، ولا يقع الطلاق على الأمة
الموطوءة بملك اليمين أو بالتحليل.
[المسألة 15:]
يشترط في صحة الطلاق أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس،
فلا يصح طلاقها إذا كانت غير نقية من أحد الدمين، وإذا نقت من الدم
ولم تغتسل من الحدث صح طلاقها، وقد ذكرنا هذا في المسألة الخمسمائة
والثالثة والستين من كتاب الطهارة.
ولا يترك الاحتياط لزوما إذا طلقها في فترة النقاء الذي يتخلل في
أثناء الدم الواحد من الحيض أو النفاس، فلا بد من الطلاق مرة أخرى
بعد الطهر من جميع الدم إذا أراد الزوج فراق المرأة، ولا يمسكها إذا
أراد امساكها إلا برجعة إذا كان الطلاق رجعيا، وإلا بعقد جديد إذا
كان غير رجعي.
[المسألة 16:]
ما ذكرناه في المسألة السابقة من اشتراط خلو المرأة من دم الحيض
ودم النفاس إنما يشترط في المرأة المدخول بها، فلا يعتبر ذلك في المرأة
التي يطلقها الزوج قبل الدخول، فيصح طلاقها وإن كانت حائضا أو
كانت نفساء، كما إذا وطأ المرأة المعقودة غير زوجها بالشبهة فحملت
منه ووضعت، وطلقها الزوج قبل دخوله بها وهي نفساء بولادتها من
الشبهة، فيصح طلاقها.
وإنما يشترط خلو المرأة من الحيض إذا كانت حائلا، فلا يعتبر
ذلك في المرأة إذا كانت حاملا مستبينة الحمل، فيصح طلاقها متى
169

استبان حملها وإن كانت حائضا بناءا على ما هو الأقوى من أن الحامل
قد تحيض، وإنما يشترط ذلك في المرأة إذا كان زوجها حاضرا يمكنه
معرفة حالها في حال الطلاق، فإذا كان غائبا يجهل أمرها ولا يمكنه
العلم به سقط اعتبار هذا الشرط وصح طلاقها وإن كانت حائضا أو
نفساء بالفعل، وسنذكر تفصيل ذلك في ما يأتي إن شاء الله تعالى.
[المسألة 17:]
يشترط في صحة طلاق المرأة أن تكون حال طلاقها في طهر لم يجامعها
زوجها فيه، فلا يصح الطلاق إذا وقع في طهر المواقعة، إلا إذا كانت
صغيرة لم تبلغ تسع سنين وإن حرم الدخول بها، أو كانت كبيرة قد
أيئست من المحيض، أو كانت حاملة قد استبان حملها، فيصح طلاقها
في هذه الفروض وإن كانت في طهر المواقعة، ويسقط اعتبار هذا
الشرط في المرأة إذا كان الزوج المطلق غائبا لا يمكنه استعلام حالها
إذا تمت الأحوال والشروط التي يأتي بيانها.
[المسألة 18:]
إذا جامع الرجل زوجته وكانت مسترابة، وأراد طلاقها بعد الوطء
وجب عليه أن يعتزلها ثلاثة أشهر من حين جماعه إياها، فإذا اعتزلها
ولم يجامعها حتى تمت المدة صح له طلاقها وإن لم تنتقل إلى طهر آخر،
ولا يصح له طلاقها قبل ذلك، إلا إذا حملت واستبان حملها، والمسترابة
هي المرأة التي لا تحيض ولم تبلغ سن اليأس من المحيض سواء كان عدم
حيضها لأمر اتفاقي حدث لها أم لكونها في أول البلوغ أم لكونها مرضعة
ذات لبن.
[المسألة 19:]
يجب على الزوج تربص ثلاثة أشهر في طلاق المسترابة سواء كان
الزوج حاضرا أم غائبا ولا يكفي في صحة طلاق الغائب أن يتربص أقل
من هذه المدة إذا كانت المرأة مسترابة، ويكفي في ذلك أن يترك الرجل
170

وطء المرأة في المدة المذكورة وإن حصل ذلك اتفاقا أو لسبب من الأسباب
ولم يكن بقصد التربص للطلاق.
[المسألة 20:]
إذا وطأ الرجل زوجته في أيام حيضها عامدا أو مخطئا، لم يكف في
صحة طلاقها أن تطهر من الحيض الذي واقعها فيه على الأحوط، بل
لا يخلو ذلك من قوة، فلا بد من أن تحيض بعد ذلك ثم تطهر من الحيض.
[المسألة 21:]
إذا كان الرجل غائبا عن زوجته وأراد طلاقها وهو يجهل حالها من
حيض أو نفاس أو طهر ولا يمكنه أن يستعلم عن ذلك منها أو من أحد
مطلع على أمرها جاز له أن يطلقها، وإذا طلقها صح طلاقه ونفذ،
وإن استبان بعد ذلك أنها كانت حائضا في حين الطلاق أو نفساء،
سواء تولى طلاقها بنفسه أم طلقها وكيله، إذا كان الوكيل أيضا جاهلا
بأمر المرأة ولا تمكنه معرفة حالها.
[المسألة 22:]
إذا غاب الرجل عن زوجته وكانت المرأة حائضا في وقت خروجه
وأراد طلاقها وجب عليه أن يصبر حتى يعلم بأن حيضها قد انتهى،
وإذا علم أنها ذات عادة في الحيض كفاه أن يصبر حتى يعلم بأن عادتها
قد انتهت ثم يصح له أن يطلقها إذا شاء، فإذا تربض كذلك ثم طلقها
صح طلاقها وإن علم بعد ذلك بأن الطلاق وقع في حال الحيض، وكذلك
الحكم إذا كانت المرأة نفساء في وقت خروج الزوج، فيجب عليه الصبر
حتى يقطع بانتهاء النفاس في الفرض الأول، ويكفيه العلم بانتهاء
العادة في الفرض الثاني.
[المسألة 23:]
إذا غاب الرجل عن زوجته وهي في طهر كان قد جامعها فيه، وأراد
طلاقها، فإن كانت المرأة ذات عادة يعلم بها الزوج وجب عليه أن يصبر
حتى يحصل له العلم بأن المرأة بحسب عادتها قد انتقلت من طهرها الذي
جامعها فيه إلى طهر آخر، وإذا لم تكن لها عادة أو كان الرجل جاهلا
بها، كفاه أن يتربص شهرا واحدا من حين مواقعته إياها، وأولى من
171

ذلك أن يتربص ثلاثة أشهر ثم يطلقها إذا شاء، فيصح طلاقها في هذه
الفروض وإن ظهر بعد ذلك أن طلاقه في طهر المواقعة.
[المسألة 24:]
إذا غاب الرجل عن الزوجة وهي في طهر لم يواقعها فيه صح له أن
يطلقها متى شاء بملاحظة هذا الشرط وعليه أن يراعي ما تقدم من
حيث الحيض والطهر.
[المسألة 25:]
لا تختص الأحكام التي بيناها في المسائل السابقة بالزوج الغائب عن
المرأة، بل تعم الزوج الحاضر مع زوجته في البلد إذا كان كما اشترطنا
في الغائب جاهلا بأمر المرأة ويتعذر عليه أو يتعسر استعلام حالها في
الحيض والنفاس وكونها في طهر المواقعة وعدمه، فتجري فيه جميع
الفروض المتقدمة وتنطبق عليه أحكامها، فيصح له الطلاق في الموارد
التي يصح الطلاق فيها للغائب، ويجب التربص عليه في الفروض التي
يجب التربص فيها على الغائب من غير فرق بينهما، ولا تجري الأحكام
في الغائب إذا كان ممن يمكنه أن يتعرف حال المرأة ولا يتعسر عليه،
فلا يصح له الطلاق في حال الحيض أو النفاس ولا في طهر المواقعة.
[المسألة 26:]
إذا كان الزوج الغائب ممن يجب عليه التربص كما بينا في المسألة
الثالثة والعشرين، فطلق زوجته قبل أن تمضي المدة المعينة، فإذا
استبان بعد ذلك أن طلاقه قد كان في طهر المواقعة للمرأة أو في حال
الحيض كان باطلا، وكذلك إذا لم يستبن له شئ من أمرها فيكون
الطلاق باطلا أيضا، وإذا ظهر بعد ذلك أن الطلاق وقع في طهر لم
يجامعها فيه صح الطلاق ونفذ.
[المسألة 27:]
إذا طلق الرجل امرأته وهو يجهل حالها ولم يستعلم عن أمرها مع
تمكنه من الاستعلام، ثم علم أنها كانت حاملا في حين الطلاق، أشكل
الحكم بصحة طلاقه لعدم استبانة الحمل، ولذلك فلا بد من مراعاة
الاحتياط بإعادة الطلاق إذا أراد الفراق، والرجوع بالزوجة إذا كان
172

الطلاق رجعيا وأراد الامساك وتجديد العقد إذا كان الطلاق بائنا.
[المسألة 28:]
تصدق المرأة إذا أخبرت عن نفسها بأنها حائض أو نفساء أو في طهر
منهما، وأنها في طهر المواقعة أو في طهر آخر، وتترتب الأحكام على
قولها فتطلق إذا أخبرت بأنها في طهر، وفي طهر غير المواقعة، ويؤجل
طلاقها إذا قالت إنها في حيض أو نفاس، أو في طهر المواقعة، ويشكل
الحكم بقبول خبرها إذا كانت متهمة.
[المسألة 29:]
إذا أخبرت المرأة بأنها طاهرة من الحيض والنفاس، أو أنها في طهر
غير طهر المواقعة فصدقها الزوج أو وكيله، وأوقع صيغة الطلاق،
وأخبرت بعد ذلك بأنها كانت حائضا أو نفساء في حال الطلاق أو أنها
كانت في طهر المواقعة، لم يقبل خبرها الثاني، وعمل على قولها الأول
إلا أن تقوم البينة أو القرينة القطعية على صحة قولها الثاني فيكون
هو المتبع.
[المسألة 30:]
إذا علم الرجل بأن زوجته كانت طاهرة من الحيض أو من النفاس
صباح هذا اليوم مثلا، وشك بعد ساعة أو أكثر في نزول الحيض عليها
فحكم بأنها لا تزال طاهرة للاستصحاب، وطلقها، بنى على صحة طلاقها
إذا لم ينكشف له خلاف ذلك، فإذا علم أنها كانت حائضا في وقت طلاقها
كان الطلاق باطلا، وكذا إذا علم بأنها طاهر، وشك في أنه واقعها في
هذا الطهر أم لا، واستصحب عدم المواقعة وأجرى صيغة الطلاق فإنه
يبني على صحة هذا الطلاق ما لم ينكشف له الخلاف، فإذا تذكر أنه قد
جامع المرأة في هذا الطهر كان الطلاق باطلا.
[المسألة 31:]
يشترط في صحة الطلاق أن تكون المرأة المطلقة متعينة، فإذا كانت
للرجل زوجة واحدة، قال: زوجتي طالق صح طلاقها وينفذ، وإن لم
يذكر اسمها ولم يعينها بذكر صفة أو إشارة، لأنها متعينة في الواقع،
وكذلك إذا عينتها القرائن القطعية، ومثال ذلك: أن تكون للرجل
173

زوجتان أو أكثر ثم يقع بينه وبين واحدة معينة منهن نفور شديد
وخلاف فيقول: زوجتي طالق، فإن النفور وعدم الموافقة في الطباع
يكون قرينة على تعيين المطلقة من زوجاته.
وإذا كانت له زوجتان أو أكثر، وقال: زوجتي طالق ولم يذكر
لها اسما ولا وصفا، ولم تعين القرائن واحدة منهن فإن لم ينو في نفسه
واحدة بعينها كان الطلاق باطلا، وإذا نوى في نفسه طلاق واحدة معينة
منهن كان الطلاق صحيحا عند جماعة من الأكابر، والأحوط أن يذكر
في الصيغة ما يدل على تعيين المرأة المقصودة بالطلاق، ولا يكتفي بالنية
وحدها، فعليه أن يعيد الطلاق مع التعيين.
[الفصل الثاني]
[في صيغة الطلاق]
[المسألة 32:]
لا يصح ايقاع الطلاق إلا باللفظ مع القدرة، ولا يصح ايقاعه إلا
بالصيغة العربية المخصوصة، وهي أن يقول الرجل لامرأته: أنت
طالق، أو يقول: زوجتي زينب طالق، أو يقول وهو يشير إليها
هذه المرأة طالق أو هي طالق، أو يقول وكيل الزوج: زينب زوجة
موكلي علي طالق، ويقصد انشاء الطلاق بالصيغة المذكورة ولا يقع
بأن يقول الزوج أو وكيله: فلانة مطلقة، أو يقول: طلقت فلانة،
أو يأتي بغير ذلك من الألفاظ المشتقة من مادة الطلاق غير لفظ طالق.
ولا يصح انشاء الطلاق بالكنايات التي قد تستعمل لذلك، فيقول
للمرأة: فارقتك، أو هذا فراق بيني وبينك، أو يقول لها: الحقي
بأهلك، أو حبلك على غاربك، أو أنت بائن أو مبانة مني، أو أنت
خلية أو أنت برية، أو يقول لها: اعتدي، فلا يصح أن ينشئ الطلاق
بذلك ويقصد إبانة المرأة من نكاحه.
[المسألة 33:]
إذا قيل للزوج أو لوكيل الزوج في الطلاق: هل طلقت فلانة؟ فقال:
نعم، وهو يقصد انشاء الطلاق، بقوله نعم، لم يكن قوله هذا طلاقا
على الأقوى.
174

[المسألة 34:]
لا يصح ايقاع الطلاق بالكتابة ولا بالإشارة إذا كان المطلق ممن
يقدر على النطق بالصيغة، فإذا عجز عن النطق بها كالأخرس وشبهه
صح له ذلك، والأحوط أن يقدم الكتابة على الإشارة إذا كان ممن يحسنها،
والأحوط استحبابا أن لا يوقع العاجز الطلاق بالكتابة أو الإشارة إلا
مع العجز عن التوكيل في اجراء الصيغة لمن يحسن النطق بها.
[المسألة 35:]
لا يقع الطلاق بترجمة الصيغة المذكورة في لغة غير عربية وإن كانت
الترجمة مطابقة لها في المعنى، إذا كان المطلق قادرا على النطق بالصيغة
العربية أو قادرا على التوكيل في اجراء الصيغة، وإذا عجز عن النطق
بها وعجز عن التوكيل في اجرائها، كفته الترجمة المطابقة في أي لغة
كانت، فإذا أتى بما يرادف الصيغة المعينة وقصد بها انشاء الطلاق
صح ونفذ.
[المسألة 36:]
يجوز للرجل أن يوكل أحدا غيره في أن يطلق عنه زوجته إذا كان
الوكيل ممن يحسن اجراء الطلاق ولو بالتعلم، ويجوز له أن يوكل
أحدا في أن يوكل ثالثا على ايقاع الطلاق، ويجوز له أن يوكل أحدا
وكالة مطلقة في أن تولى عنه طلاق الزوجة إن شاء بمباشرته بنفسه
وإن شاء بتوكيل غيره، فيصح الطلاق إذا أجراه الوكيل أو أجراه وكيل
الوكيل على الوجه الصحيح، ولا فرق في الفروض المذكورة بين أن يكون
الزوج حاضرا أو غائبا.
[المسألة 37:]
يجوز للزوج أن يوكل زوجته بنفسها في أن تجري صيغة طلاقها
بنفسها إذا كانت تحسن ذلك، ويجوز له أن يوكلها في أن توكل أحدا
غيرها على اجراء طلاقها، وإن كان الأحوط استحبابا عدم توكيلها في
كلتا الصورتين، بل لا يترك الاحتياط بالاجتناب في طلاق الخلع
والمباراة.
175

[المسألة 38:]
إذا وكل الرجل المرأة في طلاق نفسها، وفوض ذلك إليها إن شاءت
الطلاق أو شاءت البقاء، فإنما يصح الطلاق إذا أنشأت صيغة الطلاق
المعينة بالوكالة عن الزوج كما ذكرنا، وإذا خير الرجل زوجته في ذلك،
بقصد تفويض الأمر إليها، فقالت: قد اخترت نفسي، بقصد انشاء
الفراق بينهما بذلك، لم يصح ذلك ولم تطلق منه.
[المسألة 39:]
يشترط في صحة الطلاق أن ينشأ الطلاق منجزا بالفعل غير معلق،
لا على شئ يحتمل حدوثه وعدم حدوثه، ولا شئ غير موجود بالفعل
ويعلم بوجوده في ما يأتي، ومثال الأول أن يقول: إذا وصل عبد الله
إلى البلد فزوجتي هند طالق، ومثال الثاني أن يقول قبل الهلال: إذا
هل هلال الشهر فهي طالق، وقد جرى اصطلاح الفقهاء أن يسموا
الأول تعليقا على شرط، ويسموا الثاني تعليقا على صفة، فلا يصح
الطلاق إذا أنشئ معلقا في كلتا الصورتين.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان الشرط الذي علق عليه انشاء الطلاق
مقوما لصحة الطلاق، ومثال ذلك أن يشك الرجل في عقد المرأة عليه
أو يشك في صحة العقد لبعض الجهات التي أوجبت له الشك، فيقول:
إن كانت زينب زوجتي فهي طالق، فيصح التعليق في هذا المورد، فإن
الطلاق لا يحصل إذا لم يكن نكاح، ويصح طلاق المرأة إذا كانت زوجة.
ويستثنى من ذلك أيضا: ما إذا كانت الصفة التي علق عليها الطلاق
موجودة حين انشاء الصيغة، وكان المطلق عالما بوجودها، ومثال ذلك:
أن يقول الزوج: إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة فأنت طالق، وكان
اليوم الذي عناه هو يوم الجمعة، والمطلق يعلم بذلك، فيصح الطلاق
لعدم التعليق في الحقيقة.
[المسألة 40:]
إذا قال الرجل لامرأته: أنت وكيلة عني في أن تطلقي نفسك مني،
إذا تأخرت النفقة عنك مدة شهرين أو أكثر، فإن قصد بقوله أن توكيله
إياها في طلاق نفسها مشروط بتأخر النفقة عنها تلك المدة كانت الوكالة
176

باطلة، لأن انشاءها معلق على حصول الشرط المذكور، وإن أراد أن
المرأة وكيلة عنه بالفعل على ايقاع الطلاق إذا تأخرت النفقة، كانت
الوكالة صحيحة وجاز لها ايقاع الطلاق إذا تأخرت النفقة، ودلالة قوله
على أحد المقصودين تتوقف على وجود القرينة عليه، ولا يبعد أن
العبارة المتقدمة ظاهرة في المعنى الثاني.
[المسألة 41:]
يشترط في صحة الطلاق أن يكون ايقاعه بحضور شاهدين ذوي عدل
من الرجال يسمعان الصيغة فلا يصح الطلاق من غير اشهاد أو باشهاد غير
عدول أو باشهاد عدل واحد، ولا يكفي أن ينشئ صيغة الطلاق من
غير حضور بينة، ثم يقر بالطلاق عند حضورها، ولا يكفي أن يطلق
بحضور شاهد عادل ويقر بالطلاق بحضور الشاهد الثاني، ولا يكفي
أن ينشئ الصيغة بحضور شاهد واحد ثم يكررها بحضور شاهد آخر،
وإذا أنشأ الصيغة بحضور أحد الشاهدين ثم حضر الآخر فأنشأ الصيغة
بحضور الشاهدين مرة ثانية، صح الثاني لوجود الشرط دون الأول.
ويعتبر سماع الشاهدين للصيغة، فإذا حضر الشاهدان في المجلس
وأنشأ الرجل صيغة الطلاق فسمعها أحدهما ولم يسمعها الآخر، لأنه
أصم لا يسمع أو لأنه ذاهل غير ملتفت، لم يقع الطلاق، وإذا سمع
الصيغة أحدهما ولم يسمعها الآخر لأنه أصم، ولكنه علم من الإشارة
ومن حركات الشفتين واللسان أن الرجل أوقع صيغة طلاق فلانة،
أشكل الحكم بصحة الطلاق وإن كان غير بعيد، والأحوط إعادة الطلاق
بحضور شاهدين وسماعهما.
[المسألة 42:]
الظاهر أنه يكفي في صحة الطلاق أن يسمع الشاهدان انشاء الطلاق
وإن لم يكونا مجتمعين في مجلس واحد، كما إذا كان الشاهدان في
موضعين متقاربين في المكان وأنشأ الرجل صيغة الطلاق وقصد اسماعهما
فالتفتا وسمعا طلاقه، وكما إذا أنشأ الطلاق بحضور أحد الشاهدين
والآخر يسمع طلاقه بجهاز الهاتف، فالظاهر صحة الطلاق مع عدم
الشك بالزوج المطلق وبالمرأة المقصودة بالطلاق.
177

[المسألة 43:]
يشترط أن يكون الشاهدان في الطلاق رجالا، فلا تكفي في ذلك
شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال.
[المسألة 44:]
إذا وكل الزوج أحدا في طلاق زوجته لم يصح للوكيل أن يجعل
الزوج أحد الشاهدين في طلاق زوجته، وإن كان ثابت العدالة، ولا
يصح أن يجعل الوكيل نفسه شاهدا في الطلاق وإن كان ثابت العدالة
كذلك، وإذا وكل الزوج أحدا على أن يوكل ثالثا عن الزوج في طلاق
امرأته، فأنشأ هذا الثالث الطلاق بوكالته عن الزوج صح له أن يجعل
الوكيل على التوكيل شاهدا في الطلاق.
[المسألة 45:]
الشاهد العادل هو الذي ثبتت له العدالة وهي الاستقامة على الشريعة،
وكانت استقامته عليها صفة ثابتة في نفسه وليست حالة عارضة لا
قرار لها ولا ثبات، والاستقامة على الشريعة هي الالتزام الكامل باتيان
ما فيها من واجبات، واجتناب ما فيها من محرمات كبائر والاصرار
على الصغائر، وقد أوضحنا ذلك في المسألة الألف والثامنة والثمانين
وعدة مسائل تليها من كتاب الصلاة، فلتراجع ففيها بيان المراد في
المقام.
[المسألة 46:]
الاشهاد المعتبر في الطلاق هو أن يكون الشاهدان حاضرين ملتفتين،
يسمعان الصيغة ويعرفان المراد منها، وإن لم يدعهما المطلق للحضور
أو إلى تحمل الشهادة، فلا يكفي أن يحضرا وهما غافلان، أو مشغولان
بأمر آخر غير ملتفتين، أو يسمعان اللفظ ولا يفقهان المراد كما إذا
كانا غير عربيين لا يفهمان معنى الصيغة المنشأة.
[المسألة 47:]
لا يكفي في صحة الطلاق أن يكون الشاهدان عدلين في اعتقاد المطلق،
وهما فاسقان في واقع الأمر، فلا تترتب على الطلاق بشهادتهما آثار
الطلاق الصحيح، ولا يصح الطلاق كذلك إذا كان الشاهدان غير عادلين
178

في اعتقاد الزوج وإن كانا عدلين مرضيين في اعتقاد الوكيل الذي أوقع
الطلاق.
[المسألة 48:]
لا يتعدد الطلاق بتكرر الصيغة إذا لم يتخلل بين الصيغتين رجوع
بنكاح المرأة المطلقة، فإذا قال الزوج أو قال وكيل الزوج: هند طالق،
هي طالق، هي طالق، وقع الطلاق مرة واحدة، سواء أراد بتكراره
التأكيد والاحتياط، أم أراد ايقاع ثلاث طلقات، وإذا قصد بها ايقاع
ثلاث طلقات وقعت واحدة وألغيت الأخريان.
وإذا تخلل ما بين الصيغتين رجوع بالمرأة تعدد الطلاق، ومثال ذلك
أن يقول الرجل: زوجتي هند طالق، ثم يقول: رجعت بمطلقتي هند
أو بزوجيتها، ثم يقول ثانيا، هند طالق، ثم يقول: رجعت بهند،
ثم يقول ثالثا هي طالق، فإذا أتمها كذلك كان الطلاق ثلاثا وحرمت
المرأة المطلقة عليه حتى تنكح زوجا غيره.
[المسألة 49:]
إذا قال الزوج: زوجتي هند طالق ثلاثا، وأراد بقوله: انشاء
الطلاق ثلاثا بهذه الصيغة الواحدة، وقع الطلاق باطلا، وإذا قصد
بالصيغة ايقاع الطلاق في الجملة على حسب ما ورد في الشريعة، وقع
الطلاق واحدا وألغي قوله ثلاثا
[المسألة 50:]
إذا كان الرجل من أتباع أحد مذاهب الجمهور الذين يرون صحة
الطلاق ثلاثا، فطلق زوجته بالثلاث مرسلة أو مكررة وفقا لمذهبه،
ألزم بالعمل بذلك، سواء كانت زوجته من أتباع تلك المذاهب أيضا،
أم كانت شيعية، فلا يصح منه الرجوع بها أو العقد عليها حتى تنكح
زوجا غيره، وإذا هو رجع بها في العدة أو عقد عليها بعد العدة كان
ذلك باطلا، الزاما له برأي مذهبه، وجاز التزويج بالمرأة بعد انقضاء
عدتها من الطلاق، وإذا كانت الزوجة شيعية جاز لها أن تتزوج بغيره
بعد انقضاء عدتها منه.
179

وكذلك إذا حلف بطلاقها، أو طلقها وهي في طهر المواقعة أو في أيام
الحيض أو النفاس، أو طلقا طلاقا معلقا، أو بغير شاهدين عدلين
مما يرى مذهبه صحة ذلك ونفوذه، فإذا أجراه ألزم بالعمل وفق
مذهبه، فتطلق منه زوجته بذلك، ويصح للشيعي التزويج بها بعد
انقضاء عدتها منه، سواء كانت الزوجة موافقة للمطلق في المذهب أم
مخالفة له، وإن كان المذهب الشيعي لا يرى صحة ذلك الطلاق.
[المسألة 51:]
ما ذكرناه من الزام أهل كل مذهب بما يقوله مذهبهم يجري في غير
المسلمين أيضا، فإذا طلق الرجل الذمي زوجته الذمية طلاقا يوافق به
دينه وانقطعت بذلك صلته الزوجية بالمرأة بعدة أو بغير عدة، كما
يراها ذلك الدين، جاز التزويج بتلك المطلقة بعد أن أصبحت خلية
ليس لها زوج بمقتضى تعاليم دينهم.
[المسألة 52:]
إذا كان الرجل من أتباع أحد المذاهب غير الشيعة، وطلق زوجته
طلاقا يوافق فيه مذهبه ويخالف مذهب الشيعة في بعض الشروط،
كالطلاق في أيام الحيض وفي طهر المواقعة وكالحلف بالطلاق وغير ذلك
من موارد الخلاف بين المذهبين، ثم انتقل الرجل إلى مذهب الشيعة، جرت
عليه أحكام الشيعة، فإذا كان طلاقه فاقدا لبعض الشرائط كان باطلا،
وحكم ببقاء النكاح بينه وبين زوجته.
[الفصل الثالث]
[في أقسام الطلاق]
[المسألة 53:]
ما يوقعه الرجل على زوجته من الطلاق يكون على نحوين:
أحدهما ما يكون الطلاق مستجمعا لجميع الشرائط التي قدمنا
ذكرها في الفصلين السابقين، وبينها أنها أمور تعتبر في صحة الطلاق،
فلا ينفذ الطلاق ولا تترتب عليه آثاره إذا فقد واحد منها، ويسمى
الطلاق الجامع للشروط المشار إليها: طلاق سنة.
180

وثانيهما ما يفقد فيه جميع الشروط المبينة، أو يفقد فيه بعضها
وإن كان المفقود شرطا واحدا منها، ويسمى هذا: طلاق بدعة، وقد
اتضح مما سبق أن طلاق البدعة يشمل عدة أنواع، فمنه طلاق غير
البالغ، وطلاق غير العاقل، وغير المختار، وغير القاصد، ومنه طلاق
المرأة الحائض في أيام حيضها وطلاق النفساء في أيام نفاسها حسب ما
فصلنا ذكره ومنه طلاق المرأة وهي في طهر جماعها، وطلاق المسترابة
قبل أن تنتهي مدة التربص، والطلاق المعلق وطلاق الثلاث، والطلاق
بغير شهود، وغيرها مما تقدم توضيحه أو تقدمت الإشارة إليه.
[المسألة 54:]
ينقسم طلاق السنة إلى قسمين: (1) رجعي، و (2) بائن.
والرجعي هو الطلاق الذي يجوز للرجل بعده أن يرجع بنكاح المرأة
المطلقة ما دامت في العدة، والبائن هو الطلاق الذي ليس للرجل بعده
أن يرجع بالمطلقة، والطلاق البائن يكون على ستة أنواع:
(الأول): طلاق المرأة غير المدخول بها، سواء كانت صغيرة أم
كبيرة.
(الثاني): طلاق الزوجة الصغيرة وهي التي لم يبلغ عمرها تسع
سنين، وإن كان الزوج قد دخل بها، وقد تقدم الحكم بحرمة الدخول
بها في كتاب النكاح، فإذا دخل الزوج بها كان آثما بدخوله، وإذا
طلقها بعد ذلك كان طلاقها بائنا لا رجوع فيه.
(الثالث): طلاق المرأة بعد أن تبلغ سن اليأس من المحيض، سواء
دخل بها أم لم يدخل، وهذه الأقسام الثلاثة من النساء لا تجب عليهن
عدة بعد الطلاق.
(الرابع): طلاق الخلع إذا كرهت المرأة زوجها فبذلت له مقدارا
من المال، وطلقها الزوج على ذلك ولم ترجع في ما بذلت له من الفدية،
فيكون الطلاق بائنا، وإذا رجعت ببذلها بعد الطلاق، جاز للزوج أن
يرجع بها في العدة، فيكون الطلاق رجعيا، وإذا لم تكن المرأة ذات عدة
كاليائسة وغير المدخول بها، فلا يجوز لها أن ترجع بالبذل بعد الطلاق.
181

(الخامس): طلاق المباراة إذا بذلت المرأة للزوج فطلقها كذلك
ولم ترجع بالبذل، فيكون طلاقها بائنا لا رجعة فيه وتجري فيه الفروض
والأحكام التي ذكرناها في طلاق الخلع.
(السادس): الطلاق الثالث الذي يأتي بعد طلاقين قبله، متصلين
به بحيث تكون بعد كل طلاق رجعة للزوج بالمرأة وإن كان الرجوع
إليها بعقد جديد ولم تتزوج بينها بزوج آخر، فتبين المرأة بالطلاق
الثالث.
[المسألة 55:]
إذا طلق الرجل زوجته الحرة طلاقا رجعيا، ثم رجع بها في العدة،
ثم طلقها مرة ثانية كذلك، ثم رجع بها في العدة، ثم طلقها مرة ثالثة
حرمت عليه المطلقة فلم يجز له الرجوع بها في العدة، ولا تزويجها بعد
العدة بعقد جديد ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، سواء دخل بالمرأة
بعد رجوعه بها في المرة الأولى أو الثانية أو فيهما معا أم لم يدخل بها،
وحتى إذا وقعت الطلاقات الثلاثة في طهر واحد على النهج المذكور أو
في مجلس واحد.
وكذلك إذا تزوج مطلقته بعد انتهاء العدة الرجعية أو بعد الطلاق
البائن، ثم طلقها وتزوجها أو رجع بها حتى استكملت ثلاث طلقات
كذلك فتحرم عليه المطلقة بعد الطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره،
وهذا كله في المرأة الحرة وإن كان الزوج المطلق عبدا.
[المسألة 56:]
الطلاق العدي هو أن يطلق الرجل امرأته الحرة طلاقا رجعيا جامعا
للشرائط المعتبرة في صحة الطلاق، ثم يرجع بها في أثناء عدتها ويواقعها
بعد الرجوع، ويمهلها حتى تحيض بعد المواقعة وتطهر من الحيض،
ثم يطلقها مرة ثانية كذلك، ويرجع بها في عدتها ويواقعها بعد الرجعة،
فإذا حاضت بعد الجماع وطهرت، طلقها مرة ثالثة، فتحرم عليه المرأة
بذلك حتى تنكح زوجا غيره، فإذا تزوجت رجلا، ووطأها الرجل على
الشروط الآتي بيانها ثم فارقها بموت أو طلاق، حل للرجل الأول أن
يتزوجها، فإذا تزوجها وصنع معها مثل صنعه السابق، فطلقها ثم
182

رجع بها في العدة وواقعها ثم طلقها في طهر غير طهر المواقعة، حتى
أكمل ثلاث تطليقات على التفصيل المذكور حرمت عليه في الثالثة وهو
الطلاق السادس حتى تنكح زوجا غيره، فإذا نكحت على الوجه السابق
بيانه وفارقت الزوج الآخر حلت للزوج الأول، فإذا تزوجها وجامعها
ثم طلقها طلاقا تام الشروط ورجع بها على نهج ما سبق، حتى أكمل
ثلاث تطليقات بينها رجعتان وبعد كل رجعة جماع، حرمت المرأة عليه
بعد الطلاق الثالث، ويكون هو التاسع من مجموع ما أوقعه على المرأة
من الطلاق وتكون حرمتها مؤبدة، وقد ذكرنا هذا في السبب الرابع
من أسباب التحريم في النكاح، وهذا إذا كانت المطلقة حرة سواء كان
الزوج المطلق حرا أم عبدا مملوكا أم مبعضا.
[المسألة 57:]
إذا طلق الرجل زوجته الأمة، ثم رجع بها في العدة أو تزوجها بعقد
مستأنف بعد العدة أو بعد الطلاق البائن، ثم طلقها مرة ثانية، حرم
عليه نكاحها حتى تنكح زوجا غيره، سواء دخل بها قبل أحد الطلاقين
أم لم يدخل بها أصلا، أم دخل بها قبل كل واحد منهما، وسواء كان
الزوج المطلق حرا أم عبدا أم مبعضا.
[المسألة 58:]
إذا طلق الرجل زوجته المملوكة بعد الدخول بها طلاقا رجعيا تام
الشروط، ثم رجع بها في أثناء العدة وواقعها بعد الرجوع، وطلقها
مرة ثانية بعد أن حاضت وطهرت، حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا
غيره، كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإذا نكحت زوجا آخر حرا أو
عبدا أو مبعضا ودخل بها الزوج الثاني، ثم فارقها بموت أو طلاق
حلت بعد العدة منه للزوج الأول، فإذا تزوجها ودخل بها، وطلقها
مرتين وبينهما رجوع في العدة ودخول، حرمت عليه مرة ثانية حتى
تنكح زوجا غيره كما سبق، فإذا نكحت ودخل بها الزوج الثاني ثم
فارقها حلت بعد العدة منه للزوج الأول، فإذا تزوج بها ودخل وطلقها
مرتين على نهج ما تقدم حرمت عليه حرمة مؤبدة على القول المشهور
بين الفقهاء، والقول به مشكل، ولكن الاحتياط بالاجتناب لا يترك
183

وقد ذكرنا هذا في المسألة المائتين والأربعين من كتاب النكاح
[المسألة 59:]
لا تثبت الحرمة المؤبدة للزوجة الحرة في طلاقها تسعا إذا فقد منه
بعض الشروط التي ذكرناها للحرمة فلا تحرم على الرجل إذا طلقها
في جميع المرات التسع أو في بعضها من غير دخول قبل كل طلاق، ولا
تحرم عليه إذا لم تكن عودته إلى نكاح المرأة برجعة إليها في العدة، بل
كانت عودته بعقد مستأنف في جميع المرات أو في بعضها، وإن حرم
نكاحها على الرجل بعد كل ثلاث طلقات يوقعها عليها حتى تنكح زوجا
غيره من غير فرق بين أنحاء الطلاق الصحيح والرجوع قبله أو بعده،
وكذلك الحكم في الأمة إذا طلقها الزوج مرتين على أي نحو من أنحاء
الطلاق والرجوع، فإذا نكحت زوجا آخر، وفارقها بعد الوطء واعتدت
منه حلت للأول مهما بلغ عدد الطلاق إذا لم تجتمع شروط الطلاق العدي
الذي يثبت بعده التحريم المؤبد، وإن كان الأحوط استحبابا اجتناب
نكاح الحرة إذا بلغ طلاقها تسعا على أي نحو وقع من الأنحاء واجتناب
نكاح الأمة إذا بلغ طلاقها ستا غير جامع لشرائط التحريم.
[المسألة 60:]
إذا حرمت المرأة على الرجل بعد أن يطلقها ثلاث مرات، لم تحل
له حتى تنكح زوجا غيره كما نطقت به الآية الكريمة، ويشترط في
الزوج الذي تحل بنكاحه المرأة على المطلق ثلاثا: أن يكون رجلا بالغا،
وأن يكون زواجه المرأة بالنكاح الدائم، وأن يجامعها قبلا حتى ينزل،
فلا تحل المرأة لزوجها الأول بنكاح الثاني إذا كان صبيا أو مراهقا على
الأقوى، وإن جامعها بعد العقد عليها، ولا تحل بنكاحه إذا تزوجها
بعقد المتعة أو وطأها بملك اليمين أو بالتحليل إذا كانت أمة مملوكة،
ولا تحل بنكاحه إذا عقد عليها ولم يجامعها، أو جامعها دبرا أو جامعها
قبلا ولم ينزل.
[المسألة 61:]
نكاح الزوج الآخر للمطلقة على الوجه الآنف ذكره يهدم الطلقات
الثلاث كما بيناه، فتحل به المرأة للرجل الأول بعد ما حرمت عليه،
184

ويهدم ما دون الثلاث من الطلاق، فإذا تزوج الرجل امرأة وطلقها مرة
أو مرتين ثم تزوجت رجلا غيره، ثم تزوجها الأول لم تحرم عليه إلا
بثلاث طلقات جديدة، ولا يعد الطلاق الأول والثاني السابقان منها.
[المسألة 62:]
إذا طلق الرجل المرأة ثلاثا وحرمت عليه، ثم سألها عن حالها بعد
فترة، فقالت له: إنها قد تزوجت من بعده رجلا غيره، وقد فارقها
ذلك الزوج واعتدت منه، كان له أن يصدق قولها ويتزوجها إذا كان
صدقها محتملا، ولم يجب عليه أن يفحص ويسأل إذا كانت موثوقة
غير متهمة.
[المسألة 63:]
إذا عقد الزوج الثاني على المطلقة ثلاثا، وخلا بها ثم طلقها،
فادعت أن الزوج قد أصاب منها ولم ينكر الرجل ذلك، صدق قولها
وجاز للأول أن يتزوجها، وإذا أنكر الزوج الثاني أنه دخل بها ولم
يصدق قولها، أشكل الحكم بحلها للزوج الأول، فلا بد من الاحتياط.
[المسألة 64:]
إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا ثانيا فوطأها وطأ محرما، فجامعها في
أيام حيضها مثلا أو في الصيام الواجب أو في أثناء الاحرام بحج أو
بعمرة، كفى ذلك في تحليلها للزوج الأول وإن كان من فعلاه محرما
عليهما. وإذا تزوجها الثاني ووطأها، ثم ظهر بعد ذلك فساد عقدهما
لم يصح ذلك ولم تحل به للأول، وكذلك إذا وطأها الثاني لشبهة في
غير هذه الصورة.
[المسألة 65:]
ذكرنا في المسألة الثالثة والخمسين طلاق السنة، وهو ما اجتمعت
فيه شروط الصحة في الطلاق، ويقابله طلاق البدعة، وهو ما لم تتوفر
فيه الشروط، سواء فقد بعض الشروط أم فقد جميعها، كما أوضحناه
في المسألة المذكورة، ويقال للأول طلاق السنة بالمعنى الأعم.
وقد يقول الفقهاء: طلاق السنة، ويعنون به ما يقابل العدي،
فالطلاق العدي هو ما يرجع به الرجل بزوجته في أثناء عدتها ثم يجامعها
185

بعد الرجعة ويطلقها بعد ذلك في طهر غير طهر المواقعة، وطلاق السنة هو
ما يرجع فيه الرجع بالمرأة في أثناء العدة ويطلقها من غير جماع، وقد
يقولون: طلاق السنة بالمعنى الأخص ويريدون به أن يطلق الرجل
زوجته ولا يرجع بها حتى تنقضي عدتها ويتزوجها بعد العدة وهكذا.
[المسألة 66:]
إذا شك الرجل في أنه طلق زوجته أو لم يطلقها، بنى على أنه لم
يطلقها وأن صلة النكاح بينه وبين المرأة لا تزال باقية، فيجوز له
وطؤها وتجب عليه نفقتها ويلزمه ترتيب آثار الزوجية لها.
[المسألة 67:]
إذا طلق امرأته ورجع بها، وشك في عدد مرات الطلاق، هل طلقها
مرتين، فيجوز له الرجوع بها، أو طلقها ثلاثا، فلا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، بنى على الأقل، وهكذا إذا تعدد الطلاق العدي، وشك
في أنه طلقها ثماني مرات، فيحل له الرجوع بالزوجة، أو أنه طلقها
تسعا، فتحرم عليه مؤبدا فيبني على الأقل
[الفصل الرابع]
[في عدة الفراق]
[المسألة 68:]
تجب العدة على المرأة إذا فارقها الزوج بطلاق أو بفسخ عقد لأحد
الأمور الموجبة لجواز الفسخ من عيب أو تدليس، أو بانفساخ النكاح
لعروض أمر يوجب ذلك كالرضاع والارتداد ونحوهما وبانقضاء الأجل
أو هبة المدة في عقد المتعة، مع مراعاة الشروط الآتي ذكرها، وهذا
ما نذكره في هذا الفصل. وتجب عليها العدة لموت الزوج، ولوطء
الرجل للمرأة شبهة، وهذا ما نذكره في الفصلين الآتيين إن شاء الله
تعالى.
[المسألة 69:]
دخول الرجل بالمرأة الذي تترتب عليه الأحكام من الغسل والمهر
186

والعدة في الطلاق وأخواته هو ايلاج الحشفة فيها في القبل أو الدبر
سواء أنزل أم لم ينزل، بل وإن لم ينتشر العضو ولم ينعظ لمرض أو
شبهه، وسواء كان فعله حلالا أم حراما، كما إذا وطأها في حال الحيض
أو في صوم واجب.
[المسألة 70:]
إذا أمنى الزوج على فرج زوجته فسبق الماء إليه من غير دخول، أو
أدخل الماء فيه بمساحقة أو بتوسط أنبوب أو إبرة حاقنة، ثم طلقها
الزوج أو فسخها أو وهبها مدة المتعة، فالظاهر وجوب العدة على المرأة
من فراقه وإن لم يدخل بها، وعدتها كعدة غيرها، وضع الحمل إذا
كانت حاملا، وتربص ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إذا كانت غير حامل
وكان العقد دائما، وتربص حيضتين كاملتين أو خمسة وأربعين يوما
إذا كانت غير حامل وكان العقد منقطعا.
وإذا استبرأت من الماء المذكور، ثم طلقها الزوج بعد الاستبراء من
غير دخول فالظاهر عدم وجوب العدة عليها.
[المسألة 71:]
يحكم بتحقق اليأس من المحيض في المرأة إذا بلغت من العمر ستين
سنة تامة وكانت قرشية، أو بلغت خمسين سنة تامة وكانت غير قرشية،
ويحكم ببلوغ الصبية وخروجها عن حد الصغر إذا بلغت من العمر تسع
سنين كاملة.
[المسألة 72:]
إذا شك في المرأة هل هي قرشية أو غير قرشية كان لها حكم غير
القرشية فيحكم بيأسها إذا بلغت خمسين سنة، وإذا شك في المرأة هل
بلغت سن اليأس أو لم تبلغ ثبت لها حكم غير اليائسة، فإذا طلقت وجبت
عليها العدة، وإذا شك في الصبية هل أكملت تسع سنين أو لم تكمل
لحقها حكم غير البالغة فلا تجب عليها العدة في الطلاق وإن دخل بها
الزوج.
[المسألة 73:]
إذا طلق المرأة زوجها قبل أن تيأس، فرأت دم الحيض مرة واحدة
187

أو مرتين ثم بلغت سن اليأس، وجب عليها أن تكمل عدتها بالأشهر،
فإذا كانت قد اعتدت بطهرين بعد الطلاق وقبل اليأس، أكملت العدة
بشهر واحد وإذا رأت طهرا واحدا أكملت العدة بشهرين، وإذا كانت
قبل اليأس ممن تعتد بالأشهر، فاعتدت بشهر واحد أو بشهرين ثم
يئست أكملت عدتها ثلاثة أشهر.
[المسألة 74:]
إذا فارق الزوج امرأته بطلاق أو فسخ أو بانقضاء أمد نكاحها إذا
كان منقطعا أو هبة المدة، وكانت المرأة حاملا من الزوج، فعدتها إلى
أن تضع حملها سواء طالت مدته أم قصرت، وإن وضعته بعد الطلاق
بفترة وجيزة، وإن كان سقطا غير تام الخلفة مضغة أو علقة إذا تحقق
كونه حملا.
[المسألة 75:]
إذا طلقها الزوج أو فسخها أو انقضت مدتها من نكاحه وكانت حاملا
من غيره اعتدت منه بالأقراء أو بالشهور كما يأتي تفصيله إن شاء الله
تعالى، ولا صلة لعدتها منه بالحمل، فإن كان الحمل من الزنا اعتدت
المرأة بالأقراء أو بالشهور لطلاق الزوج ولم يكن للحمل أثر للزاني
ولا للزوج المطلق، وإن كان بوطء شبهة اعتدت بمدة الحمل لوطء الشبهة
واعتدت بالأقراء أو الشهور للطلاق وسيأتي الكلام في ما إذا كانت
حاملا من الزوج ثم وطئت شبهة وفي تقدم الطلاق على وطء الشبهة
وسبق الوطء على الطلاق إذا كانت حائلا.
[المسألة 76:]
إذا طلقها الزوج وكانت حاملا منه بأكثر من واحد، فالظاهر أن
المرأة لا تبين من الزوج حتى تضع الجنين الأخير مما في بطنها سواء كان
الحمل باثنين أم بأكثر، فإذا وضعت واحدا ولم تضع الآخر بعد، جاز
للزوج أن يرجع بها فإنها لا تزال في العدة منه، وإن كان الأحوط أن
لا يرجع الزوج بالمرأة بعد وضع الأول وأن لا تنكح المرأة زوجا غيره
حتى تضع الأخير.
188

[المسألة 77:]
إذا طلقت المرأة أو فسخ نكاحها أو انفسخ وكان النكاح دائما وهي
غير حامل من الزوج كانت عدتها بالأقراء أو بالشهور، فإذا كانت حرة
مستقيمة الحيض، فعدتها ثلاثة قروء، وإذا كانت أمة مستقيمة الحيض
اعتدت بقرئين، ويراد بمستقيمة الحيض من تكون مواعيد حيضها
متعارفة بين النساء، والمتعارف بين النساء أن تحيض المرأة في كل شهر
مرة وقد تحيض في الشهر مرتين، وتلحق بها في الحكم من تحيض في
الشهرين مرة ومن تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة، فتعتد الحرة المطلقة
في هذه الفروض كلها بثلاثة قروء وتعتد الأمة بقرءين.
[المسألة 78:]
إذا كانت المطلقة ممن لا يأتيها الحيض وهي في السن التي تحيض
فيه أمثالها، فعدتها بالشهور فإذا كانت حرة اعتدت بثلاثة أشهر،
وإذا كانت أمة اعتدت بخمسة وأربعين يوما، سواء كان انقطاع الحيض
عنها لسبب أصلي في خلقتها، أم لعارض من مرض أو رضاع أو لكونها
في أوائل البلوغ، وتلحق بها من كانت غير مستقيمة الحيض، وهي من
يفصل بين الحيضتين فيها ثلاثة أشهر أو أكثر، فتعتد من الطلاق بثلاثة
أشهر إذا كانت حرة، وبخمسة وأربعين يوما إذا كانت أمة.
[المسألة 79:]
الأقراء التي تعتد بها المرأة إذا كانت مستقيمة الحيض هي الأطهار،
ويكفي في الطهر الأول من أطهار العدة ما يتحقق به مسمى الطهر، فإذا
طلق الرجل امرأته وهي طاهر، وبقيت بعد الطلاق على طهرها فترة
وإن كانت قليلة جدا، ثم طرقها الحيض عدت تلك الفترة القليلة قرءا
من أقراء العدة، فإذا كانت حرة أكملت عدتها بقرءين آخرين، والقرء
هنا هو النقاء الكامل بين الحيضتين سواء طالت مدته أم قصرت، فإذا
رأت أول الدم الثالث انتهت عدتها، وإذا كانت أمة أكملت عدتها
بقرء آخر، فإذا رأت أول الدم الثاني انتهت عدتها.
[المسألة 80:]
إذا أوقع المطلق صيغة الطلاق في آخر طهر المرأة، فاتفق آخر صيغة
189

الطلاق مع آخر طهر المرأة، ولم يتخلل بين آخر الطلاق وأول الحيض
شئ من الطهر حتى لحظة، صح الطلاق لوقوعه في حال الطهر ووجب
على المرأة إذا كانت حرة أن تعتد بثلاثة أطهار تامة فلا تنقضي عدتها
حتى ترى أول الحيض الرابع، ووجب على الأمة أن تعتد بطهرين
كاملين، فلا تنتهي عدتها حتى ترى أول الحيض الثالث.
[المسألة 81:]
إذا انقضى أجل المرأة المتمتع بها أو وهبها زوجها بقية المدة بعد
الدخول بها، وكانت حاملا من الزوج، وجب عليها أن تعتد منه مدة
حملها، فإذا وضعت حملها انقضت عدتها، سواء طالت المدة أم قصرت،
وسواء وضعت حملها تاما أم ناقصا على ما مر في بيان ذلك، وإذا
كانت حائلا ومستقيمة الدم، فعدتها حيضتان كاملتان، على الأقوى،
فلا تنتهي الثانية من الحيضتين إلا بالنقاء الكامل منها، ولا تعد الأولى
إذا نقص من أولها بعض الأيام أو الساعات، فإذا انقضت مدة المتعة في
أثناء الحيض أو وهبها الزوج بقية المدة في أثنائه لم تعد تلك الحيضة
الناقصة من العدة، ولا بد من حيضتين كاملتين بعدها، وإذا كانت المرأة
حائلا وغير مستقيمة الدم أو كانت ممن لا تحيض وهي لا تزال في سن من
تحيض وجب عليها أن تعتد بخمسة وأربعين يوما وقد ذكرنا هذا في
فصل النكاح المنقطع من كتاب النكاح ولا فرق في هذه الأحكام بين أن
تكون المرأة المتمتع بها حرة أو أمة مملوكة.
[المسألة 82:]
إذا فسخ النكاح بين الزوجين لعيب أو تدليس وكان الفسخ بعد
الدخول بالمرأة، فعدتها منه كعدة الطلاق على ما بيناه في الحامل وغير
الحامل وفي الحرة الدائمة والمتمتع بها، وكذلك: إذا انفسخ نكاحهما
بأحد موجبات الانفساخ كالرضاع والارتداد واسلام الزوجة مع بقاء
الزوج على كفره، فعدتها في كل ذلك كعدة الطلاق، وإذا ارتد الزوج
وكان ارتداده عن فطرة بانت منه زوجته واعتدت منه عدة الوفاة،
والأمة بحكم الحرة في جميع ذلك على الأحوط.
190

[المسألة 83:]
إذا كانت المطلقة ومن هي في حكمها ممن تعتد بالأشهر، فالمعتبر
في عدتها هو الشهر الهلالي، سواء كان ناقصا أم تاما، فإذا طلقها
زوجها أو فسخ نكاحها في مطلع هلال الشهر، أتمت الشهور الثلاثة
هلالية، وإذا طلقها في أثناء الشهر اعتدت بقية الشهر الأول، وجعلت
الشهر الثاني والثالث هلاليين، ثم أخذت من أيام الشهر الرابع ما يتم
به الشهر الأول ثلاثين يوما على الأحوط.
[المسألة 84:]
إذا طلقت المرأة الأمة أو فسخت وهي ممن يعتد بالأيام لا بالقروء
وجب عليها أن تعتد بخمسة وأربعين يوما وإن وقع طلاقها في هلال
الشهر، فلا تكتفي بشهر هلالي ونصف إذا كان ناقصا، وكذلك الحكم
في المرأة المتمتع بها إذا انقضى أجلها أو وهبت لها مدتها بعد الدخول
بها وكانت ممن يعتد بالأيام لا بالقروء، فيجب عليها أن تتم خمسة
وأربعين يوما.
[المسألة 85:]
إذا وطأ السيد أمته بملك اليمين ثم أعتقها، وجب عليها أن تعتد
منه عدة الحرة في الطلاق فإذا كانت حاملا منه اعتدت حتى تضع حملها،
وإذا كانت حائلا اعتدت بثلاثة قروء أو بثلاثة أشهر حسب ما ذكرناه
في عدة الحرة.
[المسألة 86:]
تبدأ عدة الطلاق من حين ايقاع الطلاق على المرأة سواء علمت به
أم لم تعلم، وسواء كان الزوج حاضرا أم غائبا وسواء كانت المرأة
صغيرة أم كبيرة، وكذلك العدة في الفسخ والانفساخ، فإذا لم تعلم
المرأة بوقوع الطلاق أو الفسخ حتى انقضت العدة لم تجب عليها عدة
أخرى.
[المسألة 87:]
إذا سئلت المرأة عن حالها، فادعت أنها حائض، صدق قولها فلا
يجوز للزوج أن يطلقها في تلك الحال وإذا طلقها كان طلاقه باطلا.
191

وإذا أوقع الرجل طلاق الزوجة، وادعت الزوجة بعد ذلك أن الطلاق
باطل لأنه وقع في حال الحيض وأنكر الزوج ذلك كان القول قول الزوج
مع يمينه لأنه يدعي الصحة.
[المسألة 88:]
يقدم قول المرأة في انقضاء العدة وفي عدم انقضاءها، فإذا ادعت هي
أن عدتها قد انقضت ولا رجوع للرجل بها وأنكر الزوج انقضائها
فالقول قولها مع يمينها، وإذا ادعت هي أن العدة لم تنقض بعد وادعى
الزوج أن العدة قد انقضت فلا حق لها في النفقة، قدم قولها أيضا مع
يمينها، سواء كانت عدتها بمدة الحمل أم بالأقراء أم بالشهور.
[المسألة 89:]
إذا قال الرجل: إنه قد طلق المرأة قبل قوله وأخذ باقراره، حتى
إذا ادعى أنه طلقها قبل مدة بحيث أن المرأة قد خرجت من العدة، فلا
يكون له حق على المرأة من حقوق الزوجية، ولا تسقط بذلك حقوق
المرأة من النفقة في المدة السابقة على اخباره لها بالطلاق، فتجوز لها
مطالبته بذلك.
[المسألة 90:]
مطلقة الانسان بالطلاق الرجعي بمنزلة الزوجة له ما دامت في عدته،
ولذلك فيحل لكل واحد منهما النظر إلى الآخر، ويجوز للرجل أن يدخل
عليها بغير إذن، ويستحب لها أن تظهر له زينتها، وتلزمه نفقتها من
الطعام والإدام والكسوة والسكنى، إذا لم تكن ناشزة، وتجب عليها
طاعته، ويحرم عليها أن تخرج من بيته بغير إذنه كما هو الحكم في
الزوجة، ويحرم عليه أن يتزوج بأختها ما دامت هي في العدة،
وإذا كانت لديه ثلاث زوجات، دائمات وهي رابعتهن لم يجز له أن
يتزوج الخامسة ما دامت في العدة، ويجب عليه دفع فطرتها إذا اتفق
يوم الفطر في عدتها، وإذا ماتت وجب عليه كفنها وتجهيزها، وإذا
مات أحدهما في أثناء العدة ورثه الآخر كما يتوارث الزوجان.
[المسألة 91:]
إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، بانت منه المرأة وإن كانت ذات
192

عدة، كالمختلعة، والمباراة المدخول بهما، والمطلقة ثلاثا بعد الدخول،
فلا يترتب لها شئ من آثار الزوجية، فلا توارث بينهما إذا مات
أحدهما في العدة، ولا يحرم على الرجل أن يتزوج أخت المرأة وهي
في العدة، ولا يحرم عليه أن يتزوج بخامسة، ولا تستحق عليه نفقة إلا
إذا كانت حاملا منه فتستحق النفقة حتى تضع حملها وقد ذكرنا هذا
في فصل النفقات من كتاب النكاح.
[المسألة 92:]
لا يجوز للرجل أن يخرج مطلقته الرجعية من بيتها الذي عينه
لسكناها في أيام العدة، إلا إذا أتت بفاحشة مبينة، كما إذا ارتكبت
ما يوجب الحد، أو فعلت ما يوجب النشوز، أو كانت بذيئة اللسان
أو كانت تتردد إلى من لا يحل لها الاجتماع بهم أو يترددون عليها.
ولا يجوز لها أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها إلا لضرورة تستدعي
ذلك، أو لأداء واجب قد ضاق وقته فيجوز لها الخروج بمقدار ما تتأدى
به الضرورة.
[المسألة 93:]
رجوع الرجل بمطلقته الرجعية: ايقاع من الايقاعات، ولذلك
فلا يعتبر في صحته قبول المرأة ولا رضاها به، فيصح الرجوع من
الزوج وإن كرهت الزوجة ذلك وردته، ورجوع الرجل بالمرأة يعني
ارتجاعه لصلة النكاح بينه وبينها على ما كانت قبل الطلاق، ولذلك
فيصح انشاؤه بأي لفظ يدل على هذا المقصود، فيقول: رجعت بمطلقتي
فلانة، أو أرجعتها إلى زوجيتي، أو ارتجعتها إلى نكاحي، أو رددتها
إلي أو إلى نكاحي، أو أمسكت بالزواج ما بيننا، وغير هذا من الألفاظ
الدالة على المقصود وإن كان ظهورها فيه بمعونة القرائن، ويصح
انشاؤه بالفعل، كما إذا ضم المطلقة إليه أو قبلها بشهوة، أو لمس
بعض المواضع منها أو فعل شبه ذلك مما لا يحل فعله لغير الزوج،
وكان قاصدا به الرجوع، فلا عبرة بفعل الساهي أو الناسي أو النائم
أو الغالط، ولا عبرة بالفعل إذا قصد به غير المطلقة، كما إذا ظن أو
193

اعتقد أنها امرأة أخرى فقبل أو لمس، بل وحتى إذا وطأها بذلك
الاعتقاد.
[المسألة 94:]
إذا وطأ الرجل مطلقته الرجعية وهي في أثناء عدتها منه كان ذلك
رجوعا بالمرأة وإن لم يقصد بفعله الرجوع بها، وإذا فعل معها ما دون
الوطء كالتقبيل والضم واللمس وشبه ذلك فلا يكون ذلك رجوعا بها
إلا إذا قصد بفعله الرجوع بها.
[المسألة 95:]
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ثم أنكر الطلاق بعد ذلك وهي
لا تزال في عدتها منه، كان انكاره رجوعا بالمرأة، وإن علم أنه طلق
زوجته وأشهد على الطلاق.
[المسألة 96:]
لا يشترط في صحة الرجوع بالمطلقة أن يكون بحضور شاهدين، وإن
كان الاشهاد عليه أفضل وأحوط ولا يعتبر في صحته أن تعلم المرأة به
حال الرجوع، فإذا رجع الرجل بها ولم يشهد على رجعته أحدا ولم تعلم
به المرأة صح رجوعه ورجعت المرأة إلى زوجيته، فإذا ادعى الرجعة
والعدة باقية، قبل قوله ولزم المرأة أن ترجع إلى زوجيته، وإذا ادعى
بعد العدة إنه قد رجع بها في أثناء العدة احتاج في دعواه إلى ما يثبتها،
ومن أجل ذلك كان الاشهاد على الرجعة أفضل وأحوط.
[المسألة 97:]
يصح للرجل أن يوكل أحدا في إنشاء الرجعة بمطلقته، فيقول
الوكيل للمرأة: أرجعتك إلى نكاح موكلي فلان، أو رجعت بك إلى
نكاحه أو يقول: أرجعت مطلقة موكلي فلان إلى زواجه.
[المسألة 98:]
إذا طلق الرجل زوجته ثم رجع بها بعد الطلاق، وادعى أن الطلاق
بعد الدخول فتكون المطلقة ذات عدة ويجوز له الرجوع بها، وأنكرت
الزوجة الدخول ولذلك فلا تكون لها عدة ولا تكون له رجعة، فالقول
قول المرأة مع يمينها.
194

[المسألة 99:]
جواز رجوع الرجل بمطلقته الرجعية في أيام عدتها إنما هو حكم
من الأحكام الشرعية المجعولة وليس حقا من الحقوق ليكون قابلا
للاسقاط، ولذلك فلا يسقط إذا أسقطه الرجل باختياره أو صالحته
المرأة عنه بعوض أو بغير عوض، فيصح له الرجوع ما دامت في العدة.
[المسألة 100:]
إذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول بها طلاقا رجعيا، ثم رجع بها
في أثناء العدة، ثم طلقها من قبل أن يدخل بها بعد الرجوع، جرى
عليها حكم الطلاق بعد الدخول، فيجب عليها استيناف العدة تامة بعد
الطلاق الثاني، ولا تسقط العدة عنها، بتوهم أنه طلاق قبل الدخول،
سواء كان الطلاق الثاني رجعيا أم بائنا.
وكذلك الحكم على الأحوط لزوما في ما إذا طلق الرجل زوجته بعد
الدخول بها طلاقا بائنا، ثم تزوجها في أثناء العدة بعقد جديد، وطلقها
قبل أن يدخل بها، فلا تسقط عنها العدة بذلك، على الأحوط لزوما،
وخصوصا في أمر الفروج، ويلزمها استيناف العدة من أولها.
وقد يحتال بذلك بعض الناس ليتخلص من عدة المرأة، فينكحها
شخص آخر في يوم طلاقها الأول، وهو من التلاعب في أمر الفروج،
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبحكم ذلك أن يتمتع المرأة رجل ويواقعها ثم يهبها المدة ويعقد
عليها في أثناء العدة بالعقد الدائم، ثم يطلقها قبل الدخول أو يعقد
عليها بالعقد المنقطع مرة ثانية ويهبها المدة قبل الدخول أيضا،
ليتخلص من العدة، ويتزوج المرأة رجل آخر في يومها، والاحتياط
في جميع ذلك لازم كما ذكرنا.
[المسألة 101:]
يجوز للرجل الذي يطلق زوجته وهي حامل منه طلاقا رجعيا أن
يرجع بها قبل أن تضع حملها، ويجوز له بعد الرجوع بها أن يطلقها
مرة ثانية قبل أن تضع حملها أيضا، من غير فرق بين أن يواقعها بعد
195

الرجعة أم لا ويجوز له أن يتكرر منه الطلاق والرجوع قبل وضع
الحمل، فإذا طلقها كذلك ثلاثا، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا
غيره بعد أن تخرج من عدتها بوضع الحمل وإذا وطأها بعد كل رجعة
وقبل الطلاق منها كان ذلك من الطلاق العدي، فإذا نكحت بعد الوضع
زوجا ثم تزوجها وأكمل تسع طلقات على الوجه المعتبر في الطلاق العدي
حرمت المرأة عليه مؤبدا كما تقدم تفصيله.
ويستحب له إذا وطأها بعد الرجعة أن لا يطلقها إلا بعد مضي شهر من
مواقعته إياها، من غير فرق بين الطلاق الثاني والثالث.
[المسألة 102:]
إذا طلق الرجل زوجته وهي حائل ثم رجع بها، فإن وطأها بعد
الرجعة لم يصح له طلاقها مرة ثانية إلا في طهر آخر، أو بعد استبانة
الحمل فيها، أو بعد مضي ثلاثة أشهر إذا أصبحت مسترابة، وإذا لم
يطأها بعد رجوعه بها، صح له طلاقها مرة ثانية وإن كانت في الطهر
الأول، وكذلك الحكم إذا أراد تطليقها مرة ثالثة، ولكن الأحوط
استحبابا تفريق الطلقات على الأطهار.
[المسألة 103:]
يكره للرجل المريض أن يطلق زوجته، وإذا طلقها كان طلاقه
صحيحا، فإذا انقضت عدتها أو كانت ممن لا عدة لها جاز لها أن
تتزوج غيره.
[المسألة 104:]
إذا طلق المريض زوجته ومات في ذلك المرض نفسه ورثته المرأة
المطلقة وإن كان موته بعد طلاقها بسنة، سواء كان الطلاق رجعيا أم
بائنا، وسواء كانت المرأة من ذوات العدة أم لا، كاليائسة وغير المدخول
بها.
وإنما ترثه بشروط أربعة.
الأول: أن يكون موت الرجل في المرض الذي طلقها فيه، فإذا برئ
من ذلك المرض ثم مات، لم ترثه المرأة وإن كان موته بمرض يشابه
196

مرضه الأول، إلا إذا كان موته في أثناء عدتها الرجعية فترثه لذلك
لا للسبب الأول.
الثاني: أن لا تتزوج المرأة غير الرجل بعد طلاقها منه، فإذا انقضت
عدتها من طلاقه أو كانت ممن لا عدة لها، فتزوجت بآخر لم ترث من
مطلقها إذا مات قبلها.
الثالث: أن يكون موت الرجل ما بين طلاقه المرأة وبين سنة، فإذا
مات بعد الطلاق بأكثر من سنة ولو بيوم واحد ونحوه لم ترثه المرأة.
الرابع: أن لا يكون طلاقها خلعا أو مباراة، أو يكون الطلاق بطلب
منها، فلا ترث الرجل إذا كان طلاقها كذلك.
[المسألة 105:]
إذا لم يقصد المريض بطلاقه اضرارا بالمرأة، كما إذا طلقها ليخلصها
من مشكلة يتوقع حدوثها عليها وكما إذا خاف طول مرضه، فطلقها
لتتزوج بمن تشاء، ففي إرثها منه إذا مات في غير العدة الرجعية اشكال،
فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينها وبين الورثة.
[المسألة 106:]
لا فرق بين المريض والصحيح في حكم ميراثه هو من مطلقته إذا ماتت
هي قبله، فلا يرثها إذا كان الطلاق بائنا سواء كان موتها في أثناء
العدة أم بعدها أم كانت ممن لا عدة لها، ولا يرثها إذا ماتت بعد
انقضاء العدة وإن كان الطلاق رجعيا، ويرثها إذا ماتت قبله وهي
في عدتها الرجعية منه.
[المسألة 107:]
لا يلحق بالطلاق غيره من أسباب الفراق كالفسخ بالعيوب أو التدليس
وحصول الرضاع المحرم واللعان ونحو ذلك، فإذا حصل أحد هذه
الأسباب في مرض الرجل فحرمت عليه المرأة، لم ترثه وإن كان حصول
السبب من جهته.
ولا يلحق بالمرض غيره من الأحوال المخوفة كالأسر الذي لا يأمن معه
الأسير على نفسه، والأخذ لقصاص أو لحد، فإذا طلق الرجل زوجته
197

في تلك الحال لم ترثه، إلا إذا كان الطلاق رجعيا وكان الموت في العدة.
[المسألة 108:]
إذا طلق الرجل زوجته ثم مات، فادعت المرأة أنه طلقها في حال
مرضه، وقال الوارث إن الميت طلقها في حال صحته، لم يثبت لها الميراث
إلا إذا أقامت البينة على صدق قولها، أو أقامت البينة على أنه طلقها
في تأريخ معين وكان من المعلوم أو من الثابت أنه كان مريضا في ذلك
الحين.
[الفصل الخامس]
[في عدة الوفاة]
[المسألة 109:]
تجب العدة على الزوجة إذا مات عنها زوجها، سواء كانت كبيرة أم
صغيرة، وحرة أم مملوكة ودائمة أم متمتعا بها، ومدخولا بها أم غير
مدخول بها، وحتى إذا كانت ذمية قد تزوجها مسلم، أو كانت طفلة
قد تولى وليها عقدها على الزوج وسواء كان الزوج المتوفى كبيرا أم
صغيرا، وحرا أم عبدا، وعاقلا أو مجنونا، وحتى إذا كان طفلا قد
تولى وليه عقد الزوجة عليه.
[المسألة 110:]
تعتد الزوجة الحرة من جميع الأقسام الآنف ذكرها من النساء إذا
مات الزوج وكانت حائلا بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت من
ذوات الأقراء، أو كانت يائسة من المحيض أو كان الزوج المتوفى عبدا
مملوكا، وتعتد إذا كانت حاملا من الزوج المتوفى بأبعد الأجلين من
مدة الحمل، والمدة المتقدم ذكرها، فأيهما كان أطول أمدا وجب عليها
أن تأخذ به.
[المسألة 111:]
الأحوط لزوما أن تعتد الأمة المملوكة بما يساوي عدة الحرة في
جميع الفروض، فإذا كانت حائلا غير حامل اعتدت بأربعة أشهر وعشرة
أيام، وإذا كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين من المدة المذكورة ومدة
198

الحمل سواء كان الزوج عبدا أم حرا أم مبعضا، وكذلك إذا اعتدت
من وفاة سيدها وكان يطأها بالملك سواء كانت ذات ولد من السيد أم لا.
[المسألة 112:]
الشهور التي تعتدها المرأة المتوفى عنها زوجها هي الأشهر الهلالية
على الأظهر، فإذا اتفق موته في هلال الشهر، اعتدت زوجته أربعة
أشهر هلالية سواء كانت تامة أم ناقصة، ثم أتمتها بعشرة أيام من
الشهر الخامس وإذا مات في أثناء الشهر، اعتدت بقية ذلك الشهر، ثم اعتدت
الأشهر الهلالية الثلاثة التي تأتي بعدها سواء كانت تامة أم ناقصة،
ثم اعتدت من الشهر الخامس ما يكمل الشهر الأول ثلاثين يوما على
الأحوط، وأتمت العدة بعدها بعشرة أيام، والأحوط استحبابا أن
تجعل العدة كلها شهورا عددية في جميع الفروض، فتعتد بمائة وثلاثين
يوما.
[المسألة 113:]
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ثم مات الرجل في أثناء عدة
المرأة وجب عليها أن تستأنف عدة الوفاة من حين موت الزوج، فإذا
كانت غير حامل اعتدت أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت حاملا
اعتدت بأبعد الأجلين، كما هو الحكم في الزوجة، وسقطت عنها عدة
الطلاق وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا ثم مات في أثناء عدتها،
وجب عليها أن تكمل عدة الطلاق بالقروء أو بالشهور أو بمدة الحمل
ولم تجب عليها عدة بسبب الوفاة.
[المسألة 114:]
يجب الحداد على المرأة المعتدة لوفاة ما دامت في العدة، ويراد
بالحداد أن تترك كل ما يعد استعماله زينة لها في نظر أهل العرف،
في وجهها وشعرها ورقبتها وجسدها وثيابها من خضاب، وأصباغ وعطور
وكحل وحلي وألبسة وغيرها، والمرجع في تعيين ذلك كله وتحديده إلى
العرف كما ذكرنا، فقد تكون ألوان الثياب والملابس زينة، وقد يكون
تطريزها بالعلم والألوان المختلفة زينة، وقد تكون أزياؤها في الخياطة
والتفصيل زينة، ولا يمنع من دخول الحمام وتنظيف الجسد والثياب
199

وتقليم الأظفار وشبه ذلك إذا لم يعد في العرف تزينا، كتنظيف الوجه
والرقبة والأطراف بالحلاقة أو حف الشعر الخفيف، وتنظيف الثياب
باعطائها ألوانا زاهية تجلب النظر، وتقليم الأظفار وتنظيم الشعر
بطرائق يستعملها أهل التزين والتجميل.
[المسألة 115:]
لا يختلف الحكم في وجوب الحداد على الزوجة المعتدة لوفاة زوجها
بين أن تكون مسلمة وذمية، ودائمة، ومتمتعا بها، ولا بين أن يكون
الزوج صغيرا وكبيرا، ولا يترك الاحتياط في الصغيرة والمجنونة، فعلى
الولي أن يجنبهما ما يعد زينة من اللباس وغيره ما دامتا في العدة.
[المسألة 116:]
لا يجب الحداد على الأمة المملوكة في عدة وفاة زوجها إذا كانت
متزوجة، ولا في وفاة مالكها إذا كانت موطوءة له بالملك.
[المسألة 117:]
لا يترك الاحتياط للمرأة المعتدة لوفاة زوجها بأن لا تخرج من بيتها
إلا لضرورة أو لقضاء حاجة أو لفعل طاعة، من حج أو زيارة ونحوهما،
أو لأداء بعض الحقوق، والمراد بالضرورة الضرورة العرفية.
[المسألة 118:]
يجب على المرأة أن تبتدئ في عدة الوفاة من حين بلوغ خبر الوفاة
إليها، كما إذا كان الزوج غائبا عنها في سفر أو سجن ولم يصل خبر
موته إليها إلا بعد مدة، وكذلك إذا كان حاضرا ولم تعلم بوفاته إلا
بعد مدة لسبب من الأسباب، والمعيار أن يصلها الخبر على وجه يعتمد
عليه العقلاء، ويحصل لهم الاطمئنان بوقوع الوفاة فإذا بلغها الخبر
كذلك وجب عليها الاعتداد ولم تحتج إلى قيام بينة أو شهادة عدل.
[المسألة 119:]
إذا غاب الرجل عن زوجته وبلده غيبة طويلة وانقطعت أخباره ولم
يعلم بموضعه من البلاد وعلمت المرأة بحياته وجب عليها الصبر إلى أن
تعلم بموته أو بطلاقه إياها وإن طالت المدة.
200

[المسألة 120:]
إذا فقد الرجل وانقطعت أخباره عن أهله وزوجته، ولم يعلم أهو
حي أم ميت، وكان له ولي يتولى الانفاق على الزوجة من مال الرجل، أو
كان له ولي أو قريب أو متبرع ينفق عليها من مال نفسه في غيبة
الرجل، وجب على المرأة أن تصبر وتنتظر حتى يأتي الله لها بالفرج،
أو تعلم بوفاة الزوج أو بطلاقه إياها، وإذا لم يكن للرجل مال ولم
تجد وليا أو متبرعا ينفق عليها، كان لها الخيار بين أن تصبر وتنتظر،
وأن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتخبره بحالها، فإذا رفعت الأمر
إليه، ضرب لها أجلا من ذلك اليوم إلى مدة أربع سنين، وفحص عن
الرجل في المدة المذكورة في الجهات التي فقد فيها والتي يحتمل وجوده
بها، فإن تبين له أن الرجل لا يزال حيا وجب عليها الصبر كما تقدم
حتى يحصل لها العلم بالموت أو الطلاق، وإن تبين موت الرجل اعتدت
المرأة عدة الوفاة، ثم تزوجت إن شاءت، وإن لم يتبين للحاكم الشرعي
موت الرجل ولا حياته، فإن كان للرجل ولي قد فوض إليه أن يتولى
عنه أموره أو يتصرف في شؤونه بالوكالة عنه، أمر الحاكم ذلك الولي
المفوض بأن يطلق المرأة عن زوجها، وإذا امتنع عن الطلاق أجبره
عليه، وإذا لم يمكن جبره أو لم يكن للرجل الغائب ولي مفوض كذلك،
تولى الحاكم الشرعي طلاق المرأة، فإذا طلقها الولي أو الحاكم اعتدت
من الرجل عدة الوفاة، فإذا تم الطلاق على الوجه الآنف ذكره وانقضت
العدة جاز لها أن تتزوج من تشاء.
[المسألة 121:]
الطلاق الذي يوقعه ولي المفقود أو الحاكم الشرعي على زوجة المفقود
بعد أن يتم الأجل والفحص، طلاق رجعي، والمطلقة في أيام عدتها
مطلقة رجعية، وإن كانت العدة بقدر عدة الوفاة، ولذلك فلا يجب
على المرأة الحداد في أيام العدة، وتستحق المرأة النفقة من مال الرجل
ما دامت في العدة كما تستحقها المطلقة الرجعية، وإذا ماتت المرأة في
غضون العدة، وعلم أن الرجل كان حيا وقت موتها، ورث من مالها
نصيب الزوج، وإذا مات الرجل وعلم أن موته كان في أيام العدة ورثت
201

المرأة من تركته نصيب الزوجة كما هو الحكم في توارث الزوجين إذا
مات أحدهما في العدة الرجعية.
[المسألة 122:]
إذا قدم المفقود إلى أهله بعد القضاء الأجل الذي ضربه الحاكم الشرعي
للزوجة وبعد أن تم الفحص في المدة عن المفقود، وقيل ايقاع الطلاق من
الولي أو من الحاكم الشرعي، فالزوجة لا تزال زوجته، وليس لها الامتناع
منه، ولا يقع الطلاق عليها إلا برضاه، وإذا قدم بعد اجراء الطلاق
وفي أثناء العدة، كان له الرجوع بالمطلقة ما دامت في العدة، وجاز له
ابقاء الطلاق حتى تنتهي العدة وتبين المطلقة، وإذا قدم بعد الطلاق
وانتهاء العدة فلا سبيل له على المرأة سواء تزوجت غيره أم لا، وإذا لم
تتزوج بعد العدة جاز لهما استئناف النكاح بعقد جديد.
[المسألة 123:]
إذا بلغ الزوجة خبر وفاة الزوج المفقود وهي في أثناء المدة التي
ضربها الحاكم الشرعي للفحص، وهي الأربع سنين، وجب على المرأة
أن تعتد له عدة الوفاة، وكذلك إذا بلغها خبر وفاته بعد انقضاء المدة
وقبل اجراء الطلاق، ويجب عليها الحداد في كلا الفرضين. وإذا بلغها
خبر وفاته وهي في أثناء العدة منه وبعد الطلاق فالأحوط لها أن
تستأنف عدة الوفاة من حين وصول الخبر إليها، بل لعل ذلك هو الأقوى.
وإذا بلغها خبر وفاته بعد أن انقضت عدتها منه وكان موته بعد
العدة أيضا لم يجب عليها الاعتداد لوفاته، سواء كان بلوغ الخبر لها
بعد أن تزوجت أم قبله، وإذا بلغها الخبر بعد انقضاء العدة وكان
موته قبل العدة أو في أثنائها، أشكل الحكم بسقوط عدة الوفاة عنها
ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 124:]
إذا كان للرجل المفقود عدة زوجات ورفعت إحداهن أمرها إلى الحاكم
الشرعي فأجلها أربع سنين، وبحث عن الرجل في المدة المذكورة ولم
يستبن من أمره شئ، وطلق المرأة، ثم طلب باقي الزوجات أو
202

بعضهن من الحاكم أن يطلقهن من الرجل، أشكل الحكم بكفاية التأجيل
والفحص المتقدمين في صحة طلاق الباقي.
وإذا رفع الزوجات جميعا أمرهن إلى الحاكم، أجلهن أربع سنين
وفحص عن المفقود في المدة، واكتفى بذلك في اجراء الحكم عليهن
جميعا، فيصح له طلاقهن جميعا.
[المسألة 125:]
الأحوط لزوما أن يكون تأجيل المدة والفحص عن الرجل المفقود
فيها بأمر من الحاكم كما ذكرناه فلا يكتفى في اجراء الحكم بأن تمر على
فقد الرجل أربع سنين كاملة ويحصل الفحص عن الرجل في جميع المدة
من المرأة أو من بعض أهلها فلا يعثر له على خبر، إذا لم يكن التأجيل
والفحص بأمر من الحاكم وتحت اشرافه، فلا تطلق المرأة اعتمادا على
ذلك، وتشكل جدا صحة هذا الطلاق وترتيب آثاره المقصودة عليه.
[المسألة 126:]
الفحص والطلب للرجل المفقود من الأمور العرفية، وطرائقه بين
الناس معلومة معروفة، وليس للشرع في ذلك طريقة خاصة غيرها،
فقد يكون الفحص بارسال شخص أو أشخاص معتمدين ممن يعرفون
الرجل المفقود ويحيطون علما بمشخصاته ومعرفاته، وممن يهتمون
بالأمر ويجدون في الطلب والسؤال في البلاد والأطراف التي يحتمل
وجود الرجل فيها، ويدأبون في التنقل والفحص، والاجتماع بالناس
الذين تذكر أو تحتمل لهم الخبرة بمعرفة الرجل ويعرفونهم بخطر
مهمتهم ومقصدهم، ويذكرون لهم صفة الرجل واسمه ونسبه وملامحه
ومشخصاته ليساعدوهم في الوصول إلى الغاية بنشر الخبر وكثرة
السؤال والبحث عنه في الأطراف والنواحي والأماكن المحتملة، وتسجيل
ما يحتاج إلى التسجيل، وقد يكون بالمراسلات إلى جماعة ممن يعتمد
عليهم في أمثال ذلك ليتحققوا، ويبحثوا عن الرجل في الأماكن والجهات
التي تكون قبلهم ثم يعرفوا الحاكم الشرعي أو وكيله بالنتائج، وقد
يكون بالمكالمات الهاتفية أو اللاسلكية وأمثالها، وقد يكون بنشر
اعلانات واستفهامات يذكر فيها اسم الرجل ومعرفاته وسماته، وقد يكون
203

بنشر صوره، وقد يكون بالسؤال الدائب من أهل حرفة الرجل وصنعته
والأشخاص الذين يتمل تعامله معهم في البلاد.
[المسألة 127:]
يمكن للحاكم الشرعي بعد أن يضرب الأجل أن يوكل الأمر في البحث
والتحري عن الرجل إلى شخص غيره أو إلى أشخاص ممن يعتمد عليهم
في ذلك ويقومون به على الوجه المطلوب، كبعض أرحام الرجل أو بعض
أقارب المرأة أو المرأة نفسها، والمدار أن يكون الطلب بأمر الحاكم
وأن يقع على الوجه المطلوب، وأن يكون الحاكم على معرفة من النتائج.
[المسألة 128:]
يعتبر في الشخص أو الأشخاص الذين يوكل إليهم أمر التحري بالسؤال
منهم أو المراسلة إليهم أن يكونوا من أهل الثقة والاطمئنان إلى أقوالهم
وأن يكونوا ممن يهتمون بالأمر لتترتب على أفعالهم وأقوالهم النتائج
الشرعية ولا تشترط فيهم العدالة.
[المسألة 129:]
يجب الفحص والتحري في البلاد والجهات والأماكن التي يظن وجود
المفقود فيها، أو التي يحتمل وجوده فيها احتمالا يعتنى به عند العقلاء،
ولا يكتفي بالفحص في بلد خاص أو في أمكنة وجهات خاصة منها عن
الفحص والتحري في بلاد وجهات وأماكن أخرى إذا كان احتمال وجود
الرجل فيها قريبا معتدا به، ولا يجب الفحص في بلاد أو جهات أو
أماكن يكون احتمال وجوده فيها ضعيفا لا يعتنى به بين الناس.
وإذا فقد الرجل في بلد معين أو في أماكن معينة، وعلم أو ظهر من
القرائن إنه لم ينتقل منها إلى غيرها، وجب الفحص في ذلك البلد وفي
تلك الأماكن خاصة، ولم يجب الفحص في غيرها.
[المسألة 130:]
يجب الفحص عن الرجل مدة أربع سنين، وهي المدة التي يضربها
الحاكم الشرعي للمرأة حين ترفع أمرها إليه، ولا يجب استيعاب المدة
كلها بالفحص المتصل فيها، بل يكفي أن يقع الفحص على فترات غير
204

متباعدة ما بينها، طوال المدة المذكورة، بحيث يصدق أن الفحص عن
الرجل قد استمر في جميع المدة.
[المسألة 131:]
يجب الفحص والتحري في المدة المعينة ما دام احتمال العثور على
الرجل موجودا، وكان الاحتمال مما يعتد به عند العقلاء، فإذا حصل
الفحص التام، بحيث أصبح احتمال وجدانه ضعيفا لا يعتد به أو أصبح
متيقن العدم لم يجب الفحص بعد ذلك، ولا يقع الطلاق ولا غيره من
النتائج حتى تتم المدة كلها، وإذا تجدد احتمال العثور عليه وكان
معتدا به، والمدة باقية وجب الفحص.
[المسألة 132:]
تجري الأحكام الآنف ذكرها إذا فقد الزوج، سواء كان حرا أم عبدا
أم مبعضا، وسواء كانت الزوجة التي ترفع أمرها إلى الحاكم حرة أم
أمة أم مبعضة، وتختص في ما إذا كان النكاح بين الزوجين نكاحا دائما
ولا تجري في ما إذا كان منقطعا.
[المسألة 133:]
لا يتعين على المرأة أن تختار الطلاق من الزوج المفقود، وإن كانت
قد رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، وتم الأجل والفحص في أربعة
أعوام، فيصح لها بعد ذلك أن تختار البقاء على الزوجية، وإذا اختارت
البقاء على الزوجية، فيجوز لها أن تعدل عن ذلك وتطلب الطلاق من
الحاكم، وإذا طلبت الطلاق منه طلقها ولم يفتقر إلى ضرب أجل مرة
ثانية وتجديد فحص.
[المسألة 134:]
إذا فقد الرجل، وحصل لزوجته علم بموته لبعض القرائن،
واعتدت منه عدة الوفاة، جاز لها بعد العدة أن تتزوج اعتمادا على علمها،
وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم ولم يؤجلها ولم يفحص ولم يطلق.
ويشكل الحكم في من يعلم بفقد الزوج، وإنها لم تجر على الطريقة
الشرعية للمفقود زوجها من التأجيل والفحص والطلاق، فالأحوط له
205

أن لا يتزوجها ولا يتولى عقدها لغيره بالوكالة عنها، فإذا أرادت الزواج
تزوجت من لا يعلم بالأمر، وإذا أرادت التوكيل في العقد وكلت مثله.
[المسألة 135:]
وجوب الحداد على الزوجة في عدة وفاة زوجها وجوب تكليفي عليها
وليس شرطا في صحة العدة، فإذا تعمدت تركه في جميع العدة أو في
بعضها كانت عاصية آثمة، ولم يجب عليها أن تستأنف العدة مع الحداد
أو تستأنف الأيام التي تركته فيها، وكذلك إذا تركته ناسية أو جاهلة
لم تبطل عدتها بتركه فإذا هي أكملت أيام العدة جاز لها أن تتزوج.
[الفصل السادس]
[في عدة وطء الشبهة]
[المسألة 136:]
وطء الشبهة هو أن يطأ الرجل المرأة أجنبية عنه وهو يعتقد أن
وطأها يحل له، لشبهة في الموضوع أو لشبهة في الحكم، ومثال الأول
أن يطأ المرأة الأجنبية، وهو يتوهم أنها زوجته أو أنها مملوكته أو أنها
أمة حللها له مالكها، ومثال الثاني أن يعقد الرجل على المرأة ويطأها،
ثم يعلم بفساد العقد لوجود سبب يحرم عليه نكاحها من رضاع أو
مصاهرة أو كونها ذات بعل أو ذات عدة، أو لفقد شرط من شروط
الصحة، وتراجع المسألة المائة والحادية والثلاثون من كتاب النكاح.
[المسألة 137:]
تجب العدة على المرأة الموطوءة بالشبهة، سواء كانت ذات بعل أم
ذات عدة أم لم تكن كذلك، وسواء كانت الشبهة في الموضوع أم في الحكم
كما بينا، وسواء كانت الشبهة من الرجل والمرأة كليهما أم من الرجل
خاصة، ولا تجب العدة على المرأة الموطوءة إذا كانت الشبهة منها خاصة
وكان الرجل عالما بالتحريم، فإنه يكون زانيا.
[المسألة 138:]
لا تجب العدة على المرأة المزني بها، سواء كانت ذات بعل أم لا،
وسواء حملت من الزنا أم لم تحمل، فلا يحرم وطؤها على زوجها إذا
206

كانت ذات بعل، ولا تحرم على سيدها إذا كانت موطوءة له بالملك، ولا
يحرم التزويج بها إذا كانت خلية لا زوج لها، والأحوط لزوما أن
يستبرأ رحمها من ماء الزنا بحيضة قبل الزواج بها وإن كان الذي يريد
الزواج بها هو الزاني نفسه، وتلاحظ المسألة المائتان والثامنة
والعشرون وما بعدها وما يليهما من كتاب النكاح.
[المسألة 139:]
تعتد المرأة من وطء الشبهة كعدة الطلاق، فإذا حملت من وطء
الشبهة فعدتها وضع الحمل وإن وضعته ناقصا، وإن لم تحمل فعدتها
ثلاثة قروء إذا كانت مستقيمة الحيض، وإذا كانت غير مستقيمة
الحيض أو كانت ممن لا يطرقها الحيض وهي في سن من تحيض فعدتها
ثلاثة أشهر على نهج ما أوضحناه في عدة الطلاق.
[المسألة 140:]
لا عدة على الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا وطأها رجل بالشبهة،
ولا على الكبيرة اليائسة من المحيض كذلك كما لا عدة لهما في الطلاق.
[المسألة 141:]
لا يترك الاحتياط لزوما في أن تبدأ المرأة في عدة وطء الشبهة من
حين ارتفاع الشبهة لا من حين حصول الوطء.
[المسألة 142:]
لا يجوز لزوج المرأة أن يطأ زوجته وهي في عدة وطء الشبهة من
رجل غيره، والظاهر من دليل العدة تحريم جميع الاستمتاعات على
الزوج ما دامت العدة لا خصوص الوطء.
[المسألة 143:]
إذا كانت المرأة ذات عدة من وطء الشبهة وكانت خلية من الزوج
لم يجز لأحد الزواج بها ما دامت في العدة، ولا يمنع صاحب العدة
نفسه من ذلك، فيجوز له أن يتزوجها وهي معتدة من وطئه وقد ذكرنا
هذا في المسألة المائتين والثالثة والعشرين من كتاب النكاح.
207

[المسألة 144:]
إذا تحقق للمرأة سببان لوجوب عدتين عليها، فالأحوط لزوما إن
لم يكن ذلك هو الأقوى أن تعتد لكل سبب منهما عدة مستقلة، ولا
تتداخل العدتان، ومثال ذلك أن يطلق الرجل زوجته المدخول بها،
ثم يطأها رجل آخر وطء شبهة، ومن أمثلة ذلك أن يموت الزوج فتعتد
المرأة له عدة الوفاة، ثم يطأها رجل وطء شبهة في أثناء عدتها، ومن
أمثلة ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة فتعتد منه لوطء الشبهة، ثم
يطلقها الزوج أو يموت عنها فتجب عليها عدة الطلاق أو عدة الوفاة،
ومن أمثلة ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة ثم يطأها رجل آخر كذلك،
فيجب على المرأة أن تعتد عدتين مستقلتين في الأمثلة المذكورة على
الأحوط.
فإذا كانت حاملا من أحد الرجلين جعلت مدة الحمل عدة للرجل
الذي ينسب له الحمل سواء كان هو الزوج المطلق أم كان هو الرجل
الواطئ بالشبهة، وسواء كان وجوب الاعتداد له سابقا على صاحبه
أم كان متأخرا عنه، فإذا وضعت الحمل انتهت عدته، وابتدأت عدة
الآخر، وإذا تأخر النفاس فترة عن وضع الحمل عدت هذه الفترة قرءا
من أقراء العدة الأخرى.
وإذا كانت المرأة حاملا من الزوج وقد مات اعتدت عنه بأبعد الأجلين،
فإذا أتمت ذلك بدأت عدتها للآخر، وإذا لم تكن المرأة حاملا من الرجلين
اعتدت للسابق منهما في ايجاب العدة عليها، فإذا أتمت عدته بدأت
عدة اللاحق.
[المسألة 145:]
إذا طلق الرجل زوجته واعتدت منه قرءا واحدا أو قرءين، ثم
وطأها رجل آخر بالشبهة وحملت منه، قطعت عدتها الأولى وجعلت مدة
الحمل عدة للواطئ بالشبهة كما ذكرنا، فإذا وضعت الحمل انقضت
عدته، ثم أكملت عدة الطلاق التي قطعتها، وكذلك الحكم إذا وطأ
المرأة أحد بالشبهة واعتدت منه قرءا أو قرءين، ثم طلقها الزوج أو
208

مات عنها وقد حملت منه، جعلت مدة الحمل عدة للطلاق أو الوفاة،
وإذا أتمت ذلك أكملت عدة الوطء بالشبهة.
[المسألة 146:]
لا فرق في لزوم الاحتياط الذي ذكرناه في المسألة المائة والرابعة
والأربعين بين أن تكون العدتان اللتان وجبتا على المرأة لرجل واحد
وأن تكونا لرجلين، فيلزمها أن تعتد بعدتين مستقلتين إذا تحقق لكل
واحدة منهما سبب مستقل، وإن كانت العدتان لرجل واحد، ومثال
ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة فتجب العدة عليها بسبب ذلك، ثم
يطأها الرجل نفسه كذلك مرة أخرى فتلزمها لذلك عدة ثانية، ومن
أمثلة ذلك أن يطلق الرجل زوجته طلاقا بائنا، فتجب عليها عدة الطلاق،
ثم يطأها المطلق نفسه بالشبهة فتلزمها له عدة أخرى، فعليها الاحتياط
في المثالين، ويجري فيهما التفصيل الذي ذكرناه في المسألتين السابقتين.
[المسألة 147:]
إذا أمنى الرجل على فرج المرأة وهو يتوهم أنها زوجته وسبق ماؤه
إليها من غير وطء أو أدخل ماؤه إليها بأنبوب أو إبرة حاقنة بمثل تلك
الشبهة، فلا يترك الاحتياط بأن تعتد المرأة من ذلك عدة وطء الشبهة،
بوضع الحمل إذا حملت منه، بتربص ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إذا
لم تحمل، وتراجع المسألة السبعون.
[الفصل السابع]
[في الخلع والمباراة]
[المسألة 148:]
الخلع والمباراة قسمان من أقسام الطلاق، ولذلك فيشترط في
صحتهما أن تتوفر فيهما جميع الشروط التي اعتبرت في صحة الطلاق،
وإذا خلع الرجل زوجته أو بارأها ثلاث مرات حرمت عليه حتى تنكح
زوجا غيره وكذلك إذا انضم خلع أو مباراة إلى تطليقتين للمرأة أو
انضم طلاق إلى خلعين أو مباراتين لها.
209

[المسألة 149:]
قد يقع الطلاق من غير كراهة من أحد الزوجين للآخر، وهو أشد
أقسام الطلاق كراهة في الاسلام، وقد يقع مع كراهة الزوج للمرأة،
والطلاق في هاتين الصورتين طلاق رجعي تصح فيه رجعة الزوج بنكاح
زوجته إذا كانت ذات عدة، وقد مر ذكره مفصلا، وقد يقع مع كراهة
الزوجة خاصة لزوجها، فإذا كرهته، وبذلت له الفدية ليطلقها كان
ذلك خلعا، وقد يقع الطلاق مع كراهة كل من الزوجين للآخر، فإذا
تكارها وبذلت المرأة للزوج فطلقها على ما بذلت كان الطلاق مباراة.
[المسألة 150:]
قد تكره المرأة زوجها ولا يكون هو كارها لها، ثم يطلقها من غير
أن تبذل له شيئا، صونا لكرامته مثلا وقد تحصل الكراهة من الزوجين
معا، ويطلق الرجل المرأة من غير بذل كذلك، فيكون الطلاق رجعيا
في الصورتين فالفارق مع وجود الكراهة من الزوجة في الخلع ومع وجود
الكراهة من الطرفين في المباراة هو أن تؤدي الكراهة إلى أن تبذل الزوجة
للرجل ما لا ليطلقها على ما بذلت.
[المسألة 151:]
يشترط في الخلع كما ذكرنا أن تكون الزوجة كارهة للزوج من غير
أن يكون الزوج كارها لها، والأحوط اشتراط أن تكون كراهتها له
شديدة يخشى لأجلها من وقوع المرأة في أمر محرم، كالجرأة على بعض
الأقوال أو الأفعال المحرمة، من الخروج عن الطاعة أو ارتكاب المعصية.
[المسألة 152:]
لا فرق في كراهة المرأة لزوجها التي تعتبر في صحة الخلع بين أن
تكون لأمور ثابتة في الرجل، كقبح منظر، أو بخل، أو خشونة طباع،
أو لوجود صفات أخرى فيه لا ترغب المرأة في معاشرته لأجلها، أو لوجود
ضرة تغار منها، فإذا كرهت الرجل أو كرهت معاشرته لذلك وبذلت
له الفدية وتوفرت بقية الشروط المعتبرة صح الخلع.
[المسألة 153:]
إذا أساء الرجل معاملة زوجته وتعمد أذاها بالاذلال والشتم والضرب
210

وشبه ذلك، أو ترك بعض ما يجب لها من نفقة أو حقوق واجبة،
فبذلت له بعض المال ليخلعها وتستريح من سوء معاملته حرم عليه أن
يأخذ شيئا من ذلك المال، وإذا خلعها على ما بذلت لم يصح الخلع،
ويصح طلاقا رجعيا إذا أوقعه بلفظ الطلاق، أو أوقعه بلفظ الخلع
واتبعه بالطلاق كما سيأتي بيانه، وتراجع المسألة الثلاثمائة والحادية
والثمانون من كتاب النكاح.
[المسألة 154:]
يشترط في الخلع أن تبذل الزوجة للرجل عن نفسها فدية ليطلقها
على ما بذلت، ويشترط في الفدية أن تكون مالا، وأن تكون مما يصح
تملكه، وليس لها حد معين، فيصح أن تكون بمقدار صداق المرأة
الذي سمي لها في عقد النكاح وأقل منه وأكثر، ويصح أن تكون عينا
خارجية مشخصة، فتقول المرأة للرجل: بذلت لك هذا الألف المعين
لتطلقني، ويصح أن تكون كليا في ذمة الزوجة، فتقول له: بذلت لك
ألف دينار في ذمتي أدفعه إليك حالا أو بعد شهر، وأن تكون كليا في
المعين، فتقول له: بذلت لك ألف دينار مما في الصندوق، ويصح أن
تكون دينا في ذمة الزوج أو في ذمة شخص غيره، فتقول له: بذلت لك
ما في ذمتك، من صداقي وهو كذا دينارا، أو مالي في ذمة زيد، وهو
كذا، ويصح أن تكون منفعة معينة، فتقول له: بذلت لك منفعة
بستاني أو منفعة داري سنة تامة.
[المسألة 155:]
يكفي في الفدية أن تكون معلومة على نحو الاجمال إذا تراضى
الطرفان بذلك، ومثاله أن تقول للرجل: بذلت لك هذه السيارة،
أو هذه الصبرة المشاهدة من الطعام، ويصح أن تكون مما يؤول إلى
العلم وإن كانت مجهولة بالفعل، فتقول له: بذلت لك ما يحتويه هذا
الصندوق إذا كان الزوج والزوجة يعلمان بأن في الصندوق مالا، أو
تقول له: بذلت لك مالي في ذمتك من صداق أو من دين، وإن جهل
الطرفان بالفعل مقدار ما في الصندوق وما في الذمة أو جهلا جنسه أو
وصفه.
211

[المسألة 156:]
إذا بذلت المرأة للرجل كليا في ذمتها، فلا بد من تعيين قدره وجنسه
ووصفه، فلا يكفي أن تقول له: بذلت لك ألفا في ذمتي من غير تعيين
للمراد، وكذلك إذا بذلت له عينا غائبة فلا بد من ذكر قدرها وجنسها
ووصفها، وإذا خلعها الرجل على هذا البذل لم يصح خلعا، ويصح
طلاقا رجعيا إذا أوقع الخلع بلفظ الطلاق، أو أوقعه بلفظ الخلع
وأتبعه بالطلاق، وإذا جعلت الفدية دينا في ذمتها فلا بد من تعيين كون
الدين حالا أو مؤجلا، ولا بد من تعيين مدة الأجل إذا جعلته مؤجلا.
[المسألة 157:]
يشترط في صحة الخلع أن تكون المرأة مختارة في بذل الفدية، فلا
يصح إذا كانت مكرهة على البذل من الزوج أو من غيره.
[المسألة 158:]
إنما يصح بذل الفدية إذا كانت من مال الزوجة أو كانت دينا في
ذمتها، تبذلها الزوجة نفسها، أو يبذلها وكيل مفوض عنها في ذلك،
ولا يصح بذل الفدية من مال شخص آخر، فتقول للزوج: بذلت لك
ألف دينار من مال أخي فلان لتطلقني، وإن رضي أخوها ببذل ماله،
وكذلك إذا وكلت أخاها، فقال للزوج: بذلت لك عن أختي وموكلتي
فلانة ألف دينار من مالي لتطلقها، فإذا طلقها الزوج لم يكن ذلك خلعا.
[المسألة 159:]
إذا قال أبو المرأة لزوجها: طلق ابنتي فلانة ولك ما في ذمتك من
صداقها عوضا لطلاقها، لم ينفذ قول الأب على ابنته إذا كانت بالغة
رشيدة، فلا يصح البذل ولا يصح الخلع إذا طلقها الزوج على ذلك،
ولا تبرأ ذمة الزوج من الصداق، ولا يكون الأب ضامنا.
[المسألة 160:]
إذا فقد أحد القيود أو الشروط التي ذكرناها لصحة الخلع أو
للفدية، كما إذا بذلت المرأة للرجل ما لا يصح تملكه كالخمر والخنزير،
أو بذلت له مال غيرها، أو بذل عنها غيرها تبرعا من ماله، أو بذل
من مالها بغير وكالة منها، أو بذلت المرأة من مالها وهي لا تكره زوجها،
212

أو فقد غير ذلك من القيود أو الشروط المعتبرة لم تصح الفدية، وإذا
طلقها الزوج على ذلك لم يقع خلعا، ويصح طلاقا رجعيا إذا كان في
موارد الطلاق الرجعي وكان الايقاع بلفظ الطلاق، أو كان بلفظ
الخلع ثم اتبع بلفظ الطلاق، وقد ذكرنا هذا في بعض الموارد المتقدمة،
ويكون طلاقا بائنا في موارد الطلاق البائن، كما إذا كان هو الطلاق
الثالث فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، أو كانت المرأة يائسة من
المحيض، أو غير مدخول بها، أو صغيرة دون التسع.
[المسألة 161:]
إذا ملك المرأة بعض أرحامها مثلا شيئا لتبذله فدية عنها،
صح لها أن تبذله للزوج بعد ما ملكته، وإذا بذلته وخلعها الزوج
عليه صح الخلع، سواء تولت بذله بنفسها أم بذله غيرها بالوكالة عنها،
ومثله ما إذا ضمن أحد للزوج مال الفدية عن الزوجة، وكان ضمانه
بإذنها، وطلقها الزوج على ذلك فيصح البذل والخلع.
[المسألة 162:]
يشترط في صحة الخلع أن يكون الزوج بالغا وعاقلا، فلا يصح
خلعه إذا كان صبيا أو كان مجنونا، ولا يتولى الخلع عنه وليه كما لا
يصح طلاقه عنه، ويشترط أن يكون مختارا وقاصدا، على النحو الذي
ذكرنا تفصيله في مبحث شروط الطلاق، ويصح أن تكون المرأة المختلعة
صغيرة وأن تكون مجنونة، إذا تولى وليهما بذل الفدية عنهما مع تحقق
شرط الولاية.
[المسألة 163:]
لا يصح خلع المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء وكان الزوج قد دخل
بها، ولا يصح خلعها إذا كانت في طهر قد جامعها الزوج فيه إلا إذا كانت
يائسة من المحيض أو صغيرة السن لم تبلغ التسع، أو كانت حاملا قد
استبان حملها، أو كان زوجها غائبا عنها أو حاضرا لا يمكنه استعلام
حالها في الحيض والطهر، وتلاحظ مسائل الفصل الأول، فقد بينا
فيه تفاصيل ذلك، وشروط الطلاق بذاتها هي الشروط المعتبرة في
الخلع، وهي الشروط المعتبرة في المباراة أيضا ولا موجب للتكرار.
213

[المسألة 164:]
يصح للرجل أن يتولى أمر الخلع بنفسه في جميع ما يتعلق به من
شؤون الخلع إذا كان ممن يحسن القيام به، فإذا كرهت المرأة زوجها
على الوجه الآنف بيانه، صح له أن يطلب منها بذل الفدية ليطلقها،
وإذا ابتدأت هي فطلبت من الزوج الطلاق، صح له أن يجيبها إليه
ويشترط عليها بذل الفدية، ويذكر المقدار الذي يريده من العوض،
ويتفاهم معها على تعيينه، ويقبضه منها إذا رضيت وسلمته إليه،
ويوقع صيغة الخلع على ما بذلت له، ويجوز له أن يوكل غيره في جميع
ذلك وفي بعضه.
ويجوز للمرأة أن تتولى بنفسها جميع الشؤون التي تتعلق بها من
الخلع، فتطلب الطلاق من الزوج إذا كرهته، تجيبه إلى دفع الفدية
إذا اشترط ذلك عليها، وتتولى تقدير ذلك معه أو مع وكيله، وتتولى
بذله وتسليمه إياه أو تدفعه إلى وكيله، ويصح لها أن توكل أحدا
غيرها في جميع ذلك أو في بعضه.
[المسألة 165:]
اللفظ الصريح في بذل الفدية عن المرأة هو أن تقول للرجل: بذلت
لك، أو أعطيتك كذا دينارا، أو بذلت لك ما استحقه في ذمتك من
المهر لتطلقني أو على أن تطلقني، أو يقول وكيلها للرجل: بذلت لك
عن موكلتي فلانة كذا دينارا لتطلقها، ويصح لها أن تقول للزوج:
طلقني أو اخلعني على مائة دينار مثلا، أو يقول وكيلها له: طلق موكلتي
فلانة على مبلغ كذا دينارا.
والصيغة الصريحة في الخلع: أن يقول الزوج للمرأة: أنت طالق
على ما بذلت من الفدية، أو يقول لها: أنت مختلعة على ما بذلت، أو
يقول خلعتك على كذا، أو يقول هند مختلعة على كذا، أو يقول وكيل
الزوج مثل ذلك، ولا ينبغي ترك الاحتياط إذا أتى بلفظ مختلعة،
أو خلعتك، أو خلعتها: أن يلحقه بلفظ أنت طالق أو هي طالق.
[المسألة 166:]
إذا تحقق مورد الخلع وتوفر جميع ما يعتبر فيه من القيود والشروط،
214

وأراد الزوج والزوجة بنفسيهما أن يوقعا الخلع ما بينهما، فالأحوط
أن تبدأ المرأة أولا، فتقول للرجل: بذلت لك ألف دينار مثلا،
أو بذلت ما في ذمتك من صداقي، لتطلقني، أو على أن تطلقني،
ويقول الرجل بعدها على نحو الفور: أنت مختلعة على ما بذلت أنت
طالق، ويكفي أن يقول على الفور: أنت طالق على ما بذلت، أو يقول
كذلك: أنت مختلعة على ما بذلت وإن كان الأول أحوط كما ذكرنا.
ويصح للمرأة أن تقول للزوج: طلقني على ألف دينار، فيقول
الزوج بعدها فورا على الأحوط لزوما: أنت طالق على ألف دينار أو
على ما بذلت، أو يقول لها: أنت مختلعة على ذلك، والأحوط في
الصورتين أن تتبع المرأة ذلك بالقبول فتقول: قبلت أو رضيت.
ويصح أن يبدأ الرجل أولا، فيقول للمرأة: أنت طالق على ألف
دينار، أو يقول لها أنت مختلعة على مبلغ كذا، وتقول المرأة بعده
فورا: قبلت أو رضيت.
وإذا كان الايقاع بين وكيل الزوج ووكيل الزوجة: قال وكيل
الزوجة لصاحبه: بذلت لموكلك عن زوجته موكلتي فلانة ألف دينار
ليطلقها، وقال وكيل الزوج بعده على الفور: فلانة زوجة موكلي فلان
طالق على ما بذلت، أو يقول هي مختلعة على ما بذلت، أو يقول: بحسب
وكالتي عن فلان خلعت موكلتك فلانة على ما بذلت. وعلى نهج ذلك
يتم الخلع إذا وقع بين الزوج ووكيل الزوجة، أو بين الزوجة ووكيل
الزوج.
[المسألة 167:]
الأحوط لزوما عدم الفصل عرفا بين انشاء البذل من الزوجة أو
من وكيلها، وايقاع الخلع من الزوج أو من وكيله كما ذكرنا، سواء
كان البذل بلفظ بذلت وأعطيت ونحوهما أم كان بلفظ طلقني على
مبلغ كذا، ومثله ما إذا ابتدأ الزوج، فأوقع الطلاق أو الخلع على مبلغ
كذا، ثم أتبعته الزوجة فأنشأت البذل بقولها قبلت أو بذلت.
[المسألة 168:]
يشترط أن يكون ايقاع الخلع بحضور شاهدين عادلين كما هو
215

الحكم في ايقاع الطلاق، فلا يصح الخلع إذا أوقعه الزوج أو وكيله
بغير اشهاد، ولا يصح إذا أوقعه بحضور شاهدين غير عادلين، وقد
ذكرنا هذا في المسألة الحادية والأربعين.
[المسألة 169:]
يجب أن يكون انشاء الخلع منجزا غير معلق على شرط يمكن حصوله
وعدم حصوله، أو على أمر مرتقب يعلم بحصوله في المستقبل وليس
موجودا بالفعل، كما هو الشرط في الطلاق، وتراجع المسألة التاسعة
والثلاثون.
[المسألة 170:]
الخلع طلاق بائن، فليس للرجل أن يرجع بالمرأة المختلعة، إلا إذا
رجعت بما بذلت في أثناء عدتها، ولا توارث بين الزوجين إذا مات
أحدهما في أيام العدة وبقي الآخر، ويصح للزوج أن يتزوج أخت
المرأة المختلعة وهي في العدة، ويجوز له أن يتزوج في عدة المختلعة
امرأة بالنكاح الدائم وعنده ثلاث زوجات غيرها فتكون هي الخامسة،
وليست كالمطلقة الرجعية في هذه الأحكام.
[المسألة 171:]
يجوز للمرأة المختلعة أن ترجع وهي في أثناء العدة بجميع ما بذلته
للزوج من الفدية، ويجوز لها أن ترجع ببعضه، وإذا رجعت بجميع
البذل أو ببعضه جاز للزوج أن يرجع بنكاحها، ونتيجة لذلك فلا يحل
له بعد أن ترجع المرأة بالبذل أو ببعضه أن يتزوج بأختها أو بخامسة،
فإن المختلعة إذا رجعت بالبذل تكون بمنزلة الزوجة. وإنما يصح لها
أن ترجع بما بذلت إذا لم يكن للزوج ما يمنعه من الرجعة بالمرأة، فلا
يصح لها الرجوع بالبذل إذا تزوج الرجل بأختها بعد ما خلعها وقبل
أن ترجع هي ببذلها، فإنه لا يحل للرجل أن يرجع بالمرأة بعد زواجه
بأختها، ولا يصح لها أن ترجع بالبذل إذا تزوج الرجل بعد ما خلعها
بامرأة خامسة، فإنه لا يحل له الرجوع بها في هذه الحالة، ولا يصح
لها أن ترجع بالبذل إذا كان طلاقها هو الطلاق الثالث فإنها لا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره، ولا يصح لها أن ترجع بالبذل إذا لم تكن ذات
216

عدة كالمختلعة اليائسة من المحيض وغير المدخول بها أو كان رجوعها
ببذلها بعد انقضاء العدة فإنه لا يمكن له الرجوع بالمرأة في هذه
الفروض، ولا فرق في جميع ذلك بين الرجوع بجميع البذل أو ببعضه.
[المسألة 172:]
يجوز للمرأة أن تبذل للرجل ارضاع ولده وتجعل ذلك فدية عنها
ليطلقها، والأحوط أن تعين مدة الارضاع تعيينا يرفع الجهالة، ولا
فرق بين أن يكون الولد من المرأة نفسها ومن زوجة أخرى، بل الظاهر
الصحة إذا كان المرتضع ولد أخيه أو ولد أخته مثلا مما يعد عرفا من
شؤون الرجل، ويكون ارضاع الطفل بذلا له، وكذلك إذا بذلت له
حضانة الطفل وتربيته مدة معلومة.
[المسألة 173:]
إذا بذلت المرأة للرجل فدية ودفعتها إليه، ثم ظهر أن الشئ الذي
دفعته له مملوك لغيرها، فإن كانت قد بذلت له أمرا كليا ودفعت له
فردا منه، وظهر أن الفرد المدفوع له ملك غير المرأة، وجب عليها أن
تدفع إليه فردا آخر مما تملكه بدلا عنه، وإن كانت قد بذلت له ذلك
الفرد المعين بطل البذل والخلع، وكان الطلاق رجعيا إذا أوقعه بصيغة
الطلاق أو أوقعه بلفظ الخلع واتبعه بلفظ الطلاق.
[المسألة 174:]
إذا بذلت المرأة للرجل شيئا ودفعته إليه فظهر معيبا، فإن رضي
بالمعيب صح البذل والخلع، سواء كان المبذول له أمرا كليا أم كان
هو الفرد المعين المدفوع إليه، وإن لم يرض بالمعيب، فإن كانت المرأة
قد بذلت له أمرا كليا ودفعت له فردا منه، وجب عليها أن تبدله بفرد
آخر لا عيب فيه، وإن كانت قد بذلت له الفرد المعين بطل البذل وبطل
الخلع، وكان الطلاق رجعيا إذا كان انشاء الخلع بصيغة الطلاق أو
أتبع به كما تقدم في نظائره.
[المسألة 175:]
إذا كرهت المرأة زوجها ولم تصل كراهتها إلى حد يخشى معه أن
ترتكب ما يحرم عليها من قول أو فعل، ولم يكرهها الزوج، فالأحوط
217

للزوجين معا أن يد أبا لاصلاح الأمور بينهما بتحمل المصاعب وتخفيف
المتاعب، وأن ينظرا إلى مستقبل الأسرة ومستقبل الأطفال، فيتحمل
الرجل مصاعب زوجته ما وجد إلى ذلك سبيلا، ويلين لها ما تنكره من
خشونة طبع أو سرعة غضب، أو غير ذلك مما تنكره من صفاته،
ليسعد بذلك بيته، ويحسن مستقبله ومستقبل أطفاله وتتحمل المرأة
ما تجده من صفات الرجل منافرا لها أو غير ملائم، ويسعيا لاصلاح
الأمور جهدهما، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
فإذا أعيى الرجل أمر المرأة ولم تجد محاولاته نفعا طلقها من غير
بذل طلاقا رجعيا، وإذا أعيى المرأة أمر الرجل ولم يثمر تحملها شيئا،
صالحته باسقاط بعض ديونها أو حقوقها عنه، لا بعنوان الفدية،
وطلقها من غير بذل، والله هو الحسيب الرقيب.
[المسألة 176:]
المباراة قسم من أقسام الطلاق كما قلنا في أول هذا الفصل، ولذلك
فيشترط في صحته كل أمر اشترطناه في صحة الطلاق، وقد ذكرناها
جميعا في الفصل الأول والثاني من كتاب الطلاق، وأشرنا إليها في هذا
الفصل أيضا، والمباراة قسم يتحد مع الخلع في أكثر الأحكام والقيود
والشروط التي تعتبر فيه، ولذلك اغنانا ذكر هذه الأمور في الخلع
عن إعادة ذكرها في المباراة، فيكون المهم هنا ذكر ما تختلف به المباراة
عن الخلع من الأمور وما تنفرد به من الآثار.
[المسألة 177:]
مورد طلاق المباراة هو أن يكره كل واحد من الزوجين صاحبه، ولا
يعتبر فيه أن تصل الكراهة من الزوج أو من الزوجة إلى حد يخاف معه
الوقوع في محرم، بل يكفي أن لا يسعدا في البقاء، وأن يتمنى أحدهما
فراق الآخر، فإذا تكارها كذلك وبذلت المرأة للرجل فدية ليطلقها،
صح له طلاقها على ما بذلت وكان طلاقها مباراة.
[المسألة 178:]
لا يجوز في المباراة أن تكون الفدية المبذولة من المرأة أكثر من مهرها
المسمى لها، فلا يحل للرجل أخذ ما زاد عليه. ويصح أن تكون مساوية
218

له أو أقل منه، بل الأحوط استحبابا أن تكون أقل.
[المسألة 179:]
إذا اتفق الرجل والمرأة على تعيين مقدار الفدية التي تبذلها المرأة
ليطلقها، ووجدت الشروط المعتبرة في كل من الرجل والمرأة وفي نفس
المباراة، قالت المرأة للرجل بحضور الشاهدين العادلين: بذلت لك ما
أستحقه في ذمتك من مهر، أو مبلغ كذا دينارا لتطلقني أو على أن
تطلقني، وقال الرجل بعدها على الفور: أنت طالق على ما بذلت، أو
قال لها: بارأتك على ما بذلت، فأنت طالق، ولا يكتفي بأن يقول لها:
بارأتك على ما بذلت إذا لم يتبعه بقوله أنت طالق.
ويصح أن تقول المرأة له: طلقني على مبلغ كذا، فيقول الرجل
بعدها: أنت طالق على ما بذلت، أو يقول بارأتك على ما بذلت فأنت
طالق، وإذا كان الايقاع من الوكيلين، قال وكيل الزوجة لوكيل
الزوج: بذلت لموكلك فلان مبلغ كذا عن زوجته موكلتي فلانة ليطلقها
أو على أن يطلقها، فيقول وكيل الزوج بعده: هي أو فلانة طالق على
ما بذلت، أو يقول: بارأت فلانة على ما بذلت فهي طالق. وإذا كان
الايقاع من أحد الزوجين مع وكيل الآخر أوقعا البذل والطلاق على
نهج ما بينا من قول الأصيل والوكيل.
[المسألة 180:]
المباراة طلاق بائن فلا يصح للرجل فيه أن يرجع بالمرأة إلا إذا
رجعت المرأة بما بذلت، فيصح للرجل بعد ذلك أن يرجع بها إذا كانت
العدة باقية، ويصح له كذلك أن يتزوج بأخت المرأة المباراة وهي في
العدة فإذا رجعت بالبذل لم يحل له بعد ذلك التزويج بأختها، ومثله
العقد على خامسة كما تقدم في المختلعة.
[المسألة 181:]
لا توارث بين الزوج والزوجة إذا طلقها طلاق مباراة، ومات أحد
الزوجين في أثناء العدة وبقي الآخر حيا، وإذا رجعت بالبذل في أثناء
العدة ثم مات أحدهما والعدة باقية أشكل الحكم بالتوارث وعدمه ولا
يترك الاحتياط، وكذلك الأمر في المختلعة إذا رجعت بالبذل في العدة
219

ثم مات أحد الزوجين والعدة باقية فيشكل الحكم بثبوت التوارث ونفيه.
[المسألة 182:]
يتفق طلاق المباراة مع الخلع كما ذكرنا آنفا في الشروط والقيود
المعتبرة فيهما، وفي الأحكام والآثار التي تجري عليهما، ويختلف طلاق
المباراة عن الخلع في أمور ثلاثة:
(الأول): أنه يشترط في الخلع أن تكون الكراهة من الزوجة خاصة
من غير أن يكرهها الرجل، ويعتبر في المباراة أن تكون الكراهة من
الجانبين.
(الثاني): أنه يشترط في المبارة أن لا تزيد الفدية على مهر الزوجة
المسمى لها في عقد تزويجها، ولا يشترط ذلك في الخلع فيجوز فيه أن
تكون الفدية بمقدار المهر المسمى للمرأة، وأن تكون أكثر منه وأقل.
(الثالث): أنه يعتبر في إنشاء المباراة أن يكون بلفظ الطلاق، فإذا
قال الزوج: بارأت فلانة على ما بذلت، لم يكف ذلك حتى يتبعه بقوله:
فهي طالق، ولا يعتبر ذلك في الخلع، فإذا قال للزوجة أنت مختلعة على
ما بذلت صح الخلع وإن لم يتبعه بلفظ الطلاق.
220

[كتاب الظهار وتوابعه]
221

[كتاب الظهار وتوابعه]
وهو يحتوي على ثلاثة فصول:
[الفصل الأول]
[في الظهار]
[المسألة الأولى:]
الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ويقصد
بقوله انشاء تحريم زوجته على نفسه كما تحرم عليه أمه، وقد كان
في الجاهلية إحدى الصيغ المعروفة بينهم لتحريم الزوجة، فإذا قال
الرجل لزوجته هذا القول حرمت عليه في عرفهم تحريما مؤبدا، وقد
حرم الله سبحانه هذا القول في الاسلام، فلا يجوز للرجل أن يقوله بقصد
تحريم الزوجة، وجعل له أحكاما تخصه، وسنتعرض لذكرها في هذا
الفصل إن شاء الله تعالى.
ولا يختص الظهار بالقول المذكور، فمنه أن يسمي المرأة فيقول:
هند مثلا علي كظهر أمي، أو يشير إليها فيقول: هذه أو هي علي كظهر
أمي، أو يقول: هي مني، أو هي عندي، أو هي لدي، أو هي كظهر
أمي إذا قصد بالقول ذلك.
[المسألة الثانية:]
إذا شبه الرجل زوجته بغير الظهر من أجزاء أمه، فقال: هي علي
كبطن أمي أو كفخذها أو كرجلها أو أي جزء من أجزاء بدنها، وقصد
بذلك تحريم الزوجة على نفسه كما يحرم عليه ذلك الجزء من أمه،
كان ذلك من الظهار وشملته الأحكام الآتية، وكذلك على الأحوط إذا
قال لها: أنت كأمي، أن أنت أمي بقصد انشاء التحريم، بل لا يخلو
من قوة، ولا يقع الظهار بهذا القول إذا قصد بقوله: أنت أمي أو
223

كأمي، أنها بمنزلة أمه في المنزلة عنده، أو أنها كأمه في السن، أو
شك في المقصود من قوله.
[المسألة الثالثة:]
إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أختي أو كظهر عمتي أو خالتي،
ونحوهن من المحرمات عليه في النسب، كان ذلك من الظهار وثبتت له
أحكامه على الأقوى، وكذلك على الأحوط لزوما إذا شبه الزوجة بأحد
أجزائهن غير الظهر وقصد به انشاء تحريمها على نفسه، فلا يترك
الاحتياط بترتيب أحكام الظهار عليه، ولعل الأقرب الحاق محرمات
المصاهرة بالمحرمات من النسب في الحكم المذكور، فإذا قال: هي علي
كظهر زوجة أبي، أو كظهر أم زوجتي، أو كظهر فلانة ويعني زوجة
ولده كان ذلك من الظهار، وإذا شبه الزوجة ببعض أجزائهن غير
الظهر وقصد به انشاء التحريم فلا يترك الاحتياط باجراء أحكامه.
[المسألة الرابعة:]
لا يتحقق الظهار إذا شبهت الزوجة زوجها مثل هذا التشبيه، فقالت
له: أنت علي كظهر أبي أو كظهر أخي أو كظهر ولدي ولا يكون له
أثر، وإن قصدت بذلك إنشاء تحريم الرجل على نفسها.
[المسألة الخامسة:]
يشترط في وقوع الظهار أن يكون الزوج المظاهر بالغا، فلا تقع
مظاهرته إذا كان صبيا، وأن يكون عاقلا فلا أثر لقوله إذا كان مجنونا،
وأن يكون مختارا وقاصدا، فلا يقع الظهار بقوله إذا كان مكرها أو
كان غافلا أو هازلا أو سكران، أو غاضبا غضبا يسلب منه القصد،
وإذا ظاهر من زوجته وهو غاضب غضبا لا يسلب منه القصد أشكل
الحكم فيه ولا يترك الاحتياط.
[المسألة السادسة:]
يشترط في تحقق الظهار أن تكون المرأة في حال المظاهرة منها طاهرة
من الحيض والنفاس وأن تكون في طهر لم يواقعها الرجل فيه على
التفاصيل التي ذكرناها في الفصل الأول من كتاب الطلاق، فلا يقع
الظهار إذا كانت المرأة في حال ايقاعه حائضا أو نفساء أو كانت في
224

طهر المواقعة، وكان الرجل حاضرا أو غائبا يمكنه استعلام حالها من
الحيض والطهر ولا يشترط ذلك إذا كان الزوج لا يمكنه معرفة حالها
كما هو الحكم في الطلاق أو كانت المرأة يائسة أو مسترابة بعد تربص
ثلاثة أشهر وقد تقدم بيان ذلك، ويشترط فيه أن يكون الرجل قد
دخل بالمرأة، فلا يصح الظهار من المرأة غير الدخول بها ويكفي فيه
الدخول دبرا.
[المسألة السابعة:]
لا يختص الظهار بالمرأة بالعقد الدائم، بل يقع كذلك في
المرأة المتمتع بها إذا ظاهر منها زوجها على الأقوى وتجري عليه أحكام
الظهار.
[المسألة الثامنة:]
لا يقع الظهار في يمين، ومعنى ذلك أن ينشئ الرجل الظهار من
زوجته ليجعل ذلك ملزما له بفعل شئ أو بتركه، فيقول: زوجتي
فلانة علي كظهر أمي إن أنا تركت زيارة أخي في كل جمعة، أو يقول
زوجتي علي كظهر أمي إن أنا دخلت دار زيد الفاسق بعد اليوم.
[المسألة التاسعة:]
يقع الظهار بالأمة الموطوءة بملك اليمين كما يقع بالزوجة الحرة،
فإذا قال السيد لجاريته: أنت علي كظهر أمي وتمت الشروط المعتبرة
كان ذلك ظهارا وتعلقت به أحكامه على الأقوى.
[المسألة العاشرة:]
يشترط في تحقق الظهار أن يوقعه الرجل بحضور شاهدين عادلين
يسمعان قوله، فلا اعتبار به إذا أوقعه بغير اشهاد أو كان الشاهدان
غير عادلين.
[المسألة 11:]
ليس من الظهار أن يقول الزوج لامرأته: أنت علي كظهر أبي أو
كظهر أخي أو أحد من أرحامه الذكور، وإن قصد به تحريم المرأة
على نفسه، فيكون قوله لغوا ولا تتعلق به كفارة ولا يجري عليه حكم
من أحكام الظهار.
225

[المسألة 12:]
إذا ظاهر الرجل من امرأته على الوجه الذي بيناه، واجتمعت في ظهاره
جميع الشروط والقيود التي ذكرناها، حرم على الرجل أن يطأ المرأة
التي ظاهر منها، وإن لم تخرج بذلك عن زوجيته، ولا يحل له وطؤها
حتى يأتي بكفارة الظهار قبل الوطء، فإذا هو أراد العود إلى وطء
زوجته بعد المظاهرة منها وجب عليه أن يأتي بالكفارة قبل أن يتماسا،
وإذا أتى بالكفارة انحل ظهاره وحل له وطء المرأة ما أراد ولم تجب
عليه كفارة أخرى بفعله وإذا وطأ المرأة قبل أن يكفر لإرادة عوده
وحل ظهاره، وجبت عليه كفارة بوطئه للمرأة، ووجبت عليه كفارة
أخرى لعوده ولحل ظهاره، وإذا وطأها أكثر من مرة قبل التكفير
للعود وجبت عليه الكفارة لكل وطء ووجبت عليه كفارة لعوده، ولم
تتداخل الكفارات.
[المسألة 13:]
إذا ظاهر الرجل من امرأته حرم عليه وطؤها على الوجه الذي ذكرناه،
ولم تحرم عليه بقية الاستمتاعات الأخرى بالمرأة من الضم والمس
والتقبيل ونحوها على الأقرب.
[المسألة 14:]
إذا ظاهر الرجل من امرأته حرم عليه وطؤها قبل أن يكفر، وإذا
وطأها كذلك وجبت عليه كفارة أخرى بالوطء كما ذكرنا في المسألة
الثانية عشرة، وإنما تلزمه الكفارة بالوطء إذا كان عامدا بفعله،
ولا تجب عليه إذا كان جاهلا أو ناسيا حين الفعل.
[المسألة 15:]
إذا ظاهر الرجل من زوجته ثم طلقها بعد الظهار طلاقا رجعيا،
فهي لا تزال بحكم الزوجة ما دامت في العدة، وحكم الظهار منها لا
يزال باقيا، فإذا رجع بها في العدة لم يحل له وطؤها حتى يكفر من
ظهاره، وإذا انقضت العدة ثم تزوجها بعد العدة بعقد جديد سقط
حكم الظهار وجاز له وطء المرأة ولم يجب عليه التكفير إذا وطأها،
وكذلك إذا طلقها طلاقا بائنا وتزوجها بعده بعقد مستأنف بعد العدة
226

أو في أثنائها، فيسقط حكم الظهار لتبدل النكاح، ومثله ما إذا ظاهر
من زوجته المتمتع بها ثم انقضت مدة العقد أو وهبها المدة، وتزوجها
بعقد جديد دواما أو متعة، سقط حكم الظهار ولم تجب عليه الكفارة
إذا وطأ المرأة.
[المسألة 16:]
إذا ظاهر الرجل من امرأته ثم أراد العود إلى جماعها لم يستقر عليه
وجوب الكفارة حتى يعود بالفعل فيجامعها بعد التكفير أو قبله، وإذا
جامعها قبل التكفير لزمته كفارتان كما قلنا في المسألة الثانية عشرة.
ونتيجة لذلك فإذا ظهرت وأراد العود إلى مواقعة المرأة، ولم يعد
بالفعل ثم طلقها حتى انقضت عدتها أو طلقها طلاقا بائنا، سقط حكم
الظهار ولم تجب عليه الكفارة بإرادة العود السابقة، وكذلك إذا أراد
العود إليها ولم يعد بالفعل ثم مات أحد الزوجين، فلا كفارة على الزوج
بإرادته المتقدمة.
[المسألة 17:]
إذا ظاهر الرجل من أكثر من امرأة واحدة بلفظ واحد، وقع الظهار
منه على كل واحدة من النساء المقصودات بالايقاع، ولزم الزوج حكم
الظهار المستقل فيها، ومثال ذلك: أن تكون له عدة زوجات فيقول
لاثنتين منهن معينتين: أنتما علي كظهر أمي، أو يقول: فلانة وفلانة
علي كظهر أمي، أو يقول مثل ذلك لأكثر من اثنتين مع التعيين أو
للجميع، فيصح الظهار من المعينات مع اجتماع الشرائط، وتجب عليه
الكفارة إذا أراد العود في كل واحدة منهن، وله أن يفرق بينهن فيكفر
ويعود في بعضهن، ويطلق بعضهن، وكذلك إذا ظاهر منهن على التفريق.
[المسألة 18:]
إذا ظاهر الرجل من زوجة واحدة مرتين أو مرارا متعددة، وقع
الظهار منها في كل مرة مع وجود الشروط، ووجبت عليه الكفارة بعدد
المرات، سواء تباعدت فترات الزمان التي أوقع فيها المظاهرات أم
تقاربت، إلا أن يعلم أو تدل القرائن على أن اللاحق من المظاهرات إنما
هو إعادة للظهار السابق للتأكيد، لا لانشاء ظهار جديد فيكون الأثر
227

للأول، ولا تتعدد الكفارة، ويشكل الحكم في ما إذا شك في أن الظهار
اللاحق مؤكد للأول أو هو ظهار جديد، ولا يترك الاحتياط في هذه
الصورة.
[المسألة 19:]
الكفارة التي تجب على الرجل إذا ظاهر من زوجته ثم أراد العود
إلى وطئها ومخالفة ظهاره، أو جامعها قبل أن يكفر عن الظهار على
ما ذكرناه في المسألة الثانية عشرة، هي: أن يعتق رقبة مؤمنة، ويتعين
عليه ذلك مع القدرة، فإذا عجز عن عتق الرقبة ولم يقدر عليه، وجب
عليه أن يصوم شهرين متتابعين، ويتعين عليه ذلك أيضا، فإذا عجز
عن الصيام ولم يمكنه، وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا، وإذا تعين
عليه اطعام المساكين وأراد الدفع إليهم دفع لكل مسكين منهم مدين من
الطعام على الأحوط لزوما.
[المسألة 20:]
يرجع إلى ما ذكرناه مفصلا في كتاب الكفارات في بيان ما يتحقق به
العجز عن عتق الرقبة، وما يحصل به العجز عن صيام الشهرين
المتتابعين، وما يعتبر في اطعام المساكين في اشباعهم أو دفع الأمداد
إليهم، وما يتعلق بالكفارة وبخصالها عند القدرة وعند العجز من
أحكام، وغير ذلك مما يتعلق بكفارة الظهار، فذكرها هناك يغني عن
الإعادة هنا.
[المسألة 21:]
إذا ظاهر الرجل من زوجته حرم عليه وطؤها حتى يأتي بالكفارة
عن ظهاره وقد ذكرنا هذا أكثر من مرة، ولا يكفي في إباحة الوطء له
أن يشرع بمقدمات التكفير، أو يأتي ببعض الكفارة قبل أن يتمها،
فإذا اشترى الرقبة المؤمنة ليعتقها، أو وكل غيره في شرائها أو في عتقها
عنه لم يجز له أن يجامع الزوجة قبل أن يجري صيغة العتق على الرقبة
بالفعل، وإذا ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين للكفارة أو صام منها
أياما، لم يجز له أن يطأ المرأة قبل أن يتم الصيام كله، وإذا وطأها في
أثناء الصوم وجبت عليه كفارتان، إحداهما للوطء قبل التكفير،
228

والثانية لإرادة العود، ولا يكفيه على الأحوط إن لم يكن على الأقوى
أن يتم صومه السابق عن إحدى الكفارتين، وإن صام الشهر الأول
وابتدأ بالشهر الثاني، أو كان الوطء ليلا لا نهارا، وكذلك إذا كان
فرض الرجل أن يطعم ستين مسكينا لعجزه عن الصيام، فأطعم بعض
المساكين ووطأ المرأة المظاهر منها قبل أن يتم اطعام بقية العدد، فتجب
عليه الكفارتان، ويلزمه أن يستأنف الكفارة التي حصل الوطء في
أثنائها على الأحوط إن لم يكن الاستئناف هو الأقوى.
[المسألة 22:]
تقدم في المسألة الثامنة عشرة من كتاب النكاح أنه لا يجوز للرجل
أن يترك جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر، وإن ذلك حق من حقوقها
الواجبة لها شرعا، ونتيجة لذلك: فإذا ظاهر الرجل من الزوجة وترك
وطأها أربعة أشهر أو أكثر، ولم يكفر عن ظهاره ولم يطلقها، جاز
لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيحضره ويخيره بين أن يكفر
عن ظهاره ويفي بما يجب عليه لزوجته، وأن يطلقها، فإذا امتنع
ضيق عليه حتى يختار أحد الأمرين، ولا يجبره على أحدهما.
[المسألة 23:]
أفتى جماعة من العلماء (قدس الله أرواحهم) بأن الرجل إذا ظاهر
من زوجته جاز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فيحضره ويخيره
بين أن يكفر ويرجع إلى زوجته، وأن يطلقها ويؤجله ثلاثة أشهر للنظر
في أمره، فإذا انقضت المدة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيق عليه
في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما ولا يجبره على شئ منهما،
وادعى بعضهم الاجماع على ذلك، وظاهرهم ثبوت هذا الحكم وإن لم
تنقض على المرأة مدة بعد المظاهرة منها، وقد وردت في المسألة رواية
موثقة وهي غير وافية الدلالة على جميع ما ذكروه، فليس فيها حبس
ولا تضييق، وفيها أن يوقف بعد ثلاثة أشهر ويسأل ألك حاجة في
امرأتك أو تطلقها، والحكم من أجل ذلك مشكل.
229

[الفصل الثاني]
[في الايلاء]
[المسألة 24:]
الايلاء من الزوجة هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته أبدا، أو
يحلف أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر، وهو يريد بذلك اغضاب
المرأة أو الاضرار بها، فالايلاء يمين خاص يختلف عن سائر الأيمان
في القيود والشروط المعتبرة فيه، وفي بعض الأحكام التي تجري عليه
وسنوضح ذلك في ما يأتي إن شاء الله تعالى.
[المسألة 25:]
يختص الايلاء بالزوجة المعقودة بالعقد الدائم، فلا يجري في الزوجة
المعقودة بالعقد المنقطع ولا يجري في الأمة الموطوءة بملك اليمين أو
بالتحليل، ويختص بالمرأة المدخول بها، فلا يجري في الزوجة الدائمة
إذا لم يدخل بها الزوج، ولا يكون من الايلاء إذا حلف الرجل أن لا يطأ
الزوجة مدة أربعة أشهر فقط أو أقل منها كالشهر والشهرين والثلاثة،
ولا يكون من الايلاء إذا حلف على ترك وطء الزوجة لبعض مصالح تعود
إليها، كما إذا كانت مريضة يضر بها الوطء أو كانت مرضعة يؤثر
الوطء على صحتها أو على لبنها، أو كان الزوج والزوجة يرغبان في
ترك الوطء لغاية معينة من تحديد النسل وشبه ذلك.
[المسألة 26:]
إذا حلف الرجل أن لا يطأ المرأة في الفروض التي ذكرناها في المسألة
المتقدمة وكانت شروط انعقاد اليمين موجودة من رجحان متعلق اليمين
لمصلحة دينية أو دنيوية تترتب عليه، وغيره من الأمور التي ذكرناها
في الفصل الأول من كتاب الأيمان، انعقد حلف الرجل ولزمه الوفاء
به، وحرم عليه الحنث بيمينه ووجبت عليه الكفارة إذا خالف، وإذا
لم تتوفر الشروط كان الحلف باطلا.
[المسألة 27:]
ينعقد الايلاء بالحلف باسم الله العلم المختص به سبحانه، وبالذات
230

المقدسة، كما إذا ذكر الأوصاف أو الأفعال التي لا يشاركه فيها غيره،
فقال: والذي نفسي بيده، أو والذي بيده مقاليد الأشياء، أو والذي
لا تأخذه سنة ولا نوم، أو وفالق الاصباح، وينعقد بالحلف بالأسماء
التي لا تطلق على غيره، كالرحمن والأول ليس قبله شئ، وتراجع
المسألة الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة من كتاب الأيمان.
[المسألة 28:]
يكفي في تحقق الايلاء أن يأتي باللفظ الدال عرفا على ترك العمل
الخاص بين الرجل والمرأة، وإن لم يكن صريحا في ذلك، فإذا قال:
والله لا جامعت فلانة، أو لا مسستها، أو لا وطأتها، كفى ذلك في تحقق
الايلاء، ويصح ذلك وإن لم يكن النطق باللغة العربية.
[المسألة 29:]
يعتبر في الرجل المولي أن يكون بالغا وعاقلا ومختارا وقاصدا، فلا
ينعقد الايلاء من غير البالغ ولا من غير العاقل، ولا من المكره غير المختار،
ولا من الهازل أو الساهي أو السكران غير القاصد.
[المسألة 30:]
إذا انعقد ايلاء الرجل من زوجته وامتنع بسبب ذلك عن وطئها،
جاز للمرأة أن تصبر على ذلك وتنتظر، ولا تطالب الرجل بشئ،
وجاز لها أن تطالبه فترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فيحضر الرجل
وينظره أربعة أشهر من حين رفع الشكوى إليه، ليختار في هذه المدة أما
التكفير عن ايلائه والرجوع إلى زوجته، وأما الطلاق فإذا انقضت مدة
التربص ولم يختر شيئا، أجبره الحاكم الشرعي على اختيار أحدهما،
وإذا امتنع حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب ليكفر ويفئ إلى
زوجته، أو يطلقها، أو يسجن أبدا، ولا يجبر على أحدهما معينا.
[المسألة 31:]
إذا طلق الرجل زوجته بعد الايلاء منها، فإن كان الطلاق بائنا
سقط حكم الايلاء كله، فليس للمرأة مطالبة الرجل بالوطء ولا المرافعة
معه إلى الحاكم الشرعي بعد أن أصبح أجنبيا عنها، وإذا تزوجها بعقد
جديد في العدة أو بعدها، جاز له وطؤها ولم يجب عليه التكفير.
231

وإذا طلقها طلاقا رجعيا سقط حكم الايلاء في الجملة، ولم يسقط
كله، فليس للمرأة أن تطالبه بالوطء أو ترافعه إلى الحاكم الشرعي
بعد الطلاق إذا هو لم يرجع بها في العدة، ولا تزول أحكام الايلاء كلها
حتى تنقضي العدة، فإذا رجع بها في أثناء العدة لم يجز له وطؤها حتى
يكفر، وجاز للمرأة أن تطالبه بالوطء وأن ترافعه إلى الحاكم الشرعي،
وإذا لم يرجع بها حتى انقضت العدة ثم تزوجها بعقد مستأنف سقطت
جميع أحكام الايلاء.
[المسألة 32:]
إذا وطأ الرجل زوجته بعد الايلاء منها، وجبت عليه الكفارة لحنثه
باليمين، سواء كان الوطء قبل مدة التربص أم في أثنائها أم بعدها،
وسواء كان بعد مطالبة المرأة به وأمر الحاكم الشرعي به على التخيير
أم قبل ذلك.
[المسألة 33:]
كفارة الوطء بعد الايلاء من الزوجة هي كفارة مخالفة اليمين،
وهي اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة مؤمنة، مخيرا
بين هذه الخصال الثلاث، فإن لم يجد واحدة منها صام ثلاثة أيام
متتابعة.
[المسألة 34:]
يفترق الايلاء عن سائر الأيمان بالقيود التي تعتبر فيه دونها،
وقد ذكرنا هذه القيود في أول هذا الفصل، وبأنه لا يشترط فيه أن
يكون متعلق الحلف راجحا لأمر ديني أو دنيوي، أو مباحا متساوي
الطرفين كما في الأيمان الأخرى، ولذلك فالايلاء ينعقد مع تعلقه بترك
وطء الزوجة لاغضابها والاضرار بها، ولا ريب في مرجوحيته، ويفترق
عنها بأن مخالفة اليمين فيها محرمة، والحنث بالايلاء جائز، ويكون
واجبا إذا انقضت مدة التربص، وطالبت المرأة بحقها الواجب من
الوطء، وخصوصا بعد أمر الحاكم الشرعي به على نحو التخيير.
[المسألة 35:]
إذا آلى الرجل من زوجته أن لا يطأها مدة، ودافع المرأة أو دافع
232

الحاكم نفسه حتى انقضت مدة الايلاء، جاز له الوطء بعدها ولم
تجب عليه الكفارة، وإن كان آثما بترك وطء الزوجة بعد أن استحقت
ذلك شرعا بمضي أربعة أشهر من الوطء السابق.
[المسألة 36:]
فئة الرجل من ايلائه بالزوجة إذا كان قادرا على الوطء هو أن
يطأها قبلا مع الانزال، ولا يكفي الوطء دبرا، ولا غير ذلك من
الاستمتاعات الأخرى، وفئته إذا كان عاجزا عن الوطء لمرض أو ضعف
أن يظهر عزمه على وطئها متى حصلت له القدرة عليه، ولا تجب عليه
الكفارة حتى يطأها بالفعل.
[الفصل الثالث]
[في اللعان]
[المسألة 37:]
اللعان كما يقول بعض العلماء مباهلة بين الزوج والزوجة تقع
في أحد موضعين، أحدهما أن يرمي الرجل زوجته بالزنا، وليس له
من الشهداء على ذلك إلا نفسه، فيلاعنها ليثبت بذلك صحة قوله، ويدرأ
عن نفسه حد القذف، ثم تلاعنه المرأة لتبرئ نفسها من الجريمة
وتدرأ عن نفسها حد الزنا، والثاني: أن تلد المرأة طفلا، ويعتقد
الرجل أن الولد ليس منه، وليس له من الشهود من يثبت له ذلك،
فيلاعن الزوجة لينفي الولد عنه، ثم تلاعنه الزوجة لتثبت بذلك براءتها
وبراءة طفلها مما يقول، ولا يشرع اللعان في غير الموردين المذكورين مع
الشروط الآتي ذكرها.
[المسألة 38:]
يحرم على الرجل رمي زوجته بالزنا حرمة شديدة، وقد صرح الكتاب
الكريم بحرمة رمي المحصنات من الأزواج وغيرهن وجعله سببا موجبا
لإقامة حد القذف على القاذف، والحكم بفسقه وعدم قبول شهادته
ما لم يتب.
233

وجعل رمي المحصنات المؤمنات الغافلات موجبا للعنة في الدنيا
والآخرة، واستحقاق العذاب العظيم، وشدد الوعيد لمن يرتكب ذلك
في عدة من آياته الكريمة وقد جعل في السنة المطهرة إحدى الموبقات
السبع، وهي الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا،
وأكل مال اليتيم، والسحر، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات.
ولا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا، لاتيانها بعض الأمور التي
أوجبت له الريب فيها، أو أوجبت له غلبة الظن بذلك، وحتى إذا
شاع ذلك أو أخبره به ثقة، فلا يجوز له القذف نعم، يحسن منه الحذر
والتوقي جهده المستطاع، والتخلص من ذلك بالطلاق وشبهه، ولا يؤثر
المال أو الجمال على شرفه وسمعته.
[المسألة 39:]
يجوز للرجل أن يقذف زوجته بالزنا إذا علم بذلك حق العلم، وإذا
قذفها كذلك لم يصدق بمجرد قوله، بل تجب إقامة حد القذف عليه
فيجلد ثمانين جلدة إذا طالبت الزوجة بذلك، إلا إذا أقام البينة التي
تثبت هذا الأمر وهي أربعة شهود عدول، أو لاعن المرأة لعانا جامعا
للشرائط وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
[المسألة 40:]
يشترط في ثبوت اللعان أن يكون الزوج القاذف لزوجته بالغا
عاقلا، فلا يثبت اللعان إذا كان صبيا غير بالغ أو كان مجنونا.
ويشترط في ثبوته أن تكون المرأة المقذوفة بالغة عاقلة، فلا يثبت اللعان
إذا كانت صغيرة أو كانت مجنونة ويشترط فيه أن تكون المرأة سالمة
من الخرس، فلا يثبت اللعان بقذف الخرساء، ويشكل الحكم باشتراط
كونها سالمة من الصمم.
[المسألة 41:]
يشترط في ثبوت اللعان أن يدعي الرجل القاذف لزوجته أنه شاهدها
بعينه، فلا يثبت اللعان إذا قذفها ولم يدع المشاهدة، أو كان أعمى
لا يبصر، فيجب عليهما إقامة البينة على ما يقولان، وإذا لم تكن لهما
بينة عادلة تثبت صحة مدعاهما أقيم عليهما حد القذف.
234

[المسألة 42:]
إذا كانت للرجل الذي قذف زوجته بينة تامة تثبت صحة ما يقول،
وجبت عليه إقامة البينة ولم يصح منه اللعان.
[المسألة 43:]
لا يثبت اللعان مع غير الزوجة، فإذا قذف الرجل امرأة أجنبية عنه
بالزنا، وجب عليه أن يقيم البينة على ما يقول، وإذا لم تكن له بينة
أقيم عليه حد القذف وإن كانت المرأة المقذوفة زوجة له سابقا، ولا
يثبت اللعان إذا قذف الرجل زوجته المتمتع بها على الأقوى، فإذا قذفها
ولم تكن له بينة أقيم عليه حد القدف، ولا يثبت اللعان في الزوجة
المعقودة بالعقد الدائم إذا كانت غير مدخول بها، فإذا قذفها بالزنا ولم
يقم البينة كان عليه الحد.
[المسألة 44:]
لا يثبت اللعان بقذف الزوجة إذا كانت مشهورة بالزنا، ولا يثبت
الحد على الرجل بقذفها ليدفع الحد عن نفسه باللعان، وإذا قذفها وهي
مشهورة بالزنا ولكنها لا تتجاهر به كان عليه التعزير مع عدم البينة
وإذا أقام البينة أو كانت المرأة متجاهرة بالإثم فلا تعزير على الرجل
بقذفها.
[المسألة 45:]
يشترط لالحاق الولد بالرجل الذي يولد الطفل على فراشه من زوجته
الدائمة أو المتمتع بها أن توجد ثلاثة أمور:
الأول: أن يطأ الزوج المرأة بحيث يعلم أنه أنزل ماءه فيها أو
يحتمل ذلك، وبحكم ذلك أن ينزل ماءه على فرجها أو حواليه بحيث
يحتمل دخول الماء وتسربه إلى الرحم، ويلحق به كذلك أو تستدخل
نطفة الرجل في جهاز المرأة بتوسط أنبوب أو أبرة حاقنة أو شبه ذلك
من الوسائل التي تعد للتلقيح الصناعي.
الثاني: أن تبلغ المدة ما بين الوطء أو ما هو بحكمه من الأمور
الآنف ذكرها، وولادة الطفل ستة أشهر أو أكثر، ولا تكون أقل من ذلك.
235

الثالث: أن لا تتجاوز المدة ما بينهما عن أقصى مدة الحمل، وهو
سنة كاملة على الأصح، وقيل تسعة أشهر وقيل عشرة وقد ذكرنا هذا
في المسألة الثلاثمائة والخامسة والثمانين من كتاب النكاح.
فإذا وجدت هذه الشروط الثلاثة لحق الولد شرعا بالرجل ووجب
عليه أن يعترف به، وحرم عليه انكاره ونفيه عن نفسه وإن علم أن
أمه قد ركبت الفجور، فإن ذلك لا يجوز للرجل نفي الطفل مع تحقق
شرائط الالحاق، إلا إذا علم بانتفائه عنه.
[المسألة 46:]
إذا علم الرجل حق العلم أن الولد المولود على فراشه ليس ولده لبعض
الأمور التي أوجبت له العلم بذلك، كما إذا ترك الرجل جماع امرأته
مدة طويلة لغيبة أو مرض أو غيرهما، ثم وجد الزوجة حاملا على وجه
لا يمكن أن يكون الحمل منه، فإذا حصل له العلم كذلك، وجب على
الأحوط أن ينفي الولد عن نفسه باللعان أو بغيره، لئلا يدخل في نسبه
من ليس منه وتختل بذلك أحكام المواريث فيأخذ الميراث من لا يستحقه،
ويحجب عنه من يستحق، ويختلط الأمر في النكاح والنظر إلى المحارم
بين ما يحل منه وما يحرم، وفي ولايات أولي الأرحام في موارد الولايات
وغير ذلك من الآثار والأحكام التي تترتب على النسب الثابت.
[المسألة 47:]
إذا علم الرجل بأن الولد ليس منه، صح له نفي الولد عنه بلعان
أو بغير لعان، بل وجب عليه ذلك على الأحوط، كما قدمنا، ومن الواضح
أن انتفاء الولد عن نسب الرجل لا يعني أن الولد قد تكون من الزنا،
ولذلك فلا يحل للرجل أن يقذف المرأة بالزنا، أو يقذف الولد بأنه
ولد من الزنا، إلا إذا حصل له العلم بذلك، فيكون لعانه مع المرأة
لكلتا الجهتين، وإذا قذفها بالزنا من غير أن يعلم كان عليه حد القذف.
[المسألة 48:]
إذا دخل الرجل بزوجته الدائمة، وأحرز وجود الشروط المتقدمة
التي يلحق معها الولد بالرجل شرعا، حكم بلحوق الولد به، ولم يسمع
منه نفيه إذا نفاه عنه نفسه، ولم ينتف الولد عنه شرعا باللعان،
236

وكذلك الحكم إذا أقر الرجل بأنه قد دخل بالمرأة وبأن الشروط الشرعية
لالحاق الطفل به قد تحققت جميعا، فلا يسمع منه النفي بعد اقراره
بذلك، ولا أثر للعانة إذا لاعن المرأة،
وإذا لم يحرز تحقق الشروط الشرعية في الواقع، ولم يقر الرجل
بأنه قد دخل بالزوجة، وبأن شروط الالحاق به قد تحققت، ثم نفى
الولد عن نفسه لم ينتف الولد عنه إلا باللعان، وهذا إذا كانت الزوجة
دائمة.
وإذا أنكر الرجل دخوله بالزوجة أصلا، أشكل الحكم بثبوت اللعان،
فقد ذكرنا في المسألة الثالثة والأربعين: إنه يعتبر في ثبوت اللعان أن
يكون الرجل قد دخل بالمرأة، فلا يثبت اللعان إذا قذف زوجته الدائمة
من غير أن يدخل بها، ونتيجة لهذا، فإذا زعم أنه لم يدخل بالمرأة
أصلا، فقد نفى وجود شرط اللعان.
[المسألة 49:]
إذا دخل الرجل بزوجته المتمتع بها، وأحرز معه تحقق بقية الشروط
كما ذكرنا في الزوجة الدائمة، لحق الولد به شرعا، ولا يسمع منه
نفي الولد إذا نفاه عن نفسه بعد ذلك، ومثله ما إذا أقر بالدخول بها
وبوجود الشرائط الشرعية لالحاق الولد، فلا يسمع منه النفي بعد
اقراره ولا يكون لنفيه أثر شرعي.
وإذا لم يحرز وجود الشرائط في الواقع، ولم يقر الرجل بتحققها
ثم نفى الولد عنه، انتفى الولد عنه في الظاهر بمجرد نفيه وجحوده
ولا يفتقر إلى اللعان ولا يشرع له، وتلاحظ المسألة الثلاثمائة والسابعة
والثمانون وما بعدها من كتاب النكاح.
[المسألة 50:]
يشرع اللعان لنفي الولد من الزوجة الدائمة في الصور الآنف
ذكرها، سواء كان الولد لا يزال حملا في بطن أمه أم كان بعد ولاته
وانفصاله، بل وإن تأخر اللعان عن الولادة ما لم يعترف الزوج بالطفل
كما إذا كان غائبا حين ولادته أو كان مريضا أو كان الحاكم الشرعي
بعيدا عنه أو لغير ذلك من الأعذار التي توجب التأخير.
237

[المسألة 51:]
إذا أقر الرجل بالولد لم يسمع منه انكاره إذا أنكره بعد ذلك،
سواء كان اقراره بنسبه صريحا كما إذا قال لبعض إخوانه: لقد رزقني
الله في هذا اليوم من فلانة مولودا جديدا، أو قال: وهبني الله من فلانة
ولدا وقد سميته محمدا، أم كان اقراره بالكناية، كما إذا بشره أحد
بولادته أو هناه به فقال له: سرك الله كما سرني، أو قال: وفقني الله
لشكر هذه النعمة، أو أتم الله علي نعمة وجوده بصلاحه، ونحو ذلك
من العبارات الدالة على الرضا.
ولا يكفي أن يكون الرجل حاضرا عند ولادة الطفل فيسكت ولا ينكر
نسبته إليه في تلك الحال، فلا يسقط بذلك حقه من نفي الولد إذا
كان يعلم أنه ليس منه.
[المسألة 52:]
يتعين على الأحوط أن يكون ايقاع اللعان بين الزوجين عند الحاكم
الشرعي خاصة، ولا يكفي ايقاعه عند من ينصبه الحاكم الشرعي
لذلك، وأن يكون اتيان كل من الزوج والزوجة بشهادات اللعان
وألفاظه بعد القاء الحاكم ذلك عليه وأمره بقولها، فلا يقع اللعان
إذا أسرع الزوج فنطق باللعان قبل أن يأمره الحاكم بالقول، أو بادرت
المرأة فلاعنت قبل أن يلقي الحاكم عليها كلمات اللعان ويأمرها
بقولها، فلا يعتد بقولهما، وعليهما إعادة الايقاع بعد أمر الحاكم
لهما على الترتيب.
[المسألة 53:]
يجب على الأحوط أن يكون الرجل والمرأة قائمين عند ايقاعهما
اللعان ونطقهما بألفاظه، بل يلزم على الأحوط أن يكونا معا قائمين
من أول لعان الزوج إلى آخر لعان الزوجة، ولا يكفي أن يقوم الزوج
وحده عند لعانه، ثم تقوم الزوجة وحدها عند لعانها.
[المسألة 54:]
إذا قدف الرجل زوجته بالزنا، أو نفى ولدها عن نفسه، وحضر
الزوجان عند الحاكم الشرعي للملاعنة وعلم بوجود جميع الشروط
238

المعتبرة، أمر الحاكم الزوج أن يبدأ فيقول: أشهد بالله إني لمن
الصادقين في ما قلته من رمي هذه المرأة بالزنا، أو من نفي ولدها عني،
ويكرر هذه الشهادة بأمر الحاكم أربع مرات، ثم أمره بعدها أن يقول
في المرة الخامسة: أن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فيقولها
مرة واحدة.
فإذا أتم الرجل لعانه، أمر الحاكم المرأة أن تقول: أشهد بالله إنه
لمن الكاذبين في قوله من القذف بالزنا، أو من نفي الولد عن نفسه،
وتكرر هذا القول أربع مرات، ثم أمرها فقالت في المرة الخامسة: أن
غضب الله علي إن كان من الصادقين في قوله، وقالت ذلك مرة واحدة.
[المسألة 55:]
يجب أن يكون التلفظ بشهادات اللعان وكلماته من الرجل والمرأة
على الوجه المتقدم، فلا يصح إذا أبدلت منه بعض كلماته أو غيرت
بما يرادف أو بما يشبه في المعنى أو في الاشتقاق، ولا يصح إذا قدم
بعض الألفاظ على بعض أو حذف بعضها وإن كان المحذوف لام التوكيد
من قول الرجل: إني لمن الصادقين، أو من قول المرأة: إنه لمن الكاذبين،
أو ما يشبه ذلك.
[المسألة 56:]
تجب مراعاة الترتيب في اللعان، فيبدأ الرجل قبل المرأة، ويبدأ
الرجل أولا بالشهادات الأربع بالله إنه لمن الصادقين، ثم يدعو
على نفسه بلعنة الله بعدها إن كان من الكاذبين، وتبدأ المرأة بالشهادات
الأربع كذلك، ثم تدعو على نفسها بغضب الله ببعدها إن كان من
الصادقين.
[المسألة 57:]
يجب أن يكون التلفظ في اللعان باللغة العربية، إذا كان الرجل
والمرأة قادرين على التكلم بها، فإذا كانا عاجزين ولم يمكن لهما النطق
بها صح لهما ايقاعه بغيرها من اللغات.
[المسألة 58:]
يشكل الحكم بصحة التوكيل في اللعان، بأن يوكل الرجل غيره في أن
239

يجري اللعان عنه مع زوجته حتى تترتب أحكام اللعان على الموكل بلعان
الوكيل، أو توكل المرأة أحدا في أن يلاعن الرجل عنها كذلك، وقد
سبق هذا التردد منا في كتاب الوكالة.
[المسألة 59:]
إذا حصل اللعان بين الرجل والمرأة واجتمعت شروطه وقيوده وقعت
الفرقة بين الزوجين سواء كان اللعان بسبب القذف أم كان بسبب نفي
الولد، والفرقة الحاصلة من ذلك انفساخ عقد لا طلاق، ولذلك فلا
يشترط في اللعان ما يشترط في صحة الطلاق، ويجب على المرأة أن
تعتد من الزوج بعده، وقد تقدم في مبحث العدد إن عدة المرأة في
الفسخ والانفساخ هي عدة الطلاق، والفرقة بين الزوجين على الوجه
المذكور هي الأثر الأول الذي يتحقق ويحكم به بعد اللعان.
[المسألة 60:]
إذا وقع اللعان بين الزوجين على الوجه التام في الشروط والقيود،
حرمت المرأة على الرجل حرمة مؤبدة فلا يحل له الزواج بها أبدا حتى
بعقد جديد، وحتى بعد انقضاء عدتها منه، وحتى إذا أكذب نفسه في
قذفها بالزنا أو كذبت هي نفسها في لعانها، وكذلك إذا كان اللعان
بسبب القذف ونفي الولد معا، فتحرم عليه حرمة مؤبدة وإذا كان
اللعان بسبب نفي الولد خاصة ولا يشتمل على قذف المرأة بالزنا،
ففي ثبوت التحريم المؤبد بذلك الشكال فلا يترك الاحتياط فيه، وإن
كان القول بالحرمة الأبدية لا يخلو من قوة، وقد تقدم ذكر هذا في
المسألة المائتين والسادسة والستين من كتاب النكاح، وهذا هو الحكم
الثاني من أحكام اللعان.
[المسألة 61:]
إذا رمى الزوج امرأته بالزنا ولاعنها عند الحاكم الشرعي لعانا تام
الشروط والقيود، سقط باللعان عنه حد القدف وثبت على المرأة حد
الزنا وهو هنا الرجم لأنها محصنة، فإذا لاعنته أيضا وأتمت لعانها
على الوجه المطلوب، سقط عنها حد الزنا، ودرئ عنها الرجم، وإذا
240

نكلت ولم تلاعن الرجل أو أتت ببعض شهادات اللعان ونكلت عن اتمامه
لزمها الحد، وهذا هو الحكم الثالث من أحكام اللعان.
[المسألة 62:]
إذا نفى الرجل الولد عن نفسه فقال: إنه ليس ولدي، وادعت
المرأة أن الولد منه، وتلاعنا لذلك عند الحاكم الشرعي كما ذكرنا،
انتفى الولد عن الرجل فلا ينسب إليه، فلا يكون الرجل الملاعن له أبا،
ولا يكون الطفل للرجل ابنا، ولا يرث أحدهما من الآخر إذا مات قبله،
وانتفى النسب بين الولد ومن يتصل به بالأب، فلا يكون أبو الرجل
له جدا ولا تكون أمه له جدة، ولا أخوه للطفل عما، ولا أخته عمة،
ولا ولد الرجل له أخا ولا أختا، ولا يرث منهم إذا ماتوا قبله ولا يرثون
منه إذا مات قبلهم.
وثبت النسب والتوارث بين الولد والأم ومن يتقرب بها، فأبوها
جده وأمها جدته وأخوانها أخواله وخالاته، وأولاد المرأة من غير ذلك
الرجل إخوانه لأمه وأخواته، وكذلك أولادها من ذلك الرجل فهم إخوانه
لأمه وأخواته لها، وليسوا إخوانه لأبيه وأمه ويثبت التوارث بينه وبينهم
على هذا النهج، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى في فصل ميراث
ولد الملاعنة من كتاب الميراث، وهذا هو الحكم الرابع من أحكام اللعان.
[المسألة 63:]
إذا لاعن الرجل المرأة لنفي الولد عن نفسه، ثم كذب لعانه واعترف
بالولد أخذ باقراره، فإذا مات قبل الولد ورث الولد من تركته، ولا
يرث هو من الولد إذا مات قبله، ولا يرث الولد من أقرباء الأب شيئا
إذا مات أحدهم قبله ولا يرثون منه إذا مات قبلهم، وإذا كذب الرجل
نفسه قبل أن يتم اللعان لم ينتف الولد منه ولم يكن للعان أثر.
[المسألة 64:]
إذا لاعن الرجل امرأته لقذفها بالزنا ثم كذب نفسه بعد اللعان،
لم يحد للقذف ولم يحل أن يتزوج بالمرأة أبدا، وإذا كذب نفسه
قبل أن يتم اللعان لزمه حد القذف ولم تحرم عليه المرأة، بل ولم
ينفسخ نكاحها.
241

[المسألة 65:]
يستحب أن يجلس الحاكم الشرعي للعان مستدبرا للقبلة، وأن
يوقف الرجل عن يمينه وهو مستقبل القبلة، وأن يوقف المرأة والصبي
معها عن يساره وهما مستقبلان أيضا، فيكونان عن يمين الرجل،
وأن يحضر من يسمع اللعان، فإذا أمر الحاكم الرجل بالقاء الشهادات
الأربع واحدة بعد واحدة حتى أتمها، أمره بالسكوت وشرع الحاكم
بوعظه وتحذيره مغبة ذلك، وذكره شدة لعنة الله وأليم أخذه وطرده
عن رحمته، فإذا أتم وعظه، أمره أن يدعو على نفسه بلعنة الله إن كان
من الكاذبين في قوله، ثم توجه بعده إلى المرأة، فأمرها بالقاء شهادات
اللعان واحدة بعد واحدة كما تقدم، فإذا أتمت ابتدأ الحاكم فوعظها
وخوفها عظيم غضب الله وشدة نقمته، فإذا أتم وعظها وتذكيرها أمرها
أن تدعو في الخامسة على نفسها بغضب الله إن كان الرجل من الصادقين
في ما قال.
[المسألة 66:]
إذا قذف الرجل امرأته أكثر من مرة واحدة بأنها قد زنت، لم يجب
عليه بذلك القذف المتكرر أكثر من حد واحد، ولم يوجب عليه غير
لعان واحد، وإذا قذفها بالزنا فحد لقذفه إياها، أو لاعن المرأة فأسقط
عن نفسه الحد باللعان، ثم قذفها بعد ذلك مرة أخرى أو أكثر، فلا
يبعد وجوب الحد عليه بهذا القذف وثبوت اللعان مرة ثانية على تأمل.
242

[كتاب الميراث]
243

[كتاب الميراث]
وفيه عدة فصول:
[الفصل الأول]
[في مقدمات يتوقف عليها تبيين الأبحاث والمقاصد الآتية]
[المسألة الأولى:]
موجبات الإرث للوارث أما نسب يصله بالميت، وأما زوجية تعقده
به، وأما ولاء يكون بينهما، وليس له موجب غير ذلك على الأصح،
وطبقات النسب الموجبة لإرث الحي من الميت ثلاثة:
الطبقة الأولى: الأب والأم بلا واسطة، والأولاد: الذكور منهم
والإناث، وأبناؤهم الذكور والإناث أيضا وإن تعددت الواسطة بينهم
وبين المورث، والأب والأم هما الصنف الأول من هذه الطبقة، والأولاد
وذريتهم هم الصنف الثاني منها.
الطبقة الثانية من النسب الموجب للإرث هم الأجداد والجدات للأب
أو للأم، سواء كانوا أجدادا للميت بلا واسطة أم كانوا أجداد أبيه أو
أمه أم أجداد جده للأب أو للأم إذا اتفق وجودهم، والإخوة والأخوات،
وهم أولاد أبويه معا، أو أولاد أبيه خاصة أو أولاد أمه خاصة، وأولاد
إخوته المذكورين أو أخواته، وأولاد أولاد الإخوة والأخوات وإن
تعددت الواسطة، إذا اتفق وجودهم، والأجداد والجدات هم الصنف
الأول من هذه الطبقة، والإخوة والأخوات وذريتهم هم الصنف الثاني
منها.
الطبقة الثالثة من النسب هم أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته
وأعمام أبيه وأمه وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما، وأعمام جده وجدته
للأب أو للأم وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما وهكذا، إذا اتفق وجودهم،
وأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات المذكورين وذريتهم إذا
245

تعددت الواسطة، وعدوا من القرابة في نظر أهل العرف، وجميع أهل
هذه الطبقة صنف واحد، وسنذكر الأثر الذي يختص به أهل الصنف
الواحد من الطبقة عن أهل الصنفين المختلفين.
[المسألة الثانية:]
الثاني من موجبات إرث الحي من الميت هي الزوجية، فإذا تم عقد
النكاح الدائم بين الرجل والمرأة ورث أحدهما الآخر إذا مات قبله ولم
يكن له ما يمنعه عن الإرث من كفر أو قتل أو رق أو لعان، وتراجع
المسألة الثلاثمائة والثالثة من كتاب النكاح في ما يتعلق بميراث الزوج
والزوجة إذا كان نكاحهما منقطعا.
[المسألة الثالثة:]
الثالث من موجبات إرث الحي من الميت: الولاء، وينحصر في ولاء
العتق، وولاء ضمان الجريرة، وولاء الإمامة، فإذا مات العتيق ولم
يكن له رحم وارث، ورث ماله سيده الذي أعتق رقبته، وإذا مات
السائبة ولا رحم له ولا معتق ورثه ضامن جريرته، وإذا مات من لا
وارث له من جميع أولئك ورثه إمام المسلمين على ما سنفصله في ما يأتي
إن شاء الله تعالى.
[المسألة الرابعة:]
الفروض وهي السهام التي قدرها الله سبحانه في كتابه الكريم لبعض
الوارثين ستة: وهي الثلثان والنصف، والثلث، والربع، والسدس،
والثمن.
فالثلثان هما فرض للبنتين أو البنات للميت حين لا يكون معهن ولد
ذكر للميت أيضا، وحين يكون معهن ابن له ولكنه يكون ممنوعا من
الإرث لأنه كافر فلا يرث من المسلم، أو لأنه قاتل لأبيه فلا يرثه، أو
لأنه عبد مملوك، فلا يكون في هذه الصور وارثا ولا حاجبا لأخواته
بنات الميت عن فرضهن وهو الثلثان، وهما أيضا فرض للأختين أو
الأخوات للميت، لأبويه معا أو لأبيه خاصة، حين لا يكون معهن أخ
ذكر للميت، أو كان معهن أخ ذكر ولكنه لا يساويهن في المرتبة، ومثال
ذلك أن تكون للميت أختان شقيقتان لأمه وأبيه، ويكون له معهما أخ
246

للأب خاصة فلا يكون وارثا للميت معهما ولا حاجبا لهما عن الثلثين،
وكذلك إذا كان له أخ ممنوع عن الإرث لأنه كافر أو قاتل أو عبد
مملوك، فلا يكون وارثا ولا حاجبا لهن عن الثلثين، وإن كان مساويا
لهن في المرتبة أو أسبق منهن، ومثال ذلك أن يكون الجميع للأبوين،
أو يكون الجميع للأب خاصة أو تكون الأخوات الوارثات للأب خاصة
ويكون الأخ الممنوع من الإرث للأبوين.
والنصف فرض للبنت الواحدة إذا تركها الميت ولم يكن معها ابن
ذكر للميت، أو كان معها ولد ذكر وهو ممنوع من الإرث لما ذكرنا،
فلا يرث مع البنت الوارثة ولا يحجبها عن فرضها وهو النصف، والنصف
أيضا فرض للأخت الواحدة للميت لأبويه معا أو لأبيه خاصة إذا تركها
وليس معها أخ أصلا، أو كان معها أخ للميت ولكنه ممنوع من الإرث
لأن الأخت أسبق منه في المرتبة، أو لأنه كافر أو قاتل كما تقدم فلا
يكون وارثا ولا حاجبا لها عن النصف، وإن كان أخا للأبوين وكانت
هي أختا للأب خاصة، والنصف أيضا فرض للزوج إذا لم يكن للزوجة
ولد منه ولا من غيره، أو كان لها ولد ممنوع من الإرث، فلا يحجب
الزوج عن النصف كما سبق في نظائره.
والثلث فرض للأم إذا لم يكن للميت ولد أو ولد ولد وإن نزل،
أو كان للميت ولد ولكنه ممنوع من الإرث على نهج ما تقدم، ولم تكن
للميت أخوة يحجبونها عما زاد عن السدس على تفصيل سنذكره في مبحث
ميراث الأبوين إن شاء الله تعالى، فإذا كان للميت ولد ممنوع من الإرث
لم يحجب الأم عن الثلث، وكذلك إذا كان له أخوة لا تجتمع معهم
الشروط الآتي بيانها، فلا يحجبون الأم عن الثلث، والثلث أيضا فرض
الإخوة من الأم ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا، إذا كانوا أكثر من
واحد يشتركون فيه على السواء.
والربع فرض للزوج إذا كان للزوجة الميتة ولد أو ولد ولد غير
ممنوع من الإرث، فإذا كان لها ولد أو حفيد ممنوع من الإرث لم يكن
حاجبا للزوج عن النصف كما تقدم، والربع فرض للزوجة أو الزوجات
إذا لم يكن للزوج الميت ولد أو حفيد أو كان له ولكنه ممنوع من الإرث،
247

فإذا كان له ولد أو حفيد غير ممنوع من الإرث ففرض الزوجة الواحدة
أو الزوجات المتعددة هو الثمن يقتسمنه بالسوية.
والسدس فرض للأب وللأم إذا كان لابنهما الميت ولد أو حفيد غير
ممنوع من الإرث، والسدس فرض الأم أيضا إذا كان لابنها الميت إخوة
لأبويه أو لأبيه خاصة مع وجود شرائط الحجب وسيأتي ذكرها كما
أشرنا إليه آنفا.
والسدس أيضا فرض الأخ الواحد للميت من أمه ليس معه من كلالة
الأم غيره، والأخت الواحدة من أمه ليس معها غيرها كذلك.
[المسألة الخامسة:]
قد لا يعين الشارع للوارث سهما معينا يدفع إليه من تركة الميت في
جميع الأحوال أو في بعض الحالات دون بعض، فالشارع لا يحدد للأب
سهما معينا عند انفراده بميراث ولده، ولا يحدد له نصيبا إذا انفرد
هو والأم بتركة ولدهما ولم يكن له وارث سواهما، والشارع لا يحدد
فرضا خاصا للولد الذكر حين ما ينفرد بميراث أبيه وحين ما يشترك
معه ولد آخر أو أولاد آخرون ذكور أو إناث، والشارع لا يحدد
للأخ الذكر الواحد أو المتعدد فرضا معينا، ولا يحدد للجد ولا للعم
ولا للخال ولا لابن العم ولا لابن الخال مقدارا عند الانفراد بالميراث أو
عند الاشتراك، ونتيجة ذلك أن هذا القريب يرث من تركة الميت بسبب
قرابته منه نصيبا، وهذا النصيب الذي يستحقه من التركة يختلف
باختلاف الموارد، فالأب يستحق جميع تركه ولده الميت حين ما ينفرد
بميراثه، وهو يأخذ الثلثين منها إذا انفرد هو والأم بالتركة ولم يكن
للأم حاجب عن الثلث والحاجب لها هم الإخوة عندما توجد شروط
الحجب، وهو يستحق خمسة أسداس التركة في هذا الفرض إذا كان
للميت إخوة يحجبون الأم عما زاد عن السدس، والأب في جميع هذه
الفروض يرث من ولده بالقرابة، ومثله القول في الورثة الآخرين.
فالولد يستحق جميع التركة عند انفراده بها، ويستحق نصيبه منها
حسب ما تقتضيه القسمة حين ما يشترك معه ولد آخر أو أكثر، ذكر
أو أنثى، أو يشترك معه الأبوان أو أحدهما، وهو في جميع الفروض
248

يرث بالقرابة، وكذلك القول في الورثة الآخرين من الإخوة والأجداد
والأعمام وغيرهم من الذين يرثون بالقرابة، ونظيرهم في ذلك من يرث
الميت بسبب الولاء.
[المسألة السادسة:]
قد تزيد التركة على مقدار السهام المعينة فيها للورثة، فيستحق
بعض الورثة أن يرد عليه شئ من بقية التركة زائدا على نصيبه،
وفقا لما يأتي بيانه من الحكم في ذلك، ومثاله أن يموت رجل وله بنت
واحدة وزوجة فيكون للبنت نصف التركة وللزوجة ثمنها، وتكون
التركة زائدة على السهام المقدرة بثلاثة أثمان التركة، والحكم في هذا
الفرض أن يرد جميع ما زاد على البنت خاصة وتستحقه زائدا على
نصيبها، ومثال ذلك أيضا أن يموت رجل وله بنت واحدة وأم، فيكون
للأم سدس التركة، وللبنت نصفها، وتكون التركة زائدة على السهام
المقدرة بسدسي التركة، والحكم في الفرض أن يقسم الزائد على البنت
والأم بنسبة سهميهما فيكون للأم الربع من الزائد، وللبنت ثلاثة
أرباعه وسيجئ تفصيل الحكم فيه.
[المسألة السابعة:]
من الورثة من يكون إرثه بالفرض دائما، فلا يرث بالقرابة ولا
بالرد في جميع الحالات، وهي الزوجة الواحدة والزوجات المتعددة،
وفرضها هو الربع إذا لم يكن للزوج الميت ولد أو حفيد وارث، وإذا
كان له ولد أو حفيد ففرضها هو الثمن، ولا تخرج عن ذلك إلا إذا
كانت قريبة للزوج في النسب فترثه بالقرابة أيضا غير ميراث الزوجة،
ومثال ذلك أن تكون ابنة عمه أو ابنة خاله مثلا وزوجته، ولا وارث
له أقرب منها، وهذا هو القسم الأول من أقسام الوارث.
[المسألة الثامنة:]
ومن الورثة من يكون إرثه بالفرض دائما، وقد يرث بالفرض
وبالرد أيضا في بعض الحالات، ومن هذا القسم: الأم، فإنها ترث
السدس دائما من تركة ولدها إذا كان له ولد أو كان لها حاجب وهم
الإخوة مع وجود شرائط الحجب، وترث الثلث دائما إذا لم يكن للميت
249

ولد ولم يكن لها حاجب، وقد ترث مع الفرض بالرد إذا زادت التركة
على السهام، وقد ذكرنا بعض الأمثلة لذلك في المسألة السادسة.
ومن هذا النوع: الزوج، فإنه يرث من زوجته نصف تركتها إذا لم
يكن لها ولد أو حفيد وارث، ويرث منها ربع التركة إذا كان لها ولد
وارث أو حفيد وارث، ويرث منها بالرد إذا لم يكن للزوجة وارث غير
الإمام على الأقوى، ولا يخرج الزوج عن هذا الحكم إلا إذا كان قريبا
لزوجته في النسب، فهو ابن عم لها مثلا أو ابن خال وزوج، ولا وارث
لها أقرب منه ولذلك فيرث منها بالقرابة كما يرث بالزوجية، وقد سبق
نظيره في الزوجة، وهذا هو القسم الثاني من أقسام الوارث.
[المسألة التاسعة:]
ومن الوارثة من يكون إرثه بالفرض في بعض الحالات ويكون إرثه
بالقرابة في بعضها، وقد يرث بالرد عليه في بعض الحالات أيضا، ومن
هذا القسم الأب، فإنه يرث بالفرض إذا كان للميت ولد أو حفيد
وارث وفرضه في هذا الحال هو السدس، وهو يرث بالقرابة إذا لم
يكن للميت ولد ولا حفيد أو كان له ولكنه كان ممنوعا من الإرث لأنه
كافر أو قاتل للميت أو رق مملوك، وهو يرث كذلك بالرد عليه في
بعض الحالات، ومثال ذلك أن يموت زيد ويخلف من بعده أبا وبنتا
واحدة، فيرث الأب فرضه وهو السدس كما ذكرناه وترث البنت فرضها
وهو النصف، وتزيد التركة على السهام بسدسين والحكم في ذلك أن
يقسم الزائد على الأب والبنت الوارثين بنسبة سهميهما من التركة،
فيأخذ الأب ربع الزائد وتأخذ البنت ثلاثة أرباعه، ومثاله أيضا أن
يموت الشخص ويخلف من بعده أبا وبنتين، فيرث الأب السدس كما
تقدم وترث البنتان فرضهما وهو الثلثان، وتزيد التركة على السهام
بسدس واحد، والحكم فيه أن يقسم الزائد على الأب والبنتين بنسبة
سهميهما كما سبق، فيكون للأب خمس الزائد وللبنتين أربعة أخماسه.
ومن هذا القسم البنت الواحدة للميت، فإنها ترث من أبيها بالفرض
وهو نصف التركة إذا لم يكن معها ولد ذكر وارث، وترث منه بالقرابة
إذا كان معها ولد ذكر، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا لم يكن
250

معها ولد ذكر ورثت النصف بالفرض كما قلنا وورثت الباقي بالرد،
وكذلك البنتان، فإنهما ترثان بالفرض إذا لم يكن معهما ولد وارث،
وفرضهما هو الثلثان ويرد عليهما الباقي يقتسمانه بالسوية، وإذا
كان معهما ولد ورثتا بالقرابة وقسمت التركة عليهم للذكر مثل حظ
الأنثيين.
ومن هذا القسم أيضا الأخت الواحدة للميت لأبويه معا أو لأبيه
خاصة، والحكم فيها هو الحكم في البنت الواحدة فترث من أخيها بالفرض
إذا لم يكن معها أخ وارث وفرضها هو نصف التركة ويرد عليها الباقي،
وترث منه بالقرابة إذا كان معها أخ وارث وتقسم التركة عليهما للذكر
مثل حظ الأنثيين، وكذلك الأخوات فالحال فيهن حال البنات، وهذا
هو القسم الثالث من أقسام الوارث.
[المسألة العاشرة:]
ومن الورثة من يكون إرثه بالقرابة دائما وفي جميع الحالات،
فليس له فرض محدد، ولا تزيد التركة معه على السهام فيأخذ
منها بالرد، ومن هذا القسم الولد الذكر، والأولاد المجتمعون
ذكورا، أو ذكورا وإناثا، والأخ الواحد إذا كان للأبوين أو للأب
خاصة، والإخوة المجتمعون إذا كانوا كذلك وكانوا ذكورا، أو ذكورا
وإناثا، والجد والأجداد المجتمعون، والأعمام والأخوال على ما يأتي
بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى وهذا هو القسم الرابع من الوارث.
[المسألة 11:]
ومن الورثة من يكون إرثه بالولاء خاصة، فليس له فرض محدد
يرث به ولا قرابة بها ولا رد، والوارث في هذا القسم هو المعتق،
وضامن الجريرة، والإمام، وإذا اتفق لأحدهم وجود قرابة يرث بها
من الميت كما إذا كان المعتق أخا للميت أو عما أو ابن عم، ورثه
بالقرابة ولا موضع معها للإرث بالولاء.
[المسألة 12:]
لا يرث أهل الطبقة من النسب إذا وجد واحد من أهل الطبقة السابقة
عليهم، فلا يرث أحد من الأجداد القريبين أو البعيدين، ولا أحد من
251

الإخوة الأشقاء وغيرهم وأولادهم إذا وجد أب للميت أو أم، أو وجد
ولد له أو بنت، أو وجد أحد من أولاد ولده أو بنته، وإن تعددت
الواسطة بين الميت وبينهم، ولا يرث أحد من الأعمام والأخوال القريبين
أو البعيدين ولا أحد من أولادهم وذريتهم، إذا وجد جد للميت أو جدة
أو أخ أو أخت، أو ابن أخ أو ابن أخت وهكذا، ولا يرث أحد ممن
يرث من الميت بالولاء إذا وجد أحد ممن يرث منه بالقرابة.
[المسألة 13:]
لا يمنع الزوج ولا الزوجة عن ميراثهما إذا اجتمع مع أي طبقة من
طبقات الوارثين وأصنافهم سواء كان ممن يرث بالفرض أم بالقرابة
أم بالولاء، عدا ما تقدم ذكره من وجود الولد أو البنت للميت فيرث
الزوج مع عدمه النصف ومع وجوده الربع، وترث الزوجة مع عدمه
الربع ومع وجوده الثمن.
[المسألة 14:]
لا يمنع القريب البعيد عن الإرث إذا كانوا من أهل طبقة واحدة
وكانوا من صنفين، فإذا اجتمع الأب أو الأم مع ولد الولد أو ولد البنت
وإن كان بأكثر من واسطة لم يمنع الأب ولا الأم ذلك الحفيد أو السبط
عن الإرث وإن كان أقرب إلى الميت، لأنهما من صنفين، وكذلك إذا
اجتمع الجد القريب أو الجدة مع ولد الأخ أو ولد الأخت لم يمنع الجد
أو الجدة ولد الأخ ولا ولد الأخت عن الإرث وإن كانا بأكثر من واسطة
أو اجتمع الأخ أو الأخت مع الجد الأعلى بأكثر من واسطة فلا يمنعه
من الميراث لأنهما من صنفين.
ويمنع القريب من هو أبعد منه عن الميراث إذا كانا من طبقة واحدة
وصنف واحد، فولد الميت وبنته يمنعان ولد ولده وولد بنته عن الإرث،
وولد الولد بواسطة واحدة يمنع ولد وولده وولد بنته بواسطتين،
وهكذا.
والأخ والأخت للميت يمنعان ولد أخيه وولد أخته، وولدهما بلا
واسطة يمنع ولدهما مع الواسطة لأنهما من صنف واحد، كما ذكرناه
في المسألة الأولى، وكذلك في طبقة الأعمام والأخوال، فالعم والعمة
252

يمنعان ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة عن إرثه، والخال
والخالة يمنعان ابن العم وابن العمة أيضا وابن الخال وابن الخالة عن
الإرث، وما كان من أولادهم بلا واسطة يمنع من كان منهم بواسطة
وهكذا، لأن الجميع من صنف واحد كما تقدم في المسألة الأولى، وتلاحظ
المسائل المتعلقة بذلك من الفصل الثالث الآتية إن شاء الله تعالى.
[الفصل الثاني]
[في موانع الإرث]
[المسألة 15:]
ذكر جماعة من العملاء للإرث موانع كثيرة حتى أنهاها الشهيد الأول
قدس سره في كتاب الدروس إلى عشرين مانعا وفي بعض ما أفاده في
ذلك تكلف، وبعض ما ذكره إنما هو مانع عن بعض الإرث، وليس
مانعا عن أصل الإرث، كالولد يمنع الأب والأم حين يجتمع معهما أو
مع أحدهما عما زاد عن السدس، وكالولد يحجب الزوج حين يجتمع
معه عن النصف، ويمنع الزوجة حين يكون معها عن الربع، وكالإخوة
يحجبون الأم عما زاد عن السدس مع وجود شروط الحجب، ونظائر
ذلك.
وموانع الإرث المشهورة ثلاثة، وهي الكفر والقتل والرق، وقد
تقدم في الكتاب السابق حكم اللعان، وسنتعرض له هنا إن شاء الله على
وجه الاجمال، ونتعرض لبعض أحكام الغائب وأحكام الحمل وميراث
ابن الزنا في ما يأتي.
[المسألة 16:]
لا يرث الكافر من المسلم إذا مات وإن كان أقرب الناس إليه في
النسب، من غير فرق بين أصناف الكفار ومللهم، حتى الذمي والمعاهد،
وحتى المرتد سواء كان فطريا أم مليا، فإذا مات المسلم انتقلت تركته
إلى وارثه المسلم وإن كان بعيدا عنه في النسب، وكان له ولد كافر،
أو كان له أب وأم كافران، أو كان له أقرباء آخرون من الكفرة أو
المرتدين، وإذا لم يكن له رحم أو قريب مسلم يرثه ورثه معتقه أو
253

ضامن جريرته إذا وجدا وكانا مسلمين، فإن لم يكن له وارث مسلم
من جميع أولئك ورثه إمام المسلمين (ع).
[المسألة 17:]
لا يرث الكافر من قريبه المسلم إذا مات قبله من غير فرق بين أن
يكون المسلم شيعيا وغيره من فرق المسلمين.
[المسألة 18:]
لا منع كفر الكافر أحدا يتقرب بواسطته إلى الميت عن الإرث منه
إذا كان مسلما، ومثال ذلك أن يموت رجل مسلم ويعقب ولدا كافرا،
ويكون ولد ولده الكافر مسلما، فيرث الميت المسلم حفيده المسلم وإن
كان يتقرب إليه بأب كافر، ومثاله أيضا أن يموت المسلم وله أب كافر،
ويكون للميت أخ أو عم مسلم، فيرثه أخوه أو عمه المسلم، وإن كان
يتقرب إلى الميت بأبيه الكافر.
[المسألة 19:]
إذا مات رجل كافر وله وارث مسلم اختص هذا الوارث بإرثه
إذا كان واحدا أو كان أقرب من الورثة الآخرين واشترك مع
ورثة الميت المسلمين إذا كانوا من أهل طبقته على حسب موازين
الميراث، ولم يرث معه أرحام الميت الكفار شيئا وإن كانوا أقرب إليه
من الوارث المسلم، فيرث الميت الكافر أخوه المسلم أو عمه أو ابن عمه
إذا كان مسلما، ويختص بميراثه وإن كان له ولد أو أب أو أم من
الكفار، ونتيجة لذلك فيكون المسلم وارثا للكافر، ومانعا لأرحامه
الكفار عن الإرث، وإذا لم يكن للكافر رحم وارث من المسلمين وكان
له معتق مسلم أو ضامن جريرة، اختص بميراثه أيضا ولم يرثه أرحامه
من الكفار سواء كانوا مع الميت من أهل ملة واحدة أم من ملل متعددة،
وإذا لم يكن للميت الكافر وارث من المسلمين غير الإمام كانت تركته
للوارثين الكفار.
[المسألة 20:]
إذا مات المرتد الفطري أو الملي وكان له وارث مسلم اختص المسلم
بإرثه وحده سواء كان متحدا أم متعددا كما تقدم ومنع الوارث
254

المسلم وإن كان واحدا ورثة الميت الكفار عن إرثه وإن كانوا
أقرب إليه رحما على نهج ما ذكرناه في الكافر الأصلي سواء بسواء
وكذلك إذا كان المسلم وارثا له بالولاء فيختص بإرثه دون
أرحامه الكفرة وإذا لم يكن له وارث من المسلمين سوى الإمام (ع)،
فالقول المشهور بين الأصحاب أن ميراثه يرجع إلى الإمام كما هو الحكم
في المسلمين، ولم أقف لهذا القول على دليل يعتمد عليه، وظواهر الأدلة
تقتضي أن للمرتد في ذلك حكم الكافر الأصلي سواء كان فطريا أم
مليا، فيكون ميراثه في هذه الصورة لورثته من الكفار.
[المسألة 21:]
إذا مات مسلم وخلف بعده وارثا مسلما ووارثا كافرا، ثم أسلم
الوارث الكافر بعد موت المورث فهنا صور تختلف أحكامها.
(الصورة الأولى): أن يكون الوارث المسلم الذي خلفه الميت واحدا،
وهو غير الإمام، وغير الزوجة، والحكم في هذه الصورة أن التركة بمجرد
موت الميت تنتقل إلى الوارث المسلم الواحد، فإذا أسلم الوارث الكافر
بعد موت المورث لم يستحق من التركة نصيبا.
(الصورة الثانية): أن يكون الوارث المسلم الباقي بعد موت الميت
هو إمام المسلمين، فإذا أسلم الوارث الكافر بعد موت مورثه ورث
المال بعد اسلامه ولم ينتقل إلى الإمام (ع).
(الصورة الثالثة): أن تكون وارثة الميت المسلمة هي زوجته وحدها،
فإذا أسلم الكافر بعد موت الرجل وكان اسلامه قبل قسمة المال بين
الزوجة والإمام، ورثت الزوجة نصيبها من التركة فإذا كان الوارث
الذي أسلم ولدا أخذت الزوجة الثمن وإن لم يكن ولدا أخذت الربع،
وورث المسلم الجديد بقية المال ولم تنتقل إلى الإمام، وإذا كان اسلامه
بعد قسمة المال أو مقارنا لها نفذت القسمة ولم يستحق من التركة
شيئا.
(الصورة الرابعة): أن يكون الوارث المسلم الذي خلفه الميت
متعددا، فإذا أسلم الوارث الكافر بعد قسمة المال بين الوارث المسلمين
نفذت القسمة بينهم واستحق كل واحد منهم نصيبه، ولم يستحق المسلم
255

الجديد من التركة شيئا، وكذلك إذا كان اسلامه مقارنا لقسمة المال
بين الورثة فلا يستحق منه نصيبا.
وإذا أسلم قبل أن يقسم المال، شارك الورثة في الميراث إذا كان من
أهل طبقتهم، ولم يرث معهم شيئا إذا كانوا أسبق منه في طبقة الميراث،
وورث المال كله دونهم إذا كان هو أسبق منهم فيها.
[المسألة 22:]
إذا مات كافر وترك بعده وارثا مسلما ووارثا كافرا، ثم أسلم
الوارث الكافر بعد موت المورث كما في الفرض الآنف ذكره في المسألة
الماضية، جرت فيه الصور الأربع التي فصلناها وانطبقت عليه
أحكامها.
[المسألة 23:]
إذا تعدد الوراث المسلمون للميت المسلم أو للميت الكافر كما في
الصورة الرابعة الآنف ذكرها، وقسم بعض التركة على الوراث ولم
يقسم بعضها، ثم أسلم الوارث الكافر بعد ذلك، جرى في التركة حكمها
المتقدم، فلا يرث المسلم الجديد شيئا من البعض الذي جرت قسمته من
التركة، وورث من البعض الآخر الذي لم يقسم، وإذا كان من أهل
الطبقة السابقة في الميراث اختص بإرث هذا البعض الذي لم يقسم ولم
يرث منه الآخرون.
[المسألة 24:]
إذا مات المسلم وكان جميع ورثته حين موته كفارا، لم يرث أحد منهم
شيئا من تركته، وكان وارثه هو إمام المسلمين (ع)، وإذا أسلم بعض
الورثة بعد موت المورث كان ميراثه لذلك البعض خاصة، وإن كان غيره
أقرب منه في النسب وأسبق طبقة في الميراث، ولم يرجع ميراثه إلى إمام
المسلمين، وكذلك الحكم إذا مات المرتد وكان جميع ورثته كفارا،
ثم أسلم بعضهم بعدم موته، فيكون البعض الذي أسلم هو الوارث خاصة
ولا يرجع إرثه إلى الإمام.
[المسألة 25:]
إذا مات الكافر وكان جميع ورثته كفارا كان ميراثه لهم، وإذا أسلم
256

بعضهم بعد موت مورثه لم يتغير حكم الميراث بسبب ذلك، فيشارك
هذا الوارث المسلم بقية الورثة الكفار إذا كان مساويا لهم في الطبقة،
ويختص هو بالإرث دونهم إذا كان سابقا عليهم في الطبقة، ويحرم
من الميراث إذا كان متأخرا عنهم فيها.
[المسألة 26:]
يرث المسلم من المسلم إذا تحقق بينهما أحد موجبات الإرث وإن
اختلف الوارث والمورث في المذهب والمسلك سواء كانت النظرة بينهما
متقاربة أم متباعدة، فلا يمنع هذا الاختلاف المذهبي من أن يرث بعض
المسلمين بعضا وفقا لأحكام الميراث في الاسلام، وقد تقدم الكلام في
مباحث النجاسات من كتاب الطهارة عما يتعلق ببعض الفرق، ومن
ينكر بعض ضروريات الدين، وذكرنا فيها ميزان الكفر والحكم
بالنجاسة، ويكون المدار في التوارث عليه.
[المسألة 27:]
يتوارث الكفار في ما بينهم وإن كان الوارث والمورث مختلفين في
الدين وفي الملة، إذا وجد ما بينهما بعض موجبات الإرث من قرابة أو
زوجية أو ولاء فيرث اليهودي من المسيحي ومن الصابي والمجوسي
والوثني والملحد وغيرهم، ويرثون منه إذا مات قبلهم، فإذا رجعوا إلى
المسلمين في حكم ميراثهم ورثناهم كذلك حسب ما فرض الله في المواريث،
ولهم أن يجروا في المواريث بينهم على ما يقتضيه دينهم.
[المسألة 28:]
يراد بالمسلم في كتاب الميراث ما يعم المسلم بالأصالة، وهو الكامل
المقر بالشهادتين من أي الفرق التي يحكم باسلامها كما تقدم، سواء
كان ملتزما بالعمل وفق مذهبه أم غير ملتزم، والمسلم بالتبعية، كالطفل
الذي تنعقد نطفته ويولد وكلا أبويه أو أحدهما مسلم، وكالطفل الذي
يسلم أبواه أو أحدهما بعد ولادته وقبل بلوغه، فيكون تابعا للمسلم
منهما، وكالمجنون يتبع أبويه أو أحدهما في الاسلام، فتجري على الطفل
وعلى المجنون وإن كانا غير مميزين أحكام المسلم بالأصالة، فيرث المسلم
والكافر، ويرثه المسلم دون الكافر، ويحجب المسلم والكافر، ويحجبه
257

المسلم دون الكافر، وقد سبق تفصيل هذه الأحكام في المسائل الماضية
وقد يأتي لها مزيد من البيان.
[المسألة 29:]
ويراد بالكافر في هذا الباب أيضا ما يعم الكافر بالأصالة والكافر
بالتبع، والكافر بالأصالة كما ذكرنا في المسألة المائة والرابعة عشرة
من كتاب الطهارة، هو الذي لم يعترف بالألوهية أو بالتوحيد أو
بالرسالة أو بالمعاد وإن لم ينكر ذلك، ومن أنكر أمرا علم ثبوته
بالضرورة من الاسلام وهو يعلم بأنه ضروري كذلك وإنما يحكم بكفر
هذا المنكر لأن انكاره مع علمه بأنه ضروري يرجع إلى تكذيب الرسالة،
وقد ألحقنا به في الحكم بعض الأهواء الزائغة فليلاحظ المبحث المشار
إليه، والكافر بالتبعية كالطفل الذي تنعقد نطفته ويولد وكلا أبويه
كافران، والمجنون كذلك، فيجري عليهما حكم الكافر بالأصالة، فيرثهما
المسلم إذا وجد له ما يوجب الإرث ولا يرثانه ويحجبهما المسلم ولا
يحجبانه.
[المسألة 30:]
تقدم منا في المسألة المائتين والخامسة والأربعين من كتاب النكاح
بيان المراد من المرتد عن فطرة والمرتد عن ملة والفارق بينهما، ولا
موجب لتكرار ما سبق، فليرجع إليها ما أراد.
[المسألة 31:]
إذا ارتد الرجل عن الاسلام وكان ارتداده عن فطرة، وجب قتله،
وانفسخ منه نكاح زوجته وبانت منه سواء كان قد دخل بها أم لم يدخل
ووجب عليها أن تعتد منه عدة الوفاة وإن لم يقم عليه الحد بالقتل،
وقسمت أمواله الموجودة في حال حدوث ارتداده على ورثته، وإن
كان حيا.
[المسألة 32:]
إذا تاب المرتد الفطري عن ارتداده ورجع إلى الاسلام، لم تسقط
عنه الأحكام المتقدم ذكرها، فلا يسقط عنه الحد وهو القتل بتوبته،
ولا ترجع إليه زوجته، ولا تعود أمواله إلى ملكه، ولا يسقط وجوب
258

الاعتداد عن زوجته، وتقبل توبته بالإضافة إلى سائر الأحكام، فيحكم
عليه بالاسلام وطهارة البدن، وتصح منه العبادات إذا أداها، ويجوز
له أن يتزوج بامرأة مسلمة، حتى بزوجته السابقة إذا اتفق معها على
تجديد النكاح بعقد مستأنف وإن كانت لا تزال في عدتها منه، وتنطبق
عليه أحكام المسلم في الميراث والحجب.
[المسألة 33:]
إذا ارتد الرجل عن الاسلام ارتدادا مليا، لم يقتل، بل يستتاب،
ولم تنتقل أمواله عن ملكه إلى الورثة إلا إذا مات أو قتل، وقد تقدم
بيان أحكامه في نكاحه وبينونة زوجته منه بالارتداد أو بعد الاعتداد
في المبحث المشار إليه وتقبل توبته منه إذا رجع إلى الاسلام وتنطبق
عليه أحكامه.
[المسألة 34:]
إذا ارتدت المرأة عن الاسلام لم يجب عليها القتل ولم تخرج أموالها
عن ملكها بالارتداد وإن كان عن فطرة ولم تنتقل إلى ورثتها إلا بالموت،
وإذا ارتدت انفسخ نكاحها من زوجها فإن كان الزوج لم يدخل بها
بانت منه حين ارتدادها، وإن كان قد دخل بها وجب عليها أن تعتد
منه عدة الطلاق، فإذا هي لم تتب حتى انقضت العدة بانت من الزوج،
ومن أحكامها إنها تحبس ويضيق عليها وتضرب في أوقات الصلاة حتى
تتوب وإذا هي تابت ورجعت إلى الاسلام قبلت توبتها، وجاز لزوجها
أن يتزوجها بعقد جديد، والأحوط لزوما إذا تابت وأراد الزوج
نكاحها وهي في أثناء العدة أن يكون الزواج بعقد جديد كذلك، وقد
تقدم هذا في المبحث المذكور سابقا من كتاب النكاح.
[المسألة 35:]
لا يترتب الأثر على ارتداد الشخص حتى يكون بالغا وعاقلا ومختارا
وقاصدا، فلا حكم لارتداد الصبي قبل بلوغه، ولا أثر لارتداد الشخص
إذا كان مجنونا وإن كان جنونه أدوارا وحدث ارتداده في دور جنونه،
ولا حكم له إذا كان مكرها عليه، ولا حكم له إذا كان هازلا غير جاد أو
259

غافلا غير ملتفت أو غاضبا غضبا يخرج به عن القصد، أو جاهلا لا
يعلم معنى الكلمة التي قالها، أو سبقه لسانه بما لا يريد.
[المسألة 36:]
الثاني من موانع الإرث القتل، فإذا قتل الانسان أحدا وكان عامدا
في فعله وظالما له، منع القاتل من إرث المقتول، سواء كان ميراثه منه
بالفرض أم بالقرابة أم بالولاء، فلا يرث من تركته ولا من ديته إذا
صالح أولياء القتيل عن حقهم بالدية.
وإذا قتله عامدا وهو غير ظالم له، لم يمنع ذلك من الإرث، ومثال
ذلك أن يقتله قصاصا أو يقتله بحد شرعي يقيمه عليه، أو يقتله دفاعا
عن نفسه أو عن عرضه أو عن ماله، فلا يسقط حقه من الميراث سواء،
ورث التركة كلها أم بعضها.
[المسألة 37:]
إذا قتل الانسان أحدا وكان مخطئا في قتله غير عامد لم يمنعه ذلك
عن إرثه إذا كان من طبقات وارثيه، سواء كان القتل خطأ محضا،
كما إذا حرك البندقية أو المسدس بيده من غير قصد للرمي فانطلقت
الرصاصة وأصابت الرجل وقتلته، وكما إذا سدد الآلة ورمى بها طائرا
أو حيوانا فأصابت رميته الشخص من غير عمد وقتلته، أم كان خطأ
يشبه العمد، كما إذا ضرب الشخص بشئ لا يوجب القتل بحسب
العادة ولم يقصد بضربه قتله، فأصابه وقتله على خلاف العادة وخلاف
القصد فلا يمنعه ذلك من إرثه من التركة، ويشكل الحكم بإرثه من
الدية التي تدفع للقتيل في كلا الفرضين، ولا يترك الاحتياط بالرجوع
إلى المصالحة فيها.
[المسألة 38:]
لا يرث القاتل من القتيل شيئا إذا كان عامدا ظالما، سواء باشر
قتله بنفسه، فرماه بآلة قاتلة أو ضربه بسيف أو خنجر، أم سبب قتله،
فألقاه من جدار أو جبل شاهق أو رماه في بئر عميقة، أو ألقاه إلى سبع
مفترس لا يقدر على التخلص منه، أو أمر مجنونا أو طفلا غير مميز
باطلاق النار عليه، أو سلط عليه سلكا كهربائيا مميتا أو غير ذلك
260

من الأفعال التي يعد بها المسبب قاتلا عامدا في نظر العقلاء.
[المسألة 39:]
إذا أمر الانسان غيره بقتل أحد وكان المأمور عاقلا ومختارا، فقتله
عامدا، فالقاتل هو المباشر للقتل لا الآمر به، وإن كان هذا عاصيا
آثما ويحبس حتى يموت، ولكن ذلك لا يمنعه من إرث القتيل إذا كان
له ما يوجب الإرث منه.
[المسألة 40:]
إذا اشترك شخصان في قتل ثالث فقتلاه عامدين ظالمين منعا من
ميراثه إذا كان لهما ما يوجب الإرث منه، ويرجع إلى كتاب القصاص
في حكم قصاص الولي منهما إذا أراد القصاص منهما أو من أحدهما.
[المسألة 41:]
القتل مانع من الإرث وإن كان القاتل أبا أو أما للمقتول أو ولدا،
فإذ قتل الولد أباه أو أمه عامدا ظالما لم يرث منهما شيئا، وإذا قتل
الأب ولده أو قتلت الأم ولدها كذلك لم يرث القاتل شيئا، وكذلك
الزوجان فإذا قتل الزوج زوجته أو قتلت هي زوجها لم يرث القاتل
من المقتول، وإذا كان القتل خطأ محضا أو خطأ يشبه العمد ورث
القاتل من تركة المقتول ورجع إلى المصالحة في ديته كما ذكرنا في غيرهم
من الورثة إذا قتلوا المورث خطأ في كلتا الصورتين.
[المسألة 42:]
لا يحجب القاتل غيره من الوراث الذين يكونون أبعد منه في الطبقة
أو في المرتبة، فإذا قتل الأب ولده ولم يكن للمقتول ولد ولا أم ولا
حفيد ورثه إخوانه وأخواته وأجداده وإن كان الأب القاتل موجودا
وهو أقرب منهم في طبقة الميراث، وإذا قتل الولد أباه ولم يكن للمقتول
أب ولا أم ولا ولد ورثه أولاد ولده وإن كان القاتل أسبق منهم في
المرتبة، ولا يمنع القاتل من يتقرب به من الإرث فإذا قتل الولد أباه
ورث ولد القاتل جده المقتول إذا لم يكن له وارث أقرب منه ولم تمنعه
جريمة أبيه عن إرثه.
261

وإذا قتل الولد أباه لم يحجب زوجة أبيه عن ربع التركة إذا لم يكن
للأب المقتول ولد غيره، ولم يحجب أبا المقتول عما زاد عن السدس
ولم يحجب أم المقتول عن ذلك إذا لم يكن لها حاجب آخر وهم الإخوة،
وقد سبقت الإشارة منا إلى هذه الفروض في أوائل الكتاب.
[المسألة 43:]
الدية التي تدفع لأولياء القتيل يكون لها حكم تركته، فتقضى منها
ديونه إذا كان مدينا، وتؤدى منها وصاياه ويكون الباقي منها ومن
التركة ميراثا للوارثين بعده، من غير فرق بين أن يكون قتله خطأ محضا
أو خطأ يشبه العمد وقد دفعت الدية من أجل ذلك، وأن يكون قتله
عمدا ثم صالح القاتل أولياء المقتول عن القصاص بالدية أو أخذت
الدية لتعذر القصاص من الجاني بسبب موته أو هربه، وقد ذكرنا
الحكم في المسألة الثانية والستين من كتاب الوصية.
[المسألة 44:]
الدية بحكم مال المقتول كما قلنا، فيرثها ورثته جميعا غير الممنوعين
من الإرث، وقد سبق التردد منا في إرث القاتل منها إذا كان القتل خطأ
محضا أو خطأ يشبه العمد، وإن الأحوط الرجوع إلى المصالحة فيها.
والحكم المذكور شامل للزوج والزوجة، فيرث الباقي منهما من دية
صاحبه المقتول، ويمنع من الإرث إذا كان قاتلا أو مشتركا في القتل
وكان القتل عمدا وظلما، ويرجع إلى المصالحة إذا كان القتل خطأ أو
يشبه العمد.
[المسألة 45:]
يستثني من الحكم بميراث الدية من يتقرب بالأم على القول المشهور،
فلا يرث منها على هذا القول الإخوة ولا الأخوات من الأم ولا أولادهم،
ولا الجد والجدة للأم، ولا الأخوال والخالات، ولكن الظاهر اختصاص
المنع من ذلك بالإخوة والأخوات من الأم كما هو ظاهر النصوص فلا
يعم جميع من يتقرب بالأم.
[المسألة 46:]
إذا قتل الشخص عمدا كان للورثة حق القصاص من القاتل، ولا
262

يرث الزوج ولا الزوجة من حق القصاص شيئا، وإذا وقع التراضي
والصلح بين الورثة والقاتل عن القصاص منه بدفع الدية، ورث
الزوجان نصيبهما من الدية كما تقدم.
[المسألة 47:]
إذا أسقطت الأم جنينها عامدة وجب عليها أن تدفع دية الجنين إلى
أبيه، وإذا كان أبوه ميتا وجب عليها أن تدفع الدية إلى وارث الجنين
من إخوته وأجداده أو أعمامه أو غيرهم، ولا ترث الأم شيئا من ماله
إذا كان له مال ولا من ديته، لأنها قاتلة، وإذا كان مسقط الجنين هو
أبوه وجب عليه أن يدفع الدية لأم الجنين، ولا يرث هو من مال الجنين
ولا من ديته شيئا لأنه قاتل.
ودية الجنين هي عشرون دينارا من الذهب إذا كان نطفة، وأربعون
دينارا إذا كان علقة، وستون دينارا إذا كان مضغة، وثمانون دينارا
إذا كان عظاما، ومائة دينار إذا كان تام الخلقة وقبل أن تلجه الروح،
فإذا تمت خلقته وولجته الروح كانت ديته دية الانسان الحي، والدينار
مثقال شرعي من الذهب، وهو ثلاثة أرباع المثال الصيرفي كما بيناه
في كتاب الزكاة.
[المسألة 48:]
إذا جنى أحد على ميت بعد موته، فقطع رأسه أو يده أو بعض
أعضائه، وجب على الجاني أن يدفع الدية المقررة لتلك الجناية على
الميت، وتفصيلها مذكور في كتاب الديات، ولا يستحق ورثة الميت من
هذه الدية شيئا، بل تصرف في وجوه الخير والبر للميت نفسه.
[المسألة 49:]
الثالث من موانع الإرث: الرق، فلا يرث العبد المملوك ولا يورث،
لا بالفرض ولا بالقرابة ولا بسبب آخر من موجبات الإرث، فلا يرث
قريبه الحر إذا مات وإن اتصل به نسبه اتصالا مباشرا، كما إذا كان
أبا للميت أو ولدا، فضلا عما إذا كان جدا له أو حفيدا أو أخا أو
عما أو خالا من الرجال أو النساء أو أولادهم، ولا يرث الزوج العبد
زوجته الحرة، ولا الزوجة المملوكة زوجها الحر، ولا ينتقل ميراث
263

العبد إلى أحد من أقربائه الأحرار وغير أقربائه وإن قلنا بأن العبد
يملك ما بيده من المال، فإذا مات كان جميع ماله لسيده.
وإذا مات قريبه الحر أو ماتت زوجته الحرة أو مات الزوج الحر
للأمة المملوكة، انتقل ميراث الميت إلى ورثته الأحرار وإن كان العبد
أقرب منهم إلى الميت في النسب أو السبب، ولا يحجبهم العبد عن الميراث
بسبب قرابته.
[المسألة 50:]
لا يحجب العبد وارثا حرا يتقرب إلى الميت بالعبد نفسه، فإذا مات
حر وله ولد مملوك وكان لولده المملوك ولد حر، ورث الميت حفيده
الحر إذا لم يكن له وارث حر أقرب من حفيده ولم يمنعه رق أبيه عن
إرث جده، وإذا مات حر وله أم مملوكة ولأمه المملوكة ولد حر ورث
الميت أخوه لأمه وإن تقرب إلى الميت بأمه المملوكة.
[المسألة 51:]
إذا مات الشخص وله وارث حر ووارث مملوك، ثم أعتق الوارث
المملوك بعد موت المورث، فللمسألة صور، ولكل صورة منها حكمها.
(الصورة الأولى): أن يكون الوارث الحر الذي خلفه الميت من بعده
واحدا لا أكثر، وهو غير الزوجة وغير الإمام (ع) فإذا مات المورث
انتقل ماله إلى وارثه الحر بمجرد موته لعدم الشريك للوارث، فلا يرث
العبد من المال شيئا إذا أعتق بعد ذلك.
(الصورة الثانية): أن يكون الوارث الحر الذي تركه الميت هي
زوجته، فإذا أعتق العبد الوارث بعد موت المورث وقبل قسمة المال بين
الزوجة والإمام (ع) ورثت الزوجة نصيبها وهو الربع إذا لم يكن العبد
الذي أعتق ولدا للميت، وهو الثمن إذا كان العبد ولدا، وورث العبد
المعتق بقية المال ولم يرجع الميراث إلى الإمام، وإذا اعتقد العبد بعد
قسمة المال أو مقارنا معها أخذت الزوجة حصتها وهي الربع سواء كان
العبد ولدا أم لم يكن وكان الباقي للإمام ولم يرث العبد المعتق منه
شيئا.
264

(الصورة الثالثة): أن يكون وارث الميت هو الإمام وحده، فإذا
أعتق العبد كان هو الوارث وانتقل إليه المال ولم يرجع إلى الإمام (ع).
(الصورة الرابعة): أن يكون الوارث الحر الذي خلفه الميت من
بعده متعددا، فإذا أعتق العبد بعد قسمة المال بين الورثة الأحرار أو
مقارنا معها نفذت القسمة وأخذ كل وارث منهم حصته التي عينتها
له القسمة ولم يرث العبد المعتق شيئا وإذا أعتق قبل القسمة اشترك
معهم في الإرث إذا كان مساويا لهم في الطبقة والمرتبة، واختص هو
بالتركة إذا كان سابقا عليهم فلا يرثون معه شيئا.
[المسألة 52:]
إذا مات أحد ولم يكن له أي وارث في جميع الطبقات سوى عبد
مملوك اشتري ذلك المملوك الوارث من مال الميت، وأعتق بعد الشراء
على الأحوط، وإذا زاد من التركة شئ على ثمنه دفع إليه بعد العتق
ميراثا، ولا فرق في وجوب الشراء بين أن يكون العبد الذي انحصر
الوارث به واحدا أو متعددا، ولا يجوز لمالك العبد أن يمتنع عن بيعه
وإذا امتنع عن بيعه قهر على ذلك فيقوم عليه قيمة عادلة وتدفع له
القيمة ويؤخذ منه المملوك ويعتق، ويتولى الحاكم الشرعي ذلك.
[المسألة 53:]
يشكل الحكم بوجوب شراء العبد وعتقه إذا كان للميت ضامن جريرة
ولم يكن له وارث آخر غير العبد المملوك وإن كان الأظهر شمول الحكم
لذلك أيضا فيشترى العبد من تركة الميت ويعتق.
[المسألة 54:]
لا يختص الحكم بوجوب شراء العبد وعتقه وتوريثه بقية المال في
الصورة الآنف ذكرها في المسألتين، بما إذا كان العبد أبا للميت أو أما،
فيشمل كل قريب من أقرباء الميت ينحصر به ميراثه إذا كان مملوكا،
فيشترى من التركة ويعتق، ثم يدفع له باقي التركة ميراثا.
[المسألة 55:]
إذا قصرت تركة الميت فلم تف بقيمة العبد لو أريد شراؤه في الصورة
265

المذكورة لم يجب شراء بعضه وسعيه في الباقي، بل يكون المال ميراثا
للإمام (ع)، ولضامن الجريرة في الصورة التي ألحقناها في المسألة
الثالثة والخمسين.
وكذلك إذا كان العبد الوارث متعددا، وقصر نصيب كل واحد منهم
من التركة عن قيمته، فلا يجب الشراء، ويرجع جميع التركة ميراثا
للإمام (ع)، وإذا وفى نصيب بعضهم بقيمته، وقصر نصيب الآخر
فلم يف بثمنه، جرى في كل واحد منهما حكمه، فيشترى الأول بنصيبه
من التركة ويعتق، ويرجع نصيب الثاني ميراثا للإمام (ع).
[المسألة 56:]
إذا تحرر بعض العبد المملوك فأعتق منه نصفه مثلا أو ربعه ثم مات
أحد أرحامه ورث من تركة الميت بمقدار ما فيه من الحرية، فإذا أعتق
نصفه ورث نصف ما يصيبه من المال لو كان جميعه حرا، وإذا أعتق
ربعه ورث ربع نصيبه، وإذا مات وترك مالا، كان لوارثه الحر من
المال بمقدار حريته نصفا أو ربعا، وكان للمالك منه بمقدار رقيته.
[المسألة 57:]
إذا قذف الرجل زوجته بالزنا ولا عنها لينفي عن نفسه حد القذف
لعانا جامعا للشرائط انفسخ النكاح بينه وبين الزوجة وحرمت عليه
حرمة مؤبدة، فلا ترثه إذا مات قبلها ولا يرثها إذا ماتت هي قبله،
وإن كان الموت قبل انتهاء عدة الانفساخ.
[المسألة 58:]
إذا نفى الرجل الولد عنه، ولاعن امرأته أم الولد لذلك لعانا تام
الشرائط انتفى الولد عن نسبه فلا يرث الرجل الولد ولا يرث الولد
الرجل، ويرث أقرباء الرجل ولا يرثونه، وقد مر ذكر هذا وما
يتعلق به مفصلا في كتاب اللعان، ويأتي التعرض له أيضا في ميراث
ولد الملاعنة.
266

[الفصل الثالث]
[في الحجب]
[المسألة 59:]
الحجب هو أن يمنع الوارث عن جميع نصيبه من الميراث أو عن
بعضه بسبب وجود آخر، والشخص الآخر الذي يحجب الأول قد يكون
وارثا بالفعل للميت، وقد يكون غير وارث، ولكنه من طبقات الوارثين،
وقد يكون واحدا وقد يكون متعددا، فإذا كان المنع عن جميع النصيب
من الميراث سماه العلماء حجب حرمان، وإذا كان عن بعض النصيب
سموه حجب نقصان، فمن أمثلة ذلك منع الأخ والجد أن يرثا من تركة
الميت شيئا إذا وجد له أب أو أم أو ولد، سواء كان الحاجب أو المحجوب
واحدا أم متعددا، ويكون ذلك من حجب الحرمان، ويكون الحاجب
وارثا بالفعل للميت، والأخ والجد المحجوبان غير وارثين بالفعل،
ولكنهما من طبقات الوارثين، ومن أمثلة ذلك منع الأب أو الأم أو منع
كليهما عن أن يرثا من تركة ولدهما ما زاد عن السدس إذا وجد
للميت ولد أو بنت أو أكثر، ولا يمنعان عن جميع الميراث فيكون ذلك
من حجب النقصان، والولد والبنت الحاجبان والأب والأم المحجوبان
كلاهما وارثان بالفعل، ومن أمثلة ذلك حجب الأم عما زاد عن السدس
من تركة ولدها إذا كان له إخوة واجتمعت شروط الحجب الآتي ذكرها
ويكون الباقي للأب ويكون ذلك من حجب النقصان، والأم المحجوبة
وارثة بالفعل، والإخوة الحاجبون لها غير وارثين بالفعل، ولكنهم من
طبقات الوارثين.
[المسألة 60:]
ذكرنا في المسألة الأولى من الكتاب أن طبقات الوارثين من النسب
ثلاث، فالطبقة الأولى هي أبو الميت وأمه وأولاده الذكور والإناث
وذريتهم، والأب والأم هما الصنف الأول من هذه الطبقة، وهما مرتبة
واحدة كذلك فإن أبا الأب أو أبا الأم إنما هو جد وليس أبا، وأم الأب
أو أم الأم إنما هي جدة وليست أما، وهم من الطبقة الثانية وليسوا من
الطبقة الأولى، وأولاد الميت الذكور والإناث وذريتهم هم الصنف الثاني
267

من الطبقة الأولى، ولهذا الصنف مراتب متعددة، فأولاد الميت بغير
واسطة هم المرتبة الأولى من الصنف، وأولاد أولاده من الذكور والإناث
هم المرتبة الثانية منه، وهم أبعد من المرتبة الأولى، وكلما تعددت
الواسطة بينهم وبين الميت تعددت المرتبة وازدادت بعدا على المرتبة
السابقة عليها.
والطبقة الثانية من النسب هم الأجداد والجدات للميت من قبل أبيه
ومن قبل أمه، وهؤلاء هم الصنف الأول من هذه الطبقة، وللصنف
مراتب متعددة فأجداد الميت نفسه وجداته بلا واسطة هم المرتبة الأولى،
وأجداد أبيه وأجداد أمه وجداتهما هم المرتبة الثانية من الصنف، وهم
أبعد من المرتبة الأولى في النسب، وهكذا كلما زادت الوسائط كثرت
المراتب وكانت اللاحقة من المراتب أبعد من سابقتها.
والصنف الثاني من هذه الطبقة هم أخوة الميت وأخواته لأحد أبويه
أو لكليهما وأولادهم وذرياتهم، ولهذا الصنف مراتب متعددة، فالإخوة
هم المرتبة الأولى، وأولاد الإخوة بلا واسطة هم المرتبة الثانية، وأولاد
أولادهم هم المرتبة الثالثة، وتتكثر المراتب بتكثر الوسائط ويكون
اللاحق أبعد من السابق.
والطبقة الثالثة من النسب هم الأعمام والعمات والأخوال والخالات
وأولادهم وذريتهم، وهذه الطبقة كلها صنف واحد بحكم الشارع،
ولهذا الصنف مراتب متعددة، فأعمام الميت نفسه وعماته وأخواله
وخالاته مرتبة واحدة، وأعمام أبي الميت وأمه وعماتهما وأخوالهما
وخالاتهما هي المرتبة الثانية، وهي أبعد من الأولى، وأعمام جده أو
جدته للأب أو للأم وعماتهم، وأخوالهم وخالاتهم هي المرتبة الثالثة
وهي أبعد من الثانية، وهكذا إذا اتفق وجودهم.
ولأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات في كل مرتبة من المراتب
المتصاعدة الآنف ذكرها مراتب متعددة متنازلة على النحو المتقدم في
الواسطة وعدمها وفي القرب والبعد.
268

[المسألة 61:]
لا يرث أحد من الطبقة الثانية في النسب مع وجود واحد من الطبقة
الأولى من أي صنف كان منها وفي أي مرتبة من مراتب الصنف، ويحجبون
مع وجوده عن أصل الإرث حجب حرمان، فلا يرث الأجداد والجدات
قربوا أم بعدوا، ولا الإخوة والأخوات، ولا أولادهم قربوا أم بعدوا،
إذا وجد أب للميت أو أم، أو ولد أو بنت، أو ولد ابن أو ولد بنت،
وإن بعدت مرتبته وتعددت الواسطة بين الميت وبينه، ولا يرث معه
من بعدهم من طبقات النسب أو الولاء، ويحجبون به كذلك حجب
حرمان.
ولا يرث أحد من الطبقة الثالثة في النسب ولا من طبقات الولاء
إذا وجد واحد من الطبقة الثانية، فلا يرث الأعمام والأخوال بجميع
مراتبهم المتصاعدة، ولا أولاد الأعمام والأخوال من أي مرتبة كانوا
منهم، إذا وجد معهم جد جدة قريبة أو بعيدة، أو وجد أخ أو أخت
أو أحد من أولاد الإخوة والأخوات وإن تعددت واسطته، ولا يرث معه
أحد من طبقات الوارثين بالولاء، ويحجبون جميعا معه حجب حرمان.
ولا يرث ضامن الجريرة مع وجود المعتق، ولا يرث الإمام (ع) مع
وجود ضامن الجريرة.
[المسألة 62:]
إذا كان للميت وارثان من طبقة واحدة في النسب ومن صنف واحد
في الطبقة وكان أحد الوارثين أقرب إلى الميت في المرتبة من الآخر، منع
القريب البعيد من الميراث وحجبه حجب حرمان، ولذلك فلا يرث حفيد
الميت وهو ابن ابنه ولا سبطه وهو ابن بنته من التركة شيئا،
إذا وجد معهما ابن للميت أو بنت له، ولا يرث حفيده ولا سبطه
بواسطتين أو بأكثر، إذا وجد له حفيد أو سبط بواسطة واحدة،
وهكذا فيمنع القريب في المرتبة من كان بعيدا فيها، ويحجبه عن
الإرث حجب حرمان.
ولا يرث الجد الأعلى للميت إذا وجد جده أبو أبيه، ولا يرث جد
الجد مع وجود جد الأب، ولا يرث ابن أخي الميت إذا وجد أخ له أو
269

أخت، ولا يرث ابن أخ له بواسطة واحدة أو أكثر مع وجود ابن أخ
أو ابن أخت بلا واسطة، فيمنع الأقرب من هو أبعد منه.
ولا يرث عم أبي الميت ولا عم أمه ولا عمتهما، ولا خالهما ولا
خالتهما إذا وجد عم الميت نفسه أو عمته أو خاله أو خالته، ولا يرث
عم جد الميت أو جدته ولا خالهما مع وجود عم أبيه أو أمه أو خالهما،
لاختلافهم في المرتبة، فالأقرب فيها يمنع الأبعد.
[المسألة 63:]
ذكرنا في المسألة الأولى وفي المسألة التاسعة والخمسين إن الأعمام
والأخوال وأولادهم وذريتهم صنف واحد كما هم طبقة واحدة، ولذلك
فلا يرث ابن العم ولا ابن العمة ولا ابن الخال أو الخالة إذا وجد عم
للميت أو عمة، أو وجد له خال أو خالة، ولا يرث حفيد عمه أو عمته
ولا حفيد خاله أو خالته إذا وجد له ابن عم أو ابن عمة أو ابن خال
أو ابن خالة، وهكذا، فيكون القريب في المرتبة حاجبا للبعيد عن
الميراث.
[المسألة 64:]
وذكرنا إن الأعمام والأخوال وإن كانوا صنفا واحدا فإن لهذا
الصنف الواحد مراتب متعددة متصاعدة بعضها أدنى إلى الميت من بعض،
وقد بيناها في المسألة التاسعة والخمسين، ومن أجل ذلك حجب عم الميت
عم أبيه وخاله عن الميراث إذا وجد معه، وحجب عم أبيه عم جده وخاله
إذا اجتمع معه.
ومن النتائج البينة لذلك أن يكون أولاد عم الميت نفسه وأولاد
خاله وذريتهم المتنازلة في الترتيب تابعين لمرتبة العم أو الخال نفسه،
ومن أجل كون ذريتهم مترتبين حجب القريب منهم البعيد كما ذكرنا
في المسألة المتقدمة، ومن أجل كونهم تابعين للعم أو الخال في مرتبته
يكون أبناء عم الميت وأبناء خاله وإن تعددت وسائطهم مقدمين على
أعمام أبي الميت وأعمام أمه وأخوالهما فيحجبونهم عن الميراث إذا
وجدوا معهم، ويكون أولاد أعمام أبي الميت وأمه وأخوالهما أيضا
تابعين لآبائهم في المرتبة كما قلنا في أولاد عم الميت وخاله، فيمنع عم
270

أبي الميت وخاله وعم أم الميت وخالها أولادهم من الميراث إذا وجدوا
معهم، ويمنع القريب من ذريتهم البعيد لتعدد الواسطة، وتكون هذه
الذرية مقدمة على عم جد الميت وخاله وعلى عم جدته وخالها وذريتهم
وحاجبة لهم عن الإرث، وتكون ذرية عم الجد أو الجدة وذرية خالهما
تابعة لهذا العم أو الخال الذي تناسلت منه ومقدمة في الرتبة على من
بعدهم، وهكذا.
[المسألة 65:]
يرث الزوج والزوجة نصيبهما مع جميع طبقات النسب ومع جميع
طبقات الولاء، ولا يحجبهما وجود أي وارث عن الإرث حجب حرمان،
ويحجبهما الولد عن النصيب الأعلى إذا كان للميت منهما ولد حجب
نقصان، فإذا ماتت الزوجة ولم يكن لها ولد ورث زوجها نصف التركة،
وإن كان لها ولد ورث الربع منها، وإذا مات الزوج ولم يكن له ولد
ورثت زوجته ربع تركته، وإن كان له ولد ورثت الثمن، وقد ذكرنا
هذا الحكم مرارا.
[المسألة 66:]
إذا اجتمع وارثان من طبقة واحدة وكانا من صنفين متعددين لم
يمنع الأقرب منهما البعيد عن الإرث فلا يحجب الأب ولا الأم ولد الولد
ولا بنته عن الإرث إذا وجدا معهما وإن تعددت الواسطة بينهما وبين
الميت، لأنهما من صنفين ولا يحجب الأب ولا الأم ولد بنت الميت ولا
بنتها إذا اجتمعا معهما، ولا يحجب الجد القريب للميت ولد أخي
الميت ولا ولد أخته إذا اجتمع معهما وإن تعددت وسائطه وبعدت
مرتبته، ولا يحجب الأخ الجد الأعلى وإن بعدت مرتبته كذلك لأنهما
من صنفين.
[المسألة 67:]
إذا اجتمع وارثان من طبقة واحدة في النسب، ومن صنف واحد
ومرتبة واحدة، وكان أحد الوارثين يتقرب إلى الميت بكلا الأبوين والثاني
يتقرب إليه بالأب وحده كان المتقرب بالأبوين حاجبا للمتقرب بالأب
عن ميراثه، فإذا ترك الميت أخا أو أختا لأبيه خاصة أو ترك إخوة
271

متعددين كذلك، ووجد لخ أخ شقيق أو أخت شقيقة أو إخوة أشقاء
متعددون كان الميراث للأشقاء خاصة ولم يرث الإخوة الآخرون شيئا
وحجبوا عن الميراث حجب حرمان، ولا يحجب المتقرب للميت بالأبوين
أخاه الذي يتقرب إليه بالأم وحدها عن ميراثه، وإذا كان للميت ابن
أخ أو ابن أخت لأبيه خاصة واحدا أو متعددا، ووجد معهم ابن أخ
شقيق أو ابن أخت شقيقة أو أكثر من ذلك اختص المتقربون بالأبوين
بالإرث ومنع الآخرون منه، وإذا كان للميت أخ أو إخوة لأب وابن
أخ شقيق كان الميراث للإخوة من الأب لأنهم أقرب إلى الميت مرتبة ولم
يرث ابن الأخ الشقيق شيئا.
[المسألة 68:]
إذا كان للميت عم أو عمة أو أكثر يتقربون إليه بالأب فهم إخوان
أبي الميت لأبيه خاصة، ووجد معهم عم للميت يتصل به بالأب والأم
معا، فميراثه لعمه شقيق أبيه ولا يرث معه أعمام الميت وعماته
الآخرون، وكذلك الحكم إذا كانت شقيقة أبيه أنثى أو كان العم
الشقيق متعددا ذكورا وإناثا فيحجبون أعمامه غير الأشقاء، ولا يحجب
بهم أعمامه إخوة أبيه للأم خاصة، فيرثون نصيبهم من التركة.
وإذا كان للميت خال أو خالة أو أخوال يتقربون إليه بالأب، فهم
إخوة أم الميت لأبيها، ووجد معهم خال أو أكثر أشقاء لأمه من الذكور
أو الإناث فميراثه لأخواله أشقاء أمه ويمنع الآخرون، ولا يحجب بهم
إخوان الأم لأمها.
[المسألة 69:]
إذا كان للميت ابن عم شقيق لأبيه أو ابن عمة شقيقة لأبيه ووجد
معه ابن عم يتقرب إليه بالأب خاصة فميراثه كله لابن العم الذي يتصل
به بالأبوين سواء كان واحدا أم أكثر وذكرا أم أنثى، ويحجب به
أولاد عمه الذين يتصلون به بالأب خاصة.
وإذا كان له ابن خال شقيق لأمه أو ابن خالة شقيقة لها، وكان معه
ابن خال أخ لأمه من أبيها فالميراث كله لابن الخال أو الخالة الذي يتصل
272

به بالأبوين سواء كان واحدا أم متعددا وذكرا أم أنثى ويحجب به
الآخرون.
ولا يحجب أولاد العم شقيق الأب الخال غير الشقيق للأم عن الميراث
ولا يحجبون ابن الخال غير الشقيق، ولا يحجب أولاد الخال شقيق الأم
العم غير الشقيق للأب ولا ابن العم غير الشقيق كذلك، بل يكون الخال
هو الحاجب لولد العم عن الميراث في الفرض الأول لأنه أقرب منه في
المرتبة، ويكون العم هو الحاجب لولد الخال في الفرض الثاني لأنه
أقرب منه.
[المسألة 70:]
تقدم منا أن أبا الميت وأمه متى اجتمعا مع ابن للميت أو بنت أو
أكثر من ولد واحد حجبهما ولد الميت أن يرثا من التركة أزيد من
السدس لكل واحد منهما، وتستثنى من عموم هذا الحكم خمسة موارد.
الأول: أن يموت الانسان ويترك من بعده أبا وبنتا واحدة،
فيكون للأب سدس التركة بالفرض، ويكون للبنت الواحدة نصف
التركة كذلك، فتكون التركة زائدة على سهمي الأب والبنت بسدسين،
والحكم في هذا الزائد أن يقسم على الأب والبنت أرباعا، ونتيجة ذلك
أن يرث الأب بالفرض والرد ربع التركة وترث البنت ثلاثة أرباعها
ولا يكون الأب محجوبا عما زاد على السدس في هذا المورد.
الثاني: أن يجري نظير ذلك مع الأم، فيترك الميت أما وبنتا واحدة،
ويكون التوريث في هذا المورد على نهج ما سبق في المورد الأول، فترث
الأم ربع التركة بالفرض والرد وترث البنت ثلاثة أرباعها ولا تكون
الأم محجوبة بالبنت كما سبق في الأب.
الثالث: أن يموت الشخص ويترك من بعده أبا وأما وبنتا واحدة
فيكون لكل واحد من الأبوين سدس التركة، وللبنت نصفها وهو ثلاثة
أسداس، وتزيد التركة على السهام بسدس واحد، والحكم في الزائد
أن يقسم على الأبوين والبنت أخماسا، ونتيجة ذلك أن ترث البنت
ثلاثة أخماس التركة، وأن يرث كل واحد من الأبوين خمسا منها ولا
يكونا محجوبين عما زاد على السدس.
273

الرابع: أن يموت الميت ويخلف من بعده أبا وبنتين أو عدة بنات، فيكون
نصيب الأب سدس التركة بالفرض ويكون نصيب البنتين أو البنات
ثلثي التركة، وتزيد التركة على الفرضين بسدس، والحكم أن يقسم
السدس الزائد على الأب والبنات أخماسا، ويكون ميراث الأب خمس
التركة ويكون للبنات أربعة أخماسها، ولا تكون البنات حاجبات للأب
عما زاد على السدس.
الخامس: أن يجري مثل ذلك مع الأم، فيخلف الميت أما وبنتين أو
بنات، وتكون قسمة الميراث بينهن هي القسمة في المورد السابق، فإذا
رد السدس الزائد على الأم والبنات أخماسا ورثت الأم الخمس من
التركة وورثت البنات أربعة أخماسها ولا تكون الأم محجوبة بالبنات
عما زاد على السدس.
[المسألة 71:]
إذا مات الولد وخلف من بعده أبا وأما، وكان له إخوة، ورثت الأم
من ولدها الميت سدس تركته، وحجبها إخوة الميت أن ترث ما زاد على
السدس منها، وورث الأب باقي التركة وهو خمسة أسداسها، ولا
يحجب الإخوة أم الميت عن ذلك حتى تجتمع خمسة شروط:
الأول: أن يكونوا أخوين ذكرين فصاعدا، أو يكونوا أخا واحدا
ذكرا وأختين، أو أربع أخوات فأكثر، فلا يحجب الأم أخ ذكر واحد،
أو أخت وأخت، أو ثلاث أخوات، ولا يمنعهم من الحجب أن يكونوا
أطفالا صغارا أو يكونوا منفصلين عن عائلة أبيهم في حال التوريث.
الثاني: أن يكونوا إخوة للميت لأبيه وأمه أو لأبيه، فلا يحجبون
الأم إذا كانوا إخوته من أمه أو كان بعضهم لأبيه وبعضهم لأمه بحيث
لا يبلغ الإخوة للأبوين أو للأب خاصة العدد المعتبر في الحجب.
الثالث: أن يكونوا مسلمين أو بحكم المسلمين وأن يكونوا أحرارا،
فلا يحجبون الأم إذا كانوا كفارا أو مرتدين أو كانوا مملوكين، أو
كان بعضهم كذلك بحيث كان المسلمون الأحرار منهم لا يبلغون العدد
المعتبر في الحجب، ويشكل الحكم باشتراط كونهم غير قاتلين للميت
الموروث.
274

الرابع: أن يكون الأب موجودا حال التوريث، فلا يحجبون الأم
إذا كان الأب ميتا في تلك الحال ولا يضر بالحجب أن يموت بعد ذلك،
ويشترط أيضا أن يكون الأب وارثا فلا تحجب الأم إذا كان الأب غير
وارث لولده لكفر أو قتل أو عبودية.
الخامس: أن يكون الإخوة مولودين في حال التوريث فلا يحجبون
الأم إذا كانوا حملا لم يولدوا أو كان بعضهم حملا لم يولد.
[الفصل الرابع]
[إذا زادت التركة على الفريضة أو زادت الفريضة على التركة]
[المسألة 72:]
التركة هي كل ما يخلفه الانسان بعد موته من أموال مملوكة له،
منقولة وغير منقولة وأعيان ومنافع وحقوق قابلة للانتقال، ومنها
الأعيان التي ملكها في حياته وإن تأخر قبضها إلى ما بعد موته، سواء
كانت مشخصة أم كلية، والديون التي تكون له في ذمم الآخرين، وديته
إذا قتل خطأ أو عمدا يشبه الخطأ، ودية الجنايات عليه إذا
لم يدفعها الجاني إلا بعد موته، ودية قتله عمدا إذا صالح أولياؤه
قاتله عن حقهم بدفع الدية، وقد ذكرنا هذا في المسألة السادسة والخمسين
والمسألة الثانية والستين من كتاب الوصية، وفصلنا القول في الدرية وما
يتعلق بتوريثها في المسألة الثالثة والأربعين وما بعدها من مسائل كتاب
الميراث فلتلاحظ.
وكلمة الفريضة حين ما يطلقها الفقهاء في هذا الباب يراد منها السهم
المقدر في كتاب الله للوارث الواحد حين ينفرد بالميراث أو مجموعة السهام
المقدرة في الكتاب للورثة حين يجتمعون في الإرث.
فإذا مات الميت وترك من بعده بنتا واحدة أو أختا واحدة لأبويه
كليهما أو لأبيه وحده، فالنصف المقدر للبنت أو الأخت هو الفريضة
في التركة، وإذا مات الميت وترك من بعده أبوين وبنتين، فالسدس
الواحد للأب، والسدس الآخر للأم، والثلثان للبنتين، ومجموعة هذه
275

السهام المقدرة لهم في الكتاب الكريم هي الفريضة المعينة في المورد،
وهكذا في ما يشابههما من الفروض.
[المسألة 73:]
إذا كان الوارث المنفرد أو الورثة المجتمعون للميت ذوي سهام مقدرة
في الكتاب، فقد تكون السهام المقدرة لهم مساوية للتركة التي خلفها
الميت، فلا تزيد الفريضة على التركة ولا تزيد التركة على السهام ومن
أمثلة ذلك الفرض الأخير الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، فإذا ترك
الميت أبوين وبنتين، ورث كل واحد من الأبوين سدسا من التركة،
وورثت البنتان الثلثين، ومجموعة سهامهم تحيط بالتركة، فلا تزيد
التركة ولا تزيد الفريضة، فيأخذ كل وارث منهم حقه ولا خلاف في
ذلك.
وقد تزيد التركة على الفريضة، ومن أمثلة ذلك الفرض الأول
الذي ذكرناه في المسألة السابقة، فإذا ترك الميت بنتا واحدة ولم يخلف
سواها من الوارثين في الطبقة الأولى من النسب، أو ترك أختا واحدة
ولم يخلف سواها من الوارثين في الطبقة الثانية، ورثت البنت أو الأخت
نصف التركة، وزادت التركة على الفريضة بنصفها الآخر، وهذه هي
مسألة التعصيب، والخلاف فيها معروف بين الإمامية وغيرهم وسيأتي
بيان الحكم فيها عندنا إن شاء الله تعالى.
وقد تزيد الفريضة على التركة، ومن أمثلة ذلك أن تموت امرأة
وتخلف من بعدها زوجا وأختين للأبوين أو للأب خاصة، فيكون للزوج
نصف التركة، وللأختين الثلثان، والتركة لا تفي بذلك، ومن أمثلته
أن تموت الزوجة، وتخلف من بعدها أبوين وزوجا وبنتين، فيكون
لكل واحد من الأبوين سدس التركة وللبنتين الثلثان وللزوج الربع،
والتركة لا تفي بذلك، وهذه هي مسألة العول، والخلاف فيها معلوم
كذلك بين الإمامية وغيرهم، وسنذكر تفصيل الحكم عندنا.
[المسألة 74:]
لا يرث القريب مع وجود من هو أقرب إلى الميت منه في طبقات النسب،
ولا يرث القريب مع وجود من هو أقرب إلى الميت منه في المرتبة إذا كانا
276

من صنف واحد وطبقة واحدة، ولا يرث المتقرب بالأب وحده مع وجود
من يتقرب إلى الميت بالأبوين كليهما، وإن كان صنفهما واحدا ومرتبتهما
في الصنف واحدة، وقد ثبت جميع هذا بالقواعد المعلومة من المذهب
وبالأدلة المقطوع بثبوتها من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وقد
ذكرنا هذا في الفصول المتقدمة، ونتيجة لذلك فيكون ذلك القريب
ممنوعا ومحجوبا بالوارث الأقرب منه عن الإرث من التركة وما زاد
منها على السهام، من غير فرق بين الذكر والأنثى والمتقرب إلى الميت
بالرجال أو بالنساء، ويختص ميراث جميع التركة بالأقرب، سواء
انفرد أم تعدد، فإذا كان واحدا أخذ مقدار سهمه من التركة بالفرض،
وأخذ الزائد عن سهمه من التركة بالرد لانحصار الميراث به، وإذا كان
متعددا أخذ كل وارث منهم فرضه المعين له في الميراث، ثم قسم الزائد
من التركة على الوارثين بنسبة سهم الوارث منهم إلى مجموع السهام،
فإذا كان سهمه ربع مجموعة السهام أخذ ربع الزائد وإذا كان خمسها
أخذ خمس الزائد وإذا كان أكثر من ذلك أخذ بنسبته، وسيتضح ذلك
بذكر بعض أمثلته.
[المسألة 75:]
إذا ترك الميت بنتا واحدة ولم يترك غيرها من أفراد الطبقة الأولى
الذين يشتركون معها في الميراث، استحقت نصف التركة بالفرض كما
ذكرنا ذلك مرارا، ثم رد النصف الآخر من التركة عليها، لاختصاص
الإرث بها، ولا ينتقل إلى غيرها، وإن كان للميت أولاد ولد، أو إخوة
أو أجداد أو أعمام أو غيرهم من الذكور أو ممن يتقرب إلى الميت
بالذكور، وكذلك الحكم إذا خلف الميت أختا واحدة للأبوين أو للأب،
ولم يترك سواها ممن يشترك معها في الميراث فترث الأخت النصف
بالفرض وترث النصف الآخر بالرد، ولا يستحق أقرباء الميت الآخرون
من الزائد شيئا لأنهم محجوبون بالأخت وهي الوارث الأقرب.
وإذا ترك الميت بنتين فصاعدا أو ترك أختين للأبوين أو للأب
فصاعدا، كان للبنات أو الأخوات الثلثان بالفرض ثم رد الثلث الباقي
277

عليهن كما تقدم ولم ينتقل إلى العصبة منه شئ لأنهم محجوبون بالبنات
أو الأخوات.
[المسألة 76:]
إذا ترك الشخص بعد موته أبا وبنتا واحدة ولا غيرهما، أخذ الأب
سدس التركة وأخذت البنت نصف التركة، ثم قسم الزائد من التركة
وهو السدسان على الأب والبنت بنسبة سهامهما ومجموع السهام هو
أربعة أسداس فيكون للأب ربع الزائد لأن سهمه وهو السدس ربع
السهام وللبنت ثلاثة أرباعه.
وكذلك الحكم إذا مات الشخص وله أم وبنت، فيكون التقسيم هو
التقسيم في الفرض السابق والنسبة هي النسبة فتأخذ الأم ربع التركة
وتأخذ البنت ثلاثة أرباعها.
[المسألة 77:]
إذا مات الميت وخلف بعده بنتين وأحد الأبوين استحق الأب الموجود
منهما سدسا، واستحقت البنتان الثلثين فيكون مجموع سهامهم خمسة
أسداس ويقسم الزائد وهو سدس التركة على الأب والبنتين بنسبة
سهامهم أخماسا.
[المسألة 78:]
دلت بعض الصحاح والحسان بفحواها على أن الإخوة أو الأخوات
من الأم لا يزادون في الميراث ولا ينقصون والمقصود من ذلك أن الإخوة
من الأم لا يرد عليهم من التركة إذا زادت على الفريضة ليكون ذلك زيادة
لهم في ميراثهم ولا يدخل عليهم النقص إذا قصرت التركة فلم تف بالسهام
المفروضة بل يأخذون سهمهم كاملا، وقد عمل الأصحاب بذلك وادعي
عليه الاجماع ولم يخالف فيه إلا قليل من القدماء، ويستثنى من ذلك ما
إذا انفرد الإخوة من الأم بالميراث فإنهم يرثون جميع المال بالفرض
والرد وسيأتي ذكره إن شاء الله.
ونتيجة لما ذكرناه فإذا مات الميت وترك من بعده أختا للأبوين، وأخا
واحدا أو أختا من الأم، كان لأخته من أبويه نصف المال بالفرض،
278

وكان لأخيه أو أخته من أمه السدس بالفرض، ورد الزائد من التركة
عن السهمين، وهو السدسان على الأخت من الأبوين وحدها، ولا يرد
على الأخ أو الأخت من الأم شئ.
وكذلك إذا ترك الميت أختا واحدة لأبيه وأخا واحدا أو أختا واحدة
لأمه، فيجري الحكم المذكور بعينه وتختص الأخت للأب بالرد.
ونظيره ما إذا خلف الميت أختا واحدة للأبوين أو للأب وحده وخلف
معها اثنين أو أكثر من الإخوة أو الأخوات للأم، فترث الأخت الواحدة
للأبوين أو الأب نصف التركة ويرث الإخوة من الأم الثلث يشتركون
فيه على السواء، ويرد ما زاد من التركة وهو السدس على الأخت للأبوين
أو الأب وحدها، ونظيره أيضا ما إذا خلف أختين لأبويه أو أختين لأبيه
وحده وخلف معهما أختا واحدة أو أخا واحدا لأمه، فيكون لأختيه
الشقيقتين أو أختيه لأبيه الثلثان من المال، ويكون للأخت أو للأخ من
الأم السدس ويرد السدس الباقي من التركة على الأختين الأوليين خاصة.
[المسألة 79:]
إذا مات الرجل وله ابن أخت شقيقة، وابن أخ أو أخت لأمه، ولا
وارث له سواهما، ورث ابن أخته الشقيقة نصيب أمه من التركة لو
كانت هي الوارثة، ونصيبها هو النصف، وورث ابن أخيه أو أخته
للأم نصيب من يتقرب به وهو السدس، ثم رد الباقي من التركة وهو
السدسان على ابن الأخت الشقيقة وحده، ولا يرد على ابن الأخ أو
الأخت من الأم شئ، وكذلك الحكم إذا كان الوارث الأول ابن أخته
لأبيه فيكون الرد عليه خاصة.
[المسألة 80:]
لا يرد على الزوج ولا على الزوجة شئ من فاضل التركة إذا زادت
على السهام، فإذا ماتت الزوجة وخلفت زوجا وبنتا واحدة، استحق
الزوج ربع التركة، وأخذت البنت نصفها، ورد الزائد من التركة
وهو الربع على البنت وحدها ولم يستحق الزوج منه شيئا، وإذا ماتت
الزوجة وتركت زوجا وأبا أو أما، وبنتا واحدة، أخذ الزوج ربع
المال وأخذ الأب أو الأم سدسه، وأخذت البنت النصف، ثم رد الزائد
279

من المال وهو نصف السدس على الأب الموجود والبنت أرباعا، فيكون
للأب أو الأم الربع منه، وللبنت ثلاثة أرباعه ولا يرد على الزوج.
[المسألة 81:]
إذا مات الرجل وخلف من بعده أختا واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة
وزوجة، أخذت الأخت نصف التركة بالفرض، وأخذت الزوجة الربع،
ورد الربع الفاضل من المال على الأخت وحدها دون الزوجة، وإذا مات
وترك بنتا وزوجة، أخذت الزوجة ثمنها خاصة، وورثت البنت نصف
التركة بالفرض، وأخذت الزائد عليه بالرد، وإذا مات وترك بعده
زوجة وابنتين، أخذت الزوجة ثمن التركة وورثت البنتان ثلثي التركة
بالفرض وأخذتا الباقي بالرد.
[المسألة 82:]
إذا مات الزوج وترك زوجته ولا وارث له سواها غير إمام المسلمين
(ع) ورثت الزوجة ربع التركة خاصة وكان الباقي ميراثا للإمام على
الأقوى.
[المسألة 83:]
إذا ماتت المرأة وكان وارثها هو زوجها وحده، استحق الزوج
نصف المال بالفرض، ثم رد الباقي عليه ولم يرث إمام المسلمين منه
شيئا.
[المسألة 84:]
العول هو أن تزيد الفروض المقدرة في الكتاب الكريم للورثة
الموجودين للميت على التركة فلا تكون وافية بها في ظاهر الأمر.
فلا تعول الفريضة إذا كان الوارث واحدا، فإنه يأخذ جميع المال
بالقرابة أو بالولاء إذا لم يكن له فرض معين، وهو يأخذ السهم المعين
له إذا كان صاحب فرض ثم يأخذ بقية المال بالقرابة، لانحصار الإرث
به، ولا ينظر إلى من هو أبعد منه لأنه محجوب عن الإرث لوجود من
هو أقرب.
ولا تعول الفريضة إذا كان الورثة متعددين وكانوا جميعا ممن يرث
بالقرابة، فإن لكل واحد منهم قسطه الذي تحدده له الشريعة بمقتضى
280

قرابته وهم يقتسمون المال الموجود بينهم حسب ما تحدده الشريعة من
النصب وكيفية الاقتسام وسيأتي تفصيله.
ولا تعول الفريضة إذا كان الورثة متعددين وكان بعضهم ممن يرث
بالفرض وبعضهم ممن يرث بالقرابة، فصاحب الفرض يأخذ فرضه
المعين له من غير نقص ويرث من لا فرض له بقية المال حسب ما يأتي
بيانه.
[المسألة 85:]
إذا تعدد ورثة الميت وكان جميعهم من أصحاب الفروض، وزادت
فروضهم المقدرة لهم في كتاب الله على التركة عالت الفريضة بحسب
ظاهر الأمر، وقد تواترت النصوص عن أئمة الهدى من أهل البيت (ع)
بأن وقوع ذلك من المحال، فالله العليم العظيم الذي أحصى كل شئ
عددا وجعل لكل شئ قدرا، لا يمكن مطلقا أن يشرع حكما يجتمع
فيه نصف وثلثان من تركة واحدة، كما إذا ماتت المرأة وتركت زوجا
وأختين للأبوين أو للأب وحده، أو يجتمع فيه نصف وثلثان وثلث من
تركة، كما إذا تركت المرأة الميتة زوجا وأختين للأبوين، وإخوة
متعددين لأم، أو يجتمع فيه ربع وثلثان وسدسان من مال واحد، كما
إذا ماتت المرأة وخلفت زوجا وبنتين وأبوين، أو غير ذلك من النتائج
الممتنعة على العليم الحكيم ليحتاج المسلم إلى أن يدخل النقص في الأمثلة
المذكورة وشبهها على جميع الورثة.
وقول أهل البيت (ع) في ذلك هو أن القرائن المقطوع بثبوتها في
الآيات الكريمة دالة على تعيين من قدم من الورثة ومن أخر منهم، فقد
نصب الآية على أن للزوج مثلا فرضين مقدرين، فله نصف التركة إذا
ماتت زوجته ولم يكن لها ولد وله الربع إذا ماتت وكان لها ولد، والمعنى
الصريح لذلك أن الزوج لا يقل نصيبه أبدا عن النصف في المورد
الأول، ولا ينقص عن الربع في المورد الثاني، فلا يدخل عليه نقص
في الموارد التي يتوهم فيها عول الفريضة، وكذلك القرينة في ميراث
الزوجة، فلها الربع كاملا إذا مات عنها الزوج وليس له ولد، ولها
الثمن تاما إذا مات الزوج وله ولد، فلا ينقص نصيبها عن ذلك أبدا.
281

ودلت الآية كذلك على أن للأم فرضين معينين، فلها الثلث من تركة
ابنها إذا مات عنها وليس له ولد ولم يكن لها حاجب من الإخوة، ولها
السدس من التركة إذا مات عنها وله ولد أو كان له إخوة يحجبونها،
ومعنى ذلك أن الأم لا يقل نصيبها عن الثلث في مورده ولا عن السدس
في مورده، حتى إذا زادت السهام عن التركة وتوهم العول فيها.
ودلت الآية أيضا على أن الأب يرث ابنه بالقرابة إذا مات ولم يكن
له ولد، فليس له فرض محدد في هذه الصورة، وإذا مات ابنه وكان
له ولد فللأب سدس تركته، والمعنى الصريح كما في نظائره التي ذكرناها
أن الأب لا ينقص عن السدس أبدا في هذا المورد ولا يؤثر على نصيبه
عول الفريضة.
ودلت الآية على أن للأخ أو الأخت من الأم إذا كان واحدا سدس
تركة الميت فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، والمعنى
الصريح من ذلك أن الإخوة من الأم لا ينقصون عن ذلك في جميع الموارد،
وهذه هي الفروض التي قدمها الله في كتابه فيجب تقديمها في الميراث
إذا زادت السهام على التركة، وبقيت الفروض الأخرى التي ذكرت في
الكتاب الكريم ولم تدل القرائن على عدم نقصها في مورد، وهي النصف
للبنت الواحدة أو الأخت الواحدة للأب أو الأبوين والثلثان للبنتين أو
البنات، والأختين أو الأخوات إذا كن للأبوين أو للأب خاصة، فهي
وحدها التي يدخل على أهلها النقص إذا زادت السهام.
[المسألة 86:]
إذا ماتت المرأة وتركت بعد موتها أبا وأما وزوجا وابنتين، والسهام
المقدرة في هذا الفرض هي السدسان، والربع والثلثان، فللأب سدس
التركة، وللأم سدسها الآخر وللزوج ربعها، وللبنتين أو البنات
ثلثاها، والتركة لا تفي بذلك، والنقص لا يدخل على الأب ولا على
الأم، ولا على الزوج لما تقدم بيانه في المسألة الماضية، فيأخذ هؤلاء
سهامهم من التركة كاملة ويكون النقص على البنات خاصة فيرثن ما
بقي من التركة.
282

ونظيره ما إذا ماتت المرأة وتركت أحد الأبوين وزوجا وابنتين أو
أكثر، فإن للأب أو الأم سدس التركة، وللزوج ربعها وللبنات ثلثيها،
والتركة لا تفي بذلك، بل تزيد السهام عليها بنصف سدس، ويكون
النقص على البنات فيرثن الباقي من التركة.
ومثله ما إذا ماتت المرأة وتركت أبا وأما وزوجا وبنتا واحدة،
فإن التركة لا تفي بأن يؤخذ منها الثلث وهو نصيب أبوي المرأة الميتة
والربع وهو فرض زوجها والنصف وهو حصة بنتها، وتزيد سهام
الورثة على التركة بنصف سدس، فيدخل النقص على البنت وحدها
لما تقدم ذكره.
[المسألة 87:]
إذا ماتت المرأة وخلفت زوجا وأختين للأبوين أو للأب خاصة،
فللزوج النصف، وللأخوات الثلثان فتزيد السهام على الفريضة بسدس،
ويدخل النقص على الأخوات فيرثن ما بقي من التركة بعد نصف الزوج.
[المسألة 88:]
إذا ماتت المرأة وتركت بعدها زوجا، وأخوة لأمها وأخوات لأبويها
فيرث الزوج نصف التركة كاملا ويرث كلالة الأم نصيبهم كاملا أيضا،
فإن كان لها أخ واحد للأم أو أخت واحدة فلا السدس وإن كان الإخوة
من الأم أكثر من واحد ورثوا الثلث يقتسمونه بينهم بالسوية وكان
الباقي للأخوات من أبويها، وكذلك إذا مات الرجل وترك زوجة وإخوة
لأمه وأخوات لأبويه، فتأخذ الزوجة ربعها ويرث الإخوة من الأم ثلثهم
ويكون النقص على الأخوات للأبوين فيرثن ما بقي.
[الفصل الخامس]
[في ميراث الآباء والأولاد]
[المسألة 89:]
يراد بالآباء هنا: أبا الميت وأمه بلا واسطة فلا تعم أبا الأب وأبا
الأم، ولا أم الأب وأم الأم فإنهم أجداد وهم من الطبقة الثانية في
النسب، ويراد بالأولاد: أبناء الميت لصلبه من الذكور والإناث، ثم
283

أولاد ولده من الذكور والإناث مرتبة بعد مرتبة مهما تناسلوا وتعددت
وسائطهم، وجميعهم من الطبقة الأولى في النسب، وقد تقدم ذكر ذلك.
[المسألة 90:]
إذا مات شخص وترك أباه وحده ولم يخلف معه أحدا يشترك معه
في الميراث ورث الأب جميع مال الميت بالقرابة، وإذا مات وترك أمه
وحدها ولم يخلف معها سواها، ورثت الأم ثلث تركة الميت بالفرض،
وورثت بقية ماله بالقرابة، لانحصار الوارث بها، ولا يستحق العصبة
المتأخرون عنها في الطبقة شيئا فإن الأقرب يمنع الأبعد.
[المسألة 91:]
إذا مات الابن أو البنت وترك أباه وأمه ولا وارث له غيرهما، فإن
لم يكن للميت إخوة يحجبون الأم ورثت الأم الثلث من تركة الميت
بالفرض، وورث الأب بقية المال بالقرابة، وإن كان للميت إخوة
واجتمعت شروط الحجب، ورثت الأم سدس التركة فحسب وحجبت
عن الزائد، وكان الباقي كله للأب ولم يرث الإخوة منه شيئا، وقد
ذكرنا شروط الحجب في المسألة الحادية والسبعين.
[المسألة 92:]
إذا ماتت امرأة وتركت أباها وزوجها ورث الزوج نصف تركتها
بالفرض، وورث الأب بقية المال بالقرابة، وكذلك الحكم إذا تركت
الميتة أمها وزوجها، فللزوج نصف المال بالفرض، وللأم ثلث المال
بالفرض، ويرد الزائد من التركة عليها بالقرابة.
[المسألة 93:]
إذا ماتت امرأة وتركت أباها وأمها وزوجها، أخذ الزوج نصف
المال، وأخذت الأم ثلث المال إذا لم يكن للميت إخوة، وأخذت السدس
فحسب إذا كان له إخوة حاجبون، وورث الأب الباقي من المال في كلتا
الصورتين.
[المسألة 94:]
إذا مات الرجل وخلف أباه وزوجته ولا غيرهما، ورثت الزوجة
284

ربع التركة بالفرض وكان الباقي للأب بالقرابة، وكذلك الحكم إذا
خلف الرجل أمه وزوجته، فترث الزوجة الربع وترث الأم الثلث
بالفرض ويرد عليها الباقي بالقرابة.
[المسألة 95:]
إذا مات الزوج وترك أبا وأما وزوجة، كان ربع المال للزوجة،
وورثت الأم ثلث المال إذا لم يكن لها حاجب من الإخوة وورثت السدس
خاصة إذا وجد الحاجب، وورث الأب بقية المال في الصورتين.
[المسألة 96:]
إذا مات رجل أو امرأة وخلف الميت ولدا ذكرا لصلبه ولا وارث له
غيره، ورث الولد جميع التركة بالقرابة، وإذا مات وخلف بنتا واحدة
كذلك، ورثت البنت نصف المال بالفرض، ورد باقي المال عليها
بالقرابة ولم يستحق العصبة شيئا، وإذا خلف بنتين أو أكثر وليس
له معهن ولد ولا وارث آخر، ورثت البنات ثلثي المال بالفرض ثم رد
الثلث الزائد عليهن بالقرابة واقتسمن الجميع بينهن بالسواء.
[المسألة 97:]
إذا مات الميت وترك بعده ولدين ذكرين أو أولادا ذكورا لصلبه
وليس معهم سواهم كانت التركة جميعا لهم واقتسموها بينهم بالسواء،
وإذا خلف بنين ذكورا وبنات ورثوا جميع التركة بالقرابة واقتسموها
بينهم بالتفاضل فللذكر مثل حظ الأنثيين.
[المسألة 98:]
إذا مات أحد وخلف أبا أو أما وولدا ذكرا واحدا لصلبه، كان للأب
أو الأم سدس التركة، وكان للولد باقي التركة وهو خمسة أسداسها،
وإذا مات وترك أبا أو أما وبنتا واحدة لصلبه، ورث الأب أو الأم
سدس التركة بالفرض، وكان للبنت الواحدة نصف التركة بالفرض
كذلك، ثم قسم الباقي من التركة وهو السدسان على البنت والأب
الوارث أرباعا، فله الربع منه وللبنت ثلاثة أرباعه، وإذا مات وترك
أبويه كليهما وبنتا واحدة كان لكل واحد من أبيه وأمه سدس من المال
بالفرض، وكان للبنت النصف بالفرض كذلك وقسم الباقي وهو السدس
285

على البنت والأبوين أخماسا فلكل من الأبوين خمس واحد منه وللبنت
ثلاثة أخماسه.
[المسألة 99:]
إذا مات أحد وخلف من بعده أبا أو أما، وبنتين أو عدة بنات فللأب
الموجود منهما السدس بالفرض وللبنات الثلثان أربعة أسداس، وقسم
الباقي على الأب والبنات أخماسا فللأب خمسه وللبنات أربعة أخماسه،
وإذا خلف الميت أبوين وبنتين أو عدة بنات، فللأبوين السدسان بينهما
وللبنات الثلثان، وقد تقدم ذكر بعض هذه المسائل في الفصل السابق.
[المسألة 100:]
إذا اجتمع مع الولد زوج أو زوجة للميت، كان للزوج نصيبه
الأدنى، فيكون للزوج ربع التركة بالفرض ويكون للزوجة ثمنها
بالفرض أيضا، وورث الولد بقية المال، فإن كان الولد ذكرا واحدا
أخذ بقية التركة كلها جميعا بالقرابة، وكذلك إذا كانا ولدين ذكرين
أو أولاد ذكورا، فيأخذون بقية المال ويقتسمونها بالتساوي بينهم،
وإذا كانوا بنين وبنات فللذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا كان الولد الوارث مع الزوج بنتا واحدة ورثت نصف التركة
بالفرض كما تقدم وأخذت الباقي بالقرابة، وإذا كان الولد الوارث
مع الزوج بنتين أو بنات فلهن الثلثان ويرد عليهن ما بقي ويقتسمن
نصيبهن بالسواء بينهن.
[المسألة 101:]
إذا ماتت امرأة وتركت من بعدها أبا أو أما، وزوجا، وولدا ذكرا
أو أولادا ذكورا، ورث الأب أو الأم السدس، وأخذ الزوج فرضه
الأدنى وهو الربع، وكان للولد أو الأولاد بقية المال يرثونها بالقرابة،
واقتسموها بالتساوي بينهم، وإذا تركت الميتة زوجا وأبوين وولدا
ذكرا أو أولادا ذكورا ورث الزوج ربع التركة، وورث كل واحد من
الأبوين سدسا، وورث الولد أو الأولاد بقية التركة على نهج ما سبق.
[المسألة 102:]
إذا مات رجل وترك من بعده أبا أو أما، وزوجة وولدا ذكرا أو
286

أولادا ذكورا كان لأبيه أو أمه سدس المال، وكان لزوجته الثمن،
وكان لولده أو أولاده بقية المال بالقرابة واقتسموا نصيبهم على نهج
ما تقدم. وإذا ترك الرجل أبويه كليهما وزوجته وترك ولدا أو أولادا
ذكورا، فللأبوين السدسان، وللزوجة الثمن، وللولد أو الأولاد
بقية المال.
[المسألة 103:]
إذا مات امرأة وتركت أباها أو أمها، وزوجها وبنتا واحدة، كان
للوارث من الأبوين سدس التركة، وكان للزوج الربع بالفرض،
وورثت البنت نصف التركة بالفرض أيضا، وبقي من التركة نصف
السدس زائدا على السهام فيقسم على الأب الوارث والبنت أرباعا،
للأب الربع منه وللبنت ثلاثة أرباعه ولا يرد على الزوج منه شئ.
[المسألة 104:]
إذا ماتت المرأة وخلفت بعد موتها أبا وأما، وزوجا وبنتا، ورث
كل واحد من أبيها وأمها سدسا من التركة، وورث زوجها ربع التركة،
ودخل النقص على البنت خاصة ولم يدخل على الأبوين ولا على الزوج منه
شئ فترث البنت بقية المال، وهو أقل من نصيبها بنصف سدس وإذا
خلفت المرأة الميتة من بعدها أبوين وزوجا وبنتين أو بنات، ورث
الأبوان السدسين وورث الزوج الربع ولم يدخل عليهم نقص في سهامهم
ودخل النقص على البنتين أو البنات فيرثن بقية المال وهي أقل من
الثلثين.
[المسألة 105:]
إذا مات امرؤ وترك بعده أبوين وزوجة وبنتين أو عدة بنات، أخذ
الأبوان سدسي تركة الميت كاملين وأخذت الزوجة ثمنها تاما ودخل
النقص على البنات خاصة فيأخذن بقية المال وهي أقل من الثلثين.
[المسألة 106:]
الأب والأم للميت وحدهما صنف واحد من الطبقة الأولى في النسب،
وأولاد الميت وأولاد أولاده وذريتهم المتعاقبة من بعدهم صنف واحد
آخر من هذه الطبقة، ولذلك فلا يحجب الأبوان أولاد الميت ولا أولاد
287

أولاده ولا ذريتهم عن الميراث إذا اجتمعا معهم، وإن كانوا في المرتبة
الثالثة أو الرابعة من البطون أو أكثر من ذلك، سواء كانوا من أولاده
أو ذريته الذكور أم الإناث.
وأولاد الميت وبناته لصلبه هم المرتبة الأولى منم صنفهم، وأولاد
أولاده وبناته من الذكور والإناث هم المرتبة الثانية من الصنف وأولادهم
مع الواسطة كذلك هم المرتبة الثالثة، وهكذا تتعدد المراتب مع تنازل
البطون مرتبة بعد مرتبة كلما وجد بطن بعد بطن من الذكور أو من
الإناث.
ولذلك فلا يرث أولاد الأولاد مع وجود ولد للميت وإن كان واحدا
ولا مع وجود بنت وإن كانت واحدة لأنهما أقرب منهم في المرتبة، ولا
يرث أهل المرتبة الثالثة من أولاد الأولاد إذا وجد ولد واحد أو بنت
واحدة من المرتبة الثانية قبلهم، وهكذا، وقد ذكرنا هذا أكثر من
مرة ولكنا نعيد ذكره لصلته بالمقام.
[المسألة 107:]
يقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم إذا فقد آباؤهم جميعا عند موت الجد
ولم يوجد منهم أحد، فيرث كل فريق منهم نصيب أبيه أو أمه الذي
يتقرب به إلى الميت، فإذا مات الرجل وله أولاد ولد ذكر وأولاد بنت،
كان لأولاد الولد ثلثا تركة الميت، واقتسموا النصيب بينهم حسب
مواريث الأولاد المتقدم ذكرها، فإذا كان الجميع ذكورا أو إناثا،
اقتسموا النصيب بالسواء بينهم، وإذا كانوا ذكورا وإناثا، فللذكر
مثل حظ الأنثيين، وإذا كان الموجود ولد ذكر واحد ورث جميع نصيب
أبيه بالقرابة، وإذا كان أنثى واحدة ورثت نصف النصيب بالفرض
والباقي بالرد.
وكان لأولاد البنت نصيب أمهم وهو الثلث من التركة وورثوه أيضا
على التفصيل الذي تقدم بيانه في ميراث أولاد الولد.
[المسألة 108:]
إذا مات أحد وترك من بعده أبا أو أما وولد ولد ذكر، كان لأبي
288

الميت أو أمه سدس التركة، وكان لولد ولده جميع ما بقي منها، وإذا
ترك أبوين وولد ولد ذكر كان لأبويه السدسان، ولولد ولده الباقي.
وإذا مات الميت وخلف أبا أو أما وولد بنت، ورث أبو الميت أو أمه
سدس التركة بالفرض، وأخذ ولد بنته نصيب البنت وهو النصف،
ثم رد ربع الباقي على الأب أو الأم، ورد ثلاثة أرباعه على ولد البنت
كما هو الحكم في ميراث أمه، وإذا خلف الميت أبوين وولد بنت، أخذ
الأبوان السدسين، وأخذ ولد البنت النصف ثم رد السدس الباقي من
التركة على كل واحد من الأبوين وولد البنت أخماسا، فللأبوين
الخمسان منه، ولولد البنت ثلاثة أخماسه كما هو حكم أمه لو كانت
هي الوارثة، وكذلك إذا ترك الميت أحد أبويه أو كليهما، وترك معهما
أولاد بنته، فيكون للأب الوارث سدس التركة في الفرض الأول،
ولأولاد بنته النصف ويرد الباقي عليهم أرباعا، ويرث كل واحد من
الأبوين سدسا في الفرض الثاني، ويرث أولاد البنت النصف ويرد
باقي التركة عليهم أخماسا.
[المسألة 109:]
إذا ورث أولاد البنت نصيب أمهم من الفرض والرد، وكان جميعهم
ذكورا أو إناثا اقتسموه بينهم بالتساوي، وإذا كانوا ذكورا وإناثا
فللذكر مثل حظ الأنثيين.
[المسألة 110:]
إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع ولد الولد أو ولد البنت، ورث
الزوج نصيبه الأدنى من التركة وهو الربع، وأخذت الزوجة كذلك
نصيبها الأدنى وهو الثمن، سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، وواحدا
أم متعددا.
[المسألة 111:]
إذا اجتمع أو الزوجة مع الأبوين كليهما أو مع أحدهما،
وكان للميت ولد ولد أو أولاد ولد، ورث الزوج أو الزوجة والأبوان
فرضهم الآنف ذكره كاملا غير منقوص، وورث ولد الولد أو أولاد الولد
الباقي وإذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الأبوين أو أحدهما، وكان
289

معهم ولد بنت أو أولاد بنت منفردة، أخذ الزوجان والأبوان نصيبهم
تاما، ودخل النقص على ولد البنت أو أولادها خاصة، كما هو الحكم أمهم
لو كانت هي الوارثة، وكذلك الحكم إذا اجتمعوا مع أولاد البنتين أو
البنات منفردات.
[المسألة 112:]
يختص الولد الأكبر من الأولاد الذكور للميت بالحبوة من تركة
أبيه، والحبوة هي سيف الميت ومصحفه وخاتمه وثياب بدنه، وإذا
كان أكبر أولاد الميت أنثى اختص بها الذكر الأكبر منهم، وإذا كان
الذكر واحدا اختص بها وإن كان منفردا أو كان أصغر الجميع، وإذا
كان أولاد الميت جميعهن إناثا فلا حبوة ولا اختصاص، ولا حق لسائر
الورثة مع وجود الولد الذكر الأكبر في أعيان الحبوة ولا في قيمتها على
الأقوى، ويجب دفعها للمحبو من غير عوض، زيادة على نصيبه الذي
يناله من ميراث أبيه.
وليست الحبوة عوضا عن قضاء ما فات الأب الميت من صلاة وصيام
فكل واحد من الحكمين المذكورين حكم مستقل بنفسه على الأقوى ولا
صلة له بالآخر.
[المسألة 113:]
لا تدخل في الحبوة راحلة الميت ولا رحله، والراحلة هي الناقة التي
يتخذها الرجل وسيلة للسفر عليها والتنقل من بلد إلى بلد، والرحل
هو ما يشد على ظهر الراحلة للركوب عليها كالسرج للفرس وقد تطلق
الراحلة على بعض الدواب الأخرى التي تتخذ لقطع المسافات من حمير
وبغال وغيرها، ويطلق الرحل على ما يعد للركوب عليها، وعلى أي
حال فلا تشمله الحبوة فضلا عن أن تعم غير الدواب من سيارة وغيرها،
ولا يدخل فيها غير المصحف من الكتب، نعم لا يترك الاحتياط بايقاع
المصالحة بين الولد المحبو وسائر الورثة عن غير المصحف من الكتب إذا
كانت قليلة ولم تكن لها مالية مهمة فتدفع للمحبو أعيانها بدلا عن
مقدار من المال يدفع للورثة احتياطا، وإذا كانت الكتب كثيرة أو كانت
ذات مالية مهمة فلا تجب فيها مراعاة الاحتياط ولا يدخل في الحبوة الدرع
290

ونحوه من معدات الحرب كالطاس والترس، والأحوط ايقاع المصالحة
كما تقدم في مثل الخنجر والبندقية والمسدس ونحوها من آلات السلاح
التي يتخذها الأب لنفسه في حياته.
[المسألة 114:]
يدخل في حبوة الولد جميع ثياب أبيه الميت، المتحد منها والمتعدد،
وما أعده ليلبسه اعدادا تاما أو اشتراه جاهزا وإن لم يلبسه بالفعل،
ويدخل فيها كسوته في الصيف وكسوته في الشتاء والمتوسطة بينهما،
وما كانت من قطن أو صوف أو وبر أو كتان أو جلد أو فرو أو لبد
أو غيرها مما يلبس، ويدخل فيها أنواع الألبسة من صغيرة وكبيرة حتى
العمامة والكوفية والقلنسوة والجورب والقفاز.
ويشكل الحكم بدخول النعل وأنواع الأحذية والحزام وخصوصا ما
كان مصنوعا من الجلد وشبهه، ويشكل الحكم بدخول ما يحرم لبسه
كالخاتم من الذهب وثوب الحرير.
ولا يدخل في الكسوة ما اشتراه أو ملكه الرجل في حياته من الأقمشة
ونحوها ولم يفصله أو فصله ولم يكمل اعداده بخياطة أو غيرها، ولا
يدخل فيها ما أعده للتجارة أو لكسوة غيره من أهل بيته أو سواهم ولا
تدخل فيها الساعة وأمثالها.
[المسألة 115:]
لا يبعد أن حلية المصحف الشريف وغلافه وحمائله وبيته تكون تابعة
له، فتدخل في حبوة الولد، وكذلك حلية السيف وقبضته وغمده وحمائله
فلا يبعد شمول الحبوة لها فيستحقها الولد المحبو مع السيف.
[المسألة 116:]
الظاهر أن الحبوة تشمل ما اتحد وما تعدد من الأعيان المتقدم
ذكرها، فإذا كان للميت مصحفان أو سيفان أو خاتمان أو أكثر من
ذلك، وجب دفع جميعها للولد المحبو، وقد تقدم ذكر الثياب المتعددة.
[المسألة 117:]
الذي يظهر من أدلة الحبوة أن المراد بالسيف الذي يحبى به الولد
291

هو السيف الذي أعده أبوه لنفسه، ليقاتل به ويدافع عدوه عند الحاجة
إلى ذلك، فلا تشمل السيف الذي يتخذه لمحض الاقتناء والادخار أو
التزين مثلا، وأن المراد بالمصحف هو القرآن الذي أعده الأب لنفسه
للتلاوة فيه، فلا يعم المصاحف التي يتخذها للبركة أو لأنها أثر نفيس
مثلا، وأن المراد بالخاتم هو الذي يقتنيه ليتختم به للسنة أو للزينة،
فلا يشمل الخواتيم التي يقتنيها للاختزان والادخار أو لغايات أخرى
سواها، فلا تدخل مثل هذه الأشياء في حبوة الولد بعد موت أبيه.
ونتيجة لما بيناه فإذا كان الأب في حياته غير قابل للانتفاع ببعض
المذكورات لم يدخل ذلك الشئ في حبوة ولده بعد موته فإذا كان الأب
في حياته مشلول اليدين غير قابل لحمل السيف والمقاتلة به، أو كان
أعمى غير قابل للتلاوة في المصحف، أو كان مقطوع الكفين غير قابل
للبس الخاتم، لم تدخل هذه الأعيان إذا كانت موجودة في حبوة ولده
بعد وفاته.
وإذا اتخذ الأب السيف أو المصحف أو الخاتم في حياته وكان سويا
قادرا على الانتفاع بها ثم عرضت له هذه الطوارئ فمنعته عن الانتفاع
والاستعمال لم يمنع عروضها عن دخول هذه الأعيان في حبوة الولد،
وكذلك إذا أعد الأعمى المصحف ليتلو فيه غيره ويتابع هو في القراءة،
أو أعد مقطوع اليدين السيف ليدافع به عنه حين يحتاج إلى الدفاع
وكان من الميسور لهما ذلك لم يكن العمى وقطع اليدين مانعين من دخول
المصحف والسيف في الحبوة.
[المسألة 118:]
إذا كان الولد المحبو غير قابل للانتفاع بالسيف أو المصحف أو
الخاتم، فالظاهر أن ذلك لا يمنع من دخول تلك الأعيان في الحبوة،
ولا يترك الاحتياط في أن يصالح المحبو سائر الورثة أو يصالحوه عنها
في هذا الفرض.
[المسألة 119:]
إذا ولد للرجل ولدان توأمان، فالأكبر منهما هو أسبقهما في الولادة
فهو الذي تكون له الحبوة، وكذلك إذا ولد له ولدان ذكران من زوجتين،
292

فالأكبر من سبقت ولادته على أخيه، وإن كان الثاني أسبق منه علوقا،
كما إذا ولد الأول لستة أشهر من الحمل به وكان الثاني قبله في الحمل
وبعده في الولادة.
وإذا تعدد الولد الأكبر للميت كما إذا ولد له ولدان من زوجتين
واتفقا في آن الولادة اشتركا في الحبوة على الظاهر.
[المسألة 120:]
يعتبر في الولد الذي تكون له الحبوة أن يكون ولد الميت لصلبه،
فلا يحبى ولد الولد على الظاهر، وإن لم يكن له ولد لصلبه.
[المسألة 121:]
لا يشترط في استحقاق الولد الحبوة من تركة أبيه أن يكون بالغا
في وقت وفاة أبيه، بل ولا يشترط أن يكون مولودا في حال موته فيستحق
الحبوة وإن كان جنينا في بطن أمه مضغة أو علقة إذا ولد حيا كما في
الميراث، فإذا ولد حيا كذلك استحق الميراث واستحق الحبوة وإن مات
بعد ذلك.
[المسألة 122:]
يختص الولد المحبو بأعيان الحبوة، سواء كان معه شريك في ميراثه
من أبيه أم لم يكن، فإذا انفرد في الميراث ولم يكن معه وارث آخر كانت
الأعيان الآنف ذكرها حقا له بالحبوة وكان باقي التركة ملكا له بالميراث.
[المسألة 123:]
لا يشترط في استحقاق الحبوة أن يكون الولد رشيدا، فهو يستحقها
وإن كان سفيها محجورا عليه على الأقوى وقد اشترط بعض الأصحاب
رحمهم الله في استحقاق الحبوة أن يترك الميت مالا زائدا على أعيان
الحبوة، وفي اشتراط ذلك تردد واشكال ولا بد من مراعاة الاحتياط.
[المسألة 124:]
كل ما يمنع من الميراث يكون مانعا من استحقاق الحبوة، فلا يحبى
الولد الأكبر إذا كان كافرا أو مرتدا أو قاتلا للموروث أو عبدا مملوكا
أو ولد ملاعنة.
293

[المسألة 125:]
إذا كان الولد الأكبر من اتباع المذاهب التي لا تقول بالحبوة لم
تثبت له الحبوة الزاما له بما يقتضيه قول مذهبه الذي يدين به.
[المسألة 126:]
إذا كان على الأب الميت دين، نسبت قيمة أعيان الحبوة إلى قيمة مجموع
التركة، وأصاب الحبوة من الدين مثل تلك النسبة وكان على الولد
المحبو أن يفكها بدفع تلك النسبة من الدين، سواء كان الدين مستغرقا
للتركة، أم غير مستغرق، فإذا كان الدين مائة دينار مثلا، وكانت
قيمة أعيان الحبوة خمس مجموع قيمة التركة فكها المحبو بعشرين
دينارا وهي خمس المائة، وإذا كان الدين ثمانين دينارا، وكانت
الحبوة سدس التركة فكها المحبو بثلاثة عشر دينارا وثلث دينار وهي
سدس الثمانين، وكذلك الحكم في كل ما يخرج من أصل التركة كالكفن
ومؤنة التجهيز.
[المسألة 127:]
إذا ملك الأب أعيان حبوته كلها أو بعضها شخصا آخر في حياته ثم
مات نفذ تمليكه فيها وحرم منها ولده الأكبر، وكذلك إذا أوصى الميت
بأعيان الحبوة أو ببعضها لشخص آخر فلا يكون للولد فيها حق إلا إذا
زادت على ثلثه، فلا تنفذ الوصية في الزائد إلا بالإجازة.
وإذا أوصى بثلث ماله أو بمقدار معين من المال يسعه الثلث، نفذت
الوصية من مجموع التركة وأصاب الحبوة من ذلك بنسبة قيمتها إلى
قيمة مجموع التركة كما تقدم في المسألة السابقة.
[المسألة 128:]
إذا رهن الأب أعيان حبوته أو بعضها في حياته على دين في ذمته ثم
مات قبل أن يفي الدين ويفك الرهن وجب وفاء الدين من مجموع
التركة، ولحق الحبوة من الدين بنسبة قيمتها إلى مجموع التركة كما
تقدم، ولا يجوز للولد المحبو أن يأخذ حبوته قبل فكها بأداء ما لحقها
من الدين لأن حق الرهن مقدم على الحباء.
294

[المسألة 129:]
إذا باع الأب أعيان الحبوة في حياته أو باع بعضها واشترط لنفسه
خيار الفسخ إذا رد الثمن على المشتري ثم مات، لم يجب على الورثة
من بعده رد الثمن وفسخ البيع، وجاز لهم ذلك، ولا يجوز للولد الأكبر
أخذ أعيان الحبوة والتصرف فيها إلا إذا رد الثمن على المشتري وفسخ
البيع.
[المسألة 130:]
إذا اشتبه الولد الأكبر الذي تكون له الحبوة من تركة أبيه بين ولدين
أو أكثر ولم يعلم من هو على التعيين، رجع في تعيينه إلى القرعة، فأيهم
عينته القرعة أنه الأكبر دفعت إليه أعيان الحبوة.
[الفصل السادس]
[في ميراث الإخوة والأجداد]
[المسألة 131:]
وهذه هي الطبقة الثانية من طبقات الوارثين في النسب، ولا يرث
أحد من أهل هذه الطبقة إذا وجد أحد من الطبقة السابقة عليهم، فلا
يرث جد ولا جدة ولا أخ ولا أخت ولا أحد من أولاد الإخوة إذا كان
للميت أب أو أم أو ابن أو بنت أو أحد من أولادهم وإن تعددت وسائطه،
إلا إذا كان الموجود من الطبقة الأولى ممنوعا من الميراث لكفر أو قتل
أو عبودية أو لعان.
[المسألة 132:]
الأخ هو ابن الأبوين بلا واسطة، وابن الأب وحده وابن الأم
وحدها، وكذلك الأخت، ويطلق على الإخوة كلالة، ويتبع الإخوة
والأخوات أولادهم ثم ذريتهم بطنا بعد بطن ومرتبة بعد مرتبة من
الذكور والإناث، ويراد بالجد أبو الأب، وأبو الأم بلا واسطة أو
بواسطة واحدة أو بأكثر، ويراد بالجدة أم الأب وأم الأم بلا واسطة
أو بواسطة واحدة أو بأكثر، وقد تقدم إن الإخوة والأخوات وذريتهم
صنف من هذه الطبقة، والأجداد والجدات صنف آخر منها.
295

[المسألة 133:]
إذا مات رجل أو امرأة وترك أخا واحدا لأبيه وأمه معا ولم يكن
للميت وارث غيره ورث الأخ التركة كلها بالقرابة، وكذلك الحكم إذا
ترك أخا لأبيه خاصة، فيرث المال كله بالقرابة.
وإذا مات وخلف من بعده أختا واحدة لأبيه وأمه ولا غيرها، ورثت
الأخت نصف التركة بالفرض ورد النصف الآخر عليها بالقرابة لانحصار
الوارث بها، ومثله ما إذا خلف بعده أختا واحدة لأبيه ولا غيرها فترث
التركة كلها بالفرض والرد وإذا مات الميت وخلف أخا أو أختا لأمه
ولا وارث له سواهما، ورث الوارث منهما سدس التركة بالفرض ورد
عليه الباقي بالقرابة.
[المسألة 134:]
إذا مات رجل أو امرأة وترك من بعده أخوين أو أكثر وكلهم لأبيه
وأمه ولا وارث له غيرهم كان المال كله لهم بالقرابة واقتسموه بينهم
بالمساواة إذا كان جميعهم ذكورا، وإذا كانوا مختلفين ذكورا وإناثا
فللذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك إذا ترك أخوين أو إخوة لأبيه
خاصة وليس معهم غيرهم، فيأخذون المال ويقتسمونه بالتساوي أو
التفاضل على نهج ما تقدم.
وإذا مات وترك أختين أو أخوات للأبوين ولا غيرهن كان لهن ثلثا
تركته بالفرض ورد الباقي عليهن بالقرابة واقتسمن المال بالمساواة
ومثله ما إذا خلف أختين أو أخوات لأبيه، فيكون ميراثهن على نهج ذلك.
وإذا خلف إخوة لأمه ذكورا أو إناثا أو مختلفين كان لهم ثلث التركة
بالفرض ورد الباقي عليهم وقسم الجميع عليهم بالتساوي.
[المسألة 135:]
لا يرث أخ ولا أخت من الأب شيئا من المال إذا كان للميت أخ أو
أخت أو أكثر للأبوين معا، فيكونون محجوبين بهم عن الإرث حجب
حرمان، فإذا فقد من يتقرب بالأبوين من الإخوة جميعا، أخذ الإخوة
المتقربون بالأب وحده ميراثهم وقاموا مقامهم، وقد تقدمت أمثلة
من ذلك.
296

ولا يحجب الإخوة المتقربون بالأبوين أحدا من الإخوة للأم، فإذا
ترك الميت أخا أو إخوة من الأبوين وأخا واحدا أو أختا من الأم كان
للواحد من الأم سدس التركة، وورث الأخ أو الإخوة للأبوين بقية
المال، فيختص بها إذا كان واحدا، ويقتسمونها بالسوية إذا كانوا
متعددين وكانوا ذكورا، وللذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانوا ذكورا
وإناثا.
وإذا ترك الميت أخا أو إخوة من الأبوين وإخوة من الأم، أخذ
الإخوة من الأم ثلث التركة واقتسموه بالتساوي وإن كانوا مختلفين
ذكورا وإناثا، وورث الأخ أو الإخوة من الأبوين بقية المال على سبيل
ما تقدم بيانه.
وإذا خلف الميت أخا أو إخوة للأب وحده، وأخا أو إخوة للأم وحدها،
ورث الأخ أو الإخوة للأم نصيبهم الآنف ذكره من السدس أو الثلث،
وورث الإخوة للأب باقي المال على سبيل ما ذكرناه في ميراث الأخ والإخوة
من الأبوين.
[المسألة 136:]
إذا مات رجل أو امرأة وترك بعده أختا للأبوين، وأخا أو أختا
للأم، كان لأخيه أو أخته من أمه سدس التركة، وكان لأخته من أبويه
نصف التركة بالفرض ويرد الباقي وهو ثلث التركة عليها بالقرابة،
وكذلك إذا ترك أختا للأب وأخا أو أختا للأم، فإن الأخت للأب تقوم
مقام الأخت للأبوين عند فقدها في الميراث بالفرض والرد، ويرث الأخ
أو الأخت من الأم سدس التركة خاصة ولا يستحق من الرد شيئا.
وإذا ترك أختا للأبوين أو أختا للأب وحده مع فقد الشقيقة كما
قلنا، وترك معها إخوة للأم، كان لإخوته من أمه ثلث التركة يقتسمونه
بينهم بالسوية وإن كانوا مختلفين ذكورا وإناثا، وكان الباقي من
المال بالفرض والرد للأخت من الأبوين وحدها إذا كانت موجودة،
وللأخت من الأب وحدها إذا لم تكن له أخت شقيقة.
وإذا مات الميت وخلف أختين أو أخوات للأبوين أو للأب خاصة عند
فقد الأشقاء على سبيل ما تقدم، وكان له إخوة للأم، ورث إخوته من
297

أمه ثلث التركة بينهم بالتساوي وكان للأختين أو الأخوات من الأبوين
أو الأب الثلثان بالتساوي أيضا.
وإذا ترك أخوات كذلك للأبوين أو للأب، وأخا أو أختا واحدة
للأم، كان للواحد من الإخوة للأم سدس التركة وكان الباقي للأخوات
من الأبوين بالفرض والرد وإذا لم تكن له أخوات شقيقات فالباقي
للأخوات من الأب على سبيل ما تقدم بيانه، وقد ذكرنا بعض هذه
المسائل في الفصل الرابع.
[المسألة 137:]
إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الإخوة أو الأخوات أخذا نصيبهما
الأعلى من التركة فيأخذ الزوج النصف وتأخذ الزوجة الربع ولا يرد
عليهما شئ إذا زادت التركة على السهام ولا ينقص من فرضهما شئ
إذا زادت السهام على التركة وكذلك الحكم إذا اجتمعا مع الأجداد أو
مع أولاد الإخوة أو مع الإخوة والأجداد أو معهم ومع أولاد الإخوة.
[المسألة 138:]
إذا ماتت امرأة وكان لها زوج وأخ لأبويها، أو أخ لأبيها وحده،
ورث زوجها نصف التركة بالفرض، وأخذ أخوها الباقي بالقرابة،
وإذا ماتت المرأة ولها زوج وأخت واحدة شقيقة أو أخت لأبيها خاصة،
ورث الزوج النصف بالفرض، وورثت الأخت النصف الآخر بالفرض
أيضا.
[المسألة 139:]
إذا ماتت المرأة وتركت زوجا، وتركت معه أخا واحدا أو أختا
واحدة لأمها، ورث الزوج نصف التركة بالفرض، وورث الأخ أو
الأخت من الأم سدس التركة بالفرض وكان له الثلث الباقي بالرد،
وإذا تركت زوجا وإخوة أو أخوات لأمها، ورث الزوج النصف بالفرض
كما تقدم وأخذ الإخوة من الأم ثلث المال بالفرض ورد السدس الباقي
عليهم بالقرابة واقتسموا نصيبهم بالسواء، ولا يرد على الزوج شئ.
[المسألة 140:]
إذا ماتت المرأة ولها زوج وأختان أو أخوات للأبوين أو للأب وحده،
298

ورث الزوج نصف التركة وأخذه تاما لا نقص فيه، وورث الأخوات
الثلثين، وما بقي من التركة وهو النصف لا يفي بذلك، فيأخذن ما
بقي من التركة ويدخل النقص عليهن خاصة، ويقتسمن ما حصل لهن
بالسوية بينهن.
[المسألة 141:]
إذا ماتت المرأة ولها زوج وإخوة للأبوين أو للأب وحده، ورث
الزوج نصف التركة بالفرض وأخذ الإخوة بقية المال بالقرابة
واقتسموها بينهم بالتساوي، وإذا كانوا ذكرانا وإناثا، فللذكر مثل
حظ الأنثيين.
[المسألة 142:]
إذا ماتت الزوجة، وخلفت بعدها زوجا، وأخا واحدا أو إخوة
لأبويها، وأخا أو إخوة لأمها، ورث الزوج نصيبه وهو نصف التركة
وأخذه تاما لا نقص فيه، وورث الأخ من أمها إذا كان واحدا نصيبه
وهو السدس وأخذه كذلك تاما لا نقص فيه وكان الباقي من التركة
وهو الثلث للأخ الشقيق، فيختص به إذا كان واحدا، ويقتسمه مع
أشقائه بالسوية إذا كان متعددا وكان جميعهم ذكورا، ويقتسمونه
بالتفاضل إذا كانوا ذكورا وإناثا، ويأخذ الإخوة من الأم إذا كانوا
متعددين نصيبهم وهو الثلث تاما، ويقتسمونه بينهم بالتساوي، ويكون
الباقي من التركة وهو السدس للأخ أو للإخوة الأشقاء على سبيل ما
تقدم.
وكذلك الحكم إذا تركت الميتة مع الزوج أخا أو إخوة لأبيها، وأخا
أو إخوة لأمها، فيكون الميراث والاختصاص والتقسيم كما سبق بيانه،
فإن الإخوة للأب يقومون مقام الإخوة الأشقاء في كل ما ذكر.
[المسألة 143:]
إذا ماتت الزوجة وتركت من بعدها زوجا وأختا واحدة لأبويها،
أو أختا لأبيها وحده مع فقد الشقيقة، وتركت معهما أخا أو إخوة
لأمها، ورث الزوج النصف، وورث الأخ من الأم نصيبه وهو السدس
إذا كان واحدا، والثلث إذا كان متعددا، ودخل النقص على نصيب
299

الأخت الشقيقة أو الأخت للأب، فتأخذ الباقي من التركة وهو الثلث
أو السدس بدلا عن النصف.
[المسألة 144:]
إذا ماتت الزوجة ولها زوج وأختان شقيقتان أو أكثر وأخ واحد
أو إخوة متعددون لأمها، ورث الزوج النصف، وأخذ الأخ أو الإخوة
من الأم نصيبهم وهو السدس للواحد والثلث للمتعدد منهم، ودخل
النقص على الأخوات الشقيقات، فيأخذون الباقي ويقتسمنه بالسواء،
وكذلك إذا كان الأخوات للأب بدلا عن الأخوات الشقيقات كما تكرر
ذكره.
[المسألة 145:]
إذا مات الرجل وترك زوجة وأخا واحدا شقيقا، فربع تركته
للزوجة، وباقي المال كله للأخ الشقيق، وإذا لم يكن له أخ شقيق،
وله أخ واحد لأبيه ورث ميراث الأخ الشقيق، وإذا مات الميت وترك
زوجة وإخوة أشقاء، ورثت الزوجة ربعها، واقتسم الإخوة الأشقاء
بقية التركة بينهم على التساوي إذا كان الجميع ذكورا، وعلى التفاضل
إذا كانوا ذكورا وإناثا، فإذا لم يكن له إخوة أشقاء وكان له إخوة
لأبيه قاموا مقام الأشقاء وورثوا ميراثهم.
وإذا ترك زوجة وأخا لأم ورثت الزوجة ربع التركة وورث الأخ
من الأم سدس التركة بالفرض وأخذ باقي التركة بالرد، وإذا كان
إخوته من الأم أكثر من واحد كان لهم ثلث التركة بالفرض والبقية
بالرد واقتسموا ميراثهم بالتساوي.
[المسألة 146:]
إذا مات الميت وترك زوجة وأختا شقيقة كان للزوجة الربع، وورثت
الأخت نصف المال بالفرض، والباقي بالرد، وإذا لم تكن له أخت
شقيقة وكانت له أخت للأب ورثت ميراثها.
[المسألة 147:]
إذا خلف الرجل من بعده زوجة وأخا واحدا أو إخوة لأبويه، وأخا
300

أو إخوة لأمه، ورثت الزوجة ربعها وكان للأخ من الأم سدسه إذا كان
واحدا وثلثه إذا كان متعددا، وورث الأخ الشقيق بقية المال واختص
بها إذا كان واحدا واشترك فيها مع أشقائه إذا كانوا متعددين، وإذا
كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا فقد الإخوة الأشقاء
وكان للميت إخوة لأبيه قاموا مقامهم وورثوا ميراثهم.
[المسألة 148:]
إذا خلف الرجل زوجة وأختين شقيقتين أو أكثر، فللزوجة الربع
وللأخوات الثلثان بالفرض وترد عليهن بقية التركة وهي نصف السدس
ولا تستحق الزوجة منها شيئا، وتقوم الأخوات من الأب مقام الأخوات
الشقيقات في الميراث إذا فقدن.
[المسألة 149:]
إذا مات أحد وترك من بعده زوجة وأختا لأبويه، وترك معهما أخا
أو إخوة لأمه، ورثت الزوجة الربع، وورث الواحد من كلالة الأم
السدس، وأخذت الأخت من الأبوين نصف المال بالفرض وأخذت الباقي
من التركة وهو نصف السدس بالقرابة، وهذا إذا كان الأخ من الأم
واحدا، وإذا كان الإخوة من الأم متعددين ورثوا الثلث من التركة
واقتسموه بينهم بالسوية وأخذت الزوجة ربعها، ونقص فرض الأخت
من الأبوين، فتأخذ الباقي من التركة وهو أقل من نصيبها بنصف سدس.
وإذا لم تكن للميت أخت للأبوين وكانت له أخت للأب قامت مقامها
في الميراث المذكور واستحقت نصيبها.
[المسألة 150:]
إذا مات أحد وكانت له زوجة وأختان شقيقتان أو أكثر، وله أخ
واحد من الأم أو أكثر من واحد، ورثت زوجة الميت ربع تركته تاما،
وأخذ الواحد من كلالة أمه سدس التركة تاما، واستحق الأخوات
الشقيقات باقي المال وهو أقل من نصيبهن بنصف سدس، وإذا كان
الإخوة من الأم أكثر من واحد ورثوا ثلث التركة وورثت الزوجة ربعها،
وكان نصيب الأخوات الشقيقات أقل من فرضهن وهو الثلثان بسدس
301

ونصف، وتقوم الأخوات من الأب مقام الأخوات الشقيقات إذا فقدن
فيرثن الباقي من التركة ويدخل عليهن النقص في كلا الفرضين أيضا.
[المسألة 151:]
إذا ترك الميت جده لأبيه وليس له وارث آخر، ورث الجد جميع
التركة من غير فرق بين الجد القريب والجد مع الواسطة كجد الأب وجد
الجد إذا اتفق وجوده، ومثله في الحكم ما إذا ترك جده لأمه بواسطة
أو بغير واسطة فيرث الجد المال كله إذا لم يكن للميت وارث غيره،
وكذلك الجدة للأب والجدة للأم، فترث التركة عند انفرادها وانحصار
الإرث بها.
[المسألة 152:]
إذا مات الشخص وترك جده أبا أبيه وجدته أم أبيه ولا غيرهما
ورث الجد ثلثي التركة وورثت الجدة ثلثها، وكذلك إذا خلف الميت
جد أبيه وجدة أبيه بلا واسطة أو مع الواسطة فيكون للجدة الثلث
وللجد الثلثان إذا كانا يتقربان إلى الميت بالأب كما ذكرنا وكانا في
مرتبة واحدة، وإذا اختلف الجد والجدة في المرتبة فكان أحدهما بلا
واسطة والآخر مع الواسطة أو كان أحدهما بواسطة والثاني بواسطتين
منع الأقرب الأبعد من الميراث.
[المسألة 153:]
إذا مات الشخص وترك جده أبا أمه وجدته أم أمه، وليس له وارث
غيرهما ورثا جميع التركة واقتسماها بينهما بالتساوي، وكذلك إذا
خلف جد أمه وجدتها بلا واسطة أو مع الواسطة فيرثان جميع المال
ويقتسمانه بالسوية إذا كان الجد والجدة في مرتبة واحدة وكانا
يتقربان إلى الميت بالأم، وإذا اختلفا في المرتبة كما ذكرنا في المسألة
المتقدمة منع الأقرب الأبعد من الميراث.
[المسألة 154:]
إذا خلف الميت من بعده جده أبا أبيه وجده أبا أمه وانحصر الوارث
بهما، ورث الجد أبو الأب ثلثي التركة وهو نصيب الأب، لأنه يتقرب
إلى الميت به، وورث الجد أبو الأم ثلث التركة وهو نصيب الأم، لأنه
302

يتقرب إلى الميت بها، وكذلك إذا ترك الميت جدته أم أبيه، وجده أبا
أمه أو جدته أم أمه، فيكون للجدة أم الأب الثلثان نصيب الأب، وللجد
أبي الأم أو الجدة أم الأم ثلث التركة وهو نصيب الأم.
[المسألة 155:]
إذا ترك الميت من بعده جده أبا أبيه وجدته أم أبيه، وترك معهما
جده أبا أمه وجدته أم أمه، ورث جده وجدته لأبيه ثلثي التركة كما
بينا في ما تقدم واقتسما النصيب بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين،
وورث جده وجدته لأمه ثلث التركة، واقتسماه بينهما بالتساوي
فللذكر مثل حظ الأنثى.
[المسألة 156:]
الأجداد والجدات صنف واحد من طبقتهما في النسب، فإذا اختلفوا
في المرتبة منع القريب البعيد، فيمنع الجد أو الجدة بلا واسطة الجد
والجدة بواسطة، ويمنع من يتقرب منهم إلى الميت بواسطة واحدة من
يتقرب إليه بواسطتين سواء كان المانع القريب والممنوع البعيد كلاهما
ممن يتقرب إلى الميت بالأب أم ممن يتقرب بالأم، أم كان أحدهما ممن
يتصل بالأب والثاني ممن يتصل بالأم.
[المسألة 157:]
إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الجد أبي الأب أو مع الجدة أم
الأب، أو مع الجد أبي الأم أو الجدة أم الأم، ورث الزوج أو الزوجة
نصيبه الأعلى فيأخذ الزوج النصف وتأخذ الزوجة الربع، وكانت
البقية من التركة للجد الوارث أو الجدة الوارثة.
وإذا اجتمع الزوج مع جد امرأته الميتة وجدتها وكلاهما لأبيها ورث
زوجها نصف التركة وكان الباقي لجدها وجدتها واقتسما نصيبهما
للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك إذا مات الزوج وترك زوجته وجده
وجدته لأبيه فتأخذ الزوجة الربع، ويقسم الباقي بين جد الميت وجدته
بالتفاضل.
[المسألة 158:]
إذا ماتت المرأة وتركت زوجا وجدا وجدة من قبل أمها، ورث
303

الزوج النصف واقتسم جد الميتة وجدتها بقية المال بالسواء ما بينهما،
وكذلك إذا مات الرجل وترك زوجته وجده وجدته لأمه، فتأخذ الزوجة
الربع ويقسم الباقي بين جد الميت وجدته للأم بالتساوي.
[المسألة 159:]
إذا ماتت المرأة وتركت بعدها زوجا وجدا لأب وجدا لأم، ورث
زوجها نصف التركة وأخذ جدها أبو أمها ثلث التركة ودخل النقص
على نصيب جدها لأبيها فيكون له الباقي وهو سدس التركة، ومثله ما
إذا تركت الميتة زوجا وجدا لأب، وتركت معهما جدا وجدة لأم، فيرث
الزوج النصف، ويرث جدها وجدتها أبوا أمها ثلث التركة يقتسمانه
بالسوية ويكون الباقي وهو السدس للجد أبي الأب، وكذلك إذا تركت
زوجا وجدا وجدة لأب، وتركت معهم جدا لأم، أو جدة لأم أو تركت
كليهما، فللزوج النصف، ولجدها أو جدتها لأمها أو لكليهما ثلث
التركة بالسوية والباقي وهو السدس لجدها وجدتها لأبيها للذكر مثل
حظ الأنثيين.
[المسألة 160:]
وعلى النهج السابق بيانه يجري الحكم في الزوجة إذا اجتمعت مع
الأجداد في نظير الفروض المتقدمة، فتأخذ الزوجة ربع التركة في جميع
الحالات، ويأخذ الجد الموجود أو الجدة الموجودة أو كلاهما بقية التركة
عند الانفراد، ويأخذ المتقرب بالأم جدا أو جدة أو كلاهما ثلث التركة
تاما، ثم يكون الباقي للمتقرب بالأب عند الاجتماع.
[المسألة 161:]
الجد والجدة يقاسمان الإخوة الميراث إذا اجتمعا معهم على التفاصيل
الآتي بيانها، من غير فرق بين أن يكون الجد والجدة قريبين في المرتبة
إلى الميت أو بعيدين عنه بواسطة أو أكثر، فلا يحجب الأخ الجد عن
الميراث وإن تعددت واسطته كجد الأب وجد الجد، ويقاسمان أولاد
الإخوة في الميراث إذا اجتمعا بهم عند فقد الإخوة، فلا يحجب الجد وإن
كان قريبا ابن الأخ أو الأخت عن الميراث وإن تعددت واسطته.
304

[المسألة 162:]
إذا اجتمع الأجداد مع الإخوة في الميراث واتحدت جهة النسب بينهما
كان الجد بمنزلة الأخ، فالجد للأب بمنزلة الأخ للأبوين أو الأب فيرث
كميراثه ويقاسمه في الحصة، والجدة من قبل الأب بمنزلة الأخت للأبوين
أو الأب ترث ميراثها وتقاسمها في الحصة، والجد من قبل الأم بمنزلة
الأخ للأم يرث ميراثه ويقاسمه نصيبه، ولا ينزل الجد منزلة الأخ إذا
لم يتحد معه في جهة النسب وإن اجتمع معه في الميراث.
ومثال ذلك أن يموت شخص وله أخ أو إخوة لأبيه وجد لأمه، فلا
يكون هذا الجد بمنزلة الأخ للأم لعدم وجود أخ لأم للميت، ولا بمنزلة
الأخ للأب لعدم اتحاده معه في جهة النسب، فلا يرث ميراث الأخ، بل
يرث ميراث الجد للأم وهو ثلث التركة كما ذكرناه في المسألة المائة
والرابعة والخمسين ومثال ذلك أيضا أن يموت انسان وله جد لأبيه
وإخوة لأمه، فلا يكون هذا الجد بمنزلة الأخ للأب لعدم وجوده ولا
بمنزلة الأخ للأم لعدم اتحاده معه في جهة النسب، بل يرث نصيب الجد
للأب وهو الثلثان، وسنوضح تفاصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
[المسألة 163:]
إذا مات أحد وترك جدا أو جدة أو أكثر من ذلك وكانوا جميعا من
قبل أبيه، وخلف معهم أخا أو أختا أو أكثر من ذلك وكلهم لأبويه أو
لأبيه خاصة، كان الجد بمنزلة الأخ، وكانت الجدة بمنزلة الأخت،
لاتحاد جهة النسب ما بينهم، فكلهم يتقرب إلى الميت من جهة أبيه،
فيقسم المال بينهم كما يقسم بين الإخوة للأب، فإن كان الجميع ذكورا
أو كان الجميع إناثا اقتسموا المال بالسواء، وإن كانوا مختلفين ذكورا
وإناثا اقتسموه بالتفاضل بينهم فللذكر مثل حظ الأنثيين.
[المسألة 164:]
إذا مات الميت وترك جدا أو جدة أو أكثر من ذلك وكانوا جميعا
من قبل أمه، وخلف معهم أخا واحدا أو أختا أو أكثر من ذلك وكلهم
من قبل أمه أيضا، ورث الأجداد والإخوة كلهم ميراث الإخوة للأم،
305

فيقسمون التركة ما بينهم بالتساوي وإن كان بعضهم ذكورا وبعضهم
إناثا.
[المسألة 165:]
إذا خلف الانسان بعد موته جدا أو أجدادا من قبل أبيه ومعهم إخوة
من قبل أبيه أيضا، وترك كذلك جدا أو أجدادا من قبل أمه، ومعهم
إخوة من قبل أمه أيضا ورث المتقربون بالأم من الأجداد والإخوة ثلث
التركة، واقتسموه ما بينهم بالتساوي سواء كانوا ذكورا أم إناثا أم
مختلفين كما هو الحكم في ميراث الإخوة من الأم، وورث الفريق الآخر
المتقرب بالأب من الأجداد والإخوة ثلثي التركة، واقتسموه بالتساوي
إذا كان جميعهم ذكورا، أو إناثا، وإذا كانوا متفرقين ذكورا وإناثا
اقتسموه بالتفاضل فللذكر ضعف نصيب الأنثى.
[المسألة 166:]
إذا ترك الانسان بعد موته جدا واحدا أو أجدادا متعددين وكلهم من
قبل أبيه خاصة، وخلف معهم أخا أو إخوة من قبل أمه خاصة، ورث
الأخ أو الأخت من الأم إذا كان واحدا سدس التركة، وإذا كان الإخوة من
الأم أكثر من واحد ورثوا ثلث التركة، واقتسموه بينهم بالمساواة،
وورث الجد أو الأجداد من قبل الأب بقية المال فيكون لهم خمسة أسداس
التركة في الصورة الأولى، ويكون لهم الثلثان في الصورة الثانية،
فيختص به الجد أو الجدة إذا كان الوارث منهم متحدا، ويقتسمونه
بالتساوي إذا كانوا متعددين وكان الجميع ذكورا أو كان الجميع إناثا،
وإذا كانوا مختلفين ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.
[المسألة 167:]
إذا مات أحد وترك من بعده جدا واحدا أو أجدادا متعددين من قبل
أمه، وترك معهم أخا أو إخوة متعددين من قبل أبيه ورث الجد المتقرب
بالأم إذا كان واحدا ثلث التركة واختص به، وكذلك إذا كان جدة
منفردة، واقتسموا الثلث بالمساواة إذا كانوا متعددين كما هو الحكم
في ميراث من يتقرب بالأم، وورث الأخ من الأب ثلثي التركة، ويختص
306

به إذا كان واحدا ويقتسمه بالتساوي مع إخوته إذا كانوا متعددين
وكان الجميع ذكورا، وبالتفاضل إذا كانوا ذكورا وإناثا.
[المسألة 168:]
إذا مات الميت وترك من بعده جدا واحدا أو أجدادا لأمه، وترك معهم
أختين أو أكثر لأبويه أو لأبيه خاصة، ورث الجد أو الأجداد من قبل
أمه ثلث التركة على سبيل ما تقدم بيانه في ميراث الأجداد من الأم،
وورثت الأختان للأبوين أو الأب ثلثي التركة.
[المسألة 169:]
إذا ترك الميت من بعده جدا واحدا أو أجدادا من قبل أمه كما في
الفرض المتقدم وترك معهم أختا واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة، كان
ميراث الجد الواحد أو الأجداد المتعددين لأمه كما تقدم، وورثت الأخت
نصف التركة، ولا يترك الاحتياط بالمصالحة بين الأخت والأجداد في
السدس الباقي من التركة زائدا عن الفريضة.
[المسألة 170:]
إذا مات الشخص وترك جدا واحدا أو أجدادا وكلهم من قبل أبيه،
وجدا أو أجدادا من قبل أمه، وترك معهم أخا أو أخوة لأبيه، ورث
الفريق المتقرب بالأم ثلث التركة، فيختص به إذا كان جدا واحدا أو
جدة ويقتسمه الفريق بالسوية إذا كان أجدادا متعددين، وورث الفريق
المتقرب بالأب من إخوة وأجداد ثلثي التركة فيقتسمونه بالمساواة إذا
كان جميعهم ذكورا وبالتفاضل إذا كانوا ذكورا وإناثا، فللذكر مثل
حظ الأنثيين.
[المسألة 171:]
إذا مات الميت وترك من بعده جدا أو أجدادا من قبل أبيه، وجدا
أو أجدادا من قبل أمه كما في الفرض المتقدم وترك معهم أخا أو إخوة
لأمه ورث الفريق المتقرب بالأم من إخوة وأجداد ثلث التركة وتقاسموه
بينهم بالسوية، وورث الأجداد المتقربون بالأب ثلثي التركة، واقتسموه
بالتساوي إذا كانوا ذكورا أو إناثا وبالتفاضل إذا كانوا مختلفين ذكورا
وإناثا، واختص به إذا كان جدا واحدا أو جدة واحدة.
307

[المسألة 172:]
إذا مات الميت وترك من بعده جدا أو أجدادا متعددين لأبيه وترك
معهم إخوة لأبيه أيضا وإخوة لأمه، ورث المتقرب بالأم إذا كان أخا
واحدا أو أختا واحدة سدس التركة، وورث ثلث التركة إذا كان إخوة
أو أخوات متعددة واقتسموه بالسوية، وورث الإخوة والأجداد من قبل
أبيه بقية المال في كلتا الصورتين فلهم خمسه أسداس التركة إذا كان
الأخ للأم واحدا ولهم الثلثان إذا كان متعددا، واقتسموه النصيب
بالتساوي إذا اتحدوا في الذكورة والأنوثة، واقتسموه بالتفاضل إذا
اختلفوا فيهما.
[المسألة 173:]
إذا ترك الميت جدا أو أجدادا من قبل أمه خاصة، وترك معهم إخوة
من قبل أبيه وإخوة من قبل أمه، ورث من يتقرب بالأم من الإخوة
والأجداد ثلث التركة واقتسموه بالسوية وكان الباقي للأخ أو الإخوة
من الأب على نهج ما تقدم بيانه مرارا.
[المسألة 174:]
قد تجتمع للانسان في الوجود ولو نادرا أجداد متعددون من قبل أبيه
أو من قبل أمه من الذكور أو من الإناث أو من كليهما في الطبقات العليا
من الأجداد والجدات كأجداد الأب وأجداد الجد، فأجداد الانسان
القريبون إليه أربعة، جد وجدة لأبيه، وجد وجدة لأمه، وأجداد أبيه
أربعة وأجداد أمه أربعة، وهكذا كلما بعدت المرتبة تضاعف العدد ومن
أجل ذلك ذكرنا الأمثلة لاجتماع الأجداد في المسائل المتقدمة، فليتنبه
لذلك.
[المسألة 175:]
الأجداد والجدات صنف واحد، ولذلك فيمنع الأقرب إلى الميت منهم
من هو أبعد منه من الميراث إذا اجتمع به، فلا يرث جد الأب ولا جد الأم،
إذا وجد جد للميت نفسه من قبل أبيه أو أمه، ولا يرث جد جده إذا
وجد له جد أب أو جد أم، وقد استثنى بعض الأكابر من ذلك ما إذا
308

لم يزاحم الجد البعيد الجد القريب في ميراثه، وقد ذكر موردين لا
تحصل فيهما المزاحمة.
أحدهما: أن يترك الميت من بعده إخوة لأمه وجدا قريبا من قبل
أبيه، ويترك معهما جدا بعيدا من قبل أمه، فإن إخوة الميت لأمه
يستحقون ثلث التركة، والجد البعيد من قبل الأم إذا ورث فإنما يرث
من هذا الثلث ويشارك الإخوة فيه، ولا يزاحم الجد للأب في نصيبه
وهو الثلثان الباقيان، ولذلك فلا يكون الجد القريب مانعا للجد البعيد
أن يشارك الإخوة في الثلث.
الثاني: أن يترك الميت من بعده إخوة لأبيه وجدا قريبا من قبل
أمه، ويترك معهما جدا بعيدا من قبل أبيه، فإن الجد القريب من جهة
الأم يأخذ ثلث التركة تاما من غير مزاحمة، والجد البعيد من قبل الأب
إنما يشارك الإخوة للأب في الثلثين الآخرين من التركة، فلا يمنعه الجد
للأم من ذلك لعدم المزاحمة.
وما أفاده في ذلك له وجه قوي من حيث الاعتبار الموجب لانصراف
الأدلة عن المنع في الموردين، ولكن الأحوط ايقاع المصالحة بين الجد
البعيد ومن يشاركه من الإخوة في الميراث في كلا الموردين بل لا يترك
هذا الاحتياط.
[المسألة 176:]
لا يرث أولاد إخوة الميت مع وجود أحد من إخوته، وإن اختلفوا في
جهة النسب، فلا يرث أولاد أخي الميت لأبيه وأمه، ولا أولاد أخته
كذلك، إذا وجد أخ أو أخت من أبيه، ولا يرث أولاد أخيه أو أخته
لأبويه أو لأبيه خاصة، إذا وجد أخ له من أم أو أخت له من أم، فقد
تبين أن الأقرب يمنع الأبعد من الميراث إذا كانا من صنف واحد،
وتلاحظ المسألة الآتية وما فيها من الاحتياط في بعض فروض هذه
المسألة.
[المسألة 177:]
استثنى بعض الأساتذة من الحكم المذكور في المسألة السابقة ما إذا
309

كان ابن أخي الميت لا يزاحم أخا الميت في ميراثه، فلا يكون الأخ في هذه
الصورة مانعا عن ميراث ابن الأخ نظير ما تقدم في المسألة المائة والخامسة
والسبعين، وذكر لذلك موردا واحدا، وهو أن يترك الميت من بعده
أخا له من أبيه وجدا من قبل أمه، ويترك معهما ابن أخ من قبل أمه
أيضا، فإن الجد من قبل الأم يستحق ثلث التركة ويكون الباقي من
التركة وهو الثلثان ميراثا للأخ من قبل الأب لا يزاحمه فيه أحد، وابن
الأخ من قبل الأم إذا ورث فإنما يشارك الجد أبا الأم في الثلث، فلا
يكون الأخ للأب مانعا عن ميراث ابن الأخ للأم في هذه الصورة، وهذا
الاستثناء غير بعيد من حيث الاعتبار الموجب للانصراف كما ذكرنا في
نظيره قبل مسألتين، ولكن الاحتياط بالمصالحة بين ابن الأخ للأم والجد
للأم في مشاركته ميراثه لا يترك.
[المسألة 178:]
إذا فقد الإخوة والأخوات من الأبوين ومن الأب خاصة ومن الأم
خاصة، أو كان الموجود منهم ممنوعا من الإرث لكفر أو قتل أو رق أو
لعان، ورث الميت أبناء أخيه إذا وجدوا، وقاموا مقام آبائهم في الميراث،
وفي مقاسمة الأجداد إذا كانوا موجودين، وفي منع المراتب والطبقات
المتأخرة عنهم من الوارثين، فلا يرث العم ولا الخال ولا أحد من طبقتهما
مع ابن الأخ أو ابن الأخت إذا وجد، ولا يرث ولد ولد الأخ أو ولد
ولد الأخت مع وجود ولد أخيه لصلبه أو وجود ولد أخته بلا واسطة
وهكذا مع تنازل المراتب فيمنع الأقرب الأبعد منهم.
[المسألة 179:]
يرث ولد الأخ نصيب أبيه إذا فقد أو منع من الميراث لبعض الموانع
الشرعية منه، سواء كان الولد واحدا أم متعددا، وذكرا أم أنثى،
ويرث ولد الأخت نصيب أمه كذلك على النحو المذكور، فيقدر الأخ
أبو الولد موجودا ووارثا عند وفاة أخيه الميت وإن لم يكن موجودا أو
وارثا بالفعل، فما يستحقه من تركة أخيه شرعا يكون ميراثا لولده
الموجود بالفعل، وتقدر الأخت أم الولد موجودة ووارثة عند وفاة
أخيها الميت، فما تستحقه من تركته يكون ميراثا لولدها الموجود بالفعل.
310

[المسألة 180:]
إذا مات الشخص وترك من بعده ولد أخ لأبويه أو لأبيه خاصة،
ورث جميع المال بالقرابة لعمه الميت، فإن ذلك هو نصيب أبيه لو كان
هو الوارث، فإذا كان الولد واحدا، أخذ المال كله بالقرابة إذا كان
ذكرا، وأخذته بالفرض والرد إذا كانت أنثى، وإذا كانوا أولادا
متعددين اقتسموا المال بينهم بالسواء إذا كانوا ذكورا أو كانوا إناثا،
واقتسموه بالتفاضل إذا اختلفوا ذكورا وإناثا.
[المسألة 181:]
إذا مات الشخص وترك من بعده أولاد أخوين أو أولاد إخوة
لأبيه أو لأبيه خاصة، كان لكل فريق من الأولاد نصيب أبيه
من التركة، فإذا كانوا أولاد أخوين كان لكل فريق نصف التركة وإذا
كانوا أولاد ثلاثة إخوة كان لكل فريق ثلث التركة، وهكذا، ثم اقتسم
كل فريق نصيبه الذي استحقه على سبيل ما تقدم بيانه في المسألة السابقة،
فيختص به إذا كان ولدا واحدا، ويقتسمه بالسواء إذا كان أولادا
متعددين ومتحدين في الذكورة أو الأنوثة، ويقتسمونه بالتفاضل إذا
تعددوا ذكورا وإناثا.
[المسألة 182:]
إذا ترك الميت من بعده أولاد إخوة وأخوات لأبويه أو لأبيه خاصة،
قسم المال على إخوة الميت وأخواته آباء الأولاد الوارثين للذكر مثل
حظ الأنثيين، وورث الفريق من الأولاد نصيب أبيهم إذا كانوا أولاد
أخ ذكر، ونصيب أمهم إذا كانوا أولاد أخت، واقتسم كل فريق نصيبه
على النحو المتقدم ذكره.
[المسألة 183:]
إذا ترك الميت من بعده أولاد أخت واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة ورث
أولادها جميع التركة بالفرض والرد كما هو الحكم في ميراث أمهم،
واقتسموا المال على سبيل ما تقدم، وكذلك إذا ترك الميت من بعده
أولاد أختين أو أولاد أخوات لأبويه أو لأبيه خاصة، فيرث الأولاد المال
311

كله بالفرض والرد كما هو الحكم في ميراث أمهاتهم واقتسموه بينهم
كما سبق تفصيله.
[المسألة 184:]
إذا خلف الميت من بعده أولاد أخ أو أخت من قبل أمه، ولم يخلف
وارثا سواهم استحق أولاد الأخ أو الأخت سدس التركة بالفرض وورثوا
بقية التركة بالقرابة، واقتسموا الجميع ما بينهم بالسواء وإن كانوا
ذكورا وإناثا، وإذا كان ولد الأخ أو الأخت للأم واحدا اختص بالتركة
كلها.
وإذا خلف الميت أولاد إخوة أو أخوات متعددة من قبل أمه، قسم
المال على عدد الإخوة والأخوات الآباء بالسوية، وكان لكل فريق من
أولادهم نصيب أبيه أو نصيب أمه يقتسمه بالسواء ما بين أفراده كذلك.
[المسألة 185:]
إذا خلف الميت من بعده أولاد أخ لأمه وأولاد أخ لأبويه أو لأبيه
خاصة، كان لأولاد الأخ أو الأخت من أمه سدس التركة واقتسموه
بالسواء، وكان بقية المال لأولاد الأخ من الأبوين أو من الأب خاصة،
واقتسموه بالسواء أو بالتفاضل بينهم على نهج ما سبق تفصيله.
[المسألة 186:]
إذا ترك الميت من بعده أولاد إخوة متعددين من قبل أمه، وأولاد
أخ واحد أو إخوة متعددين لأبويه أو لأبيه خاصة كان لأولاد الإخوة
من الأم ثلث التركة، فيقسم الثلث على عدد الإخوة آبائهم بالسواء
ويختص كل فريق من أولادهم بحصة أبيه من الثلث وتقسم الحصة بين
أفرادهم بالسواء، وكان الباقي من التركة وهو الثلثان لأولاد الأخ
للأبوين أو الأب فيقتسمونه بالتساوي أو التفاضل كما سبق، وإذا
تعدد الإخوة آباؤهم قسم باقي التركة بين الإخوة أنفسهم على نهج ما
مضى وكان نصيب كل واحد من الإخوة لأولاده يقسم بينهم كذلك.
[المسألة 187:]
إذا كان للميت ولد أخ للأبوين أو أولاد أخ أو إخوة للأبوين ووجد
312

معهم ولد أو أولاد لإخوة من أبيه خاصة لم يرث أولاد أخيه من أبيه من
التركة شيئا وحجبهم أولاد الأخ الشقيق عن الميراث حجب حرمان، وإن
كان الوارث الموجود بنت أخ شقيق أو ولد شقيقة أو بنت أخت
شقيقة، وقد ذكرنا هذا الحكم في المسألة السابعة والستين.
[المسألة 188:]
إذا فقد إخوة الميت جميعا وفقد أولادهم لأصلابهم، ورث الميت
أولاد ولد أخيه على التفاصيل التي تقدم ذكرها في أولادهم بلا واسطة،
وكذلك إذا وجد بعضهم وكان الموجود ممنوعا من الإرث، وهكذا إذا
تعددت المراتب والوسائط، والأقرب منهم يمنع الأبعد.
[المسألة 189:]
إذا اجتمع الزوج مع أولاد الأخ أو الأخت ورث نصيبه الأعلى وهو
النصف، وإذا اجتمعت الزوجة معهم ورثت الربع، وجرت التفاصيل
التي تقدم بيانها في اجتماع الزوجين مع إخوة الميت أنفسهم، ولا
ضرورة لإعادتها.
[الفصل السابع]
[في ميراث الأعمام والأخوال]
[المسألة 190:]
هذه هي الطبقة الثالثة من الوارثين من النسب، وإنما يرث أفراد
هذه الطبقة إذا فقد من قبلهم من طبقة الآباء والأولاد، ومن الأجداد
والإخوة وأبنائهم، أو كان الموجود منهم ممنوعا من الإرث شرعا،
هنالك فقط يستحق أفراد هذه الطبقة ميراث قريبهم الميت، ويكونون
أولى به في كتاب الله، وتتناولهم الآية الكريمة في الحكم درجة بعد درجة
متصاعدة في كل من الأعمام والأخوال، ومرتبة بعد مرتبة متنازلة في
أبناء كل درجة منهم.
[المسألة 191:]
العم هو أخو رجل ينتمي إليه الانسان بالولادة، سواء كان الرجل
أباه بلا واسطة أم مع الواسطة، والعمة هي أخت ذلك الرجل، والخال
313

هو أخو امرأة ينتمي إليها الانسان بالولادة كذلك، سواء كانت أمه
بلا واسطة أم مع الواسطة، والخالة هي أخت تلك المرأة، ولذلك
فتكون للعمومة والخؤولة درجات متصاعدة.
فالعم هو أخو أبي الميت لأبيه وأمه، أو لأبيه خاصة، أو لأمه خاصة،
والعمة هي أخت أبي الميت للأبوين كليهما أو لأحدهما خاصة، والخال
هو أخو أم الميت لأبيها وأمها، أو لأبيها خاصة أو لأمها خاصة، والخالة
هي أخت أمه لأبويها أو لأحد أبويها خاصة، وهؤلاء هم الدرجة الأولى
من الأعمام والأخوال.
والعم أيضا أخو جد الميت القريب، والعمة أخت جده والخال أخو
جدته القريبة والخالة أخت جدته على نهج ما ذكرناه في نسبتهم من كلا
الأبوين أو من أحدهما، وهؤلاء هم الدرجة الثانية من الطبقة، والعم
أيضا أخو جد أبي الميت والعمه أخت جد أبيه، والخال أخو جدة أمه
والخالة أخت جدة أمه للأبوين أو للأب أو للأم خاصة، وهذه هي الدرجة
الثالثة منهم، وهكذا كلما ارتفع النسب درجة ارتفعت العمومة والخؤولة
معها درجة.
ولكل واحدة من هذه الدرجات أبناء أعمام وأبناء عمات وأبناء
أخوال وأبناء خالات يتنازلون مع توالد الأبناء مرتبة بعد مرتبة، وقد
ذكرنا هذا من قبل.
ومن هذه الطبقة أيضا أعمام الأم وعماتها وأخوالها وخالاتها وأعمام
أم الأب وأخوالها درجة بعد درجة وأبناؤهم مرتبة بعد مرتبة ما دامت
صلتهم بالميت تعد في نظر أهل العرف قرابة ورحما، حتى تتناهى في
البعد وتسقط الرحم لكثرة البعد في نظر العقلاء. والأعمام والأخوال
ودرجاتهم وأبناؤهم بحكم صنف واحد، فيحجب الأقرب في الدرجة أو
في المرتبة منهم الأبعد.
[المسألة 192:]
إذا مات الميت وترك من بعده عما ولم يترك معه وارثا آخر، ورث
العم المال كله، سواء كان أخا أبيه، أم أخا جده القريب أم أخا أحد
314

أجداده الآخرين من قبل أبي الميت أو من قبل أمه، وسواء كانت أخوته
لأبي الميت أو لجده للأبوين أم للأب خاصة أم للأم خاصة، فيستحق
المال بالقرابة لانحصار الوارث به وكذلك إذا مات الميت وترك عمة
واحدة على الوصف الذي بيناه في العم ولم يترك سواها، فيكون لها
ميراث الميت كله بالقرابة.
[المسألة 193:]
إذا مات الشخص وترك من بعده عمين أو أعماما ذكورا متساوين
في الدرجة ومتحدين في جهة النسب، فكلهم إخوة أبي الميت مثلا أو إخوة
أبي أبيه أو إخوة أحد أجداده الآخرين، وكلهم إخوة ذلك الأب أو
الجد لأبويه أو لأبيه خاصة أو لأمه خاصة، ولم يترك سواهم من
الوارثين، ورث الأعمام المذكورون جميع المال واقتسموه بالمساواة
بينهم، وكذلك إذا مات الميت وترك عمتين أو عمات على الوصف الذي
ذكرناه، متساويات في الدرجة ومتحدات في جهة النسب ولم يترك وارثا
سواهن ورثت العمات المال واقتسمنه بالسواء بينهن.
[المسألة 194:]
إذا مات الشخص وترك من بعده عما أو أعماما متعددين وترك معهم
عمة أو عمات، وكان جميعهم متساوين في الدرجة ومتحدين في جهة
النسب على الوصف الذي ذكرناه، ورثوا المال كله كما تقدم في نظيره
لانحصار الوارث بهم واقتسموا المال بينهم بالتفاضل، فللذكر مثل
حظ الأنثيين، من غير فرق بين أن يكونوا إخوة أبي الميت أو إخوة جده
من قبل أمه أو من قبل أبيه أو من قبل أبويه كليهما على الأقوى.
[المسألة 195:]
إذا مات الميت وترك أعماما وعمات وارثين من درجة واحدة ولكنهم
مختلفون في جهة النسب فبعضهم إخوة أبي الميت من أبويه كليهما
وبعضهم إخوته من أبيه وبعضهم إخوته من أمه، لم يرث الميت أعمامه
من قبل الأب خاصة وكان الميراث للأعمام من الأبوين ومن الأم خاصة،
وأشكل الحكم في تقسيم التركة عليهم.
315

وقد أفتى المشهور من العلماء بأن المتقرب بالأم يجري فيه حكم
كلالة الأم، فإذا كان عما واحدا أو عمة واحدة ورث السدس وحده،
وإذا كان متعددا ورث ثلث التركة واقتسموه بالتساوي فللذكر مثل
حظ الأنثى، وإن ما زاد من التركة على السدس في الفرض الأول وعلى
الثلث في الفرض الثاني يكون للأعمام المتقربين بالأبوين ويتقاسمونه
بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا فقد المتقربون بالأبوين قام الأعمام
المتقربون بالأب وحده مقامهم في ميراثهم على النحو المذكور.
ولا يبعد أن يكون الأعمام المتقربون بالأم كالأعمام المتقربين بالأبوين
في الإرث من جميع المال لا من السدس والثلث على الخصوص وأن
ميراثهم جميعا بالتفاضل، فإذا فقد المتقربون بالأبوين قام المتقربون
بالأب وحده مقامهم، ولكن الأحوط ايقاع المصالحة بينهم في ذلك بل
لا يترك الاحتياط فيه.
[المسألة 196:]
إذا ترك الميت من بعده خالا ولم يترك وارثا غيره، ورث الخال
التركة كلها سواء كان أخا أم الميت أم أخا جدته لأمه أم أخا إحدى
جداته الأخرى القريبة أو البعيدة، وسواء كانت إخوته لأم الميت أو
لجدته من قبل كلا الأبوين أم للأب خاصة أم للأم خاصة، فيستحق المال
كله لانحصار الوارث به، ومثله في الحكم ما إذا ترك الميت خالة كذلك
وانفردت بالميراث فترث المال كله.
[المسألة 197:]
إذا خلف الميت من بعده خالين أو أخوالا ذكورا متساوين في الدرجة
ومتحدين في جهة النسب على الوجه الذي ذكرنا في العم في المسألة المائة
والثالثة والتسعين، ولم يكن له وارث سواهم ورث الأخوال المال كله
واقتسموه بالمساواة بينهم، ومثله في الحكم ما إذا ترك خالتين أو خالات
متعددة على الوصف المذكور فهن متساويات في الدرجة ومتحدات في
نسبتهن إلى أم الميت أو إلى جدته فيرثن التركة ويقتسمنها على السواء
بينهن.
316

[المسألة 198:]
إذا مات أحد وترك من بعده خالا واحدا أو أكثر وترك معه خالة
واحدة أو أكثر، وهم من أهل درجة واحدة، ومتحدون في جهة النسب
للميت، فكلهم أشقاء أمه مثلا لأبويها أو كلهم إخوانها لأبيها فقط،
أو لأمها فقط، ورثوا المال جميعا، والمشهور أنهم يقتسمون المال بينهم
بالسواء فللذكر مثل حظ الأنثى، والأحوط الرجوع إلى المصالحة بينهم
في ذلك.
[المسألة 199:]
إذا مات أحد وترك أخوالا متفرقين في جهة نسبهم إلى الميت فبعضهم
إخوان أمه من قبل أبويها، وبعضهم إخوانها لأبيها خاصة وبعضهم
إخوانها لأمها، اختص الميراث بالأخوال المتقربين بالأبوين والأخوال
المتقربين بالأم، ولم يرث المتقربون بالأب خاصة، وإذا فقد المتقربون
بالأبوين قام المتقربون بالأب مقامهم وأخذوا ميراثهم.
وقد أفتى المشهور بأن للخال المتقرب بالأم سدس التركة إذا كان
واحدا، سواء كان ذكرا أم أنثى، وأن له ثلث التركة إذا كان أكثر
من واحد، واقتسمه بالمساواة بين أفراده الذكور والإناث، وأن الباقي
من التركة بعد السدس والثلث للأخوال المتقربين بالأبوين، ويقتسمونه
بالمساواة أيضا، وإذا لم يوجد المتقربون بالأبوين فالباقي للمتقربين
بالأب خاصة يرثونه على السواء. والمسألة مشكلة لخلوها عن النصوص
فلا يترك الاحتياط بالمصالحة.
[المسألة 200:]
إذا ترك الميت من بعده عما واحدا أو أعماما، وخالا واحدا أو
أخوالا، ورث الأخوال ثلث التركة واقتسموا النصيب بينهم على النحو
الذي تقدم تفصيله إذا كانوا متعددين، وإذا كان الوارث منهم خالا
واحدا أو خالة واحدة انفرد بميراث الثلث كله وورث الأعمام ثلثي
التركة، واقتسموا النصيب بينهم بالتساوي إذا كان الجميع ذكورا
أو إناثا، وبالتفاضل إذا كان مختلفين في ذلك، والأحوط المصالحة
317

في صورة التفرق كما ذكرنا في المسألة المائة والخامسة والتسعين وإذا
كان الموجود منهم عما واحدا أو عمة واحدة ورث جميع الثلثين.
[المسألة 201:]
إذا خلفت المرأة الميتة زوجا وعما أو عمة، كان للزوج نصيبه وهو
نصف التركة وكان الباقي منهم للعم أو العمة، سواء كانت قرابتهما
لأبي الميتة من كلا الأبوين أم لأحدهما خاصة، وإذا تركت زوجا مع
أعمام وعمات، أخذ الزوج نصف التركة، واقتسم الأعمام أو العمات
النصف الآخر بينهم بالسواء، وإذا كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل
حظ الأنثيين، ورجعوا إلى المصالحة مع تفرقهم في جهة النسب وإذا خلف
الرجل الميت زوج مع عم له أو عمة، أو أعمام متعددين، ورثت الزوجة
ربع التركة، وورث العم أو العمة أو الأعمام بقية المال على نهج ما بيناه
في الفرضين السابقين.
[المسألة 202:]
إذا تركت المرأة بعد موتها زوجا وخالا أو خالة على نهج ما ذكرناه
في العم والعمة، أخذ الزوج النصف والباقي من التركة يكون للخال
أو الخالة، وإذا خلفت مع الزوج أخوالا أو خالات، ورث الزوج النصف
وورث الأخوال أو الخالات الباقي بالتساوي إذا كانوا متحدين في جهة
النسب ومتفقين في الذكورة والأنوثة كما هو ظاهر الفرض، وإذا
اختلفوا في الذكورة والأنوثة روعي الاحتياط المتقدم في المسألة المائة
والثامنة والتسعين وما بعدها، وكذلك إذا كانوا مختلفين في جهة
النسب، فبعضهم للأبوين أو الأب وبعضهم للأم فيراعى الاحتياط
المتقدم في المسألة المائة والتاسعة والتسعين.
وإذا ترك الميت زوجة مع خال أو خالة أو مع أخوال ورثت الزوجة
ربعها، وورث الخال أو الخالة الباقي إذا كان منفردا، واقتسمه على
نهج ما ذكرناه إذا كان متعددا من التساوي أو الاحتياط بالمصالحة
في مواردها.
[المسألة 203:]
إذا كان للمرأة الميتة زوج وعم وخال، كان للزوج نصف التركة،
318

وورث الخال ثلث التركة وأخذ العم بقية المال، وكذلك الحكم إذا
تركت مع الزوج عمة وخالة فيكون الميراث كذلك، وإذا تعدد العم
وتعدد الخال، أخذ الزوج النصف وأخذ الأخوال الثلث واقتسموه
بالتساوي إذا كان جميعهم ذكورا أو إناثا، وإذا كانوا مختلفين ذكورا
وإناثا روعي الاحتياط المتقدم، وورث الأعمام بقية المال على نهج ما
سبق بيانه من التساوي والتفاضل أو المصالحة إذا اختلفوا في جهة
النسب.
[المسألة 204:]
تقدم منا أن الأعمام والأخوال وأولادهم بحكم الصنف الواحد شرعا،
ونتيجة لذلك، فيمنع الأقرب منهم الأبعد في الدرجة وفي المرتبة، فلا
يرث الميت عم أبيه ولا عمة أبيه ولا عم أمه ولا عمة أمه، ولا أحد من
أخوالهما ولا خالاتهما إذا وجد أحد من الدرجة الأولى، وهم عم الميت
نفسه أو عمته أو خاله أو خالته أو أولادهم، ولا يرث عم جد الميت أو
عمته من قبل أبيه أو من قبل أمه ولا أخوالهم ولا خالاتهم إذا وجد أحد
من الدرجة الثانية وهم عم أبي الميت وعمته وخاله وخالته ومن يتبعهم
من أبنائهم، وهكذا.
[المسألة 205:]
ولا يرث ابن عم ولا ابنة عم ولا ابن عمة ولا ابنة عمة ولا ابن خال
أو ابنة خال ولا ابن خالة أو ابنة خالة مع وجود عم أو عمة أو خال أو
خالة، ويكون الميراث لمن في المرتبة الأولى وإن كان واحدا، ولا يرث
أبناء أي درجة مع وجود أحد من أهل الدرجة نفسها.
[المسألة 206:]
إذا فقد الأعمام والأخوال جميعا أو منعوا عن الميراث لبعض
الموانع الشرعية من كفر أو ارتداد أو قتل أو رق قام أولاد الأعمام
والأخوال مقامهم في الميراث، وورث الولد نصيب من يتقرب به إلى الميت
من الأب أو الأم فإذا كان للميت ابن عم واحد ولم يكن معه وارث
غيره، ورث ابن العم المال كله، كما هو الحكم في ميراث العم نفسه إذا
319

كان موجودا، وكذلك الحكم في بنت العم وابن العمة وابنة العمة، إذا
وجد واحد منهم وانفرد بالإرث كما هو حكم آبائهم.
وإذا كان للميت أبناء عم واحد أو بنات عم واحد، ورثوا المال
كله واقتسموه بالسواء بينهم إذا اتفقوا في الذكورة والأنوثة،
واقتسموه بالتفاضل حين يختلفون فيهما.
وإذا كان للميت أولاد أعمام متعددين، فرض الأعمام الآباء موجودين
حين موت الميت وقسمت تركته عليهم بالتساوي إذا كانوا متحدين في
الذكورة والأنوثة، وبالتفاضل إذا كانوا مختلفين فيهما، ورجعوا إلى
الصلح مع تعدد جهة النسب فما أصاب أي فرد منهم من التركة كان
نصيبا لأولاده سواء كان هو ذكرا أم أنثى، وقسم النصيب على الأولاد
على النهج الآنف ذكره من التساوي أو التفاضل.
[المسألة 207:]
إذا كان للميت ابن خال واحد أو بنت خال أو ابن خالة أو بنت
خالة كذلك، وانفرد بالميراث، ورث المال كله، كما هو الحكم في ميراث
الخال والخالة حين ينفردان، وإذا كان للميت أبناء خال واحد أو بنات
خال واحد ورثوا المال كما يرثه أبوهم إذا انفرد، واقتسموه بالمساواة،
وإذا اختلفوا في الذكورة والأنوثة رجعوا إلى المصالحة بينهم على الأحوط،
وكذلك الحكم في أولاد الخالة الواحدة.
وإذا كان للميت أولاد أخوال متعددين، فرض الأخوال آباؤهم
موجودين حين موت الميت، وقسمت التركة عليهم على نهج ما تقدم في
ميراث الأخوال، فما استحقه الواحد منهم من التركة قسم على أولاده
مع مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه في ذلك المبحث.
[المسألة 208:]
إذا مات الميت وله ولد عم أو عمة، وولد خال أو خالة، كان لولد
عمه نصيب العم من التركة وهو الثلثان وكان لولد خاله نصيب الخال
منها وهو الثلث، فإذا انفرد ابن العم أو ابنة العم، أو ابن العمة أو
بنتها ولم يشاركه من بني العم وارث غيره أخذ جميع الثلثين، وإذا
تعدد أولاد العم الواحد أو العمة الواحدة اقتسموا الثلثين على سبيل
320

ما فصلناه من التساوي إذا اتفقوا في الذكورة والأنوثة، والتفاضل إذا
اختلفوا فيهما، والرجوع إلى المصالحة إذا تعددت جهة النسب وإذا
انفرد ابن الخال أو بنت الخال أو ابن الخالة أو بنتها ولم يشاركه غيره
من بني الخال في الميراث، ورث جميع الثلث، وإذا تعدد أولاد الخال
الواحد أو الخالة الواحدة اقتسموا الثلث في ما بينهم مع الاحتياط الذي
تقدم ذكره.
[المسألة 209:]
إذا ترك الميت من بعده أولاد أعمام متعددين، وأولاد أخوال
متعددين، كان الثلثان نصيبا للأعمام فيقسم عليهم على نهج ما تقدم
وما أصاب العم الواحد من الثلثين يكون ميراثا لأولاده، يقسم عليهم
بالتساوي أو التفاضل، وما أصاب العمة من ذلك يقسم على أولادها
كذلك، وكان الثلث نصيبا للأخوال فيقسم عليهم حسب ما تقدم بيانه
في ميراث الأخوال، وما أصاب أي فرد منهم يكون ميراثا لأولاده يقسم
عليهم حسب ما تقدم من مراعاة الاحتياط.
[المسألة 210:]
ذكرنا أن الأقرب من الأعمام والأخوال وأبنائهم يمنع الأبعد ويحجبه
عن الميراث حجب حرمان، وقد استثني من ذلك مورد واحد ثبت استثناؤه
بالأدلة المعتبرة، وهو ما إذا ترك الميت ابن عم شقيق لأبيه، وترك معه
عما له من قبل الأب خاصة، فإن ابن العم الشقيق أحق بميراثه من العم
غير الشقيق، فيختص بالتركة ويمنع العم من الإرث، والظاهر عدم
الفرق بين أن يكون ابن العم الشقيق واحدا أو متعددا، ولا بين أن
يكون العم الممنوع من الإرث واحدا أو متعددا كذلك ولا بين أن يكون
معهما زوج أو زوجة أو لا يكون، فيكون ابن العم أحق بالميراث من العم
في جميع ذلك.
نعم، يشكل الحكم إذا اجتمع معهما خال أو خالة أو أكثر، ولا
تترك مراعاة الاحتياط في هذا الفرض ونحوه.
[المسألة 211:]
إذا مات الشخص وخلف من بعده عم أبيه وعمة أبيه ولم يترك
321

سواهما كان المال لهما واقتسماه بينهما للذكر ضعف الأنثى فللعم
الثلثان وللعمة الثلث، وإذا ترك خال أبيه وخالته ولا غيرهما، ورثا
المال والأحوط المصالحة بينهما في قسمته، وإذا ترك عم أمه وعمتها لا
غيرهما، ورثا التركة واقتسماها بالتساوي، وكذلك إذا خلف خال
أمه وخالتها.
وإذا خلف الميت عم أبيه وعمته، وخال أبيه وخالته، وترك معهم
أيضا عم أمه وعمتها وخالها وخالتها ورث المتقربون بالأم ثلث التركة
واقتسموه بالسواء، وورث المتقربون بالأب ثلثي التركة ولا يترك
الاحتياط أن يكون الاقتسام بينهم بالمصالحة.
[المسألة 212:]
قد يتحقق للشخص سببان من الأسباب الموجبة للإرث، ومن أمثلة
ذلك أن يتزوج الرجل ابنة عمه أو ابنة خاله فيتحقق له بذلك سبب
الزوجية وسبب القربى، ومن الأمثلة أن يزوج الرجل بنت ابنه من
ولد ولده الآخر، فإذا ولد منهما ولد، كان الرجل جدا لهذا الولد من
قبل أبيه وجدا له من قبل أمه، وكان الولد ابن ابن الرجل وابن بنته،
ومن أمثلة ذلك أن يزوج الرجل أخاه من أبيه بأخته لأمه، فإذا ولد
منهما ولد كان الرجل عما للولد من قبل الأب، وخالا له من قبل الأم،
وكان ولد الرجل ابن عم لذلك الولد وابن خال، ومن أمثلة ذلك أن
تتزوج امرأة رجلا فتلد منه ولدا ثم يتزوجها أخوه من بعده فتلد له
ولدا، فيكون ولدها من زوجها الثاني أخا لولدها الأول من أمه وابن
عم له من قبل أبيه.
فإذا اتفق للوارث مثل ذلك ورث الميت بكلا السببين إذا لم يحجب
أحدهما الآخر ولم يمنع من الإرث بمانع غيره فإذا ماتت المرأة في
المثال الأول وليس لها وارث غير زوجها وهو ابن عمها، ورث النصف
لأنه زوجها، وورث الباقي لأنه ابن عمها، وإذا كان لها وارث آخر
أقرب من ابن العم ورث منها نصيب الزوج ومنع من الإرث الآخر.
وإذا مات الولد في المثال الثاني ولا وارث له أقرب من جده، ورث
الجد منه نصيب جده لأبيه ونصيب جده لأمه، وإذا مات الجد وبقي
322

الولد ولا وارث للجد أقرب منه ورث الولد منه نصيب ابن ابنه ونصيب
ابن بنته.
وإذا مات أحد الولدين في المثال الأخير ولا وارث له أقرب من الولد
الآخر، ورثه لأنه أخوه لأمه ولم يرث منه ميراث ابن عمه.
[المسألة 213:]
إذا اجتمع للميت وارثان أحدهما يستحق الإرث منه بسبب واحد
والثاني يستحق الإرث منه بسببين، ورث الأول نصيبه الواحد الذي
استحقه من التركة، وورث الثاني النصيبين اللذين استحقهما، ولم
يحجب الثاني الأول، من حيث إنه يرث بسببين، فإذا ماتت المرأة
وتركت زوجها وهو ابن عمها وتركت معه ابن عم آخر أو أبناء عم
آخرين، ورث الزوج النصف لأنه زوج، وقاسمه أبناء العم الآخرون
بقية التركة فأخذ الزوج حصته منها، وأخذ الآخرون حصصهم، وكذا
الحال في الأمثلة الأخرى.
[المسألة 214:]
إذا زوج الرجل أخاه من أبيه بأخته من قبل أمه، وولد لأخيه منها
ولد كان الرجل عما للولد من قبل أبيه، وخالا له من قبل أمه، كما
ذكرنا في المسألة المائتين والثانية عشرة، فإذا مات الولد وليس له وارث
أقرب من ذلك الرجل ورث من تركته نصيب العمومة من قبل الأب ونصيب
الخؤولة من قبل الأم، فإذا كان للولد عم أو عمه للأبوين، لم يرث
الرجل منه نصيب العمومة للأب، فإنه يكون محجوبا عنه بوجود العمومة
للأبوين، ويرث منه نصيب الخؤولة للأم.
[الفصل الثامن]
[في ميراث الأزواج]
[المسألة 215:]
يثبت التوارث بين الرجل والمرأة إذا حصل عقد النكاح بينهما وكان
النكاح بينهما دائما، وإن لم يدخل الرجل بالمرأة، فإذا مات الرجل
بعد العقد وقبل الدخول، أو ماتت المرأة كذلك ورث الحي منهما
323

الميت، وكذلك إذا عقد على الطفلة الصغيرة وليها الشرعي أو عقد على
الطفل الصغير وليه مع اجتماع شروط الولاية في الوليين، ثم مات أحد
الطفلين بعد العقد وقبل البلوغ أو بعد البلوغ وقبل الدخول ورث
الموجود منهما من تركة الميت نصيب الزوجية.
[المسألة 216:]
لا يرث الرجل من تركة المرأة إذا ماتت قبله، ولا ترث المرأة من
تركة الرجل إذا مات قبلها، وكان العقد بينهما منقطعا غير دائم، وإن
كانت المدة في النكاح طويلة، إلا إذا شرط أحدهما لنفسه في عقد النكاح
بينهما أن يرث صاحبه إذا مات قبله، أو شرط الرجل والمرأة التوارث
بينهما من كلا الجانبين، فيثبت الميراث لمن اشترط له ذلك، ولا يثبت
للآخر الذي لم يشترط له، وقد ذكرنا هذا في المسألة الثلثمائة والثالثة
من كتاب النكاح.
[المسألة 217:]
المرأة المطلقة طلاقا رجعيا من زوجها بحكم الزوجة ما دامت في أيام
عدتها منه، فإذا ماتت الزوجة أو مات الزوج في أثناء العدة ورث الحي
منهما الميت وإن كان الموت قبل انتهاء العدة بلحظات، وإذا انقضت
العدة ثم مات أحدهما لم يرثه الآخر وإن كان الموت بعد العدة بلحظات،
وإذا كان الطلاق بائنا انقطعت العصمة بين الزوجين فلا يرث أحدهما
صاحبه وإن كان موته في أثناء العدة أو بعد الطلاق بفترة وجيزة،
ولا فرق في الحكم المذكور في المسألة بين أن يكون الزوج المطلق صحيحا
أو مريضا إذا كان في غير مرضه الذي مات فيه.
[المسألة 218:]
إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض واستمر به ذلك المرض إلى أن
مات فيه، ورثته الزوجة التي طلقها إذا كان موته قبل أن تنقضي سنة
من يوم طلاقها، ولا فرق في الحكم بين أن يكون الطلاق رجعيا أو بائنا،
ولا بين أن تكون المرأة ذات عدة من الزوج وأن تكون ممن لا عدة لها
كالمطلقة الصغيرة وغير المدخول بها واليائسة من المحيض.
324

ويشترط في إرثها من الرجل أن يموت في مرضه الذي طلقها فيه،
فلا ترثه إذا برئ من مرضه ومات بعد البرء بسبب آخر، أو بمرض
يشبه ذلك المرض، إلا إذا كان موته وهي في العدة الرجعية منه.
ويشترط في ثبوت الإرث لها أن لا تتزوج بعد الطلاق منه برجل
آخر، فإذا تزوجت غيره لم ترث من المطلق إذا مات.
ويشترط فيه أن يكون موت المطلق قبل أن تنقضي السنة من حين
الطلاق، فإذا مات بعد انقضاء السنة ولو بيوم ونحوه لم ترث منه.
ويشترط أن لا يكون طلاق الرجل لها بطلب منها أو يكون خلعا أو
مباراة، فلا إرث لها منه بعد الطلاق إذا كان طلاقها كذلك، وقد ذكرنا
هذا الحكم في المسألة المائة والرابعة من كتاب الطلاق.
[المسألة 219:]
إذا طلاق الرجل المرأة في مرض موته ولم يقصد الاضرار بها في طلاقه
إياها أو حرمانها من الميراث، بل أراد مصلحة تعود إلى المرأة في اعتقاده،
كما إذا كانت شابة وهو كبير السن، فطلقها لتتزوج بغيره إذا شاءت،
وكما إذا خشي عليها العدوي من مرضه فطلقها لذلك، ففي جريان
الحكم الذي ذكرناه في المسألة السابقة اشكال، فلا يترك الاحتياط
بالمصالحة بين الورثة وبينها إذا مات الرجل بعد الطلاق وقبل انتهاء
السنة.
[المسألة 220:]
إذا ماتت المرأة وتركت من بعدها زوجا كان للزوج نصف تركتها
إذا لم يكن للمرأة ولد ذكر أو أنثى، فإذا كان لها ولد كان للزوج ربع
التركة، سواء كان الولد من الرجل نفسه أم من زوج آخر، وكذلك
إذا كان لها ولد ولد وإن تعددت الواسطة ما بينه وبين المرأة من الذكور
أو الإناث.
وإذا مات الرجل وترك من بعده زوجة كان للزوجة ربع تركته إذا
لم يكن للرجل ولد ذكر أو أنثى، فإذا كان له ولد كان للزوجة ثمن
التركة، سواء كان الولد من الزوجة نفسها أم من امرأة أخرى وإن
325

كانت أمة، وكذلك إذا كان له ولد ولد من الذكور أو الإناث، وإن
تعددت الواسطة ما بينه وبين الرجل.
[المسألة 221:]
إذا مات الرجل وترك أكثر من زوجة واحدة اشتركن في نصيب
للزوجية، فإن لم يكن للرجل ولد أو ولد ولد اشتركت زوجاته في ربع
التركة، وإذا كان له ولد اشتركن في الثمن، واقتسمن النصيب بينهن
بالتساوي.
[المسألة 222:]
تقدم في المسألة المائتين والثامنة عشرة حكم المريض إذا طلق امرأته
في مرض الموت، فإذا طلع أربع زوجات في مرض موته، ثم تزوج أربعا
أخرى ودخل بهن، ثم مات قبل أن تنقضي السنة من طلاق زوجاته
الأولى كان ربع التركة أو ثمنها نصيبا للزوجات الثمان فيقتسمنه بينهن
على السواء.
[المسألة 223:]
إذا ماتت المرأة ولم يوجد لها وارث غير زوجها وغير إمام المسلمين
(ع) كان جميع ميراثها للزوج على الأقوى، فيرث نصف التركة بالفرض
ويأخذ نصفها الآخر بالرد، ولا يرد على الزوج شئ من التركة في غير
هذا الفرض، وإذا مات الرجل ولم يكن له وارث غير زوجته وإمام
المسلمين، ورثت الزوجة منه ربع التركة وكان الباقي للإمام (ع) ولا
يرد على الزوجة شئ من التركة في هذا الفرض ولا في غيره.
[المسألة 224:]
يجتمع الزوج والزوجة مع طبقات الوراث الأخرى في جميع درجاتهم
ومراتبهم، ولا يحجبهما وجود أي وارث منهم عن الميراث حجب حرمان،
وإذا اجتمعا من ولد للميت منهما حجبهما حجب نقصان كما ذكرنا،
وقد تقدمت في الفصول المتقدمة أمثلة كثيرة لاجتماع الزوج والزوجة
مع سائر الورثة وسنذكر اجتماعهما مع المعتق وضامن الجريرة.
[المسألة 225:]
إذا عقد الرجل لنفسه عقد النكاح على امرأة في أثناء مرضه الذي
326

كان سببا لموته في ما بعد، كانت صحة العقد مشروطة بدخوله بالمرأة
التي عقد عليها كما ذكرناه في المسألة المائتين والثالثة والسبعين من
كتاب النكاح، فإذا دخل بالمرأة بعد العقد عليها كشف ذلك عن صحة
العقد وترتبت عليه أحكامه، وإذا هو لم يدخل بها حتى مات هو أو
ماتت هي قبله، كشف ذلك عن بطلان العقد، فلا يثبت لها مهر ولا
نفقة، ولا ترثه المرأة إذا مات قبلها، ولا يرثها هو إذا ماتت قبله،
وهذا الحكم مختص بالفرض المذكور ولا يعم غيره، فإذا عقد على المرأة
وهو صحيح ثم مرض مرضا كان سببا لموته صح عقده وإن لم يدخل بها،
وورثته المرأة إذا مات قبلها وورثها إذا ماتت قبله، وكذلك الحكم إذا
عقد على المرأة وهو مريض ثم برئ من مرضه، ثم مات قبل الدخول
بها بسبب آخر فترثه المرأة ويرثها إذا كانت هي الميتة.
[المسألة 226:]
إذا كانت للرجل أربع زوجات دائمات، فطلق واحدة منهن، وتزوج
بعد طلاقها بامرأة أخرى، ثم مات الرجل، ولم يعلم بعد موته أي
الزوجات الأربع الأول هي المطلقة، أخذت الزوجة الأخيرة نصيبها
تاما، فإن كان للرجل ولد أخذت ربع الثمن، وإن لم يكن له ولد أخذت
ربع الربع، ثم قسم الباقي من الثمن أو الربع وهو ثلاثة أرباعه على
الزوجات الأربع الأول جميعهن واقتسمنه بالسواء.
ولا يتعدى هذا الحكم عن الفرض المذكور، فإذا كانت الزوجات
الأول أقل من أربع، أو كانت المطلقة منهن أكثر من واحدة أو اشتبهت
المطلقة بين اثنتين منهن أو بين ثلاث، أو كان الفراق بفسخ أو حصل
غير ذلك من الفروض لم يجر الحكم المذكور بل تستخرج المطلقة أو
المفسوخة منهن بالقرعة، ويدفع الثمن أو الربع للباقي من الزوجات
مع الزوجة الأخيرة ويقسم بينهن على السواء.
[المسألة 227:]
لا فرق بين الزوج وغيره من سائر الورثة، فهو يرث النصف أو
الربع من جميع ما تتركه الزوجة إذا ماتت قبله من الأموال والأعيان
المنقولة وغير المنقولة ومن الأراضي والبساتين والدور والعمارات
327

والعقارات والشجر والنخيل والمياه والعيون والمنافع والديون وغيرها
من المملوكات، حتى الصداق الذي تملكه في ذمته أو في ذمة غيره.
[المسألة 228:]
ترث الزوجة نصيبها وهو الربع أو الثمن مما ترك الزوج بعد موته
من الأموال والأعيان المنقولة كالنقود والأمتعة والأثاث والفرش
والأدوات والأجهزة والحيوان والسفن ووسائل النقل وغيرها مما ينقل
ويحول ويتخذ للاستعمال أو للاقتناء أو للتجارة والاسترباح، ولا ترث
من الأراضي التي يملكها خالية أو مشغولة بالبناء أو بالغرس أو الزرع،
كأراضي العمارات والدور والمساكن والمحلات، وأراضي الضياع
والبساتين والمزارع وغيرها، فلا ترث من الأرض في جميع ذلك لا من
عينها ولا من قيمتها، وترث من قيمة الأبنية المقامة على الأرض من
عمارات ودور ومساكن ومحلات وحوانيت ومن قيمة الأشجار والنخيل
والأشياء والآلات الثابتة في أراضي الضياع والبساتين والمزارع والمنازل
وأشباهها، ولا ترث من أعيان تلك الأشياء الثابتة في الأرض، ولا فرق
في الأحكام المذكورة بين الزوجة ذات الولد من الزوج وغيرها.
وعلى وجه الاجمال، فهي لا ترث من الأرض شيئا، لا من عينها ولا
من قيمتها سواء كانت فارغة أم مشغولة ببناء أو بزرع أم بغرس، أم
بغيرها من الأمور التي تشغل بها الأرض، ولا ترث من أعيان الأشياء
والأبنية والأبواب والأخشاب والأشجار والنخيل والآلات الثابتة في
الأرض وترث من قيمتها خاصة، وترث من غير ذلك من الأشياء
والمملوكات المنقولة في شتى أنواعها وأجناسها.
[المسألة 229:]
يعتبر في تقويم الأبنية والأشجار والنخيل والأشياء الثابتة في الأرض
أن يفرض جميع ذلك ثابتا في مواضعه من الأرض وقائما عليها من غير
استحقاق أجرة على ثباته في الأرض، ثم يقومه الموثوقون من أهل الخبرة
كذلك، فيكون للزوجة ربع هذه القيمة إذا لم يكن للميت ولد، ويكون
لها ثمنها إذا كان له ولد.
328

[المسألة 230:]
يجوز للمرأة أن تطالب الوارث بدفع حصتها من القيمة، ويجوز
له أن يتفق معها فيؤخر دفع نصيبها من القيمة، ويدفع لها حصتها من
أجرة البناء ومن أجرة الشجر والنخيل والأشياء الثابتة مدة معينة
فتكون له منافعها في تلك المدة، وإذا لم يدفع لها القيمة ولم يدفع لها
منافع حصتها مدة، جاز لها أن تطالبه بالأجرة في تلك المدة.
[المسألة 231:]
إذا مات الرجل وكانت النخيل والأشجار مثمرة في ذلك الحين استحقت
الزوجة حصتها من عين الثمرة الموجودة، فيجب على الوارث دفع حصتها
من العين إليها إذا لم ترض بالقيمة، وإذا أخر الوارث دفع حصتها من
قيمة النخيل والشجر سنة أو أكثر وتجددت لها ثمار في تلك الفترة
استحقت المرأة حصتها من عين الثمار المتجددة، وجاز لها أن تطالب
الوارث بها، وكذلك الحكم في جميع المنافع والنماءات التي تتجدد
للعين في تلك المدة إلى أن يدفع الوارث لها حصتها من قيمة الأصول.
[المسألة 232:]
الظاهر أنه يجوز للوارث أن يدفع للمرأة حصتها من نفس العين
من الشجر والبناء إذا هو اختار ذلك ولا يحق للمرأة أن تجبره على دفع
القيمة، وإذا بذل لها الحصة من نفس العين، ثم أراد أن يعدل إلى بذل
القيمة، أشكل الحكم بوجوب قبول القيمة بعد ذلك.
[المسألة 233:]
إذا قلع من الضيعة أو البستان بعض النخيل أو الأشجار بعد أن كان
ثابتا جاز للمرأة أن تطالب الوارث بحصتها من نفس النخيل والشجر
المقلوع ولم تجبر على قبول القيمة ويجري عليها حكم الأعيان المنقولة،
وكذلك إذا انهدم البناء الثابت، فلها المطالبة بالحصة من الأنقاض
والأخشاب والأجزاء المنهدمة، ولم تجبر على قبول القيمة.
[المسألة 234:]
إذا كان البناء مشرفا على الانهدام ولم ينهدم بعد، أو كان الشجر أو
النخيل متهيئا للانكسار أو الانقلاع ولم ينكسر ولم ينقلع بالفعل، جاز
329

للوارث أن يدفع قيمته كما في البناء والشجر الثابت، ولا يجبر على دفع
العين إلى أن ينهدم البناء أو ينكسر الشجر بالفعل، وكذلك فسيل النخيل
وودي الشجر المستعد للقلع، فيجري عليه حكم الثابت ويدفع الوارث
للمرأة حصتها من قيمته ولا يجبر على دفع العين ما لم يقلع بالفعل.
وكذلك الدولاب الذي ينصب في البستان للسقي، والعرائش أو
الأخشاب والجذوع التي تنبت في الأرض لتلقى عليها أغصان الكرم
والأشجار المتسلقة، والبيوت التي تتخذ في البساتين والضياع من
القصب أو السعف ونحوها، فإنما تستحق الزوجة حصتها من القيمة
لا من العين ما لم تقلع وتكون من الأعيان المنقولة.
[المسألة 235:]
ترث الزوجة حصتها من قيمة الآلات ووسائل السقي والري في العيون
والأنهار والآبار والقنوات التي تكون في الضياع والبساتين وفي بعض
الدور والمساكن وغيرها، وتملك الحصة من الماء الموجود فيها حال موت
الزوج والذي تعلق به ملكه، فترث الربع أو الثمن من الماء نفسه ولا
يجبرها الوارث على أخذ قيمته.
[المسألة 236:]
ما يحفر في أرض بعض الدور والضياع من السراديب، والانفاق
لبعض المنافع والأغراض، ترث الزوجة ربعها أو ثمنها من قيمته كالأبنية
التي تكون على وجه الأرض، ومثله ما إذا كان الرجل قد حفر في المنزل
أو في البستان بئرا ولم يصل بعد إلى الماء، فتستحق حصتها من قيمته
كالأبنية، إلا إذا أهمل بعد حفره لعدم الفائدة فيه وأصبح مما لا
قيمة له.
[الفصل التاسع]
[في الميراث بالولاء]
[المسألة 237:]
يثبت الميراث بالولاء في ثلاثة أقسام منه مترتبة ما بينها، وهي ولاء
العتق، ثم ولاء ضمان الجريرة، ثم ولاء الإمامة، فلا يرث المتأخر
330

منها إذا وجد من هو أسبق منه في المرتبة، على الوجوه والشروط التي
سيأتي بيانها.
[القسم الأول: ولاء العتق]
[المسألة 238:]
إذا أعتق السيد مملوكه أو مملوكته ثبت للسيد الولاء عليه بسبب
عتقه وكان له ميراثه بعد موته مع وجود ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون السيد متبرعا بعتق المملوك لوجه الله تعالى،
فلا يثبت له الولاء على العتيق ولا يستحق ميراثه إذا كان عتق المملوك
واجبا عليه لكفارة، أو لنذر أو عهد أو يمين، ومتى أعتقه لبعض هذه
الأسباب ولم يكن للعتيق وارث من أرحامه كان سائبة، فإن تولى أحدا
من الناس وضمن الولي جريرته كما سيأتي كان هذا الضامن عاقلته
في حياته ووارثه بعد موته، وإن لم يتول أحدا ولم يضمن جريرته
ضامن، فعاقلته في حياته ووارثه بعد موته هو إمام المسلمين (ع).
وكذلك إذا نكل المالك بالعبد أو مثل به فقطع بعض أعضائه أو عطل
بعض جوارحه أو أوقع به بعض أنواع التنكيل الأخرى، فإن العبد
ينعتق بسبب ذلك قهرا عليه ويكون سائبة ولا سبيل للمالك عليه ولا
حق له في ميراثه.
[المسألة 239:]
إذا ملك الانسان أحد آبائه أو أمهاته من الرضاع أو ملك أحد
أولاده من الرضاع، أو ملك الرجل إحدى محارمه النساء من الرضاع
كذلك انعتق ذلك المملوك قهرا عليه ولم يستقر ملكه له وقد ذكرنا
هذا في المسألة الأربعمائة والخمسين من كتاب التجارة، فإذا مات ذلك
العتيق وليس له وارث قريب من أرحامه كان سائبة، ولم يثبت للرجل
الذي انعتق عليه حق الولاء، لأنه غير متبرع بعتقه، ولا يقع مثل هذا
الفرض في من ينعتق عليه من حيث النسب لوجود الوارث من النسب،
وهو المعتق نفسه إذا لم يكن وارث أقرب منه.
[المسألة 240:]
قد يوجب الرجل على نفسه عتق رقبة بنذر أو عهد أو يمين، ولا
331

يقصد عبدا معينا، ثم يختار عبدا خاصا فيعتقه وفاءا لما أوجب على
نفسه، وقد ينذر أو يعاهد الله أو يقسم به على أن يعتق العبد المعين،
ثم يعتق العبد الذي عينه في صيغة نذره أو عهده أو يمينه، وهو في
كلتا الحالين وفاء لما أوجب الله عليه من العتق، ولا يكون متبرعا به،
ويكون العبد بعد عتقه سائبة كما سبق، ولا يكون للرجل ولاء في عتقه
ولا حق له في ميراثه.
[المسألة 241:]
إذا وجب العتق على زيد مثلا لكفارة أو نذر أو غيرهما فتبرع عمرو
بالعتق عنه، كان العبد العتيق سائبة كما في الموارد المتقدمة، ولم يكن
لمعتقه عليه ولاء ولا حق في الميراث، سواء كان قريبا لمن تبرع عنه أم
بعيدا عنه
[المسألة 242:]
الشرط الثاني: من شروط ولاء العتق، أن لا يتبرأ المعتق من
ضمان جريرة العتيق إذا هو جنى جناية على أحد من الناس، فإذا أعتق
العبد وتبرأ من جريرته كذلك سقط عنه ضمان الجريرة ولم يثبت له
ولاء العتق ولم يكن له حق في ميراثه، ولا يشترط في التبرؤ من الجريرة
أن يشهد على ذلك فإذا تبرأ منها سقط عنه ضمانها وإن لم يشهد عليه.
[المسألة 243:]
الشرط الثالث: أن لا يوجد للعتيق ذو رحم يدخل في طبقات النسب
من الوارثين، فإذا وجد له ذلك، كان هو الوارث وإن كان رحما بعيدا
ولم يرث المعتق منه شيئا.
[المسألة 244:]
لا يمنع المعتق عن الإرث أن تكون للرجل العتيق زوجة أو يكون
للعتيقة زوج، فإذا وجد أحدهما كان للزوج النصف وللزوجة الربع
وكان الباقي للمعتق، فإن المفروض أن لا يكون للعتيق وارث آخر
ولد أو غيره.
[المسألة 245:]
إذا كان العبد مشتركا بين جماعة في ملكه، فاشتركوا كذلك في
332

عتقه، كان ولاؤه مشتركا بينهم بمقدار حصصهم، فإذا مات العتيق
كان ميراثهم من تركته بتلك النسبة، فمن أعتق نصفه كان له نصف
الولاء وأخذ نصف التركة، ومن أعتق ربعه كان له ربع الولاء وورث
ربع التركة وهكذا، من غير فرق بين أن يكون الجميع ذكورا أو إناثا،
أو مختلفين ذكورا وإناثا.
[المسألة 246:]
إذا أعتق المالك عبده على الوجه الآنف ذكره اختص بولاء عتيقه في
حياته، وانفرد بميراثه إذا مات والمنعم لا يزال حيا، وإذا مات المنعم
والعتيق لا يزال موجودا، فإن كان المنعم رجلا انتقل الولاء بعد موته
إلى أبيه وأولاده الذكور خاصة، ولا ينتقل إلى ورثته من النساء كالأم
والبنات والزوجة، فإذا لم يكن له أب ولا ولد أو كان أولاده إناثا انتقل
الولاء إلى عصبته من الرجال، وإذا كان له أولاد أولاد ذكور قاموا مقام
آبائهم فورثوا الولاء وانتقل إلى كل منهم نصيب من يتقرب به ولم
ينتقل الولاء معهم إلى العصبة من الإخوة وغيرهم.
[المسألة 247:]
إذا مات المنعم الرجل ولم يكن له أب ولا ولد ولا أولاد أولاد ذكور وإن
تعددت واسطتهم انتقل الولاء إلى إخوته من قبل أبيه وأجداده من قبل
أبيه كذلك ولا ينتقل إلى أخواته أو جداته ولا إلى أجداده أو إخوانه من
قبل أمه، فإذا فقد أولئك انتقل الولاء إلى الأعمام من قبل الأب ولم
ينتقل إلى العمات ولا الأخوال ولا الخالات.
[المسألة 248:]
إذا كانت المنعمة امرأة وماتت وعتيقها لا يزال موجودا، انتقل
الولاء بعد موتها إلى العصبة بني أبيها، ولم ينتقل إلى أولادها الذكور
أو الإناث أو أولادهم، ويشكل الحكم في الأب إذا كان موجودا، هل
يعد من العصبة أم لا.
[المسألة 249:]
إذا مات المنعم وليس له وارث من ذوي قرابته، فإن كان له منعم
قد أعتق رقبته على الوجه المتقدم ذكره كان وارثا له، وكذلك إذا كان
333

له ضامن جريرة، فإن لم يكن له وارث، فميراثه لإمام المسلمين، ولا
يستحق عتيقه من ميراثه شيئا.
[المسألة 250:]
لا يصح للمنعم أن يبيع الولاء على شخص آخر أو يهبه إياه، ولا يصح
لمن باعه العبد أن يشترط عليه في البيع أن يكون الولاء له إذا أعتقه.
[المسألة 251:]
إذا مات الرجل المنعم قبل أن يموت العتيق، وكان للمنعم ولدان
انتقل ميراث الولاء إليهما بالمناصفة، فإذا مات أحد الولدين وله أولاد
ثم مات العتيق بعد ذلك كان نصف تركته للولد الباقي للمنعم، والنصف
الثاني لأولاد ولده الميت.
[القسم الثاني: ولاء ضامن الجريرة]
[المسألة 252:]
السائبة هو الشخص الذي لا قرابة له ولا أولياء يكونون له عاقلة،
ويتحملون عنه الدية إذا جنى على أحد جناية أو حدث حدثا يستوجب
الأرش، سواء كان في أصله عبدا مملوكا أعتقه سيده في أمر واجب عليه
أم انعتق قهرا على سيده لتنكيله به كما ذكرنا، أم لبراءة معتقه من
جريرته، أم كان في أصله حرا ولا وارث له ولا عاقلة.
والجريرة هي الجناية والذنب، وقد سميت بذلك لما تجره على
فاعلها من العقوبة في الدنيا أو في الآخرة أو في كلتيهما، ويراد بها
هاهنا: ما يجنبه الانسان على غيره من أمر يستوجب دية أو أرشا،
وضامن الجريرة هو الشخص الذي يتعاقد معه السائبة على أن يكون
عاقلة له ووليا، يضمن عنه ما يجنيه من جناية توجب الدية عليه.
[المسألة 253:]
التولي في ضمان الجريرة عقد يكون بين الضامن والمضمون، ولذلك
فلا بد فيه من الايجاب والقبول، ولا بد في كل من الموجب والقابل وأن
يكونا جامعين للشروط المعتبرة في العقود، من البلوغ والعقل والاختيار
334

والقصد، فلا يصح العقد ولا تترتب عليه آثاره إذا فقد بعض الشروط
المذكورة في الموجب أو في القابل.
ولا يشترط في صحة العقد أن يكون انشاؤه بصيغة مخصوصة،
فيكفي في صحته أن ينشأ الايجاب والقبول منهما بأي لفظ يكون دالا
على المعنى المقصود عرفا، ويصح أن يكون الايجاب من الشخص المضمون
وهو السائبة، فيقول للشخص الآخر الذي يريده أن يتولاه ويضمن عنه
جريرته: عاقدتك أو واليتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت جناية
في حياتي وترثني بعد موتي، فيقول الضامن: قبلت معاقدتك على
ذلك، أو قبلت ولاءك، أو رضيت بذلك، ويصح أن يكون الايجاب من
ضامن الجريرة، فيقول للسائبة المضمون: عاقدتك على أن أعقل عنك
وأدفع الدية عنك إن أنت جنيت في حياتك أو أحدثت ما يوجب ذلك،
وأرثك بعد موتك، فيقول المضمون: قبلت المعاقدة على ذلك، أو
رضيت بها، أو قبلت ولاءك، والعقل هنا بمعنى الدية، فمعنى قوله
أعقل عنك: أدفع الدية عنك.
فإذا تم الايجاب والقبول بينهما كذلك، صح العقد وترتبت عليه
آثاره، فيكون الضامن عاقلة للمضمون في حياته ويكون ميراثه له
بعد موته.
[المسألة 254:]
الظاهر أنه يكفي في ضمان الجريرة أن ينشئ الموجب المعاقدة بينه
وبين صاحبه على أن يعقل الضامن على المضمون منهما ويدفع عنه الدية
إذا حدثت منه جناية من غير أن يذكر الإرث بعد الموت، فيقول الضامن
مثل: عاقدتك على أن أكون عاقلة لك أودي عنك الدية إذا أنت جنيت في
حياتك، ويقول السائبة المضمون: قبلت المعاقدة منك على ذلك، أو
يقول المضمون للضامن: عاقدتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت على
أحد، ويقول الضامن: قبلت المعاقدة منك على ذلك، أو يقول المضمون
للضامن: عاقدتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت على أحد، ويقول
الضامن: قبلت المعاقدة، فيصح العقد المذكور ويترتب عليه أن الضامن
يرثه بعد الموت، وإذا تعاقد الشخصان بينهما على الإرث وحده، فقال
335

المضمون مثلا للضامن: عاقدتك على أن ترثني بعد موتي ولم يذكرا
ضمان الدية، أشكل الحكم بالصحة، وخصوصا إذا أريد منه ترتب
ثبوت الإرث وضمان الدية كليهما، بل عدم الصحة لا يخلو من قوة.
[المسألة 255:]
لا يقع عقد التولي في ضمان الجريرة إلا مع سائبة لا عاقلة له ولا
وارث كما ذكرنا، فإذا كان للشخص أحد يعقل عنه من أقاربه أو ولي
عتقه، لم يصح عقد الولاء معه، ولم يترتب على العقد معه أثر شرعي،
فعاقلته ووارثه هو قريبه أو ولي عتقه، وإذا فقد القريب وولي العتق
بعد ذلك وأصبح الرجل سائبة احتاج في الولاء إلى تجديد العقد مع
الضامن إذا شاء ولم يكف العقد الأول، ونتيجة لذلك، فلا ميراث لضامن
الجريرة إلا إذا فقد كل وارث للمضمون من أرحامه وأولياء عتقه.
[المسألة 256:]
إذا كان كل واحد من الضامن والمضمون سائبة لا عاقلة له ولا وارث
من أقاربه وأولياء عتقه، أمكن أن يتولى كل واحد منهما صاحبه ويكون
عاقلة له ووارثا، فيقول أحدهما للآخر: عاقدتك على أن تعقل عني في
حياتي إذا أنا جنيت على أحد من الناس وأعقل عنك إذا أنت جنيت وعلى
أن ترثني إذا أنا مت قبلك وأرثك إذا مت قبلي، ويقول الآخر قبلت
المعاقدة على ذلك، فإذا تم العقد بينهما كذلك صح، ولزم ترتيب الأثر
من العقل والإرث.
[المسألة 257:]
الظاهر أنه يصح أن يشترك اثنان أو أكثر في ضمان جريرة شخص
واحد بعقد واحد، فيصبحون شركاء في العقل عنه إذا جنى، وشركاء
في ميراث تركته إذا مات، ويصح أن يضمن رجل واحد جريرة شخصين
أو أشخاص متعددين فيجب عليه أن يؤدي عن كل واحد منهم ديته إذا
جنى، ويكون له ميراثه إذا مات.
[المسألة 258:]
إذا انفرد ضامن الجريرة ورث تركة الميت كلها، وإذا اجتمع معه
زوج ورث الزوج النصف وكان للضامن النصف الآخر، وإذا اجتمعت
336

معه زوجة أو زوجات كان لها الربع وورث الضامن الباقي.
[المسألة 259:]
إذا مات ضامن الجريرة قبل الشخص المضمون سقط الولاء بموته
ولم ينتقل الولاء إلى الورثة من بعده، فلا يعقلون عن المضمون إذا
جنى ولا يرثونه إذا مات.
وإذا كان ضمان الجريرة مشتركا كما ذكرناه في المسألة المائتين
والسابعة والخمسين فمات أحد الشركاء سقط ولاؤه خاصة وبقي ولاء
الشركاء الآخرين بمقدار حصصهم من الولاء، فيضمنون عن الرجل من
الدية بمقدار تلك الحصص ويرثون من التركة بمقدارها كذلك، فإذا
كانوا ثلاثة ومات أحدهم كان لكل واحد من الشريكين الباقيين ثلث
الولاء فيضمن ثلث الدية ويرث ثلث المال.
[القسم الثالث: ولاء الإمامة]
[المسألة 260:]
إذا مات الميت ولم يكن له وارث من ذوي قرابته ولا معتق ولا ضامن
جريرة فميراثه لإمام المسلمين عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام،
وقد ذكرنا هذا في المسألة المائة والسابعة والستين من كتاب الخمس،
وفي عدة مواضع من هذا الكتاب.
[المسألة 261:]
إذا ماتت امرأة وتركت من بعدها زوجا، ولا وارث لها معه غير
إمام المسلمين (ع)، ورث الزوج نصف التركة بالفرض، وأخذ النصف
الثاني من التركة بالرد على القول الأصح، ولم يكن لإمام المسلمين
شئ من التركة، سواء كان الزوج قد دخل بالمرأة أم لا، بل وإن كانت
صغيرة دون البلوغ.
وإذا مات رجل وترك له زوجة صغيرة أو كبيرة ولا وارث له غيرها
إمام المسلمين (ع) ورثت الزوجة ربع التركة، وورث الإمام ثلاثة
أرباعها وقد ذكرنا هذا في عدة مسائل، وكذلك إذا ترك الميت زوجتين
337

أو أكثر مع إمام المسلمين، ولا فرق في الحكم بين أن تكون الزوجة
أو الزوجات مدخولا بهن أو لا.
[المسألة 262:]
الأحوط لزوما في أيام غيبة الإمام (ع) أن يصرف ميراث من لا
وارث له على الفقراء من المؤمنين بل في فقراء بلد الميت خاصة، وأن
يكون ذلك بمراجعة الفقيه الجامع للشرائط.
[الفصل العاشر]
[في اللواحق]
وهو يحتوي على عدة مباحث:
[المبحث الأول في ميراث الحمل]
[المسألة 263:]
الحمل في بطن أمه يرث غيره إذا مات، وكان الحمل من طبقات
الوارثين له، ويرثه غيره، بشرط أن ينفصل الحمل من بطن أمه حيا
حين ولادته، فإذا انفصل منها بالولادة وعرفت حياته بعد الانفصال
ببكاء أو بصوت أو بحركة تدل على وجود الحياة فيه استحق نصيبه من
تركة مورثة الميت، وإذا عرفت حياته كذلك ثم مات بعدها ورثه أقرب
الموجودين إليه.
[المسألة 264:]
لا يشترط في ميراث الحمل وتوريثه أن تكون قد ولجته الروح حال
موت مورثه أو يكون قد مضت على الحمل به فترة طويلة، بل يكفي في
ذلك أن يكون قد انعقدت نطفته حملا في بطن أمه حين موت المورث،
ولا يشترط أن يستتم حين ولادته مدة الحمل، بل يكفي كما ذكرناه أن
ينفصل انفصالا تاما من بطن أمه ثم يتحرك بعد الانفصال حركة تدل
على وجود الحياة فيه وإن لم تتم له مدة الحمل أو لم يستكمل بعض
الأطوار التي يمر بها الجنين بعد ولوج الروح فيه.
338

[المسألة 265:]
لا يكفي في ثبوت الميراث أن يخرج بعضه أو أكثره من بطن أمه
في حال الولادة ويستهل صائحا إذا كان ذلك قبل الانفصال أو انفصل
ميتا أو تحرك بعد انفصاله حركة لا تدل على الحياة فلا يرث ولا يورث
في هذه الحالات.
[المسألة 266:]
تقبل شهادة النساء وإن كن منفردات إذا شهدن بتحقق الشروط
المذكورة وتمت فيهن شروط البينة.
[المسألة 267:]
لا يختص الحكم في ميراث الحمل بأن يكون الجنين ولدا للميت أو
ولد ولده كما قد يتوهم، بل يعم غيره من طبقات الوارثين، فقد يكون
الحمل أخا وارثا للميت أو ابن أخ، أو عما أو ابن عم، أو خالا أو
ابن خال، أو غير ذلك، فإذا وجدت الشروط ثبت التوارث، وهو
واضح، ونحن نذكره للتنبيه خشية الالتباس.
[المسألة 268:]
إذا مات الرجل وترك من بعده إخوة أو أجدادا أو بني إخوة وترك
زوجته حاملا، لم يرث إخوته أو أجداده أو بنو إخوته من تركته شيئا
حتى تستبين حال الحمل، فإذا انفصل الجنين حيا كما اشترطنا في ما
تقدم ورث المال كله، وحجب الأجداد والإخوة وأبناءهم عن الميراث،
فإنهم لا يرثون مع الولد، وإذا انفصل ميتا كان الميراث لهم على المناهج
التي تقدم بيانها في ميراث أهل الطبقة الثانية، وكذلك الحكم إذا مات
الرجل وترك أعماما أو أخوالا أو أولادهم من أهل الطبقة الثالثة وترك
زوجته حاملا، فيمنعون عن الميراث حتى تتبين حال الحمل فيختص
بالإرث إذا ولد حيا، ويكون الميراث لهم إذا انفصل ميتا، وكذلك إذا
مات الميت وترك من بعده أولاد ولد، وترك زوجته حاملا، فلا يرث
الأحفاد شيئا حتى يستبين أمر الجنين في ولادته فيكون المال له دونهم
في الفرض الأول، وتكون التركة لهم دونه في الفرض الثاني.
339

[المسألة 269:]
إذا مات الميت وترك من بعده أبا وأما، أو أحدهما، وترك زوجته
حاملا، ولا وارث غيرهم، أخذ الأب سدسا من التركة، وأخذت الأم
سدسا، وأخذت الزوجة ثمنا، وانتظر في الباقي حتى يستبين أمر
الجنين، فإن ولدته أمه حيا، كان الباقي من التركة ميراثا له خاصة،
وإن وضعته ميتا، أخذت الزوجة ثمن التركة حتى يكمل لها الربع
وأخذت الأم سدسا آخر إذا لم يكن لها حاجب من الإخوة فيتم لها الثلث
وكان الباقي للأب في كلا الفرضين.
[المسألة 270:]
إذا مات الرجل وترك بعده ولدا أو أولادا وترك زوجته حاملا،
أخذت الزوجة فرضها وهو الثمن، فإن فرضها لا يتغير بسبب الحمل
لوجود ولد غيره، وكذلك إذا كان للميت معهم أب أو أم أو كلاهما
فإن فرض كل منهما وهو السدس لا يتغير بسبب الحمل لوجود ولد
غيره، وكان الباقي من التركة للأولاد الموجودين مع الحمل.
فإن رضي الأولاد الموجودون بتأخير القسمة حتى تضع المرأة حملها
ويستبين أمره، انتظر كذلك وقسم باقي التركة حسب ما يتبين من
الحال، وإذا لم يقبل الموجودون بتأخير حصصهم، عزل للحمل نصيب
ولدين ذكرين ووزع الباقي منه على الموجودين منهم.
فإذا وضعت المرأة حملها وكان حيا دفع إليه نصيبه حسب ما ظهر
من أمره، فإذا وضعت ذكرين ورثا ما عزل لهما، وإذا وضعت ذكرا
وأنثى، أو وضعت أنثيين، أو ذكرا واحدا، أو أنثى واحدة، أخذ
المولود نصيبه كما أخذ إخوته وقسم الزائد على جميع الأولاد كما فرض
الله لهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا وضعته ميتا لم يرث شيئا وقسم
ما عزل له على إخوته كما فرض لهم.
وكذلك الحال إذا كان الورثة من المراتب الأخرى في الميراث أو من
أهل الطبقات الأخرى وكان الحمل منهم، فيعزل له نصيب ذكرين ويتم
الأمر على المنهج المذكور.
340

[المسألة 271:]
عزل نصيب ذكرين للحمل في الفروض المتقدم ذكرها وشبهها إنما
هو احتياط لحفظ ما يحتمل أن يكون نصيبا للجنين بعد أن تضعه أمه
حيا، ولا يختص به الحمل قبل أن ينفصل، ونتيجة لذلك، فلا يختص
بالحمل نماء ذلك المال إذا نما في مدة عزله، ولا يكون تلفه منه خاصة
إذا تلف في تلك المدة، فإذا ولد الحمل حيا قسم المال كله حسب ما تبين
من الحال، فيدفع لكل من الجنين المولود ومن بقية الورثة حصصهم من
مجموع المال ومن نمائه، وإذا تلف من المال شئ في تلك المدة كان تلفه
من الجميع.
[المسألة 272:]
لا فرق في الحكم بين أن يسقط الجنين من بطن أمه بنفسه أو بجناية
جان آخر، فإذا كان حيا بعد أن انفصل من بطن أمه كما تقدم ورث،
وإن سقط ميتا لم يرث وإن كان حيا قبل أن ينفصل.
[المسألة 273:]
تقدم في المسألة الحادية والسبعين أنه يشترط في حجب الإخوة للأم
عما زاد على السدس أن يكونوا مولودين بالفعل حين الإرث، فلا
يحجبونها إذا كانوا حملا لم يولدوا، أو كان بعضهم حملا في بطن أمه
لم يولد وإن ولدوا بعد ذلك وكانوا أحياءا.
[المسألة 274:]
إذا مات الرجل وترك ولدا ذكرا، وخلف زوجته حاملا، ورثت
الزوجة ثمن التركة، وأخذ الولد الموجود ثلث الباقي من التركة،
وعزل الثلثان منه للحمل إلى أن يتضح أمره حين ولادته، وإذا مات الميت
وترك بنتا واحدة وزوجة حاملا، أخذت الزوجة الثمن، وأخذت البنت
الموجودة خمس باقي التركة، وعزلت أربعة أخماسه للحمل إلى أن تتبين
حاله في الولادة، وإذا مات الميت وترك بعده ولدا وبنتا، أخذت الزوجة
ثمنها، وقسم الباقي أسباعا فكان للولد الموجود سبعان منه وللبنت سبع
واحد، وعزل للحمل أربعة أسباعا، وهي نصيب ذكرين حتى يظهر أمر
الحمل، وهكذا.
341

ويجري مثل ذلك إذا ترك الميت بعده إخوة أو أخوات متفقين في جهة
النسب وكان بعضهم حملا في بطن أمه، أو ترك أعماما أو عمات متفقين
في جهة النسب وكان بعضهم حملا كذلك، فيعزل للحمل نصيب ذكرين
إلى أن تستبين الحال بالولادة.
[المسألة 275:]
إذا وضعت الأم حملها حتى انفصل من بطنها وتحرك الجنين بعد
انفصاله عنها حركة تدل على وجود الحياة فيه، فحرك يده مثلا أو
رجله أو شخص ببصره، أو صدر منه ما يشبه ذلك، ورث نصيبه من
تركة الميت كما بيناه، وإن لم يظهر منه صياح أو بكاء، فإذا مات بعد
ذلك، انتقل المال الذي ورثه إلى وارثه من بعده، وإن كان غير مستقر
الحياة في هذه المدة.
[المسألة 276:]
يجب على الجاني دفع دية الجنين إذا أسقطه أو قتله عامدا أو مخطئا،
ويرثها كل وارث يرث دية القتيل، وقد ذكرنا من يرث الدية ومن
يمنع منها في المسألة الرابعة والأربعين وما بعدها، وذكرنا تفصيل دية
الجنين في المسألة السابعة بالأربعين فليلاحظ ذلك.
[المبحث الثاني في ميراث المفقود]
[المسألة 277:]
لا يثبت الميراث ولا تجري أحكامه وآثاره حتى يعلم بموت المورث،
أو يثبت ذلك ببينة شرعية أو بوجه شرعي آخر، فإذا غاب الشخص
غيبة طويلة وانقطع خبره ولم يعلم أهو حي أم ميت، لم تنتقل أمواله
إلى ورثته بمجرد ذلك، ولم يجز لهم التصرف في حصصهم منها، وإن
طالت المدة حتى يثبت موته بأحد المثبتات أو تمر مدة لا يعيش المفقود
إلى مثلها، ومثال ذلك أن يغيب الرجل وهو ابن ثمانين سنة، وتستمر
غيبته عشرين عاما، فيكون قد بلغ منذ ولادته مائة عام، ومثله لا
يعيش أكثر منها بحسب العادة، فيقطع بسبب ذلك أو يطمأن اطمئنانا
كاملا بموته.
342

والحكم المذكور هو ما تقتضيه القواعد الثابتة في الشريعة، وتدل
عليه النصوص الآمرة بحفظ مال المفقود الذي لا يدري من عليه الحق
أين يطلبه، ولا يدري أحي هو أم ميت، ولا يعرف له وارثا ولا نسبا
ولا ولدا، والدالة على وجوب طلبه مهما طالت المدة، والنصوص
الأخرى الدالة على ذلك، وعلى لزوم الوصية به إذا خاف من بيده المال
من حدوث حدث عليه، والنصوص الواردة في رجل يموت ويبقى له
مال عند أحد، ولم تعرف له ورثة ولا قرابة حيث دلت على أن المال
يحفظ ويترك على حاله حتى يجئ له طالب، وحتى الروايات الدالة
على أن مال الرجل المفقود إذا كان له ورثة ملاء بماله اقتسموه بينهم،
فإذا هو جاء ردوا المال عليه، فإن ظاهر هذه الروايات إن ذلك نوع
من الايتمان على المال لصاحبه والحفظ له حتى يعلم حاله وليس من
قسمة المواريث المألوفة.
[المسألة 278:]
إذا فقد الشخص لبعض الطوارئ التي أوجبت فقده، كغيبة في سفر
طويل، أو حدوث حادثة غرق أو غزوة، أو قتال أو ما يشبه ذلك،
حتى انقطع خبره فلم يعلم أنه حي بعدها أم ميت، وجب التربص
والانتظار في تركته مدة أربع سنين كاملة يفحص فيها عن المفقود في
الأطراف والنواحي التي يحتمل وجوده فيها على النحو الذي تقدم
تفصيله في المسألة المائة والعشرين من كتاب الطلاق في حكم زوجة
المفقود، فإذا انقضت مدة التربص كلها وتم الطلب والفحص فيها عن
المفقود على الوجه الذي بيناه هناك ولم يستبن له خبر ولم تعلم له حال
حكم بموته شرعا، وقسمت تركته على وارثيه الموجودين في ذلك الحين،
ولا يستحق الوارث الذي مات في أيام فقد الرجل قبل مدة التربص أو
مات في أثناء المدة وقبل تمام الفحص، فلا يرث من تركة المفقود شيئا.
[المسألة 279:]
إذا انتهت المدة المضروبة للتربص، وتم الفحص في جميع المدة على
الوجه المطلوب، ثم مات بعض أقارب المفقود بعد ذلك لم يرث المفقود
من تركته شيئا، وإذا مات قريبه في أثناء المدة وقبل أن يتم الفحص
ورث المفقود نصيبه من تركة ذلك القريب.
343

[المبحث الثالث: في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا]
[المسألة 280:]
إذا نفى الرجل نسب الولد الذي ولدته زوجته عن نفسه، أو نفى
الحمل الذي في بطنها عن نفسه على الوجه الذي تقدم بيانه في فصل
اللعان، وجرى اللعان بين الرجل والمرأة على ذلك انقطعت نسبة الولد
إلى الرجل شرعا، فلا يعود الرجل أبا للولد، ولا يكون الولد ابنا شرعيا
للرجل، وانقطع النسب بين الولد وأقرباء الرجل، فلا يكونون بعد
اللعان للولد أرحاما، ولا يكون هو لهم قريبا، فلا يرث الولد من الرجل
إذا مات قبله ولا يرث أبناء الولد من الرجل إذا مات قبلهم، ولا يرث
الرجل من الولد ولا من أبنائه إذا مات بعضهم قبله، ولا يرث الولد
ولا أبناؤه من أقرباء الرجل ولا يرثون منه، لانقطاع النسب الشرعي
بينهم بسبب اللعان، فلا يكون أولاد الرجل له إخوة لأبيه، ولا يكون
آباء الرجل وأمهاته للولد أجدادا وجدات، ولا يكون إخوة الرجل ولا
أخواته للولد أعماما ولا عمات، وهكذا في طبقات النسب التي تتصل
به من قبل الأب.
[المسألة 281:]
يثبت النسب الشرعي بين ولد الملاعنة وبين أمه، ولا تجوز نسبته إلى
الزنا، فإذا قذفه أحد بعد اللعان بنسبته إلى الزنا استوجب حد القذف
بذلك، ويثبت نسب الولد مع الأرحام الذين يتصلون به من قبل أمه،
فأولادها إخوة شرعيون له من قبل أمه، حتى أولادها من ذلك الرجل
نفسه، فهم إخوة له من قبل أمه خاصة، وليسوا إخوة أشقاء، وآباء
الأم وأمهاتها أجداد له وجدات، وإخوانها وأخواتها أخوال له وخالات،
فيصح نسبه إليهم ويثبت التوارث بينه وبينهم، سواء كذب الرجل نفسه،
فاعترف بالولد بعد اللعان، أم لم يكذب نفسه ولم يعترف بالنسب.
[المسألة 282:]
إذا نفى الرجل نسب الجنين في بطن زوجته الحامل عن نفسه، ولاعن
الزوجة، انتفى نسب الحمل عنه، سواء ولدت واحدا أم اثنين
أم أكثر، فلا نسب بينه وبينهم ولا توارث لهم معه ولا مع أقاربه.
344

[المسألة 283:]
إذا نفى الرجل الولد أو الجنين عن نفسه وتم اللعان على ذلك، ثم
كذب الرجل نفسه بعد اللعان، فاعترف بأن الولد أو الجنين منه وأنه
كاذب في لعانه، نفذ اقراره في حقه خاصة فإذا مات الرجل ورثه الولد إذا
كان موجودا، وإذا مات الولد قبله لم يرث الرجل منه شيئا، ولا يترتب
على اقراره أثر من آثار النسب غير ذلك فلا يحل للولد النظر إلى محارمه
من قبل الأب مثلا، ولا يرث من أقرباء الأب إذا ماتوا قبله كما لا
يرثون منه إذا مات قبلهم وإن اعترفوا بنسبه وأنكروا اللعان على
الرجل.
[المسألة 284:]
إذا أنكر الرجل نسبة الحمل إليه ونفاه عن نفسه، ولاعن الزوجة،
لعانا تاما فوضعت ولدين، ثبت النسب بينهما من حيث الأم خاصة،
ولم يثبت بينهما نسب الأب، فهما أخوان لأم وليسا أخوين لأب،
فإذا مات أحدهما قبل الآخر وليس له وارث أقرب منه، فللموجود
منهما من تركة الميت ميراث الأخ للأم.
[المسألة 285:]
لا فرق بين ولد الملاعنة وغيره في النصيب إذا ورث من أمه أو من
أحد أقاربها، فإذا ماتت الأم وليس لها وارث غيره، ورث التركة كلها
سواء كان ذكرا أم أنثى على التفاصيل التي بيناها في ميراث الولد الذكر
أو الأنثى، وإذا تركت عدة أولاد وهو أحدهم جرى فيهم حكم ميراث
الأولاد المتعددين من حيث مقدار النصيب، ومن حيث الإرث بالرد في
بعض الفروض، ومن حيث الاقتسام بالتساوي أو بالتفاضل، وإذا مات
بعض قرابة الأم قسم المال بين ورثته واستحق ولد الملاعنة نصيبه من
التركة بحسب الموازين الشرعية في الميراث وفي كيفية الاقتسام.
[المسألة 286:]
إذا مات ولد الملاعنة ورثته أمه وأولاده الذكور والإناث من أهل
الطبقة الأولى، فإذا لم يكن له أولاد قام مقامهم أولادهم، وكان ميراثهم
على الموازين التي تقدم بيانها في ميراث الأم والأولاد.
345

فإذا ترك أمه وحدها، ورثت ثلث المال بالفرض واستحقت الباقي
بالرد، وإذا ترك ولدا ذكرا ولم يترك معه غيره، ورث المال كله
بالقرابة، وإذا خلف ولدين ذكرين أو أولادا ذكورا، ورثوا جميع
التركة واقتسموها بالسواء.
وإذا خلف بعده بنتا واحدة ورثت نصف المال بالفرض والباقي
بالرد، وإذا خلف بعده بنتين أو أكثر، ورثن ثلثي التركة بالفرض
والباقي بالرد واقتسمن الجميع بينهن بالسواء، وإذا خلف بعده أولادا
وبنات اقتسموا المال للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا ترك أما وولدا ذكرا أو أولادا ذكورا، كان للأم سدس التركة وكان
الباقي للولد أو الأولاد على النهج الآنف ذكره، وإذا ترك بعده أما
وبنتا كان للأم السدس وللبنت النصف، ورد الثلث الباقي من التركة
على الأم والبنت أرباعا، فللأم منه الربع وللبنت ثلاثة أرباعه، إلى
آخر ما فصلنا ذكره في مبحث ميراث الآباء والأولاد.
[المسألة 287:]
إذا لم تكن لولد الملاعنة أم ولا أولاد ولا أحفاد، ورثه أجداده
وجداته من قبل أمه وإخوته وأخواته من قبلها على نهج ما ذكرناه في
ميراث الطبقة الثانية وإذا لم يكن له إخوة قام أولادهم مقامهم، وإذا
فقد أهل الطبقة الثانية ورثه الأخوال والخالات وأولادهم، وإذا فقد
الأقرباء الوارثون، ورثه المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم إمام
المسلمين (ع).
[المسألة 288:]
إذا ترك ولد الملاعنة بعد موته زوجة أو زوجا أخذ نصيب الزوجية
فيأخذ الزوج النصف وتأخذ الزوجة الربع إن لم يكن له ولد ويأخذ
الزوج الربع والزوجة الثمن إن كان له ولد ويكون الباقي للورثة
الآخرين.
[المسألة 289:]
إذا تعارف الشخصان ما بينهما، وكانا بالغين عاقلين مختارين،
وأقر أحدهما بأن الآخر ولده، أو أخوه أو قريبه في النسب، وصدقه
346

الآخر في قوله، ولم يعلم بكذبهما، نفذ اقرارهما في حقهما وتوارثا
على ذلك، فإذا مات أحدهما ورثه الآخر إذا لم يكن له وارث أقرب منه،
ولم يحتج إلى إقامة البينة على وجود النسب ما بينهما، ويشكل الحكم
بثبوت التوارث بينهما إذا وجد للميت وارث آخر مساو للوارث المقر
به أو أبعد منه، ولا يترك الاحتياط.
ويشكل الحكم أيضا بالتعدي من الشخصين المتعارفين إلى غيرهما من
أقربائهما، ولا يترك الاحتياط فيه كذلك.
[المسألة 290:]
لا يتحقق النسب من الزنا لا من قبل الرجل الزاني ولا من قبل المرأة
الزانية، فلا يرث ابن الزنا أباه ولا أحدا ممن يتصل به من قبل أبيه
إذا مات أحدهم قبله، ولا يرثونه إذا هو مات قبلهم، ولا يرث أمه ولا
أقرباءها ولا يرثون منه كذلك.
وينحصر النسب المقتضي للتوارث بينه وبين أولاده من النكاح
الصحيح ذكورا وإناثا، وأولاد أولاده كذلك، ويقع التوارث معه أيضا
بسبب الزوجية، فإذا تزوج ابن الزنا ثم مات ورثت الزوجة بعد موته
الربع أو الثمن، وإذا تزوجت بنت الزنا ثم ماتت، كان للزوج النصف
أو الربع، وإذا لم يكن له عقب ورثه المعتق، ثم ضامن الجريرة، فإن
لم يكن له وارث ورثه إمام المسلمين (ع).
[المسألة 291:]
الولد من نكاح الشبهة كالولد من النكاح الصحيح، فيثبت النسب
بينه وبين الواطئ بالشبهة، وبينه وبين أقرباء الواطئ، فأولاد
الواطئ إخوة له، وآباؤه وأمهاته أجداد وجدات للولد، وإخوة
الواطئ وأخواته أعمام وعمات، ويقع التوارث بينهم من غير فرق
بينه وبين المولود بالنكاح الصحيح، ويثبت النسب بين المولود بالشبهة
وبين المرأة الموطوءة بالشبهة، وبينه وبين قرابتها من أولاد وآباء وإخوان
على نهج ما ذكر في الرجل، ويقع التوارث بينه وبينهم كذلك ويجري
في الجميع على طبقات الوارثين في النكاح الصحيح أيضا.
347

[المسألة 292:]
يلحق الولد بالواطئ إذا كان وطؤه عن شبهة، ويثبت بينهما
النسب ويقع بينهما التوارث كما ذكرنا، سواء كانت الأم مشتبهة
كذلك أم كانت عالمة بالتحريم، ويلحق الولد بالأم إذا كانت مشتبهة،
ويثبت النسب بينها وبين الولد ويثبت التوارث، سواء كان الأب مشتبها
أيضا أم كان عالما بالتحريم.
وإذا اختلف الرجل والمرأة، فكان أحدهما معتقدا لإباحة الوطء
وكان الآخر عالما بالحرمة اختص كل واحد منهما بحكمه، فيكون العالم
بالحرمة منهما زانيا، فلا يلحق به الولد ولا يصح معه النسب ولا يقع
التوارث، ويصح النسب ويقع التوارث مع الآخر المعتقد للإباحة.
[المسألة 293:]
تعرضنا لبيان المراد من وطء الشبهة الذي يلحق به النسب في
المسألة المائة والحادية والثلاثين من كتاب النكاح، وفي المسألة المائة
والسادسة والثلاثين من كتاب الطلاق، فليرجع إليهما لتعلقهما بهذه
الأحكام، والشبهة من الرجل والمرأة في ذلك على حد سواء، فالمعنى
المراد فيهما واحد، والأحكام فيهما واحدة.
[المبحث الرابع في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم]
[المسألة 294:]
إذا سبق أحد الشخصين المتوارثين فمات قبل قريبه، وبقي الآخر
حيا بعده، كان الباقي وارثا، والميت منهما مورثا، مع توفر شروط
التوارث فيهما، ومثال ذلك أن يموت الأب قبل ولده أو يموت الولد
قبل أبيه، وأن يموت الأخ قبل أخيه أو أخته، أو بالعكس، وإذا
اقترن موت الشخصين لبعض الطوارئ أو في بعض الحالات، لم يرث
أحدهما من الآخر شيئا، لعدم وجود شرط الإرث، وهو بقاء الوارث
حيا بعد موته الموروث، ويكون الميراث للأحياء من الوارثين.
وقد يلتبس الأمر في بعض الحالات، فلا يدرى أسبق أحد الشخصين
على صاحبه بالموت أو تقارنا، فيشكل الحكم بالإرث وعدمه، ما لم
348

يحرز وجود الشرط المذكور بقرينة توجب العلم أو بأمارة شرعية تدل
عليه أو أصل شرعي يعتمد عليه.
[المسألة 295:]
إذا مات شخصان في حادثة غرق أو انهدام بيت أو جدار عليهما،
وكان بين الغريقين أو المهدوم عليهما نسب أو سبب يوجب الإرث لكل
من الشخصين للآخر، ورث كل واحد من الشخصين صاحبه شرعا، مع
وجود الشروط الآتي ذكرها، سواء انفرد بميراثه وحده، لعدم وجود
وارث غيره، أم كان معه وارث آخر يشاركه في ميراث التركة، وهكذا
إذا كان الغرقى أو المهدوم عليهم أكثر من اثنين مع توفر الشروط
فيهم جميعا.
ويشترط في ثبوت التوارث بين الغرقى والمهدوم عليهم، أولا: أن
يكون لكل واحد منهم نسب أو سبب يوجب الإرث بالفعل من الآخرين
كما ذكرنا، فلا يحكم بالتوارث إذا كان ممنوعا من الإرث لوجود وارث
أقرب منه، أو لوجود مانع له من الإرث كالكفر والرق والقتل.
ويشترط في ثبوت هذا الحكم ثانيا: أن يكون لكل واحد من موتى
الحادثة مال أو يكون لأحدهم مال، ليحكم بانتقاله إلى الميت الآخر،
وإذا لم يكن لأحدهم مال لم يكن للحكم بالتوارث أثر.
ويشترط فيه ثالثا: أن يجهل من سبق موته منهم، فإذا غرق الأب
والولد مثلا، وعلم بأن الأب مات قبل الولد كان الوارث هو الولد
لتحقق شرط الميراث فيه وهو حياته بعد أبيه، ولم يرث الأب منه شيئا،
وإذا علم بأن الولد مات قبل الأب كان الوارث هو الأب ولم يرث الولد
منه شيئا، وهو واضح، وإنما يحكم بالتوارث للدليل الخاص مع
الجهل بالسابق منهما بالموت قبل صاحبه.
[المسألة 296:]
إذا مات الشخصان في حادثة الغرق أو الهدم، واجتمعت فيهما
الشروط التي ذكرناها في المسألة المتقدمة ورث كل واحد من الشخصين
نصيبه من تركة الآخر التي خلفها بعد موته، ولا يرث من المال الذي
349

ينتقل إلى الآخر بالميراث بسبب الحادثة نفسها من هذا الوارث أو من
غيره من موتى الحادثة.
فإذا غرق أب وولد، وترك الأب بعده مائتي دينار، وترك الولد
بعده مائة دينار، ورث الأب نصيبه الشرعي من المائة التي تركها ولده
حين الغرق خاصة، ويعود ذلك ميراثا لورثة الأب الأحياء بعد الحادثة،
وورث الولد نصيبه الشرعي من المائتين التي تركها أبوه، ويعود ذلك
ميراثا لورثة الولد الأحياء بعد الحادثة، ولا يرث الأب شيئا من المال
الذي ورثه الولد من تركة الأب نفسه، ولا يرث الولد شيئا من المال
الذي ورثه الأب من تركة الولد نفسه بسبب الحادثة.
وهكذا إذا غرق أخوان وخلف كل واحد منهما مالا، ورث كل واحد
من الأخوين من مال أخيه الغريق معه الذي تركه عند الموت دون المال
الذي ينتقل إليه بالإرث في الحادثة نفسها.
[المسألة 297:]
إذا مات الغريقان أو المهدوم عليهما، واجتمعت فيهما الشروط
الآنف ذكرها، ورث بعضهما من بعض على طبق الموازين الشرعية
في الميراث، فقد ينفرد الوارث منهما بالتركة كلها، ومثال ذلك أن
يغرق الأب والولد معا، ولا وارث للأب مع الولد الغريق، فيأخذ الولد
تركة الأب كلها، ولا وارث للولد أيضا مع الأب الغريق، فيأخذ الأب
تركة الولد كلها، ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما إلى ورثته الأحياء
من المراتب أو من الطبقات الأخرى.
وقد ينفرد أحدهما بتركة صاحبه فيأخذها جميعا ويشترك الثاني
مع وارث غيره، فيأخذ كل منهما نصيبه المعين له شرعا، ومثال ذلك:
أن يغرق الأب والولد، ولا وارث للولد غير أبيه، فتكون تركة الولد
الغريق كلها للأب، ويكون للأب ولدان ذكران أحدهما الغريق معه،
فيقسم المال الأصلي للأب نصفين: أحدهما لولده الغريق معه، والنصف
الآخر لولده الثاني، ثم ينتقل نصيب الولد الغريق من تركة أبيه إلى
ورثته الأحياء، ويعود نصيب الأب وهو جميع تركة ابنه الغريق،
ويعود معه النصف الثاني من تركة الأب نفسه ميراثا لولده الحي.
350

وقد يشترك كل من الغريقين مع وارث آخر أو أكثر، فيأخذ نصيبه
المقدر له خاصة من تركة الغريق الثاني، ومثال ذلك أن يغرق أخوان،
يرث أحدهما الآخر، ويكون لهما إخوة آخرون يرثون منهما أيضا،
فتقسم تركة كل من الغريقين على إخوته جميعا ومنهم أخوة الغريق
معه، ثم ينتقل نصيبه إلى إخوته الأحياء.
[المسألة 298:]
إذا مات الغريقان أو المهدوم عليهما، وترك أحدهما مالا، ولم
يترك الثاني بعد موته شيئا يورث، اختص حكم التوارث بأحد الطرفين،
فيرث الغريق الذي لا مال له نصيبه من تركة الآخر، فينفرد بالتركة
كلها إذا لم يكن معه وارث غيره، ويأخذ حصته المقدرة له إذا وجد معه
شريك آخر، ثم ينتقل ما استحقه من المال إلى ورثته الأحياء من بعده،
ولا يرث الغريق الآخر شيئا، فقد فرضنا أنه لا مال لصاحبه ليرث منه،
ولا يرث من تركة نفسه بعد ما تنتقل إلى الغريق الآخر بالميراث.
[المسألة 299:]
إذا غرق الزوج والزوجة فماتا، ورث الزوج نصف تركة زوجته
إذا لم يكن لها ولد منه ولا من غيره، وورث ربع التركة إذا كان لها
ولد، وورثت الزوجة ربع تركة الزوج إذا لم يكن له ولد وأخذت الثمن
إن كان له ولد، ثم ينتقل ما ورثه الزوج من مال زوجته وهو النصف
أو الربع، وما بقي من تركته بعد اخراج نصيب الزوجة وهو الربع
أو الثمن ويعود جميع ذلك ميراثا لورثة الزوج الأحياء.
وينتقل ما ورثته الزوجة من مال زوجها وهو الربع أو الثمن، وما
بقي من تركتها بعد اخراج نصيب الزوج منها وهو النصف أو الربع
فيكون جميع ذلك ميراثا لورثة الزوجة الأحياء.
[المسألة 300:]
إذا غرقت الزوجة وبنتها وبقي الزوج وهو أبو البنت، كان للزوج
ربع تركة الزوجة، سواء كان للزوجة ولد آخر غير البنت الغريقة معها
أم لا، وكان الباقي من تركة الزوجة لبنتها بالفرض والرد إذا لم يكن
351

معها من يشاركها في الميراث، وقسمت تركة البنت الغريقة على أبيها
وأمها فللأم الثلث وللأب الثلثان.
وإذا غرق الزوج وبنته وبقيت الزوجة وهي أم البنت، ورثت
الزوجة الثمن من تركة زوجها، وكان الباقي للبنت بالفرض والرد
إذا لم يكن معها من يشاركها في ميراث أبيها، وقسمت تركة البنت على
أبيها وأمها فللأم ثلث التركة، ولأبيها الغريق الثلثان.
ومن ذلك يعلم الحكم بالتوريث في ما إذا غرق الزوج والزوجة
والبنت، فيرث بعضهم من بعض من تركته الأصلية، ولا يرث منه مما
وصل إليه بالميراث من غريق معه سواء كان هو الغريق الذي ورثه أم
غيره، ويرجع ما يصل إليه بالميراث من الغرقى أنفسهم إلى ورثته
الأحياء خاصة، وكذلك إذا زاد الغرقى أو المهدوم عليهم عن ثلاثة.
[المسألة 301:]
إذا غرق شخصان وكان أحدهما يرث الآخر بالفعل، وكان الآخر
لا يرث الأول لوجود من هو أقرب منه، أشكل الحكم بالتوريث من طرف
واحد، ومن أمثلة ذلك أن يغرق أخوان شقيقان، ويكون للكبير منهما
ولد، فلا يرثه أخوه الغريق معه لوجود ولده، ولا يكون للصغير وارث
غير أخيه لأنه أقرب الناس إليه، ففي توريث الكبير من الصغير في هذا
الفرض اشكال.
[المسألة 302:]
قد تعرض بعض الحالات من الغرقى أو المهدوم عليهم، يكون بعض
الأشخاص في الحادثة وارثا للأشخاص الآخرين بالفعل، ويكون الأشخاص
الآخرون فيها غير وارثين إلا على فرض غير معلوم، ومثال ذلك أن
يغرق الرجل ويغرق معه ولداه، فإن التوارث بين الأب والولدين معلوم
على كل حال، ولكن التوارث بين الولدين لا يكون حتى يعلم بموت الأب
قبلهما فإن الأخوين لا يتوارثان إلا بعد فقد الأب، وهذا الفرض غير
معلوم، ومن أجل ذلك فلا يصح الحكم بالتوارث في مثل هذه الحالة
لعدم احراز الشرط المعتبر في التوارث.
352

[المسألة 303:]
لا يترك الاحتياط بأن يقدم من هو أضعف نصيبا من صاحبه،
فيورث قبل الآخر، ثم يورث من هو أكثر نصيبا بعده، وإن لم يكن
لهذا التقديم أثر في تكثير حصة الوارث، فقد سبق إن التوريث بينهم إنما
هو في التركة الأصلية ولا يشمل ما وصل إليه بالميراث من موتى الحادثة
الآخرين.
[المسألة 304:]
المدار أن تتحد حادثة الغرق أو الهدم التي أوجبت موت الغرقى
والمهدوم عليهم، ومن أجل ذلك فلا يعتبر أن تتحد السفينة التي غرقوا
فيها أو البيت الذي انهدم عليهم، فإذا ركبوا في سفينتين أو أكثر
وغرقت السفن معا في أمكنة متقاربة من البحر بسبب عاصفة شديدة
واحدة أو بسبب هياج البحر ونحو ذلك وغرق الأشخاص للحادثة
فالظاهر شمول الحكم لموتي الحادثة إذا اجتمعت فيهم شروط الحكم،
وكذلك في حادثة الهدم فلا يشترط اتحاد البيت بل لا يبعد شمول
الحكم لما يوجب الهدم من الهزة الأرضية فانهدمت بها عدة منازل متقاربة
في وقت واحد فمات الأشخاص واشتبه المتقدم والمتأخر، ولا يشمل
الحكم ما إذا تباعدت البيوت أو اختلفت الأوقات بحيث لا تعد حادثة
واحدة.
[المسألة 305:]
لا يحكم بالتوارث على الأظهر بين الشخصين أو الأشخاص إذا ماتوا
بغير الغرق والهدم من الأسباب التي توجب الاشتباه في التقدم والتأخر
في الموت، كحوادث التصادم والتحطم في وسائل النقل من سيارات
وقطارات وطائرات وغيرها، أو ماتوا حتف أنوفهم كذلك من غير سبب
ظاهر، أو ماتوا في حوادث حريق أو معركة قتال وشبه ذلك فلا يتعدى
في الحكم إلى غير الغرقى والمهدوم عليهم.
فإن علم بتقارنهم بالموت أو احتمل ذلك لم يرث بعضهم من بعض،
لعدم احراز شرط الميراث، وإن علم بسبق بعضهم على بعض في الموت
ولم يعلم السابق منهم على التعيين رجع إلى القرعة، وإذا جهل السبق
353

والتأخر بينهم أشكل الحكم فيه، فلا يترك الرجوع في ذلك إلى الاحتياط،
وخصوصا إذا علم التاريخ في موت أحدهم وجهل في الآخرين.
[المبحث الخامس: في ميراث الخنثى]
[المسألة 306:]
الخنثى انسان يكون له فرج الذكر وقبل الأنثى معا، ومن أجل
ذلك يلتبس أمره: أذكر هو فيعطى ميراث الذكور، أم أنثى فيعطى
ميراث الإناث؟ فإن وضح من القرائن أو من فحوص من يعتمد عليه
من أهل الخبرة أن أحد العضوين بعينه هو الأصلي فيه وأن الثاني هو
الزائد في خلقته لحقه حكمه، ومن ذلك أن يحتلم بعد بلوغه من عضو
الذكورة فقط كما يحتلم الرجال، فيكون له حكم الرجال، أو يحيض
من جهاز الأنوثة فقط كما تحيض الإناث، فيكون له حكم النساء.
فإن لم يتضح حاله بشئ من ذلك، نظر إليه في البول فإن كان بوله
يخرج من فرج الرجل خاصة فهو ذكر، وإن كان بوله من قبل الأنثى
فهو أنثى، وإن كان يبول من كلا الفرجين لوحظ أيهما أسبق في ابتداء
البول، فإن كان بوله يبدأ من الذكر أولا فهو ذكر وإن كان يبدر من
قبل الأنثى أولا فهو أنثى، وإن تساويا في ذلك عول على قوة الدفع
والانبعاث منه فأيهما كان الانبعاث منه أقوى وأكثر، لحقه حكمه،
ويشكل التعويل على انقطاع البول أخيرا كما يراه جماعة، ويشكل
الاعتماد على رواية عد الأضلاع كما ذهب إليه آخرون.
[المسألة 307:]
إذا ترك الميت من بعده ولذا ذكرا وولدا خنثى، ولم يتضح أمر
الخنثى بشئ من العلامات الشرعية الآنف ذكرها، دفع إليه نصف ميراث
الذكر ونصف ميراث الأنثى.
وكيفية تقسيم الفريضة بينهما، أن يفرض الخنثى ذكرا، ومعنى ذلك
أن الميت ترك ولدين ذكرين، فتكون التركة على هذا التقدير سهمين
لكل من الولدين سهم، ثم يفرض الخنثى أنثى، ونتيجة ذلك أن الميت
ترك ولدا ذكرا وأنثى وتكون التركة ثلاثة سهام، سهمان منها للذكر
354

وسهم للأنثى، والاثنان والثلاثة من الأعداد المتباينة والقاعدة فيها أن
يضرب أحد العددين في الآخر، وحاصل ضرب الاثنين في الثلاثة يبلغ
ستة، فإذا أردنا تنصيف حصة الذكر وحصة الأنثى لنستخرج بذلك
نصيب الخنثى ضربنا الستة في اثنين لأنها مخرج النصف وحاصل الضرب
اثنا عشر، ويجعل ذلك أصل الفريضة.
فإذا فرضنا الخنثى ذكرا كان نصيبه منها ستة، وإذا فرضناه أنثى
كان نصيبه منها أربعة، ومجموع النصيبين يبلغ عشرة، فيعطى الخنثى
نصف ذلك وهو خمسة، ويدفع للذكر سبعة من الاثني عشر.
وإذا خلف الميت من بعده بنتا واحدة وولدا خنثى اتبعت الطريقة
المتقدمة في كيفية التقسيم، لاتحاد السبيل في الفرضين، ونصيب
الخنثى من الاثني عشر إذا فرضناه ذكرا هو ثمانية، ونصيبه إذا
فرضناه أنثى هو ستة، ومجموع النصيبين أربعة عشر، فيدفع له
نصف ذلك وهو سبعة وتعطى الأنثى خمسة.
[المسألة 308:]
إذا ترك الميت من بعده ولدين ذكرين وولدا خنثى، فكيفية تقسيم
التركة بينهم أن يفرض الخنثى ذكرا، فتكون الفريضة ثلاثة سهام،
لكل ولد سهم، ثم يفرض أنثى، فتكون الفريضة خمسة، لكل واحد
من الولدين الذكرين سهمان، وللخنثى وقد فرضناه أنثى سهم واحد،
فتضرب الثلاثة في الخمسة لأنهما عددان متباينان كما تقدم وحاصل
الضرب خمسة عشر، ثم يضرب ذلك في اثنين وهي مخرج النصف،
فيبلغ حاصل الضرب ثلاثين، ويكون ذلك أصل الفريضة.
فإذا فرضنا الخنثى ذكرا كان نصيبه من الثلاثين عشرة، ولكل
واحد من الذكرين عشرة أيضا، وإذا فرضناه أنثى كان نصيبه من
الثلاثين ستة وهي خمسها، ولكل واحد من الولدين الذكرين اثنا عشر
وهي خمسان منها، ومجموع نصيبي الخنثى في الفرضين يبلغ ستة
عشر، فيدفع له نصف ذلك وهو ثمانية، ويكون لكل واحد من الذكرين
أحد عشر.
355

[المسألة 309:]
إذا ترك الميت بنتين وترك معهما ولدا خنثى، فرضنا الخنثى أولا
ولدا ذكرا فتقسم التركة إلى أربعة سهام، لكل واحدة من البنتين سهم
واحد، وللخنثى وقد فرضناه ذكرا سهمان، ثم فرضناه أنثى فتكون
القسمة ثلاثة سهام، لكل واحدة من البنتين وللخنثى وقد فرضناه
أنثى سهم واحد، ثم ضربنا الأربعة في ثلاثة لأنهما عددان متباينان،
وحاصل الضرب هو اثنا عشر، ثم ضربنا الاثني عشر في اثنين لأننا
نريد التنصيف للخنثى، وحاصل ضرب ذلك يبلغ أربعة وعشرين،
ونصيب الخنثى من الأربعة والعشرين إذا فرضناه ذكرا هو اثنا عشر،
ونصيبه منها إذا فرضناه أنثى هو ثمانية، ومجموع والنصيبين هو
عشرون، فيدفع له نصفهما وهو عشرة، ويدفع لكل واحدة من البنتين
سبعة من الأربعة والعشرين.
[المسألة 310:]
إذا ترك الميت ولدا خنثى ولم يترك معه ولدا غيره ذكرا ولا أنثى أخذ
نصيب الولد كله، فإذا لم يكن معه وارث آخر انفرد بالتركة كلها،
وإذا كان معه أب أو للميت أخذ الأب والأم نصيبهما وهو السدس
وكان الباقي للولد الخنثى، وإذا كان معه زوج أو زوجة للميت أخذ
الزوج الربع أو أخذت الزوجة الثمن وكان الباقي للخنثى.
[المسألة 311:]
تجري الأحكام الآنف ذكرها في ميراث الخنثى إذا كان أخا للميت
واجتمع مع إخوة له أو أخوات، أو كان عما للميت واجتمع مع أعمام
له أو عمات، وكان الذكر يختلف عن الأنثى في مقدار النصيب، فتتبع
الأحكام والطرائق المتقدمة في كيفية التقسيم.
[المسألة 312:]
إذا ولد انسان له رأسان وصدران على حقو واحد اعتبر حاله في
ايقاظه عند استغراقه في النوم، فإن استيقظ أحدهما ولم يستيقظ
الآخر فهما اثنان فيرثان من قريبهما إذا مات عنهما ميراث شخصين،
356

وإن انتبها معا فهو شخص واحد فيستحق ميراث واحد، وكذلك إذا
كان له رأسان على بدن واحد.
وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) وجود الحالة الأولى في عهد أمير
المؤمنين (ع)، وتكرر في النقل وجود مثلها في فترات أخرى من التأريخ،
وقد رأيت جنينا من المعزى ولدته أمه على عكس هذه الحالة فكان له
رأس واحد، ويدان وصدر واحد على بطنين وأربعة أرجل، وكان ميتا.
[المسألة 313:]
تتبع العلامة المذكورة بالإضافة إلى سائر الأحكام الأخرى أيضا كما
تتبع في الميراث، فإذا نبه أحدهما من نومه فاستيقظ ولم يستيقظ
الآخر، حكم عليهما بالتعدد من حيث الأحكام الأخرى، فتجب الصلاة
والصيام والحج مثلا على كل واحد منهما، وتجب عليه الطهارة إذا
حدث له أحد أسبابها من حدث أكبر أو حدث أصغر، فيجب عليه أن
يغسل أعضاء الوضوء الخاصة به كالوجه واليدين ويمسح رأسه
ثم يمسح القدمين المشتركة بينه وبين الآخر فإذا فعل ذلك وصلى صحت
صلاته وإن لم يتطهر الآخر ولم يصل، سواء كان الحدث الأصغر خاصا
به كما إذا نام ولم ينم الآخر أم كان مشتركا بينهما كما إذا بال أو
تغوط لأن مخرج البول والغائط فيهما واحد فيكون حدث أحدهما
حدثا للآخر.
وإذا أحدث بالحدث الأكبر وكان الحدث خاصا به كما إذا مس الميت
وجب عليه أن يغسل أعالي بدنه الخاصة به ويغسل الأسافل المشتركة
بينه وبين الآخر وهي من الحقو فما تحته فيغتسل كذلك على النهج
الشرعي للغسل من الحدث ويصح غسله وتصح صلاته به، وكذلك
إذا اغتسل من الجنابة أو من الحيض أو الأحداث الأخرى، وإن وجب
الغسل على الآخر أيضا لاتحاد المخرج فالحدث من أحدهما حدث من
الآخر وإذا امتثل أحدهما على الوجه الصحيح صح غسله وصحت صلاته
وإن لم يمتثل الآخر فلم يغتسل أو اغتسل ولم يصل.
وإذا كانا ينتبهان من النوم معا إذا نبه أحدهما حكم بأنه شخص
واحد في الأحكام فعليه أن يأتي بصلاة واحدة وصوم واحد وحج واحد
357

وهكذا وإذا أحدث وجب عليه غسل جميع ما يغسل من أعضاء الوضوء
من بدنه ومسح ما يمسح منها ولا يكتفي بغسل بعض دون بعض أو
بمسح بعض دون بعض، ويسهل الأمر ندرة وجود مثله.
[المسألة 314:]
إذا ولد انسان ولم يكن له فرج ذكر ولا قبل أنثى، بل كان له ثقب
يبول منه أو كان يبول ويتغوط من دبره، رجع في أمره إلى القرعة،
فيكتب على سهم (عبد الله) ويكتب على سهم آخر (أمة الله) ويطرح السهمان
في سهام أخرى غير مكتوبة، ثم يقول من يوقع القرعة كما في صحيحة
الفضيل بن يسار: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة
أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود
كيف يورث ما فرضت له في الكتاب، وتشوش السهام ثم يعمل على أول
سهم يخرج من السهمين المكتوبين، فيكون التوريث عليه، وكذلك إذا
ولد المولود حيا فغرق قبل أن يعلم حاله أذكر هو أو أنثى، فيرجع إلى
القرعة.
[المسألة 315:]
لا يترك الاحتياط بقراءة الدعاء المذكور، والقرعة المذكورة إنما
هي لبيان حاله في الميراث خاصة فلا تترتب عليها أحكامه الأخرى، وإذا
اتفق لذلك الانسان ميراث آخر احتاج إلى قرعة أخرى ولم يعمل فيه
على القرعة الأولى.
[الفصل الحادي عشر]
[في مخارج الفروض وطريقة الحساب]
[المسألة 316:]
الفروض هي الحصص المخصوصة التي حددها الله سبحانه في الكتاب
لبعض الوارثين، وهي ستة، وقد ذكرناها وذكرنا الوارثين الذين
عينها الله لهم في المسألة الرابعة من كتاب الميراث.
ومخرج الفرض هو أقل عدد يخرج منه الفرض صحيحا من غير
كسر، ومخارج الفروض المذكورة خمسة، فالاثنان أقل عدد يخرج
358

منه النصف صحيحا من غير كسر، فهي مخرج النصف، والثلاثة أقل
عدد يخرج منه الثلث والثلثان، فهي مخرجهما، والأربعة أقل عدد
يخرج منه الربع، والستة مخرج السدس والثمانية مخرج الثمن
فإذا اجتمع وارثان يستحق كل واحد نصف التركة، قسمت التركة
سهمين متساويين وأخذ كل واحد منهما سهما، ومثال ذلك أن تموت
امرأة وتترك بعدها زوجا وأختا واحدة لأبوين أو أختا لأب، فتنصف
التركة بين الزوج والأخت بالسواء، وكذلك إذا اجتمع وارث يستحق
النصف مع وارث يستحق بقية المال، ومثاله أن تموت المرأة ولها زوج
وأخ شقيق أو أخ لأب، فيأخذ الزوج النصف، ويرث الأخ البقية.
وإذا اجتمع فريقان من الورثة، فريق يستحق ثلث التركة، وفريق
يستحق الثلثين، قسم المال ثلاثة سهام متساوية، ودفع واحد منها
للفريق الأول، وأعطي السهمان الآخران إلى الفريق الثاني، ومثال
ذلك أن يموت الميت وله إخوة متعددون لأمه، وأخوات لأبويه كليهما أو
لأبيه خاصة، فيقسم المال بين الفريقين كذلك ويدفع الثلث لكلالة الأم
بالسوية ويدفع الثلثان للأخوات بالسوية، وكذلك إذا ورث الفريق
الأول الثلث، وورث الفريق الثاني بقية المال، ومثاله أن يموت الميت
وله إخوة متعددون لأمه، وأخ أو إخوة متعددون لأبويه كليهما أو
لأبيه خاصة، فيدفع الثلث لكلالة الأم ويدفع الباقي للإخوة الآخرين
أو يموت الميت وله أب وله أم وليس له إخوة يحجبون الأم، فيدفع للأم
ثلث المال ويدفع للأب الباقي من المال.
وإذا اجتمع وارثان يستحق أحدهما الربع ويرث الثاني ما بقي
من التركة، قسم المال أربعة سهام متساوية، ودفع للوارث الأول منها
سهم واحد، وكان للوارث الثاني ثلاثة سهام، ومن أمثلة ذلك أن تموت
المرأة ولها زوج وولد فتقسم تركتها أربعة أقسام كما ذكرناه فيأخذ
الزوج سهما ويرث الولد ثلاثة سهام، ومن أمثلته أيضا أن يموت
الرجل ويترك زوجة وأبا، أو يترك زوجة وأخا لأب، فتقسم تركته
أربعة سهام متساوية ويدفع للزوجة أحدها ويدفع للأب أو الأخ ما بقي.
359

وإذا اجتمع وارثان يرث أحدهما السدس ويستحق الآخر ما بقي،
ومثاله أن يموت الميت وله أب وولد، أو أم وولد فتقسم التركة ستة
سهام ويعطى الأب أو الأم سهما واحدا ويدفع الباقي للولد، ومثاله
أيضا أن يموت الميت وله أخ أو أخت لأمه، وأخ أو إخوة لأبويه،
فيعطى الأخ أو الأخت لأمه سهما واحدا من ستة، ويكون الباقي للأخ
أو الإخوة الأشقاء.
وإذا اجتمع وارثان يرث أحدهما الثمن ويرث الآخر ما بقي ومثاله
أن يموت الرجل ويترك بعده زوجة وولدا فتقسم تركته ثمانية سهام
ويدفع للزوجة واحد منها ويعطى الولد ما بقي.
[المسألة 317:]
إذا كان للميت وارثان وكلاهما من أصحاب الفروض، نظر في
مخرج كل من الفرضين المعينين لهما وطبقت ما بينهما قاعدة الحساب
الآتي بيانها، وسنذكر بعض الأمثلة الموضحة لها، وكذلك إذا كان
الورثة أصحاب الفروض أكثر من اثنين، وإنما يعمل ذلك لتكون سهام
الوارثين ذوي الفروض أعدادا صحيحة لا كسر فيها، ومثله ما إذا كان
الفريق الوارث بالفرض ممن تنكسر سهامه إذا قسمت على عدد أفراده،
كما إذا كانت سهامه المفروضة له أربعة وكانت أفراده خمسة أو ستة،
فتتبع قاعدة الحساب الآتية بين عدد سهامه وعدد أفراده لتكثر السهام
ويتخلص من الكسر.
[المسألة 318:]
كل عدد نلاحظه مع عدد آخر فقد يكونان متساويين في المقدار،
كخمسة مع خمسة وعشرة مع عشرة، وعشرين مع عشرين ومائة مع
مائة، وقد يكونان مختلفين فيه، وإذا اختلفا في المقدار، فقد يكون
العدد الأقل منهما يفني العدد الأكثر إذا أسقطناه منه مرتين أو أكثر
حتى لا يبقى من العدد الأكثر شئ، ومثال ذلك خمسة مع عشرة أو
مع خمسة عشر أو مع عشرين، فإنا إذا أسقطنا الخمسة مرتين لم يبق
من العشرة شئ في المثال الأول، وإذا أسقطناها ثلاث مرات لم يبق
360

شئ في المثال الثاني، وإذا أسقطناها أربع مرات لم يبق شئ في المثال
الثالث، وهكذا، ويسمى العددان متداخلين.
وإذا كان العدد الأقل لا يفني العدد الأكثر، فقد يكون لهما عدد
آخر يفنيهما معا إذا أسقطناه منهما كذلك، فلا يبقى من العدد الأقل
ولا من الأكثر شئ، ومثال ذلك الأربعة والستة، والأربعة والعشرة،
فإن الاثنين تفني الأربعة إذا أسقطناها منها مرتين وتفني الستة إذا
أسقطناها منها ثلاث مرات في المثال الأول، وتفني العشرة إذا أسقطناها
خمسا في المثال الثاني، ومن أمثلة ذلك الستة والتسعة والخمسة عشرة،
فإن عدد الثلاثة يفنيها بالاسقاط مرارا، ومن أمثلة ذلك الثمانية
والاثنا عشر والعشرون، فإن الأربعة تفنيها جميعا إذا أسقطت منها
مرارا، وهكذا، ويسمى العددان متوافقين، ووفقهما هو ذلك العدد
الذي أفناهما باسقاطه منهما.
فإذا كان العدد الذي يفنيهما هو الاثنين، فهما متوافقان بالنصف،
وذلك لأن الاثنين أقل عدد يخرج منه النصف صحيحا من غير كسر،
وهما متوافقان بالثلث إذا كان العدد الذي يفنيهما هو الثلاثة،
ومتوافقان بالربع إذا كان هو الأربعة، وهكذا هما متوافقان بالخمس
إذا عدتهما الخمسة، وبالسدس إذا أفنتهما الستة وبالسبع إذا عدتهما
السبعة، وبالثمن وبالتسع وبالعشر، من حيث إن العدد الذي اتفقا
فيه والذي أفناهما هو مخرج هذه الكسور.
وقد يكون للعددين المختلفين أكثر من عدد واحد إذا أسقطناه منهما
مرارا أفناهما معا، ومثال ذلك الاثنا عشر، والثمانية عشر، فإنهما
يفنيان معا إذا أسقطناهما اثنين اثنين، ويفنيان إذا أسقطناهما ثلاثة ثلاثة
ويفنيان كذلك إذا أسقطناهما ستة ستة، فهما متوافقان بالنصف
ومتوافقان بالثلث ومتوافقان بالسدس، ومن أمثلة العشرون
والثلاثون، فهما يفنيان إذا أسقطناهما اثنين اثنين وإذا أسقطناهما
خمسة خمسة، وعشرة عشرة، فهما متوافقان بالنصف وبالخمس،
وبالعشر، والمعتبر عند أهل الحساب في هذه الحالة هو أقلها جزءا،
361

فالاثنا عشر والثمانية عشر متوافقان بالسدس، والعشرون والثلاثون
متوافقان بالعشر.
وقد يتوافق العددان بجزء من أحد عشر ومثال ذلك الثلاثة والثلاثون
والأربعة والأربعون، أو بجزء من سبعة عشر ومثاله الأربعة والثلاثون
والواحد والخمسون، أو بجزء من تسعة عشر، ومثاله الثمانية والثلاثون
والسبعة والخمسون، ونحو ذلك.
وقد لا يكون للعددين المختلفين عدد آخر يفنيهما معا غير الواحد ومثال
ذلك الثلاثة والأربعة، والخمسة والستة، والسبعة والثمانية فيسمى
العددان متباينين، ونتيجة لذلك فالعددان إما متماثلان أو متداخلان أو
متوافقان أو متباينان.
[المسألة 319:]
إذا اجتمع للميت وارثان من ذوي الفروض يرث كل واحد منهما
النصف، ومثال ذلك أن تموت المرأة ولها زوج ولها أخت واحدة لأبوين
أو لأب، فإن فرض الزوج هو النصف، وفرض الأخت الواحدة هو
النصف أيضا، وقد ذكرنا أن مخرج النصف هو الاثنان، فإذا لاحظنا
مخرج كل واحد من النصفين كان ذلك من العددين المتماثلين، فيكتفى
بأحدهما كما هو القاعدة في العددين المتماثلين، فيرث الزوج سهما
وترث الأخت سهما، وكذلك إذا اجتمع الثلث والثلثان، كما إذا ترك
الميت أختين أو أكثر لأب، وترك معهن إخوة لأم، فإن الأخوات من الأب
يرثن الثلثين والإخوة المتعددون من كلالة الأم يرثون الثلث، ومخرج
الثلثين هو الثلاثة، ومخرج الثلث هو الثلاثة أيضا فالعددان متماثلان
يكتفى بأحدهما في تصحيح أصل الفريضة عند قسمتها.
[المسألة 320:]
إذا كان العددان متداخلين اكتفي في تصحيح أصل الفريضة بالعدد
الأكثر منهما، كما إذا ترك الميت وارثين من أصحاب الفروض وكان
أحدهما يرث النصف والثاني يرث الربع، ومثال ذلك أن تخلف الميتة
زوجا وبنتا واحدة، فالبنت الواحدة ترث النصف ومخرجه اثنان،
والزوج يرث الربع ومخرجه أربعة، وهما عددان متداخلان، فإن
362

الاثنين تفني الأربعة إذا أسقطت منها مرتين، فيكتفى بالأكثر ومنه
تصح الفريضة، فيرث الزوج سهما واحدا من الأربعة وترث البنت
سهمين ثم يرد السهم الباقي على البنت، وكذلك إذا مات الرجل وخلف
زوجة وأختا واحدة للأبوين أو للأب خاصة، فالزوجة ترث الربع
والأخت ترث النصف، فتكون القسمة من الأربعة كما في المثال السابق.
ومنه ما إذا ترك الميت زوجة وبنتا واحدة، فإن البنت ترث النصف
ومخرجه الاثنان، والزوجة ترث الثمن ومخرجه الثمانية وهما عددان
متداخلان يفني الأقل الأكثر، فيكتفي بالثمانية في تصحيح الفريضة.
ومن أمثلته أن يموت الميت ويترك بعده بنتا واحدة وأحد الأبوين،
فالبنت ترث النصف ومخرجه اثنان، وأحد الأبوين يرث السدس
ومخرجه ستة، والاثنان والستة عددان متداخلان، فيكتفى بالأكثر
منهما وهو الستة ومنه تصح الفريضة ومن أمثلته أن يموت الميت ويترك
بعده ابنتين وأبوين، فالابنتان ترثان الثلثين ومخرج الثلثين هو الثلاثة،
والأب والأم يرثان السدسين ومخرج السدس هو الستة، وهما عددان
متداخلان فيكتفى بالأكثر.
[المسألة 321:]
إذا كان العددان متوافقين ضرب وفق أحد العددين بالعدد الآخر
وكان حاصل الضرب هو أصل الفريضة، كما إذا ترك الميت بعده وارثا
يستحق ربع التركة وترك معه وارثا يستحق السدس، ومن أمثلة ذلك أن
تموت المرأة وتخلف بعدها أحد أبويها، وتخلف معه زوجا وولدا،
فالزوج يستحق الربع والأب يستحق السدس لوجود الولد، ومخرج
الربع هو الأربعة، ومخرج السدس هو الستة، والأربعة والستة عددان
متوافقان بالنصف، فإن العدد الذي يفنيهما معا هو الاثنان وهو مخرج
النصف، فيضرب نصف الأربعة في ستة، أو تضرب نصف الستة في
الأربعة وحاصل الضرب اثنا عشر ويكون ذلك أصل الفريضة، فللزوج
منها ثلاثة وهو ربعها وللأب منها اثنان وهو سدسها والباقي للولد.
ومن أمثلته أن يموت الرجل وله زوجة، وواحد من كلالة الأم،
363

فللزوجة الربع، وللواحد من كلالة الأم السدس ويكون الحال فيه كما
سبق في المثال الأول.
ومن أمثلته أيضا أن يموت الرجل ويترك بعده زوجة وولدا وأحد
أبويه، فيستحق الأب السدس وتستحق الزوجة الثمن لوجود الولد،
ومخرج السدس هو الستة، ومخرج الثمن هو الثمانية، وهما متوافقان
بالنصف، فيضرب نصف الستة في الثمانية أو يضرب نصف الثمانية
في الستة وحاصل الضرب أربعة وعشرون ويكون ذلك أصل الفريضة،
فللأب منها أربعة وهو سدسها، وللزوجة منها ثلاثة وهو ثمنها،
ويكون الباقي للولد.
[المسألة 322:]
إذا كان العددان متباينين ضرب أحد العددين بالآخر وما يحصل
من الضرب يكون هو أصل الفريضة، كما إذا ترك الميت وارثا يستحق
الربع من التركة ووارثا آخر يستحق الثلث منها، أو يستحق الثلثين،
ومن أمثلة ذلك أن يموت رجل فيترك زوجة وأما، ففرض الزوجة
الربع ومخرجه الأربعة، وفرض الأم هو الثلث ومخرجه الثلاثة،
والثلاثة والأربعة عددان متباينان، فيضرب أحدهما بالآخر وما ينتج
من الضرب وهو اثنا عشر يكون أصل الفريضة فللزوجة منه ثلاثة
وللأم منه أربعة، ثم يرد ما بقي منه على الأم.
ومن أمثلته أيضا أن يموت شخص ويترك زوجة وأختين لأب، فللزوجة
ربع التركة وللأختين الثلثان ومخرجهما أيضا هما الأربعة والثلاثة
ويجري فيهما البيان السابق كله، ومن أمثلة ذلك أن تموت امرأة
ولها زوج وأم، وفرض الزوج هو نصف التركة ومخرج النصف اثنان،
وفرض الأم الثلث ومخرجه ثلاثة والعددان متباينان، فيضرب أحدهما
بالآخر وما حصل من الضرب وهو ستة يكون أصل الفريضة، فللزوج
نصفه وهو ثلاثة وللأم ثلثه وهو اثنان ثم يرد الباقي على الأم.
[المسألة 323:]
إذا ترك الميت ورثة من أصحاب الفروض وقسمت التركة عليهم
بحسب فروضهم على المناهج التي تقدم بيانها فطابقت سهامهم من
364

الفريضة عددهم من غير زيادة ولا نقص، أخذ كل وارث منهم سهمه
الذي حدد له وقد ذكرنا بعض الأمثلة لذلك.
وإذا تعدد أصحاب أحد الفروض فانكسرت سهامهم التي استحقوها
بسبب الفرض على عددهم، لوحظ عدد سهامهم وعدد رؤوسهم، فإن
كان العددان متباينين، ضرب عدد رؤوسهم بأصل الفريضة وكان
الناتج من هذا الضرب هو أصل الفريضة وصح تقسيمه على الجميع
بلا كسر.
ومثال ذلك أن يموت شخص وله أب وأم وخمس بنات، فإن كل
واحد من الأبوين يستحق سدسا من التركة، ومخرج السدس هو الستة،
والبنات يرثن ثلثي التركة، ومخرجهما هو الثلاثة، والثلاثة والستة
عددان متداخلان فإن الثلاثة تفني الستة إذا أسقطت منها مرتين،
ولذلك فيكتفي بالعدد الأكثر وهو الستة ويجعل هو أصل الفريضة كما
ذكرنا في العددين المتداخلين، فيأخذ كل واحد من الأبوين واحدا من
الستة، ويكون للبنات الثلثان منها وهو أربعة فتنكسر عليهن، فقد
فرضنا أن عددهن خمسة، والخمسة تباين الأربعة وهو عدد سهامهن،
ولذلك فيضرب عددهن وهو الخمسة بأصل الفريضة وهو الستة كما
ذكرنا في العددين المتباينين، وحاصل ضربهما يبلغ ثلاثين، ويجعل
ذلك أصل الفريضة فللأب والأم السدسان منه وهما عشرة لكل واحد
منهما خمسة، وللبنات الخمس الثلثان منه وهو عشرون يقسم عليهن
بالسواء فلكل واحدة منهن أربعة.
وإذا فرضنا عدد البنات سبعة، وهو أيضا يباين الأربعة عدد سهامهن
من الستة، فتضرب السبعة وهو عدد البنات بالستة وهو أصل الفريضة
وينتج ذلك اثنين وأربعين فنجعله أصل الفريضة ويصح تقسيمه من
غير كسر، فللأب والأم سدسا ذلك وهما أربعة عشر، وللبنات الثلثان
وهما ثمانية وعشرون لكل واحدة منهن أربعة.
ومن أمثلة ذلك أن يترك الميت بعده أبا وأما وأربع زوجات، فإن
للأم ثلث التركة ومخرجه ثلاثة وللزوجات الربع، ومخرجه أربعة وهما
عددان متباينان فيضرب أحدهما بالآخر ويجعل الحاصل من الضرب
365

وهو اثنا عشر أصل الفريضة، فللأم الثلث وهو أربعة وللزوجات
الربع وهو ثلاثة فتنكسر سهامهن عليهن وعدد سهامهن وهو ثلاثة يباين
عددهن وهو أربعة فيضرب عددهن بأصل الفريضة ويكون حاصل الضرب
ثمانية وأربعين، فترث الأم منه الثلث وهو ستة عشر، وترث الزوجات
الربع وهو اثنا عشر لكل واحدة منهن ثلاثة ويكون للأب بقية المال.
وإذا كان عدد أصحاب الفرض وعدد سهامهم متوافقين، ضرب
الوفق من عددهم في أصل الفريضة وكان حاصل الضرب هو أصل
الفريضة وصحت منه القسمة.
ومثال ذلك أن يموت أحد ويترك بعده أختا واحدة لأبوين أو لأب،
وأربعة إخوة لأم، فإن أصل الفريضة ستة وهي ما يحصل من ضرب
مخرج النصف وهو اثنان في مخرج الثلث وهو ثلاثة والنصف هو فرض
الأخت الواحدة والثلث هو فرض الإخوة للأم وقد تكرر منا ذكر ذلك،
فترث الأخت النصف من الستة، وترث الإخوة للأم الثلث منها وهو
اثنان وهذا العدد ينكسر عليهم لأن عددهم أربعة، وعدد السهام وهو
اثنان يوافق عددهم وهو الأربعة بالنصف، وإن كان متداخلين أيضا،
فإن التداخل غير معتبر في المقام من غير خلا، فيضرب نصف عددهم
وهو اثنان في أصل الفريضة وهو ستة وحاصل ضربهما اثنا عشر يجعل
أصل الفريضة وتصح منه القسمة، فللأخت نصف الاثني عشر وهو
ستة، وللإخوة من الأم الثلث منها وهو أربعة فلكل واحد واحد، ثم
يرد الباقي على الأخت للأب وحدها.
ومن أمثلة ذلك أن يموت شخص وله أب وأم وست بنات، فلكل
واحد من الأبوين السدس وللبنات الثلثان، واصل الفريضة ستة وهي
مخرج السدس والثلثين، فيرث الأب واحدا من الستة وترث الأم واحدا
وترث البنات أربعة، وهذا العدد ينكسر عليهن لأنهن ست، والأربعة
وهي عدد السهام توافق الستة بالنصف، فيضرب نصف عددهن وهو ثلاثة
في أصل الفريضة وهو ستة وحاصل الضرب ثمانية عشر يكون أصل
الفريضة، فللأب والأم منه السدسان فلكل واحد منهما ثلاثة، وللبنات
الثلثان وهو اثنا عشر فلكل واحدة منهن اثنان.
366

وقد تنكسر السهام على أكثر من فريق واحد، وهي كثيرة الصور
والشقوق، واستخراجها وتطبيقها صعب على العامة من الناس ولذلك
أضربنا عن ذكرها وأضربنا عن بيان المناسخات في الفرائض، ومن
أرادها فليطلبها من مطولات الأصحاب قدس الله أسرارهم.
والحمد لله رب العالمين بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها وكما
يرضاه لنفسه والصلاة الدائمة المباركة على خير خلقه محمد وآله
المطهرين صلاة يرضاها لهم وتؤدي لهم عنا حقوقهم وتعمنا وجميع
المؤمنين والمؤمنات بالبركة والرحمة والفضل والنعمة في دنيانا وآخرتنا
إنه أرحم الراحمين وخير المعطين
367