الكتاب: المسائل المستحدثة
المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤١٤
المطبعة: فروردين
الناشر: مؤسسة دار الكتاب - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى : قم - ايران - ذي القعدة الحرام ١٣٨٤ / الثانية : بيروت - لبنان - ربيع الأول ١٣٩٣ / الثالثة : قم - ايران - ١٣٩٨ / الرابعة : قم - ايران - ذي القعدة الحرام ١٤١٤

المسائل المستحدثة
تأليف
فقيه العصر سماحة آية الله العظمى
السيد محمد صادق الحسيني الروحاني
مد ظله
1

الطبعة الأولى: طبعت في قم - إيران - ذي القعدة الحرام 1384 ه‍
الطبعة الثانية: طبعت في بيروت - لبنان - ربيع الأول 1393 ه‍
الطبعة الثالثة: طبعت في قم - 1398 ه‍
الطبعة الرابعة: طبعت في قم - إيران - ذي القعدة الحرام 1414 ه‍
مواصفات الكتاب:
الكتاب: المسائل المستحدثة
المؤلف: السيد محمد صادق الحسيني الروحاني
الطبعة الرابعة: 1414 ه‍ - ق
المطبعة: فروردين
الناشر: مؤسسة دار الكتاب قم المقدسة
السعر: 250 تومان
تيراژ: 1000 نسخة
2

المسائل المستحدثة
بحوث فقهية استدلالية، حول:
" التلقيح الصناعي - السرقفلية - الأوراق
النقدية - الكمبيالات (سفته) - الحوالات
المستحدثة - أعمال البنوك - عقد التأمين -
أوراق اليانصيب - الشوارع المفتوحة -
التشريح - زرع أعضاء الموتى في أجسام
الأحياء - الذبح بالأجهزة الحديثة - تحديد
النسل وتنظيمه - وظيفة ركاب الطائرة -
صلاة وصيام أهل القطبين - بيع المذياع و
التلفزيون - الكحول الصناعية - الصورة و
التصوير - حق التأليف - حق امتياز نشر
الأخبار - المباراة ".
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أولينا به من التفقه في الدين والهداية إلى الحق.
وأفضل صلواته وأكمل تسليماته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة الكفيلة باسعاد
المجتمع ومعالجة مشاكله - وعلى آله العلماء بالله والأمناء على حلاله وحرامه سيما بقية
الله في الأرضين عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وبعد: فمنذ عدة سنين وأنا أحاول الكتابة عما يستفاد من الكتاب والسنة في المسائل
المهمة التي اقتضتها طبيعة عصورنا هذه ولم تكن موجودة في عصر صاحب الشريعة
السماوية الباقية وعصور أهل بيت العصمة من ذرية الرسول وبيان موقف الشريعة
الاسلامية منها.
وفي أثناء هذه المدة نبئت أنه عقدت لبحثها المؤتمرات - وأدلى فيها ذو والآراء بآرائهم -
وعلى رغم ما تناولها من البحث وتعدد الآراء فإنها لا تزال غصة.
وأخيرا اجتمع جملة من الأفاضل وقد سألوني أن أجعل تلك المسائل محورا للبحث
فأجبت مسؤولهم ونزلت عند رغبتهم وألقيت في أيام العطلة (في شهر رمضان المبارك سنة
1384 ه‍) بعض المحاضرات في تلك الموارد وبينت حكم الشريعة الاسلامية بالنسبة لكل
مشكلة منها وكنت أدون ما ألقيه إليهم في محاضراتي.
فلما تم تأليف الكتاب، رأيت الأولى نشره واخراجه إلى عالم الظهور.
محمد صادق الحسيني الروحاني
إيران - قم - الحوزة العلمية
بتاريخ 1391 ه‍
4

التلقيح الصناعي
حقيقة التلقيح وتاريخه - حكم الشريعة
الاسلامية في التلقيح من حيث الجواز و
الحرمة - حكمها إذا حصل التلقيح والحمل و
أنه بمن يلحق؟ - مع عدم الالحاق، هل يصح
عقد الزواج بين ذاك الولد إن كان بنتا و
صاحب الماء أم لا؟
5

من الموضوعات المستحدثة: التلقيح الصناعي
وقد كثر البحث فيه في المجامع العالمية هذا مجلس العموم البريطاني قد أحاله إلى لجنة
مختصة لبحثه، وفي فرنسا قال الأطباء إنه جائز إذا كان بموافقة الزوجين، وفي إيطاليا أصدر
البابا أمرا بالتحريم، وفي مصر حكم العلامة شلتوت بأن التلقيح الصناعي أفظع جرما من
التبني.
والبحث عن هذا الموضوع من جهات:
1 - حقيقة التلقيح وتاريخه.
2 - حكم الشريعة المقدسة في التلقيح من حيث الجواز والحرمة.
3 - حكمها إذا حصل التلقيح وتحقق الحمل وإنه بمن يلحق.
4 - مع عدم الالحاق، هل يصح عقد الزواج بين ذلك الحمل إن كان بنتا وصاحب الماء،
أم لا.
حقيقة التلقيح وتاريخه:
من المعلوم أن قصد التوليد عن طريق التلقيح موجود من قديم، وقد استخدموه في
7

النبات والحيوان، وحصل منه ثمار جيدة وأنواع حسنة من الحيوان.، وقد دفعهم ذلك إلى
اجراء التجارب التلقيحية في المرأة بماء الرجل، وفعلا نجحت هذه التجارب وتكون به
الجنين واستكمل حياته الرحمية وخرج انسان سوي الخلقة، وبعد هذه التجارب اتخذ
سبيلا لتحقيق رغبة الولد إذا كان الزوج عقيما لا يولد له: بأن يؤخذ نطفة رجل أجنبي و
تلقح المرأة تلقيحا صناعيا بها دون مقاربة.
حكم الشريعة في التلقيح من حيث الجواز والحرمة:
إن كان التلقيح بماء الرجل لزوجته، كان ذلك عملا مشروعا على ما ستقف عليه، وإن
كان بماء الأجنبي،
فما استدل به، أو يمكن أن يستدل به لحرمته - وجوه:
الوجه الأول: إن الآية الكريمة " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن " (1) تدل على ذلك فإنها متضمنة للأمر بحفظ الفرج ولم يذكر فيها متعلق الحفظ. ولم
يخصه بالمقاربة وهذه آية العموم: لأن حذف المتعلق يفيد العموم فمقتضى عموم الآية
الشريفة لزوم حفظ العضو من كل شئ حتى التلقيح.
وفيه: إن الظاهر من الآية الشريفة لزوم حفظ العضو من الغير أعم من المقاربة والنظر و
غيرهما، ولا تدل على لزوم حفظه من نفسها أو زوجها، فتصرف أحدهما فيه ولو بادخال
جسم فيه وافراغ ماء أو جسم سيال آخر فيه لا يكون مشمولا للآية الكريمة.
وعليه، فإذا أخذت نطفة رجل أجنبي وأفرغت في الرحم، ادخال ذلك الجسم الجامد
المشتمل على النطفة في العضو كان بيد الزوج أم لم يكن لا يكون حراما، وافراغ النطفة في
الرحم لا تكون الآية الشريفة مربوطة به مع، أنه قد ورد في النصوص، تفسير هذه الآية بأن
المراد منها الحفظ من النظر خاصة، وأما الآيات الأخر الواردة في حفظ الفرج - وهما -
آيتان - في سورة المعارج والمؤمنين " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم -

(1) سورة النور آية 31.
8

فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " فهي مع اختصاصها بالرجل ظاهرة فيما ذكرناه
سيما بقرينة ما في ذيلها.
الوجه الثاني: النصوص المتضمنة لحرمة الانزال في فرج المرأة المحرمة الدالة على حرمة
جعل نطفة الأجنبي في الرحم - لاحظ.
خبر علي بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجلا أقر
نطفته في رحم يحرم عليه (1).
ومرسل الصدوق قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لن يعمل ابن آدم عملا أعظم
عند الله عز وجل من رجل قتل نبيا أو إماما أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو
أفرغ مائه في امرأة حراما (2) ونحوهما غيرهما.
وفيه: إن الظاهر منها مباشرة الأجنبي في ذلك الظاهر في مقاربته إياها مع، أنها متضمنة
للعقاب على افراغ الماء المحرم عليه ولا تدل على أنه حرام مطلقا، فلا يصح الاستدلال بها
في المقام.
الوجه الثالث: إنا علمنا من طريقة الشرع وتحذيره وتشديده في أمر الفروج ومبدأ
تكون الولد أنها لا تستباح إلا بإذن شرعي فمجرد احتمال الحرمة كاف في وجوب الكف و
الاحتياط - لاحظ -
صحيح شعيب الحداد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل من مواليك يقرأك السلام وقد
أراد أن يتزوج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها وقد كان لها زوج فطلقها على غير
السنة وقد كره أن يقدم على تزويجها حق يستأمرك فتكون أنت تأمره فقال أبو عبد الله
عليه السلام هو الفرج وأمر الفرج شديد ومنه يكون الولد ونحن نحتاط فلا يتزوجها (3).
وخبر - العلا بن سيابة عن الإمام الصادق عليه السلام عن امرأة وكلت رجلا بأن يزوجها من
رجل إلى أن قال - فقال عليه السلام إن النكاح أحرى وأحرى أن يحتاط فيه وهو فرج ومنه يكون

(1) الوسائل باب 4 من أبواب النكاح المحرم حديث 1.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب النكاح المحرم حديث 2.
(3) الوسائل باب 157 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 1.
9

الولد (1).
وتقريب الاستدلال بها إنه علل عدم جواز النكاح بمطلوبية الاحتياط ولزومه في هذا
الباب من ناحية أن منه يكون الولد، ومقتضى عموم العلة لزوم الاحتياط في ما هو مبدأ
تكن الولد، وعليه فلو شك في جواز التلقيح الصناعي لا سبيل إلى الرجوع إلى البراءة، بل
المرجع هو أصالة الاحتياط المتفق عليها في هذا الباب.
فالأظهر عدم جواز التلقيح بنطفة رجل أجنبي.
حكم الحمل بالنسبة إلى الزوج:
ثم إنه يقع الكلام في أن الحمل لو تحقق، بمن يلحق، والكلام فيه في موارد:
المورد الأول - في أنه هل يلحق بالزوج أم لا؟
لا اشكال في أنه إذا لقح نطفة الأجنبي وقاربها زوجها واحتمل تكون الولد من ماء
الزوج، فتكون الولد يكون ملحقا بالزوج: لقاعدة الفراش المستفادة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم، الولد
للفراش، الذي وصل إلينا بالأخبار المستفيضة - وقد استدل به المعصومون عليه السلام في أبواب
متفرقة.
إنما الكلام فيما إذا لم يحتمل تكون الولد من ماء الزوج وقد يتوهم: إن مقتضى عموم
قوله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش الحاقه بالزوج.
وتوطئة لبيان ما هو الحق يحسن بنا أن نشرح الحديث الشريف - الولد للفراش - و
للعاهر الحجر.
أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش - فيحتمل فيه وجهان:
أحدهما: إن الولد لصحاب الفراش وهو الزوج أو المولى.
ثانيهما: ما عن المصباح المنير - وهو أن الفراش أي الزوج والزوجة: لأن كل واحد من
الزوجين يسمى فراشا للآخر، كما سمي كل واحد منهما لباسا للآخر وعليه فلا يحتاج إلى

(1) الوسائل باب 157 من أبواب مقدمات النكاح حديث 3.
10

التقدير كما في الأول.
ولا يعتبر في الزوجة أن يعلم بالدخول إذ الفراش يصدق بدون الوطء، وهذا بخلاف
الأمة بل لو علم بعدمه يلحق به الولد لصدق الفراش بالعقد، غاية الأمر مع احتمال الانزال
كما يشهد به خبر أبي البختري (1) الآتي وغيره.
المعروف بين الأصحاب إن قاعدة الفراش قاعدة مضروبة لمقام الشك في كون الولد
للزوج، ولذا اشترط الأصحاب للحقوق الولد بالزوج شروطا، منها احتمال الانزال وقد
دلت عليها النصوص.
وفي خبر جعفر بن محمد المروى عن قرب الإسناد عن أبيه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد فقال عليه السلام إن
الوكاء قد ينفلت فألحق به الولد (2)، ولو كان مجرد تحقق الفراش كافيا في الحاق الولد لم يكن
وجه لتعليله عليه السلام الالحاق بأن الوكاء قد ينفلت، الذي هو كناية عن أن المني قد يسبق من غير أن يشعر به.
ولا مفهوم له كي يدل على انحصار الحاق الولد بالفراش وأنه لا يلحق مع عدمه كما لا
يخفى.
وأما قوله فللعاهر الحجر، فيحتمل فيه معنيان:
أحدهما: كون الحجر كناية عن الحرمان والخيبة بمعنى أنه لا شئ له كما يقال له التراب.
ثانيهما: أنه كناية عن الرجم بالأحجار.
ولكن الثاني بعيد إذ العاهر إن كان محصنا يرجم بالأحجار وإلا يجلد، وحمله فيه على
إرادة الغلظ عليه والاعناف به بتوفية الحد الذي يستحقه من الجلد - بعيد -
فالمتعين هو الأول، والعاهر هو الزاني فالمستفاد من الخبر، إن الولد يلحق بالزوج مع
امكانه ولا يلحق بالزاني.
وعلى هذا التمهيد فمع العلم بأنه لا يكون الولد من ماء الزوج بل يكون من النطفة

(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب احكام الأولاد حديث 1.
(2) الوسائل - باب 15 - من أبواب احكام الأولاد حديث 1.
11

الملقوحة لا وجه للالحاق به - والتبني في الاسلام غير جائز " وما جعل أدعيائكم أبنائكم " (1).
حكم الحمل بالنسبة إلى الزوجة:
المورد الثاني - في أنه هل يلحق الولد بالزوجة أم لا؟
الظاهر الحاقه بها وكونها أما له: إذ في صورة الزنا وإن لم يلحق الولد بأمه كما هو المشهور
خلافا للصدوق وأبي علي وأبي الصلاح.
ويشهد به صحيح عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قلت فإنه مات و
له مال من يرثه قال عليه السلام الإمام (2).
وخبر محمد بن الحسن القمي عن رجل فجر بامرأة ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت
بولد هو أشبه خلق الله به فكتب بخطه وخاتمه الولد لغية لا يورث (3).
فإن اطلاقهما كعموم التعليل في الأخير يشمل الأم.
ويشهد له - أيضا صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام أيما رجل وقع على وليدة قوم
حراما ثم اشتراها وادعى ولدها فإنه لا يورث منه شئ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الولد
للفراش وللعاهر الحجر، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعى ابن وليدته (4) ونحوه غيره.
والاستدلال: للالحاق بخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام كان يقول ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه أمه وإخوته لأمه أو عصبتها (5).
وبما - عن يونس إن ميراث ولد الزنا لقرابته من قبل أمه على نحو ميراث ابن الملاعنة (6).
غير صحيح: لضعف سند الأول بغياث بن كلوب وغيره: والوقف إلى الراوي من دون

(1) سورة الأحزاب: آية 4.
(2) الوسائل - باب 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه حديث 3.
(3) الوسائل - باب 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث 2.
(4) الوسائل - باب 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث 1.
(5) الوسائل - باب 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث 9.
(6) الوسائل - باب 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث 6.
12

نسبته إلى الإمام في الثاني، أضف إلى ذلك موافقتهما للعامة - فليحملا على التقية أو على كون
الأم زانية فإنها وأقاربها يرثونه حينئذ لثبوت النسب الشرعي بينهم فيكون كولد الملاعنة.
ولكن في غير مورد الزنا وإن كان مبدأ تكون الولد على وجه غير شرعي، كما لو جامع
امرأته وهي حائض، أو في صوم رمضان، وكما لو جامع الرجل زوجته وساحقت هي
جارية فحبلت الجارية من ماء الرجل المنتقل إليها، أو غير ذلك من الموارد، يكون الولد
ملحقا بها لتكونها في رحمها ويسمى ولدا لغة وعرفا ولم يدل دليل شرعي على خلافه -
لاختصاص ما دل على نفي الولد بالزنا بل مقتضى عموم الآية الكريمة " إن أمهاتهم إلا
اللائي ولدنهم " (1)، حيث جعل المولدة مطلقا أما كون المتولد ابنا أو بنتا شرعا على حسب
القانون اللغوي.
حكم الحمل بالنسبة إلى صاحب الماء:
المورد الثالث: في حكم الحمل بالإضافة إلى صاحب النطفة - إن كان معلوما - ولم يحتمل
تكون الولد من ماء الزوج -
والظاهر لحوقه به. وقد أفتى كثير من الأصحاب كالشيخ رحمه الله في محكى " النهاية " وأتباعه
والشهيد الثاني في " المسالك " والمحقق في " الشرائع " وغيرها - وسيد الرياض - و
صاحب الجواهر وغيرهم، بالحاق الولد بصاحب الماء، لو وطء زوجته فساحقت بكرا،
فحملت وتلك المسألة والمقام من باب واحد، بل الالحاق في المقام أولى من الالحاق فيها.
والشاهد للحوق به، انخلاقه من مائه ويسمى ولدا لغة والأصل عدم النقل، و
قوله صلى الله عليه وآله وسلم للعاهر الحجر مختص بالزاني، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش قد عرفت أنه جعل
لقاعدة في ظرف الشك ولا مفهوم له كي يدل على انتفاء النسب بانتفاء الفراش.
وبالجملة يصدق الولد عليه عرفا والمانع الشرعي منتف إذ ليس إلا الزنا والتلقيح
ليس منه لا عرفا ولا شرعا.

(1) سورة المجادلة: آية 2.
13

ويمكن أن يستشهد له - بما ورد في المساحقة التي يكون الالحاق في المقام أولى منه فيها.
كصحيح ابن مسلم قال سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يقولان بينما الحسن بن
علي عليهما السلام في مجلس علي أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين عليه السلام
قال وما حاجتكم قالوا أردنا أن نسأله عن مسألة قال وما هي تخبرونا بها - قالوا امرأة
جامعها زوجها فلما قام عنها قامت بحموتها (1) فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت
النطفة فيها فحملت فما تقول - فقال الحسن عليه السلام يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية
البكر في أول وهلة لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها - ثم ترجم المرأة
لأنها محصنة - وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها - ويرد إلى أبيه صاحب النطفة ثم
تجلد الجارية الحد - الحديث (2).
وقريب منه خبر إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام (3).
وأورد على الاستدلال بهما بوجهين:
أحدهما: أن الولد غير مولود على فراش الرجل فكيف يلتحق به.
وفيه: أنه قد عرفت إن قاعدة الفراش قاعدة ظاهرية مضروبة لحال الشك ولا تدل
على نفي الولد بانتفاء الفراش فراجع، مع: أنه لو كان لدليلها مفهوم وكان دالا على انتفائه
كان الخبر إن أخص منه فيقيد اطلاقه بهما.
ثانيهما: إن أصحابنا لا يرجمون المساحقة، ولا يرون مهرا لبغي والخبران بما أنهما
متضمنان لرجم المساحقة والزام المهر على الفاعلة مع أنها لم تكره المفعولة ولذا تجلد، لا
يكونان معمولا بهما.
وفيه: أولا: أن المساحقة إذا كانت محصنة ترجم عند الشيخ والقاضي وابن حمزة ومال
إليه في المسالك، وأما المهر فالوجه فيه كونه سببا في ذهاب العذرة وديتها مهر نسائها و
ليست هي كالزانية في سقوط دية العذرة: لأن الزانية أذنت في الافتضاض بخلاف هذه.

(1) حموة الشئ: شدته وسورته انظر الصحاح حمى.
(2) الوسائل - باب 3 - من أبواب حد السحق والقيادة حديث 1.
(3) الوسائل - باب 3 - من أبواب حد السحق والقيادة حديث 2.
14

وثانيا: عدم العمل ببعض الخبر جمعا بينه وبين أخبار أخر لا يوجب عدم العمل ببعضه
الآخر الذي لا معارض له.
فالمتحصل مما ذكرناه في هذه الجهة: إنه لو حملت المرأة بالتلقيح، فإن كان ذلك بتلقيح
نطفة الزوج لا اشكال في الالحاق بهما، وإن كان بتلقيح نطفة الأجنبي فإن كان للمرأة زوج و
قاربها واحتمل تكون الولد من مائه يلحق الولد بالزوجين، وإن لم يحتمل ذلك لا يلحق
بالزوج بل يثبت النسب بين الحمل وأمه وصاحب النطفة، وكذلك إن لم يكن لها زوج يثبت
النسب بين الحمل وبين الأبوين.
حكم نكاح صاحب الماء مع الحمل إن كان بنتا:
وعلى ما اخترناه من الحاق الولد بصاحب الماء لا اشكال في حرمة الحمل إن كان بنتا
عليه.
وأما على القول الآخر الذي ذهب إليه بعض فقهاء العصر فهل تحرم عليه أم لا.
قد يقال بالتحريم: من جهة أن قبح نكاح الانسان بنته اللغوي وإن لم تكن البنتية
شرعية، أو أخته ذاتي والعقل مستقل به، وفي الخبر (1) الوارد في بدو النسل من ذرية آدم عن
الإمام الصادق عليه السلام التصريح بذلك، بل فيه إن بعض البهائم تنكرت له أخته فلما نزى عليها و
نزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج عزموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا
وبالملازمة بين حكم العقل والشرع يستكشف الحرمة الشرعية.
وإن مدار تحريم النسبيات السبع على اللغة وهي لانخلاقها من مائه بنت له لغة وإن لم
تكن بنتا له شرعا.
وإن الاجماع قائم عليه.
وإنها كافرة قياسا لها بولد الزنا ولا يحل على المسلم نكاحها.

(1) علل الشرايع - باب 17 - باب كيفية بدو النسل.
15

وإن الانسان لا ينكح بعضه بعضا كما ورد في بعض (1) النصوص النافية لخلق حواء من
آدم.
وإن الأصل في هذا الباب كما تقدم هو الاحتياط فالشك في الجواز مع عدم دليل عليه
يكفي في الحكم بالحرمة.
ولكن لو كان دليل يدل على نفي الولدية لكان أكثر هذه الأدلة - وهي الأولان و
الخامس باطلة: إذ المنفي شرعا كالمنفي عقلا.
وما يبقى واضح الدفع.
إذ الاجماع لا يستند إليه مع معلومية مدرك المجمعين.
وولد الزنا لا يكون كافرا فضلا عمن تولد بالتلقيح.
وأصالة الاحتياط لا يرجع إليها في مقابل العمومات.
إلا أنه على فرض تسليم عدم الحكم بالنسب الشرعي لعدم الفراش بما أنه لا دليل على
نفي النسب بحيث يكون له اطلاق بالإضافة إلى جميع الأحكام فالرجوع إلى عموم ما دل
على تحريم النسبيات السبع أو أصالة الاحتياط هو المتعين.
فالأظهر حرمتها عليه

(1) علل الشرايع - باب 17 - باب كيفية بدو النسل.
16

السرقفلية
تاريخ السرقفلية - النوع الأول من السرقفلية
- حقيقة الحق وأقسامه - الوجوه المذكورة
لتصحيح هذه المعاملة - ما هو الحق في
تصحيح هذه المعاملة - النوع الثاني من
السرقفلية، وصوره.
17

من الموضوعات المستحدثة السرقفلية التي هي كلمة فارسية ترمز إلى ما تعارف في هذا
الزمان، من أخذ مقدار من المال بإزاء تفويض المالك أو المستأجر الأول حق ايجار العين إلى
أي شخص شاء في، أية مدة أراد، وبأية قيمة توافقا عليها.
والكلام فيها في مواضع:
تاريخ السرقفلية:
الأول في تاريخ ذلك، والظاهر أنها وليدة الأيام المتأخرة، والأصل فيها أن مجلس
النواب! في إيران وضع قانونا في باب الإجارة، وهو أنه ليس للمالك المؤجر اخراج
المستأجر وأخذ العين المستأجرة منه بعد انقضاء مدة الإجارة، ولا أن يزيد في كرائها
خلافا للقانون الشرعي، واتفق بعد ذلك غلاء الأسعار وبالطبع زادت كراء الأملاك،
فاضطر ملاك الأماكن من الدكاكين والفنادق والمنازل وغيرها لأجل تنمية الثروة إلى أن
يؤجروا أماكنهم بأنقص من كرائها ويفوضوا أمر الايجار إلى المستأجرين بإزاء مقدار من
المال، مثلا - يأخذ المالك ألف تومان بعنوان السرقفلية، ومائة تومان بعنوان الإجارة
السنوية، وبإزاء السرقفلية يفوض أمر الايجار بعد مضي السنة إلى المستأجر - وقد صار
ذلك أمرا عرفيا شائعا في الأسواق.
19

ثم إن السرقفلية على نوعين:
أحدهما: ما يأخذه المالك.
ثانيهما: ما يأخذه المستأجر الأول من غيره، فينبغي لنا أن نبحث في النوعين
النوع الأول من السرقفلية:
الموضع الثاني - في النوع الأول من السرقفلية، وبيان ما هو حكم الشريعة في هذا المبلغ
المأخوذ من المستأجر.
وقد يقال كما عن بعض المعاصرين: بأن حق الايجار من الحقوق التي صارت للجهة
المشار إليها مما له مالية في اعتبار العقلاء وهو قائم بالعين، يقابل بالعوض كنفس العين
المستأجرة من حيث منافعها فيكون المعاملة من سنخ البيع وتشملها العمومات من غير
قصور، وليس هناك ما يصلح للمانعية، سوى توهم أنه أكل للمال بالباطل، وقد عرفت
بالتقريب المذكور وهنه، فالحكم بالصحة واقع في محله بلا ريب.
حقيقة الحق وأقسامه:
قبل بيان ما يرد على هذا الوجه، لا بد لنا من تقديم مقدمة: وهي أنه في الأدلة عناوين
ثلاثة - الملكية - والحكم - والحق.
أما الملكية والحكم فحقيقتهما واضحة مذكورة في محلهما.
وأما الحق فهو في اللغة بمعنى الثبوت وبهذا الاعتبار يطلق عليه سبحانه الحق.
وأما بحسب الاصطلاح فهو عبارة عن اعتبار السلطنة على شئ أو شخص في جهة
خاصة - مثلا - حق الخيار عبارة عن السلطنة على الفسخ والامضاء - وحق الشفعة عبارة
عن السلطنة على ضم حصة الشريك إلى حصته بتملكه عليه قهرا.
ولا يخفى أن هذا ليس حقيقة شرعية له، إذ مضافا إلى عدم الدليل عليه: إن الحق
يستعمل كثيرا في الأخبار وكلمات علمائنا الأبرار في الحكم، وعليه فتشخيص كون مورد
20

خاص من قبيل الحكم أو الحق بالمعنى الذي ذكرناه يتوقف على ملاحظة الخصوصيات و
القرائن ولا يستفاد ذلك من مجرد اطلاق الحق عليه.
وأما أقسامه فقد جعل الشيخ الأعظم رحمه الله له أقساما:
الأول: ما لا يقبل المعاوضة بالمال - أي لا يقبل النقل، ولا الاسقاط كحق الحضانة و
الولاية.
الثاني: ما يقبل الاسقاط، ولا يقبل النقل كحق الشفعة والخيار.
الثالث: ما يكون قابلا للنقل والانتقال، والاسقاط كحق التحجير.
" والعلامة " جعل ما يصح نقله واسقاطه إلى قسمين: (أحدهما) ما يصح ذلك فيه
بالعوض ومجانا (ثانيهما) ما لا يصح ذلك فيه إلا مجانا كحق القسم: فإن لكل من الأزواج
نقله إلى ضرتها واسقاطه إلا أنه ليس لها أخذ المال بإزاء ذلك.
لا كلام في عدم صحة جعل ما هو من قبيل القسم الأول، أي ما لا يقبل الانتقال و
الاسقاط عوضا وأخذ المال بإزائه، وكذلك لا يجوز أخذ المال بإزاء ما يقبل ذينك إلا أنه
لا بد وأن يكون مجانا وبلا عوض.
إنما الكلام في الأقسام الأخر، والحق عندنا خلافا للمحقق النائيني رحمه الله صحة جعل كل
منها عوضا، غاية الأمر فيها لا يقبل الانتقال يصح جعل اسقاطه عوضا، وقد أشبعنا الكلام
في ذلك في الجزء الثاني من كتابنا منهاج الفقاهة والجزء الخامس عشر من كتابنا
فقه الصادق.
هذا فيما إذا علم حال الحق، ولو شك في كون شئ حكما أو حقا، وعلى فرض كونه حقا
من أي قسم من الأقسام لا يصح ايقاع المعاملة عليه: لأصالة عدم الانتقال وعدم
السقوط.
إذا عرفت هذه المقدمة تعرف أن أخذ المال بإزاء اعطاء المالك حق الايجار للمستأجر،
لا يصح: إذ لا يظهر من دليل كونه من الحقوق القابلة للانتقال، وبناء العرف عليه في هذا
الزمان لا يجدي - فالحق عدم تمامية هذا الوجه.
وقد يقال لتصحيح هذه المعاملة: بأن المالك إذا آجر ماله، له أن يشترط على المستأجر
21

وعلى نفسه بما يشاء، فيقال في المقام إنه يؤجر ماله ويشترط في ضمنه شرطين، أحدهما أن
يقرضه المستأجر مبلغا معينا، ثانيهما - أنه يشترط على نفسه بأن لا يمنعه عن ايجار المحل
لمن شاء عند انتهاء مدة الإجارة أو قبلها.
وهذا الوجه أيضا غير تام: فإنه وإن كان لا يرد عليه أن الشرط الثاني شرط يجر نفعا
للمقرض وهو ملحق بالربا: إذا لشرط الثاني شرط في ضمن عقد الإجارة لا في عقد
القرض.
ولكن يرد عليه أن المعاملات الخارجية ليست كذلك.
وأضف إلى ذلك، أن عدم المنع من الايجار لا يكفي، بل لا بد وأن يكون مسلطا على
الايجار.
فإن قيل - إنه يعطيه هذه السلطنة.
قيل - إنه يرجع إلى الوجه السابق وقد عرفت ما فيه.
وأوهن من هذا الوجه:
ما أفاده بعضهم من أن هذين الشرطين، وإن لم يصرح بهما في ضمن العقد، إلا أنهما من
الشروط الضمنية المبنية عليها العقود، فكما أن كون الثمن نقدا وتسليم المشتري إياه من
الشروط الضمنية ويقتضيه اطلاق العقد ويكون الانصراف إليه كقرينة نوعية على أخذه
في متن العقد، وهذا يغني عن ادخاله في صريح الانشاء العقدي، كذلك فيما نحن فيه لأن بناء
العرف في هذا الزمان على أن المالك لا يخرج المستأجر إلا برضاه، ولا يتخلف المالك عن
عقد الايجار معه بعد انتهاء مدة الإجارة.
فإنه يرد عليه مضافا إلى ما تقدم: إن عدم اخراجه فعلا لا يكون موجبا لأن يكون ذلك
من الشروط الضمنية التي يجب الوفاء بها من قبل المالك وموجبا للانصراف إليه فتأمل!
وبما ذكرناه ظهر عدم تمامية ما قيل لتصحيح هذه المعاملة:
بالالتزام بالصلح: بأن يتصالح الطرفان على أن يدفع المستأجر مبلغا من المال بإزاء عدم
مزاحمة المالك للمستأجر في ايجار المحل لمن شاء عند انتهاء المدة أو قبلها.
أو بالالتزام بالجعالة: بأن يدفع المستأجر مبلغا كجعالة إلى المالك على أن لا يزاحمه في
22

الايجار.
فإنه قد مران عدم المزاحمة لا يكفي، واعطاء السلطنة على الايجار لا يعلم أنها قابلة
للانتقال أم لا، ولم يدل دليل عليه، ومقتضى الأصل عدمه، فلا يصح الصلح، ولا الجعالة.
والحق في المقام - أنه يمكن تصحيح هذه المعاملة، بطريقين
الطريق الأول: أن يؤجر المالك ما له بمبلغ سنويا مع إضافة مأخوذة بعنوان السرقفلية
بحيث تكون الإضافة جزء للعوض، ويشترط للمستأجر أن لا يزاحمه في الجلوس في
المحل، ولا يزيد في كرائه السنوي ويجدد الإجارة بعد انتهاء مدتها على نحو المبلغ السنوي
وأنه لو خلي المستأجر المحل وأعطاه بشخص آخر يعامل مع الثالث على ذاك المنهج (مثلا)
يؤجر الفندق بألف ومائتين تومانا سنويا في كل شهر مائة تومان - مع إضافة خمسة آلاف
تومان، ويشترط للمستأجر أن يكون له كامل الحرية في الفندق بعد انتهاء المدة في الجلوس
فيه مع الإجارة في كل شهر مائة تومان وأن يتحول عنه ويسكنه غيره بتلك الإجارة،
فخمسة آلاف تومان تحل للمالك لأنها مأخوذة جزء للعوض في الإجارة، وبعد انتهاء المدة
يجب على المالك أن لا يزيد في كراء الفندق ويؤجره للمستأجر القديم أو الجديد الذي
انتخبه القديم بمقتضى الشرط، ولو امتنع المالك يجبر: عليه لأن ذلك مقتضى الشرط
الواجب الوفاء بمقتضى النصوص والفتاوى.
الطريق الثاني: أن يتوافق المالك مع المستأجر بأن يؤجر الفندق سنويا بمبلغ - كألف
تومان، ويشترط في ضمن الإجارة أن يكون المستأجر وكيلا في ايجار الفندق بعد انتهاء
المدة لنفسه أو لغيره بذلك المبلغ ووكيلا في توكيل الثالث واعطائه الوكالة - ويجعل بإزاء
هذه الوكالة مبلغا كخمسة آلاف تومان - فالشرط هو الوكالة بإزاء هذا المبلغ.
وهذه الوكالة بما أنها مشروطة في ضمن العقد اللازم وهي الإجارة تكون لازمة وليس
للموكل عزله. وحيث إن لهذه الوكالة مالية فتنتقل إلى ورثة الوكيل بعد موته.
فإن قيل إن الوكالة لا تورث كما يظهر من الأصحاب - حيث ذكروا في باب الرهن أنه لو
شرط وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة لوفاء دينه صح ولو مات المرتهن لم ينتقل إلى
وارثه.
23

أجبنا عنه أولا: بالفرق بين المقام وما ذكروه بثبوت المالية للوكالة في المقام. وثانيا: أن
الأصحاب في تلك المسألة صرحوا بالانتقال مع الشرط - فيشترط في المقام الانتقال.
وبما أن الأظهر عندنا عدم بطلان الوكالة بموت الموكل سيما في الوكالة اللازمة كما حققناه
في محله، فهذه الوكالة تكون باقية بعد موت الموكل، وعلى هذا فيحل للمالك ما يأخذه بإزاء
الوكالة، والمستأجر بمقتضى الوكالة مختار وله كامل الحرية في أن يؤجر الفندق بعد انتهاء
المدة بنفسه أو بغيره.
النوع الثاني من السرقفلية:
الموضع الثالث في النوع الثاني من السرقفلية، وهو ما يأخذه المستأجر من المستأجر
الآخر وله صور:
الصورة الأولى: أن لا يكون المستأجر القديم وكيلا من جانب المالك ولا شرط له أن
يكون له كامل الحرية، بل استأجر فندقا بمبلغ إلى مدة معينة وانتهت المدة، والواجب عليه
في هذه الصورة تخلية الفندق أو الاستئجار من مالكه ولا شئ له كي يعطيه بالمستأجر
الجديد بإزاء مبلغ معين، فأخذ السرقفلي له حرام لا سبيل إلى تصحيح أخذه بوجه.
نعم - لو كان المالك طالبا لايجاره إياه بحيث لو استدعى تجديد الإجارة يقدمه على
غيره هناك طرق لحلية ما يأخذه من المستأجر الجديد.
الطرق الأول: أن يعطيه المبلغ ويشترط عليه أن لا يزاحمه في استئجاره.
الطريق الثاني: أن يهبه مبلغا بعوض عدم المزاحمة فيكون من قبيل الهبة المعوضة.
الطريق الثالث: تنزيله على الجعالة بأن يدفع المستأجر الجديد مبلغا إلى المستأجر
القديم على أن لا يزاحمه - بناء على أنه يكفي في الجعالة أن لا يعمل شيئا إذا كان عدم العمل
أمرا له مالية عند العقلاء.
وقد يستدل لجواز الأخذ في المورد الذي جوزناه بصحيح محمد بن مسلم عن
الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يرشو الرشوة على أن يتحوله عن منزله فيسكنه - يقال عليه السلام
24

لا بأس (1).
ولكن الظاهر عدم ارتباطه بالمقام: فإن المراد بالمنزل فيه هو المنزل المشترك كالمدرسة
والمسجد وغيرهما كما لا يخفى على من تدبر في الخبر، فالصحيح ما ذكرناه.
هذا كله من ناحية المستأجرين.
أما المالك فله كامل الحرية في الايجار بأي شخص أراد، ولا يكون ملزما بايجاره
بالمستأجر الجديد.
الصورة الثانية: أن يكون المستأجر القديم وكيلا من ناحية المالك في الايجار بنفسه متى
شاء أو شرط له أن يؤجره المالك، ولا يكون وكيلا في الايجار بالغير ولا شرط له ذلك، و
في هذه الصورة للمستأجر القديم أن يأخذ مبلغا يساوي ما دفعه إلى المالك أو أقل منه أو
أكثر من المالك ويرفع اليد عن حقه. كما أن له أن يأخذ مبلغا من المستأجر الجديد - بعنوان
الهبة - أو الجعالة ليتحول عن المنزل ولا يزاحمه في الاستئجار.
ولكن بعد ذلك للمالك كمال الحرية في ايجاره إياه وعدمه.
الصورة الثالثة: أن يكون أمر الايجار بنفسه أو بغيره بيد المستأجر القديم - بعنوان الوكالة
أو الشرط بالتقريب المتقدم، وفي هذه الصورة للمستأجر القديم أن يأخذ السرقفلي من
المالك، ويفوض أمر المحل إليه بإزائه، وله أن يأخذه من المستأجر الجديد ويفوض الأمر
إليه، وإن فوض الأمر إليه ليس للمالك مزاحمته بوجه، بل لا بد له من الرضوخ والقبول.

(1) الوسائل - باب 85 - من أبواب ما يكتسب به حديث 2، كتاب التجارة.
25

الأوراق النقدية
بيان حقيقة مالية الأشياء - وجوه التغطية -
الإشارة إلى حكم الربا - في عدم تحقق الربا
فيها - هل يتحقق الزكاة فيها - حكمها إذا
سقطت عن المالية.
27

من الموضوعات المستحدثة - الأوراق النقدية - كالدولار، والليرة - و
الدينار العراقي والكلام فيها - في مواضع:
1 - في تحقق الربا فيها وعدمه.
2 - في أنه هل تتعلق الزكاة بها أم لا؟
3 - في أنها إذا سقطت عن المالية ماذا حكمها؟
وقبل الخوض في البحث في هذه المواضع، لا بد من تقديم مقدمتين: إحداهما بيان حقيقة
مالية الأشياء، وثانيتهما الإشارة إلى حكم الربا.
مالية المال:
أما المقدمة الأولى: فلا اشكال في أن الانسان مدني بالطبع لا يتمكن من رفع حوائجه
وحده، بل كل أمة وقبيلة من الناس تحتاج في إدامة عيشتها إلى سائر الأمم والقبائل - مثلا -
تكون أمة غنية من حيث المعادن، وهي في أمس الحاجة إلى الأقمشة وأمة أخرى بعكس
ذلك، وعليه فيتوقف حفظ نظام النوع على التبادل بين الأموال، ولو لم يشرع ذلك لاحتاج
كل فرد إلى التكالب والتغالب مع غيره، فتشريع المعاملات والمبادلات من الضروريات
29

الأولية.
وقد كانوا في أوائل الأمر يعاملون الأشياء والأجناس المختلفة بعضها ببعض، وكانوا
يعرفون قيمة كل جنس بالإضافة إلى أجناس أخر إلى أن كثر أبناء آدم وانتشروا في البلاد،
واتسعت المعاملات، فلم يروا مناصا من ضرب السكة ووضع النقود واعتبار مقدار من
المالية ها، وبعد ذلك بنى العقلاء على تخصيص الثمن بالنقود، وعلى هذا فمالية الأشياء تكون
على نحوين:
الأول: ما كانت ماليته ذاتية، وهو كل ما فيه منفعة عائدة إلى الانسان ويحتاج إليه
بحسب فطرته من المأكول والمشروب والملبوس وما شاكلها.
الثاني: ما كانت ماليته اعتبارية وجعلية كالنقود، والنحو الثاني على قسمين:
أحدهما: ما كان الاعتبار فيه عاما يشترك فيه جميع أفراد البشر بدافع من الشعور
بالحاجة الاجتماعية المشار إليها آنفا كالأحجار الكريمة من الذهب والفضة وما شاكلهما.
ثانيهما: ما كان الاعتبار فيه خاصا، وهو أيضا على قسمين:
إذ - قد يكون شئ خاص يعتبر له المالية من جانب دولة بالنظر إلى ما بنت عليه تلك
الدولة من ترتيب أثر خاص عليه، كطوابع البريد: فإن كل طابع له مالية في مملكة خاصة
دون الممالك الأخر، وماليته إنما تكون بلحاظ ما بنت عليه تلك. الدولة والحكومة من
ترتيب أثر خاص عليه، وهو ايصال الرسالة إلى أي محل شاء المرسل مقابل الصاق الطابع
المعين به.
وقد يكون الاعتبار فيه ليقوم مقام القسم الأول، كالدينار العراقي والدولار ومورد
بحثنا فعلا هو هذا القسم من الأموال.
ولا ريب في أن هذا النوع من الأموال الاعتبارية لا يعتبره العقلاء ما لا بمجرد اعتبار
المعتبر أيا من كان بل لا بد وأن يكون له غطاء، ويعبر عنه (بغطاء العملة).
وجوه التغطية:
وهذه التغطية على وجوه:
30

الأول: أن يودع الدولة في الخزانة نقودا مسكوكة من الذهب والفضة بالقدر الذي طبع
من الأوراق ويعلن أن لكل شخص أن يراجع البنك ويأخذ من النقود ما يقابل ورقته.
الثاني: أن يودع قوالب ذهبية أو فضية غير مسكوكة وتتعهد الدولة بتسليم ما يقابل
الأوراق من الذهب أو الفضة من تلك القوالب.
الثالث: أن يودع الحكومة مقدارا من النقدين في أحد البنوك العالمية - أو في البنك
الحكومي المؤسس في تلك المملكة ولا تكون الحكومة مستعدة لدفع ما يقابل الورق
النقدي من الادخار الموجود في البنك العالمي أو لديها فعلا.
الرابع: أن يكون الرصيد للورق النقدي المعادن والثروات الطبيعية كالنفط -
الخامس: أن تتعهد الدولة بأن تكون بمقدار ما يقابل الأوراق النقدية مديونة وفي جميع
هذه الموارد تكون المالية الاعتبارية لنفس الورق النقدي، ولا تقع المعاملة على الغطاء
النقدي المقابل له.
الربا
وأما المقدمة الثانية: فالربا على قسمين:
أحدهما: الربا في البيع والمعاملة، ويعتبر فيه أمران:
الأمر الأول: كون مورد المعاملة من المكيل أو الموزون أي يكون بيعه بالكيل مع الزيادة،
كما هو المشهور بين الأصحاب، ويشهد به كثير من النصوص.
كصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (1).
وموثق منصور عن الإمام الصادق عليه السلام عن البيضة بالبيضتين قال عليه السلام لا بأس والثوب
بالثوبين قال عليه السلام لا بأس به والفرس بالفرسين قال عليه السلام لا بأس به ثم قال كل شئ يكال أو
يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب الربا حديث 1، كتاب التجارة.
31

بأس اثنين بواحد (1) ونحوهما غيرهما.
فما عن " المفيد " و " ابن الجنيد " و " سلار " من ثبوت الربا في المعدود ونحوه. وأنه لا يجوز
التفاضل في بيع الجنس بالجنس مطلقا، ضعيف.
والاستشهاد له بصحيح محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام عن الثوبين الرديين
بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين - والدابة بالدابتين - فقال عليه السلام كره ذلك علي عليه السلام فنحن
نكرهه إلا أن يختلف الصنفان (2) ونحوه غيره.
غير تام لعدم عمل الأصحاب بها، وقابليتها للحمل على الكراهة المصطلحة.
وعن جماعة، كالقديمين، والشيخين، وابني حمزة، وزهرة المنع من بيع غير المكيل و
الموزون بمثله متفاضلا إذا كان البيع نسيئة.
واستدل لهم بالتقييد بكونه يدا بيد في بعض النصوص كخبر محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد (3) ونحوه غيره.
وبالأمر بالخطط على النسيئة في خبر سعيد بن يسار (4).
وبالتصريح بذلك في خبر أبان عن محمد عن الإمام الصادق عليه السلام ما كان من طعام مختلف
أو متاع أو شئ من الأشياء يتفاضل فلا بأس بيعه مثلين بمثل يدا بيد فأما نظرة فلا
يصلح (5).
ولكن يرد عليه إن هذه الوجوه لا تصلح للمقاومة مع ما تقدم، فتحمل هذه النصوص
على الكراهة أو التقية: إذا التفصيل مذهب العامة، ويشعر به أمره بالخطط على النسيئة.
الأمر الثاني - اتحاد الجنس أي جنس العوضين أو كون أحدهما أصلا للآخر أو كونهما
فرعين من جنس واحد. ويشهد له كثير من النصوص.

(1) الوسائل، باب 16، من أبواب الربا، حديث 3.
(2) الوسائل باب 16 من أبواب الربا حديث 7 كتاب التجارة.
(3) الوسائل باب 13 من أبواب الربا حديث 1.
(4) الوسائل باب 17 من أبواب الربا حديث 7.
(5) الوسائل باب 17 من أبواب الربا حديث 9.
32

كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث إذا اختلف الشيئان فلا بأس به
مثلين بمثل يدا بيد الحديث (1) ونحوه غيره، فلو كان المبيع والثمن مختلفين جنسا لا مانع من
التفاضل.
وقد يقال كما عن جمع من القدماء: أنه يتم ذلك إذا كانت المعاملة نقدية أو نسيئة مع كون
العوضين من غير المكيل والموزون، وأما إذا كانت نسيئة مع كونهما من المكيل والموزون،
كبيع الحنطة بالزبيب، أو التمر مثلا - فلا يجوز التفاضل.
واستدل له بجملة من النصوص المشتملة على قوله عليه السلام - لا يصلح - أو يكره - ولا
بأس مثلين بمثل يدا بيد (2). إذ مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكن يدا بيد.
ولكن يرد عليه أنه لا بد من حمل هذه النصوص على الكراهة بقرينة النصوص الأخر، و
ظهور لا يصلح ويكره - فيها، وتمام الكلام في مسائل الربا موكول إلى محله، وإنما الغرض
هنا الإشارة إلى حكم الربا بنحو الاجمال.
حكم الأوراق من حيث الربا:
أما الموضع الأول من البحث، فحيث عرفت أن الأوراق النقدية لها مالية اعتبارية
صرفة وإن كل ورقة لها شعار خاص ولون مخصوص يعتبر بكذا مقدار من المال، وتكون
هي طرف المعاملة لا الذهب أو الفضة المودوعة، ولهذا لا يعتبر في بيعها التقابض في
المجلس، فالأظهر عدم تحقق ربا المعاملة فيها.
وتوضيحه أنه إن كانت المعاملة عليها نقدية - كما لو باع عشرة توأمين - بعشرين نقدا لا
تكون المعاملة ربوية: لما عرفت من أن شرط جريان الربا في المعاملة كون موردها من
المكيل أو الموزون، والورق النقدي ليس منهما فلا مانع من التفاضل فيه.
وإن كانت المعاملة عليها نسيئة.

(1) الوسائل - باب 13 - من أبواب الربا حديث 1.
(2) الوسائل - باب 13 و 17 من أبواب الربا.
33

فتارة تكون المعاملة بعنوان البيع وحقيقته اعطاء شئ بعوض.
وأخرى تكون بعنوان القرض وحقيقته تمليك العين أي خصوصياتها مجانا وجعل
ماليتها في الذمة، ففي الحقيقة هو ينحل إلى إنشائين، تمليك مجاني بالذمية إلى العين، وتضمين
لمالية العين واستيمان لها في ذمة المقترض إلى أجل معين.
فإن كانت بعنوان القرض لا يجوز التفاضل فيها، فلو أقرضه عشرة توأمين ليدفع له بعد
شهرين أحد عشر تومانا كانت المعاملة ربوية وفاسدة. لما تقدم من أن كل قرض يجر نفعا
فهو ربا.
وإن كانت بعنوان البيع، جاز التفاضل فيها فيجوز بيع عشرة توأمين نقدا بأحد عشر
تومان في الذمة إلى شهرين. والوجه في ذلك ما تقدم من أنه يعتبر في جريان الربا في البيع
كون المورد من المكيل أو الموزون، والورق النقدي ليس كذلك، فلا بد في مقام المعاملة من
التوجه والالتفات إلى ذلك أي الفرق بين، البيع، والقرض وأنه في القرض إلى أجل يتحقق
الربا ولا يتحقق في البيع إلى أجل.
وهاهنا شبهتان.
إحداهما أنه يعتبر في تحقق البيع تعدد المبيع والثمن واختلافهما، فلو اتحدا بطل البيع أي
لا تكون المعاملة بيعا، والكلي في الذمة بما أنه قابل الانطباق على الورق النقدي الموجود، فلا
يصح البيع بجعل الموجود مبيعا والكلي ثمنا، بل هو قرض بصورة البيع فتكون المعاملة ربوية
وباطلة.
وهذا متين جدا ولكن يمكن التخلص عنه يجعل الكلي في الذمة مقيدا بقيد لا ينطبق
على الموجود.
لا يقال إنه حيث يكون الورق متمحضا في المالية وما يقارنه من الخصوصيات غير
دخيل في ماليته، فلا يصح جعل الخصوصيات جزء المبيع أو الثمن، فالمبيع هو المقدار الخاص
من المالية، والثمن هو ذلك من الزيادة فيلزم اتحاد المبيع والثمن.
فإنه يتوجه عليه بعد النقض ببيع الدرهم بالدرهم - والدينار بالدينار - بل كل منهما
بالآخر، الذي لا ريب في جوازه نصا وفتوى، مع أن هذا الوجه يقتضي بطلانه: فإن المبيع
34

مقدار من المالية، والثمن هو ذلك - ابن المبيع والثمن هما الآمال، لا المالية، وهو متعدد.
الشبهة الثانية: إن مناط تحريم الربا، وهو تجمع الثروة عند شخص وهجوم الفقر إلى
آخر المستلزم ذلك للنفاق والشقاق - موجود فيما نحن فيه، فكما أن هذا المناط موجود في
النقدين كذلك في الأوراق النقدية، وكما أن القرض الذي يجر نفعا يترتب عليه ذلك، كذلك
البيع المذكور وتغيير عنوان المعاملة لا يوجب انقلاب الواقع.
ويتوجه عليها - أنه لو فتح هذا الباب لزم تأسيس فقه جديد، كيف ومناط التحليل و
التحريم هو عناوين المعاملات، وما ذكر من تنقيح المناط ليس إلا قياسا نهينا عن استعماله
في الفقه، ومنشأ النفاق والشقاق واختلاف الطبقات ليس إلا الاعراض عما شرعه الشارع
الأقدس من القوانين الاجتماعية لا العمل بما قرره.
وبما ذكرناه ظهر حكم بيع الدين المؤجل، بأقل منه نقدا: وأنه لا اشكال في جوازه.
حكم الأوراق النقدية من حيث الزكاة:
وأما الموضع الثاني، فالأظهر عدم تعلق الزكاة بها: فلو كانت التغطية بغير الوجه الأول
المتقدم فواضح: فإن شرط تعلق الزكاة كون المورد من الذهب أو الفضة المسكوكين، وكونه
تحت تصرف المالك، وشئ منهما لا يكون متحققا في المقام كما لا يخفى.
وأما إذا كانت التغطية على الوجه الأول، فقد يتوهم تعلقها بها من جهة أن من بيده
الورق مالك لمقدار من الذهب أو الفضة المسكوكين المودوعين في الخزانة فإذا بلغ النصاب
تعلق به الزكاة!
ولكنه فاسد لوجهين:
الأول: ما تقدم من أنه في تلك الصورة أيضا تكون الأوراق مالا عرفا ويعتبر العقلاء لها
المالية - وتبديلها بالنقد وإن قررته الحكومة إلا أنه لا يصير سببا لكون المملوك هو النقد
دون الورق، بل الورق مملوك وهو الطرف للمعاملة غاية الأمر له تبديله به.
الثاني: أنه يعتبر في تعلق الزكاة كون النقد تحت التصرف طول الحول وهذا لا يكون
متحققا في المقام إذا لا يمكن التصرف في النقود الموجودة في الخزانة وهو واضح، فالأظهر
35

عدم تعلق الزكاة بالأوراق النقدية.
لو سقط الورق عن المالية:
- أما الموضع الثالث، فلو اقترض أوراقا نقدية أو غصبها، ثم أسقطها الحكومة عن المالية،
فهل على المقترض، أو الغاصب إذا جاء ليردها رد المالية التالفة أيضا، أم يكفي رد الأوراق،
أم يفصل بين بقاء العين وتلفها فيكفي ردها في الأول دون الثاني - وجوه:
وللمسألة نظير تعرض الفقهاء له، وهو ما لو أخذ شخص من آخر ماله مالية في وقت
الأخذ كالماء في مفازة الحجاز والثلج في الصيف، ثم جاء ليرده ولا مالية له -
وقد اختلفت كلماتهم فيه، والأكثر على التفصيل بين بقاء العين - وتلفها - فبنوا على،
كفاية رد العين في صورة بقائها، وعدم كفاية رد المثل في صورة تلفها بل لا بد من رد ماليتها
أيضا.
وذهب بعضهم - إلى لزوم رد المالية مطلقا.
واختار جمع منهم صاحب الجوهر رحمه الله واحتمله في القواعد عدم لزوم تدارك المالية
مطلقا.
والأظهر عندنا عدم لزوم تدارك المالية في الموردين في كلتا المسألتين: وذلك لأن المالية
الاعتبارية المنتزعة من اعتبار من بيده الاعتبار لا تكون مضمونة، وإن شئت قلت إن
العين بما لها من الخصوصيات تكون في العهدة إلى حين الأداء وهي في الفرض حين الأداء لا
قيمة لها، فلا وجه لتدارك القيمة - قيمة يوم الأخذ - أو يوم التلف - والفائت إنما هو اعتبار
المعتبر لا شئ من المأخوذ.
نعم - لو كان الورق النقدي معبرا عن النقدين وكانت المعاملات واقعة على ما يعبر عنه
الورق من النقدين كان الصحيح في المقام اشتغال الذمة بالمالية. فإن الاقتراض في الحقيقة
يقع على النقدين دون الورق، ولكن عرفت فساد المبنى.
ويشهد لما اخترناه من عدم اشتغال الذمة بالمالية صحيح معاوية بن سعيد عن رجل
استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع بها شئ الصاحب
36

الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس فقال عليه السلام لصاحب الدراهم الدراهم
الأولى (1) ونحوه " مكاتبة يونس " (2).
ويعارضهما مكاتبة أخرى ليونس عن الإمام الرضا عليه السلام في المورد المفروض - لك أن
تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس (3).
ولكن الترجيح للأولين.
وقد استدل لضمان المالية في المسألة المماثلة للمقام سيما في صورة التلف بوجوه:
الوجه الأول: إن الزمان والمكان من خصوصيات العين الدخيلة في ماليتها. إذ الماء في
مفازة الحجاز غير الماء على الشاطئ، والثلج في الشتاء - غير الثلج في الصيف، فإذا أخذ
الماء في المفازة، والثلج في الصيف - تكون خصوصية الزمان والمكان في عهدة الضامن ولا
يكون ردهما في الشاطئ والشتاء أداء للمأخوذ فلا مناص من رد القيمة أداء
للخصوصيات.
وفيه: أولا النقض بما إذا نقصت القيمة: فإن لازم هذا الوجه ضمان المقدار من المالية
التالف، مع أنه لم يلتزم أحد به.
وثانيا: إن الزمان والمكان ليسا دخيلين في المالية، وإنما هي تنتزع من كثرة الراغب و
قلة الوجود.
وإن شئت قلت أن سقوط المالية، تارة يكون من جهة نقص في العين ما إذا صار الثلج
ماء، وأخرى يكون من جهة عدم احتياج الناس إليه مع بقائه على ما هو عليه من
الخصوصيات، ففي الأول يحكم بالضمان لعموم أدلته، ولا يحكم به في الثاني.
الوجه الثاني: حديث لا ضرر بتقريب أن المأخوذ حين أخذه كان له مالية فإذا رد مثله
أو عينه مع عدم المالية له من دون تداركها يكون ذلك ضررا على المالك والحديث ينفيه.
وفيه: إنا قد حققنا في محله إن الحديث إنما ينفي الأحكام الضررية ولا يثبت به حكم،

(1) الوسائل باب 20 - من أبواب الصرف حديث 4.
(2) الوسائل باب 20 - من أبواب الصرف حديث 2.
(3) الوسائل باب 20 - من أبواب الصرف حديث 1.
37

فلا يثبت به الضمان في المقام.
الوجه الثالث: ما أفاده المحقق الأصفهاني رحمه الله، وهو مختص بالصورة الثانية. وحاصله:
إن دليل وجوب رد المثل إنما يكون دليلا على التضمين والتغريم فلا بد من رعاية حيثية
المالية إذا المال التالف لا يتدارك إلا بالمال، ثم قال ومنه يتبين الفرق بين سقوط العين عن
المالية وسقوط المثل عنها: إذ رد الملك بلحاظ ملكيتها لا بلحاظ ماليتها، لكن التضمين و
التغريم بلحاظ ماليتها فيجب حفظ المالية في الثاني دون الأول.
ويرد عليه أمران:
الأول: إنه لا فرق بين العين والمثل وقد ثبت وجوب رد كل منهما بعموم على اليد
وهو بالنسبة إليهما على حد سواء، فلو قلنا بلزوم غرامة المالية في المثل، فلا مناص عن القول
به في العين.
الثاني: إن أدلة الضمان إنما تدل على وجوب رد العين مع وجودها والمثل بعد تلفها إن
كانت مثلية، والمماثلة المعتبرة على ما حقق في محله، هي المماثلة من حيث الحقيقة، وحيث إن المالية ليست صفة في العين أو المثل، فلا وجه لضمانها.
وإن شئت قلت: إن العين بعد تلفها إنما تكون في العهدة إلى حين الأداء، وهي على
الفرض لا مالية لها حينه فلا وجه لأدائها.
38

الأوراق التجارية - الكمبيالات
وهي على قسمين - تنزيلها عند شخص
ثالث بأقل من الدين الحقيقي - تنزيل كمبيالة
المجاملة عند ثالث بأقل من الدين الصوري
- تصوير صحة البيع الواقع عليها بوجوه
أربعة - رجوع الشخص الثالث إلى الدائن -
ما يأخذه الثالث عند تأخر الدفع - أخذ
الزيادة بإزاء التأجيل حرام - يصح أخذها
بطرق أخرى.
39

الكمبيالة على قسمين:
من المعاملات المستحدثة - المعاملة الواقعة على الأوراق التجارية المسماة بالكمبيالة، فلا
بدلنا من بيان موقف الشريعة الاسلامية منها.
وتنقيح القول فيها بالبحث في جهات:
الأولى: إن الكمبيالة (1) على قسمين - الأول - كمبيالة الدين الحقيقي - وهي التي تعبر عن
وجود قرض حقيقي، كما إذا كان شخص مديونا لآخر مائة تومانا وموعد استحقاق هذا
القرض بعد شهرين، وفي هذه الحالة يأخذ الدائن من المدين الورقة المذكورة.
الثاني: كمبيالة المجاملة، وهي التي تعبر عن وجود قرض صوري أي لا يكون لأحد
الطرفين دين على الآخر، ولكن يعطيه الورقة المذكورة المفيدة أنه مديون له مائة تومان
مثلا.
تنزيل كمبيالة الدين الحقيقي بأقل منه:
الجهة الثانية: في أنه هل يجوز تنزيل كمبيالة الدين الحقيقي عند شخص ثالث بأقل

(1) يقال لها في الفارسية (سفته).
41

من الدين أم لا؟
وملخص القول فيها، أنه إن كان الدين مكيلا أو موزونا، كما لو كان لشخص في ذمة آخر
مقدار من الحنطة، أو الذهب أو الفضة، لا يصح بيعه من جنس ذلك بأقل منه أو أكثر إذ
الورقة المذكورة علامة، والتعامل يقع على ما في الذمة، والمفروض أنه مكيل أو موزون، فلو
بيع من جنسه بأقل أو أكثر صارت المعاملة ربوية وباطلة.
أما لو كان الدين غير ربوي، أو كان ربويا وأريد بيعه بغير جنسه، فلا مانع من بيعه بأقل
أو أكثر فيبيع الدائن ماله بذمة المدين إلى الشخص الثالث بأقل منه، ولا تكون المعاملة
ربوية إذ شرط الربا في البيع غير متحقق، ولا قرض في البين حتى يقال: إنه لا يعتبر في الربا
في القرض كونه من المكيل أو الموزون وهذا واضح جدا.
نعم لا يصح جعل الثمن دينا: فإنه حينئذ من قبيل بيع الدين بالدين وهو غير صحيح.
وبع هذه المعاملة يصير المدين مديونا لذلك الشخص الثالث وله بعد ذلك مطالبة
المدين بالمبلغ المذكور في الموعد المقرر.
تنزيل كمبيالة المجاملة بأقل من الدين:
الجهة الثالثة: في التعامل على كمبيالة المجاملة بتنزيلها بالأقل.
وقد يستشكل فيه: فإنه إما أن يكون على نحو البيع والشراء، أو يكون على نحو القرض.
فإن كان على نحو البيع بطل، من ناحية أن الدين صوري على القرض والمدين الصوري
ليست ذمته مشغولة، فلا شئ حتى يباع ويقع البيع عليه.
وإن كان على نحو القرض، أما بأن يستقرض الدائن الصوري لنفسه من الشخص الثالث
مبلغا كثمانية وتسعين تومان نقدا بمائة تومان إلى أجل، وبعد تمامية هذه المعاملة يحول من
استقرض منه على المدين الصوري ليقبض منه المبلغ أي مائة تومان في الموعد المحدد، أو
يستقرض وكالة عن المدين له من الشخص الثالث مبلغا كثمانية وتسعين تومان نقدا بمائة
تومان إلى أجل، وبعد هذا يستقرض الدائن من موكله ذلك المبلغ المأخوذ نقدا بمائة تومان
إلى الأجل المقرر.
42

بطل من ناحية الربا: فإنه في الفرض الأول يلزم الربا من ناحية واحدة وهي دفع الدائن
إلى الثالث مائة تومان - وفي الفرض الثاني يلزم من ناحيتين: فإن هناك قرضين كل منهما
ربوي كما لا يخفى.
ولكن يمكن تصوير صحة البيع الواقع على ورقة الكمبيالة في هذه الصورة بوجوه:
الوجه الأول: أن يقال إن المدين الصوري باعطائه الورقة يضمن لما يصير الدائن بعد
ذلك مديونا به.
ودعوى - أنه من ضمان ما لم يجب.
مندفعة: بأن ضمان ما لم يجب إن كان بنحو يكون المنشأ هو الضمان الفعلي، لا يجوز لكونه
غير معقول، وإن كان المنشأ هو الضمان بعد ثبوت الدين لم يدل دليل على بطلانه، ومقتضى
العمومات صحته.
وما عن التذكرة من الاجماع على بطلانه إن لم يكن الدين ثابتا في ذمة المضمون عنه،
ينافي - ما ذكره الأصحاب في كثير من الفروع، مع: أنه ليس اجماعا تعبديا، على أنه من
الاجماع المنقول وهو ليس بحجة عندنا، ولا يبعد أن يكون مورد كلام العلامة هو الضمان
الفعلي وقد عرفت أنه غير معقول.
بعد تمامية هذه المعاملة يشتري المضمون عنه مبلغا - مثلا - ثمانية وتسعين تومانا نقدا
من الشخص الثالث بمائة تومان في ذمة نفسه إلى شهرين، وإذا تمت هذه المعاملة الثانية و
ضمت إلى الأول انتقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ويصير هو مديونا
بالشخص الثالث مائة تومان، ويصير الدائن الصوري مدينا واقعيا للمدين الصوري، و
لكن لا يرجع إليه إلا بعد انقضاء الأجل وأداء الدين من ناحية الضامن على ما هو مقتضى
الضمان.
الوجه الثاني: أن يكون اعطاء الكمبيالة للدائن الصوري إذنا لأن يحول الدائن الشخص
الثالث إليه، وبعد ذلك يتعامل الدائن مع الثالث لنفسه فيشتري الشخص الثالث منه مائة
تومان مؤجلة إلى شهرين بثمانية وتسعين تومان نقدية.
وبعد تمامية هذه المعاملة يحول الدائن الصوري الشخص الثالث بأخذ المائة عند
43

الاستحقاق من المدين الصوري، ويصير هو مدينا واقعيا للثالث بمقتضى الحوالة، والدائن
الصوري مدينا واقعا للمدين الصوري، والمبلغ النقدي يكون للدائن الصوري.
الوجه الثالث: أن يكون اعطاء الورقة للدائن الصوري توكيلا له في ايقاع المعاملة مع
الشخص الثالث للمدين، وبعد ذلك يشتري الدائن من الثالث مبلغا كثمانية وتسعين تومان
نقدية بمائة تومان في ذمة المدين فيصير المدين الصوري مدينا واقعيا للثالث والمبلغ النقدي
يكون له.
وإذا تمت هذه المعاملة للدائن أن يشتري المبلغ النقدي من المدين لنفسه بمائة تومان في
ذمته إلى أجل أي يكون وكيلا في ذلك أيضا، فيكون المدين الصوري مديونا للثالث، و
الدائن مديونا للمدين، كل منهما بمائة تومان والمبلغ النقدي يكون للدائن.
الوجه الرابع: أن يكون توقيع الورقة من المدين توكيلا في أن يشتري الدائن من الثالث
لنفسه مبلغا نقديا، كثمانية وتسعين تومان بمائة تومان مؤجلة في ذمة المدين، وبعد ذلك
يوقع الدائن المعاملة مع الثالث هكذا، وتكون هذه المعاملة صحيحة بناء على ما حققناه في
كتابنا " منهاج الفقاهة " و " فقه الصادق " من أنه يصح البيع وإن لم يدخل العوض في ملك
من خرج عن ملكه المعوض: فإن حقيقة البيع، اعطاء شئ بعوض ولم يؤخذ في مفهومه
المعاوضة الحقيقية، فيصير الدائن مالكا للمبلغ النقدي والمدين مديونا للثالث.
غاية الأمر: هذه الوكالة لا تكون مجانية بل يعطيها المدين للدائن بإزاء مائة تومان في
ذمته فيكون هو أيضا مديونا لمدينه الصوري.
هذا كله فيما لو أراد تنزيل الورقة المذكورة عند شخص ثالث بأقل من الدين، وأما لو
راد أخذ المبلغ النقدي عنه بمقدار يساوي الدين الحقيقي أو الصوري فلتصحيحه وجوه أخر
غيره الوجوه الأربعة المشار إليها.
منها: أن يستقرض الدائن ذلك المبلغ منه للمدين، بمقتضى الوكالة منه، ثم يستقرضه
لنفسه.
ومنها: أن يستقرض منه لنفسه ثم يحوله على المدين ومنها غير ذلك.
44

رجوع الثالث إلى الدائن:
الجهة الرابعة: قد تحقق مما قدمناه إن الشخص الثالث يرجع إلى المدين الواقعي أو
الصوري - أي صاحب الورقة - ولا يكون الدائن مدينا له كي يرجع إليه، ولكن بناء
المتعاملين في الخارج على أن الدائن مسؤول عن المبلغ لو تخلف المدين عن دفعه عند
الاستحقاق.
فيقع الكلام في أنه ما هو الوجه الشرعي لذلك والذي يمكن أن يقال في المقام ويذكر
وجها لذلك أمران:
الوجه الأول: تطبيق ذلك على الشرط الضمني، وبيانه يتوقف على بيان مقدمتين:
الأولى: إن للدائن الذي هو طرف المعاملة مع الشخص الثالث بأحد الأنحاء المتقدم
ذكرها، أن يشترط في ضمن العقد للشخص الثالث، بأني ملتزم بأداء المبلغ لو لم يدفع المدين
عند الموعد المحدد، ولو اشترط ذلك يكون الدائن ملزما بالأداء لو لم يدفع المدين المبلغ
المذكور في ظرف الاستحقاق، ويكون مسؤولا عنه ولو لم يدفع يلزمه عليه.
الثانية: إن بناء العقلاء وإن كان على عدم ترتيب الآثار على الالتزامات النفسانية قبل
الانشاء، إلا أنه في الشروط المبنية عليها العقود، كتساوي المالين في المالية - بناؤهم على
ترتيب الآثار ويرونها بحكم الشروط المذكورة في العقود، بل هي كذلك فإن اطلاق العقد
ينصرف إليها، وبالجملة الشروط المبنية عليها العقود أي الشروط الارتكازية بحكم
الشروط التي صرح بها في العقود.
إذا عرفت هاتين المقدمتين يظهر لك أنه لما كانت السلطة قد قررت إلزام الدائن بأداء
المبلغ في الموعد المقرر عند امتناع المدين الصوري عن الدفع، فإن ذلك يجعله من الشروط
الارتكازية العقلائية، فيكون من قبيل التصريح بذلك، وبهذا يكون الدائن مسؤولا وملزما
بدفع المبلغ لو تخلف المدين عن الأداء.
الوجه الثاني: إنه على الوجه الأول لتصحيح المعاملة على الكمبيالة، وهو تخريجها على
الضمان يمكن أن يقال، إن الضمان إذا تحقق وإن كان أثره انتقال الحق من ذمة المضمون عنه
إلى ذمة الضامن وتبرء ذمة المضمون عنه، خلافا للجمهور - حيث إن الضمان عندهم - ضم
45

ذمة إلى ذمة، إلا أن ذلك فيما لم يصرح بخلافه، وإلا فيصح ما ذكروه للعمومات، كما أفاده
السيد الطباطبائي في العروة الوثقى وإن ضعفناه.
وعليه ففي المقام لأجل بناء المتعاملين على الرجوع إلى الدائن لو تخلف المدين عن أداء
المبلغ في الموعد المحدد يكون ذلك بحكم التصريح، فللثالث الرجوع إلى كل منهما: لأنه
مقتضى الضمان بالمعنى المذكور.
الموقف الفقهي فيما يأخذه الثالث عند تأخر الدفع:
الجهة الخامسة: إن المتعارف عند الناس في هذه المعاملة: أنه إن تأخر المدين عن دفع
المبلغ المقرر بعد حلول الموعد، يأخذ الثالث، سواء كان هو البنك أو غيره - مبلغا بإزاء
التأخير، فيقع الكلام في أنه ما موقف الشريعة المقدسة من ذلك.
والأصحاب رضوان الله تعالى عليهم ذكروا هذه المسألة تحت عنوان - تأجيل الثمن
الحال بأزيد منه، وعن الحدائق نفي الخلاف في عدم جوازه.
وتنقيح القول فيه يقتضي البحث في مقامين: الأول: فيما يقتضيه القواعد.
الثاني: في مقتضى النصوص الخاصة.
أما المقام الأول: فتارة يجعل الأجل في مقابل الزيادة، باشتراطه ابتداء أو في ضمن عقد،
أو المصالحة عليه، أو بيعه به.
وأخرى يجعل المجموع المؤجل في مقابل المجموع الحال، بحيث تكون المعاوضة بين
المبلغ الذي يكون مديونا به وبين مجموع ما جعل مؤجلا.
وثالثة: يوقع الصلح على ابراء الحال مما في ذمته بإزاء أزيد منه مؤجلا فيكون المعوض
هو الابراء.
أما الصورة الأولى: فالظاهر أنها بجميع فروضها من الربا في القرض: لأن حقيقة الربا فيه
راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل امهال المقرض وتأخيره المطالبة من غير فرق بين أن يكون ذلك في أول القرض، أو بعد مضي زمان ومن غير فرق بين أن يكون ذلك بنحو
الشرط أو غيره.
46

وأما الصورة الثانية: فإن كان ما في ذمته من العروض الربوي كالحنطة بطل ما يوقع
عليه من البيع المزبور، أي بيعه بأزيد منه مؤجلا: للربا في البيع.
وإن كان من النقدين، بطل أيضا لأنه لا يجوز بيع الصرف إلا يدا بيد.
وإن كان من العروض غير الربوي - أو الأثمان غير النقدين كالأوراق النقدية فبيعه
بأزيد منه، وإن كان لا اشكال فيه من حيث الربا: لعدم كون المبيع ربويا ولا قرضا كي
يجري الربا فيه، إلا أن ذلك من جهة كونه من بيع الدين بالدين لا يجوز.
اللهم إلا أن يقال - إن ظاهر بيع الدين بالدين كون العوضين دينا قبل العقد ولا يشمل
ما لو صار أحدهما - أو هما - دينا بالعقد كما في المقام فإن الثمن يصير دينا بالعقد وتمام الكلام
في ذلك موكول إلى محله.
وأما الصورة الثالثة: فالظاهر فيها الصحة كما لا يخفى.
وأما المقام الثاني: فقد استدل الشيخ الأعظم رحمه الله للبطلان - بأمور:
الأول: ما نقله عن مجمع البيان من الخبر الوارد لبيان مورد نزول آية حرمة الربا -
بتقريب أنه يدل على أن سبب نزولها في حرمة الربا، الزيادة المفروضة وهي ما جعل في قبال
تأجيل الدين الحال.
وفيه: أن ظاهره الصورة الأولى، ولا يشمل الصورتين الأخيرتين سيما الثانية منهما.
الثاني: صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى
فيأتيه غريمه فيقول له أنقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته أو انقد لي بعضا وأمد
لك في الأجل فيما بقي عليك قال لا أرى به بأسا ما لم يزدد على رأس ماله شيئا يقول الله
تعالى.
" فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " (1)
بدعوى أنه علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد على
رأس ماله، فيدل على أنه لو زاد على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير.

(1) الوسائل باب 7 - من أبواب كتاب الصلح حديث 1.
47

ولكن الظاهر من الحديث هو المعاملة على التأجيل نفسه ولا يكون له نظر إلى، بيع
الحال بالمؤجل، أو ايقاع الصلح على ابراء الحال بأزيد منه مؤجلا.
الثالث: النصوص الوردة في تعليم طريق الحيلة في جواز تأخير الدين بزيادة باشتراط
التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار من الحرام، فلو جاز التراضي على التأجيل
بزيادة لمم يكن داع إلى التوصل بأمثال تلك الحيل.
ومراده من النصوص موثق إسحاق بن عمار قلت لأبي الحسن عليه السلام يكون لي على الرجل
دراهم فيقول أخرني وأنا أربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم - بعشرة آلاف درهم -
أو قال بعشرين ألفا وأؤخره المال قال عليه السلام لا بأس (1).
وموثقه الآخر عن الإمام الرضا عليه السلام قلت له الرجل يكون له المال فيدخل على صاحبه
يبيعه لؤلؤة تتساوى مائة درهم بألف درهم ويؤخر عليه المال إلى وقت - قال عليه السلام لا بأس
به قد أمرني أبي ففعلت ذلك وزعم أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عنها فقال عليه السلام مثل ذلك (2) و
نحوهما غيرهما.
والجواب أنه بعد ما لا كلام في عدم جواز التأجيل بالزيادة، الرواة في هذه النصوص
للفرار من الحرام ذكروا وجها، والمعصوم عليه السلام نفي عنه البأس، وهذا لا يدل على أنه لا طريق
آخر ولو بنحو الصلح على ابراء الحال بإزاء أزيد منه مؤجلا.
فالمتحصل مما ذكرناه: إن أخذ الزيادة بإزاء التأجيل حرام، وللتخلص من ذلك طرق:
الطريق الأول: أن يصالح على ابراء الحال مما في ذمته بإزاء أزيد منه مؤجلا، فالمعوض
هو الابراء.
الطريق الثاني: أن يبيعه المجموع الحال بمجموع ما جعل معوضا - على اشكال فيه من
ناحية كونه بيع الدين بالدين.
الطريق الثالث: أن يبيعه المديون شيئا بأضعاف قيمته ويشترط عليه أن يؤخره المال
إلى أجل معين وهو الذي تضمنته النصوص المتقدمة.

(1) الوسائل باب 9 - من أبواب احكام العقود حديث 4.
(2) الوسائل باب 9 - من أبواب احكام العقود حديث 6.
48

ودعوى: أنه معاملة سفهية أو صورية، لا تشملها عمومات الصحة.
مندفعة: بأنه مع الشرط المذكور لا تكون المعاملة سفهية ولا صورية.
مع: أنه لم يدل دليل على بطلان البيع السفهي، بل الدليل دل على بطلان بيع السفيه.
مع أن هذا اجتهاد في مقابل النص المصرح بنفي البأس.
الطريق الرابع: أن يهبه المدين مبلغا، ويشترط عليه - أن لا يطالبه بالدين الحال إلى
أجل معين، أو يشترط عليه تأجيل ذلك الدين الحال بنحو شرط النتيجة، بناء على ما
حققناه في الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة والجزء السابع عشر من كتابنا فقه الصادق
من صحته، أو يشترط أن يؤجله الدائن بنحو شرط السبب.
49

الحوالات المستحدثة
لها أقسام - موقف الشريعة المقدسة في القسم
الأول - حكم القسم الثاني - القسم الثالث
منه وحكمه - الضمان المستحدث - مشروعية
هذا الضمان - ما يأخذه المضمون له - وجه
رجوع الضامن على المضمون عنه فيما دفعه
عنه.
51

قد تداول بين التجار أخذ الزيادة واعطائها في الحوالات - المسمى عندهم - بصرف
البرات، ويطلقون عليه، بيع الحوالة وشرائها، فينبغي بيان حكم الحوالات.
وهي على أقسام:
القسم الأول: أن يدفع الشخص إلى التاجر مبلغا، ويأخذ ذلك المبلغ بعينه من طرفه في
يلد آخر، والظاهر أن الحكم فيه خال عن الاشكال.
كان ذلك بعنوان البيع. بأن يبيع المبلغ المعين مثلا - مائة تومان - بمبلغ يساويها يدفعه في
بلد آخر، أو بعنوان القرض بأن يقترض منه، أو يقرضه - ذلك المبلغ ليسلمه في بلد آخر.
أما إذا كان بعنوان البيع فواضح.
وأما إذا كان بعنوان القرض: فلعدم الزيادة فيه.
وقد استشكل فيه بعض الأساطين مع كون المصلحة للمقرض لجر النفع.
ولكنه ضعيف: فإن الممنوع منه الزيادة في مال القرض عينا أو صفة وليس هذا واحدا
منها.
مع: أن جملة من النصوص تدل على جوازه.
كخبر يعقوب بن شعيب قلت لأبي عبد الله عليه السلام يسلف الرجل الرجل الورق على أن
53

ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط عليه ذلك قال عليه السلام لا بأس (1).
وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام لا بأس بأن يأخذ الرجل
الدراهم بمكة ويكتب لهم سفاتج (2) يعطوها بالكوفة (3).
وخبر أبي الصباح عن الإمام الصادق عليه السلام في الرجل يبعث بمال إلى أرض فقال
للذي يريد أن يبعث به أقر ضنيه وأنا أوفيك إذا قدمت الأرض قال عليه السلام لا بأس (4).
وخبر إسماعيل بن جابر قلت لأبي جعفر عليه السلام يدفع إلى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن
يدفعها بأرض أخرى سودا بوزنها واشترط ذلك عليه قال لا بأس (5). ونحوهما غيرهما، و
هي إما ظاهرة في القرض أو يكون القرض أظهر مصاديقها.
القسم الثاني: أن يدفع الشخص مبلغا للتاجر، ويأخذ الحوالة من المدفوع إليه
بالأقل منه، والظاهر أنه لا اشكال فيه أيضا، سواء كان ذلك منزلا على البيع، أو القرض.
أما الأول: فلما تقدم أن الأوراق النقدية ليست من المكيل والموزون فلا يتحقق الربا
البيعي في هذه المعاملة.
وأما الثاني: فلأن الربا في القرض هو أن يأخذ الدائن من المدين الزيادة مع الشرط، و
أما لو كان الشرط نفعا للمستقرض كما في الفرض فإن التاجر هو المقترض والزيادة إنما
تجعل له، فلا يكون ربا ويكون جائزا، وقد نفى صاحب الجواهر الخلاف في جوازه، و
الحاصل أن الربا هو جعل الزيادة للمقرض، وأما الزيادة للمقترض فلا دليل على المنع عنها
ومقتضى العمومات هو الجواز
القسم الثالث: أن يدفع التاجر مبلغا - كمائة تومان - للشخص في بلد - ليأخذه في بلد

(1) الوسائل باب 14 - من أبواب الصرف حديث 1.
(2) السفاتج جمع سفتجة وي ان يعطي مالا لآخر وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك فيستفيدا من
الطريق (القاموس سفتج).
(3) الوسائل باب 14 - من أبواب الصرف حديث 3.
(4) الوسائل باب 14 - من أبواب الصرف حديث 2.
(5) الوسائل باب 14 - من أبواب الصرف حديث 5.
54

آخر مع الزيادة، فإن كان ذلك بعنوان البيع صح لما تقدم، وإن كان بعنوان القرض واشترط
ذلك في ضمن القرض بطل: فإنه من الربا الممنوع عنه: فإن التاجر في هذا الفرض هو
المقرض والزيادة جعلت له، ولأجل التخلص من الربا لا بد من اعمال بعض الحيل
الشرعية.
منها - أن يقرض منه بلا شرط وبعد تماميته يحوله المقترض أن يأخذ المبلغ مع الزيادة
من شخص ثالث في بلد آخر.
الضمان المستحدث:
وقد تعارف في هذا الزمان نوع من الضمان وهو التعهد بدفع مبلغ إلى من تعهد لثالث
بعمل إذا تخلف عنه، وقد يعبر عنه بالكفالة.
وتوضيحه إنه قد يتعهد شخص لآخر بناء دار مع خصوصيات تذكر في شهرين، و
يتفق الطرفان على أن يتعهد ثالث بدفع مبلغ معين لو تخلف المتعهد الأول عما تعهده، وذلك
الشخص الثالث يقبل ذلك ويأخذ عمولة بإزاء تعهده، ولنعبر عن المتعهد الثاني بالضامن، و
هذا الضمان ليس من الضمان المصطلح: فإنه عبارة عن التعهد بمال ثابت في ذمة شخص
لآخر، ولا من الكفالة المصطلحة - فإنها عبارة عن التعهد والالتزام لشخص باحضار نفس
له حق عليها وهذا لا يوجب الضمان - وكيف كان فالكلام في المقام يقع في موارد.
دليل مشروعية هذا الضمان:
الأول: في أن هذا الضمان مشروع أم لا، والظاهر هو المشروعية: فإنه وإن لم يكن داخلا
تحت أحد عناوين العقود إلا أنه قد حققنا في محله، إن مقتضى العمومات مثل قوله تعالى " لا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض " (1) وقوله تعالى " يا أيها

(1) النساء - آية 29.
55

الذين آمنوا أوفوا بالعقود " (1) وغيرهما امضاء كل معاملة عقلائية وكل تجارة عن تراض،
ما لم تكن مما دلت الأدلة على فساده ولا اختصاص لها بالعقود المعهودة.
وعليه فيما أن هذا الضمان عقد عقلائي وتجارة عن تراض، ولها أركان ثلاثة - الضامن -
والمضمون عنه - وهو المتعهد - والمضمون له - وهو المتعهد له - وكل واحد منهم يستفيد
من هذه المعاملة، أما الضامن فبأخذه العمولة، وأما المضمون له - فلضمان حقه، وأما
المضمون عنه - فواضح، فهذه تجارة عن تراض قطعا مشمولة للآية الكريمة. ويترتب عليه
أنه يجوز له أخذ العمولة.
وبه يظهر الحال في المورد الثاني وهو وجه أخذ المضمون له المبلغ الذي تعهده الضامن
لو تأخر المضمون عنه عن القيام بما توافق عليه مع المضمون له -.
المورد الثالث: في وجه رجوع الضامن على المضمون عنه فيما دفعه عنه.
ويمكن أن يذكر في وجهه أمران:
الأول: تنزيل ذلك على الشرط الضمني بتقريب إن المتعاملين كان بناؤهم على ذلك، و
بما أن هذا البناء ارتكازي فهو بحكم الذكر في ضمن العقد فيرجع إليه بحكم الشرط.
الثاني: إن من أسباب الضمان الأمر المعاملي، على ما حقق في محله - وفي المقام بما أن ضمان
الضامن إنما يكون بأمر ولو ضمني من المضمون عنه، فهو ضامن لما يخسره الضامن ويدفعه
بمقتضى العقد إلى المضمون له.

(1) المائدة - آية 1.
56

أعمال البنوك
تنبيه - الأمانات - التوفير - الجائزة -
الاعتمادات المستندية
57

من الموضوعات المستحدثة معاملات البنوك وأعمالها.
تنبيه
وقبل البحث عما يهمنا البحث عنه لا بد وأن يعلم أن للبنوك أقساما ولكن لا اختلاف
فيها من الناحية التي أردنا البحث عنها، فلا وجه لبيان أقسامها في المقام. وقد يقسم البنوك
إلى أقسام ثلاثة - حكومية - أهلية - مشتركة بين الحكومة والأهالي، نظرا إلى اختلاف
أحكامها.
ولكن بما أن توهم الاختلاف نشأ من توهم أن الدولة لا تملك ما تحت يدها من الأموال
ولذلك يكون المال الموجود في البنك الحكومي من مصاديق المال المجهول مالكه دون ما هو
موجود في البنك الأهلي. والمبنى فاسد: لأن الدولة تملك ما تحت يدها من الأموال: إذا لملكية
أمر اعتباري صرف وهي كما تقوم بالكلي في الذمة، تقوم بالأمر الاعتباري، وبعبارة
أوضح: أنه ما قد يكون المملوك كليا، كذلك قد يكون المالك كليا كما في باب الخمس
والزكاة على القول بالملكية فيهما وقد يكون أمرا اعتباريا صرفا كالدولة والحكومة، وتمام
الكلام في ذلك موكول إلى محله، فلا اختلاف بين هذه الأقسام من حيث الحكم.
ثم إن للبنوك أعمالا ومعاملات لا تكون مستحدثة وتلك الأعمال والمعاملات خارجة
59

عن محور هذا البحث، فإنه متمحض في البحث عن المستحدثات. وعلى ذلك فما هو محل
بحثنا فعلا أعمال أربعة للبنوك.
1 - ايداع الأمانات:
وهي المبالغ يودعها أصحابها في البنوك لمدة محدودة، وفي تلك المدة يتصرف البنك فيها
بما يشاء حتى التصرفات الناقلة - وبإزاء ذلك يعطي البنك فائدة للمودع.
وقد يستشكل في ذلك: بأن هذا الايداع إن كان قرضا كان ربويا وباطلا، وإن كان
بعنوان الوديعة، فلا يجوز للبنك التصرف فيه تصرفا ناقلا وإن أذن له صاحبه، وإن كان
تمليكا مجانيا لزم منه عدم استحقاق صاحب المال شيئا على البنك بعد ذلك، وإن كان تمليكا
ضمانيا كان ذلك قرضا.
والجواب أن ايداع المال في البنك يتصور فيه وجوه:
الأول: أن يبيع المودع ما يودعه بالبنك إلى أجل معين بأزيد منه، وهذا لا اشكال فيه و
قد تقدم البحث عنه في الأوراق النقدية.
الثاني: أن يكون بعنوان الوديعة، والأمانة الشرعية وإن كان لا يجوز أن يتصرف فيها
الأمين إلا أنه إذا لم يأذن صاحب المال فيه، فمع إذنه كما في الودائع لدى البنوك جاز التصرف،
والإذن المذكور ليس إذنا في التملك حتى يقال إنه إن كان مجانيا لزم منه عدم استحقاق
صاحب المال شيئا على البنك، وإن كان ضمانيا كان ذلك قرضا، بل هو إذن في التصرف مع
بقاء المال على ملك صاحبه.
فإن قيل: إنه لا يمكن تنزيل معاملات البنوك على هذه الصورة: لأن لازم ذلك كون
ما يشتريها البنك بإزائها لأصحاب تلك الأموال ولا يعقل كونه للبنك: إذ كيف يجتمع إباحة
التصرفات الناقلة مع كون العوض ملكا للمتصرف لأنه لا بدان يدخل أحد العوضين في
ملك من خرج العوض الآخر عن ملكه لأن طبيعة المعاوضة تقتضي ذلك.
أجبنا عنه أنه: ليس هناك تصرف متوقف على الملك حتى البيع فإنه عبارة عن اعطاء
60

شئ بعوض، ولم يؤخذ في مفهومه المعاوضة وتمام الكلام في محله (1).
وعليه فلصاحب المال أن يأذن للبنك في التصرف فيما يودعه حتى التصرفات الناقلة
غاية الأمر أنه لا يكون إذنا في التصرف الناقل مجانا بل بعوض فيكون البنك ضامنا لعوضه
هذا من ناحية تصرفات البنك، وقد عرفت أنها جائزة بأجمعها.
وأما ما يعطيها البنك زائدا عما أودعه فيمكن أن يقال إنه جائز وحلال نظرا إلى الشرط
الصريح أو الضمني، حيث إن البنك يلتزم باعطاء مبلغ يختلف باختلاف المدة التي يكون
المال فيها مودعا.
فالمتحصل: أنه لا اشكال في نفسه الايداع، ولا في تصرفات البنك، ولا في أخذ الفائدة.
الثالث: أن يكون بعنوان الإباحة بالعوض فيبيح للبنك جميع التصرفات حتى الناقلة و
منها التملك بإزاء الأكثر المؤجل، والإباحة بالعوض بنفسها من العقود العقلانية، ويشهد
لامضائها العمومات، مثل - الآية الشريفة " إلا أن تكون تجارة عن تراض " (2) بناء على ما
تقدم من عدم اختصاصها بالعقود المعهودة.
الرابع: أن يكون الايداع بعنوان القرض ولا توقف فيه في نفسه من الجهة الشرعية لو
تخلى عن أخذ الفائدة عليه.
وأما من ناحية الفائدة، فقد يقال إنه حيث لا يكون أخذ الفائدة واعطائها من قبل
الأمين مأخوذا شرطا في عقد القرض، بل المودع يقرض البنك المبلغ الذي عنده من دون
شرط، والبنك يعطيه مبلغا تفضلا وهذا ليس من الربا في شئ فيكون حلالا.
ولكن بما أن اعطاء الفائدة وإن لم يصرح به في عقد القرض، إلا أنه مما تبانى عليه
الطرفان، ومن مرتكزات المتعاملين وهو في حكم التصريح فلا يجوز، وبالجملة هو شرط
ضمني مبني عليه العقد.
فالمتحصل أنه إن كان بعنوان القرض لا يجوز أخذ الفائدة، وإن كان بعنوان البيع، أو
الوديعة، أو الإباحة بالعوض جاز، ولا يبعد دعوى كون المعاملات الخارجية على القرض و

(1) راجع الجزء الثاني من كتابنا (منهاج الفقاهة) والجزء السادس عشر من كتابنا (فقه الصادق).
(2) النساء - آية 29.
61

الفائدة فتكون باطلة.
2 - التوفير:
لا فرق بين، التوفير، والأمانة - سوى أن الأمانة لا يتمكن صاحبها من سحبها قبل
انتهاء المدة، وفي التوفير لصاحب المال استرجاع ما أودعه في أي وقت أراد وعليه فيجري
فيه جميع ما ذكرناه في الأمانة.
نعم. في التوفير إذا كانت المعاملة بيعا يكون الشرط في ضمن العقد الذي بنى عليه العقد
وإن لم يذكر، أن لصاحب المال الخيار لنفسه على البنك أن يسترجع ماله في أي وقت شاء.
كما أنه في الأمانة لو نزلناها على الوديعة يشترط ارتكازيا أن لا يرجع صاحبها قبل
انتهاء المدة، وليس له ذلك من هذه الجهة.
3 - الجائزة:
من جملة أعمال البنوك، إن البنك ربما يقرع بين أصحاب الأموال ويعطي لمن أصابه
القرعة مبلغا معينا كجائزة.
وحيث إن هذا ليس شرطا في ضمن عقد القرض، ولا يكون البنك ملزما بذلك ولا
يكون ملزما بدفع المبلغ بعد إصابة القرعة وإنما يفعل ذلك تشجيعا لأصحاب الأموال كي
يودعوا أموالهم في البنك ليستطيع البنك الانتفاع بها بين فترتي الايداع والسحب، فهي
جائزة وحلال لا اشكال فيها.
4 - الاعتماد المستندي:
من أعمال البنك الاعتماد المستندي والمراد به هو أن يكون العقد قد تم بين التاجر و
الشركة في خارج البلاد، أو وكيلها الموجود في البلد وخاصة فيما يتعلق بالكمية والسعر و
شروط الدفع والتسليم، ولكن بما أن الحكومات مانعة عن اخراج الأموال إلى الخارج من
62

دون أن يكون تحت نظر البنك واشرافه يتقدم المشتري إلى البنك، ويطلب - فتح اعتماد - و
يدفع البنك قسما من قيمة البضاعة، ويقوم البنك بعد ذلك بدفع المبلغ بتمامه إلى الشركة و
يتسلم البضاعة، وبعد التسليم يخبر البنك التاجر بوصولها، فإن دفع التاجر للبنك ما بقي من
القيمة يتسلم البضاعة، وإلا فيتصدى البنك لبيع البضاعة واستيفاء حقه - ويأخذ البنك
عن هذه العلمية وبإزائها مبلغا معينا من التاجر.
والكلام في هذه المعاملة في موردين: الأول: في جواز أخذ البنك من صاحب البضاعة
مبلغا زائدا عما دفعه إلى الشركة. والثاني: في جواز بيعه البضاعة إذا تخلف صاحبها عن
تسلمها. ويظهر الحكم ببيان حقيقة هذه المعاملة.
حكم الفائدة المأخوذة:
فاعلم أن المعاملة الواقعة بين التاجر والشركة معاملة بيعية مشروطة بتدخل البنك.
والمعاملة الواقعة بين التاجر والبنك إنما تكون جعالة فيشترط التاجر للبنك إذا أدى عنه
دينه أن يدفع إليه أصل المال وزيادة يتفقان عليها.
وإن شئت قلت إن المعاملة بينهما مركبة من، البناء والالتزام بدفع البنك دين التاجر مع
ضمان التاجر له، وتسجيل البضاعة أو لا باسم البنك ثم نقلها إلى اسم صاحبها وغير ذلك
من عمليات تحتاج إليها بإزاء مبلغ معين، وعلى هذا فالفائدة المأخوذة ليست من باب
الفائدة على القرض حتى يقال إن كل قرض جر نفعا فهو ربا، بل هي مأخوذة بإزاء أعمال
البنك.
فهل: هذه معاملة مستقلة عقلائية مشمولة للعمومات على ما تقدم.
أو أن البناء على أداء الدين وأخذ عوضه من المدين وعد صرف، وجعل العمولة بإزاء
العمليات جعالة.
أو أنها مصالحة بين الطرفين على أن يقوم البنك بدفع دين التاجر - وتسجيل البضاعة
باسمه، ويقوم التاجر بدفع أصل المال والزيادة المقررة، (لكل وجه).
63

بيع البضاعة لو تخلف صاحبها عن تسلمها:
فلو تخلف صاحب البضاعة عن التسلم بعد اعلام البنك إياه، يقوم البنك ببيعها و
استيفاء حقه من ثمنها: والوجه في ذلك - اشتراط ذلك صريحا في ضمن معاملة التاجر، و
مقتضاه وكالة البنك في البيع واستيفاء حقه، فيجوز لغيره الشراء منه.
64

عقد التأمين
تاريخه - حقيقة التأمين - أنواعه - تطبيقه
على الضمان - بحث في الضمان - تطبيقه على
الهبة المعوضة - تطبيقه على الصلح - عرضه
على القواعد العامة - الاشكالات التي
أوردت على صحة هذا العقد - والجواب
عنها - التأمين التبادلي - ما يدفعه بعض
الشركات إلى المؤمن له إضافة إلى مبلغ
التأمين.
65

من المعاملات المستحدثة عقد التأمين:
وقد ذكر علماء القانون الباحثون في العقد إن تاريخ ظهوره في البلاد الأوروبية يرجع إلى
أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، وأما في بلادنا فلم يعرف إلا في القرن الثالث عشر
الهجري بعد الاتصال التجاري بين الشرق والغرب أبان النهضة الصناعية في أوربا، وذلك
عن طريق التأمين على ما كان يستورد من تلك البلاد، والابتداء كان بالتأمين البحري.
ولكن بعد ذلك قد شاع وذاع وتنوع وبلغ من الشأن مبلغا جعله يرافق حياة الأكثر في
معظم مسالكها ومرافقها من التجارة والصناعة والوسائل التي يستخدمها الانسان
كسيارته وغيرها، فيجب بيان موقف الشريعة الاسلامية منه.
حقيقة التأمين:
وقد عرف عقد التأمين في المادة (713) من القانون المدني المصري بأنه عقد بين
طرفين، أحدهما يسمى المؤمن، والثاني المؤمن له أو المستأمن، يلتزم فيه المؤمن بأن يؤدي
إلى المؤمن له لمصلحته، مبلغا من المال، أو ايرادا مرتبا، أو أي عوض مالي آخر في حالة
وقوع حادث، أو تحقق خطر مبين في العقد وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى
67

يؤديها المؤمن له إلى المؤمن.
فنتيجة هذا العقد عملان، يقوم المؤمن له بعمل منهما وهو: دفع مبلغ من المال دفعيا أو
تدريجيا بالشكل الذي اتفق عليه الطرفان، ويقوم المؤمن بالآخر منهما، وهو: أن الخطر
المؤمن ضده - كالحريق مثلا - إذا تحقق تكون خسارته عليه.
هذه هي حقيقة التأمين الشائع اليوم الذي نظمت له أحكام بالقوانين المدنية وهناك
قسم آخر من التأمين - يسمى التأمين التبادلي - أو التأمين بالاكتتاب وهو عبارة عن اتفاق
جماعة على تكوين رأس مال مشترك لتعويض ما يحيق بأحدهم من الخسارة، وإن شئت
قلت إن أساسه أشاء صندوق تعاوني مشترك بين جماعة يكتتبون فيه لجبر أضرار من
تصيبه منهم نوائب معينة.
سوف نتكلم هنا عن القسم الأول من التأمين أولا ثم نعقبه بالبحث عن القسم الثاني من
التأمين (التأمين التبادلي).
أنواع التأمين:
للقسم الأول من التأمين أنواع:
كالتأمين على الحياة، والتأمين على النقل، والتأمين على حوادث السيارات، والتأمين
على الحريق والسرقة، إلى غير ذلك من الأنواع، ولعله لا يمكن حصره في أنواع معينة: لأنه
طوق الصناعة والتجارة، ومعظم وجوه النشاط الاقتصادي، بل شمل كثيرا من الوسائل
التي يستخدمها الانسان في توفير راحته وطمأنينته في هذه الحياة، بل ويمد ظلاله إلى ما
بعد ممات الانسان، فيتخذ منه المؤمن في حياته تدبيرا لمصلحة أسرته بعد وفاته، فهي تزداد
مع مرور الزمن، إلا أنه لا يهمنا استقصاء أنواعه بعد كونها مشتركة فيما يقتضيه القوانين
الاسلامية.
عرض التأمين على المعاملات الشرعية:
وبما أن هذه المعاملة من المعاملات المستحدثة فلا بد في الحكم بصحتها من عرضها على
68

المعاملات المعهودة الشرعية وتطبيقها على واحدة منها.
أو اثبات إن الشارع الأقدس أمضى كل معاملة عقلائية وإن لم تكن متحققة في تلك
الأعصار.
وعلى هذا فلا بد من البحث في موضعين - الأول - في عرض التأمين على المعاملات
الشرعية، والمعاملات التي قيل بانطباقها على هذه المعاملة، الضمان، والهبة المعوضة، و
الصلح، والكلام يقع أولا في الضمان.
الضمان:
من المعلوم أن الضمان الذي هو عبارة عن ادخال المضمون في عهدة الضامن له قسمان -
أحدهما، ضمان اليد، والتلف - ثانيهما، الضمان الانشائي ومحل الكلام هو الثاني.
والضمان الانشائي الذي لا ريب في مشروعيته في الجملة نصا وفتوى القدر المسلم منه
عند الفقهاء، هو ضمان ما في الذمة، أي ضمان شخص لما هو ثابت في ذمة آخر.
وأمان ضمان الأعيان المغصوبة، كما لو غصب شخص مال آخر فيضمن شخص آخر عين
ذلك المال، وضمان الأمانة، كما لو ضمن الشخص الأمانة التي عند الشخص الآخر، قد وقع
الخلاف فيهما بين الفقهاء.
وهناك قسم آخر لم يتعرض له الفقهاء وهو ضمان الأعيان التي تكون عند أصحابها،
كأموال الناس في متاجرهم، وحكم هذا القسم حكم القسمين الأخيرين.
ومحصل ما ذكروه في وجه بطلان الضمان في القسمين الأخيرين واختصاصه بما في الذمم
- وجوه - وإن اختص بعض الوجوه بالأول - وبعضها بالثاني.
الأول: أنه لا دليل على العموم، وأخبار باب الضمان كلها واردة في ضمان ما في الذمة و
واردة لبيان أحكام أخر وليس في شئ منها ما له اطلاق أو عموم يمكن أن يتمسك به
لمشروعية الضمان بقول مطلق، وما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن (الزعيم غارم) ليس من
الأخبار المعتمدة عندنا فلا يكون حجة.
وفيه: أن أدلة الضمان الانشائي المختصة به وإن كان لا اطلاق لها كي يتمسك به إلا أن ما
69

دل على نفوذ كل عقد ومعاملة عقلائية - كآية " تجارة عن تراض " (1) " وأوفوا بالعقود " (2)
وغيرهما - له اطلاق يشمل هذه الأقسام من الضمان بأجمعها.
الثاني: وهو مختص بالقسم الأول: إن المضمون عنه، كالغاصب أيضا مكلف برد العين،
فلو قلنا بمشروعية هذا الضمان كان من قبيل ضم ذمة إلى أخرى، مع أن مذهبنا كون الضمان
موجبا للانتقال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.
وفيه: أن الضمان المصطلح في ضمان ما في الذمة، هو الانتقال، وهذا لا يوجب المنع من
الضمان بالمعنى الآخر في المقام الثابت بالعمومات.
مع أنه لا مانع من الالتزام في المقام أيضا بالانتقال، فيكون بقاء المال بيد الغاصب أمانة،
غاية الأمر يجب رده فورا إلى مالكه ولو لم يقصر في الرد عليه وتلف في أثناء ذلك يكون
ضمانه على الضامن دون الغاصب، ولو قصر يكون يده بقاء يد ضمان فيكون ضامنا من
جديد.
وبما ذكرناه يظهر الجواب عن الثالث: وهو أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى فلا
ينطبق على الضمان بمعنى كون العين في العهدة.
الرابع: أن ضمان الأعيان سواء كان المراد به نقلها عن عهدة ذي اليد إلى عهدته أو ضمها
إليها، يحتمل كونه من الأحكام الشرعية لا من الأمور التي بيد الناس وضعا ورفعا ومع هذا
الاحتمال لا وجه للتمسك بالعمومات.
وفيه: أن المراجعة إلى المرتكزات العقلانية تدفع هذا الاحتمال: فإن العهدة والذمة من
باب واحد، فكما أن ما في الذمة قابل للنقل وللضم، كذلك ما في العهدة من الأعيان.
الخامس: أنه من ضمان ما لم يجب، فإن الملتزم به مثلها أو قيمتها في صورة التلف، وقد
اشتهر في الألسن عدم صحته.
وفيه: أن الالتزام بكون العين في العهدة ليس من ضمان ما لم يجب، مع أن ضمان ما لم يجب
إنما يكون باطلا إذا كان المنشأ هو اشتغال الذمة بالبدل. فعلا، وأما إذا كان المنشأ هو

(1) النساء آية 29.
(2) المائدة آية 1.
70

الاشتغال به بعد التلف فلا محذور فيه وتمام الكلام في محله.
السادس: وهو يختص بالقسم الثاني - إن من أركان الضمان - المضمون عنه وهو المدين و
هو مفقود في الضمان في الأمانة، بل وفي ضمان العين المغصوبة لأنه ضمان ابتدائي، لا عن
الغاصب.
وفيه: أنه لا يعتبر في الضمان وجود المضمون عنه بل أركانه ثلاثة - الضامن - والمضمون
له - والمضمون -
فالمتحصل: أن مقتضى العمومات جواز الضمان بجميع أقسامه حتى ضمان العين التي بيد
صاحبها وليس هناك ما يمنع عنه، فالأظهر هو الجواز.
وهذا الضمان أي: ضمان ما عند صاحبه يتصور على وجهين - أحدهما الضمان بلا عوض
- ثانيهما الضمان مع العوض، كان يقول الضامن لصاحب المال، اضمن لك العين سنة على أن
تعطيني عوضا عن ذلك عشرة توأمين عن كل شهر والأظهر صحته بكلا قسميه -
إذا عرفت هذا فاعلم: أن عملية التأمين تنطبق على ضمان الأعيان غير المضمونة فإن
المؤمن يضمن، أي يتعهد ويدخل الشئ في عهدته وحيازته في عملية التأمين سواء كان
ذلك من الأعيان الخارجية، أو النفوس الحرة أو المملوكة، غاية الأمر ليس ضمانا مجانيا بل
بعوض معين يشترط على المؤمن له أن يدفعه دفعة أو أقساطا -
و: لا يهمنا البحث عن كون هذه المعاملة ايقاعا من جهة حصولها من طرف واحد وهو
الضامن: فإنه المقدم على تحمل المسؤولية، أو أنها عقد من جهة أنها تشتمل على الايجاب
من ناحية المؤمن (الشركة) بتصديره وثيقة التأمين وتوقيعها، والقبول من المؤمن له بتوقيع
ورقة العقد، بعد كون المختار صحة الشرط ولزوم الوفاء به، وإن كان في ضمن الايقاع، و
لكن الأظهر أنها من العقود - كما تقدم.
فتحصل: أن عملية التأمين من قبيل ضمان الأعيان التي عند أصحابها غاية الأمر، أنه
ضمان مشروط بدفع المؤمن له مبلغا أقساطا إلى مدة معينة -
وقد يستشكل في صحة هذه المعاملة من جهة أمور أخر مثل كون المعاملة غررية ونحو
ذلك، ونتعرض لجميع الاشكالات في آخر المبحث إن شاء الله تعالى.
71

الهبة المعوضة:
وإن أبيت عما ذكرناه ولم يثبت لك مشروعية الضمان على غير ما في الذمم - يمكن تطبيق
عملية التأمين على الهبة المعوضة، بأن يهب المؤمن له في كل سنة أو شهر أو دفعة مبلغا
للمؤمن (الشركة) ويملكه مجانا، ويشترط عليه أن يملكه مبلغا يعادل قيمة المؤمن عليه،
مثلا إن حدث حادث بالمال، أو كذا مقدارا من المال لو حل به موت أو تلف لعضو من
أعضائه يدفعه لأسرته مثلا، أو يشترط عليه ملكيته بنحو شرط النتيجة، وهذا شرط
سائغ لا مانع فيه، فيكون التأمين من مصاديق الهبة المعوضة، ويترتب عليه أحكامها.
الصلح:
ويمكن تطبيقه على الصلح أيضا: فإن حقيقة الصلح هي التراضي والتسالم على أمر من
تمليك عين أو منفعة أو اسقاط دين أو حق أو غير ذلك، ولا يشترط فيه كونه مسبوقا
بالنزاع، وهو جائز في كل مقام وعلى كل أمر إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا لحرام - وهو
عقد مستقل بنفسه وعنوان برأسه وليس كما قيل راجعا إلى سائر العقود وإن أفاد فائدتها،
وتنقيح القول في هذه الجهات موكول إلى محله.
وعليه - ففي المقام يتسالم المؤمن والمؤمن له، على أن يدفع المؤمن له مبلغا أقساطا أو
دفعة، ويتحمل المؤمن الخسارة التي تحل بالمؤمن له، أو يدفع مقدارا من المال لو تلف بعض
أعضائه أو حل به الموت لأسرته مثلا.
عقد التأمين عقد مستقل:
ولو لم يتم ما ذكرناه من تطبيق عقد التأمين على واحدة من المعاملات المعهودة، نقول إنه عقد مستقل مركب من الايجاب والقبول، على ما مر تقريبه وعليه، فيشمله عمومات
امضاء المعاملات كقوله تعالى - " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
72

عن تراض " (1) وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " (2) وتخصيصها بالعهود و
العقود التي كانت متعارفة في زمن صدورها - بلا وجه، بعد كونها متضمنة ليان الحكم الخالد
الباقي في جميع الأعصار، وكونها من قبيل القضايا الحقيقية.
اشكالات:
بقي في المقام اشكالات - تورد على تصحيح هذه المعاملة بما أنها عقد مستقل وبعضها
يجري في بعض الوجوه المتقدمة - وهي أمور:
الأول: إن هذه المعاملة ليست معاوضة حقيقية بل معاوضة احتمالية: فإن أحد العوضين
هو تحمل الخسارة على تقدير وقوع الخطر المؤمن منه فلا عوض على تقدير عدم وقوعه
فهذه ليست مشمولة للعمومات، بل هي من أكل المال بالباطل.
وفيه: إن المؤمن له يدفع مبلغا أقساطا، مثلا بإزاء كون ماله محفوظا، فكما أنه قد يستأجر
شخصا لحفظ ماله، ويكون ذلك من طرق الحفظ كذلك التأمين من طرق الحفظ بل هو من
أحكامها، وهذا الأمان والحفظ يحصل للمستأمنين بمجرد العقد من دون توقف على الخطر
المؤمن منه بعد ذلك: فإنه بعد هذا الأمان لا يفرق عليه وقوع الخطر وعدمه: إذ لو لم يقع
الخطر ظلت أمواله سليمة، وإن وقع الخطر أحياها التعويض، فهي معاملة حقيقية بتية و
ليست من الأكل بالباطل.
وإن شئت قلت: إن العوض إن كان كون المال في عهدة المؤمن، فهو فعلي، وإن كان
اعطاء بدله على تقدير التلف فهو بنفسه لا يكون فعليا لكن لازمه وجود. الأمان الفعلي،
فعلى التقديرين هذه معاملة بتية، وتجارة عن تراض، وعقد من العقود.
وبهذا البيان يظهر الجواب عن الاشكال الثاني:
وهو أن هذه المعاملة غررية فإنه يحتمل عدم وقوع الخطر المؤمن منه، وقد نهي

(1) النساء - آية 29.
(2) المائدة - آية 1.
73

النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الغرر (1) فإنه مع حصول الأمان الفعلي لا غرر ولا خطر.
أضف إلى ذلك أن المتيقن النهي عن بيع الغرر، لا مطلق الغرر، وهذا ليس بيعا.
الثالث: إن عقد التأمين على الحياة ينطوي على جهالة لأن الأقساط التي يدفعها
المستأمن إلى حين وفاته لا يعرف كم ستبلغ والجهالة تمنع صحة العقد شرعا.
وفيه: أن الجهالة مانعة عن صحة البيع وبعض العقود الأخر ولم يدل دليل على مبطليتها
من حيث هي لكل عقد.
الاشكال الرابع: إن عقد التأمين فيه تحد للقدر الإلهي لا سيما في التأمين على الحياة.
وفيه: أن المؤمن لا يتعهد عدم وقوع الخطر حتى يقال إنه تحد للأقدار - بل هو يتعهد
ترميم آثار الأخطار إذا تحققت ووقعت كما لا يخفى.
فالمتحصل: هو تصحيح عقد التأمين من وجوه وطرق مختلفة.
التأمين التبادلي:
وقد وعدنا في أول البحث بيان حكم التأمين التبادلي، وهو اتفاق جماعة على تكوين
رأس مال مشترك لتعويض ما يحيق بأحدهم من الخسارة.
وملخص الكلام فيه: أنه يمكن تصحيحه بوجوه:
أحدها: بتخريجه على الضمان، بناء على مشروعية ضمان الأعيان غير المضمونة كما هو
الحق - بيانه - أن ما يعطيه كل واحد شهريا أو سنويا يكون باقيا على ملكه، ولكن كل من
أفراد الشركة يضمن أموال الآخرين لا بتمامها، بل بنسبة خاصة تابعة لمقدار مال كل منهم،
ويكون هذا الضمان مشروطا بجعل مقدار من المال شهريا أو سنويا لدى الشركة، مثلا
يجتمع عشرة على تكوين رأس مال، ويجعل كل واحد في كل شهر مائة تومانا، ويصير كل
واحد من العشرة ضامنا لأموال غيره من الشركاء بمقدار العشر لا جميعها، فهذا من
مصاديق ضمان الأعيان التي عند أصحابها الذي عرفت أنه لا مانع منه، غاية الأمر أنه

(1) التذكرة ج 1 ص 466 وعن الشهيد نحوه وسبقهما الشيخ في الخلاف، فإنه استدل به في غير موضع منه.
74

ضمانات عديدة تنشأ بانشاء واحد ولا محذور فيه -
ثانيها: تخريجه على الصلح بناء على ما تقدم من، أنه عقد برأسه وأنه يصح الصلح على
كل أمر ما لم يكن محللا للحرام ومحرما للحلال: فإن الشركاء يتصالحون على أن يجعل كل
واحد منهم مقدارا من المال في صندوق الشركة، ويتحمل كل واحد منهم الخسارة التي تحل
بالآخرين بنسبة خاصة تابعة لمقدار ماله -
ثالثها: اعتبارها معاملة مستقلة مشمولة للعمومات بالتقريب المتقدم.
ما يدفعه بعض الشركات إضافة إلى مبلغ التأمين:
بقي في المقام حكم ما يدفعه بعض الشركات من الفوائد السنوية أو الشهرية إضافة إلى
مبلغ التأمين الذي يدفعه عند حدوث الخطر.
وقد يقال إنه حرام: فإن ما يدفعه المؤمن له إلى المؤمن أن كان تمليكا له كما هو الظاهر،
فالإضافة فائدة أي شئ، وإن كان بعنوان القرض كان دفع الإضافة موجبا لصيرورة
القرض ربويا، فعلى التقديرين لا يحل الأخذ.
ولكن يمكن أن يقال إنه في هذه الشركات بعد تصحيح التأمين بأحد الوجوه المتقدمة
يشترط الشركة للمؤمن له أن يدفع إليه مبلغا شهريا أو سنويا، وهذا شرط سائغ لا محذور
فيه، فالإضافة لا تكون فائدة لشئ، ولا زيادة في القرض فتدبر.
عقد ضمان الجريرة نظير للتأمين:
ويمكن أن يقال إن نظير التأمين عقد ضمان الجريرة، بل هو من مصاديقه وصورته، أن
يقول أحد الشخصين لآخر عاقدتك على أن تنصرني وأنصرك وتمنع عني وأمنع عنك
وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك، فيقول الآخر قبلت أو يقول أحدهما عاقدتك
على أن تنصرني وتمنع عني وتعقل عني وترثني فيقول الآخر قبلت.
بل الظاهر أنه لا يعتبر فيه سوى العقل والإرث، وله شرائط منها أن لا يكون له وارث
75

مناسب، ومنها غير ذلك مما هو مذكور في الكتب.
ولا خلاف نصا وفتوى في مشروعية هذا العقد وفي الجواهر بل الاجماع بقسميه عليه
ويشهد به نصوص كثيرة.
كخبر: عمر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث في المملوك يعتق يذهب فيوالي
من أحب فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه (1).
وخبر علي بن رئاب عن أبي عبيدة عن الإمام الصادق عليه السلام عن رجل أسلم فتوالى إلى
رجل من المسلمين قال إن ضمن عقله وجنايته ورثه وكان مولاه (2).
ونحوهما غيرهما ونتيجة هذا العقد إن من اتخذ وليا يعقله ويضمن حدثه يكون ولائه
له ويثبت به الميراث.
والوجه فيما ادعيناه من أنه نظير التأمين: إنه يوجد فيه جميع الأركان الموجودة في
التأمين، وهي:
1 - الايجاب والقبول 2 - المؤمن عليه - شخص وثروة وما شاكلهما - 3 - المؤمن وهو
الشركة أو الشخص - 4 - والمؤمن له 5 - مبلغ التأمين - وهو الذي يدفعه الشركة مثلا عند
حدوث الخطر - وما يدفعه المؤمن له إلى الشركة من المبلغ 6 - الخطر المؤمن ضده -
كالسرقة - وله شرائط:
وهذه - موجودة في هذا العقد - لأنه عقد يعتبر فيه الايجاب والقبول والمؤمن عليه -
هو المضمون والمؤمن له - هو المضمون له في المقام - والمؤمن هو الضامن. ومبلغ التأمين - و
هو الدية - والإرث والخطر المؤمن ضده - وهو هنا الجناية.
فالمتحصل من ذلك أن بعض مصاديق التأمين دل دليل خاص على مشروعيته.

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة - من كتاب الميراث حديث 1.
(2) الوسائل - باب 1 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة حديث 5.
76

رواية لطيفة:
قد عثرت على رواية أحببت ادراجها في المقام وإن كانت لا تدل على مشروعية التأمين
لشدة مناسبتها مع هذا الباب - وهي: رواية: محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به
أمير المؤمنين عليه السلام قال مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما هذا؟ قالوا يا
أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه انفقوا
عليه من بيت المال (1).
فإنها من جهة اشتمالها على تعريضه عليه السلام على من استعمل شخصا إلى أن عجز ثم امتنع
عن إنفاقه، تدل على أنه يحدث له حق بواسطة عمله ما دام هو قادر فيكون ذلك أي الانفاق
عليه بعد العجز من الشروط الضمنية في أول الاستعمال وعليه فمضمونها مربوط بالمقام كما
لا يخفى -.

(1) الوسائل - باب 19 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه من كتاب الجهاد.
77

أوراق اليانصيب
اعطاء المال بإزاء أن يقرع فإن أصابته القرعة
يعطيه ما لا كثيرا - شراء بطاقة اليانصيب مع
اشتراط القرعة أو بدونه - اعطاء المال
بعنوان الإعانة - مع اشتراط القرعة - أو
بدونه.
79

من الموضوعات المستحدثة أوراق اليانصيب:
وهي عبارة، عن اتفاق بين شركة من جهة، وعدة أشخاص من جهة أخرى، وبمقتضى
هذا الاتفاق يأخذ كل شخص، بطاقة، أو بطاقات اليانصيب بإزاء مبلغ معين، ويتعهد
الشركة بأن يقرع، فمن أصابت القرعة بطاقته تعطيه الشركة مبلغا معينا من المال، فينبغي
لنا بيان موقف الشريعة المقدسة الاسلامية من هذا العمل الذي شاع وذاع في هذا العصر، و
هي تتصور على وجوه بل هي أنواع خارجية.
النوع الأول: أن يكون، اعطاء المال وأخذ البطاقة لأجل احتمال إصابة القرعة وأخذ
المال الكثير، ولا اشكال في حرمة ذلك وما يأخذه من العوض على تقدير إصابة القرعة
سحت، لأنه من مصاديق القمار: فإن من أظهر مصاديقه اللعب والعمل بالآلات المعدة
للمراهنة مع الرهن، وهذه البطاقات معدة لهذه المراهنة والمغالبة فهو حرام والعوض
المأخوذ سحت.
النوع الثاني: أن يشتري البطاقة بمبلغ معين كتومانين والبايع بنفسه يقرع فمن أصابته
القرعة يعطيه مالا كثيرا - مثلا - مائة ألف تومان، أو يشترط عليه في ضمن البيع ذلك، و
الأظهر فساد البيع - وعدم استحقاق المال الكثير بعد إصابة القرعة، وفساد الشرط.
أما فساد البيع: فلأن مالية البطاقة المذكورة ليست ذاتية كالمأكول وما شاكل ولا
اعتبارية بنحو يكون الاعتبار عاما يشترك فيه جميع البشر كالأحجار الكريمة، ولا
81

اعتبارية مجعولة من قبل دولة أو بنك يقوم مقام القسم الأول - كالأوراق النقدية، بل ماليتها
اعتبارية بالاعتبار الخاص أي يكون اعتبارها بالنظر لما يترتب على البطاقة من الأثر
الخاص، وهو أن بايعها يقرع فإن أصابتها القرعة يعطي لمشتريها مالا كثيرا، وعليه فماليتها
مجهولة فبيعها غرري وباطل - نعم - لو أوقع الصلح عليها لم يتوجه هذا الاشكال -
وأما فساد الشرط فلوجهين:
الوجه الأول: إنه مع فساد البيع يكون الشرط ابتدائيا، والشرط الابتدائي لا يكون
صحيحا فإن من شرائط صحته ولزوم الوفاء به كونه في ضمن عقد من العقود.
الوجه الثاني: إن القرعة بنفسها رهان وقمار، والقمار حرام بالكتاب والسنة: والوجه في
كونه قمارا إنه لم يؤخذ في مفهوم القمار، أن تكون المراهنة بالآلات المعدة للقمار، بل اللعب
بالآلات غير المعدة له مع الرهن قمار.
كما يشهد به كلمات اللغويين - ففي مجمع البحرين أصل القمار الرهن على اللعب بشئ - و
في القاموس تقمره راهنه فغلبه ونحوهما غيرهما.
والعرف فإنا نرى صدق القمار عندهم على اللعب بكل شئ مع الرهن من دون عناية و
علاقة.
وجملة من النصوص:
كصحيح: معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام النرد والشطرنج والأربعة عشرة بمنزلة
واحدة وكل ما قومر عليه فهو ميسر (1).
وخبر جابر عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال لما أنزل الله تعالى - على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم (إنما
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (2).

(1) الوسائل - باب 104 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 1.
(2) المائدة آية 90.
82

قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما الميسر قال كلما تقومر به حتى الكعاب والجوز (1). ونحوهما
غيرهما.
ويدل على فساد القرعة مع هذا الالتزام والتعهد، وحرمتها، وعدم كونها موجبة
لحدوث حق لمن أصابته طوائف أخر من الأخبار.
منها: خبر ياسر الخادم عن الإمام الرضا عليه السلام عن الميسر - قال عليه السلام الثقل من كل شئ
قال والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم (2).
ومنها: ما دل على أن الملائكة تنفر عند الرهان وتلعن صاحبه كمرسل الصدوق عن
الإمام الصادق عليه السلام إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف و
الريش والنصل الحديث (3). ونحوه خير العلاء بن سيابة (4).
ومنها: صحيح محمد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل
وأصحاب له شاة فقال إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا فقضى فيه
إن ذلك باطل لا شئ في المواكلة من الطعام ما قل منه وما كثر ومنع غرامة فيه (5).
فالمتحصل أن الرهان مطلقا حرام وفاسد لا يوجب الملكية، ومنه القرعة المفروضة في
المقام، وعليه فشرطها شرط مخالف للكتاب وللسنة وهو غير صحيح.
وبما ذكرناه ظهر عدم استحقاق المال بعد إصابة القرعة إن لم تشترط ذلك، مع أن القرعة
ليست من المملكات.
النوع الثالث: أن يكون اعطاء المال من طرف آخذ البطاقة بعنوان الإعانة والمساعدة
لإحدى المؤسسات الخيرية، والبايع يقرع بين المعينين، فمن أصابته القرعة يعطيه مالا كثيرا
تشجيعا لهم على تقديم المعونات.

(1) الوسائل - باب 35 - من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(2) الوسائل - باب 104 - من أبواب ما يكتسب به حديث 9.
(3) الوسائل - باب 1 - من كتاب السبق والرماية حديث 6.
(4) الوسائل - باب 3 - من كتاب السبق والرماية حديث 3.
(5) الكافي باب 19 نوادر القضاء ص 364.
83

والأظهر أنه لا اشكال في الإعانة، وأما ما يعطى بعد إصابة القرعة فلا يجوز أخذه، أما
بدون الشرط: فلأنه رهان كما تقدم، مع أن القرعة بنفسها ليست من المملكات، وأما معه:
فلأن الشرط لكونه خلاف الكتاب والسنة لا يكون نافذا، مع أنه شرط ابتدائي ليس في
ضمن العقد. مع، أن اعطاء المال الكثير من الأموال التي اجتمع من الإعانات كما ترى ولا
يعطيه من أمواله يقينا.
فالأظهر، عدم جواز أخذ ذلك المال الكثير في شئ من أنواعه ووجوهه.
84

الشوارع المفتوحة
موضوع البحث - موارد البحث - استملاك
الحكومة جبرا للدور وما شاكل - حكم
العبور في الشوارع المستحدثة - حكم بقية
الانتفاعات الممكنة من فضلات الدور وما
شاكل - المساجد الواقعة في الشوارع - ما هي
المسجدية - العبور في المسجد الواقع في
الشارع - لا يجوز بيع المسجد - الانتفاع بما
وقع في الشارع - لا يضمن المنتفع به -
تنجيس المسجد الخراب وتطهيره -
مقابر المسلمين الواقعة في الشوارع.
85

موضوع البحث:
- من الموضوعات التي شاعت وذاعت في هذه الأزمنة من جهة اختلاف حياة أبناء هذا
الزمان مع حياة السابقين من ناحية الأسباب والوسائل - شق الشوارع وهذا هو محل بحثنا
فعلا.
فنبحث عن الدور والمساجد وما شاكل التي تستملكها الحكومة جبرا لتجعلها شوارع
لعبور الناس ومرورهم، وأنه هل يجوز ذلك للحكومة، أم لا.
وعلى التقديرين ما يكون حال العبور في مثل هذه الشوارع المستحدثة، وكذا بقية
الانتفاعات الممكنة من فضلات الدور مثلا.
وتنقيح القول بالبحث في مقامات:
1 - في الدور وغيرها من الأملاك الشخصية.
2 - في المساجد وما يجري عليها من الأحكام.
3 - في مقابر المسلمين الواقعة في الشوارع، وما يتخذ منها ليجعل دور أو نحوه.
استملاك الحكومة جبرا للدور وما شاكل:
أما المقام الأول: فالكلام فيه - في مواضع:
87

الأول: أنه، هل يجوز هذا الاستملاك، وهل هو من موارد البيع الاجباري الثابت في
الشريعة، أم لا.
قد يقال: بجوازه إذا كان عدم افتتاح الشارع ضررا على المسلمين وموجبا لوقوعهم في
العسر والحرج في الاستطراق ولم يرض ملاكها بالبيع.
واستدل لذلك بحديث نفي الضرر والضرار.
وهو - موثق زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام - إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط
لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان فكان سمرة يمر إلى نخلته ولا
يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فشكا إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقول الأنصاري وما شكاه فقال إذا
أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيعه
فقال لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاري اذهب فاقلعها و
إرم بها إليه: فإنه لا ضرر ولا ضرار (1) وفي بعض النصوص ما أراك يا سمرة إلا مضارا -
وتقريب الاستدلال به أنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم بجواز قلع العذق بعد، ما لم يرض سمرة
بالاستئذان، ولا بالمعاملة على عذقه، وكان ذلك أي بقاء العذق وعدم جواز قلعه ضررا
على الأنصاري، وعلله: بأنه لا ضرر ولا ضرار، فيستفاد من ذلك الجواز في كل مورد كان
عدم الجواز ضرريا على شخص أو أشخاص، وعليه - ففي المقام إذا كان الشارع مما يحتاج
إليه الاجتماع في عيشته وكان عدم فتحه ضررا عليهم ولم يرض المالك بالمعاملة على ماله
يجوز الافتتاح وإن لم يرض به لأنه لا ضرر ولا ضرار.
وأيد ذلك - بخبر أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل أنه قال إذا قام
القائم عليه السلام سار إلى الكوفة - إلى أن قال - ووسع الطريق الأعظم - إلى أن قال فلا يترك بدعة
إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها (2).
والجواب عن الاستدلال - أولا: أنه أخص من المدعى فإنه لو تم لاختص بما إذا كان

(1) الوسائل - باب 12 - كتاب أحياء الموات حديث 3.
(2) الوسائل - باب 20 - من كتاب أحياء الموات حديث 1.
88

عدم الافتتاح ضررا على المسلمين، ولا يشمل ما إذا كان الافتتاح نفعا لهم وتركه لم يكن
ضررا.
وثانيا: أنه لو تم هذا الوجه لاختص الجواز بالحاكم الشرعي والمأذون من قبله، و
من المأسوف عليه إن أهل الهوى سلبوا من فقهاء الاسلام الحكم والسلطة التي جعلها الإمام
المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لهم في زمان غيبته فلو ردت الحكومة إليهم لعلم
الناس ما هو الحكومة النافعة.
وثالثا: إنه قد بينا في رسالة لا ضرر: إن الحديث ظاهر في تعلق النفي بالأحكام
الوجودية ولا يكون العدم شيئا قابلا لأن يكون متعلقا للنفي إلا بالعناية، وإن شئت قلت:
إن العدم ونفيه لا يكون مجعولا إلا بعناية جعل الوجود فعدم جواز الافتتاح ليس مشمولا
له.
الوجه الثاني لجواز الاستملاك:
وقد يقال في وجه جواز الاستملاك: إن لا اشكال ولا ريب في أن الشارع الأقدس
يهتم، بالأمور الاجتماعية، وما يحتاج إليه عامة الناس وفيه صلاحهم أكثر من اهتمامه
بحقوق الأفراد، وأنه عند التزاحم يقدم ما يعود نفعه إلى الاجتماع، وأيضا من الثابت في
الشريعة إن الولاية والحكومة وإن كانتا للسلطان العادل ونوابه وتصدى الجائر وتقمصه
بذلك القميص إثم، إلا أنه بعد تصديه لذلك المقام له التصرف في ما يعود نفعه إلى العامة، و
لذا أفتى بعض الفقهاء بجواز أخذ الحقوق الثابتة في الأموال من قبيل الخراج والمقاسمة وما
شاكل، وأنه لو أخذ تبرأ ذمة من أخذ منه تلك وقد دلت النصوص على ذلك -
وعلى هذا إذا كان فتح الشارع نفعه عائدا إلى الاجتماع للحكومة استملاك الأملاك
الشخصية جبرا إن لم يرض ملاكها بالمعاملة عليها وفتح الشارع.
يرد على هذا الوجه أمران:
الأول: إنه لو تم لاختص بما إذا كان شق الشارع واجبا أي كان نفعه بنحو بلغ إلى حد
اللزوم كي يصلح للمزاحمة مع حرمة التصرف في ملك الغير بلا رضا صاحبه ويقدم عليها،
89

وإلا فلا وجه لتقديمه على الحرام الثابت بالعقل والنقل عند المزاحمة.
الثاني: إن الغاصب لذلك المقام يرى نفسه حاكما، ولا يكون كذلك في اعتبار الشارع
الأقدس، وبعبارة أخرى من غصب الحكومة لا يكون حاكما إلا في اعتباره واعتبار تابعيه
لا في اعتبار الشارع.
ولذلك بنينا على عدم جواز أخذ الجائر الحقوق الشرعية، نعم لو عصى وأخذ تبرأ ذمة
من أخذ منه للنصوص الدالة على ذلك، وعليه ففي مورد جاز الاستملاك القهري بالبيع
الاجباري لا يجوز ذلك لهذه الحكومات.
حكم العبور في الشوارع المستحدثة:
الموضع الثاني بيان موقف الشريعة المقدسة من العبور في الشوارع التي افتتحت في ملك
الغير بلا رضا صاحبه.
لا اشكال في الجواز إذا قلنا بجواز الاستملاك، إنما الكلام لو بنينا على عدم الجواز، فقد
ذكر في وجه جواز العبور فيها أمور -
الأول: إن الشوارع المستحدثة أموال لا يمكن ايصالها إلى أصحابها، فيلحقها حكم
مجهول المالك وهو التصدق، وحيث إنه لا يمكن التصدق بأعيانها فيتصدق بمنافعها، فيبيح
الحاكم الشرعي العبور فيها صدقة عن أصحابها.
ويمكن أن يقال إن الحاكم الشرعي يتصدق بها للعموم ويملكها النوع.
حكم مجهول المالك:
هذا الوجه مؤلف من أمور: أحدها: إن حكم مجهول المالك هو التصدق، وهو تام، وقد حققناه في الجزء الأول من
كتابنا منهاج الفقاهة، والجزء الخامس عشر من كتابنا فقه الصادق، وبينا إن الروايات تدل
على ذلك، وإن ما يتوهم دلالته على خلاف ذلك لا يدل عليه، وفي المقام أذكر بعض تلك
90

النصوص وأشير إلى الجواب عما توهم معارضته له.
أما: نصوص الصدقة - فمنها مصحح يونس قال سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا
حاضر إلى أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكة، فرحل منها إلى منزله، ورحلنا إلى منازلنا فلما
إن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأي شئ نصنع به قال عليه السلام تحتملونه حتى
تحملوه إلى الكوفة قال لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولأن نعرف كيف نصنع به قال عليه السلام إذا كان
كذا فبعه وتصدق بثمنه قال له: على من جعلت فداك قال: على أهل الولاية (1).
ومنها: خبر أبي علي بن راشد عن أبي الحسن عليه السلام فيمن اشترى أرضا ثم خبر أنها وقف
ولا يعرف من وقف له قال عليه السلام تصدق بغلتها (2) ونحوهما غيرهما.
وأما: ما توهم معارضته لها فطوائف منها ما استدل به لكونه للإمام عليه السلام وهو:
خبر داود بن أبي يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام قال له رجل إني قد أصبت مالا وإني
خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحب دفعته إليه - فقال عليه السلام ما له صاحب غيري - قال
فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره قال حلفت فقال: فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن
مما خفت منه قال فقسمته بين إخواني (3).
وفيه: أولا أن الخبر ضعيف لجمال - وثانيا - أنه يحتمل فيه وجوه - منها - ما هو أساس
الاستدلال وهو كونه لقطة غيره لكنه تكون له - ومنها - كون ما أصابه لقطته عليه السلام فأمر
بالصدقة على الإخوان تبرعا - ومنها - كونه لقط من غيره لكنه عرف أنه لا وارث له
فيكون المال له - ومنها غير ذلك - فلا يصح الاستدلال به.
الطائفة الثانية: ما توهم دلالته على جواز التملك - وهي:
صحيح علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام في حديث والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي
الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر - إلى أن

(1) الوسائل باب 7 من أبواب اللقطة حديث 2.
(2) الوسائل باب 17 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
(3) الوسائل باب 7 من أبواب اللقطة حديث 1.
91

قال ومثل ما يؤخذ لا يعرف له صاحب الحديث (1).
وفيه: أولا أنه ظاهر في اللقطة وقد دلت النصوص على أن لمالكها تملكها بعد تعريفها
حولا - وثانيا - أنه وراد في مقام بيان وجوب الخمس في كل غنيمة ومنها مال يوجد ولا
يعرف له صاحب، فغاية ما يستفاد منه أن مجهول المالك يجوز تملكه، وأما إن ذلك هل هو
مطلق أو يختص ببعض أقسامه فلا يستفاد منه شئ منهما.
الطائفة الثالثة: ما استفيد منه إن حكم مجهول المالك تعين الحفظ والايصاء به عند الوفاة.
وهي خبر الميثم عن العبد الصالح عليه السلام فيمن مات في فندق وترك مالا ولا يعرفه
صاحب الفندق ولا بلاده ولا ورثته - اتركه على حاله (2).
وخبر هشام المروى عن الفقيه سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام فقال كان لأبي أجير
وكان له عنده شئ فهلك الأجير فلم يدع وارثا ولا قرابة وقد ضقت بذلك كيف أصنع به
فقال عليه السلام رأيك المساكين رأيك المساكين - ثم قال عليه السلام هو كسبيل مالك فإن جاء طالب
أعطيته (3) وروي هذا الخبر بطرق آخر مع اختلاف في متنه.
يرد على خبر هيثم إنه ضعيف لأن ميثم مهمل مجهول، مع أن الظاهر منه إرادة ما قبل
الفحص.
ويرد على الاستدلال باخبار هشام - إنها ظاهرة في موت الأجير وعدم وجود وارث
له فيكون المال له عليه السلام.
مع أن موردها الدين ومحل الكلام هو العين.
مع أن قوله كسبيل مالك، يحتمل أن يكون المراد به لزوم الامساك والحفظ، ويحتمل أن يكون المراد التملك بالملكية المتزلزلة غير المنافية لوجوب الدفع إن جاء له طالب.
فالأظهر أن حكم مجهول المالك تعين الصدقة. وقد أشبعنا الكلام في كتابنا منهاج الفقاهة
وكتابنا فقه الصادق في ذلك، وفي أنه لا يعتبر في التصدق إذن الحاكم الشرعي، وفي أن

(1) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث 5.
(2) الوسائل - باب 6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه حديث 4 من كتاب الإرث.
(3) الوسائل - باب 6 من أبواب ميراث الخنثى حديث 10.
92

مصرفه الفقراء، وفي جواز اعطائه للهاشمي - فليراجع.
الأمر الثاني: الذي يتوقف عليه هذا الوجه: إن حكم تعذر الايصال إلى المالك المعلوم
تفصيلا حكم جهالة المالك، وهو كذلك كما صرح به الشيخ الأعظم رحمه الله تبعا للمحقق رحمه الله
إذ المستفاد من النصوص الآمرة بالتصدق بمجهول المالك إن الموجب لذلك ومناطه هو تعذر
الايصال إلى المالك، وعليه فلا فرق بين أن يكون المالك مجهولا بقول مطلق وبين كونه
مرددا بين أشخاص غير محصورين وبين كونه معلوما يتعذر الوصول إليه.
الأمر الثالث: أنه لا فرق في المتعذر ايصاله إلى صاحبه، بين أن يكون المال تحت يد
الانسان، وبين ما لم يكن تحت يده كما في المقام فإنه تحت يد الغاصب الجائر - وهذا أيضا
غير بعيد للمناط المشار إليه.
الأمر الرابع: أنه حيث لا يمكن التصدق بها بأعيانها بشخص معين، فللحاكم أن يتصدق
بمنافعها، أو التصدق بها إلى العموم، وهذا مشكل إذ لا دليل على هذا التصدق مع: أن
التصدق إن كان على الوجه الأول لاختص بالفقراء فإن مصرف الصدقات الفقراء - قال
الله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " (1) والتصدق على الوجه الثاني بعد عدم فقر
النوع لا وجه له، فالمتحصل عدم تمامية هذا الوجه.
الوجه الثاني: إنه يجوز شرعا العبور في الأراضي غير المسورة التي لم تحجب لتمنع العبور
فيها، من البساتين وغيرها. والشاهد به السيرة القطعية المستمرة إلى زمان المعصوم عليه السلام و
عليه ففي الشوارع المفتوحة لانطباق هذا العنوان عليها يجوز العبور.
وفيه أنه لم يدل دليل على جواز الاستطراق والعبور في هذه الأراضي بهذا العنوان، و
الذي قام الدليل عليه هو جواز ذلك، فيما كان عدم الجب كاشفا عن رضا صاحبه وعلم
عدم كونه من القاصرين، وفي الأراضي المتسعة التي هي كالأنهار الكبار التي يجوز
التصرف فيها، مع عدم الحراز رضا صاحبها.
والجواز في الموردين غير ملازم للجواز في المقام.

(1) سورة التوبة - آية 60.
93

أما الأول فواضح - وأما الثاني: فلأنه في تلك الأراضي يمكن أن يقال إن الشارع
الأقدس جعل حقا لغير المالك فيها، كما في الثمرة الواقعة في عرض الطريق التي يجوز للمارة
أكلها فيكون الملكية من أول حدوثها ملكية مقيدة غير مطلقة، وهذا لا يجري في المقام: إذ
الملكية للدور وما شاكل لم تكن مقيدة فتلك السيرة لا تنفع في المقام.
الوجه الثالث: ما ينسب إلى بعض فقهاء العصر، وهو: أن الأرض إذا كسيت بالإسمنت
أو القير أو ما شاكل، فما يوضع عليه القدم في أثناء العبور ليس هو نفس الأرض بل يوضع
القدم على التبليط، والفضاء لا مانع من العبور فيها، ولذا لا كلام في جواز رمي الحجارة من
أحد جانبي ملك الغير إلى الآخر، وفي جواز عبور الطائرات في الفضاء المملوك للناس.
وفيه: أولا: إن أحجار التبليط بما أنها معتمدة على الأرض فالقدم وإن كان يوضع عليها
إلا أنه يعد ذلك تصرفا في الأرض أيضا.
وثانيا: إن رمي الحجارة يجوز من جهة أن العرف لا يرونه تصرفا لحقارته وقلته، وأما
عبور الطيارة، فلعل وجه جوازه: إن الفضاء التي يعبر فيها الطائرة لا تكون مملوكة.
توضيح ذلك أن ما اشتهر من أن كل من ملك أرضا ملك لفراغها إلى عنان السماء و
لقرارها إلى تخوم الأرضين لا أصل له: لعدم الدليل عليه، مع أن اعتبار هذه الملكية لا يكون
عقلائيا ولا شرعيا.
بل الحق: إن من ملك أرضا يملك مقدارا من الفراغ الذي يتوقف عليه تصرفاته في أرضه
ولمقدار آخر منه بتبعية الأرض بمنزلة الحريم لها، ولا يملك ما تجاوز عن ذلك، نعم ما تجاوز
عن ذلك يملكه الحكومة بعنوان أنه حريم للمملكة، ولذا للحكومة المنع من عبور الطائرات
من فضاء المملكة وإن لم يكن ذلك لمالك كل قطعة منها، وعلى هذا فتصرف العابر في فضاء
الدار يكون حراما ولا يقاس بالتصرف في المثالين.
الوجه الرابع: إن أصحاب تلك الأموال بعد فتح الشارع يعرضون عن أموالهم لعلمهم
بعدم رجوعها إليهم، والاعراض مخرج للملك وموجب لانسلاخ الملكية عن المالك.
والجواب إن: هذا الوجه فاسد من ناحيتين:
الأول: إن اليأس غير الاعراض، والثابت هو يأس أصحاب تلك الأموال عن وصول
94

أموالهم إليهم، وأما الاعراض عنها فلا يكون ثابتا.
الثانية: إن الاعراض لا يكون موجبا لخروج المال عن ملك صاحبه: إذ لا دليل على أنه
في مقابل العناوين الخاصة المخرجة للملك عن ملك صاحبه من البيع والهبة وغيرهما،
يوجب الخروج سوى النبوي المعروف " الناس مسلطون على أموالهم " (1).
بدعوى: أنه يدل على أن الناس مسلطون على التصرف في أموالهم بأنحاء التصرفات
حتى التصرفات المخرجة كالبيع، ومنها الاعراض.
ويتوجه عليه: أنه يدل على أن كل أحد مسلط على التصرف في أمواله فمد لوله ثبوت
السلطنة في موضوع المال، ولو كان ذلك التصرف موجبا لخروج المال عن ملكه كالبيع: فإن
البايع يتصرف في ماله باعطائه للغير ولازمه رفع السلطنة عن نفسه، ولا يدل على
السلطنة على اذهاب الموضوع وإزالة السلطان -
وبعبارة أوضح: أنه يدل على ثبوت السلطنة في ظرف ثبوت الموضوع ولا يكون
متعرضا لحكم السلطنة على اعدام الموضوع، فلا يدل على أن الاعراض موجب لانسلاخ
الملكية ولو صرح بذلك، فضلا عما لو لم يصرح بذلك كما في المقام.
الوجه الخامس: إنه من مجوزات التصرف في ملك الغير رضاؤه بذلك ولو لم ينشأ
صريحا، ولكن انكشف بشاهد الحال، حتى أن القوم صرحوا بأنه يكفي في تحقق الرضا
المبيح للتصرف وجوده شأنا، بأن يكون المالك بالقوة راضيا بذلك التصرف، وإن صدر من
غير اطلاعه أو في حال نومه، أو نحو ذلك مما يمتنع أن يتحقق معه الرضا الفعلي.
وعليه فيمكن استكشاف رضا أصحاب الأموال بتصرف العابرين، من أنهم بعد ما
رأوا ابتلاء الناس بالعبور على أملاكهم، وعدم عود الأملاك إليهم لا محالة يكونون راضين
بهذا التصرف غاية الأمر قد يكون الرضا فعليا وقد يكون شأنيا.
ويتوجه على هذا الوجه أولا: إن ذلك لا يصحح العبور في الشوارع من ناحية أنه ربما
يكون في البين صغير أو مجنون ورضاية هؤلاء لا تكفي.

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم و ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
95

وثانيا: أنه لا يحصل العلم في جميع الموارد كما لا يخفى.
الوجه السادس: ما نسب إلى بعض الأعاظم من الماضين... وهو أنه بعد افتتاح الشارع
لا ريب في أن مصلحة الاجتماع تقتضي العبور منه ويتوقف عليه حفظ النظام، وعليه
فللحاكم الشرعي الذي له الولاية في هذه الأمور أن يجيز العبور فيه بأن يتولى الحاكم نظرا
إلى تلك المصلحة إجارة الأرض عن أصحابها لأجل العبور وعوضها شئ قليل من المال
ويصرف ذلك المال في سبيل الله عن أصحاب الأرض، وإن شاء المستطرق أن يتصدق
لمرة واحدة عن أصحاب تلك الأرض مع إجازة الحاكم لا بأس به.
وبتوجه عليه أولا: إن عدم العبور في كل شارع افتتح لا يلزم منه اختلال النظام، ولا
دليل على ولاية الحاكم في كل ما يقتضيه مصلحة العامة حتى مثل هذه الأمور غير البالغة
حد اللزوم.
وثانيا: إنه بعد الإجارة إن صحت لا بد من دفع المال إلى أصحاب الأرض لا الصدقة
عنهم، نعم، مع عدم معلوميتهم يتصدق عنهم.
الوجه السابع: إن الأرض التي وقعت في الشارع إما، أن تكون من الأراضي المفتوحة
عنوة وهي الأرض التي فتحت بالخيل والركاب قهرا ورفع يد الكفار عنها بغلبة المسلمين،
أو تكون من غيرها.
فإن كانت منها فهي ملك للمسلمين ولا تدخل في ملك من عمرها كي يكون العبور
تصرفا في ملك الغير.
وإن كانت من غيرها، فبما أن الحكومة تهدم أو لا عمارة الأرض وتجعلها خربة وميتة، ثم
تجعلها شوارع لعبور الناس ومرورهم، فهي تخرج عن ملك مالكها بذلك: لأن الأرض
المعمورة وإن كانت العمارة عن معمر إن صارت ميتة وخربة تخرج عن ملك المعمر و
المحيي، كما عن العلامة في التذكرة، والشهيد في المسالك، وبعد ما تجعلها شوارع إما أن
تصير ملكا للحكومة المحيية لها أو تبقى بلا مالك وعلى التقديرين يجوز التصرف فيها.
وفيه: أن الأرض المفتوحة عنوة إنما تكون ملكا للمسلمين مع اجتماع شرائطها، ككونها
محياة حال الفتح، وعدم كونها من الأراضي التي أبقيت في يد أهل الذمة، وعدم كونها من
96

الخمس منها: إذ الموات حال الفتح ملك للإمام ويملكها من أحياها، والأرض التي أبقيت في
يد أهل الذمة ملك لأربابها وعليهم الجزية، وبمقدار الخمس يملكها المستحق له. وعلى هذا
إن ثبت كون الأرض من المفتوحة عنوة بهذه الشرائط كانت ملكا للمسلمين وإلا فمقتضى
قاعدة اليد كونها ملكا لأصحابها.
حكم ما عرض له الموت بعد العمارة:
وأما غير تلك الأرض، فلا بد أولا من بيان حكم الأرض الميتة بعد العمارة اجمالا، ثم
تطبيقه على المقام.
ومحصل القول فيها: أنه في الأرض التي يعرض لها الموت بعد العمارة، إما أن تكون العمارة
سماوية، أو تكون من معمر.
فإن كانت العمارة سماوية، كانت العمارة أصلية أو عرضية، فهي للإمام أما إذا كانت
عرضية: فلأن الأرض المفروضة كانت مواتا في الأصل وملكا للإمام عليه السلام بلا خلاف فيه
نصا وفتوى، وهي باقية على ما هي عليه.
وأما إن كانت العمارة أصلية: فلما دل على أن الأرض الميتة للإمام الشامل لما إذا كانت
العمارة بالأصالة وبالعرض - كخبر داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال قلت و
ما الأنفال قال: بطون الأودية، ورؤس الجبال والآجام، والمعادن، وكل أرض لم يوحف
عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها، وقطالع الملوك (1) ونحوه غيره.
ولما دل من النصوص الكثيرة على أن الأرض الخربة، أو الخربة التي لا رب لها للإمام عليه السلام
لا خط.
خبر محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها
هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا

(1) الوسائل باب 1 - من أبواب الأنفال - من كتاب الخمس حديث 32.
97

كله من الفئ والأنفال لله وللرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب (1).
ومعتبر حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا
ركاب، أو قوم صولحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة، وبطون الأودية، فهو
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء (2).
وما دل من النصوص على أن القرية التي خربت وجلا أهلها له عليه السلام.
كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الأنفال فقال هي القرى التي
قد جلى أهلها وهلكوا فخربت، فهي لله وللرسول (3) ونحوه غيره.
وإن كانت العمارة من معمر، فالكلام فيه في مقامين:
1 - هل تخرج الأرض بالموت عن ملك المعمر، كما عن العلامة في التذكرة، والشهيد في
المسالك، أم لا تخرج كما هو المشهور بين الأصحاب.
2 - على فرض عدم الخروج، هل يملكها لو عمرها آخر كما عن جمع، بل عن جامع
المقاصد إنه المشهور بين الأصحاب، أم لا يملكها لكما عن جماعة من القدماء والمتأخرين، أم
يفصل بين ما إذا كان الخراب مستندا إلى إهمال المالك وترك المزاولة لها، وبين ما إذا لم يكن
مستندا إلى ذلك، فيملكها على الأول دون الثاني.
أما المقام الأول: فقد استدل لخروجها عن ملكها بوجوه.
الأول: أن الأرض أصلها مباح، فإذا تركها الأول حتى عادت إلى ما كانت عليه، صارت
مباحة.
الثاني: إن السبب في صيرورتها ملكا له هو الاحياء فإذا زال السبب زال المسبب.
الثالث: اطلاق ما دل على أن الأرض الميتة والخربة للإمام عليه السلام.
وفي الجميع نظر.
أما الأول: فلأن كون أصلها مباحا لا يوجب صيرورتها مباحة بعد ما دخلت في ملك

(1) الوسائل باب 1 - من أبواب الأنفال - حديث 10.
(2) الوسائل باب 1 - من أبواب الأنفال - حديث 1.
(3) الوسائل باب 1 - من أبواب الأنفال - حديث 24.
98

المحيي وخروجها عن ملكه، مع أن الدليل دل على أن خروج الملك لا بد وأن يكون عن
سبب.
وأما الثاني: فلأن المستفاد من الأدلة كون ذات الأرض مملوكة بسبب الاحياء وأنه
كساير الأسباب المملكة يكون سببا لحدوث الملكية، لا أن الأرض المعنونة بعنوان المحياة
مملوكة، ولا أنه سبب للملكية حدوثا وبقاءا.
وأما الثالث: فلأنه يتعين تقييد اطلاق تلك النصوص بما في النصوص الأخر من التقييد
بالأرض الميتة التي لا رب لها كمرسل (1) حماد.
ويشهد لبقائها على ملك مالكها - مضافا إلى أن المستفاد من الأدلة - أن زوال الملك
لا بد وأن يكون بناقل، الاستصحاب.
وأورد عليه، تارة بالشك في بقاء الموضوع: فإن موضوع الملكية إن كان هو ذات
الأرض فهو باق قطعا، وإن كان هو عنوان المحياة فهو مرتفع قطعا.
وأخرى: بأن الشك في المقام من قبيل الشك في المقتضى، للشك في أن الاحياء، هل هو
سبب للملكية حتى بعد عروض الموت، أم لا.
ويمكن: دفع الأول بما تقدم من ظهور الأدلة في أن الموضوع هو ذات الأرض وأن
الاحياء بمنزلة الشرط في القضية.
ويمكن دفع الثاني بأن المختار حجية الاستصحاب مطلقا حتى في موارد الشك في
المقتضى.
مع أن هذا ليس من الشك في المقتضى الذي بني الشيخ الأعظم رحمه الله على عدم حجية
الاستصحاب فيه، فإن مورده ما لو شك في اقتضاء المستصحب للبقاء في عمود الزمان و
تمام الكلام في محله.
فالأظهر عدم خروجها عن ملك المعمر الأول.
وأما المقام الثاني: فمقتضى ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف في مال الغير

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال حديث 4.
99

بلا رضا صاحبه عدم جواز الاحياء في المقام، والقياس بالالتقاط بعد ورود النص الخاص
فيه مع الفارق.
وأما: ما دل من النصوص على أن من أحيى أرضا ميتة فهي له كصحيح الفضلاء عن
الإمامين الباقر والصادق عليهم السلام قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحيى أرضا مواتا فهو
له (1) و
نحوه غيره فهو في ظاهر في الأرض التي لا رب لها.
ولكن: وردت في المقام طوائف من النصوص الخاصة.
1 - ما دل على البقاء على ملك المعمر الأول كصحيح سليمان بن خالد عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يأتي الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا
عليه قال عليه السلام الصدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها قال (ع) فليؤد إليه حقه (2) إذ المراد
بالحق إما الأرض أو أجرتها وعلى التقديرين يدل على ذلك - ونحوه غيره.
2 - ما دل على صيرورتها ملكا للمحيي الثاني من دون شئ عليه كصحيح معاوية بن
وهب عن الإمام الصادق عليه السلام أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها
فإن عليه فيها الصدقة فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد
يطلبها فإن الأرض لله ولمن عمرها (3). فإن ظاهره أن الأرض لمن يقوم بعمارتها لا لمن تركها
فأخربها.
3 - ما دل على أحقية الثاني بها ووجوب الخراج عليه كصحيح الكابلي عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث فإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و
أحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها
حتى يظهر القائم عليه السلام من أهل بيتي بالسيف الحديث (4).
والطائفة الأخيرة يتعين طرحها، لا عراض الأصحاب عنها، وعدم كون الأرض

(1) الوسائل باب 1 - من كتاب احياء الموات حديث 5.
(2) الوسائل باب 3 - من كتاب احياء الموات حديث 3.
(3) الوسائل باب 3 - من كتاب احياء الموات حديث 1.
(4) الوسائل باب 3 من كتاب احياء الموات حديث 2.
100

المفروضة فيها من الأراضي الخراجية ولغير ذلك مما لا يخفى.
وأما الأوليان، فحيث إن الثانية مختصة بصورة الاهمال، فتخصص الأولى بها، فتكون
النتيجة هو التفصيل بين صورة الاهمال وغيرها، فالقول بالتفصيل أقوى.
ويؤيده: ما ورد في الأرض التي أسلم أهلها طوعا فإن الأرض وإن كانت ملكا لهم إلا
أنهم إذا أهملوها حتى خربت كان لولي المسلمين أن يقبلها من غيرهم ليقوم بعمارتها ويأخذ
وجه الإجارة، ويدفع بمقدار حق الأرض إلى مالكها ويصرف الباقي في الأمور العامة.
اللهم إلا أن يقال، إن ما دل على أن من أحيى أرضا ميتة فهي له - المتقدم إنما يدل
باطلاقه على أن كل أرض ميتة تملك بالاحياء، ولا يكون مختصا بالأرض التي لا رب لها. و
عليه فإذا هدمت الحكومة أرضا وصارت ميتة، تملك بالاحياء.
أو يقال: إن ما دل على أن الأرض الميتة أو الخربة للإمام عليه السلام - المتقدم يدل على صيرورة
الأرض بالخراب ملكا للإمام، وخروجها عن ملك مالكها، فيرجع إلى ما تضمن إذنهم عليهم السلام
شيعتهم في التصرف فيها وتملكها بالاحياء، وما تضمن التقييد بالأرض الميتة التي لا رب
لها المتقدم لا مفهوم له كي يقيد اطلاق هذه النصوص، والمسألة تحتاج إلى بسط في الكلام لا
يسعه المجال وقد أشبعنا الكلام فيه في الجزء الثالث من كتابنا منهاج الفقاهة والجزء
الخامس عشر من كتابنا فقه الصادق، هذا حكم الأرض الميتة بعد العمارة.
وأما تطبيقه على المقام فالظاهر عدم الانطباق: لأن الظاهر من النصوص الاختصاص
بما إذا خربت الأرض وصارت ميتة، ولا تشمل ما لو أخربها ظالم وصيرها ميتة كما لا
يخفى.
الوجه الثامن: أنه إذا هدمت الحكومة الدور وما شاكل وجعلتها شوارع تخرج تلك
الأراضي عن ملك أصحابها: لأن الملكية من الأمور الاعتبارية، والاعتبار بما أنه من
الأفعال، فلا بد وأن يترتب عليه أثر، وإلا يكون لغوا وصدوره من الحكيم محال، والأرض
التي جعلت شارعا ويعلم عدم رجوعها إلى صاحبها، بما أنه لا يترتب على اعتبار ملكيتها
لمالكها أثر خارجي، يكون اعتبارها لغوا لا يصدر من الحكيم، فلا محالة تخرج عن ملكيته
بذلك، ولتوضيح ذلك لا بد من ذكر مقدمة وهي، أن للملكية أربع مراتب:
101

مراتب الملكية:
1 - الملكية الحقيقية، وهي عبارة عن السلطنة التامة بنحو يكون زمام أمر المملوك بيد
المالك حدوثا وبقاء، وهي مخصوصة بالله تعالى.
2 - الملكية الذاتية، والمراد بالذاتي ما لا يحتاج تحققه إلى أمر خارجي، لا الذاتي في باب
البرهان، ولا الذاتي في باب الكليات الخمس، وهي عبارة عن الإضافة الحاصلة بين
الشخص ونفسه وعمله وذمته: إذ الانسان مالك لعمله ولنفسه ولذمته بالملكية الذاتية،
والشاهد به الضرورة والوجدان والسيرة العقلائية، وهذه المرتبة دون مرتبة الواجدية
الحقيقية المختصة بالله تعالى.
3 - الملكية المقولية: وهي عبارة عن الهيئة الحاصلة من إحاطة جسم يحسم آخر،
كالهيئة الحاصلة من التعمم والتقمص وما شاكل.
4 - الملكية الاعتبارية: وهي التي يعتبرها العقلاء أو الشارع لشخص خاص من جهة
المصلحة الداعية إلى ذلك، وهذه المرتبة بما أن قوامها بالاعتبار وموجودة به وهو من
الأفعال وكل فعل ترتب عليه أثر يصدر من العاقل والحكيم، وإلا فهو لغو لا يصدر منه،
فإذا فرضنا أن اعتبار ملكية شئ لشخص خاص لا يترتب عليه أثر، كملكية الخاتم الملقى
في البحر المعلوم عدم إمكان وصوله إلى صاحبه، فلا يعتبرها العقلاء ولا الشارع.
وإذا تم: هذا التمهيد فأقول في المقام أنه بعد فتح الشارع بما أن صاحب الأرض لا يتمكن
من الانتفاع بما له، ولا يرجو عوده إليه لينتفع به فلا محالة يخرج الأرض بذلك عن ملكه:
لأن اعتبار ملكيتها لغو، فيجوز العبور فيها لعدم كونها ملكا للغير.
حكم بقية الانتفاعات الممكنة:
الموضع الثالث في حكم الشريعة في بقية الانتفاعات الممكنة من فضلات الدور وما
شاكل، يجعلها دكانا مثلا والانتفاع به، فالأظهر أنها لمالكها وتلك الفضلات لا تخرج بفتح
الشارع عن ملكه: لامكان الانتفاع بها مع ما هي عليه حتى وإن فرضنا اغتصاب الحكومة
102

إياها: فإنها حينئذ قابلة لأن ينتفع بها ولو بأن يدفع مبلغا للحكومة بإزائها فتدبر.
المساجد الواقعة في الشوارع:
وأما المقام الثاني: وهو البحث عن المساجد الواقعة في الشوارع: والكلام فيه في مواضع.
1 - أن عنوان المسجدية هل يزول شرعا: بزواله عرفا أم لا؟
2 - العبور في المساجد الواقعة في الشوارع.
3 - الانتفاعات الأخر الممكنة من فضلات المسجد.
4 - حرمة تنجيسه، ووجوب إزالة النجاسة، وعدمهما.
ما هي المسجدية:
أما الموضع الأول: فالأظهر عدم زوال عنوان المسجدية شرعا بزواله عرفا، ففي وقف
المساجد لا ينقل الواقف المال إلى الله تعالى، ولا إلى المسلمين، ولا المصلين، ولا يكون من
قبيل فك الملك خاصة، بل المسجدية من العناوين الاعتبارية العقلائية الممضاة شرعا، و
مورد الاعتبار نفس الأرض وهي التي تتشرف بكونها متحيثة بحيثية كونها بيت الله، وهذا
العنوان غير قابل للزوال، وقد رتب عليه في الشرع أحكام، من جواز الصلاة فيه وحرمة
تنجسيه وما شابه ذلك، فالأرض التي جعلت مسجدا تكون مسجدا إلى الأبد، وهذا
العنوان لا يعقل انفكاكه عنها، فما أفاده السيد الطباطبائي رحمه الله في ملحقات العروة بأنه لا دليل
على أن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا، غير تام.
العبور في المسجد الواقع في الشارع:
وأما الموضع الثاني: فالحق جواز العبور فيه، فإن الاستطراق في المسجد جائز، وتخريب
الغاصب الظالم إياه، ومنع الناس من الصلاة فيه لا يوجب تبديل جواز الاستطراق بعدمه.
ودعوى: أنه كما يحرم الغصب، كذلك يحرم على غير الغاصب الجري على وفقه، والعمل
103

بمقتضى الغصب، وفي المقام يكون العبور والاستطراق في الشارع المفتوح جريا على وفق
الغصب: فإنه غصب ليجعل شارعا يعبر فيه الناس فيكون حراما.
مندفعة: بأن الجري على الغصب بهذا العنوان لم يدل دليل على حرمته وإنما يكون حراما
لو انطبق عليه عنوان محرم.. مثلا: لو غصب زيد دار شخص، يحرم الجري على وفقه
بالاستئجار منه لأنه بنفسه حرام وتصرف في مال الغير بلا رضا صاحبه، وفي المقام بما أن
العبور في المسجد جائز في نفسه فكونه جريا على وفق الغصب لا يوجب تعنونه بعنوان محرم
فيجوز.
لا يجوز بيع المسجد:
أما الموضع الثالث: فالكلام فيه في موردين:
الأول: إذا هدمت الحكومة مسجدا وجعلته شارعا وبقي من فضلاته بمقدار لا ينتفع به
في الصلاة والعبادة، ولكن يمكن جعله محلا للكسب، هل يجوز بيعه للحاكم الشرعي كما هو
الشأن في الأوقاف الأخر، حيث إنها إذا خربت بنحو لا ينتفع بها يجوز بيعها أم لا؟
والأظهر هو الثاني: فإن جواز بيع تلك الموقوفات، إنما يكون لأجل أن حقيقة الوقف
حيث تكون عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة، فالواقف بحسب ارتكازه حين ما
يوقف ما لا ينتفع به بشخصه إلى الأبد قاصد لأن تكون العين الموقوفة محبوسة بشخصها
ما دام إلى الانتفاع بها سبيل، وبما لها من المالية إذا لم يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها، و
عليه فإذا سقطت العين الموقوفة عن قابلية الانتفاع، كان لازم قوله عليه السلام الوقوف يكون على
حسب ما يوقفها أهلها انشاء الله تعالى (1) تبديلها بما يماثلها في المالية: لأن ذلك في نظر
العقلاء من أنحاء حفظ المال بما هو مال، وبالجملة تسليط الموقوف عليهم على الانتفاع إلى
الأبد يوجب التوسعة في الموقوف ويكون حبسه بالنحو الذي ذكرناه، فالتبديل ليس إزالة
للحبس بل هو حفظ للمال بما هو مال عند العقلاء الذي هو غرض الواقف.

(1) الوسائل باب 2 - من أبواب الوقوف والصدقات.
104

وهذا لا يجري في المسجد لما عرفت من أن للمسجد مع قطع النظر عن كونه من الأوقاف
العامة ويجوز انتفاع المسلمين به في الصلاة وغيرها، حيثية أخرى، وهي حيثية المسجدية
ولها أحكام خاصة، وتلك الحيثية قائمة بشخص هذه الأرض لا بما لها من المالية وهذه
الحيثية تمنع عن بيعه.
نعم: يصح إجارته لأن الحيثية المشار إليها لا تنافيها، ومن حيث إنه وقف عام أيضا لا
مانع لفرض كون المورد من موارد الجواز فلا محذور فيها.
اللهم إلا أن يقال إنه في الفرض لكل أحد الانتفاع به وليس شخص خاص مالكا
للمنفعة أو الانتفاع، فلا تجوز الإجارة من هذه الجهة.
فما: أفاده كاشف الغطاء رحمه الله من أنه لا يصح بيع المسجد ومع اليأس عن الانتفاع به في
الجهة المقصودة يؤجر للزراعة ونحوها، غير تام.
ولو قلنا بصحة الإجارة يصرف مال الإجارة في مسجد آخر وإن لم يمكن يصرف في
سائر مصالح المسلمين.
حكم الانتفاع بفضلات المسجد مع امكان الانتفاع بها في الصلاة:
المورد الثاني: إذا أمكن الانتفاع بما بقي من فضلات المسجد في الصلاة والعبادة، لا
اشكال في عدم جواز جعله محلا للكسب أو السكنى، أو جعله دارا وما شاكل: لأن ذلك كله
تخل بالأغراض المعد لها.. إنما الكلام في أنه إذا جعله الظالم كذلك مثلا جعله دكانا لا يمكن
للانسان أن ينتفع به بغير الكسب وليس في وسعه تغييره، ومورد الكلام فيه أمران:
1 - هل يجوز الانتفاع به والحال هذه أم لا؟
2 - إنه هل يضمن أم لا؟
أما الأول: فالظاهر جوازه لأنه يجوز للناس، النوم في المساجد والمدارس وما شاكل، و
التردد فيها، والأخذ من مائها، والاكتساب فيها بأعمال الدنيا والآخرة، من غير
اختصاص بالمصلين كما يصنع في المباحات، إلا أن الغرض المعد له مقدم على غيره، فلو أخل
المكتسبون بالأغراض المعد لها حرم، وإلا فهو جائز، فإذا فرضنا إن المخل بها عمل الغاصب
105

دون المكتسب، فالاكتساب يكون جائزا، والوجه في جوازه حينئذ عدم الدليل على
الحرمة.
وأما الثاني: فظاهر كلمات جع من الأساطين عدم الضمان. واستدل له بوجهين.
أحدهما: إن الظاهر من الحديث والايصال إلى المالك، فيختص بأملاك الناس.
وفيه: إن الظاهر منه التأدية إلى أهله كان هو مالكا له أو موردا للانتفاع به.
ثانيهما: إن الضمان إنما هو بمعنى اشتغال الذمة بالبدل فلا بد وأن يفرض شخص مالكا
ليكون هو من له الذمة ومع عدمه لا معنى لاشتغال الذمة.
وفيه: أولا إن معنى الضمان كون العين في العهدة وأثره وجوب رد العين مع بقائها و
بدلها القائم مقامها ملكا أو موردا للانتفاع مع تلفها.
وثانيا: أنه لا مانع من اعتبار كون الكلي في الذمة الذي هو مورد لملك الانتفاع فمعنى
ضمانه للموقوف عليه اشتغال ذمته بكلي البدل الذي هو مورد لسلطنتهم على الانتفاع
والتقوم بمن له الذمة يكفي فيه هذا المقدار.
وقد يقال: إن الأظهر هو الضمان: لأن مقتضى عموم على اليد هو ضمان المنافع أعم من
المستوفاة وغيرها، وقد حقق ذلك في محله.
وفيه إن: هذا الوجه وإن تم في نفسه كما حققناه في الجزء الثاني من كتابنا منهاج الفقاهة؟
والجزء الخامس عشر من فقه الصادق، إلا أن الاستدلال به وتطبيقه على المقام لا يصح
من جهتين.
إحداهما: إنه لو تم لاقتضى ضمان الغاصب دون المكتسب، فإنه ينتفع بما يجوز له فليس
يده يد ضمان.
ثانيتهما: إن المنافع غير مورد لانتفاع شخص معين كي يصح به الضمان، فالمنافع
المفروضة ليست متعلقة لحق أحد فلا وجه لضمانها، وإن كان استيلاء الغاصب عليها
حراما، ولعل هذا هو السر في إرسال الفقهاء عدم الضمان في المقام إرسال المسلمات.
نعم: الوجه المذكور يصلح وجها لضمان الغاصب العين إذا تلفت.
106

تنجيس المسجد الخراب وتطهيره:
أما الموضع الرابع: وهو أنه لو جعل المسجد طريقا، أو محلا للكسب ونحو ذلك، فهل يجوز
تنجيسه ولا يجب تطهيره، أم يحرم الأول ولا يجب الثاني، أم يحرم الأول ويجب الثاني؟
أقوال ووجوه.
وقد استدل للأخير، بأن عنوان المسجدية من العناوين غير القابلة للزوال فمع بقائه
شرعا وإن ارتفع ذلك عرفا، يترتب عليه أحكامه، كحرمة تنجيسه، ووجوب تطهيره،
وعلى فرض التنزل وتسليم الشك في زواله يجري استصحاب بقائه، ويترتب عليه
أحكامه.
وفيه: أن عنوان المسجدية وإن كان غير قابل للزوال، إلا أن الاشكال في المقام من
ناحية عدم الدليل على حرمة تنجيس المسجد، ووجوب إزالتها عنه سوى أدلة لا اطلاق
لها يشمل كل ما يصدق عليه المسجد، ومن المحتمل اختصاص الحكمين بالعامر، ومعه
لا بد من الأخذ بالمتيقن، وفي مورد الشك يرجع إلى أصالة البراءة عن كلا الحكمين.
واستدل للثاني بوجوه:
الوجه الأول: إن مقتضى اطلاق دليل الحكمين ثبوتهما في الفرض إلا أن وجوب الإزالة
يكون حرجيا فيرتفع بما دل على نفي الحرج.
وفيه: إن عدم وجوب الإزالة حينئذ إنما يدور مدار الحرج فلو لم يلزم ولو في مورد
واحد لا وجه للحكم بارتفاع الوجوب: إذ الحرج كساير ما يؤخذ موضوعا للحكم إنما
يثبت له الحكم إذا تحقق مصداقه في الخارج، ففي كل مورد لزم من وجوب الإزالة حرج
يحكم بعدمه، وأما إذا لم يلزم من جعله الحرج في مورد فلا وجه لارتفاعه.
مع: أن أدلة الحكمين لا اطلاق لها يشمل المقام: لورودها في مقام بيان أحكام أخر، وتمام
الكلام في ذلك موكول إلى محله وقد أشبعناه بالبحث في الجزء الثالث من كتابنا " فقه
الصادق ".
الوجه الثاني: إن دليل الحكمين لا اطلاق له يشمل المقام فيتعين الرجوع إلى
الاستصحاب، ومقتضاه حرمة التنجيس: فإن هذا الحكم كان ثابتا له قبل الخراب ويشك
107

في ارتفاعه يستصحب بقائه وهو من الاستصحاب التنجيزي، وأما الاستصحاب القاضي
بوجوب الإزالة فهو تعليقي لأن وجوب الإزالة سابقا كان معلقا على تحقق النجاسة، و
الاستصحاب التعليقي لا يجري فبالنسبة إلى وجوب الإزالة يتعين الرجوع إلى أصالة البراءة
وهي تقتضي عدم الوجوب.
وفيه: أولا أن حرمة التنجيس ووجوب الإزالة ليسا حكمين بل هما حكم واحد وهو
حرمة وجود النجاسة في المسجد، ويعبر عن حرمة أحداث النجاسة بحرمة التنجيس، و
عن حرمة ابقائها بوجوب الإزالة، فعلى فرض جريان الاستصحاب يجري استصحاب
حرمة وجود النجاسة فيه وينتزع منه حكمان، حرمة التنجيس، ووجوب الإزالة.
وثانيا: إن المختار عندنا عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية مطلقا من جهة
إن الشك في بقائه مسبب عن الشك في الجعل بنحو يكون باقيا - و حيث أن الحكم المشكوك
بقائه لم يكن في أول الشريعة مجعولا قطعا ويشك في جعله فيستصحب عدم الجعل ويثبت
به عدم الحكم بناء على ما حققناه في حاشيتنا على الكافية وزبدة الأصول، من أن
استصحاب عدم الجعل يجري ويثبت به عدم المجعول.
ودعوى: أن جعل الحكم المشكوك بقائه معلوم إما إلى الأبد أو ما دام لم يشك فيه،
فاستصحاب عدم جعله إلى الأبد يعارض استصحاب عدم جعله إلى حين زمان الشك
فيتساقطان فيرجع إلى الأصل المحكوم وهو استصحاب بقاء المجعول.
مندفعة: بأن استصحاب عدم جعله إلى حين زمان الشك لا يجري إذا لجعل في ذلك
الزمان معلوم فالحق عدم جريان استصحاب حرمة التنجيس أيضا.
الوجه الثالث: ما نسب إلى بعض الأجلة وهو أن دليل حرمة التنجيس لفظي ومقتضي
إطلاقه حرمة تنجيسه بعد الخراب وجعله طريقا، ودليل وجوب الإزالة لبي والمتيقن منه
المسجد العامر فلو خرب يشك في وجوب الإزالة عنه وأصل البراءة يقتضي عدم وجوبه.
وفيه: ما تقدمت الإشارة إليه من أنهما لبسا حكمين بل هما حكم واحد وهو حرمة
وجود النجاسة في المسجد ودليله واحد، وعلى فرض التعدد دليلاهما من سنخ واحد.
فالمتحصل: مما ذكرناه عدم حرمة تنجيسه، وعدم وجوب الإزالة عنه.
108

مقابر المسلمين الواقعة في الشوارع:
وأما المقام الثالث: وهو البحث عن مقابر المسلمين الواقعة في الشوارع والكلام فيه في
موارد:
1 - إنه ذهب جماعة منهم كاشف الغطاء وببالي إن منهم المحقق القمي رحمه الله في أجوبة
مسائله، إن مقبرة كل بلدة أو قرية ملك لأهل تلك البلدة أو القرية وجعلوها من توابع ذلك
المحل، وقد صرح جماعة آخرون بأن المقابر كالمساجد ولا تكون ملكا لأحد غاية الأمر
قد يكون خاصا.
والحق: أنه يختلف الحال باختلاف الأماكن، ففي بعضها يقف شخص محلا للدفن، فحاله
حينئذ حال المساجد في أنه لا يدخل في ملك أحد، وفي بعضها لا يقف شخص ذلك،
فحينئذ كما أنه لكل بلدة مرافق ومنتزهات كذلك لها مقابر، ولكن شيئا منها لا يكون ملكا
لأهل تلك البلدة، بل لا تعين لمحل خاص من توابع البلد بالمقبرة، ولو عين محل لذلك لا
يتعين به.
مع: أن غاية ما هناك تعينه لذلك وكونه متعلقا لحق أهله لا كونه ملكا لهم.
الانتفاع بالمقابر الواقعة في الشوارع:
2 - هل يجوز الانتفاعات الأخرى بالمقابر الواقعة في الشوارع وبما استولى عليه وجعل
دورا لهم مثلا أم لا؟
والحق أن ما كان منهما وقفا لا يجوز التصرفات المنافية للدفن في ذلك المحل أعم من
جعله طريقا أو دورا وما شاكل، ولا مانع من التصرفات غير المنافية، والعبور في الشارع
المفتوح في المقبرة، والجلوس في مقبرة جعلها الظالم دورا ولا يتمكن الجالس من ارجاعها
إلى حالتها الأولى، من التصرفات غير المنافية فيجوزان، كما أنه يجوز جميع التصرفات في
المقبرة المتروكة من ناحية اقتضاء المصلحة ذلك، أو غير ذلك.
وأما الجائر الذي جعل المقبرة شارعا ومنع من دفن المسلمين فيها، أو تجاوز عليها و
109

جعلها دكانا ومحلا للكسب. فليس عليه إلا الإثم، ولا يكون ضامنا ويظهر وجهه مما
ذكرناه في المساجد.
ثم إن الظاهر، جواز بيع مثل هذه المقبرة التي لا يمكن أن يدفن فيها المسلمون ويكون
حالها حال الأوقات التي صارت خربة لا ينتفع بها فيما وقفت له التي يجوز بيعها بلا كلام.
وأما المقبرة التي عينت لذلك من دون أن توقف فإن تركت وجعل محل آخر لدفن
الموتى، فلا اشكال في جواز جميع التصرفات فيها فإنها من الأرض الميتة التي لا رب لها
فيملكها من أحياها، وقبل الاحياء أجيز التصرف فيها لكل أحد.
وإن لم تترك فإن قلنا بأنه لا يتعين ذلك المحل بذلك لها كما هو الحق فيجوز جميع
التصرفات أيضا ولا يخفى وجهه، وإن قلنا بتعينه لذلك فغاية ما هناك الإثم من ناحية المنع
من انتفاع ذي الحق من تعلق حقه وهو ما تحت الأرض.
وأما التصرفات التي فوق القبر فكلها جائزة، ولا ضمان على من استولى عليها كما هو
واضح.
لو شك في أنها وقف أم لا:
3 - إذا كانت مقبرة وشك في أنها وقف فلا يجوز التصرفات المانعة من دفن المسلمين
فيها، أم لا تكون وقفا فتجوز.
الأظهر جواز جميع التصرفات فيها، لأصالة عدم الوقفية، فهي أرض لا رب لها فلكل
مسلم التصرف فيها.
110

التشريح
حكم التشريح في نفسه - تقطيع الميت لحفظ
حياة الآخر - شق بطن الميت لو بلع مالا -
تشريح الميت لتعلم الطب - تشريحه لكشف
جريمة - لا دية في التشريح إذا جاز -
111

من المسائل التي عمت بها البلوى في عصرنا هذا في المجامع العلمية الطبية - تشريح
جسد الانسان - فلا بد لنا من بيان موقف الشريعة الاسلامية منه وأنه، هل يكون حراما
مطلقا، أو يختص بما يقع على المسلم، أم يجوز مطلقا، أو في الواقع على الكافر، أو المسلم مع
اقتضاء الضرورة الطبية ذلك - والكلام فيه يقع في مقامين.
1 - أنه هل هناك دليل يدل على حرمة ذلك ولو في الجملة، أم لا.
2 - أنه على فرض الحرمة، ماذا حكمه إذا اقتضت الضرورة ذلك.
حكم التشريح في نفسه:
أما المقام الأول: فقد استدل لحرمته مطلقا حتى الواقع على الكافر - بالنصوص الدالة
على حرمة التمثيل إما مطلقا - كما - في وصية علي أمير المؤمنين عليه السلام لابنه عليه السلام بأن لا يمثل قاتله
معللا، بقوله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (1).
أو في خصوص الكافر حيا - بضميمة ما دل على عدم الفرق بين الميت والحي - كخبر -
مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميرا له

(1) نهج البلاغة.
113

إلى أن قال قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا الحديث (1).
أو في خصوص قتل الكفار كخبر مالك بن أعين قال حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس
بصفين فقال إن الله عز وجل قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، إلى أن قال ولا
تمثلوا بقتيل (2)، فإذا حرم التمثيل ولو بالقتيل من الكفار، حرم التشريح مطلقا لأنه من
مصاديق التمثيل.
ويتوجه على هذا الاستدلال: أن المأخوذ في مفهوم التمثيل هو التنكيل والعقوبة ومجرد
قطع العضو بلا قصد التنكيل لا يطلق عليه المثلة.
وما ورد في حلق اللحية من أنه من المثلة إنما يكون في مقام بيان حرمة الحلق والتعبد
بأنه مثلة لا في مقام بيان موضوع خارجي، وبعبارة أخرى، أنه بعنوان الحكومة يدل على
أن الحلق مطلقا من المثلة، ولعل السرفي ذلك أن اللحية في سالف الزمان كان من علامات
المجد والمروة والعزة وكان المقصود من حلق اللحية التنقيص من تلك الناحية.
وقد استدل للحرمة - بما دل على حرمة قطع أعضاء الميت كصحيح ابن أبي عمير عن
جميل عن غير واحد عن الإمام الصادق عليه السلام قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحي (3) و
لعل وجه أشديته كاشفيته عن دنائة طبع القاتل ونحوه غيره.
ومثله ما دل على أن في قطع رأسه أو عضو من أعضائه الدية، كخبر إسحاق بن عمار عن
الإمام الصادق عليه السلام قال قلت ميت قطع رأسه قال عليه السلام عليه الدية قلت فمن يأخذ ديته
قال عليه السلام الإمام هذا لله وإن قطعت يمينه أو شئ من جوارحه فعليه الأرش للإمام (4) ونحوه
غيره، فإن ثبوت الدية كاشف عن حرمته.
ودعوى: أن هذه النصوص مختصة بالمسلم بمناسبة الحكم والموضوع.
مندفعة: بأنه لا وجه لهذه الدعوى بعد كون الكافر ممن لا يجوز قتله وإن في قتله الدية،

(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 3.
(2) الوسائل باب 34 - من أبواب جهاد العدو حديث 1.
(3) الوسائل باب 25 - من أبواب ديات الأعضاء حديث 1.
(4) الوسائل باب 24 - من أبواب ديات الأعضاء حديث 3.
114

كما أن دعوى اختصاصها بصورة التوهين للانصراف - كما ترى.
فالأظهر هو التعميم لكل محقوق الدم.
ويدل عليه في خصوص المسلم جملة من النصوص المختصة به كصحيح ابن أبي عمير
عن جميل عن صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام أبى الله أن يظن بالمؤمن إلا خيرا وكسرك عظامه
حيا وميتا سواء (1).
وعنه عن مسمع كردين قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كسر عظم ميت فقال
حرمته ميتا أعظم من حرمته وهو حي (2).
وخبر العلا بن سيابة عنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة المسلم ميتا كحرمته وهو حي
سواء (3) ونحوها غيرها، ومقتضى هذه النصوص حرمة قطع عضو من أعضاء الميت فضلا
عن تقطيعه إربا إربا، فالتشريح حرام بلا كلام.
تقطيع بدن الميت لحفظ حياة الآخر:
وقد: دلت النصوص على جواز، تقطيع بدن الميت وشق بطنه لحفظ حياة الآخر، ولها
موردان -.
1 - ما لو ماتت الحامل والولد حي في بطنها، فإنه يشق بطنها ويخرج الولد بلا خلاف و
يشهد له جملة من النصوص - كموثق علي بن يقطين قال سألت العبد الصالح عليه السلام عن المرأة
تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويستخرج ولدها قال عليه السلام نعم (4) ونحوه غيره.
2 - لو مات الولد في بطنها وهي حية - فإنه يقطع الولد في فرجها وتخرج قطعة قطعة و
يشهد به خبر وهب بن وهب عن الإمام الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام إذا ماتت المرأة و
في بطنها ولد يتحرك يشق بطنها ويخرج الولد وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف

(1) الوسائل باب 25 - من أبواب ديات الأعضاء حديث 4.
(2) الوسائل باب 25 - من أبواب ديات الأعضاء حديث 5.
(3) الوسائل باب 25 - من أبواب ديات الأعضاء حديث 6.
(4) الوسائل باب 46 - من أبواب الاحتضار حديث 2.
115

عليها قال عليه السلام لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه (1) ورواه في الكافي في موضع
آخر وزاد في آخره، إذا لم ترفق به النساء.
وهناك مواضع أخر أفتي الفقهاء بجواز التقطيع وشق البطن.
منها ما لو بلع الميت مالا كثيرا كان لنفسه - فقد أفتى بعضهم بجواز الشق واخراجه لأن
فيه حفظا للمال عن الضياع وعونا للورثة.
ومنها ما لو بلع مال الغير من دون إذنه - فقد أفتى بعض الفقهاء بجواز الشق والاخراج
لأن فيه حفظا للمال ونفعا لصاحبه.
ومنها غير ذلك من الموارد فيستكشف من ذلك كله أن حرمة التشريح وتقطيع بدن
الميت إنما هي ما لم يزاحمها مصلحة أقوى، وإلا فيجوز.
تشريح الميت لتعلم الطب:
وعليه فيمكن القول بجواز التشريح في هذا الزمان لمتعلمي الطب.
وذلك لأن التشريح مما يتوقف عليه تعلم الطب الموجب لحفظ حياة المسلمين وانجائهم
من الأمراض، ولا ريب في أن هذا غرض مطلوب للشارع ومصلحته أقوى من مفسدة
التشريح: لأن به يحفظ أحياء من المسلمين وينجي كثير منهم من الأمراض، وعليه فيجوز
التشريح لتعلم الطب.
تشريح الميت لكشف جريمة:
ومما ذكرناه يظهر جواز التشريح لكشف جريمة، إذا كان ذلك سببا لنجاة المتهمين بقتله،
أو لمعرفة قاتله حتى يجري في حقه حكم الله تعالى، أو لغير ذلك من الأغراض الأخر
الضرورية.
وما ذكرناه إنما هو بالنسبة إلى المقطع لأعضاء الميت، وأما غيره من المتعلمين أو

(1) الوسائل باب 46 - من أبواب الاحتضار حديث 3.
116

الناظرين فلا أرى وجها للحرمة لهم رأسا كما هو واضح.
وفي قطع رأس الميت أو عضو من أعضائه الدية كما (1) أفتى به الأصحاب ودلت على ذلك
النصوص (2) ولكن في مورد جواز التشريح لا يثبت شئ من الدية كما هو الشأن في جميع
موارد جواز القتل، أو قطع عضو من الأعضاء من السن وغيره، وقد دلت عليه
النصوص (3).

(1) راجع المصادر الفقهية.
(2) الوسائل باب 24 و 25 وغيرهما من أبواب ديات الأعضاء.
(3) الوسائل - باب 22 - من أبواب ديات القصاص في النفس.
117

زرع أعضاء الموتى في أجسام الأحياء
يجوز الاستفادة من عيون الموتى لاستعادة
بصر شخص أعمى - لا دية في قلع عيون
الموتى إن كان لهذه الجهة - حكم الشريعة في
الزرع - بيع أعضاء الأموات - يجوز بيع الدم
المأخوذ من الحي - حكم ما بعد الزرع من
حيث الطهارة والنجاسة - حكم الصلاة بعد
الزرع.
119

في عصرنا هذا وصل الطب إلى امكان زرع عيون الموتى في موضع عيون الأحياء إذا
أخذت عين الميت أثر الوفاة فورا، وقد وقع البحث عن جواز ذلك في المجامع العلمية
الفقهية، فلا بد لنا من بيان حكمه الشرعي حسب ما يستفاد من الكتاب والسنة.
وتنقيح الكلام والبحث في موارد:
1 - في جواز أخذ عضو من مسلم متوفى، وأنه، هل يجب فيه الدية أم لا؟
2 - في جواز زرعه في جسم الحي.
3 - في نجاسته بعد الزرع وطهارته.
4 - في الصلاة معه.
المورد الأول حكم أخذ عضو من مسلم متوفى:
وقد مر في المسألة السابقة إن قطع عضو الميت حرام، ولكنه تجوزه المصلحة المتوقفة على
القطع إن كانت أهم من مفسدة القطع، وإذا لاحظنا الموارد التي تتوقف فيها حياة انسان أو
بعض أعضائه على ارتكاب المحرمات ورأينا تجويز الشارع الأقدس ارتكاب المحرمات،
يظهر لنا اهتمام الشارع بحفظ الحياة وعدم اتلاف العضو فإذا توقف ذلك على قطع عضو
الميت وارتكاب هذا المحرم لا محالة يصير جائزا.
121

ويمكن الاستشهاد له، بخبر زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال سأله أبي وأنا حاضر عن
الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه قال عليه السلام لا بأس (1). فإنه صريح في
جواز أخذ السن من الميت وجعله مكان سنه، وبضميمة إلغاء الخصوصية يثبت هذا الحكم
في جميع الأعضاء.
وهل يعتبر إذن الميت قبل وفاته أو وليه بعدها، أم لا.
الأظهر عدم اعتباره من ناحية حرمة القطع الثابت بعنوان أنه محترم كالحي، ومن ناحية
أنه ملك له سيأتي الكلام فيه.
هل يثبت فيه الدية:
وهل في أخذ عضو منه وقطعه الدية، أم لا.
قد يقال بثبوتها تمسكا باطلاق ما دل على ثبوت الدية في قطع عضو الميت (2).
ولكن: يمكن أن يقال أن الدية إنما تثبت بعنوان العقوبة فتختص بمورد حرمة القطع، كما
يشهد به ما ورد في القصاص كخبر - الكناني عن الإمام الصادق عليه السلام عن رجل قتله
القصاص له دية فقال لو كان ذلك لم يقتض من أحد وقال من قتله الحد فلا دية له (3) ونحوه
غيره.
فإذا جاز القطع لتوقف مصلحة أهم، لا تكون الدية ثابتة، ويشهد به خبر السن المتقدم.
المورد الثاني حكم الشريعة في الزرع:
قد يتوهم أنه لا يجوز الزرع من ناحية إن المقطوع مملوك للميت، ولا يجوز التصرف في
ملك الغير بلا رضا صاحبه.

(1) الوسائل - باب 31 - من أبواب لباس المصلي حديث 4 كتاب الصلاة.
(2) الوسائل - باب 24 - من أبواب ديات الأعضاء.
(3) الوسائل - باب 24 - من أبواب القصاص في النفس حديث 1.
122

ولكن يرد عليه، إن الانسان وإن كان مالكا لنفسه ولأعضائه وأعماله وذمته بالملكية
الذاتية كما بيناه في مسألة الشوارع المفتوحة إلا أن حرمة التصرف من هذه الناحية ترتفع
بإذن الميت قبل وفاته أو وليه بعد الموت، وعلى فرض عدم الإذن يباح التصرف من جهة
توقف مصلحة أقوى عليه.
وقد يقال: إن هذا لا ينافي ثبوت عوض العضو في ذمته فإن العضو حينئذ له مالية فمن
انتفع به يكون ضامنا لعوضه، وتوقف مصلحة أقوى عليه، موجب لجوازه لا يدفع الضمان،
كما في أكل مال الغير في المخصمة، وعليه فلا بد من رد عوضه إلى ورثة الميت يقسم بينهم
كسائر أمواله.
فلو أذن الميت قبل وفاته ليؤخذ عيونه لتزرع في جسم انسان حي مجانا لا يكون عوضه
ثابتا في ذمة المتصرف: فإنه من قبيل الوصية النافذة بمقدار الثلث، كما أن للورثة الاغماض
عن العوض لأنه حقهم وملكهم.
بيع أعضاء الأموات:
إلا أن: الانصاف عدم جوازا خذ عوضه، لما دل على أن عوض الميتة وثمنها سحت.
كخبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام السحت ثمن الميتة الحديث (1)
ولا وجه للخدشة في سنده إذ ليس في سنده من يمكن القول بعدم حجية خبره سوى
النوفلي، والسكوني، وهما ثقتان على الأظهر، وإن قيل إن الأول صار غاليا في آخر عمره و
الثاني عامي.
وموثق الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام من السحت ثمن الميتة (2)، ونحوهما غيرهما.
وهذه النصوص وإن اختصت بالميتة إلا أنه يفهم منها حرمة بيع أعضائها أيضا فإن
المستفاد منها بحسب الارتكاز والمتفاهم العرفي أن الممنوع أخذ العوض بإزائه جسد الميت

(1) الوسائل - باب 5 - من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
(2) المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
123

بلا دخل للاتصال به.
ويشهد به أيضا نصوص أليات الغنم كصحيح البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام عن الغنم
يقطع ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع قال عليه السلام نعم يذيبها ويسرج بها ولا
يأكلها ولا يبيعها (1) ونحوه غيره وهذه النصوص وإن اختصت بالجزء المبان من الحي و
بالغنم، إلا أنه يثبت في غير الغنم وفي المبان من الميت بعدم الفصل.
ولا يعارض هذه النصوص خبر الصيقل وولده الذي توهم دلالته على الجواز، قال
كتبوا إلى الرجل عليه السلام جعلنا الله فداك إنا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة ولا تجارة
غيرها ونحن مضطرون إليها وإنما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمر الأهلية لا يجوز في
أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها وشرائها وبيعها، ومسها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلي في
ثيابنا ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا، فكتب عليه السلام اجعلوا
ثوبا للصلاة (2).
وجه: عدم المعارضة أنه لا يدل على الجواز: فإن الصيقل لم يفهم من جواب الإمام
الكاظم عليه السلام حكم بيع الغلاف الذي هو من جلود الميتة ولذا سأل هذه المسألة عن الإمام
الرضا عليه السلام، وهو أجابه بمثل جواب أبيه (3)، فكتب إلى الإمام الجواد عليه السلام - فأجابه عليه السلام كل أعمال
البر بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس (4) وجوابه عليه السلام ظاهر في عدم
جواز البيع.
ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا دلالته على الجواز، حيث إنه لا يمكن الجمع بينه وبين
نصوص المنع، فيتعين الرجوع إلى المرجحات، وهي تقتضي تقديم نصوص المنع للأشهرية
وغيرها من المرجحات.
فالمتحصل أنه لا يجوز بيع الميتة وأعضائها.
ومقتضى اطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين الانسان وغيره، فلا يجوز بمقتضى هذه

(1) الوسائل - باب 6 من أبواب ما يكتسب به حديث 6.
(2) الوسائل - باب 38 - من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(3) رواها في الوسائل - في باب 49 - من أبواب النجاسات حديث 1.
(4) رواها في الوسائل - في باب 49 - من أبواب النجاسات حديث 1.
124

النصوص أخذ العوض بإزاء العضو المبان من الميت.
وبما ذكرناه يظهر حكم أخذ العضو من الحي، فإنه على ما دلت عليه النصوص بحكم
الميتة لاحظ صحيح أيوب بن نوح الذي رفعه إلى الإمام الصادق عليه السلام: إذا قطع من الرجل
قطعة فهي ميتة (1) ونحوه غيره.
هل يجوز بيع الدم المأخوذ من الحي:
هل يجوز نقل الدم من شخص إلى شخص آخر كما هو الشايع في هذا الزمان، الظاهر ذلك
كما يظهر لمن راجع ما قدمناه.
ولكن ربما يقال إنه لا يجوز أخذ العوض بإزائه بأن يبيع الانسان دمه إلى الغير ويأخذ
ثمنه.
واستشهد له بمرفوع أبي يحيى الواسطي قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن
بيع سبعة أشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم الحديث (2) ومورده وإن كان دم الشاة إلا أنه
يتعدى عنه إلى كل دم نجس.
وأورد عليه بايرادات:
1 - إنه ضعيف السند.
2 - اختصاصه بالدم النجس.
3 - الظاهر منه إرادة عدم جواز البيع للأكل فقط تكليفا أو وضعا أيضا.
وفي الجميع نظر.
أما الأول: فلأن ضعفه مجبور بعمل الأصحاب وافتائهم بعدم الجواز فعن النهاية
والمبسوط، والمراسم، أن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة حرمة بيع الدم النجس، و
عن التذكرة دعوى الاجماع على عدم جواز بيع نجس العين.

(1) الوسائل - باب 1 - من غسل المس - و 62 من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل - باب 31 - من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 2.
125

وأما الثاني: فلأنه لا محذور في الالتزام بذلك بل ظاهر الفتاوى أيضا كالنص ذلك.
وأما الثالث: فلأنه لا وجه لهذه الدعوى سوى، دعوى الانصراف، ومناسبة سياق
أخواته وكلتا الدعويين كما ترى.
فالمتحصل عدم جواز بيع الدم النجس.
وقد استدل على عدم الجواز بوجوه أخر، ذكرناها مع ما يرد عليها في الجزء الأول من
كتابنا منهاج الفقاهة. والجزء الخامس عشر من فقه الصادق.
إلا أن الانصاف: أن للمنع عن عدم جواز بيعه مجالا واسعا: فإن الخبر ضعيف السند، و
استناد الأصحاب إليه غير ثابت، ومجرد الموافقة في الفتوى لا يجدي في الجبر.
مع: أن أمير المؤمنين عليه السلام إنما نهي القصابين عن بيعه، ولم ينه عن بيع الدم مطلقا، والدم في
ذلك الزمان لم يكن له هذه المنفعة العظيمة، لا سيما دم الشاة فالتعدي قياس مع الفارق.
أضف: أي ذلك اختصاص الدليل بالبيع، وعدم شموله للصلح مثلا، فالأظهر جواز
إيقاع المعاملة عليه، سيما بنحو الصلح وما شاكل.
المورد الثالث نجاسته بعد الزرع وطهارته:
إذا غسل الميت ثم أخذ منه العضو فلا اشكال في طهارته، وإن أخذ منه قبله فقبل أن
يزرع وأن كان نجسا، إلا أنه بعدما زرع، وحلت به الحياة، يصير من أجزاء الحي، ويتبدل
عنوان كونه ميتا ومن أعضاء الميت إلى صيرورته جزءا من أجزاء الحي، ولا شك في أن
موضوع الحكم هو الميتة، ومع التبدل ينقلب حكمه، مثلا - لو فرضنا صيرورة حيوان حيا
بعد ما كان ميتا، فهل يتوقف أحد في طهارته إن كان من الحيوانات غير النجسة، فكذلك في
المقام.
وعلى فرض التنزل وتسليم الشك، بما أن المختار عدم جريان الاستصحاب في
الأحكام، فلا مجال لجريان استصحاب النجاسة، مضافا إلى الشك في بقاء الموضوع: لاحتمال
كون الموضوع لها هو ما ليس فيه الروح، فيتعين الرجوع إلى أصالة الطهارة القاضية
بالطهارة في المقام
126

وبما ذكرناه: يظهر حكم ما لو أخذ عضو من أعضاء حيوان غير نجس العين أو كافر، و
زرع في جسم انسان فإنه قبل الزرع وإن كان محكوما بالنجاسة لأن الجزء المنفصل من الحي
أو الميتة من الحيوان نجس، إلا أنه بعد ولوج الروح فيه وصيرورته من أجزاء الانسان و
انقلابه إلى عنوان طاهر يحكم بطهارته بل يحكم بالطهارة وإن كان المأخوذ منه نجس العين.
لا يقال أنه إن استحال العضو عن كونه عضوا لحيوان نجس العين، إلى كونه عضوا من
انسان حي فلا كلام في الطهارة ولكن قبل أن يستحيل ومع بقاء إضافته إلى ذلك الحيوان،
مقتضى اطلاق دليل نجاسة ذلك الحيوان بأعضائه نجاسته، ودليل طهارة الانسان لا
يعارضه إن كان مضافا إلى الانسان أيضا، فإن ما دل على طهارة الانسان لا يدل على
طهارته حتى مع انطباق عنوان آخر عليه موجب للنجاسة.
فإنه يتوجه عليه: أن ما أفيد وإن كان متينا مع بقاء الإضافة إلا أن الظاهر عدم بقائها
بعد ولوج الروح فيه وأنه يكون مضافا إلى من صار جزءا منه.
نعم: لو شك في سلب إضافته عمن أخذ منه، يحكم ببقائها للاستصحاب.
المورد الرابع حكم الصلاة بعد الزرع:
قد يشكل في الصلاة بعد زرع جسد الأحياء بأعضاء الأموات من نواح ثلاث:
1 - من ناحية نجاسته.
2 - من ناحية كون ما زرع ميتة ولا يجوز الصلاة مع الميتة.
3 - من ناحية كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه.
أما من الناحية الأولى فقد تقدم إنه بعد الزرع وولوج الروح فيه وصيرورته من أجزاء
الانسان الحي يحكم بطهارته، وبه يظهر ارتفاع المنع من الناحيتين الأخريين.
وأضف: إلى ذلك إن دليل عدم جواز الصلاة في أجزاء الميتة، من جهة اشتماله على كلمة
(في) ظاهر في خصوص الملبوس ولا يشمل المحمول.
وما دل على عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه، يقيد اطلاقه على فرض
الشمول للانسان، مع أن للمنع عنه مجالا: للانصراف، فإن الحيوان بحسب المتفاهم العرفي
127

منصرف عن الانسان.
بما دل على جواز الصلاة في المحمول من أجزاء الانسان كخبر، السن المتقدم وموثق
الساباطي لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد (1) ونحوه غيره،
والسيرة القطعية.
فالأظهر جواز الصلاة معه.
فالمتحصل: مما ذكرناه جواز زرع أعضاء الموتى في جسم الأحياء، وزرع الأعضاء
المقطوعة من الأحياء الأخر، ونقل الدم من جسم إلى جسم آخر مع اقتضاء الضرورة ذلك
أي مع احتياج الأحياء إلى ذلك - ولا يجوز أخذ العوض بإزائه إلا في نقل الدم، وملاقيه
طاهر، ويجوز الصلاة معه.

(1) الوسائل - باب 24 - من أبواب قواطع الصلاة حديث 1.
128

الذبح بالأجهزة الحديثة
لو شك في اعتبار شئ في التذكية - الأصول
المتوهم جريانها فيه - وبيان ما هو الحق -
القيود المعتبرة في الذبح الشرعي - لا يعتبر
عدم إبانة الرأس - لا يعتبر عدم الذبح من
القفا - تطبيق الذبح الشرعي على ما هو محل
الكلام.
129

من المشاكل التي ابتلي بها المتدينون في هذا العصر، ما تعارف في هذا الزمان من ذبح
الحيوان بطريق خاص، وهو أن توقف مجموعة من الحيوانات ثم يبتر رؤوسها مرة واحدة
بآلة خاصة ولذلك كثر التساؤل عن حلية لحم هذا الحيوان وإن هذا الذبح شرعي إذا كان
المتصدي مسلما، وذكر اسم الله تعالى واستقبل بها القبلة، أم لا؟
ولتنقيح البحث في ذلك لا بد من بيان ما يعتبر في الذبح الشرعي، فإن انطبق موضوع
الحل بشرائطه على هذا الذبح فهو حلال، وإلا فيكون حراما.
وقبل بيان ما يستفاد من الكتاب والسنة من القيود والحدود، يحسن بنا تأسيس
الأصل ليكون هو المرجع عند الشك في اعتبار شئ في التذكية مع عدم الدليل على اعتباره
أو عدمه.
لو شك في اعتبار شئ في التذكية:
إذا شك في اعتبار شئ في التذكية، فقد يقال إن التذكية أمر وجودي حادث مسبوق
بالعدم فلو شك أنها هل تتحقق بالذبح بغير الحديد مثلا، أم لا فمقتضى الأصل عدمها.
ولكن يتوجه عليه: إن التذكية وإن وقع الخلاف في أنها هل تكون أمرا بسيطا معنويا
حاصلا من فردي الأوداج الأربعة بشرائطه، أم هي عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع
131

الشرائط الخاصة الوارد على المحل القابل.
إلا أن: الظاهر هو الثاني، لا لما أفاده المحقق النائيني رحمه الله من استناد التذكية إلى المكلف في
الآية الشريفة (1) إلا ما ذكيتم، فإنه يرد عليه، أنه لا شبهة في أنها فعل المكلف سواء، أكانت
عبارة عن المسبب، أو نفس الأفعال الخاصة، غاية الأمر على الأول تكون فعله التسبيبي و
على الثاني تكون فعله المباشري.
بل: لأنه في جملة من النصوص رتبت الحلية على نفس الأفعال، لاحظ خبر زيد الشحام
عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس (2). ونحوه غيره.
أضف إلى ذلك أنه ورد في جملة من النصوص إن ذكاة الجنين ذكاة أمه (3)، ولو كانت
التذكية اسما للمسبب لما صح هذا الاطلاق إذ الحاصل من ذلك الأمر المعنوي على فرض
ثبوته لكل فرد غير ما هو حاصل للآخر قطعا، بخلاف ما إذا كانت اسما للأفعال الخارجية.
وعلى هذا إذا أتى بجميع ما ثبت اعتباره من القيود دون ما شك فيه، فلا محالة يشك في
تحقق التذكية، وفي حلية أكل لحم ذلك الحيوان، فهل يجري هناك الأصل أم لا، والأصول
المتوهم جريانها أربعة.
1 - أصالة عدم التذكية، ونتيجتها عدم الحلية.
2 - أصالة البراءة عن اعتبار ما شك في اعتباره ونتيجتها الحلية.
3 - استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة.
4 - أصالة الحل.
ولكن الأظهر: عدم جريان الأولى - فإن موضوع الحكم أي ما رتب الحلية والطهارة
عليه، ليس هو مجموع الأجزاء والقيود بما هي كذلك، فلا يصح أن يقال أن المجموع لم تكن
متحققة والآن يشك في تحققها فيستصحب العدم، وبعبارة أخرى وصف الاجتماع غير
دخيل في الحكم فلا يجري فيه الاستصحاب، كما أن الدخيل في الموضوع ليس عنوان

(1) المائدة - آية 3.
(2) الوسائل - باب 2 - من أبواب الذبائح حديث 3.
(3) الوسائل - باب 18 - من أبواب الذبح.
132

السببية، إذ مضافا إلى أنه عبارة عن الحكم، لا مثبت لاعتباره، فلا يجري أصالة عدم تحقق
السبب.
بل الموضوع ذوات الأجزاء المجتمعة، وتحقق ما علم اعتباره معلوم، وما شك في
اعتباره مفروض العدم فلا شئ يجري فيه أصل العدم.
كما أن الأظهر عدم جريان الثانية أيضا، فإن سببة المجموع من المعلوم والمشكوك
اعتباره وترتب الحلية والطهارة عليها معلوم لا معنى لأن يرفع بأدلة البراءة، وشرطية ما
شك في اعتباره أو جزئيته، منتزعة من حكم الشارع بسببية الذبح المشتمل عليه، ومن
المعلوم أنه غير مرتفع في الفرض، واثبات حكم الشارع بسببية الفاقد ليس شأن أدلة
البراءة فإنها رافعة للحكم لا مثبتة.
والأظهر أيضا عدم جريان استصحاب الحرمة الثابتة في حال الحياة لعدم جريان
الاستصحاب في الأحكام الكلية، ولتبدل الموضوع، ولعدم ثبوت حرمة الأكل في حال
الحياة إذا لم يعرضه الموت قبل البلع، كما لو بلع سمكا صغيرا، فيتعين الرجوع إلى الرابعة، و
هي أصالة الحل، فإنه بعد الذبح بدون ذلك القيد يشك في حلية أكل اللحم وعدمها فيرجع
إلى أصالة الحل.
فالمتحصل أنه لو شك في اعتبار شئ في الذبح، ولم يدل دليل عليه يبنى على عدم
اعتباره، ولا يبعد ثبوت الاطلاق لجملة من النصوص فيتمسك به أيضا لنفي الاعتبار.
القيود المذكورة في الكتاب والسنة لحلية أكل اللحم:
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم، أن الحدود والقيود الثابت اعتبارها في حلية الذبيحة،
زائدا على القيود المعتبرة في الحيوان نفسه، وبعبارة أخرى القيود المعتبرة في الذبح الشرعي
أمور.
1 - كون الذابح مسلما، واعتبار ذلك هو المعروف بين الأصحاب وقد استوفينا البحث
في ذلك في الجزء الرابع والعشرين من فقه الصادق وأثبتنا عدم اعتباره.
2 - كون الذبح بالحديد مع امكانه، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
133

3 - كون الحيوان مستقبل القبلة حين الذبح، مع الامكان، إلا في صورة النسيان والجهل.
فهل يعتبر أن يكون نحره وبطنه مستقبل القبلة، أم يكفي صدق ذلك ولو كان الحيوان
واقفا ويكون رأسه ومقاديم بدنه إلى القبلة مقتضى اطلاق النصوص هو الثاني، لاحظ،
حسن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام عن الذبيحة فقال استقبل بذبيحتك القبلة (1). و
نحوه غيره.
4 - التسمية من الذابح، ويشهد به الآيات القرآنية، قال الله تعالى " ولا تأكلوا مما لم
يذكر اسم الله عليه " (2)، وغير ذلك من الآيات والنصوص ولا خلاف فيه فتوى.
فهل تكفي تسمية واحدة لذبح حيوانات متعددة، أم لا، والحق هو التفصيل بين كون
الذبح تدريجيا، وبين كونه دفعيا فإن كان تدريجيا لم يكف فإنه حين ذبح الثاني لم يسم، و
التسمية الأولى منفصلة عن هذا الذبح وقد أمرنا بالتسمية عند الذبح، وإن كان دفعيا كفت
الواحدة فإن مقتضى اطلاق الآيات القرآنية المتقدم بعضها وما شاكلها من النصوص، هو
الاكتفاء في الحل بذكر اسم الله على الذبيحة، وفي الفرض يصدق أنه ذكر اسم الله على
الذبائح، واعتبار ذكر اسم الله خاص لكل ذبيحة، لم يدل دليل عليه، وقد أفتى الفقهاء بأنه
إذا أرسل الصائد كلبا معلما أو رمى سهما، وذكر اسم الله فصاد الكلب صيدا آخر أو أصاب
السهم حيوانا آخر حلا معا، مع أن المفروض أنه لم يسم إلا واحدة، وبالجملة المستفاد من
الأدلة اعتبار كون الذابح مسميا ولذا لو كان متعددا يعتبر تسميتهما معا، كما لو كان مرسل
الكلب للصيد متعددا، وهذا العنوان يصدق في المقام.
5 - فري الأوداج الأربعة: الحلقوم، وهو مجرى النفس، والمرئ وهو مجرى الطعام
والشراب ومحله تحت الحلقوم، والودجان وهما عرقان كبيران أمام العنق في طرفيه محيطان
بالحلقوم والمرئ ويشهد به حسن عبد الرحمن، عن أبي إبراهيم عليه السلام، إذا فرى الأوداج فلا
بأس بذلك (3).

(1) الوسائل - باب 14 - من أبواب الذبائح حديث 1.
(2) الانعام - آية 121.
(3) الوسائل - باب 2 - من أبواب الذبائح حديث 1.
134

وما في جملة من النصوص، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس (1) إما أن يحمل على ما
ذكره المقداد من أن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض فإذا قطع الحلقوم فلا بد أن
ينقطع الباقي معه، أو يقال، إنها في مقام بيان أحكام أخر فلا تدل على كفاية قطع الحلقوم
خاصة، وعلى فرض تسليم التعارض يقدم الطائفة الأولى للشهرة.
ولكل من هذه القيود قيود، كالتتابع في الذبح، وكون شئ من الأوداج الأربعة على
الرأس، وما شاكل، مذكورة في محالها مفروض التحقق في المقام.
لا يعتبر عدم إبانة الرأس:
وهناك أمور أخر، ذهب جماعة إلى اعتبارها، لا بد لنا من التعرض لها.
منها: عدم إبانة الرأس قبل أن تبرد الذبيحة، وقد حكى ذلك عن صريح النهاية وابن
زهرة، وظاهر ابن حمزة، والإسكافي، والقاضي.
وعن: جماعة آخرين حرمة الإبانة وعدم محرميتها للذبيحة، منهم العلامة في المختلف و
الشهيدان وغيرهم.
والمشهور: بين الأصحاب هو الكراهة، في الخلاف دعوى الاجماع عليها وهي الأظهر
إذ يشهد للجواز مضافا إلى الأصل واطلاق الأدلة، كقوله تعالى فكلوا مما ذكر اسم الله
عليه (2)، وقوله تعالى " وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم
عليكم " (3) وغيرهما.
صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه
قال عليه السلام نعم ولكن لا يتعمد قطع رأسه (4). وخبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن

(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب الذبائح.
(2) الانعام - آية 118.
(3) الانعام آية 119.
(4) الوسائل - باب 9 - من أبواب الذبائح حديث 5.
135

الإمام علي عليه السلام إذا أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها (1).
ويؤيده النصوص المتضمنة، إنها ذكاة وحية (2) أي سريعة.
واستدل للقول الثاني بصحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام عن الرجل يذبح ولا
يسمي قال عليه السلام إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ولا ينخع ولا
يقطع الرقبة بعدما يذبح (3) ونحوه خبر الحلبي (4).
وبصحيح: الحلبي المتقدم آنفا ولكن لا يتعمد قطع رأسه ونحوه خبر علي بن جعفر (5).
وبالموثق: عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس فقال
الذكاة الوحية لا بأس بأكله ما لم يتعمد ذلك (6).
ولكن يرد على الأولين إنه يحتمل أن تكون لا نافية لا ناهية فغايتهما حينئذ ثبوت
البأس الذي هو أعم من الحرمة، مع أن موردهما خصوص صورة نسيان التسمية.
وبه يظهر ما في الاستدلال بالموثق.
وأما: صحيح الحلبي، وخبر علي بن جعفر، فيحملان على الكراهة لكونها المشهورة بين
الأصحاب.
واستدل للأول: بأن، الذبح المشروع هو المشتمل على قطع الأربعة خاصة فالزايد عليها
يخرج عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا.
وفيه: أنه لا يعتمد عليه في مقابل ما تقدم من الأدلة مع: أن لازمه حرمة الزيادة وإن لم
تكن إبانة ولا قائل بها.

(1) الوسائل - باب 9 - من أبواب الذبائح حديث 6.
(2) الوسائل - باب 9 - من أبواب الذبائح.
(3) الوسائل - باب 51 - من أبواب الذبائح حديث 2.
(4) الوسائل - باب 51 - من أبواب الذبائح حديث 3.
(5) الوسائل - باب 9 - من أبواب الذبائح حديث 7 - 3.
(6) الوسائل - باب 9 - من أبواب الذبائح حديث 3.
136

لا يعتبر عدم الذبح من القفا:
ومنها: أن لا يذبح من القفا، ذهب إليه جماعة.
واستدل له: بأنه مستلزم لا بانة الرأس وهي توجب الحرمة، وقد مر ما فيه.
وبأنه: يعتبر استقرار الحياة للذبيحة قبل أن تذبح بفري الأوداج، كما ذهب إليه الشيخ
وجماعة.
ووجه: اعتباره أن ما لا يستقر حياته قد صار بمنزلة الميت، مع أن استناد موته إلى
الذبح ليس أولى من استناده إلى السبب الموجب لعدم الاستقرار، بل السابق أولى فصار
كان هلاكه بذلك السبب فيكون ميتة، وعليه فإذا ذبح من القفا فحين ما تصل آلة الذبح إلى
الأوداج لا يكون للحيوان حياة مستقرة، فإن الحياة المستقرة فسرت بأن لا تكون مشرفة
على الموت بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو الأيام، والمذبوح من القفا الباقية أوداجه
من مصاديق ذلك.
ولكن: الحق تبعا لأكثر القدماء والمتأخرين عدم اعتبار استقرار الحياة بل عن الشيخ
يحيى بن سعيد، إن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب، بل المعتر أصل الحياة
المستكشفة بالحركة بعد الذبح ولو كانت جزئية يسيرة أو خروج الدم المعتدل.
والوجه: في عدم اعتبار استقرار الحياة، استثناء إلا ما ذكيتم من النطيحة وهي التي
تنتطحها بهيمة فتموت، والمتردية، وهي التي تتردى من سطح أو تسقط في بئر أو هوة
فتموت وما أكل السبع، في الآية (1) الشريفة المفسرة.
في صحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام كل كل شئ من الحيوان غير الخنزير والنطيحة
والمتردية وما أكل السبع وهو قول الله عز وجل إلا ما ذكيتم فإن أدركت شيئا منها وعينه
تطرف، أو قائمة تركض، أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله الحديث (2).
وجملة من النصوص.

(1) المائدة - آية 3.
(2) الوسائل - باب 11 - من أبواب الذبائح حديث 1.
137

كصحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام، إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الإذن فهو ذكي (1).
وخبر عبد الرحمن عن الإمام الصادق عليه السلام في كتاب علي عليه السلام إذا طرفت العين أو ركضت
الرجل أو تحرك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته (2).
وخبر أبان بن تغلب عنه عليه السلام إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرك
ذنبها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك (3).
وخبر زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث وإن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت
في النار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذبح فكل (4)، والنصوص الكثيرة
الواردة في أن الموقوذة والمتردية والمنخنقة وما أكل السبع إذا أدركت حيا وذكيت يحل
أكلها (5) وغير ذلك من الروايات.
وأما الاكتفاء بأحد الأمرين من الحركة وخروج الدم فبيانه موكول إلى محله.
فالمتحصل: عدم اعتبار استقرار الحياة، بل المعتبر أصل الحياة، وعليه فالذبح من القفا
لا اشكال فيه، إن كان الحيوان حيا قبل أن يفرى الأوداج ومات بعد تمامية الفري.
وهناك أمور أخر قيل باعتبارها لعدم ارتباطها بمسألتنا هذه نوكل تنقيح القول فيها إلى
محله.
تطبيق الذبح الشرعي على ما هو محل الكلام:
إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أنه في الفرض إذا فرضنا أن الذابح مسلم، وآلة الذبح من
الحديد ويسمي الذابح حين ما يذبح، ويقطع الأوداج الأربعة، فيمكن القول بحلية الذبايح
بل الظاهر ذلك، فإن توهم عدم الحلية إنما يكون لأحد هذه الأمور.

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب الذبائح حديث 1.
(2) الوسائل - باب 11 - من أبواب الذبائح حديث 6.
(3) الوسائل - باب 11 - من أبواب الذبائح حديث 5.
(4) الوسائل - باب 13 - من أبواب الذبائح حديث 1.
(5) الوسائل - باب 19 - من أبواب الذبائح.
138

1 - إن الذبيحة لا تكون مستقبلة للقبلة لعدم كون منحرها وبطنها إليها.
2 - يبان رأسها بهذا الذبح.
3 - تذبح من القفا ولا حياة مستقرة لها قبل فري الأوداج وبعد الذبح من القفا.
4 - إن الذابح يسمي واحدة للذبائح المتعددة.
وشئ من ذلك لا يوجب الحرمة.
أما الأول: فلما عرفت من أن مقتضى إطلاق النصوص كفاية الاستقبال بالذبيحة بأي
نحو كان في الحلية، ولا تعتبر كيفية خاصة، ولو أوقف الحيوان إلى القبلة بأن كان رأسه إليها
يصدق أنه مستقبل للقبلة، كما في الانسان في حال الركوع والسجود، والإبل في حال النحر
إذا كانت قائمة.
وأما الثاني: فلما تقدم من عدم اعتبار عدم إبانة الرأس في حلية الذبيحة: إذ غاية ما
هناك حرمة الإبانة نفسها لا حرمة الذبيحة بسببها - مع - أنها أيضا غير ثابتة بل تكره
الإبانة.
وأما الثالث: فلما تقدم من عدم اعتبار استقرار الحياة وكفاية أصل الحياة وإن الذبح
من القفا لا يوجب حرمة الذبيحة.
وأما الرابع: فلما تقدم من كفاية البسملة الواحدة للذبائح المتعددة إذا ذبحت دفعة
فالمتحصل حلية هذه الذبائح.
وأولى: بالحلية من ذلك ما لو كان المذبوح واحدا، أو فرضنا أنه أنيم مستقبل القبلة، فإن
بعض الموانع المتوهمة لا يجري فيهما كما لا يخفى.
قد وقع الفراغ من جمع هذه المسائل ليلة السادس والعشرين من شهر رمضان سنة
1384 والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.
139

تحديد النسل وتنظيمه
نعمة الأولاد أصبحت خطرا - بيان المشكلة -
رأى الكنيسة في دفعها - تحرير محل النزاع -
طرق تحديد النسل - الأشياء كلها على
الإباحة حتى يثبت الحرمة - تكثير الأولاد في
نفسه مطلوب شرعي - حكم تنظيم النسل -
تحديد النسل من حيث هو ليس بحرام - حكم
اسقاط الحمل - حكم العزل من حيث الإباحة
والمنع - ومن حيث ثبوت الدية - تأخير
الازدواج - كف النفس عن المجامعة - سائر
الطرق.
141

نعمة الأولاد أصبحت خطرا:
من المشاكل الأخيرة التي أشغل العلماء والمسؤولين في معظم بلدان العالم مشكلة
تضاعف السكان بعد أن قضى العلم على الأمراض التي تميت الناس في طور الطفولية و
انحصر نطاق الحروب، وما ينشأ منه من الارتباك للدولة في تأمين عمل لعدد وفير تعجز
مرافقها الإدارية والاقتصادية والتجارية عن استيعابه - وبالأخص الدول التي هي بعيدة
عن التصنيع أو في المرحلة الأولى من مراحل التصنيع.
فإن سكان العالم في تزايد رهيب مستمر وحسب التقريرات العلمية يبلغ سكان العالم
ما يقرب من 6 مليارات نسمة أواخر القرن الحاضر ويعلق الفيلسوف (بر تراند راسل) على
هذه المشكلة بقوله:
إن عدد سكان الأرض في الخمسة والعشرين عاما القادمة سيبلغ 5 / 3 مليارد نسمة و
ذلك يتطلب تفكيرا جديا لأنه يبدو لنا الأمر بسيطا بادئ الأمر لكنه لا يلبث أن يتحول
إلى مشكلة عويصة لا يمكن التهرب منها بأي شكل كان وذلك يعني تحويلا تاما في تطور
البشرية، وثمة تفسير لذلك هو أنه بعد خمسة وعشرين عاما ستنقلب المشاكل الاقتصادية
والاجتماعية وكل ما يترتب عليها رأسا على عقب.
وعلى الجملة، هذه المشكلة، الآن حديث الأوساط العلمية ولذلك اضطروا إلى اتخاذ
143

طريق لتحديد النسل.
وغرضنا الآن تنقيح القول فيه من الناحية الفقهية.
وقد منعت الكنيسة الكاثوليكية منعا باتا كل الوسائل التي تستخدم لتحديد النسل
لكنها في الوقت نفسه تعترف بالوسائل التي تخول للزوجين التفادي عن الحمل قصدا.
وهذا يعني أن الكنيسة تسمح بممارسة الوسيلة الطبيعية فقط وهي التحكم بالأعصاب.
فلا بد لنا من بيان موقف الشريعة المقدسة الاسلامية الخالدة التي صرح صادعها
الأقدس بأنه قد بين حكم كل موضوع.
تحرير محل النزاع:
وتنقيح القول في ذلك، إن في المقام عنوانين - تنظيم النسل - وتحديده.
أما تنظيم النسل: فهو عبارة عن تنظيمه بالنسبة إلى النساء اللاتي يسرع إليهن الحمل، و
ذوي الأمراض المنتقلة، والأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسؤوليات
الكثيرة مع عدم من يقويهم على احتمال هذه المسؤوليات وهذا تنظيم فردي، والبحث فيه
ليس وليد الأيام المتأخرة.
وأما تحديد النسل: فله فردان - التحديد الفردي - والتحديد النوعي والأول واضح، و
الثاني عبارة عن اصدار قانون عام يلزم الأمة كلها أن تقف بالنسل عند حد معين، ومورد
النزاع أخيرا هو ذلك.
طرق تحديد النسل وتنظيمه:
قبل بيان موقف الشريعة المقدسة لا بد من بيان طرق التحديد وقد ذكروا في مقام علاج
المشكلة التي أشرنا إليها أنه لا بد من تحديد النسل بأحد الطرق الآتية.
1 - اسقاط الحمل، وهذه الطريقة شايعة في بعض الممالك وهو عبارة عن طرح المرأة ما
حملته من الحمل بشرب الدواء أو بغير ذلك من الأنحاء.
144

2 - العزل: بأن يعزل الرجل عن زوجته ويفرغ المني خارج الفرج بعد المجامعة، ويلحق
به ما شاع في هذا الزمان من استعمال وعاء بلاستيكي خاص يمنع من افراغ المني في الفرج.
3 - تأخير الازدواج إلى أن تصير النساء مسنات: وهذه الطريقة شايعة في الصين.
4 - كف النفس عن المجامعة.
5 - استعمال الأقراص الخاصة ضد الحمل على برنامج مخصوص: وهذه منتشرة في جميع
أنحاء العالم -
6 - الطريقة الشهيرة للعالم (أوجينو) التي تشمل حسابات خاصة تحدد فيها وقت
الخصب عند المرأة، وبذلك يمكن تفادي الاجتماع بالزوجة في تلك الفترة، وهذا يتطلب
بعض التحكم في أعصاب الزوج.
ويفهم من طريقته أنه يجب تقدير موعد الدورة الشهرية التالية ثم العد بطريقة عكسية،
وبذلك يكون ما بين اليوم الثاني عشر والسادس عشر هي الأيام التي تكثر فيها الخصوبة
عند المرأة وتصبح على استعداد لحدوث حالة الحمل.
7 - طريقة أمريكية: وهي عبارة عن بعض الأجسام الصغيرة ذات اشكال غريبة مثل
مستدير أو على شكل عقدة توضع داخل الرحم فتمنع الحمل.
وهذه الطريقة ليست وليدة الأيام المتأخرة بل هي شايعة منذ عهد (أرسطو طاليس)
الذي كان يروي كيف كان الجمالون يضعون أجساما غريبة في رحم الناقة كي لا تحمل.
لكن هذه الطريقة فشلت عندما طبقت على الانسان.
وكان أول طبيب نجح في تجربة مماثلة هو طبيب ألماني الأصل ابتكر حلقات خاصة من
الحرير تطورت فيما بعد وأصبحت تصنع من الفضة.
وحيث إنهم وجدوا إن مضار هذه الطريقة أكثر من فوائدها تركوها.
وبعد فترة من الزمن جدد أحد المكتشفين اليابانيين طريقة أسلافه فوجد أنها تنجح، و
في الامكان ترك هذه الأدوات التي توضع في الرحم لمدة عشرين عاما دون أن تأتي بأي
تأثير على مستعملها، وكللت التجربة بالنجاح الكامل وأجريت دراسات من هذا النوع
على تسعة عشر ألف امرأة واستولى الأمريكيون بعد ذلك على هذه الطريقة وأدخلوا
145

عليها بعض التحسينات الخاصة وفي النهاية وجدوا أنه قلما تتم ولادة خطأ، وهذا يعني أن
النجاح كان حليفهم، كما وأنهم وجدوا أنه باستعمال هذه الطريقة قلما يصاب الأطفال
بتشويه أو بعاقبة خطرة ولا يدخل الرحم أي تركيب كيمياوي، ويمكن حدوث الحمل بعد
سحب الجسم الخاص من الرحم بشهرين.
هذه هي عمدة الطرق لتحديد النسل وتنظيمه الشايعة، ولعله تكون طرق أخر لكنه
يعلم حكمها مما نذكره في هذه.
الأشياء كلها محكومة بالإباحة حتى يثبت الحرمة:
وقبل بيان حكم كل طريق من هذه الطرق لا بد وأن يظهر أمران:
الأول: أن الشارع الأقدس حكم حكما عاما بإباحة كل عمل إلا ما خرج أي، أنه صلى الله عليه وآله وسلم
بين كل ما هو ممنوع عنه وحكم بإباحة ما سوى ذلك، فكل ما لم يرد منع فيه محكوم
بالإباحة والرخصة:
بل حكم بإباحة ما لم يعلم أنه ممنوع عنه.
ويدل على الأول - جملة من الآيات.
1 - قوله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (1) فإن بعث الرسل بحسب
الارتكاز والفهم العرفي كناية عن البيان.
فمفاد الآية الشريفة عدم العقاب والمؤاخذة على مخالفة التكليف ما لم يبين وبالملازمة
العرفية تدل على عدم التكليف وكون ذلك الفعل مرخصا فيه.
2 - قوله تعالى " لا يكلف نفسا إلا ما آتاها " (2) وتقريب الاستدلال به أن المراد
بالموصول هو الحكم فيكون الايتاء المستند إليه تعالى بمعنى اعلامه فمفاده أن الله تعالى لا
يوقع العباد في كلفة حكم لم يبينه وسكت عنه.

(1) الاسراء - آية 15.
(2) الطلاق - الآية 7.
146

3 - قوله تعالى - مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ملقنا إياه طريق الرد على الكفار حيث حرموا على
أنفسهم أشياء " قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو
دما مسفوحا " (1) حيث أنه عز وجل أبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرموه فيما أوحى الله
تعالى، فلو لم يكن عدم وجوده كافيا في الحكم بالإباحة وعدم الحرمة لما صح الاستدلال.
4 - قوله عز وجل " وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم
عليكم " (2) وتقريب الاستدلال به على ما سبق.
ويدل عليه من السنة أخبار كثيرة.
كخبر حمزة بن الطيار عن الإمام الصادق عليه السلام إن الله يحتج على العباد بما آتاهم و
عرفهم (3).
وخبر أبي الحسن زكريا بن يحيى عنه عليه السلام ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم (4).
وما رواه الصدوق - عن الإمام الصادق عليه السلام - كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي (5) إلى
غير ذلك من النصوص الكثيرة.
ومما يدل على الثاني.
قول صلى الله عليه وآله وسلم رفع عن أمتي تسعة أشياء، وعد منها ما لا يعلمون (6).

(1) الانعام - الآية 145.
(2) الانعام - الآية 119.
(3) الكافي - باب حجج الله على خلقه - من كتاب التوحيد.
(4) الكافي - باب حجج الله على خلقه - من كتاب التوحيد.
(5) الوسائل - باب 19 من أبواب القنوت من كتاب الصلاة حديث 3.
(6) الوسائل - باب 56 - من أبواب جهاد النفس وما يناسبه من كتاب الجهاد واليك نص الحديث كما عن
الخصال عن أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن
عبد الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة أشياء، الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا
عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا اليه الحديث.
147

وتقرب الاستدلال به، إن ما لم يعلم حرمته ولم يقم على حرمته حجة مرفوع عن
الأمة، ومعنى رفعه ليس رفع الحكم الواقعي كي يختص الأحكام بالعالمين، وإلا لزم الخلف
لعدم امكان أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه، أضف إليه النصوص. الدالة على اشتراك
الأحكام بين العالمين والجاهلين.
ولا رفع المؤاخذة، إذ لا حاجة إلى التقدير بعد كون الرفع تشريعا واخراجا للموضوع
عن عالم التشريع.
بل المرفوع هو الحكم في مرحلة الظاهر - أي ايجاب الاحتياط - لا بتقديره، بل من جهة
أن ايجاب الاحتياط إنما يكون من مقتضيات نفس التكليف الواقعي فثبوته إنما يكون نحو
ثبوت للحكم الواقعي، فلهذا يصح في مقام التعبير عن رفعه، أنه رفع الحكم الواقعي في
الظاهر وإذا رفع ذلك ترتب عليه عدم المؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعي، فإن المؤاخذة
كوجوب الطاعة من الأمور الواقعية المترتبة على المجعول الشرعي أعم من الظاهري و
الواقعي، فكما أن عدم الحكم الواقعي مستلزم لعدم العقاب كذلك التعبد بعدمه في الظاهر.
والمراد من لفظة (ما) التي هي من الموصولات وموضوعة لمفهوم جامع بين جميع
الأشياء نظير لفظ (الشئ) هو الجامع بين الحكم والفعل، فيعم الحديث الشبهة الحكمية و
الموضوعية.
فإن قيل إن لازم ذلك هو الجمع بين الاسناد الحقيقي والمجازي، حيث إن اسناد الرفع إلى
الفعل مجازي والمرفوع في الحقيقة حكمه - وإلى الحكم حقيقي.
أجبنا عنه: بأن الرفع بما أنه تشريعي لا تكويني، واخراج الموضوع عن عالم التشريع
ممكن حقيقة فاسناده إلى كل منهما حقيقي.
أضف إلى ذلك: أن الاسناد في مقام الانشاء والاستعمال وإن كان واحدا إلا أنه في
الحقيقة واللب يكون اسنادات عديدة حسب تعدد المصاديق، فلا مانع من كون أحدها
حقيقيا والآخر مجازيا.
فالمتحصل من هذه الجملة من الحديث أن كل ما لم يثبت حرمته في الشريعة محكوم في
الظاهر بالحلية والإباحة ولا يؤاخذ عليه.
148

ويشهد به أيضا: موثق مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام كل شئ هو لك
حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك (1) الحديث.
وتقريب الاستدلال به أنه يدل على إباحة كل ما لم يعلم حرمته، وما في ذيله من
الأمثلة التي هي من قبيل الشبهة الموضوعية، لا يصلح قرينة لرفع اليد عن ظهور الصدر في
العموم: لعدم التنافي، كما أن كلمة بعينه لا تصلح قرينة لذلك فإنها مذكورة في الغاية ولا
تكون شاهدة على أن ما قبل الغاية مقيد بكونه لا بعينه كي يقال أن العناوين الكلية كشرب
التتن، إما أن تكون معلومة الحرمة أو لا تكون، وعلى الأول فهي معلومة بعينها وعلى الثاني
فهي غير معلومة، وأما العلم بكونها محرمة لا بعينها فهو لا يتحقق إلا في موارد العلم
الاجمالي مع كون الشبهة محصورة وظاهر أنه لا يحكم فيها بالحلية، فيختص الحديث
بالشبهة الموضوعية، فإن الشك فيها غالبا يلازم العلم بالحرام لا بعينه، فإن من شك في
حرمة مايع لاحتمال كونه خمرا يعلم غالبا وجود الخمر خارجا المحتمل انطباقه عليه فيكون
الحرام معلوما لا بعينه، ولكن يكون أطرافه غير محصورة فيجوز أن يقال إن ما هو محل
الابتلاء من أطرافه لا يعلم أنه حرام بعينه، فهذه الكلمة قرينة لاختصاص الخبر بالشبهة
الموضوعية.
ويشهد به غير ذلك من النصوص المروية عن المعصومين عليه السلام، وتنقيح القول في هذه
المسألة موكول إلى محله في الأصول، وإنما الغرض هنا الإشارة الاجمالية إلى القاعدة الكلية
المستفادة من الكتاب والسنة.
وعليه: فإذا لم يثبت حرمة طريق من طرق تحديد النسل يبنى على حليته وإباحته.
الاستيلاد وتكثير الأولاد مطلوب شرعا:
الأمر الثاني: إن التناسل والتوالد، وتكثير الولد مطلوب شرعا وقد حث عليه في
الكتاب والسنة.

(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 4.
149

أما الكتاب فقوله تعالى " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " (1).
وقوله تعالى، في مقام الامتنان على عباده " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل
لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات " (2).
وأما النصوص الصادرة عن المعصومين عليهم السلام فلها السنة مختلفة كخبر محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أكثروا الولد أكاثر بكم الأمم غدا (3).
وخبر يونس بن يعقوب عن رجل عن أبي الحسن عليه السلام قال سمعته يقول سعد امرء لم يمت
حتى يرى خلفا من نفسه (4).
وخبر الصدوق قال أبو الحسن عليه السلام أن الله إذا أراد بعبد خيرا لم يمته حتى يريه الخلف (5).
قال وروى أن من مات بلا خلف فكان لم يكن في الناس ومن مات وله خلف فكأنه لم
يمت (6).
وخبر سدير عن أبي جعفر عليه السلام من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبهه و
خلقه وشمائله (7).
وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام من سعادة الرجل الولد الصالح (8).
وخبر بكر بن صالح قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام إني اجتنبت طلب الولد منذ خمس
سنين وذلك أن أهلي كرهت ذلك وقالت إنه يشتد على تربيتهم لقلة الشئ فما ترى؟
فكتب عليه السلام إلي اطلب الولد فإن الله يرزقهم (9).

(1) الكهف - الآية 46.
(2) النحل - الآية 72.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب احكام الأولاد - من كتاب النكاح حديث 8.
(4) الوسائل - باب 1 - من أبواب احكام الأولاد - حديث 9.
(5) الوسائل - باب 1 - من أبواب احكام الأولاد - حديث 10.
(6) الوسائل - باب 1 - من أبواب احكام الأولاد - حديث 11.
(7) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
(8) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
(9) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
150

وخبر عيسى بن صبيح، قال دخل العسكري علينا الحبس وكنت به عارفا فقال لي لك
خمس وستون سنة وشهر ويومان وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي وإني نظرت
فيه فكان كما قال ثم قال هل رزقت من ولد قلت لا قال اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا
فنعم العضد الولد ثم قال من كان ذا ولد يدرك ظلامته، إن الذليل ليس له ولد (1)، الحديث.
وخبر السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم الولد البنات ملطفات
مجهزات مؤنسات مباركات مقليات (2).
وخبر أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام: البنات حسنات، والبنون نعمة (3) إلى غير ذلك
من الأخبار. وقد عقد لها في الوسائل أبوابا، في كل باب روايات.
1 - باب استحباب الاستيلاد وتكثير الأولاد.
2 - باب استحباب اكرام الولد الصالح وطلبه وحبه.
3 - باب استحباب طلب الولد مع الفقر والغنى والقوة والضعف.
4 - باب استحباب طلب البنات واكرامهن.
5 - باب كراهة كراهة البنات.
6 - باب تحريم تمني موت البنات.
7 - باب استحباب زيادة الرقة على البنات والشفقة عليهن أكثر من الصبيان.
8 - باب استحباب الدعاء في طلب الولد بالمأثور.
9 - باب استحباب الصلاة والدعاء لمن أراد أن يحبل له.
10 - باب ما يستحب من الاستغفار والتسبيح لمن يريد الولد:
11 - باب استحباب رفع الصوت بالأذان في المنزل لطلب كثرة الولد.
12 - باب ما يستحب قراءته عند الجماع لطلب الولد.
13 - باب استحباب اختيار الولود للتزويج وإن لم تكن حسناء.

(1) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
(2) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
(3) الوسائل - أبواب احكام الأولاد - المشار إليها في المتن.
151

هذا كله مضافا إلى ما في الأبواب المتفرقة، وعليه، فلا شك في أنه مطلوب شرعي في
نفسه بل هو السبب لبقاء أبناء آدم.
إنما الكلام، في أن زيادة ذلك يترتب عليها الآن محذور اجتماعي كما مر، فهل يجوز
التحديد أم لا.
حكم تنظيم النسل:
أما تنظيم النسل بالمعنى المتقدم، فلا ريب في جوازه بل مطلوبيته، بل ربما يصل إلى حد
اللزوم، وقد حدد القرآن الكريم مدة الرضاع بحولين كاملين، وحذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن
يرضع الطفل من لبن الحامل، ومقتضى ذلك إباحة وقف الحمل مدة الرضاع.
وأيضا لا كلام في أن صيانة النسل من الضعف والهزال، وحفظه من الأمراض مطلوبة
للشارع.
وقد علل الفقهاء ثبوت حق الفسخ لعقد إجارة المرضع إذا تبين أن بها حمل، بأن لبن
الحبلى يضر بالصغير، وإن الارضاع يضرها أيضا، وعللوا تحريم الزواج من المحارم، بأنه
يورث ضعف الولد في الخلق والخلق وقالوا: اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها صياع.
وعلل في الروايات، استحباب اختيار ذات العقل بأن الحمقاء يتعدى حمقها إلى ولدها.
إلى غير ذلك من الأخبار والكلمات.
كما أن حفظ المرأة نفسها من ضعف الأعصاب والأمراض الأخر مطلوب شرعا بل
لازم، ومقتضى ذلك كله مطلوبية تنظيم النسل.
وعلى الجملة: إن الشارع الأقدس حين ما يحث على تكثير النسل ويباهي بالكثرة،
يحث على وجه العموم، ونتيجة ذلك أن الشريعة المقدسة تطلب كثرة قوية وتلتمس
الأيدي العاملة في الحياة واتساع العمران والسبيل إلى حصول تلك الكثرة القوية، العمل
على تنظيم النسل تنظيما يحفظ له نشاطه وللأمة كثرته ونمائه.
وهو، إنما يكون بمنع الحمل بين الزوجين إذا كان بهما أو بأحدهما داء من شأنه أن يتعدى
إلى النسل والذرية.
152

ومنع الحمل موقتا لتتمكن الأم من ارضاع الطفل ارضاعا كاملا نقيا.
وهل خوف الوقوع في الحرج بسبب عدم القدرة على تربية أولاده والعناية بهم، و
خوف ضعف أعصابه عن تحمل واجباتهم ومتاعبهم من علل مطلوبية منع الحمل أم لا؟
وجهان.
حكم تحديد النسل:
وأما تحديد النسل، فقد عرفت أنه فردي ونوعي، وللنوعي منه معنيان أحدهما،
توقيف النسل إلى حد معين، ثانيهما منع الحمل فترة من الزمن.
أما التحديد النوعي للنسل، فلا كلام، في أنه بمعنى توقيف نسل الأمة إلى حد معين،
المؤدي إلى الانقراض بعد حين حرام شرعا.
وأما بمعنى منع الحمل فترة من الزمن، والتحديد الفردي، فمن حيث هو لا دليل على
حرمته، ومقتضى القاعدة المتقدمة في الأمر الأول المستفادة من الكتاب والسنة هو الجواز.
وقد استدل للحرمة بوجوه:
الأول: إن الولد كما يكون حقا للوالدين يكون للأمة أيضا بل حق الأمة في الولد أقوى
من حق الوالدين، لا سيما في هذا العصر، عصر التنافس بين الأمم في الكثرة والقوة، و
التحديد مناف لذلك فلا يجوز.
وفيه: أن كون هذا الحق لزوميا أول الكلام، ولا دليل عليه.
مع: أنه قد عرفت إن محل الكلام ما إذا ترتب محذور نوعي اجتماعي على تكثير النسل و
هو بهذا العنوان مرغوب عنه شرعا كما لا يخفى.
الثاني: إن الكتاب والسنة حاثتان على تكثير النسل كما تقدم، والتحديد والتقليل
ينافيهما.
وفيه: أنهما لا تدلان على لزوم ذلك كما عرفت.
مع أنه إذا لزم منه اختلال النظام كما هو المفروض لا ريب في عدم الوجوب.
الثالث: إن جماعة من الفقهاء منهم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح والتصانيف
153

العديدة، وابن حزم الأندلسي ذهبوا إلى تحريم منع الولد مطلقا فإن فيه صرف السيل عن
واديه مع حاجة الطبيعة إليه واستعدادها للانبات والأثمار لما ينفع الناس ويعمر الكون.
وفيه: أن هذا التعليل بنفسه لا يوجب الحرمة غايته الكراهة مع عدم انطباق عنوان
ثانوي مطلوب كحفظ النظام عليه.
فالمتحصل: من مجموع ما ذكرناه، جواز تحديد النسل وتنظيمه، من حيث أنفسهما بل
ربما يكونان راجحين بل واجبين في بعض الأحيان.
نعم تحديد النسل النوعي، بمعنى توقيف نسل الأمة إلى حد معين حرام كما مر.
حكم اسقاط الحمل:
إذا عرفت ما ذكرناه يقع الكلام في حكم طرق تحديد النسل.
أما الطريقة الأولى، وهي اسقاط الحمل، فقد اتفقت الأمة على أنه بعد نفخ الروح فيه
حرام لا يحل لأحد أن يفعله لأنه جناية على الحي -
كما أنهم اتفقوا على حرمته إذا أوجب هلاك الأم -
ويشهد لحرمته، ما دل على حرمة القاء النفس في الهلكة، ووجوب حفظ النفس
المحترمة من الآيات والروايات الواردة بالسنة مختلفة.
إنما: الكلام في اسقاط الحمل قبل نفخ الروح فيه وعدم الاضرار بالأم. والذي أختاره
إن اسقاط الحمل فيه الدية، تدفع إلى من يرث المال منه لو كان حيا، وحرام.
أما ثبوت الدية: وهي عشرون دينارا (1)، إذا كان نطفة، وأربعون، إذا كان علقة، وستون،
إذا كان مضغة، وثمانون، إذا كان عظما، ومائة، إذا كسي اللحم، ودية كاملة، وهي ألف دينار
إذا كان ذكرا، وخمسمائة إذا كان أنثى، إذا كان ولج فيه الروح، كما هو المشهور بين الأصحاب،
وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه

(1) الدينار مثقال شرعي من الذهب وهو ثلاثة أرباع الصيرفي فيكون العشرون دينارا خمسة عشر مثقالا
صيرفيا.
154

فيشهد به نصوص كثيرة.
كالصحيح، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال جعل دية الجنين مائة دينار وجعل مني الرجل إلى
أن يكون جنينا خمسة أجزاء، فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار، وذلك أن الله
عز وجل خلق الانسان من سلالة وهي النطفة، فهذا جزء، ثم علقة، فهو جزآن، ثم مضغة،
فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظما فهو أربعة أجزاء، ثم يكسي لحما فحينئذ تم جنينا، فكملت له خمسة
أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا و
للعلقة خمسي المائة أربعين دينارا وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا وللعظم أربعة
أخماس المائة ثمانين دينارا، فإذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة فإذا نشأ فيه خلق آخر و
هو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكرا وإن كان أنثى فخمسمائة دينارا (1)
الحديث ونحوه غيره.
وعن العماني القول بثبوت الدية الكاملة فيه وإن لم يلج فيه الروح.
واستدل له بصحيح، أبي عبيدة عن الإمام الصادق عليه السلام في امرأة شربت دواء وهي
حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها، قال إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشق له السمع
والبصر فإن عليها دية تسلمها إلى أبيه (2) الحديث ونحوه صحيح ابن مسلم (3).
وفيه: أنه يمكن حملهما على إرادة الدية الكاملة للجنين وهي المائة دينارا أو يقيدان بما
إذا ولج فيه الروح، ويتعين ذلك للنصوص المتقدم بعضها.
وهناك خلافات أخر منشأها اختلاف النصوص ولعدم ارتباطها بما هو مجل البحث فعلا
الاغماض عن التعرض لها أولى.
ويشهد لحرمته التكليفية.
مضافا إلى ما تقدم، وإلى ما يشعر به من جعل الدية.
خبر إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن عليه السلام المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي

(1) الوسائل - باب 19 من أبواب ديات الأعضاء - من كتاب الديات حديث 1.
(2) الوسائل - باب 20 - من أبواب ديات الأعضاء - من كتاب الديات حديث 1.
(3) الوسائل - باب 19 من أبواب ديات الأعضاء - حديث 4.
155

ما في بطنها قال لا، فقلت إنما هو نطفة، فقال عليه السلام إن أول ما يخلق نطفة (1).
فالمتحصل إن اسقاط الحمل حرام، وفيه الدية.
حكم العزل:
وأما الطريقة الثانية، وهي العزل.
فلا كلام نصا وفتوى في جوازه، في غير الحرة الدائمية، وفيها مع إجازتها كما يشهد به
النصوص الآتية، إنما الكلام فيه في موردين:
1 - في جوازه تكليفا في الحرة بدون إذنها.
2 - في ثبوت الدية فيه.
أما الأول: فالمشهور بين الأصحاب الكراهة، وعن الشيخين في المقنعة والخلاف و
المبسوط وجماعة أنه محرم، واستدل للحرمة بوجوه:
1 - النبويات العاميان، في أحدهما، أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، وفي
الآخر أنه الوأد الخفي أي قتل الولد (2).
وبهما، يقيد اطلاق نصوص الجواز، كخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن العزل
فقال ذاك إلى الرجل يصرف حيث شاء (3).
وخبر عبد الرحمن عنه عليه السلام عن العزل فقال عليه السلام ذاك إلى الرجل (4). ونحوهما غيرهما.
2 - إن فيه فواتا للغرض من النكاح وهو الاستيلاد.
3 - إنه يجب فيه الدية وثبوتها يقتضي الحرمة.
5 - خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام أنه سئل عن العزل فقال عليه السلام أما الأمة فلا بأس،

(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب القصاص في النفس - من كتاب الديات حديث 1.
(2) التذكرة ج 2 ص 576.
(3) الوسائل - باب 75 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 1.
(4) الوسائل - باب 75 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 2.
156

فأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها (1). وفي خبره الآخر، إلا أن
ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها (2).
6 - مفهوم خبر الجعفي قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول لا بأس بالعزل في ستة وجوه، المرأة
التي تيقنت أنها لا تلد، والمسنة، والمرأة السليطة، والبذية، والمرأة التي لا ترضع ولدها، و
الأمة (3).
وفي الجميع نظر
أما الأول: فلأنهما ضعيفان سندا، مع، أن خبري محمد، وعبد الرحمن، كالصريحين في
الجواز بلا رضاها، فإن قوله ذاك إلى الرجل كالصريح في ذلك فيحملان على الكراهة.
وأما الثاني: فلأن الغرض من النكاح ليس واجب التحصيل.
وأما الثالث: فلأنه لا يجب كل ما يوجب التذاذ المرأة، مع أنه إنما يكون بانزالها لا
بالانزال فيها.
وأما الرابع: فلأن ثبوت الدية أعم من الحرمة، مع أنها غير ثابتة كما ستعرف.
وأما الخامس: فلأن الكراهة أعم من الحرمة، مع أن جملة من النصوص كما عرفت
صريحة في الجواز حتى مع عدم الرضا والإذن والشرط، فيحمل على الكراهة المصطلحة.
وأما السادس: فمضافا إلى أنه من قبيل مفهوم الوصف ولا نقول به إنه لو سلم دلالته
يحمل على الكراهة لما تقدم.
فالأظهر هو جواز العزل تكليفا على كراهية في المورد المفروض.
ويشهد به مضافا إلى الأصل جملة كثيرة من النصوص المتقدم بعضها.

(1) الوسائل - باب 76 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 1.
(2) الوسائل - باب 76 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 2.
(3) الوسائل - باب 76 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 4.
157

لا دية فيه:
وأما الثاني: فعن الشيخ والقاضي وأبي الصلاح وابني حمزة وزهرة والكيدري و
غيرهم، ثبوت الدية فيه ووجوبها.
وعن المعظم كالحلي، والعلامة وثاني المحققين والشهيدين وغيرهم عدم الوجوب و
استدل للأول. بما ادعاه الشيخ رحمه الله من الاجماع على ذلك.
وبالصحيح المروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أفتى في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنه
الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير (1)، الظاهر في كونه في الدية كائنا ما كان
السبب ولا ينافي ذلك اختصاصه بغير المتنازع فيه بعد ظهور أن المنشأ هو التفويت المطلق.
ولكن: يرد على الأول، إنه موهون بمصير المعظم إلى خلافه بل عن نهايته ذلك أيضا.
مع: أنه ليس تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.
ويرد على الثاني عدم كونه ظاهرا فيما ذكر، وقياس الولد بالأجنبي مع الفارق.
مع: أن النصوص المجوزة المصرحة بأنه مائه يضعه حيث يشاء الدالة على أنه لا حق
للمرأة على الرجل في مائه، تعارضه على فرض الدلالة وتقدم عليه، فلا وجه لاستحقاقها
الدية. فالأظهر عدم ثبوت الدية أيضا.
تأخير الزواج:
وأما الطريقة الثالثة وهي تأخير الزواج.
فهو في نفسه مرغوب عنه، إذ لا شك في مطلوبية الزواج من أوائل البلوغ وفي الجواهر -
النكاح مستحب لمن اشتاقت نفسه إليه من الرجال والنساء كتابا وسنة مستفيضة أو
متواترة واجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين أو ضرورة من المذهب بل الدين.
ويشهد به الكتاب والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم

(1) الوسائل - باب 19 من أبواب ديات الأعضاء - من كتاب الديات حديث 1.
158

أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليهم " (1).
لأن أمر الأولياء شرعا أو عرفا والسادات بانكاح الأيامى أي العزاب والترغيب فيه،
ليس إلا من جهة كون النكاح مرغوبا فيه ومطلوبا وراجحا في نفسه.
وقوله تعالى: أن يكونوا فقراء الخ رد لما عسى أن يمنع من النكاح من خوف العيلة بأن
الله يغنيهم من فضله، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله
إن الله عز وجل يقول أن يكونوا إلى آخره (2).
وأما السنة: فنصوص كثيرة:
كخبر الكليني: قال إن الله عز وجل لم يترك شيئا إلا وعلمه نبيه وكان من تعليمه إياه
إلى أن قال، إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس و
نثرته الرياح وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة والألم
يؤمن عليهم الفساد لأنهن بشر الحديث (3).
وخبر محمد بن عيسى عن بعض أصحابه عن الإمام الصادق عليه السلام من سعادة المرء أن لا
تطمث ابنته في بيته (4).
وخبر، الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة تزوجوا فإن
التزويج سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (5).
وصحيح صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجوا وزوجوا (6).
وخبر، محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجوا فإن رسول

(1) النور - آية 32.
(2) الوسائل - باب 10 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 2.
(3) الوسائل - باب 23 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 2.
(4) الوسائل - باب 23 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 1.
(5) الوسائل - باب 1 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 6.
(6) الوسائل - باب 1 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 10.
159

الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج (1).
وخبر، محمد الأصم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رذال موتاكم العزاب (2) و
العزاب بالضم والتشديد الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء.
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة وقد عقد لذلك في
الوسائل أبواب بالسنة مختلفة، فالتسريع في الزواج مطلوب شرعي.
وقد يجب كما إذا ظن الضرر بالترك لوجوب دفع الضرر المظنون.
وقيل عند خوف الوقوع في المحرم بدونه.
فالمتحصل أن هذه الطريقة، غير صحيحة.
كف النفس عن المجامعة:
وأما الطريقة الرابعة: وهي كف النفس عن المجامعة، فهي في نفسها مرغوب عنها شرعا
وقد دلت الآيات والنصوص الكثيرة المتقدمة جملة منها على مطلوبية تلك شرعا، فإن
المأمور به فيها وإن كان هو النكاح والزواج إلا أنها من جهة ما فيها من التعليل بحصول
النسل وتكثير الأمة وابقاء النوع والخلاص من الوحدة وطلب الرزق والولد الصالح
كالصريحة في أن المطلوب الأصلي هو المجامعة.
أضف إلى ذلك، أنه يحرم ترك وطء الزوجة الشابة أكثر من أربعة أشهر كما يشهد به،
خبر، صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة
الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الاضرار بها يكون لهم مصيبة
يكون في ذلك آثما قال إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك (3).
وعلى ذلك فترك المجامعة مرغوب عنه شرعا، وحرام في الجملة

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 14.
(2) الوسائل - باب 2 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 3.
(3) الوسائل - باب 71 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 1.
160

لا يقال إن الله تبارك وتعالى في الآية الشريفة " إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة
من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " (1)، وصف يحيى بكونه حصورا وهذا
يؤذن برجحان هذا الوصف في نفسه.
فإنه: يمكن الجواب عنه بوجوه:
1 - إن المخاطب في الآية هو زكريا في مقام البشارة بالولد وهذا يقتضي حسنه عنده
لا عندنا ولقد نسخ ذلك بالآية المتقدمة.
2 - إنه كان مكلفا بارشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضى لمفارقة الزوجة والسياحة
المنافيتين لرجحان التزويج فلذلك مدحه على تركه، لا لأن ترك التزويج من حيث هو
كذلك مطلوب، ومراد حتى يدل على مرجوحيته.
3 - ما أفاده جمع بقولهم: أن مدحه ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته،
بل على انكسار الشهوة الطبيعية له بغلبة الخوف، واستيلاء الخشية وقهرها بالعبادات و
الرياضيات، ولا ريب في حسن ذلك ومدحه، وإن أدى إلى ترك التزويج المطلوب: فإن
تأدية الشئ إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها
بالحسن وإنما أطلق عليه، لأن وجود الشهوة فيه بمنزلة العدم فكأنه حصور لا شهوة له
أصلا وليس اطلاقه عليه لترك النساء حتى يكون مدحا له على ذلك انتهى.
سائر الطرق:
وأما: سائر الطرق الثلاثة فليس فيها منع شرعي من حيث هي، وإن كانت مرغوبا عنها
من حيث منافاتها للاستيلاد وتكثير الأولاد الذي تقدم أنه مطلوب شرعي، إلا أنه من
جهة انطباق عنوان ثانوي عليه، وهو اختلال النظام الذي لا ريب في أن مفسدته أهم وأكثر
من مصلحة التكثير، لا ينبغي التوقف في رجحانها، بل ربما تكون واجبة، فإن رعاية
مصلحة الاجتماع قد تجب فإذا لزم من ازدياد النسل اختلال النظام لا بد شرعا من تحديده

(1) آل عمران - آية 38.
161

حفظا للنظام، غاية الأمر يكون واجبا كفائيا.
نعم لا بد من رعاية أن لا يوجب ذلك انقطاع النسل، والله العالم.
162

وظيفة ركاب الطائرات
إذا تحركت الطائرة من محلها إلى السماء و
انتهت إلى حد المسافة - إذا سافر الانسان
معها من بلدة زالت الشمس فيها وصلى إلى
بلدة أخرى قبل لزوال - في الفرض إذا لم
يصل الظهر هل يجب عليه صلاة واحدة أم
اثنتان - إذا سافر معها من بلدة قبل غروب
الشمس إلى أخرى لم تغرب فيها أيضا وهكذا
في مدة أربعة وعشرين ساعة - إذا شرع في
الصوم ثم سافر معها إلى بلدة بعيدة لم ير فيها
الهلال - لو أصبح معيدا وسافر معها إلى بلدة
أهلها صائمون - إذا أصبح صائما وسارت به
الطائرة إلى حيث عيدوا.
163

من مستحدثات هذا العصر الطائرات وما شاكل، وغرضنا الآن وظيفة راكبيها من
حيث الصلاة والصيام والكلام فيها في موارد:
1 - إذا تحركت الطائرة من محلها مستقيمة إلى السماء وبعدت عنه بما يزيد عن ثمانية
فراسخ لكنها مسامتة لمحلها، هل الواجب على ركابها الصلاة قصرا، وافطار الصوم، أم
يجب عليهم أن يتموا الصلاة، ولا يجوز افطار الصوم.
2 - إذا سافر الانسان مع الطائرة من بلدة قد زالت الشمس فيها وصلى فيها الظهر، إلى
بلدة أخرى بعيدة عنها، في زمان قصير جدا، فلما وصل إليها لم تكن الشمس زائلة وقد
زالت هل تجب صلاة الظهر ثانيا، أم لا.
3 - في الفرض إذا لم يصل الظهر في البلدة الأولى، هل له أن يكتفي بصلاة ظهر يأتي بها في
البلدة الثانية، أم لا، أو أنه إذا لم يصل في البلدتين هل عليه قضاء ظهرين أو قضاء ظهر
واحد.
4 - إذا سافر معها من بلدة قبل أن تغرب الشمس إلى بلدة أخرى لم تغرب الشمس فيها
وهكذا في مدة أربعة وعشرين ساعة مثلا، هل تجب عليه الصلاة، أم لا.
5 - إذا شرع في الصوم في بلد، ثم سافر إلى بلد بعيد لم ير الهلال فيه، فهل عليه اتمام
الصوم، أم يفطر.
165

6 - إذا أصبح الشخص معيدا وسارت به الطائرة وانتهى إلى بلدة على حد البعد فصادف
أهلها صائمين، فهل يجب إمساك بقية اليوم، أم لا.
7 - لو أصبح الشخص صائما وسارت به الطائرة إلى حيث عيدوا، ما هي وظيفته، و
هناك فروع أخر وشقوق وفروض غير ما ذكرناه، يظهر حكمها مما سنبينه إن شاء الله تعالى.
أما الفرع الأول: فقد يقال أن الظاهر عدم جواز الافطار عليه لو كان صائما وعدم قصر
الصلاة، لاختصاص الأدلة بالسير في الأرض وكون مقصده بعيدا عن مبدأ سيره بمقدار
خاص في الأرض.
والوجه في ذلك، إن الآية الشريفة " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن
تقصروا من الصلاة " (1)، مختصة بذلك ولا تشمل السير في الهواء إلى نقطة مسامتة لمحله في
الأرض.
وأما النصوص المحددة للسفر المسوغ للقصر وللافطار بثمانية فراسخ، أو أربعة مع العود
أو مسيرة يوم، أو ما شاكل ذلك، فإنما هي في مقام بيان حد البعد وليست في مقام بيان أفراد
السير كي يتمسك باطلاقها.
وعليه: فيشك في تقييد اطلاق ما دل على وجوب الصوم على كل أحد ووجوب التمام
عليه فيتمسك به.
ولكن يمكن أن يقال:
أولا: إن الآية الشريفة الدالة على أنه لا صوم على المسافر وعليه عدة أيام أخر " يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما
معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. " (2)
مطلقة: ومقتضي اطلاقها، تعين الافطار على كل مسافر وهناك نصوص كثيرة بهذا
المضمون.
كخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله

(1) النساء - آية 101.
(2) البقرة - آية 182 و 183.
166

عز وجل أهدى إلي وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله تعالى لنا،
قالوا وما ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عليه السلام الافطار في السفر والتقصير في الصلاة، فمن لم
يفعل ذلك فقد رد على الله عز وجل هديته (1).
وخبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال الصائم في السفر في شهر رمضان
كالمفطر فيه في الحضر ثم قال إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصوم شهر
رمضان في السفر؟ فقال لا. فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه علي يسير. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إن الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالافطار في شهر رمضان، الحديث (2).
وغير ذلك من النصوص المستفيضة بل المتواترة وقد عقد لها في الوسائل بابين فإذا
ثبت ذلك في الافطار، ثبت في التقصير في الصلاة، لما دل على التلازم بين الافطار والقصر في
الصلاة.
كخبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال هذا واحد إذا قصرت
أفطرت، وإذا أفطرت قصرت (3) ونحوه غيره.
وثانيا: إن جملة من النصوص في خصوص الصلاة لها اطلاق تدل على تعيين القصر على
كل مسافر، منها، الخبران المتقدمان آنفا.
فتحصل: إن الأظهر تعين الافطار والقصر عليه في الفرض، بل هما متعينان إذا كان
المسير أربعة فراسخ كما لا يخفى.
وأما الفرع الثاني: وهو ما لو زالت الشمس وصلى صلاة الظهر ثم سافر إلى بلدة و
وصل إليها قبل الزوال، فهل تجب صلاة الظهر ثانيا، إذا زالت الشمس أم لا ففيه وجهان.
1 - وجوبها: لاطلاق ما دل من الكتاب والسنة على وجوبها على من يكون في بلد
زالت الشمس فيه.

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب من يصح منه الصوم حديث 12.
(2) الوسائل - باب 1 - من أبواب من يصح من الصوم حديث 5.
(3) الوسائل - باب 4 - من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1.
167

كقوله تعالى " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (1)، والدلوك هو الزوال.
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و
العصر (2) وغير ذلك من الأخبار المستفيضة.
2 - عدم وجوبها، لما دل من النصوص على عدم وجوب صلاة سادسة في كل يوم كخبر
زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عما فرض الله عز وجل من الصلاة فقال خمس صلوات في الليل
والنهار الحديث (3) ونحوه غيره.
ولعل الأظهر هو الأول، فإن نصوص عدم وجوب السادسة، إنما تدل على أنه إنما تجب
خمس صلوات في خمس أوقات منها زوال الشمس، لاحظ ذيل خبر زرارة المتقدم، فقلت
هل سماهن الله وبينهن في كتابه قال نعم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل ودلوكها زوالها، فمفادها وجوب الصلاة عند كل وقت من الأوقات
الخمسة، وحيث إنه بحسب الطبع تلك الأوقات في الليل والنهار لا تتكرر، فقد حصر ما
يجب في الليل والنهار في الخمس، لا لخصوصية فيها، وعليه، فإذا فرضنا، زوال الشمس،
لشخص في يوم مرتين كما في الفرض يجب عليه فردان من صلاة الظهر، والله العالم.
وبما ذكرناه في هذا الفرع من وجوب صلاة الظهر ثانيا يظهر حكم الفرع الآتي.
الفرع الثالث: وهو أنه في الفرض لو لم يصل الظهر في البلدة الأولى، هل له أن يكتفي
بصلاة ظهر يأتي بها في البلدة الثانية، أم لا، ولو لم يصل فيها أيضا، هل يأتي بصلاة ظهر
واحدة قضاء، أم يجب اثنتان.
فإنه إذا كان الواجب عند كل زوال فرد من صلاة الظهر غير ما يجب عند غيره من أفراد
الزوال، فالاكتفاء بواحدة أداءا وقضاء مما لا وجه له.
نعم: يبقى سؤال وهو أنه إذا أراد أن يصلي صلاة ظهر وجبت في البلدة الأولى، وذلك في
البلدة الثانية، فهل تكون تلك قضاء نظرا إلى أنه خرج من تلك البلدة ودخل في بلدة لم تزل

(1) الاسراء - آية 78.
(2) الوسائل - باب 4 - من أبواب المواقيت - من كتاب الصلاة حديث 1.
(3) الوسائل - باب 2 - من أبواب اعداد الفرائض ونوافلها وما يناسبها حديث 1.
168

الشمس فيها فكأنه مضى الوقت الأول أو أداء نظرا إلى أن وقت تلك الصلاة باق ولذا لو
رجع إلى تلك البلدة يأتي بها في وقتها، ولعل الأظهر هو الثاني.
الفرع الرابع: وهو ما لو سافر من بلد قبل غروب الشمس إلى بلد يختلف أفقه مع هذا
البلد ووصل إليه قبل غروب الشمس وهكذا في مدة أربعة وعشرين ساعة.
فالظاهر عدم وجوب شئ عليه فإن وجوب صلاة المغرب مشروط بغروب الشمس
في البلد الذي هو فيه، كما يشهد به مضافا إلى ظهوره.
خبر، عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال صحبني رجل كان يمسي بالمغرب و
يغلس بالفجر، وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس وأصلي الفجر إذا استبان الفجر
فقال لي الرجل ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب
عنا وهي طالعة على قوم آخرين بعد، فقلت إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا
طلع الفجر عندنا وعلى أولئك أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم (1)، والمفروض أن الشرط
لم يتحقق، فلا وجه للوجوب.
ودعوى: أن النصوص المتقدمة بعضها في الفروع السابقة دلت على أنه إنما تجب
الصلوات الخمس في كل يوم الذي هو أربعة وعشرون ساعة فعدم وجوب شئ عليه
ينافي تلك النصوص.
مندفعة: بأن اليوم ليس مجرد أربعة وعشرين ساعة بل هو عبارة عن تلك الساعات
المترتبة التي بعضها ليل وبعضها نهار وفيها تزول الشمس وتغرب.
مع: أن وجوبها في كل يوم مشروط بشروط وبانتفائها ينتفي المشروط.
فالأظهر عدم وجوب صلاة عليه.
الفرع الخامس: وهو ما لو صام في بلد رأى فيه هلال رمضان وسافر إلى بلد بعيد لم ير
فيه الهلال.
فإن قلنا: بأن رؤية الهلال في بلد موجبة لوجوب الصوم على ساكني جميع البلاد حتى

(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب المواقيت حديث 22.
169

البعيدة كما احتمله الشهيد رحمه الله، واختاره جمع منهم صاحب الجواهر رحمه الله، ونفى عنه البعد
جماعة آخرون نظرا، إلى اطلاق النصوص.
كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن
شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه (1).
وصحيح هشام بن الحكم عنه عليه السلام أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال إن كانت له
بينة عادلة على أهل مصر إنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما (2).
وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغم
علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر
فاقضه (3)، وبالاسناد عنه، أنه سأله عن ذلك فقال لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل
الأمصار فإن فعلوا فصمه، وغيرها من النصوص الدالة على ذلك بالاطلاق بل بعضها
كالصريح في ذلك.
وقوله عليه السلام في الدعاء، وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرءا واحدا.
فلا كلام فإنه يجب عليه الصوم على كل تقدير.
وإن قلنا: بأن رؤية الهلال في بلد لا توجب ذلك في البلد الآخر إلا إذا كانا متقاربين كما
عليه الأكثر، للأصل بعد انصراف النصوص إلى غير الفرض لوضوح اختلاف البلدان في
الطول والعرض الموجب لاختلافها في رؤية الهلال.
ودعوى: منع اختلاف المطالع في الربع المسكون: أما لعدم كروية الأرض، بل هي
مسطحة فلا تختلف المطالع حينئذ: وأما لكونه قدرا يسير إلا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى
علو السماء.
كما ترى: فإن هذه خلاف الوجدان كيف ونرى بالعيان إن البلاد تختلف من حيث طلوع
الشمس والقمر وغروبهما وهو آية اختلافها في رؤية الهلال وعدمها.

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب احكام شهر رمضان حديث 4.
(2) الوسائل - باب 5 - من أبواب احكام شهر رمضان حديث 13.
(3) الوسائل - باب 12 - من أبواب احكام شهر رمضان حديث 2.
170

المؤيد ذلك بما تقدم من النصوص من قولهم إنما عليك مشرقك ومغربك وليس على
الناس أن يبحثوا (1).
لا يجب عليه اتمام الصوم وله أن يفطر، لعدم ثبوت كونه من شهر رمضان.
الفرع السادس: وهو ما لو أصبح الشخص معيدا ثم سارت به الطائرة إلى بلدة بعيدة
فصادف أهلها صائمين فقد ظهر حكمه مما ذكرناه في الفرع السابق فإنه على المسلك الأول و
هو ثبوت رؤية الهلال في جميع البلاد برؤيته في بلد لا يجب عليه الامساك بل الواجب عليه
إدامة الافطار، وعلى المسلك الآخر وهو، عدم ثبوت الهلال برؤيته إلا في ذلك البلد أو فيما
هو قريب منه عليه الامساك لو وصل قبل الزوال ولو وصل بعد الزوال قضى ذلك اليوم كما أنه ظهر، حكم الفرع الآتي بذلك أيضا.
الفرع السابع: وهو ما لو أصبح الشخص صائما وسارت به الطائرة إلى حيث عيدوا.
فإنه على المسلك الأول يعيد ولا شئ عليه، وعلى المسلك الآخر يعيد ويجب عليه
قضاء ذلك اليوم، فتأمل.

(1) الوسائل - باب 12 - من أبواب احكام شهر رمضان حديث 7.
171

صلاة وصيام أهل القطبين
وجوب الصلاة والصيام من ضروريات
الدين - مواقيت الصلاة والصيام - الوجوه
التي ذكروها في وظيفة ساكني القطبين - بيان
المختار.
173

هل يصلى ويصام شهر رمضان حيث النهار ستة أشهر، وكيف يصلى ويصام.
وجوب الصلاة والصيام من الضروريات.
لا كلام ولا خلاف بين علماء الأمة الاسلامية في أن وجوب الصيام والصلاة من
ضروريات الدين ومن أنكره كفر.
والآيات والروايات المتواترة تدل عليه، وقد تضمنت النصوص إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر وهي عمود الدين كما في خبر (1) عيسى بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قبلت قبل ما
سواها وإن ردت ردما سواها كما في خبر (2) محمد بن مسلم ولا شئ بعد المعرفة أفضل منها
كما في خبر معاوية (3) بن وهب، وصلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت
ذهب يتصدق منه حتى يفنى كما في خبر (4) أبي بصير، وتاركها من غير علة كافر كما في خبر (5)

(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 13.
(2) الوسائل - باب 10 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 1.
(3) الوسائل - باب 7 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 10.
(4) الوسائل - باب 10 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 4.
(5) الوسائل - باب 11 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 5.
175

عبيد بن زرارة، ومن تركها متعمدا قد برئت منه ملة الاسلام كما في خبر (1) القداح، إلى غير
ذلك من التعابير الكاشفة عن اهتمام الشارع بها.
وأيضا الصوم جنة كما في خبر (2) زرارة، ومما بنى الاسلام عليه كما في جملة (3) من
النصوص وقد عقد في الوسائل باب (4) ذكر فيه الأخبار الدالة على أن من أفطر في شهر
رمضان مستحلا يقتل.
مواقيت الصلاة والصيام:
قد فرض الله تعالى في كل يوم وليلة خمس صلوات وبين نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أوقاتها
فيهما، وهي من طلوع الفجر إلى شروق الشمس للصبح، ومن زوالها إلى غروب الشمس
للظهرين، ومن غروب الشمس إلى نصف الليل أو طلوع الفجر للعشائين كما يشهد بذلك
كثير من النصوص.
وأيضا فرض الله تعالى صوم شهر هلالي من السنة، وبينه، في القرآن أنه شهر رمضان و
بين رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تسعة وعشرون يوما، أو ثلاثون.
ومن الواضح: إن بيان أوقات الصلوات الخمس في اليوم والليلة وبيان شهر رمضان في
السنة، إنما هو بلحاظ القسم الأعظم من الكرة الأرضية الذي كان في عصر الشارع الأقدس
مسكونا.
والمناطق التي تكون السنة فيها يوما وليلة نصفها نهار ونصفها ليل، والمناطق التي
تكون ليلها جزء يسيرا، أو نهارها كذلك لم تكن تسكن ولم يبين ما يجب على ساكنها من
الصلاة والصيام.

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب اعداد الفرايض حديث 4.
(2) الوسائل - باب 1 - من أبواب مقدمة العبادات.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب مقدمة العبادات.
(4) وهو الباب الثاني من أبواب احكام شهر رمضان.
176

وظيفة ساكني القطبين:
ولهذا اختلفت كلمات القوم في وظيفتهم وذكروا وجوها واحتمالات:
1 - سقوط تكليفهما عنهم:
2 - سقوط الصوم وكون الواجب من الصلاة صلاة يوم واحد وليلة واحدة.
3 - كون المدار أقرب البلاد المعتدلة إليهم أو بلدهم الذي كانوا متوطنين فيه سابقا، بأن
يقدروا أيامهم ولياليهم وأشهرهم بحساب أوقات تلك البلاد التي تتميز فيها الأوقات و
يتسع كل من ليلها ونهارها لأداء الوظيفة من الصلاة والصيام.
4 - كون المدار على البلدان المتعارفة المتوسطة مخيرا بين أفراد المتوسط.
5 - وجوب الهجرة إلى بلاد يتمكن فيها من الصلاة والصيام.
أما الوجه الأول: فهو مقطوع البطلان نظرا إلى ما نرى من اهتمام الشارع بهذين الفرضين
لا سيما، وقد دلت النصوص على أن الصلاة لا تسقط بحال.
وكذلك الوجه الثاني: فإن المفروض فيه سقوط الصوم لعدم الوقت وعدم القدرة. وهو
مما تأباه النصوص والآيات الدالة على وجوبه لكل أحد، مع، أن وجوب صلاة يوم وليلة
يمنع عنه بالنسبة إلى الظهرين إذ لا دلوك في الفرض كي تجبان عنده.
والوجه الثالث والرابع: يدفعهما إن الشارع الأقدس أوجبهما في أوقات خاصة وهي
غير ما يفرض فيها وثبوتها على نحو خاص لا دليل عليه.
لا يقال: إنه يمكن القول بالوجوب وأن المدار على الموطن الأصلي. للاستصحاب.
فإنه يتوجه عليه، أنه بعد انتفاء شرائط الوجوب يقينا لا يجري الاستصحاب، وعلى
الجملة القول بسقوط التكليف بهما. مقطوع البطلان على حسب ما نرى من اهتمام الشارع
بهما، لا سيما الصلاة التي لا تسقط بحال.
والقول بوجوبهما بنحو خاص، قول بغير دليل، وأدلة البابين لا تشمل هذه الفروض و
عليه فيتعين.
الوجه الخامس: ويمكن أن يستشهد له، بخبر الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام إن
رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فقال أصلحك الله إنما نتجر إلى هذه الجبال فنأتي منها على أمكنة لا
177

نقدر أن نصلي إلا على الثلج فقال أفترض أن تكون مثل فلان يرضى بالدون، ثم قال لا
تطلب التجارة في أرض لا تستطيع أن تصلي إلا على الثلج. (1)
فإنه إذا كان عدم التمكن من الصلاة على الثلج التي يفقد فيها بعض ما يعتبر في الصلاة
موجبا للهجرة وعدم المقام في ذلك المحل، فعدم التمكن من اتيان الصلاة في أوقاتها الخاصة
أولى بذلك، هذا.
ولا يخفى إن ما ذكروه في المسألة من وجوب الهجرة، إنما هو فيما إذا لم يترتب عليها
محذور. وإلا كما لو فرضنا لزوم العسر والحرج منها، أو كانت مستلزم لاختلال النظام لا
تجب الهجرة، إذ ما من حكم إلا وهو يرتفع بقاعدة الحرج، وأيضا، من المعلوم أن حفظ
مصلحته أقوى من مصالح الأحكام الأخر، وعليه فيتعين اختيار أحد القولين: الثالث، أو
الرابع والله العالم.

(1) الوسائل - باب 68 - من أبواب ما يكتسب منه - من كتاب التجارة.
178

بيع المذياع والتلفزيون
حكم المعاملة الواقعة على المذياع صحة و
فساد - أدلة الفساد والجواب عنها - حكم
المعاملة من حيث الجواز والحرمة - هل يعتبر
في صحة المعاملة اشتراط المنفعة المحللة أو
قصدها، أم يعتبر عدم اشتراط المحرمة أو
قصدها، أم لا يعتبر شئ من ذلك؟ - حكم
بيعه ممن يعلم أنه ينتفع به في الحرام - بيع
التلفزيون.
179

من الموضوعات المستحدثة - المذياع وقد شاع وذاع بحيث يعد الآن من أوليات
الوسائل التي يستخدمها الانسان في توفير راحته وطمأنينته في هذه الحياة.
وله منافع محللة كاستماع القرآن، والأخبار، وما شاكل.
كما له منافع محرمة، كالانتفاع به في الملاهي.
ولذلك وقع الكلام في المعاملة الواقعة عليه، وأنها جائزة أم لا، وإن ما يؤخذ بإزائه
حلال أم حرام، وتنقيح القول فيه بالبحث في موارد:
1 - في نفوذ المعاملة الواقعة عليه وعدمه.
2 - في جواز تلك، وحرمتها تكليفا.
3 - في أنه على فرض النفوذ، هل يشترط قصد المنفعة المحللة، أو عدم قصد المنفعة
المحرمة، أم لا يعتبر شئ من ذلك.
4 - حكم بيعه ممن يعلم أنه ينتفع به في الحرام.
حكم المعاملة الواقعة على المذياع:
أما المورد الأول: فقد استدل لعدم صحة بيعه بوجوه:
أحدها: إنه من آلات اللهو، ويدل على بطلان بيعها أمور:
181

1 - الاجماع الذي ادعاه صاحب المستند، والظاهر أنه كذلك.
2 - الخبر، المروى عن تفسير أبي الفتوح - إن الله تعالى بعثني هدى ورحمة للعالمين
وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان فأمور الجاهلية إلى أن قال إن آلات
المزامير شرائها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام (1).
3 - قول الإمام الصادق عليه السلام في خبر تحف العقول الآتي، وكذلك، أي يحرم بيعه وشرائه،
كل مبيع ملهو به.
ولكن: المتيقن من معقد الاجماع، عدم جواز بين الآلات المعدة للملاهي، كالمزامير، و
المعازف، والأوتار، وما شاكل التي تنحصر فائدتها بالانتفاع بها في الملاهي الذي لا
اشكال ولا كلام نصا وفتوى في حرمته، وعدم جواز المعاملة في هذا المورد إنما يكون على
وفق القاعدة، إذ الشئ مع عدم وجود المنفعة المحللة له لا يكون مالا شرعا، فلا يصدق
حقيقة البيع، وهي الاعطاء لا مجانا بل بعوض فإن اعطاء الشئ في مقابل مالا منفعة فيه
يكون مجانيا وبلا عوض، ولا تشمله سائر العناوين، كالتجارة عن تراض.
وأما الآلات المشتركة بين ذلك، وبين الاستعمال في عمل محلل، كالمذياع، فإنه ينتفع به
في وجوه الصلاح، كما أنه ينتفع به في وجوه الفساد، فلا تكون مشمولة لمعقد الاجماع.
وأما الخبر المروى عن التفسير، فهو ضعيف السند لارساله، ولم يثبت استناد
الأصحاب إليه كي يوجب ذلك جبر ضعف السند.
مع: أن مورده الآلة المعدة لللهو خاصة، وقد عرفت إن فساد المعاملة الواقعة عليها مما
اتفق عليه النص والفتوى.
وأما خبر تحف العقول فسيأتي الكلام فيه مفصلا.
الوجه الثاني: إن خبر (2) الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الذي رواه في كتاب تحف
العقول عن إمامنا الصادق عليه السلام الطويل وروى عن رسالة المحكم والمتشابه للسيد رحمه الله، يدل
عليه، فإن من جملاته، قوله عليه السلام، وأما وجوه الحرام من البيع والشراء، فكل أمر يكون فيه

(1) المستدرك باب 79 من أبواب ما يكتسب به حديث 16.
(2) الوسائل - باب 2 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة حديث 1.
182

الفساد مما هو منهى عنه من جهة، أكله وشربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو إمساكه، أو
هبته، أو عاريته، أو شئ يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا، أو بيع الميتة،
أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها، أو
الخمر، أو شئ من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرم، لأن ذلك كله منهى عن أكله وشربه
ولبسه وملكه وامساكه والتقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام، الحديث.
والظاهر من هذه الجملة حرمة بيع ما فيه الفساد ولو بوجه من وجوهه، وإن كان فيه
جهة الصلاح، فتشمل بيع المذياع، وتدل على حرمته.
وفيه أولا: إنه ضعيف السند، لأن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة وإن كان جليل
القدر عظيم المنزلة، وكتابه هذا جليل معتمد عليه عند الأصحاب كما صرح بذلك كله أئمة
الفن، إلا أنه لم يرو هذا الخبر مسندا، بل أرسله عن الإمام الصادق عليه السلام، فلا تشمله أدلة
حجية خبر الواحد.
ودعوى: إن نقل هذا الشيخ الجليل عن الرواة المحذوفين قرينة على وثاقتهم.
مندفعة: بأن جلالته تمنع عن كذبه لا عن نقله عن غير الثقة.
ودعوى: إن آثار الصدق منه ظاهرة.
مندفعة بأنه لم يظهر فيه من آثار الصدق سوى اضطراب متنه وتكرار جمله.
وأما طريقه الآخر: الذي هو مسند باعتباره، فمن جهة أن من رجاله أحمد بن يوسف، و
حسين بن علي بن أبي حمزة، وأباه، وهم من الضعفاء لا يعتمد عليه.
ودعوى: انجبار ضعفه بعمل المشهور، أضف إليه موافقة مضمونه لمضمون جملة من
الروايات الصحيحة.
مندفعة: بأن عمل المتقدمين من الأصحاب الذي، هو الجابر لضعف السند غير ثابت، و
عمل المتأخرين غير نافع، بل، يمكن منع عملهم به فإن فتاوى جلهم في المسائل المتفرقة لا
تطابق بعض جمل الخبر، إذ بعض جمله يدل على حرمة بيع النجس مطلقا، مع، أنه لم يفت به
الأكثر، وبعضها يدل على حرمة إمساكه والتقلب فيه، مع أنه لم يفت به أحد، والخبر
الضعيف لا يصير حجة بالموافقة لما هو الحجة.
183

وثانيا: أنه لو تم سنده ودلالته، لدل على حرمة بيعه، وحرمة المعاملة لا تستلزم
فسادها كما حققناه في الجزء الثاني من كتابنا زبدة الأصول، وفي الجزء الأول من كتابنا
منهاج الفقاهة والجزء الخامس عشر من كتابنا فقه الصادق.
وثالثا: أن دلالة هذه الجملة غير تامة لوجوه:
1: إن الظاهر ولا أقل من المحتمل، كون المشار إليه بقوله عليه السلام، فهذا كله حرام محرم هو
بيع المذكورات، وقد علل هذا الحكم على هذا بحرمة جميع التقلبات والتصرفات فيها،
فيكون المستفاد حينئذ إن علة المنع هي حرمة جميع التصرفات، فيختص هذا الحكم بما
يكون ممحضا في الفساد لأن العلة تخصص كما تعمم، ولا ينافي، ذلك قوله عليه السلام من جهة أكله
الخ... فإنه على ذلك يحمل على إرادة ما كان فائدته العقلائية منحصرة في الأكل كاللحم.
2: إن هذه لو تمت دلالتها على حرمة بيع ما فيه وجه من وجوه الفساد لوقع التعارض
بينها، وبين ما تقدمها من الجملة، وهي: وكل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من
الجهات فهذا كله حلال بيعه وشرائه، الدالة على جواز بيع ما فيه وجه من وجوه الصلاح.
3: إن جملات أواخر الحديث تدل على الجواز، وتفسير المنع المزبور، بما ليس فيه وجه
من وجوه الصلاح فتأمل.
الوجه الثالث: إن خبر دعائم الاسلام عن مولينا الصادق عليه السلام إن الحلال من البيوع كلما
كان حلالا من المأكول والمشروب وغير ذلك مما هو قوام للناس ويباح لهم الانتفاع، وما
كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه (1) دال على ذلك.
وفيه: إن مؤلف ذلك الكتاب وهو أبو حنيفة، نعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر،
وإن تبصر بعد ما كان مالكيا فصار إماميا، إلا أن كونه ثقة لم يثبت ولم يصرح به أحد، أضف
إلى ذلك أنه مرسل غير مجبور بشئ.
واقتصاره فيه على الثابت الصحيح مما روي عن المعصومين عليهم السلام كما صرح به
لا يكون توثيقا اجماليا للرواة المحذوفين، وثبوت الصحة عنده لا يلازم ثبوتها عندنا،

(1) المستدرك - باب 2 - من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
184

لاحتمال استناده، إلى القرائن الموجبة لعلمه بالصحة غير الموجبة عندنا للعلم لو اطلعنا
عليها.
مع: أن الظاهر منه كون الموضوع ما فيه الفساد محضا، وكونه منهيا عنه بقول مطلق ولا
يشمل ما فيه الجهتان كالمذياع.
الوجه الرابع: ما عن الفقه المنسوب إلى مولينا الرضا عليه السلام كل أمر يكون فيه الفساد مما قد
نهى عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وامساكه بوجه الفساد، فحرام (1)، أي بيعه
بقرينة ما قبله.
وفيه: أن الظاهر كون ذلك الكتاب رسالة عملية لفقيه، ذكرت فيها الفتاوى، والروايات
بعنوان الافتاء.
وقد استدل لاعتباره بوجوه بينة الضعف عمدتها، إن أول من اطلع على هذا الكتاب
السيد أمير حسين طاب ثراه، وهو أخبر بكون هذا الكتاب للإمام عليه السلام فيصدق في اخباره
لكونه ثقة.
ولكن يرد عليه إن اخباره بذلك، إما أن يكون، لاخبار ثقتين عدلين من أهل قم للسيد
بكون الكتاب له عليه السلام، أو لحصول العلم له من القرائن، وشئ منهما لا يصلح لادراج الخبر
في الأخبار المعتبرة.
أما الثاني: فلأن أدلة حجية الخبر مختصة بالخبر الحسي ولا تشمل ما لو كان المخبر عنه
حدسيا كما في الفرض على ما حقق في محله.
وأما الأول: فلأن اخبار الثقتين إما أن يكون لحصول العلم لهما من القرائن فالكلام فيه
هو الكلام في أخبار السيد، وإما أن يكون لسماعهما من غيرهما فغاية ما يكون حينئذ هو
كون الخبر من الأخبار المرسلة غير المعتبرة.
وجمع من الأصحاب كالمجلسيين وغيرهما، وإن عملوا به، إلا أن مستندهم في العمل
هي الوجوه الفاسدة ومثل هذا العمل لا سيما الواقع من متأخري المتأخرين لا يصلح

(1) المستدرك - باب 2 - من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
185

الوجه الخامس: النبوي المشهور، إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (1).
وفيه أولا: إن هذا النبوي لا أصل له في أصول العامة والخاصة، والموجود في أصول
العامة، هكذا: إن الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه (2)، فهو لم يثبت كونه رواية، و
الموجود في كتبهم مضافا إلى ضعف سنده غير مربوط بالمقام.
وثانيا: إن الظاهر من تحريم الشئ بقول مطلق تحريم جميع منافعه، ولا يشمل ما حرم
بعض منافعه، فالمتحصل عدم دليل على بطلان بيعه.
فيتعين الرجوع إلى العمومات القاضية بالصحة والنفوذ.
حكم الشريعة في بيع المذياع جواز وحرمة:
وأما المورد الثاني: فمقتضى القواعد والأصول جوازه تكليفا.
واستدل لعدم الجواز بما تقدم من النصوص.
وأورد عليه بأن النهي عن المعاملة، ظاهر في الارشاد إلى الفساد، ولا يستفاد منه
الحرمة النفسية، فالنصوص المتقدمة دالة على عدم النفوذ لا الحرمة.
وفيه: إن النهي عن المعاملة، تارة يتعلق بالآثار والتصرف في الثمن أو المثمن، وأخرى
يتعلق بعنوان آخر منطبق عليها، وثالثة، يتعلق بها.
لا ريب في دلالة القسم الأول على الفساد، إذ لا وجه للمنع عن التصرف في الثمن أو
المثمن سوى عدم صحة المعاملة وبقائه على ملك مالكه، ولا يستفاد منه الحكم التكليفي.
كما لا ريب في عدم استفادة الفساد من القسم الثاني بل هو ظاهر في الحرمة النفسية.
وأما الثالث: فإن كان بيان الحكم بصيغة النهي ووجه ذلك إلى المعاملة يكون ظاهرا في

(1) أورده العامة - والخاصة في كتبهم الاستدلالية راجع مسند أحمد - ج 1 - ص 322 والبحار ج 23 ص 17 -
والخلاف ج 1 ص 225 - والغنية - وغيرها.
(2) مسند أحمد ج 1 - ص 247 - وص 293 - السنن الكبرى ج 6 ص 13.
186

الارشاد إلى الفساد، وإن كان بعنوان، لا يجوز، أو يحرم فهو ظاهر في الحرمة النفسية دون
الفساد.
وعلى هذا فأكثر ما تقدم في المورد الأول من النصوص تدل على الحرمة النفسية دون
الفساد، ولكن قد عرفت ضعف اسنادها، ووهن دلالاتها فراجع.
فالمتحصل: جواز بيع المذياع في الجملة، وضعا، وتكليفا.
لا يعتبر قصد المنفعة المحللة، ولا شرطها:
وأما المورد الثالث: فمحتملات المسألة ووجوهها خمسة:
1 - اعتبار اشتراط المنفعة المحللة.
2 - اعتبار قصدها، ذهب إليه المحقق النائيني رحمه الله في نظير المسألة.
3 - اعتبار عدم قصد المنفعة المحرمة، ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمه الله في نظير المسألة.
4 - اعتبار الانتفاع بالمحللة خارجا.
5 - عدم، اعتبار شئ من هذه القيود، والظاهر أنه الأظهر.
والدليل على ما اخترناه: إن المنفعة المحللة تكون منشأ لمالية المذياع فهو مال فيصح
بيعه، وإن لم يقصد المنفعة المحللة، بل وإن قصد المحرمة إذ المبادلة إنما تكون بين المالين و
ليست المنفعة طرفا للمعاملة، كي يقال إن دفع الثمن بإزاء المحرمة منها أكل للمال بالباطل،
بل الطرف نفس ما فيه المنفعة، وقصد المنفعة المحرمة لا يوجب سلب المالية عنه حتى لا
يصح لذلك، وبعبارة أخرى وجود المنفعة الواقعية موجب لكون هذا الشئ ما لا وإن قصد
البايع المنفعة المحرمة فيصح بيعه لذلك.
نعم: لو اشتراط استيفاء المنفعة المحرمة خارجا وإن لم يقصد بالقصد المعاوضي تلك
المنفعة، يكون الشرط فاسدا، وعلى القول بمفسدية الشرط الفاسد للبيع يبطل البيع لذلك،
لكن هذا كلام آخر لا ربط له بالمقام، وقد حققنا فساده في نفسه في الجزء الرابع من كتابنا
منهاج الفقاهة والجزء التاسع عشر من فقه الصادق.
بل: لو قصد المنفعة المحللة بالقصد المعاوضي بأن دفع الثمن بإزائها بطل البيع لعدم كون
187

المبيع عينا.
واستدل للقول الأول:
: بأن المال إنما يبذل بإزاء المنافع لأنها مناط المالية، فإذا لم يشترط المنفعة المحللة يقع
جزء من الثمن بإزاء المحرمة فيكون أكلا للمال بالباطل.
وفيه: إن المال في البيع يبذل بإزاء المال لا المالية وقد عرفت أنه إذا بذل المال بإزاء
المنفعة بطل البيع، ووجود المنفعة المحللة منشأ لصيرورة العين مالا، ولا يعتبر فيه اشتراط
المحللة.
واستدل: المحقق النائيني رحمه الله للثاني.
: بأن عناوين الأشياء تكون مناط ماليتها لا الجسم المطلق الذي هو المادة المشتركة بين
ماله قيمة وما لا قيمة له، فإذا فرضنا أن الشئ لا مالية له إلا باعتبار منفعة خاصة، فكما
يجب تعيين العنوان في المبيع ولا يصح بيع القدر المشترك، كذلك يجب تعيين العنوان الذي
يكون الشئ مالا باعتباره بقصد المنفعة المحللة.
وفيه: أنه لا ريب في اعتبار كون المبيع مقصودا ومعلوما ومالا، ولكن يكفي في انتزاع
المالية وجود المنفعة المحللة الواقعية، وعليه، فبما أن المبيع هو العين والمنفعة ليس مما يقابله
الثمن، فلا يعتبر زايدا على قصد عنوان المبيع وكونه مالا قصد المنفعة لعدم تقوم المالية
بقصدها بل هي تابعة لوجودها الواقعي.
واستدل للثالث بوجهين:
الوجه الأول: إن قصد المنفعة المحرمة أو اشتراطها مرجعه إلى تعيين المنفعة المحرمة
عليه فيكون كل الثمن أكلا بالباطل، لأن حقيقة النفع العائد إلى المشتري بإزاء ثمنه هو النفع
المحرم.
وفيه: أن منفعة الشئ هي الحيثية القائمة به الموجودة فيه، مثلا منفعة الدار ليست ما هو
فعل الساكن فإنه من أعراضه لا من شؤون الدار، بل حيثية كونها مسكنا، وباستيفاء
الساكن تخرج من القوة إلى الفعلية، وهذه الحيثية منشأ لانتزاع المالية من الدار وتكون
مالا يبذل بإزائها المال، وعليه، فتعيين المنفعة المحرمة عليه لا يوجب وقوع الثمن بإزائها في
188

البيع كي يكون أكلا بالباطل.
الوجه الثاني: إن (1) جملة من النصوص تدل على تحريم بيع الجارية المغنية ولا وجه له
سوى كون الغناء مقصودا في ذلك البيع، فلو اشترى المذياع لمنفعته المحرمة بطل البيع.
وفيه: أولا إن تلك النصوص لم يعمل بها الأصحاب، وذلك يظهر بعد بيان أمرين:
1 - إن صفة غناء الجارية لها منفعتان محللة ومحرمة، بناء على ما هو المعروف من أن
كسب المغنيات التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس كما نطقت النصوص (2) به.
2 - إن بعض (3) النصوص صريح في جواز بيع المغنية وشرائها إذا كان يطلب بها الرزق لا
سوى ذلك، ومعلوم أن التاجر الذي يشتري المغنيات ويبيعهن إنما يوقع المعاملة عليهن بما
هن مغنيات، وعلى ذلك فبعد تقييد تلك النصوص بهذا النص تختص تلك النصوص بما إذا
بيع المغنية بداعي سماع الغناء والانتفاع بها في الحرام، وفي هذا الفرض بالخصوص لم يفت
أحد بالفساد، لا سيما بعد فرض عدم كون صفة الغناء مما له منفعة محرمة خاصة، بل، يمكن أن
يقال إن هذا النص معارض مع تلك النصوص لتضمنه جواز بيع التاجر المغنية وإن كان
المشتري يشتريها بداعي الانتفاع بغنائها على وجه محرم والبايع كان عالما بذلك، والجمع
العرفي يقتضي حمل تلك النصوص على الكراهة.
وثانيا: فرق بين المقام، وتلك المسألة، فإنه في بيع المغنية، إنما يؤخذ تلك الصفة المتمولة
لدى العرف عنوانا للمبيع فيقع مقدار من الثمن بإزائها، وبعبارة أخرى تكون هي من
عناوين المبيع، وهذا بخلاف هذه المسألة وهي ما لو قصد التصرف في المبيع على الوجه
المحرم الذي لا يوجب صفة في المبيع ليقع مقدار من الثمن بإزائها.
فتحصل: إن الأظهر جواز البيع وإن قصد المنفعة المحرمة.

(1) الوسائل - باب 16 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة.
(3) الوسائل - باب 16 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة.
189

حكم بيع المذياع ممن يعلم أنه ينتفع به في الحرام:
وأما المورد الرابع فقد استدل لعدم جواز بيعه في هذه الصورة خاصة بوجوه.
الوجه الأول: عموم النهي عن التعاون على الإثم والعدوان في الآية الكريمة، " ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان " (1) بتقريب أن البيع ممن يعلم بصرف المبيع في الحرام، إعانة
على الإثم، فيشمله الآية الشريفة.
وأورد عليه: بأن النهي في الآية الشريفة أريد به الحكم التنزيهي بقرينة الأمر بالإعانة
على البر والتقوى الذي ليس للالزام قطعا.
ولكن يمكن دفعه، بأن جواز فعل ما نهى عنه الشارع الأقدس بتوقف عند العقل على
ورود ترخيص من الشارع فيه، فمع عدمه يحكم العقل بلزوم المتابعة ومجرد المقابلة بأمر
غير الزامي لا يصلح قرينة على ذلك كما لا يخفى.
والحق: في الايراد على الاستدلال بالآية الشريفة، إن المنهى عنه هو التعاون، لا،
الإعانة، وهو من باب التفاعل وهو عبارة عن اجتماع عدة من الأشخاص، لايجاد أمر، و
يكون ذلك صادرا عن جميعهم، كان يجتمعوا على قتل نفس محترمة بأن يقتلوه جميعا، وأما
الإعانة، التي هي من باب الأفعال فهي عبارة عن ايجاد مقدمات فعل الغير مع استقلال ذلك
الغير في صدور الحرام والإثم منه، فحرمة التعاون التي هي مدلول الآية لا تستلزم حرمة
الإعانة على الإثم.
والاستدلال: لحرمتها بالاجماع، فاسد، لعدم حجية المنقول منه، مع أنه يحتمل استناد
المجمعين إلى سائر الوجوه المذكورة من الآية الشريفة وغيرها.
وأدلة النهي عن المنكر، ستعرف تقريب الاستدلال بها والجواب عنه.
فالأظهر: عدم حرمة الإعانة على الإثم، لعدم الدليل عليها، والأصل عدمها، إلا ما
خرج بالدليل، كإعانة الظالمين، وإعانة أعوانهم اللتين لا شبهة في حرمتهما نصا وفتوى.
وأضف إلى ذلك كله، إنه يمكن أن يقال كما في الحدائق، بأن النصوص الواردة في بيع

(1) المائدة - آية 3.
190

العنب الدالة على جواز بيعه ممن يعلم أنه يجعله خمرا.
كصحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراما
فقال عليه السلام لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده الله وأسحقه (1)
وصحيح، رفاعة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره
فقال عليه السلام حلال السنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا (2).
وحسن ابن أذينة قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب و
التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا فقال عليه السلام إنه باعه حلالا في الابان الذي يحل شربه أو
أكله فلا بأس ببيعه (3) ونحوها غيرها.
تدل على جواز الإعانة بعد إلغاء الخصوصية.
ولا يعارض هذه النصوص: النصوص الدالة على حرمة بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا.
كحسن ابن أذينة قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن
يتخذه صلبانا قال عليه السلام لا (4)، ونحوه غيره.
فإن ه ذه تختص بموردها لما علم من الشرع من الاهتمام بالتجنب عن الشرك بأي نحو
أمكن قال الله تعالى، " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك. " (5)
ويؤيده ما ذكرناه من الجمع ذيل حسن (6) ابن أذينة، عن رجل له خشب فباعه ممن
يتخذ منه برابط، فقال عليه السلام لا بأس به، فإنه شاهد الفصل لتفصيله بين الأصنام والبرابط
فالجمع بين نصوص العنب، ودليل حرمة الإعانة على فرض وجوده يقتضي الالتزام بعدم
الحرمة في المقام وأمثاله.

(1) الوسائل - باب 59 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة حديث 4.
(2) الوسائل - باب 59 - من أبواب ما يكتسب به - حديث 8.
(3) الوسائل - باب 59 - من أبواب ما يكتسب به - حديث 5.
(4) الوسائل - باب 41 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة حديث 1.
(5) النساء - آية 48.
(6) الوسائل - باب 41 - من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة حديث 1.
191

الوجه الثاني: إن دفع المنكر كرفعه واجب، ولا يتم إلا بترك بيع المذياع ممن ينتفع به في
الحرام، فيجب.
والدليل على وجوبه مضافا إلى أدلة النهي عن المنكر.
خبر أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه السلام لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم
الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبوا حقنا (1)، بعد إلغاء الخصوصية.
أما أدلة النهي عن المنكر، فهي مختصة بحسب مداليلها اللفظية بمن شرع في الحرام،
فالاستدلال بها، لوجوب ردع من هم به وأشرف عليه يتوقف على احراز وجود المناط
فيه، بدعوى، أن المناط هو عدم وجود المنكر في الخارج، ودونه خرط القتاد.
وإلا لزم الالتزام، بأن ترك ايجاد الفاعل للحرام، وابقائه وتهيئة الموضوع للحرام
كتجارة التاجر بالنسبة إلى أخذ العشور من قبيل الفعل الواجب، لكون كل واحد منها
موجبا لعدم وجود المنكر في الخارج.
مع: أن ما به يدفع المنكر إنما هو ترك الاقباض لا ترك البيع.
أضف إلى ذلك، أنه لو سلم شمول أدلة النهي عن المنكر لترك البيع في المقام لكان غايته
وجوب الترك لا حرمة الفعل.
وعلى فرض تسليم حرمة الفعل، حرمة المعاملة غير مستلزمة لفسادها.
وأما الخبر، فيرد على الاستدلال به أنه لا وجه لالغاء الخصوصية، مع احتمال أن يكون
لسلب الخلافة الذي هو من أعظم المحرمات لكونه المنشأ والأساس لسائر المنكرات
خصوصية.
الوجه الثالث: خبر جابر، أو حسن صابر، عن إمامنا الصادق عليه السلام عن الرجل يؤجر بيته
فيباع فيه الخمر قال عليه السلام حرام أجره. (2) دال عليه.
فإنه وإن ورد في الإجارة إلا أنه يتم في البيع أيضا من جهة اتحاد حكمهما، فعبد إلغاء
الخصوصية يتم الحكم في المقام أيضا.

(1) الوسائل - باب 47 - من أبواب ما يكتسب به - وهذه الرواية ضعيفة لإبراهيم بن إسحاق الأحمري.
(2) الوسائل - باب 39 - من أبواب ما يكتسب به - حديث 1.
192

وفيه أولا: إن الخبر ضعيف على تقدير كونه لجابر.
وثانيا: إنه يحتمل أن يكون مورده ايقاع الإجارة بنحو تنتقل المنفعة الخاصة، ولا ريب
في فساد الإجارة حينئذ ولكنه لا يلازم فساد البيع لذلك حيث يكون المقابل به نفس
العين.
والثاني: إنه قد تقدم نصوص جواز بيع العنب ممن يجعله خمرا، فعلى فرض التعدي يحمل
الخبر بقرينة تلك النصوص على الكراهة.
فالمتحصل: جواز بيع المذياع مطلقا، وضعا، وتكليفا.
التلفزيون:
وأما التلفزيون فبعنوانه الأولى، حكم بيعه حكم بيع المذياع طابق النعل بالنعل، وحكم
استماع أخباره حكم استماع الأخبار من المذياع.
وأما النظر إلى ما فيه من الصور والتماثيل، فإن كان صورة الرجل أو المرأة غير المسلمة
فلا اشكال في الجواز، وإن كان صورة المرأة المسلمة، فسيأتي الكلام فيه مفصلا في مسألة
21 من هذا الجزء.
وأما بالعنوان الثانوي فعلى كل مسلم أن يتجنب عنه، توضيح ذلك:
إنه قبل قرنين من الزمن، تقريبا، نشب الاستعمار الأوروبي مخالبه في إيران وفي كثير من
بلاد الشرق الاسلامي.
ولكن الاستعمار الأوروبي علم من أول وهلة إن استعمار هذه البلاد لا يتم ما دام القرآن
هو الكتاب السماوي الذي يتبعه المسلمون ويجرون أحكامه وقوانينه ويتبعون ارشاداته و
تعاليمه.
وبهذا صرح، كلا دستون، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت فقد صرح في مجلس
العموم البريطاني قائلا:
إن لا نفوذ لبريطانيا في الشرق الاسلامي والقرآن عندهم يعملون به ويهتدون بهداه و
من ذلك الوقت اتجهوا وجهة أخرى فأخذوا يسعون بشتى الطرق والوسائل لتضعيف
193

الاسلام في نفوس المسلمين، ومحو ما علق في نفوسهم من التعلق بالقرآن والعمل بأحكامه،
والسير على هديه، وحاولوا إزالة القرآن من بينهم ليخلو لهم الجو ويفعلوا ما يشاؤن.
فخلقوا الأحزاب السياسية، وأعطوا بعضها صبغة دينية ليكون تأثيرها في النفوس
شديدا، واشتدوا في ترويجها في بلاد المسلمين.
وكان من تلك الأحزاب بل ومن أشدها فتكا وعداء للاسلام هو الحزب المسمى
بالمذهب البهائي، الذي خلقه الغربيون وناصروه جهد طاقتهم ليخلقوا في جموع المسلمين
البلبلة والانقسام فكان هذا الحزب عند حسن ظنهم، فقد عمل جاهدا لترويج ما يتطلبه
أسياده في صفوف المسلمين وقد نصب الحبائل لذلك.
وكان من جملة مصائده وحبائله التي اتخذها هو، آلة التلفزيون التي احتكر البهائيون
امتيازها في جميع إيران، وعينوا مقدارا من عائداتها لترويج هذا المسلك وصار من أخطر
الوسائل في أيديهم يروجون بها مبادئهم بما يظهرون فيه من خلاعة وباطل.
أضف إلى ذلك أن التلفزيون ببرامجه الحاضرة أصبح مدرسة للرذيلة لا للتوجيه.
لذا: فإن فقيه العصر آية الله البروجردي قدس الله نفسه، منع استعمال هذه الآلة التي
أصبحت بؤرة فساد بيد البهائيين والمعاملة عليها والحق ما قاله قدس سره لمطابقة قوله
للموازين الشرعية.
حفظ الله المسلمين من يد الأجانب ومن عبثهم في عقول المسلمين ونجاهم من
دسائس الرتل الخامس الذي تمثله هذه الأحزاب الباطلة، وأهلك الله كل من تسول له
نفسه العبث في بلاد المسلمين.
ولا يخفى أن ذلك مربوط بما قبل تشكيل الحكومة الاسلامية.
194

الكحول الصناعية
أقسامها - نجاسة الخمر - حكم الشريعة
المقدسة في المسكرات المايعة غير الخمر -
موقف الشريعة من القسم الأول من
الكحول - حكم القسم الثاني منها - حكم
المعاملة الواقعة عليها.
195

من الموضوعات المستحدثة الكحول الصناعية الموجودة، وهي المادة الآلكلية، و
تكون محل الابتلاء في الأدوية والتزريقات وما شاكل، ولذلك كثر التساؤل عنها و
اختلف كلمات أعلام العصر فيها، فينبغي لنا بيان موقف الشريعة الاسلامية منها والكلام
فيها في مقامين:
الأول: في حكمها من حيث الطهارة والنجاسة.
الثاني: في حكمها من حيث المعاملة الواقعة عليها صحة وفسادا.
أما المقام الأول: فتنقيح القول فيه بالبحث في موارد:
1 - في أقسامها.
2 - في نجاسة الخمر وطهارتها.
3 - في نجاسة كل مسكر.
4 - في تطبيق الكبرى الكلية، على هذا الموضوع الخاص.
أقسامها:
والظاهر أن لها قسمين، أحدهما ما يؤخذ من الأخشاب وغيرها.
الثاني: ما يتخذ من الخمر المعبر عنه ب‍ (جوهر الخمر) وهو الذي يتحصل بتبخيرها و
197

أخذ عرقها، وللقسم الأول أنواع لا يهمنا استقصائها بعد كونها مشتركة فيها تقتضيه القواعد
الفقهية.
نجاسة الخمر:
المعروف بين الأصحاب نجاسة الخمر، وعن السرائر بعد نفي الخلاف عن نجاسة الخمر
وحكي عن بعض أصحابنا ما يقتضي الطهارة، ثم قال، وهو مخالف لا جماع المسلمين فضلا
عن الطائفة في أن الخمر نجس وقريب منه ما عن الشيخ البهائي رحمه الله، والظاهر أن عليها
المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة كما عن بعض مصادرهم (1).
وعن جماعة من القدماء والمتأخرين كالصدوق ووالده والجعفي والعماني والمقدس
الأردبيلي والفاضل الخراساني، والمحقق الخونساري وغيرهم القول بالطهارة وقد استدل
للنجاسة بوجوه:
الوجه الأول: الآية الكريمة " إنما الخمر والميسر والأنصاب الأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه " (2).
وذكر العلامة رحمه الله في المختلف وجهين لدلالتها على نجاسة الخمر، أحدهما أن الرجس لغة
النجس، ثانيهما أن الأمر بالاجتناب المطلق ارشاد إليها.
وفيه: أن الرجس بمعنى القبيح، وليس بمعنى النجاسة، بل الظاهر عدم صحة حمله في
الآية على النجاسة، لوجهين: أحدها أنه أسند إلى شرب الخمر كما يشهد به عطف الميسر
عليها، وقوله تعالى من عمل الشيطان، ثانيهما: أنه لا معنى لنجاسة بقية الأمور المذكورة في
الآية فإن منها الميسر، وهو من الأفعال، والفعل لا يتصف بالنجاسة فالآية الشريفة لا تدل
على النجاسة.
الوجه الثاني: الاجماع الذي نقله، السيد، والشيخ، وابن زهرة، والمحقق في المعتبر، و

(1) الفقه على المذاهب الأربعة - ج 1 - ص 125.
(2) المائدة - الآية 90.
198

العلامة في التحرير، وابن إدريس، ويحيى بن سعيد، وفخر المحققين على النجاسة.
وفيه أولا: أنه غير محقق بعد ذهاب جمع من الأساطين إلى القول بالطهارة.
وثانيا: أنه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.
الوجه الثالث: النصوص الكثيرة، وقيل إن مجموعها يقرب من عشرين حديثا، و
ألسنتها مختلفة.
منها: ما تضمن الأمر بغسل الثوب الذي أصابته خمر أو نبيذ.
كصحيح علي بن مهزيار الآتي، وروي عن غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام إذا أصاب
ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله
كله، وإن صليت فيه فأعد صلاتك (1) الحديث ونحوه غيره.
ومنها: ما تضمن الأمر بإراقة ما قطرت فيه قطرة من خمر وغسل ما لاقته.
كخبر زكريا بن آدم عن أبي الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه
لحم كثير ومرق كثير قال عليه السلام يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله
وكله (2) ونحوه غيره.
ومنها: ما تضمن تنجيس النبيذ.
كخبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام في النبيذ، ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها
ثلاثا (3).
ومنها: غير ذلك مما ورد في الأخبار الكثيرة المستفيضة، التي لا يبعد دعوى القطع
بصدور بعضها عن المعصوم عليه السلام فلا مورد للمناقشة فيها من حيث السند.
وبإزائها، جملة من النصوص الظاهرة أو الصريحة في الطهارة قال الشيخ الأعظم في
طهارته إنها تبلغ اثني عشر حديثا.
كصحيح علي بن رئاب سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي

(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب النجاسات حديث 3.
(2) الوسائل - باب 38 - من أبواب النجاسات حديث 8.
(3) الوسائل - باب 38 - من أبواب النجاسات حديث 6.
199

أغسله أو أصلي فيه قال عليه السلام صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر، إن الله تعالى إنما
حرم شربها. (1)
ومصحح: الحسن به أبي سارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أصاب ثوبي شئ من الخمر
أصلي فيه قبل أن أغسله قال عليه السلام لا بأس إن الثوب لا يسكر (2).
وخبر حفص الأعور قلت لأبي عبد الله عليه السلام الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه
الخل قال عليه السلام نعم (3) ونحوها غيرها.
وقد قيل في مقام الجمع وجوه:
الأول: ما في المدارك وهو حمل نصوص النجاسة على الاستحباب.
وفيه: أن الجمع العرفي بين المتقابلين بحمل الظاهر على النص إنما يكون فيما لو ألقيناهما
على العرف لرأوا أحدهما قرينة على التصرف في الآخر، وفي المقام ليس الأمر كذلك، إذ
الأمر بإهراق المرق وغسل اللحم في خبر زكريا المتقدم، والتصريح بالنجاسة في خبر أبي
بصير، لا يمكن حملهما على الاستحباب والعرف لا يرون نصوص الطهارة قرينة على هذا
التصرف.
الثاني: تقديم نصوص النجاسة لموافقتها للكتاب، وهو، قوله تعالى إنما الخمر الخ المتقدم.
وفيه ما عرفت من عدم دلالته على النجاسة.
الثالث: تقديم نصوص الطهارة لمخالفتها للعامة فإنهم ملتزمون بنجاستها.
فيه أن نصوص النجاسة أيضا مخالفة لهم، من جهة أن ربيعة الرأي الذي هو أحد
قضاتهم المعاصرين للإمام الصادق عليه السلام بأن (4) على طهارتها وكذلك (5) داود.
مع أنه لا شك في أن أمرائهم وسلاطينهم كانوا يشربون الخمر ولا يجتنبونه فأخبار

(1) الوسائل - باب 38 - من أبواب النجاسات حديث 14.
(2) الوسائل - باب 38 - من أبواب النجاسات حديث 10.
(3) الوسائل - باب 51 - من أبواب النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.
(4) راجع احكام القرآن لابن العربي المالكي ج 1 - ص 271.
(5) راجع الميزان للشعراني ج 1 - ص 96.
200

النجاسة مخالفة لعملهم، كما أن أخبار الطهارة مخالفة لحكمهم.
الرابع: أنه يمكن نفي المعارضة بين الطائفتين بأن يقال إن نصوص الطهارة على طائفتين:
الأولى: ما دل على أن إناء الخمر لا ينجس الماء وغيره، كخبر حفص.
الثانية: ما دل على صحة الصلاة مع الثوب الذي أصابه الخمر.
والجمع بينهما وبين نصوص النجاسة، يقتضي حمل الأولى على إرادة بيان أن المتنجس
لا ينجس، والثانية على أن الخمر نجسة معفو عنها، كالدم الأقل من الدرهم، ودم القروح،
والنجاسات في حال الضرورة، ويكون ذلك أخذ بهما، فهي نجسة.
وعلى فرض الإباء عن كون ذلك أيضا جمعا عرفيا، نظرا إلى أن قوله في صحيح ابن
رئاب أغسله أو أصلي فيه، كالصريح في السؤال عن نجاستها فجوابه عليه السلام صل فيه إلا أن
تقذره، لا سيما مع التعليل بأن الله حرم شربها يكون كالصريح في الطهارة.
إلا أنه مع ذلك كله يتعين تقديم نصوص النجاسة للشهرة فإن أول المرجحات هي
الشهرة الفتوائية على ما حقق في محله.
ويؤيد ذلك بل يشهد به صحيح علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن محمد
إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام في الخمر
يصيب ثوب الرجل أنهما قالا لا بأس بأن تصلي فيه إنما حرم شربها وروي عن غير زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت
موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد صلاتك فاعلمني ما آخذ
به، فوقع عليه السلام بخطه وقرأته، خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام.
فإنه ناظر إلى الطائفتين، ومبين لما يكون مقدما، ويجب العمل به عند التعارض وبعبارة
أخرى، إنه من نصوص الترجيح وراجع إلى باب التعادل والترجيح غاية الأمر في مورد
مخصوص ومتضمن لتقديم نص النجاسة، فإن نص الطهارة قول أبي جعفر وأبي
عبد الله عليه السلام معا، لا قول أبي عبد الله خاصة، وأما الآخر فقوله خاصة، والشاهد عليه
مضافا إلى ظهوره عدم تحير السائل في الجواب وعدم السؤال ثانيا أن قول أبي
عبد الله عليه السلام أية رواية فيستكشف من ذلك إرادته عليه السلام خصوص نص النجاسة.
201

فالمتحصل مما ذكرناه نجاسة الخمر.
حكم الشريعة المقدسة في المسكر:
ثم لا اشكال ولا كلام في أن المسكرات المايعة ملحقة بالخمر من حيث حرمة شربها و
قد دلت على ذلك نصوص (1) مستفيضة.
إنما الكلام في أنها هل تكون ملحقة بها من حيث النجاسة أم تكون محكومة بالطهارة و
قد استدل للنجاسة بوجوه:
الوجه الأول: ما في المعتبر والحدائق وهو أن الخمر ليست اسما لخصوص مايع خاص بل
هي اسم لكل مسكر فإن الخمر ما يخامر العقل، فما ساواه في المسمى يساويه في الاسم.
واستند في هذه الدعوى إلى اللغة، والقرآن العزيز، والسنة.
أما اللغة: فلتصريح جمع من اللغويين كأصحاب القاموس، وتاج العروس والمصباح و
البستان، وغيرهم بذلك.
وأما القرآن: فقوله تعالى، إنما الخمر والميسر... الآية (2). روى علي ابن إبراهيم في تفسير
هذه الآية عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام، أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا اخمر
فهو خمر (3) الحديث وفي مجمع البيان عن ابن عباس في تفسيرها يريد بالخمر جميع الأشربة
التي تسكر.
وأما السنة: فجملة من النصوص المتضمنة إن الخمر لا تنحصر بما يتخذ من عصير العنب
كصحيح ابن الحجاج عن الإمام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخمر من خمسة العصير
من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر (4)، و
قريب منه، أخبار علي بن إسحاق الهاشمي والنعمان بن بشير والحسن الحضرمي و

(1) الوسائل - باب 19 و 15 - من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) المائدة آية 90.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب الأشربة المحرمة حديث 5.
(4) الوسائل - باب 1 - من أبواب الأشربة المحرمة حديث 3.
202

غيرهم. (1)
وفيه أنه: لا اشكال في أن الخمر ليست اسما لخصوص ما يؤخذ من العنب بل قد يدعى
أن الخمر من العنب لم يكن لها وجود في زمان نزول الآية المباركة أصلا فتأمل، قال أبو
موسى الأشعري على ما نقل عنه في أقرب الموارد في كلمة التبع خمر المدينة من البسر والتمر.
إنما الكلام في أنها اسم لكل مسكر، أو يتوقف صدقها إلى صنعة خاصة، ولا دلالة في
شئ من النصوص والآية على ذلك وكلمات اللغويين غير متفقة على شئ فلا يثبت بها
ذلك.
بل ظاهر جملة من النصوص كونها اسما لقسم خاص من المسكر كصحيح علي بن
مهزيار المتقدم، إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله.
وخبر، عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى
يغسل (2).
وخبر يونس عن بعض من رواه عن الإمام الصادق عليه السلام إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ
مسكر فاغسله الحديث (3)، ونحوها غيرها فإن عطف المسكر والنبيذ عليها آية التغاير.
ويشهد للتغاير أيضا خبر، علي بن يقطين الآتي، إن الله لم يحرم الخمر لاسمها ولكنه
حرمها لعاقبتها، فإنه كالصريح في عدم صدق الخمر على كل مسكر.
وبالجملة: كل ما يخامر العقل ليس مسمى باسم الخمر قطعا ولذا لم يتوهم أحد صدقها
على المسكر الجامد.
الوجه الثاني: الاجماع المدعى انعقاده على الملازمة بين حرمة شربها ونجاستها.
وفيه أولا: أنه غير محقق كيف وقد ذهب جمع من الأساطين إلى طهارة الخمر فضلا عن
غيرها.
وثانيا: أنه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه لعدم استكشاف رأي
المعصوم عليه السلام منه.

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الأشربة المحرمة.
(2) الوسائل باب 38 من أبواب النجاسات حديث 7 - 3.
(3) الوسائل باب 38 من أبواب النجاسات حديث 7 - 3.
203

الوجه الثالث: النصوص الناهية عن الصلاة في الثوب الذي أصابه المسكر كصحيح علي
بن مهزيار، وموثق عمار المتقدمين آنفا.
والآمرة بإهراق الماء الذي قطرت فيه قطرة من المسكر.
كخبر عمر بن حنظلة قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء
حتى تذهب عاديته ويذهب سكره فقال لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك
الحب (1).
وفيه أن عمر بن حنظلة لم يوثقه أحد، وتلقى الأصحاب خبره الوارد في صفات القاضي
بالقبول ولأجله سمي بالمقبول، لا يستلزم قبول خبره في سائر الموارد.
وأما الصحيح: والموثق، فيعارضهما.
موثق، ابن بكير قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب
الثوب قال عليه السلام لا بأس (2).
والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على استحباب التجنب، مع، اختصاص أكثرها بالنبيذ.
الوجه الرابع: النصوص المتضمنة أن كل مسكر خمر.
كخبر عطاء بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مسكر حرام وكل
مسكر خمر (3).
وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، إن الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها و
لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (4) ونحوهما غيرهما.
وفيه أن الظاهر منها التنزيل والتشبيه بلحاظ الحرمة خاصة، ولذا ترى أن الأصحاب
لم يفهموا من هذه النصوص نجاسة المسكر الجامد.
أضف إلى ذلك ضعف اسنادها، فإذا لا دليل على نجاسة كل مسكر سوى تسالم

(1) الوسائل باب 18 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 1.
(2) الوسائل باب 38 من أبواب النجاسات حديث 11.
(3) الوسائل باب 15 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 5.
(4) الوسائل باب 19 من أبواب الأشربة المحرمة حديث 1.
204

الأصحاب.
ولكن يمكن أن يقال أن النصوص الناهية عن الصلاة في الثوب الذي أصابه المسكر
قسمان، أحدهما، وهو الأكثر، ما يكون مختصا بالنبيذ، ثانيهما، ما يعم كل مسكر كموثق عمار
المتقدم، ودلالة القسم الثاني على النجاسة لعلها ظاهرة فإن النهي عن الصلاة في الثوب الذي
أصابه المسكر قبل أن يغسل طاهر في الارشاد إلى النجاسة.
وبعبارة أخرى أنه لو كان مانعا كان غايته الزوال لا الغسل فمن جعل غايته الغسل
يستكشف كونه نجسا.
ويمكن دفع المعارضة بينه وبين موثق بن بكير المتقدم، بأنه لا ظهور لموثق ابن بكير في
خصوص الصلاة، وقابل للحمل على الانتفاع به في غير الصلاة، فالجمع بينهما بحمل المطلق
على المقيد، يقتضي البناء على جواز الانتفاع به في غير الصلاة، ولزوم التجنب عنه فيها،
فتدبر: فإن للمناقشة في دلالة ذلك على النجاسة نظرا إلى احتمال كونه طاهرا مانعا عن
الصلاة، مجالا واسعا، إلا أن ذلك بضميمة الشهرة والاجماع المنقول، إن لم يكن منشأ للافتاء
بالنجاسة، يكون سببا للاحتياط اللزومي.
فالمتحصل مما ذكرناه نجاسة كل ما يصدق عليه الخمر كان متخذا من العنب أو التمر أو
غيرهما، ولزوم الاحتياط في الاجتناب عن كل مسكر وإن لم يصدق عليه اسم الخمر.
ما استدل به العلامة لطهارة المسكر:
ثم إن العلامة رحمه الله في محكى المختلف لفق قياسا لطهارة المسكر، لا بأس بالتعرض له، و
هو: أن المسكر لا يجب إزالته للصلاة بالاجماع لوقوع الخلاف فيه، وكل نجس يجب إزالته
اجماعا، فينتج أن المسكر ليس بنجس.
وأجاب عنه: بأن الاجماع، في المقدمة الأولى جزء للمحمول، وفي الثانية جهة للقضية
فلم يتكرر الأوسط.
وأورد عليه في محكى المشارق بأن جهة القضية يمكن جعلها جزء للمحمول مع صدق
القضية كان يقال كل نجس قطعي أو ضروري وجوب إزالته.
205

وفيه أنه إذا جعل الاجماع جزء للمحمول، فلا نسلم الاجماع على وجوب إزالة كل
نجس واقعي فلا تصدق القضية، وإن أريد النجس المعلوم فالنتيجة، حينئذ عدم كون
المسكر من النجس المعلوم وهو غير مفيد، هكذا أفاد بعض المحققين وهو متين.
موقف الشريعة الاسلامية من الكحول الصناعية:
قد عرفت أن لها قسمين، أحدهما، ما يؤخذ من الأخشاب، الثاني ما يتخذ من الخمر.
أما القسم الأول: فعلى القول بعدم الدليل على نجاسة كل مسكر، لا كلام في أنه محكوم
بالطهارة لأصالتها، وأما على القول بها، فيمكن البناء على طهارته لوجهين.
1 - إن الكحول المفروضة سم قتال لا تصلح للشرب، ومن يستعملها إنما يستعملها بعد
خلطها بالماء، ولعل في خلط الماء دخلا في تحقق صفة الاسكار وعليه فكونها مسكرة غير
ثابت فمقتضى الأصل طهارتها.
وإن شئت قلت: إن المنشأ لتكون المسكرات إنما هو المادة الكحولية واختلاف مراتب
السكر الحاصل من استعمالها، منشأه زيادة تلك المادة ونقصها مثلا، العرق، مشتمل على
المادة الكحولية بنسبة الأربعين في المائة فما زاد، وسائر الخمور، مشتملة على تلك المادة
بنسبة العشرة في المائة، والفقاع، مشتمل على تلك المادة بنسبة الخمسة في المائة وهكذا.
إلا أن نفس تلك المادة غير مؤثرة بالفعل في الاسكار بل هي قتالة وإنما يحصل لها هذا
الوصف بعد مزجها بمقدار من الماء، ولا أقل من الشك في ذلك، وحيث إن الظاهر من أخذ
كل عنوان في موضوع الحكم دخل فعليته فيه فهي غير مشمولة لما دل على نجاسة كل
مسكر، فيتعين الرجوع إلى أصالة الطهارة.
2 - انصراف المسكر المأخوذ موضوعا في النصوص إلى المسكر المتعارف شربه، وأما ما
لا يمكن شربه، كالكحول الصناعية، لا سيما مع عدم وجوده في زمان صدور الروايات وإن
أوجب الاسكار على تقدير شربه فهو غير مشمول له للانصراف.
فالمتحصل طهارتها على التقديرين.
206

وأما القسم الثاني: فحكمه حكم هذا القسم:
وذلك لأن المصعد من الأعيان النجسة، ما لم ينطبق عليه عنوان آخر نجس، طاهر:
فإن المصعد هو البحار، وهو غير ذلك الموضوع عرفا فموضوع النجاسة ينعدم عرفا فلا محالة
يرتفع حكمه، وما يتحقق بعد التصعيد موضوع آخر بنظر العرف فما لم ينطبق عليه عنوان
نجس محكوم بالطهارة، وعلى فرض الشك في الاستحالة أيضا يحكم بالطهارة، ولا يجري
الاستصحاب، لا الاستصحاب الحكمي للشك في بقاء الموضوع، ولا الموضوعي أي نفس
العنوان الذي رتب عليه الحكم مثل كونه خمرا: لأنه على فرض الاستحالة يكون مال أحيل
إليه غير ما أحيل منه، وما كان متصفا بهذا العنوان سابقا هو الثاني، وما أريد اثباته له في
الزمان اللاحق هو الأول.
وبالجملة: احتمال تحقق الاستحالة الموجبة لتبدل الموضوع مانع عن جريان
الاستصحاب.
لا يقال: إن البخار كالغبار فكما أن الغبار ليس موضوعا مغايرا للتراب فكذلك البخار.
فإنه يجاب عنه: بأن المدعى تغاير البخار لما تصاعد منه عرفا، وعليه فالفرق بينهما إنما
هو من ناحية الصدق العرفي في الغبار دون البخار.
فعلى هذا التمهيد، المصعد من الخمر الذي يعبر عنه ب‍ (العرق) نجس من جهة صدق
عنوان الخمر عليه، والمصعد منها، الذي يعبر عنه ب‍ (جوهر الخمر) الذي هو المادة الكحولية
المحضة يكون طاهرا لعدم صدق عنوان الخمر عليه.
حكم بيع الكحول:
وأما المقام الثاني: فلا اشكال نصا وفتوى في عدم جوز بيع الخمر.
إنما الكلام في موردين:
1 - في بيع غير الخمر من المسكرات المايعة.
2 - في بيع الكحول الصناعية.
أما الأول: فقد استدل لعدم جواز بيع المسكرات المايعة بوجوه.
207

الأول: قول عليه السلام في موثق علي بن يقطين المتقدم فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر، و
نحوه خبره الآخر: بدعوى أنهما بعموم التنزيل يدلان على ترتيب جميع أحكام الخمر على
كل مسكر ومنها حرمة البيع.
وفيه ما تقدم أنهما بقرينة صدرهما ظاهران في التشبيه من حيث الحرمة خاصة.
الثاني: حسن عمار بن مروان عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث والسحت أنواع كثيرة منها
أجور الفواجر، وثمن الخمر، والنبيذ، والمسكر الحديث (1)
وفيه أن الحديث مروي عن غير نسخة التهذيب مع اسقاط لفظ (واو) فيكون المسكر
وصفا للنبيذ فغاية ما يستفاد منه عدم صحة بيع النبيذ المسكر.
الثالث: قوله عليه السلام في خبر عطاء المتقدم في ص 182 كل مسكر خمر، حيث إن ظاهره
ترتيب جميع آثار الخمر على كل مسكر.
وفيه أن الخبر ضعيف لضعف عدة من رواته.
الرابع: صدق الخمر على كل مسكر.
وقد تقدم ما يتوجه عليه فراجع.
فالأظهر جواز المعاملة على المسكر الذي لا يصدق عليه اسم الخمر.
وأما الثاني: فعلى القول بجواز المعاملة على غير الخمر من المسكرات جواز المعاملة على
الكحول ظاهر.
وأما على القول بعدم جوازها، فيمكن القول باختصاص الحكم بما كان المطلوب منه
الشرب والاسكار، وأما الكحول، التي لها منافع أخر كالتعقيم وغير ذلك من المصالح و
الأغراض النوعية فلا يحرم بيعها.
وذلك، أما بناء على كون مدرك التعدي عن الخمر، الاجماع، وتنقيح المناط فواضح، و
أما بناء على كون المدرك الروايات الخاصة فلانصرافها عنه كما ادعاه المحقق النائيني رحمه الله.
فالمتحصل مما ذكرناه طهارة الكحول الصناعية وجواز المعاملة عليها.

(1) الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به - من كتاب التجارة حديث 1.
208

الصورة والتصوير
موقف الشريعة المقدسة من التصوير -
التصوير بغير المجسمة جائز - حكم الشريعة
في التصوير المتعارف في هذا الزمان - التمكين
من أخذ الصورة - حكم المعاملة الواقعة على
الصورة - حكم النظر إلى الصورة.
209

من الأمور الشايعة في هذا الزمان المستحدثة، التصوير بالآلة المصورة (الكاميرا) يكون
بوقوف الانسان مثلا مقابل الآلة فيقع ظله على المكينة من جهة كونه حائلا بينها وبين
النور، ويثبت فيها بالدواء، ثم تؤخذ الصورة من ذلك الظل المحفوظ هناك، فلا بد لنا من
بيان موقف الشريعة الاسلامية منها ومن المعاملة الواقعة عليها.
وتنقيح الكلام بالبحث في موارد:
1 - في حكم التصوير بغير المجسمة.
2 - على القول بالحرمة في المورد الأول هل ينطبق موضوع الحكم على التصوير المتعارف
في هذا الزمان، أم لا.
3 - في أنه على القول بالحرمة هل يجوز اقتنائها فيصح ايقاع المعاملة عليها أم لا.
4 - في أنه، هل يجوز النظر إلى الصورة إن لم تكن للمماثل أم لا.
موقف الشريعة من التصوير بغير المجسمة:
أما المورد الأول: فلا اشكال ولا كلام في حرمة التصوير في الجملة، وفي الجواهر: بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض، والأقوال في هذه المسألة خمسة:
أحدها: حرمة التصاوير مطلقا، سواء أكانت مجسمة، أم غير مجسمة، وسواء أكانت
211

لذوات الأرواح، أم غيرها، وعن المختلف نسبة هذا القول إلى ابن البراج وظاهر أبي
الصلاح.
ثانيها: حرمة التصاوير مطلقا إذا كانت مجسمة، وقد نسب ذلك إلى الشيخين، وسلار.
ثالثها: حرمة تصاوير ذوات الأرواح، سواء أكانت مجسمة أم غيرها، اختاره الشيخ
الأعظم رحمه الله وفاقا لجماعة من الأساطين على ما نقله عنهم.
رابعها: حرمة تصاوير ذوات الأرواح مطلقا وغيرها إذا كانت مجسمة.
خامسها: حرمة تصاوير ذوات الأرواح إذا كانت مجسمة، وهذا هو المتفق عليه بينهم
اختاره جمع من الأساطين من المعاصرين وممن يقرب عصرنا.
والنصوص الواردة في المقام على طوائف:
1 - ما استدل به على حرمة التصاوير مطلقا، مجسمة كانت، أم غيرها ذوات الأرواح أو
غيرها.
كخبر، محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال أمير المؤمنين عليه السلام
إياكم وعمل الصور فإنكم تسألون عنها يوم القيامة (1).
وخبر، الأصبغ بن نباتة عنه عليه السلام من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام (2).
وخبر الحضرمي عن عبد الله بن طلحة عن الإمام الصادق عليه السلام من أكل السحت سبعة
إلى أن قال والذين يصورون التماثيل (3) ونحوها غيرها.
وفيه: أن خبر محمد بن مسلم ضعيف بقاسم بن يحيى، وهو وإن كان كثير الرواية،
والأصحاب أفتوا بمضامين رواياته، والأجلاء كأحمد بن محمد بن عيسى وغيره يروون
عنه، ولم يضعفه شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال غير ابن الغضائري و
العلامة، إلا أنه لم يوثق وذلك بضميمة تضعيف العلمين كاف في عدم قبول روايته.
مع أنه يمكن أن يقال بعدم العلم بظهور الصورة فيما يشمل غير المجسمة، بل لا يبعد
ظهورها في المجسمة من جهة أن المتعلق صورة الحيوان مثلا، والنقش غير الجسم دائما

(1) المستدرك - باب 75 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
(2) التهذيب - ج 1 - باب دفن الميت ص 130 الوسائل باب 3 من أبواب المساكن حديث 10.
(3) المستدرك باب 75 من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
212

صورة لجانب من جوانب ذي الصورة وصورة جزء منه لا صورة حيوان تام.
وأما خبر الأصبغ، فمضافا إلى ضعف سنده بأبي الجارود يكون هو وما بمضمونه من
الأخبار مختصة بالمجسمة، لظهور المثال فيها من ناحية إن مثال الشئ عبارة عن مماثله من
جميع الجهات الست.
وأما خبر الحضرمي فهو أيضا ضعيف لعبد الله بن طلحة، ولعدم ثبوت اعتبار كتاب
الحضرمي.
مع أنه وما بمضمونه أيضا مختصة بالمجسمة، فإن مفادها جعل التماثيل وعملها فمفادها،
مفاد ما تقدمها.
2 - ما يكون ظاهرا في حرمة التصاوير إذا كانت مجسمة مطلقا، وهي النصوص الناهية
عن التمثال، المتقدم بعضها.
ولكنها ضعيفة السند بأجمعها.
3 - ما يكون ظاهرا، في حرمة تصاوير ذوات الأرواح مطلقا.
مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التصاوير، وقال
من صور صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ إلى أن قال، ونهى أن
ينقش شئ من الحيوان على الخاتم (1).
وخبر سعيد عن مولانا الباقر عليه السلام إن الذين يؤذون الله ورسوله هم المصورون و
يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا فيها الروح (2) ونحوهما غيرهما.
أما نصوص نفخ الروح، فهي كما تختص بذوات الأرواح، من جهة أن الظاهر منها إن
عدم القدرة على النفخ في الصورة إنما يكون لعجز النافخ وعليه فلا بد أن يكون المحل في
نفسه قابلا لذلك... تكون مختصة بالمجسمة من جهة، إن الظاهر منها، حرمة تصوير ما لو
نفخ فيه الروح لصار حيوانا متعارفا ولا يكون المنفوخ فيه ناقصا عن مشابهه من
المخلوقات بحسب الشكل والجثة إلا من حيث الروح فيؤمر بتتميمه بنفخ الروح فيه.

(1) الوسائل - باب 94 - من أبواب ما يكتسب به حديث 6.
(2) الوسائل - باب 3 - من أبواب احكام المساكن حديث 12 من كتاب الصلاة.
213

وأما: ذيل، خبر ابن واقد، ونهى أن ينقش... الخ فهو وإن كان دالا على ما ذكر إلا أنه
ضعيف السند لشعيب بن واقد.
4 - ما يدل على حرمة تصاوير ذوات الأرواح إذا كانت مجسمة وجواز تصاوير غيرها
مطلقا.
كصحيح. البقباق عن سيدنا الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل يعملون له ما يشاء من
محاريب وتماثيل، فقال والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه (1)، فإن
ذكر الرجال والنساء فيه إنما يكون من باب المثال ويشهد له ذيله.
وصحيح زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام لا بأس بتماثيل الشجر (2).
وصحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر
فقال عليه السلام لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان (3).
فالمتحصل مما ذكرناه إن النصوص التي تكون معتبرة متفقة على حرمة تصاوير ذوات الأرواح إذا كانت مجسمة، والطائفة الرابعة تدل على جواز تصاوير غيرها فعلى فرض
وجود مطلق دال على حرمة التصوير مطلقا يقيد اطلاقه بها.
موقف الشريعة من التصوير المتعارف في هذا الزمان:
وأما المورد الثاني: فعلى ما اخترناه من جواز التصاوير إذا لم تكن مجسمة لا اشكال في
الجواز كما هو واضح، وأما، على القول بحرمة تصوير غير ذي الروح وإن لم يكن مجسما فقد
يقال بجواز أخذ الصورة أيضا.
ومحصل ما ذكره بعض الأساطين في وجه ذلك وجوه:
1 - إنه ليس ايجادا للصورة المحرمة فإن الانسان إذا وقف في مقابل الآلة المصورة يقع
ظله على الآلة ويثبت فيها بالدواء فيكون صورة لذي ظل.

(1) الوسائل - باب 94 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 1.
(2) الوسائل - باب 94 - من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
(3) الوسائل - باب 94 - من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
214

2 - إن لازم القول بحرمة ذلك القول بحرمة النظر إلى المرآة إذ لا فرق في حرمة التصوير
بين بقاء الصورة مدة قليلة أو مدة مديدة.
3 - إنه قد اشتهر انطباع صور الأشياء في شجرة الجوز في بعض الأحيان، فهل يحتمل أن
يتفوه أحد بحرمة الوقوف في مقابلها في ذلك الحين، وأي فرق بينه وبين أخذ الصورة.
وفي الجميع نظر.
أما الأول: فلأن في أخذ الصورة بالآلة أمرين، الأول، ما ذكره من وقوع الظل على الآلة
واثباته فيها بالدواء، الثاني، أخذ الصورة من ذلك الظل المحفوظ هناك، والأول لا يصدق
عليه الصورة وإنما هو عكس الصورة، ولهذا لا يحرم، وأما الثاني، فهو صورة حقيقة و
يصدق على فعله إنه ايجاد للصورة
وأما الثاني: فلأنه يمكن أن يقال إن الابصار ليس بالانطباع بل إنما هو بخروج الشعاع
فيكون المبصر بالفتح الانسان نفسه لا صورته.
وأما الثالث: فلأنه على القول بحرمة التصاوير وإن لم تكن مجسمة لا مانع من الالتزام
بحرمة الوقوف في مقابلها في ذلك الوقت اختيارا بقصد تحقق الصورة، وإن أبيت إلا عن عدم
حرمته فليكن ذلك دليلا على ضعف المبنى.
فتحصل: أنه على القول بحرمة التصوير مطلقا يحرم أخذ الصورة بالآلة أي العمل الثاني
الذي يعمله المصور، ولكن قد عرفت اختصاص الحرمة بالمجسمة فلا اشكال في الجواز.
التمكين من أخذ الصورة:
ثم إنه بناء على ما اخترناه من جواز أخذ الصورة لا اشكال في جواز التمكين منه.
وأما على القول بعدم الجواز، فهل يجوز التمكين منه أم لا وجهان، أقواهما الأول فإن ما
يتحقق بالوقوف في مقابل الآلة المصورة ويبقى بواسطة الدواء إنما هو العكس لا الصورة، و
ما يؤخذ من ذلك العكس بالعمل الثاني غير مرتبط به، فلا وجه للقول بالحرمة نظرا إلى أن
تحقق الصورة إنما يكون بفعلهما معا.
ودعوى أن الوقوف في مقابل الآلة يكون إعانة على الإثم إذ لولا ذلك لما تمكن المصور
من أخذ الصورة فيحرم لهذه الجهة.
215

مندفعة بما تقدم من أن الإعانة على الإثم في غير الموارد الخاصة التي ليس المقام منها لا
دليل على حرمتها.
مع أن صدقها على فعل ما يكون من قبيل ايجاد الموضوع محل تأمل ومنع.
حكم المعاملة الواقعة على الصورة:
وأما المورد الثالث: فعلى ما اخترناه من جواز أخذ الصورة، لا ينبغي التوقف في جواز
ايقاع المعاملة عليها، فإنه مقتضى العمومات والاطلاقات من الآيات والروايات الواردة
في جواز الاكتساب بأي نحو كان إلا ما خرج بالدليل.
وأما على القول بعدم الجواز، فيمكن الاستدلال لجوازه بوجهين:
الوجه الأول: إن التصوير وإن فرض كونه حراما إلا أن اقتناء الصورة والتزيين بها
جائز، فإذا جاز ذلك كانت الصورة مما له فائدة ومنفعة محللة فيجوز ايقاع المعاملة عليها،
أما جواز اقتنائها، فيشهد له جملة من النصوص.
كصحيح، الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ربما قمت فأصلي وبين يدي الوسادة وفيها تماثيل
طير فجعلت عليها ثوبا (1)، وظهوره في جواز الاقتناء لا يقبل الانكار.
وحمله، على ما إذا كان هناك مانع عن الإزالة، خلاف الظاهر قطعا.
ومرسل، ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام عن التماثيل تكون في
البساط فتقع عينك عليها وأنت تصلي، فقال عليه السلام إن كان لها عين واحدة، فلا بأس وإن كان
له عينان فلا (2)، فإنه ظاهر في أن المنع إنما هو لأجل الصلاة وهو يرتفع إذا كانت بعين واحدة،
واحتمال، وروده في مقام بيان حكم الصلاة خاصة وأنه لا ينافي حرمة الاقتناء، خلاف
الظاهر جدا.
وصحيح، محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال له رجل رحمك الله ما هذه

(1) الوسائل - باب 32 - من أبواب مكان المصلي حديث 2.
(2) الوسائل - باب 32 - من أبواب مكان المصلي حديث 6.
216

التماثيل التي أراها في بيوتكم، فقال هذا للنساء أو بيوت النساء (1) ونحوها غيرها، وبهذه
النصوص يصرف النصوص (2) الظاهرة في المنع عن الاقتناء عن ظاهرها وتحمل على
الكراهة.
فإذا ثبت جاز اقتنائها فهي مما له منفعة محللة، فمقتضى العمومات جواز ايقاع المعاوضة
عليها.
الوجه الثاني: إن نصوص اقتناء الوسائد التي فيها الصور.
كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل فقال لا
بأس به يكون في البيت (3) ونحوه غيره من الأخبار الكثيرة.
تدل على جواز ايقاع المعاوضة فإنها تشترى من السوق غالبا.
النظر إلى الصورة:
أما المورد الرابع: وهو أنه، هل يجوز للرجل أن ينظر إلى صورة المرأة التي لا يجوز له
النظر إليها نفسها، وللمرأة النظر إلى صورة الرجل الذي لا تحل لها النظر إليه، أم لا، ففيه
أقوال.
ثالثها، التفصيل بين كون المنظور إليه يعلم أنه صورة شخص معين معروف عند الناظر، و
بين كونه صورة لغير معروف فيحوز في الثاني دون الأول.
وقد استدل لعدم الجواز بعموم الآية الشريفة " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، و
قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن " (4) فإنها متضمنة للأمر بغض البصر ولم يذكر فيها
متعلقة ولم يخصه بالنظر إلى المرأة نفسها، وهذه آية العموم لأن حذف المتعلق يفيد العموم
فمقتضى الآية الكريمة عدم جواز النظر إلى الصورة مطلقا.
وفيه: أن الغض ليس بمعنى ترك النظر، بل أصل الغض النقصان يقال غض من صلاته

(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب احكام المساكن حديث 6 - كتاب الصلاة.
(2) المروية في الوسائل في البابين وغيرهما.
(3) الوسائل - باب 4 - من أبواب احكام المساكن حديث 2.
(4) النور - آية 30.
217

ومن بصره أي نقص، ومنه حديث عمرو بن العاص لما مات عبد الرحمن بن عوف هنيئا لك
خرجت من الدنيا ببطنتك لم تتغضض منها بشئ ومنه قوله تعالى " واغضض من
صوتك " (1)، أي أنقص من جهارته.
مع أنه لو سلم كون المراد به في الآية الشريفة ترك النظر، حيث إن في كلمة، من، وجوها،
كونه لابتداء الغاية، وكونها مزيدة، وكونها للتبعيض والأظهر سيما بملاحظة أنه لا يجب
الغض من كل شئ، والالتزام بالتخصيص يوجب تخصيص الأكثر، هو الأخير، وعليه،
فلا بد من التقدير لأنهم قالوا إن من التبعيضية تعرف بأن يكون هناك شئ هو بعض
المجرور بمن، إما ظاهرا كما في قوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة " (2) أو مقدرا، مثل، أخذت
من الدراهم أي شيئا.
والتقدير في الآية يغضوا من أبصارهم شيئا، وبما أن التبعيض بلحاظ البصر لا معنى له
فلا بد وأن يكون باعتبار المبصرات.
فالمتحصل من الآية لزوم غض البصر عما يحرم، أو عن بعض المواضع.
ولعله لذلك فسر الآية الشريفة في مجمع البيان، بلزوم الغض عما لا يحل لهم النظر إليه،
ونسب ذلك إلى الزمخشري أيضا.
فإن قيل: إن لازم ذلك اجمال الآية وعدم استفادة شئ منها.
أجبنا عنه: بأن المتيقن بل الظاهر منها بقرينة ما قبلها من الآيات وما في ذيلها هو النظر
إلى الأجنبية نفسها أو العورة منها، ومن المماثل.
وقد يستدل له بالعلم بعدم الفرق بين النظر إلى المرأة، وصورتها لأنها هي بعينها، فالنظر
إليهما سيان بحسب الارتكاز.
وهذا الوجه ليس بعيدا، سيما فيمن تعرف من الأجنبيات.
ولو لم يتم ذلك أيضا يتعين الرجوع إلى أصالة البراءة المقتضية لجواز النظر مطلقا.

(1) سورة لقمان - آية 19.
(2) سورة التوبة - آية 103.
218

حق التأليف
حكم الشريعة في منع المؤلف غيره من طبع
ما ألف - حقيقة المال - حقيقة الإضافة الملكية
وأقسامها - ومراتبها - الانتفاع بالمؤلفات -
موقف الشريعة من ما طبع ونشر بلا رضا
صاحبه - حكم المعاملة على هذا الحق -
لا يصح جعله مبيعا.
219

من الموضوعات التي لم تكن في عصر صاحب الشريعة الخالدة وعصور
الأئمة عليهم السلام وحدثت بعد ذلك، الطبع، أي طبع المؤلفات ونشرها، لا كلام في أنه بنفسه أمر
سائغ وفي بعض الموارد مطلوب، كما لا كلام في أنه إذا تصدى المؤلف للطبع وبذل ما يتوقف
عليه ذلك من المال تكون المطبوعات له.
إنما الكلام في موارد:
1 - في أنه هل للمؤلف منع الغير من طبع ما ألف، لا يسوغ للغير التصدي لذلك ما لم
يأذن له، أم ليس له ذلك.
2 - إذا تصدى الغير له بلا إذنه بل ومع منعه، هل تكون المطبوعات بأجمعها للمتصدي
للطبع، أم للمؤلف شئ منها.
3 - هل للمالك أن يعطي هذا الحق بالغير ويأخذ بإزائه شيئا، أم لا.
حكم طبع ما ألفه الغير:
أما المورد الأول: فتنقيح القول فيه يتوقف على بيان أمور.
1 - بيان حقيقة المال.
2 - بيان الإضافة الملكية وأقسامها.
3 - مراتب الملكية.
221

حقيقة المال:
أما الأول: فقد أشبعنا الكلام فيه في المسألة الثالثة من المسائل المستحدثة وبينا أن مالية
الأشياء تكون على نحوين:
الأول: ما تكون ماليته ذاتية أي تنتزع من نفس الشئ نظرا إلى أن فيه منفعة عائدة إلى
الانسان، ويكون في حد ذاته مما يميل إليه النوع ويبذلون بإزائه شيئا، وبعبارة أخرى كونه
ذا منفعة عائدة إلى الانسان.
الثاني: ما تكون ماليته اعتبارية وجعلية، كالنقود، وله أقسام بيناها في تلك المسألة.
حقيقة الإضافة الملكية وأقسامها:
وأما الأمر الثاني: فحقيقة الملكية هي السلطنة والإحاطة ولها أقسام ومراتب. أما
أقسامها:
فهي قد تكون إضافة ذاتية تكوينية، وقد تكون عرضية تحصل بالأمور الخارجية، أما
الأولى، فكالإضافة الحاصلة بين الانسان، ونفسه وذمته، وأعماله ونتائج أعماله، فإنها
مملوكة له بالملكية الذاتية.
والمراد بالذاتي، ما لا يتوقف تحققه على أمر خارجي تكويني أو اعتباري لا الذاتي في
باب الكليات الخمس، وهو الجنس والفصل، ولا الذاتي في باب البرهان وهو ما ينتزع من
مقام الذات.
والمراد بالملكية: هي السلطنة والإحاطة، لا الملكية الاعتبارية.
والشاهد على كون هذه الأشياء مملوكة بالملكية الذاتية للانسان، السيرة القطعية
العقلائية بل الضرورة والوجدان فإنها حاكمة بأن الانسان مسلط على نفسه وعمله، و
بديهي أن الشارع الأقدس أمضى هذه السلطنة ولم يمنع الناس عن التصرف الراجع إلى
أنفسهم وأعمالهم.
وأما الثانية: أي الإضافة العرضية فهي ربما تكون إضافة أولية استقلالية أي، إضافة لم
222

تسبق إضافة ذلك المال إلى غيره ولا تكون بلحاظ تبعيتها لغيرها، كالإضافة، الحاصلة
بالعمل أو الحيازة أو هما معا.
والأول: كالعمل الذي يعمله الانسان فيحصل منه المال، كما لو جعل الخشب سريرا
فإن الصورة السريرية توجب تحقق إضافة مالية أخرى وراء المالية المتقومة بالخشب وهي
إنما حصلت بالعمل.
الثاني: كحيازة المباحات التي قام بناء العقلاء على كونها مملكة.
الثالث: كمن حاز شجرا، أو ترابا، فجعله سريرا، أو كوزا.
وربما تكون أولية تبعية، كالإضافة الحاصلة بين الانسان ونتائج أمواله فإنها تضاف إلى
مالك الأصول بتبع ما حصلت منه.
وربما تكون الإضافة ثانوية، وهي على قسمين قهرية، واختيارية
والأول: كالإضافة الحاصلة بالإرث.
والثاني: كالإضافة الحاصلة بالمعاملات، وأما مراتبها، فهي أربع:
مراتب الملكية:
1 - الملكية الحقيقية: وهي عبارة عن السلطنة التامة بنحو يكون زمام أمر المملوك بيد
المالك حدوثا وبقاء وهي مخصوصة بالله تعالى.
2 - الملكية الذاتية: وهي الحاصلة بين الشخص ونفسه وعلمه وذمته وقد تقدم بيان
المراد بالذاتي، وهذه المرتبة من الملكية دون مرتبة الواجدية الحقيقة المختصة بالله تعالى.
3 - الملكية المقولية: وهي عبارة عن الهيئة الحاصلة من التعمم والتقمص وما شاكل.
4 - الملكية الاعتبارية: وهي التي يعتبرها العقلاء أو الشارع لشخص خاص من جهة
المصلحة الداعية إلى ذلك.
إذا تمت هذه التمهيدات:
فمن ألف شيئا، يكون ذلك نتيجة أعماله وتفكره فهو يكون مملوكا له وتحت سلطنة، فله
223

من الغير من التصرف فيه بالطبع والنشر: لأن الناس مسلطون على أموالهم عرفا وشرعا،
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الناس مسلطون على أموالهم (1).
ولا يتوهم: إنا ندعي أن مجموع ما دون بهذا القيد مملوك لا يجوز التصرف فيه بغير إذنه،
حتى يقال إن النظر إليه والاستنساخ منه لا يعدان تصرفا فيه كي لا يجوزان.
بل ندعي إن جمع المتشتتات والأفكار الجديدة وغير الجديدة يكون نتيجة عمل
المؤلف، والتصرف فيه عرفا إنما يكون، بالاستنساخ، وتكثير النسخ فلا يجوز ذلك.
فالمتحصل أن للمؤلف المنع من ذلك، بل لا يجوز التصرف بلا احراز رضاه.
الانتفاع بالمؤلفات:
قد يتوهم، أن لازم ما ذكرناه أن لا يجوز الانتفاع بالكتب المؤلفة والاستفادة منها لأحد
ما لم يحرز رضا صاحبه، وهو خلاف السيرة القطعية.
ولكن يتوجه عليه، أنه لا اشكال في حرمة التصرف في مال الغير من دون رضاه كما
يشهد به، قوله عجل الله فرجه في.
خبر الاحتجاج عن الإمام الحجة أرواحنا فداه في حديث، فلا يحل لأحد أن يتصرف
في مال غيره بغير إذنه (2).
وقول: الإمام الصادق عليه السلام في موثق سماعة، فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا
بطيبة نفس منه (3).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر تحف العقول ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفسه منه (4).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر غوالي اللئالي المسلم أخو المسلم لا يحل ماله إلا عن طيب نفسه (5) و

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع الجديد و ج 2 ص 272.
(2) الاحتجاج ص 267 عن الأسدي عن العمري عنه ع والوسائل باب 3 من الأنفال حديث 7.
(3) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي حديث 1.
(4) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي حديث 3.
(5) المستدرك باب 3 من أبواب مكان المصلي حديث 1.
224

قول. الإمام الرضا عليه السلام في.
خبر، محمد بن يزيد الطبري في جواب السؤال عن الإذن في الخمس كتب إليه، لا يحل
مال إلا من وجه أحله الله تعالى (1). الحديث
فإن الحل في اللغة هو الاطلاق والارسال، وإذا أسند ذلك إلى الأعيان الخارجية كما في
الروايات وقوله تعالى، " ويحل لهم الطيبات " (2)، أريد به الترخيص في الفعل، وحيث لا
معنى لحلية ذلك إلا باعتبار ما يناسبه، وفي المقام المناسب هو التصرف كما صرح به في
التوقيع الشريف، فالمراد من الروايات أن الشارع الأقدس لم يرخص في التصرف في مال
امرئ إلا بطيب نفسه.
إلا أنه لا دليل على حرمة الانتفاع ما لم يعد تصرفا بل الظاهر جوازه كما في الاستضاءة
والاصطلاء بنور الغير وناره، وعليه فمجرد الانتفاع بالمؤلفات لا دليل على عدم جوازه،
والمتبع في صدق التصرف هو العرف، ولا ريب في أنهم يرون نشر المؤلف تصرفا فيه، و
مطالعة الكتاب لا تعد تصرفا إلا في الكتاب نفسه.
حكم الشريعة فيما طبع ونشر بلا رضا صاحبه:
وأما المورد الثاني: فبعد ما عرفت من أن مجموع ما ألف بهذه الصورة نتيجة عمل المؤلف
ومملوك له بالملكية الذاتية، إذا طبع الغير ذلك، بما أن هناك مالين أحدهما، للمتصدي للطبع
وهو واضح، ثانيهما، للمؤلف فإن التأليف أوجب تحقق إضافة مالية قائمة بما ألف كما تقدم،
فلا محالة يشتركان في المطبوعات.
فإن قيل: إن المالية صفة وجودية ولا بد لها من محل وما ألف لا وجود خارجي له فإن
ماله وجود لفظي أو كتبي خارجي لا يطبع والمحكى به لا وجود له.
أجبنا عنه: إن المالية كما عرفت لا تكون من المقولات الخارجية بل هي متقومة برغبة

(1) الوسائل باب 3 من الأنفال حديث 2.
(2) الأعراف - آية 157.
225

الناس في الشئ رغبه عقلائية.
ولذا يكون الكلي في الذمة مالا، مع أنه لا وجود خارجي له: وقامت الضرورة و
الاجماع على أن عمل العبد، وعمل الحر بعد وقوع المعاوضة عليه مال.
وبالجملة: إن المالية لا مانع من كون محلها كليا أو عملا غير موجود.
وعلى هذا: فبعد الطبع إن توافقا على شئ فهو، وإلا، فيعامل مع ما طبع معاملة المال
المشترك إن رضي المؤلف بالنشر، وإلا فإن كان إذن في الطبع ثم ندم عن النشر فإن كان مجرد
الإذن له ذلك، ولكن لا بد وأن يغرم ما أنفقه المتصدي من المال، فإن المغرور يرجع إلى من
غره، وإلا فلا شئ عليه.
حكم المعاملة على هذا الحق:
وأما المورد الثالث: فحيث إن ذلك مال عرفا وشرعا كما تقدم فيصح أخذ المال بإزاء
اعطائه للغير وهذا واضح بناء على ما تقدم.
إنما الكلام في أنه، هل يصح جعله مبيعا، أم لا.
والأظهر عدم صحته إذ يعتبر في البيع كون المبيع من الأعيان، والمراد بالعين هو
الموجود المتعين الخارجي، وما لو وجد لكان من المتعينات الخارجية فتشمل الأعيان
الخارجية، والكلي المشاع، والكلي في المعين، والكلي الذمي وتخرج المنفعة والحق.
ويشهد لاعتبار كون المبيع كذلك، إن البيع من المفاهيم العرفية والامضاء الشرعي
متعلق به، ولعل اختصاص البيع بنقل الأعيان من الأمور الواضحة عندهم بحسب المتفاهم
العرفي.
والظاهر إلى هذا نظر الفقهاء قدس الله أسراهم، حيث استدلوا للاختصاص.
تارة، بالتبادر.
وأخرى بصحة سلب البيع عن تمليك المنفعة بعوض.
وثالثة: بانصراف الأدلة إلى ما هو المعهود خارجا من جعل المعوض في البيع عينا.
لا يقال: إن البيع بحسب متفاهم أهل هذا الزمان وإن اختص بنقل الأعيان إلا أن المعيار
226

هو عرف زمان الشارع الأقدس.
فإنه يندفع ذلك، أولا، أنه إن ثبت ذلك في هذا الزمان يبنى على كونه كذلك في
زمانه صلى الله عليه وآله وسلم لأصالة عدم النقل المعبر عنها، بالاستصحاب القهقري الذي، على جريانه بناء
العقلاء وسيرة العلماء، ولولاه لا نسد عليهم باب الاجتهاد لعدم احراز كون الروايات
ظاهرة في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم في المعاني التي تكون ظاهرة فيها، الآن إلا بذلك.
وثانيا: أن الشك في شمول البيع لنقل غير العين مانع عن التمسك بعمومات الصحة و
يتعين البناء على الاختصاص حينئذ لأصالة الفساد.
ويؤيد ما اخترناه من الاختصاص، أمور:
1 - استقرار اصطلاح الفقهاء عليه في تعيين الثمن والمثمن يعني، أنهم إذا أرادوا تمييز
البايع عن المشتري، والثمن عن المثمن جعلوا مالك العين بايعا ومالك المنفعة مثلا مشتريا.
2 - الاجماع.
3 - أنه لا فرق بين الإجارة والبيع إلا في أن البيع لنقل الأعيان والإجارة لنقل المنافع
بناء على ما حقق في محله من أن حقيقة الإجارة تمليك المنفعة بعوض.
واستدل لعدم الاختصاص بوجهين:
الأول: ما عن المصباح من تعريف البيع بأنه مبادلة مال بمال، وهذا كما يشمل نقل
الأعيان يشمل نقل المنافع.
وفيه: ما حقق في محله من عدم تمامية تعريف المصباح، وعدم حجيته.
الثاني: اطلاق البيع على نقل المنافع في جملة من النصوص.
منها: النصوص الدالة على بيع خدمة المدبر، كخبر السكوني عن الإمام علي
أمير المؤمنين عليه السلام. قال: باع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خدمة المدبر ولم يبع رقبته (1) ونحوه غيره.
ومنها: النصوص الدالة على بيع سكنى الدار.
كموثق، إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في

(1) الوسائل باب 3 من أبواب التدبير من كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد حديث 4.
227

يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي
فيبيعها ويأخذ ثمنها قال عليه السلام ما أحب أن يبيع ما ليس له، إلى أن قال يبيع سكناها أو مكانها
في يده فيقول أبيع سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي قال عليه السلام نعم يبيعها على هذا (1).
ومنها: النصوص (2) الواردة في بيع الأراضي الخراجية.
وفيه: أن الاستعمال أعم من الحقيقة، وأصالة الحقيقة إنما يرجع إليها لتشخيص المراد لا
لتعيين الموضوع له بعد معلومية المراد، فالأظهر هو الاختصاص.
وعلى هذا فلا يصح بيع ذا الحق أي جعله مبيعا.
نعم: يجوز جعله عوضا. والمصالحة عليه، وهبته، وما شاكل.
فالمتحصل: جوازه اعطاء هذا الحق بالغير، وأخذ شئ بإزائه، غاية الأمر يعتبران لا
يكون الاعطاء بعنوان البيع.

(1) الوسائل باب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
(2) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو.
228

حق امتياز نشر الأخبار
موضوع البحث - هل للحكومة منع الغير
من نشر الأخبار المتعلقة بها أو بالمملكة - هل
لها اعطاء هذا الحق إلى الغير أم لا - ما يأخذه
الحكومة بإزاء هذا الحق - الإباحة بالعوض -
حقيقتها - والدليل على صحتها - ولزومها -
ما يأخذه الحكومة جريمة.
229

من الموضوعات التي كثر التساؤل عن حكمها، حق امتياز نشر الأخبار ولا أدري يقينا
ثبوته خارجا، ولكن المعروف أنه ثابت في بعض الأحيان كأيام الحرب، وقد نقل لي ثقة،
إنه في زمان كان، إيران فوق بركان، على أثر مناقشة الحكومة مع شركة البترول الإنجليزية
الإيرانية، دولة داخل الدولة بل لعلها وحدها أصبحت الدولة في إيران، وبالتبع مع دولة
انكلترا، عن البترول الذي هو عصب الحرب دون نزاع، أعطى الحكومة هذا الحق ببعض
المخبرين، واتفق مرة واحدة إن شخصا آخر غير من له الحق أرسل خبرا مهما قبل ذلك
المخبر فأغرمته الحكومة وأعطتها لمن له الحق.
موضوع البحث:
وكيف كان فموضوع البحث إنه في بعض الأحيان كأيام الحرب مثلا ربما يعطى الحكومة
امتيازا لبعض المخبرين، بنقل الأخبار المتعلقة بالدولة، بحيث إذا أخذ الخبر غيره وخابره
يكون مخالفا وملزما بدفع مبلغ خاص، وبإزاء اعطاء هذا الحق قد يأخذ مبلغا معينا وقد
يأخذ امتيازا آخر.
وتنقيح القول فيه بالبحث في موارد:
1 - هل للحكومة منع الغير من نشر الخبر، المتعلق بها أو المملكة، فلا يسوغ له النشر مع
231

منعها، أم لا.
2 - هل لها اعطاء هذا الحق إلى الغير، أم لا.
3 - هل لها أخذ المال بإزاء اعطاء هذا الحق، أم لا.
4 - موقف الشريعة مما يأخذه الحكومة بعنوان الغرامة.
المنع من نشر الخبر:
أما المورد الأول: فالحق أن لها ذلك، ويظهر ببيان أمور:
الأول: ما تقدم في المسألة السابقة، من أن حقيقة الملكية هي السلطنة والإحاطة ولها
أقسام ومراتب، وإن من أقسامها، الملكية الذاتية، وهي الإضافة الحاصلة بين المالك، و
نفسه وذمته، وأعماله، ونتائج أعماله، فإنها مملوكة له بالملكية الذاتية، ومن هذا القبيل -
قوله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام " إني لا أملك إلا نفسي " (1) وتقدم أيضا، أن هذه
الملكية دون الملكية الحقيقة المختصة بالله تعالى.
الثاني: إنه قد تقدم في المسألة الثالثة، أن مالية الأشياء تكون على نحوين.
أحدهما: ما تكون ماليته ذاتية أي تنتزع من نفس الشئ نظرا إلى ما فيه من المنفعة
العائدة إلى الانسان.
ثانيهما: ما تكون ماليته اعتبارية وجعلية كالنقود، ولهذا القسم أنواع بيناها هناك.
الثالث: إن لكل مالك منع غيره ومن التصرف في ماله، وهذا مضافا إلى وضوحه بيناه في
المسألة السابقة.
مالكية الحكومة:
الرابع: إن الحكومة التي تمثل القوة الحاكمة على الأمة وهي من الأمور الاعتبارية
العقلائية ويعتبرونها لشخص أو لعدة أشخاص، قابلة لأن تكون هي المالكة، فإن الملكية

(1) المائدة - آية 25.
232

غير المقولية الخارجية والملكية الحقيقية من الاعتباريات والاعتبار لا يحتاج إلا إلى طرف
في أفق الاعتبار وهو كما يكون عينا خارجية، يمكن أن يكون كليا في الذمة، ويمكن أن
يكون اعتباريا ولذا، ترى إفتاء الفقهاء بأن الزكاة والخمس يملكهما طبيعي المستحق لهما مع أنه لم يعتبر وجودهما.
وأيضا لا خلاف في صحة تمليك الكلي الذمي في بيع السلف ونحوه.
وعليه فيمكن أن تكون الحكومة وهي الهيئة التي تدبر شأن الأمة وتطالب بمصلحتها،
مالكة ويكون هي طرف الملكية.
والعقلاء يعتبرونها لها والشارع الأقدس لم يردع عن ذلك وهو آية الامضاء.
إذا انجلت هذه الأمور:
فاعلم: أن الأخبار المهمة المرتبطة بالمملكة والأمة لا ريب في أن لها مالية تستوفي
بنشرها، وهي مملوكة بالملكية الذاتية لمن تتجه إليه المسؤولية وهي الهيئة التي تمثل القوة
الحاكمة المطالبة بمصلحتها، فلها منع الغير من التصرف فيها بنشرها، فإذا منع ليس له النشر.
وبذلك: يظهر الحال في المورد الثاني وهو اعطاء الحق إلى الغير: فإنه إذا كان ذلك مملوكا
للحكومة، فلها أن يأذن للغير في التصرف والنشر.
ما تأخذه الحكومة بإزاء هذا الحق:
وأما المورد الثالث: فالظاهر حلية ما تأخذه بإزائه، فإنه قد عرفت أنه مال عرفا وشرعا
فيصح أخذ المال بإزاء اعطائه بالغير.
وهل يصح جعله مبيعا أم لا، فيه وجهان، تقدما في المسألة السابقة، وقد مر أن الأظهر
عدم جوازه.
والظاهر كونه إباحة بعوض، وحيث إن الإباحة بالعوض شايعة في كثير من أعمالنا و
معاملاتنا الخارجية، ومنها، هذه، فلا بد من تنقيح القول فيها.
233

الإباحة بالعوض:
والكلام فيها في مواضع:
1 - في حقيقتها، وإنها هل تكون بيعا، أو إجارة، أو صلحا، أم معاوضة مستقلة.
2 - في الدليل على صحتها ونفوذها.
3 - في أنها لازمة أم جائزة.
أما المورد الأول: فلا ريب في أنها ليست تمليكا للعين ولا للمنافع، ولا للانتفاع، أما
الأولان فواضح، وأما الأخير فلأن الانتفاع قائم بالمباح له ومن أفعاله فكيف يملكه، ولا
من قبيل اعطاء حق له فإن جواز التصرف من الأحكام التكليفية لا من الحقوق وعلى
هذا، فهي ليست اعطاء شئ بالمباح له بإزاء شئ فلا تكون بيعا.
ولا تكون نقلا للمنافع فلا تكون إجارة.
وليست انشاء للتصالح والتسالم على أمركما هو واضح فلا تكون صلحا، وبعبارة
أخرى، إن الصلح ليس هو التسالم على أمر وإلا لزم كون جميع المعاملات صلحا، بل الصلح
المقابل لسائر العقود مسالمة عقدية وانشاء للتسالم، ومن الواضح أنها لا تنطبق على المقام،
فيتعين أن تكون معاملة مستقلة.
وأما المورد الثاني: فيشهد لصحتها، وجوه.
أحدها: آية " تجارة عن تراض " (1). فإن التجارة عبارة عن التكسب والاسترباح
الشامل للمقام.
ثانيها: السيرة العقلائية القائمة على الإباحة بالعوض المسمى كما هو المتعارف في إجارة
الدكاكين والفنادق وما شاكل، إذ الانسان يستأجر الدكان من مالكه شهرا مثلا بمبلغ معين،
ثم يبنيان على أنه كل ما بقي المستأجر يعطي الأجرة بتلك النسبة، بل التصرف في الحمامات
من هذا القبيل. وهي بضميمة عدم الردع من الشارع الأقدس دليل الصحة والنفوذ.

(1) النساء آية 29 - قال الله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض.
234

وثالثها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم الناس مسلطون على أموالهم (1): فإن مقتضى عمومه الأنواعي، إن
للمالك التصرف في ماله بجميع أنواعه، منها إباحته للغير بالعوض.
فالمتحصل إنها صحيحة ونافذة.
وأما المورد الثالث: فيشهد للزومها، قوله تعالى، " أوفوا بالعقود " (2).
لا يقال إنه يعارض في طرف الإباحة بعموم دليل السلطنة.
فإنه يتوجه عليه.
أولا: إن دليل السلطنة إنما يدل على ثبوت السلطنة على المال ولا يدل على السلطنة على
العقد، والإباحة اللازمة في المقام إنما هي إباحة عقدة لا إباحة مستندة إلى الإذن.
وثانيا: إن دلالة الآية الشريفة بالعموم، ودلالة دليل السلطنة بالاطلاق ففي مورد
الاجتماع يقدم الأول.
وثالثا: إن الآية تقدم، وعلى فرض التساقط المرجع هو استصحاب الإباحة.
فالمتحصل: إن الإباحة بالعوض معاوضة مستقلة، صحيحة، لازمة.
وهي تنطبق على المقام، فإن الحكومة تبيح لوكالات الأنباء نشر الأخبار بإزاء مبلغ
توافقا عليه.
ما يأخذه الحكومة من الغرامة:
وأما المورد الرابع: فبعدما عرفت من أنه مال، وأنه للحكومة، وأن التصرف فيه و
استيفاء ماليته إنما يكون بالنشر، فلو نشرته وكالة الأنباء بلا إذن من الحكومة بل مع منعها،
يكون ضامنا، فما يأخذه بهذا العنوان حلال بلا كلام

(1) البحار ج 1 - ص 154 الطبع الجديد و ج 2 ص 272 باب.
(2) المائدة - آية 1.
235

المباراة
الرياضة البدنية - حكم اللعب - حكم اللغو -
حكم الشريعة في اللهو - المباراة بعير عوض
- حكم المباراة مع العوض وضعا وتكليفا -
ماذا حكم المباراة مع الجائزة.
237

من الموضوعات الشايعة في هذا العصر المباراة بأقسامها المختلفة ولها عرض عريض
وهي بنفسها وإن لم تكن من المستحدثات، ولا تكون وليدة الأيام المتأخرة، بل هي
موجودة من زمن بعيد، ولبعض ما هو موجود من زمن بعيد قوانين ونظم خاصة، وقد عقد
فقهائنا له كتابا وهو السبق والرماية.
إلا أن أكثر أقسامها الموجودة اليوم كالملاكمة مستحدثات، فيحسن بنا أن نتعرض
لحكمها فأقول، إن الكلام يقع في مواضع:
1 - في الرياضة البدنية.
2 - في المباراة بغير رهان.
3 - في المباراة مع الرهان.
4 - في المباراة مع الجائزة.
الرياضة البدنية:
أما الأول: فما كان من الرياضة البدنية، مؤديا إلى الضرر على النفس بالهلاكة أو هلاكة
عضو من الأعضاء حرام، لأن دفع الضرر واجب عقلا وشرعا.
وما كان منها موجبا لقوة الجسم، أو الروح، أو قوة الأمة الاسلامية حسن ومطلوب،
239

فإن الشريعة المقدسة تطلب كثرة قوية، ولذلك عنيت بكل ما يكفل للانسان قوة الجسم و
قوة الروح وقوة المجتمع، لاحظ الأخبار الواردة في بيان حكمة العبادات، والواردة في بيان
حكمة حرمة جملة من المحرمات وكراهة المكروهات، وما ورد في تفسير الآية الشريفة و
" أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " (1)، وغير ذلك من الآثار.
وعلى الجملة: إن سعادة الانسان، وهي، بلوغه منتهي كماله بحسب نوعه معقودة بقوة
جسمه وروحه، ومن الواضح، إن للرياضة البدنية، والروحية أثرا عظيما في ذلك، كما أنه لا
شك في مطلوبية القوة بحسب المجتمع الاسلامي وتوقفها على جملة من الأعمال، فهي
مطلوبة شرعا.
وأما الرياضات التي لا تترتب عليها هذه الغايات، ولا تكون مضرة ففيها خلاف،
والحق أن يقال إن تلك الرياضات على أقسام:
1 - الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية أخرى، ويعبر عنه باللعب.
2 - الفعل الخالي عن الغاية، ويعبر عنه باللغو.
3 - الفعل الموجب لاشتغال النفس باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية، ويعبر عنه باللهو.
حكم اللعب:
أما الأول: فقد استدل لحرمته، بالمرسل المروي عن مجمع البيان، كل لعب حرام إلا ثلاثة،
لعب الرجل، بقوسه، وفرسه، وأهله.
والظاهر أن مراده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث كل اللهو باطل إلا في ثلاث في،
تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته فإنهن حق (2).
وفيه أولا: إنه ضعيف السند للرفع، وثانيا إنه يدل على أن كل لهو باطل ولا دليل على
حرمة الباطل بقول مطلق، أي كل ما هو باطل.

(1) الأنفال - آية 60.
(2) الوسائل - باب 1 - من كتاب السبق والرماية حديث 5.
240

حكم اللغو:
وأما الثاني: فقد استدل لحرمته.
بالآية الشريفة " وإذا مروا باللغو مروا كراما " (1).
وبخبر الكابلي عن سيد الساجدين في تفسير الذنوب التي تهتك العصم، بشرب الخمر،
واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس (2).
وبوصية، النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر في حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس
ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض. الحديث (3)
وفي الجميع نظر:
أما الآية، فلأن الظاهر منها ولا أقل من المحتمل عدم إرادة مطلق اللغو منها حيث إنها
ليست إلا في مقام بيان ما يترتب على التجنب عن اللغو فلا يمكن التمسك باطلاقها والمتيقن
منها إرادة الغناء.
مع: أنه لا ظهور للآية إلا في رجحان التجنب عنه ولا تدل على لزومه.
أضف إلى ذلك أن الآية في مقام بيان ما يترتب على الاعراض عن اللغو وأن الراجح هو
المرور باللغو مرور الكرام فسبيل هذه الآية، سبيل، قوله تعالى، " والذين هم عن اللغو
معرضون " (4)، وقوله تعالى " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه " (5).
وأما: خبر الكابلي فمضافا إلى ضعف سنده لبكر بن عبد الله بن حبيب وغيرة أنه في
مقام بيان الذنوب التي يترتب عليها هذه الخاصية، وهي هتك العصم المفروغة كونها ذنبا و

(1) الفرقان - آية 72.
(2) الوسائل باب 41 من أبواب الأمر والنهي كتاب الأمر بالمعروف حديث 8.
(3) الوسائل باب 140 من أبواب احكام العشرة في السفر والحضر من كتاب الحج حديث 4.
(4) المؤمنون - آية 3.
(5) القصص - آية 55.
241

ليس في مقام بيان حرمة اللغو.
وإن شئت قلت إن المستفاد منه حرمة اللغو الموجب لهتك عصم الناس كسخرية
المؤمن، ولا يستفاد منه حرمه مطلق اللغو.
وأما الخبر: المتضمن لوصيته صلى الله عليه وآله وسلم فمضافا إلى ضعف سنده بأبي الفضل ورجاء و
غيرهما إن الظاهر منه أنه ربما يتكلم الانسان بكلمة تكون كذلك لا أن كل مزاح كذلك
فلعل ما شأنه ذلك ما كان من قبيل السخرية والغيبة وما شاكل.
فالمتحصل أنه لا دليل على حرمته أيضا.
حكم اللهو:
وأما الثالث: فلا خلاف بين المسلمين في حرمته في الجملة، بل هي من ضروريات
الدين.
إنما الكلام في حرمته على وجه الاطلاق.
وقد استدل لحرمته كذلك بطوائف من النصوص.
الأولى: ما دل على أن اللهو من الكبائر.
كخبر، الأعمش عن مولانا الصادق عليه السلام، حيث عد من الكبائر الملاهي التي تصد عن
ذكر الله كالغناء، وضرب الأوتار (1).
وحسن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام الاشتغال بالملاهي. من الكبائر (2).
بدعوى أن الملاهي جمع الملهي مصدرا، أو الملهى وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل
بالغناء.
وفيه أولا: إن خبر الأعمش ضعيف، ببكر بن عبد الله بن حبيب وغيره.
وثانيا: إن الملاهي جمع الملهاة اسم الآلة ولا صارف عن هذا الظهور، بل يؤكده إن

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس حديث 36.
(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس حديث 33.
242

الظاهر من الباء في صدرها في الخبر الثاني، الاستعانة، وزيادة كلمة الاشتغال قبل كلمة
الملاهي، وعليه فهذه الطائفة تدل على أن استعمال آلات اللهو حرام، ولا نزاع في ذلك، و
مناسبته مع التمثيل بالغناء في الأول إنما هي لأجل إرادة الغناء في آلة اللهو.
مع أنه في خبر الأعمش قيد الملاهي بما يصد عن ذكر الله أي يوجب حالة الاحتجاب
للنفس كالغناء وشبهه فلا دلالة له على حرمة اللهو المطلق.
الثانية: النصوص المستفيضة الدالة على حرمة استعمال اللهو والملاهي (1).
كخبر عنبسة عن الإمام الصادق عليه السلام استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء
الزرع (2).
وفيه: أنها تدل على حرمة استعمال آلات اللهو من المعازف وما شاكل وهذا من
الضروريات ومحل كلامنا حرمة اللهو بقول مطلق.
الثالثة: النصوص (3) الدالة على أن السفر للصيد اللهوي لا يوجب القصر وحيث لا وجه
لوجوب اتمام الصلاة سوى كون السفر معصية فهي بالالتزام تدل على حرمة اللهو.
وفيه: أنه لا ملازمة بين وجوب الاتمام وكون السفر معصية بل هو أعم من ذلك.
الرابعة: النصوص (4) الظاهرة بالظهور البدوي في حرمة اللهو.
كخبر عبد الله بن علي عن علي بن موسى عن آبائه عن الإمام على عليهم السلام، كلما ألهى عن
ذكر الله فهو من الميسر (5).
وخبر أبي عباد عن الإمام الرضا عليه السلام عن السماع فقال الأهل الحجاز فيه رأي وهو في
خير الباطل واللهو (6) الحديث.

(1) الوسائل باب 101 و 102 و 103 - من أبواب ما يكتسب به.
(2) الوسائل باب 101 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
(3) الوسائل باب 9 - من صلاة المسافر.
(4) الوسائل - باب 99 و 100 من أبواب ما يكتسب به.
(5) الوسائل - باب 100 من أبواب ما يكتسب به حديث 15.
(6) الوسائل - باب 99 من أبواب ما يكتسب به حديث 19.
243

وخبر عبد الأعلى، عن الإمام الصادق عليه السلام في رد من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في أن
يقال جئناكم الخ كذبوا إن الله تعالى يقول لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا (1).
وفيه أولا: إنها ضعيفة السند.
وثانيا: إن بعضها يدل على حرمة قسم خاص منه، وبعضها يدل على أن ساحته
المقدسة منزهة عن اللهو، وبعضها محمول على اللهو الموجب لحصول حالة الاحتجاب
للنفس، وبالجملة، بعد التدبر فيها يظهر عدم دلالة شئ منها على حرمة مطلق اللهو.
وثالثا: قامت الضرورة على جواز اللهو في الجملة كاللعب بالحية أو السبحة وما شاكل
فعلى فرض ظهورها فيما ذكر يتعين حملها على إرادة قسم خاص منه.
فالمتحصل: أنه لا دليل على حرمة اللهو على وجه الاطلاق.
المباراة بغير رهان:
وهل يجوز: في الأفعال الجائزة، كرمي الحجارة والسير مع السفينة، أو الطائرة
وما شاكل المباراة والمغالبة بغير عوض أم لا.
لا إشكال في جواز المسابقة في بعض الأفعال.
إنما الكلام في غير ما نص على الجواز فيه، كالمصارعة، والمباراة على، المراكب، والسفن،
والبقر، والكلاب، والطيور، ورمي البنادق، والوقوف على رجل واحدة، وحفظ الأخبار
والأشعار، والجري على الأدام، وحمل الأثقال وما شاكل.
وقد استدل لعدم الجواز بوجوه:
الأول: خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لا سبق إلا في، خفف،
أو حار، أو نصل، يعني النضال (2).
بتقريب أن السبق بسكون الباء مصدر لكلمة سبقه إلى كذا، إي تقدمه وغلبه على كذا،

(1) الوسائل - باب 99 من أبواب ما يكتسب به حديث 15.
(2) الوسائل - باب 3 - من كتاب السبق والرماية حديث 2.
244

فالمراد من نفيه نفي المشروعية، ومقتضى اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بغير رهان.
وفيه أولا: أن الخبر ضعيف لمعلي بن محمد فتأمل، فإنه من مشايخ الإجازة.
وثانيا: أنه لم يثبت كون السبق بسكون الباء، بل من المحتمل أن يكون بفتحها، بل عن
الشهيد الثاني أن المشهور، والسبق بالفتح هو العوض والرهن، ونفيه ظاهر في إرادة فساد
المراهنة لظهوره في نفي استحقاقه، فلا يصح الاستدلال به للاجمال.
الثاني: إطلاق أدلة القمار لأنه مطلق المغالبة ولو بدون العوض.
وفيه: أن القمار لا يصدق بدون الرهان والعوض.
الثالث: ما دل على حرمة اللهو.
وقد تقدم ما فيه، مع، أن المسابقة إذا كانت لغرض عقلائي لا تكون لهوا.
فالمتحصل: أنه لا دليل على حرمتها، والأصل يقتضي الجواز.
مع أنه يدل على جوازها، مضافا إلى الأصل.
السيرة القطعية القائمة من المسلمين على المباراة في عدة أمور، كالسباحة، والمصارعة، و
المكاتبة، والمشاعرة، وغيرها.
وما ورد من مصارعة الحسن والحسين عليهما السلام بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومكاتبتهما والتقاطهما
حبات قلادة أمها عليها السلام (1).
المباراة مع العوض:
الموضع الثالث: في المراهنة، أي المباراة مع العوض، بغير آلات القمار كالمراهنة على
الطيور، وعلى الطفرة، وعلى نطاح الكباش، ومهارشة الديكة، وحمل الحجر الثقيل، و
ما شاكل.
والكلام فيه في موردين:
1 - في صحة المعاملة، واستحقاق العوض وعدمها.

(1) المستدرك باب 4 من أبواب السبق والرماية حديث 1.
245

2 - في أنها حرام تكليفا، أم جائزة.
محل الكلام غير المسابقة في الموارد المنصوصة، وأما فيها وهي.
النصل: الشامل، للسهام، والحراب جمع حربة، وهي الآلة، والسيف، وربما زيد
النشاب، وهل يدخل فيه الدبوس والعصا والمرافق إذا جعل في رأسها حديدة فيه اشكال.
والخف. ويدخل تحته، الإبل، والفيلة.
والحافر: ويدخل تحته، الخيل، والبغال، والحمير.
فلا اشكال ولا خلاف نصا (1) وفتوى في جواز السباق عليها وصحة المعاملة الواقعة
عليه.
وهناك موارد وقع الخلاف فيها، وهي الطيور، والمصارعة.
ومحل البحث غير هذه الموارد.
وقد استدل لجوازها وصحة المعاملة الواقعة عليها بوجوه.
1 - الآية الشريفة حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام " يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا
يوسف عند متاعنا " (2)، فإنها تدل على مشروعية السباق في شرعهم ويشك في رفع
المشروعية ونسخها والأصل بقائها.
وفيه: أنه يتوقف على عدم ورود منع من الشارع الأقدس، ولو بنحو العموم، وإلا فمع
وجود الدليل لا يرجع إلى الأصل، وستعرف وجوده.
مع أنه لا يعلم أنهم بهم كانوا يستبقون ولعله كان بما يجوز السباق عليه عندنا.
2 - إن مقتضى عموم أوفوا بالعقود، صحة العقد على السباق بكل شئ.
وفيه: مضافا إلى توقف الاستدلال به على عدم ورود المنع وستعرف وجوده أنه
ستعرف صدق القمار عليه الخارج عن عموم أوفوا بالعقود.
3 - إن الحكمة في مشروعية هذه المعاملة في الموارد المنصوصة هي الاستعداد للجهاد
والتهيؤ له، وتحصيل القوة.

(1) راجع جميع المصادر الفقهية والحديثية.
(2) سورة يوسف - آية 16.
246

ولذا ذهب بعض إلى خروج الفيلة عن تحت ما يسابق به، مستدلا بأنه لا يحصل به الكر
والفر.
وذهب بعض إلى جواز المسابقة على، الطيور، والاقدام، والسفن، معللا بامكان
الاحتياج إلى الطيور في، حمل الكتب، واستعلام حال العدو، وتعارف الحرب على الأقدام،
كتعارفه بالسفن في البحر.
وعليه فيجوز المسابقة على المراكب وآلات الحرب الحديثة للعلة المشار إليها.
وفيه: أن حكمة الحكم إن ذكرت في الدليل بصورة العلة، يتعدى عنها فإنها بحسب
المتفاهم العر في تمام الموضوع للحكم فكأنه جعل الحكم أولا على ذلك العنوان العام، وإلا
فهي حكمة لا يتهدى عنها، والعبرة حينئذ بالظهور أي المتبع ظهور الدليل، فإذا فرضنا
اختصاص الدليل بالثلاثة، لا وجه للتعدي عنها.
4 - أنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سابق عايشة بالقدم مرتين سبق في أحدهما وسبق في
الأخرى (1).
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم صارع يزيد بن ركابة ثلاث مرات كل مرة على شاة فصرع خصمه في
الثلاث وأخذ منه ثلاث شياه (2).
ويريد عليه: أنه لم يثبت شئ من ذلك عندنا، ولم يرد من طرقنا رواية بذلك بل الثابت
خلافه.
فالمتحصل: أنه لا دليل على الجواز، بل يدل على عدم الصحة، وجهان:
الوجه الأول: صدق مفهوم القمار عليه: فإنه الرهن على اللعب بأي شئ كان ففي
المجمع، أصل القمار الرهن على اللعب بشئ، وفي القاموس تقمره راهنه فغلبه ونحوه، ما
عن لسان العرب، وفي المنجد القمار كل لعب يشرط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا
كان بالورق أو غيره.
وهذا المفهوم يصدق على المعاملة المفروضة في المقام، فتكون باطلة وما يأخذه الغالب

(1) التذكرة ج 2 ص 354، والثاني مروي في المستدرك باب 4 من السبق والرماية حديث 2.
(2) التذكرة ج 2 ص 354، والثاني مروي في المستدرك باب 4 من السبق والرماية حديث 2.
247

من المغلب حرام.
الوجه الثاني: النصوص الظاهرة في الفساد وحرمة التصرف في الرهن وهي طوائف.
منها: ما دل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبها، ما خلا الحافر والخف و
الريش والنصل كخبر العلا بن سيابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ومرسل الصدوق (2) وخبر أبي
بصير (3).
لكنها بأجمعها ضعيفة سندا، أما الأول، فلا بن سيابة، وأما الثاني فللارسال، وأما الثالث
فلسعد بن مسلم.
ومنها: م عن ياسر الخادم عن الإمام الرضا عليه السلام قال سألته عن الميسر قال الثقل من كل
شئ قال والثقل. ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم (4).
ولكنه أيضا ضعيف لياسر.
ومنها: خبر جابر عن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل له ما لا ميسر. قال صلى الله عليه وآله وسلم
كلما تقومر به حتى الكعاب والجوز. (5)
وهو أيضا ضعيف السند، لعمرو بن شمر.
ومنها: صحح ابن خلاد عن أبي الحسن عليه النرد والشطرنج والأربعة عشرة بمنزلة
واحدة، وكل ما قومر عليه فهو ميسر (6).
ومنها: خبر إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام عن الصبيان يلعبون بالجوز و
البيض ويقامرون فقال عليه السلام لا تأكل منه فإنه حرام (7).

(1) الوسائل - باب 3 من أبواب السبق والرماية حديث 3.
(2) الوسائل باب 2 من السبق والرماية حديث 6.
(3) الوسائل باب 2 من السبق والرماية حديث 4.
(4) الوسائل - باب 104 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 9.
(5) الوسائل باب 35 من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(6) الوسائل باب 104 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 1.
(7) الوسائل باب 35 من أبواب ما يكتسب به حديث 7.
248

فالمتحصل مما ذكرناه إن المراهنة، والمباراة مع العوض فاسدة، وما يؤخذ حرام لا يجوز
التصرف فيه.
ماذا حكم المباراة مع العوض تكليفا:
وأما المورد الثاني، فيدل على الحرمة أدلة القمار، وأما سائر النصوص التي استدللنا بها
في المورد الأول فهي ظاهرة في الحكم الوضعي، ولا نظر لها الحكم التكليفي.
وقد استدل صاحب الجواهر رحمه الله لجوازها التكليفي.
بصحيح، محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و
أصحاب له شاة فقال إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا، فقضى فيه أن
ذلك باطل لا شئ في المؤاكلة من الطعام ما قل منه وما كثر ومنع عن الغرامة فيه (1).
بدعوى: أنه متضمن لفساد المراهنة في الطعام خاصة ولو كانت محرمة لردع عنها أيضا
فيستكشف من عدم الردع الجواز.
وفيه: أن الظاهر كون أخبر أجنبيا عن المراهنة بالأكل وإنما يكون مورد الخبر الإباحة
المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا الاعطاء.
حكم المباراة مع الجائزة:
وأما المورد الرابع: وهو ما إذا كانت المباراة بين الأفراد، بلا عوض ورهن، ولكن
المؤسسة التي هيات تلك المباراة، والكومة تعطي للغالب جائزة، ولا تأخذ من المغلوب
شيئا، كما هو المتعارف في هذا الزمان في الملاكمة الشايعة في هذا العصر وغيرها.
فالأظهر أنه لا اشكال فيها تكليفا ولا وضعا، إلا إذا كان الفعل بنفسه حراما لكونه
موجبا لقتل النفس أو فساد عضو من الأعضاء كالملاكمة، بل هي مرغوب فيها شرعا إذا
كانت موجبة لقوة الجسم، أو الرواح، أو المجتمع فينبغي إذا ملاحظة الأمور التالية:

(1) الكافي ج 8 ص 424 باب - نوادر القضاء الوسائل باب 5 من أبواب كتاب الجعالة.
249

1 - حرمتها إذا كانت موجبة، لقتل النفس، أو فساد عضو ن الأعضاء، وقد مر الوجه
فيه في المقام الأول.
2 - عدم حرمتها، إذا لم تكن موجبة لذلك، وقد مر الوجه فيه في المقام الثاني، إذ
المفروض أن الجائزة لا تجعل عوضا في تلك المباراة بل مجانية.
3 - مطلوبيتها شرعا إذا كان موجبة لقوة الجسم، أو الروح، أو المجتمع، وقد مر الوجه
فيه، في المقام الأول.
4 - جواز التصرف في الجائزة وكونها ملكا له، والوجه فيه واضح، فإنه لم تجعل الجائزة
في مقابل الفعل بل هي مجانية.
250