الكتاب: مناسك الحج
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء:
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: رجب المرجب ١٤١٣
المطبعة: باقري
الناشر: دار القرآن الكريم - قم المشرفة - ايران
ردمك:
ملاحظات:

مناسك الحج
مطابق لفتاوى المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلمية
سماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظله الوارف
1

مناسك الحج
مطابق لفتاوى
المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلمية
آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
دام ظله الوارف
الناشر: دار القرآن الكريم
طبع منه: 20000 نسخة
المطبعة: باقري
الطبعة: الثانية
القيمة: 1250 ريالا
التاريخ: غرة رجب المرجب 1413 ه‍ ق
جميع حقوق الطبع محفوظة لدار القرآن الكريم
آدرس: إيران، قم، صندوق البريد 151، شارع ارم، تلفون 33078 - الرمز 0251
2

بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم
" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن
كفر فإن الله غني عن العالمين " (1)
" وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر
يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا
اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام
فكلوا منها وأطعموا البأس الفقير ". (2)
" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا
فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ". (3)
(صدق الله العلي العظيم)

(1) آل عمران: 97.
(2) الحج: 27 و 28.
(3) البقرة: 197.
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على الرسول الأمين، وعلى آله
وأصحابه الغر الميامين.
أما بعد:
فهذه رسالة " مناسك الحج " مطابقة لفتاوى سماحة آية الله العظمى
المرجع الديني الكبير سيدنا المعظم السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظله
الوارف على رؤوس المسلمين.
وكان الهدف الأول في هذه الرسالة الشمول في الموضوع ووضوح العبارة،
لكي يقف الحاج الكريم على أكثر ما يمكن من المسائل والفروع بأقل ما يمكن
من الجهد، فلذا جمعنا فيها فروعا عملية قلما تتعرض لها الرسائل العملية
الأخرى.
وجاءت الرسالة في قسمين:
الأول: مناسك الحج، ومن جملتها بعص المستحبات التي يؤتى بها في مكة
المكرمة والبقاع المقدسة التي حولها.
وهذا القسم يتكون من سبعة فصول: في وجوب الحج، وشرائط وجوبه،
وأنواعه الواجبة، وأحكام النيابة، والوصية بالحج، والحج المندوب، وأحكام
العمرة، ألقاها سماحته في مجالس درسه على تلامذته، ثم كتبها في مسائل
بقلمه الشريف.
5

ثم بعد هذه الفصول أدرجنا فتاواه دام ظله العالي في رسالة " دليل الحاج "
التي كانت مطابقة لفتاوى الفقيه الراحل آية الله العظمى السيد محسن
الطباطبائي الحكيم قدس سره.
الثاني: أعمال المدينة المنورة، وجملة من الزيارات التي تخص المراقد
الشريفة الموجودة في المدينة، وطائفة من الأدعية المهمة، كدعاء الإمام
الحسين، والإمام السجاد (عليهما السلام) ليوم عرفة، وزيارة الإمام الحسين
(عليه السلام) في هذا اليوم المبارك. وقد اخترنا هذه الأدعية، وصححناها
على الكتب المهمة لكبار أعلام الإمامية، مثل " كامل الزيارة " لابن قولويه و
" المصباح " للشيخ الطوسي و " الإقبال " للسيد ابن طاووس و " مزار البحار "
للعلامة المجلسي، وهذه المستحبات كلها يؤتى بها بعنوان رجاء المطلوبية.
ولا بأس بأن نذكر هنا طائفة من الأحاديث الواردة في أهمية الحج
وبعض أسراره:
قال الصادق (عليه السلام):
الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن
شفعوا شفعهم، وإن سكتوا بدأهم، ويعوضون بالدرهم ألف ألف
درهم. (1)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وفد الله ثلاثة: الحاج والمعتمر والغازي، دعاهم الله فأجابوه، وسألوه
فأعطاهم.
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام):
حجوا واعتمروا، تصح أبدانكم، وتتسع أرزاقكم، وتكفون مؤنة
عيالكم.. (2)

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 38، الحديث 15 الجلد 8.
(2) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 1، الحديث 20، وفيه (ويصلح
إيمانكم، وتكفوا مؤنة الناس)، الجلد 8.
6

وعن الصادق (عليه السلام):
من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به
أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو
نصرانيا. (1)
وفي حديث آخر:
من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا. (2)
وعنهم (عليهم السلام):
بني الاسلام على خمس: الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.. (3)
وعن الصادق (عليه السلام) في قوله عز وجل:
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. قال
ذاك الذي يسوف نفسه الحج، يعني حجة الاسلام، حتى يأتيه
الموت. (4)
هذا بالإضافة إلى أن الحج ركن من أركان الاسلام لا يكون المسلم مؤمنا
إلا بأداء هذه الفريضة المقدسة، لو توفرت فيه شروط الوجوب.
والحج عبادة ينال بها الحاج خير الدين، وثواب الآخرة، فهو ليس عبادة
روحية بحتة تنسى الدنيا بأسرها، كما أنه ليس عملا ماديا صرفا يهمل
الآخرة، بل هو مزيج يلزم جانب المادة بقدر كما يحتفظ بالجهة الروحية
بمقدار.
وأول ما يلاحظ في الحج أنه مؤتمر اسلامي عام دولي، يجتمع
فيه الشريف والمترف والقوي إلى جانب الوضيع والمقتر والضعيف، ولا بد أن
تجري بينهم أحاديث وتنكشف جوانب هامة كان من الواجب أن يعرفها كل

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 7، الحديث 1، الجلد 8.
(2) وسئل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 7، الحديث 3، الجلد 8.
(3) وسائل الشيعة: أبواب مقدمة العبادات الباب 1، الحديث 1، الجلد 1.
(4) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 6، الحديث 5، الجلد 8.
7

مسلم في أي بلد كان، ولا بد أن يفكر بعضهم - ولو القليل منهم - في الحلول
للمشاكل التي تهم المسلمين في حياتهم الدينية وغيرها.. فيكون هنالك
الخير كل الخير، إذا عرف المسلم عن أخيه المسلم ما حثه الاسلام على الاهتمام
بشأنه وعمل على تفاديه عن المزالق وإرشاده إلى السعادة.
قال الصادق (عليه السلام) في جواب هشام، عندما سأل عن علة الحج:
فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا.. ولو كان كل
قوم إنما يتكلم على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد وسقط
الجلب والأرباح وعميت الأخبار ولم يقفوا على ذلك. (1)
ثم أليس الحاج يتجرد عن ملابسه وكل ما يتزين به ويتقمص ثوبي
الاحرام، أليس معنى هذا أن كل الناس في مستوى واحد لا يتميز أحدهم
عن الآخرين بالشكليات والظواهر.
هؤلاء ألوف من الحاج خلفوا وراءهم زخارف الدنيا وبهارجها وجاؤوا
ملبين مكبرين يمثلون مشهدا رائعا من المساواة الحقيقية التي لا يوجد فيها شئ
من الترفع.
إنه والله مشهد عظيم يجعل الانسان يزدري بكل المفارقات والاعتبارات
الجوفاء، ويتواضع حتى يرى الناس في كل أصقاع الدنيا أخوة له، يجب أن
يمد لهم يد المعونة ويشاركهم فيما يسرهم.
ليس فيه ما يجعله أرفع شأنا من أخيه وأعظم مكانة من رفيقه.
قال على (عليه السلام) في خطبة له:
قد نبذوا القنع والسراويل وراء ظهورهم، وحسروا بالشعور حلقا
عن رؤوسهم، ابتلاءا عظيما، واختبارا كثيرا.. اخراجا للتكبر من
قلوبهم واسكانا للتذلل في نفوسهم. (2)

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 1، الحديث 18، الجلد 8.
(2) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 38، الحديث 11، الجلد 8.
8

ومكة المكرمة والمدينة المنورة منطلقان للدعوة الاسلامية، منهما شع
نور الاسلام الأبلج، وانتشر في أرجاء العالم.
وفيهما آثار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وفيهما مواقع وبقاع
ترجع بالحاج إلى أوائل أيام الاسلام.
إنه يرى غار حراء أول موضع أوحى الله تعالى فيه إلى النبي بالشريعة،
وجبل ثور أول موقف وقف فيه النبي للدعوة.
والكعبة الشريفة، أعظم وجهة توجه إليها النبي والمسلمون.
والمسجد الحرام أهم نقطة يعبد فيها الله تعالى.
والمسجد النبوي أكبر مدرسة إسلامية عرفها المسلمون.
ومرقد الرسول أجل قبر يزوره المؤمنون.
ومراقد الأئمة من ولده أعلى مزار يؤمه المخلصون..
هذه المشاهد وغيرها كثير وكثير تذكر الحاج بمواقف الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وجهاده الصامد ضد الشرك، وما بذله من الجهد في سبيل
إعلاء كلمة الله تعالى، وسحق كلمة الكفر والشرك.
إن الحاج عندما يعود من هذا السفر يعود وكله أمان وقوة لما رآه من
آثار الايمان والقوة.
قال الصادق (عليه السلام) عند بيان علة تشريع الحج:
ولتعرف آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعرف أخباره،
ويذكر ولا ينسى. (1)
أيها الحاج الكريم، هذا مرور سريع على بعض الجوانب الفلسفية التي
يلمسها المسلم في الأحاديث الشريفة، واستيعاب كل الجوانب يحتاج إلى
مجال واسع في غير هذه المقدمة القصيرة.
نسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين للعمل بأحكام الاسلام إنه
عز وجل خير موفق ومعين.

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 1، الحدث 18، الجلد 8.
9

القسم الأول
أعمال الحج
وبعض مستحبات مكة المكرمة
10

بسم الله الرحمن الرحيم
لا بأس بالعمل بهذه الرسالة الشريفة
وهو مجز إن شاء الله تعالى
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
أقسام الحج
الحج واجب أو مستحب، والواجب منه على ثلاثة أقسام:
الأول: حجة الاسلام، وهي واجبة على من توفرت فيه الشروط التي
ستذكر سواء كان رجلا أو امرأة أو خنثى، ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة.
الثاني: ما يجب بالنذر، وما في معناه من العهد واليمين.
الثالث: ما يجب بالاستيجار للنيابة.
والمستحب من الحج ما عدا ذلك.
وجوب الحج
الحج من أركان الدين، ووجوبه على المستجمع لشرائطه ضروري
بين المسلمين، وقد صرح به الكتاب المبين، ومنكره في سلك الكافرين (1)،
وتاركه مستخفا بمنزلتهم، وتركه من غير استخاف من الكبائر.
مسألة 1 - يجب الحج في أصل الشرع في العمر مرة، ولا يجب بالوجوب
العيني أكثر من ذلك، ولو على أهل الجدة.
مسألة 2 - الأحوط وجوب الحج كفاية على كل مكلف متمكن بحيث
لا تبقى مكة خالية من الحجاج.
مسألة 3 - وجوب الحج بعد تحقق الشرائط فوري، وتأخيره عن عام
الاستطاعة الأول معصية، بل لا يبعد أن يكون من الكبائر، ولو عصى وتركه
11

في العام الأول، ففي العام الثاني وجوبه فوري أيضا وتركه كبيرة، مثل العام
الأول، وهكذا في كل سنة إلى آخر العمر.
مسألة 4 - يجب على المستطيع المبادرة إلى تهيئة ما يتوقف عليه إدراك
الحج في عام الاستطاعة من الزاد، والراحلة، وغيرهما، ولو ببيع أو شراء، بحيث
يتمكن من أدائه في وقته.
مسألة 5 - لو تعدد الرفقة اختار الخروج مع أوثقهم سلامة وإدراكا،
ولو وجدت قافلة ولم يعلم حصول أخرى أو لم يعلم إمكان سفره معهم،
وجب الخروج مع الأولى، إلا إذا حصل له الوثوق بإدراكه الحج مع الأخرى.
مسألة 6 - لو ترك الخروج مع الأولى واتفق عدم تمكنه من السفر أو
عدم ادراكه الحج للتأخير، فإن علم أنه لو سار مع الأولى أدراك الحج،
استقر عليه، وإن لم يكن آثما في تأخره مع وثوقه بالادراك مع الأخيرة.
شرائط وجوب حجة الاسلام.
شرائط وجوب حجة الاسلام أمور:
الأول: البلوغ، فلا يجب على الصبي وإن كان مراهقا، ولو حج عشر
حجج وكان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ لم يجز عن حجة الاسلام، وإن
قلنا بشرعية عباداته وصحتها كما هوى الأقوى.
مسألة 7 - يستحب للصبي المميز أن يحج وإن لم يكن مجزيا عن
حجة الاسلام، ولا يشترط في صحة حجه إذن الولي وإن وجب عليه الاستيذان
في بعص الصور لاستلزام حجة التصرف في أمواله تصرفا يتوقف على إذن الولي.
مسألة 8 - لا يشترط في صحة حج البالغ إذن الأبوين حتى في
المستحب.
نعم، لو نهى أحدهما عن الحج المستحب، بحيث توجب مخالفته العقوق
12

فالظاهر بطلانه، وأما الحج الواجب فلا إشكال في صحته، وفي عدم جواز
النهي عنه، وعدم ترتب أثر على نهيهما.
مسألة 9 - يستحب للولي أن يحرم بالصب غير المميز، وكذا الصبية،
وأما المجنون ففيه إشكال، نعم لو أحرم به الولي رجاء فلا إشكال فيه.
والمراد بالاحرام به جعله محرما، بأن يلبسه ثوبي الاحرام ويقول " اللهم
أحرمت بهذا الصبي " إلخ، ويأمره بالتلبية ويلقنه إياها، وإن لم يكن قابلا
للتلقين يلبى عنه ويجنبه عما يحرم على المحرم، ويأمره بما يتمكن من أفعال الحج
وينوب عنه فيما لا يتمكن منه، ويطوف به ويسعى به، ويوقفه في الموقفين،
ويأمره بالرمي، أو يرمى عنه إن لم يقدر، ويأمره بصلاة الطواف، ويصلى عنه إن
لم يقدر، ويحلق رأسه، وهكذا جميع الأعمال.
ولا بد أن يكون الصبي طاهرا ومتوضئا في الطواف والصلاة، وإن لم
يقدر عليهما فيطوف ويصلي عنه الولي، والجمع بين الطواف والصلاة عنه وبين
توضيته وأمره بالطواف والصلاة أحوط.
مسألة 10 - يجوز للولي الاحرام بالصبي وإن كان نفسه محلا.
مسألة 11 - المتيقن من الولي في إحرام الصبي غير المميز هو الولي
الشرعي، يعني الأب والجد، والوصي لأحدهما، والحاكم وأمينه ووكيل
أحدهم، وأما غيره ممن يتكفل حاله، مثل العم والخال والأخ ففيه اشكال،
نعم لا إشكال في الأم للنص الخاص.
وأما المميز فلا يكفي فيه إذن غير الولي الشرعي فيما اعتبر فيه الإذن.
مسألة 12 - النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي، إلا إذا كان
حفظ الصبي موقوفا على سفر الصبي، أو كان السفر مصلحة له، ولم تكن للحج
نفقة زائدة على نفقة ذلك السفر.
مسألة 13 - الهدي على الولي، وكذا كفارة الصيد لو صاد الصبي، وأما
سائر الكفارات ففيه إشكال، والأحوط تكفل الولي.
13

مسألة 14 - لو أحرم الصبي قبل البلوغ، وأدرك المشعر بعد البلوغ،
فالمشهور، إجزاؤه عن حجة الاسلام، لكن الأحوط بل الأقوى عدم الاجزاء،
وإعادة الحج بعد الاستطاعة.
مسألة 15 - لو بلغ قبل الميقات فلا إشكال في كون حجه
حجة الاسلام مع الاستطاعة، ولو من ذلك الموضع.
مسألة 16 - لو حج ندبا باعتقاد أنه غير بالغ أو غير مستطيع، فبان بعد
الحج كونه بالغا أو مستطيعا، ففي إجزائه عن حجة الاسلام تأمل وإشكال، فلا
يترك الاحتياط بالإعادة.
نعم لو قصدا ما عليهما من الحج وزعما أنه الاستحبابي، فالظاهر إجزاؤه
عن حجة الاسلام.
الثاني: من شرائط وجوب الحج الحرية.
الثالث: من شرائط وجوب الحج الاستطاعة من حيث المال، وصحة
البدن وقوته، وتخلية السرب وسلامته، وسعة الوقت وكفايته.
مسألة 17 - لا يكفي مجرد القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط
فيه الاستطاعة الشرعية، وهي الزاد والراحلة، فلا يجب على غير الواجد لهما
فعلا، وإن كان قادرا على تحصيلهما باكتساب ونحوه.
مسألة 18 - كما أن وجود الراحلة شرط في وجوب الحج على المحتاج
إليها - لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه، أو منافيا لشرفه - كذلك هو
شرط في وجوب على غير المحتاج إليها على الأقوى، وإن كان لا ينبغي ترك
الاحتياط، خصوصا إذا كان المشي، والركوب بالنسبة إله متساويين، أو كان
المشي أسهل عليه.
مسألة 19 - الظاهر عدم الفرق في اشتراط الراحلة بين البعيد
والقريب، حتى لأهل مكة، لكن لا يترك الاحتياط على من أطاق منهم المشي
إلى عرفات، والعود منها بلا مشقة ولا مهانة.
14

مسألة 20 - لا يشترط وجود الزاد والراحلة عينا، بل يكفي وجود ما
يمكن صرفه في تحصيلهما، من النقود أو شئ آخر من الأملاك المنقولة، أو غير
المنقولة، كما لا يشترط إمكان حمل الزاد بعينه، بل يكفي التمكن من تحصيله ولو
في المنازل، ومع عدم التمكن من التحصيل حتى في المنازل، يسقط الوجوب.
مسألة 21 - الزاد عبارة عن المأكول، والمشروب، وسائر ما يحتاج إليه
المسافر، حتى الأوعية لحمل ما يحتاج إلى حمله، وجميع ضروريات ذلك السفر
بحسب حاله ضعفا وقوة، وشأنه شرفا وضعة، وزمان سفره بردا وحرا.
والراحلة عبارة عن مطلق ما يركب، ولو مثل السفينة في الطريق
البحري، أو السيارة والطائرة في زماننا هذا، مع مراعاة المناسبة لحالاته المختلفة
كما في الزاد.
فمن لم جد إلا دون شرفه لم يكن مستطيعا على الظاهر، وإن لم يكن
حرجا عليه، والأخبار الواردة في كفاية مثل حمار أجدع (1) محمولة على ما لا ينافي
الشرف، ولا يوجب الهتك.
مسألة 22 - الأقوى عدم وجوب الحج على من لم يكن عنده الزاد فعلا،
وإن كان قادرا على تحصيله بالاكتساب حتى في الطريق، نعم الأحوط
له الاتيان به، لكن إذا عمل بهذا الاحتياط، فلا يترك الاحتياط بتكرار الحج
بعد الاستطاعة، إلا إذا صار في السفر الأول مستطيعا من الميقات.
مسألة 23 - الاعتبار بالاستطاعة من مكان المكلف دون بلده،
فالإيراني لو سافر إلى الشام، أو الحجاز، أو العراق وكان مستطيعا منها، وجب
عليه الحج وإن لم يكن مستطيعا من بلده، بل لو سافر أحد إلى ما قبل الميقات
لحاجة ولو متسكعا، وصار مستطيعا منه وجب عليه، وأجزأه عن حجة الاسلام،
بل لو أحرم من الميقات متسكعا وكان أمامه ميقات آخر واستطاع منه، يمكن

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائط، الباب 10، الحديث 1 و 3 و 5.
15

أن يقال بالوجوب علة، لكنه مشكل.
مسألة 24 - في مثل زماننا هذا لو لم تمكن المسافرة إلى الحج من البلاد
البعيدة إلا بالطائرة، أو السيارة ولم توجد أصلا يسقط الوجوب، وكذا لو لم
يوجد مسافرون آخرون وكانت الوسيلة لا تتحرك لشخص واحد أصلا، أو
تتحرك لكنه تأخذ أجرة عديدين ولم يكن واجدا لهذا المقدار لم يكن مستطيعا،
وأما لو كان واجدا يجب عليه الاستيجار والحج، ولا يعد هذا ضررا يوجب
سقوط الحج، بل وكذا لو كان مجحفا في أخذ الأجرة على الأقوى، إلا إذا كان
الضرر إلى حد يصدق معه عرفا أنه غير مستطيع.
مسألة 25 - غلاء أسعار المؤنة وأجرة النقل لا يوجب سقوط الحج،
ولا يجوز التسامح مع التمكن من القيمة، وكذا إجحاف البائع عليه في القيمة
بأن لا يبيع إلا بأكثر من ثمن المثل.
وكذا رخص أسعار ما يحتاج إلى بيعه من أملاكه، وإجحاف المشتري،
بأن لا يشتري إلا بأقل من ثمن المثل.
نعم لو كان الضرر بحيث يصدق معه عرفا أنه غير مستطيع، يسقط
عنه الوجوب.
مسألة 26 - كما يشترط في وجوب الحج ووجود نفقة الذهاب إليه،
ونفقة الأيام التي يكون مشغولا فيها بالأعمال، ونفقة ما يتوقف عليه أداء
الأعمال كأجرة الحمال لحمله في الطواف، والسعي إذا احتاج إليه، وأمثال
ذلك، كذلك يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه وإن لم يكن له فيه أهل ولا
مسكن حتى الإجاري.
نعم لو لم يرد العود إليه فلا يشترط وجود نفقة العود.
ولو أراد الرجوع إلى بلد آخر والسكنى فيه يعتبر وجود نفقة العود إليه،
إن لم تكن أكثر من نفقة العود إلى وطنه، إلا إذا كان مضطرا إلى العود إليه،
فيعتبر وجود نفقة العود وإن كانت أكثر.
16

مسألة 27 - يشترط في الاستطاعة وجود الزاد والراحلة زائدا على ما
يحتاج إليه في معاشه، فلا تصدق الاستطاعة عرفا إذا توقف الحج على هدم
أساس معيشة الحضر وإن لم يكن ذلك حرجا عليه، فلا يجب بيع دار السكنى
لنفقة الحج، ولا الخادم، ولا الفرش، ولا الأواني، ولا أثاث البيت، ولا
الثياب حتى ثياب التجمل، ولا المركوب، ولا كتب العلم، ولا آلات
الصناعة، ولا حلي المرأة، ولا غير ذلك من الحاجات، كل ذلك مع الحاجة
بالمقدار اللايق بحاله كما وكيفا.
نعم يجب بيع الزائد من الحاجة لنفقة الحج أو الخارج منها كحلي المرأة
إذا كبرت وخرج عن حاجتها.
مسألة 28 - لو باع داره أو شيئا مما ذكر وحصل له نفقة الحج،
وأمكن له المعيشة باستيجار دار، ولا يكون ذلك له حرجا موجبا لسقوط
التكليف، وجب عليه الحج. ولا يجوز له شراء الدار لسلب الاستطاعة عن
نفسه.
نعم لو باع داره بنية استبدالها جاز له شراء بدلها، وإن استلزم ذلك
سلب الاستطاعة.
مسألة 29 - لو كان بيده دار موقوفة بوقف خاص، أو وقف عام
ولم تكن في معرض الزوال من يده، بحيث يكون مستغنيا عن الدار بلا حرج،
ولا مهانة، وكان له دار مملوكة وافية لنفقة الحج، أو تتميمها، وجب عليه بيع
المملوكة وصرف ثمنها في الحج.
وكذا في سائر ما ذكر من الحاجات المملوكة إذا استغنى عنها بغير
المملوك، لأنه يصدق عليه أنه مستطيع.
ولو لم تكن غير المملوكة له موجودة، لكن يتمكن من تحصيلها بلا مؤنة،
لا يجب عليه التحصيل ولا بيع المملوكة، والفارق صدق الاستطاعة في الأول
دون الثاني.
ولو حصلت له بلا تحصيل وسعى، أو حصلها مع عدم الوجوب عليه فهو
17

مستطيع، ويجب عليه الحج.
مسألة 30 - لو كان عنده من الدار، والمركوب، والخدم وسائر الحوائج
في معاشه بمقدار يحتاج إلى جميعها عينا، ولم تكن زائدة على اللائق بشأنه، لكن
كانت بحسب القيمة زائدة على شأنه، وتمكن من التبديل بما هو أرخص منه
بلا مشقة، فالظاهر أنه يجب عليه التبديل، وصرف الزائد في مؤنة الحج، أو في
تتميمها مع الايفاء، إلا إذا كانت الزيادة قليلة بحيث لا تحسب عند العرف
زيادة على الحاجة.
مسألة 31 - من كان له من النقود ما يكفي لمصارف حجه، ولم يكن له
دار مملوكة لسكناه، فإن تمكن من السكنى في دار غير مملوكة ولم يكن منافيا
لشأنه وحرجا عليه، وجب عليه الحج، ولا يجوز صرفه في شراء الدار، نعم لو
كان حرجا رافعا للتكليف، أو تكلفا يصدق عليه معه عند العرف أنه غير
مستطيع، جاز صرفه في شراء الدار.
ولو كان عنده دار يكفي ثمنها للحج وتمكن من بيعها والاكتفاء
بالاستيجار لا يجب عليه البيع والحج، وإن لم يكن الاستيجار حرجا عليه.
وذلك لصدق الاستطاعة في الأول دون الثاني.
وفي حكم الدار سائر ما يحتاج إليه في المعيشة من الفرش والخدم
والمركوب وغير ذلك.
مسألة 32 - لو كان عنده من النقود ما يكفيه للحج، وكان محتاجا إلى
الزواج فإن كان ترك التزوج حرجا عليه ومشقة بحيث يصدق عند العرف أنه
مع هذه الحالة غير مستطيع، لا يجب عليه الحج، ويجوز له التزوج، وإلا وجب
عليه الحج ولا يجوز له التزوج.
ولو كانت له زوجة واجبة النفقة، ولم يحتج إليها، لا يجب عليه
طلاقها، وصرف نفقتها الواجبة في الحج، لعدم الاستطاعة مع عدم الطلاق،
وعدم وجوب تحصيل الاستطاعة بالطلاق.
18

مسألة 33 - لو لم يكن عنده مؤنة الحج لكن كان له بمقدارها أو بما
يتممها به دين حال على أحد، وكان المديون باذلا، يجب عليه الاستيفاء
والحج، وكذا إن كان مماطلا وأمكن إجباره، ولو بمعونة الغير، وكذا إن كان
منكرا وأمكن إثبات الدين عند الحاكم الشرعي بلا كلفة وحرج، بل وكذا لو
توقف استيفاؤه على الرجوع إلى الحاكم الجائز بناءا على ما هو الأقوى من جواز
ذلك إذا توقف استيفاء الحق على الرجوع إليه، كل ذلك لصدق الاستطاعة.
ولو كان الدين مؤجلا فإن كان المديون باذلا بلا مطالبة فالظاهر أيضا
وجوب أخذه وصرفه في الحج مع إشكال فيه.
ولو توقف بذل المديون على الاستدعاء والطلب فالظاهر عدم وجوبه
لأنه تحصيل للاستطاعة، وهو غير واجب.
ولو كان المديون معسرا أو مماطلا مع عدم التمكن من إجباره أو
منكرا مع عدم التمكن من إثبات الدين، فلا يجب عليه الحج لعدم
صدق الاستطاعة.
ولو شك في أن المديون يبذل مع المطالبة أولا، فالأحوط المطالبة،
لاحتمال الاستطاعة مع التمكن من الفحص.
مسألة 34 - من لم تكن عنده نفقة الحج لا يكون مستطيعا وإن تمكن
من الاستقراض، وكان قادرا على وفائه بسهولة. هذا إذا لم يكن له مال أصلا.
ولو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال حاضر لا
راغب في شرائه، أو كان له دين مؤجل ولا يبذل المديون قبل الأجل، أو معجل
والمديون ممتنع من أدائه، ولا يتمكن من استيفائه فعلا، ومع ذلك تمكن من
الاستقراض، والصرف في الحج، ووفائه بعد ذلك بسهولة، فقد يقال بوجوب
الاستقراض حينئذ لصدق الاستطاعة، لكنه محل تأمل وإشكال وإن كان
موافقا للاحتياط، نعم لو استقرض والحال هذه وجب عليه الحج لصدق
الاستطاعة حينئذ.
19

مسألة 35 - لو كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين، فإن تمكن
من الحج وأداء الدين، ولو بأن كان الدين مؤجلا مع الوثوق بالتمكن من الأداء
عند حلول الأجل، وعدم منافاة الحج له، فالظاهر صدق الاستطاعة، ويجب
عليه الحج.
وإن لم يتمكن من الجمع بينهما بأن كان الدين حالا، ولا يكفي ما
عنده من المال للجمع بين الحج وأداء الدين - سواء كان الدائن مطالبا أولا، أو
كان مؤجلا ولا يقدر على أدائه عند حلول الأجل، لو صرف ما عنده في الحج -
فالظاهر عدم صدق الاستطاعة عرفا ولا يجب عليه الحج، من غير فرق في ذلك
بين رضا الدائن بالتأخير وعدمه، لأن المستطيع عند العرف من تمكن من مؤنته
زائدا على سائر لوازم معيشته، وأداء الدين منها.
وصحيح معاوية بن عمار وخبر عبد الرحمن محمولان على صورة
التمكن الجمع بينهما، وإلا فبظاهرهما غير معمول بهما على الظاهر.
هذا كله إذا لم يستقر عليه الحج سابقا، وأما إذا استقر عليه الحج سابقا
فإن تمكن من الجمع، يجب ولو كان متسكعا في حجه، وإن لم يقدر إلا على
أحدهما فالظاهر التخيير.
مسألة 36 - كما أن الدين السابق مانع من الاستطاعة، كذلك الدين
الطارئ بعد حصول ما يكفي للحج، كأن يعرض له دين بعد حصول المال
بإتلاف مال مع الضمان بلا تقصير قبل خروج الرفقة، أو بعده قبل خروجه ن
منزله، أو بعد قبل تمام أعمال الحج، ففي جميع ذلك يكشف عن عدم
الاستطاعة.
مسألة 37 - حكم الخمس والزكاة ومظالم العباد إذا كانت في الذمة
حكم الدين في منع الاستطاعة، فلو كان عنده ما يكفي للحج أو لأدائها، ولا
يكفي للجمع وجب صرفه فيها دون الحج، لعدم الاستطاعة معها، ولو كان الحج
20

مستقرا عليه سابقا، فمع القدرة على الجمع، يجمع بينها ولو بأن يحج متسكعا،
وإلا فالتخيير.
نعم لو كانت عينها موجودة فلا إشكال في تقدمها على الحج
كتقدمها على سائر الديون.
مسألة 38 - الدين المؤجل بأجل طويل، كخمسين سنة أو أكثر، لا يمنع
عن الاستطاعة مع الوثوق بالتمكن من أدائه عند حلوله، وكذا لو كان المديون
واثقا بإبراء الدائن إذا لم يتمكن من الأداء، سواء واعده بالابراء أولا، وكذا لو
كان بناء الدائن على المساهلة والمسامحة كمهور بعض النساء.
مسألة 39 - لو شك في أنه حصل له ما يكفيه للحج فالأحوط
الفحص، وكذا لو كان له مال يكون مجهول المقدار مع احتمال كفايته
للحج، وكذا لو كان له مال يعلم مقداره ولا يعلم أنه يكفيه للحج، فإن علم
بعد الفحص فهو، وإلا فيحكم بعدم الاستطاعة ما لم يتقين.
مسألة 40 - لو كان عنده ما يكفي لنفقة الذهاب والإياب، وكان له
مال غائب بمقدار الرجوع إلى الكفاية، وشك في بقائه، فالأحوط له الفحص
مع الامكان، ومع عدمه ففي وجوب الحج عليه إشكال.
واستصحاب بقائه لا يفيد لأنه مثبت، لأن الموضوع هو الاستطاعة،
وبقاء المال لا يترتب عليه الاستطاعة شرعا، بل لو كان باقيا فهو مستطيع
عقلا.
ولا يقاس بالمال الموجود المحتمل تلفه إلى آخر أعمال الحج، لأن أصالة
السلامة من الأصول العقلائية التي لا يضر في حجيتها كونها من الأصول المثبتة.
مسألة 41 - لو حصل له ما يكفيه للحج، لكن لم يتمكن من المسير في
تلك السنة، يجوز التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، بل وكذا لو شك في حصول التمكن.
21

نعم لو علم بحصول التمكن له في تلك السنة ففي جواز التصرف المذكور
إشكال، خصوصا في أوان خروج الناس للحج.
ولو حصلت له بعد التمكن من المسير، وتحقق سائر الشرائط فلا يجوز له
التصرف المذكور في أوان خروج الناس للحج، وإن أتلفه والحال هذه فقد
استقر عليه الحج ووجب الاتيان به ولو متسكعا.
وكذا إن أتلفه قبل أوان الخروج في أول السنة مثلا على الأحوط.
هذا بالنسبة إلى جواز التصرف وعدمه واستقرار الحج وعدمه، وأما
حكم نفس التصرف من حيث الصحة والبطلان فالأقوى صحته مطلقا.
مسألة 42 - لا يكفي في الاستطاعة مجرد ملكية ما يكفي للحج، بل
لا بد له من التمكن من التصرف أيضا، فلو كان له مال غائب أو حاضر ولا يتمكن
من التصرف فيه لم يكن مستطيعا، نعم لو تمكن من التصرف فيه ولو
بالواسطة فهو مستطيع.
وإن كان المال غائبا وملك بمقدار الاستطاعة، وتمكن من التصرف
فيه، وكانت سائر الشرائط محققة فهو مستطيع، فإن أتلفه في أوان الخروج استقر
عليه الحج ويجب الاتيان به ولو متسكعا، بل وكذا إن أتلفه في أوائل السنة
على الأحوط.
والتلف بتقصيره في الحفظ، أو بتأخير الحج عن تلك السنة كإتلاف.
مسألة 43 - لو وصل المال إلى حد الاستطاعة، وكان المكلف جاهلا
به أو غافلا عن وجوب الحج عليه، فالظاهر أنه يكفي في تحقق الاستطاعة،
ووجوب الحج، فلو علم أو تذكر بعد الموسم مع تحقق سائر الشرائط استقر عليه
الحج، وإن تلف المال أو أتلفه ولم يبق إلى السنة الآتية.
بل وكذا لو تلف بتقصيره أو أتلفه قبل الموسم في أوان الخروج مع
تحقق سائر الشرائط وبقائها إلى حين إتمام أعمال الحج لولا الاتلاف.
22

والقول بأن العلم والالتفات من شرائط الاستطاعة ضعيف.
مسألة 44 - لو علم بالاستطاعة ثم غفل عنها، أو تخيل أنه غير مستطيع،
مع كونه مستطيعا فحج ندبا، فإن قصد الأمر الندبي بنحو التقييد فالظاهر عدم
إجزائه عن حجة الاسلام، وإن قصد الأمر المتعلق به وتخيل أنه ندبي فالظاهر
إجزاؤه عنها، وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به.
مسألة 45 - الظاهر أنه لا يكفي في الاستطاعة، الملكية المتزلزلة للزاد
والراحلة وغيرهما، كما إذا ملكه أحد بشرط الخيار لأنه معرض للزوال.
نعم لو كان واثقا بعدم الفسخ فالظاهر صدق الاستطاعة، ولكن إذا
فسخ انكشف عدمها، إلا إذا كان حين الفسخ واجدا لعوضه.
والظاهر أن حكم الموهوب لغير ذي الرحم أيضا كذلك، ولا يجب عليه
تبديل الموهوب حتى تلزم الهبة ويصير مستطيعا.
مسألة 46 - يشترط في وجوب الحج بعد حصول الاستطاعة، بقاؤها إلى
آخر الأعمال، فلو تلف المال قبل تمام الأعمال انكشف عدم الاستطاعة.
وكذا لو حصل عليه دين قهرا، كما لو أتلف مال غيره خطأ.
وأما لو أتلف مع التقصير فالظاهر أنه كاتلاف مؤنة الحج بعد
الاستطاعة في عدم سقوط الحج به.
مسألة 47 - لو تلفت مؤنة عودته إلى الوطن، أو ما به الكفاية في وطنه،
بعد تمام الأعمال فالظاهر إجزاؤه عن حجة الاسلام، وكذا لو تلفت في أثناء
الحج مع بقاء مؤنة تتميم حجه.
مسألة 48 - الظاهر عدم اشتراط ملكية ما يكفي للحج، بل لو شرط
أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم، أن يكون له التصرف في ما له
بمقدار معين يكفي للحج كفى في الوجوب، ويكون كما لو كان مالكا له.
وكذا لو أوصى إلى أحد أن يحج من ماله بعد موته وجب عليه بعد
الموت.
23

وأما لو أوصى له بالوصية التمليكية، فعل المختار من لزوم القبول
في الوصية، لا يجب القبول.
مسألة 49 - لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة الحسين (عليه السلام)
في كل عرفة، ثم حصلت له الاستطاعة، يجب عليه الحج لحصول الاستطاعة،
وانكشاف عدم تحقق موضوع النذر، فهو بمنزلة ناذر الزيارة بعد حصول
الاستطاعة.
ووجوب العمل بالنذر تعبدا لا دليل عليه، واحتمال تحقق الاجماع في
نظير المسألة، مندفع بالتتبع في كلمات القدماء.
وكذا لو نذر إعطاء مقدار من ماله بحيث يستلزم العمل بالنذر خروجه
عن الاستطاعة أوان الخروج مع تحقق سائر الشرائط.
مسألة 50 - لو كان عليه واجب فوري آخر لا يتمكن معه من الاتيان
بالحج، فالظاهر أنه يراعي الأهم، وليس من شرائط الاستطاعة عدم واجب
آخر، بل الشرط في وجوب الحج المال بقدر الكفاية، وتخلية السرب، وصحة
البدن إلى تمام العمل، ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل حصول الاستطاعة أو
بعده.
مسألة 51 - لو قيل لفاقد نفقة الحج: حج وعلى نفقتك ونفقة عيالك،
وجب عليه الحج ويجزئ عن حجة السلام.
وكذا لو قيل له: حج بهذا المال وكان كافيا له ذهابا وإيابا ولعياله،
من غير فرق بين وجوب ذلك على الباذل - بنذر، أو يمين، أو غيرهما - وعدم
وجوبه عليه، إن حصل للمبذول له الوثوق بالبذل وعدم الرجوع.
وكذا لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية.
ولو بذله له نفقة الذهاب فقط، لم يجب عليه إلا إذا كان له نفقة
الإياب.
ولو لم يبذل نفقة عياله لم يجب إلا إذا كان عنده نفقتهم إلى أن يعود،
24

أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا.
مسألة 52 - الأقوى أن الدين يمنع من الاستطاعة البذلية إذا كان
حالا، وكان الديان مطالبين وتمكن من أدائه مع ترك الحج دون ما إذا انتفى
بعض ما ذكر من القيود.
ولا يشترط في الاستطاعة البذلية الرجوع إلى كفاية.
مسألة 53 - لو وهب أحد ما يكفي للحج ليحج وجب القبول والحج،
وكذا لو وهبه لكي يحج به إذا أراد، وكذا لو بذل له لكي يحج به أو يزور
الحسين (عليه السلام) مثلا، فإنه يجب عليه الحج.
وأما لو وهبه ما يكفي للحج بلا ذكر الحج، لا تخييرا، ولا تعيينا، فلا
يجب عليه القبول.
مسألة 54 - لو وقف مالا لأن يحج به أو نذر أو أوصى كذلك فعين
المتولي، أو الوصي، أو الناذر أحدا أو بذل له، وجب القبول والحج.
مسألة 55 - لو أعطى شخص الخمس أو الزكاة للفقير بشرط أن يحج به
ففي صحة الشرط ووجوب الحج عليه إشكال.
نعم لو أعطى الزكاة من سهم سبيل الله لكي يحج بها وجب عليه الحج،
ولا يجوز صرفها في غيره.
مسألة 56 - يجوز للباذل الرجوع قبل الدخول في الاحرام، وأما بعده
فالأحوط عليه تركه.
ويجوز له الرجوع إلى العين المبذولة مع بقائها وعدم كون الموهوب له
ذا رحم ولو بعد الاحرام، لكنه إذا استرجعها بعد الاحرام فالأحوط عليه، تتميم
نفقة الحج من غيرها.
مسألة 57 - لو رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه
وجهان، لا يخلو أولهما من وجه.
مسألة 58 - لو بذل لواحد من اثنين أو ثلاثة أو أكثر وجب عليهم
25

القبول كفاية، بل وجب على كل واحد منهم عينا مع العلم بعدم مزاحمة الغير،
فلو ترك الجميع، استقر عليهم الحج لصدق الاستطاعة. نعم لا يجب عليهم
المزاحمة مع إرادة واحد منهم الحج.
مسألة 59 - ثمن الهدي على الباذل إن كان المبذول له ممن يجب
عليه الهدي - بأن يكون واجدا له - وإلا فينتقل إلى الصوم إلا إذا تبرع الباذل له.
وأما الكفارات فإن أتى بموجبها عمدا فعليه وإن أتى به نسيانا، أو
جهلا، أو اضطرارا فيما وجيت كذلك، فإن كان المبذول له واجدا لها، فعلى
الباذل، لأنها من النفقات التي التزم الباذل بذلها.
وأما مع عدم تمكن المبذول له فلا يجب على الباذل، وحينئذ لو تبرع
الباذل فهو، وإلا يأتي بوظيفة غير المتمكن إلى أن ينتهي إلى الاستغفار.
مسألة 60 - الواجب بالبذل هو الواجب بالاستطاعة من حيث التمتع
والقران والافراد، فيجب على الآفاقي التمتع وعلى الحاضر القران أو الافراد
والعمرة المفردة.
وأما العمرة المفردة على النائي فعلى القول بوجوبها عليه بالاستطاعة لها
وحدها تجب بالبذل أيضا، وعلى القول بعدمه كما هو المشهور فلا.
هذا كله إذا كان صرورة، وأما من أتى بحجة الاسلام فلا يجب عليه
شئ، نعم لو نذر ولم يتمكن من الاتيان به يجب عليه القبول لأنه بالبذل
يتمكن، وكذا من استقر عليه سابقا ولم يتمكن من الاتيان به.
مسألة 61 - لو سرق المبذول للحج في أثناء الطريق سقط عنه الوجوب
إلا إذا كان مستطيعا من ذلك المكان، فيجب عليه الاتيان به، ويجزي عن
حجة الاسلام، وكذا لو رجع الباذل في أثناء الطريق.
مسألة 62 - لو بان عدم كفاية المبذول للحج قبل الاحرام لا يجب
على الباذل تتميمه وأما بعد الاحرام فالأحوط عليه التتميم، إلا إذا بذل للحج
على تقدير كفاية ما بذل.
26

مسألة 63 - لو قال: اقترض وحج وعلى دينك، ففي وجوبه عليه
نظر، وكذا لو قال: اقترض على وحج به. نعم لو اقترض وجب عليه في الثانية
مطلقا، وفي الصورة الأولى مع الوثوق بقوله.
مسألة 64 - لو بان بعد الحج كون المبذول مغصوبا فالحج صحيح، ولا
يبعد كفايته عن حجة الاسلام لقيام الطريق على حليته، ولازمه حصول
الاستطاعة، لكن الأحوط مع ذلك، عدم الاكتفاء به.
مسألة 65 - لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها
مستطيعا، وجب عليه الحج، ولا يجب طي الطريق بنية الحج.
مسألة 66 - يجوز للمستطيع إجارة نفسه للخدمة في طريق الحج، وكذا
لنفس المشي في طريق الحج، إلا إذا آجر نفسه للحج من بلده فلا جوز له
إجارة نفسه للمشي في طريق الحج، لعدم ملكيته له بعد تلك الإجارة.
مسألة 67 - لا يجب قبول إجارة توجب الاستطاعة، نعم لا ينبغي
ترك الاحتياط فيما إذا كانت عادته وشغله هذا، لاحتمال صدق الاستطاعة
معه بحسب العادة.
مسألة 68 - يجوز لغير المستطيع إجارة نفسه للحج نيابة عن الغير، فإن
حصلت له الاستطاعة به قدم الحج عن الغير إن كان مقيدا بالسنة الأولى، ويحج
لنفسه بعده إن بقيت الاستطاعة، ومع الاطلاق يقدم حجة الاسلام.
مسألة 69 - حج غير المستطيع لا يجزي عن حجة الاسلام، وكذا الحج
عن الغير تبرعا أو إجارة، فما في بعض الأخبار (1) من إجزائه عنه محمول على
إعطاء ثوابه وإجزائه عنه ما دام فقيرا.
مسألة 70 - يشترط في الاستطاعة مؤنة العيال حتى يرجع، زائدا على

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائط الباب 21 الحديث 4.
27

مؤنة الحج إيابا وذهابا، والمراد به العيال العرفي يعني من يجب عليه شرعا نفقته
أو يلتزم بنفقته عرفا، وإن لم يجب شرعا كالأخ، والأخت الصغيرين، بل
الكبيرين، ومن يشبههما في ذلك أيضا.
مسألة 71 - الأقوى اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة، من تجارة،
أو زراعة، أو صناعة، أو منفعة ملك من بستان أو دكان، أو نحو ذلك، ويكفي
كونه قادرا على تحصيل معاشه بحسب حاله ولو بالقوة، فمن كان له شئ مما
ذكر زائدا على مؤنة الحج، يجب عليه، وأما لو توقف الحج على هدم أساس
إعاشته، فلا يجب عليه.
نعم لو لم يكن له شئ من ذلك لكن كان له - زائدا على مؤنة حجه
وعياله - ما يكفي له ولعياله مدة معتدا بها، بحيث لا يهتم العقلاء بتحصيل المؤنة
لما بعدها فعلا، فالظاهر وجوب الحج عليه، لصدق الاستطاعة عليه وعدم
توقف صدقها على وجود مؤنة تمام العمر.
ولا يبعد وجوب الحج على من كان معاشه من الوجوه اللائقة به
- كطلبة العلم، والسادة وغيرهم - لو حصل له بمقدار مؤنة حجه ومؤنة عياله إلى
أن يرجع، وكذا الفقير الذي عادته أخذ وجوه البر، وكان لا يقدر على التكسب،
بل وكل من لا يتفاوت حاله بعد الحج وقبله لو صرف ما عنده في الحج.
مسألة 72 - لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ليحج به من دون
رضاه، كما لا يجب عليه بذل نفقة الحج له.
وكذا لا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ليحج به، ولا يجب عليه
بذل نفقة الحج له، فما في بعض الأخبار (1) من جوازه، يحمل على الاقتراض أو
على ما إذا لم تكن مؤنة الحج زائدة على نفقة الحضر، مع وجوب النفقة عليه،
وذلك لاعراض الأصحاب عن ظاهره.

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 36، الحديث 1، الجلد 8.
28

مسألة 73 - لا يشترط في صحة حج المستطيع كون الحج من ماله، فلو
حج في نفقة الغير أو متسكعا صح الحج، بل وكذا لو حج من المغصوب صح
الحج.
نعم لو صلى صلاة الطواف في المغصوب عالما بالغصب بطلت، وكذا لو
كان ثوب إحرامه، أو مطافه، أو مسعاه، أو محل وقوفه في الموقفين مغصوبا، لم
يصح منه الطواف، والاحرام، والسعي، والوقوف، مع العلم بالغصب، من غير
فرق في المغصوب بين كونه مركوبا له، أو بساطا وقف عليه، أو نعالا.
ولو كان هديه مغصوبا لم يجز عنه وإن صح حجه.
مسألة 74 - كما يشترط في وجوب الحج الاستطاعة المالية كذلك
يشترط فيه الاستطاعة البدنية، بمعنى أن لا يكون مريضا لا يقدر على الركوب أو
كان حرجا عليه، ولو في مثل الطائرة والسيارة وأمثالهما، فمن كان كذلك لا
يجب عليه.
مسألة 75 - يشترط فيه أيضا الاستطاعة الزمانية، بمعنى اتساع زمانه
لجميع الأعمال، فلو لم يتمكن من الوصول والاتمام لم يجب، وكذا لو أمكن
بحرج، وحينئذ يحج في العام القابل مع بقاء الاستطاعة، وإلا فلا يجب.
مسألة 76 - يشترط في وجوبه أيضا الاستطاعة السربية، بمعنى أن لا
يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى ميقات، أو إلى الحرم، أو إلى
الموقفين، وإلا لم يجب، وكذا لو كان غير مأمون على نفسه، أو ماله، أو عرضه،
وكان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطرق كذلك.
ولو كانت الطرق متعددة وكان واحد منها مأمونا، يجب الذهاب منه
وإن كان أبعد، إلا أن يستلزم الدوران في البلاد، بحيث يصدق معه عدم تخلية
السرب فإن الأقوى فيه عدم الوجوب.
مسألة 77 - لو استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال معتد به في بلده
بلا عوض لم يجب، وكذا لو استلزم ترك واجب فوري أهم من الحج، وكذا لو
29

توقف على فعل حرام أهم من ترك الحج.
مسألة 78 - قد علم مما مر أن وجوب الحج مشروط بالبلوغ، والعقل
والحرية، والاستطاعة المالية، والبدنية، وتخلية السرب في وقت صالح
للأعمال، وعدم كون الاتيان به ضرريا، أو حرجيا بما لا يتحمل عادة، وعدم
المزاحمة بما هو أهم منه من ترك واجب، أو فعل حرام، فمع فقد بعض
هذه الشرائط لم يجب.
مسألة 79 - لو اعتقد كونه واجدا لجميع الشرائط وفاقدا للموانع وحج
فبان كونه صغيرا، فلا يجزي عن حجة الاسلام، وكذا لو ظهر أنه غير مستطيع
ماليا على الأقوى، وكذا لو انكشف كونه حرجيا بما لا يتحمل عادة، لأنه لم
يكن مستطيعا في الواقع، وكذا لو بان اتحاد بعض الأعمال مع الحرام الذي
لا يعذر في فعله كغصب المجهول للشبهة الحكمية قبل الفحص مثلا، وأما لو بان بعد
الأعمال أنه كان مزاحما بما هو أهم فالظاهر صحة الحج، وإجزاؤه عن
حجة الاسلام.
مسألة 80 - لو اعتقد كونه غير بالغ، أو غير مستطيع وحج فبان
خلافه، ففي إجزائه عن حجة الاسلام إشكال، نعم لو قصد ما عليه من الحج
وزعم أنه استحبابي، فلا يبعد إجزاؤه.
مسألة 81 - لو اعتقد كونه غير واجد لبعض الشرائط، أو اعتقد وجود
بعض الموانع فترك الحج، ثم بان خلافه وأنه كان واجدا لجميع ذلك إلى
تمام الأعمال، فالظاهر استقرار الحج عليه، ويجب الاتيان به بعد ذلك ولو
متسكعا، إلا إذا اعتقد الضرر المجوز لترك الحج، حيث أن له ترك الحج من
جهة فقد الاستطاعة، فإن بقيت الاستطاعة بعد انكشاف الخلاف إلى العام
القابل وجب عليه الحج فيه وإلا فلا يجب، بل الظاهر أن خوف الضرر أيضا
كذلك وإن لم يعتقد بوجوده إلا إذا كان خوفه غير عقلائي.
مسألة 82 - لو ترك الحج متعمدا مع تحقق جميع الشرائط، وبقائها إلى
30

آخر وقت الأعمال استقر عليه الحج، ويجب عليه الاتيان به ولو متسكعا.
مسألة 83 - حج غير البالغ لا يجزي عن حجة الاسلام وإن بلغ قبل
أحد الموقفين على الأقوى، وكذا حج المتسكع لا يجزي عنها.
وأما الحج مع عدم الأمن من الضرر، فلو كان غير مأمون في الطريق إلى
الميقات، وكان بعده مأمونا فلا إشكال في الاجزاء مع تحقق سائر الشرائط، لأنه
بوصوله إليه يصير مستطيعا.
وأما لو كان غير مأمون من الميقات إلى تمام الأعمال، ولو في جزء
منها، بحيث يحرم الاقدام عليه، فالظاهر عدم الاجزاء.
نعم فيما يجوز ارتكابه مثل الضرر في الأموال فالظاهر فيه الاجزاء.
وأما مع الحرج فالظاهر عدم الاستطاعة معه، ولازم ذلك عدم
الاجزاء.
مسألة 84 - لو حج المستجمع للشرائط مع كون حجه مزاحما لواجب
أهم، أو ترك حرام أهم من فعل الحج، مع إحراز الأهمية فيهما، فالمسألة من
المتزاحمين، والأقوى فيه الاجزاء وإن كان عاصيا في ترك الأهم.
مسألة 85 - لو كان في الطريق مانع يحتاج رفعه إلى صرف المال،
وكان قادرا على رفعه به، فالأقوى وجوب صرف المال في رفع المانع، ويحسب
من مؤنة الحج فيما لا يعد إتلافا للمال.
وأما لو كان في نظر العرف إتلافا وتضييعا للمال، كالسرقة والنهب،
فالأقوى عدم الوجوب إن كان الضرر معتدا به، نعم يجزي عن الحج مع الاقدام
وبقاء الاستطاعة.
مسألة 86 - لو كان في الطريق مانع لا يندفع إلا بالقتال، لم يجب حتى
مع القطع بالغلبة.
مسألة 87 - لو انحصر الطريق في البحر أو الجو وجب إن لم يستلزم ترك
الصلاة الواجبة، وأما إن استلزم فإن الظاهر فيه عدم الوجوب، ولكن لو حج
31

أجزأ عن الواجب.
ولو استلزم أكل النجس، أو شربه وأمثال ذلك فالظاهر وجوب الحج.
ولو توقف الحج على ركوب الدابة الغصبية لم يجب، ولكن لو ركب
ووصل إلى الميقات يجب الحج وصح بشرط أن يتمكن من الاتيان به من
الميقات إلى تمام الأعمال بلا ارتكاب الغصب.
مسألة 88 - لو استقر عليه الحج وكان عليه الخمس، أو الزكاة أو
غيرهما من الحقوق الواجبة وجب أداؤها، ولا يجوز له الحج لو لم يتمكن من
الأداء والسفر، ولو ترك الأداء والحج عصى ولكن صح حجه، ويجزي إلا إذا
كانت عين ما يحج بها غير مخمسة أو غير مزكاة، فحكمها حكم المغصوبة.
مسألة 89 - يجب مباشرة الحج مع التمكن، فلا يكفي حج غيره عنه
تبرعا، أو بالإجارة، أو غير ذلك.
مسألة 90 - من استقر عليه الحج ولم يتمكن من المباشرة لمرض لم يرج
شفائه، أو أحصر عن الحج كذلك، أو هرم، أو كان عليه حرجا، وجب
عليه الاستنابة، بل الأحوط ذلك لمن لم يستقر عليه الحج أيضا إن كان موسرا
من حيث المال متعذرا من المباشرة، كما أن الأحوط ذلك ولو كان مرجو
الزوال.
فإن بقي العذر إلى أن مات يجزي حج النائب، ولو ارتفع بعد العمل
فالظاهر إجزاؤه عنه أيضا في غير مرجو الزوال، وأما في مرجو الزوال، فالأحوط
الاتيان به بنفسه بعد ارتفاع العذر، وكذلك في المستقر عليه وفي غيره أيضا إذا
كان قادرا على رفع العذر.
ولو اتفق رفع العذر في الأثناء ولم يتمكن المنوب عنه بعده من الاتيان
بالعمل كاملا، يجزي عنه، وإن كان يمكنه ذلك وجب عليه الحج بنفسه،
وينكشف حينئذ بطلان الإجارة لعدم تحقق موضوعها.
ولو ارتفع العذر في أثناء الطريق قبل الاحرام فالظاهر بطلان الإجارة
32

وعدم الاجزاء وإن لم يتمكن المنوب عنه من الاتيان به بالمباشرة في تلك السنة،
لانصراف أخبار الاستنابة عنه.
مسألة 91 - الأحوط مراعاة ما ذكر من وجوب الاستنابة وأحكامها
في الحج الافسادي أيضا، وأما النذري فالأقوى عدم وجوب الاستنابة فيه.
مسألة 92 - من لم يتمكن من الاستنابة عند وجوبها لعدم وجود
النائب، أو لعدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل وعدم القدرة عليها، أو كانت
مجحفة، سقط عنه وجوب الاستنابة، ووجب القضاء عنه بعد الموت، كما لو
تمكن منها وعصى.
ولا يبعد كفاية التبرع عن الاستنابة، كما لا يبعد كفاية النيابة الميقاتية
ولو مع التمكن من البلد، لكن الأحوط خلافه فيهما لأن القدر المتيقن
من الأخبار، نفس الاستنابة من مكانه، دون الميقات، ودون التبرع.
مسألة 93 - من مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه عن
حجة الاسلام، فلا يجب القضاء عنه وإن كان قد استقر عليه الحج، وإن مات
قبل ذلك فلا يجزي وإن كان بعد الاحرام على الأقوى، كما أن الأقوى عدم
الاجزاء فيمن مات بعد دخول الحرم قبل الاحرام كالناسي له، أو الجاهل.
والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الاحرام أو بعد الاحلال، كما
إذا مات بين الاحرامين، بل القول بعدم الفرق بين كون الموت في الحل أو الحرم،
لو أحرم ودخل الحرم ثم خرج منه لحاجة، لا يخلو عن وجه.
والظاهر عدم الفرق في ذلك بين حج التمتع، والافراد، والقران، ولا
بين كون الواجب عن نفسه، أو عن غيره بالاستيجار، ونحوه، كما يأتي حكمه
إن شاء الله.
والظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا بخلاف
الافراد والقران، فإن العمرة والحج فيهما عملان مستقلان، فالاجزاء بالموت في
أحدهما عن الآخر مشكل.
33

ومقتضى إطلاق بعض الأخبار (1) تعميم ذلك الحكم للحج النذري،
والافسادي، بل والعمرة المفردة.
وحيث قلنا بعدم الاجزاء، وجب القضاء عمن استقر عليه الحج،
ولا يجب في غيره، نعم الأحوط استنابة كبار الورثة من سهامهم.
مسألة 94 - الكافر مكلف بالحج مع الاستطاعة، ولكن لا يصح منه
ما دام كافرا، لأن الاسلام شرط في صحة العبادة، وإن مات كافرا لا تقضى
عنه لعدم كونه أهلا للاكرام وإبراء الذمة.
ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه الاتيان به، بل وكذلك لو أسلم
بعد زوال استطاعته على الأحوط إن لم يكن أقوى.
ولا يصح التمسك لنفي وجوبه بقوله صلى الله عليه وآله " الاسلام
يجب ما قبله " لأن المتيقن من مورده، الجب عما فات دون ما هو باق، كما
إذا أسلم في الوقت فإنه يجب عليه الصلاة.
وسقوط القضاء في الصوم، والصلاة فللجب عن الأداء، فلا يقاس عليه
الحج، نعم لو قيل بسقوط ما وقع سبب وجوبه قبل الاسلام، فللسقوط وجه،
لكنه مشكل.
مسألة 95 - لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء، لم يكفه وإن أدرك
أحد الموقفين مسلما، بل يجب عليه الاحرام من الميقات لو تمكن من العود إليه،
وإلا فيرجع إلى ما يمكن ويحرم منه، وإن لم يتمكن من الرجوع أصلا فيحرم من
موضعه.
مسألة 96 - المرتد المستطيع مكلف بالحج، سواء حصلت استطاعته
حال ارتداده أو قبله، ولا يصح منه حال الارتداد، وإن مات قبل أن يتوب

(1) وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج وشرائطه، الباب 26، الحديث 4، الجلد 8.
34

لا يقضى عنه لعدم أهليته له، وإن تاب وجب عليه وإن كان فطريا على
الأقوى من قبول توبته وصحة عباداته، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل
التوبة.
ولو أحرم حال الارتداد ثم أسلم يجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي.
ولو حج ثم ارتد لا يجب عليه الإعادة بعد التوبة، والحبط مخصوص
بمن ارتد ومات على كفره لقوله تعالى ".. فيمت وهو كافر.. ".
مسألة 97 - لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب، لم يحتج إلى تجديد الاحرام
بعد إسلامه على الأصح - كما لو ارتد في أثناء الغسل أو الوضوء، أو الأذان والإقامة، ثم أسلم قبل فوات الموالاة، بل وكذلك في أثناء الصلاة لو تاب قبل
فوات الموالاة، وقبل الاتيان بالمنافي، بناءا على عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا
منها، نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل وإن تاب فورا - ولكن الأحوط تجديد
الاحرام بعد التوبة رجاءا لاحتمال كونه كالصوم.
مسألة 98 - لو حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة، بشرط
أن يكون حجه صحيحا في مذهبه وإن لم يكن صحيحا في مذهبنا، من غير
فرق بين الفرق لاطلاق الأخبار لكن في شمولها لمثل الغلاة المحكوم بكفرهم
إشكال.
نعم الناصب والحرورية والقدرية والمرجئة منصوص فيها.
مسألة 99 - لا يشترط إذن الزوج في الحج الواجب على الزوجة
المستطيعة وليس له منعها، وكذا في الواجب عليها بالنذر إذا أذن لها في النذر،
وفي النذر بغير إذنه إشكال لكن الأحوط عليه الإذن لها بالحج.
وفي الحج المندوب يشترط إذنه، وفي الموسع قبل تضيقه حتى في
حجة الاسلام، له المنع من الخروج إلى آخر وقت يمكن لها إدراك الحج.
والمعتدة الرجعية كالزوجة دون البائنة، والمعتدة بعد الوفاة يجب عليها
35

الحج الواجب، ويجوز لها المندوب.
والمنقطعة كالدائمة إذا استلزم الحج تفويت حق الزوج وإلا فلا، لكن الأحوط
ترك الاتيان بحج المندوب والمنذور بغير إذنه، والأحوط عليه عدم المنع.
ولا فرق في اشتراط الإذن بين المتمكن من الاستمتاع والممنوع منه
لمرض أو سفر.
مسألة 100 - لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة المأمونة على نفسها
وعرضها، سواء كانت ذات بعل أو لا، ومع عدم الأمن يجب عليها استصحاب
محرم ولو بالأجرة مع التمكن منها، ومع عدمه لا تكون مستطيعة.
وإذا توقف تحصيل المحرم على التزوج فالأقوى لزومه عليها.
ولو ادعى الزوج عدم الأمن وأنكرت، فإن كان المدعى خوف المرأة
على نفسها، قدم قولها مع عدم البينة، وإن كان المدعى عدم أمن الطريق
فالنزاع يرجع إلى التداعي والحكم فيه التحالف،
لكن الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلا إذا رجعت الدعوى إلى
ثبوت حق الاستمتاع فيتحالفان، فإذا حلفت الزوجة في الفرض الأول وتحالفا
في الفرض الثاني سقط الحج.
ولو حجت بلا محرم مع عدم الأمن، صح حجها إن حصل الأمن قبل
الشروع، وإلا ففيه إشكال، وإن كان الأقوى الصحة.
مسألة 101 - من أهمل بعد الاستطاعة، واستقرار الحج عليه حتى زال
بعض الشرائط، وصار الحج دينا عليه، وجب عليه الاتيان به بأي وجه أمكن،
وإن مات يقضى من تركته، من غير فرق في ذلك بين التمتع والافراد والقران
ويصح التبرع عنه.
ويعتبر في الاستقرار بقاء الاستطاعة المالية والبدنية والسربية إلى زمان
يمكن له العود إلى وطنه، وأما مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال.
ولو علم بأنه يموت بعد الأعمال لا يحتاج إلا مؤنة العود والرجوع إلى
36

الكفاية، فيجب عليه إذا كان له المؤنة إلى تمام الأعمال.
ولو علم بأنه يموت قبل تمام الأعمال، لا يجب عليه الحج إلا إذا استقر
عليه سابقا، فإنه يحج ويأتي بالأعمال ما أدرك، ويتم بالاستنابة ما فات منه ولو
أدرك الحرم محرما على الأحوط لأن المتيقن من إجزاء الحج لمن يموت
بعد الاحرام ودخول الحرم، غير العالم بموته قبل الاتمام.
ولو كان تلف المال مستندا إلى ترك الحج - كما لو علم بأنه لو حج
مثلا لم يتلف ماله - استقر عليه، ولو تلف قبل زمان يمكن له العود، لأنه بمنزلة
تفويت المال، وكذلك بالنسبة إلى الاستطاعة البدنية والسربية.
ولو شك في أن التلف مستند إلى ترك الحج، أولا، فالظاهر عدم
الاستقرار، للشك في تحقق الوجوب.
ولو زالت الاستطاعة في الأثناء فأتم الحج، فالظاهر إجزاؤه عن
حجة الاسلام إذا بقي له مؤنة التتميم كما مر.
مسألة 102 - تقضى حجة الاسلام من أصل التركة مع عدم الوصية من
غير فرق بين أقسام الحج والعمرة، وكذلك مع الوصية من غير تعيين كونه
من الثلث، ومع التعيين يجب اخراجه منه، ويقدم على الوصايا المستحبة، وإن
كان متأخرا عنها في الذكر، وإن لم يف الثلث أخذت البقية من الأصل،
وكذلك الحج المنذور يخرج من الأصل.
مسألة 103 - لو كان عليه دين، أو خمس، أو زكاة وقصرت التركة
فإن كان المال المتعلق به الخمس والزكاة موجودا، قدما لتعلقهما بالعين،
فلا يجوز صرفها في غيرهما قبل أدائهما، وإن كانا في الذمة فالأقوى تقدم الحج
على غيره - وإن كان ذلك الغير دين الناس - فإن وفت التركة به، فبها وإن لم تف
إلا لبعض الأفعال كالطواف فقط، أو مع السعي، فالظاهر سقوطه، ويصرف
المال في غيره من الديون، أو الخمس، أو الزكاة، ولو بنحو التوزيع إن لم يف
بالجميع.
37

وإن وفت التركة بالحج فقط، أو بالعمرة فقط، فإن كان الواجب
على الميت القران أو الافراد صرفت في الحج، وإن كان تمتعا يسقط. لأنه مع
عمرته عمل واحد.
مسألة 104 - لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج، أو
تأدية مقدار الأجرة إلى ولي أمر الميت، وإن كانت التركة واسعة على الأحوط.
مسألة 105 - لو أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث، وأنكره
الآخرون، لا يجب على المقر إلا وضع ما يخص حصته بعد التوزيع، فإن وفى
بالحج ولو الميقاتي فهو، وإلا فإن وجد متمم من الورثة، أو من متبرع، يجب
عليه الدفع، وإلا فلا، وحينئذ فالأحوط والأولى أن يتصدق عنه بحسب سهمه،
وإن لم يكن على الميت دين، وإن كان فيؤدى دينه.
مسألة 106 - لو لم تف تركة الميت بالحج ولو الميقاتي تصرف في الدين
إن كان، وإلا فهي للورثة، إلا مع احتمال كفايتها له بعد ذلك، أو وجود متبرع
للتتميم، فيجب إبقاؤها إذا كان الاحتمال عقلائيا.
وبعد اليأس فالأحوط والأولى على كبار الورثة التصدق عنه بحسب
سهامهم.
مسألة 107 - إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت سقط عن الورثة وجوب
أدائه، ورجعت مؤنة الحج إليهم، سواء عينها الميت أو لا.
والأحوط على كبار الورثة التصدق بحسب سهامهم، بل لا يترك في
صورة التعيين.
مسألة 108 - الأقوى كفاية الحج الميقاتي عن الميت، والأحوط البلدي،
ولكن لا يحسب الزائد عن الميقاتي على الصغار من الورثة.
ولو أوصى بالبلدي وجب، ويحسب الزائد على أجرة الميقاتي من
الثلث.
ولو أوصى بالحج بلا تعيين، فمع عدم القرينة على أحدهما حتى
38

الانصراف، يكفي الميقاتي، لكن لا يبعد انصراف الوصية إلى البلدي، إلا مع
القرينة على الخلاف.
ولو لم يكن الميقاتي وجب الاستيجار من أقرب مكان إلى الميقات إن
أمكن، وإن لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب الاستيجار منه، ويخرج تمام
الأجرة حينئذ من أصل المال.
مسألة 109 - لو أوصى البلدي وخولف واستؤجر له من الميقات، أو
تبرع عنه متبرع أو لم يسع المال إلا للميقاتي، برئت ذمته، وسقط الوجوب
من البلد.
مسألة 110 - الظاهر أن المراد من البلد، هو البلد الذي مات فيه ولو
عين مكانا آخر تعين.
مسألة 111 - يكفي الاستيجار من أقرب المواقيت في الميقاتي لكن لا
يتعين، فيجوز الاستيجار من أي مكان دون الميقات، أو من أبعد المواقيت، لكن
أجرة الزائد لا يحسب من سهم صغار الورثة، ولا من الثلث إذا لم يوص به، إلا
إذا أوصى بثلثه من غر تعيين المصرف.
مسألة 112 - لو لم تف التركة بالميقاتي، ولكن أمكن الاستيجار
من الاضطراري كمكة، أو أدنى الحل وجب الاستيجار منه، ولكن الأحوط
حينئذ استيجار من يكون ميقاته هذه مع الامكان.
ولو دار الأمر بين الاستيجار من الميقات الاضطراري، أو البلدي تعين
البلدي، ويخرج تمام الأجرة من أصل التركة.
مسألة 113 - كما يكفي الميقاتي عن الميت، كذلك يكفي عن المعذور
بعذر يسوغ له الاستنابة، فيجوز له الاستنابة من الميقات وإن كان الأحوط
الاستنابة من البلد.
مسألة 114 - الظاهر وجوب المبادرة إلى استيجار حج الميت في
سنة الموت، خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من الميت.
39

فإن لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب، ولا يجوز التأخير إلى السنة
الأخرى ليستأجر من الميقات إرفاقا بالورثة، وكذا إن لم يمكن إلا بأكثر من
أجرة المثل يجب المبادرة، ولا يجوز التأخير إرفاقا بهم.
مسألة 115 - لو أهمل الوصي، أو الوارث الاستيجار حتى تلفت التركة
ضمن.
ولو تسامحا ونقصت قيمتها السوقية، بحيث لا تفي باستيجار الحج، ففي
الضمان، وعدمه وجهان، من عدم الضمان في القيمة السوقية، ومن أن الاهمال
إتلاف للحج على الميت.
مسألة 116 - لو اختلف تقليد الميت والمتصدي في اعتبار الميقاتي
والبلدي، ولم يوص بأحدهما، فالمدار على تقليد المتصدي وصيا كان، أو وارثا،
ومع التعدد واختلافهم، يتعين الرجوع إلى الحاكم بمقتضى مذهبه.
ولو اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحج من جهة
الاختلاف في الشرائط، كالرجوع إلى كفاية، أو لم يعلم فتوى مجتهد الميت،
فالمدار على تقليد الوارث.
مسألة 117 - الأقوى والأحوط في صورة تعدد من يمكن استيجاره هو
استيجار أقلهم أجرة، مع إحراز صحة عمله، إلا إذا رضي الورثة، ولم يكن فيهم
قاصر.
مسألة 118 - لو شك في استطاعة الميت وعدمها، فلا يجب القضاء،
وكذا لو شك في تحقق سائر الشرائط بعد العلم باستطاعته من جهة المؤنة.
مسألة 119 - لو علم استقرار الحج على الميت، ولم يعلم أنه أتى به
أولا، فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمته، ويحتمل عدم الوجوب،
لظاهر حال المسلم، وأنه لا يترك الواجب الفوري. وكذا لو علم أن عليه قضاء
صلاة، أو صوم، أو تعلق بماله خمس، أو زكاة وشك في أدائهما مع بقاء عينهما،
وأما مع تلف العين فالأصل عدم اشتغال الذمة بالبدل، إلا إذا علم باشتغال
40

ذمته بالبدل وشك في أدائه.
مسألة 120 - لا يكفي مجرد الاستيجار في براءة ذمة الميت، بل لا بد
من الأداء، فلو علم أن الأجير لم يأت به، ولم يمكن استرداد الأجرة منه، وجب
الاستيجار من تركته ثانيا، ويحسب من أصل المال.
مسألة 121 - لو استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن جواز
الاستيجار من الميقات، ضمن تفاوت الأجرة للقصر من الورثة، ولمن لم يرض
منهم بذلك.
مسألة 122 - لو لم يكن للميت مال وكان عليه الحج لم يجب
على الورثة أداء حجه. نعم يستحب على الولي أداؤه، بل قد يقال بوجوبه للأمر به
في بعض الأخبار.
مسألة 123 - من استقر عليه الحج وتمكن من إتيانه، ليس له أن
يحج عن غيره تبرعا، أو بالإجارة قبل أن يحج عن نفسه، وكذا ليس له أن يحج
تطوعا، ولو خالف ففي صحته إشكال ولا يترك الاحتياط، سواء كان عالما
باستقراره عليه أو لا.
وأما لو لم يتمكن من الحج لنفسه فلا إشكال في صحته وجوازه وجواز
إجارة نفسه له.
ولو تمكن من الحج لنفسه بعد ما آجر نفسه للغير انكشف بطلان
الإجارة، إلا إذا كان التمكن بسبب الإجارة.
وكيف كان حجه عن الغير لا يكفي عن نفسه، وإن قيل بصحته
وإجزائه عن الغير.
ولو حج المستطيع تطوعا ففي صحته، وكفايته عن حجة الاسلام
إشكال وإن كان عن جهل، إلا إذا كان بنحو الاشتباه في التطبيق كما في
نظائره المتقدمة.
مسألة 124 - لو كان الحج الواجب عليه نذرا، أو غيره وكان واجبا
41

فوريا، فحاله حال من ذكر في حجة الاسلام من عدم جواز حجه للغير، ولكن لو
حج فلا يبعد صحته وإجزائه عن الغير وإن عصى بترك واجبه الفوري.
الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين
ويشترط في انعقاده البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا ينعقد
من الصبي وإن بلغ عشرا وقلنا بصحة عباداته، ولا من المجنون، والساهي،
والغافل، والسكران، والمكره.
والأقوى صحته من الكافر لو اعتقد بوجود الصانع، ولا ينفعه أداء
الحج في حال كفره، فيجب عليه السلام والآتيان به، ويعاقب على تركه،
ويترتب على تركه الكفارة، وإن أسلم قبل الحنث وجب عليه الاتيان وصح
حجه، وإن أسلم بعد الحنث فلا يبعد الجب، وفي انعقاد النذر من الشاك
وجه.
مسألة 1 الأقوى أنه يشترط في انعقاد اليمين من الزوجة إذن الزوج
ومن الولد إذن الوالد، وفي كفاية الرضى اللاحق، وجريان الفضولي فيه
إشكال.
والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين كون متعلق اليمين منافيا لحق الزوج
أو الوالد، فيما يجب إطاعته أو لا، وفي استثناء الحلف على فعل الواجب أو ترك
القبيح تأمل.
ولا يبعد الحاق نذر الزوجة باليمين، والأقوى في نذر الولد عدم
الالحاق.
وفي شمول الزوجة للمنقطعة، والولد لولد الولد وجهان.
مسألة 2 لو كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان، أقواهما
العدم.
42

مسألة 3 - الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى، وتلحق الأم
بالأب.
مسألة 4 - لو حلفت أو نذرت المرأة الخلية ثم تزوجت وجب عليها العمل
به، وإن كان منافيا للاستمتاع بها، وليس للزوج منعها، بل وكذا لو نذرت
أن تصوم كل خميس إن تزوجت بزيد مثلا، ونذر زيد أن يواقعها في كل خميس
إن تزوجت به، وجب عليها الصوم وليس للزوج منعها.
وخلفها مقدم على حلفه وإن كان متأخرا في الايقاع.
مسألة 5 - لو نذر الحج من مكان خاص كالنجف مثلا، بأن يكون
المقصود ذلك الفرد من الحج، فحج من غيره لم تبرأ ذمته، ووجب الاتيان به
ثانيا، إن لم يعين له سنة، وإن عين له سنة وحج فيها من غير ذلك المكان،
وجبت عليه الكفارة لحنث النذر.
وإن كان المقصود شروع سفر الحج من مكان خاص كما لو نذر
الاتيان بحجة الاسلام من ذلك المكان فصحته مشروطة برجحان ذلك، وإلا
فمشكل، وعلى تقدير الصحة فالحكم فيه ما ذكر.
مسألة 6 - لو نذر ولم يقيد بزمان فجواز تأخيره محل تأمل بمعنى أنه
تجب المبادرة عليه عقلا.
نعم لا يفوت بالتأخير، ولا يتحقق العصيان بمعنى ترك المأمور به،
ولكن لا مانع من إلزام العقل بالتعجيل.
ويتحقق العصيان لو مات قبل الاتيان، مع التمكن من إتيانه، ووجب
القضاء والكفارة، ويخرج القضاء من أصل المال كالكفارة
ولو قيده بزمان مخصوص لم يجز له التأخير مع التمكن، فلو أخر عنه
عصى، ووجب القضاء والكفارة.
مسألة 7 - لو نذر الحج مطلقا، أو مقيدا سنة، ولم يتمكن من الاتيان
به حتى مات، لا يجب القضاء والكفارة، ويكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.
43

مسألة 8 - لو نذر الحج معلقا على أمر، كشفاء مريضه، أو مجئ
مسافره، ومات قبل حصول المعلق عليه، فلا يجب القضاء عنه، سواء كان من
قبيل الواجب المشروط أو من قبيل الواجب المعلق، أما الأول فواضح، وأما
الثاني فلعدم التمكن من إتيانه حال حياته، لعدم حلول وقته.
مسألة 9 - لو نذر الحج واستقر عليه للتمكن من إتيانه ثم صار
متعذرا، وجب عليه الاستنابة، وإن مات وجب القضاء عنه.
وإن لم يتمكن بعد النذر، فلا يجب الاستنابة والقضاء وإن كان
متمكنا من حيث المال، فهذا ليس كحجة الاسلام.
نعم لو كان المنذور الحج بالمباشرة مع التمكن، والاستنابة مع عدمه،
وجبت الاستنابة إن مات مع التمكن من المباشرة، أو الاستنابة، بل ومع عدم
التمكن أيضا.
مسألة 10 - لو نذر أن يحج رجلا في سنة معينة فخالف مع التمكن
وجب القضاء والكفارة، وإن مات قبل العمل بنذره يخرج القضاء والكفارة
من أصل التركة.
وكذا لو نذر الاحجاج من غير تقيد بسنة معينة مطلقا أو معلقا على
شرط وقد حصل، وتركه مع التمكن منه حتى مات، فإنه يقضى عنه ويكفر من
أصل التركة.
ولو نذر الاحجاج ولم يتمكن منه حتى مات، فالظاهر عدم وجوب
القضاء، لأن عدم التمكن يكشف عن عدم الانعقاد، إذ المنذور بالفرض هو
الاحجاج، ويشترط في صحة النذر القدرة على المنذور، والمفروض عدمها.
مسألة 11 - لو نذر الاحجاج معلقا على شرط، مثل شفاء المريض
ونحوه، فحصل الشرط بعد موته فلا يجب القضاء.
نعم لو كان المنذور أصل الاحجاج ولو متقدما، وكان الشرط المتأخر
بحيث لو علم بحصوله بعد ذلك، وجب الاتيان قبل الشفاء، وتمكن من ذلك
وترك الحج ولو للجهل بحصوله، فبعد الحصول يجب القضاء عنه.
44

مسألة 12 - لو نذر المستطيع حجة الاسلام انعقد على الأقوى، وإذا ترك
حتى مات وجب القضاء والكفارة من تركته، ولو نذر الاتيان في أول سنة
الاستطاعة وأخر وجبت الكفارة.
ولو نذر في سنة معينة غير سنة الاستطاعة، حتى يؤول الأمر إلى تأخير
الواجب الفوري، فلا ينعقد،
ولو نذر غير المستطيع حجة الاسلام ينعقد، ويجب عليه تحصيل
الاستطاعة، إلا أن يكون النذر مشروطا بالاستطاعة.
مسألة 13 - لا يشترط في وجوب الحج بالنذر الاستطاعة الشرعية، بل
يكفي فيه القدرة العقلية، كما في سائر الواجبات.
مسألة 14 لو نذر المستطيع حجا غير حجة الاسلام في عام الاستطاعة
لا ينعقد وإن زالت الاستطاعة بعد النذر، لعدم تحقق قصد الاتيان بالمنذور لله
حال النذر.
نعم لو كان جاهلا بالاستطاعة، أو بعدم صحة حج آخر منه، أو قصده
على تقدير زوال الاستطاعة مع احتماله، صح النذر لو زالت الاستطاعة، لتحقق
القصد ورجحان المتعلق المكشوف بزال الاستطاعة.
مسألة 15 - لو نذر غير المستطيع الحج ثم استطاع، فإن كان نذره
مطلقا، أو مقيدا بغير سنة الاستطاعة، صح ولا إشكال في تقدم حجة الاسلام.
ولو قيد نذره بسنة حصول الاستطاعة فالظاهر وجوب الاتيان
بحجة الاسلام، وعدم انعقاد النذر، لكشف الاستطاعة عن عدم رجحان المنذور
حين العمل.
ولو كان المنذور موسعا وأهمل الاتيان بحجة الاسلام في السنة الأولى،
فيجبان في السنين الآتية، لكن يقدم مع ذلك حجة الاسلام، ولو كان النذر فيها
مقيدا بالفورية.
45

مسألة 16 - لو نذر الحج وأطلق، من غير تقييد بحجة الاسلام ولا
بغيرها، فالظاهر كفاية حجة الاسلام عن النذر، دون العكس على الأحوط، وكذا
لو نذر الاتيان بالحج بأي نحو، وأما إن قيده بغيرها، فيجب عليه الاتيان بالنذر
بعد حجة الاسلام.
مسألة 17 - لو نذر غير المستطيع الحج معلقا بشفاء ولده مثلا، ثم
استطاع قبل حصول المعلق عليه، وجب أن يحج حجة الاسلام، فإن كان النذر
مقيدا بتلك السنة، يكشف عن عدم انعقاده بالاستطاعة، وإلا وجب الاتيان
به بعد حجة الاسلام.
مسألة 18 - من كان عليه حجة الاسلام، وحج النذر، ولا يتمكن
من الجمع، يقدم حجة الاسلام لأهميتها على الأقوى، وكذا من مات وعليه
حجة الاسلام، وحج النذر، ولم تف التركة بهما، وأما مع الوفاء بهما فاللازم
استيجارهما في عام واحد فورا مع الامكان.
مسألة 19 - من وجب عليه الحج بالنذر موسعا يجوز الاتيان بالمندوب
قبله.
مسألة 20 - لو نذر الحج أو الاحجاج انعقد، ووجب أحدهما تخييرا،
وإن مات بعد التمكن منهما وجب القضاء عنه تخييرا بين الحج عنه أو الاحجاج
بماله.
وإن طرأ عليه العجز عن أحدهما تعين الآخر، ولو تركه حتى مات يقضى
عنه مخيرا.
وإن كان حين النذر غير متمكن إلا من أحدهما المعين، فلا يبعد القول
بعدم انعقاد النذر إلا في المقدور، إلا إذا علم الوارث كون الآخر أيضا مقدورا له
حين العمل بالنذر.
مسألة 21 - لو نذر أن يحج، أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده
انعقد ووجب عليه أحدهما تخييرا، وإن مات مع التمكن وجب القضاء من
46

تركته، والأحوط للوصي اختياره الأقل أجرة، إلا إذا جعل الموصي أمر التعيين
إليه، فلا يبعد له جواز الأكثر وإخراجه من الأصل.
مسألة 22 - لو علم أن على الميت إما حجة الاسلام، أو حج النذر
وجب القضاء دون الكفارة.
ولو علم أن عليه الحج إما بالنذر، وإما باليمين وجب القضاء والكفارة،
ولا يبعد جواز الاكتفاء باطعام عشرة مساكين.
مسألة 23 - لو نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد،
وكذا لو نذر الحج ماشيا أو حافيا، وكذا لو نذر أن يمشي بعض الطريق كمقدار
فرسخ في كل يوم مثلا.
ولو نذر الحج راكبا انعقد، وأما لو نذر الركوب في الحج فلا ينعقد، إلا
إذا انطبق على الركوب عنوان راجح، أو كان مقدمة لأمر راجح.
مسألة 24 - انعقاد نذر الحج ماشيا أو حافيا مشروط بعدم كونهما مضرا
بحيث كان عمله ولو لله مرجوحا.
نعم مجرد كونهما حرجا لا يضر بالنذر لاقدامه عليه، إلا إذا لم يكن
حرجا من حيث الذات، وعرض عليه الحرج مع الجهل بعروضه، فإنه مسقط
للوجوب.
مسألة 25 - مبدأ وجوب المشي أو الحفاء ومنتهاه تابع لتعيين الناذر أو
الانصراف ومع عدمهما فأول أفعال الحج إلى آخرها إن قال: لله على
الحج ماشيا "، ومن حين الشروع في السفر إن قال: " لله علي أن
أمشي إلى بيت الله ".
مسألة 26 - لا يجوز لناذر الحج ماشيا، ركوب البحر اختيارا، ومع
الاضطرار، لعروض المانع من سائر الطرق، سقط المشي فيما اضطر إلى تركه،
والأحوط بل الأقوى عدم سقوط النذر بالنسبة إلى ما لم يضطر بتركه.
ولو كان الطريق منحصرا كله في البحر لا ينعقد النذر.
47

ولو كان في الطريق نهر أو شط لا يمكن العبور منه إلا بالسفينة
ونحوها، فالمشهور أنه وجب أن يقوم فيها، وهو الأحوط.
مسألة 27 - لو نذر المشي فخالف نذره وحج راكبا، فإن كان المنذور
الحج ماشيا، من غير تقييد بسنة معينة، ولا حج معين، صح ما أتى به ووجب
عليه الاتيان بالمنذور، ولا كفارة عليه مع الاتيان به.
وإن كان مقيدا بسنة معينة، فخالف وحج راكبا، وجب عليه القضاء
والكفارة.
وإن كان المنذور المشي في حج معين فخالف وأتى به راكبا، وجبت
الكفارة دون القضاء لو قلنا بصحة حجه، لكن الصحة مع كون الحج موجبا
لتفويت محل النذر لا يخلو من إشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الكفارة
والآتيان بالحج ماشيا.
مسألة 28 - لو عجز عن المشي بعد تمكنه منه وانعقاد نذره، سقط
المشي ووجب عليه الحج راكبا على الأقوى، والأحوط بل الأقوى المشي بمقدار
المكنة عملا بقاعدة الميسور، وبعض الأخبار، ولا يلزم عليه سياق البدنة، سواء
كان النذر مقيدا بسنة معينة، أو مطلقا مع توقع المكنة أو عدمه، لكن لا يترك
الاحتياط بالإعادة في صورة الاطلاق مع عدم اليأس، وكون طرو العجز قبل
الشروع في الذهاب، إذا حصلت المكنة بعد ذلك.
ولو عرض مانع آخر عن العمل بالنذر، غير العجز عن المشي مثل مرض،
أو عدو، ونحوهما فالأحوط الحاقه بالعجز عن المشي.
في أحكام النيابة
لا إشكال في صحة النيابة في الحج عن الميت في الواجب والمندوب،
وعن الحي في المندوب مطلقا، وفي الواجب في بعض الصور.
مسألة 1 يشترط في النائب أمور:
48

الأول: البلوغ على المشهور، وهو الأحوط، فلا يكتفي بنيابة الصبي وإن
كان مميزا. نعم لا يبعد صحة نيابة المميز في المندوب.
الثاني: العقل، فلا يصح نيابة المجنون ولو أدواريا في دور جنونه، ولا
بأس بنيابة السفيه.
الثالث: الايمان، فلا يصح من غير المؤمن، وإن كان مسلما معتقدا
بوجوبه، وتحقق منه نية القربة، وأما العدالة فلا تعتبر في صحة عمل النائب،
فلو أتى به الفاسق صح وأجزأ عن المندوب عنه.
نعم، لو شك في إتيانه فلا يجوز الاكتفاء به، وأما إذا علم باتيانه
وشك في صحة عمله، فيحمل على الصحة.
وفي حجية قوله في الاتيان، مع عدم الوثوق وجهان والأحوط عدم
الاكتفاء:
الرابع: معرفته بأفعال الحج، ولو بتعليم معلم عند كل عمل، ولكن
يشترط في صحة الإجارة معرفته بأفعال الحج لئلا يكون الاقدام عليه غرريا.
الخامس: أن لا يكون ذمة النائب مشغولة بحج واجب، فلا يصح
استنابة المستطيع المتمكن من الاتيان به قبل أن يحج عن نفسه، وكذا من
وجب عليه الحج بالنذر.
هذا في العالم بوجوب الحج وأما الجاهل والغافل فقد يقال بصحة
نيابتهما، لكن فيها وكذا في صحة حجهما إشكال، والأحوط عدم الاكتفاء به في
براءة ذمة المنوب عنه.
مسألة 2 - يشترط في المنوب عنه الاسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر،
لعدم كونه أهلا للكرامة، فلا يجب على الوارث المسلم، الاستنابة لمورثه الكافر
المستطيع، لكن الأحوط الاستيجار لاحتمال وجوب الحج، وكون الحج كالدين
يجب أدائه عنه، وإن لم ينتفع به، ولو لتخفيف العقاب، فيكون إتيان الحج
موجبا لانتفاء موضوع العقاب، فيصير المنوب عنه بعد حج النائب بمنزلة غير
49

المستطيع، وهذا غير الاستغفار الممنوع في الآية الشريفة.
مسألة 3 - تجوز النيابة عن الصبي المميز، والمجنون إن كان له إفاقة في
زمان يسع للحج، وإلا ففيه تأمل. نعم يجب الاستيجار عنه إن استقر عليه حال
إفاقته، وإن مات مجنونا.
مسألة 4 لا تعتبر المماثلة في النيابة، فيجوز نيابة الرجل عن المرأة
وبالعكس، لكن لا يبعد أفضلية الرجل حتى في النيابة عن المرأة.
مسألة 5 يعتبر في النيابة في الحج الواجب أن يكون المنوب عنه ميتا،
أو عاجزا فلا تصح النيابة من المتمكن بنفسه، سواء كانت النيابة تبرعيا أو
استيجاريا، وأما في المندوب فتجوز النيابة عن الحي المتمكن، والعاجز والميت.
مسألة 6 لا بأس بنيابة الصرورة الغير المستطيعة بنفسها رجلا كان أو
امرأة عن الرجل، والمرأة، بل لا يبعد عدم الكراهة حتى في المرأة عن الرجل، لو
كانت عالمة بأحكام الحج.
مسألة 7 يعتبر في الحج النيابي قصد النيابة، بأن يقصد بفعله امتثال
أمر المنوب عنه، وأداء ما عليه واجبا، أو مندوبا، وبهذا الاعتبار يصح أن
يقال: جعل نفسه بمنزلته أو عمله بمنزلة عمله، يعني في الامتثال.
ويعتبر تعيين المنوب عنه ولو بالإشارة الذهنية، ولا يشترط ذكر اسمه
وإن كان يستحب عند نية الاحرام، وفي جميع المواقف.
مسألة 8 - كما تصح النيابة بالإجارة والتبرع تصح أيضا بالجعالة.
مسألة 9 - الأحوط عدم استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال،
بل الأحوط عدم الاكتفاء بعمله لو تبرع به.
مسألة 10 - لو مات النائب قبل تمام الأعمال، فإن كان قبل الاحرام
ولو بعد دخول الحرم، أو قبل دخول الحرم وإن كان بعد الاحرام فالأقوى عدم
50

الاجزاء عن المنوب عنه.
وإن كان بعد الاحرام وبعد دخول الحرم فالأقوى الاجزاء عنه، من غير فرق
بين حجة الاسلام، وغيرها من أقسام الحج، وبين كون النيابة بالإجارة أو
بالتبرع.
مسألة 11 - لو مات الأجير بعد الاحرام وبعد دخول الحرم استحق
تمام الأجرة، سواء كان أجيرا على تفريغ ذمة الميت أو أجيرا على الأعمال
على الأقوى للتعبد.
وإن مات قبل ذلك فإن كان المستأجر عليه المشي من البلد إلى
بيت الله الحرام، والآتيان بالمناسك المخصوصة نيابة عنه، على ما هو المرتكز في
الأذهان عند الاستنابة، استحق الأجير مقدار ما يقابل المشي والاحرام وسائر
أعماله وإن لم يدخل في الحرم، ومعلوم أن الاحرام مع بعد الطريق أغلى منه مع
عدمه.
وأما إن كان مورد الإجارة مجموع الأعمال بوصف المجموع، أو الحج
البلدي بنحو الكلي بحيث يكون ما في الخارج مصداقا له، فلا يستحق شيئا،
لكن تعلق الإجارة بغير ما ذكر أولا خلاف المرتكز، ويحتاج إلى التصريح.
وعلى أي حال إن كانت الإجارة بقيد المباشرة تنفسخ، وإلا فيجب
الاستيجار من تركة الأجير في تلك السنة، إن كان مقيدا بها، وإلا فبالخيار بينها
وبين غيرها من السنوات الآتية.
مسألة 12 - يعتبر في الإجارة تعيين نوع الحج من تمتع، أو قران، أو
افراد، ولا يجوز للأجير العدول عنه، ولو إلى الأفضل، إلا برضا المستأجر بل
وإذنه على الأحوط فيما إذا كان المنوب عنه، مخيرا بين النوعين أو الأنواع، كما
في الحج المندوب أو المنذور بنحو الاطلاق، أو كان ذا منزلين.
ولو كان ما عليه معينا فلا ينفع رضاه بالتبديل في إبراء ذمته، نعم
51

حيث يكون إسقاط لحقه فلا يبعد استحقاق الأجير الأجرة المسماة.
ولو عدل بغير رضاه فيما يجوز العدول برضاه، فإن كان تعيين نوع الحج
في الإجارة على نحو التقييد، فلا يستحق شيئا، وإن كان حجه صحيحا مبرءا
لذمة المنوب عنه، وإن كان على وجه الاشتراط، استحق الأجرة المسماة إلا إذا
فسخ المستأجر لتخلف الشرط، فيستحق أجرة المثل.
مسألة 13 - لا يعتبر في الإجارة تعيين الطريق حتى في الحج البلدي،
نعم لو عين تعين، ولا يجوز العدول عنه إلا بإذنه، وإن عدل مع الإذن استحق
تمام الأجرة، وكذا لو أسقط حق تعيينه بعد العقد
ولو عدل بغير إذنه صح حجه وبرئت ذمة المنوب عنه، إن لم تكن
مشغولة بالمقيد بطريق مخصوص.
وحينئذ فإن كان العمل مقيدا بالطريق الذي عدل عنه، فلا يستحق
من الأجرة شيئا، وإن كان بنحو الشرط والالتزام استحق تمام الأجرة المسماة،
وللمستأجر فسخ الإجارة، فيستحق أجرة المثل، وإن كان بنحو الجزء ففي سقوط
الأجرة بالنسبة إلى ما خالف لعدم الاتيان به، أو ضمانه له لاتلافه على
المستأجر مع استحقاق تمام المسمى وجهان، أقواهما الثاني، والأحوط المصالحة
في مقدار التفاوت.
مسألة 14 - لو آجر نفسه للحج عن شخص في سنة معينة، ثم آجر
نفسه للحج عن شخص آخر في تلك السنة بطلت الثانية، سواء كانت الأولى
واقعة على العمل في الذمة، أو على العمل الخارج بحيث يكون حجه، أو جميع
منافعه في تلك السنة للمستأجر.
نعم يمكن تصحيح المعاملة الثانية باسقاط المستأجر الأول حقه المتعلق
بمباشرة الأجير، حتى تكون الأجرة له دون المستأجر، فيأتي بالحج للثاني بالمباشرة
وللأول بالتسبيب، وفي الصورة الثانية بإجازة المعاملة الثانية حتى تكون الأجرة
52

له دون الأجير. هذا إذا لم يكن المنوب عنه معينا في الثانية على وجه التقييد،
وإلا فلا يمكن إجازته لغيره، ومع عدم قيد المباشرة في الأولى ولو مع تقييد
المنوب عنه، وكذا تصح مع توسعة الإجارتين أو إحداهما من حيث الزمان.
ولو آجر نفسه لشخص وآجره وكيله لشخص آخر مقارنا لإجارته في
وقت واحد، بطلتا مع اشتراط المباشرة فيهما.
وفلو آجره فضوليان كذلك، جاز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم
الاقتران.
ولو آجره فضولي لشخص، ثم آجر نفسه لشخص آخر جاهلا، صحت
إجارة نفسه، ولم يكن له إجازة الأولى بعد العلم، لأن إجارة نفسه موجب
لانتفاء موضوع الأولى، فلا مورد للإجازة ولو على القول بالكاشفية.
مسألة 15 - لو آجر نفسه للحج في سنة معينة، لا يجوز له التقديم، ولا
التأخير إلا برضا المستأجر وإذنه، ولو تخلف ولم يأت به بلا عذر أثم، وتخير
المستأجر بين الفسخ والمطالبة بالأجرة المسماة، وعدم الفسخ والمطالبة بأجرة
المثل، حيث أنه أتلف العمل عليه.
هذا إذا كان التعيين على وجه التقييد، وأما لو كان على وجه الشرطية
فللمستأجر خيار الفسخ.
ولو أتى بالحج مع التخلف صح الحج، وبرئت ذمة المنوب عنه إن لم
تكن مشغولة بالحج في السنة المتخلف عنها، ولا شئ للأجير على فرض التقييد،
وعلى فرض الاشتراط فله الأجرة المسماة معد عدم فسخ المستأجر، وأجرة المثل
مع الفسخ.
مسألة 16 - لو صد الأجير، أو أحصر فحكمه كالحاج عن نفسه فيما
عليه من الأعمال، وتنفسخ الإجارة إن كانت مقيدة بتلك السنة، ويبقى الحج
في ذمته مع الاطلاق، وللمستأجر خيار التخلف لو كان اعتبار السنة على وجه
الشرط في ضمن العقد، ولا يجزي عن المنوب عنه وإن كان بعد الاحرام
53

ودخول الحرم، كما كان يجزي في الموت.
ولو استدعى الأجير الحج في المستقبل في صورة التقييد وضمنه
لم يجب إجابته، وحكم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال
مثل حكم موت الأجير قبل الاحرام وقبل دخول الحرم
مسألة 17 - لو أتى النائب بما يوجب الكفارة فعليه من ماله.
مسألة 18 - إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل قبال التأجيل، والأحوط
الاتيان بالعمل فورا ففورا ما لم يشترط الأجل إلا إذا رضي المستأجر بالتأخير.
مسألة 19 لو قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنها لو
زادت ليس له استرداد الزائد، وقيل يستحب الاتمام على المستأجر، ورد
الأجير الزائد، ولكن لم أعثر على دليل عليه بالخصوص.
مسألة 20 - لو أفسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر، فكالحاج عن
نفسه، وجب عليه إتمامه والحج من قابل، والظاهر وجوب قصد النيابة في الثاني
أيضا وإتيانه بعنوان إعادة الأول.
ولازمه بقاء الإجارة بالنسبة إلى الأول واستحقاق الأجرة، وكون
الثاني عوضا تعبديا عما أتلفه بالافساد.
ولا فرق فيما ذكر بين كون الحج الأول واجبا، أو مندوبا، إجارة، أو
تبرعا، نعم لا يستحق الأجرة في التبرعي.
مسألة 21 - يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد، ونماؤها له إن كان عينا
خارجية لها نماء، ولا يجب تسليمها قبل العمل إذا لم يشترط التعجيل ولو
بانصراف أو قرينة عينا كانت، أو دينا، وتسليمها إليه بلا وصاية، أو وكالة
من المالك يوجب الضمان على تقدير عدم العمل، وكذا لا يجوز له اشتراط
التعجيل من دون وصية أو وكالة.
ولا يبعد القول بأن المتعارف في الحج تقديم تمام الأجرة أو بعضها، فله
المطالبة بتقديم ما هو المتعارف منها التقديم، ولو أخر المستأجر مع اشتراط
54

التعجيل فللأجير خيار الفسخ، ولو لم يقدر الأجير على تسليم العمل فللمستأجر
الفسخ، أو إسقاط قيد المباشرة لكي يأتي به بالواسطة.
مسألة 22 - إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة، فلا جوز للأجير إيكال
العمل إلى الغير، إلا بإذن المستأجر ورضاه.
مسألة 23 - لا يجوز لمن عليه التمتع استيجار من ضاق وقته عن التمتع
ووجب عليه العدول إلى الافراد، ولو استأجره مع سعة الوقت، ثم اتفق الضيق
بعد نية التمتع، فالأقوى جواز العدول، وإجزاؤه عن الميت، واستحقاق الأجرة.
مسألة 24 - يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب، كما يجوز التبرع
عنه في المندوب وإن كان عليه لواجب ولما يستأجر له، وكذا يجوز الاستيجار
عنه.
وأما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب، إلا إذا كان معذورا
في المباشرة، فيجوز التبرع عنه، ويسقط عنه وجوب الاستنابة.
وأما في الحج لمندوب فيجوز التبرع عنه والاستيجار، ولو كان عليه
الواجب ولكن لا يتمكن من أدائه فعلا.
وأما مع التمكن فاستيجار المندوب عنه خلاف الاحتياط، وإن كان
الأقوى فيه الصحة وكذا التبرع عنه.
نعم من كان وظيفته الاستنابة لاستقرار الحج عليه، وعدم القدرة على
المباشرة، ويأسه عن التمكن، فالأحوط عليه عدم استيجار المندوب قبل فراغ ذمته
عن الواجب.
مسألة 25 - لا يجوز نيابة الواحد في حج واحد عن المتعدد في الواجب،
وأما في المندوب فيجوز نيابته كما يجوز إهداء الثواب لهم.
مسألة 26 - يجوز نيابة المتعدد عن واحد حيا، أو ميتا في عام واحد
في الحج المندوب تبرعا، أو إجارة، وكذا في الواجب المتعدد المختلف نوعا،
كالنذر وحجة الاسلام، مع تعين وظيفة كل منهما، أو المتحد نوعا كحجتين
55

للنذر، وكذا في الواجب والمستحب.
بل لا مانع من استيجار رجلين لحجة الاسلام عن أحد في عام واحد
لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل ولو مع العلم بصحة الحج من كل منهما،
ويصح قصد الوجوب من كل منهما فإن ذمة الميت مشغولة ما لم يتم العمل، وإن
كان أحدهما أسبق في الاحرام والشروع.
56

الوصية بالحج
مسألة 1 - لو أوصى بحجة الاسلام أو النذري، أخرجت من أصل
التركة إلا إذا صرح باخراجهما من الثلث، فإن وفي الثلث به فهو، وإلا فالزائد
من الأصل أما الافسادي فيخرج من الثلث، ولو لم يف به الثلث، فالأحوط
إخراج كبار الورثة النقص من سهامهم، وأما المندوب فيخرج من الثلث بلا
إشكال.
ولو أوصى بالحج ولم يعلم أنه من الواجب أو المندوب، فإن علم
باشتغال ذمته بالحج الواجب وشك في الاتيان به يستصحب، ويخرج من الأصل
كما في صورة عدم الوصية، وإلا فإن كانت الوصية ظاهرة في الواجب ولو
بالقرينة أو الانصراف، كما لا يبعد في كثير من الموارد فهو، وإلا فيحكم بعدم
كونه واجبا ويخرج من الثلث.
مسألة 2 لو أوصى بالحج البلدي ولو بالقرينة أو الانصراف يستأجر
له من البلد، واجبا كان أو ندبا، ويخرج من الثلث في الثاني، وكذا الزائد
من الميقات في الأول.
وإن لم يوص بالبلدي فكفى الميقاتي في الواجب والمندوب، ويخرج
الأول من أصل التركة والثاني من الثلث.
مسألة 3 لو لم يعين الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل، بل لو
وجد من يرضى بأقل منها، فالأحوط للوصي استيجاره وإن كان الأقوى
خلافه، ولذا لا يجب الفحص عنه.
ولو وجد المتبرع فالظاهر عدم وجوب القبول وترك الاستيجار، كما لا
إشكال في جواز الاكتفاء به إن أتى به المتبرع صحيحا، بل ومع احتمال
الصحة، بل لا يجوز للوصي بعد عمل المتبرع الاستيجار ثانيا، لأن مال الوصية
57

ملك للورثة، وليس للوصي التصرف إلا بإذنهم.
نعم إن كان مال الوصاية لمطلق الخيرات فله الاستيجار منه مع كونه
وصيا فيها بخلاف ما إذا كان وصيا في خصوص الحج الذي انتفى موضوعه.
وأما قبل أن يعمل المتبرع، ففي جواز المبادرة وعدمها إشكال، أقواه
الجواز كما مر.
ولو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فيجب الاستيجار بالأزيد، ولا يجوز
التأخير إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل فيه، ويخرج
في الواجب من الأصل.
ولو عين مقدار الأجرة تعين ويخرج في الواجب من الأصل ما لم يزد عن
أجرة المثل، وإلا فالزيادة من الثلث، وفي المندوب يخرج الجميع من الثلث.
مسألة 4 الأحوط الاقتصار على استيجار من هو أقل أجرة، وإن كان
الأقوى جواز استيجار من يناسب شأن الميت في الشرف.
مسألة 5 لو أوصى بالحج وعين العدد، تعين العمل به ما لم يتجاوز
الثلث، وإن أوصى ولم يعلم أنه أراد المرة، أو التكرار اكتفى بالمرة، وإن علم
أنه أراد التكرار، ولم يعلم العدد يكرر بما يستوفي الثلث، وكذا لو أوصى أن
يحج عنه مكررا، أو أوصى باخراج الثلث ولم يذكر إلا الحج.
مسألة 6 لو أوصى بالحج عنه سنين متعددة وعين لكل سنة مقدارا
معينا، واتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة، صرف نصيب سنتين مثلا في
سنة، أو نصيب ثلث سنين في سنتين وهكذا.
هذا إذا لم يمكن الاستيجار في كل سنة حتى من الميقات وإلا تعين، ولو
فضل عن السنين ما لا يفي بالحج يصرف وجوه البر.
هذا كله إذا لم يعلم أنه أراد الوصية بذلك المقدار في كل سنة مقيدا،
وإلا بطلت الوصية إذا لم يرج امكان تنفيذها أو كانت مقيدة بسنين معينة،
ولا يكفي المقدار المذكور للحج فيها.
58

مسألة 7 لو أوصى بالحج الواجب بأجرة لا تزيد عن أجرة المثل
تعينت، وأخرجت من الأصل، ولو زادت عنها فالزيادة من الثلث، وفيما زاد عن
الثلث موقوفة على إمضاء الوارث، فإن لم يمضوا بطلت الزيادة، ورجعت الوصية
إلى ما يكفيه الثلث، ومع عدمه إلى أجرة المثل وأخرجت من الأصل.
ولو أوصى بالحج المندوب وعين مقدار الأجرة تعين مع وفاء الثلث،
وإلا فبمقداره إن لم يكن تعيين الأجرة على وجه التقييد، وإلا بطلت الوصية،
ولم يجب استيجار الحج عنه، وكذلك إن لم يف الثلث بالحج أصلا حتى
بالميقاتي.
مسألة 8 - لو أوصى باستيجار أجير معين للحج الواجب، تعين
استيجاره بأجرة المثل من أصل التركة، ولو لم يرض إلا بالأزيد أخرجت الزيادة
من الثلث، وإن لم يف بها بطلت الوصية ويستأجر غيره بمقدار الثلث، وإن لم
يكن الثلث باقيا وكان قد صرف في غيره، يستأجر بأجرة المثل من الأصل،
وفي المندوب يتعين استيجاره إن وفي الثلث، وإن لم يف، يستأجر غيره
من الثلث إن لم يكن التعيين بنحو التقييد، وإلا بطلت الوصية.
مسألة 9 - لو عين للحج المندوب أجرة لا يرغب فيها أحد حتى للميقاتي
بطلت الوصي إن لم يرج وجود راغب فيها، وتصرف الأجرة في وجوه البر، إلا
إذا علم تقييد الوصية بالحج فترجع ميراثا.
مسألة 10 - لو ملك داره لرجل، وشرط عليه أن يحج عنه صح ولزم،
وتملك الورثة بعد موته الحج عنه، ولهم الاسقاط أو المصالحة عنه ولو في مقدار
الثلث، ومع الاسقاط أو المصالحة، يجب عليهم استيجار الحج من أصل ماله
في الواجب، وفي المندوب لا شئ عليهم، وليست هذه وصية لتكون الورثة
ممنوعة في مقدار الثلث.
نعم لو ملكه داره بمائة تومان مثلا وشرط عليه أن يحج عنه بعد موته،
أو عن غيره فلا يبعد أن يكون ذلك وصية، فيجب العمل بها بمقدار ثلثه.
59

مسألة 11 - لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا، أو حافيا صح، ويخرج
تمام الأجرة من الثلث في المندوب، وكذا الزائد عن أجرة الميقاتي، وما به التفاوت
بين الحج حافيا، أو ماشيا وبين غيرهما في الواجب.
ولو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا، أو حافيا وتمكن منه ولم يأت
به حتى مات، وجب الاستيجار عنه كذلك من أصل التركة أوصى به أو لم
يوص، حتى لو كان نذره مقيدا بمشيه ببدنه على الأقوى، وأما إن لم يتمكن منه
في زمان حياته، فلا يجب الاستيجار.
مسألة 12 - لو أوصى بأزيد من حج واحد مقرا بوجوبه عليه، يصدق
ويخرج من الأصل، إلا في مرض الموت مع الاتهام، فإنه لا يسمع إقراره
معه إلا في ثلث ماله على ما هو الأقوى.
مسألة 13 - لو مات الوصي بعد أخذ أجرة الحج من التركة، وشك في
استيجاره قبل موته، فالظاهر وجوب الاستيجار من بقية تركة الموصي
في الواجب، ومن الثلث في المندوب، والاكتفاء بظاهر حال الوصي مشكل،
حتى في المضيق مع مضى وقت يمكن الاستيجار فيه، كما أن الحكم بضمان
الوصي أيضا مشكل.
نعم لو كان المأخوذ موجودا بعينه يسترد ولو مع احتمال استيجاره من
مال نفسه بدلا عنه.
مسألة 14 - لو قبض الوصي الأجرة وتلف في يده بلا تقصير منه
لم يكن ضامنا، وكذا مع الشك في تقصيره، ويجب الاستيجار من بقية التركة،
وإن كانت قد قسمت بين الورثة استرد منهم، وكذا الحال إن مات الأجير بعد
أخذ الأجرة، ولم يكن له تركة يمكن الأخذ منها.
مسألة 15 - لو أوصى بما عنده من المال للحج ندبا، ولم يعلم أنه
من الثلث أو من الأصل لم يجز صرف ما علم كونه زائدا عن مقدار الثلث، إلا
إذا ادعى أنه من ثلثه، ولم يعلم نقصان الثلث حين الموت عما أقر به، أو ادعى
60

إمضاء الورثة فالظاهر سماع قوله.
مسألة 16 - الطواف مستحب مستقل بنفسه، من غير أن يكون في
ضمن الحج، ويجوز النيابة فيه عن الميت، والحي الغائب، والمعذور بنفسه، وأما
الحاضر التمكن فلا يصح النيابة عن، وأما سائر الأفعال فاستحبابها مستقلا غير
معلوم، حتى مثل السعي بين الصفا والمروة.
مسألة 17 - لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها، وكان عليه
حجة الاسلام، وحصل له العلم أو الظن المعتبر شرعا بأن الورثة لا يؤدون عنه،
وجب عليه أن يحج بها عنه بنفسه، أو يستأجر عنه بإذن الحاكم الشرعي، سواء
كان للورثة شئ آخر أولا، وسواء كانت الحجة لنفس الميت أو غيره، بل الظاهر
أن حج النذري أيضا كذلك، بل الظاهر عدم الفرق بين الحج وسائر الديون
كالخمس، والزكاة، والمظالم، والكفارات، وديون الناس، كما أن الظاهر عدم
الفرق بين الوديعة، والعارية، والمستأجرة، والمغصوبة، والدين في ذمته، فلو أدى
إلى الورثة والحال هذه فهو ضامن لتفويته على الميت.
ويكفي في الاستيذان من الحاكم الإذن الاجمالي، فلا يجب عليه إثبات
ذلك الدين عنده،
وأما لو احتمل صرف الورثة بمصرفه الشرعي ولم يكن له علم بعدم
صرفهم فلا يجوز له الصرف بنفسه، ويجب عليه الدفع إليهم، أو إلى من في
عهدته حفظ أمواله، وأداء ديونه من وصي، أو ولي شرعي معين من قبله مع
احتمال العمل به.
مسألة 18 - يجوز للنائب بعد فراغه من أعمال المنوب عنه أن يطوف
عن نفسه وعن غيره، كما يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره،
بل الأحوط للصرورة عدم ترك العمرة المفردة، لاحتمال وجوبها عليه من جهة
كونه مستطيعا له، بعد فراغه من عمل المنوب عنه، وإن كان الأقوى عدم
وجوبها على النائي وأن الواجب عليه هو التمتع، وهو غير مستطيع له.
61

مسألة 19 - من أعطى مالا لاستيجار الحج، يجوز له أن يحج بنفسه ما
لم يعلم أن المعطي أراد استيجار الغير، لكن الأحوط ترك المباشرة، إلا مع
العلم بعدم خصوصية الغير.
وإن عين شخصا تعين، إلا إذا علم بعدم أهليته، وأن المعطي أخطأ في
تعيينه، أو علم بأنه من باب أحد الأفراد.
الحج المندوب
مسألة 1 - يستحب لفاقد شرائط الوجوب أن يحج مهما أمكن، وكذا
لمن أتى بحجة الاسلام.
ويستحب تكراره، بل يستحب في كل سنة، بل يكره تركه خمس سنين
متوالية.
مسألة 2 - تستحب نية العود إلى الحج لمن يريد الخروج من مكة، وفي
الخبر أنها توجب الزيادة في العمر، وتكره نية عدم العود، وفي الخبر أنها
توجب النقص في العمر.
مسألة 3 - يستحب التبرع بالحج عن الأقارب، وغيرهم، وعن
المعصومين (عليهم السلام) أحياءا وأمواتا، وكذا يستحب الطواف عن الغير،
وعن المعصومين (عليهم السلام) أمواتا وأحياءا مع عدم حضورهم في مكة أو
كونهم معذورين.
مسألة 4 - يستحب لفاقد الزاد والراحلة أن يستقرض، ويحج مع الوثوق
بالوفاء عند وقته.
مسألة 5 - يستحب إحجاج غير المستطيع، ويجوز إعطاء الزكاة له ليحج
62

من سهم سبيل الله، بل يجوز إعطاء الزكاة إلى الفقير دفعة واحدة بمقدار تحصل له
الاستطاعة.
مسألة 6 - الحج أفضل من الصدقة بنفقته.
مسألة 7 - تستحب كثرة الانفاق في الحج، بل في الخبر إن الله يبغض
الاسراف إلا بالحج والعمرة.
مسألة 8 - لا يجوز الحج بالمال الحرام، بل يبطل الحج إن كان لباس
الاحرام غصبا أو محل وقوفه في الموقفين غصبا مركوبا كان أو بساطا أو نعلا، كما
يوجب ذلك بطلان السعي.
مسألة 9 - يشترط في الحج الندبي إذن الزوج والأبوين في بعض الصور
وأن لا يكون عليه حج واجب، بل لو عصى وحج مع ذلك ندبا فصحة الحج
مشكلة، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 10 - يصح إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ، كما يصح أن
يكون من نيته ذلك قبل الفراغ
مسألة 11 - يستحب لمن ليس له مال يحج به، الاتيان بالحج ولو
بإجارة نفسه للغير، وفي بعض الأخبار أن للأجير من الثواب تسعا وللمنوب عنه
واحدا.
فصل في العمرة
وهي كالحج تنقسم إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب.
مسألة 1 - تجب العمرة بأصل الشرع في العمر مرة واحدة ولو على أهل
الجدة، ويدل على وجوبها الكتاب والسنة والاجماع.
63

مسألة 2 - لا تجب العمرة إلا على من كان واجدا لشرائط الوجوب
كالبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، وقد مر في الحج تفصيلا.
مسألة 3 - وجوب العمرة بعد تحقق شرائطه فوري كالحج، وتأخيرها
عن العام الأول معصية، بل لا يبعد كونها كبيرة، وإن عصى وتركها في العام
الأول، فوجوبها في العام الثاني أيضا فوري وتأخيرها كبيرة، وهكذا في كل
سنة، كما مر في الحج.
مسألة 4 - يكفي لوجوب العمرة المفردة على من كان وظيفته
حج الافراد، أو القران استطاعته لها وحدها، ولا يشترط في وجوبها استطاعته
للحج، كما أنه يكفي لوجوب حج الافراد، أو القران الاستطاعة له وحده، و
لا يشترط لوجوبه الاستطاعة للعمرة.
والقول بارتباط وجوب كل منهما بالاستطاعة للآخر ضعيف، كالقول
باشتراط وجوب العمرة على الاستطاعة للحج دون وجوب الحج، حيث أنها
مستقلة والاستطاعة لها وحدها كافية في وجوبها.
مسألة 5 - تجزي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالاجماع،
والأخبار، ولا إشكال فيه.
مسألة 6 - من كان وظيفته حج التمتع يشترط في وجوبه عليه استطاعته
للعمر المتمتع بها أيضا، كما أنه لا يجب عليه العمرة ما لم يستطع للحج،
للأخبار المستفاد منها دخول العمرة في الحج إلى يوم القيامة يعني للنائي،
والظاهر أن ذلك من المسلمات عند المشهور، وإن أشكل فيه بعضهم واحتاط
آخر.
ويتفرع عليه عدم وجوب العمرة على النائب النائي بعد الفراغ عن عمل
النيابة، وإن كان مستطيعا لها لكونه في مكة، وكذا لا يجب على من استطاع
للعمرة ولا يتمكن من الحج لمانع، ولكن الأحوط الاتيان بها في كلتا الصورتين،
ولكن لا تجزي عن عمرة التمتع.
64

مسألة 7 - قد تجب العمرة بالنذر، والعهد، والحلف، والشرط في
ضمن العقد، وبكل عقد ملزم كالإجارة، والمصالحة، وغيرهما، وبالافساد.
مسألة 8 - تجب العمرة أيضا لكل من يريد دخول مكة، بمعنى أنه يحرم
عليه العبور من الميقات، إلا محرما بالعمرة المفردة، إذا لا يصح منه الحج ولو من
جهة كونه في غير موسمه، فيجب عليه الاحرام بالعمرة المفردة والآتيان بها.
وأما لو صح منه الحج فمخير بينهما، كما أنه مع تعين الحج عليه فهو
متعين.
مسألة 9 - حرمة العبور من الميقات بلا إحرام مخصوص بمن يريد دخول
الحرم، وأما من يريد العبور من الميقات، ثم الرجوع قبل الدخول في الحرم، فلا
يحرم عليه العبور بلا احرام، وإن كان عازما للحج، كمن يدخل جدة بالطائرة
عازما للرجوع إلى الجحفة، أو إلى المدينة ليحرم منهما مثلا، وإن مرت الطائرة
على الميقات أو المحاذي منه، لأنه لا يريد دخول الحرم بهذا العبور.
مسألة 10 - يستثنى من حرمة الدخول بلا إحرام من يتكرر دخوله
وخروجه كالحطاب، والحشاش، ومن يدخلها في الشهر الذي أحل فيه من
إحرامه السابق بعد قضاء نسكه.
مسألة 11 - يستحب الاتيان بالعمرة في غير ما ذكرنا من موارد
وجوبها، بل يستحب تكرارها كالحج، والأقوى عدم اعتبار الفصل بين العمرتين
بشئ، وإن قيل باعتباره بشهر كما عن بعض، أو بعشرة أيام كما عن آخر،
فيجوز الاتيان بها في كل يوم، وتفصيل المطلب موكول إلى محله.
65

فصل في أقسام الحج
وهي ثلاثة:
1 - حج التمتع
2 - حج القران
3 - حج الافراد.
الأول: وهو حج التمتع، يجب على كل مكلف مستطيع يبعد وطنه عن
مكة المكرمة بثمانية وأربعين ميلا (48) أي ما يساوي ثمانية وسبعين
كيلو مترا تقريبا من كل جانب.
الثاني: وهو حج القران، والثالث وهو حج الافراد، يجب أحدهما على
كل مكلف مستطيع لم يبعد وطنه ذلك المقدار (أي 78 كيلومتر تقريبا) عن
مكة المكرمة، ولا يكفي للبعيد القران، أو الافراد.
هذا كله بالنسبة إلى حج الاسلام، أي الحجة الأولى الواجبة، وأما
بالنسبة إلى الحج المستحب، أو المنذور مطلقا من دون تقييد أو تعيين، أو
الموصى به كذلك، فيتخير المكلف بين هذه الأقسام الثلاثة المذكورة، وإن كان
الأفضل التمتع.
إذا كان للمكلف وطنان، أحدهما داخل الحد، أي دون المسافة
المذكورة، والآخر خارجها، فيلزم عليه العمل على الأغلب.
فإن كان يقضي أغلب أوقاته خارج المسافة، تعين عليه حج التمتع،
وإلا فيتعين عليه القران، أو الافراد، ومع التساوي يتخير بين ذلك وإن
حصلت الاستطاعة في أحدهما دون الآخر، لكن الأفضل التمتع.
66

كيفية حج التمتع إجمالا
أما كيفية حج التمتع على الاجمال، فهي: أن يحرم المكلف من الميقات
بالعمرة إلى الحج، ثم يأتي إلى مكة المكرمة، فيطوف بالبيت المعظم سبعة
أشواط، ثم يصلي بعد ذلك ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثم
يسعى بعد ذلك بين الصفا والمروة سبعا، (ولا يجب عليه طواف النساء بعد
ذلك) ثم يقصر، وذلك بأن يأخذ شيئا من شعره أو يقلم شيئا من أظفاره.
فإذا قصر حل من إحرامه وحل له كل شئ حرم على بالاحرام، إلا
الحلق فإنه يحرم على قبل الحج.
ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة المكرمة والأفضل ايقاعه يوم
التروية، وهو يوم الثامن من ذي الحجة، وإن كان المقدار الواجب عليه، أن
يحرم في وقت يمكنه من إدراك الوقوف بعرفات حين الزوال يوم التاسع من
ذي الحجة.
فلو أحرم المكلف من مكة المكرمة ذلك اليوم، ووصل عرفات، وأدرك
الوقوف حين الزوال، يكفيه ذلك الادراك في أداء الواجب.
ويجب الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب، ثم يفيض منها إلى
المشعر الحرام، فيقف فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من يوم العيد، ثم
يتوجه إلى منى فيؤدي مناسكها الثلاث، وهي الرمي، ثم النحر أو الذبح، ثم
الحلق أو التقصير.
فيرمي أولا جمرة العقبة، ثم يذبح أو ينحر هديه، ثم إن تمكن يحلق إن
كان صرورة على الأحوط، وإن لم يكن في رأسه شعر يمر الموسى على رأسه
ويقصر أيضا احتياطا بأن يقلم شيئا من أظفاره، أو يأخذ شيئا من شعره ويتخير
بين الحلق والتقصير إذا كان في الحجة الثانية وما بعدها.
فإذا فرغ من أداء هذه المناسك الثلاث حل له جميع ما حرم عليه
بالاحرام إلا الطيب والنساء.
67

نعم يحرم عليه الصيد أيضا، لا من جهة الاحرام، بل من جهة كونه
في الحرم، لأن الصيد محرم داخل حدود الحرم، على كل محرم ومحل.
فإذا فرغ من هذه المناسك المذكورة، فالأفضل له أن يرجع إلى مكة في
يومه، وإن لم يتمكن ففي اليوم التالي فإذا جاء إلى مكة يطوف طواف الحج،
ويصلي ركعتيه خلف المقام، ثم يسعى بين الصفا والمروة كما سبق، فيحل
له الطيب، ثم يطوف طواف النساء سبعا حول الكعبة الشريفة ويصلي ركعتيه،
فحينئذ تحل له النساء، أيضا.
ويجب عليه الرجوع إلى منى قبل الغروب أو متى فرغ من نسكه، ولو
بعد ثلث الليل لقضاء بقية المناسك، فيها، وهي المبيت بمنى ليالي التشريق
ورمي الجمرات في أيام التشريق، فإذا فرغ من ذلك فقد كمل حجه حينئذ،
وفرغت ذمته من حج التمتع.
شروط صحة حج التمتع
وهي ستة
الأول: النية عند إحرامه من الميقات، ويكفي فيها أن يكون حال إحرامه
من الميقات ناويا لحج التمتع، تفصيلا أو إجمالا، وذلك بأن يكون ناويا على أن
يأتي بها على طبق ما في الرسالة التي بيده، أو ما يعلمه المعلم الذي يطمئن إليه،
ويقطع بصحة تعليمه ومطابقته للرسالة.
الثاني: وقوع حج التمتع وعمرته في أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة
وذو الحجة.
الثالث: وقوع حج التمتع وعمرته في عام واحد.
الرابع: إنشاء إحرام عمرة التمتع من الميقات مع الاختيار على ما سيذكر
مفصلا.
68

الخامس: إنشاء إحرام الحج من مكة المكرمة إن أمكن، فإن لم يمكنه
ذلك وتعذر الاحرام منها، أحرم أينما ارتفع عذره مما بين مكة وعرفات، مع
مراعاة الأقرب فالأقرب إلى مكة.
ولو أحرم من غيرها جهلا أو نسيانا، ثم التفت بعد ذلك، وجب عليه
الرجوع إلى مكة وتجديد الاحرام منها، وإن لم يمكنه ذلك، يرجع إلى جهة مكة
ما تمكن، وإن لم يتمكن الرجوع أصلا، أحرم من مكانه.
ولو تعمد الاحرام من غيرها بطل إحرامه، ووجب عليه الرجوع إلى مكة
وتجديد إحرامه منها، وإلا بطل حجه.
السادس: أن تكون العمرة والحج من واحد عن واحد، فلا يجوز أن
يستأجر اثنان عن واحد، أحدهما لعمرته، والآخر لحجه حتى عند انتهاء عمل
النائب الأول من العمرة، والتعذر عن أداء الحج، كما أنه لا يجوز أن يأتي
شخص واحد بعمرة التمتع عن أحد وبالحج عن آخر.
كيفية حج الافراد
وهي أن يحرم المكلف للحج من الميقات أو من منزله إن كان دون
الميقات إلى مكة، ثم يمضي إلى عرفات رأسا فيقف فيها - كما سبق في كيفية
حج التمتع - من الزوال إلى الغروب، ثم يفيض بعد الغروب إلى المشعر الحرام
فيقف فيها أيضا - كما سبق - من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يمضي بعد
ذلك إلى منى يوم العيد ويقضي مناسكه، وهي رمي جمرة العقبة، وحلق الرأس
على الأحوط بعدها إن كان في الحجة الأولى ولو كانت مستحبة، أو يخير بين الحلق
والتقصير إن كان في الحجة الثانية وأكثر ولو كانت واجبة، وليس عليه هدي مطلقا
ويبيت في منى ليالي التشريق، ويرمي الجمرات في أيام التشريق، ثم يأتي إلى
مكة في ذلك اليوم أو فيما بعده، طيلة أيام ذي الحجة، وإن كان الأحوط والأولى
69

المبادرة، فيطوف بالبيت سبعا، ويصلي ركعتيه خلف المقام، ثم يسعى بين الصفا
والمروة سبعا، ثم يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه خلف المقام، فإذا فعل
ذلك حل من إحرامه، وحل له كل شئ حرم عليه بالاحرام، وعليه بعد ذلك
عمرة مفردة، يحرم بها من أدنى الحل أو من أحد المواقيت. ويجوز الاتيان بها في
تمام السنة، وإن كان الأحوط المبادرة إليها.
هذا إذا كان حجه حجة الاسلام وأما لو كان حجه مستحبا، أو
منذورا وحده لا مع عمرة، فيكفيه الاتيان بالحج وحده، ولم تلزمه العمرة المفردة.
شروط صحة حج الافراد
وهي ثلاثة:
الأول: النية عند الاحرام كما مر في حج التمتع.
الثاني: وقوعه تماما في أشهر الحج باستثناء العمرة المفردة التي يتخير في
تأديتها في أشهر الحج، أو في تمام السنة وإن كان الأحوط المبادرة إليها.
الثالث: عقد الاحرام من الميقات، أو من منزله كما مر سابقا.
ولو أحرم شخص بحج الافراد استحباب، يجوز له العدول منه إلى
العمرة التمتع لنفسه، ولكن لا يصح له العدول إلى العمرة المفردة للاستنابة
عن غيره لحج التمتع.
كيفية حج القران
الثالث من أنواع الحج حج القران وكيفيته:
ككيفية حج الافراد تماما في جميع الأعمال، ولكن الفرق بينهما أن القارن يسوق
الهدي (أي الذبيحة) عند إحرامه، ويلزمه ذلك الهدي بمجرد أن يسوقه معه،
وليس على المفرد هدي أصلا ويتخير القارن في عقد إحرامه بين التلبية، وبين
الاشعار، أو التقليد.
70

ويختص البقر والغنم بتقليدهما بنعل قد صلى فيه، أما البدن (وهي
الإبل) فيتخير بين تقليدها وبين إشعارها، وذلك بأن يشق سنامها من الجانب
الأيمن، ويلطخ صفحتها بدمها.
ويستحب الجمع بين الاشعار والتقليد بل بإضافة التلبية في البدن،
ولكن ينعقد إحرامه بما بدأ به أولا.
كيفية حج التمتع تفصيلا
حج التمتع يتكون من عبادتين: عمرة التمتع وحج التمتع.
أما عمرة التمتع فواجباتها ستة:
الأول: النية، الثاني: الاتيان بالعمرة والحج معا في أشهر الحج من
عام واحد، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة. الثالث: الاحرام، الرابع:
الطواف وركعتاه، الخامس: السعي، السادس: التقصير. تلك هي واجبات
عمرة التمتع.
ولا يجب فيها طواف النساء، نعم لا بأس بالاتيان به، وبركعتيه برجاء
المطلوبية.
وإليك الآن تفصيل واجبات عمرة التمتع:
1 - النية
أما نية عمرة التمتع فهي أن يقصد الحاج بقلبه " إني أحج حج التمتع
وأفعل أولا عمرة التمتع التي هي جزء من حج التمتع قربة إلى الله
تعالى ".
ويستحب التلفظ بالنية في جميع أفعال الحج والعمرة.
فإذا عزم على الاحرام لعمرة التمتع، التي هي أول أفعال الحج، يقول -
71

بعد أن ينزع المخيط الذي هو ملابسه الاعتيادية، قبل أن يلبس ثوبي الاحرام
احتياطا -: " أحج حج التمتع حج الاسلام لوجوبه أداء قربة إلى الله
تعالى ".
ولو كان حجة قضاء يقول: " أحج حج التمتع حج الاسلام لوجوبه
قضاء قربة إلى الله تعالى ".
ولو كان الحج مستحبا يقول: " أحج حج التمتع استحبابا قربة
إلى الله تعالى ".
هذا إذا كان حاجا عن نفسه، أما إذا كان حاجا عن غيره فيقول:
" أحج حج التمتع حج الاسلام نيابة عن (فلان) قربة إلى الله تعالى "
ويسمى المنوب عنه ذكرا كان أو أنثى.
ثم يشرع في أفعال عمرة التمتع، وواجباتها، ومستحباتها ويتجنب من
محرماتها ومكروهاتها أيضا على الأفضل، فإن لاحرام عمرة التمتع واجبات
ومستحبات، ومكروهات، ومحرمات كما سنذكرها مفصلا.
مستحبات الاحرام عشرة
1 - توفير شعر الرأس قبل الاحرام من أول ذي القعدة، ويتأكد
الاستحباب عند هلال ذي الحجة.
2 - تنظيف الجسد من الأوساخ، وتقليم الأظفار، وأخذ الشارب،
وإزالة شعر الإبطين والعانة بالنورة أو بغيرها، وإن كان قد استعملها قريبا.
3 - الغسل عندما يريد الاحرام، حتى الحائض والنفساء، فإنه
يصح منهما غسل الاحرام.
ومن لم يتمكن من الغسل لعذر، يتيمم بدل الغسل رجاء، كما يجوز له
تقديم الغسل على الميقات إن خاف عدم وجدان الماء في الميقات، ولو وجده
72

في الميقات وكان قد اغتسل أعاد الغسل.
وهكذا أيضا يعيد الغسل استحبابا لو أحدث بالأصغر قبل الاحرام أو
أكل، أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز للمحرم أن يأكله أو يلبسه.
ويكفي الغسل في أول النهار لليلة الآتية، وفي أول الليل للنهار الآتي.
4 - الدعاء عند غسل الاحرام بالمأثور عن المعصومين (عليهم السلام)،
فيقول مثلا: " بسم الله وبالله، اللهم اجعله نورا وطهورا، وحرزا وأمنا من كل
خوف، وشفاء من كل داء وسقم. اللهم طهرني وطهر قلبي واشرح لي
صدري، وأجر على لساني محبتك، ومدحتك والثناء عليك فإنه لا قوة لي
إلا بك، وقد علمت أن قوام ديني التسليم لك (خ ل لأمرك)، والاتباع
لسنة نبيك صلواتك عليه وآله "
5 - الاحرام في ثياب القطن، وأفضلها البيض مثل مناشف الحمام.
6 - أن يكون عقيب صلاة الظهر، ولو لم يكن عليه صلاة الظهر،
فعقيب فريضة أخرى، وإن كانت قضاء، ولو لم يكن عليه قضاء فعقيب صلاة
ست ركعات نافلة، ودونها في الفضل صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد:
التوحيد وفي الثانية بعد الحمد: الكافرون.
7 - قراءة هذا الدعاء عند نية الاحرام، بعد الفراغ من الصلاة - وهو
الذي رواه معاوية بن عمار في الصحيح - بعد الحمد والثناء على الله تعالى:
" اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع
أمرك، فإني عبدك وفي قبضتك لا أوقي إلا ما وقيت ولا آخذ إلا ما
أعطيت، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة
نبيك صلى الله عليه وآله، وتقويني على ما ضعفت عنه، وتسلم مني
73

مناسكي في يسر منك وعافية، واجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت
وسميت وكتبت. اللهم إني خرجت من شقة بعيدة، وأنفقت مالي ابتغاء
مرضاتك. اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي. اللهم إني أريد التمتع بالعمرة
إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) فإن عرض لي
عارض يحبسني، فحلني حيث حبستني، لقدرك الذي قدرت على. اللهم إن
لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي
وعصبي من النساء والثياب والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار
الآخرة " (1).
ثم يلبس ثوبي الاحرام، يجعل أحدهما إزارا والآخر رداء.
8 - الدعاء حينما يلبس ثوبي الاحرام فيقول: " الحمد لله الذي رزقني
ما أواري به عورتي وأؤدي منه فريضتي وأعبد فيه ربي، وأنتهي منه إلى ما
أمرني. الحمد لله الذي قصدته فبلغني، وأردته فأعانني، وقبلني ولم يقطع
بي، ووجهه أردت فسلمني، فهو حصني وكهفي، ووزري وظهري، وملاذي
ولجاي ورجائي ومنجاي وذخري وعدتي في شدتي ورخائي ".
9 - الشرط على الله تعالى في أثناء نية الاحرام، أن يحله حيث حبسه
عن إتمام نسكه (بمعنى أنه إذا منعه مانع من إتمام الحج أو العمرة، كالمرض أو
نحوه، فيتحلل من إحرامه بمجرد حصول ذلك المنع) بأن يقول: " اللهم إن
عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني ".
ويكفي قراءة الدعاء المتقدم في المستحب السابع، لو كان قاصدا معنى
هذه العبارة.
ولو لم يشترط هذا الشرط، فلا يتحلل من إحرامه حتى يصل الهدي إلى
محل ذبحه.

(1) وسائل الشيعة: أبواب الاحرام، الباب 16، الحديث 1 - 9
74

10 - التلفظ بنية لبس ثوبي الاحرام، ونية الاحرام، بل نية نزع
المخيط، وسنذكر ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى.
مكروهات الاحرام
وهي اثني عشر:
1 الاحرام في الثياب السود، والمصبوغة بالألوان، أو بالعصفر، بل
مطلق المصبوغة، إلا أن ظاهر بعض الأخبار المعتبرة عدم كراهة الثياب
الخضر.
2 الاحرام في الثياب الوسخة، ويكره للمحرم غسلها بعد الاحرام
إلى أن يحل من إحرامه، إلا أن يتنجس.
3 - الاحرام في الثياب المعلمة للرجال، وهي التي يكون فيها لون
يغاير لونها.
4 - النوم على الفراش الأسود، والوسادة السوداء، وكذا النوم على
الثياب السود أيضا.
5 - دخول المحرم الحمام.
6 - تدليك الجسد، سواء كان باليد أو الكيس.
7 - تلبية من يناديه، بأن يجيبه بكلمة " لبيك ".
8 - الاحتباء، وهو الجلوس على الأليتين، ومد الساقين، وتشبيك
اليدين على الرجلين، على المشهور.
9 - رواية الشعر ولو بحق، على المشهور.
10 - المصارعة ونحوها مما يخاف أن يصاب منه بجرح، أو يقع بعض
75

الشعر من بدنه، على المشهور.
11 - غسل البدن بالماء البارد، والأحوط ترك الحناء وإن لم يقصد به
الزينة، وكذا قبل الاحرام إذا بقي أثره في حال الاحرام.
12 - تدليك الوجه والمبالغة بالسواك.
واجبات الاحرام
وهي ثلاثة فقط:
الأول: لبس ثوبي الاحرام للرجال بعد نزع المخيط، والأقوى إلحاق
النساء بالرجال في لزوم لبس الثوبين، لكن يجوز لهن نزعهما بعد عقد الاحرام،
والاقتصار على لبس الثياب المتعارفة.
الثاني: النية.
الثالث: التلبية.
تلك هي واجبات الاحرام على وجه الاجمال، وإليك بيانها تفصيلا
1 - ما لبس ثوبي الاحرام، فيكون بعد نزع ما يحرم لبسه على المحرم.
ويجب في لبسهما أن يجعل أحدهما إزارا ساترا ما بين الركبتين والسرة،
والآخر رداء ساترا المنكبين أقلا.
ويشترط في الإزار والرداء أن لا يكونا خفيفين حاكيين للبشرة.
ويشترط فيهما أيضا، أن يكونا مما تصح الصلاة فيه للرجال.
ولا يجوز الاحرام في المتنجس الذي لا يعفى عنه في الصلاة، ولا في
المتخذ مما لا يؤكل لحمه، ولا في المغصوب، ولا في المذهب، ولا في الحرير، حتى
للنساء على الأحوط، بل الأحوط لهن في الاحرام اجتناب الذهب والحرير، ولو
في غير ثوبي الاحرام.
والأحوط أيضا في ثوبي الاحرام، أن لا يكونا من الجلود وإن كانت مما
76

يؤكل لحمه.
ويشترط في الثوبين أن يكونا منسوجين (مثل مناشف الحمام) لا
ملبدين، ولو تنجس أحدهما أو كلاهما فالأحوط استحبابا للمحرم تبديل
المتنجس أو تطهيره، وكذا تطهير البدن لو تنجس.
ويقدم لبسهما على عقد الاحرام، وينوي أن يلبسهما لاحرام عمرة التمتع
إلى الحج امتثالا لأمر الله تعالى، وذلك في الميقات
وإن كان إحرامه للحج، يحرم من مكة وينوي لبسهما لاحرام الحج
امتثالا لأمر الله تعالى.
والأحوط أن لا يعقد الرداء في عنقه، بل مطلقا حتى في غير العنق،
ولا يغرزه بإبرة أو نحوها مثل الدبوس، والقراصة.
نعم لا مانع من وضع حجر صغير ليكون ثقلا لحفظ الرداء، أما شد
طرفي الرداء على حجر واحد فوق الصدر ليصير كالقميص فلا يجوز ذلك، كما لا
يجوز شق الرداء وإدخال الرأس فيه، فإنه يخرج عن كون رداء.
ويجوز للمحرم أن يزيد على غير الثوبين إن اجتمعت الشرط فيه، سواء
كان ذلك في ابتداء الاحرام كأن يلبس ردائين وإزارين أو أكثر عند الاحرام
أو في أثناء الاحرام.
ولا يحب على المحرم استدامة لبس الثوبين فيجوز له أن ينزعهما أو يبدلهما
أو يتجرد منهما ويبقى عاريا في مكان يأمن فيه من النظار، كما إذا دخل إلى
الحمام، أو إلى قضاء حاجته مثلا; ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء.
ولا يشترط في صحة الاحرام الطهارة من الحدث الأكبر، فضلا عن
الأصغر. فيصح الاحرام من الجنب، والحائض، والنفساء، وغير المتوضئ،
ولكن بدون صلاة للاحرام لأن الصلاة لا تصح إلا بطهور.
2 - النية: وهي العزم وقصد الاحرام، سواء كان لعمرة التمتع أو
للحج، امتثالا لأمر الله تعالى، وأن يجعل على نفسه ترك جميع محرمات الاحرام
77

(الخمسة والعشرين محرما التي سوف تعرفها إن شاء الله تعالى) ويلتزم به قربة
إلى الله تعالى.
ويستحب هنا التلفظ بالنية دون سائر العبادات، فيقول، بعد نزع
المخيط ولبس ثوبي الاحرام،: " أحرم لعمرة التمتع لحج الاسلام لوجوبه أداء
أصالة قربة إلى الله تعالى ".
وإن كان الحج مستحبا فيقول: " لندبه " بدل كلمة " لوجوبه ".
وإن كان نائبا عن غيره قصد النيابة عنه فيقول: " نيابة عن فلان "
ويسميه، بدل كلمة " أصالة ".
وإن كان قضاء قال: " قضاء " بدل كلمة " أداء ".
وإن كان منذورا قصد الوفاء بالنذر.
وإن تعدد ما في ذمته بأن يكون عليه حج واجب بالاستطاعة وحج
واجب بالنذر وجب عليه التعيين في النية.
ولو كان المتعدد متحدا نوعا بأن يكون عليه حجا تمتع بالنذر مثلا
فلا يحتاج إلى التعيين، فإذا حج حج تمتع مرة واحدة، سقط أحد الواجبين عنه،
وبقي الآخر.
3 - التلبية: وهي التي لا ينعقد الاحرام إلا بها في غير حج القرآن،
أما فيه فينعقد إحرامه بها، أو بالاشعار المختص بالبدن أو بالتقليد، المشترك
بينها وبين سائر النعم.
ويستحب أن يجمع القارن في إحرامه بين التلبية والاشعار والتقليد
ولكن بأي واحد بدأ فقد انعقد إحرامه به.
التلبية الواجبة
التلبية الواجبة التي ينعقد بها الاحرام، هي التلبيات الأربع، وهي:
78

" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك " والأحوط أن يضيف
إليها: " إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".
ويستحب أن يضيف إليها أيضا بعد ما ذكر، قول: " لبيك ".
والأفضل أن يقول بعد ذلك: " لبيك ذا المعارج لبيك لبيك
داعيا إلى دار السلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك أهل التلبية
لبيك، لبيك ذا الجلال والاكرام لبيك، لبيك نبدئ والمعاد إليك لبيك
لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك،
لبيك إله الحق (الخلق) لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل
لبيك، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك، لبيك عبدك وابن عبديك
لبيك، لبيك يا كريم لبيك ".
ويستحب أيضا أن يضيف إليها: " لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل
محمد لبيك، لبيك بحجة أو عمرة لبيك لبيك، وهذه عمرة متعة إلى
الحج لبيك لبيك أهل التلبية لبيك، لبيك تلبية تمامها وبلاغها
عليك ".
وينبغي أن يكون الحاج عند التلبية متوجها إلى ربه بحضور قلبه ومجيبا
إلى دعوة ربه.
هذه هي التلبية الكاملة بقسميها، الواجب منها والمستحب، والواجب
قراءة التلبيات الأربع، المذكورة أولا، مرة واحدة وبها ينعقد الاحرام.
ويستحب أن يكررها في وقت اليقظة من النوم، وبعد كل فريضة من
فرائضه، وحين الركوب، وعند كل علو وهبوط، وعند ملاقاة الركب.
ويستحب الاكثار منها في السحر، حتى ولو كان المحرم جنبا أو حائضا.
ويستحب أن لا يقطعها المحرم في عمرة التمتع حتى يشاهد بيوت مكة،
وفي حج التمتع، يستحب له أن لا يقطعها حتى زوال يوم عرفة.
ويجب الاتيان بها بالعربية الفصحى، فلا يكفي الملحون مع التمكن
79

من الصحيح.
ولو لم يتمكن من قراءتها صحيحة يلقنه إياها غيره على النحو الصحيح
ولو لم يوجد من يلقنه فالأحوط أن يجمع بين الملحونة وترجمتها وبين أن يستنيب
شخصا يلبي بدلا عنه، بعد أن يلبي هو بنفسه.
أما الأخرس فإنه يشير إليها بإصبعه، مع تحريك لسانه.
ولو نسي أن يلبي في مكان عقد الاحرام، وهو الميقات وتذكر بعد أن
جاوزه ولو بعد دخول الحرم، يجب عليه الرجوع إلى الميقات ويأتي بها إن تمكن
من ذلك، وإلا يرجع إلى جهة الميقات بمقدار ما يمكنه، وإلا يأتي بها من
مكانه.
وفي صورة نسيان التلبية لو كان قد فعل ما ينافي الاحرام فليس عليه
كفارة وإن تجاوز الميقات.
ولو شك بعد الاتيان بالتلبية أنها صحيحة أم لا، بنى على صحتها، ولو
شك في أنه لبى أم لا، بنى على العدم، فيجب عليه التلبية حينئذ.
ولو فعل شيئا من محرمات الاحرام، مما يوجب الكفارة، وشك في أنه
كان قبل التلبية أو بعدها لم تجب عليه الكفارة.
ولو صحب معه طفلا إلى مكة المكرة فلا يجب عليه أن يحرم به، نعم
يستحب للولي أن يحج به.
مواقيت الاحرام
المواقيت على قسمين: زمانية ومكانية:
المواقيت الزمانية هي الأيام المعلومة التي بينها الله تعالى في كتابه العزيز
بقول: " الحج أشهر معلومات ". فيجب على كل مكلف مستطيع للحج
80

أن يحج في هذه الأشهر المعلومات التي هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
هذا بالنسبة إلى الحج، وأما بالنسبة إلى العمرة المفردة، فقد جعل الله
تعالى وقتها أوسع من وقت الحج، وهي طيلة السنة.
والمواقيت المكانية هي الحدود التي لا يجوز للحاج أن يتعداها إلا
باحرام منها أو ما يحاذيها، وهي التي حددها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله
وسلم)، تحديدا كاملا، محيطا بمكة المكرمة من جميع جهاتها، ووقتها لأهل
الآفاق، والأقطار، والأمصار.
وهي ستة:
الأول مسجد الشجرة، ويسمى ذو الحليفة " أو آبار علي " وهو ميقات
أهل المدينة ومن كان طريقه عليها كالحجاج الذين يقدمون زيارة النبي
(صلى الله عليه وآله)، على الحج، ويرجعون على الطريق البري إلى مكة
المكرمة.
والذين يذهبون إلى جدة بالطائرة ومنها إلى مكة، لا يجب عليهم
الاحرام من مسجد الشجرة، ويجوز لهم أن يحرموا بالنذر من المدينة وغيرها ولو
كان بلده، ويركبوا الطائرة أو السيارة المظللة عند الحرج والمشقة ويدفعوا
كفارة.
ولو لم ينذر الاحرام من محل قبل الميقات، وجب لتحصيل اليقين ببراءة
ذمته، أن لا يقصد دخول مكة قبل أن يرجع إلى أحد المواقيت، فيرجع من جدة
إلى أحدها ويحرم منه أن تمكن، وإن لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات، مع
كونه قاصدا له، يرجع بقدر ما تمكن ويحرم، وإن لم يقدر على الرجوع أصلا يحرم
من مكانه في جدة ويجدد النية رجاء عن حديبية (أدنى الحل).
ومسجد الشجرة هو أبعد المواقيت عن مكة المكرمة، ويبعد عن المدينة
المنورة سبعة كيلو مترات تقريبا، ولا يجوز لمن مر على مسجد الشجرة أن يعبر منه
81

بدون إحرام، كما لا يجوز تأخير الاحرام إلى الجحفة وهو الميقات الثالث إلا
للضرورة من مرض أو ضعف أو نحوهما.
نعم إذا سلك طريقا آخر، لا يمر بمسجد الشجرة ولا يحاذيه أبدا جاز له
تأخير الحرام إلى الجحفة، أو غيرها من المواقيت
ولو حاذى مسجد الشجرة، فلا يجوز أن يتعدى موضع المحاذاة إلا
بالاحرام.
والمحاذاة الشرعية هي مكان بحيث إذا وقف الانسان مقابل الكعبة
الشريفة يكون الميقات عن يمينه، أو عن يساره، مع عدم البعد الكثير.
وأما الجنب والحائض فلا يجوز لهما الدخول في مسجد الشجرة والاحرام
منه، إلا إذا كانا مجتازين بأن يكون الدخول من باب والخرج من باب
آخر ويحرمان في طريقهما، ينويان ويلبيان. ولو لم يمكن الاجتياز، يجب عليهما
الاحرام من خارج المسجد قريبا منه.
ومن سافر من المدينة إلى جدة قاصدا مكة يحرم عليه التجاوز من مسجد
الشجرة بدون إحرام. ولا يجب عليه الاحرام لو كان مترددا في الذهاب إلى مكة
أو عدم الذهاب، فإذا جاء إلى جدة وعزم على السفر إليها فالأحوط أن يرجع
إلى ميقات أهله ويحرم منه.
الثاني وادي العقيق، ويبعد عن مكة المكرمة مائة كيلو متر تقريبا، وهو
ميقات أهل العراق، وأهل نجد، وكل من يعبر إلى مكة من طريقهم.
وأول هذا الميقات من جهة العراق موضع يسمى " المسلخ " ووسطه
" غمرة " وآخره " ذات عرق " والأفضل أن يحرم الحاج من المسلخ لو كان
يعرفه، وإلا فالأحوط تأخيره إلى أن يتحقق عنده الوصول إلى وادي العقيق،
ولا يؤخره إلى ذات عرق.
ولو اقتضت التقية التأخير إلى ذات عرق ولم يمكنه الاحرام، فحينئذ
ينوي الاحرام قبل ذلك، ويلبي سرا، بعد أن ينزع ثيابه، ويلبس ثوبي الاحرام
82

إن أمكنه ذلك، ثم ينزعهما ويلبس المخيط للتقية، وإن لم يمكنه ذلك أحرم
بثيابه، ثم إذا وصل ذات عرق ينزعهما، ويفدي للبس المخيط.
الثالث الجحفة، وهو ميقات أهل الشام، ومصر، ومن عبر من طريقهم
إلى مكة، من أهل الأمصار الأخرى إن لم يمروا بميقات آخر، أو مروا بميقات
وتجاوزوه بدون إحرام، ولم يمكنهم الرجوع إليه والاحرام منه، فيتعين عليهم
الاحرام من الجحفة.
الرابع قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطائف ومن عبر من طريقهم إلى
مكة.
الخامس يلملم وهو جبل من جبال تهامة، وهو ميقات أهل اليمن
ومن عبر من طريقهم إلى مكة.
السادس أدنى الحل، وهو حدود الحرم، وهو ميقات من لم يعبر إلى مكة
من أحد المواقيت الخمسة المذكورة أو ما يحاذيها محاذاة غير كثيرة البعد، مع عدم
التمكن من المواقيت الأخرى.
وكل حاج جاء إلى جدة بالطائرة، أو الباخرة ثم أراد الدخول إلى مكة
المكرمة، لا يجوز له الاحرام من جدة بالنذر، وقد سبق حكمة تفصيلا، وأما
المحاذاة بالطائرة فغير متيسرة.
ومن كان منزله أقرب إلى مكة من المواقيت فميقاته منزله.
ومن ترك الاحرام من الميقات ولم يحرم، نسيانا أو جهلا بوجوب
الاحرام من الميقات، أو جاهلا بالميقات (بمعنى أنه لا يعرف أن هذا هو
الميقات) أو كان لا يريد النسك ولا دخول مكة، فاجتاز، الميقات بذلك العزم،
ثم بدا له أن يدخل مكة أو الحج، وجب عليه الرجوع إلى الميقات إذا كان يتمكن
من ذلك، وإن كان أمامه ميقات آخر على الأحوط.
ولو لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات الأول، فعليه الاحرام من الميقات
الذي أمامه، وإن لم يكن أمامه ميقات يرجع إلى جهة الميقات ما أمكنه،
83

ويحرم، وإلا فيحرم من محله.
ولو كان قد دخل الحرم يجب عليه الرجوع إلى الميقات، أو إلى ما تمكن
من جهته وإلا فيخرج من حدود الحرم، ويحرم خارج الحرم لو تمكن من ذلك،
وأما إذا لم يتمكن من الرجوع أصلا فيجب عليه الاحرام من موضعه وتصح عمرته،
وكذا تصح عمرته أيضا إن نسي الاحرام حتى أتم جميع الواجبات،
وكذا لو ترك الاحرام جهلا بوجوبه (أي لا يعلم أن الاحرام واجب عليه) أو
أحرم من مكان غير محاذ للميقات، بتوهم أنه يحاذي الميقات، وغير ذلك
من الأعذار، ففي جميع هذه الصور المتقدمة تصح عمرته.
ولو ترك الاحرام متعمدا، ثم تعذر عليه الرجوع إلى الميقات ليتدارك
إحرامه منه، ففي هذه المسألة ثلاث صور:
الأولى: أنه كان قاصدا مكة فقط غيرنا ولأداء نسك، فيكون آثما
فقط، بتركه الاحرام، وبدخول مكة بدونه، ولا قضاء عليه مطلقا.
الثانية: أنه كان عازما على العمرة المفردة، فيكفيه الاحرام من أدنى
الحل، وإن أثم بتجاوزه الميقات بلا إحرام.
الثالثة: أنه كان عازما على الحج، فيتعين عليه الاحرام كما مر في
الناسي، فيجب عليه الرجوع إلى الميقات إن أمكنه ذلك، والاحرام منه حتى لو
كان أمامه ميقات آخر، ولو لم يتمكن، أحرم من الميقات الذي أمامه ويتم
حجه.
ولو لم يكن أمامه ميقات آخر فالأقوى بطلان عمرته أو حجه، وإن
كان الأحوط أن يحرم من أدنى الحل، ويأتي بالحج، ويقضيه في عام قابل إن
كان استقر عليه الحج.
ومن أحرم قبل الميقات بلا نذر شرعي، كان حكمه حكم تارك
الاحرام، فلا يجوز له العبور من الميقات بلا إحرام جديد، كما لا يجوز له دخول
84

الحرم وأداء المناسك، إلا أن يجدد إحرامه من الميقات.
ولا يجوز الدخول إلى مكة المكرمة، بل ولا دخول الحرم، وإن لم يكن
المكلف قاصدا دخول مكة على الأقوى، إلا باحرام صحيح جامع للشرائط
المعتبرة.
وكذا لا يجوز أيضا لمن كان قاصدا دخول مكة أن يتجاوز الميقات،
إلا باحرام صحيح جامع للشرائط المعتبرة.
نعم لو كان ممن يتكرر منه دخول مكة المكرمة والخروج منها بموجب
عمله، كالحطاب، والحشاش وناقل الميرة، ومن على شاكلتهم، فإن هؤلاء يجوز
لهم دخول مكة بلا إحرام، وكذا يجوز أيضا لمن دخلها محرما إحراما صحيحا
جامعا للشرائط، ثم خرج منها، ورجع إليها، ولم يمض من تاريخ إحلاله شهر.
أما لو خرج من مكة ورجع إليها بعد مضي شهر واحد من تاريخ
إحلاله، فلا يجوز له دخول مكة بلا إحرام، بل لا بد من الاحرام ثانية من الميقات
إحراما صحيحا جامعا للشرائط، والشهر في هذا المقام ثلاثون يوما.
ولا يجوز الاحرام قبل الميقات، إلا إذا كان قد نذر أن يحرم قبل
الميقات أو كان قاصدا العمرة المفردة في شهر رجب، وقد خشي أن يفوته
الاحرام لو أخره إلى الميقات، ففي هذين الموردين يجوز أن يحرم قبل الميقات ويمر
به، والأحوط استحبابا تجديد التلبية أيضا عند الوصول إلى الميقات، وفي غير
هاتين الصورتين المذكورتين لا يجوز الاحرام قبل الميقات.
ولو نذر أن يحرم من المحل الفلاني بعد ساعة مثلا، وأحرم من ساعته
جهلا أو نسيانا، فلا يصح إحرامه.
صورة نذر الاحرام
هي أن يقول الحاج: " لله على إن أبقاني الله تعالى إلى مدة ساعة
مثلا أن أحرم من المكان الفلاني " ويعين المكان، فإذا مرت الساعة عليه،
85

وجب عليه الاحرام.
أو يقول: " لله على أن أحرم من هنا " ثم يحرم وجوبا.
محرمات الاحرام
وتسمى تروك الاحرام أيضا
وهي التي يجب على المكلف أن يحرم على نفسه فعلها كما ذكرنا في نية
الاحرام، ولا يجوز للمحرم أن يفعلها أو بعضها أو شيئا منها.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاحرام للعمرة أو الحج. ويجب
على الحاج أن يعرفها ولو إجمالا، ولو كان ذلك على نحو ما في الرسالة التي بيده
من مقلده أو المعلم الذي يعلمه بموجب فتوى مرجعه.
وهي خمسة وعشرون:
الأول صيد الحيوان البري حلالا كان أكل لحمه، أم حراما،
كالغزال، والوعل، والثعلب، والأرنب، وأمثالها والطير، والجراد لو أمكن
التحرز منه، وكذا ذبحه، وأكله، وإمساكه، والإعانة على صيده بدلالة، أو
إشارة، أو الاغلاق عليه، أو نحو ذلك من أساليب الصيد أو الذبح، ما
عدا السباع الضارية لو كان يخاف منها، أو السباع من الطيور لو آذت حمام
الحرم، فيجوز قتلها حفظا لنفسه، ولحمام الحرم.
ولو اصطاد الصيد أو ذبحه كان ميتة، ويحرم عليه، وعلى كل أحد أن
يأكل منه، بل ولا تجوز الصلاة في جلده.
هذا إذا كان الصيد بريا، أما الصيد البحري فلا يحرم، وهو الحيوان
الذي يبيض، ويفرخ، ويعيش في الماء، وإن كان ماء نهر صغير.
وكذا لا يحرم الحيوان الأهلي الذي يعيش مع الانسان وإن توحش بعد
ذلك كالدجاج، والبقر، والغنم، والبعير.
وحكم الفرخ تابع لما تولد منه، وكذلك البيض فحكمه حكم أصله.
86

أما الجراد فيعتبر من الحيوانات البرية فلا يجوز صيده، ويحرم أكله.
ولو شك في الحيوان أهو برئ، أم بحري؟ فلا يجب الاجتناب عنه.
وكما يحرم الصيد على المحرم ولو كان في غير الحرم، كذا يحرم الصيد
على المحل في الحرم، ويلزمه الفدية، كما يلزم المحرم، وإن اختلف في الفداء
أحيانا.
ولو قتل المحرم الصيد في الحرم لزمته الكفارتان: القيمة والفداء.
الثاني النساء، تحرم على المحرم مطلقا وطيا قبلا، أو دبرا، بل تقبيلا
ولمسا لو كانا بشهوة، وكذا النظر إليها بشهوة، ولو كان اللمس والنظر بغير
شهوة فلا بأس في ذلك، كما لا بأس بالضم مع عدم قصد الاستمتاع.
ولا فرق فيما ذكر بين الزوجة، وغيرها من المحارم، والأجنبيات وإن
كان غيرها حراما مطلقا في الاحرام وفي غيره.
والمرأة في ذلك كله كالرجل، فلا يجوز لها التلذذ بالنظر إلى زوجها، أو
لمسه، أو تقبيله بشهوة. وكذا غيره من الرجال، وإن كانوا محارم لها.
الثالث عقد النكاح، سواء كان ذلك لنفسه، أم لغيره، أم كان العقد
دائما أم منقطعا أم فضوليا، محرما كان الغير، أم محلا، ففي جميع هذه الصور يحرم
عقد النكاح للمحرم، وكذا لو عقد له غيره بوكالة منه، حتى ولو كانت الوكالة
قبل الاحرام.
والأحوط ترك الخطبة ولو كان قاصدا النكاح بعد الاحرام، أما الرجوع
بالطلاق، فلا بأس به في حال الاحرام.
الرابع الشهادة على النكاح ولو لغيره، بل ولو كان الغير محلا وكذا
يحرم عليه أداء الشهادة على النكاح، ولو كان قد تحملها حينما كان محلا.
الخامس الاستمناء، وهو طلب خروج المني بأي سبب كان، بيده أو
بغيرها، بالملاعبة أو غيرها، فإن كل ذلك حرام.
السادس الطيب بجميع أقسامه وأنحاء استعمالاته، كالمسك، والعنبر،
87

والزعفران، والكافور، والعود، وعطر الورد، وغيرها من العطور، وحتى الهيل
والقرنفل وغيرهما، فلا يجوز وضع ذلك في الطعام، أو الشراب، أو الثياب، أو
التبخر به أو دهن البدن أو عضو منه.
ولو اضطر إلى ذلك أو بعضه، وجب عليه أن يسد أنفه، ولو وقع شئ
من الطيب على ثيابه أو بدنه وجب إزالته فورا بغسل أو بغيره، وكذا لو اشتراه
من العطار أو جلس عند مطيب أو نحو ذلك، وجب أن يسد أنفه في جميع ذلك.
ولا بأس بأكل التفاح والسفر جل وبقية الفواكه التي توجد فيها
الروائح الطيبة وغاية الاحتياط أن لا يشمها.
كما وأنه يجب على المحرم أن لا يسد أنفه عندما يشم الروائح
الكريهة.
والأحوط ترك استعمال الرياحين كلها.
السابع لبس المخيط للرجال فقط دون النساء، كالقميص، والسراويل،
والجبة، وغيرها مما هو متعارف لبسه بين الناس وكان مخيطا، ومثله الملبد وهو
المسمى بالچبن لو كان بهيئة الملابس،
كل ذلك يحرم على المحرم إلا عند الضرورة، فحينئذ يجوز مع الفداء.
ويجوز للمحرم أن يلبس الأشياء الآتية وإن كانت مخيطة:
أ الهميان أو الحزام، أو الكمر الذي يحفظ فيه دراهمه.
ب المنطقة (التقميطة) التي توضع فيها الدراهم أيضا.
ج رباط الفتق (الحفاظ) لحفظ نزول الأمعاء في الأنثيين مع الحاجة إليه.
ويجوز عقده، كما يجوز عقد المنطقة والهميان، والأحوط في رباط الفتق
الفداء بشاة.
د الحذاء الذي لا يستر ظهر القدم.
هذا كله للرجال، أما النساء فيجوز لهن لبس المخيط مطلقا إلا
القفازين بالضم والتشديد أي الكفوف، فلا يجوز للمرأة أن تلبسهما.
88

الثامن لبس الرجل الخف، والجورب ونحوهما، مما يغطي ظهر القدم،
" البوتين " و " الچزمه " و " السبالط " نعم يجوز له إذا لم يجد النعل العربية أن
يلبس الخف، لكن بعد شق ظهره على الأحوط، وإظهار ظهر القدم.
ويجوز للمرأة أن تلبس الجورب والخف وغيرها.
أما في زماننا هذا، فالمناسب للاحرام الأحذية المصنوعة من المطاط
(الإسفنج) التي هي غير مخيطة ولا تستر ظهر القدم، ولا يشترط فيها أن تكون
بيضاء، فيجوز لبس أي لون منها بشرط أن لا يحسب زينة.
ولا بأس بتغطية ظهر القدم، بمثل الجلوس عليها، أو إلقاء طرف
الرداء، أو الإزار، أو الغطاء حال المشي، أو الجلوس، أو النوم عليها.
التاسع الاكتحال بالسواد لو كان زينة للعينين، وإن لم يقصد
به الزينة، والأحوط الاجتناب عن مطلق الاكتحال للزينة، ولو اكتحل فلا
كفارة عليه إلا الاستغفار.
العاشر النظر في المرآة مطلقا، سواء قصد به التزيين أم لم يقصد، ولو نظر
فيها استحب له تجديد التلبية.
ولا بأس بالنظر فيها لو اقتضت الضرورة، وذلك كما لسائق السيارة.
ولا بأس أيضا بالنظر في الماء الصافي وكلما كان حاكيا لجسمه من
المايعات أو غيرها، وكذا لا بأس بلبس المنظرة (النظارات) إن لم تكن زينة.
ولو نظر في المرآة فلا كفارة عليه إلا الاستغفار.
الحادي عشر الفسوق، وهو الكذب بأي نحو كان، والسباب.
وكذا المفاخرة وإظهار الفضائل لنفسه وسلبها عن الغير، وإثبات
الرذائل للغير وسلبها عن نفسه، ونحوه البذاء، وهو الكلام البذئ واللفظ
القبيح.
ولا تجب عليه الكفارة بذلك، إلا الاستغفار ولا يفسد إحرامه.
الثاني عشر الجدال، وهو قول: " لا والله " و " بلى والله "، حتى مع
عدم الخصوصية على الأحوط، والأحوط إلحاق مطلق اليمين بالله تعالى بهما.
89

ويجوز ذلك مع الضرورة لاثبات حق، أو دفع باطل، أو إظهار مودة أو
إكرام مؤمن.
الثالث عشر قتل ما يتكون في جسده من الهوام كالقمل، ولا فرق في
كيفية القتل بين ما يكون بفعله مباشرة أم تسبيبا، بدواء مثلا، أو إلقائه عن
بدنه ليكون معرضا للقتل، بل نقله من محله إلى محل آخر يكون معرضا لسقوطه
على الأحوط إن كان المحل الأول أحفظ.
أما التي لا تتكون من جسده فيجوز قتلها كالقرادة مثلا، نعم لا يجوز
نقلها من جسم البعير، أما من جسم الانسان فلا مانع من نقلها أو قتلها.
ويجوز قتل البق والبرغوث وسائر الحشرات الأخرى دفاعا عن نفسه
والأحوط الاجتناب، خصوصا في الحرم.
الرابع عشر التختم، وهو لبس الخاتم للزينة، ولا بأس بلبسه للسنة، أي
للاستحباب الشرعي، وتفترقان بالنية.
والأحوط الأولى الاجتناب عن مطلق التزين، والأحوط الاجتناب
في الاحرام عن كل ما ينافي كونه أشعث أغبر،
ويحرم على المرأة حال الاحرام لبس الحلي للزينة، إلا الذي قد
اعتادت لبسه قبل الاحرام، فلا بأس به بشرط أن لا تظهره لزوجها أو لأحد
محارمها إلا للضرورة.
الخامس عشر الادهان، بأن يطلي جسده بالسمن، أو الزيت أو غيرهما
من الأدهان، حتى ولو لم تكن فيه رائحة طيبة.
ويجوز ذلك لو كان لضرورة كتشقق الجلد مثلا، أو كان دواء لألم في
بدنه، ولا كفارة عليه غير الاستغفار.
السادس عشر إزالة الشعر مطلقا، سواء كان من بدنه أو بدن غيره،
حتى بعض الشعر، إلا لضرورة، مثل كثرة القمل، أو الصداع، أو الشعرة المؤذية
في عينه، فحينئذ تجوز الإزالة وتلزمه الفدية، بخلاف ما لو كان قد أزالها عن
90

غيره، فلا فدية عليه، ولكن لا يجوز ذلك ولو كان الغير محلا.
ولا بأس بأن يحك المحرم جسده، ولكن بشرط أن يتحرز من سقوط
الشعر بسبب الحك.
ولا بأس بما يسقط من الشعر من غير قصد حال الوضوء، أو الغسل لو
كان التخليل على المتعارف ولم يكن مظنة للسقوط، نعم لو كان التخليل
خارجا عن المتعارف فيشكل، والأحوط الفداء بكفين من الطعام.
السابع عشر الحناء على الأحوط، والأولى تركه قبل الاحرام لو كان
يبقى أثرها إلى وقت الاحرام.
والأولى الاجتناب عن كل ما ينافي كون المحرم أشعث أغبر كما تقدم.
الثامن عشر تغطية الرأس للرجل فقط دون المرأة، والمراد به منابت
الشعر والأذنان، ولا فرق بين أن يغطي كل الرأس، أو بعضه، وذلك بكل
ساتر ملاصق له حتى الطين، والحناء واللصقة، والارتماس في الماء، أو في
مائع آخر، أو حمل شئ عليه، ونحو ذلك على الأحوط.
والأحوط الأولى ترك ستره بشئ من البدن كاليد، وإن كان الأظهر
جوازه. وأما مسح الرأس باليد عند صب الماء عليه حين الغسل، وغيره
فلا يكون تغطية.
(ملحوظة) قد يشاهد أن بعض الحجاج المحرمين، يحملون أمتعتهم على
رؤوسهم، وإلى ذلك نلفت أنظار الحاج الكرام، فإن هذا ينافي الاحرام.
يجوز للمحرم أن ينام على رأسه، وإن استوجب ذلك تغطية جهة من
رأسه كما وجوز أن يفيض الماء على رأسه، أو يقف تحت الدوش حين
الاغتسال، وكما يجوز له حك رأسه لو كان يتحرز من سقوط الشعر، ويعلم
بعدم وقوعه.
ولا بأس عليه لو ستر رأسه نسيانا، ولكن يجب عليه كشفه حين
الالتفات فورا بدون تأخير.
وتجب الفدية لتغطية الرأس بشاة، وإن كانت لضرورة، وتتعدد الفدية
91

كلما تعدد الستر فكلما ستر رأسه يجب عليه شاة، خصوصا بلا عذر وخصوصا مع
تعدد المجلس.
التاسع عشر تغطية المرأة وجهها بنقاب وغيره; مما يلصق على الوجه
كلا أو بعضا، حتى في حال النوم.
ويجوز أن تنام على وجهها وإن استوجب ذلك تغطيته، كما يجوز لها أن
تستر وجهها ببرقع (بوشية) بحيث يكون بعيدا عن وجهها.
ويجوز لها إسدال قناع ونحوه على وجهها إلى ما يحاذي أنفها فقط، ولو
زادت على ذلك لزمتها كفارة شاة.
ويجوز لها لبس عباءتها وستر وجهها بها، ولكن تحافظ على أبعاد
العباءة عن وجهها، كما يجوز لها ستر بعض الوجه مقدمة لستر الرأس في الصلاة،
ولا بد حينئذ من كشفه بعد الفراغ من الصلاة فورا.
العشرون التظليل حال السير للرجال فوق الرأس بمثل هودج، وشمسية
ونحوهما، ولا فرق في ذلك بين الراكب والراجل على الأحوط. والأحوط
اجتناب مطلق التظليل عن أحد جانبيه، وإن كان جواز المشي في ظل المحمل
وما لا يكون فوق رأسه لا يخلو عن قوة.
والأحوط عدم الاستظلال بطرف الثوب أو الشمسية ونحوهما، ولو
لم يكن فوق رأسه.
ويجوز التظليل حال النزول وإن تردد في أشغاله ولا يجلس
في مكان، وإن كان الأحوط ترك ذلك في حال التردد، وكذا يجوز التظليل
لضرورة كبرد شديد، أو حر كذلك، أو لمطر ولكن يكفر.
ويجوز ذلك للنساء والأطفال بلا كفارة.
والمعلم الذي مع النساء، المنحصر حفظه لهن بركوبه في السيارة المظلمة
معهن يجوز له الركوب، وكذا سائق السيارة لو يخاف عليها إن فارقها، وتجب
عليهما في الفرضين الفدية.
92

ولو لم تتيسر للحاج طائرة أو باخرة أو سيارة إلا مظللة، أو لم يتمكن من
الركوب في المكشوفة لمرض، فلا يوجب ذلك سقوط الحج، وإنما يلزم عليه
الفدية.
والروابط الحديدية التي تربط جانبي السيارة المكشوفة، لا يتحقق بها
التظليل. وكلما اضطر إلى التظليل وجبت عليه الفدية وهي شاة، ويكتفى بالفدية
الواحدة في الاحرام الواحد وإن تعدد التظليل، وإن كان الأحوط مع التمكن أن
يفدي لكل يوم شاة.
الحادي والعشرون إخراج الدم من بدنه - لا من بدن الغير - سواء كان
بالفصد، أو الحجامة، أو السواك، أو الحك الذي يعتاد خروج الدم به، أو غير
ذلك، إلا مع الضرورة، ومن الضرورة حك الجرب وشق الدمل وعصرها إن
كان يتألم منها لو تركها بدون ذلك، وفدية إخراج الدم شاة على الأحوط.
الثاني والعشرون قلع الضرس إن كان مدميا، أما حال الاضطرار
فيجوز، ويكفر على الأحوط بشاة.
الثالث والعشرون تقليم الأظافر، ولو ظفرا واحدا، أو بعض ظفر إلا مع
الأذية، كما لو انكسر بعض الظفر أو احتاج علاج الإصبع من دمل أو جرح إلى
تقليم الظفر، فيجوز حينئذ تقليمه، وعليه فدية مد.
الرابع والعشرون لبس السلاح، كالسيف، والخنجر، والمسدس، و
البندقية، وغيرها، مما يعد سلاحا على وجه يصدق على حامله، أنه متسلح.
ولو لم يصدق عليه التسلح، كالسكينة الصغيرة التي يستعملها الحاج،
لشؤونه الخاصة، فلا بأس بذلك.
والأحوط عدم حمل السلاح الظاهر، وإن لم يلبسه.
الخامس والعشرون قلع كل نابت في الحرم، وقطعه.
ويستثنى من ذلك " الإذخر " وهو نبت معروف، وكذا يستثنى
93

النخل، والفواكه، وما كان الانسان قد غرسه هو بنفسه، أو كان نابتا في
ملكه، أو في منزله إن نبت بعد نزوله فيه.
ولا بأس بأن يرعى بعيره في الحرم فيأكل من حشيشه، ولكن لا يجوز
له الاحتشاش على الأقوى.
وكفارة قطع الحشيش الاستغفار.
ولو أمكنه الاستقراض للفدية بغير حرج، وجب الذبح بمكة، وإلا
فيذبحه عند أهله لو لم يتمكن من إرسال الفدية إلى مكة.
وكل مورد كان الفداء شاة فيجوز أن يفدي بمعز اختيارا.
كفارات الاحرام
1 - كفارة الصيد
لا كفارة فيما جاز صيده، كصيد الحيوان البحري وهو ما يبيض
ويفرخ في البحر أو يتولد فيه، وكذا لا كفارة في الدجاج الحبشي، ولا في ذبح
النعم، ولا في أكلها.
والسباع إن أرادته، والسباع من الطيور إن آذت حمام الحرم، جاز قتلها،
ولا كفارة في ذلك، وإن لم ترده فالأحوط عدم جواز قتلها، لكن لا كفارة فيه،
إلا في الأسد فعلى قاتله كبش على الأحوط.
ولا بأس بقتل العقرب والفأرة والحية في الحرم وغيره، ولا بقتل
الحدأة والغراب بجميع أقسامه، لكن الأحوط ترك قتل الغراب بغير الرمي لكن
لا كفارة في قتله.
ويجب في قتل النعامة بدنة (ناقة أو بعير)، ومع العجز عنها يشتري
بثمنها حنطة أو غيرها، مما يجزي في الكفارة، ويطعم ستين مسكينا لكل مسكين
مدان على الأحوط أو مد، وإن عجز صام ستين يوما على الأحوط، وإن عجز
صام ثمانية عشر يوما.
94

وفي قتل بقر الوحش، وحمار الوحش، بقرة، فإن لم يجد اشترى بثمنها
حنطة أو غيرها مما يجزي في الكفارة، ويطعم ثلاثين مسكينا، وإن عجز صام
ثلاثين يوما على الأحوط، وإن عجز فثمانية عشر يوما.
وفي قتل الظبي، أو الثعلب، أو الأرنب شاة، فإن عجز اشترى بثمنها
حنطة أو غيرهما مما يجزي في الكفارة، وأطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام
عشرة أيام على الأحوط، وإن عجز فثلاثة أيام.
وفي كسر بيض النعام لو تحرك فيها الفرخ لكل بيضة بكر من الإبل،
وإن لم يتحرك، أو لم يكن فيها فرخ، أرسل فحولة الإبل على إناثها الصالحة
للحمل بعددها، فالنتاج هدي لبيت الله الحرام، فإن عجز فعن كل بيضة شاة
وإن عجز أطعم عشرة مساكين، وإن عجز صام ثلاثة أيام.
وفي كسر بيض القطا والحجل والدراج، لو تحرك فيها الفرخ، عن كل
بيضة، بكر من صغار الغنم، وإن لم يتحرك أو لم يكن فيها فرخ، أرسل فحولة
الغنم على إناثها الصالحة للحمل بعددها، فالنتاج هدي لبيت الله الحرام، فإن
عجز كان كبيض النعامة على الأحوط.
وفي قتل الحمام لو كان محرما في الحل شاة، وفي قتل فرخها حمل، وفي
بيضها درهم. ولو كان محلا في الحرم ففي قتلها درهم، وفي قتل فرخها نصف
درهم، وفي كسر بيضها ربع درهم. وإن كان محرما في الحرم ففي قتلها
كفارتان: شاة ودرهم، وحكم البيض لو تحرك فيه الفرخ كحكم الفرخ.
وفي قتل كل من الضب، والقنفذ، واليربوع جدي.
وفي قتل القطا، أو الدراج حمل فطيم.
وفي قتل كل من العصفور، والقبرة، والصعوة مد من طعام
وفي قتل الجرادة تمرة، وفي الجراد الكثير شاة لو كان يتمكن
من التحرز منه، وإلا لم يكن عليه إثم ولا كفارة.
وفي قتل الجرادة وأكلها شاة.
95

2 - كفارات باقي المحظورات
لو جامع الحاج امرأته في إحرام عمرة التمتع عن علم وعمد:
فإن كان قبل السعي فعليه بدنة، ويتم عمرته على الأحوط، ثم يعيدها
من الميقات إن وسع الوقت، وإن لم يسع لا تمامها، قطعها واستأنف، وإن لم
يسع الوقت لإعادتها يتمها، ثم يأتي بحج الافراد، ويقضيها في السنة المقبلة
على الأحوط.
وإن كان بعد السعي أتم عمرته، وعليه بدنة مع يساره، وشاة مع
إعساره وبقرة مع التوسط، والأظهر التخيير مطلقا بين الثلاثة.
ولو جامع في إحرام العمرة المفردة:
فإن كان قبل السعي بطلت وعليه بدنة، والأحوط إتمامها وقضاؤها
في الشهر الداخل.
وإن كان بعد السعي، قبل التقصير قيل عليه بدنة.
ولو جامع في إحرام الحج:
فإن كان قبل الوقوف بالمشعر بطل حجه وعليه إتمامه والقضاء من
قابل وبدنة، وعليها مثل ذلك إن طاوعته، وإن أكرهها صح حجها ويتحمل
عنها الكفارة. وعليهما الافتراق (بمعنى أن لا ينفردا بالاجتماع في موضع المعصية
إلى أن يفرغا من المناسك على الأحوط، وكذا في حجة القضاء إذا حجا على
ذلك الطريق فإنهما لما وصلا إلى محل المعصية افترقا إلى أن يفرغا
من المناسك).
وإن كان بعد الوقوف بالمشعر، وقبل أن يطوف طواف النساء، أو
طاف منه ثلاثة أشواط فما دون صح الحج، ووجبت البدنة على كل واحد منهما،
ولو كان الجماع قبل أن يتم الشوط الخامس من طواف النساء، فلا كفارة عليه،
ولو جامع قبل طواف الزيارة (طواف الحج) لزمته بدنة، فإن عجز فبقرة، وإن
عجز فشاة.
96

ولو نظر إلى غير زوجته فأمنى، كان عليه بدنة إن كان موسرا، وبقرة إن
كان متوسطا، وشاة إن كان معسرا.
ولو نظر إلى زوجته بغير شهوة، أو مسها فأمنى، فلا شئ عليه، وإن
كان بشهوة فبدنة، وكذا لو أمنى عند الملاعبة مع زوجته.
ولو كان يلعب بذكره فأمنى، فعليه بدنة، والحج من قابل إن كان
ذلك قبل الموقفين.
من قبل امرأته بشهوة كان عليه بدنة، وكذا إن كان بغير شهوة على
الأقوى.
من تطيب عمدا لزمه دم شاة على الأحوط، سواء كان بالصبغ أو
الطلاء أو البخور، ولا بأس بخلوق الكعبة وإن كان الأحوط تركه في هذا
العصر.
في تقليم الظفر مد من الطعام، وفي يديه ورجليه شاة مع اتحاد المجلس،
ولو تعدد فشاتان، وفي يديه فقط أو رجليه فقط شاة.
ولو أفتى أحد بجواز تقليم المحرم، فقلم بقوله فأدماه، فعلى المفتي كفارة
شاة، محلا كان المفتي أم محرما، مجتهدا كان أم لا.
في لبس المخيط شاة وإن كان لضرورة.
في إزالة شعر الرأس شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان،
أو عشرة لكل مسكين مد، والشاة أحوط أو صيام ثلاثة أيام.
وفي نتف الإبطين شاة، ولو سقط من رأسه، أو لحيته شئ من الشعر
بمسه تصدق بكف من طعام أو سويق على الأحوط، ولو كان في الوضوء، بل في
مطلق الطهارة أو مطلق الحاجة فلا شئ عليه، إلا إذا خرج التخليل عن
المتعارف الأحوط الفداء.
وفي التظليل سائرا شاة، وكذا في تغطية الرأس، وإن كان لضرورة.
ولا شئ في الجدال صادقا فيما دون الثلاث، أما في الثلاث فشاة.
97

وكذا في الكاذب مرة، وإن ثنى فبقرة، وإن ثلث فبدنة على الأحوط.
وفي قلع الشجرة الكبيرة في الحرم بقرة، وفي الصغيرة شاة على الأحوط
فيهما، وفي بعض الشجرة قيمتها.
وفي قلع الضرس شاة على الأحوط.
3 - أحكام الكفارات
المحرم في الحل لو قتل الصيد يجب عليه الفداء، والمحل في الحرم
القيمة، ويجتمعان على المحرم في الحرم، مثال: في قتل الحمامة وهو محرم في الحل
شاة، وفي قتلها بعد تحلله من إحرامه في مكة، أو حرمها درهم، فلو قتلها وهو
محرم في مكة، أو حرمها فعليه شاة ودرهم.
لو أكل ما قتله، كان عليه فداءان: فداء القتل المتقدم وفداء الأكل
مثله، ولو أكل ما ذبحه غيره ففداء واحد كفداء القتل.
لو اشترك جماعة محرمون في قتل الصيد في الحل، فعلى كل واحد فداء
كامل.
يضمن الصيد بالقتل عمدا، وسهوا، وجهلا.
لو تكرر الموجب نسيانا للاحرام، أو خطأ في الصيد، أو جهلا في الحكم
تكررت الكفارة، وكذا عمدا إذا كان من المحل في الحرم أو مع تعدد الاحرام
لامع وحدته مع تكرر العمد على الأقوى.
ما تجب عليه من كفارة: فإن كان في إحرام الحج ينحره أو يذبحه بمنى،
وإن كان في إحرام العمرة فبمكة بالموضع المعروف ب‍ " الحزورة " إن تمكن من
ذلك، وإلا ففي بلده، ويجوز أن يأكل منه الغني، والفقير، البعيد والقريب.
تتكرر الكفارة بتكرر الوطي واللبس والطيب وغيرها إلا في التظليل
فتكفي المرة، وفي إلحاق تغطية الرأس به اشكال.
لا كفارة على الناسي والجاهل وإن كان مقصرا، فيما عدا الصيد
مطلقا، وفي الموارد التي سيأتي.
وكذا لا كفارة على المجنون أيضا. والصبي غير المميز لو أحرم به الولي
98

وصاد، فعلى الولي كفارته، كما أن الهدي عليه، وكما أن الأحوط وجوب ساير
الكفارات عليه أيضا.
وأما المميز ففي كون الكفارة من ماله، أو من مال الولي تردد، والأحوط
تكفل الولي من ماله، من غير قصد كونه عنه أو عن الصغير.
لا فرق في الشاة الواجبة في الفداء بين الذكر والأنثى والمعز والضأن،
ولا يشترط فيه شروط الهدي.
حدود الحرم
الحرم محيط بمكة من جميع جهاتها الأربع، وهو يريد في بريد (أي بريد
طولا وبريد عرضا). والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ستة كيلومترات تقريبا.
ولا شك في أن لكل حمى حدودا تحده، وعلامات تفصله عن حدود
غيره، ولا ريب في أن حمل الله تعالى أولى وأجدر بذلك، لذا جعل حول حرمه
حدودا.
ولقد روى أن جبرئيل أخذ بيد إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأوقفه
على حدود الحرم، فنصب عليها الخليل علامات تعرف بها، فكان إبراهيم أول
من وضع علامات حدود الحرم، ثم جدد عهدها قصي بن كلاب، ثم قريش على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم جددها الرسول الأعظم (صلى الله
عليه وآله وسلم) في أيامه، ولم تزل العلامات موجودة حتى اليوم، يتعاهد
تجديدها ولاة المسلمين.
وإليك بيان هذه الحدود مع بيان مسافاتها بالنسبة إلى المسجد الحرام
على ما قيل:
1 - شمالا من جهة المدينة المنورة، المكان المسمى " التنعيم "، أو
مسجد العمرة، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو أربعة أميال.
2 - غربا من جهة جدة عند المكان المسمى ب‍ " العلمين " أو
99

" الحديبية "، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو عشرة أميال.
3 - شرقا من جهة نجد عند المكان المسمى ب‍ " الجعرانة "، والمسافة
بينه وبين المسجد الحرام تقدر بنحو ثمانية أميال.
4 - جنوبا من جهة عرفة عند " نمرة "، والمسافة بينه وبين المسجد
الحرام تقدر بنحو ثلاثة عشر ميلا.
تلك هي حدود الحرم الشريف الذي حرم على المسلمين الصيد فيه،
وقلع شجره وحشيشه وقطعهما، ويمنع نقل ترابه وأحجاره على الأحوط، ويمنع
كل كافر من دخوله مقيما كان أو مارا.
وليست لقطته كغيره، بل لا بد من تركها كي يأتي إليها صاحبها، ولو
أخذها شخص لا بد من التعريف سنة كاملة، فإن وجد المالك فهو وإلا فيتخير
بين التصدق به أو حفظه لمالكه، ولا يجوز تملكه بعد اليأس والتعريف، كما
يجوز في لقطة غيره.
ويحرم دفن الكافر فيه، وينبش إذا دفن.
ويتضاعف الأجر في سائر الطاعات فيه، إلى آخر ماله من الخصائص.
مستحبات دخول الحرم
يستحب لدخول الحرم أمور:
1 - الغسل قبل دخول الحرم، ونيته " اغتسل لدخول حرم مكة
قربة إلى الله تعالى ".
2 - دخول الحرم ماشيا حافيا حاملا نعليه بيده، تواضعا وخشوعا لله
تعالى. ولو تمكن من بقائه هكذا حتى يدخل مكة والمسجد الحرام فهو أولى له.
3 - قراءة الدعاء المأثور عند دخول الحرم فيقول: اللهم إنك قلت
في كتابك وقولك الحق: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل
100

ضامر يائين من كل فج عميق. اللهم إني أرجو أن أكون ممن أجاب
دعوتك، وقد جئت من شقة بعيدة وفج عميق، سامعا لندائك ومستحبيبا
لك; مطيعا لأمرك; وكل ذلك بفضلك على وإحسانك إلى; فلك الحمد
على ما وفقني له أبتغي بذلك الزلفة عندك; والقربة إليك; والمنزلة
لديك; والمغفرة لذنوبي; والتوبة علي منها بمنك. اللهم صل على
محمد وآل محمد; وحرم بدني على النار; وآمني من عذابك وعقابك
برحمتك يا أرحم الراحمين ". (1)
4 - مضغ " الإذخر " وهو نبت معروف بمكة.
مستحبات دخول مكة
يستحب لدخول مكة المكرمة أمور:
- 1 الغسل، مثل غسل دخول الحرم ونيته " أغتسل لدخول مكة
المكرمة قربة إلى الله تعالى ".
2 - دخول مكة من الطريق الأعلى أن أمكن من عقبة كداء، بالفتح
والمد.
3 - الدخول إلى مكة متأنيا مطمئنا على سكينة ووقار وتواضع لله
تعالى.
مستحبات دخول المسجد الحرام
مستحبات دخول المسجد الحرام ما يلي،
1 - الغسل من منزله، أو من بئر ميمون في الأبطح، ونيته " أغتسل
لدخول المسجد الحرام قربة إلى الله تعالى ".
2 - الدخول من باب " بني شيبة "، وهو الآن داخل المسجد الشريف
101

بعد ما جرى عليه التوسيع، وهو مقابل باب السلام على الظاهر.
3 - الدعاء بالمأثور عند الوقوف على الباب، بكمال الخضوع،
والخشوع، والسكينة، والوقار. ويدعو بما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل:
" السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته بسم الله وبالله ومن الله
وما شاء الله، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، السلام على إبراهيم خليل الله والحمد لله رب
العالمين ".
وفي رواية أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): تقول أنت على
باب المسجد: " بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وما شاء الله، وعلى ملة
رسول الله صلى الله عليه وآله، وخير الأسماء لله، والحمد لله،
والسلام على رسول الله، السلام على محمد بن عبد الله، السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على
إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. اللهم صل على محمد وآل
محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد،
كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد. اللهم صلى على محمد وآل محمد عبدك ورسولك اللهم صل
على إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلم عليهم، وسلام على
المرسلين، والحمد لله رب العالمين. اللهم افتح لي أبواب رحمتك،
واستعملني في طاعتك ومرضاتك، واحفظني بحفظ الايمان أبدا ما أبقيتني،
جل ثناء وجهك، الحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره، وجعلني ممن
يعمر مساجده، وجعلني ممن يناجيه. اللهم إني عبدك وزائرك في بيتك،
102

وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، وأنت خير مأتي وأكرم مزور،
فأسألك يا الله يا رحمن بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك
لك، وبأنك واحد أحد صمد لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفؤا أحد،
وأن محمدا عبدك ورسولك، صلواتك عليه وعلى أهل بيته، يا جواد يا كريم
يا ماجد يا جبار يا كريم، أسألك أن تجعل تحفتك إياي بزيارتي إياك أول
شئ تعطيني فكاك رقبتي من النار ".
ثم تقول ثلاث مرات: " اللهم فك رقبتي من النار ".
ثم تقول ثلاث مرات: " اللهم فك رقبتي من النار ".
ثم تقول: " وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر
شياطين الإنس والجن وشر فسقة العرب والعجم ".
ثم تدخل المسجد الشريف فتقول، كما في الفقه المنسوب إلى الإمام
الرضا (عليه السلام): " بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه
وآله ".
ثم ارفع يديك وتوجه إلى الكعبة الشريف وقل: " اللهم إني أسألك في
مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، وأن تتجاوز عن خطيئتي،
وأن تضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام. اللهم إني
أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى
للعالمين. اللهم العبد عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك، جئت أطلب
رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة الفقير
إليك الخائف من عقوبتك. اللهم افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني
بطاعتك ومرضاتك ".
ثم تخاطب الكعبة الشريفة وتقول: " الحمد لله الذي عظمك
وشرفك وكرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ".
103

فإذا وقع نظرك على الحجر الأسود فتوجه إليه وقل:: الحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر من خلقه، والله أكبر مما أخشى وأحذر،
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت
ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآله كأفضل ما
صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد،
وسلام على جميع النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين. اللهم إني
أؤمن بوعدك وأصدق رسلك وأتبع كتابك ".
ثم امش متأنيا مطمئنا، وقصر خطواتك خوفا من عذاب الله تعالى،
فإذا قربت من الحجر الأسود، فارفع يديك فاحمد الله وأثن عليه وصل على محمد
وآله وقل، ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي عبد الله الصادق
(عليه السلام): " اللهم تقبل مني "، ثم امسح يديك وجسدك بالحجر الأسود
إن أمكن وقبله، وإن لم تتمكن من تقبيله فامسحه بيدك، وإن لم تتمكن من
ذلك أيضا، لكثرة الازدحام، فأشر إليه وقل: " اللهم أمانتي أديتها وميثاقي
تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة. اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
صلواتك عليه وآله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن
محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت واللات
والعزى، وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يدعو من دون الله ".
وإن لم تتمكن من قراءة تمام الدعاء فاقرأ ما استطعت قراءته منه
وقل: " إليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل سبحتي
واغفر لي وارحمني. اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي
104

في الدنيا والآخرة ".
أحكام الطواف
يجب الطواف في عمر التمتع مرة واحدة فقط سبعة أشواط.
ويجب الطواف في حج التمتع، وحج الافراد، وحج القران، وعمرة
الافراد، وعمرة القران والعمرة المفردة مرتين:
الأول طواف الحج، وهو ركن، يبطل النسك بتعمد تركه.
الثاني طواف النساء، ولكنه ليس بركن.
فيجب أولا على المعتمر عمرة التمتع، أن يطوف حول البيت، طواف
عمرة التمتع مع النية ويستحب أن يقول مع العزم: " أطوف حول هذا البيت
سبعة أشواط طواف عمرة التمتع لحجة الاسلام امتثالا لأمر الله تعالى
لوجوبه قربة إلى الله تعالى ".
ولو تركه متعمدا بحيث لم يتمكن من الاتيان به قبل موقف عرفة،
بطلت عمرته، وانقلب حجه إلى حج الافراد، فيبقى على إحرام ويتوجه رأسا
إلى عرفة، فيقف فيها ويأتي بجميع مناسك الحج، ثم يأتي بعمرة مفردة بعد تمام
الحج، ويقضي حج الذي فاته في العام القابل، بنفسه على الأقوى، ويلحق
الجاهل في ترك الطواف بالمتعمد.
وأما الناسي فيقضي طواف عمرة التمتع متى تذكر فورا وإن كان
تذكره بعد أداء المناسك، وخروج ذي الحجة، ويعيد معه السعي أيضا
هذا إذا كان في مكة، أما لو خرج من مكة وتذكر الطواف، سواء
105

وصل إلى أهله أم لا، تعين عليه الرجوع إلى مكة للطواف بنفسه إن لم يكن
ذلك عليه حرج ومشقة وإلا وجب عليه أن يستنيب شخصا يطوف نيابة عنه
ولو في السنة المقبلة.
وإن يرجع لقضاء الطواف وكان قد مضى على إحلاله السابق شهر
واحد يجب أن يحرم من الميقات بعمرة مفردة ويقضي ما فاته من الطواف بهذا
الاحرام الجديد، ولو لم يمض عليه شهر جاز له الدخول بلا إحرام، ويقضي
طوافه باحرامه السابق، ويكفيه الاحرام السابق في هذه الصورة، فإن الأقوى
بقاء حكم الاحرام السابق في صحة الطواف، وإذا كان قد سعى يعيد السعي
أيضا على الأحوط.
ولو أتى بالطواف على غير الوجه الشرعي أي طاف طوافا غير صحيح
فقد بطلت عمرته إن كان في العمرة، وبطل حجه إن كان في الحج، وإن كان
جاهلا.
والمريض العاجز الذي لا يستطيع الطواف بنفسه أبدا، فإن تمكن
من الطواف بواسطة شخص آخر - يستعين به ويتكئ عليه، أو يلزمه أو يحمله
ويطوف - تعين عليه ذلك، وإن كان بحالة لا يمكن حمله مطلقا، فعليه الاستنابة.
ولو حاضت المرأة قبل الطواف، أو نفست فيجب عليها أن تنتظر وقت
الوقوف بعرفات، فإن طهرت قبل الموقف، بحيث تستطيع الطواف، وتدرك
الموقف بعرفات، تعين عليها ذلك.
وإن لم تطهر الحائض قبل الموقف انقلب حجها إلى حج الافراد، فتقف
بعرفات وتأتي بجميع المناسك على الوجه الشرعي، ثم تأتي بعد ذلك بعمرة
مفردة.
ولو طهرت الحائض صباحا في عرفات وتمكنت من الرجوع إلى
مكة المكرمة لا كمال أعمالي عمرة التمتع قبل الظهر، ولم يزاحم ذلك الوقوف
الواجب بعرفات، وجب عليها ذلك.
106

ولو كانت المرأة تعلم أنها لا تطهر حتى ينتهي يوم عرفة، وحيث أن
هذا العلم حصل لها بحسب عادتها، ويمكن التخلف، فتقصد الاتيان بما عليها
في الواقع من عمرة التمتع أو الحج، فإن طهرت وقت العمل أتمت عمرتها وإن لم
تطهر، تأتي بحج الافراد.
شروط الطواف وواجباته
واجبات الطواف التي تتوقف عليها صحته، أربعة عشر بعضها شروط،
وبعضها أجزاء.
شروط الطواف:
1 - الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر لو كان الطواف واجبا، أما
إذا كان الطواف مستحبا ولا يشترط في الطواف المستحب، الطهارة من الحدث
الأصغر. وحيث أنه يحرم على المحدث بالأكبر دخول المسجد الشريف،
والطواف لا يكون إلا في المسجد الحرام حول الكعبة الشريفة فمن هنا لا يمكن
للمحدث بالأكبر الطواف أبدا.
الطهارة الترابية (التيمم) تقوم مقام الطهارة المائية للمعذور الذي
لا يمكنه الطهارة المائية لمرض ونحوه، فإن كان محدثا بالأكبر ولم يستطع الغسل لعذر
يتعين التيمم للحدث الأكبر، وفيما عدا الجنابة يتعين عليه الوضوء أيضا إن كان
يستطيع ذلك، وإلا فعليه تيمم آخر بدل الوضوء، ثم يطوف، لكن الأحوط
للمجنب المتيمم أن يستنيب شخصا يطوف عنه بعد أن يطوف هو بنفسه
بتيممه، وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
والمستحاضة وغيرها من ذوي الأعذار يجزيهم الطهارة الاضطرارية
(أي التيمم) فيصح طوافهم بها وإن كان الأحوط للمسلوس أو المبطون أيضا
107

أن يتحفظ من تعدى النجاسة، ويطوف بنفسه، مثل الصلاة، ثم يستنيب
شخصا آخر يطوف نيابة عنه.
ولو طاف، ثم تذكر بعد الفراغ من الطواف، أنه كان محدثا وطاف
بلا طهارة، وكان الطواف واجبا، وجب عليه أن يعيد الطواف بعد أن يتطهر.
ولو أحدث في أثناء الطواف فإن كان لم يتجاوز نصف الطواف يجب
عليه أن يتطهر ثم يطوف من جديد، وإن كان قد تجاوز النصف يجب عليه أن
يتطهر ثم يبنى على الطواف مبتدئا من الموضع الذي أحدث فيه وقطع الطواف،
ويصح طوافه.
ومن شك في الحدث والطهارة - سواء كان ذلك قبل الطواف أم بعده
أم في أثنائه - فإن حكمه حكم الصلاة، فإن كان شكه في الحدث بعد يقينه
بالطهارة، بنى على الطهارة مطلقا، وصح طوافه، وإن شك في الطهارة بعد اليقين
بالحدث يجب عليه الطهارة ولا يصح منه الطواف.
ولو شك بالطهارة، وكان شكه بعد الفراغ من الطواف، فلا يلتفت إلى
شكه وطوافه صحيح.
2 - طهارة البدن واللباس.
يجب على من يريد الطواف أن يطهر بدنه ولباسه عن كل نجاسة حتى
المعفو عنها في الصلاة، مثل الدم إن كان أقل من درهم، أو دم القروح
والجروح على الأحوط.
نعم لو شق عليه التجنب، كأن لم يستطع أن يتجنب دم القروح
والجروح، يجوز معها حينئذ الطواف، بل لا يبعد جوازه أيضا فيما لا تتم
فيه الصلاة، والأحوط الاستنابة بعد طواف نفسه.
ولو طاف، ثم علم بعد الفراغ من طوافه بنجاسة ثوبه أو بدنه صح
طوافه.
ولو كان في أثناء الطواف وعلم أن على بدنه، أو ثيابه نجاسة، فإن
تمكن من إزالتها في أثناء الطواف بدون أن يعمل عملا ينافي الطواف، تعين
108

عليه ذلك، ويتم طوافه بعد الإزالة، وكذا لو عرضت عليه نجاسة في أثناء
الطواف، فإنه يزيلها ويتم طوافه.
ولو لم يتمكن من إزالتها في الأثناء، فعليه الاستئناف إن لم يبلغ ثلاثة
أشواط ونصف، وإن بلغ أربعة أشواط فإنه يتم طوافه بعد الطهارة وطوافه
صحيح، وإن بلغ ثلاثة أشواط ونصفا ولم يبلغ أربعة، فالأحوط أن يتطهر، ثم
يتم الطواف، ويصلي ركعتيه، ثم يعيد الطواف من جديد.
ولو كان ناسيا أن على بدنه، أو ثيابه نجاسة، وطاف بها ثم تذكر بعد
الفرغ من الطواف فالأقوى أن يستأنف طوافه من جديد.
3 - الختان للرجال دون النساء، بل يشترط الختان للصبيان أيضا إن
لم يكن مختونا خلقة، فلا يصح الطواف من غير المختون.
ولو طاف الصبي غير المختون أو طيف به أي حمله أبوه أو غيره، فطاف
به بعد أن أحرم به الولي، فلا يجوز لهذا الصبي أن يتزوج إلا أن يطوف بعد أن
يكون مختونا، طواف الزيارة، ويسعى بعده، ويقصر على الأحوط ثم يطوف
طواف النساء، إن تمكن من ذلك بنفسه، وإن لم يتمكن يستنيب من يطوف
عنه، ويتدارك ما فات منه.
4 - ستر العورة على نحو ما في الصلاة على الأقوى، فيجب على من يريد
الطواف أن يستر عورته ولو كان قد أمن من الناظر، فلا يصح طواف العريان.
5 - إباحة اللباس، أي لا يكون لباسه مغصوبا، فلو طاف في إحرام
مغصوب بطل طوافه.
6 - النية، بأن ينوي الطواف امتثالا لأمر الله تعالى، ولا يشترط فيها
أكثر من التعيين، ويقول مع النية " أطوف حول هذا البيت سبعة أشواط
لعمرة التمتع إلى حج الاسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ".
وجميع هذه الشروط الستة، تشترط أيضا في كل طواف واجب، سواء
كان لعمرة التمتع، أو لحج التمتع، أو لطواف النساء، أو لحج الافراد، أو لحج
109

القران، أو للعمرة المفردة، ويعبر عن هذه الشروط بالشروط الخارجية.
واجبات الطواف سبعة
1 - الابتداء بالحجر الأسود والختم به، فلا يصح أن يبدأ بالطواف
من غيره، كما لا يصح الاختتام بغيره أيضا.
ويكفي في حصول الابتداء والختم بالحجر الأسود، المحاذاة العرفية
في ابتداء الشوط، وختامه، بأن يكون أول جزء من بدنه بإزاء أول جزء من الحجر،
وعليه يلزم تقديم النية قبل الحجر بقليل، بحيث يكون في ابتداء الشوط الواجب
محاذيا للحجر وختامه بذلك الموضع، وجعل الزائد عليه من المقدمات العلمية.
ولو وقف محاذيا للحجر الأسود، جاعلا له على يساره في أول شوط، ثم
طاف حتى وصل إليه فهذا شوط، ولو مشى وطاف حتى وصل إليه ثانيا فهذا
شوط آخر وهكذا، إلى آخر شوط السابع.
2 - جعل البيت على اليسار، فلا يصح الطواف لو جعل البيت على
يمينه.
ويكفي في تحقق جعل البيت على يساره، الصدق العرفي، فلا ينافي
الانحراف اليسير البسيط.
نعم لو جعل البيت عن يمينه، أو استقبله بوجهه، أو استدبره بظهره،
ولو بخطوة واحدة عمدا، أو سهوا، حتى ولو كان اضطرارا بسبب مزاحمة
الطائفين، لم تصح تلك الخطوة، أو الأكثر، ويلزمه التدارك ثم يطوف.
وعلى ما مر من كفاية الصدق العرفي، في جعل البيت على يساره، فلا
يجب التحفظ على التياسر المذكور عند فتحتي حجر إسماعيل، وعند الأركان
- بأن يميل بمنكبه الأيمن قليلا - حتى يكون منكبه الأيسر مقابل الكعبة الشريفة.
110

وينبغي له التباعد عن البيت، كي لا يكون ملاصقا لجداره.
3 - إدخال حجر إسماعيل في الطواف، وهو مدفن النبي إسماعيل
(عليه السلام)، وأمه هاجر، وجملة من الأنبياء (عليهم السلام).
فيشترط أن يدخل الحجر في الطواف فلو طاف بينه وبين البيت بطل
شوطه وأعاده فقط إذا كان شوطا واحدا، وهكذا يعيد كل شوط لم يدخل الحجر
في طوافه، لكن لا يترك الاحتياط بإعادة الطواف من جديد بعد إعادة الشوط
وإتمام الطواف وصلاته.
4 - خروج تمام بدنه عن البيت، وعن حجر إسماعيل، وعن كل ما
يحسب من البيت، فلا يصح الطواف داخل البيت، أو على جدار الحجر، أو على
شاذروان الكعبة، وهو القدر الباقي من أساس الجدار القديم بعد بنايته الجديدة.
ولو طاف بهذه الصورة التي ذكرناها، بطل طوافه، ولو أتى بجزء
من الطواف على الصورة المذكورة يلزمه تدارك ذلك الجزء.
بل الأحوط أن لا يمس جدار البيت، ولا حائط الحجر، بيده حال
الطواف.
5 - كون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم (عليه السلام) على الأحوط،
وعليه فلا يصح أن يجعل مقام إبراهيم داخل المطاف.
بل الواجب احتياطا أن يكون مقام إبراهيم على اليمين، والبيت
على اليسار، ويكون الطواف بينهما، مراعيا ذلك القدر من البعد في جميع الجوانب،
وهي مسافة قدرت بستة وعشرين ذراعا ونصف ذراع تقريبا بذراع اليد.
فلو وقع الطواف خارجا عن الحد المذكور، لزمه تدارك ذلك الطواف،
ولا يبعد توسعة المطاف في مسافة ستة وعشرين ذراعا ونصف ذراع، في جهة
الحجر أيضا، فلو بعد عن جدار الحجر بأكثر من هذا المقدار المذكور فهذا المقدار
من طوافه باطل.
6 - العدد، أي كون العدد في الطواف حول الكعبة الشريفة، سبعة
111

أشواط من الحجر الأسود، إلى الحجر الأسود، بلا زيادة، ولا نقصان.
فلو زاد أو نقص في ابتداء النية أو في أثنائها بطل طوافه على كل تقدير
على الأحوط، وكان آثما بتلك الزيادة، أو النقيصة في تشريعه.
ولو كانت الزيادة مقدارا قليلا قبل الشروع في الطواف، فلا بأس بها،
إن كانت من باب المقدمة العلمية.
ولو زاد في الطواف بعد إكمال السبعة أشواط سهوا:
فإن كانت الزيادة أقل من شوط كامل، يجب عليه قطع الطواف.
وإن كان شوطا كاملا أو أكثر فالأحوط له إكمال الطواف سبعا،
ويكون ذلك نافلة، ويصلي للطواف الأول قبل السعي، وللطواف الثاني بعد
السعي.
7 - الموالاة في الطواف، فإنها شرط في طواف الفريضة، وهي أن
يتابع بين أشواط الطواف، ولا يعمل في خلال الأشواط عملا، ينافي تلك
الموالاة، وليست الموالاة شرطا في الطواف المستحب.
ولو نقص من طوافه بعض الأشواط، فإن كان ما زال في المطاف (أي
في المكان الذي يطوف فيه الحجاج حول الكعبة الشريفة) ولم يعمل عملا ينافي
الموالاة ولم تفته الموالاة المعتبرة في الطواف، فحينئذ يكمل ما نقص من طوافه،
ويكفيه ذلك الاكمال مطلقا، سواء كان ذلك النقص عمدا أو سهوا، وسواء
كان ذلك، قبل أن يتجاوز نصف الطواف، أو بعده، وسواء كان الطواف
واجبا، أو مستحبا.
ولو فاتته الموالاة:
فإن كان الطوف مستحبا، أكمل النقص وصح طوافه.
وإن كان واجبا وكان النقص عن سهو، وكان قد تم أربعة أشواط،
بنى حينئذ على موضع القطع بمجرد تذكره ذلك النقص، وإن لم يتم أربعة
أشواط استأنف الطواف من جديد.
112

ولو نسي بعض أشواط الطواف ولم يتذكر إلا بعد خروجه عن مكة
المكرمة، فإن حكمه حكم من نسي الطواف كله، وقد تقدم حكمه في ص 105.
ولو شك في عدد الأشواط، أو في صحتها - مثل ما لو شك بين الواحد
والاثنين، أو الاثنين والثلاثة وهكذا - أو شك في صحة طوافه وهل أن طوافه
على الوجه الشرعي أم لا، فإن كان شكه بعد الفراغ من طوافه لم يلتفت فيبني
على صحة طوافه، وكذا لو شك في آخر الشوط السابع عند الانتهاء، هل أنه
سبعة، أم ثمانية مثلا أو أزيد، لم يلتفت وطوافه صحيح.
ولو حدث هذا الشك له، أو شك آخر في الأثناء مطلقا، - سواء كان
الشك عند الركن، أم قبله، بين الستة والسبعة أو بين الخمسة والستة، أو دون
ذلك، مع احتمال الزيادة وعدمها - بطل طوافه، ووجب الاستئناف في جميعها.
والأحوط الذي لا ينبغي تركه، أن يبني على الأقل ويكمل طوافه ثم
يستأنف الطواف من جديد.
هذا كله إذا كان الطواف واجبا، أما لو كان الطواف مستحبا بنى
على الأقل، ثم يكمل طوافه، ولا حاجة إلى الاستئناف.
مستحبات الطواف
1 - الطواف حول الكعب الشريفة حافيا.
2 - تقصير الخطوات عند الطواف، والمشي على سكينة ووقار
لا مسرعا ولا مبطئا.
3 - المشي عند الطواف.
4 - الاشتغال بالذكر، والدعاء، وقراءة القرآن.
5 - ترك كل ما يكره في الصلاة، وكل لغو وعبث.
113

6 - استلام الحجر، وتقبيله في كل شوط إن أمكن، من دون أن
يؤذي أحدا، أو يزعجه أو يؤخره عنه، وإلا اكتفى بالإشارة إليه مع التكبير.
7 - الطواف عند الزوال.
8 - غص البصر عند الطواف.
9 - القرب من البيت حال الطواف.
10 - قراءة الأدعية المأثورة عن أهل البيت - عليهم السلام)، مثل ما
رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو: " اللهم إني
أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد
الأرض، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، وأسألك باسمك الذي
تهتز له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من
جانب الطور الأيمن فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك، وأسألك
باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدم من ذنبه وما
تأخر، وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي " وتطلب حاجتك.
ويستحب أيضا في حال الطواف أن يقول: " اللهم إني إليك فقير و
إني خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي ".
وكلما انتيهت إلى باب الكعبة في كل شوط فصل على محمد وآل محمد
وادع بهذا الدعاء: " سائلك فقيرك مسكينك ببابك، فتصدق عليه
بالجنة. اللهم البيت بيتك والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام
العائذ بك، المستجير بك من النار، فأعتقني ووالدي وأهلي وولدي وإخواني
المؤمنين من النار يا جواد يا كريم ".
وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا بلغ حجر إسماعيل يرفع رأسه
ثم يقول: " اللهم أدخلني الجنة، وأجرني من النار بحرمتك وعافني من
السقم، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس،
وشر فسقة العرب والعجم ".
114

ويستحب إذا مضى عن الحجر ووصل إلى خلف البيت أن يقول ما
رواه عمر بن أذينة عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو: " يا ذا
المن والطول، يا ذا الجود والكرم، إن عملي ضعيف فضاعفه وتقبله مني
إنك أنت السميع العليم ".
وإذا وصل إلى الركن اليماني يرفع يديه، ويدعوا بما دعى به أبو الحسن
الرضا (عليه السلام) وهو: " يا الله يا ولي العافية، ورازق العافية، وخالق
العافية، والمنعم بالعافية، والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي
وعلى جميع خلقك، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، صل على محمد
وآل محمد، وارزقنا العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة يا
أرحم الراحمين ".
ثم يرفع رأسه إلى الكعبة ويقول ما رواه إبراهيم بن عيسى: " الحمد لله
الذي شرفك وعظمك، والحمد لله الذي بعث محمدا نبيا وعليا إماما.
اللهم اهد له خيار حلقك، وجنبه شرار خلقك ".
وفيما بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول ما رواه عبد الله بن سنان
عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ".
وفي الشوط السابع إذا وصل المستجار (وهو خلف الكعبة قريب من
الركن اليماني) يقوم بحذاء الكعبة، ويبسط يديه على حائطه، ويلصق به بطنه
وخده، ويقر بذنوبه مسميا لها، ويتوب، ويستغفر الله تعالى منها، ويدعو بما دعا
به أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): " اللهم البيت بيتك والعبد عبدك
وهذا مقام العائذ بك من النار. اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية.
اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي
على خلقك، أستجير بالله من النار ".
ويدعو بما دعا به علي بن الحسين (عليهما السلام): " اللهم إن عندي
115

أفواجا من ذنوب، وأفواجا من خطايا، وعندك أفواج من رحمة وأفواج من
مغفرة، يا من استجاب لأبغض خلقه إذ قال أنظرني إلى يوم يبعثون استجب
لي ".
ثم اطلب حاجتك، وادع كثيرا، واعترف بذنوبك، فما كنت ذاكرا لها
فاذكرها مفصلا، وما كنت ناسيا إياه فاعترف بها إجمالا، واستغفر الله فإنه يغفر
لك إن شاء الله تعالى.
فإذا وصلت الحجر الأسود فادع بما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام): " اللهم فنعمني بما رزقتني وبارك فيما
آتيتني ".
مكروهات الطواف
1 - الكلام بغير ذكر الله تعالى، والدعاء، وقراءة القرآن الكريم.
2 - الضحك، والتمطي، والتثاؤب، وفرقعة الأصابع، وكل ما يكره
في الصلاة.
3 - مدافعة البول والغائط، بل الريح أيضا.
4 - الأكل والشراب.
5 - لبس " البرطلة " وهي قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما، لأنها
من زي اليهود.
صلاة الطواف
وهي ركعتان مثل فريضة الصبح، يتخير المكلف فيها بين الجهر
والاخفات، يصليهما بعد الطواف مباشرة، ويراعى فيها الفورية العرفية بعد فراغه
من الطواف على الأحوط ويصليهما خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) - وهو
116

الصخرة التي عليها أثر قدم الخليل (عليه السلام) - قريبا منها، بحيث يصدق عليه
أنه صلاها عنده، إن أمكنه ذلك.
والأحوط أن يستقبله بوجهه، وإن لم يتمكن من الصلاة خلف المقام،
صلاها عنده من أحد الجانبين، وإن لم يتيسر له ذلك أيضا يصليها حيث شاء
من المسجد الحرام ضمن الحدود التي كانت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)، مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى خلف المقام.
والنجاسات التي يعفى عنها في الصلاة، لا تضر بصلاة الطواف أيضا.
ولو نسي صلاة الطواف يجب عليه الاتيان بها، متى ما تذكر، ولا
يجب على إعادة السعي.
هذا إذا كان في مكة، ولو لم يتذكر إلا بعد خروجه من مكة فالأحوط
أن يرجع ليصليها خلف المقام إن لم يستلزم ذلك مشقة، وإلا صلاها حيث
شاء; وإن كان الأحوط له أن يرجع إلى الحرم ويصليها فيه، والأولى أن
يستنيب من يصليها عن خلف المقام مع الامكان أيضا.
ولو مات قبل أن يقضي هذه الصلاة تعين على الولي قضاؤها عنه مثل
سائر صلواته الفائتة.
ومن ترك صلاة الطواف عمدا فقد صحت منه بقية المناسك المترتبة
عليه بعد الصلاة وبقي عليه قضاء صلاة الطواف كالناسي، لكن الاحتياط
شديد في وجوب الحج عليه وإعادته في العام القادم، وهذا الاحتياط لا ينبغي
تركه.
هذا كله إذا كان طوافه واجبا، أما لو كان طواف مستحبا وتعمد ترك صلاة
الطواف، فالأولى بل الأحوط أن لا يتركها، بل يصليها حيث شاء، وإن كان
الاتيان بها في المسجد الحرام أحوط.
ومن ترك صلاة الطواف خلف المقام جهلا منه بذلك، كان بمنزلته
الناسي لها، فيتعين عليه الاتيان بها متى تذكر كما سبق، سواء لم يأت بها أصلا
117

أم أتى بها في غير موضعها (وهو خلف المقام) أم أتى بها على وجه مبطل; بمعنى
أنه أتى بها على غير الصورة الصحيحة.
ولا فرق في ذلك بين القاصر الذي لم يستطع الاتيان بالصلاة بصورة
صحيحة أو المقصر الذي لم يتعلم الصلاة على الوجه الصحيح، ومنه على الأحوط
المقصر في تصحيح قراءته الذي لم يتعلم القراءة الصحيحة غفلة منه عن تقصيره
مثل من يبدل الضاد بالظاء مثلا أو يرى صحة قراءته (أي يعتقد بأن قراءته
صحيحة) فإن حكمه كالناسي، فيقضي صلاة الطواف للعمرة والحج كسائر
صلاته متى علم. أي بمجرد علمه بهذا اللحن (مقدما صلاة طواف العمرة على
طواف الحج وصلاة طواف الحج على طواف النساء) ويستنيب على الأحوط
كما تقدم في حكم الناسي.
أما الملتفت العالم بعدم صحة قراءته كأغلب الأعجميين مثلا فيحب
عليه التعلم ليصلي صلاة صحيحة إن أمكنه التعلم قبل أن يتضيق عليه وقت
الطواف، ويكفيه أن يلقنه القراءة الصحيحة معلم حال فعل الصلاة، وذلك
بأن يقف إلى جانبه ويعلمه القراءة الصحيحة، فإذا صلاها صحيحة كانت كافية.
وإن لم يتمكن من الأمرين (التعلم أو تلقين المعلم) فالأحوط حينئذ
أن يجمع بين الصلاة بقراءته الملحونة، والاقتداء بمن يصلي صلاة الطواف، من
الحجاج المؤمنين، الجامع لشروط الإمام إن أمكنه ذلك وإلا فيقتدي بمن يصلي
اليومية من المؤمنين كذلك برجاء المطلوبية، والأولى والأحوط أن يضم إلى
صلاته الاستنابة، فيستنيب من يصلي عنه صلاة الطواف.
وأما المرأة التي حاضت حين الطواف فإن كانت قد تمت أربعة أشوط
فأكثر، تقطع الطواف وتخرج من المسجد فورا، وتأتي ببقية المناسك من السعي
والتقصير لو كانت في العمرة، ثم تنتظر إلى أن تطهر فتقضي ما فاتها من الطواف
وصلاته ولا تجب عليها إعادة السعي.
ولو لم تطهر قبل الوقوف - بأن بقيت حائضا إلى يوم
التاسع من
118

ذي الحجة - فالأحوط لها حينئذ الاستنابة لقضاء ما فاتها من أشواط الطواف
والصلاة قبل أن تخرج إلى الموقف بعرفات ثم تقتضيه بنفسها بعد الطهر.
وأما لو حاضت بعد إكمال الطواف وقبل الصلاة فعليها صلاة
الطواف بعد أن تطهر والاستنابة للصلاة قبل السعي أيضا على الأحوط.
وأما التي حاضت ولم تكمل أربعة أشواط فعندئذ تقطع طوافها وتخرج
من المسجد فورا ثم تنتظر، فإن طهرت قبل الموقف بعرفه أني بالطواف كاملا
والصلاة بعد طهرها، وإن لم تطهر قبل الموقف ينقلب حينئذ حجها إلى حج
الافراد كما تقدم وتمضي إلى عرفات والمشعر، وتأتي بمناسك منى كلها وبقية
مناسك مكة، ثم تأتي بعمرة مفردة بعد إكمال المناسك.
ولو اغتسلت المرأة من الحيض وطافت، ثم رأت الدم فإن كان قبل
انتهاء العشرة، وانقطع قبل العشرة، فحيث أن الاحتياط في أيام النقاء الجمع
بين تروك الحائض وأفعال الطاهرة، فاللازم عليها إعادة الطواف والصلاة
الواقعة في تلك الأيام، وإن كان الدم بعد انتهاء العشرة أو قبله لكن استمر بعد
العشرة فالأعمال صحيحة، والنقاء طهر.
ولو علمت قبل إحرام العمرة أن أيام حيضها تستمر إلى يوم عرفة،
وجبت عليها المبادرة إلى عمرة التمتع قبل الحيض مع التمكن، وإن لم تبادر كانت
آثمة وتحرم حينئذ بنية حج الافراد مع ضيق الوقت، لكن الأحوط عليها إعادة
حج التمتع في العام القابل.
والمستحاضة إن فعلت ما يجب عليها من الأعمال للصلاة فهي
كالطاهرة.
مستحبات ركعتي الطواف
1 - قراءة سورة التوحيد - قل هو الله أحد - بعد الحمد
في الركعة
119

الأولى، وقراءة سورة الجحد - قل يا أيها الكافرون - بعد الحمد في الركعة الثانية.
2 - الحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة والسلام على الرسول وآله
بعد الصلاة.
3 - السؤال من الله تعالى قبول الدعاء، ويقول: " اللهم تقبل مني
ولا تجعله آخر العهد مني. الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها،
حتى ينتهي الحمد إلى ما يحب ويرضى. اللهم صل على محمد وتقبل
مني وطهر قلبي وزك عملي ".
وفي رواية أخرى يقول: " اللهم ارحمني بطاعتي إياك وطاعة
رسولك صلى الله عليه وآله. اللهم جنبني أن أتعدى حدودك، واجعلني
ممن يحبك ويحب رسولك وملائكتك وعبادك الصالحين ".
ثم يسجد ويقول، كما صنع الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) على
ما رواه بكر بن محمد: " سجد لك وجهي تعبدا ورقا، لا إله إلا أنت حقا
حقا، الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، وها أنا ذا بين يديك،
ناصيتي بيدك، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فإني مقر
بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك ".
السعي
السعي واجب في عمرة التمتع، بل هو واجب في كل إحرام، سواء كان
للحج، أو العمرة.
والسعي مرة واحدة فقط سبعة أشواط، بين الصفا والمروة، بعد صلاة
الطواف، وهو ركن تبطل العمرة والحج بتعمد تركه، وإن كان عن جهل.
ويجوز تأخير السعي عن الطواف لفترة يسيرة بسبب التعب وحرارة
الهواء، ولا يجوز تأخيره إلى الغد إلا لضرورة.
120

والأقوى جواز تأخيره إلى الليل، وإن كان الأحوط تركه.
ولا بأس أيضا بالفصل بين الطواف الواجب والسعي، بطواف
مستحب.
ولو ترك السعي عن نسيان تعين عليه الاتيان به متى تذكر، وإن
خرج من مكة فالأحوط عليه الرجوع في أي وقت تذكر، ويفعله بنفسه، إن
أمكنه ذلك، وإن شق وصعب عليه يستنيب من يسعى عنه.
ومن أخل به، ولم يأت به على الوجه الأكمل لا يحل من إحرامه حتى
يأتي به كاملا بنفسه أو بنائبه. ولو واقع أهله، ولو سهوا بزعم الاحلال لزمته
الكفارة، وكذا تجب على الكفارة أيضا إن قلم أظفاره ولو سهوا على الأحوط.
مستحبات السعي
1 - الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، والحائض يمكنها السعي،
نعم تستحب لها الطهارة إن أمكنها، وإلا فتسعى وهي حائض.
2 - المبادرة إلى السعي بعد ركعتي الطواف، ويمكن للمتعب
الاستراحة.
3 - تقبيل الحجر الأسود، واستلامه عند إرادة الخروج إلى الصفا إن
أمكن وإلا أشار إلى الحجر بيده.
4 - الاتيان إلى زمزم للاستقاء بنفسه إن أمكنه، والشرب من مائها،
وليصب على رأسه، وظهره، ويقول وهو مستقبل الكعبة ما رواه معاوية بن
عمار عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) " اللهم اجعله علما نافعا
ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ".
5 - استلام الحجر بعد الشرب من زمزم أيضا، وهو أولى عند خروجه
إلى الصفا.
6 - الخروج إلى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود، وهو
121

الباب الذي كان يخرج منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويسمى الآن
باب الصفا.
7 - المشي من خروجه إلى الصفا بسكينة ووقار.
8 - الصعود على الصفا بحيث ينظر إلى البيت إن أمكن، فإن النظر
إلى البيت مستحب أيضا.
9 - استقبال الركن الذي فيه الحجر الأسود، بعد صعوده على الصفا.
10 - حمد الله تعالى، والثناء عليه، وأن يتذكر الانسان نعم الله عليه،
ويذكر من آلائه وبلائه، وحسن صنيعه إليه ما يتمكن من ذكره، ثم يقول سبع
مرات: " الله أكبر " وسبع مرات " الحمد لله " وسبع مرات " لا إله إلا الله "،
ثم يقول ثلاث مرات: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت بيده الخير
وهو على كل شئ قدير ".
ثم يصلي على محمد وآل محمد ويقول ثلاث مرات: " الله أكبر على
ما هدانا، الحمد لله على ما أولانا، والحمد لله الحي القيوم، والحمد لله
الحي الدائم ".
ثم يقول ثلاث مرات: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو
كره المشركون ".
ويقول ثلاث مرات: " اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في
الدنيا والآخرة ".
ويقول ثلاث مرات: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار ".
ثم يقول مائة مرة: " الله أكبر " ومائة مرة " لا إله إلا الله " ومائة مرة
" الحمد لله " ومائة مرة " سبحان الله " ثم يقول: " لا إله إلا الله وحده وحده
122

أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد وحده.
اللهم بارك لي في الموت، وفيما بعد الموت. اللهم إني أعوذ بك من ظلمة
القبر ووحشته. اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ".
11 - ويستحب أن يكثر الانسان من استيداع الله دينه، ونفسه،
وأهل بيته حين وقوفه على الصفا ويقول: " أستودع الله الرحمن الرحيم، الذي
لا تضيع ودائعه، ديني ونفسي وأهلي ومالي وولدي. اللهم استعملني على
كتابك وسنة نبيك، وتوفني على ملته وأعذني من الفتنة ".
ثم يقول ثلاث مرات: " الله أكبر " ثم يدعو بالدعاء السابق مرتين ثم
يقول: " الله أكبر " ثم يدعو بالدعاء السابق إن تمكن من ذلك وإلا فليأت بما
تيسر له.
12 - استقبال الكعبة الشريفة، وقراءة هذا الدعاء " اللهم اغفر لي
كل ذنب أذنبته قسط، فإن عدت فعد علي بالمغفرة، فإنك أنت الغفور
الرحيم. اللهم افعل بي ما أنت أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله
ترحمني، وإن تعذبني فأنت غني عن عذابي، وأنا محتاج إلى رحمتك،
فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني. اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك
إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني، أصبحت أتقي عدلك ولا
أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني ".
ثم قل: " يا من لا يخيب سائله، ولا ينفد نائله، صل على محمد
وآل محمد وأجرني من النار برحمتك ".
13 - إطالة الوقوف على الصفا، ففي الحديث: من أراد أن يكثر ماله
فليطل الوقوف في الصفا.
14 - إذا انحدر قليلا، بعد الصعود على الصفا، فليقف ويتوجه إلى
الكعبة الشريفة ويقول: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنته
وغربته ووحشته وظلمته وضيقه وضنكه. اللهم أظلني في ظل عرشك
123

يوم لا ظل إلا ظلك ".
15 - ثم ينحدر قليلا ويكشف عن ظهره ويقول: " يا رب العفو، يا
من أمر بالعفو، يا من هو أولى بالعفو، يا من يثيب على العفو العفو، العفو،
العفو، يا جواد يا كريم يا قريب يا بعيد، أردد علي نعمتك واستعملني
بطاعتك ومرضاتك ".
16 - السعي ماشيا، ويجوز الركوب حال السعي على دابة، أو محمل،
أو كرسي متحرك، أو على ظهر انسان، أو يتكئ عليه أو غير ذلك، ولكن
المشي أفضل.
17 - كون المشي على سكينة ووقار كما مر في الطواف.
18 - كون المشي متوسطا لا سريعا ولا بطيئا، من الصفا إلى المنارة
الأولى، وهي الآن معلمة بلون أخضر، ثم يهرول منها إلى المنارة الثانية المعلمة
بلون أخضر أيضا.
وإن كان راكبا حرك دابته، من دون أن يؤذي أحدا، ثم يمشي منها
إلى المروة، وهكذا يفعل في الرجوع.
ولا هرولة على النساء.
19 - الدعاء عند الوصول إلى المنارة الأولى، فيقول: " بسم الله وبالله
، والله أكبر، وصلى الله على محمد وأهل بيته. اللهم اغفر وارحم،
وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم، واهدني للتي هي أقوم.
اللهم إن عملي ضعيف، فضاعفه لي وتقبله مني. اللهم لك سعيي، وبك
حولي وقوتي، تقبل مني عملي يا من يقبل عمل المتقين ".
20 - فإذا تجاوز المنارة الثانية يقول: " يا ذا المن والفضل والكرم
والنعماء والجود، اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".
21 - إذا وصل المروة فليصعد عليها وليصنع كما صنع على الصفا
وليقرأ الأدعية الأولى التي قرأها على الصفا بالترتيب الذي
تقدم، ويقول بعد
124

ذلك: " اللهم يا من أمر بالعفو، يا من يحب العفو يا من يعطي على العفو،
يا من يعفو على العفو، يا رب العفو العفو العفو العفو ".
22 - أن يجد في البكاء ويدعو كثيرا ويتباكى، ويقرأ هذا
الدعاء: " اللهم إني أسألك حسن الظن بك على كل حال وصدق النية في
التوكل عليك ".
23 - ولو نسي الهرولة ففي أي موضع تذكرها، يرجع القهقهرى إلى
موضع الهرولة ثم يهرول.
ولا بأس بأن يجلس الساعي في خلال السعي، على الصفا أو المروة
للاستراحة، وإن كان لا ينبغي ذلك إلا من التعب، كما لا ينبغي الجلوس
مطلقا أثناء السعي إلا للراحة، والله أعلم.
واجبات السعي
1 - النية، ولا بد أن تكون مقارنة لأول السعي، مشتملة على قصد
القربة. والأولى التلفظ بها مشتملة على نية الوجوب فتقول: " أسعى بين الصفا
والمروة سبعة أشواط لعمرة التمتع إلى حج الاسلام لوجوبه امتثالا لأمر الله
سبحانه وتعالى ".
2 - الابتداء من الصفا، ويتحقق ذلك بالصاق عقبه، والأحوط
الصاق العقبين والبدن.
3 - الختم بالمروة، ويتحقق ذلك أيضا بأن يلصق بها أصابع قدمه،
والأحوط القدمين والبدن كما في الصفا.
ولو خالف ذلك فبدأ بالمروة ولو سهوا بطل سعيه واستأنف.
4 - العدد، وهو أن يقطع المسافة التي بين الصفا والمروة سبع مرات،
بلا زيادة ولا نقصان، فيحصل بالذهاب أربعا من الصفا إلى المروة، وبالاياب
ثلاثا من المروة إلى الصفا، فيكون سبعة أشواط.
125

5 - السعي ذهابا وإيابا على الطريق المتعارف، وهو المسعى المختص
حاليا، فلو دخل المسجد في الأثناء وخرج منه إلى المسعى، أو ذهب إلى سوق
الليل، ثم رجع منه إلى المسعى، لم يصح ذلك السعي. ولا بأس بالسعي في
الطابق الثاني من المسعى، لو صدق أنه سعى بين الجبلين (الصفا والمروة).
6 - استقبال المقصد، فإن كان من الصفا، استقبل المروة، وإن كان
من المروة، استقبل الصفا، ولا يجوز أن يمشي القهقرى أو عرضا.
نعم لا بأس بالالتفات بالوجه إلى اليمين أو اليسار، مع بقاء مقاديم
البدن على حالة الاستقبال حين السعي.
أما في حالة الوقوف، فلا بأس بالاعراض بكل البدن، ولو بلغ حد
الاستدبار، كما لا بأس بأن ينحرف عن جهة اليمين، عند نزوله من الصفا.
7 - إباحة الدابة، بل والنعل واللباس، فلا يجوز السعي على الدابة
المغصوبة، بل لا يجوز أن يحمل شيئا مغصوبا على الأحوط.
8 - الترتيب، بأن يكون السعي بعد صلاة الطواف، فلا يجوز تقديم
السعي على الطواف اختيارا، لا في الحج ولا في العمرة، فإن فعل ذلك عمدا بلا
ضرورة أعاده، وإن كان لضرورة يكفيه ذلك.
ويحتمل الاكتفاء إن كان عن سهو أيضا كما تقدم في الطواف، وإن
كان الأحوط وجوبا الإعادة، وكذلك الجاهل بالمسألة.
ولو شرع في السعي وتذكر في أثنائه نقصان طوافه:
فإن كان النقصان بعد نصف الطواف، يقطع السعي ويرجع إلى
الطواف لاكماله. ثم يأتي لاكمال السعي من موضع قطعه، وإذا شرع
الانسان في السعي وتذكر نقصان طوافه فإن كان النقصان أقل من النصف قطع
السعي ورجع لاكمال طوافه ثم أكمل السعي من موضع قطعه إذ كان قد أتم
أربعة أشواط وإلا فالأحوط استئناف السعي وإذ كان نقصان الطواف أكثر
من النصف فعليه استئناف الطواف وإن كان بين ثلاثة ونصف وأربعة أشواط
126

فالأحوط قد أتم أربعة أشواط، وإلا فالأحوط أن يستأنف السعي،
وإن كان نقصان طوافه أكثر من النصف، فعليه أن يستأنف الطواف
من رأس،
وإن كان بين ثلاث ونصف وأربع فالأحوط إتمام النقص مع
صلاته، ثم إعادة الطواف وصلاته، ثم يستأنف السعي كذلك، ويأتي بكل
من الطواف والسعي بقصد ما عليه، من التمام أو الاتمام.
التقصير
وهو آخر واجبات عمرة التمتع. ويجب في العمرة والحج، ففي العمرة
يكون بعد إكمال السعي، وفي الحج يكون بعد الذبح في منى.
وهو نسك في نفسه كالتسليم في الصلاة، وبه يفرغ المحرم ويتحل من
عقد إحرامه.
ويجب التقصير على المعتمر بعد السعي، ويحصل بأخذ شئ من شعر
رأسه، أو لحيته، أو شاربه، أو حاجبه، أو تقليم بعض أظفار يديه، أو رجليه
بحديدة أو سن، أو نحو ذلك.
ويجوز إتيانه في أي محل كان، ولا يجب المبادرة إليه.
ولا يكفي حلق تمام الرأس بل لا يجوز الحلق في العمرة، ولو حلق فعليه
كفارة شاة، حتى ولو كان ناسيا، أو جاهلا على الأحوط، بل يحرم الحلق بعد
التقصير أيضا وعليه الكفارة أيضا على الأحوط.
نعم لو حلق بعض رأسه فليس عليه دم، ولكن لا يكفي عن التقصير.
ويجب في التقصير النية أيضا، مقارنة له، مشتملة على التعيين والقربة
فيقول: " أقصر للاحلال من إحرام عمرة التمتع لحج الاسلام الواجب امتثالا
لأمر الله تعالى ".
127

ولو كان حجه مستحبا قال بدل " حج الاسلام الواجب " " استحبابا "
ولو كان نائبا عن الغير قال: " نيابة عن فلان " ويذكر اسم المنوب عنه، ولو
كان قضاء قال: " قضاء ".
فإذا قصر حل له كل شئ حرم عليه بالاحرام حتى النساء، ولا
يجب، بل لا يشرع طواف النساء في عمرة التمتع. وتحل المرأة للرجل والرجل
للمرأة بدون طواف النساء،
لكن فلو طاف طواف النساء برجاء المطلوبية فهو أولى.
ومن ترك التقصير حتى أحرم بالحج وذهب إلى عرفة، فإن كان سهوا
صحت متعته وكفر بدم شاة على الأحوط، وإن كان عمدا أو جهلا منه بذلك،
مع التفات الجاهل بالحكم فحينئذ تبطل متعته وينقلب حجه إلى حج الافراد،
فيأتي ببقية مناسك حج الافراد ويقضي حجه في حجه في العام القابل على الأحوط.
أفعال حج التمتع
الأول من أفعاله الاحرام.
وهو واجب في حج التمتع، بل هو ركن يبطل الحج بتعمد تركه كما
تقدم في العمرة.
وأول وقت هذا الاحرام لغير المحرم لعمرة التمتع، دخول أشهر الحج،
وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأما المتمتع فيكون أول وقت إحرامه، بعد فراغه من مناسك عمرته،
ويمتد إلى اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم الموقف بعرفة.
ولو تضيق وقت الوقوف وجب على غير المتمتع أن يحرم من الميقات،
وعلى المتمتع أن يحرم من مكة، والأفضل له أن يحرم من المسجد الشريف،
والأفضل من حجر إسماعيل أو مقام إبراهيم.
فيلبس ثوبي الاحرام ثم ينوي الاحرام للحج كما تقدم ذلك في العمرة ثم
128

يلبي كما سبق.
ولو نسي الاحرام من مكة المكرمة حتى خرج منها إلى منى يوم الثامن
أو إلى عرفة، ثم تذكر يجب عليه الرجوع إلى مكة لأجل الاحرام منها كما تقدم.
وكذا يجب عليه الرجوع لو ترك الاحرام جهلا حتى خرج، فيحرم من
مكة، إن أمكنه ذلك.
ولو ضاق عليه وقت الوقوف الاختياري بعرفة (بمعنى أنه لو رجع إلى
مكة يفوته الموقف الاختياري من الزوال إلى الغروب)، أو كان رجوعه متعذرا
عليه، فالأحوط عليه أن يرجع إلى جهة مكة بقدر ما يتمكن، فإن لم يقدر أن
يرجع أصلا يحرم من مكانه.
ولو تذكر بعد الوقوفين بعرفات والمشعر، يحرم ويتم مناسكه، ويحج
في العام المقبل على الأحوط، وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
ولو لم يتذكر إلا بعد أن أدى جميع المناسك فالظاهر صحة حجه.
هذا كله إن كان عن نسيان أو جهل، أما لو ترك الاحرام عمدا إلى
أن فاته وقت الوقوفين بطل حجه. وكذا يبطل حجه لو تركه ناسيا أو جاهلا
ولم يتداركه عند تذكرة أو تنبه له وكان يمكنه التدارك، ولكنه تعمد البقاء بلا
إحرام إلى أن فات وقت الاحرام.
مستحبات إحرام الحج
1 - الغسل، وهو أن يغتسل في منزله، أو مكان آخر بمكة استحبابا.
2 - الدعاء بالأدعية المأثورة عند الغسل، المتقدم ذكرها عند غسل
الاحرام للعمرة.
3 - التوجه إلى المسجد الحرام بخضوع وخشوع، فيدخله حافيا وعليه
السكينة والوقار.
129

4 - ايقاع الاحرام بعد صلاة، وأفضل الاحرام أن يكون بعد صلاة
الظهر، أو صلاة العصر، أو فريضة مقضية، أو صلاة نافلة أقلها ركعتان، وفضلها
حسب ترتيبها.
5 - إيقاع الاحرام في المسجد الحرام، والأفضل أن يكون في حجر
إسماعيل أو مقام إبراهيم، فيلبس ثوبي الاحرام بعد أن يأتي بالمستحبات التي مر
ذكرها، وينوي الاحرام لحج التمتع لوجوبه قربة إلى الله تعالى.
6 - التلفظ بالنية بأن يقول: " أحرم لحج التمتع حج الاسلام
لوجوبه أداء أصالة قربة إلى الله تعالى "، وإن كان الحج مستحبا يقول بدل
كلمة لوجوبه " لندبه "، وإن كان الحج قضاء قال " قضاء "، وإن كان نائبا
عن شخص قال " نيابة عن فلان ". ثم يلبي بالتلبية فيقول: " لبيك اللهم
لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك " والأفضل أن يضيف إليها " إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك ".
والأولى إضافة " لبيك " في آخر تلك
الجملة أيضا.
فيحرم عليه حينئذ جميع المحرمات التي مر ذكرها في إحرام عمرة التمتع
وهي خمسة وعشرون أمرا.
ويكره للمحرم أيضا المكروهات التي مر ذكرها في العمرة.
7 - الخروج بعد الاحرام وأداء الصلاة المكتوبة (الواجبة) إلى منى.
8 - أن يلبي في طريقه، حتى إذا أشرف على الأبطح رفع صوته
بالتلبية.
9 - إذا توجه إلى منى فليقل ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي
عبد الله الصادق (عليه السلام)، وهو " اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني
أملي وأصلح لي عملي ".
10 - وعند وصوله إلى منى يقول: " الحمد لله الذي أقدمنيها
صالحا في عافية وبلغني هذا المكان ".
130

وإذا دخلها يقول ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي عبد الله
الصادق (عليه السلام) وهو " اللهم إن هذه منى، وهي مما مننت به علي
من المناسك، فأسألك أن تمن بما مننت على أنبيائك، فإنما أنا عبدك
وفي قبضتك ".
11 - المبيت في منى ليلة عرفة مشغولا بالعبادة، والدعاء، والابتهال
والأفضل له أن يبيت في مسجد الخفيف.
12 - الصلاة في المسجد والإقامة فيه حتى طلوع الفجر، ويكره
الخروج قبل الفجر، بل الأحوط ترك الخروج، والأولى البقاء في مسجد الخيف
مشغولا بالعبادة، والتعقيب، حتى طلوع الشمس، فحينئذ يفيض إلى عرفات.
13 - وعند خروجه من منى إلى عرفات يقول ما رواة معاوية بن
عمار عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، وهو " إليك صمدت،
وإياك اعتقدت، ووجهك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، وتقضي
لي حاجتي، وأن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني ".
14 - التلبية عند كل صعود وهبوط، حتى يصل إلى عرفات.
15 - الأولى أن يضرب خيمته إن أمكن في " نمرة "، وهي قريبة من
عرفة وليست منها، ولا يكفي الوقوف بنمرة.
الثاني من أفعال الحج
الوقوف بعرفات
يجب الوقوف بعرفة، بمعنى أن يكون حاضرا فيها مستوعبا الوقت كله،
من زوال الشمس إلى غروبها. ولا يجب أن يقف على رجليه.
ولو نام أو أصابه الجنون، أو غشى عليه، أو كان سكرانا في جميع
الوقت المذكور بطل وقوفه.
131

لكن لو كان قبل الوقت في عرفة ونام بقصد الوقوف فيها، فلا يبعد
صحة وقوفه وإن كان نائما في تمام الوقت، وكذلك في المشعر.
ويجب الوقوف في عرفة بالمكان المعروف، فلا يكفي الوقوف بنمرة، أو
غيرها من حدود عرفة، فضلا عما لو خرج عن الحدود ووقف خارج عرفة.
ولعرفة حدود معروفة، وعلامات بينة مكتوب عليها " حدود عرفة " فلا
يجوز أن يتعداها.
والركن من الوقوف هو مسماه، وأما الزائد على ذلك فهو واجب، وغير
ركن، لا يجوز تركه.
ولو تركه عمدا إلى أن خرج وقت الوقوف الاختياري بطل حجه،
ولا يجديه إدراك الموقف الاضطراري، ولا إدراك المشعر مطلقا (والموقف
الاضطراري بعرفة هو من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر من يوم النحر).
والناسي يتدارك الموقف مع وقته الاختياري إن أمكنه ذلك، وإن لم
يمكنه يتدارك الموقف الاضطراري، ثم يقف بالمشعر ويصح حجه.
لقد ذكرنا أنه يجب استيعاب الوقت من الزوال إلى الغروب بعرفة، فلو
لم يستوعب المكلف الكون في عرفة عمدا، فإن كان من أول الوقت أثم، وصح
حجه، ولا شئ عليه، وإن كان عن سهو أو عذر آخر فلا إثم عليه، وصح
حجه أيضا.
ولو أفاض من عرفة قبل المغرب الشرعي عمدا، فإن تاب ورجع
قبل الغروب، فلا كفارة عليه، وإن لم يتب ولم يرجع فعليه الكفارة وهي بدنة،
وإن لم يتمكن على البدنة يصوم ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله،
ويصومها على التوالي جميعها، ولا يفصل بينها.
وإن أفاض قبل المغرب سهوا ولم يتذكر في الوقت، فلا شئ عليه، ولو
تذكر الناسي قبل المغرب، يجب عليه الرجوع إلى عرفة والبقاء فيها إلى الغروب،
فإن لم يفعل ولم يرجع أثم ويلحقه حكم العامد.
132

ويلحق الجاهل بالناسي وإن كان مقصرا.
الموقف الاضطراري بعرفة هو من المغرب الشرعي إلى طلوع الفجر، وهو
الذي يكفي الوقوف فيه للناسي، ولكل معذور عن إدراك الموقف الاختياري.
نعم لا يجب الاستيعاب فيه كالاختياري، والواجب منه مسمى الوقوف
فيه ويقوم مقام الموقف الاختياري في وجوب إدراكه لو أمكنه بحيث لا يفوته
الوقوف بالمشعر، قبل طلوع الشمس.
ولو وقف بالموقف الاضطراري ولم يتمكن من الوقوف بالمشعر قبل طلوع
الشمس، بطل حجه بتعمد ترك الوقوف بالمشعر فإن خشي أن يفوته الوقوف
المذكور بالمشعر بسبب الموقف الاضطراري لعرفة، اقتصر على الوقوف بالمشعر،
وتم حجه.
وهكذا لو فاته الموقف بعرفة كليا لنسيان، أو غيره، ولم يتذكر إلا بعد
خروج وقته، ولكنه تمكن من إدراك الموقف بالمشعر في وقته يكفيه ويصح
حجه.
والجاهل القاصر يلحق هنا بالناسي أيضا، أما المقصر ففيه اشكال كما
تقدم، وإن كان لا يبعد إلحاقه أيضا.
بعض ما يستحب في الموقف بعرفات:
1 التلفظ بالنية، بأن يقول " أقف بعرفات من الزوال إلى الغروب
لحج التمتع حج الاسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى "، ولو كان الحج مستحبا قال
بدل كلمة لوجوبه " استحبابا "، ولو كان الحج قضاء قال " قضاء "، ولو كان
نائبا عن شخص قال " نيابة عن فلان " ويسميه.
2 - الوقوف في ميسرة الجبل أي الطرف الذي يكون على يسار القادم
من مكة إذا استقبل الجبل بوجهه في السفح منه ويكره الصعود على الجبل.
133

3 - الغسل، والأولى أن يكون مقارنا للزوال.
4 جمع الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ولا فرق في ذلك بين
الإمام، والمأموم، والمنفرد، والمتم، والمقصر.
5 - أن يضرب خيمته بنمرة.
6 - أن يجمع متاعه بعضه إلى بعض، وأن يسد الفرج بينه وبين
أصحابه.
7 - الطهارة من الحدث.
8 - التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه يوم دعاء ومسألة، وأن يفرغ
ذهنه عن كل ما يشوش فكره.
9 - الوقوف تمام الوقت على قدميه، فإن لم يستطع فيقف بعض
الوقت، ويجلس في الباقي، إلا أن يشغله الوقوف قائما عن التوجه للدعاء فحينئذ
يكون الجلوس أفضل.
10 - أن يتوجه بوجهه إلى القبلة.
11 - أن يحمد الله تعالى، ويثنى عليه، ويمجده، ويهلله، ويكبره.
12 - الاكثار من الدعاء والبكاء، فإن ذلك يوم دعاء ومسألة،
وليس هناك موطن أحب إلى الشيطان، من أن يذهل العبد فيه، من ذلك
الموطن هذا، والدعاء أفضل الأعمال في ذلك اليوم.
13 - المبادرة إلى الدعاء لنفسه، ولوالديه، ولاخوانه المؤمنين وأقلهم
أربعون مؤمنا.
14 التوبة والاستغفار من ذنوبه، ويعدها واحدا واحدا إن تمكن،
وإلا استغفر ربه منها جميعا.
15 - الاستعاذة من الشيطان الرجيم.
16 الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والاكثار
من الأدعية والأذكار، بل الأحوط عدم ترك الدعاء والاستغفار، بل الصلاة
134

والذكر.
17 قول " الله أكبر " مائة مرة، " ولا إله إلا الله " مائة مرة، و
" الحمد لله " مائة مرة، و " سبحان الله " مائة مرة، و " ما شاء الله ولا قوة إلا
بالله " مائة مرة، و " اللهم صل على محمد وآل محمد " مائة مرة.
18 - أن يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت،
بيده الخير وهو على كل شئ قدير ".
19 - قراءة عشر آيات من سورة البقرة.
20 - قراءة قل هو الله أحد مائة مرة.
21 - قراءة آية الكرسي مائة مرة.
22 قراءة سورة إنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة.
23 - قراءة آية السخرة، وهي قوله تعالى: " إن ربكم الله الذي
خلق السماوات والأرض في ستة إيام ثم استوى على العرش يغشي الليل
النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق
والأمر تبارك الله رب العالمين ".
24 - قراءة سورة أعوذ برب الفلق.
25 - قراءة سورة قل أعوذ برب الناس.
26 - الاكثار من الصلاة على النبي محمد وآل محمد.
27 - أن يحمد الله تعالى على كل نعمة أنعم عليه من الخلق،
والسمع، والبصر، والأهل، والمال والولد ويعدد نعم الله تعالى عليه واحدة
بعد واحدة حسب استطاعته وإمكانيته.
28 - أن يحمد الله تعالى بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن،
ويسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن، ويكبره بكل تكبر كبر به نفسه
في القرآن، ويهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن، ويصلي على النبي محمد
135

وآل محمد ويكثر منه ويجتهد فيه، ويدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن،
وبكل اسم يخصه، ويدعوه بأسمائه في آخر سورة الحشر فيقول: " أسأل الله بأنه
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز
الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارئ المصور له
الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ".
ثم يقول: " اللهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد
ولا تكافأ بعمل ".
29 - ثم يقول: " أسألك يا الله يا رحمن بكل اسم هو لك،
وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به علمك وبأركانك
كلها، وبحق رسولك صلواتك عليه وآله، وباسمك الأكبر الأكبر الأكبر،
وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن تجيبه، وباسمك
الأعظم الأعظم الأعظم، الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا ترده وأن
تعطيه ما سأل أن تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك بي ".
30 - أن يسأل الله تعالى حاجته كلها من أمر الدنيا والآخرة،
ويرغب إليه في الوفادة بالمستقبل وفي كل عام.
31 - أن يسأل الله الجنة سبعين مرة.
32 - أن يقول: " اللهم فكني من النار، وأوسع علي من رزقك
الحلال الطيب، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، وشر فسقة العرب
والعجم ".
33 - إعادة هذا الدعاء السابق إذا انتهى منه ولم تغرب الشمس.
34 - قراءة الدعاء الذي يرويه معاوية بن عمار عن الإمام الصادق
(عليه السلام) وهو: " اللهم إني عبدك، فلا تجعلني من أخيب وفدك،
وارحم مسيري إليك من الفج العميق ".
35 - قراءة هذا الدعاء أيضا " اللهم رب
المشاعر كلها، فك
136

رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس. اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني. اللهم إني أسألك
بحولك وجودك وكرمك وفضلك ومنك، يا أسمع السامعين ويا أبصر
الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين، أسألك أن تصلي على
محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا " ثم تطلب حاجتك.
36 - قراءة هذا الدعاء أيضا، وأنت رافع يديك إلى السماء " اللهم
حاجتي إليك إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم
ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار. اللهم إني عبدك،
وملك ناصيتي بيدك وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك
عني، وأن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم عليه السلام، ودللت
عليها محمدا صلى الله عليه وآله ".
37 - قراءة هذا الدعاء أيضا " اللهم اجعلني ممن رضيت عمله
وأطلت عمره وأحييته بعد الموت حياة طيبة ".
38 - ويستحب قراءة دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) الذي
علمه لعلى (عليه السلام) قائلا له: " إنه دعاء من كان قبلي من الأنباء " تجده في
الملحق.
39 - دعاء الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، تجده في الملحق.
40 - دعاء الإمام زين العابدين المذكور في الصحيفة السجادية، تجده
في الملحق أيضا:.
41 - زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، تجدها في الملحق.
42 - ويستحب أيضا في يوم عرفة قراءة هذا الدعاء عندما تقرب
الشمس من المغيب، وهو " اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر
ومن شر ما يحدث لي بالليل والنهار، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك، وأمسى
خوفي مستجيرا بأمانك، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك وأمسى وجهي الفاني
137

مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل وأجود من أعطى، يا أرحم من
استرحم، جللني برحمتك، وألبسني عافيتك واصرف عني شر جميع
خلقك " ثم تطلب حاجتك.
43 - ويستحب أيضا قراءة هذا الدعاء بعد مغيب الشمس، وهو
" اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقني العود أبدا ما
أبقيتني، واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستحابا لي مرحوما مغفورا لي،
بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك وحجاج بيتك الحرام، واجعلني
اليوم من أكرم وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من
الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من أهل
أو مال أو قليل أو كثير، وبارك في ".
44 - إذا غابت الشمس وزالت الحمرة المشرقية أفاض إلى المشعر
بسكينة ووقار، مشتغلا بالدعاء، والاستغفار، ويقتصد في مشيه غير مزاحم
لأحد، فإذا وصل إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فيقول: " اللهم ارحم
موقفي، وزد في عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي ".
الثالث من أفعال الحج
الوقوف بالمشعر الحرام
المشعر الحرام ويسمى " المزدلفة " ويسمى " جمع " أيضا هو واقع بين
منى وعرفات، وعلاماته معروفة معلومة، ومنصوبة عند حدوده.
واجبات الوقوف بالمشعر
يجب الوقوف بالمشعر الحرام بعد الإفاضة من عرفات ليلة العيد،
والأحوط المبيت فيه، وإذا طلع الفجر ينويه بأن يقول " أقف بالمشعر الحرام إلى
138

طلوع الشمس في حج التمتع قربة إلى الله تعالى ".
فلو أفاض منه وتجاوز وادي محسر قبل طلوع الشمس أثم، والأحوط أن
يكفر بشاة.
ومجموع الوقوف بالمشعر واجب، ومسماه ركن، فمن تركه أصلا فحج
باطل.
ولو عرض الجنون، أو الاغماء، أو النوم، أو نحو ذلك بعد أن حصل على
مسمى الوقوف يكفيه في أداء الواجب، أما لو طرأ على شئ مما ذكر واستغرق
تمام الوقت بطل وقوفه.
نعم لو كان قبل الوقت في المشعر ونام بقصد الوقوف فيه، فلا يبعد
صحة وقوفه وإن بقي نائما في تمام الوقت، كما مر في عرفات.
ولا يجب الوقوف على قدميه بل يكفي كونه في المشعر، سواء كان
قاعدا، أو قائما أو ماشيا، أو منتقلا من خيمة إلى خيمة، مستوعبا جميع الوقت
الواجب.
وتجوز الإفاضة من المشعر إلى منى قبل طلوع الفجر للنساء، والشيوخ،
والمرض الذين يشق عليهم ازدحام الناس، وكذا تجوز الإفاضة لمن له شغل
ضروري.
ومن لم يدرك الوقوف في الوقت المزبور، يكفيه الوقوف فيه، ولو يسيرا
قبل الزوال، إن أدرك اختياري عرفات، أو اضطرار بها.
وللوقوف بالمشعر أوقات ثلاثة:
الأول: ليلة العيد لمن لم يتمكن من الوقوف بعد طلوع الفجر كما مر.
الثاني: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
الثالث: من طلوع الشمس إلى الزوال.
ولكل من الوقوفين بعرفة والمشعر وقتان اختياري واضطراري
والمكلف بملاحظ إدراك الوقوفين، أو واحد منهما في وقت
139

اختياري، أو اضطراري، وعدم إدراكهما على اثني عشر قسما كما يلي:
(أ) درك عرفات من الظهر إلى الغروب:
1 - فوت المشعر في دوقاته صحيح
2 - درك الليل في المشعر فقط صحيح
3 - درك ما بين الطلوعين صحيح
4 - درك قبل الظهر صحيح
(ب) درك عرفات ليلة العيد:
5 - فوت المشعر في كل أوقاته باطل
6 - درك الليل فقط صحيح
7 - درك ما بين الطلوعين صحيح
8 - درك قبل الظهر من يوم العيد صحيح
(ج) فوت عرفات في كل أوقاتها:
9 - فوت المشعر في كل أوقاته باطل
10 درك الليل في المشعر صحيح
11 - درك ما بين الطلوعين صحيح
12 - درك قبل الظهر من يوم العيد باطل
مستحبات الوقوف بالمشعر الحرام
1 - تمشي على سكينة ووقار إلى المشعر، مستغفرا لله تعالى، وتقرأ
هذا الدعاء " اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف " - إلى آخره الذي مضى
في ص 138، ويستحب الاكثار من قول " اللهم اعتقني من النار ".
2 - تقول حينما تصل إلى التل الأحمر " اللهم ارحم موقفي وزد في
عملي وسلم لي ديني وتقبل مني مناسكي " وتكثر من قول " اللهم أعتق
140

رقبتي من النار ".
3 - وحينما تتوسط الوادي تنزل في الطرف الأيمن وتقول " اللهم إني
أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير. اللهم لا تؤيسني من الخير الذي
سألتك أن تجمعه لي في قلبي واطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أولياءك
في منزلي هذا، وأن تقيني جوامع الشر ".
4 - أن تكون على طهارة، وتغتسل عند الصباح، وتصلي صلاة
الصبح.
5 - الوقوف قريبا من الجبل في سفحه متوجها إلى القبلة الشريفة.
6 - الحمد، لله تعالى والتكبير له والثناء عليه، وذكر آلائه وعظمته
وبلائه بمقدار ما يستطيع على ذلك.
7 - التشهد بالشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
وذكر الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد، والدعاء لهم، وللحجة المنتظر
(عليه السلام) بتعجيل الفرج، والبراءة من أعدائهم، بل الأحوط أن لا يترك
الذكر والصلاة على النبي وآله.
8 - قراءة هذا الدعاء الشريف " اللهم رب المشعر الحرام، فك
رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني فسقة
الجن والإنس. اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو، وخر مسؤول،
لكل وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني وموقفي هذا أن تقيلني عثرتي
وتقبل معذرتي وتتجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي،
برحمتك يا أرحم الراحمين ".
9 - الدعاء والابتهال لله تعالى كثيرا لنفسك، ولوالديك وولدك
وأهلك ومالك وللمؤمنين والمؤمنات.
10 - قول " الله أكبر " مائة مرة.
11 - قول " الحمد لله " مائة مرة.
141

12 - قول " سبحان الله " مائة مرة.
13 - قول " لا إله إلا الله " مائة مرة.
14 - قراءة هذا الدعاء " اللهم اهدني من الضلالة، وأنقذني من
الجهالة، واجعل لي خير الدنيا والآخرة، وخذ بناصيتي إلى هداك
وانقلني إلى رضاك، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك
فرفعته، وذل لك فأكرمته، وجعلته علما للناس، فبلغني مناي وكيل
رجائي. اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري وبشري
على النار. وأن ترزقني حياة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك
واتباعا لأمرك وخير الدارين، وأن تحفظني في نفسي ووالدي وولدي
وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك ".
15 - الاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه، والابتهال حتى
تطلع الشمس، كما وأنه ينبغي الاجتهاد في الدعاء ليلة العيد بل ينبغي
إحياؤها، فإن أبواب السماء لا تغلق فيها ويقول جل شأنه، أنا ربكم وأنتم
عبادي أديتم حقي وحق على أن أستجيب لكم.
16 - أن يصلي المغرب والعشاء في المشعر لو وصل قبل نصف الليل
وإلا فيصليها قبل وصول المشعر، وأن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامة
للمغرب، وإقامة فقط للعشاء، مع عدم الفصل بينهما، والآتيان بنافلة المغرب
بعد العشاء.
17 - الصعود على " قزح " وهو جبل هناك، وذكر الله تعالى عليه،
ووطؤه برجليك حافيا خصوصا في الصرورة حجة الاسلام، بل الأحوط ذلك.
18 - الإفاضة لغير الإمام من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، ولكن
لا يجوز أن يتعدى وادي محسر، بل لا يدخل فيه قبل طلوع الشمس على الأحوط.
ولو أفاض منه قبل ذلك بمدة كثيرة فعليه شاة على الأحوط، وإن كان الأقوى
جواز الدخول في وادي محسر.
142

19 - الاعتراف لله تعالى بخطاياه وذنوبه، سبع مرات حين طلوع
الشمس على جبل " ثبير "، ويستغفر منها.
20 - ذكر الله تعالى عند الإفاضة، أي عندما يتوجه إلى منى،
ويستحب أيضا الاستغفار.
21 - السعي في وادي محسر للراكب والماشي على سكينة ووقار،
ولا أقل من مائة ذراع، ودون ذلك مائة خطوة.
22 - أن يقول حين السعي " اللهم سلم عهدي واقبل توبتي
وأجب دعوتي واخلفني فيما تركت بعدي ".
23 - لو ترك السعي في وادي محسر جهلا أو عمدا أو سهوا، استحب
له الرجوع للسعي فيه.
24 - التقاط الحصيات لرمي الجمار في منى، وهي سبعون حصاة،
ولا بأس بالزيادة استظهارا، وهو أولى. ودونه في الفضل أخذها من منى، كما
يجوز أن يأخذها من غير المشعر ومنى، من داخل حدود الحرم.
والمدار في الحصى ما يصدق عليها اسم الحصى، فإن خرج عن ذلك،
بأن تكون كبيرة أو صغيرة جدا، بحيث لا يطلق عليها اسم الحصى فلا يصح
الرمي فيها، كما وأنه يشترط في الحصى أن تكون أبكارا لم يرم بها الجمار،
والأولى والأحوط أن تكون طاهرة.
ما يستحب في الحصيات
1 - أن تلتقط من المشعر ليلا، وإلا فمن منى كما ذكرنا سابقا.
2 - أن تكون كحلية - أي بلون الكحل.
3 - أن تكون منقطة بلون غير لونها.
4 - أن تكون غير مكسورة.
143

5 - أن تكون رخوة غير صلبة.
6 - أن تكون ملتقطة، ويكره تكسيرها من الحجارة.
7 - أن تكون بقدر رؤوس الأنملة، وهي رأس الإصبع إلى العقدة.
8 - غسلها بالماء إن لم تكن نقية.
واجبات وأعمال منى
واجبات منى ثلاثة، وهي الرابع والخامس والسادس من أفعال الحج.
الواجب الأول رمي جمرة العقبة.
إذا وصل الحاج إلى منى، يتوجه أولا إلى جمرة العقبة، وهي الجمرة
الأولى، والمعروفة عند الناس ب‍ " الجمرة الكبرى " لرميها بالحصيات السبعة التي
التقطها من المشعر، أو من داخل حدود الحرم الشريف.
ووقت رميها يكون من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبها، والرمي
هو أول أعمال منى، فلا يجوز للحاج أن يقدم الذبح أو النحر، أو التقصير أو
الحلق عليه، بل لا بد من أن يبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ويجب في
ذلك أربعة أمور:
الأول النية، ويجب فيها أن تكون مقارنة لأول الرمي، وتستديم إلى
آخره، والأولى أن يتلفظ بالنية فيقول: " ارمي جمرة العقبة سبعا لحج الاسلام أداء
لوجوبه امتثالا لأمر الله تعالى "، فإن كان الحج مستحبا قال بدل، لوجوبه
" لاستحبابه "، وإن كان في الحجة الثانية أو ما بعدها يترك كلمة
" لحج الاسلام "، وإن كان نائبا عن شخص يقول إضافة إلى ما مر " نيابة عن
فلان " ويسميه ذكرا كان أو أنثى.
الثاني كون الرمي بسبع حصيات، فلو كانت أقل من ذلك لم يكف،
ولا بد من إكمال النقص.
الثالث إصابة الجمرة أو موضعها بكل من الحصيات السبعة بنفس
144

الرمي، فلو أخل بواحدة فلا بد من تعويضها بأخرى، حتى يصيب الجمرة،
لا يكفي مطلق الوصول أو الوقوع.
نعم لو رمى الحصيات على الجمرة ثم لاقت شيئا مرت عليه في طريقها
وأصابت الجمرة فلا بأس في ذلك، وهي محسوبة إلا إذا كان ذلك الشئ
صلبا كالحجارة، فطفرت منه الحصاة وأصابت الجمرة، ففي مثل هذه الحال
لم يجز.
ولو شك الرامي في إصابة الحصيات للجمرة بنى على عدم الإصابة
ويرمي بدلها.
الرابع الرمي على التعاقب، بمعنى واحدة بعد واحدة، حتى يكمل سبعة
يصيب بها جميعا، فلو قبض على السبعة ورماها دفعة واحدة لا يكفي، حتى ولو
أصاب بها جميعا، وكذا لا يكفي لو رمى بها اثنين أو أكثر.
لا يجب الرمي باليد اليمنى، فيجوز أن يرمي بيده اليسرى ولو اختيارا،
لكن الرمي باليد اليمنى أفضل.
مستحبات رمي الجمرات
1 - أن يكون الرمي راجلا لا راكبا.
2 - أن يكون الرامي على طهارة، بل هو الأحوط.
3 - المشي للرمي على سكينة ووقار إلى الجمرة.
4 - أن يستدبر القبلة ويستقبل الجمرة الأولى، بخلاف الجمرتين
الباقيتين، فإنه يرميهما مستقبلا للقبلة الشريفة.
5 - أن يبتعد عنها بمقدار عشرة أذرع، والأفضل خمسة عشر ذراعا.
6 - أن يضع الحصيات في يده اليسرى ويرمي باليد اليمنى.
7 - أن يقول عند الرمي ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام أبي
145

عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو " اللهم إن هذه حصيات فاحصهن لي،
وارفعهن في عملي ".
8 - وضع الحصاة على الابهام إن أمكن، ودفعها بظفر السبابة.
9 - أن يقول عند كل حصاة يرميها " الله أكبر، اللهم ادحر عني
الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك محمد صلى الله عليه
وآله، اللهم اجعل حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا
مغفورا ".
ويجوز أن يقتصر الرامي على التكبير فقط.
10 - إذا أكمل الرمي ورجع إلى منزله في منى يقول: " اللهم بك
وثقت، وعليك توكلت، فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير ".
الواجب الثاني في منى بعد الرمي هو الذبح أو النحر
والواجب هدي واحد، ويستحب الزيادة. بلا تحديد، ويجب ذلك على
المتمتع، ولو كان حجه مستحبا، بل ولو كان من أهل مكة على الأحوط.
ويجب على القارن الهدي، لأنه ساق الهدي معه عند إحرامه، ولا يجب
على المفرد.
ولا يكفي الهدي الواحد إلا عن شخص واحد، فلا يجوز أن يشترك
اثنان أو أكثر في هدي أحد مع الاختيار، وأما عند الضرورة فالأحوط الجمع
بين الاشتراك في الهدي، والصوم.
ومن اشترى هديا، ثم ضلت، وجب عليه أن يشتري هديا آخر، ولكنه
إن وجد الضال تعين عليه ذبحه والأحوط له ذبح الثاني أيضا، ولو ذبح الثاني
قبل أن يجد الأول فالأفضل بل الأحوط ذبحه أيضا.
146

واجبات الهدي.
واجبات الهدي، والشروط اللازمة التي تجب أن تكون في الهدي، هي
المذكورة ذيلا:
1 - أن يكون من الإبل، أو البقر، أو الغنم، وهي النعم الثلاثة،
والمعز محسوب من الغنم.
2 - السن:
فالإبل: ما أكمل الخامسة ودخل في السادسة.
والبقر: ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط.
والمعز: ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط.
والضأن: أي الغنم، ما أكمل الأولى ودخل في الثانية على الأحوط.
3 - أن يكون الهدي صحيح الخلقة تاما، فلا تكفي العوراء، ولا
العرجاء، ولا الكبيرة، ولا المكسور قرنه الداخل مطلقا ولا مقطوع الأذن أو
غيرها من الأعضاء، ولا الخصي، ولا المهزولة. والأحوط احتياطا لا يترك أن
لا يكون فاقد القرن، أو الأذن أو الذنب خلقة.
نعم لو كان مشقوق الأذن أو مثقوبها، ولم ينقص منها شئ فلا بأس
بذلك، كما لا بأس بالمكسور قرنه الخارج.
4 - الذبح يوم العيد، فلا يجوز تأخيره اختيارا على الأحوط وإن كان
الأقوى الجواز.
ولو أخر الذبح لعذر، أو متعمدا، كفاه إلى آخر أيام التشريق، بل إلى
اليوم الرابع عشر، بل طول ذي الحجة على قول في الأخير.
والأحوط أن لا يقصد الأداء والقضاء في غير أيام النحر (أي: يوم العيد
وثلاثة أيام بعده)، بل يقصد ما في الذمة.
5 - أن يكون الذبح بمنى، فلا يجوز في غير منى.
6 - الترتيب، أي: يكون الذبح بعد الرمي، وقبل التقصير أو الحلق،
147

فلا يجوز تقديمه على الرمي، ولا تأخيره عن التقصير، أو الحلق على الأحوط.
ولو خالف الترتيب سهوا أو جهلا فلا إشكال، ولو خالف عمدا فيعيد
ما قدمه إن أمكنه على الأحوط.
7 - أن لا يخرج شيئا من لحم الهدي عن منى، إلا إذا لم يجد له
مصرفا في منى، أو اشتراه من مسكين كان قد ملكه، فيجوز في الصورتين إخراجه
إلى خارج منى.
8 - النية، مشتمل على قصد القربة.
ولو لم يذبحه بيده نوى هو، وينوي الذابح أيضا، وكذا لو وضع يده على
يد الذابح وإلا نوى الذابح (أي النائب). ولو نوى الحاج وحده، دون الذابح،
ففي الكفاية إشكال، والأظهر لزوم نية النائب (الذابح) وكفايته، والأحوط
أن ينويا جميعا.
بعض المسائل المتعلقة بالهدي
1 - لو ذبحه أو نحره بزعم أنه سمين، ثم تبين بعد ذلك أنه
مهزول، كفى ولا يجب نحر أو ذبح غيره.
2 - الأحوط أن يأكل الناسك شيئا من الذبيحة، ويهدي قسما منها
إلى مؤمن ولو كان غنيا أو إلى وكيله، ويتصدق بالقسم الآخر على المؤمن
الفقير أو وكيله. والأحوط أن يكون مقدار كل من الهدية والصدقة ثلث
الذبيحة. ويجوز أن يصدق على حاج آخر لو كان فقيرا.
3 - يشترط الايمان في الشخصين اللذين يصرف عليهما الثلثين
على الأحوط، فلو دفع الثلثين إلى غير المؤمن اختيارا أو فرط في الاهداء
والتصدق - أي أعطاه إلى غير مؤمنين - أو أتلفه ضمن الثلثين على الأحوط،
لكنه يشمن قيمة ثلثي لحم المذبوح، لا ثلثي ثمن الذي اشتريت به الذبيحة.
نعم لو نهبه غير المؤمن فلا ضمان عليه.
148

4 - لو أخذ المعلم من الحجاج ثمن الهدي، ثم شك في أنه ذبح
عن فلان أم لا، بنى على أنه لم يذبح، وكذا لو شك أحد الحجاج أن
المعلم ذبح عنه أم لا، بنى على عدم الذبح. نعم لو أخبر بذبحه فقوله مسموع
إن لم يك متهما.
5 - لو لم يجد الموسر الهدي الذي يتوفر فيه الشروط السابقة فلا بد
أن يجعل قيمته عند أمين ليشتريه إلى آخر ذي الحجة ليذبحه أو ينحره، ولو لم
يجد الأمين الهدي طول ذي الحجة، يذبحه في العام القابل.
ولو وجد الهدي الناقص - أي الفاقد للشروط المذكورة - فالأحوط أن
يذبح الناقص، ثم يذبح المتوفر فيه الشروط في العام القابل أيضا.
6 - لو لم يجد الهدي ولا ثمنه فيجب أن يصوم بدله عشرة أيام،
ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، والثلاثة التي في الحج لا يشترط
فيها نية الإقامة ولا أن يصومها بمكة المعظمة بل تصح مطلقا، ويجب فيها
التوالي وأن يصومها في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة فلو خرج
ذو الحجة ولم يصم الثلاثة، تعين عليه الهدي ويبعث به، فيذبح بمنى ويقصد
في النية ما في الذمة من الهدي أو الكفارة، ثم يصوم عند أهل سبعة أيام
متوالية على الأحوط.
ولو لم يتمكن من صوم اليوم السابع، فلا بد أن يصوم اليوم الثامن
والتاسع، ويصوم يوما آخر بعد رجوعه من منى.
ولو لم يصم اليوم الثامن من ذي الحجة، فلا يجوز له صوم اليوم
التاسع، بل لا بد من الصوم بعد الرجوع من منى ثلاثة أيام.
ولو تمكن من شراء الهدي المتوفر فيه الشروط بعد صوم ثلاثة أيام،
وجب عليه احتياطا أن يذبحه.
ولو مات قبل أن يبعث الهدي إلى منى لينحره، أو يذبحه فيها وجب
على ورثته أن يخرجوا قيمة الهدي، ويشتري بها هديا يذبح أو ينحر.
149

مستحبات الهدي
وهي:
1 - أن يكون سمينا.
2 - أن يكون من إناث الإبل والبقر، أو ذكران الغنم، أو كبشا
أسود ثم أملح أقرن أي: ذو قرن عظيم الهيئة.
3 - أن تنحر الإبل وهي قائمة وقد ربطت يداها بين الخف والركبة،
ويطعنها قائما من الجانب الأيمن.
4 - أن يتولى الحاج الذبح أو النحر بنفسه، فإن لم يقدر الذبح أو
النحر، فليضع يده على يد الذابح أو الناحر.
5 - ويستحب أيضا عند الذبح أو النحر أن يقول ما رواه معاوية بن
عمار عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو " وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من
المسلمين، اللهم منك ولك، باسم الله والله أكبر، اللهم تقبل مني ".
6 - والأولى أن يقول بعد ذلك أيضا " اللهم تقبل مني كما
تقبلت من إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد حبيبك صلى الله
عليه وآله وعليهم ".
الثالث من واجبات منى هو الحلق أو التقصير.
الحلق هو أن تلحق رأسك كله، والتقصير هو أن تأخذ شيئا من
أظفارك أو من شعر رأسك، أو لحيتك أو شاربك.
والحلق يتعين على الأحوط على كل حاج في أول حجته، وهو
150

المسمى بين الفقهاء ب‍ " الصرورة " ولو كان في الحجة الثانية أو أكثر يتخير
بين الحلق، أو التقصير.
ولو كان نائبا عن شخص لزمه حكم نفسه، حتى لو كانت النيابة هي
الحجة الأولى للمنوب عنه.
ويتعين الحلق أيضا على الأحوط على من لبد شعر رأسه بالصمغ، أو
العسل، أو نحوهما مما يلبد به الشعر لدفع القمل، وكذا يتعين الحلق أيضا
على الأحوط على من عقص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفه.
ولا يترك الاحتياط بالحلق بالموسى، دون الماكنة الناعمة
المتعارفة، أو النورة وأشباهها.
هذا كله بالنسبة إلى الرجال، أما النساء فيتعين عليهن التقصير وليس
عليهن الحلق، بل يحرم ذلك عليهن، فيأخذن شيئا من شعرهن، أو أظفارهن.
ولو حلقت المرأة فلا يكفي حلقها عن التقصير، وكذلك الخنثى.
والذي ليس على رأسه شعر، فيسقط عنه الحلق، ويتعين عليه
التقصير، لكن الأحوط أن يمر الموسى أيضا على رأسه، خصوصا الرجل الذي
ليس له شعر أبدا، بل لا يترك هذا الاحتياط للصرورة.
ولا يجوز للمحرم أن يحلق، أو يقصر لغيره قبل أن يحلق، أو يقصر
لنفسه.
واجبات الحلق أو التقصير
واجبات الحلق أو التقصير ثلاثة:
1 - أن يكون الحلق، أو التقصير في منى، فلا يجوز في غيرها فلو رحل
عن منى عامدا، أو جاهلا، أو ناسيا وجب عليه الرجوع إلى منى ليحلق أو يقصر
فيها إن كان يتمكن من الرجوع.
151

ولو لم يتمكن من الرجوع يحلق، أو يقصر في مكانه ويبعث بشعره أو
أظفاره ليدفن في منى أو يلقى فيها.
2 - النية كسائر العبادات والمناسك، فيقول حين الحلق " أحلق في
فرض حج التمتع حج الاسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى ".
ولو أراد التقصير يقول بدل كلمة أحلق " أقصر ".
ولو كان في الحجة الثانية أو ما بعدها فيترك كلمة " حج الاسلام
لوجوبه " ويقول بدلها " استحبابا ".
ولو كان نائبا عن شخص يقول " نيابة عن فلان " ويسميه.
ولو كان حجه قضاء يقول " قضاء "، والأولى أن ينوي المباشر أيضا.
3 - الترتيب، وهو الاتيان بالمناسك الثلاثة - وهي الرمي، ثم الذبح
أو النحر، ثم الحلق أو التقصير - مرتبة، فإن خالف في ذلك عمدا أثم وإن كان
لم يلزمه شئ من الكفارة، والأحوط له الإعادة مع الامكان بما يحصل
به الترتيب.
فلو قدم الحلق أو التقصير، على الذبح أو النحر أعاد الحلق ولو بإمرار
موسى أو التقصير،
ولو قدم الذبح أو النحر على الرمي أعاد الذبح أو النحر أيضا ثم الحلق
أو التقصير، حتى يتم له الترتيب.
ويجب عليه أن يقدم الحلق أو التقصير على طواف الزيارة الذي ستعرفه
إن شاء الله تعالى، فلو قدم الطواف على الحلق أو التقصير، أعاده على الترتيب
وإن كان ناسيا.
مستحبات الحلق أو التقصير
أما مستحبات الحلق أو التقصير، ويؤتى بها برجاء المطلوبية فهي:
152

1 - التلفظ بالنية، فيقول هكذا " أحلق في فرض حج التمتع
لوجوبه قربه إلى الله تعالى "، وإذا كان يريد التقصير فيقول بدل أحلق
" أقصر ".
2 - استقبال القبلة، والتسمية عند الحلق أو التقصير.
3 - أن يبدأ بالحلق من قرنه الأيمن، وينتهي به إلى العظمين الناتئين
(أي البارزين) مقابل وتد الأذنين.
4 - أن يدعو بما رواه معاوية بن عمار عن الإمام جعفر الصادق
(عليه السلام) فيقول: " اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة " والأولى
أن يزيد قوله: " وحسنات مضاعفات، وكفر عني السيئات، إنك على
كل شئ قدير ".
5 - الأولى أن يختم دعاءه بالصلاة على النبي محمد وآل محمد صلى الله
عليه وعليهم، وهو أفضل.
6 - ويستحب أن يدفن شعره في منى، أو في خيمته.
ما يترتب على أعمال منى الثلاثة
أيها الحاج الكريم بعد أن أكملت أعمال منى الثلاثة: الرمي لجمرة
العقبة، والنحر أو الذبح، والحلق أو التقصير، فقد تحللت من جميع ما حرم
عليك بالاحرام إلا الطيب والنساء.
فيجوز لك بعد الانتهاء من الحلق أو التقصير أن تلبس المخيط وتستعمل
كل ما حرم عليك بالاحرام، ولكن يكره لك تغطية رأسك ولبس المخيط قبل
أن تطوف طواف الزيارة وتصلي ركعتي الطواف كما هو المشهور.
فإذا رجعت إلى مكة وطفت طواف الزيارة، وصليت ركعتي الطواف،
153

ثم سعيت بين الصفا والمروة، حل لك الطيب أيضا، ولكن مكروه على المشهور.
فإذا طفت طواف النساء وصليت ركعتيه، حلت لك النساء أيضا،
فأصبحت محلا من كل ما حرم عليك بالاحرام.
واجبات مكة المكرمة بعد مناسك منى
وهي ثلاثة:
1 - الطواف وصلاته، وهذا الطواف مثل طواف عمرة التمتع عينا،
وواجباته عين واجباته، وهكذا مستحباته ومبطلاته ومكروهاته.
وفي هذا الطواف تنوي قائلا: " أطوف حول هذا البيت سبعة أشواط
لحج التمتع حج الاسلام قربة إلى الله تعالى ".
ويسمى هذا الطواف طواف الزيارة، وطواف الحج أيضا، وبعد
الانتهاء من هذا الطواف تصلي ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم الخليل
(عليه السلام) كما مر.
2 - السعي بين الصفا والمروة أيضا كما مر في السعي في عمرة التمتع
تماما، وواجباته ومستحباته كواجباته ومستحباته وقد مرت، إلا أن هذا
السعي ليس بعده تقصير، بخلاف السعي في العمرة.
3 - طواف النساء، ويكون بعد السعي، ولا تحل النساء للرجال ولا
الرجال للنساء إلا بعد الاتيان بهذا الطواف وركعتيه.
ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير، ولو غير المميز، أو المجنون الذي
أحرم به وليه.
والأحوط استحبابا الاتيان بطواف النساء وصلاته بعد عمرة التمتع.
والصبي المميز يطوف هو بنفسه ويصلي بنفسه أيضا، وغير المميز يطوف
به وليه ويستنيب بالصلاة عنه.
154

فإذا ترك الصبي المميز طواف النساء أو ترك الولي الطواف بالصبي غير
المميز، بقي الطفل على حكم احرامه، فلا تحل له النساء حتى يطوف بنفسه أو
يستنيب بعد بلوغه حيث يجوز له ذلك، ويجوز أيضا للولي أن يستنيب عنه قبل
البلوغ.
وإذا تحلل الحاج بمنى - أي فرغ من أعمالها الثلاثة السالفة الذكر -
الأفضل له أن يرجع إلى مكة في يومه ليؤدي مناسكها الثلاثة المذكورة،
خصوصا في زماننا هذا حيث أن السيارات
متوفرة في جميع الأوقات، فيمكن
لكل حاج أن يأتي إلى مكة بدون مشقة.
ولو لم يتمكن يؤخر مجيئه إلى الغد، بل الأحوط أن يرجع إلى مكة
للطواف وصلاته قبل ظهر يوم الثالث عشر، وإن جاز له التأخير إلى آخر
ذي الحجة.
ويجوز للمفرد والقارن أن يقدما طواف الزيارة والسعي على الوقوفين
(عرفة والمشعر) اختيارا على كراهية، والترك أحوط. أما المتمتع فلا يجوز تقديم
طواف الزيارة وسعيه على الموقفين بعرفة والمشعر وأفعال منى اختيارا، فإن قدم
الطواف والسعي اختيارا كان باطلا.
ولو كان مضطرا يجوز له تقديم الطواف والسعي، كالمرأة التي تخشى
مفاجأة الحيض لها، وذلك بأن تعلم أن الحيض سوف يفاجئها بعد أداء
المناسك في منى ولا يمكنها البقاء بمكة حتى تطهر ولا ينتظرها رفقتها، وكذا
النفساء، وكذا المريض والشيخ اللذين لا يتمكنان من الطواف بعد أداء
المناسك في منى لكثرة الازدحام، فيجوز لهؤلاء جميعا تقديم الطواف على الموقفين
وأعمال منى، ولكن أهل الأعذار المذكورة إذا تمكنوا من الطواف بعد رجوعهم
من منى فإعادة الطواف والسعي لهؤلاء أحوط وأولى، والأولى حينئذ لهم أن
يتجنبوا الطيب حتى ينتهوا من الطواف والسعي.
ويجب على النائب في الحج أن يطوف طواف النساء عن المنوب عنه.
155

فإذا فعلت هذه الواجبات الثلاثة، وفرغت منها، يجب عليك الرجوع
إلى منى للمبيت فيها ليالي التشريق، وهي ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر،
وكذلك ليلة الثالث عشر، إذا لو لم تتق الصيد والنساء. وإلا فلا يجب المبيت في
الثالثة.
لقد علمت أيها الحاج الكريم إن المبيت في منى واجب في ليلة الحادي
عشر والثاني عشر، وكذلك يجب المبيت أيضا ليلة الثالث عشر إذا غربت
عليك الشمس ولم تخرج من منى، أو لم تتق النساء والصيد، أما من اتقى النساء
والصيد أو لم تغرب عليه الشمس وهو في منى فيجوز له النفر من منى، ولكن بعد
زوال الشمس من اليوم الثاني عشر. ولو نفر من منى قبل زوال ثالث أيام العيد
عمدا فهو آثم وعليه الرجوع إذا أمكن قبل الزوال، أما الجاهل والناسي فلا
شئ عليهما.
أما إذا غربت عليه الشمس وهو في منى ولم يخرج من حدودها حتى
ولو كان على استعداد للرحيل منها، بل وحتى لو كان راكبا في السيارة ولم
تخرج به السيارة من حدود منى، فيجب حينئذ عليه المبيت ليلة الثالث عشر
أيضا ورمي الجمرات الثلاث يوم الثالث عشر، وحينئذ الأفضل له النفر قبل
الزوال من منى. والأولى بل الأحوط للصرورة - أي لمن في الحجة الأولى - أن
يبيت ليله الثالث عشر أيضا، وكذا لمن ارتكب بعض محرمات الاحرام أو
اقترف كبيرة أخرى من الكبائر، بل هو الأفضل لكل ناسك.
والمقدار الواجب في المبيت هو إلى ما بعد منتصف الليل، فإذا أراد
الخروج من منى بعد منتصف الليل فلا مانع من ذلك.
والأحوط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر، والأفضل المبيت تمام
الليل إلى الفجر.
156

وجوب النية في المبيت
تجب النية في المبيت بمنى ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث
عشر، على نحو ما تقدم في سائر الواجبات والمناسك، وأن تكون النية بعد دخول
وقت العشاء إذا لم ينو من أول المغرب، فيقول هكذا " أبيت هذه الليلة بمنى
لحج الاسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى "، وإذا أخل بالنية كان آثما،
ولكن لا فدية عليه. ويكفي في النية الداعي ولا يجب الاخطار بالبال ولا
التلفظ بها ولكنها أحوط استحبابا.
ويستحب عند رجوعه من مكة المكرمة إلى منى أن يقول " اللهم بك
وثقت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، فنعم الرب، ونعم المولى،
ونعم النصير ".
نعم لو بقيت إلى أن دخلت الليلة الثالثة عشرة، يجب عليك نيتها أيضا
والمبيت فيها.
أما المرأة إذا رجعت من منى لأداء أعمال مكة المكرمة المذكورة ثم
فاجأها الحيض قبل الطواف، ولم يمكنها البقاء بمكة حتى تطهر، ولم ينتظرها
رفقائها فيجوز لها أن تستنيب في الطواف وركعتيه، فإذا فرغ النائب من
الطواف وصلاة ركعتيه، تسعى هي بنفسها، بين الصفا والمروة وهي حائض،
ثم تستنيب أيضا في طواف النساء وركعتيه، فإذا فرغ النائب من ذلك، حلت
من إحرامها وحل لها كل شئ حتى الزوج، ويجوز لها حينئذ السفر إلى أهلها
بالسلامة إن شاء الله تعالى.
ولا يجوز لك البقاء بمكة إلا في موردين فقط:
1 - أن تبيت بمكة مشغولا بالعبادة إلى الفجر، ولن تشتغل بغيرها.
2 - أن يكون لك عذر مثل الراعي والساقي ومن كان له مريض،
ولا بد من تمريضه، أو يخاف عليه أن تركه وحده، أو له مال يخاف ضياعه أو
نحو ذلك.
157

فمن بات بغير منى فإن كان بمكة مشتغلا بالعبادة حتى أصبح فلا فدية
عليه، وكذا إذا شغله نسكه (أي واجباته وأعماله) بمكة عن ادراك أول
الليل، ووصل منى في منتصفه أو بعده.
أما إذا بات بمكة غير مشتغل بالعبادة، أو بات بغير مكة وإن كان
مشتغلا بالعبادة، كان عليه حينئذ عن كل ليلة شاة، وكذلك الناسي والجاهل
والمعذور على الأحوط.
مستحبات أعمال مكة المكرمة
وهي:
1 - الغسل قبل دخول المسجد الشريف، بل يستحب أيضا الغسل في
منى لدخول مكة المكرمة.
2 - تقليم الأظافر والأخذ من الشارب.
3 - ذكر الله تعالى، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)،
عند توجهه إلى المسجد الشريف.
4 - الوقوف على باب المسجد الشريف والدعاء بما رواه معاوية بن
عمار عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) فيقول: " اللهم أعني على
نسكك، وسلمني له وسلمه لي. اللهم إني أسألك مسألة العليل الذليل
المعترف بذنبه، أن تغفر لي ذنوبي، وأن ترجعني بحاجتي. اللهم إني
عبدك، البلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك،
متبعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة الفقير المضطر إليك، المطيع
لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك،
وتجيرني من النار برحمتك ".
5 - الاتيان إلى الحجر الأسود، واستلامه، وتقبيله إن كان يستطيع
158

ذلك، فإن لم يستطع التقبيل، يكتفي بالمس وتقبيل يده، وإن لم يستطع ذلك
- كما هو في هذه الأيام - يستقبله، ويومئ بيده إلى الحجر، ويقبل يده ويكبر
ويقول ما تقدم في العمرة.
6 - الاستقاء من زمزم كما مر في طواف العمرة.
7 - الخروج إلى السعي بين الصفا والمروة من باب الصفا على نحو
ما مر.
8 - ويستحب أيضا في طواف الزيارة (الحج) والسعي، وطواف
النساء، جميع ما يستحب في الطواف والسعي للعمرة على نحو مر.
رمي الجمرات أيام التشريق
1 - يجب في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر، بل واليوم
الثالث عشر إن كان قد بات الحاج في منى ليلته، رمي الجمرات الثلاث
وهي: " 1 " الأولى، " 2 " الوسطى، " 3 " جمرة العقبة.
2 - رمي كل جمرة بسبع حصيات، كما تقدم في رمي الجمرة يوم العيد.
3 - الترتيب، وذلك بأن يرمي أولا الجمرة الأولى، وهي أقرب
الجمرات إلى منى، ثم الوسطى وهي التي تليها من بعدها، ثم جمرة العقبة، وهي
آخر الجمرات المعروفة بالكبرى، وهي التي رماها يوم العيد وحدها، فتكون
آخر الجمرات رميا.
فلو خالف الترتيب، أي: بدأ بجمرة العقبة أو بالوسطى، أعاد الرمي
من أوله بالترتيب: الأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.
159

وقت الرمي
وقت الرمي للجمرات، يكون من طلوع الشمس إلى غروبها
اختيارا، ويجوز الرمي ليلا اضطرارا للمعذور كالخائف، والمريض، والراعي
والحطاب، فيرمون ليلا عن اليوم. ولو لم يتمكن المعذور من الرمي في كل ليلة،
فيجوز له الجمع حينئذ في ليلة واحدة.
ولو رمى الجمرة الأولى أربعا فما فوق، ثم رمى التي بعدها سبعا نسيانا،
كفاه أن يكمل النقص للأولى، ولو رماها ثلاثا فما دون وجب عليه أن
يستأنف الرمي من الأولى ويعيد رمي الجمرة التي بعدها، ولا يكفيه إكمال
الناقص فقط، بل لا بد من أن يعيد الرمي على ما بعدها. نعم لو كان نقصه
في الجمرة الثالثة أكمل ذلك النقص فقط، ولا يجب عليه الرجوع إلى الثانية
والأولى.
ولو رمى الجمرة الأولى أربعا مثلا أو أكثر، ورمى الثانية والثالثة سبعا
سبعا، كفاه إكمال الأولى سبعا فقط، من دون الرجوع إلى الجمرة الثانية
والثالثة.
ولو كان قد رماها أقل من أربعة فعليه الإعادة على الجمرات الثلاثة
بالترتيب.
ولو رمى الأولى سبعا، ثم الثانية ثلاثا، ثم الثالثة سبعا، فعليه رمي
الثانية، ثم الثالثة سبعا سبعا، ولا يجب عليه استئناف الأولى.
ولو رمى الثانية أربعا والأولى والثالثة: سبعا سبعا، كفاه إتمام الثانية
فقط، ولكن الأحوط استحبابا في جميع الصور الاستئناف.
ولو نسي الحاج رمى يوم من أيام منى، أو تركه عمدا، فعليه القضاء في
اليوم الثاني، ويبدأ أولا بالفائت، ثم يرمي عن اليوم الحاضر.
ويستحب أن يرمي ما فاته عن اليوم السابق بعد طلوع الشمس، وعن
اليوم الحاضر عند زوالها.
160

ولو فاتته جمرة ولا يعلم أنها الأولى أم الثانية أم العقبة، فعليه إعادة
رمي الجمار الثلاث مرتبا من الأولى ثم الثانية ثم العقبة، وكذا إذا فاتته أربع
حصيات من جمرة لا يعرفها بعينها.
ولو فاته دون الأربع حصيات من جمرة لا يعرفها، كرر الرمي على
الثلاث، ولا يجب الترتيب بين الجمار.
ولو رمى أربعا وفاته ثلاث، ثم شك في كونها من واحدة أو أكثر، تعين
عليه أن يرمي كل واحدة منها ثلاث حصيات مرتبا، يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم
العقبة، ولو كان الرمي ثلاثا والفائت أربعا، استأنف الرمي من جديد.
ولو نسي رمي الجمار الثالث حتى دخل مكة، وتذكر بعد ذلك،
وجب عليه الرجوع إلى منى ليتداركها في الوقت وهو أيام التشريق. ومن لم
يتذكر حتى خرج الوقت، قضاها في العام القابل بنفسه، أو نائبه سواء خرج من
مكة أم لا.
ومن ترك الرمي المذكور عمدا يقضيه في العام القابل وحجه صحيح
ولا تحرم عليه النساء.
وإذا رمت امرأة ثلاثا ثم أصابتها ضربة من أحد الرامين ولم تتمكن
من اتمام الجمار، فلو أمكنها تأخير الرمي إلى وقت آخر من اليوم من دون حرج
فلا تصح نيابة أحد لاكمال الجمار، ولو لم يمكنها تأخير الرمي فتصح النيابة عنها
إذا لم تخل بالموالاة. ولو أخرت الرمي فرمت في اليوم الثاني قضاء عن اليوم
الأول فقد أجزأها ذلك.
ولو تخاف المرأة على نفسها من الازدحام في النهار ترمي في الليل وإلا
فتستنيب من يرمي عنها.
وأما المريض الذي لا يرجو أن تحصل له القدرة على الرمي في وقته، فلو
تمكن أن يأخذ الحصى بيده ويرميها شخص آخر فعل، وإلا استناب نائبا
161

للرمي، ولو شفي من المرض، ولم يمض وقت الرمي بعد، فالأحوط استحبابا أن
يرمي بنفسه أيضا.
ويجوز الاحتفاظ بالحصى التي تزيد عن الحاجة في الحرم ليستعين بها في
العالم القابل.
مستحبات منى
ويؤتى بها برجاء المطلوبية، وهي:
1 - يستحب البقاء نهارا في منى، والمقام فيها أفضل من المجئ إلى
مكة للطواف المستحب.
2 - التكبير بمنى عقيب خمسة عشر صلاة.
3 - لو لم ينفر يوم الثالث عشر، يستحب له التكبير أيضا عقيب
النوافل.
4 - أن يقول ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام الصادق (عليه السلام)
وهو " لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر - ولله الحمد، الله أكبر على ما
هدانا، الحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، الحمد لله على ما أبلانا ".
مستحبات وأعمال مسجد الخيف
وهي كما يلي:
1 - يستحب بل ينبغي لمن أقام في منى، أن يصلي جميع صلواته في
مسجد الخيف الفرائض والنوافل، وأفضلها مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، وقد ورد في الحديث الشريف: أن صلاة مائة ركعة في مسجد الخيف
قبل الخروج من منى، تعدل عبادة سبعين سنة.
162

2 - ويستحب التسبيح مائة مرة، فقد ورد في ذلك: من قال فيه مائة
مرة " سبحان الله " كتب له ثواب عتق رقبة.
3 - التهليل مائة مرة، فقد ورد أيضا: ومن قال فيه مائة مرة " لا إله
إلا الله " كتب له ثواب احياء نفس.
4 - التحميد مائة مرة، فقد ورد أيضا: من قال فيه مائة مرة " الحمد
لله " يعدل ذلك خراج العراقين ينفقه في سبيل الله.
5 - صلاة مائة ركعة.
6 - صلاة ست ركعات في أصل الصومعة، والأولى أن تكون صلاة
هذه الست ركعات عند إرادة الرجوع إلى مكة مودعا لمنى، وذلك عندما تبيض
الشمس من اليوم الثالث عشر.
إذا فرغ الحاج من المناسك في منى، في الأيام الثلاثة، فلقد أتم جميع
مناسكه، وله أن يرجع من منى إلى أهله، من دون أن يرجع إلى مكة، ولكن
الأفضل أن يرجع إلى مكة لأجل طواف الوداع، فإنه مستحب.
163

مستحبات العودة إلى مكة المكرمة لطواف الوداع
1 - صلاة ست ركعات بمسجد الخيف كما تقدم.
2 - الغسل لدخول مكة، ولدخول المسجد الشريف.
3 - الدخول من باب بني شيبة على ما ذكره الشهيد قدس سره.
مستحبات دخول الكعبة الشريفة
يستحب الدخول داخل الكعبة الشريفة زادها الله تعالى شرفا، ففي
الحديث الشريف: الدخول فيها (أي الكعبة) دخول في رحمة الله، والخروج منها
خروج من الذنوب.
ويتأكد استحباب الدخول إلى الكعبة الشريفة، لمن كان في الحجة
الأولى، بل الأولى والأحوط أن لا يتركه. نعم لا يتأكد الاستحباب على
النساء.
ويستحب في ذلك عدة أمور، وهي:
1 - الغسل قبل الدخول إلى الكعبة الشريفة.
2 - الدخول إلى الكعبة الشريفة حافيا.
3 - أن يقول عند الدخول " اللهم أنت قلت في كتابك: ومن
دخله كان آمنا، فآمني من عذاب النار ".
بل ينبغي للصرورة أن يقول ذلك في جميع الزوايا.
4 - أن يعمل ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام الصادق
(عليه السلام) أنه قال: إذا أردت الولد أفض عليك دلوا من ماء زمزم، ثم ادخل
البيت، فإذا أقمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب ثم قل: " اللهم إن البيت
بيتك، والعبد عبدك، وقد قلت: من دخله كان آمنا، فآمني من عذابك
وأجرني من سخطك ".
5 - ثم ادخل البيت، فصل على الرخامة الحمراء ركعتين، ثم قم إلى
164

الأسطوانة التي بحذاء الحجر وألصق بها صدرك ثم قل " يا واحد يا أحد، يا
ماجد يا قريب، يا بعيد يا عزيز يا حكيم، لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين،
وهب لي ذرية إنك سميع الدعاء ".
ثم در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك وبطنك، وادع بالدعاء السابق.
6 - الصلاة بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين تقرأ
في الأولى الحمد وحم السجدة، وفي الثانية الحمد وعدد آياتها.
7 - الصلاة في زوايا البيت كل زاوية ركعتين.
8 - أن تقول: " اللهم من تهيأ وتعبأ، وأعد واستعد لوفادة إلى
مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله، فإليك يا سيدي تهيئتي
وتعبئتي وإعدادي واستعدادي، رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك، فلا
تخيب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل، ولا ينقصه نائل، فإني لم
آتك اليوم بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، ولكن آتيتك مقرا
بالظلم والإساءة على نفسي، فإنه لا حجة لي ولا عذر، فأسألك يا من هو
كذلك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطيني مسألتي،
وتقيلني عثرتي، وتقلبني برغبتي، ولا تردني مجبوها ممنوعا، ولا خائبا، يا
عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي
الذنب العظيم، لا إله إلا أنت ".
9 - استقبال كل زاوية من زوايا البيت الشريف من مكانك إذا منع
الزحام من المضي إليها.
10 - الدعاء والابتهال إلى المولى سبحانه، والتكبير والسؤال منه تعالى
وأنت في مكان صلاتك.
11 - السجود في جوف الكعبة، وأن تقول في سجودك ما قاله الإمام أبو
عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو " لا يرد غضبك إلى حلمك ولا يجير من
عذابك إلا رحمتك ولا ينجي منك إلا التضرع إليك فهب لي يا إلهي
165

فرجا بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد، وبها تنشر ميت البلاد، ولا
تهلكني يا إلهي حتى تستجيب لي دعائي وتعرفني الإجابة. اللهم
ارزقني العافية إلى منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تمكنه من عنقي،
من ذا الذي يرفعني إن وضعتني، ومن ذا الذي يضعني إن رفعتني، وإن
أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك ويسألك في أمره، فقد علمت
يا إلهي أنه ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، إنما يعجل من
يخاف الفوت، ويحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك.
إلهي فلا تجعلني للبلاء غرضا، ولا لنقمتك نصبا، ومهلني ونفسي،
وأقلني عثرتي، ولا ترد يدي في نحري، ولا تتبعني بلاء على أثر بلاء،
فقد ترى ضعفي وتضرعي إليك، ووحشتي من الناس وأنسي بك، وأعوذ
بك اليوم فأعذني، وأستجير بك فأجرني، وأستعين بك على الضراء
فأعني، وأستنصرك فانصرني، وأتوكل عليك فاكفني، وأؤمن بك
فأمني، وأستهديك فاهدني، وأسترحمك فارحمني، وأستغفرك مما تعلم
فاغفر لي، وأسترزقك من فضلك الواسع فارزقني، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ".
12 - ويستحب عند الخروج من الكعبة الشريفة التكبير ثلاثا.
13 - يقول ما رواه الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو
" اللهم لا تجهد بلاءنا، ربنا ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنك أنت الضار
النافع ".
14 - عند الخروج تجعل الدرج على اليسار، وتصلي ركعتين، ويكره
البصاق، والتمخط في البيت الحرام، وداخل الكعبة الشريفة.
استحباب شرب الماء من زمزم
يستحب الشرب من ماء زمزم بل يستحب الارتواء منه، فإن فيه
166

الشفاء; ويصرف الداء، وبه تنال الحاجات، وتدرك الطلبات.
وأهم الطلبات هو طلب المغفرة من الله تعالى، والفوز، والنجاة من
النار، وأهوال البرزخ والقيامة.
ويستحب حمل ماء زمزم وإهدائه واستهدائه، فلقد ورد عن النبي
(صلى الله عليه وآله) أنه كان يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة، وقد
روى أن جماعة من العلماء شربوا من ماء زمزم لمطالب لهم كتحصيل علم
وقضاء حاجة وشفاء علة وغير ذلك فنالوها.
مستحبات مكة المكرمة
يستحب مؤكدا للحاج، مدة بقائه بمكة المكرمة عدة أمور:
1 - بعد الانتهاء من طواف الحج يستحب طواف أسبوع - أي سبعة
أشواط - وصلاة ركعتين عن أبيه وأمه وزوجته وولده وخاصته وجميع أهل
بلده، لكل واحد طواف سبعة أشواط مع ركعتيه. ويجزيه طواف واحد بصلاته
عن الجميع، ولكنه لو أفرد لكل واحد طوافا وصلاة مستقلة كان أولى.
2 - ويستحب أيضا أن يطوف الحاج مدة بقائه بمكة المكرمة ثلاثمائة
وستين طوافا عدد أيام السنة، كل طواف سبعة أشواط لو كان يتمكن من
ذلك، وإلا فيطوف ثلاثمائة وأربع وستين شوطا، فيكون اثنين وخمسين طوافا،
كل طواف سبعة أشواط لو كان يتمكن من ذلك أيضا وإن لم يتمكن يطوف
بقدر ما يستطيع، فإن الطواف كالصلاة فإن شاء استقل وإن شاء استكثر.
3 - يستحب أيضا بل ينبغي زيارة مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بمكة، وهو الآن مسجد في زقاق بسوق الليل يسمى " زقاق المولد "
فيصلي فيه ويدعو الله تعالى.
167

4 - ختم القرآن الكريم في مكة المعظمة.
5 - العزم على العودة من قابل، فإن ذلك يزيد في العمر، كما أن العزم
على عدم العود من قواطع الأجل.
6 - إتيان الحطيم، وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، وفيه تاب
الله تعالى على آدم. وروى أنه أشرف البقاع، والصلاة عنده، والدعاء
والتعلق بأستار الكعبة في هذا المكان، وعند المستجار أيضا.
7 - إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يسكنه معها بعد تزوجه منها - وفيه ولدت له أولادها منه، ومنهم الصديقة
فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) - وتوفيت فيه، وهو الآن مسجد أيضا فيصلي فيه
ويدعو.
8 - إتيان مسجد الأرقم (راقم) والصلاة فيه.
9 - إتيان الغار الذي بجبل حراء، وهو الغار الذي كان النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) يتعبد فيه قبل النبوة، ونزل عليه الوحي فيه.
10 - إتيان الغار الذي بجبل ثور، وهو الجبل الذي استتر فيه النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) حين الهجرة إلى المدينة.
11 - زيارة قبر خديجة الكبرى، وقبرها بالحجون معروف في سفح
الجبل.
" السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك يا زوجة سيد
المرسلين، السلام عليك يا أم فاطمة الزهراء سيدة نساء
العالمين، السلام عليك يا أول المؤمنات، السلام عليك يا من
أنفقت مالها في نصرة سيد الأنبياء، ونصرته ما استطاعت
168

ودافعت عنه الأعداء، السلام عليك يا من سلم عليها
جبرئيل، وبلغها السلام من الله الجليل، فهنيئا لك بما أولاك
الله من فضل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ".
12 - زيارة قبر أبي طالب (عليه السلام) أيضا
" السلام عليك يا سيد البطحاء وابن رئيسها، السلام عليك
يا وارث الكعبة بعد تأسيسها، السلام عليك يا كافل الرسول
وناصره، السلام عليك يا عم المصطفى وأبا المرتضى، السلام
عليك يا بيضة البلد، السلام عليك أيها الذاب عن الدين،
والباذل نفسه في نصرة سيد المرسلين، السلام عليك وعلى
ولدك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ".
13 - زيارة قبر عبد مناف جد النبي (صلى الله عليه وآله).
" السلام عليك أيها السيد النبيل، السلام عليك أيها
الغصن المثمر من شجرة إبراهيم الخليل، السلام عليك يا
جد خير الورى، السلام عليك يا بن الأنبياء الأصفياء، السلام
عليك يا بن الأوصياء الأولياء، السلام عليك يا سيد الحرم،
السلام عليك يا وارث مقام إبراهيم، السلام عليك يا صاحب
بيت الله العظيم، السلام عليك وعلى آباءك الطاهرين ورحمة
الله وبركاته ".
169

14 - زيارة قبر عبد المطلب (عليه السلام) جد النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم).
" السلام عليك يا سيد البطحاء، السلام عليك يا من ناداه
هاتف الغيب بأكرم نداء، السلام عليك يا بن إبراهيم
الخليل، السلام عليك يا وارث الذبيح إسماعيل، السلام عليك
يا من أهلك الله بدعاءه أصحاب الفيل، وجعل كيدهم في
تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من
سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، السلام عليك يا من تضرع
في حاجاته إلى الله، وتوسل في دعاءه بنور رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، السلام عليك يا من استجاب الله دعاءه،
ونودي في الكعبة، وبشر بالإجابة في دعاءه، وأسجد الله
الفيل إكراما وإعظاما له، السلام عليك يا من أنبع الله له الماء
حتى شرب وارتوى في الأرض القفراء، السلام عليك يا بن
الذبيح وأبا الذبيح، السلام عليك يا ساقي الحجيج وحافر
زمزم، السلام عليك يا من جعل الله من نسله سيد المرسلين
وخير أهل السماوات والأرضين، السلام عليك يا من طاف
حول الكعبة وجعله سبعة أشواط، السلام عليك يا من رأى في
المنام سلسلة النور وعلم أنه من أهل الجنة، السلام عليك يا
170

شيبة الحمد، السلام عليك وعلى آباءك وأجدادك وأبناءك
جميعا ورحمة الله وبركاته ".
15 - زيارة قبر آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وآله).
" السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليك يا من
خصها الله بأعلى الشرف، السلام عليك يا من سطع من
جبينها نور سيد الأنبياء، فأضاءت به الأرض والسماء، السلام
عليك يا من نزلت لأجلها الملائكة، وضربت لها حجب
الجنة، السلام عليك يا من نزلت لخدمتها الحور العين،
وسقينها من شراب الجنة، وبشرنها بولادة خير الأنبياء، السلام
عليك يا أم رسول الله، السلام عليك يا أم حبيب الله، فهنيئا
لك بما آتاك الله من فضل، والسلام عليك وعلى رسول الله
صلى الله عليه وآله، ورحمة الله وبركاته ".
16 - زيارة قبر القاسم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
" السلام عليك يا سيدنا يا قاسم بن رسول الله، السلام
عليك يا بن نبي الله، السلام عليك يا بن حبيب الله، السلام
عليك يا بن المصطفى، السلام عليك وعلى من حولك من
المؤمنين والمؤمنات، رضي الله تعالى عنكم وأرضاكم أحسن
الرضا، وجعل الجنة منزلكم ومسكنكم ومأواكم، السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
171

ويستحب أيضا
1 - يستحب أيضا لمن رجع من مكة عن طريق المدينة، أن ينزل على
معرس النبي (صلى الله عليه وآله) أي المكان الذي نزله عند الهجرة، ويقال
إنه الآن مسجد بإزاء مسجد الشجرة.
2 - الاضطجاع في هذا المسجد قليلا ليلا أو نهارا.
3 - صلاة ركعتين في هذا المسجد.
4 - لو جاوزه استحب له الرجوع والتدارك.
5 - ويستحب أيضا الصلاة في مسجد " غدير خم " والاكثار من
الابتهال والدعاء في هذا المسجد، وهو الموضع الذي نص فيه الرسول الأعظم
(صلى الله عليه وآله)، على إمامة أمير المؤمنين على (عليه السلام) وولايته،
وعقد فيه البيعة له، حينما نزل قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ".
وفيه نزل بعد ما تمت البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية وإمرة
المؤمنين قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الاسلام دينا " فقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): الله
أكبر، ولله الحمد، على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب، والولاية
لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
مستحبات وداع الكعبة والخروج منها
مستحبات وداع مكة والكعبة الشريفة كثيرة، ولكننا نقتصر على
البعض منها:
172

1 - إذا أراد الحاج الخروج إلى أهله، فلا يخرج حتى يشتري بدرهم
تمرا، ويتصدق به على الفقراء، يعطيهم قبضة، فيكون ذلك كفارة لما كان منه
في الحرم، أو حال إحرامه لما دخل في الحج، غفلة من حك، أو سقوط قملة، أو
نحو ذلك.
2 - يستحب أن يعزم على العود، والطلب من الله تعالى أن يرجعه إلى
مكة، فإن ذلك يزيد في العمر إن شاء الله.
3 - الطواف سبعة أشواط حول الكعبة الشريفة.
4 - استلام الحجر الأسود، والركن اليماني في كل شوط مع الامكان،
وإلا افتتح به واختتم مع الامكان أيضا.
5 - أن يأتي المستجار، وهو خلف باب الكعبة الشريفة، مثل يوم
قدومه، فيصنع عندها كما صنع يوم قدومه إلى مكة، كما مر.
6 - الدعاء عند المستجار بما شاء لنفسه.
7 - استلام الحجر الأسود بعد ذلك، ثم يلصق بطنه بالبيت.
8 - ثم يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي محمد وآله.
9 - ثم يقول: " اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك
وأمينك، وحبيبك ونجيك، وخيرتك من خلقك. اللهم كما بلغ
رسالاتك، وجاهد في سبيلك، وصدع بأمرك وأؤذي فيك، وفي جنبك حتى
أتاه اليقين، اللهم اقلبني منجحا مفلحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به
أحد من وفدك، من المغفرة والبركة والرضوان والعافية، فيما يسعني أن
أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك وتزيدني عليه.
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك. اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن
أمتك، حملتني على دابتك، وسيرتني في بلادك، حتى أدخلتني حرمك
وأمنك، وقد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت قد
غفرت ذنوبي فازدد عني رضى وقربني إليك زلفى ولا تباعدني، وإن
173

كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان
انصرافي، إن كنت قد أذنت لي غير راغب. عنك ولا عن بيتك، ولا
مستبدل بك ولا به. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني
وعن شمالي، حتى تبلغني أهلي، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مؤنة عبادك
وعيالي، فإنك ولي ذلك من خلقك ومني ".
10 - ثم يأتي إلى زمزم ويشرب منها، ولا يصب على رأسه، ثم يقول
" آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، إلى ربنا منقلبون، راغبون إلى ربنا
راجعون إن شاء الله ".
11 - ثم يأتي مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) ويصلي خلفه ركعتين.
12 - ثم يأتي الملتزم، ويكشف عن بطنه، ويقف عليه بمقدار الطواف
سبعة أشواط أو ثمانية.
13 - ثم يأتي الحجر الأسود، ويقبله ويمسحه بيده، ثم يمسحها بوجهه.
14 - ثم يأتي إلى باب البيت، ويضع يده عليها ويقول " المسكين
على بابك فتصدق عليه بالجنة ".
15 - السجود طويلا عند باب المسجد.
16 - ثم يقوم قائما على قدميه، ويستقبل القبلة الشريفة ويقول
" اللهم إني أنقلب على لا إله إلا الله ".
17 - ثم يخرج من باب الحناطين.
وداع الحائض والنفساء والمستحاضة
أما الحائض والنفساء فإنهن يودعن المسجد بدون طواف، ولا يجوز لهن
دخول المسجد الشريف، ويستحب لهن قراءة بعض الأدعية السابقة المناسبة
للوداع.
174

وأما المستحاضة فإنها تعمل عمل الاستحاضة وتطوف طواف الوداع لو
كانت تطمئن من عدم تلويث المسجد الشريف، وإلا فتودع من الباب.
المصدود والمحصور
المصدود: هو الحاج الذي أحرم لحج أو لعمرة ثم بعد ذلك صد عنهما أو
عن واحد منهما.
والمحصور: هو الحاج الذي أحرم بأحد النسكين ثم منعه المرض من
أدائهما أو أداء واحد منهما.
ونبدأ أولا ببيان ما يتعلق بالمصدود ثم نتبعه بما يتعلق بالمحصور.
المصدود
المصدود: هو الذي صد بعد إحرامه بالحج أو العمرة لخوف عدو ونحوه،
سواء كان صده عن الموقفين (عرفة والمشعر) في الحج، أو عن دخول مكة
المكرمة في العمرة، بحيث لا يتمكن من الطواف والسعي حتى آخر وقتها،
فحينئذ يتحلل عن إحرامه بالهدي، وذلك بأن ينحره أو يذبحه في المكان الذي
صد فيه.
والأظهر جواز النحر أو الذبح قبل يوم العيد، والأحوط ضم الحلق إلى
ذلك أيضا، والأولى الجمع بين الحلق والتقصير ولكن ينوي التحلل من إحرامه
عند الذبح أو النحر على الأحوط، قبل التقصير، ولا يجزي عنه هدي السياق
على الأحوط.
ويجوز للمصدود أن يبقى على إحرامه ويتحلل بعمرة مفردة، فيطوف
حول البيت سبعا، ثم يصلي ركعتي الطواف في المقام، ثم يسعى بين الصفا والمروة
سبعا، ثم يقصر، ثم يأتي بطواف النساء، ويصلي ركعتيه خلف المقام. ولا يسقط
عنه الحج بذلك لو كان مستطيعا من السنة السابقة أو ما قبلها، وقد استقر في
ذمته.
175

ولا يسقط عنه الحج أيضا لو بقيت الاستطاعة إلى العام القابل،
ولو وقف الموقفين (عرفة والمشعر) وصد بعد ذلك عن اتيان مناسك
منى الثلاثة - وهي الرمي والنحر أو الذبح والحلق أو التقصير - فإن كان
مصدودا عن دخول مكة وأداء المناسك فيها أيضا طول أيام ذي الحجة فهذا الصد
داخل فيمن عرفت الحكم فيه سابقا.
ولو كان الصد مختصا بمناسك منى فقط فإن تمكن من الاستنابة - بأن
يستنيب شخصا يرمي ويذبح أو ينحر عنه ثم يلحق هو - فحينئذ تتعين عليه
الاستنابة، وبعد الفراغ يتحلل من إحرامه ثم يأتي ببقية المناسك وإن لم يتمكن
من الاستنابة، فالأحوط ذبح هديه وبقاؤه على إحرامه إلى أن يتحلل بعمرة
مفردة.
ولو فرغ من مناسك مكة المكرمة - وهي الطواف وركعتاه والسعي
وطواف النساء وركعتاه - وبعد ذلك صد عن الرجوع إلى منى للمبيت فيها ليالي
التشريق ورمي الجمرات الثلاثة في أيامها، فقد تم حجه بذلك ويستنيب في
الرمي إن أمكنه في تلك السنة، ويشتغل بالعبادة، ليالي بيتوتة منى، في مكة إن
أمكن وإلا فيكفر على الأحوط لعدم المبيت بمنى. وإن لم يتمكن من الاستنابة
في تلك السنة يستنيب في العام القادم.
المحصور
المحصور: هو الذي أحرم بأحد النسكين من الحج أو العمرة ثم مرض
مرضا يمنعه عن إتيان المناسك، فإن كان قد اشترط في إحرامه حينما أحرم أن
يحله الله تعالى حيث حبسه، فإنه يتحلل من إحرامه من دون حاجة إلى أن
يبعث بهديه إلى محله.
هذا إذا كان حج تمتع، أو حج افراد وأما لو كان حجه حج قران
176

وكان قد ساق الهدي فإنه يحل من إحرامه بمجرد إرساله للهدي، ولا حاجة
لأن ينتظر وصوله إلى محله.
وإن لم يكن قد اشترط ذلك فإنه يبقى على إحرامه ويرسل بهديه، فإذا
بلغ الهدي إلى محله، ومضى زمان ذبحه أو نحره قصر وحل من كل شئ إلا
النساء. ويجب عليه الحج من قابل لو كان الحج مستقرا في ذمته ولو عجز
ويئس عن أداء الحج بنفسه، حتى في السنوات الآتية وجب أن يستنيب من يحج
عنه وإن كان في أول عام استطاعته.
وإن كان الحج ندبا، أو كان في السنة التي استطاع فيها، ولم ييئس
عن الاتيان به في السنوات الآتية، أو كان نائبا عن غيره بتبرع أو إجارة ففي
الاجزاء بالاستنابة عنه في طواف النساء، لتحل بذلك له النساء إشكال،
والأقوى جوازها إن كان ذهابه حرجا عليه.
وأما محل الهدي فهو منى، إن كان قد أحصر في إحرام الحج، سواء
كان حج تمتع، أم افراد، أم قران، ومحله مكة إن كان قد أحصر في إحرام
العمرة، سواء كانت عمرة تمتع أم مفردة.
ولو ارتفع العارض وزال الحصر، فليلتحق بالحجاج، فإن أدرك الموقفين
(عرفة والمشعر) أو أحدهما فقد أدرك الحج ولم يفته شئ، وإن لم يدرك
الموقفين ولا أحدهما فقد فات الحج، وحينئذ يأتي بعمرة مفردة ويحل من إحرامه.
ولو أحصر عن أداء مناسك يوم النحر وما بعده، فعليه الاستنابة في
الرمي والنحر أو الذبح ثم يحلق هو بنفسه ويطاف ويسعى إن أمكن وإلا
فيستنيب لهما، ويصلي للطواف إن كان حاضرا في المسجد وإلا فالأحوط أن
الموقفين يصلي هو بنفسه ويستنيب أيضا من يصلي عنه، ويبيت في منى إن
أمكنت البيتوتة ويتم حج بلا إشكال، وإلا فيكفر لعدم البيتوتة على الأحوط.
177

العمرة المفردة
العمرة المفردة على قسمين: واجبة، ومستحبة، والواجبة أيضا على
قسمين: واجبة عرضا، وواجبة أصلا.
الواجب الأصلي هو الواجب بأصل الشرع بالشرائط المعتبرة في الحج
في العمر مرة واحدة فقط، ولا يشترط في وجوبها على أهل مكة أو من يجري عليه
حكم أهل مكة، استطاعة الحج أيضا، فيمكن لهؤلاء أن يستطيعوا للعمرة دون
الحج، أو للحج دون العمرة، لأن كلا من الحج والعمرة المفردة نسك مستقل
بنفسه، غير مرتبط بالنسك الآخر.
والآفاقي لا تجب عليه العمرة المفردة، حتى ولو كان مستطيعا لها، بل
يجب عليه عمرة التمتع، وكذا لا تجب العمرة المفردة أيضا على الأجير إذا فرغ من
عمل النيابة، وهو بمكة المكرمة، مع استطاعته لها. وكذا لا تجب العمرة المفردة
أيضا على البعيد الذي استطاع لها، وكان لا يتمكن من الوقوفين.
ولا يجب الاستئجار للعمرة المفردة على ورثة من استطاع ومات قبل
الموسم إذا كان قد مضى من أشهر الحج ما يكفي لأدائها وحدها، وإن كان
الاحتياط في جميع ذلك كله لا ينبغي أن يترك.
والعمرة الواجبة بالعرض: هي العمرة واجبة بالنذر، والعهد،
والحلف، والشرط في ضمن العقد وبافساد الحج أو فوات الحج أيضا، فإن فات
الحج عن المكلف، يتحلل عن إحرامه بعمرة مفردة كما تقدم.
وتجب العمرة المفردة أيضا لدخول مكة المكرمة، حيث لا يجوز لمن يريد
الدخول إلى مكة المكرمة أن يدخلها إلا بعمرة بل ويجوز دخول الحرم
178

الشريف، لمن أراد النسك أو دخول مكة، إلا بإحرام من أحد المواقيت بل
وكذا لمن لم يرد النسك ولا دخول مكة على الأقوى.
وتستحب العمرة المفردة كل شهر مرة، ويتأكد استحبابها في شهر
رجب.
ويكره للمكلف أن يأتي بعمرتين متواليتين لم يفصل بينهما بعشرة أيام،
بل الأحوط تركه، وإن كان الجواز مع الكراهية العبادية أقوى.
أفعال العمرة المفردة
وهي كما يلي:
1 - النية على ما عرفته سابقا في عمرة التمتع عينا.
2 - الاحرام من أحد المواقيت السالفة الذكر التي يمر عليها، والذي لا
يمر على الميقات فيحرم من بلده لو كان خارج حدود الحرم، ولو كان المكلف
داخل حدود الحرم يحرم من حدود الحرم، وهو الميقات السادس.
3 - الطواف حول الكعبة الشريفة سبعا، وصلاة ركعتيه كما تقدم.
4 - السعي بين الصفا والمروة مثل السعي في عمرة التمتع.
5 - الحلق أو التقصير، كما تقدم.
6 - طواف النساء، وصلاة ركعتيه كما تقدم.
مسائل متفرقة
يراعى فما يذبح في الكفارات، ما يشترط فيما يذبح في منى على الأحوط
الأولى.
يجوز السجود على ما فرش به مسجد الحرام والمشاهد المشرفة من
الصخر، فإن المعادن التي لا يجوز السجود عليها، هي ما لا يطلق عليه اسم
179

الأرض، كمعادن الذهب والفضة والأحجار الكريمة والفلزات.
لو كان الازدحام في مقام إبراهيم (عليه السلام) شديدا، بحيث لم يتمكن
المصلون من مراعاة عدم محاذاة النساء للرجال، أو تقدمهن عليهم فإن صلاتهم
صحيحة إلا أنها مكروهة.
لو علم شخص أن السعي يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة، ولكن لم يعلم
مكانهما فسأل شخصا عنهما فدل الصفا مكان المروة والمروة مكان الصفا وسعى
سبعا هكذا، ثم علم بخطئه، وسعى شوطا آخر، فالأقوى صحة سعيه وإن
كان الأحوط إعادته.
لو أحرم شخص بحج التمتع ومات بعد الاحرام والدخول في الحرم يجزيه
ذلك عن بقية الأعمال ولا يحتاج إلى نائب، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
الحج لنفسه أو نائبا عن غيره.
لو رأت المرأة أثر الحيض بعد إكمال أعمال الحج، وشكت أن
الحيض كان قبل الشروع في الأعمال أو بعد إكمالها صح حجها، ولا اعتناء
بمثل هذا الشك.
لا يجوز الصوم بمنى في أيام التشريق، وكذا لا يجوز أيضا في يوم العيد
لكل أحد، وفي كل مكان.
المراد من المنزل الذي يجوز للحاج الاستظلال فيه، وهو محل نزوله، وهو
يقابل الطريق الذي يسير فيه، فلا مانع من الاستظلال في المقاهي الواقعة في
طريق مكة ومنى وعرفات بعد أن نزلها وقبل أن يرحل عنها.
لو لم يطف الحاج طواف النساء جهلا بالمسألة، ولكن طاف طوافا
مستحبا، بنية أنه يجير ما لو نقص من طوافه شئ، وبعد سنة مثلا علم بعدم
طوافه للنساء، فالأحوط له عدم المجامعة مع امرأته، ويذهب إلى مكة ليطوف
طواف النساء ولو في غير أشهر الحج، ولو كان يشق عليه ذلك، يستنيب من
يطوف عنه ويصلي ركعتيه.
180

يجب أن يكون طواف النساء وركعتيه بعد طواف الحج وركعتيه
والسعي، فلو قدمه عليهما يجب إعادته بعد السعي، وفي صورة الجهل أو النسيان
الأحوط أن يعيد أيضا، ولو لم يتمكن من الإعادة بنفسه، يستنيب من يطوف
عنه ويصلي ركعتيه، وفي العمرة المفردة يجب أن يكون بعد التقصير فلو قدمه عليه
فالحكم كما في الحج.
في العمرة المفردة المستحبة يجب طواف النساء، كما في الحج، فلا تحل
النساء له إلا بعد الاتيان به.
يجب إعادة صلاة الطواف بعده، لو أتى بها قبله جهلا.
لو صلى ركعتي طواف الحج بعد السعي، فالأحوط الأولى إعادة السعي
بعد ركعتي الطواف، حفظا للترتيب.
لو قدم السعي على طواف الزيارة جهلا، يعيد السعي بعد الطواف على
الأحوط.
السعي بين الصفا والمروة في الطابق الثاني من المسعى المبنى حديثا،
صحيح لو كان الجبلان أعلى من المسعى، ليكون السعي بين الجبلين.
يجوز التقصير في عمرة التمتع، قبل إحرام الحج في أي وقت اتفق، ولا
يشترط فيه الفورية بعد السعي.
لا يشترط في الذبح أن يكون بمباشرة الحاج بنفسه، بل يجوز أن يوكل
شخصا في ذلك، لكن يجب أن يقصد الوكيل حين الذبح، أنه يذبحه عن موكله
فلان. فلو كان وكيلا عن عدة أشخاص، يجب أن يعين كل واحد منهم حينما
يريد الذبح عنه.
لو اشترى الحاج شاتين ليذبح إحداهما عن نفسه والأخرى عن آخر،
يجب التعيين عند الشراء، ويقصد ذبح تلك الشاة عنه أيضا، ولا يكفي بدون
التعيين والقصد.
لا يجوز حلق الرأس بعد التقصير في عمرة التمتع، إلا بعد إتمام أعمال
الحج، ولو فعل ذلك فالأحوط أن يفدي شاة.
181

لو وكل جماعة شخصا في شراء الهدي وذبحه، يجب على الوكيل أن
يشتري كل شاة لشخص معين، ويذبحه عنه، ولا يجوز له شراء الشياة
بالإشاعة، كما لا يجزي ذبحها مشاعا بين جماعة.
182

القسم الثاني
في أعمال المدينة المنورة وزيارة الرسول
وعترته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام
183

بسم الله الرحمن الرحيم
قرآن كريم
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما.
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها
بالغد والآصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
وإقامة الصلاة.
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا.
(صدق الله العلي العظيم)
185

فضل زيارة الرسول (صلى الله عليه وآله)
أيها الحاج الكريم، لا شك منك على علم بأن من تمام الحج زيارة قبر
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة، والتبرك بلثم تلك
الأعتاب الطاهرة، والحضور في تلك المشاهد الشريفة، فإن زيارة النبي مستحبة
عينا، وعلى الأخص تستحب على الحاج، وتركها جفاء لرسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم).
ولقد ورد في الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا
وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): أتموا برسول الله
حجكم إذا خرجت من بيت الله، فإن تركه جفاء، وبذلك أمرتم، وأتموا بالقبور
التي ألزمكم الله حقها وزيارتها، واطلبوا الرزق عندها.
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): زيارة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) تعدل حجة مع رسول الله.
وقال (عليه السلام) أيضا: إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا، لأن ذلك
من تمام الحج.
أيها الحاج الكريم، اعتقد أنك قد سررت بهذه الأحاديث الشريفة التي
ذكرتها لك عن النبي وعترته الطاهرين (عليهم السلام) في فضل زيارتهم، واعتقد
أنك قد اكتفيت بها، ولا يسمح المجال لي أن أذكر لك الشئ الكثير من هذه
الأحاديث الشريفة، ففي ذلك كفاية لك وللمؤمنين كافة، جعلنا الله وإياك
ممن يوفق للزيارة وتناله الشفاعة.
وللمدينة المنورة حرم معين، كما لمكة المكرمة حرم معين، عرفته فيما
سبق.
أما حد حرم المدينة فهو من " عاثر " إلى " وعير "، وكل منهما جبل
186

يكتنف المدينة المنورة، أحدهما من المشرق والآخر من المغرب.
ذلك هو حد الحرم المدني، وهو - وإن لم يجب الاحرام فيه كما يجب في
مكة المكرمة - ولكنه لا يقطع شجرة، وعلى الأخص إذا كان الشجر رطبا، إلا
ما استثني مما مر عليك في حدود الحرم المكي، بل الأحوط إن لم يكن أقوى
اجتناب صيد ما بين الحدين منه.
والآن نشرع في المستحبات والزيارات، ويأتي بها الحاج رجاءا.
مستحبات المدينة المنورة
1 - يستحب الغسل لدخول المدينة المنورة، وذلك حين يدخلها أو
عندما يريد الدخول.
2 - الغسل أيضا لدخول المسجد الشريف وزيارة قبر الرسول الأعظم
(صلى الله عليه وآله)، ويكفي الغسل الأول.
3 - الدعاء عند الغسل بالمأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)، فتقول.
" اللهم طهر قلبي، واشرح لي صدري، وأجر على لساني مدحتك
والثناء عليك. اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنه على كل شئ قدير ".
4 - ويستحب قراءة هذا الدعاء بعد الفراغ من الغسل: " اللهم طهر
قلبي، وزك عملي، واجعل ما عندك خيرا لي. اللهم اجعلني من التوابين،
واجعلني من المتطهرين ".
5 - الدخول إلى المسجد الشريف من باب جبرئيل، وهو الذي يكون
من جهة البقيع.
6 - الاستئذان وكيفيته: أن يقف على باب الحرم النبوي بخضوع
وخشوع، قائلا:
187

" اللهم إني قد وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك
صلواتك عليه وآله، وقد منعت الناس أن يدخلوا إلا بإذنه،
فقلت: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن
لكم)، اللهم إني أعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف
في غيبته، كما أعتقدها في حضرته، واعلم أن رسولك
وخلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي
ويسمعون كلامي ويردون سلامي، وأنك حجبت عن سمعي
كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم، وإني استأذنك
يا رب أولا، وأستأذن رسولك صلى الله عليه وآله ثانيا، وأستأذن
خليفتك الإمام المفروض على طاعته الحجة بن الحسن
المهدي عليه السلام والملائكة الموكلين بهذه البقعة المباركة
ثالثا، أأدخل يا رسول الله، أأدخل يا حجة الله، أأدخل يا
ملائكة الله المقربين المقيمين في هذا المشهد، فأذن لي يا
مولاي في الدخول أفضل ما أذنت لأحد من أولياءك، فإن لم
أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك ".
7 - الدخول على سكينة ووقار، وخشوع وخضوع، مع تقديم الرجل
اليمنى على اليسرى حال الدخول، قائلا:
" بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله
188

عليه وآله، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق
واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم اغفر لي
وارحمني، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم ".
8 - التكبير مائة مرة.
9 - صلاة ركعتين تحية للمسجد النبوي الشريف.
10 - إتيان قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله واستلامه
وتقبيله، إن أمكن، واستقبال الحجرة الشريفة، مما يلي الرأس الشريف، و
التوجه إلى الحجرة لا إلى القبلة.
189

11 - زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الزيارة،
" السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله،
السلام عليك يا محمد بن عبد الله، السلام عليك يا خاتم
النبيين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأقمت الصلاة،
وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر،
وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، فصلوات الله عليك
ورحمته وعلى أهل بيتك الطاهرين ".
" اللهم صل على محمد كما حمل وحيك وبلغ
رسالاتك، وصل على محمد كما أحل حلالك، وحرم
حرامك، وعلم كتابك، وصل على محمد كما أقام الصلاة،
190

وآتى الزكاة، ودعا إلى دينك، وصل على محمد كما صدق
بوعدك، واشفق من وعيدك وصل على محمد كما غفرت به
الذنوب، وسترت به العيوب، وفرجت به الكروب، وصل على
محمد كما دفعت به الشقاء، وكشفت به الغماء، وأجبت به
الدعاء، ونجيت به من البلاء، وصل على محمد كما رحمت
به العباد، وأحييت به البلاد، وقصمت به الجبابرة، وأهلكت
به الفراعنة، وصل على محمد كما أضعفت به الأموال
وأحرزت به من الأهوال، وكسرت به الأصنام، ورحمت به
الأنام، وصل على محمد كما بعثته بخير الأديان، وأعززت به
الايمان، وتبرت به الأوثان، وعظمت به البيت الحرام، وصل
على محمد وأهل بيته الطاهرين الأخيار وسلم تسليما ".
زيارة النبي صلى الله عليه وآله الثانية
" السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله،
السلام عليك يا محمد بن عبد الله، السلام عليك يا خاتم
النبيين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأقمت الصلاة وآتيت
الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله
مخلصا حتى أتاك اليقين، فصلوات الله عليك ورحمته وعلى
أهل بيتك الطاهرين ".
191

ثم تقول:
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله،
السلام عليك يا خليل الله، السلام عليك يا صفي الله، السلام
عليك يا رحمة الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا
حبيب الله، السلام عليك يا نجيب الله، السلام عليك يا خاتم
النبيين، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا قائما
بالقسط، السلام عليك يا فاتح الخير، السلام عليك يا معدن
الوحي والتنزيل، السلام عليك يا مبلغا عن الله، السلام عليك
أيها السراج المنير، السلام عليك يا مبشر، السلام عليك يا
نذير، السلام عليك يا منذر، السلام عليك يا نور الله الذي
يستضاء به، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين
الهادين المهديين، السلام عليك وعلى جدك عبد المطلب،
وعلى أبيك عبد الله، وعلى أمك آمنة بنت وهب، السلام على
عمك حمزة سيد الشهداء، السلام على عمك وكفيلك
أبي طالب، السلام على ابن عمك جعفر الطيار في جنان
الخلد، السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد،
السلام عليك يا حجة الله على الأولين والآخرين، والسابق
إلى طاعة رب العالمين، والمهيمن على رسله، والخاتم
192

لأنبياءه، والشاهد على خلقه، الشفيع إليه، والمكين لديه،
والمطاع في ملكوته، الأحمد من الأوصاف، المحمد
لسائر الأشراف، الكريم عند الرب، والمكلم من وراء
الحجب، الفائز بالسباق، والفائت عن اللحاق، تسليم
عارف بحقك، معترف بالتقصير في قيامه بواجبك، غير
منكر ما انتهى إليه من فضلك، موقن بالمزيدات من ربك،
مؤمن بالكتاب المنزل عليك، محلل حلالك، محرم
حرامك، أشهد يا رسول الله مع كل شاهد وأتحملها عن
كل جاحد، أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت
لأمتك، وجاهدت في سبيل ربك، وصدعت بأمره،
واحتملت الأذى في جنبه، ودعوت إلى سبيله بالحكمة
والموعظة الحسنة الجميلة، وأديت الحق الذي كان عليك،
وأنك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، وعبدت
الله مخلصا حتى أتاك اليقين، فبلغ الله بك أشرف محل
المكرمين، وأعلى منازل المقربين، وأرفع درجات
المرسلين، حيث لا يلحقك لا حق، ولا يفوقك فائق،
ولا يسبقك سابق، ولا يطمعك طامع، الحمد لله الذي استنقذنا
بك من الهلكة، وهدانا بك من الضلالة، ونورنا بك من
193

الظلمة، فجزاك الله يا رسول الله من مبعوث أفضل ما جازى نبيا
عن أمته، ورسولا عمن أرسل إليه، بأبي أنت وأمي يا رسول الله
زرتك عارفا بالهدى الذي أنت عليه، بأبي أنت وأمي ونفسي
وأهلي ومالي وولدي، أنا أصلي عليك كما صلى الله عليك،
وصلى عليك ملائكته وأنبياؤه ورسله، صلاة متتابعة وافرة
متواصلة، لا انقطاع لها ولا أمد ولا أجل، صلى الله عليك
وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، كما أنتم أهله ".
ثم ابسط كفيك وقل:
" اللهم اجعل جوامع صلواتك، ونوامي بركاتك، وفواضل
خيراتك، وشرائف تحياتك، وتسليماتك وكراماتك ورحماتك
وصلوات ملائكتك المقربين، وأنبياءك المرسلين، وأئمتك
المسبحين، وعبادك الصالحين، وأهل السماوات والأرضين،
ومن سبح لك يا رب العالمين، من الأولين والآخرين، على
محمد عبدك ورسولك وشاهدك ونبيك ونذيرك وأمينك
ومكينك ونجيك وحبيبك وخليلك وصفيك وصفوتك
وخاصتك ورحمتك وخير خيرتك من خلقك، نبي الرحمة،
وخازن المغفرة، وقائد الخير والبركة، ومنقذ العباد من الهلكة
بإذنك، وداعيهم إلى دينك القيم بأمرك، أول النبيين ميثاقا
194

وآخرهم مبعثا، اللهم صل عليه وعلى أهل بيته وأصحابه
واتباعه، صلاة ترضاها لهم، وبلغهم منا تحية كثيرة وسلاما،
وآتنا من لدنك في موالاتهم فضلا واحسانا ورحمة وغفرانا،
إنك ذو الفضل العظيم ".
12 - ويستحب أيضا أن تتوجه إلى القبلة الشريفة وأنت واقف فوق
الرأس، وتقول:
" السلام علك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام
عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا سيد الأولين والآخرين،
السلام عليك يا زين القيامة، السلام عليك يا شفيع القيامة،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده
ورسوله، بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت أمتك،
وجاهدت في سبيل ربك، حتى أتاك اليقين، صلى الله عليك
وعلى أهل بيتك، طبت حيا وطبت ميتا، صلى الله عليك
وعلى أخيك ووصيك وابن عمك أمير المؤمنين، وعلى ابنتك
سيدة نساء العالمين وعلى ولديك الحسن والحسين، أفضل
الصلاة والسلام، وأطيب التحية وأطهر الصلاة، وعلينا منكم
السلام، ورحمة الله وبركاته ".
195

وتدعو لنفسك واجتهد في الدعاء للمؤمنين ولوالديك.
13 - الوقوف عند الأسطوانة الأمامية من جهة القبر الشريف من
الجانب الأيمن، مستقبلا بوجهك القبلة، جاعلا القبر الشريف عن يسارك،
ومنكبك الأيمن مقابلا للمنبر الشريف، فإن ذلك الموقع هو موضع رأس الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله) فتقول:
" أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأنك محمد بن
عبد الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت
لأمتك، وجاهدت في سبل الله، وعبدت الله حتى أتاك اليقين
بالحكمة والموعظة الحسنة، وأديت الذي عليك من الحق،
وأنك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله
بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد لله الذي استنقذنا
بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات
ملائكتك المقربين وأنبياءك المرسلين وعبادك الصالحين،
وأهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من
الأولين والآخرين، على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك
ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من
خلقك، اللهم اعطه الدرجة الرفيعة، وآته الوسيلة من الجنة،
وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم إنك
196

قلت: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)، وإني أتيت
نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، ويا محمد إني أتوجه بك إلى
الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي ".
14 - ويستحب أيضا الالتفات بعد ذلك إلى القبر الشريف، وأن
تضع يديك عليه - إن أمكن - وتقول:
" أسئل الله الذي اجتباك واختارك وهديك وهدى بك، أن
يصلي عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين ".
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما).
ثم تقول وأنت ملصق كفك بحائط الحجرة إن أمكن:
" آتيتك يا رسول الله مهاجرا إليك، قاضيا لما أوجبه الله
علي من قصدك، وإذ لم ألحقك حيا فقد قصدتك بعد
موتك، عالما أن حرمتك ميتا كحرمتك حيا، فكن لي بذلك
عند الله شاهدا ".
197

15 - ويستحب أيضا أن تمسح كفك على وجهك وتقول:
" اللهم اجعل ذلك بيعة مرضية لديك، وعهدا مؤكدا
عندك، تحييني ما أحييتني عليه، وعلى الوفاء بشرائطه
وحدوده وحقوقه وأحكامه، وتميتني إذا امتني عليه، وتبعثني
إذا بعثتني عليه ".
16 - ويستحب أن تبلغ النبي السلام والتحية عن أبويك وعمن تحبه
من أهلك وأصدقائك، فتقول وأنت واقف عند الرأس الشريف.
" السلام عليك يا نبي الله، من أبي وأمي وولدي وخاصتي
وجميع أهل بلدي، حرهم وعبدهم وأبيضهم وأسودهم
ومن..
وتسمي من تريد ".
زيارة أخرى للنبي (صلى الله عليه وآله)
17 - ويستحب التوجه إلى جهة القبلة، واستقبال القبر الشريف
جاعلا القبلة بين كتفيك، وزر النبي بهذه الزيارة:
" السلام عليك يا نبي الله ورسوله، السلام عليك يا صفوة
الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا أمين الله وحجته،
السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين، السلام عليك
198

أيها البشير النذير، السلام عليك أيها الداعي إلى الله والسراج
المنير، السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا، أشهد أنك يا رسول الله أتيت بالحق
وقلت بالصدق، الحمد لله الذي وفقني للايمان والتصديق
ومن علي بطاعتك واتباع سبيلك، وجعلني من أمتك
والمجيبين لدعوتك، وهداني إلى معرفتك ومعرفة الأئمة من
ذريتك، أتقرب إلى الله بما يرضيك أبرأ إلى الله مما يسخطك،
مواليا لأولياءك معاديا لأعداءك، جئتك يا رسول الله زائرا
وقصدتك راغبا متوسلا إلى الله سبحانه، وأنت صاحب
الوسيلة، والمنزلة الجليلة، والشفاعة المقبولة، والدعوة
المسموعة، فاشفع لي إلى الله تعالى في الغفران والرحمة
والتوفيق والعصمة، فقد غمرت الذنوب، وشملت العيوب،
وأثقل الظهر، وتضاعف الوزر، وقد أخبرتنا وخبرك الصدق،
أنه تعالى قال وقوله الحق: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك
فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)،
وقد جئتك يا رسول الله، مستغفرا من ذنوبي، تائبا من معاصي
وسيئاتي، وإني أتوجه إلى الله ربي وربك، ليغفر لي ذنوبي،
فاشفع لي يا شفيع الأمة، وأجرني يا نبي الرحمة، صلى الله
199

عليك وعلى آلك الطاهرين ".
18 - زيارة أخرى للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مروية
عن الإمام أبي الحسن الرضا بسند صحيح، وهي:
" السلام على رسول الله، السلام عليك ورحمة الله
وبركاته، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، السلام عليك يا
خيرة الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة
الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك يا حجة الله،
أشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك محمد بن عبد الله، وأشهد
أنك قد نصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل ربك، وعبدته
حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته،
اللهم صل على محمد وآل محمد، أفضل ما صليت على
إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
19 - توجه بعد ذلك إلى القبلة، وأسند ظهرك إلى شباك القبر إن
أمكن، وإلا فاجعل القبر خلفك، وقل ما كان يقوله الإمام علي بن الحسين
زين العابدين (عليهما السلام)، بعد زيارة النبي:
200

" اللهم إليك ألجأت أمري، وإلى قبر نبيك محمد صلى
الله عليه وآله عبدك ورسولك أسندت ظهري، والقبلة التي
رضيت لمحمد صلى الله عليه وآله استقبلت، اللهم إني
أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو لها، ولا أدفع عنها شر
ما أحذر عليها، وأصبحت الأمور بيدك، ولا فقير أفقر مني،
إني لما أنزلت إلي من خير فقير، اللهم ارددني منك بخير ولا
راد لفضلك، اللهم إني أعوذ بك من أن تبدل اسمي، وتغير
جسمي، أو تزيل نعمتك عني، اللهم زيني بالتقوى، وجملني
بالنعم، واغمرني بالعافية، وارزقني شكر العافية ".
20 - ويستحب قراءة سورة القدر أحد عشر مرة، واسأل الله تعالى
حاجتك فإنها تقضى إن شاء الله تعالى.
21 - صلاة ركعتي الزيارة واهداء ثوابها إلى النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم)
22 - أن تقول بعد الصلاة: " اللهم إني صليت وركعت وسجدت
لك وحدك لا شريك لك، لأن الصلاة، والركوع والسجود لا تكون إلا لك،
لأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت. اللهم وهاتان الركعتان هدة مني إلى
سيدي ومولاي رسول الله، فتقبلهما مني بأحسن قبولك، وأجرني على ذلك
بأفضل أملي ورجائي فيك وفي رسولك يا ولي المؤمنين ".
201

الدعاء بعد الزيارة وصلاتها
23 - ويستحب أن تقول بعد ذلك:
" اللهم إنك قلت لنبيك محمد صلى الله عليه وآله: (ولو
أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم
الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)، ولم أحضر زمان رسولك
عليه وآله السلام، وقد زرته راغبا تائبا من سيئ عملي،
ومستغفرا لك من ذنوبي، ومقرا لك بها، وأنت أعلم بها مني،
ومتوجها إليك بنبيك نبي الرحمة، صلواتك عليه وآله،
فاجعلني الله بمحمد وأهل بيته عندك وجيها في الدنيا
والآخرة، ومن المقربين، يا محمد يا رسول الله، بأبي أنت
وأمي يا نبي الله، يا سيد خلق الله، إني أتوجه بك إلى الله ربك
وربي، ليغفر لي ذنوبي، ويتقبل مني عملي، ويقضي لي
حوائجي، فكن لي شفيعا عند ربك وربي، فنعم المسؤول
المولى ربي، ونعم الشفيع أنت يا محمد، عليك وعلى أهل
بيتك السلام، اللهم وأوجب لي منك المغفرة والرحمة،
والرزق الواسع الطيب النافع، كما أوجبت لمن أتى نبيك
محمدا صلواتك عليه وآله، وهو حي، فأقر له بذنوبه،
202

واستغفر له رسولك عليه السلام، فغفرت له برحمتك يا أرحم
الراحمين. اللهم وقد أملتك ورجوتك وقمت بين يديك،
ورغبت إليك عمن سواك، وقد أملت جزيل ثوابك، وإني
لمقر غير منكر، وتائب إليك مما اقترفت، وعائذ إليك في
هذا المقام مما قدمت من الأعمال التي تقدمت إلي فيها،
ونهيتني عنها، وأوعدت عليها العقاب، وأعوذ بكرم وجهك
أن تقيمني مقام الخزي والذل يوم تهتك فيه الأستار، وتبدوا
فيه الأسرار والفضائح، وترعد فيه الفرائض، يوم الحسرة
والندامة، يوم الآفكة، يوم الآزفة، يوم التغابن، يوم الفصل،
يوم الجزاء، يوما كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم النفخة،
يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة، يوم النشر، يوم العرض، يوم
يقوم الناس لرب العالمين، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه
وصاحبته وبنيه، يوم تشقق الأرض وأكناف السماء، يوم
تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، يوم يردون إلى الله فينبئهم
بما عملوا، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولاهم ينصرون،
إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم، يوم يردون إلى عالم
الغيب والشهادة، يوم يردون إلى الله موليهم الحق، يوم
يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون،
203

وكأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع إلى الله، يوم الواقعة،
يوم ترج الأرض رجا، يوم تكون السماء كالمهل، وتكون
الجبال كالعهن، ولا يسئل حميم حميما، يوم الشاهد
والمشهود، يوم تكون الملائكة صفا صفا، اللهم ارحم موقفي
في ذلك اليوم بموقفي في هذا اليوم، ولا تخزني في ذلك
الموقف بما جنيت على نفسي، واجعل يا رب في ذلك
اليوم مع أولياءك منطلقي، وفي زمرة محمد وأهل بيته عليهم
السلا محشري، واجعل حوضه موردي، وفي الغر الكرام
مصدري، وأعطني كتابي بيميني حتى أفوز بحسناتي،
وتبيض به وجهي، وتيسر به حسابي، وترجح به ميزاني،
وأمضي مع الفائزين من عبادك الصالحين إلى رضوانك
وجنانك يا إله العالمين، اللهم إني أعوذ بك من أن
تفضحني في ذلك اليوم بين يدي الخلائق بجريرتي، أو أن
ألقى الخزي والندامة بخطيئتي، أو أن تظهر فيه سيأتي على
حسناتي، أو أن تنوه بين الخلائق باسمي، يا كريم يا
كريم، العفو العفو، الستر الستر، اللهم وأعوذ بك من أن
يكون في ذلك اليوم في مواقف الأشرار موقفي، أو في مقام
الأشقياء مقامي، وإذا ميزت بين خلقك فسقت كلا
204

بأعمالهم زمرا إلى منازلهم، فسقني برحمتك في عبادك
الصالحين، وفي زمرة أولياءك المتقين، إلى جناتك يا
رب العالمين ".
زيارة الرسول الأعظم من بعيد
24 - ويستحب أيضا زيارة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
من بعيد، فلقد ورد في الحديث الشريف عن النبي أنه قال: فإن لم تستطيعوا
فابعثوا إلي بالسلام فإنه يبلغني.
وفي بحار الأنوار: قال البزنطي قلت للإمام الرضا (عليه السلام): كيف
الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دبر المكتوبة (أي بعد الفراغ
من الصلاة الواجبة) وكيف السلام عليه؟ فقال (عليه السلام) تقول:
" السلام عليك يا رسول الله، ورحمة لله وبركاته، السلام
عليك يا محمد بن عبد الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام
عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك
يا أمين الله، أشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك محمد بن
عبد الله، وأشهد أنك قد نصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل
ربك، وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين، فجزاك الله يا رسول
الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته، اللهم صلى على محمد وآل
205

محمد، أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد
مجيد ".
25 - زيارة ثانية للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من بعيد،
رواها المرحوم العلامة الجليل السيد محسن العاملي في مفتاح الجنات وهي:
" السلام على رسول الله، أمين الله
على وحيه، وعزائم أمره، الخاتم لما سبق،
والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله، ورحمة الله وبركاته، السلام على
صاحب السكينة، السلام على المدفون بالمدينة، السلام على المنصور المؤيد،
والرسول المسدد، السلام على أبي القاسم محمد ورحمة الله وبركاته ".
26 - ويستحب أيضا الصلاة في مسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه
وآله وسلم) ما استطعت، فإن الصلاة في المسجد النبوي الشريف تعدل عشرة
آلاف صلاة في ما سواه، وعلى الأخص بين القبر والمنبر، للحديث الشريف
الصحيح: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.
وحد الروضة طولا من القبر الشريف إلى المنبر، وعرضا من المنبر إلى
الأسطوانة الرابعة. وهي الآن معلمة بعلامات تمتاز على غيرها من بقاع
المسجد. لأن أسطواناتها مغطاة بالمرمر الأبيض دون سائر الأسطوانات.
الدعاء في الروضة الشريفة
27 - ويستحب الدعاء في الروضة الشريفة، والابتهال إلى الله
سبحانه وتعالى قائلا:
" اللهم إن هذه روضة من رياض جنتك، وشعبة من شعب
206

رحمتك، التي ذكرها رسولك وأبان عن فضلها، وشرف التعبد
لك فيها، فقد بلغتنيها في سلامة نفسي، فلك الحمد يا
سيدي على عظيم نعمتك على في ذلك، وعلى ما رزقتنيه من
طاعتك، وطلب مرضاتك، وتعظيم حرمة نبيك، بزيارة قبره
والتسليم عليه، والتردد في مشاهده ومواقفه، فلك الحمد يا
مولاي، حمدا ينتظم به محامد حملة عرشك، وسكان
سمواتك لك، ويقصر عنه حمد من مضى، ويفضل حمد من
بقي من خلقك لك، ولك الحمد يا مولاي، حمد من عرف
الحمد لك، والتوفيق للحمد منك، حمدا يملأ ما خلقت
ويبلغ حيث ما أردت، ولا يحجب عنك ولا ينقضي دونك،
ويبلغ أقصى رضاك ولا يبلغ آخره أوائل محامد خلقك لك،
ولك الحمد ما عرفت الحمد، وأعتقد الحمد، وجعل ابتداء
الكلام الحمد، يا باقي العز والعظمة، ودائم السلطان والقدرة
وشديد البطش والقوة، ونافذ الأمر والإرادة، وواسع الرحمة
والمغفرة، ورب الدنيا والآخرة، كم من نعمة لك علي يقصر
عن أيسرها حمدي، ولا يبلغ أدناها شكري، وكم من صنائع
منك إلى لا يحيط بكثيرها وهمي ولا يقيدها فكري، اللهم
صل على نبيك المصطفى، بين البرية طفلا وخيرها شابا
207

وكهلا، أطهر المطهرين شيمة، وأجود المستمرين ديمة،
وأعظم الخلق جرثومة، الذي أوضحت به الدلالات، وأقمت
به الرسالات، وختمت به النبوات، وفتحت به الخيرات،
وأظهرته مظهرا، وابتعثته نبيا وهاديا أمينا مهديا، وداعيا إليك،
ودالا عليك، وحجة بين يديك، اللهم صل على المعصومين
من عترته والطيبين من أسرته، وشرف لديك به منازلهم،
وعظم عندك مراتبهم، واجعل في الرفيق الأعلى مجالسهم،
وارفع إلى قرب رسولك درجاتهم، وتمم بلقائه سرورهم،
ووفر بمكانه أنسهم ".
28 - ويستحب أيضا الصلاة في مقام النبي (صلى الله عليه وآله)
الذي كان يصلي فيه، وهو الآن محراب قريبا من الأسطوانة الكثيرة الخلوق (أي
الطيب).
الصلاة والدعاء عند أسطوانة أبي لبابة
29 - ويستحب أيضا الصلاة إلى جانب قبر الرسول الأعظم (صلى الله
عليه وآله وسلم) وصلاة ركعتين عند أسطوانة أبي لبابة المعروفة ب‍ " أسطوانة
التوبة " (1).

(1) ولعلك أيها الحاج الكريم تريد معرفة أبي لبابة، فإنه صحابي اسمه بشير بن عبد المنذر،
قيل إنه تخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
غزوة تبوك، ثم ندم على تخلفه وتاب وربط نفسه بسارية من سواري
المسجد، وحلف أن لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى يتوب الله عليه أو يموت،
فمكث سبعة أيام على هذه الحال حتى غشي عليه، ثم تاب الله سبحانه وتعالى
وعليه ونزلت الآية الشريفة بقبول توبته بقوله تعالى: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله تواب
رحيم ".
فجاء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فحله من تلك
الأسطوانة، وسميت الأسطوانة باسمه، فعرفت بأسطوانة أبي لبابة، وعرفت
أيضا بأسطوانة التوبة لقبول توبته
208

وبعد الصلاة عند هذه الأسطوانة تدعو بهذا الدعاء:
" بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم لا تهني بالفقر، ولا
تذلني بالدين، ولا تردني إلى الهلكة، واعصمني كي أعتصم،
وأصلحني كي أنصلح، واهدني كي اهتدي، اللهم أعني على
اجتهاد نفسي، ولا تعذبني بسوء ظني، ولا تهلكني وأنت
رجاءي، وأنت أهل أن تغفر لي وقد أخطأت، وأنت أهل أن
تعفو عني وقد أقررت، وأنت أهل أن تقيل وقد عثرت، وأنت
أهل أن تحسن وقد أسأت، وأنت أهل التقوى وأهل المغفرة،
فوفقني لما تحب وترضى، ويسر لي اليسير، وجنبني كل
عسير، اللهم أغنني بالحلال عن الحرام، وبالطاعات عن
209

المعاصي، وبالغني عن الفقر، وبالجنة عن النار، وبالأبرار
عن الفجار، يا من ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير،
وأنت على كل شئ قدير ".
ثم تطلب حاجتك وتستغفر من ذنوبك، فإن حاجتك تقضى
إن شاء الله تعالى.
30 - ويستحب الصوم في المدينة أيام لقضاء الحاجة وإن كان
الانسان مسافرا، وينبغي أن يكون الصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة.
31 - ويستحب الصلاة ليلة الأربعاء ويومها عند أسطوانة أبي لبابة
التي مر ذكرها وهي أسطوانة التوبة، وليلة الخميس ويومها عند الأسطوانة التي
تليها مما يلي مقام النبي (صلى الله عليه وآله) وليلة الجمعة ويومها عند
الأسطوانة التي تلي مقام النبي، ثم تدعو وتسأل الله تعالى حاجتك، بل وكل
حاجة من أمور الدنيا والآخرة.
وليكن مما تدعو به أن تقول:
" اللهم ما كانت إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها أو
التماس أو لم أشرع، سألتكها أو لم أسألكها، فإني أتوجه
إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة، في قضاء
حوائجي صغيرها وكبيرها، اللهم إني أسئلك بعزتك وقوتك
وقدرتك، وجميع ما أحاط به علمك، أن تصلي على محمد
وآل محمد، صلى الله عليه وآله وأن تفعل بي كذا وكذا "،
210

زيارة الصديقة الطاهرة
فاطمة الزهراء (عليها السلام)
33 - ويستحب بعد الفراغ من زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)
زيارة بضعته الطاهرة، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإن زيارتها من المستحبات
الأكيدة، ولها فضل عظيم وثوابها جسيم، وإني أذكر لك حديثا واحدا في فضل
زيارتها، وأعتقد أنك تكتفي بهذا الحديث، ومنه تعرف فضل زيارة الصديقة
الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
قال الشيخ الطوسي في التهذيب: وأما ما ورد في فضل زيارتها فأكثر
من أن يحصى، وبسند معتبر عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال:
دخلت على فاطمة الزهراء (عليها السلام) فبدأتني بالسلام ثم قالت: ما عذابك؟
قلت: طلب البركة، قالت: أخبرني أي وهوذا، إنه من سلم عليه وعلى ثلاثا
أوجب الله له الجنة، قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: نعم وبعد موتنا.
وقد اختلف العلماء في تعيين قبرها الشريف، فبعض يقول: إنها دفنت
في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر; وبعض يقول: إنها دفنت في البقيع مع
الأئمة الأربعة (عليهم السلام)، وقيل: إنها دفنت في بيتها وهو الأصح على الأكثر،
وبيتها متصل بحجرة الرسول التي دفن فيها، ولما زيد في المسجد وتوسع دخلت
211

الحجرة الشريفة في المسجد الشريف.
والظاهر أن الشباك الظاهري الذي يحيط بقبر رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) محيط بالحجرة وببيت فاطمة الزهراء (عليها السلام). ويوجد الآن
ضريح داخل الشباك من جهة الشرق الشمالي، فينبغي أن تزار فيه للأخبار
التي وردت في تعيين قبرها عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وإليك
زيارتها:
الزيارة الأولى لفاطمة الزهراء (عليها السلام)
" السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت
خليل الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت
حبيب الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا
بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام
عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك
يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين،
السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله،
السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،
السلام عليك أيتها الشهيدة الصديقة، السلام عليك أيتها
الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام
عليك أيتها الحورية الإنسية، السلام عليك يا فاطمة بنت
رسول الله، السلام عليك وعلى بعلك وبنيك ورحمة الله
212

وبركاته، صلى الله عليه وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك
مضيت على بينة من ربك، وأن من سرك فقد سر رسول الله،
ومن جفاك فقد جفا رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول
الله، لأنك بضعة منه، وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه
أفضل سلام الله وأفضل صلواته، أشهد الله ورسوله أني راض
عمن رضيت عنه، ساخط عمن سخطت عليه، متبرئ ممن
تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن
أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا
وجازيا ومثيبا ".
" اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله
خاتم النبيين، وخير الخلق أجمعين، وصل على وصيه علي
بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، خير
الوصيين، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء
العالمين، وصل على سيدي شباب أهل الجنة، الحسن
والحسين، وصل على زين العابدين علي بن الحسين، وصل
على محمد بن علي باقر علم النبيين، وصل على الصادق عن
الله جعفر بن محمد، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن
جعفر، وصل على الرضا علي بن موسى، وصل على التقي
213

محمد بن علي، وصل على النقي علي بن محمد، وصل على
الزكي الحسن بن علي، وصل على الحجة القائم بن الحسن
بن علي، اللهم أحي به العدل، وأمت به الجور، وزين ببقاءه
الأرض، وأظهر به دينك وسنة نبيك، حتى لا يستخفي بشئ
من الحق مخافة أحد من الخلق، واجعلنا من أشياعه وأتباعه،
والمقبولين في زمرة أولياءه، يا أرحم الراحمين، اللهم صل
على محمد وأهل بيته، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم
تطهيرا ".
ثم تقول:
" وصلى الله عليك، وعلى أبيك محمد رسول الله، وعلى بعلك
أمير المؤمنين، وعلى أبنائك الأئمة الطاهرين وسلم تسليما كثيرا ".
زيارة أخرى للزهراء (عليها السلام)
ثم تقول ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام):
" يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما
امتحنك صابرة وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك
وأتانا به وصيه فإنا نسئلك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر
أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك ".
ثم تقول: " السلام عليك يا سيدة نساء العالمين السلام عليك يا والدة
الحجج على الناس أجمعين السلام عليك أيتها المظلومة الممنوعة حقها ".
214

ثم قل: " اللهم صل على أمتك وابنه نبيك وزوجة وصي نبيك صلاة
تزلفها فوق زلفى عبادك المكرمين من أهل السماوات وأهل الأرضين ".
لفت نظر: روى أنه من زارها بهذه الزيارة الأخيرة واستغفر الله من
ذنوبه غفر الله ذنوبه.
34 - ويستحب بعد ذلك صلاة ركعتين للزيارة تهدى ثوابها إلى
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
الدعاء بعد الزيارة
35 - ثم تدعو بعد صلاة الزيارة بهذا الدعاء:
" اللهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله،
وبأهل بيته صلواتك عليهم، وأسئلك بحقك العظيم الذي لا
يعلم كنهه سواك، وأسئلك بحق من حقه عندك عظيم،
وبأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها، وأسئلك
باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم عليه السلام، أن يدعو
به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا
وسلاما على إبراهيم، فكانت بردا وسلاما، وبأحب الأسماء
إليك وأشرفها وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة وأنجحها
طلبة، وبما أنت أهله ومستحقة ومستوجبة، وأتوسل إليك
وأرغب إليك وأتضرع وألح عليك، وأسئلك بكتبك التي
215

أنزلتها على أنبياءك ورسلك صلواتك عليهم، من التورية
والإنجيل والزبور والقرآن العظيم، فإن فيها اسمك الأعظم،
وبما فيها من أسماءك العظمى، أن تصلي على محمد وآل
محمد، وأن تفرج عن آل محمد وشيعتهم ومحبيهم وعني،
وتفتح أبواب أسماء لدعائي، وترفعه في عليين، وتأذن لي في
هذا اليوم وفي هذه الساعة بفرجي واعطاء أملي وسؤلي في
الدنيا والآخرة، يا من لا يعلم أحد كيف هو وقدرته إلا هو، يا
من سد الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء، واختار
لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي تقضى
به حاجة من يدعوه، أسئلك بحق ذلك الاسم، فلا شفيع
أقوى لي منه، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقضي
لي حوائجي، وتسمع بمحمد وعلى وفاطمة والحسن
والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن
محمد، وموسى بن جعفر وعلي بن موسى، ومحمد بن علي
وعلي بن محمد، والحسن بن علي والحجة المنتظر لإذنك،
صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم صوتي ليشفعوا
لي إليك، وتشفعهم في، ولا تردني خائبا، بحق لا إله إلا
أنت ".
ثم تسأل حوائجك فإنها تقضى إن شاء الله تعالى.
216

بقية مستحبات
المسجد النبوي الشريف
إذا فرغت من زيارة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبضعته
الطاهرة (عليها السلام)، جدير بك أن تأتي المنبر الشريف - الذي كان يرقى عليه
النبي ليلقي دروسه الثمينة وتعاليمه النافعة وأحاديثه الشريفة ومواعظه الشافية
وإرشاداته القيمة على الأمة الاسلامية، فهو الجامعة الكبرى والمدرسة العظمى
التي خرجت جهابذة الصحابة من سلفنا الصالح رضي الله عنهم - فتبرك بذلك
المنبر وأمسك الرمانتين اللتين في أسفله بيديك، ومرغ وجهك وعينيك بهما
وبالمنبر إن أمكن فإنه شفاء للعينين.
وحيث أن المنبر الأصلي غير موجود الآن، ولكن الذي هو موجود الآن
قائم بمكانه حسب الظاهر، فلا مانع من فعل ذلك برجاء المطلوبية، وقم عند
المنبر وأحمد الله واثن عليه، واطلب حوائجك من الله، فإن الله يجيب دعوة
الداعين.
الصلاة والدعاء في مقام جبرئيل
36 - ويستحب أيضا الصلاة في مقام جبرئيل الذي كان يقوم فيه
إذا استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله)، فإذا فرغت من الصلاة فادع
بهذا الدعاء:
" يا من خلق السماوات، وملأها جنودا من المسبحين له
من ملائكته، والممجدين لقدرته وعظمته، وأفرغ على أبدانهم
حلل الكرامات، وأنطق ألسنتهم بضروب اللغات، وألبسهم
217

شعار التقوى، وقلدهم قلائد النهى، وجعلهم أوفر أجناس
خلقه معرفة بوحدانيته وقدرته وجلالته وعظمته، وأكملهم
علما به، وأشدهم فرقا، وأدومهم له طاعة وخضوعا واستكانة
وخشوعا، يا من فضل الأمين جبرئيل بخصائصه ودرجاته
ومنازله، واختاره لوحيه وسفارته وعهده وأمانته، وإنزال كتبه
وأوامره على أنبيائه ورسله، وجعله واسطة بين نفسه وبينهم،
أسئلك أن تصلي على محمد وآل محمد، وعلى جميع
ملائكتك وسكان سمواتك، أعلم خلقك بك، وأخوف
خلقك لك، وأقرب خلقك منك، وأعمل خلقك بطاعتك،
الذين لا يغشيهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة
الأبدان، المكرمين بجوارك، والمؤتمنين على وحيك،
المجتنبين الآفات، والموقين السيئات، اللهم واخصص الروح
الأمين، صلواتك عليه بأضعافها منك، وعلى ملائكتك
المقربين وطبقات الكروبيين والروحانيين، وزد في مراتبه
عندك، وحقوقه التي له على أهل الأرض، بما كان ينزل به من
شرائع دينك، وما بينته على السنة أنبياءك، من محللاتك
ومحرماتك، اللهم أكثر صلواتك على جبرئيل، فإنه قدوة
الأنبياء، وهادي الأصفياء وسادس أصحاب الكساء، اللهم
218

اجعل وقوفي في مقامه هذا سببا لنزول رحمتك علي،
وتجاوزك عني، ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان، أن آمنوا
بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع
الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيمة،
إنك لا تخلف الميعاد، أي جواد أي كريم، أي قريب أي
بعيد، أسئلك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن توفقني
لطاعتك، ولا تزيل عني نعمتك، وأن ترزقني الجنة برحمتك،
وتوسع علي من فضلك، وتغنيني عن شرار خلقك، وتلهمني
شكرك وذكرك، ولا تخيب يا رب دعائي، ولا تقطع رجائي،
بمحمد وآله ".
" وأسئلك بأنك أنت الله ليس كمثلك شئ، أن تعصمني
عن المهالك، وأن تسلمني من آفات الدنيا والآخرة، ووعثاء
السفر وسوء المنقلب، وأن تردني سالما إلى وطني، بعد حج
مقبول وسعى مشكور وعمل متقبل، ولا تجعله آخر العهد من
حرمك وحرم رسولك، صلى الله عليه وآله ".
" أي جواد أي كريم، أي قريب أي بعيد، أسئلك أن تصلي
219

على محمد وأهل بيته، وأن ترد علي نعمتك ".
32 - ويستحب الاعتكاف في المسجد النبوي الشريف إن استطعت،
وإن استطعت أن لا تتكلم في الأيام إلا ما لا بد منه فافعل. وإن شئت أن
تكون في ليلة الأربعاء ويومها عند الأسطوانة التي تلي رأس النبي وليلة الخميس
ويومها عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الجمعة ويومها عند الأسطوانة التي تلي مقام
النبي فلا بأس في ذلك.
220

زيارة أئمة البقيع
37 - يستحب استحبابا مؤكدا زيارة أئمة البقيع (عليهم السلام)، فإذا
فرغت من زيارة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبضعته الطاهرة فاطمة
الزهراء (عليها السلام) فتوجه إلى البقيع لزيارة الأئمة الأربعة من أئمة أهل البيت
الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم:
1 - الإمام الحسن بن علي الزكي (عليه السلام).
2 - الإمام علي بن الحسن زين العابدين (عليه السلام).
3 - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام).
4 - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
ثم تزور معهم فاطمة بنت أسد وفاطمة الزهراء (على قول) وقد مرت
عليك سابقا زيارتها (عليها السلام).
38 - يستحب الغسل لأجل الزيارة والدعاء بهذا الدعاء:
" بسم الله وبالله، اللهم اجعله لي نورا وطهورا وحرزا وشفاء من كل
داء وآفة وعاهة، اللهم طهر به قلبي واشرح به صدري ويسر به أمري ".
39 - ويستحب أن يلبس الزائر أنظف الثياب، ويتطيب بأفضل
الطيب، ويذهب لزيارتهم على سكينة ووقار، فإذا وصل إلى باب القبة الشريفة
221

يقف ويستأذن بها الاستئذان قائلا:
" يا موالي يا أبناء رسول الله، عبدكم وابن أمتكم، الذليل
بين أيديكم، والمضعف في علو قدركم، والمعترف
بحقكم، جاءكم مستجيرا بكم، قاصدا إلى حرمكم، متقربا
إلى مقامكم، متوسلا إلى الله تعالى بكم، أأدخل يا موالي،
أأدخل يا أولياء الله، أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا
الحرم، المقيمين بهذا المشهد ".
40 - ثم أدخل بخضوع وخشوع، وقدم رجلك اليمنى، وقل وأنت في
حال الدخول:
" الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة
وأصيلا، والحمد لله الفرد الصمد، الماجد الأحد، المتفضل
المنان، المتطول الحنان، الذي من بطوله، وسهل زيارة
ساداتي بإحسانه، ولم يجعلني عن زيارتهم ممنوعا، بل تطول
ومنح ".
وتقول في زيارتهم وأنت مستقبلا قبورهم، ومستدبرا القبلة الشريفة.
222

" السلام عليكم أئمة الهدى، السلام عليكم أهل التقوى،
السلام عليكم أيها الحجج على أهل الدنيا، السلام عليكم
أيها القوام في البرية بالقسط، السلام عليكم أهل الصفوة،
السلام عليك آل رسول الله، السلام عليكم أهل النجوى،
أشهد إنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله، وكذبتم
وأسيئ إليكم فغفرتم، وأشهد إنكم الأئمة الراشدون
المهتدون، وأن طاعتكم مفروضة، وأن قولكم الصدق، وإنكم
دعوتم فلم تجابوا، وأمرتم فلم تطاعوا، وإنكم دعائم الدين
وأركان الأرض، لم تزالوا بعين الله، ينسخكم من أصلاب كل
مطهر، وينقلكم من أرحام المطهرات، لم تدنسكم الجاهلية
الجهلاء، ولم تشرك فيكم فتن الأهواء، طبتم وطاب منبتكم،
من بكم علينا ديان الدين، فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع
ويذكر فيها اسمه، وجعل صلاتنا عليكم رحمة لنا وكفارة
لذنوبنا، إذ اختاركم الله لنا، وطيب خلقنا بما من علينا من
ولايتكم، وكنا عنده مسمين بعلمكم، معترفين بتصديقنا
إياكم، وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقر بما جنى،
ورجى بمقامه الخلاص، وأن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من
الردى، فكونوا لي شفعاء، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم
223

أهل الدنيا، واتخذوا آيات الله هزوا، واستكبروا عنها، يا من هو
قائم لا يسهو، ودائم لا يلهو، ومحيط بكل شئ، لك المن
بما وفقتني، وعرفتني بما أقمتني عليه، إذ صد عنه عبادك
وجهلوا معرفته، واستخفوا بحقه، ومالوا إلى سواه، فكانت
المنة منك علي مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به، فلك
الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا، فلا
تحرمني ما رجوت، ولا تخيبني فيما دعوت، بحرمة محمد
وآله الطاهرين، وصلى الله عليه محمد وآل محمد ".
زيارة أخرى أيضا لأئمة البقيع (عليهم السلام)
41 - ويستحب أيضا زيارتهم بزيارة أخرى وردت لأئمة البقيع
(عليهم السلام)، وهي:
" السلام عليكم يا خزان علم الله وحفظة سره وتراجمة وحيه، أتيتكم
يا بني رسول الله عارفا بحكم مستبصرا بشأنكم معاديا لأعدائكم مواليا
لأوليائكم، بأبي أنتم وأمي صلى الله على أرواحكم وأبدانكم. اللهم إني أتولى
آخرهم كما توليت أولهم، وأبرأ من كل وليجة دونهم، آمنت بالله وكفرت
بالجبت والطاغوت واللات والعزى وكل عند يدعى من دون الله ".
42 - ثم تصلي ثمان ركعات لزيارة الأئمة الأربعة (عليهم السلام)، لكل
إمام ركعتين بتشهد واحد وتسليم (مثل صلاة الصبح). وكلما تصلي ركعتين
تهدي ثوابهما إلى الإمام الذي نويت الصلاة لزيارته، تهدي ركعتين لزيارة الإمام
الحسن بن علي (عليه السلام)، وركعتين لزيارة الإمام زين العابدين (عليه السلام)،
224

وركعتين لزيارة الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وركعتين لزيارة الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام)، ثم تقول بعد كل ركعتين ما قلته في زيارة النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم).
زيارة فاطمة بنت أسد
43 - ويستحب زيارة فاطمة بنت أسد والدة الإمام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي مع الأئمة الأربعة (عليهم السلام) في البقيع
بمكان واحد، فتقول:
" السلام على نبي الله، السلام على رسول الله، السلام على
محمد سيد المرسلين، السلام على محمد سيد الأولين،
السلام على محمد سيد الآخرين، السلام على من بعثه الله
رحمة للعالمين، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيتها
الصديقة المرضية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام
عليك أيتها الكريمة الرضية، السلام عليك يا كافلة محمد
خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيد الوصيين، السلام
عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول الله خاتم النبيين،
السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين، السلام عليك
وعلى روحك وبدنك الطاهر، السلام عليك وعلى ولدك،
ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك أحسنت الكفالة،
وأديت
225

الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وبالغت في حفظ رسول
الله، عارفة بحقه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوته، مستبصرة
بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة على نفسه، واقفة على خدمته،
مختارة رضاه، مؤثرة هواه، وأشهد أنك مضيت على الايمان
والتمسك بأشرف الأديان، راضية مرضية، طاهرة زكية، تقية
نقية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنة منزلك
ومأواك، اللهم صلى على محمد وآل محمد، وانفعني
بزيارتها، وثبتني على محبتها، ولا تحرمني شفاعتها وشفاعة
الأئمة من ذريتها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع
أولادها الطاهرين، اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي
إياها، وارزقني العود إليها أبدا ما أبقيتني، وإذا توفيتني
فاحشرني في زمرتها، وأدخلني في شفاعتها، برحمتك يا
أرحم الراحمين، اللهم بحقها عندك ومنزلتها لديك، اغفر لي
ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار "
ثم تصلي ركعتين للزيارة وتدعو بما أحببت وتنصرف.
226

زيارة إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
44 - ويستحب أيضا زيارة إبراهيم بن رسول الله (صلى الله علية وآله
وسلم) فتقف على قبره وتقول:
" السلام على رسول الله، السلام على نبي الله، السلام على
حبيب الله، السلام على صفي الله، السلام على نجي الله،
السلام على محمد بن عبد الله، سيد الأنبياء وخاتم المرسلين،
وخيرة الله من خلقه في أرضه وسماءه، السلام على جميع
أنبياءه ورسله السلام على الشهداء والسعداء
والصالحين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام
عليك أيتها الروح الزاكية، السلام عليك أيتها النفس الشريفة.
السلام عليك أيتها السلالة الطاهرة، السلام عليك أيتها
النسمة الزاكية، السلام عليك يا بن خير الورى، السلام عليك
يا بن النبي المجتبى، السلام عليك يا بن المبعوث إلى كافة
الورى، السلام عليك يا بن البشير النذير، السلام عليك يا بن
السراج المنير، السلام عليك يا بن المؤيد بالقرآن، السلام
عليك يا بن المرسل إلى الإنس والجان، السلام عليك يا بن
صاحب الراية والعلامة، السلام عليك يا بن الشفيع يوم القيامة،
السلام عليك يا بن من حباه الله بالكرامة، السلام عليك ورحمة
227

الله وبركاته، أشهد أنك قد اختار الله لك دار إنعامه قبل أن
يكتب عليك أحكامه، أو يكلفك حلاله وحرامه، فنقلك إليه
طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كل نجس، مقدسا من كل دنس،
وبوأك جنة المأوى، ورفعك إلى الدرجات العلى، وصلى الله
عليك صلاة تقر بها عين رسوله، وتبلغه أكبر مأموله، اللهم
اجعل أفضل صلواتك وأزكاها، وأنمى بركاتك وأوفاها، على
رسولك ونبيك وخيرتك من خلقك محمد خاتم النبيين،
وعلى من نسل من أولاده الطيبين، وعلى من خلف من عترته
الطاهرين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إني أسئلك
بحق محمد صفيك، وإبراهيم نجل نبيك أن تجعل سعيي بهم
مشكورا، وذنبي بهم مغفورا، وحياتي بهم سعيدة، وعاقبتي
بهم حميدة، وحوائجي بهم مقضية، وأفعالي بهم مرضية،
وأموري بهم مسعودة، وشؤوني بهم محمودة، اللهم وأحسن
لي التوفيق، ونفس عني كل هم وضيق، اللهم جنبني
عقابك، وامنحني ثوابك، وأسكني جنانك، وارزقني رضوانك
وأمانك، وأشرك لي في صالح دعائي والدي وولدي وجميع
المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك ولي
الباقيات الصالحات، آمين رب العالمين ".
ثم تسأل حوائجك وتصلي الركعتين للزيارة.
228

المساجد والمشاهد المشرفة
حول المدينة المنورة
45 - ويستحب إتيان المساجد المشرفة، والمشاهد المعظمة حول المدينة
المنورة مبتدئا في جولتك بمسجد قبا.
مسجد قبا
وهو المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، حينما هاجر الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة ونزل في " قبا " وقام فيها
بضعا وعشرين ليلة يصلي قصرا ينتظر قدوم ابن عمه علي بن أبي طالب
(عليه السلام) وأسس هذا المسجد الشريف قبل أي مسجد بالمدينة، وفيه نزل
قوله تعالى " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال
يحبون أن يتطهروا والله يجب المطهرين ".
فيستحب الصلاة في هذا المسجد الشريف والدعاء فيه، وخلفه بيت
أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ويبعد هذا المسجد الشريف عن المدينة المنورة
مسافة ثلاث كيلو مترات ونصف.
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من تطهر في بيته
وأتى مسجد قبا وصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة.
وأمام المسجد بئر كان ماؤها عذبا غزيرا، ولكنها عطلت الآن، ويقال
إن خاتم الرسول (صلى الله عليه وآله) سقط فيها فسميت " بئر الخاتم "
وتسمى أيضا " بئر التفلة " لما يقال إن النبي (صلى الله عليه وآله) تفل
فصار ماؤها عذبا وقد كان ملحا أجاجا.
229

مسجد الفضيخ
ثم تأتي " مسجد الفضيخ " فتصلي فيه وتدعو فيه ما شاء لك الدعاء.
مشربة أم إبراهيم
ثم توجه إلى " مشربة أم إبراهيم " زوجة النبي الأعظم (صلى الله عليه
وآله وسلم)، واسمها " مارية القبطية " فتصلي فيها فإنها مسكن رسول الله
ومصلاه.
مساجد ومشاهد أحد
فإذا فرغت من هذا الجانب توجه إلى جانب أحد وابدأ بالمسجد الأول
وهو المعروف بمسجد الحرة، فصل فيه وادع الله سبحانه وتعالى.
زيارة حمزة بن عبد المطلب
ثم توجه إلى أحد لزيارة حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، ويبعد قبره عن المدينة المنورة أربعة كيلومترات، وقم عند قبره
وقل:
" السلام عليك يا عم رسول الله، صلى الله عليه وآله،
السلام عليك يا خير الشهداء، السلام عليك يا أسد الله وأسد
رسوله، أشهد أنك قد جاهدت في الله عز وجل، وجدت
بنفسك، ونصحت رسول الله، وكنت فيما عند الله سبحانه
راغبا، بأبي أنت وأمي، أتيتك متقربا إلى الله عز وجل
230

بزيارتك، ومتقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك،
راغبا إليك في الشفاعة، أبتغي بزيارتك خلاص نفسي متعوذا
بك من نار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي، هاربا من
ذنوبي التي احتطبتها على ظهري، فزعا إليك رجاء رحمة
ربي، أتيتك من شقة بعيدة، طالبا فكاك رقبتي من النار، وقد
أوقرت ظهري ذنوبي، وأتيت ما أسخط ربي، ولم أجد أحدا
أفزع إليه خيرا لي منكم أهل بيت الرحمة، فكن لي شفيعا يوم
فقري وحاجتي، فقد سرت إليك محزونا، وأتيتك مكروبا،
وسكبت عبرتي عندك باكيا، وصرت إليك مفردا، وأنت ممن
أمرني الله بصلته، وحثني على بره، ودلني على فضله،
وهداني لحبه، ورغبني في الوفادة إليه، وألهمني طلب
الحوائج عنده، أنتم أهل بيت لا يشقى من تولاكم، ولا يخيب
من أتاكم، ولا يخسر من يهويكم، ولا يسعد من عاداكم ".
فإذا فرغت من الزيارة تصلي ركعتين وتدعو بهذا الدعاء:
" اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم إني تعرضت
لرحمتك بلزوقي لقبر عم نبيك صلى الله عليه وآله، ليجيرني
من نقمتك وسخطك ومقتك في يوم تكثر فيه الأصوات،
وتشغل كل نفس بما قدمت، وتجادل عن نفسها، فإن
231

ترحمني اليوم فلا خوف علي ولا حزن، وإن تعاقب فمولى له
القدرة على عبده، ولا تخيبني بعد اليوم، ولا تصرفني بغير
حاجتي، فقد لصقت بقبر عم نبيك، وتقربت به إليك ابتغاء
مرضاتك ورجاء رحمتك، فتقبل مني، وعد بحلمك على
جهلي، وبرأفتك على جناية نفسي، فقد عظم جرمي، وما
أخاف أن تظلمني، ولكن أخاف سوء الحساب، فانظر اليوم
تقلبي على قبر عم نبيك، فبهما فكني من النار، ولا تخيب
سعيي، ولا يهونن عليك ابتهالي، ولا تحجبن عنك صوتي،
ولا تقلبني بغير حوائجي، يا غياث كل مكروب ومحزون، ويا
مفرجا عن الملهوف الحيران الغريق المشرف على الهلكة،
فصل على محمد وآل محمد، وانظر إلي نظرة لا أشقى بعدها
أبدا، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي، فقد رجوت رضاك،
وتحريت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك، فلا ترد أملي، اللهم
إن تعاقب فمولى له القدرة على عبده وجزاءه بسوء فعله، فلا
أخيبن اليوم، ولا تصرفني بغير حاجتي، ولا تخيبن شخوصي
ووفادتي، فقد أنفدت نفقتي، وأتعبت بدني، وقطعت
المفازات، وخلفت الأهل والمال وما خولتني، وآثرت ما عندك
على نفسي، ولذت بقبر عم نبيك صلى الله عليه وآله، وتقربت
به ابتغاء مرضاتك، فعد بحلمك على جهلي، وبرأفتك على
ذنبي، فقد عظم جرمي، برحمتك يا كريم يا كريم ".
232

ثم توجه إلى قبور الشهداء رحمهم الله في أحد، فقم على قبورهم فقل:
" السلام عليكم يا أهل الديار، أنتم لنا فرط وأنا بكم لاحقون.
السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ".
ثم تأتي إلى المسجد الذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك
حين تأتي أحدا فتصلي فيه، فإن من هذا المسجد خرج النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) حين لقي المشركين ونصره الله عليهم.
مسجد الأحزاب
ثم توجه إلى مسجد الأحزاب، فصل فيه وادع الله سبحانه وتعالى، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا فيه يوم الأحزاب وقال: " يا صريخ
المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث الملهوفين اكشف همي وكربي
وغمي فقد ترى حالي وحال أصحابي ".
ويظهر أن هذا المسجد هو مسجد الفتح الذي دعا فيه النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) يوم الأحزاب فاستجاب له الله بالفتح على يد أمير المؤمنين وسيد
الوصيين بقتله عمرو بن عبد ود العامري وانهزام الأحزاب " ورد الله الذين
كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال " بواسطة أمير المؤمنين
علي الذي قتل عمرا وأباد جيشهم وهزم جمعهم.
بل هو المسجد الذي ردت فيه الشمس لعلي (عليه السلام) حتى صلى
صلاة العصر حينما فاته الوقت بسبب نوم النبي في حجره، فلما فرغ من الصلاة
انقضت انقضاض الكوكب.
233

بقية المساجد
ثم تأتي إلى مسجد القبلتين ومسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) ومسجد
سلمان، وهذه المساجد على يمين الذاهب إلى أحد، والأخيران يكونان تحت
الجبل إلى جهة القبلة، فيستحب الصلاة فيها والدعاء والابتهال إلى المولى
سبحانه وتعالى.
234

" السلام على رسول الله، السلام على نبي الله، السلام على
محمد بن عبد الله، السلام على أهل بيته الطاهرين، السلام
عليكم أيها الشهداء المؤمنون، السلام عليكم يا أهل بيت
الايمان والتوحيد، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار
رسوله عليه وآله السلام، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي
الدار، أشهد أن الله اختاركم لدينه، واصطفاكم لرسوله،
وأشهد أنكم قد جاهدتم في الله حق جهاده، وذببتم عن دين
الله وعن نبيه، وجدتم بأنفسكم دونه، وأشهد أنكم قتلتم على
منهاج رسول الله، فجزاكم الله عن نبيه وعن الاسلام وأهله
أفضل الجزاء، وعرفنا وجوهكم في محل رضوانه، وموضع
اكرامه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن
أولئك رفيقا، أشهد أنكم حزب الله، وأن من حاربكم فقد
حارب الله، وأنكم لمن المقربين الفائزين، الذين هم أحياء
عند ربهم يرزقون، فعلى من قتلكم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، أتيتكم يا أهل التوحيد زائرا وبحقكم عارفا
وبزيارتكم إلى الله متقربا، وبما سبق من شريف الأعمال،
ومرضي الأفعال عالما، فعليكم سلام الله ورحمته وبركاته،
235

وعلى من قتلكم لعنة الله وغضبه وسخطه، اللهم انفعني
بزيارتهم، وثبتني على قصدهم، وتوفني على ما توفيتهم
عليه، واجمع بيني وبينهم في مستقر دار رحمتك، أشهد أنكم
لنا فرط، ونحن بكم لاحقون ".
236

وداع النبي (صلى الله عليه وآله)
46 - أيها الحاج الكريم إذا أردت السفر من المدينة المنورة، وأردت
وداع نبيك الأعظم (صلى الله عليه وآله) فافرغ من جميع حوائجك واغتسل
والبس أطهر ثيابك وتوجه إلى الحرم الشريف وزر نبيك بما تقدم من زيارته،
فإذا فرغت من ذلك فودعه قائلا:
" السلام عليك يا رسول الله، أستودعك الله وأسترعيك
وأقرأ عليك السلام، آمنت بالله وبما جئت به ودللت عليه،
اللهم لا تجعله آخر العهد مني لزيارة قبر نبيك، فإن توفيتني
قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في
حياتي، أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، صلى
الله عليه وآله ".
" صلى الله عليك، السلام عليك، لا جعله الله آخر
237

تسليمي عليك ".
" السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك أيها البشير
النذير، السلام عليك أيها السراج المنير، السلام عليك أيها
السفير بين الله وبين خلقه، أشهد يا رسول الله أنك كنت نورا
في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك
الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها، وأشهد
يا رسول الله أني مؤمن بك وبالأئمة من أهل بيتك، أعلام
الهدى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا، اللهم
لا تجعله آخر العهد من زيارة نبيك عليه السلام، وإن توفيتني
فإني أشهد في مماتي على ما أشهد عليه في حياتي، أنك أنت
الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك
ورسولك، وأن الأئمة من أهل بيته، أولياؤك وأنصارك
وحججك على خلقك، وخلفاؤك في عبادك وأعلامك في
بلادك، وخزان علمك، وحفظة سرك، وتراجمة وحيك،
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبلغ روح نبيك محمد
وآله، في ساعتي هذه وفي كل ساعة تحية مني وسلاما،
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ".
238

وداع آخر للنبي (صلى الله عليه وآله)
" اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك، فإن
توفيتني قبل ذلك، فإني أشهد في مماتي على ما أشهد عليه
في حياتي، أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك،
وأنك قد اخترته من خلقك، ثم اخترت من أهل بيته الأئمة
الطاهرين، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا،
فاحشرنا معهم، وفي زمرتهم، وتحت لواءهم، ولا تفرق بيننا
وبينهم في الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين، السلام عليك،
لا جعله الله آخر تسليمي عليك ".
وداع أئمة البقيع (عليهم السلام)
47 - وإذا أردت الخروج من المدينة، وزرت قبر نبيك الأعظم
(صلى الله عليه وآله) وودعته بما تقدم، فتوجه إلى البقيع لتوديع أئمتك الأربعة
(عليهم السلام) وزرهم بما تقدم في باب زيارتهم، ثم ودعهم قائلا:
" السلام عليكم أئمة الهدى ورحمة الله وبركاته،
أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام، آمنا بالله وبالرسول وبما
جئتم به ودللتم عليه، اللهم فاكتبنا مع الشاهدين ".
ثم تقول:
239

" ولا تجعله آخر العهد من زيارتهم برحمتك يا أرحم
الراحمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
الدعاء في ليلة عرفة
" اللهم يا شاهد كل نجوى، وموضع كل شكوى، وعالم
كل خفية، ومنتهى كل حاجة، يا مبتدئا بالنعم على العباد، يا
كريم العفو، يا حسن التجاوز، يا جواد، يا من لا يوارى منه
ليل داج، ولا بحر عجاج، ولا سماء ذات أبراج، ولا ظلم ذات
ارتياج، يا من الظلمة عنده ضياء، أسئلك بنور وجهك
الكريم، الذي تجليت به للجبل، فجعلته دكا وخر موسى
صعقا، وباسمك الذي رفعت به السماوات بلا عمد،
وسطحت به الأرض على وجه ماء جمد، وباسمك المخزون
المكنون المكتوب الطاهر الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا
سئلت به أعطيت، وباسمك السبوح القدوس البرهان الذي
هو نور على كل نور، ونور من نور، يضيئ منه كل نور، إذا
بلغ الأرض انشقت، وإذا بلغ السماوات فتحت، وإذا بلغ
العرش اهتز، وباسمك الذي ترتعد منه فرائص ملائكتك،
وأسئلك بحق جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وبحق محمد
240

المصطفى صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء وجميع
الملائكة، وبالاسم الذي مشى به الخضر على طلل الماء كما
مشى به على جدد الأرض، وباسمك الذي فلقت به البحر
لموسى، وأغرقت فرعون وقومه، وأنجيت به موسى بن عمران
ومن معه، وباسمك الذي دعاك موسى بن عمران من جانب
الطور الأيمن، فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك،
وباسمك الذي به أحيى عيسى بن مريم الموتى، وتكلم في
المهد صبيا، وأبرء الأكمه والأبرص بإذنك، وباسمك الذي
دعاك به حملة عرشك وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل،
وحبيبك محمد صلى الله عليه وآله، وملائكتك المقربون،
وأنبياؤك المرسلون، وعبادك الصالحون من أهل السماوات
والأرضين، وباسمك الذي دعاك به ذو النون إذ ذهب مغاضبا
فظن أن لن تقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت
سبحانك، إني كنت من الظالمين، فاستجبت له ونجيته من
الغم، وكذلك تنجي المؤمنين، وباسمك العظيم الذي دعاك
داوود وخر لك ساجدا، فغفرت له ذنبه، وباسمك الذي
دعتك به آسية امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في
الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين،
241

فاستجبت لها دعاءها، وباسمك الذي دعاك به أيوب إذ حل به
البلاء، فعافيته وآتيته أهله ومثلهم معهم رحمة من عندك
وذكرى للعابدين، وباسمك الذي دعاك به يعقوب، فرددت
عليه بصره وقرة عينه يوسف، وجمعت شمله، وباسمك الذي
دعاك به سليمان، فوهبت له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده،
إنك أنت الوهاب، وباسمك الذي سخرت به البراق لمحمد
صلى الله عليه وآله، إذ قال تعالى: (سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)،
وقوله: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى
ربنا لمنقلبون)، وباسمك الذي تنزل به جبرئيل على محمد
صلى الله عليه وآله، باسمك الذي دعاك به آدم، فغفرت له
ذنبه وأسكنته جنتك، وأسئلك بحق القرآن العظيم، وبحق
محمد خاتم النبيين، وبحق إبراهيم وبحق فصلك يوم
القضاء، وبحق الموازين إذا نصبت، والصحف إذا نشرت،
وبحق القلم وما جرى واللوح وما أحصى، وبحق الاسم الذي
كتبته على سرادق العرش قبل خلقك الخلق والدنيا والشمس
والقمر بألفي عام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله، وأسئلك باسمك المخزون في
242

خزائنك الذي استأثرت به في علم الغيب عندك، لم يظهر
عليه أحد من خلقك، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد
مصطفى، وأسئلك باسمك الذي شققت به البحار، وقامت به
الجبال، واختلف به الليل والنهار، وبحق السبع المثاني
والقرآن العظيم، وبحق الكرام الكاتبين، وبحق طه ويس
وكهيعص وحمعسق، وبحق تورية موسى، وإنجيل عيسى،
وزبور داود، وفرقان محمد، صلى الله عليه وآله وعلى جميع
الرسل وباهيا شراهيا.
اللهم إني أسئلك بحق تلك المناجاة التي كانت بينك
وبين موسى بن عمران فوق جبل طور سيناء، وأسئلك باسمك
الذي علمته ملك الموت لقبض الأرواح، وأسئلك باسمك
الذي كتب على ورق الزيتون، فخضعت النيران لتلك الورقة،
فقلت: " (يا نار كوني بردا وسلاما)، وأسئلك باسمك الذي
كتبته على سرادق المجد والكرامة، يا من لا يحفيه سائل ولا
ينقصه نائل، يا من به يستغاث وإليه يلجأ، أسئلك بمعاقد العز
من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم،
وجدك الأعلى، وكلماتك التامات العلى، اللهم رب الرياح
وما ذرت، والسماء وما أظلت، والأرض وما أقلت، والشياطين
243

وما أضلت، والبحار وما جرت، وبحق كل حق هو عليك
حق، وبحق الملائكة المقربين والروحانيين والكروبيين
والمسبحين لك بالليل والنهار لا يفترون، وبحق إبراهيم
خليلك، وبحق كل ولي يناديك بين الصفا والمروة،
وتستجيب له دعاءه يا مجيب أسئلك بحق هذه الأسماء
وبهذه الدعوات أن تغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما
أعلنا وما أبدينا وما أخفينا وما أنت أعلم به منا، إنك على كل
شئ قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين.
يا حافظ كل غريب، يا مؤنس كل وحيد، يا قوة كل
ضعيف، يا ناصر كل مظلوم، يا رازق كل محروم، يا مؤنس
كل مستوحش يا صاحب كل مسافر، يا عماد كل حاضر،
يا غافر كل ذنب وخطيئة، يا غياث المستغيثين، يا صريخ
المستصرخين، يا كاشف كرب المكروبين، يا فارج هم
المهمومين، يا بديع السماوات والأرضين، يا منتهى غاية
الطالبين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا أرحم الراحمين، يا
رب العالمين، يا ديان يوم الدين، يا أجود الأجودين، يا أكرم
الأكرمين، يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، يا أقدر
القادرين، اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب
244

التي تورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تورث السقم،
واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، واغفر لي الذنوب التي
ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تحبس قطر السماء، واغفر
لي الذنوب التي تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تجلب
الشقاء، واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء، واغفر لي
الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي لا يغفرها
غيرك يا الله، واحمل عني كل تبعة لأحد من خلقك واجعل
لي من أمري فرجا ومخرجا ويسرا، وأنزل يقينك في صدري،
ورجاءك في قلبي، حتى لا أرجو غيرك.
اللهم احفظني، وعافني في مقامي، واصحبني في ليلي
ونهاري ومن بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي
ومن فوقي ومن تحتي، ويسر لي السبيل، وأحسن لي
التيسير، ولا تخذلني في العسير، واهدني يا خير دليل، ولا
تكلني إلى نفسي في الأمور، ولقني كل سرور، واقلبني إلى
أهلي بالفلاح والنجاح محبورا في العاجل والآجل، إنك على
كل شئ قدير، وارزقني من فضلك، وأوسع علي من طيبات
رزقك، واستعملني في طاعتك، وأجرني من عذابك ونارك،
واقلبني إذا توفيتني إلى جنتك برحمتك، اللهم إني أعوذ بك
245

من زوال نعمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن حلول نقمتك،
ومن نزول عذابك، وأعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء،
ومن سوء القضاء وشماتة الأعداء، ومن شر ما ينزل من
السماء، ومن شر ما في الكتاب المنزل.
اللهم لا تجعلني من الأشرار، ولا من أصحاب النار، ولا
تحرمني صحبة الأخيار، وأحيني حياة طيبة، وتوفني وفاة طيبة
تلحقني بالأبرار، وارزقني مرافقة الأنبياء في مقعد صدق عند
مليك مقتدر.
اللهم لك الحمد على حسن بلاءك وصنعك، ولك
الحمد على الاسلام، واتباع السنة، يا رب كما هديتهم
لدينك، وعلمتهم كتابك، فاهدنا وعلمنا، ولك الحمد على
حسن بلاءك، وصنعك عندي خاصة، كما خلقتني فأحسنت
خلقي، وعلمتني فأحسنت تعليمي، وهديتني فأحسنت
هدايتي، فلك الحمد على أنعامك علي قديما وحديثا، فكم
من كرب يا سيدي قد فرجته، وكم من غم يا سيدي قد
نفسته، وكم من هم يا سيدي قد كشفته، وكم من بلاء يا
سيدي قد صرفته، وكم من عيب يا سيدي قد سترته، فلك
الحمد على كل حال في كل مثوى وزمان، ومنقلب ومقام،
246

وعلى هذه الحال وكل حال.
اللهم اجعلني من أفضل عبادك نصيبا في هذا اليوم، من
خير تقسمه، أو ضر تكشفه، أو سوء تصرفه، أو بلاء تدفعه،
أو خير تسوقه، أو رحمة تنشرها، أو عافية تلبسها، فإنك على
كل شئ قدير، وبيدك خزائن السماوات والأرض، وأنت
الواحد الكريم المعطى الذي لا يرد سائله، ولا يخيب آمله،
ولا ينقص نائله، ولا ينفد ما عنده، بل يزداد كثرة وطيبا وعطاء
وجودا، وارزقني من خزائنك التي لا تفنى، ومن رحمتك
الواسعة، إن عطاءك لم يكن محظورا، وأنت على كل شئ
قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين ".
ويستحب أيضا قراءة هذا الدعاء في ليلة عرفة
" اللهم من تعبأ وتهيأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق،
رجاء رفده وطلب نائله وجائزته، فإليك يا رب تعبيتي
واستعدادي، رجاء عفوك، وطلب نائلك وجائزتك، فلا
تخيب دعائي، يا من لا يخيب عليه سائل (السائل) ولا
ينقصه نائل، فإني لم آتك ثقة بعمل صالح عملته، ولا لوفادة
مخلوق رجوته، أتيتك مقرا على نفسي بالإساءة والظلم،
247

معترفا بأن لا حجة لي ولا عذر، أتيتك أرجو عظيم عفوك،
الذي عفوت (علوت) به عن (على) الخاطئين (الخطائين)،
فلم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم، أن عدت
عليهم بالرحمة، فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم، يا عظيم يا
عظيم يا عظيم، لا يرد غضبك إلا حلمك، ولا ينجي من
سخطك إلا التضرع إليك، فهب لي يا إلهي فرجا بالقدرة التي
تحيي بها ميت البلاد، ولا تهلكني غما حتى تستجيب لي،
وتعرفني الإجابة في دعائي، وأذقني طعم العافية إلى منتهى
أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تسلطه علي، ولا تمكنه
من عنقي.
اللهم (إلهي) إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني، وإن
رفعتني فمن ذا الذي يضعني، وإن أهلكتني فمن ذا الذي
يعرض لك في عبدك، أو يسئلك عن أمره، وقد علمت أنه
ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، وإنما يعجل
من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد
تعاليت يا إلهي عن ذلك علوا كبيرا، اللهم إني أعوذ بك
فأعذني، وأستجير بك فأجرني، وأسترزقك فارزقني، و
أتوكل عليك فاكفني، واستنصرك على عدوي (عدوك)
248

فانصرني، وأستعين بك فأعني، وأستغفرك يا إلهي فاغفر لي،
آمين آمين آمين.
249

بقية أعمال عرفة
أيها الحاج الكريم قد تقدمت الإشارة إلى هذه الأعمال في صفحة 102
في القسم الأول:
1 قراءة دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) الذي علمه عليا
(عليه السلام قائلا له، إنه دعاء من كان قبلي من الأنبياء، رواه الإمام
أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو:
" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،
يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت، بيده
الخير، وهو على كل شئ قدير، اللهم لك الحمد كما تقول
وخير ما نقول وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي
ونسكي وديني ومحياي ومماتي، ولك تراثي، وبك حولي،
ومنك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ووساوس
الصدور (الصدر خ ل) ومن شتات الأمر، ومن عذاب
250

القبر، اللهم إني أسئلك خير الرياح، وأسئلك خير الليل
والنهار، اللهم اجعل لي في قلبي نورا، وفي سمعي وبصري
نورا، وفي لحمي وعظامي ودمي وعروقي ومقعدي ومقامي
ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم لي نورا يا ربي يوم ألقاك،
إنك على كل شئ قدير ".
251

دعاء الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة
2 قراءة دعاء الحسين (عليه السلام) المعروف بدعاء عرفة الذي يرويه
بشر وبشير ابنا غالب قالا: حضرنا عرفة بخدمة الحسين (عليه السلام)، وقد خرج
من الخيمة ومعه أهل بيته وأولاده وشيعته، ووقف على قدميه في ميسرة الجبل
تحت السماء، رافعا يديه بحذاء وجهه خاشعا متذللا فقال (عليه السلام):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ليس لقضاءه دافع، ولا لعطاءه مانع، ولا
كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس
البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا
تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع، ورائش كل قانع،
وراحم كل ضارع، ومنزل المنافع، والكتاب الجامع بالنور
الساطع، وهو للدعوات سامع، وللكربات دافع، وللدرجات
253

رافع، وللجبابرة قامع، فلا إله غيره ولا شئ يعدله، وليس
كمثله شئ، وهو السميع البصير اللطيف الخبير، وهو على
كل شئ قدير.
اللهم إني أرغب إليك، وأشهد بالربوبية لك، مقرا بأنك
ربي، وأن إليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا
مذكورا، وخلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب، آمنا
لريب المنون، واختلاف الدهور والسنين، فلم أزل ظاعنا من
صلب إلى رحم في تقادم من الأيام الماضية والقرون الخالية،
لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك لي، واحسانك إلي في دولة
أئمة الكفر، الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك، لكنك
أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني، وفيه
أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي، بجميل صنعك وسوابغ
نعمك، فابتدعت خلقي من مني يمنى، وأسكنتني في
ظلمات ثلاث، بين لحم ودم وجلد، لم تشهدني خلقي، ولم
تجعل إلى شيئا من أمري، ثم أخرجتني للذي سبق لي من
الهدى إلى الدنيا تاما سويا، وحفظتني في المهد طفلا صبيا،
ورزقتني من الغذاء لبنا مريا، وعطفت علي قلوب الحواضن،
وكفلتني الأمهات الرواحم، وكلاتني من طوارق الجان،
254

وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمن،
حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام، أتممت على سوابغ الانعام،
وربيتني زايدا في كل عام، حتى إذا اكتملت فطرتي،
واعتدلت مرتي، أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك،
وروعتني بعجائب حكمتك، وأيقظتني لما ذرأت في سماءك
وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني لشكرك وذكرك، وأوجبت
علي طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك،
ويسرت لي تقبل مرضاتك، ومننت علي في جميع ذلك
بعونك ولطفك، ثم إذ خلقتني من خير الثرى، ولم ترض لي يا
إلهي نعمة دون أخرى، ورزقتني من أنواع المعاش، وصنوف
الرياش، بمنك العظيم الأعظم على، واحسانك القديم إلى،
حتى إذا أتممت على جميع النعم، وصرفت عني كل النقم،
لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني إلى ما يقربني
إليك، ووفقتني لما يزلفني لديك، فإن دعوتك أجبتني وإن
سئلتك أعطيتني، وإن أطعتك شكرتني، وإن شكرتك زدتني،
كل ذلك اكمال لأنعمك على، واحسانك إلى، فسبحانك
سبحانك من مبدئ معيد حميد مجيد، وتقدست أسماؤك،
وعظمت آلاؤك، فأي نعمك يا إلهي أحصي عددا وذكرا، أم
255

أي عطاياك أقوم بها شكرا، وهي يا رب أكثر من أن يحصيها
العادون، أو يبلغ علما بها الحافظون، ثم ما صرفت ودرأت
عني.
اللهم من الضر والضراء أكثر مما ظهر لي من العافية
والسراء، وأنا أشهد يا إلهي بحقيقة ايماني، وعقد عزمات
يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري،
وعلائق مجاري نور بصري، وأسارير صفحة جبيني، وخرق
مسارب نفسي، وخذاريف مارن عرنيني، ومسارب سماخ
سمعي، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ
لساني، ومغرز حنك فمي وفكي، ومنابت أضراسي، ومساغ
مطعمي ومشربي، وحمالة أم رأسي، وبلوع فارغ حبائل
عنقي، وما اشتمل عليه تامور صدري، وحمائل حبل وتيني،
ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي، وما حوته
شراسيف أضلاعي، وحقاق مفاصلي، وقبض عواملي،
وأطراف أناملي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبشري،
وعصبي، وقصبي، وعظامي، ومخي، وعروقي، وجميع
جوارحي، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي، وما أقلت
الأرض مني، ونومي، ويقظتي، وسكوني، وحركات ركوعي
256

وسجودي، أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار
والأحقاب لو عمرتها أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ما
استطعت ذلك إلا بمنك، الموجب على به شكرك أبدا
جديدا وثناءا طارفا عتيدا، أجل، ولو حرصت أنا والعادون
من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفه وآنفه ما حصرناه
عددا، ولا أحصيناه أمدا، هيهات أنى ذلك، وأنت المخبر في
كتابك الناطق، والنبأ الصادق (وإن تعدوا نعمة الله لا
تحصوها)، صدق كتابك اللهم وأنباؤك، وبلغت أنبياؤك
ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك، وشرعت لهم وبهم من
دينك، غير أني يا إلهي أشهد بجهدي وجدي، ومبلغ طاعتي
ووسعي، وأقول مؤمنا موقنا: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا
فيكون موروثا، ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما
ابتدع، ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع، فسبحانه
سبحانه، لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وتفطرتا، سبحان
الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له
كفوا أحد، الحمد لله حمدا يعادل حمد ملائكته المقربين،
وأنبياءه المرسلين، وصلى الله على خيرته محمد خاتم النبيين
وآله الطيبين الطاهرين المخلصين وسلم.
257

ثم طفق يسأل الله تعالى، واهتم في الدعاء وهو يبكي فقال:
اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا
تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضاءك، وبارك لي في
قدرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت.
اللهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي،
والاخلاص في عملي، والنور في بصري، البصيرة في
ديني، ومتعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري الوارثين
مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثاري ومآربي،
وأقر بذلك عيني.
اللهم اكشف كربتي، واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي،
واخسأ شيطاني، وفك رهاني، واجعل لي يا إلهي الدرجة
العليا في الآخرة والأولى.
اللهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا،
ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني خلقا سويا رحمة بي، وقد
كنت عن خلقي غنيا.
رب بما برأتني فعدلت فطرتي، رب بما أنشأتني
فأحسنت صورتي، رب بما أحسنت إلى وفي نفسي عافيتني،
رب بما كلأتني ووفقتني، رب بما أنعمت علي فهديتني،
258

رب بما أوليتني ومن كل خير أعطيتني، رب بما أطعمتني
وسقيتني، رب بما أغنيتني وأقنيتني، رب بما أعنتني
وأعززتني، رب بما ألبستني من سترك الصافي، ويسرت لي
من صنعك الكافي، صل على محمد وآل محمد، وأعني على
بوائق الدهور وصروف الليالي والأيام، ونجني من أهوال الدنيا
وكربات الآخرة، واكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض.
اللهم ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقني، وفي نفسي
وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي أهلي ومالي
فاخلفني، وفيها رزقتني فبارك لي، وفي نفسي فذللني، وفي
أعين الناس فعظمني، ومن شر الجن والإنس فسلمني،
وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي فلا
تبتلني، ونعمك فلا تسلبني، وإلى غيرك فلا تكلني.
إلهي إلى من تكلني، إلى قريب فيقطعني، أم إلى بعيد
فيتجهمني، أم إلى المستضعفين لي، وأنت ربي ومليك
أمري، أشكو إليك غربتي وبعد داري، وهواني على من ملكته
أمري.
إلهي فلا تحلل على غضبك، فإن لم تكن غضبت على
فلا أبالي سواك، سبحانك غير أن عافيتك أوسع لي، فأسئلك
259

يا رب بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات،
وكشفت به الظلمات، وصلح به أمر الأولين والآخرين، أن لا
تميتني على غضبك، ولا تنزل بي سخطك، لك العتبى حتى
ترضى قبل ذلك، لا إله إلا أنت، رب البلد الحرام، والمشعر
الحرام، والبيت العتيق، الذي أحللته البركة، وجعلته للناس
أمنا، يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه، يا من أسبغ
النعماء بفضله، يا من أعطى الجزيل بكرمه، يا عدتي في
شدتي، يا صاحبي في وحدتي، يا غياثي في كربتي، يا وليي
في نعمتي.
يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ورب محمد خاتم النبيين
وآله المنتجبين، ومنزل التورية والإنجيل والزبور والفرقان،
ومنزل كهيعص وطه ويس والقرآن الحكيم، أنت كهفي حين
تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق بي الأرض برحبها، ولولا
رحمتك لكنت من الهالكين، وأنت مقيل عثرتي، ولولا سترك
إياي لكنت من المفضوحين، وأنت مؤيدي بالنصر على
أعدائي، ولولا نصرك إياي لكنت من المغلوبين.
يا من خص نفسه بالسمو والرفعة، فأولياءه بعزه يعتزون،
260

يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم، فهم من
سطواته خائفون، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،
وغيب ما تأتي به الأزمنة والدهور، يا من لا يعلم كيف هو إلا
هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو، يا من لا يعلمه إلا هو، يا من
كبس الأرض على الماء، وسد الهواء بالسماء، يا من له أكرم
الأسماء، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، يا مقيض الركب
ليوسف في البلد القفر، ومخرجه من الجب، وجاعله بعد
العبودية ملكا، يا راده على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من
الحزن فهو كظيم، يا كاشف الضر والبلوى عن أيوب، ويا
ممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره، يا
من استجاب لزكريا فوهب له يحيى، ولم يدعه فردا وحيدا،
يا من أخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبني
إسرائيل فأنجاهم، وجعل فرعون وجنوده من المغرقين، يا من
أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته يا من لم يجعل على من
عصاه من خلقه، يا من استنقذ السحرة من بعد طول
الجحود، وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره،
وقد حادوه ونادوه وكذبوا رسله.
يا الله يا الله يا بدئ، يا بديعا لا ند لك، يا دائما لا نفاد
261

لك، يا حيا حين لا حي، يا محيي الموتى، يا من هو قائم
على كل نفس بما كسبت، يا من قل له شكري فلم يحرمني،
وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم
يشهرني، يا من حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري،
يا من أياديه عندي لا تحصى، ونعمه لا تجازى، يا من
عارضني بالخير والاحسان وعارضته بالإساءة والعصيان، يا من
هداني بالايمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان، يا من دعوته
مريضا فشفاني، وعريانا فكساني، وجائعا فأشبعني،
وعطشانا فأرواني، وذليلا فأعزني، وجاهلا فعرفني، ووحيدا
فكثرني، وغائبا فردني، ومقلا فأغناني، ومنتصرا فنصرني،
وغنيا فلم يسلبني، وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني، فلك
الحمد والشكر، يا من أقال عثرتي، ونفس كربتي، وأجاب
دعوتي، وستر عورتي، وغفر ذنوبي، وبلغني طلبتي،
ونصرني على عدوي، وإن أعد نعمك ومننك وكرائم منحك
لا أحصيها.
يا مولاي، أنت الذي مننت، أنت الذي أنعمت، أنت
الذي أحسنت أنت الذي أجملت، أنت الذي أفضلت، أنت
الذي أكملت، أنت الذي رزقت، أنت الذي وفقت، أنت
262

الذي أعطيت، أنت الذي أغنيت، أنت الذي أقنيت، أنت
الذي آويت، أنت الذي كفيت، أنت الذي هديت، أنت
الذي عصمت، أنت الذي سترت، أنت الذي غفرت، أنت
الذي أقلت، أنت الذي مكنت، أنت الذي أعززت، أنت
الذي أعنت، أنت الذي عضدت، أنت الذي أيدت، أنت
الذي نصرت، أنت الذي شفيت، أنت الذي عافيت، أنت
الذي أكرمت، تباركت وتعاليت، فلك الحمد دائما، ولك
الشكر واصبا أبدا.
ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي
أسأت، أنا الذي أخطأت، أنا الذي هممت، أنا الذي
جهلت، أنا الذي غفلت، أنا الذي سهوت، أنا الذي
اعتمدت، أنا الذي تعمدت، أنا الذي وعدت وأنا الذي
أخلفت، أنا الذي نكثت، أنا الذي أقررت، أنا الذي اعترفت
بنعمتك على وعندي، وأبوء بذنوبي فاغفرها لي، يا من لا
تضره ذنوب عباده، وهو الغني عن طاعتهم، والموفق من
عمل صالحا منهم بمعونته ورحمته، فلك الحمد إلهي
وسيدي.
إلهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك،
263

فأصبحت لا ذا براءة لي فأعتذر، ولا ذا قوة فأنتصر، فبأي شئ
أستقبلك يا مولاي، أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم بيدي أم
برجلي، أليس كلها نعمك عندي، وبكلها عصيتك يا
مولاي، فلك الحجة والسبيل على، يا من سترني من الآباء
والأمهات أن يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيروني،
ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما
اطلعت عليه مني إذا ما أنظروني، ولرفضوني وقطعوني، فها
أنا ذا يا إلهي بين يديك يا سيدي خاضع ذليل حصير حقير، لا
ذو براءة فأعتذر، ولا ذو قوة فأنتصر، ولا حجة فاحتج بها، ولا
قائل لم أجترح ولم أعمل سوء وما عسى الجحود، ولو
جحدت يا مولاي ينفعني، كيف وأنى ذلك، وجوارحي كلها
شاهدة علي بما قد عملت، وعلمت يقينا غير ذي شك أنك
سائلي من عظائم الأمور وأنك الحكم العدل الذي لا يجور،
وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك مهرب، فإن تعذبني يا إلهي
فبذنوبي بعد حجتك علي، وإن تعف عني فبحلمك وجودك
وكرمك.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين، لا إله إلا أنت
264

سبحانك إني كنت من الموحدين، لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الخائفين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الوجلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين، لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الراغبين، لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من المهللين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
السائلين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين،
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبرين، لا إله إلا أنت
سبحانك ربي ورب آبائي الأولين.
اللهم هذا ثنائي عليك ممجدا، وإخلاصي لذكرك
موحدا، وإقراري بآلائك معددا، وإن كنت مقرا أني لم أحصها
لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها إلى حادث، ما لم تزل
تتعهدني به معها منذ خلقتني وبرأتني من أول العمر من الاغناء
من الفقر وكشف الضر وتسبيب اليسر ودفع العسر وتفريج
الكرب والعافية في البدن والسلامة في الدين، ولو رفدني على
قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الأولين والآخرين ما
قدرت ولا هم على ذلك، تقدست وتعاليت من رب كريم
عظيم رحيم، لا تحصى آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافى
نعماؤك، صل على محمد وآل محمد، وأتمم علينا نعمك،
265

وأسعدنا بطاعتك، سبحانك لا إله إلا أنت.
اللهم إنك تجيب المضطر وتكشف السوء، وتغيث
المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير،
وترحم الصغير، وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك
قدير، أنت العلي الكبير، يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق
الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا
شريك له ولا وزير، صل على محمد وآل محمد، وأعطني في
هذه العشية، أفضل ما أعطيت وأنلت أحدا من عبادك من نعمة
توليها، وآلاء تجددها، وبلية تصرفها، وكربة تكشفها،
ودعوة تسمعها، وحسنة تتقبلها، وسيئة تتغمدها، إنك لطيف
بما تشاء خبير، وعلى كل شئ قدير.
اللهم إنك أقرب من دعي، وأسرع من أجاب، وأكرم من
عفى، وأوسع من أعطى، وأسمع من سئل، يا رحمن الدنيا
والآخرة ورحيمهما، ليس كمثلك مسؤول ولا سواك مأمول،
دعوتك فأجبتني، وسئلتك فأعطيتني، ورغبت إليك
فرحمتني، ووثقت بك فنجيتني، وفزعت إليك فكفيتني.
اللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ونبيك، وعلى آله
الطيبين الطاهرين أجمعين، وتممم لنا نعماءك، وهنئنا
266

عطاءك، واكتبنا لك شاكرين، ولآلائك ذاكرين، آمين آمين
رب العالمين.
اللهم يا من ملك فقدر، وقدر فقهر، وعصى فستر،
واستغفر فغفر، يا غاية الطالبين الراغبين، ومنتهى أمل
الراجين، يا من أحاط بكل شئ علما، ووسع المستقيلين
رأفة ورحمة وحلما.
اللهم إنا نتوجه إليك في هذه العشية، التي شرفتها
وعظمتها بمحمد نبيك ورسولك وخيرتك من خلقك،
وأمينك على وحيك، البشير النذير، السراج المنير، الذي
أنعمت به على المسلمين، وجعلته رحمة للعالمين.
اللهم فصل على محمد وآل محمد، كما محمد أهل
لذلك منك يا عظيم، فصل عليه وعلى آله المنتجبين الطيبين
الطاهرين أجمعين، وتغمدنا بعفوك عنا، فإليك عجت
الأصوات بصنوف اللغات، فاجعل لنا اللهم في هذه العشية
نصيبا من كل خير تقسمه بين عبادك، ونور تهدي به، ورحمة
تنشرها، وبركة تنزلها، وعافية تجللها، ورزق تبسط، يا
أرحم الراحمين.
اللهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين
267

غانمين، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك، ولا
تحرمنا ما نؤمله من فضلك، لا تجعلنا من رحمتك
محرومين، ولا لفضل ما نؤمله من عطاءك قانطين، ولا تردنا
خائبين، ولا من بابك مطرودين، يا أجود الأجودين وأكرم
الأكرمين، إليك أقبلنا موقنين، ولبيتك الحرام آمين
قاصدين، فأعنا على مناسكنا، وأكمل لنا حجنا، واعف عنا
وعافنا، فقد مددنا إليك أيدينا، فهي بذلة الاعتراف موسومة.
اللهم فاعطنا في هذه العشية ما سئلناك، واكفنا ما
استكفيناك، فلا كافي لنا سواك، ولا رب لنا غيرك، نافذ فينا
حكمك، محيط بنا علمك، عدل فينا قضاؤك، اقض لنا
الخير، واجعلنا من أهل الخير.
اللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر وكريم الذخر ودوام
اليسر، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا
تصرف عنا رأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سئلك فأعطيته، وشكرك
فزدته، وتاب إليك فقبلته، وتنصل إليك من ذنوبه كلها
فغفرتها له، يا ذا الجلال والاكرام.
اللهم ونقنا وسددنا واعصمنا، وأقبل تضرعنا يا خير من
268

سئل، ويا أرحم من استرحم، يا من لا يخفى عليه اغماض
الجفون، ولا لحظ العيون، ولا ما استقر في المكنون، ولا ما
انطوت عليه مضمرات القلوب، إلا كل ذلك قد أحصاه
علمك ووسعه حلمك، سبحانك وتعاليت عما يقول
الظالمون علوا كبيرا، تسبح لك السماوات السبع والأرضون
ومن فيهن، وإن من شئ إلا يسبح بحمدك، فلك الحمد
والمجد وعلو الجد، يا ذا الجلال والإكرام والفضل والإنعام، و
الأيادي الجسام، وأنت الجواد الكريم الرؤوف الرحيم.
اللهم أوسع علي من رزقك الجلال، وعافني في بدني
وديني، وآمن خوفي وأعتق رقبتي من النار.
اللهم لا تمكر بي، ولا تستدر جني، ولا تخدعني، وادرء
عني شر فسقة الجن والإنس.
ثم رفع (عليه السلام) طرفه إلى السماء ودموعه تجري على خديه ورفع
صوته عاليا:
يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، ويا أسرع
الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد
السادة الميامين، وأسئلك اللهم حاجتي التي إن أعطيتناها لم
يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني،
269

أسئلك فكاك رقبتي من النار، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك
لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كل شئ قدير، يا
رب يا رب.
ولم يزل يقول " يا رب " حتى ضج الجميع بالبكاء على بكائه
(عليه السلام) حتى وصلوا المشعر الحرام.
وزاد ابن طاووس في الإقبال بعد كلمة (يا رب) هذا الدعاء.
إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرا في فقري،
إلهي أنا الجاهل في علمي، فكيف لا أكون جهولا في جهلي.
إلهي إن اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك
العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء،
إلهي مني ما يليق بلؤمي، ومنك ما يليق بكرمك.
إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود
ضعفي، أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي.
إلهي إن ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة على،
وإن ظهرت المساوي مني فبعدلك ولك الحجة علي.
إلهي كيف تكلني وقد تكفلت لي، وكيف أضام وأنت
الناصر لي، أم كيف أخيب وأنت الحفي بي، ها أنا أتوسل
إليك بفقري إليك، وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل
270

إليك، أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك، أم
كيف أترجم بمقالي وهو منك برز إليك، أم كيف تخيب آمالي
وهي قد وفدت إليك، أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت.
إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي، وما أرحمك بي مع
قبيح فعلي.
إلهي ما أقربك مني وأبعدني عنك، وما أرأفك بي فما
الذي يحجبني عنك.
إلهي علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أن مرادك
مني أن تتعرف إلى في كل شئ حتى لا أجهلك في شئ.
إلهي كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك، وكلما آيستني
أوصافي أطمعتني مننك.
إلهي من كانت محاسنه مساوي، فكيف لا تكون مساويه
مساوي، ومن كانت حقائقه دعاوى، فكيف لا تكون دعاويه
دعاوى.
إلهي حكمك النافذ ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال
مقالا، ولا لذي حال حالا.
إلهي كم من طاعة بنيتها، وحالة شيدتها، هدم اعتمادي
عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك.
271

إلهي إنك تعلم أني وإن لم تدم الطاعة مني فعلا جزما فقد
دامت محبة وعزما، إلهي كيف اعزم وأنت القاهر، وكيف لا
اعزم وأنت الآمر.
إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني
عليك بخدمة توصلني إليك، كيف يستدل عليك بما هو في
وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك
حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل
يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل
إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد
لم تجعل له من حبك نصيبا.
إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار، فارجعني إليك بكسوة
الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت
إليك منها مصون السر عن النظر إليها، ومرفوع الهمة عن
الاعتماد عليها، إنك على كل شئ قدير.
إلهي هذا ذلي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى
عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك أستدل عليك،
فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك.
إلهي علمني من علمك المخزون، وصني بسترك
272

المصون.
إلهي حققني بحقائق أهل القرب، واسلك بي مسلك أهل
الجذب.
إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن
اختياري، وأوقفني على مراكز اضطراري.
إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شكي وشركي
قبل حلول رمسي، بك أنتصر فانصرني، وعليك أتوكل فلا
تكلني، وإياك أسئل فلا تخيبني، وفي فضلك أرغب فلا
تحرمني، وبجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا
تطردني.
إلهي تقدس رضاك أن يكون له علة منك، فكيف تكون له
علة مني.
إلهي أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف
لا تكون غنيا عني.
إلهي إن القضاء والقدر يمنيني، وإن الهوى بوثائق الشهوة
أسرني، فكن أنت النصير لي حتى تنصرني وتبصرني، وأغنني
بفضلك حتى استغني بك عن طلبي.
أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أولياءك حتى عرفوك
273

ووحدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحباءك حتى لم
يحبوا سواك، ولم يلجئوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث
أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم
المعالم، ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد
خاب من رضي دونك بدلا، ولقد خسر من بغى عنك متحولا،
كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان، وكيف يطلب من
غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان، يا من أذاق أحباءه حلاوة
المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين، ويا من ألبس أولياءه
ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين، أنت الذاكر قبل
الذاكرين، وأنت البادي بالاحسان قبل توجه العابدين، وأنت
الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب ثم لما
وهبت لنا من المستقرضين.
إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك، واجذبني بمنك
حتى أقبل عليك.
إلهي إن رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك، كما أن
خوفي لا يزايلني وإن أطعتك، فقد دفعتني العوالم إليك، وقد
أوقعني علمي بكرمك عليك.
إلهي كيف أخيب وأنت أملي، أم كيف أهان وعليك
274

متكلي، إلهي كيف أستعز وفي الذلة أركزتني، أم كيف لا
أستعز وإليك نسبتني، إلهي كيف لا افتقر وأنت الذي في
الفقراء أقمتني، أم كيف افتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني،
وأنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكل شئ فما جهلك شئ،
وأنت الذي تعرفت إلى في كل شئ، فرأيتك ظاهرا في كل
شئ، وأنت الظاهر لكل شئ.
يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيبا في ذاته،
محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك
الأنوار، يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن تدركه
الأبصار، يا من تجلى بكمال بهاءه فتحققت عظمته الاستواء،
كيف تخفى وأنت الظاهر، أم كيف تغيب وأنت الرقيب
الحاضر، إنك على كل شئ قدير، والحمد لله وحده ".
275

دعاء السجاد (عليه السلام) في يوم عرفة
3 - قراءة سائر الأدعية المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام)، وعلى
الأخص دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) المدون في الصحيفة الكاملة
السجادية، واتماما للفائدة التي توخيناها في هذا الكتاب إليك نص الدعاء.
" الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع
السماوات والأرض، ذا الجلال والاكرام، رب الأرباب، وإله
كل مالوه، وخالق كل مخلوق، ووارث كل شئ، ليس
كمثله شئ، ولا يعزب عنه علم شئ، وهو بكل شئ
محيط، وهو على كل شئ رقيب، أنت الله لا إله إلا أنت،
الأحد المتوحد، الفرد المتفرد، وأنت الله لا إله إلا
أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير
المتكبر، وأنت الله لا إله إلا أنت، العلي المتعال، الشديد المحال،
276

وأنت الله لا إله إلا أنت، الرحمن الرحيم، العليم الحكيم،
وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير، القديم الخبير، وأنت
الله لا إله إلا أنت، الكريم الأكرم، الدائم الأدوم، وأنت الله لا
إله إلا أنت، الأول قبل كل أحد، والآخر بعد كل عدد، وأنت
الله لا إله إلا أنت، الداني في علوه، والعالي في دنوه، وأنت
الله لا إله إلا أنت، ذو البهاء والمجد، والكبرياء والحمد،
أنت الله لا إله إلا أنت، الذي أنشأت الأشياء من غير سنخ،
وصورت ما صورت من غير مثال، وابتدعت المبتدعات بلا
احتذاء، أنت الذي قدرت كل شئ تقديرا، ويسرت كل شئ
تيسيرا، ودبرت ما دونك تدبيرا، أنت الذي لم يعنك على
خلقك شريك، ولم يؤازرك في أمرك وزير، ولم يكن لك
مشاهد ولا نظير، أنت الذي أردت فكان حتما ما أردت،
وقضيت فكان عدلا ما قضيت، وحكمت فكان نصفا ما
حكمت، أنت الذي لا يحويك مكان، ولم يقم لسلطانك
سلطان، ولم يعيك برهان ولا بيان، أنت الذي أحصيت كل
شئ عددا، وجعلت لكل شئ أمدا، وقدرت كل شئ
تقديرا، أنت الذي قصرت الأوهام عن ذاتيتك، وعجزت
277

الأفهام عن كيفيتك، ولم تدرك الأبصار موضع أينيتك، أنت
الذي لا تحد فتكون محدودا، ولم تمثل فتكون موجودا، ولم
تلد فتكون مولودا، أنت الذي لا ضد معك فيعاندك، ولا عدل
لك فيكاثرك، ولا ند لك فيعارضك، أنت الذي ابتدأ واخترع
واستحدث ابتدع، وأحسن صنع ما صنع، سبحانك ما أجل
شأنك، وأسنى في الأماكن مكانك، وأصدع بالحق فرقانك،
سبحانك من لطيف ما ألطفك، ورؤوف ما أرأفك وحكيم ما
أعرفك، سبحانك من مليك ما أمنعك، وجواد ما أوسعك،
ورفيع ما أرفعك، ذو البهاء والمجد، والكبرياء والحمد،
سبحانك بسطت بالخيرات يدك، وعرفت الهداية من عندك،
فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك، سبحانك خضع لك من
جرى في علمك، وخشع لعظمتك ما دون عرشك، وانقاد
للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تحس ولا تجس ولا
تمس، ولا تكاد ولا تماط ولا تنازع، ولا تجارى ولا تمارى ولا
تخادع ولا تماكر، سبحانك سبيلك جدد، وأمرك رشد، وأنت
حي صمد، سبحانك قولك حكم، وقضاؤك حتم، وإرادتك
عزم، سبحانك لا راد لمشيتك، ولا مبدل لكلماتك،
سبحانك قاهر الأرباب، باهر الآيات، فاطر السماوات، باري
278

النسمات، لك الحمد حمدا يدوم بدوامك، ولك الحمد
حمدا خالدا بنعمتك، ولك الحمد حمدا يوازي صنعك،
ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك، ولك الحمد حمدا مع
حمد كل حامد، وشكرا يقصر عنه شكر كل شاكر، حمدا لا
ينبغي إلا لك، ولا يتقرب به إلا إليك، حمدا يستدام به الأول،
ويستدعى به دوام الآخر، حمدا يتضاعف على كرور الأزمنة،
ويتزايد أضعافا مترادفة، حمدا يعجز عن إحصاءه الحفظة،
ويزيد على ما أحصته في كتابك الكتبة، حمدا يوازن عرشك
المجيد، ويعادل كرسيك الرفيع، حمدا يكمل لديك ثوابه،
ويستغرق كل جزاء جزاؤه، حمدا ظاهره وفق لباطنه، وباطنه
وفق لصدق النية فيه، حمدا لم يحمدك خلق مثله، ولا يعرف
أحد سواك فضله، حمدا يعان من اجتهد في تعديده، ويؤيد
من أغرق نزعا في توفيته حمدا يجمع ما خلقت من الحمد،
وينتظم ما أنت خالقه من بعد، حمدا لا حمد أقرب إلى قولك
منه، ولا أحمد ممن يحمدك به، حمدا يوجب بكرمك المزيد
بوفوره وتصله بمزيد بعد مزيد طولا منك، حمدا يجب لكرم
وجهك، ويقابل عز جلالك.
رب صل على محمد وآل محمد المنتجب المصطفى
279

المكرم المقرب أفصل صلواتك، وبارك عليه أتم بركاتك،
وترحم عليه أمتع رحماتك، رب صل على محمد وآله صلاة
زاكية لا تكون صلاة أزكى منها، وصل عليه صلاة نامية لا
تكون صلاة أنمى منها، وصل عليه صلاة راضية لا تكون
صلاة فوقها، رب صل على محمد وآله صلاة ترضيه وتزيد
على رضاه، وصل عليه صلاة ترضيك وتزيد على رضاك له،
وصل عليه صلاة لا ترضى له إلا بها، ولا ترى غيره لها أهلا،
رب صل على محمد وآله صلاة تجاوز رضوانك، ويتصل
اتصالها ببقاءك، ولا ينفد كما لا تنفد كلماتك، رب صل
على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبياءك
ورسلك وأهل طاعتك وتشتمل على صلوات عبادك من
جنك وإنسك وأهل إجابتك، وتجتمع على صلاة كل من
ذرأت وبرأت من أصناف خلقك، رب صل عليه وآله صلاة
تحيط بكل صلاة سالفة ومستأنفة، وصل عليه وعلى آله صلاة
مرضية لك ولمن دونك، وتنشئ مع ذلك صلوات تضاعف
معها تلك الصلوات عندها، وتزيدها على كرور الأيام زيادة في
تضاعيف لا يعدها غيرك، رب صل على أطائب أهل بيته،
والذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة
280

دينك، وخلفاءك في أرضك، وحججك على عبادك،
وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيرا بإرادتك، وجعلتهم
الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنتك، رب صل على محمد
وآله صلاة تجزل لهم بها من نحلك وكرامتك، وتكمل لهم
الأشياء من عطاياك ونوافلك، وتوفر عليهم الحظ من عوائدك
وفوائدك، رب صل عليه وعليهم صلاة لا أمد في أولها، ولا
غاية لأمدها، ولا نهاية لآخرها، رب صل عليهم زنة عرشك
وما دونه، وملأ سمواتك وما فوقهن، وعدد أرضيك وما تحتهن
وما بينهن، صلاة تقربهم منك زلفى، وتكون لك ولهم رضى،
ومتصلة بنظائرهن أبدا، اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان
بإمام أقمته علما لعبادك، ومنارا في بلادك، بعد أن وصلت
حبلة بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت
طاعته، وحذرت معصيته، وأمرت بامتثال أمره والانتهاء عند
نهيه، وألا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة
اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين، وبهاء
العالمين.
اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه، وأوزعنا مثله
فيه، وآته من لدنك سلطانا نصيرا، وافتح له فتحا يسيرا، وأعنه
281

بركنك الأعز، واشدد أزره، وقو عضده، وراعه بعينك،
واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب،
وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك
اللهم عليه وآله، وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك،
وأجل به صدأ الجور عن طريقتك، وابن به الضراء من
سبيلك، وأزل به الناكبين عن صراطك، وامحق به بغاة قصدك
عوجا، والن جانبه لأوليائك، وابسط يده على أعداءك، وهب
لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين مطيعين،
وفي رضاه ساعين، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين،
وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين.
اللهم وصل على أولياءهم المعترفين بمقامهم، المتبعين
منهجهم، المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم،
المتمسكين بولايتهم المؤتمين بإمامتهم، المسلمين
لأمرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين أيامهم
المادين إليهم أعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات الناميات
الغاديات الرائحات، وسلم عليهم وعلى أرواحهم، واجمع
على التقوى أمرهم، وأصلح لهم شؤونهم، وتب عليم، إنك
أنت التواب الرحيم، وخير الغافرين واجعلنا معهم في دار
282

السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم هذا يوم عرفة، يوم شرفته وكرمته وعظمته، نشرت فيه
رحمتك، ومننت في بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت
به على عبادك.
اللهم وأنا عبدك الذي أنعمت عليه قبل خلقك له، وبعد
خلقك إياه، فجعلته ممن هديته لدينك، ووفقته لحقك،
وعصمته بحبلك، وأدخلته في حزبك، وأرشدته لموالاة
أولياءك، ومعاداة أعداءك، ثم أمرته فلم يأتمر، وزجرته فلم
ينزجر، ونهيته عن معصيتك، فخالف أمرك إلى نهيك، لا
معاندة لك ولا استكبارا عليك، بل دعاه هواه إلى ما زيلته وإلى
ما حذرته، وأعانه على ذلك عدوك وعدوه، فأقدم عليه عارفا
بوعيدك، راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك، وكان أحق عبادك
مع ما مننت عليه ألا يفعل، وها أنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا،
خاضعا خاشعا، خائفا متعرفا بعظيم من الذنوب تحملته،
وجليل من الخطايا اجترمته، مستجيرا بصفحك، لائذا
برحمتك، موقنا أنه لا يجيرني منك مجير، ولا يمنعني منك
مانع، فعد علي بما تعود به على من اقترف من تغمدك، وجد
علي بما تجود به على من ألقى بيده إليك من عفوك، وامنن
283

علي بما يتعاظمك لا أن تمن به على من أملك من غفرانك،
واجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال به حظا من رضوانك، ولا
تردني صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك، وإني وإن
لم أقدم ما قدموه من الصالحات فقد قدمت توحيدك، ونفي
الأضداد والأنداد والأشباه عنك، وأتيتك من الأبواب التي أمرت
أن تؤتى منها وتقربت إليك بما لا يقرب به أحد منك إلا
بالتقرب به، ثم اتبعت ذلك بالإنابة إليك، والتذلل والاستكانة
لك، وحسن الظن بك، والثقة بما عندك، وشفعته برجائك
الذي قل ما يخيب عليه راجيك، وسألتك مسألة الحقير
الذليل، البائس الفقير الخائف المستجير، ومع ذلك خيفة
وتضرعا وتعوذا وتلوذا، لا مستطيلا بتكبر المتكبرين، ولا
متعاليا بدالة المطيعين، ولا مستطيلا بشفاعة الشافعين، وأنا
بعد أقل الأقلين، وأذل الأذلين، ومثل الذرة أو دونها، فيا من
لم يعاجل المسيئين، ولا ينده المترفين، ويا من يمن بإقالة
العاثرين، ويتفضل بإنظار الخاطئين، أنا المسئ المعترف
الخاطئ العاثر، أنا الذي أقدم عليك مجترئا، أنا الذي عصاك
متعمدا، أنا الذي استخفى من عبادك وبارزك، أنا الذي هاب
عبادك وأمنك، أنا الذي لم يرهب سطوتك ولم يخف بأسك،
284

أنا الجاني على نفسه، أنا المرتهن ببليته، أنا القليل الحياء،
أنا الطويل العناء، بحق من انتجبت من خلقك، وبمن
اصطفيته لنفسك، بحق من اخترت من بريتك، ومن اجتبيت
لشأنك، بحق من وصلت طاعته بطاعتك ومن جعلت
معصيته كمعصيتك، بحق من قرنت موالاته بموالاتك، ومن
نطت معاداته بمعاداتك، تغمدني في يومي هذا بما تتغمد به
من جأر إليك متنصلا، وعاذ باستغفارك تائبا، وتولني بما
تتولى به أهل طاعتك والزلفى لديك، والمكانة منك،
وتوحدني بما تتوحد به من وفى بعهدك، وأتعب نفسه في
ذاتك، وأجهدها في مرضاتك، ولا تؤاخذني بتفريطي في
جنبك، وتعدي طوي في حدودك، ومجاوزة أحكامك، ولا
تستدرجني بإملاءك لي استدراج من منعني خير ما عنده، ولم
يشركك في حول نعمته، ونبهني من رقدة الغافلين، وسنة
المسرفين، ونعسة المخذولين، وخذ بقلبي إلى ما استعملت
به القانتين، واستعبدت به المتعبدين، واستنقذت به
المتهاونين، وأعذني مما يباعدني عنك، ويحول بين وبين
حظي منك، ويصدني عما أحاول لديك، وسهل لي مسلك
الخيرات إليك، والمسابقة إليها من حيث أمرت، والمشاحة
285

فيها على ما أردت، ولا تمحقني فيمن تمحق من المستخفين
بما أوعدت، ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين
لمقتك، ولا تتبرني فيمن تتبر من المنحرفين عن سبلك،
ونجني من غمرات الفتنة، وخلصني من لهوات البلوى،
وأجرني من أخذ الإملاء، وحل بيني وبين عدو يضلني، وهوى
يوبقني، ومنقصة ترهقني، ولا تعرض عني اعراض من لا
ترضى عنه بعد غضبك، ولا تؤيسني من الأمل فيك فيغلب
علي القنوط من رحمتك، ولا تمتحني بما لا طاقة لي به
فتبهظني مما تحملنيه من فضل محبتك، ولا ترسلني من يدك
ارسال من لا خير فيه، ولا حاجة بك إليه، ولا إنابة له، ولا ترم
بي رمي من سقط من عين رعايتك، ومن اشتمل عليه الخزي
من عندك، بل خذ بيدي من سقطة المتردين، ووهلة
المتعسفين، وزلة المغرورين، وورطة الهالكين، وعافني مما
ابتليت به طبقات عبيدك وإماءك، وبلغني مبالغ من عنيت
به، وأنعمت عليه ورضيت عنه، فأعشته حميدا، وتوفيته
سعيدا، وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات، ويذهب
بالبركات، وأشعر قلبي الازدجار عن قبائح السيئات،
وفواضح الحوبات، ولا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا
286

يرضيك عني غيره، وانزع من قلبي حب دنيا دنية تنهى عما
عندك، وتصد عن ابتغاء الوسيلة إليك، وتذهل عن التقرب
منك، وزين لي التفرد بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي
عصمة تدنيني من خشيتك، وتقطعني عن ركوب محارمك،
وتفكني من أسر العظائم، وهب لي التطهير من دنس
العصيان، وأذهب عني درن الخطايا، وسربلني بسربال
عافيتك، وردني رداء معافاتك، وجللني سوابغ نعماءك،
وظاهر لدي فضلك وطولك، وأيدني بتوفيقك وتسديدك،
وأعني على صالح النية، ومرضي القول ومستحسن العمل،
ولا تكلني إلى حولي وقوتي دون حولك وقوتك، ولا تخزني
يوم تبعثني للقاءك، ولا تفضحني بين يدي أولياءك، ولا تنسني
ذكرك، ولا تذهب عني شكرك، بل ألزمنيه في أحوال السهو
عند غفلات الجاهلين لآلائك، وأوزعني أن أثني بما أوليتنيه،
وأعترف بما أسديته إلي، واجعل رغبتي إليك فوق رغبة
الراغبين، وحمدي إياك فوق حمد الحامدين، ولا تخذلني عند
فاقتي إليك، ولا تهلكني بما أسديته إليك، ولا تجبهني بما
جبهت به المعاندين لك، فإني لك مسلم، أعلم أن الحجة
لك، وأنك أولى بالفضل، وأعود بالاحسان، وأهل التقوى
287

وأهل المغفرة، وأنك بأن تعفو أولى منك بأن تعاقب، وأنك
بأن تستر أقرب منك إلى أن تشهر، فأحيني حياة طيبة تنتظم بما
أريد، وتبلغ ما أحب من حيث لا آتي ما تكره، ولا أرتكب ما
نهيت عنه، وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه وعن يمينه،
وذللني بين يديك، وأعزني عند خلقك، وضعني إذا خلوت
بك، وارفعني بين عبادك وأغنني عمن هو غني عني، وزدني
إليك فاقة وفقرا وأعذني من شماتة الأعداء، ومن حلول
البلاء، ومن الذل والعناء، تغمدني فيما اطلعت عليه مني بما
يتغمد به القادر على البطش لولا حلمه، والآخذ على الجريرة
لولا أناته وإذا أردت بقوم فتنة أو سوءا فنجني منها لواذا بك،
وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك فلا تقمني مثله في
آخرتك، واشفع لي أوائل مننك بأواخرها، وقديم فوائدك
بحوادثها، ولا تمدد لي مدا يقسو معه قلبي، ولا تقرعني قارعة
يذهب لها بهائي، ولا تسمني خسيسة يصغر لها قدري، ولا
نقيصة يجهل من أجلها مكاني، ولا ترعني روعة أبلس بها، ولا
خيفة أوجس دونها، اجعل هيبتي في وعيدك، وحذري من
إعذارك وإنذارك، ورهبتي عند تلاوة آياتك، واعمر ليلي
بإيقاظي فيه لعبادتك وتفردي بالتهجد لك، وتجردي
288

بسكوني إليك، وانزال حوائجي بك، ومنازلتي إياك في فكاك
رقبتي من نارك، وإجارتي مما فيه أهلها من عذابك، ولا
تذرني في طغياني عامها، ولا في غمرتي ساهيا حتى حين،
ولا تجعلني عظة لمن اتعظ، ولا نكالا لمن اعتبر، ولا فتنة لمن
نظر، ولا تمكر بي فيمن تمكر به، ولا تستبدل بي غيري، ولا
تغير لي اسما، ولا تبدل لي جسما، ولا تتخذني هزوا
لخلقك، ولا سخريا لك ولا تبعا إلا لمرضاتك، ولا ممتهنا إلا
بالانتقام لك، وأوجدني برد عفوك وروحك وريحانك وجنة
نعيمك، وأذقني طعم الفراغ لما تحب بسعة من سعتك،
والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك، وأتحفني بتحفة من
تحفاتك، واجعل تجارتي رابحة، وكرتي غير خاسرة،
وأخفني مقامك، وشوقني لقاءك، وتب علي توبة نصوحا، لا
تبق معها ذنوبا صغيرة ولا كبيرة، ولا تذر معها علانية ولا
سريرة، وأنزع الغل من صدري للمؤمنين، واعطف بقلبي
على الخاشعين، وكن لي كما تكون للصالحين، وحلني
حلية المتقين، واجعل لي لسان صدق في الغابرين، وذكرا
ناميا في الآخرين وواف بي عرصة الأولين، وتمم سبوغ
نعمتك علي، وظاهر كراماتها لدي، املأ من فوائدك يدي،
289

وسق كرائم مواهبك إلى، وجاور بي الأطيبين من أولياءك في
الجنان التي زينتها لأصفيائك، وجللني شرائف نحلك في
المقامات المعدة لأحبائك، واجعل لي عندك مقيلا آوي إليه
مطمئنا، ومثابة أتبوأها وأقر عينا، ولا تقايسني بعظيمات
الجرائر، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر، وأزل عني كل شك
وشبهة، واجعل لي في الحق طريقا من كل رحمة، وأجزل لي
قسم المواهب من نوالك، ووفره علي حظوظ الاحسان من
إفضالك، واجعل قلبي واثقا بما عندك، وهمي مستفرغا لما
هولك، واستعملني بما تستعمل به خالصتك، وأشرب قلبي
عند ذهول العقول طاعتك، واجمع لي الغنى والعفاف والدعة
والمعافاة والصحة والسعة والطمأنينة والعافية، ولا تحبط
حسناتي بما يشوبها من معصيتك، ولا خلواتي بما يعرض لي
من نزغات فتنتك وصن وجهي عن الطلب إلى أحد من
العالمين، وذبني عن التماس ما عند الفاسقين، ولا تجعلني
للظالمين ظهيرا، ولا لهم على محو كتابك يدا ونصيرا،
وحطني من حيث لا أعلم حياطة تقيني بها، وافتح لي أبواب
توبتك ورحمتك ورأفتك ورزقك الواسع إني إليك من
الراغبين، وأتمم لي إنعامك إنك خير المنعمين، واجعل باقي
290

عمري في الحج والعمرة ابتغاء وجهك يا رب العالمين،
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، والسلام عليه
وعليهم أبد الآبدين ".
291

زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة
4 - ويستحب أيضا زيارة الحسين (عليه السلام)، واتماما للفائدة
أدرجنا هذه الزيارة للحسين (عليه السلام) ليتمكن الواقف بعرفة أن يزوره ولو
على البعد، فإليك نص الزيارة:
بسم الله الرحمن الرحيم
" الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان
الله بكرة وأصيلا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، السلام على
رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام على أمير المؤمنين،
السلام على فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام على
الحسن والحسين، السلام على علي بن الحسين، السلام على
محمد بن علي، السلام على جعفر بن محمد، السلام على
293

موسى بن جعفر، السلام على علي بن موسى، السلام على
محمد بن علي، السلام على علي بن محمد، السلام على
الحسن بن علي، السلام على الخلف الصالح المنتظر،
السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله،
عبدك وابن عبدك وابن أمتك، الموالي لوليك، المعادي
لعدوك، استجار بمشهدك، وتقرب إلى الله بقصدك، الحمد
لله الذي هداني لولايتك، وخصني بزيارتك، وسهل لي
قصدك.
ثم ادخل الروضة الشريفة فقف محاذيا للرأس الشريف وقل:
السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا
وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله،
السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا
وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب
الله، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين، السلام عليك يا
وارث فاطمة الزهراء، السلام عليك يا بن محمد المصطفى،
السلام عليك يا بن علي المرتضى، السلام عليك يا بن فاطمة
الزهراء، السلام عليك يا بن خديجة الكبرى، السلام عليك يا
ثار الله ابن ثاره والوتر الموتور، أشهد أنك قد أقمت
294

الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن
المنكر، وأطعت الله حتى أتيك اليقين، فلعن الله أمة قتلتك،
ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به، يا مولاي يا أبا عبد
الله، أشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله إني بكم مؤمن
وبإيابكم موقن، بشرائع ديني، وخواتيم عملي، ومنقلبي إلى
ربي، فصلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم
وعلى شاهدكم وعلى غائبكم وظاهركم وباطنكم، السلام
عليك يا بن خاتم النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن إمام
المتقين، وابن قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، وكيف
لا تكون كذلك وأنت باب الهدى، وإمام التقى، والعروة
الوثقى، والحجة على أهل الدنيا، وخامس أصحاب أهل
الكساء، غذتك يد الحرمة، ورضعت من ثدي الايمان،
وربيت في حجر الاسلام، فالنفس غير راضية بفراقك، ولا
شاكة في حياتك، صلوات الله عليك وعلى آباءك وأبناءك،
السلام عليك يا صريع العبرة الساكبة، وقرين المصيبة
الراتبة، لعن الله أمة استحلت منك المحارم، وانتهكت فيك
حرمة الاسلام، فقتلت صلى الله عليك مقهورا، وأصبح رسول
الله صلى الله عليه وآله بك موتورا، وأصبح كتاب الله بفقدك
295

مهجورا، السلام عليك وعلى جدك وأبيك، وأمك وأخيك،
وعلى الأئمة من بنيك، وعلى المستشهدين معك، وعلى
الملائكة الحافين بقبرك، والشاهدين لزوارك، المؤمنين
بالقبول على دعاء شيعتك، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته، بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله، بأبي أنت وأمي يا أبا
عبد الله، لقد عظمت الرزية، وجلت المصيبة بك علينا
وعلى جميع أهل السماوات والأرض، فلعن الله أمة أسرجت
وألجمت وتهيأت لقتالك، يا مولاي يا أبا عبد الله، قصدت
حرمك، وأتيت مشهدك، أسئل الله بالشأن الذي لك عنده،
وبالمحل الذي لك لديه، أن يصلي على محمد وآل محمد،
وأن تجعلني معكم في الدنيا والآخرة، بمنة وجوده وكرمه ".
ثم قبل الضريح وصل ركعتين عند الرأس الشريف اقرأ فيها ما تشاء،
وإذا فرغت فقل:
" اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك وحدك لا شريك
لك، لأن الصلاة والركوع والسجود لا يكون إلا لك، لأنك
أنت الله لا إله إلا أنت.
اللهم صلى على محمد وآل محمد، وأبلغهم عني أفضل
التحية والسلام، اللهم وهاتان الركعتان هدية مني إلى مولاي
296

وسيدي وإمامي الحسين بن علي عليهما السلام.
اللهم صل على محمد، وتقبل ذلك مني واجزني على
ذلك أفضل أملي ورجائي فيك، وفي وليك يا أرحم
الراحمين ".
ثم توجه إلى جهة الرجلين لزيارة ولده علي بن الحسين الأكبر
(عليه السلام) وقل:
" السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن نبي
الله، السلام عليك يا بن الحسين الشهيد، السلام عليك أيها
الشهيد بن الشهيد، السلام عليك أيها المظلوم ابن المظلوم،
لعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة
سمعت بذلك فرضيت به، السلام عليك يا مولاي، السلام
عليك يا ولي الله وابن وليه، لقد عظمت المصيبة، وجلت
الرزية بك علينا وعلى جميع المؤمنين، فلعن الله أمة قتلتك،
وأبرء إلى الله وإليك منهم في الدنيا والآخرة ".
ثم توجه إلى جهة الشهداء (عليهم السلام) وزرهم قائلا:
" السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه، السلام عليكم يا
أصفياء الله وأوداءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار
297

نبيه، وأنصار أمير المؤمنين، وأنصار فاطمة سيدة نساء
العالمين، السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن الولي
الناصح، السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله الحسين الشهيد
المظلوم، صلوات الله عليم أجمعين، بأبي أنتم وأمي،
طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم والله فوزا عظيما،
يا ليتني كنت معكم فأفوز معكم في الجنان مع الشهداء
والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته ".
ثم ارجع إلى جهة رأس الحسين (عليه السلام) وادع الله تعالى لك
ولأهلك وأبويك وأولادك وللمؤمنين جميعا، فإذا فرغت من الدعاء توجه إلى
مشهد أبي الفضل العباس (عليه السلام) وقف عند قبره وقل:
" السلام عليك يا أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين،
السلام عليك يا بن سيد الوصيين، السلام عليك يا بن أول القوم
اسلاما، وأقدمهم ايمانا، وأقومهم بدين الله، وأحوطهم على
الاسلام، أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك، فنعم الأخ
المواسي، فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن
الله أمة استحلت منك المحارم، انتهكت في قتلك حرمة
الاسلام، فنعم الأخ الصابر المجاهد المحامي الناصر، والأخ
298

الدافع عن أخيه، المجيب إلى طاعة ربه، الراغب فيما زهد
فيه غيره من الثواب الجزيل، والثناء الجميل، وألحقك الله
بدرجة آباءك في دار النعيم، إنه حميد مجيد.
ثم ألصق نفسك بالقبر وقل:
اللهم لك تعرضت، ولزيارة أولياءك قصد ت، رغبة في
ثوابك، ورجاء لمغفرتك وجزيل إحسانك، فأسئلك أن تصلي
على محمد وآل محمد، وأن تجعل رزقي بهم دارا، وعيشي
بهم قارا، وزيارتي بهم مقبولة وذنبي بهم مغفورا، واقلبني
بهم مفلحا منجحا مستجابا دعائي، بأفضل ما ينقلب به أحد
من زواره والقاصدين إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين ".
والسلام
299