الكتاب: منهاج الصالحين
المؤلف: السيد السيستاني
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني - قم
ردمك:
ملاحظات:

منهاج الصالحين
المعاملات
فتاوى
سماحة آية الله العظمى
السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه
سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين
3

كتاب التجارة
وفيه مقدمة وفصول:
مقدمة
التجارة في الجملة من المستحبات الأكيدة في نفسها، وقد تستحب
لغيرها، وقد تجب - كذلك - إذا كانت مقدمة لواجب أو مستحب، وقد تكره
لنفسها أو لغيرها، وقد تحرم كذلك، والمحرم منها أصناف، وهنا مسائل:
مسألة 1: لا يجوز التكسب بالخمر وباقي المسكرات المائعة،
والخنزير، والكلب غير الصيود، وكذا الميتة النجسة على الأحوط، ولا فرق
بين أنواع التكسب من البيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع وأجرة في الإجارة
وعوضا عن العمل في الجعالة وغير ذلك من أنحاء المعاوضة عليها، وفي
حكم ذلك جعلها مهرا في النكاح
وعوضا في الطلاق الخلعي، بل وكذا هبتها
والصلح عليها بلا عوض على الأظهر. نعم ما يكون منها ذو منفعة محللة
مقصودة عند العقلاء فلا بأس بإعارته وإجارته لمنافعه المحللة ككلب الماشية
والزرع والبستان والدور وكشف الجرائم ونحو ذلك.
وأما سائر الأعيان النجسة غير ما ذكر فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها
منفعة محللة معتد بها كبيع العذرة للتسميد والدم للتزريق ونحو ذلك،
وكذلك تجوز هبتها والمعاوضة عليها لسائر أنحاء المعاوضات.
مسألة 2: الأعيان المتقدمة التي مر أنه لا يجوز بيعها ولا سائر أنحاء
المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها، فلو صار خله
5

خمرا أو ماتت دابته أو استولى على كلب غير كلب الصيد لا يجوز أخذ شئ
من ذلك قهرا عليه، وكذا الحكم في سائر الموارد، ويجوز له أن يأخذ مبلغا
من المال ليرفع يده عنه ويخلي بينه وبين الباذل فيصير هو صاحب الحق
باستيلائه عليه، كما يجوز له نقل حقه إلى غيره بلا عوض كالصلح مجانا،
وأما نقله مع العوض فلا يخلو عن اشكال.
مسألة 3: الظاهر أن الميتة الطاهرة - كالسمك الطافي يجوز بيعها
والمعاوضة عليها فيما إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف بحيث
يصح عندهم بذل المال بإزائها، وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بالاجتناب
عن بيعها وبذل المال بإزاء رفع اليد عنها لا بإزاء العين نفسها كما مر في
الميتة النجسة.
مسألة 4: يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة النجسة إذا
كانت له منفعة محللة معتد بها كشعرها وصوفها ونحوهما.
مسألة 5: يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرمة مثل
التسميد بالعذرات، والاشعال بها، والطلي بدهن الميتة النجسة، والصبغ
بالدم. وغير ذلك.
مسألة 6: يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محللة معتد
بها - كما هي كذلك اليوم - وكذلك الأبوال الطاهرة.
مسألة 7: يجوز بيع المتنجس القابل للتطهير كالفراش وكذا
غير القابل له مع عدم توقف منافعه المتعارفة السائغة على الطهارة - كبعض
الأدهان والصابون المتنجس - بل حتى مع توقفها عليها كالدبس والعسل
والدهن المعد للأكل والسكنجبين فيما إذا كانت لها منفعة محلله معتد بها
عند العرف، ولو لم تكن لها منفعة محللة لا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها
على الأحوط وجوبا، والظاهر بقاؤها على ملكية مالكها، ويجوز أخذ شئ
بإزاء رفع اليد عنها.
6

مسألة 8: يجب على البائع اعلام المشتري بنجاسة المتنجس فيما
إذا كان مع عدم الاعلام في معرض مخالفة تكليف الزامي تحريمي
- كاستعماله في الأكل والشرب أو وجوبي كاستعمال الماء المتنجس في
الوضوء أو الغسل واتيان الفريضة بهما - هذا مع احتمال تأثير الاعلام في حقه
بأن لم يحرز كونه غير مبال بالدين مثلا وإلا لم يجب الاعلام.
مسألة 9: لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بماله من
الصورة الصناعية - التي بها قوام مالية عند العرف ولأجلها يقتنيه الناس غالبا -
لا يناسب أن يستعمل إلا في عمل محرم، وله أنواع (منها) الأصنام وشعائر
الكفر كالصلبان و (منها) آلات القمار كالنرد والشطرنج و (منها) آلات اللهو
المحرم، إلى غير ذلك من الأنواع التي سيأتي ذكر بعضها الآخر إن شاء الله تعالى.
مسألة 10: الآلات المخترعة لالتقاط الأصوات والصور أو تسجيلها
أو إذاعتها ونشرها هي - في الغالب - من الآلات المشتركة بين الحلال
والحرام، فيجوز بيعها والمعاوضة عليها واقتناؤها واستعمالها في منافعها
المحللة، كاسماع القرآن المجيد واستماعه ونشر الأحكام الشرعية والمواعظ
الدينية والتعزية والأخبار وتعليم العلوم والصنايع المحللة والتعريف بالأمتعة
والبضائع التجارية ومشاهدة عجائب الخلقة ونحو ذلك، ويحرم استعمالها
في الأمور المحرمة كالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ونشر الأفكار الهدامة
والصور الخلاعية المثيرة للشهوات الشيطانية وكل ما يوجب الانحطاط
الفكري والخلقي للمسلمين وإذا صار بعض ما ذكر من الآلات مصداقا لالة
الحرام بالمعنى المتقدم فلا اشكال في عدم جواز بيعه والمعاوضة عليه.
مسألة 11: كما يحرم بيع آلة الحرام يحرم عملها، وأخذ الأجرة
عليها، بل يجب اعدامها ولو بتغيير هيئتها فيما إذا توقف على طلب النهي
7

عن المنكر المترتب عليه وإلا لم يجب وإن كان أحوط، ويجوز بيع مادتها من
الخشب والنحاس والحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله، لكن لا يجوز دفعها إلى
المشتري إلا مع الوثوق بأن المشتري يغيرها، أما مع عدم الوثوق بذلك
فالظاهر جواز البيع وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام، أما
إذا كانت لها فائدة محللة ولو قليلة لم يجب تغييرها.
مسألة 12: تحرم ولا تصح المعاملة بالنقود الساقطة عن الاعتبار أو
المدلسة التي يغش بها الناس، فلا يجوز جعلها عوضا أو معوضا عنها في
المعاملة مع جهل من تدفع إليه أما مع علمه ففيه إشكال، والأظهر الجواز،
بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنها مغشوشة، وفي وجوب
إزالة صورتها إشكال، والأظهر عدمه.
مسألة 13: يجوز بيع السباع، كالهر والأسد والذئب ونحوها إذا كانت
لها منفعة محللة وكذا يجوز بيع الحشرات وغيرها مما يحرم أكله - إلا الكلب
والخنزير - فيما إذا كانت كذلك كالعلق الذي يمص الدم ودود القز ونحل
العسل والفيل، أما إذا لم تكن لها منفعة محللة، فلا يصح بيعها على الأحوط.
مسألة 14: المراد بالمنفعة المحللة في المسألة السابقة هي الفائدة
المحللة التي بلحاظها تكون للشئ قيمة سوقية معتد بها وإن اختص العلم
بوجودها ببعض أصحاب الاختصاص، سواء أكانت مرغوبا فيها لعامة الناس
أم لصنف خاص منهم، في مطلق الحالات أم في الحالات الطارئة. كما
في الأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي.
مسألة 15: المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضة للتزيين أو
لمجرد الاقتناء، والأقوى الجواز، وإنما يحرم استعمالها في الأكل والشرب
بل وفي غيرهما أيضا على الأحوط كما مر.
مسألة 16: لا يصح على الأحوط بيع المصحف الشريف على الكافر
8

ويحرم تمكينه منه فيما إذا كان في معرض الإهانة والهتك وأما إذا كان تمكينه
لارشاده وهدايته مثلا فلا بأس به، والأحوط استحبابا الاجتناب عن بيعه على
المسلم فإذا أريدت المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف ونحوه،
أو تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض، وأما الكتب المشتملة على
الآيات والأدعية وأسماء الله تعالى، فالظاهر جواز بيعها على الكافر، فضلا عن
المسلم، وكذا كتب أحاديث المعصومين (عليهم السلام) كما يجوز تمكينه منها.
مسألة 17: يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا، أو الخشب
- مثلا - ليعمل صنما، أو آلة لهو، أو نحو ذلك سواء أكان تواطؤهما على ذلك
في ضمن العقد أم في خارجه مع وقوع العقد مبنيا عليه، وإذا باع واشترط
الحرام صح البيع وفسد الشرط، وكذا تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع
فيها الخمر، أو تحرز فيها، أو يعمل فيها شئ من المحرمات، وكذا تحرم
ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر، والأجرة في ذلك
محرمة وإما بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا، أو إجارة المسكن ممن
يعلم أنه يحرز فيه الخمر، أو يعمل به شيئا من المحرمات من دون تواطؤهما
على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله، فقيل أنه حرام وهو الأحوط ولكن
الأظهر الجواز، نعم لا يجوز بيع الخشب ونحوه لمن يصنع منه شعائر الكفر
كالصلبان والأصنام ولو من غير تواطؤ على ذلك على الأظهر.
مسألة 18: التصوير على ثلاثة أقسام:
الأول: تصوير ذوات الأرواح من الانسان والحيوان وغيرهما تصويرا
مجسما كالتماثيل المعمولة من الخشب والشمع والحجر والفلزات، وهذا
محرم مطلقا على الأحوط. سواء كان التصوير تاما أو ما بحكمه كتصوير
الشخص جالسا أو واضعا يديه خلفه أم كان ناقصا، من غير فرق بين أن
يكون النقص لفقد ما هو دخيل في الحياة كتصوير شخص مقطوع الرأس أو
9

لفقد ما ليس دخيلا فيها كتصوير شخص مقطوع الرجل أو اليد. وأما تصوير
بعض بدن ذي الروح كرأسه أو رجله ونحوهما مما لا يعد تصويرا ناقصا لذي
الروح فلا بأس به كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة وبيعها وشرائها وإن
كان يكره ذلك.
الثاني: تصوير ذوات الأرواح من غير تجسيم سواء كان بالرسم أم
بالحفر أم بغيرهما، وهذا جائز على الأظهر، ومنه التصوير الفوتغرافي
والتلفزيوني المتعارف في عصرنا.
الثالث: تصوير غير ذوات الأرواح كالورد والشجر ونحوهما، وهذا
جائز مطلقا وإن كان مجسما.
مسألة 19: يحرم تصوير ما يكون وسيلة عادية لعمل محرم كالأصنام
ونحوها سواء أكان للانسان أو حيوان أو غيرهما، وكذا يحرم تصوير شخص
تخليدا لذكراه وتعظيما له إذا كان اللازم شرعا امتهانه ومحو ذكره، وكذا يحرم
تصوير الصور الخلاعية التي تعتبر وسيلة لترويج الفساد وإشاعة الفاحشة بين
المسلمين، وكذا يحرم تصوير المقدسات على نحو يستلزم هتكها وإهانتها
ولعل منه تصوير أهل الجاهلية إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما
الأزلام - كما قيل - ولا فرق في حرمة ما ذكر كله بين أن تكون الصورة
مجسمة أو لا، ولا بين كونها تامة أو ناقصة، ولا بين أن تكون معمولة باليد أو
بالمكائن والآلات الحديثة، وكما يحرم عملها لا يصح بيعها ويحرم أخذ الأجرة
عليها والتزين بها، نعم لا بأس باقتناء الفرش التي عليها التماثيل التي تعظمها
الكفار - مما تستحق الإهانة إذا افترشت على الأرض ووطأت بالمشي عليها.
مسألة 20: الغناء حرام فعله واستماعه والتكسب به، والظاهر
أنه الكلام اللهوي شعرا كان أو نثرا - الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل
اللهو واللعب، وفي مقومية الترجيع والمد له اشكال، والعبرة بالصدق
10

العرفي، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار
ونحوها بل ولا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوبا.
وقد يستثنى من الغناء المحرم: غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم
إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل ودخول الرجال على النساء
وسماع أصواتهم على نحو يوجب تهيج الشهوة ولكن هذا الاستثناء لا يخلو
عن اشكال، وأما الحداء المتعارف فليس بغناء ولا بأس به كما لا بأس بما
يشك - من جهة الشبهة المصداقية - في كونه غناء أو ما بحكمه. وأما
الموسيقى فما كان منها مناسبا لمجالس اللهو واللعب كما هو الحال فيما
يعزف بآلات الطرب كالعود والطنبور والقانون والقيثارة ونحوها فهي محرمة
كالغناء، وأما غيرها كالموسيقى العسكرية والجنائزية فالأحوط الأولى
الاجتناب عنها أيضا.
مسألة 21: معونة الظالمين في ظلمهم، بل في كل محرم حرام أما
معونتهم في غير المحرمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها، إلا أن يعد
الشخص بها من أعوانهم والمنسوبين إليهم فتحرم، وسيأتي ما يسوغها في
المسألة (39) إن شاء الله تعالى.
مسألة 22: اللعب بآلات القمار كالشطرنج، والدوملة، والنرد
(الطاولي) وغيرها مما أعد لذلك حرام مع الرهن، ويحرم أخذ الرهن أيضا،
ولا يملكه الغالب وأما اللعب بها إذا لم يكن رهن فيحرم في النرد والشطرنج
على الأقوى، بل ولا يترك الاحتياط في غيرهما أيضا، ويحرم اللعب بغير
الآلات المعدة للقمار إذا كان مع الرهن، كالمراهنة على حمل الوزن
الثقيل، أو على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك، ويحرم أخذ الرهن،
وأما إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز.
مسألة 23: عمل السحر تعليمه وتعلمه والتكسب به حرام مطلقا وإن
11

كان لدفع السحر على الأحوط، نعم يجوز بل يجب إذا توقفت عليه
مصلحة أهم كحفظ النفس المحترمة المسحورة. والمراد بالسحر ما يوجب
الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما، وفي كون تسخير
الجن أو الملائكة أو الانسان من السحر أشكال، والأظهر تحريم ما كان مضرا
بمن يحرم الاضرار به دون غيره.
مسألة 24: القيافة حرام. وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض أو نفي
بعضهم عن بعض استنادا إلى علامات خاصة على خلاف الموازين الشرعية
في الالحاق وعدمه، وأما استكشاف صحة النسب أو عدمها باتباع الطرق
العلمية الحديثة في تحليل الجينات الوراثية فليس من القيافة ولا يكون محرما.
مسألة 25: الشعبذة. وهي: إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة
الخارجة عن العادة - حرام، إذا ترتب عليها عنوان محرم كالأضرار بمؤمن ونحوه.
مسألة 26: الكهانة حرام. وهي: الاخبار عن المغيبات بزعم أنه
يخبره بها بعض الجان، أما إذا كان اعتمادا على بعض الأمارات الخفية
فالظاهر أنه لا بأس به إذا اعتقد صحته أو اطمأن به، وكما تحرم الكهانة يحرم
التكسب بها والرجوع إلى الكاهن وتصديقه فيما يقوله.
مسألة 27: النجش - وهو: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة، وهو لا يريد
شراءها، بل لأن يسمعه غيره فيزيد لزيادته، حرام مطلقا وإن خلا عن تغرير الغير
وغشه على الأحوط، ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان عن مواطاة مع البائع وغيره.
مسألة 28: التنجيم حرام. وهو: الاخبار عن الحوادث، مثل الرخص
والغلاء والحر والبرد ونحوها، استنادا إلى الحركات الفلكية والطوارئ الطارئة
على الكواكب، من الاتصال بينها، أو الانفصال، أو الاقتران، أو نحو ذلك،
باعتقاد تأثيرها في الحادث، على وجه الاستقلال أو الاشتراك مع الله تعالى،
دون مطلق التأثير، نعم يحرم الاخبار بغير علم عن هذه الأمور وغيرها مطلقا،
12

وليس من التنجيم المحرم الاخبار عن الخسوف والكسوف والأهلة واقتران
الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن أصول وقواعد سديدة وكون الخطأ
الواقع فيه أحيانا ناشئا من الخطأ في الحساب واعمال القواعد كسائر العلوم.
مسألة 29: الغش حرام. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
(من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه، وسد عليه معيشته ووكله إلى
نفسه) ويكون الغش بإخفاء الأدنى في الأعلى، كمزج الجيد بالردئ
وبإخفاء غير المراد في المراد، كمزج الماء باللبن، وبإظهار الصفة الجيدة
مع أنها مفقودة واقعا، مثل رش الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها
جديدة وبإظهار الشئ على خلاف جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو
الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب وقد يكون بترك الاعلام مع ظهور العيب وعدم
خفائه، كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب
فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه، فإن عدم إعلام البائع
بالعيب - مع اعتماد المشتري عليه - غش له.
مسألة 30: الغش وإن حرم لا تفسد المعاملة به، لكن يثبت الخيار
للمغشوش بعد الاطلاع، إلا في اظهار الشئ على خلاف جنسه كبيع
المطلي بماء الذهب أو الفضة على أنه منهما، فإنه يبطل فيه البيع، ويحرم
الثمن على البائع، هذا إذا وقعت المعاملة على شخص ما فيه الغش، وأما
إذا وقعت على الكلي في الذمة وحصل الغش في مرحلة الوفاء فللمغشوش
أن يطلب تبديله بفرد آخر لا غش فيه.
مسألة 31: لا تصح الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الاتيان به
مجانا، واجبا كان أو مستحبا، عينيا كان أو كفائيا، عباديا كان أو توصليا، ومن
هذا القبيل فعل الفرائض اليومية ونوافلها وصوم شهر رمضان وحجة الاسلام
إذا كان المقصود أن يأتي بها الأجير عن نفسه، ومنه أيضا القضاء بين الناس
13

والأذان للصلاة وتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم - على اشكال في
الأمثلة الأربعة الأخيرة لا يترك معه الاحتياط - وأما ما لا يعتبر فيه المجانية
شرعا فيجوز الاستئجار له سواء أكان مستحبا من نفسه كما لو استأجره على
أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة،
أم كان واجبا كما لو استأجر الطبيب ليصف الدواء للمريض أو يعالجه من
مرضه ونحو ذلك، وكذا لو استأجر من يقوم بفعل الواجبات التي يتوقف عليها
النظام كتعليم بعض علوم الزراعة والصناعة والطب، ولو استأجره لتعليم
الأحكام الشرعية فيما هو محل الابتلاء فالأحوط البطلان وحرمة الأجرة، وفي
عموم الحكم لما لا يكون محلا للابتلاء واشكال والأظهر الجواز والصحة.
مسألة 32: يحرم النوح بالباطل، أي بما يكون كذبا ولا بأس بالنوح بالحق.
مسألة 33: يحرم هجاء المؤمن، وهو ذكر نواقصه ومثالبه - شعرا كان
أو نثرا - ولا يستحسن هجاء مطلق الناس إلا إذا اقتضته المصلحة العامة،
وربما يصير واجبا حينئذ كهجاء الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته.
مسألة 34: يحرم الفحش من القول، وهو ما يستقبح التصريح به إما مع كل
أحد أو مع غير الزوجة، فيحرم الأول مطلقا ويحوز الثاني مع الزوجة دون غيرها.
مسألة 35: تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل. وأما الرشوة
على استنقاذ الحق من الظالم فجائزة، وإن حرم على الظالم أخذها.
مسألة 36: يحرم حفظ كتب الضلال ونشرها وقرائتها وبيعها وشرائها
مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره، فلو أمن من ذلك جاز، كما يجوز
إذا كانت هناك مصلحة أهم والمقصود بكتب الضلال ما يشتمل على العقائد
والآراء الباطلة سواء ما كانت مخالفة للدين أو المذهب.
مسألة 37: يحرم على الرجل لبس الذهب كالتختم به ونحوه بل
الأحوط لزوما ترك التزين به من غير لبس أيضا كتلبيس مقدم الأسنان به أو
جعل أزرار اللباس منه.
14

مسألة 38: يحرم الكذب: وهو: الاخبار بما ليس بواقع، ولا فرق في
الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل ما لم ينصب
قرينة حالية أو مقالية على كونه في مقام الهزل وإلا ففي حرمته اشكال. ولو
تكلم بصورة الخبر - هزلا - بلا قصد الحكاية والاخبار فلا بأس به ومثله
التورية بأن يقصد من الكلام معنى من معانيه مما له واقع، ولكنه خلاف
الظاهر، كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل
يجوز الحلف كاذبا حينئذ، ويجوز الكذب أيضا للاصلاح بين المؤمنين
والأحوط - وجوبا - الاقتصار فيهما على صورة عدم تيسر التورية، وأما
الكذب في الوعد، بأن يخلف في وعده فالأحوط الاجتناب عنه مهما أمكن
ولو بتعليق الوعد على مشيئة الله تعالى أو نحوها، وأما لو كان حال الوعد بانيا
على الخلف فالظاهر حرمته، بلا فرق في ذلك بين الوعد مع الأهل وغيرها
على الأحوط.
مسألة 39: يحرم الدخول من الولايات والمناصب من قبل السلطة
الجائرة وهو على قسمين: (الأول): فيما إذا كان أصل العمل مشروعا في
نفسه مع قطع النظر عن توليه من قبل الجائر، كجباية الحقوق الشرعية من
الخراج والمقاسمة والزكاة بشرائطها المقررة شرعا، وكتعليم العلوم المحللة
وكإدارة المصانع والدوائر ونحو ذلك.
وهذا يسوغه أمران: أ - أن يكون للقيام بمصالح المسلمين وإخوانه في
الدين، فإنه لا بأس به حينئذ، بل لو كان بقصد الاحسان إلى المؤمنين ودفع
الضرر عنهم كان راجحا بل ربما صار واجبا في بعض أنواعه بالنسبة إلى
بعض الأشخاص.
ب - الاكراه، بأن يوعده الجائر على الترك بما يوجب الضرر على نفسه
15

أو عرضه أو ماله المعتد به أو على بعض من يتعلق به بحيث يكون الاضرار
بذلك الشخص اضرارا بالمكره عرفا كالأضرار بأبيه أو أخيه أو ولده أو نحوهم
ممن يهمه أمره، ومثل الاكراه الاضطرار لتقية ونحوها.
الثاني: فيما إذا كان العمل محرما في نفسه، وهذا يسوغه الأمر الثاني
المتقدم إذا كان عدم مشروعية العمل من حقوق الله تعالى ولم يكن يترتب
على الاتيان به فساد الدين واضمحلال حوزة المؤمنين ونحو ذلك من
المهمات، وأما إذا كان عدم مشروعيته من حقوق الناس فإن كان فيه اتلاف
النفس المحترمة لم يجز ارتكابه لأجل الاكراه ونحوه مطلقا، وإلا فإن وجب
عليه التحفظ على نفسه من الضرر المتوعد به فاللازم الموازنة بين الأمرين وتقديم
ما هو الأكثر أهمية منهما في نطر الشارع، وهنا صور كثيرة لا يسع المقام بيانها.
مسألة 40: ما تأخذه الحكومة من الضرائب الشرعية المجعولة
- بشرائط خاصة - على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز أخذه منها بعوض
أو مجانا، بلا فرق بين الخراج وهو ضريبة النقد، والمقاسمة وهي ضريبة
السهم من النصف أو العشر ونحوهما، وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة، والظاهر
براءة ذمة المالك بالدفع إليها إذا لم يجد بدا من ذلك. بل الظاهر أنه لو لم
تباشر الحكومة أخذه وحولت شخصا على المالك في أخذه منه جاز للمحول
أخذه وبرئت ذمة المحول عليه إذا كان مجبورا على دفعه إلى من تحوله عليه.
والأقوى عدم الفرق فيما ذكر بين الحاكم المخالف المدعي للخلافة العامة
وغيره حتى الحاكم المؤالف، نعم في عموم الحكم للحاكم الكافر ومن
تسلط على بلدة خروجا على حكومة الوقت اشكال.
مسألة 41: إذا دفع انسان مالا إلى آخر ووكله في توزيعه على طائفة
من الناس وكان المدفوع إليه منهم، فإن لم يفهم من الدافع الإذن له في
الأخذ من ذلك المال لم يجز له الأخذ منه أصلا، وإن فهم الإذن جاز له أن
16

يأخذ منه مثل أحدهم أو أقل أو أكثر على حسب ما فهم من الإذن، وإن فهم
الإذن في أصل الأخذ دون مقداره جاز له أن يأخذ بمقدار ما يعطيه لغيره.
مسألة 42: جوائز الظالم حلال، وإن علم اجمالا أن في ماله حراما،
وكذا كل ما كان في يده يجوز أخذه منه وتملكه والتصرف فيه بإذنه، إلا أن
يعلم أنه غصب، فلو أخذ منه - حينئذ وجب رده إلى مالكه، إن عرف
بعينه، فإن جهل وتردد بين جماعة محصورة أعلمهم بالحال فإن ادعاه
أحدهم وأقره عليه الباقي أو اعترفوا أنه ليس لهم سلمه إليه، وإن ادعاه أزيد
من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو، وإلا تعين الرجوع إلى الحاكم
الشرعي في حسم الدعوى، وإن أظهر الجميع جهلهم بالحال وامتنعوا عن
التراضي بينهم فالأظهر لزوم العمل بالقرعة والأحوط تصدي الحاكم الشرعي
أو وكيله لاجرائها. وإن تردد المالك بين جماعة غير محصورة تصدق به عنه
مع الإذن من الحاكم الشرعي على الأحوط لزوما إن كان يائسا عن معرفته،
وإلا وجب الفحص عنه وإيصاله إليه.
مسألة 43: يكره احتراف بعض المعاملات كبيع الصرف، وبيع
الأكفان، وبيع الطعام، كما يكره أن يكون الانسان جزارا أو حجاما، ولا
سيما مع الشرط بأن يشترط أجرة، ويكره أيضا التكسب بضراب الفحل، بأن
يؤجره لذلك، أو بغير إجارة بقصد العوض، أما لو كان بقصد المجانية فلا
بأس بما يعطى بعنوان الهدية.
مسألة 44: لا يجوز بيع أوراق اليانصيب، فإذا كان الاعطاء بقصد
البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة، وأما إذا كان الاعطاء مجانا كما
إذا كان بقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس به، وعلى كلا التقديرين
فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه إذا كان المتصدي لها شركة غير
أهلية من المال المجهول مالكه، لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي
لاصلاحه.
17

مسألة 45: يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه. كما
يجوز أخذ العوض في مقابله على ما تقدم.
مسألة 46: يحرم حلق اللحية وأخذ الأجرة عليه على الأحوط لزوما
إلا إذا أكره على الحلق أو اضطر إليه لعلاج أو نحوه، أو خاف الضرر على
تقدير تركه، أو كان تركه حرجيا بالنسبة إليه كما إذا كان يوجب سخرية ومهانة
شديدة لا يتحملها، ففي هذه الموارد لا اشكال في جواز الحلق.
آداب التجارة
مسألة 47: يستحب للمكلف أن يتعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها
بل يجب عليه ذلك إذا كان في معرض الوقوع في مخالفة تكليف الزامي
بسبب ترك التعلم، وإذا شك في صحة معاملة وفسادها بسبب الجهل
بحكمها لم يجز له ترتيب آثار أي من الصحة أو الفساد فلا يجوز له التصرف
فيما أخذه من صاحبه ولا فيما دفعه إليه، بل يتعين عليه إما التعلم أو
الاحتياط ولو بالصلح ونحوه، نعم إذا أحرز رضاه بالتصرف في المال
المأخوذ منه حق على تقدير فساد المعاملة جاز له ذلك.
مسألة 48: يستحب أن يساوي بين المبتاعين في الثمن، فلا يفرق
بين المماكس وغيره بزيادة السعر في الأول أو بنقصه، أما لو فرق بينهم
لمرجحات شرعية كالفقر والعلم والتقوى ونحوها فلا بأس به، ويستحب أن
يقيل النادم ويتشهد الشهادتين عند الجلوس في السوق للتجارة وأن يكبر الله
تعالى عند العقد وأن يأخذ الناقص ويعطي الراجح.
مسألة 49: يكره مدح البائع سلعته، وذم المشتري لها، وكتمان
العيب إذا لم يؤد إلى غش، وإلا حرم كما تقدم، والحلف في المعاملة إذا
18

كان صادقا وإلا حرم، والبيع في المكان المظلم الذي يستتر فيه العيب، بل
كل ما كان كذلك، والربح على المؤمن زائدا على مقدار الحاجة، وعلى
الموعود بالاحسان، والسوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وأن يدخل
السوق قبل غيره والمعاملة مع من لم ينشأ في الخير والمحارفين، وطلب
تنقيص الثمن بعد العقد، والزيادة وقت النداء لطلب الزيادة أما الزيادة بعد
سكوت المنادي فلا بأس بها، والتعرض للكيل أو الوزن أو العد أو المساحة
إذا لم يحسنه حذرا من الخطأ، والدخول في سوم المؤمن، بل الأحوط
استحبابا تركه. والمراد به الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري، أو بذل
مبيع له غير ما بذله البائع، مع رجاء تمامية المعاملة بينهما، فلو انصرف
أحدهما عنها أو علم بعدم تماميتها بينهما فلا كراهة، وكذا لو كان البيع مبنيا
على المزايدة، وأن يتوكل بعض أهل البلد لمن هو غريب عنها بل الأحوط
استحبابا تركه، وتلقي الركبان الذين يجلبون السلعة وحده إلى ما دون أربعة
فراسخ، فلو بلغ أربعة فراسخ فلا كراهة، وكذا لو اتفق ذلك بلا قصد.
والظاهر عموم الحكم لغير البيع من المعاملة، كالصلح والإجارة ونحوهما.
مسألة 50: الاحتكار وهو حبس السلعة والامتناع من بيعها - حرام إذا
كان الانتظار زيادة القيمة مع حاجة المسلمين ومن يلحق بهم من سائر
النفوس المحترمة إليها، وليس منه حبس السلعة في زمان الغلاء إذا أراد
استعمالها في حوائجه وحوائج متعلقيه أو لحفظ النفوس المحترمة عند
الاضطرار، والظاهر اختصاص الحكم بالطعام، والمراد به هنا القوت الغالب
لأهل البلد، وهذا يختلف باختلاف البلدان، ويشمل الحكم، ما يتوقف
عليه تهيئته كالوقود وآلات الطبخ أو ما يعد من مقوماته كالملح والسمن
ونحوهما، والضابط هو حبس ما يترتب عليه ترك الناس وليس لهم طعام.
والأحوط استحبابا ترك الاحتكار في مطلق ما يحتاج إليه كالملابس والمساكن
19

والمراكب والأدوية ونحوها، ويجب النهي عن الاحتكار المحرم بالشروط
المقررة للنهي عن المنكر، وليس للناهي تحديد السعر للمحتكر، نعم لو
كان السعر الذي اختاره مجحفا بالعامة ألزم على الأقل الذي لا يكون
مجحفا.
20

الفصل الأول
شروط العقد
البيع هو: نقل المال إلى الغير بعوض، والمقصود بالعوض هو المال
الذي يجعل بدلا وخلفا عن الآخر، والغالب فيه في هذه الأزمنة أن يكون من
النقود، فالبيع متقوم بقصد العوضية والمعوضية، وباذل المعوض هو البائع
وباذل العوض هو المشتري، ومن ذلك يتضح معنى الشراء، وأما المعاوضة
بين المالين من دون قصد العوضية والمعوضية فهي معاملة مستقلة صحيحة
ولازمة سواء أكانا من الأمتعة أم من النقود ولا تترتب عليها الأحكام المختصة
بالبيع كخياري المجلس والحيوان دون ما يشمل مطلق المعاوضات كحرمة
الربا.
مسألة 51: يعتبر في البيع الايجاب والقبول، ويقع بكل لفظ دال
على المقصود، وإن لم يكن صريحا فيه مثل: بعت وملكت، وبادلت
ونحوها في الايجاب، ومثل: قبلت ورضيت وتملكت واشتريت ونحوها في
القبول، ولا تشترط فيه العربية، كما لا يقدح فيه اللحن في المادة أو الهيئة
إذا لم يمنع من ظهوره في المعنى المقصود عند أنباء المحاورة، ويجوز إنشاء
الايجاب بمثل: اشتريت، وابتعت، وتملكت وإنشاء القبول بمثل: شريت
وبعت وملكت.
مسألة 52: إذا قال: بعني فرسك بهذا الدينار، فقال المخاطب:
بعتك فرسي بهذا الدينار فالأظهر صحته وترتب الأثر عليه بلا حاجة إلى ضم
القبول من الأمر إذا كان المتفاهم منه عرفا اعطاء السلطنة للمخاطب في نقل
الدينار إلى نفسه ونقل فرسه إليه، والظاهر أن الأمر كذلك، ومثله ما إذا كان
21

لشخص واحد حق التصرف في المالين بأن كان - مثلا وليا على المالكين
أو وكيلا عنهما.
مسألة 53: يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب والقبول فلو
قال البائع: بعت، فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف البائع عن
البيع لم يتحقق العقد، ولم يترتب عليه الأثر. أما إذا لم ينصرف وكان ينتظر
القبول، حتى قبل صح، كما أنه لا تعتبر وحدة المجلس فلو تعاقدا بالتليفون
فأوقع أحدهما الايجاب وقبل الآخر صح. أما المعاملة بالمكاتبة ففيها
إشكال، والأظهر الصحة، إن لم ينصرف البائع عن بيعه حتى قبل
المشتري.
مسألة 54: الظاهر اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول في الثمن
والمثمن، وفي سائر حدود البيع والعوضين - ولو بلحاظ من تضاف إليه الذمة
فيما إذا كان أحد العوضين ذميا - فلو قال: بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط
أن تخيط قميصي، فقال المشتري: اشتريت هذا الدفتر بدينار أو هذا
الكتاب بدرهم أو بشرط أن أخيط عباءتك أو بلا شرط شئ أو بشرط أن تخيط
ثوبي أو اشتريت نصفه بنصف درهم، أو قال: بعتك هذا الكتاب بدينار في
ذمتك فقال: اشتريته بدينار لي في ذمة زيد لم يصح العقد، وكذا في نحو ذلك
من أنحاء الاختلاف، ولو قال: بعتك هذا الكتاب بدينار فقال: اشتريت كل
نصف منه بنصف دينار ففي الصحة اشكال، وكذا إذا كان انشاء أحد الطرفين
مشروطا بشئ على نفسه وانشاء الآخر مطلقا كما إذا قال: بعتك هذا الكتاب
بدينار فقال: اشتريته بشرط أن أخيط لك ثوبا، أو قال بعتك هذا الكتاب بدينار
بشرط أن أخيط ثوبك فقال: قبلت بلا شرط فإنه لا ينعقد مشروطا بلا اشكال
وفي انعقاده مطلقا وبلا شرط اشكال.
مسألة 55: إذا تعذر اللفظ لخرس ونحوه قامت الإشارة مقامه وإن
22

تمكن من التوكيل، وكذا الكتابة مع العجز عن الإشارة. أما مع القدرة عليها
ففي تقديم الإشارة أو الكتابة وجهان بل قولان، والأظهر الجواز بكل منهما،
بل لا يبعد ذلك حتى مع التمكن من اللفظ.
مسألة 56: الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة، بأن ينشئ البائع البيع
بإعطائه المبيع إلى المشتري، وينشئ المشتري القبول بإعطاء الثمن إلى
البائع، ولا فرق في صحتها بين المال الخطير والحقير، وقد تحصل بإعطاء
البائع المبيع وأخذ المشتري بلا إعطاء منه، كما لو كان الثمن كليا في الذمة
أو باعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له بلا إعطاء منه، كما لو كان المثمن
كليا في الذمة.
مسألة 57: الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر
في البيع العقدي من شرائط العقد والعوضين والمتعاقدين، كما أن الظاهر
ثبوت جميع الخيارات - الآتية إن شاء الله تعالى - على نحو ثبوتها في البيع
العقدي حتى ما يتوقف منها على اشتراطه على كلام سيأتي في المسألة
(59).
مسألة 58: الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات
بل الايقاعات إلا في موارد خاصة، كالنكاح والطلاق والنذر واليمين،
والظاهر جريانها في الرهن والوقف أيضا.
مسألة 59: في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواء أكان شرط خيار في
مدة معينة، أم شرط فعل، أم غيرهما: اشكال، وإن كان القبول لا يخلو من
وجه، فلو أعطى كل منهما ماله إلى الآخر قاصدين البيع، وقال أحدهما في
حال التعاطي: جعلت لي الخيار إلى سنة - مثلا - وقبل الآخر صح شرط
الخيار، وكان البيع خياريا، وكذا إذا ذكر الشرط في المقاولة ووقع التعاطي
مبنيا عليه.
23

مسألة 60: لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد سواء
أعلم حصوله بعد ذلك، كما إذا قال: بعتك إذا هل الهلال، أم جهل
حصوله، كما لو قال: بعتك إذا ولد لي ولد ذكر، ولا على أمر مجهول
الحصول حال العقد، كما إذا قال: بعتك إن كان اليوم يوم الجمعة مع جهله
بذلك، أما مع علمه به فالوجه بالجواز.
مسألة 61: إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد، فإن علم
برضا البائع بالتصرف فيه حتى مع فساد العقد جاز له التصرف فيه وإلا وجب
عليه رده إلى البائع، وإذا تلف - ولو من دون تفريط - وجب عليه رد مثله إن
كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، وكذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع بالبيع
الفاسد، وإذا كان المالك مجهولا جرى عليه حكم المال المجهول مالكه،
ولا فرق في جميع ذلك بين العلم بالحكم والجهل به، ولو باع أحدهما ما
قبضه كان البيع فضوليا وتوقفت صحته على إجازة المالك وسيأتي الكلام فيه
إن شاء الله تعالى.
24

الفصل الثاني
شروط المتعاقدين
مسألة 62: يشترط في كل من المتعاقدين أمور:
الأول: البلوغ، فلا يصح عقد الصبي في ماله، وإن كان مميزا، إذا
لم يكن بإذن الولي بل وإن كان بإذنه إذا كان الصبي مستقلا في التصرف إلا
في الأشياء اليسيرة التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها فإن
الصحة فيها لا تخلو من وجه وأما إذا كانت المعاملة من الولي، وكان الصبي
وكيلا عنه في إنشاء الصيغة فالأظهر الصحة، وكذا إذا كان تصرفه في مال
غيره بإذن المالك، وإن لم يكن بإذن الولي.
الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون، وإن كان قاصدا إنشاء
البيع.
الثالث: الاختيار - بمعنى الاستقلال في الإرادة - فلا يصح بيع المكره
وشراؤه، وهو من يأمره غيره بالبيع أو الشراء على نحو يخاف من الاضرار به
لو خالفه بحيث يكون لخوف الضرر من الغير دخل في صدور البيع أو الشراء
منه، وأما لو لم يكن له دخل فيه وإن حصل له الخوف من تركه كما لو لم يكن
مباليا بالضرر المحتمل أو المعلوم فلا يضر بالصحة، وكذا إذا اضطر إلى
البيع أو الشراء فإنه يصح وإن اضطره الغير إليه كما لو أمره بدفع مقدار من
المال ولم يمكنه إلا بيع داره فباعها فإنه يصح بيعها، نعم إذا حصل
الاضطرار بمواطاة الغير مع ثالث، كما لو تواطئا على أن يحبسه أحدهما في
مكان ليضطر إلى بيع خاتمه - مثلا - على الثاني إزاء ما يسد به رمقه فالأظهر
فساد المعاملة وضمانه لما اضطر إلى التصرف فيه قيمته السوقية.
25

مسألة 63: لو رضي المكره بالبيع بعد زوال الاكراه صح وإن كان
الأحوط حينئذ تجديد العقد.
مسألة 64: إذا أكره أحد الشخصين على بيع داره، كما لو قال
الظالم: فليبع زيد أو عمرو داره فباع أحدهما داره خوفا منه بطل البيع، وأما
إذا علم إقدام الآخر على البيع وباعها صح البيع.
مسألة 65: لو أكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل، ولو باع
الآخر بعد ذلك صح، ولو باعهما جميعا دفعة بطل فيهما جميعا إذا كان
للاكراه دخل في بيعها مجتمعين كما في بيع أحدهما منفردا وإلا فالظاهر
صحة البيع بالنسبة إلى كليهما.
مسألة 66: لو أكرهه على بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة،
وصح بيع الولد إلا إذا كان للاكراه دخل في بيعه معها، كما لو لم يمكن
حفظه مع بيع أمه.
مسألة 67: يعتبر في صدق الاكراه عدم امكان التفصي عنه بغير
التورية، وهل يعتبر فيه عدم امكان التفصي بالتورية ولو من جهة الغفلة عنها
أو الجهل بها أو حصول الاضطراب المانع عن استعمالها أو نحو ذلك؟
وجهان، لا يخلو أولهما عن وجه.
مسألة 68: المراد من الضرر الذي يخافه، على تقدير عدم الاتيان
بما أكره عليه ما يعم الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه، وعلى بعض من
يتعلق به ممن يهمه أمره فلو لم يكن كذلك فلا إكراه، فلو باع - حينئذ - صح
البيع.
26

البيع الفضولي:
الرابع - من شروط المتعاقدين - أن يكون مالكا للتصرف الناقل، كأن
يكون مالكا للشئ من غير أن يكون محجورا عن التصرف فيه لسفه أو فلس
أو غيرهما من أسباب الحجر، أو يكون وكيلا عن المالك أو مأذونا من قبله أو
وليا عليه، فلو لم يكن العاقد مالكا للتصرف لم يصح البيع بل توقفت صحته
على إجازة المالك للتصرف، فإن أجاز صح وإلا بطل، فصحة العقد الصادر
من غير مالك العين تتوقف على إجازة المالك، وصحة عقد السفيه على إجازة
الولي، وصحة عقد المفلس على إجازة الغرماء، فإن أجازوا صح وإلا بطل،
وهذا هو المسمى ب‍ (عقد الفضولي) والمشهور أن الإجازة بعد الرد لا أثر لها
ولكنه لا يخلو عن إشكال وأما الرد بعد الإجارة فلا أثر له جزما.
مسألة 69: لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي، فإن أجازه
المالك صح، ولا أثر للمنع السابق في البطلان.
مسألة 70: إذا علم من حال المالك أنه يرضى بالبيع فباعه لم يصح
وتوقفت صحته على الإجازة.
مسألة 71: إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك،
أو لبنائه على ذلك، كما في الغاصب، فأجازه المالك لنفسه صح البيع
ويكون الثمن له.
مسألة 72: لا يكفي في تحقق الإجازة الرضا الباطني، بل لا بد في
تحققها من قول مثل: رضيت، وأجزت، ونحوهما، أو فعل مثل: أخذ
الثمن، أو بيعه، أو الإذن في بيعه أو إجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك.
مسألة 73: الظاهر أن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه
كشفا انقلابيا بمعنى اعتبار الملكية من حين تحقق العقد في زمن حدوث
27

الإجازة، فنماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك لمالك المبيع
ونماء المبيع ملك للمشتري.
مسألة 74: لو باع باعتقاد كونه وليا أو وكيلا فتبين خلافه فإن أجازه
المالك صح وإن رد بطل، ولو باع باعتقاد كونه أجنبيا فتبين كونه وليا أو وكيلا
صح، ولم يحتج إلى الإجازة، ولو تبين كونه مالكا ففي صحة البيع - من دون
حاجة إلى إجازته - إشكال والأظهر هو الصحة فيما لو كان البيع لنفسه.
مسألة 75: لو باع مال غيره فضولا، ثم ملكه قبل إجازة المالك إما
باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث. ففي صحته - بلا حاجة إلى الإجازة
أو توقفه على الإجازة أو بطلانه رأسا - وجوه أقواها الأخير.
مسألة 76: لو باع مال غيره فضولا فباعه المالك من شخص آخر صح
بيع المالك، وبطل بيع الفضولي ولا تنفع في صحته إجازة المالك ولا
المشتري.
مسألة 77: إذا باع الفضولي مال غيره ولم تتحقق الإجازة من المالك،
فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال، وإن كانت في يد البائع جاز
للمالك الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له
الرجوع على كل من البائع والمشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن
لم يدفعها إلى المشتري، أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها، إن كانت
مثلية، وبقيمتها إن كانت قيمية.
مسألة 78: المنافع المستوفاة مضمونة، وللمالك الرجوع بها على من
استوفاها، وكذا الزيادات العينية، مثل اللبن والصوف والشعر والسرجين
ونحوها، مما كانت له مالية، فإنها مضمونة على من استولى عليها كالعين،
أما المنافع غير المستوفاة ففي ضمانها إشكال، ولا يبعد التفصيل فيها بين
المنافع المفوتة والفائتة بثبوت الضمان في الأول دون الثانية والمقصود
28

بالمنافع المفوتة ما تكون مقدرة الوجود عرفا كسكنى الدار وبالفائتة ما لا تكون
كذلك كمنفعة الكتب الشخصية غير المعدة للايجار.
مسألة 79: المثلي: ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف
باختلافها الرغبات، والقيمي: ما لا يكون كذلك، فالآلات والظروف
والأقمشة المعمولة في المعامل في هذا الزمان من المثلي، والجواهر الأصلية
من الياقوت والزمرد والألماس والفيروزج ونحوها من القيمي.
مسألة 80: إذا تفاوتت قيمة القيمي من زمان القبض إلى زمان الأداء
بسبب كثرة الرغبات وقلتها فالأظهر أن المدار في القيمة المضمون بها قيمة
زمان التلف وإن كان الأحوط الأولى التراضي والتصالح فيما به التفاوت بين
قيمة زمان القبض والتلف والأداء.
مسألة 81: إذا لم يمض المالك المعاملة الفضولية فعلى البائع
الفضولي أن يرد الثمن المسمى إلى المشتري، فإذا رجع المالك على
المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة فليس للمشتري الرجوع على البائع
في مقدار الثمن المسمى. ويرجع في الزائد عليه إذا كان مغرورا وإذا رجع
المالك على البائع رجع البائع على المشتري بمقدار الثمن المسمى إذا لم
يكن قد قبض الثمن، ولا يرجع في الزائد عليه إذا كان غارا. وإذا رجع
المالك على المشتري ببدل نماء العين من الصوف واللبن ونحوهما أو بدل
المنافع المستوفاة أو غير ذلك، فإن كان المشتري مغرورا من قبل البائع، بأن
كان جاهلا بأن البائع فضولي، وكان البائع عالما فأخبره البائع بأنه مالك، أو
ظهر له منه أنه مالك رجع المشتري على البائع بجميع الخسارات التي
خسرها للمالك، وإن لم يكن مغرورا من البائع كما إذا كان عالما بالحال،
أو كان البائع أيضا جاهلا لم يرجع عليه بشئ من الخسارات المذكورة، وإذا
رجع المالك على البائع ببدل النماءات، فإن كان المشتري مغرورا من قبل
29

البائع لم يرجع البائع على المشتري، وإن لم يكن مغرورا من قبل البائع
رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك وكذا الحال في جميع
الموارد التي تعاقبت فيها الأيدي العادية على مال المالك، فإنه إن رجع
المالك على السابق رجع السابق على اللاحق إن لم يكن مغرورا منه، وإلا
لم يرجع على اللاحق، وإن رجع المالك على اللاحق لم يرجع إلى السابق،
إلا مع كونه مغرورا منه، وكذا الحكم في المال غير المملوك لشخص خاص
كالزكاة المعزولة، ومال الوقف المجعول مصرفا في جهة معينة أو غير معينة،
أو في مصلحة شخص أو أشخاص فإن الولي يرجع على ذي اليد عليه، مع
وجوده، وكذا مع تلفه على النهج المذكور.
مسألة 82: لو باع إنسان ملكه وملك غيره صفقة واحدة صح البيع فيما
يملك، وتوقفت صحة بيع غيره على إجازة المالك، فإن أجازه صح، وإلا
فلا، وحينئذ يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فله فسخ البيع بالإضافة
إلى ما يملكه البائع.
مسألة 83: طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن: أن يقوم كل
من المالين بقيمته السوقية، فيرجع المشتري بحصة من الثمن نسبتها إلى
الثمن نسبة قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ماله
عشرة وقيمة مال غيره خمسة والثمن ثلاثة يرجع المشتري بواحد وهو ثلث
الثمن، ويبقى للبائع اثنان. وهما ثلثا الثمن، هذا إذا لم يكن للاجتماع دخل
في زيادة القيمة ونقصها، أما لو كان الأمر كذلك وجب تقويم كل منهما في
حال الانضمام إلى الآخر ثم تنسب قيمة كل واحد منهما إلى مجموع
القيمتين، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة. مثلا إذا باع الفرس ومهرها
بخمسة، وكانت قيمة الفرس في حال الانفراد ستة، وفي حال الانضمام
أربعة، وقيمة المهر بالعكس فمجموع القيمتين عشرة، فإن كانت الفرس
30

لغير البائع رجع المشتري بخمسين، وهما اثنان من الثمن، وبقي للبائع
ثلاثة أخماس، وإن كان المهر لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس
الثمن، وهو ثلاثة وبقي للبائع اثنان.
مسألة 84: إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السوية فباع
أحدهما نصف الدار، فإن قامت القرينة على أن المراد نصف نفسه، أو
نصف غيره، أو نصف في النصفين عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة
على شئ من ذلك حمل على نصف نفسه لا غير.
مسألة 85: يجوز للأب والجد للأب وإن علا التصرف في مال
الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكل منهما مستقل في الولاية فلا
يعتبر الإذن من الآخر، كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما، ولا أن تكون
مصلحة في تصرفهما، بل يكفي عدم المفسدة فيه نعم إذا دار الأمر بين
الصالح والأصلح لزم اختيار الثاني إذا عد اختيار الأول - في النظر
العقلائي - تفريطا من الولي في مصلحة الصغير، كما لو اضطر إلى بيع مال
الصغير، وأمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل، فلا يجوز له البيع بقيمة المثل،
وكذا لو دار الأمر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل، وزيادة درهمين،
لاختلاف الأماكن أو الدلالين، أو نحو ذلك لم يجز البيع بالأقل، وإن كانت
فيه مصلحة إذا عد ذلك تساهلا عرفا في مال الصغير، والمدار في كون
التصرف مشتملا على المصلحة أو عدم المفسدة على كونه كذلك في نظر
العقلاء، لا بالنظر إلى علم الغيب فلو تصرف الولي باعتقاد المصلحة فتبين
أنه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرف، ولو تبين أنه ليس كذلك بالنظر
إلى علم الغيب صح، إذا كانت فيه مصلحة بنظر العقلاء.
مسألة 86: يجوز للأب والجد التصرف في نفس الصغير بإجارته
لعمل ما أو جعله عاملا في المعامل، وكذلك في سائر شؤونه مثل تزويجه نعم
31

ليس لهما طلاق زوجته، وهل لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوغ
للفسخ، وهبة المدة في عقد المتعة: وجهان والثبوت أقرب. ويشترط في نفوذ
تصرفهما في نفس الصغير خلوه عن المفسدة وتقديم الأصلح عند دوران
الأمر بينه وبين الصالح على نحو ما تقدم في تصرفهما في ماله.
مسألة 87: إذا أوصى الأب أو الجد إلى شخص بالولاية بعد موته
على القاصرين نفذت الوصية، وصار الموصى إليه وليا عليهم بمنزلة
الموصي تنفذ تصرفاته مع الغبطة والمصلحة في جميع ما يتعلق بهم مما كان
للموصي الولاية فيه - على كلام في تزويجهم يأتي في محله - إلا أن يعين
تولي جهة خاصة وتصرفا مخصوصا وتصرفا مخصوصا فيقتصر عليه، ويشترط في الوصي الرشد
والوثاقة، ولا تشترط فيه العدالة على الأقوى. كما يشترط في صحة الوصية
فقد الآخر، فلا تصح وصية الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجد، ولا
وصية الجد بالولاية على حفيده مع وجود الأب، ولو أوصى أحدهما بالولاية
على الطفل، بعد فقد الآخر لا في حال وجوده، ففي صحتها إشكال.
مسألة 88: ليس لغير الأب والجد للأب والوصي لأحدهما ولاية على
الصغير، ولو كان عما أو أما أو جدا للأم أو أخا كبيرا، فلو تصرف أحد هؤلاء
في مال الصغير، أو في نفسه، أو سائر شؤونه لم يصح، وتوقف على إجازة
الولي.
مسألة 89: إذا فقد الأب والجد والوصي لأحدهما يكون للحاكم
الشرعي - وهو المجتهد العادل - ولاية التصرف في أموال الصغار مشروطا
بالغبطة والصلاح، بل الأحوط له الاقتصار على ما إذا كان في تركه الضرر
والفساد، كما لو خيف على ماله التلف مثلا فيبيعه لئلا يتلف، ومع فقد
الحاكم أو تعذر الرجوع إليه فالولاية لعدول المؤمنين مشروطا بما تقدم، ولو
تعذر وجود العادل لم يبعد ثبوت الولاية لسائر المؤمنين. ولو اتفق احتياج
32

المكلف إلى دخول دار الأيتام والجلوس على فراشهم، والأكل من
طعامهم، وتعذر الاستئذان من وليهم لم يبعد جواز ذلك، إذا عوضهم عن
ذلك بالقيمة، ولم يكن فيه ضرر عليهم وإن كان الأحوط استحبابا تركه، وإذا
كان التصرف مصلحة لهم جاز من دون حاجة إلى عوض. والله سبحانه
العالم.
33

الفصل الثالث
شروط العوضين
يشترط في المبيع أن يكون عينا، سواء أكان موجودا في الخارج أم في
الذمة، وسواء أكانت الذمة ذمة البائع أم غيره، كما إذا كان له مال في ذمة
غيره فباعه لشخص ثالث، فلا يجوز بيع المنفعة، كمنفعة الدار، ولا بيع
العمل كخياطة الثوب ولا بيع الحق كحق التحجير - على اشكال فيه أحوطه
ذلك -، وأما الثمن فيجوز أن يكون عينا أو منفعة أو عملا أو حقا كما سيأتي.
مسألة 90: المشهور على اعتبار أن يكون المبيع والثمن ما لا يتنافس
فيه العقلاء، فكل ما لا يكون مالا كبعض الحشرات لا يجوز بيعه، ولا جعله
ثمنا، ولكن هذا لا يخلو عن اشكال وإن كان هو الأحوط.
مسألة 91: إذا كان الحق قابلا للنقل والانتقال كحق التحجير جاز
جعله ثمنا على الأظهر، كما يجوز جعل متعلقه بما هو كذلك ثمنا، ويجوز
جعل شئ بإزاء رفع اليد عن الحق، حتى فيما إذا لم يكن قابلا للنقل
والانتقال، وكان قابلا للاسقاط، كما يجوز جعل الاسقاط ثمنا، بأن يملك
البائع عليه فعل الاسقاط فيجب عليه الاسقاط بعد البيع.
مسألة 92: يشترط في كل من العوضين أن يكون معلوما مقداره
المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عد أو مساحة، فلا تكفي
المشاهدة في مثله، ولا تقديره بغير المتعارف فيه عند البيع كبيع المكيل
بالوزن أو بالعكس وكبيع المعدود بالوزن أو بالكيل أو بالعكس، نعم لا بأس
بجعل الكيل وسيلة لاستعلام الوزن أو العدد ونحو ذلك كأن يجعل كيل
34

يحوي كيلو غراما من السكر مثلا فيباع السكر به، وإذا كان الشئ مما يباع
في حال بالمشاهدة، وفي حال أخرى بالوزن أو الكيل، كالثمر يباع على
الشجر بالمشاهدة وفي المخازن بالوزن، والحطب محمولا على الدابة
بالمشاهدة وفي المخزن بالوزن، واللبن المخيض يباع في السقاء بالمشاهدة
وفي المخازن بالكيل فصحة بيعه مقدرا أو مشاهدا تابعه للمتعارف.
مسألة 93: يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر، كيلا أو وزنا،
أو عدا، ولا فرق بين عدالة البائع وفسقه، والأحوط وجوبا اعتبار حصول
اطمئنان المشتري باخباره، ولو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار
في الفسخ والامضاء، فإن فسخ يرد تمام الثمن وإن أمضاه ينقص من الثمن
بحسابه، وإن تبين الزيادة كانت الزيادة للبايع وكان المشتري بالخيار بين
الفسخ والامضاء بتمام الثمن.
مسألة 94: لا بد في مثل القماش والأرض ونحوهما - مما يكون
تقديره بالمساحة دخيلا في زيادة القيمة - معرفة مقداره، ولا يكتفي في بيعه
بالمشاهدة إلا إذا تعارف بيعه بها كما في بيع بعض الدور والفرش ونحوهما.
مسألة 95: إذا اختلفت البلدان في تقدير شئ، بأن كان موزونا في
بلد، ومعدودا في آخر، ومكيلا في ثالث، فالظاهر أن المدار في التقدير بلد
المعاملة.
مسألة 96: قد يؤخذ الوزن شرطا في المكيل أو المعدود، أو الكيل
شرطا في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس، بشرط أن يكون
كيلها صاعا، فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس، أو يبيعه عشرة أذرع
من قماش، بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال، فيتبين أن وزنها تسعمائة،
لعدم إحكام النسج، أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان، بشرط أن يكون وزنه
مائة مثقال، فيتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظة خيوطه ونحو ذلك، مما كان
35

التقدير فيه ملحوظا صفة كمال للمبيع لا مقوما له، والحكم أنه مع التخلف
بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري، لتخلف الوصف، فإن أمضى
العقد كان عليه تمام الثمن، والزيادة. إن كانت فهي له.
مسألة 97: يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف
القيمة باختلافها، كالألوان والطعوم والجودة والرداءة والرقة والغلظة والثقل
والخفة ونحو ذلك، مما يوجب اختلاف القيمة، أما ما لا يوجب اختلاف
القيمة منها فلا تجب معرفته، وإن كان مرغوبا عند قوم، وغير مرغوب عند
آخرين، والمعرفة إما بالمشاهدة، أو بتوصيف البائع، أو بالرؤية السابقة.
مسألة 98: يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكا، مثل أكثر
البيوع الواقعة بين الناس، أو ما هو بمنزلته، كبيع الكلي في الذمة فلا يجوز
بيع ما ليس كذلك: مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء، وشجر
البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز، ولا فرق في ما يكون ملكا بين أن يكون ملكا
لشخص أو لجهة فيصح بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة وشراؤه العلف لها.
مسألة 99: يشترط أن يكون كل من العوضين طلقا، بأن لا يتعلق به
لأحد حق يقتضي بقاء متعلقه في ملكية مالكه، والضابط فوت الحق بانتقاله
إلى غيره، ومن هذا القبيل حق الرهانة على الأظهر، فلا يجوز بيع العين
المرهونة إلا إذا أذن المرتهن أو أجاز أو فك الرهن فإنه يصح بيعها حينئذ.
مسألة 100: لا يجوز بيع الوقف إلا في موارد:
منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به في جهة الوقف مع بقاء
عينه، كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرق.
ومنها: أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به، مع كونه ذا
منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفا.
ومنها: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر، من قلة المنفعة أو
36

كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو وقوع خلاف بين الموقوف عليهم أو
احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك.
ومنها: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له
عن المنفعة المعتد بها عرفا، واللازم حينئذ تأخير البيع إلى آخر أزمنة امكان
البقاء.
مسألة 101: إذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم بحيث لا
يؤمن من تلف النفوس والأموال ففي صحة بيع الوقف حينئذ إشكال فلا يترك
مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 102: ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري
في المساجد، فإنها لا يجوز بيعها على كل حال. نعم يجري في مثل
الخانات الموقوفة للمسافرين، وكتب العلم والمدارس والرباطات الموقوفة
على الجهات الخاصة.
مسألة 103: إذا جاز بيع الوقف فإن كان له مقول خاص قد عهد إليه
الواقف بجميع شؤونه فله بيعه من دون حاجة إلى إجازة غيره، وإلا فاللازم
- مطلقا على الأحوط - مراجعة الحاكم الشرعي والاستيذان منه في البيع.
وإذا بيع الوقف لطرو الخراب عليه أو ترقب طروه فالأحوط لزوما أن
يشتري بثمنه ملك ويوقف على نهج وقف الأول - بل الأحوط أن يكون الوقف
الجديد معنونا بعنوان الوقف الأول مع الامكان وإلا فيما هو أقرب إليه
فالأقرب - نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في
مصلحة المقدار العامر إن أمكن وإلا ففي وقف آخر إذا كان موقوفا على نهج
وقف الخراب، وإذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به في الجهة الموقوف
عليها وأمكن بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه فالأحوط الاقتصار على بيع بعضه
فيعمر الباقي بثمنه.
37

مسألة 104: لا يجوز بيع رقبة الأرض الخراجية. وهي: الأرض
المفتوحة عنوة العامرة - لا بالأصالة - حين الفتح، فإنها ملك للمسلمين من
وجد ومن يوجد، ولا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر
أو غيرهما، وأن لا تكون. بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها إلا بإذن الحاكم
الشرعي، ولو ماتت فلا يبعد بقاؤها على ملك المسلمين وعدم تملكها
بالاحياء، وأما الأرض العامرة بالأصالة حين الفتح فهي ملك الإمام عليه
السلام، وإذا حازها أحد كان أولى بها من غيره ما لم يمنع عنه مانع شرعي وإذا
كان مؤمنا لم يجب عليه دفع عوض إزاء ذلك وكذا الأرض الميتة في زمان
الفتح فإنها ملك للإمام عليه السلام، وإذا أحياها أحد كان أحق بها من غيره
- لولا طرو عنوان ثانوي يقتضي خلافه - مسلما كان المحيي أو كافرا، وليس
عليه دفع الخراج وأجرة الأرض إذا كان مؤمنا، وإذا تركها لمنع ظالم ونحوه
حتى ماتت فهو على حقيته بها، ولكنه إذا ترك زرعها وأهملها ولم ينتفع بها
بوجه، جاز لغيره زرعها، فيكون أحق بها منه وإن كان الأحوط استحبابا عدم
زرعها بلا إذن من الأول إذا عرفه أو تمكن من معرفته، إلا إذا علم أنه قد
أعرض عنها، وإذا أحياها السلطان المدعي للخلافة على أن تكون
للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية.
مسألة 105: في تعيين أرض الخراج إشكال، وقد ذكر العلماء
والمؤرخون مواضع كثيرة منها. وإذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة
- حين الفتح - تحمل على أنها كانت ميتة، فيجوز إحياؤها وحيازتها إن كانت
حية، كما يجوز بيعها من حيث كونها متعلقة لحقه وكذا نحوه من التصرفات.
مسألة 106: يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدورا على
تسليمه فلا يصح بيع الجمل الشارد، أو الخاتم الواقع في البحر مثلا ولا فرق
بين العلم بالحال والجهل بها، نعم لو كان من انتقل إليه قادرا على تسلمه
38

وإن لم يكن من انتقل عنه قادرا على تسليمه فالظاهر صحة المعاملة كما لو
باع العين المغصوبة وكان المشتري قادرا على أخذها من الغاصب فإنه يصح
البيع، كما يصح بيعها على الغاصب أيضا وإن كان البائع لا يقدر على
أخذها منه ثم دفعها إليه وإذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه،
كما لو باع من ينعتق على المشتري صح، وإن لم يقدر على تسليمه.
مسألة 107: لو قطع بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف
بطل، ولو قطع بالعجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة.
مسألة 108: لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه، لكن
علم بحصولها بعده، فإن كانت المدة يسيرة صح، وإذا كانت طويلة لا
يتسامح بها، فإن كانت مضبوطة كسنة أو أكثر فالظاهر الصحة مع علم
المشتري بها وكذا مع جهله بها، لكن يثبت الخيار للمشتري، وهكذا الحال
- على الأقرب - فيما لو كانت المدة غير مضبوطة كما لو باعه دابة غائبة يعلم
بحضورها لكن لا يعلم زمانه.
مسألة 109: إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان
وكيلا في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكيلا في
المعاملة كعامل المضاربة، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة
أحدهما على التسليم في صحة المعاملة، فإذا لم يقدرا بطل البيع.
مسألة 110: يجوز بيع غير المقدور تسليمه مع الضميمة، إذا كانت
ذات قيمة معتد بها.
39

الفصل الرابع
الخيارات
الخيار حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه وهو
أقسام:
(الأول): خيار المجلس:
أي مجلس البيع فإنه إذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري
الخيار في المجلس ما لم يفترقا، فإذا - افترقا عرفا - لزم البيع وانتفى الخيار
ولو كان المباشر للعقد الوكيلان في اجراء الصيغة لم يكن الخيار لهما بل
لموكليهما بشرط اجتماعهما في مجلس العقد أو في مجلس آخر للمبايعة،
وأما مع عدم اجتماعهما فلا خيار لهما أيضا، فليس لهما توكيل الوكيلين في
الفسخ بعد أن لم يكن لهما حق في ذلك. وهكذا الحال لو اجتمع الوكيل
في اجراء الصيغة - من دون حضور موكله - مع المالك - مثلا - في الطرف
الآخر فإنه لا يثبت الخيار لأي من الطرفين، ولو تصدى العقد الوكيل
المفوض من قبل المالك في تمام المعاملة وشؤونها ثبت الخيار له دون
الموكل وإن كان حاضرا في مجلس العقد، والمدار على اجتماع المتبايعين
وافتراقهما سواء أكانا هما المالكين أم غيرهما، ولو فارقا المجلس مصطحبين
بقي الخيار لهما حتى يفترقا، ولو تصدى البيع شخص واحد وكالة عن
المالكين أو ولاية عليهما ففي ثبوت الخيار اشكال بل الأظهر العدم.
مسألة 111: هذا الخيار يختص بالبيع ولا يجري في غيره من
المعاوضات.
مسألة 112: يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد، كما يسقط
بإسقاطه بعد العقد.
40

(الثاني): خيار الحيوان:
كل من اشترى حيوانا ثبت له الخيار ثلاثة أيام مبدؤها زمان العقد، وإذا
كان العقد في أثناء النهار لفق المنكسر من اليوم الرابع، والليلتان المتوسطتان
داخلتان في مدة الخيار، وكذا الليلة الثالثة في صورة تلفيق المنكسر، وإذا
لم يفترق المتبايعان حتى مضت ثلاثة أيام سقط خيار الحيوان، وبقي خيار
المجلس للبايع دون المشتري على الأقوى.
مسألة 113: يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما
يسقط بإسقاطه بعده، وبالتصرف في الحيوان تصرفا يدل على إمضاء العقد
واختيار عدم الفسخ، أو تصرفا مغيرا له إما حقيقة - كنعلها أو أخذ حافرها أو
جز صوفها - أو حكما كتقبيل الجارية المشتراة أو لمسها.
مسألة 114: يثبت هذا الخيار للبايع أيضا، إذا كان الثمن حيوانا.
مسألة 115: يختص هذا الخيار أيضا بالبيع، ولا يثبت في غيره من
المعاوضات.
مسألة 116: إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدة الخيار كان
تلفه من مال البائع فيبطل البيع، ويرجع المشتري عليه بالثمن إذا كان قد
دفعه إليه.
مسألة 117: إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري
لم يمنع من الفسخ والرد، وإن كان بتفريط منه سقط خياره.
(الثالث): خيار الشرط:
والمراد به: الخيار المجعول باشتراطه في العقد، إما لكل من
المتعاقدين أو لأحدهما بعينه، أو لأجنبي.
مسألة 118: لا يتقدر هذا الخيار بمدة معينة، بل يجوز اشتراطه في
41

أي مدة كانت قصيرة أو طويلة، متصلة أو منفصلة عن العقد، نعم لا بد من
تعيين مبدأها وتقديرها بقدر معين، ولو ما دام العمر، فلا يجوز جعل الخيار
مهملا من حيث المدة ابتداء وانتهاء وإلا بطل الشرط وصح العقد، وأما جعله
محدودا بحد معين في الواقع مجهول عند المتعاقدين أو أحدهما ففي صحته
وصحة العقد معه اشكال.
مسألة 119: إذا جعل الخيار شهرا كان الظاهر منه المتصل بالعقد
وكذا الحكم في غير الشهر من السنة أو الأسبوع أو نحوهما، وإذا جعل
الخيار شهرا مرددا بين الشهور من غير تعين له في الواقع فالظاهر بطلان
الشرط وصحة العقد.
مسألة 120: لا يجوز اشتراط الخيار في الايقاعات، كالطلاق
والابراء، ولا في العقود الجائزة، كالوديعة والعارية، ويجوز اشتراطه في
العقود اللازمة عدا النكاح، وفي جواز اشتراطه في الصدقة وفي الهبة اللازمة
وفي الضمان إشكال، وإن كان الأظهر الجواز في الثاني.
مسألة 121: يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدة معينة متصلة بالعقد،
أو منفصلة عنه، على نحو يكون له الخيار في حال رد الثمن بنفسه مع وجوده
أو ببدله مع تلفه كأن يبيع الدار التي قيمتها مائة ألف دينار بثلاثين ألف دينار
ويشترط لنفسه الخيار لو أرجع الثمن في المدة المحددة إلى المشتري،
ويسمى هذا ب‍ (بيع الخيار) وإنما يصح لو كان الطرفان قاصدين للبيع والشراء
حقيقة، فإذا مضت مدة الخيار لزم البيع وسقط الخيار وامتنع الفسخ، وإذا
فسخ في المدة من دون رد الثمن أو بدله مع تلفه لا يصح الفسخ، وكذا لو
فسخ قبل المدة فلا يصح الفسخ إلا في المدة المعينة في حال رد الثمن أو
رد بدله مع تلفه، ثم إن الفسخ إما أن يكون بإنشاء مستقل في حال الرد، مثل
فسخت ونحوه، أو يكون بنفس الرد، على أن يكون إنشاء الفسخ بالفعل وهو
الرد، لا بقوله (فسخت) ونحوه.
42

مسألة 122: المراد من رد الثمن إحضاره عند المشتري وتمكينه منه،
فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ وإن امتنع المشتري من قبضه.
مسألة 123: الظاهر أنه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع برد
بعض الثمن، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.
مسألة 124: إذا تعذر تمكين المشتري من الثمن لغيبة، أو جنون،
أو نحوهما مما يرجع إلى قصور فيه فالظاهر أنه يكفي في صحة الفسخ
تمكين وليه، ولو كان الحاكم الشرعي أو وكيله، فإذا مكنه من الثمن جاز له
الفسخ، هذا إذا جعل الخيار للبايع مشروطا برد الثمن أو بدله إلى المشتري وأطلق،
وأما لو اشترط الرد إلى المشتري نفسه وايصاله بيده فلا يتعدى منه إلى غيره.
مسألة 125: نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري،
كما أن نماء الثمن للبائع.
مسألة 126: لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى انتهاء مدة الخيار
التصرف الناقل للمبيع من هبة أو بيع أو نحوهما ولو تصرف كذلك صح وإن
كان آثما، وكذا لا يجوز له التصرف المتلف فيه، ولو تلف كان ضمانه على
المشتري، ولا يسقط بذلك كله خيار البائع، إلا إذا كان المقصود من الخيار
المشروط خصوص الخيار في حال وجود العين بحيث يكون الفسخ موجبا
لرجوعها نفسها إلى البائع، لكن الغالب الأول.
مسألة 127: إذا كان الثمن المشروط رده دينا في ذمة البائع كما إذا
كان للمشتري دين في ذمة البائع فباعه بذلك الدين، واشترط الخيار مشروطا
برده يكون رده باعطاء فرد منه وإن برأت ذمة البايع عما كان عليها بجعله ثمنا،
وإذا كان الثمن عينا في يد البائع فالظاهر عدم ثبوت الخيار إلا في حال دفعها
بعينها إلى المشتري، نعم لو صرحا في شرطهما برد ما يعم بدلها مع عدم
43

التمكن من رد العين أو كان ذلك مقتضى الاطلاق - كما إذا كان العين مما
انحصر الانتفاع المتعارف منه بصرفه لا ببقائه كالنقود - كفى رد البدل أيضا.
وإذا كان الثمن كليا في ذمة المشتري فدفع منه فردا إلى البائع بعد وقوع البيع
فالظاهر كفاية رد فرد آخر في صحة الفسخ، إلا إذا صرح باشتراط كون
المردود عين ذلك الفرد المقبوض.
مسألة 128: لو اشترى الولي شيئا للمولى عليه ببيع الخيار، فارتفع
حجره - قبل انقضاء المدة - كان الفسخ مشروطا برد الثمن إليه، ولا يكفي الرد
إلى وليه، ولو اشترى أحد الوليين كالأب ببيع الخيار جاز الفسخ بالرد إلى
الولي الآخر كالجد، إلا أن يكون المشروط الرد إلى خصوص الولي المباشر
للشراء.
مسألة 129: إذا مات البائع - قبل إعمال الخيار - انتقل الخيار إلى
ورثته، فلهم الفسخ بردهم الثمن إلى المشتري، ويشتركون في المبيع على
حساب سهامهم، ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصح للبعض الآخر
الفسخ، لا في تمام المبيع ولا في بعضه، ولو مات المشتري كان للبائع
الفسخ برد الثمن إلى ورثته، نعم لو جعل الشرط رد الثمن إلى المشتري
بشخصه فالظاهر عدم قيام ورثته مقامه فيسقط هذا الخيار بموته.
مسألة 130: يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري برد المبيع إلى
البائع، والظاهر منه رد نفس العين، فلا يكفي رد البدل حتى مع تلفها إلا أن
تقوم قرينة على إرادة ما يعم رد البدل عند التلف، كما يجوز أيضا اشتراط
الخيار لكل منهما عند رد ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.
مسألة 131: لا يجوز اشتراط الخيار في الفسخ برد البدل مع وجود
العين، بلا فرق بين رد الثمن ورد المثمن، وفي جواز اشتراطه برد القيمة في
المثلي، أو المثل في القيمي مع التلف إشكال، وإن كان الأظهر أيضا
العدم.
44

مسألة 132: يسقط هذا الخيار، بانقضاء المدة المجعولة له، مع
عدم الرد وبإسقاطه بعد العقد.
الرابع: خيار الغبن.
إذا باع بأقل من قيمة المثل، ثبت له الخيار، وكذا إذا اشترى بأكثر من
قيمة المثل وتعتبر الأقلية والأكثرية مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط، ولا
يثبت هذا الخيار للمغبون، إذا كان عالما بالحال أو مقدما على المعاملة من
غير اكتراث بأن لا يكون ما انتقل إليه أقل قيمة مما انتقل عنه.
مسألة 133: يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجبا
للغبن عرفا، بأن يكون مقدارا لا يتسامح به عند غالب الناس فلو كان جزئيا
غير معتد به لقلته لم يوجب الخيار، وحده بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث
بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك فالمعاملات التجارية
المبنية على المماكسة الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر بل نصف
العشر وأما المعاملات العادية - ولا سيما الأشياء اليسيرة - فقد لا يكفي فيها
ذلك والمدار على ما عرفت من عدم المسامحة الغالبية.
مسألة 134: الظاهر كون الخيار المذكور ثابتا فمن حين العقد لا من
حين ظهور الغبن فلو فسخ قبل ظهور الغبن صح فسخه مع ثبوت الغبن
واقعا.
مسألة 135: ثبوت هذا الخيار إنما هو بمناط الشرط الارتكازي في
العرف العام، فلو فرض كون المرتكز في عرف خاص - في بعض أنحاء
المعاملات أو مطلقا - هو اشتراط حق استرداد ما به التفاوت وعلى تقدير
عدمه ثبوت الخيار يكون هذا المرتكز الخاص هو المتبع في مورده، وأما في
غيره فالمتبع هو المرتكز العام من ثبوت حق الفسخ ابتداء فليس للمغبون
45

مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ، ولو بذل له الغابن التفاوت لم يجب
عليه القبول بل يتخير بين فسخ البيع من أصله وامضائه بتمام الثمن
المسمى، نعم لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صح الصلح وسقط
الخيار ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.
مسألة 136: يسقط الخيار المذكور بأمور:
الأول: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن ولو أسقطه بزعم
كون التفاوت فاحشا فتبين كونه أفحش، فإن كان الاسقاط معلقا - لبا - على
كون التفاوت فاحشا كما لعله الغالب بطل الاسقاط، وإن لم يكن معلقا عليه
بل كان هو من قبيل الداعي له صح، وكذا الحال لو صالحه عليه بمال.
الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه
فاحشا فتبين أنه أفحش جرى فيه التفصيل السابق.
الثالث: تصرف المغبون - بائعا كان أو مشتريا فيما انتقل إليه - تصرفا
يدل على الالتزام بالعقد، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن، أما لو كان قبله
فالمشهور عدم السقوط به ولا يخلو من تأمل، بل البناء على السقوط به - لو
كان دالا على الالتزام بالعقد - لا يخلو من وجه، نعم إذا لم يدل على ذلك
كما هو الغالب في التصرف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به ولو كان
متلفا للعين أو مخرجا لها عن الملك أو مانعا عن الاسترداد كاستيلاد
الجارية.
مسألة 137: إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع فإن كان
المبيع موجودا عند المشتري استرده منه، وإن كان تالفا بفعله أو بغير فعله
رجع بمثله، إن كان مثليا، وبقيمته إن كان قيميا، وإن وجده معيبا بفعله أو
بغير فعله أخذه مع أرش العيب، وإن وجده خارجا عن ملك المشتري بأن
نقله إلى غيره بعقد لازم كالبيع والهبة المعوضة أو لذي الرحم، فالظاهر أنه
46

بحكم التالف فيرجع عليه بالمثل أو القيمة وليس له إلزام المشتري بارجاع
العين بشرائها أو استيهابها، بل لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة والبيع
بخيار فلا يجب عليه الفسخ وارجاع العين، بل لو اتفق رجوع العين إليه بإقالة
أو شراء أو ميراث أو غير ذلك بعد دفع البدل من المثل أو القيمة لم يجب
عليه دفعها إلى المغبون، نعم لو كان رجوع العين إليه قبل دفع البدل وجب
ارجاعها إليه وأولى منه في ذلك لو كان رجوعها إليه قبل فسخ المغبون، بلا
فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق وأن يكون بعقد جديد، فإنه
يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون ولا يجتزي بدفع البدل من
المثل أو القيمة، وإذا كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ البائع
المغبون لكنه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم كالإجارة اللازمة أو جائز
كالإجارة المشروط فيها الخيار لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع
إمكانها، بل يدفع العين وأرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة
المنفعة مدة الإجارة.
مسألة 138: إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف في
المبيع تصرفا مغيرا له فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج بغيره فإن
كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع وبدل التالف بالإضافة إلى
أرش النقيصة الحاصلة من زوال الهيئة الاجتماعية إذا كان لها دخل في زيادة
القيمة وكان التالف قيميا أو مثليا متعذرا بحيث لا يتدارك تمام النقص بدفع
قيمة التالف فقط. وإن كان بالزيادة فإما أن تكون الزيادة صفة محضة كطحن
الحنطة وصياغة الفضة وقصارة الثوب، وإما أن تكون صفة مشوبة بالعين
كصبغ الثوب، وإما أن تكون عينا غير قابلة للفصل كسمن الحيوان ونمو
الشجرة أو قابلة للفصل كالثمرة والبناء والغرس والزرع. فإن كانت صفة
محضة أو صفة مشوبة بالعين، فإن لم توجب زيادة قيمة العين فالمبيع للبائع
47

ولا شئ للمشتري، وإلا فالأقوى شركة الغابن مع المغبون في المالية الثابتة
للمبيع بلحاظ تلك الصفة الكمالية بلا فرق في ذلك بين أن يكون وجود تلك
الصفة بفعل الغابن أو لا، كما إذا اشترى منه عصا عوجاء فاعتدلت، أو خلا
قليل الحموضة فزادت حموضة، وهكذا الحال فيما إذا كانت الزيادة عينية
غير قابلة للانفصال كسمن الحيوان ونمو الشجرة وأما إن كانت قابلة
للانفصال كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع كانت الزيادة
للمشتري، وحينئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة حال الفسخ ضرر على
المشتري كان للبائع الزام المشتري بفصلها حينه كاللبن والثمر، بل له ذلك
وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها ولكن يحتمل حينئذ أن يكون ضامنا
للضرر الوارد على المشتري خصوصا فيما إذا كان - أي المشتري - جاهلا
بالغبن فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، وإذا أراد المشتري فصل
الزيادة فليس للبائع منعه عنه، وإذا أراد المشتري فصلها بقلع الشجرة أو
الزرع أو هدم البناء فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه، فعليه طم
الحفر وتسوية الأرض ونحو ذلك. وإن كان بالامتزاج فإن كان بغير جنسه وعد
المبيع مستهلكا فيه عرفا كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء ضمنه المشتري ببدله
من المثل أو القيمة، وإلا فإن عد الموجود طبيعة ثالثة للتفاعل بين الممتزجين
مثلا كالسكنجبين المصنوع من الخل والسكر، فحكمه الشركة من المزيج
بنسبة المالية. وإن لم يكن كذلك بأن عد الموجود خليطا من موجودات
متعددة لا يمكن افراز بعضها عن بعض إلا بكلفة بالغة كمزج طن من حب
الحنطة بطن من حب الشعير فلو فسخ البائع فليس له الزام المشتري بالافراز
أو بدفع بدل ماله بل يتصالحان بوجه لا يستلزم الربا. وهكذا الحال في
الامتزاج بالجنس إذا لم يعد الموجود شيئا واحدا كخلط حب الحنطة بحب
الحنطة سواء أكان الخلط بمثله أو كان بالأجود أو بالأردأ، وأما إذا عد شيئا
48

واحدا كخلط دقيق الحنطة بدقيق الحنطة أو خلط السمن بالسمن فلا يبعد
في مثله الحكم بالشركة في العين بنسبة المالية.
مسألة 139: إذا فسخ المشتري المغبون وكان قد تصرف في المبيع
تصرفا غير مسقط لخياره لجهله بالغبن على ما تقدم، فتصرفه أيضا تارة لا
يكون مغيرا للعين وأخرى يكون مغيرا لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج. وتأتي
فيه الصور المتقدمة وتجري عليه أحكامها، وهكذا لو فسخ المشتري
المغبون وكان البائع قد تصرف في الثمن أو فسخ البائع المغبون وكان هو قد
تصرف في الثمن تصرفا غير مسقط لخياره فإن حكم تلف العين ونقل المنفعة
ونقص العين وزيادتها ومزجها بغيرها وحكم سائر الصور التي ذكرناها هناك
جار هنا على نهج واحد.
مسألة 140: الظاهر اعتبار الفورية العرفية في خيار الغبن، بمعنى
عدم التأخير في الفسخ أزيد مما هو متعارف فيه حسب اختلاف الموارد، فلو
أخره لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه ونحو
ذلك فإن لم يعد عرفا توانيا ومماطلة في أعمال الخيار لم يسقط خياره وإلا
سقط، والعبرة بالفورية من زمن حصول العلم بثبوت الغبن وثبوت الخيار
للمغبون فلو كان جاهلا بالغبن أو بثبوت الخيار للمغبون أو غافلا عنه أو ناسيا
له جاز له الفسخ متى علم أو التفت مع مراعاة الفورية العرفية.
مسألة 141: إذا كان مغبونا حين العقد بأن اشترى بأكثر من قيمة
المثل أو باع بالأقل منها ثم ارتفع الغبن قبل أن يفسخ بأن نقصت القيمة أو
زادت ففي بقاء خياره اشكال.
مسألة 142: الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاملة لا تبتني على
السماح واغتفار الزيادة والنقيصة كالإجارة ونحوها، وأما غيرها كالصلح في
موارد قطع النزاع والخصومات فلا يثبت فيها خيار الغبن.
49

مسألة 143: إذا باع أو اشترى شيئين بثمنين صفقة واحدة أي بشرط
الاجتماع وكان مغبونا في أحدهما دون الآخر لم يكن له التبعيض في الفسخ
بل عليه إما فسخ البيع بالنسبة إلى الجميع أو الرضا به كذلك.
مسألة 144: إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماوي وكان قيميا
ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التالف، وفي كونها قيمة زمان التلف أو زمان
الفسخ أو زمان الأداء وجوه أقواها الأول، ولو كان التلف باتلاف المغبون لم
يرجع عليه بشئ ولو كان باتلاف أجنبي ففي رجوع المغبون بعد الفسخ
على الغابن أو على الأجنبي أو يتخير في الرجوع على أحدهما وجوه أقواها
الأول، ويرجع الغابن على الأجنبي، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون
ففسخ بعد التلف فإنه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون
بشئ، وإن كان بآفة سماوية أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبي رجع على
المغبون بقيمة يوم التلف ورجع المغبون على الأجنبي إن كان هو المتلف
وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف العين.
الخامس: خيار التأخير:
إطلاق العقد يقتضي أن يكون تسليم كل من العوضين فعليا فلو امتنع
أحد الطرفين عنه أجبر عليه فإن لم يسلم كان للطرف الآخر فسخ العقد بل
لا يبعد جواز الفسخ عند الامتناع قبل الاجبار أيضا، ولا يختص هذا الخيار
بالبيع بل يجري في كل معاوضة ويختص البيع بخيار وهو المسمى بخيار
التأخير، ويتحقق فيما إذا باع سلعة ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع حتى
يجئ المشتري بالثمن فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء المشتري بالثمن
فهو أحق بالسلعة وإلا فللبائع فسخ البيع، ولو تلفت السلعة كانت من مال
البائع سواء أكان التلف في الثلاثة أم بعدها، حال ثبوت الخيار وبعد
سقوطه.
50

مسألة 145: مورد هذا الحكم ما إذا أمهل البائع المشتري في تأخير
تسليم الثمن من غير تعيين مدة الامهال صريحا أو ضمنا بمقتضى العرف
والعادة، وأما إن لم يمهله أصلا فله حق فسخ العقد بمجرد تأخير المشتري
في تسليم الثمن، وإن أمهله مدة معينة أو اشترط المشتري عليه ذلك في
ضمن العقد لم يكن له الفسخ خلالها سواء أكانت أقل من ثلاثة أيام أم أزيد
ويجوز له بعدها.
مسألة 146: إذا كان المبيع مما يتسرع إليه الفساد كبعض الخضر
والبقول والفواكه فالامهال فيه محدود طبعا بأقل من ثلاثة أيام فيثبت الخيار
للبائع بمضي زمانه، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في المبيع كيف يشاء،
ويختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي.
مسألة 147: الظاهر أن قبض بعض الثمن كلا قبض، وكذا قبض
بعض المبيع.
مسألة 148: المراد بالثلاثة الأيام: الأيام البيض وتدخل فيها الليلتان
المتوسطتان دون غيرهما ويجزي في اليوم الواحد أن يكون ملفقا من يومين
كما تقدم في مدة خيار الحيوان.
مسألة 149: لا إشكال في ثبوت الحكم المذكور فيما لو كان المبيع
شخصيا، وفي ثبوته فيما إذا كان كليا في الذمة قولان، لا يخلو أولهما عن
رجحان، وإن كان الأحوط عدم الفسخ بعد الثلاثة إلا برضى الطرفين.
مسألة 150: يسقط هذا الخيار باسقاطه بعد الثلاثة وفي سقوطه
باسقاطه قبلها، وباشتراط سقوطه في ضمن العقد اشكال، والأظهر السقوط.
والظاهر عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع ولا
بمطالبة البائع للمشتري بالثمن، نعم الظاهر سقوطه بأخذه الثمن منه بعنوان
الجري على المعاملة لا بعنوان العارية أو الوديعة، ويكفي ظهور الفعل في
ذلك ولو بواسطة بعض القرائن.
51

مسألة 151: في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان،
أقواهما الثاني.
السادس: خيار الرؤية:
ويتحقق فيما إذا اعتقد المشتري وجدان العين الغائبة حين البيع
لبعض الأوصاف - أما لاخبار البائع أو اعتمادا على رؤية سابقة - ثم ينكشف
أنها غير واجدة لها، فإن للمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء.
مسألة 152: لا فرق في الوصف الذي يكون تخلفه موجبا للخيار بين
وصف الكمال الذي تزيد به المالية لعموم الرغبة فيه وغيره إذا اتفق تعلق
غرض للمشتري به، سواء أكان على خلاف الرغبة العامة مثل كون العبد أميا
لا كاتبا ولا قارئا أم كان مرغوبا فيه عند قوم ومرغوبا عنه عند قوم آخرين، مثل
اشتراط كون القماش أصفر لا أسود.
مسألة 153: الخيار هنا بين الفسخ والرد وبين ترك الفسخ وإمساك
العين مجانا. وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ، كما أنه لا
يسقط الخيار ببذل البائع الأرش ولا بإبدال العين بعين أخرى واجدة
للوصف، نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش
لكن لأجل العيب لا لأجل تخلف الوصف.
مسألة 154: كما يثبت خيار الرؤية للمشتري عند تخلف الوصف في
المبيع كذلك يثبت للبائع عند تخلف الوصف في الثمن الغائب حين البيع،
بأن اعتقد وجدانه للوصف أما لاخبار المشتري أو اعتمادا على رؤية سابقة
ثم ينكشف أنه غير واجد له فإن له الخيار بين الفسخ والامضاء، وكذا يثبت
الخيار للبائع الغائب حين البيع عند تخلف الوصف إذا باعه باعتقاد أنه على
ما رآه سابقا فتبين خلافه أو باعه بوصف غيره فانكشف خلافه.
52

مسألة 155: الظاهر اعتبار الفورية العرفية في هذا الخيار.
مسألة 156: يسقط هدا الخيار باسقاطه بعد الرؤية بل قبلها،
وبالتصرف بعد الرؤية إذا كان دالا على الالتزام بالعقد وكذا قبل الرؤية إذا
كان كذلك، وفي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد وجهان، أقواهما ذلك
فيسقط به.
مسألة 157: مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية ولا يجري في بيع
الكلي فلو باع كليا موصوفا ودفع إلى المشتري فردا فاقدا للوصف لم يكن
للمشتري الخيار وإنما له المطالبة بالفرد الواجد للوصف، نعم لو كان المبيع
كليا في المعين كما لو باعه صاعا من هذه الصبرة الجيدة فتبين الخلاف كان
له الخيار.
السابع: خيار العيب:
وهو فيما لو اشترى شيئا فوجد فيه عيبا فإن له الخيار بين الفسخ برد
المعيب وإمضاء البيع فإن لم يمكن الرد جاز له الامساك والمطالبة بالأرش،
ولا فرق في ذلك بين المشتري والبائع، فلو وجد البائع عيبا في الثمن كان
له الخيار المذكور.
مسألة 158: يسقط هذا الخيار بالالتزام بالعقد، بمعنى اختيار عدم
الفسخ ومنه التصرف في المعيب تصرفا يدل على اختيار عدم الفسخ.
مسألة 159: تجوز المطالبة بالأرش دون الفسخ في موارد:
الأول: تلف العين.
الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو هبة أو نحو ذلك.
الثالث: التصرف الخارجي في العين الموجب لتغيير العين مثل
تفصيل الثوب وصبغه وخياطته ونحوها.
الرابع: التصرف الاعتباري إذا كان كذلك مثل إجارة العين ورهنها.
53

الخامس: حدوث عيب فيه بعد قبضه من البائع ففي جميع هذه
الموارد ليس له فسخ العقد برده نعم يثبت له الأرش إن طالبه. نعم إذا كان
حدوث عيب آخر في زمان خيار آخر للمشتري كخيار الحيوان مثلا جاز رده.
مسألة 160: يسقط الأرش فيما لو كان العيب لا يوجب نقصا في
المالية كالخصاء في العبيد إذا اتفق تعلق غرض نوعي به بحيث صارت قيمة
الخصي تساوي قيمة الفحل، وإذا اشترى ربويا بجنسه فظهر عيب في
أحدهما، قيل لا أرش حذرا من الربا، ولا يخلو عن وجه فلا يترك مراعاة
مقتضى الاحتياط في ذلك.
مسألة 161: يسقط الرد والأرش بأمرين:
الأول: العلم بالعيب قبل العقد.
الثاني: تبرؤ البائع من العيوب بمعنى اشتراط عدم رجوع المشتري
عليه بالثمن أو الأرش، ولو تبرأ من عيب خاص فظهر فيه عيب آخر
فللمشتري الفسخ به وإذا لم يتمكن من الرد أخذ الأرش على ما تقدم.
مسألة 162: الظاهر اعتبار الفورية العرفية في هذا الخيار أيضا بمعنى
عدم التأخير في الفسخ أزيد مما يتعارف فيه حسب اختلاف الموارد، ولا
يعتبر في نفوذه حضور من عليه الخيار.
مسألة 163: المراد من العيب ما كان على خلاف الجري الطبيعي أو
الخلقة الأصلية سواء أكان نقصا مثل العور والعمى والصمم والخرس والعرج
ونحوها أم زيادة مثل الإصبع الزائد واليد الزائدة، أما ما لم يكن على خلاف
الجري الطبيعي والخلقة الأصلية لكنه كان عيبا أيضا في العرف مثل كون
الأرض موردا لنزول العساكر ففي كونه عيبا بحيث يثبت الأرش إشكال وإن
كان الثبوت هو الأظهر.
مسألة 164: إذا كان العيب موجودا في أغلب أفراد ذلك الصنف مثل
الثيبوبة في الكبيرة من الإماء، فالظاهر عدم جريان حكم العيب عليه.
54

مسألة 165: لا يشترط في العيب أن يكون موجبا لنقص المالية، بل
ربما يوجب ازديادها كما إذا اشترى دابة فوجدها ذا رأسين فإنه قد يبذل بإزائها
مال كثير من قبل بعض المهتمين بحفظ أمثالها من عجائب المخلوقات ولكنه
على كل حال عيب يحق للمشتري أن يفسخ البيع به وأن لم يثبت الأرش.
مسألة 166: كما يثبت الخيار بالعيب الموجود حال العقد كذلك
يثبت بالعيب الحادث بعده قبل القبض فيجوز رد العين به. وفي جواز أخذ
الأرش به إذا لم يتمكن من الارجاع قولان أظهرهما: الجواز إذا لم يكن
العيب بفعل المشتري وإلا فلا خيار له.
مسألة 167: كيفية أخذ الأرش أن يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا
وتلاحظ النسبة بينهما ثم ينقص من الثمن المسمى بتلك النسبة فإذا قوم
صحيحا بثمانية ومعيبا بأربعة وكان الثمن أربعة ينقص من الثمن النصف وهو
اثنان وهكذا، ويرجع في معرفة قيمة الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة
وتعتبر فيهم الوثاقة.
مسألة 168: إذا اختلف أهل الخبرة في قيمة الصحيح والمعيب فإن
اتفقت النسبة بين قيمتي الصحيح والمعيب على تقويم بعضهم مع النسبة بينهما
على تقويم البعض الآخر فلا إشكال، كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية
والمعيب بأربعة وبعضهم الصحيح بستة والمعيب بثلاثة فإن التفاوت على
كل من التقويمين يكون بالنصف فيكون الأرش نصف الثمن، وإذا اختلفت
النسبة كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة وبعضهم
الصحيح بعشرة والمعيب بستة ففيه وجوه وأقوال، والصحيح منها - مع تقارب
المقومين في الخبرة والاطلاع - أن يؤخذ من القيمتين للصحيح - كما في
المثال - النصف، ومن الثلاث الثلث، ومن الأربع الربع وهكذا في
55

المعيب، ثم تلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح وبين المأخوذ للمعيب
وتؤخذ بتلك النسبة وهي في المثال 5 / 9 فيكون الأرش 4 / 9. من الثمن
المسمى.
مسألة 169: إذا اشترى شيئين صفقة واحدة أي بشرط الاجتماع فظهر
عيب في أحدهما كان له الخيار في رد المعيب وحده، كما له الخيار في
ردهما معا، ولكن إذا اختار رد المعيب فقط كان للبائع الفسخ في الصحيح
أيضا.
مسألة 170: إذا اشترك شخصان في شراء شئ فوجداه معيبا جاز
لأحدهما الفسخ في حصته ويثبت الخيار للبائع حينئذ على تقدير فسخه.
مسألة 171: لو زال العيب قبل ظهوره للمشتري ففي بقاء الخيار
إشكال.
تذنيب في بعض أحكام الشرط
مسألة 172: كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط
المجعول فيه بل يجب الوفاء بالشرط المجعول في العقد الجائز ما دام العقد
باقيا، فإذا باع فرسا بثمن معين واشترط على المشتري أن يخيط له ثوبه
استحق على المشتري الخياطة بالشرط، فتجب عليه خياطة ثوب البائع،
وكذا لو أعاره كتابا لمدة شهر مثلا واشترط عليه أن يقرأ الفاتحة لروح والده في
كل يوم منه لزمه العمل بالشرط وقراءة الفاتحة في كل يوم ما لم يرجع العارية.
ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط أمور:
منها: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة بأن لا يكون محللا لحرام أو
محرما لحلال، والمراد بالأول ما يشمل ارتكاب محرم كأن يشرب الخمر، أو
ترك واجب كأن يفطر في شهر رمضان، أو الاخلال بشرط وجودي أو عدمي
في متعلقات الأحكام أو موضوعاتها كأن يأتي بالصلاة في أجزاء السباع أو
56

ينكح نكاح الشغار أو يطلق زوجته طلاقا بدعيا، ومنه اشتراط وقوع أمر على
نحو شرط النتيجة في مورد عدم جوازه كاشتراط أن يكون زوجته مطلقة أو أن
لا يرث منه ورثته أو بعضهم وأمثال ذلك، والمراد بالثاني تحريم ما حل عنه
عقدة الحظر في الكتاب والسنة مما كان محظورا في الشرايع السابقة أو
العادات المنحرفة فيكون الشرط مقتضيا لاحياء ذلك الحكم المنسوخ
كاشتراط عدم أكل البحيرة أو السائبة ونحوهما، وبعبارة جامعة يعتبر في الشرط
أن لا يكون هدما لما بناه الاسلام تشريعا ولا بناء لما هدمه الاسلام كذلك.
ومنها: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد كما إذا باعه بشرط أن لا
يكون له ثمن أو آجرة الدار بشرط أن لا تكون لها أجرة.
ومنها: أن يكون مذكورا في ضمن العقد صريحا أو ضمنا كما إذا
قامت القرينة على كون العقد مبنيا عليه ومقيدا به إما لذكره قبل العقد أو
لأجل التفاهم العرفي مثل اشتراط التسليم حال استحقاق التسليم، فلو ذكر
قبل العقد ولم يكن العقد مبنيا عليه عمدا أو سهوا لم يجب الوفاء به.
ومنها: أن يكون متعلق الشرط محتمل الحصول عند العقد، فلو كانا
عالمين بعدم التمكن منه كأن كان عملا ممتنعا في حد ذاته أو لا يتمكن
المشروط عليه من إنجازه بطل ولا يترتب على تخلفه الخيار، وأما لو اعتقد
التمكن منه ثم بان العجز عنه من أول الأمر أو تجدد العجز بعد العقد صح
الشرط وثبت الخيار للمشروط له، وكذا الحال لو اعتقد المشروط عليه
التمكن منه دون المشروط له ثم بان العجز، وأما لو اعتقد المشروط عليه
العجز والمشروط له التمكن ففي صحته وترتب الأثر له عليه إشكال.
ومنها: أن لا يكون متعلق الشرط أمرا مهملا لا تحديد له في الواقع
كاشتراط الخيار له مدة مهملة فإن في مثله يلغو الشرط ويصح البيع كما مر في
شرط الخيار، وأما إذا كان متعلق الشرط متعينا في الواقع وإن لم يكن معلوما
57

لدى الطرفين أو أحدهما فإن استتبع ذلك جهالة أحد العوضين كما لو باع كليا
في الذمة بشرط أن يكون واجدا للأوصاف المسجلة في القائمة الكذائية
الغائبة حين البيع بطل البيع والشرط معا، وإلا كما إذا باعه واشترط أن يصلي
عما فات من والده ولم يعينه وكان مرددا بين صلاة سنة وسنتين مثلا ففي صحة
كل من البيع والشرط إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في مثلة.
مسألة 173: لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري بيعه منه
ثانيا ولو بعد حين، نعم لا يجوز ذلك فيما إذا باعه نسيئة واشترط على
المشتري أن يبيعه نقدا بأقل مما اشتراه، أو يشترط المشتري على البائع بأن
يشتريه نسيئة بأكثر مما باعه نقدا، والبيع في هذين الفرضين محكوم بالبطلان.
مسألة 174: لا يعتبر في صحة الشرط أن يكون منجزا بل يجوز فيه
التعليق كما إذا باع داره وشرط على المشتري أن يكون له السكنى فيها شهرا
إذا لم يسافر، أو باعه العين الشخصية بشرط أن تكون ذات صفة كذائية،
فإن مرجعه إلى اشتراط الخيار لنفسه على تقدير التخلف ولا اشكال فيه.
مسألة 175: الظاهر أن فساد الشرط لا يسري إلى العقد المشروط فيه
- فيصح العقد ويلغو الشرط - إلا إذا أوجب فقدان بعض شرائطه كما مر.
مسألة 176: إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط جاز للمشروط
له اجباره عليه ولو باللجوء إلى الحاكم أيا كان، والظاهر أن خياره غير مشروط
بتعذر إجباره على العمل بالشرط بل له الخيار عند مخالفته وعدم اتيانه بما
اشترط عليه حتى مع التمكن من الاجبار.
مسألة 177: إذا لم يتمكن المشروط عليه من فعل الشرط كان
للمشروط له الخيار في الفسخ وليس له المطالبة بقيمة الشرط سواء كان عدم
التمكن لقصور فيه كما لو اشترط عليه صوم يوم فمرض فيه أو كان لفوات
58

موضوع الشرط كما لو اشترط عليه خياطة ثوب فتلف الثوب، وفي الجميع له
الخيار لا غير.
59

الفصل الخامس
أحكام الخيار
مسألة 178: الخيار حق من الحقوق فإذا مات من له الخيار انتقل إلى
وارثه، ويحرم منه من يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر أو الرق ويحجب عنه
ما يحجب عن إرث المال، ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلقا بمال يحرم
منه الوارث كالحبوة المختصة بالذكر الأكبر والأرض التي لا ترث منها الزوجة
ففي حرمان ذلك الوارث من إرث الخيار وعدمه أقوال: أقربها عدم حرمانه
والخيار لجميع الورثة، فلو باع الميت أرضا وكان له الخيار أو كان قد اشترى
أرضا وكان له الخيار ورثت منه الزوجة كغيرها من الورثة.
مسألة 179: إذا تعدد الوارث للخيار فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم
بدون انضمام الباقين إليه في تمام المبيع ولا في حصته إلا إذا رضي من عليه
الخيار فيصح في حصته.
مسألة 180: إذا فسخ الورثة بيع مورثهم فإن كان عين الثمن موجودا
دفعوه إلى المشتري وإن كان تالفا أو بحكمه أخرج من تركه الميت كسائر
ديونه.
مسألة 181: لو كان الخيار لأجنبي عن العقد فمات فإن كان المقصود
من جعل الخيار له مباشرته للفسخ أو كونه بنظره لم ينتقل إلى وارثه، وإن
جعل مطلقا انتقل إلى الوارث.
مسألة 182: إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من
مال البائع، وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدة الخيار في خيار الشرط إذا كان الخيار
60

للمشتري، أما إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد القبض
فالأظهر أنه من مال المشتري.
61

الفصل السادس
ما يدخل في المبيع
مسألة 183: من باع شيئا دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله
فيه دون غيره ويعرف قصدهما بما يدل عليه لفظ المبيع وضعا أو بالقرينة
العامة أو الخاصة، فمن باع بستانا دخل فيه الأرض والشجر والنخل والطوف
والبئر والناعور والحضيرة ونحوها مما هو من أجزائها أو توابعها، أما من باع
أرضا فلا يدخل فيها الشجر والنخل الموجودان وكذا لا يدخل الحمل في بيع
الأم ولا الثمرة في بيع الشجرة، نعم إذا باع نخلا فإن كان التمر مؤبرا فالتمر
للبائع وإن لم يكن مؤبرا فهو للمشتري ويختص هذا الحكم ببيع النخل، أما
في نقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من سائر الشجر فالثمر فيه للبائع
مطلقا وإن لم يكن مؤبرا، هذا إذا لم تكن قرينة على دخول الثمر في بيع
الشجر أو الشجر في بيع الأرض أو الحمل في بيع الدابة، أما إذا قامت
القرينة على ذلك - وإن كانت هي التعارف الخارجي - عمل عليها وكان جميع
ذلك للمشتري.
مسألة 184: إذا باع الشجر وبقيت الثمرة للبائع مع اشتراط ابقائها أو
ما في حكمه واحتاجت الثمرة إلى السقي يجوز للبايع أن يسقي الشجر وليس
للمشتري منعه، وكذا إذا احتاج الشجر إلى السقي جاز للمشتري سقيه وليس
للبائع منعه، ولو تضرر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ولم يكن بينهما شرط
في ذلك فالأظهر عدم جواز السقي للثاني سواء أكان هو البائع أم المشتري،
وإن كان الأحوط لهما التصالح والتراضي على تقديم أحدهما ولو بأن يتحمل
ضرر الآخر.
62

مسألة 185: إذا باع بستانا واستثنى نخلة مثلا فله الممر إليها
والمخرج منها ومدى جرائدها وعروقها من الأرض وليس للمشتري منع شئ
من ذلك.
مسألة 186: إذا باع دارا دخل فيها الأرض والبناء الأعلى والأسفل إلا
أن يكون الأعلى مستقلا من حيث المدخل والمخرج والمرافق وغير ذلك مما
قد يكون أمارة على خروجه واستقلاله، وكذا يدخل في بيع الدار السراديب
والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة في البناء وكذا السلم المثبت بل لا يبعد
دخول ما فيها من نخل وشجر وأسلاك كهربائية وأنابيب الماء ونحو ذلك مما
يعد من توابع الدار حتى مفتاح الغلق فإن ذلك كله داخل في المبيع إلا مع
الشرط.
مسألة 187: المعادن من الأنفال - أي أنها مملوكة للإمام (عليه
السلام) وإن لم تكن أرضا منها على الأظهر ولكن من استخرج شيئا من
المعادن المتكونة في جوف الأرض ملكه وعليه خمسه على تفصيل تقدم في
كتاب الخمس، وأما قبل الاستخراج فهي على ذلك الإمام (عليه السلام)
ولا تدخل في بيع الأرض، كما لا تدخل في بيعها الأحجار المدفونة فيها ولا
الكنوز القديمة أو الجديدة المودعة فيها ونحوها.
63

الفصل السابع
التسليم والقبض
مسألة 188: يجب على المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد
إذا لم يشترطا التأخير ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم
امتناع الآخر، ولو امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه أجبر الممتنع ولو اشترط
أحدهما تأخير التسليم إلى مدة معينة جاز مطلقا، وليس لصاحبه الامتناع عن
تسليم ما عنده حينئذ، ولو اشترط كل منهما تأخير التسليم جاز ذلك في
الأعيان الشخصية أو ما بحكمها من الكلي في المعين ولا يجوز في الكلي
في الذمة لأنه يكون حينئذ من بيع الدين بالدين.
مسألة 189: يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكنى الدار أو ركوب
الدابة أو زرع الأرض أو نحو ذلك من الانتفاع بالمبيع مدة معينة.
مسألة 190: التسليم الواجب على المتبايعين في المنقول وغيره هو
التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يتمكن صاحبه من التصرف فيه،
والظاهر اختلاف صدقها بحسب اختلاف الموارد والمقامات.
مسألة 191: إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية قبل قبض
المشتري انفسخ البيع وكان تلفه من مال البائع ورجع الثمن إلى المشتري
وكذا إذا تلف الثمن قبل قبض البائع، فإنه ينفسخ البيع ويكون تلفه من مال
المشتري ويرجع المبيع إلى البائع.
مسألة 192: يكفي في القبض الموجب للخروج عن الضمان التخلية
بالمعنى المتقدم في غير المنقولات كالأراضي وأما في المنقولات فقيل إنه
64

لا بد فيها من الاستيلاء عليها خارجا مثل أخذ الدرهم والدينار واللباس وأخذ
لجام الفرس أو ركوبه، ولكن لا يبعد كفاية التخلية فيها في الخروج عن
الضمان، نعم لا بد من الاستيلاء في تحقق القبض في بعض المقامات كما
في بيع الصرف والسلم.
مسألة 193: في حكم التلف تعذر الوصول إليه كما لو سرق أو غرق
أو نهب أو أبق العبد أو أفلت الطائر أو نحو ذلك.
مسألة 194: لو أمر المشتري البائع بتسليم المبيع إلى شخص معين
فقبضه كان بمنزلة قبض المشتري، وكذا لو أمره بإرساله إلى بلده أو غيره
فأرسله كان بمنزلة قبضه، ولا فرق بين تعيين المرسل معه وعدمه.
مسألة 195: إذا أتلف المبيع البائع أو الأجنبي الذي يمكن الرجوع
إليه في تدارك خسارته فالأقوى صحة العقد وللمشتري الرجوع على المتلف
بالبدل من مثل أو قيمة وهل له الخيار في فسخ العقد لتعذر التسليم؟ إشكال،
والأظهر ذلك.
مسألة 196: إذا حصل للمبيع نماء فتلف الأصل قبل قبض المشتري
كان النماء للمشتري.
مسألة 197: لو حدث في المبيع عيب قبل القبض كان للمشتري
الرد، وفي ثبوت الأرش له قولان، أظهرهما الثبوت لو لم يتمكن من الرد كما تقدم.
مسألة 198: لو باع جملة فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع
بالنسبة إلى التالف ورجع إليه ما يخصه من الثمن وكان له الخيار في الباقي.
مسألة 199: يجب على البائع مضافا إلى تسليم المبيع المبادرة إلى
تفريغه عما فيه من متاع أو غيره إلا مع اشتراط عدمها صريحا أو استفادته من
المتعارف المختلف باختلاف الموارد، فلو كان المبيع مشغولا بزرع لم يأت
وقت حصاده فإن اشترط المالك ابقاءه مجانا لو بأجرة أو كان ذلك مقتضى
65

التعارف في مثله بحيث أغنى عن التصريح به جاز له ابقاؤه إلى وقت الحصاد
وإلا وجبت عليه إزالته، ولو أزال الزرع وبقيت له عروق تضر بالانتفاع
بالأرض أو كانت في الرض حجارة مدفونة وجبت إزالتها وتسوية الأرض إلا
مع اشتراط عدم الإزالة أو تعارفه كما تقدم.
مسألة 200: من اشترى شيئا ولم يقبضه فإن كان مما لا يكال ولا
يوزن جاز له بيعه قبل قبضه، وكذا إذا كان مما يكال أو يوزن وكان البيع برأس
المال أو بوضيعة منه وأما لو كان بربح ففيه قولان، أظهرهما المنع فيما عدا
الثمار، وأما فيها فالظاهر الجواز. هذا فيما إذا باع غير المقبوض على غير
البائع وأما إذا باعه عليه فالظاهر جوازه مطلقا، وكذا إذا ملك شيئا بغير الشراء
كالميراث والصداق فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، كما لا يبعد اختصاص المنع
في الصورة المذكورة بالبيع فلا بأس بجعله صداقا أو أجرة قبل قبضه.
66

الفصل الثامن
النقد والنسيئة
مسألة 201: من باع ولم يشترط تأجيل الثمن كان الثمن حالا فللبائع
المطالبة به بعد انتهاء العقد، كما يجب عليه أخذه إذا دفعه إليه المشتري
وليس له الامتناع من أخذه.
مسألة 202: إذا اشترط تأجيل الثمن يكون نسيئة لا يجب على
المشتري دفعه قبل الأجل وإن طالبه به البائع ولكن يجب على البائع أخذه
إذا دفعه إليه المشتري قبله إلا أن تكون قرينة على كون التأجيل حقا للبائع أيضا.
مسألة 203: يجب أن يكون الأجل معينا لا يتردد فيه بين الزيادة
والنقصان فلو جعل الأجل قدوم زيد أو الدياس أو الحصاد أو جذاذ الثمر أو
نحو ذلك بطل العقد.
مسألة 204: لو كانت معرفة الأجل محتاجة إلى الحساب مثل أول
الحمل أو الميزان فالظاهر البطلان، نعم لو كان الأجل أول الشهر القابل مع
التردد في الشهر الحالي بين الكمال والنقصان فالظاهر الصحة.
مسألة 205: إذ عين - عند المقاولة - لبضاعته ثمنا نقدا وآخر مؤجلا
بأزيد منه فابتاعها المشتري بأحدهما المعين صح، وأما لو باعها بثمن نقدا
وبأكثر منه مؤجلا بايجاب واحد - بأن قال: بعتك الفرس بعشرة نقدا
وبعشرين إلى سنة - فقبل المشتري فالمشهور البطلان، وقيل بالصحة بأقل
الثمنين مؤجلا ولا يخلو عن وجه فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وأما
لو باع بثمن إلى أجل وبأزيد منه إلى آخر فالأظهر البطلان.
67

مسألة 206: لا يجوز تأجيل الثمن الحال بل مطلق الدين بأزيد منه
بأن يزيد فيه مقدارا ليؤخره إلى أجل وكذا لا يجوز أن يزيد في الثمن المؤجل
ليزيد في الأجل، ويجوز عكس ذلك بأن يعجل المؤجل بنقصان منه على وجه
الابراء بل على وجه المعاوضة أيضا ما لم يستلزم الربا.
مسألة 207: يجوز بيع الأكثر المؤجل بالأقل الحال في غير ما يكال
ويوزن وأما فيهما فلا يجوز لأنه ربا، ولا يجوز للدائن في الدين المؤجل أن
يزيد في الأجل على أن ينقد المدين بعضه قبل حلول الأجل.
مسألة 208: إذا اشترى شيئا نسيئة جاز شراؤه منه قبل حلول الأجل
أو بعده بجنس الثمن أو بغيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا عنه، حالا كان
البيع الثاني أو مؤجلا. نعم إذا اشترط البائع على المشتري في البيع الأول
أن يبيعه عليه نقدا بعد شرائه بأقل مما اشتراه به نسيئة أو شرط المشتري على
البائع في البيع الأول أن يشتريه منه نسيئة بأكثر مما اشتراه منه نقدا فإن الأظهر
فيه البطلان.
إلحاق
في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية
التعامل بين البائع والمشتري تارة يكون بملاحظة رأس المال الذي
اشترى به البائع السلعة وأخرى لا يكون كذلك، والثاني يسمى مساومة وهذا
هو الغالب المتعارف، والأول تارة يكون بزيادة على رأس المال وأخرى
بنقيصة عنه وثالثة بلا زيادة ولا نقيصة، والأول يسمى مرابحة والثاني
مواضعه، والثالث يسمى تولية.
مسألة 209: لا بد في جميع الأقسام المذكورة غير المساومة من ذكر
الثمن تفصيلا فلو قال بعتك هذه السلعة برأس مالها وزيادة درهم أو بنقيصة
68

درهم أو بلا زيادة ولا نقيصة لم يصح حتى يقول: بعتك هذه السلعة بالثمن
الذي اشتريتها به وهو مائة درهم بزيادة درهم مثلا أو نقيصته أو بلا زيادة ولا
نقيصة.
مسألة 210: إذا قال البائع: بعتك هذه السلعة بمائة درهم وربح
درهم في كل عشرة فإن عرف المشتري أن الثمن مائة وعشرة دراهم صح البيع
وإن لم يعرف المشتري ذلك حال البيع لم يصح وإن كان يعرفه بعد
الحساب، وكذلك الحكم في المواضعة كما إذا قال: بعتك بمائة درهم مع
خسران درهم في كل عشرة، فإن المشتري إذا عرف أن الثمن تسعون صح
البيع وإن لم يعرف ذلك بطل البيع وإن كان يعرفه بعد الحساب.
مسألة 211: إذا كان الشراء بالثمن المؤجل وجب على البائع مرابحة
أن يخبر بالأجل فإن أخفى تخير المشتري بين الرد والامساك بالثمن مؤجلا
بذلك الأجل.
مسألة 212: إذا اشترى جملة صفقة بثمن لم يجز له بيع أفرادها
مرابحة بالتقويم إلا بعد الاعلام.
مسألة 213: إذا تبين كذب البائع في إخباره برأس المال كما إذا أخبر
أن رأس ماله مائة وباع بربح عشرة وكان في الواقع رأس المال تسعين صح
البيع وتخير المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد
وهو مائة وعشرة.
مسألة 214: إذا اشترى سلعة بثمن معين مثل مائة درهم ولم يعمل
فيها شيئا كان ذلك رأس مالها وجاز له الاخبار بذلك، أما إذا عمل في السلعة
عملا فإن كان بأجرة جاز ضم الأجرة إلى رأس المال فإذا كانت الأجرة عشرة
جاز له أن يقول بعتك السلعة برأس مالها مائة وعشرة وربح كذا.
مسألة 215: إن باشر العمل بنفسه وكانت له أجرة لم يجز له أن يضم
69

الأجرة إلى رأس المال بل يقول رأس المال مائة وعملي يساوي كذا وبعتكها
بما ذكر وربح كذا.
مسألة 216: إذا اشترى معيبا فرجع على البائع بالأرش كان الثمن ما
بقي بعد الأرش، ولو أسقط البائع بعض الثمن تفضلا منه أو مجازاة على
الاحسان لم يسقط ذلك من الثمن بل رأس المال هو الثمن في العقد.
70

الفصل التاسع
في الربا
وهو قسمان:
الأول: ما يكون في المعاملة.
الثاني: ما يكون في القرض ويأتي حكمه في كتاب القرض إن شاء
الله تعالى.
أما الأول: فهو كبيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية في أحدهما
كبيع مائة كيلو من الحنطة بمائة وعشرين منها، أو خمسين كيلو من الحنطة
بخمسين كيلو حنطة ودينار، أو زيادة حكمية كبيع عشرين كيلو من الحنطة
نقدا بعشرين كيلو من الحنطة نسيئة، وهو حرام. وهل يختص تحريمه بالبيع أو
يجري في غيره من المعاوضات؟ قولان، والأظهر اختصاصه بما كانت
المعاوضة فيه بين العينين، سواء كانت بعنوان البيع أو المبادلة أو الصلح مثل
أن يقول صالحتك على أن تكون هذه العشرة التي لك بهذه الخمسة التي
لي، أما إذا لم تكن المعاوضة بين العينين كأن يقول: صالحتك على أن تهب
لي تلك العشرة واهب لك هذه الخمسة، أو يقول أبرأتك عن الخمسة التي
لي عليك بشرط أن تبرئني عن العشرة التي لك علي ونحوهما فالظاهر الصحة.
مسألة 217: يشترط في تحقق الربا في المعاملة النقدية أمران:
الأول: اتحاد الجنس والذات عرفا وإن اختلفت الصفات، فلا يجوز
بيع مائة كيلو من الحنطة الجيدة بمائة وخمسين كيلو من الرديئة ولا بيع
عشرين كيلو من الأرز الجيد كالعنبر بأربعين كيلو منه أو من الردئ
كالحويزاوي، أما إذا اختلفت الذات فلا بأس كبيع مائة وخمسين كيلو من
71

الحنطة بمائة كيلو من الأرز.
الثاني: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون، فإن كانا
مما يباع بالعد مثلا كالبيض والجوز في بعض البلاد فلا بأس، فيجوز بيع
بيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين في تلك البلاد. وأما إذا كانت المعاملة نسيئة
ففي اشتراط تحقق الربا فيها بالشرطين المذكورين نظر، فيشكل صحة
المعاملة في موردين:
1 - أن يكون العوضان من المكيل أو الموزون مع الاختلاف في
الجنس كبيع مائة كيلو من الأرز بمائة كيلو من الحنطة إلى شهر.
2 - أن يكون العوضان من المعدود ونحوه مع اتحادهما في الجنس
وكون الزيادة عينية كبيع عشر جوزات بخمس عشرة جوزة إلى شهر.
مسألة 218: المعاملة الربوية باطلة إذا صدرت من العالم بحرمة الربا
تكليفا، وأما إذا صدرت من الجاهل بها سواء أكان جهله بالحكم أو
بالموضوع ثم علم بالحال فتاب فلا يبعد حلية ما أخذه حال الجهل. والظاهر
أن الحلية حينئذ من جهة صحة المعاملة لا الحلية التعبدية لتختص به دون
الطرف الآخر إذا كان عالما بالحرمة.
مسألة 219: الحنطة والشعير في الربا جنس واحد فلا يباع مائة كيلو
من الحنطة بمائتي كيلو من الشعير وإن كانا في باب الزكاة جنسين، فلا يضم
أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده نصف نصاب حنطة
ونصف نصاب شعير لم تجب فيهما الزكاة.
مسألة 220: ذكر بعضهم إن العلس نوع من الحنطة والسلت نوع من
الشعير فإن ثبت ذلك لحقهما حكمهما وإلا فلا.
مسألة 221: اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان
فيجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر نقدا وكذا الحكم في
لبن الغنم ولبن البقر فإنه يجوز بيعهما مع التفاضل نقدا.
72

مسألة 222: التمر بأنواعه جنس واحد والحبوب كل واحد منها جنس، فالحنطة
والأرز والماش والذرة والعدس وغيرها كل واحد جنس. والفلزات
من الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص وغيرها كل واحد منها جنس
برأسه.
مسألة 223: الضأن والمعز جنس واحد والبقر والجاموس جنس واحد
والإبل العراب والبخاتي جنس واحد، والطيور كل صنف يختص باسم فهو
جنس واحد في مقابل غيره، فالعصفور غير الحمام وكل ما يختص باسم من
الحمام جنس في مقابل غيره فالفاختة والحمام المتعارف جنسان، والسمك
أجناس مختلفة بحسب اختلاف أصنافه في الاسم.
مسألة 224: الوحشي من كل حيوان مخالف للأهلي فالبقر الأهلي
يخالف الوحشي فيجوز التفاضل بين لحميهما نقدا، وكذا الحمار الأهلي
والوحشي، والغنم الأهلي والوحشي.
مسألة 225: المشهور أن كل أصل مع ما يتفرع عنه جنس واحد وكذا
الفروع بعضها مع بعض كالحنطة والدقيق والخبز، وكالحليب واللبن والجبن،
وكالبسر والرطب والتمر والدبس، ولكن الكلية المذكورة محل إشكال في
بعض مواردها كاتحاد الحليب والزبد، والخل والتمر، والسمسم ودهنه،
ونظائر ذلك.
مسألة 226: إذا كان الشئ مما يكال أو يوزن وكان فرعه لا يكال ولا
يوزن جاز بيعه مع أصله بالتفاضل كالصوف الذي هو من الموزون والثياب
المنسوجة منه التي ليست منه فإنه يجوز بيعها به مع التفاضل، وكذلك القطن
والكتان والثياب المنسوجة منهما.
مسألة 227: إذا كان الشئ في حال موزونا أو مكيلا وفي حال أخرى
ليس كذلك لم يجز بيعه بمثله متفاضلا في الحال الأولى وجاز في الحال
الثانية.
73

مسألة 228: الأحوط عدم بيع لحم حيوان بحيوان حي من جنسه كبيع
لحم الغنم بالغنم بل ولا بغير جنسه أيضا كبيع لحم الغنم بالبقر.
مسألة 229: إذا كان للشئ حالتان حالة رطوبة وحالة جفاف كالرطب
يصير تمرا والعنب يصير زبيبا والخبز اللين يكون يابسا يجوز بيعه نقدا جافا
بجاف منه ورطبا برطب منه متماثلا ولا يجوز متفاضلا، وأما بيع الرطب منه
بالجاف متماثلا ففيه إشكال والأظهر جوازه نقدا على كراهة ولا يجوز بيعه
متفاضلا حتى بمقدار الرطوبة بحيث إذا جف يساوي الجاف.
مسألة 230: إذا كان الشئ يباع بالعد في بلد ومكيلا أو موزونا
في آخر فلكل بلد حكمه سواء أكان مكيلا أو موزونا في غالب البلاد أم لا،
فلا يجوز بيعه متفاضلا في بلد يباع فيه بالكيل أو الوزن ويجوز ذلك نقدا في
بلد يباع فيه بالعد. وأما إذا كان الشئ يباع بكل من الوزن والعد مثلا في بلد
واحد فالأحوط عدم التفاضل فيه وإن بيع نقدا.
مسألة 231: يتخلص من الربا بضم غير الجنس إلى الطرف الناقص
بأن يبيع مائة كيلو من الحنطة ومنديلا بمائتي كيلو من الحنطة إذا قصدا كون
المنديل بإزاء المقدار الزائد وكانت المعاملة نقدية، وكذا يتخلص منه بضم
غير الجنس إلى كل من الطرفين ولو مع التفاضل فيهما كما لو باع منديلين
ومائتي كيلو من الحنطة بمنديل ومائة كيلو منها وتصح المعاملة مطلقا إذا
قصدا كون المنديل في كل طرف بإزاء الحنطة في الطرف الآخر وكذا تصح
نقدا إذا قصدا كون المنديل من الطرف الناقص بإزاء المنديلين والمقدار
الزائد من الحنطة في الطرف الآخر.
مسألة 232: لا ربا بين الوالد وولده ولا بين الرجل وزوجته فيجوز
74

لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر، وكذا لا ربا بين المسلم والحربي إذا أخذ
المسلم الزيادة. وأما الذمي فتحرم المعاملة الربوية معه على الأظهر ولكن
يجوز للمسلم أخذ الزيادة منه بعد وقوع المعاملة إذا كان إعطائها جائزا في
شريعته، ولا فرق فيما ذكر بين ربا البيع وربا القرض.
مسألة 233: لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى والخنثى ولا بين
الصغير والكبير ولا بين الصلبي وولد الولد، كما لا فرق في الزوجة بين
الدائمة والمتمتع بها، وليست الأم كالأب فلا يصح الربا بينها وبين الولد.
مسألة 234: الأوراق النقدية بما أنها من المعدود لا يجري فيها الربا،
فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا مع اختلافها جنسا نقدا أو نسيئة فيجوز بيع
خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية مطلقا، وأما مع الاتحاد في الجنس
فيجوز التفاضل في البيع بها نقدا، وأما نسيئة فلا يخلو عن إشكال، ولا بأس
بتنزيل الأوراق المالية نقدا بمعنى أن المبلغ المذكور فيها إذا كان الشخص
مدينا به واقعا جاز خصمها في المصارف وغيرها بأن يبيعه الدائن بأقل منه
حالا ويكون الثمن نقدا.
مسألة 235: ما يتعارف في زماننا من إعطاء شخص للآخر سندا
بمبلغ من الأوراق النقدية من دون أن يكون مدينا له به فيأخذه الثاني فينزله
عند شخص ثالث بأقل منه فالظاهر عدم جواز ذلك، نعم لا بأس به في
المصارف غير الأهلية بجعل ذلك وسيلة إلى أخذ مجهول المالك والتصرف
فيه بعد إصلاحه بمراجعة الحاكم الشرعي، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في رسالة
(مستحدثات المسائل المسألة 28).
75

الفصل العاشر
بيع الصرف
وهو بيع الذهب أو الفضة، بالذهب أو الفضة ولا فرق بين المسكوك
منها وغيره.
مسألة 236: لا يجوز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع
الزيادة.
مسألة 237: لا بأس ببيع الذهب بالفضة وبالعكس نقدا ولا يعتبر
تساويهما في الوزن وأما بيع أحدهما بالآخر نسيئة فلا يجوز مطلقا على الأظهر.
مسألة 238: يشترط في صحة بيع الصرف التقابض قبل الافتراق، فلو
لم يتقابضا حتى افترقا بطل البيع ولو تقابضا في بعض المبيع صح فيه وبطل
في غيره.
مسألة 239: لو باع النقد مع غيره بنقد صفقة واحدة ولم يتقابضا حتى
افترقا صح في غير النقد وبطل في النقد.
مسألة 240: لو فارقا المجلس مصطحبين وتقابضا قبل الافتراق صح
البيع.
مسألة 241: لا يشترط التقابض في الصلح الجاري في النقدين بل
تختص شرطيته بالبيع.
مسألة 242: لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقدية كالدينار
العراقي والنوط الهندي والتومان الإيراني والدولار والباون ونحوها من الأوراق
المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين فيصح بيع بعضها ببعض وإن لم
يتحقق التقابض قبل الافتراق كما أنه لا زكاة فيها.
76

مسألة 243: إذا كان له في ذمة غيره دين من أحد النقدين فباعه عليه
بنقد آخر وقبض الثمن قبل التفرق صح البيع ولا حاجة إلى قبض المشتري
ما في ذمته.
مسألة 244: لو كان له دين على زيد فباعه على عمرو بنقد وقبضه من
عمرو ووكل عمرو زيدا على قبض ما في ذمته ففي صحته بمجرد التوكيل
إشكال، بل لا يبعد عدم الصحة حتى يقبضه زيد ويعينه في مصداق بعينه قبل
التفرق.
مسألة 245: إذا اشترى منه دراهم معينة بنقد ثم باعها عليه أو على
غيره قبل قبضها لم يصح البيع الثاني فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرق
صح البيع الأول وإذا لم يقبضها حتى افترقا بطل البيع الأول أيضا.
مسألة 246: إذا كان له دراهم في ذمة غيره فقال له حولها دنانير في
ذمتك فقبل المديون صح ذلك وتحول ما في الذمة إلى دنانير وإن لم
يتقابضا، وكذا لو كان له دنانير في ذمته فقال له حولها دراهم وقبل المديون
فإنه يصح وتتحول الدنانير إلى دراهم، وكذلك الحكم في الأوراق النقدية
إذا كانت في الذمة فيجوز تحويلها من جنس إلى آخر.
مسألة 247: لا يجب على المتعاملين بالصرف إقباض المبيع أو
الثمن حتى لو قبض أحدهما لم يجب عليه إقباض صاحبه ولو كان للمبيع أو
الثمن منفعة قبل القبض كانت لمن انتقل عنه لا لمن انتقل إليه.
مسألة 248: الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجة في
المعاملة بها يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها سواء أكان غشها مجهولا أم
معلوما وسواء أكان مقدار الغش معلوما أم مجهولا وإن لم تكن رائجة فلا
يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها إلا بعد إظهار حالها.
77

مسألة 249: يجوز صرف المسكوكات من النحاس وأمثاله إلى
أبعاضها ولو مع التفاضل بين الأصل وأبعاضه كما هو الغالب، نعم لا يجوز
ذلك في المسكوكات الذهبية والفضية فإنها من الموزون فلا يجوز تصريفها
إلى أبعاضها مع التفاضل إلا مع الضميمة.
مسألة 250: يكفي في الضميمة التي يتخلص بها عن الربا الغش
الذي يكون في الذهب والفضة المغشوشين إذا كان الغش غير مستهلك
وكانت له قيمة في حال كونه غشا ولا يكفي أن تكون له قيمة على تقدير
التصفية، فإذا كان الطرفان مغشوشين كذلك صح مع التفاضل مطلقا إذا
قصدا كون الغش في كل طرف بإزاء الخالص في الطرف الآخر، وإذا كان
أحدهما مغشوشا دون الآخر جاز التفاضل فيما إذا كانت المعاملة نقدية
وكانت الزيادة في طرف الخالص وقصدا كونها بإزاء الغش في الطرف الآخر
ولا يصح إذا كانت الزيادة في المغشوش مطلقا.
مسألة 251: الآلات المحلاة بالذهب يجوز بيعها بالذهب إذا كان
أكثر من الذهب المحلى به وقصدا كون الزائد بإزاء نفس الآلة وكانت
المعاملة نقدية - كما مر - وإلا لم يجز، نعم لو بيع السيف بالسيف وكان كل
منهما محلى جاز البيع وإن كانت الحلية في أحدهما أكثر من الحلية في
الآخر، ويصح مطلقا إذا قصدا كون الحلية في كل طرف بإزاء السيف في
الطرف الآخر ويصح نقدا خاصة إذا قصدا كون السيف والزيادة في الطرف
الزائد بإزاء السيف في الطرف الآخر.
مسألة 252: الكلبتون المصنوع من الإبريسم والفضة يجوز بيعه نقدا
- كما مر - بالفضة إذا كانت أكثر من الفضة الموجودة فيه وزنا، والمصنوع من
الإبريسم والذهب يجوز بيعه كذلك بالذهب إذا كان أكثر من الذهب الموجود
فيه وزنا.
78

مسألة 253: إذا اشترى فضة معينة بفضة أو بذهب وقبضها قبل
التفرق فوجدها جنسا آخر رصاصا أو نحاسا أو غيرهما بطل البيع وليس له
المطالبة بالابدال، ولو وجد بعضها كذلك بطل البيع فيه وصح في الباقي وله
حينئذ رد الكل لتبعض الصفقة، وإن وجدها فضة معيبة فإن كان العوض من
جنسها كان له الرد ولم يكن له أخذ الأرش ولو مع عدم التمكن من الرد على
الأحوط، وإن كان العوض من غير جنسها كان بالخيار بين الرد وبين المطالبة
بالأرش مع عدم التمكن من الرد ولا فرق في ذلك بين كون أخذ الأرش قبل
التفرق وبعده.
مسألة 254: إذا اشترى فضة في الذمة بفضة أو بذهب وبعد القبض
وجدها جنسا آخر رصاصا أو نحاسا أو غيرهما، فإن كان قبل التفرق جاز
للبائع إبدالها فإذا قبض البدل قبل التفرق صح البيع وإن وجدها جنسا آخر
بعد التفرق بطل البيع ولا يكفي الابدال في صحته وإذا وجدها فضة معيبة
كالمغشوشة ومضطربة السكة فالأقوى إن المشتري مخير بين رد المقبوض
وإبداله وبين الرضا به من دون أرش وليس له فسخ العقد من أصله، ولا فرق
بين كون الثمن من جنس المبيع وغيره ولا بين كون ظهور العيب قبل التفرق
وبعده.
مسألة 255: لا يجوز أن يشتري من الصائغ أو غيره خاتما أو غيره من
المصوغات من الفضة أو الذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة أجرة الصياغة بل
إما أن يشتريه بغير جنسه أو بأقل من مقداره من جنسه مع الضميمة على ما
تقدم ليتخلص من الربا.
مسألة 256: لو كان له على زيد نقود كالليرات الذهبية وأخذ منه شيئا
من المسكوكات الفضية كالربيات فإن كان الأخذ بعنوان الاستيفاء ينقص من
الليرات في كل زمان أخذ فيه بمقدار ما أخذ بسعر ذلك الزمان، فإذا كان الدين
79

خمس ليرات وأخذ منه في الشهر الأول عشر روبيات وفي الثاني عشرا، وفي
الثالث عشرا وكان سعر الليرة في الشهر الأول خمس عشرة روبية، وفي الثاني
اثنتي عشرة روبية، وفي الثالث عشر روبيات نقص من الليرات ثلثا ليرة في
الشهر الأول وخمسة أسداسها في الثاني وليرة تامة في الثالث، وإن كان الأخذ
بعنوان القرض كان ما أخذه دينا عليه لزيد وبقي دين زيد عليه، وفي جواز
احتساب أحدهما دينه وفاءا عن الآخر إشكال، والأظهر الجواز، وتجوز
المصالحة بينهما على إبراء كل منهما صاحبه مما له عليه.
مسألة 257: من اشتغلت ذمته لآخر بنقد معين من الذهب أو الفضة
كأن اقترض منه ألف دينار مثلا أو أصدق زوجته مهرا كذلك أو جعله ثمنا في
البيع مؤجلا أو حالا فتغير سعره لزمه النقد المعين ولا اعتبار بالقيمة وقت
اشتغال الذمة.
مسألة 258: لا يجوز أن يبيع مثقالا من فضة خالصة بمثقال من فضة
مغشوشة بغش غير متحول بشرط أن يصوغ له خاتما مثلا، ويجوز ذلك في
المعاملة النقدية إذا كان الغش متمولا وقصدا كون الزيادة في طرف الخالص
بإزاء الغش وصياغة الخاتم في الطرف الآخر، كما يجوز أن يقول له صغ لي
هذا خاتما وأبيعك مثقالا من فضة خالصة بمثقال من فضة مغشوشة بغش غير
متمول على أن يكون البيع جعلا لصياغة الخاتم لا بأن تكون الصياغة شرطا
في البيع، ويجوز أيضا أن يشتري منه مثقال فضة مصوغا خاتما بمثقال غير
مصوغ.
مسألة 259: لو باع عشر روبيات بليرة ذهبية إلا عشرين فلسا صح
بشرط أن يعلما مقدار نسبة العشرين فلسا إلى الليرة - بحسب سعر الوقت -
حتى يعلما المقدار المستثنى من الليرة.
مسألة 260: المصوغ من الذهب والفضة معا لا يجوز بيعه بأحدهما
80

بلا زيادة، بل إما أن يباع نقدا بأحدهما مع الزيادة أو بهما معا - على ما
تقدم - أو يباع بجنس آخر غيرهما.
مسألة 261: ما يقع في التراب عادة من أجزاء الذهب والفضة
ويجتمع فيه عند الصائغ إذا أحرز عدم مطالبة المالك به واعراضه عنه - ولو
بلحاظ جريان العادة على ذلك - جاز للصائغ تملكه، وإلا لزم أن يتصدق به
أو بثمنه عن مالكه مع الجهل به والاستيذان منه مع معرفته، ويطرد التفصيل
المذكور في الخياطين والنجارين والحدادين ونحوهم فيما يجتمع عندهم من
الأجزاء المنفصلة من أجزاء الثياب والخشب والحديد فإنه إذا كان المتعارف
في عملهم انفصال تلك الأجزاء لم يضمنوا شيئا بسبب ذلك سواء أكانت
لتلك الأجزاء مالية عند العرف أم لا، ولكن يجري فيها التفصيل المتقدم.
81

الفصل الحادي عشر
في السلف
ويقال له السلم أيضا، وهو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال، عكس النسيئة،
ويقال للمشتري المسلم (بكسر اللام) وللبائع المسلم إليه وللثمن المسلم
وللمبيع المسلم فيه (بفتح اللام) في الجميع.
مسألة 262: يصح في السلف صدور الايجاب من كل واحد من
البائع والمشتري وصدور القبول من الآخر، فالايجاب من البائع بلفظ البيع
وأشباهه بأن يقول مثلا (بعتك طنا من الحنطة بصفة كذا إلى أجل كذا بثمن
كذا) فيقول المشتري (قبلت) أو (اشتريت)، وأما الايجاب من المشتري فهو
بلفظ (أسلمت) أو (أسلفت) بأن يقول أسلمت إليك أو أسلفتك مائة دينار
مثلا في طن من الحنطة بصفة كذا إلى أجل كذا فيقول المسلم إليه - وهو البائع - (قبلت).
مسألة 263: يجوز في السلف أن يكون المبيع والثمن من غير الذهب
والفضة - على تفصيل يأتي من المسألة التالية - كما يجوز أن يكون أحدهما
من الذهب والفضة والآخر من غيرهما ثمنا كان أو مثمنا ولا يجوز أن يكون
كل من الثمن والمثمن من الذهب أو الفضة أو أحدهما من الذهب والآخر من
الفضة.
مسألة 264: يشترط في السلف أمور:
الأول: أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة
باختلافها كالجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها، ولا يلزم التدقيق
والاستقصاء بل يكفي التعيين بنحو يكون المبيع مضبوطا عرفا، فيصح السلف
82

في الحيوان والخضر والفواكه والحبوب والجوز واللوز والبيض والملابس
والأشربة والأدوية وآلات السلاح وآلات النجارة والنساجة والخياطة وغيرها من
الأعمال وغير ذلك، ولا يصح فيما لا يمكن ضبط أوصافه كغالب أنواع
الجواهر واللآلي والبساتين وغيرها مما لا ترتفع الجهالة فيها إلا بالمشاهدة.
الثاني: قبض الثمن قبل التفرق ولو قبض البعض صح فيه وبطل في
الباقي، ولو كان الثمن دينا في ذمة البائع فالأقوى الصحة إذا كان الدين
حالا، أو حل قبل افتراقها وإلا لم يصح.
الثالث: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أو العد بمقداره، والمتاع
الذي يباع بالمشاهدة يجوز بيعه سلفا ولكن يلزم أن يكون التفاوت بين أفراده
غير معتني به عند العقلاء كبعض أقسام الجوز والبيض.
الرابع: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيام أو الشهور أو السنين أو
نحوها، ولو جعل الأجل زمان الحصاد أو الدياس أو الحضيرة بطل البيع
ويجوز فيه أن يكون قليلا كيوم ونحوه وأن يكون كثيرا كعشرين سنة.
الخامس: تعيين مكان تسليم المسلم فيه مضبوطا على الأحوط، إذا
لم يكن له تعين عندهما ولو لانصراف ونحوه كما سيأتي.
السادس: إمكان دفع ما تعهد البائع دفعه وقت الحلول وفي البلد
الذي شرط التسليم فيه إذا كان قد شرط ذلك سواء أكان عام الوجود أم نادرة،
فلو لم يمكن ذلك ولو تسبيبا لعجزه عنه ولو لكونه في سجن أو في بيداء لا
يمكنه الوصول إلى البلد الذي اشترط التسليم فيه عند الأجل بطل.
السابع: أن لا يلزم منه الربا، فإذا كان المبيع سلفا من المكيل أو
الموزون لم يجز أن يجعل ثمنه من جنسه بل ولا من غير جنسه من المكيل
والموزون على الأحوط، وإذا كان من المعدود لم يجز على الأحوط جعل
ثمنه من جنسه بزيادة عينية.
83

مسألة 265: إطلاق العقد يقتضي تسليم المسلم فيه في بلد العقد
إلا أن تقوم قرينة على خلافه، وحينئذ إن اقتضت تعيين غيره يؤخذ به وإلا
فالأحوط لزوما - كما مر - تعيين مكان التسليم.
مسألة 266: إذا جعل الأجل شهرا حمل على ما ينصرف إليه اطلاقه
في عرف المتبايعين من الشهر الهلالي أو الشهر الشمسي - على اختلاف
أنواعه - فإن وقع البيع في أول الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر وإن كان في
أثناء الشهر ففي كون المراد به ثلاثين يوما أو مجموع ما بقي من الشهر الأول
مع إضافة مقدار من الشهر الثاني يساوي الماضي من الشهر الأول وجهان، لا
يخلو أولهما عن وجه وإن كان الأحوط هو التعيين من الأول ومع عدمه
فالأحوط التصالح بلحاظ أصل البيع.
وإن جعل الأجل شهرين أو عدة شهور ووقع البيع في أثناء الشهر جعل
الشهر الثاني وما بعده هلاليا أو شمسيا - كما مر - ويجري الوجهان المتقدمان
في الشهر الأول.
مسألة 267: إذا جعل الأجل جمادى أو ربيعا حمل على أولهما من
تلك السنة وحل بأول جزء من ليلة الهلال، وإذا جعله الجمعة أو الخميس
حمل على الأول من تلك السنة وحل بأول جزء من نهار اليوم المذكور.
مسألة 268: إذا اشترى شيئا سلفا جاز بيعه من بايعه قبل حلول
الأجل نقدا وكذا بعده نقدا ونسيئة بجنس الثمن - بشرط عدم الزيادة على
الأحوط - أو بجنس آخر ما لم يستلزم الربا على التقديرين، ولا يجوز بيعه من
غيره البائع قبل حلول الأجل ويجوز بعده سواء باعه بجنس آخر أو بجنس
الثمن مع الزيادة أو النقيصة أو التساوي ما لم يسلتزم الربا. هذا في غير
المكيل والموزون وأما فيهما - ما عدا الثمار - فلا يجوز بيعهما لغير البائع قبل
القبض مرابحة مطلقا كما تقدم في مسألة 200.
84

مسألة 269: إذا دفع البائع المسلم فيه دون الصفة لم يجب على
المشتري القبول، ولو رضى بذلك صح، وكذلك إذا دفع أقل من المقدار،
وتبرأ ذمة البائع إذا أبرأه المشتري من الباقي وإذا دفعه على الصفة والمقدار
وجب عليه القبول وإذا دفع فوق الصفة، فإن كان شرط الصفة راجعا إلى
استثناء ما دونها فقط وجب القبول أيضا، وإن كان راجعا إلى استثناء ما دونها
وما فوقها لم يجب القبول، ولو دفع إليه زائدا على المقدار لم يجب القبول.
مسألة 270: إذا حل الأجل ولم يتمكن البائع من دفع المسلم فيه
تخير المشتري بين أن ينتظر إلى أن يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت
آخر وبين الفسخ والرجوع بالثمن أو بدله بلا زيادة ولا نقصان، ولا يجوز له
بيعه من البايع بأكثر مما اشتراه على الأحوط، ولو تمكن من دفع بعضه وعجز
عن الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه والانتظار، وفي جواز
فسخه في الكل حينئذ إشكال، والأظهر الجواز، نعم لو فسخ في البعض جاز
للبائع الفسخ في الكل.
مسألة 271: لو كان المبيع موجودا في غير البلد الذي عين للتسليم
فيه فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده جاز وإلا فإن أمكن وتعارف نقله إلى
بلد التسليم وجب على البائع نقله، وإلا فيجري الحكم المتقدم من الخيار
بين الفسخ والانتظار.
85

الفصل الثاني عشر
بيع الثمار والخضر والزرع
مسألة 272: لا يجوز بيع ثمرة النخل والشجر قبل ظهورها عاما واحدا
بلا ضميمة ويجوز بيعها عامين فما زاد وعاما واحدا مع الضميمة على
الأقوى، وأما بعد ظهورها فإن استبان حالها وأن بها آفة أم لا بحيث أمكن
تعيين مقدارها بالخرص أو كان البيع في عامين فما زاد أو مع الضميمة أو كان
المبيع نفس ما هو خارج منها فعلا - بشرط أن تكون له مالية معتد بها - وإن
لم يشترط على المشتري أن يقتطفها في الحال جاز بيعها، وأما مع انتفاء هذه
الأربعة فجواز البيع محل إشكال.
مسألة 273: يعتبر في الضميمة المجوزة لبيع الثمر قبل استبانة حاله
أن تكون مما يجوز بيعه منفردا، ويعتبر كونها مملوكة للمالك الثمر، وكون
الثمن لها وللمنضم إليه على الإشاعة. ولا يعتبر فيها أن تكون متبوعة على
الأقوى فيجوز كونها تابعة، نعم يشترط فيها - على الأحوط لزوما - أن تكون
بحيث يتحفظ معها على رأس مال المشتري إن لم تخرج الثمرة.
مسألة 274: يكفي في الضميمة في ثمر النخل مثل السعف والكرب
والشجر اليابس الذي في البستان على الشرط المتقدم.
مسألة 275: لو بيعت الثمرة قبل استبانة حالها مع أصولها جاز بلا
إشكال.
مسألة 276: إذا ظهر بعض ثمر البستان واستبان حاله جاز بالشرط
المتقدم بيع المتجدد في تلك السنة معه وإن لم يظهر، اتحد الجنس أم
اختلف، اتحد البستان أم تكثر، على الأقوى.
86

مسألة 277: إذا كانت الشجرة تثمر في السنة الواحدة مرتين ففي
جريان حكم العامين عليهما إشكال، أظهره الجريان.
مسألة 278: إذا باع الثمرة سنة أو سنتين أو أكثر ثم باع أصولها على
شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة بل تنتقل الأصول إلى المشتري مسلوبة
المنفعة في المدة المعينة وله الخيار في الفسخ مع الجهل.
مسألة 279: لا يبطل بيع الثمرة بموت بائعها بل تنتقل الأصول إلى
ورثة البائع بموته مسلوبة المنفعة، وكذا لا يبطل بيعها بموت المشتري بل
تنتقل إلى ورثته.
مسألة 280: إذا اشترى ثمرة فتلفت قبل قبضها انفسخ العقد وكانت
الخسارة من مال البائع كما تقدم ذلك في أحكام القبض، وتقدم أيضا إلحاق
السرقة ونحوها بالتلف وحكم ما لو كان التلف من البائع أو المشتري أو
الأجنبي.
مسألة 281: يجوز لبائع الثمرة أن يستثني ثمرة شجرات أو نحلات
بعينها وأن يستثني حصة مشاعة كالربع والخمس وإن يستثني مقدارا معينا
كمائة كيلو لكن في هاتين الصورتين لو خاست الثمرة وزرع النقص على
المستثنى والمستثنى منه على النسبة، ففي صورة استثناء حصة مشاعة يوزع
الباقي بتلك النسبة وأما إذا كان المستثنى مقدارا معينا فطريقة معرفة النقص
تخمين الفائت بالثلث أو الربع مثلا فيسقط من المقدار المستثنى بتلك
النسبة، فإن كان الفائت الثلث يسقط منه الثلث وإن كان الربع يسقط الربع
وهكذا.
مسألة 282: يجوز بيع ثمرة النخل وغيره في أصولها بالنقود وبغيرها
كالأمتعة والحيوان والطعام وبالمنافع والأعمال وغيرها، كغيره من أفراد البيع.
87

مسألة 283: لا تجوز المزابنة وهي بيع ثمرة النخل - تمرا كانت أو
رطبا أو بسرا أو غيرها - بالتمر دون الرطب والبسر أو غيرهما، سواء من ثمره
أم من ثمر غيره، في الذمة أم معينا في الخارج، ويستثنى من ذلك بيع العرية
كما سيأتي.
مسألة 284: لا يجوز بيع ثمر غير النخل بثمره أيضا، وأما بيعه بغير
ثمره فلا بأس به.
مسألة 285: يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمر في أصله بثمن زائد
على ثمنه الذي اشتراه به أو ناقص أو مساو، سواء أباعه قبل قبضه أم بعده.
مسألة 286: لا يجوز بيع الزرع بذرا قبل ظهوره على الأحوط وجوبا،
ويجوز بيعه تبعا للأرض لو باعها معه، أما بعد ظهوره فيجوز بيعه مع أصله
بمعنى بيع المقدار الظاهر مع أصوله الثابتة فإن شاء المشتري قصله وإن شاء
أبقاه مع اشتراط الابقاء - أو ما بحكمه من اقتضاء التعارف ذلك - أو بإذن من
صاحب الأرض، فإن أبقاه حتى يسنبل كان له السنبل وعليه أجرة الأرض إذا
لم يشترط الابقاء مجانا، وإن قصله قبل أن يسنبل فنمت الأصول الثابتة في
الأرض حتى سنبلت كان له أيضا ولا تجب عليه أجرة الأرض إلا إذا كان قد
اشترط عليه إزالة الأصول فلم يفعل.
مسألة 287: يجوز بيع الزرع لا مع أصله بل قصيلا إذا كان قد بلغ
أوان قصله أو قبل ذلك على أن يبقى حتى يصير قصيلا أو قبل ذلك، فإن قطعه
ونمت الأصول حتى صارت سنبلا كان السنبل للبائع وإن لم يقطعه كان
لصاحب الأرض فسخ البيع كما أن له الزامه بقطعه فإن لم يمكن جاز له
قطعه، والأحوط أن يكون بعد الاستيذان من الحاكم الشرعي مع الامكان، وله
إبقاؤه والمطالبة بالأجرة فلو أبقاه فنما حتى سنبل ففي كون السنبل للمشتري
وعليه أجرة الأرض أو مشتركا بينه وبين البايع وجهان، والأحوط التصالح. وكذا
الحال لو اشترى نخلا بشرط القلع فلم يقلعه حتى أثمر.
88

مسألة 288: يجوز بيع الزرع محصودا ولا يشترط معرفة مقداره
بالكيل أو الوزن، بل تكفي فيه المشاهدة.
مسألة 289: لا تجوز المحاقلة وهي بيع سنبل الحنطة بالحنطة ولو
من غيره، كما لا يجوز بيع سنبل غير الحنطة من الحبوب بحب منه،
والأحوط استحبابا عدم بيع سنبل الشعير بالشعير من غيره.
مسألة 290: الخضر كالخيار والباذنجان والبطيخ لا يجوز بيعها قبل
ظهورها على الأحوط وجوبا، ويجوز بعد ظهورها لقطة واحدة أو لقطات
معلومة، والمرجع في تعيين اللقطة عرف الزراع.
مسألة 291: إنما يجوز بيع الخضر كالخيار والبطيخ مع مشاهدة ما
يمكن مشاهدته من خلال الأوراق ولا يضر عدم مشاهدة بعضها المستورة كما
لا يضر عدم تنامي عظمها كلا أو بعضا.
مسألة 292: لو كانت الخضرة مستورة كالشلغم والجزر ونحوهما
فالظاهر جواز بيعها أيضا.
مسألة 293: إذا كانت الخضرة مما يجز كالكراث والنعناع واللفت
ونحوها يجوز بيعها بعد ظهورها جزة وجزات ولا يجوز بيعها قبل ظهورها على
الأحوط لزوما، والمرجع في تعيين الجزة عرف الزراع كما سبق في اللقطة. وكذا
الحكم فيما يخرط كورق الحناء والتوت فإنه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطة
وخرطات.
مسألة 294: إذا كان نخل أو شجر أو زرع مشتركا بين اثنين جاز أن
يتقبل أحدهما حصة صاحبه بعد خرصها بمقدار معين فيتقبلها بذلك المقدار
فإذا خرص حصة صاحبه بمائة كيلو غراما مثلا جاز أن يتقبلها بتلك المائة
زادت عليها في الواقع أو نقصت عنها أو ساوتها.
89

مسألة 295: الظاهر أنه لا فرق بين أن يكون الشركاء اثنين أو أكثر
وكون المقدار المتقبل به منها وفي الذمة، نعم إذا كان منها فتلفت الثمرة فلا
ضمان على المتقبل بخلاف ما لو كان في الذمة فإنه باق على ضمانه،
والظاهر أن هذه المعاملة خاصة برأسها، نعم فيما إذا كان المقدار المتقبل
في الذمة فالظاهر أن مرجعها إلى الصلح على نقل حصة الشريك - بعد
تعيينها في كمية خاصة - إلى ذمة المتقبل، ويكفي فيها كل لفظ دال على
المقصود بل تجري فيها المعاطاة كما في غيرها من العقود.
مسألة 296: إذا مر الانسان بشئ من النخل أو الشجر أو الزرع جاز
له أن يأكل - ولو من غير - ضرورة - من ثمره بلا إفساد للثمر أو الأغصان أو
الشجر أو غيرها.
مسألة 297: الظاهر جواز الأكل للمار وإن كان قاصدا له من أول
الأمر، ولا يجوز له أن يحمل معه شيئا من الثمر وإذا حمل معه شيئا حرم ما
حمل ولم يحرم ما أكل، وإذا كان للبستان جدار أو حائط أو ظن كراهة المالك
أو كان قاصرا ففي جواز الأكل إشكال والاجتناب أحوط.
مسألة 298: لا بأس ببيع العرية وهي النخلة الواحدة لشخص في دار
غيره يشق دخوله إليها فيبيع ثمرتها قبل أن تكون تمرا بخرصها تمرا.
90

الفصل الثالث عشر
في بيع الحيوان
مسألة 299: يجوز شراء بعض الحيوان مشاعا كنصفه وربعه، ولا يجوز
شراء بعض معين منه كرأسه وجلده إذا لم يكن في معرض الذبح أو نحوه
كأن كان المقصود الابقاء عليه حيا للركوب أو الحمل أو غيرهما.
مسألة 300: لو كان الحيوان في معرض الذبح أو نحوه جاز شراء بعض
معين منه فإن ذبح يكون للمشتري ما اشتراه وإن لم يذبح لمانع كما إذا كان مريضا
فبرئ فكان في ذبحه ضرر مالي كان المشتري شريكا بنسبة الجزء أي بأن
ينسب ذلك الجزء على تقدير الذبح إلى قيمة البقية فله من الحيوان بتلك
النسبة، وكذا لو باع الحيوان واستثنى الرأس والجلد مثلا، وأما إذا أشترك
اثنان أو جماعة وشرط أحدهم أن يعين حصته - بعد ذبح الحيوان - في الرأس
والجلد مثلا فلم يذبح - لما مر - كان شريكا فيه بنسبة المال لا بنسبة الرأس
والجلد.
مسألة 301: لو قال شخص لآخر: اشتر حيوانا بشركتي صح ويثبت
البيع لهما على السوية مع الاطلاق ويكون على كل واحد منهما نصف الثمن،
ولو قامت القرينة على كون المراد الاشتراك على التفاضل كان العمل عليها.
مسألة 302: لو دفع المأمور عن الأمر بالشراء شركة ما عليه من جزء
الثمن فإن كان الأمر بالشراء على وجه الشركة قرينة على الأمر بالدفع عنه
رجع الدافع عليه بما دفعه عنه وإلا كان متبرعا وليس له الرجوع عليه به.
مسألة 303: يجوز في البهائم تفرقة الأم عن الولد، ما لم يؤد إلى
إتلاف المال المحترم.
91

خاتمة:
في الإقالة
وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر، والظاهر
جريانها في عامة العقود اللازمة - غير النكاح - حتى الهبة اللازمة، وفي
جريانها في الضمان والصدقة إشكال، وتقع بكل لفظ يدل على المراد وإن
لم يكن عربيا بل تقع بالفعل كما تقع بالقول، فإذا طلب أحدهما الفسخ من
صاحبه فدفعه إليه كان فسخا وإقالة ووجب على الطالب إرجاع ما في يده
إلى صاحبه.
مسألة 304: لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان
عنهما، فلو أقال كذلك بطلت وبقي كل من العوضين على ملك مالكه.
مسألة 305: إذا جعل له مالا في الذمة أو في الخارج ليقيله بأن قال
له: أقلني ولك هذا المال، أو أقلني ولك علي كذا فالأظهر الصحة.
مسألة 306: لو أقال بشرط مال عين أو عمل كما لو قال للمستقبل
أقلتك بشرط أن تعطيني كذا أو تخيط ثوبي فقبل صح.
مسألة 307: لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة.
مسألة 308: في قيام وارث المتعاقدين مقام المورث في صحة الإقالة
إشكال، والظاهر العدم.
مسألة 309: تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه
ويتقسط الثمن حينئذ على النسبة، وإذا تعدد البائع أو المشتري تصح الإقالة
بين أحدهما والطرف الآخر بالنسبة إلى حصته ولا يشترط رضى الآخر.
مسألة 310: تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحة الإقالة،
92

فإذا تقايلا رجع كل عوض إلى صاحبه الأول، فإن كان موجودا أخذه وإن كان
تالفا رجع بمثله إن كان مثليا وبقيمته يوم التلف إن كان قيميا.
مسألة 311: الخروج عن الملك ببيع أو هبة أو نحوهما بمنزلة التلف،
وتلف البعض كتلف الكل يستوجب الرجوع بالبدل عن البعض التالف.
مسألة 312: العيب في يد المشتري يستوجب الرجوع عليه بالأرش
مع الإقالة والحمد لله رب العالمين.
93

كتاب الشفعة
وفيه فصول
إذا باع أحد الشريكين حصته على ثالث كان لشريكه - مع اجتماع
الشرائط الآتية - حق أن يتملك المبيع بالثمن المجعول له في البيع ويسمى
هذا الحق بالشفعة، وصاحبه بالشفيع.
فصل
في ما تثبت فيه الشفعة
مسألة 313: تثبت الشفعة في بيع ما لا ينقل إذا كان يقبل القسمة
كالأرضين والدور والبساتين بلا إشكال، وهل تثبت فيما ينقل كالآلات والثياب
والحيوان وفيما لا ينقل إذا لم يقبل القسمة كالضيقة من الأنهار والطرق
والآبار؟ قولان أقواهما الأول حتى في الحيوان والسفينة والنهر والطريق
والحمام والرحى، لكن الأحوط للشريك عدم الأخذ فيها بالشفعة إلا برضا
المشتري كما أن الأحوط إجابة الشريك أن أخذ بها.
مسألة 314: لا تثبت الشفعة بالجوار فإذا باع أحد داره فليس لجاره
الأخذ بالشفعة.
مسألة 315: إذا كانت داران مختصة كل واحدة منهما بشخص وكانا
مشتركين في طريقهما فبيعت إحدى الدارين مع الحصة المشاعة من الطريق
تثبت الشفعة لصاحب الدار الأخرى سواء أكانت الداران قبل ذلك مشتركتين
وقسمتا أم لم تكونا كذلك.
مسألة 316: يجري هذا الحكم في الدور المختصة كل واحدة منها
بواحد مع الاشتراك في الطريق فإذا بيعت واحدة منها مع الحصة من الطريق
ثبتت الشفعة للباقين.
94

مسألة 317: إذا بيعت إحدى الدارين بلا ضم حصة. الطريق إليها لم
تثبت الشفعة للشريك في الطريق.
مسألة 318: إذا بيعت الحصة من الطريق وحدها تثبت الشفعة
للشريك.
مسألة 319: هل يختص الحكم المذكور بالدار أو يعم غيرها من
الأملاك المفروزة المشتركة في الطريق؟ وجهان، ولا يترك مراعاة الاحتياط.
مسألة 320: ألحق جماعة بالطريق النهر، والساقية، والبئر، فإذا كانت
الداران المختصة كل منهما بشخص مشتركتين في نهر أو ساقية أو بئر فبيعت
إحداهما مع الحصة من النهر أو الساقية أو البئر كان لصاحب الدار الأخرى
الشفعة في الدار أيضا وفيه إشكال بل منع.
مسألة 321: إذا بيع المقسوم منضما إلى حصة من المشاع صفقة
واحدة كان للشريك في المشاع الأخذ بالشفعة في الحصة المشاعة بما
يخصها من الثمن بعد توزيعه وليس له الأخذ في المقسوم.
مسألة 322: تثبت الشفعة في البيع ويلحق به على الأقرب ما يفيد
فائدته - كالهبة المعوضة والصلح بعوض - دون غيره كجعل الحصة صداقا أو
فدية للخلع.
مسألة 323: إذا كانت العين بعضها ملكا وبعضها وقفا فبيع الملك
لم يكن للموقوف عليهم الشفعة على الأقوى وإن كان الموقوف عليه واحدا.
مسألة 324: إذا بيع الوقف في مورد يجوز بيعه ففي ثبوت الشفعة
للشريك قولان أقربهما ذلك.
مسألة 325: يشترط في ثبوت الشفعة أن تكون العين المبيعة مشتركة
بين اثنين، فإذا كانت مشتركة بين ثلاثة فما زاد وباع أحدهم لم تكن لأحدهم
شفعة، وإذا باعوا جميعا إلا واحدا منهم ففي ثبوت الشفعة له إشكال بل
منع.
95

مسألة 326: إذا كانت العين بين شريكين فباع أحدهما بعض حصته
ثبتت الشفعة للآخر، وكذا لو باع حصته من اثنين - مثلا - دفعة أو تدريجا
فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع تثبت الشفعة للشريك الآخر، وحينئذ هل
له التبعيض بأن يأخذ الشفعة بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر أو ليس
له ذلك أو يفصل بين وقوع البيع تدريجا ووقوعه دفعة فيحق له التبعيض في
الأول دون الثاني؟ وجوه لا يخلو أخيرها من قوة.
96

فصل
في الشفيع
مسألة 327: يعتبر في الشفيع الاسلام إذا كان المشتري مسلما فلا
شفعة للكافر على المسلم وإن اشترى من كافر، وثبت للمسلم على الكافر
وللكافر على مثله.
مسألة 328: يشترط في الشفيع أن يكون قادرا على أداء الثمن فلا
تثبت للعاجز عنه وإن بذل الرهن أو وجد له ضامن إلا أن يرضى المشتري
بذلك. نعم إذا ادعى غيبة الثمن أمهل ثلاثة أيام فإن لم يحضره بطلت شفعته
إلا أن يذكر أن الثمن في بلد آخر فيمهل بمقدار وصول المال إليه مضافا إلى
الأيام الثلاثة، فإن انتهت المهلة ولم يدفع الثمن فلا شفعة له. ويكفي في
الثلاثة أياما التلفيق نظير ما تقدم في خيار الحيوان، ومبدأها زمان الأخذ
بالشفعة لا زمان البيع.
مسألة 329: إذا كان الامهال ثلاثة أيام أو إلى زمان وصول المال من
البلد الآخر - حيث يدعي وجوده فيه - يوجب الضرر المعتد به على المشتري
فالظاهر سقوط الشفعة، وكذا إذا استغرق إحضاره من البلد الآخر وقتا أزيد
من المتعارف.
مسألة 330: إذا كان الشريك غائبا عن بلد البيع وقت البيع جاز له
الأخذ بالشفعة إذا حضر البلد وعلم بالبيع وإن كانت الغيبة طويلة.
مسألة 331: إذا كان له وكيل في البلد إما في خصوص الأخذ بالشفعة
أو فيما هو أعم من ذلك جاز لذلك الوكيل الأخذ بالشفعة عنه.
مسألة 332: تثبت الشفعة للمفلس إذا رضي المشتري ببقاء الثمن
97

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر - ولو بالاستدانة أو قبول الهدية
مثلا - أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.
مسألة 333: تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيها أو صبيا أو مجنونا
فيأخذ لهم الولي بها، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان
الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة
بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في
سائر التصرفات.
مسألة 334: إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق
الشفعة - مع رعاية ما تقدم - لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل
والرشد، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة
بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل
والرشد.
مسألة 335: إذا كان المبيع مشتركا بين الولي والمولى عليه فباع الولي
سهم الولي عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.
مسألة 336: إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى
عليه، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكا مع الموكل.
98

فصل
في الأخذ بالشفعة
مسألة 337: الأخذ بالشفعة من الانشائيات المعتبر فيها الايقاع
ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول: أخذت المبيع الكذائي بثمنه، وبالفعل
مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.
مسألة 338: لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل
إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.
مسألة 339: الشفيع يتملك المبيع باعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا
بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم
ناقصة، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي
مثله إن كان مثليا.
مسألة 340: إذا كان الثمن قيميا ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ
المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا
برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.
مسألة 341: إذا غرم المشتري شيئا من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع
بشئ للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.
مسألة 342: إذا حط البائع شيئا من الثمن للمشتري بعد البيع لم
يكن للشفيع تنقيصه.
مسألة 343: الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع
المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر - ولو كان عرفيا
- كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا،
99

أو كون المشتري زيدا فبان عمرا، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس،
أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس، أو أن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع
بخمسين، أو كون الثمن ذهبا فبان فضة، أو لكونه محبوسا ظلما أو بحق يعجز
عن أدائه، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.
مسألة 344: المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها
المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة، فإذا كان مشغولا بعبادة
واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.
مسألة 345: إذا كان مشغولا بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب
عليه الاسراع في المشي.
مسألة 346: يجوز له إن كان غائبا انتظار الرفقة إذا كان الطريق
مخوفا، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله، وقضاء وطره
من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله
لمثله، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن
تركه موجبا للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداء، والأظهر السقوط في كل
مورد صدقت فيه المماطلة عرفا.
مسألة 347: إذا كان غائبا عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من
الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.
مسألة 348: لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله: (أخذت بالشفعة)
مثلا، بل لا بد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير، فإذا
قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك
المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة
يرجع إلى ملك المشتري.
مسألة 349: إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل
100

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي
الإجازة منه في صحته له، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع
الأول.
مسألة 350: إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده
ويصح مع إجازته، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله، وإن أخذ بالمتوسط صح
ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.
مسألة 351: إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة
أو بجعله صداقا أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة
بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.
مسألة 352: الشفعة من الحقوق فتسقط بالاسقاط، ويجوز أخذ المال
بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها، لكن على الأول لا يسقط إلا بالاسقاط
فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول، بل الظاهر
صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضا. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط
بذلك.
مسألة 353: الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال
إلى غير الشفيع.
مسألة 354: إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر
سقوطها خصوصا إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.
مسألة 355: المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة،
فإذا أخذ بها وكان جاهلا به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.
مسألة 356: إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.
مسألة 357: إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي
بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.
101

مسألة 358: إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل
المشتري ضمنه.
مسألة 359: إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضا
فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الاقباض.
مسألة 360: في انتقال الشفعة إلى الوارث إشكال وعلى تقدير
الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.
مسألة 361: إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط، وكذا إذا
شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الاسقاط
بالمباركة بعد البيع.
مسألة 362: إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة
الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف
فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة
بعد اطلاعه على البيع؟ إشكال، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب
وصدق فهو، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفا للظاهر
فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات
منفعة مستوفاة بل أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78)، فإن دفعها
إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.
مسألة 363: إذا كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن
المؤجل، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل، ويجوز أيضا الأخذ بالثمن حالا إن
رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.
مسألة 364: إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور
عدم سقوطها بالإقالة، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة
فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري، ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها
102

كذلك، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك
بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البايع بعوض المبيع إلى
المشتري.
مسألة 365: إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط
به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة
وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة، وهكذا الحكم في سائر الخيارات
الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن مالك المشتري
كخيار العيب.
مسألة 366: إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا
أرش، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالما به فلا شئ له وإن كان جاهلا
كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش، وإذا كان المشتري جاهلا كان
له الرد فإن لم يمكن - ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك - كان له الأرش،
وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري
وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.
مسألة 367: إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع
فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع، وإذا اطلع الشفيع عليه
دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له اعلام المشتري بالحال
ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.
103

كتاب الإجارة
وهي المعاوضة على المنفعة عملا كانت أو غيره، فالأول مثل إجارة
الخياط للخياطة، والثاني مثل إجارة الدار.
وفيه فصول
فصل: في شروطها
مسألة 368: لا بد فيها من الايجاب والقبول، فالايجاب مثل
قول الخياط: أجرتك نفسي، وقول صاحب الدار: أجرتك داري،
والقبول مثل قول المستأجر: قبلت، ويجوز وقوع الايجاب من
المستأجر، مثل: استأجرتك لتخيط ثوبي واستأجرت دارك، فيقول
المؤجر: قبلت، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للايجار أو
الاستيجار.
مسألة 369: تجري المعاطاة في الإجارة - كما تجري في البيع -
فلو سلم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الايجار وقبضه المستأجر بقصد
الاستيجار صحت الإجارة.
مسألة 370: يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين،
وبعضها في العين المستأجرة، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة،
وبعضها في الأجرة.
104

(شرائط المتعاقدين)
يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغا عاقلا مختارا،
كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالايجار وفي
المستأجر أن يكون مالكا للأجرة، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه
أو تفليس، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره - إلا أن يكون الاكراه
بحق - كما لا تصح إجارة الفضولي، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقا، ولا إجارة
المفلس أمواله التي حجر عليها.
مسألة 371: إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة - ما
لم تتعقب بإجازة الولي - وأما إذا أجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.
مسألة 372: إذا لم يكن المؤجر مالكا للمنفعة - ولم يكن وليا ولا
وكيلا - توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك، وإذا كان محجورا عليه
لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي، وإن كان محجورا عليه لفلس توقفت
صحتها على إجازة الغرماء، وإن كان مكرها توقفت صحتها على الرضا لا
بداعي الاكراه.
(شرائط العين المستأجرة) وهي أمور:
1 - التعيين، فلا يصح إجازة المبهم كما لو قال: (أجرتك إحدى
دوري)
نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.
2 - المعلومية، فإن كانت عينا معينة فإما بالمشاهدة وإما بذكر
الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة، وكذا لو كانت
كلية.
105

3 - التمكن من التسليم، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة
على الأحوط، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين
المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلا إذا كان المستأجر قادرا على
أخذها.
4 - امكان الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من
المأكولات للأكل.
5 - قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة، فلا تصح إجارة الأرض
للزراعة إذا لم يكن المطر وافيا ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.
(شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة)
وهي أمور:
1 - أن تكون محللة، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط
الانتفاع بخصوص المحرم منها، أو أوقع العقد مبنيا على ذلك بطلت
الإجارة، كما لو أجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر، أو أجر
الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.
2 - أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.
3 - تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة، فلو أجر حيوانا
قابلا للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو
الحمل أو كليهما.
4 - معلومية المنفعة، وهي إما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو
شهرا، وإما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخا أو فرسخين، وإما بتعيين
العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو
غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.
106

ولا بد في الأولين من تعيين الزمان، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة،
والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان، بطلت الإجارة، إلا أن تكون
قرينة على التعيين كالاطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.
مسألة 373: لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها
من الأعمال، فيجب الاتيان به متى طالب المستأجر، هذا إذا لم تختلف
الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل، وإلا فلا بد من تعيين الزمان
فيه أيضا.
(شرائط الأجرة)
يعتبر في الأجرة معلوميتها، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو
المعدود لا بد من معرفتها بالكيل والوزن أو العد، وما يعرف منها بالمشاهدة
لا بد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.
ويجوز أن تكون الأجرة عينا خارجية أو كليا في الذمة، أو عملا أو
منفعة أو حقا قابلا للنقل والانتقال كحق التحجير.
مسألة 374: إذا استأجر سيارة للحمل فلا بد من تعيين الحمل، وإذا
استأجر دراجة للركوب فلا بد من تعيين الراكب، وإذا استأجر ماكنة لحرث
جريب من الأرض فلا بد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو
الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافا في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.
مسألة 375: إذا قال آجرتك الدار شهرا أو شهرين أو قال أجرتك كل
شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة، وإذا قال: آجرتك شهرا
بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره، هذا إذا كان
بعنوان الإجارة، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهما
أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا
بأس.
107

مسألة 376: إذا قال: إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن
خطته بدرزين فلك درهمان، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن
قصد الإجارة بطل، وكذا إن قال: إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته
غدا فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل
ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض
ولأجل ذلك صارت عقدا وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك
بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبدا.
ولأجل ذلك صارت إيقاعا.
مسألة 377: إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو
مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئا على عمله،
فإن لم يمكن العمل ثانيا تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير
بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل وإن،
أمكن العمل ثانيا وجب الاتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.
مسألة 378: إذا استأجره على عمل بشرط، بأن كان إنشاء الشرط في
ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنيا عليه فلم يتحقق الشرط - كما إذا استأجره
ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن
في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه واشترط عليه قراءة سورة من
القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة - كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة
المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق
الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد
الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام
الطرف بتحقق أمر كالايصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين، ولازم
108

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطا بنفس تحقق الملتزم به ومعنى ذلك
جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.
مسألة 379: إذا استأجر سيارة إلى (كربلاء) مثلا بدرهم واشترط على
نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهارا أعطاه درهمين صح.
مسألة 380: لو استأجر سيارة مثلا إلى مسافة بدرهمين واشترط على
المؤجر أن يعطيه درهما واحدا إن لم يوصله نهارا صح ذلك.
مسألة 381: إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهارا بدرهمين
أو ليلا بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مرددا بينهما فالإجارة
باطلة.
مسألة 382: إذا استأجره على أن يوصله إلى (كربلاء) وكان من نيته
زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة
على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.
109

فصل
في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة
مسألة 383: الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين
الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة
منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.
مسألة 384: إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة
لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة
وإذا كان المشتري جاهلا بالإجارة أو معتقدا قلة المدة فتبين زيادتها كان له
فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة
إلى البائع.
مسألة 385: لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين
أن يكون البيع على المستأجر وغيره، فلو استأجر دارا ثم اشتراها بقيت
الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من
جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى
البائع، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة
على حاله.
مسألة 386: إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة
معينة على شخص أخر واقترن البيع والإجارة زمانا صحا جميعا فيكون المبيع
للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.
مسألة 387: لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى
فيما إذا استأجر دارا على أن يسكنها بنفسه فمات، فإنه لا تبطل الإجارة بموته
110

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه
القيدية تبطل بموته.
مسألة 388: إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل انجازه بطلت
الإجارة، نعم إذا تعمد ترك الاتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير
المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.
مسألة 389: إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا
لمنفعتها ما دام حيا - بوصية مثلا - فمات أثناء مدة الإجارة بطلت حينئذ
بالنسبة إلى المدة الباقية، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة
الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون
لهم الأجرة.
مسألة 390: إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة
فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها
الطبقة المتأخرة، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر
استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى، وأما إذا
أجرها المتولي - سواء أكان هو البطن السابق أم غيره - ملاحظا بذلك مصلحة
الوقف لم تبطل بموته، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له
ولاية على ذلك فإنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.
مسألة 391: إذا أجر نفسه للعمل إما بالاتيان به مباشرة أو تسبيبا
فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388)، وأما
إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم
تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.
مسألة 392: إذا أجر الولي مال الطفل مدة، وبلغ الطفل أثناءها كانت
صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان
111

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءا من مدة الايجار على خلاف مصلحة الطفل،
وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها، نعم إذا
كان امتداد مدة الايجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعا
بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الايجار كذلك بإذن الحاكم
الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.
مسألة 393: إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في
أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.
مسألة 394: إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على
إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.
مسألة 395: إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا فإن كان
عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلا به فإن كان موجبا لفوات بعض
المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما
يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله، هذا إذا لم يكن الخراب قابلا
للانتفاع أصلا ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان
العيب موجبا لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ
وليس له مطالبة الأرش، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب
نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضا، وإن لم
يوجب ذلك أيضا فلا خيار، هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية
وكان المقبوض معيبا كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ، وإذا
تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.
مسألة 396: إذا وجد المؤجر عيبا في الأجرة وكان جاهلا به كان له
الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فردا معيبا منها
فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.
112

مسألة 397: يجري في الإجارة خيار الغبن - على تفصيل تقدم نظيره
في البيع - كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط - حتى للأجنبي - ومنه
خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح
أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس
والشركة، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير
على النحو المتقدم في البيع، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن
الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.
مسألة 398: إذا حصل الفسخ في عقد الايجار ابتداء المدة فلا
إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولا للفاسخ على نحو
يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة - كما هو الحال
في شرط الخيار غالبا - فالأقوى كونه موجبا لانفساخ العقد في جميع المدة
فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما
مضى.
113

فصل
في أحكام التسليم في الإجارة
مسألة 399: إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة
الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير
يملكان الأجرة بنفس العقد، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع
تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحا أو كانت العادة
جارية عليه، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم
العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان
العادة.
مسألة 400: يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسلميه في الزمان
الذي يقتضيه العقد، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم
امتناع الآخر، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر
الأجرة جاز للمستأجر اجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ
الأجرة إذا كان قد دفعها وله ابقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة،
وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو من أثناء
المدة، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى،
وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين
المستأجرة.
مسألة 401: تسليم المنفعة يكون بتسليم العين، وتسليم العمل فيما
لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون باتمامه، وفيما يتعلق بعين له
في يد الأجير يكون باتمام العمل فيها مع تسليمها - على تقدير عدم تلفها -
إلى المستأجر.
114

مسألة 402: إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد
الأجير، فتلفت العين، بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير
تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة، فإذا كان أجيرا على خياطة ثوب فتلف
بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب
مضمونا على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطا وإلا لم يستحق
عليه شيئا.
مسألة 403: يجوز للأجير بعد اتمام العمل حبس العين إلى أن
يستوفي الأجرة، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.
مسألة 404: تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية
الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة، فإذا استأجر دارا سنة - مثلا -
فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة، وإذا
انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر
الخيار في فسخ الايجار، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة
وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة
بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.
مسألة 405: إذا استأجر دارا فانهدم قسم منها، فإن كانت بحيث لو
أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما
قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة، وإن لم تعد
كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فورا على وجه لا يتلف شئ من
منفعتها عرفا لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ، وإن لم يقدم
على ذلك وكان قادرا عليه فللمستأجر الزامه به فإن لم يفعل كان له مطالبته
بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما أن له الخيار في فسخ الإجارة رأسا - ولو مع
115

التمكن من الزامه على الأظهر - فإن فسخ كان عليه للمؤجر أجرة مثل
ما استوفاه من المنافع ويرجع عليه بتمام الأجرة المسماة، وإن لم يقدم على
تعميرها على الوجه المذكور لتعذره ولو في حقه فتلف مقدار من منفعة الدار
بطلت الإجارة بالنسبة إلى المنافع الفائتة، وكان للمستأجر حق فسخ أصل
الإجارة فإن فسخ جرى عليه ما تقدم في الصورة السابقة عند الفسخ.
مسألة 406: إذا قبض المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف منفعتها
اختيارا حتى انقضت مدة الإجارة - كما إذا استأجر سيارة أو سفينة للركوب أو
حمل المتاع فلم يركبها ولم يحمل متاعه عليها أو استأجر دارا وقبضها ولم
يسكنها حتى مضت المدة - استقرت عليه الأجرة، وكذا إذا بذل المؤجر العين
المستأجرة فامتنع المستأجر من قبضها واستيفاء المنفعة منها حتى انقضت
مدة الإجارة، وكذا الحكم في الإجارة على الأعمال فإنه إذا بذل الأجير نفسه
للعمل وامتنع المستأجر من استيفائه اختيارا - كما إذا استأجر شخصا لخياطة
ثوبه في وقت معين فهيأ الأجير نفسه للعمل فلم يدفع المستأجر إليه الثوب
حتى مضى الوقت - فإنه يستحق الأجرة سواء اشتغل الأجير في ذلك الوقت
بشغل لنفسه أو غيره أم لم يشتغل، كما لا فرق على الأقوى في الإجارة
الواقعة على العين بين أن تكون العين شخصية مثل أن يؤجره السيارة فيبذلها
المؤجر للمستأجر فلا يركبها حتى يمضي الوقت وأن تكون كلية كما إذا أجره
سيارة كلية فسلم فردا منها إليه أو بذله له فلم يستوف منافعه حتى انقضت
المدة فإنه يستحق تمام الأجرة على المستأجر، كما لا فرق فيما ذكرناه في
جميع الأقسام بين تعيين الوقت وعدمه فإنه مع عدم تعيين الوقت أيضا إذا
مضى زمان يمكن فيه استيفاء المنفعة تستقر الأجرة على المستأجر وإن لم
يستوفها، نعم إذا كانت الإجارة واقعة على العين ولم يكن التسليم بعنوان
الوفاء بل بعنوان الأمانة لكن يستوفي المنفعة حينما يشاء فحينئذ لا يحكم
باستقرار الأجرة بذلك.
116

مسألة 407: إذا لم يكن عدم استيفاء المستأجر للمنفعة مستندا إلى
التفويت الاختياري بل كان لمانع فإن كان عاما مثل سوء الأحوال الجوية
المانع من السفر على السيارة أو الطائرة بطلت الإجارة وليس على المستأجر
شئ من الأجرة، هذا مع تعيين الوقت وأما مع عدم تعيينه وعدم وجود مانع
عن استيفاء المنفعة في غير هذا الوقت فلا تبطل الإجارة، وإن لم يكن المانع
عاما كما إذا مرض المستأجر فلم يتمكن من السفر فلا اشكال في الصحة
فيما لم تشترط فيه المباشرة بحيث أمكن استيفاء المنفعة ولو بالإجارة أو
نحوها بل الأقوى هو الصحة فيما إذا اشترطت مباشرته في الاستيفاء أيضا
فتستقر عليه الأجرة، نعم لا يبعد أن يكون مقتضى الارتكاز العام في أمثال
ذلك ثبوت حق الفسخ للمستأجر مع اعلام الطرف بالحال قبل موعد استيفاء
المنفعة بفترة كافية أو مطلقا حسب اختلاف الموارد.
مسألة 408: إذا لم يستوف المستأجر المنفعة في بعض المدة جرت
الأقسام المذكورة بعينها وتعرف أحكامها مما تقدم.
مسألة 409: إذا استأجر طبيبا لاجراء عملية جراحية فزال موجبها قبل
اجرائها فإن كان على نحو يكون اجراؤها محرما عليه فالإجارة باطلة، وإلا
فللمستأجر حق الفسخ بمقتضى الشرط الارتكازي في أمثال هذه الموارد،
ومن ذلك ما إذا استأجره لقلع ضرسه فعرض ما أوجب حرمته عليه لكونه موجبا
للضرر البليغ به - كالنزيف المستمر - أو صار قابلا للمعالجة بحيث لم يكن
قلعه عقلائيا.
مسألة 410: إذا غصب العين المستأجرة غاصب فتعذر استيفاء
المنفعة فإن كان الغصب قبل القبض تخير المستأجر بين الفسخ فيرجع على
المؤجر بالأجرة إن كان قد دفعها إليه والرجوع على الغاصب بأجرة المثل وإن
117

كان الغصب بعد القبض تعين الثاني، وكذلك إذا منعه الظالم من الانتفاع
بالعين المستأجرة من دون غصب العين أو منعه من قبضها فيرجع عليه
بالمقدار الذي فوته عليه من المنفعة.
مسألة 411: إتلاف المستأجر للعين المستأجرة بمنزلة قبضها
واستيفاء منفعتها فتلزمه الأجرة.
مسألة 412: إذا أتلفها المؤجر تخير المستأجر بين الفسخ والرجوع
عليه بالأجرة وبين الرجوع عليه بقيمة المنفعة.
مسألة 413: إذا أتلفها الأجنبي فإن كان بعد القبض رجع المستأجر
عليه بالقيمة وإن كان قبل القبض تخير بين الفسخ والرجوع إلى المؤجر
بالأجرة وبين الامضاء والرجوع إلى المتلف بالقيمة.
مسألة 414: لو ظهر بطلان الإجارة بعد انقضاء مدتها وجب على
المستأجر أداء أجرة المثل، فلو استأجر دارا سنة بمائة دينار وظهر بطلانا بعد
مضي المدة، فإن كانت أجرته المتعارفة خمسين دينارا لم يجب على
المستأجر أزيد من خمسين دينارا، نعم لو كانت الأجرة المتعارفة مائتي دينار
مثلا وكان المؤجر هو المالك أو وكيله المفوض إليه أمر تحديد الأجرة - وكان
عالما بأجرة المثل - لم يكن له أخذ الزائد على أجرة المسمى وهو المائة
دينارا، ولو ظهر بطلان الإجارة أثناء المدة فحكمه بالنسبة إلى ما مضى حكم
ظهور البطلان بعد تمام المدة.
مسألة 415: المواضع التي تبطل فيها الإجارة وتثبت للمالك أجرة
المثل لا فرق فيها بين أن يكون المالك عالما بالبطلان وجاهلا به.
مسألة 416: تجوز إجارة الحصة المشاعة من العين - سواء أكان
المؤجر مالكا للكل أو للجزء المشاع خاصة - لكن لا يجوز تسليمها إلى
المستأجر إلا بإذن الشريك إذا كانت العين مشتركة.
118

مسألة 417: يجوز أن يستأجر اثنان دارا أو دابة فيكونان مشتركين في
المنفعة فيقتسمانها بينهما كالشريكين في ملك العين.
مسألة 418: يجوز أن يستأجر شخصين لعمل شئ معين كحمل
متاع أو غيره أو بناء جدار أو هدمه أو غير ذلك فيشتركان في الأجرة وعليهما
معا القيام بالعمل الذي استؤجرا عليه.
مسألة 419: لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى فيجوز
أن يؤجر داره سنة مثلا متأخرة عن العقد بسنة أو أقل أو أكثر ولا بد من تعيين
مبدأ المدة، وإذا وأطلقت الإجارة ولم يذكر المبدأ انصرف إلى الاتصال.
مسألة 420: إذا آجره عينا كلية ودفع فردا منها فتلف كان على المؤجر
دفع فرد أخر.
119

فصل
في أحكام التلف
مسألة 421: العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر في مدة الإجارة
لا يضمنها إذا تلفت أو تعيبت إلا بالتعدي أو التفريط، وإذا اشترط المؤجر
ضمانها بدونهما بمعنى أداء قيمتها أو أرش عيبها صح، وأما بمعنى اشتغال
الذمة بمثلها أو قيمتها فالظاهر عدم صحة اشتراطه، كما أن الظاهر أنه لا
ضمان في الإجارة الباطلة إذا تلفت العين أو تعيبت.
مسألة 422: العين التي للمستأجر بيد الأجير الذي أجر نفسه على
عمل فيها كالثوب الذي أخذه ليخيطه لا يضمن تلفه أو نقصه إلا بالتعدي أو
التفريط.
مسألة 423: إذا اشترط المستأجر ضمان العين على الأجير بمعنى
أداء قيمتها أو أرش عيبها صح الشرط.
مسألة 424: إذا تلف محل العمل في الإجارة أو أتلفه الأجنبي قبل
العمل أو في الأثناء قبل مضي زمان يمكن فيه إتمام العمل بطلت الإجارة
ورجعت الأجرة كلا أو بعضا إلى المستأجر.
مسألة 425: إذا أتلفه المستأجر كان إتلافه بمنزلة قبضه فيستحق
الأجير عليه تمام الأجرة.
مسألة 426: إذا أتلفه الأجير كان المستأجر مخيرا بين فسخ العقد
وإمضائه فإن أمضى جاز له مطالبة الأجير بقيمة العمل الفائت.
مسألة 427: المدار في القيمة على زمان التلف.
مسألة 428: كل من أجر نفسه لعمل في مال غيره إذا أفسد ذلك
120

المال ضمنه وإن كان بغير قصده، بل وإن كان أستاذا ماهرا وقد أعمل كمال
النظر والدقة والاحتياط في شغله كالخياط والنجار والحداد أن أفسدوا.
مسألة 429: الختان إن قصر أو أخطأ في عمله كأن تجاوز عن الحد
المتعارف فتضرر الطفل أو مات كان ضامنا، وإن تضرر أو مات بأصل الختان
لم يكن عليه ضمان إذا لم يعهد إليه إلا اجراء عملية الختان - دون تشخيص
ما إذا كان الطفل يتضرر بها أم لا - ولم يكن يعلم بتضرره مسبقا.
مسألة 430: لو عالج الطبيب المريض مباشرة أو وصف له الدواء
حسب ما يراه، فاستعمله المريض أو تضرر أو مات كان ضمانه عليه وإن لم
يكن مقصرا.
مسألة 431: إذا تبرأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليه بذلك
ومات المريض وتضرر بطبابته لم يضمن إذا كان حاذقا وقد أعمل دقته واحتاط
في المعالجة.
مسألة 432: إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره فانكسر
ضمنه مع التفريط في مشيه ولا يضمنه مع عدمه، وكذلك إذا عثر فوقع ما
على رأسه على إناء غيره فكسره.
مسألة 433: إذا قال للخياط: إن كان هذا القماش يكفيني قميصا
فاقطعه فقطعه فلم يكفه ضمن، وأما إذا قال له: هل يكفيني قميصا فقال:
نعم، فقال: اقطعه، فقطعه فلم يكفه فالظاهر أنه لا ضمان إذا كان الخياط
مخطئا في اعتقاده.
مسألة 434: إذا استأجر دابة لحمل متاع فعثرت فتلف أو نقص فلا
ضمان على صاحبها إلا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب غير متعارف، وإذا
كان غيره السبب كان هو الضامن.
مسألة 435: إذا استأجر سفينة أو سيارة لحمل متاع فنقص أو سرق
121

لم يضمن صاحبها ولو شرط عليه أداء قيمة التالف أو أرش النقص صح
الشرط ولزم العمل به.
مسألة 436: إذا حمل السيارة المستأجرة أكثر من المقدار المقرر
بينهما بالشرط أو لأجل التعارف فتلف أو تعيبت ضمن ذلك وعليه أجرة المثل
للزيادة مضافة إلى الأجرة المسماة، وكذا إذا استأجرها لنقل المتاع مسافة
معينة فزاد على ذلك.
مسألة 437: إذا استأجر سيارة لحمل متاعه مسافة معينة فأركبها عائلته
مثلا أو بالعكس لزمته الأجرة المسماة وما به التفاوت بينها وبين أجرة المثل
للمنفعة المستوفاة إن كان، فلو استأجرها للحمل بخمسة دراهم فركبها
وكانت أجرة الركوب عشرة دراهم لزمته العشرة، ولو لم يكن تفاوت بينهما لم
تلزم عليه إلا الأجرة المسماة، وكذا الحكم في أمثاله مما كانت فيه المنفعة المستوفاة
فيه مضادة للمنفعة المقصودة بالإجارة، هذا في الإجارة الواقعة على
الأعيان كالدار والسيارة وأما في الإجارة الواقعة على الأعمال كما إذا استأجره
لكتابة فاستعمله في الخياطة فللأجير أجرة المثل بما عمله خاصة، نعم مع
تعمد المستأجر وغفلة الأجير واعتقاده أنه العمل المستأجر عليه يجري عليه
نظير ما تقدم في إجارة الأعيان.
مسألة 438: إذا استأجر العامل للخياطة فاشتغل العامل بالكتابة
للمستأجر - من دون أمر منه - عمدا أو خطأ تخير المستأجر بين فسخ العقد
فلا يستحق العامل حينئذ شيئا عليه وبين الابقاء عليه فيستحق الأجرة
المسماة وله مطالبته بأجرة المثل للعمل الفائت.
مسألة 439: إذا أجر سيارته لحمل متاع زيد فحملها متاع عمرو لم
يتسحق أجرة على عمرو، كما لا يستحق أجرة على زيد إذا اختار فسخ العقد
وإلا استحق عليه الأجرة المسماة وله حينئذ مطالبته بأجرة المثل للعمل
الفائت.
122

مسألة 440: إذا استأجر سيارة معينة من زيد للركوب إلى مكان معين
فسلمها إليه ولكنه ركب غيرها عمدا أو خطأ لزمته الأجرة المسماة للأولى وأجرة
المثل للثانية، وإذا اشتبه فركب سيارة عمرو لزمته أجرة المثل لها مضافة إلى
الأجرة المسماة لسيارة زيد.
مسألة 441: إذا استأجر سفينة لحمل الخل المعين مسافة معينة
فحملها خمرا مع الخل المعين استحق المالك عليه الأجرة المسماة وأجرة
المثل لحمل الخمر لو فرض أنه كان حلالا.
مسألة 442: يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها أو
يكبحها باللجام على النحو المتعارف إلا مع اشتراط عدمه في ضمن العقد
- أو ما هو بحكم الاشتراط - وإذا تعدى عن المتعارف أو مع اشتراط العدم
ضمن نقصها أو تلفها وفي صورة الجواز لا ضمان للنقص على الأقوى.
مسألة 443: صاحب الحمام لا يضمن الثياب أو نحوها لو سرقت إلا
إذا جعلت عنده وديعة وقد تعدى أو فرط.
مسألة 444: إذا استؤجر لحراسة متاع فسرق لم يضمن إلا مع
التقصير في الحراسة، والظاهر أن غلبة النوم اتفاقا مع مكافحته لا تعد من
التقصير، نعم إذا اشترط عليه أداء القيمة إذا سرق المتاع وجب الوفاء به،
والظاهر استحقاقه الأجرة مع عدم التقصير وقيامه بالحراسة على النحو
المتعارف، إلا إذا اشترط عليه اسقاطها مع حدوث السرقة.
مسألة 445: إنما يجب تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر إذا
توقف استيفاء المنفعة على تسليمها كما في إجارة آلات النساجة والنجارة
والخياطة أو كان المستأجر قد اشترط ذلك وإلا لم يجب، فمن استأجر سفينة
للركوب لم يجب على المؤجر تسليمها إليه.
123

مسألة 446: يكفي في صحة الإجارة أن يكون للمؤجر حق التصرف
في المنفعة بتمليكها للغير ولا يتوقف ذلك على كونه مالكا للعين، فيجوز
للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة من المؤجر أو من غيره إلا إذا اشترط عليه
عدم إيجارها صريحا أو كان الايجار غير متعارف خارجا بحيث أغنى ذلك
عن التصريح باشتراط عدمه. وإذا جاز إيجارها من الغير فض جواز تسليمها
إليه من دون رضا المالك المستكشف ولو من قرائن الحال اشكال، وعلى
هذا فلو استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع مدة معينة فأجرها في تلك المدة
أو في بعضها من آخر صح ولكن لا يسلمها إليه بل يكون هو معها وإن ركبها
ذلك الآخر أو حملها متاعه. هذا إذا كانت الإجارة مطلقة وأما إذا كانت مقيدة
كما إذا استأجر دارا بشرط أن ينتفع بها هو بنفسه فيجوز له إيجارها على نحو
يرجع الانتفاع به إليه كأن تستأجر المرأة دارا ثم تتزوج فتؤجر الدار لبعلها
لسكناها، وأما إيجارها على وجه ينتفع به الغير فلا يجوز، فإذا أجرها كذلك
بطلت الإجارة فإذا استوفى المستأجر الثاني منافعها وكان عالما بالفساد كان
آثما وتلزم المستأجر الأول للمالك الأجرة المسماة في الإجارة الأولى وما به
التفاوت بينها وبين أجرة المثل للمنفعة المستوفاة إن كان، وأما المستأجر
الثاني ففي كونه ضامنا للمالك أو للمستأجر الأول بشئ اشكال بلا فرق في
ذلك بين كونه عالما بالفساد وكونه جاهلا به.
مسألة 447: إذا أجر الدار للسكنى مثلا واشترط على المستأجر
استيفاء المنفعة بنفسه أو أن لا يؤجرها من غيره فأجرها قيل: بطلت الإجارة،
فإذا استوفى المستأجر الثاني المنفعة كان ضامنا للمستأجر الأول أجرة المثل
لا للمالك ولكن الأظهر صحة الإجارة وثبوت الخيار للمالك في فسخ عقده
ومطالبة المستأجر الأول بأجرة المثل.
مسألة 448: إذا استأجر الدكان مثلا مدة فانتهت وجب عليه ارجاعه
124

إلى المالك ولم يجز له البقاء فيه من دون رضاه، كما لا يجوز له ايجاره من
ثالث إلا بإذنه لا يجوز، له أيضا أخذ مال من ثالث إزاء تخليته المسمى في
عرفنا ب‍ (السرقفلية) إلا إذا كان له شرط على المالك كما سيأتي، وإذا مات
المستأجر والحال هذه لم يجز لوارثه أخذ السرقفلية من المستأجر الجديد،
نعم إذا تبرع المستأجر بدفع مبلغ إلى الوارث جاز له أخذه ولم يجب عليه
اخراج الثلث للميت منه إذا كان قد أوصى باخراج ثلثه إلا إذا كان التبرع
مشروطا باخراج الثلث.
مسألة 449: إذا أخذ المالك مبلغا من المال من المستأجر واشترط له
على نفسه في عقد الإجارة أو في عقد لازم آخر أن يجدد الايجار سنويا
للمستأجر أو لمن يعينه مباشرة أو مع الواسطة جاز للمستأجر حينئذ أن يأخذ
السرقفلية أي يأخذ إزاء تنازله عن حقه للغير مبلغا يساوي ما دفعه إلى المالك
أو أكثر أو أقل.
وكذا الحال لو اشترط المالك للمستأجر على نفسه أن يكون له أو لمن
يعينه مباشرة أو بوساطة حق اشغال المحل والاستفادة منه إزاء مبلغ معين
سنويا أو بالقيمة المتعارفة في كل سنة. وإذا مات المستأجر والحال هذه كان
حقه في أخذ السرقفلية موروثا لوارثه ووجب اخراج ثلثه إذا كان قد أوصى به،
كما أن حقه هذا إذا كان قد اشتراه من أرباح سنته يجب عليه اخراج خمسه
في نهاية السنة بقيمته وربما زادت القيمة وربما نقصت وربما ساوت ما
دفعه.
مسألة 450: يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها
أن يؤجر العين المستأجرة بأقل قيمة مما استأجرها به وبالمساوي، وكذا
بالأكثر منه إذا أحدث فيها حدثا أو غرم فيها غرامة ولو لحفظها وصيانتها وإلا
لم يجز له ذلك، هذا في الدار والسفينة والحانوت وكذا الحال في غيرها من
125

الأعيان المستأجرة حتى الأراضي الزراعية على الأحوط، ولا فرق في عدم
جواز الايجار بالأزيد بين أن يؤجرها بنفس الجنس الذي استأجرها به أو بغير
ذلك الجنس سواء كان من النقود أم من غيرها على الأظهر.
مسألة 451: لا يجوز أن يؤجر بعض أحد هذه الثلاثة بل ولا غيرها
أيضا على الأحوط بأكثر من الأجرة كما إذا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن
بعضها وأجر البعض الآخر بأكثر من عشرة دراهم إلا أن يحدث فيها حدثا
كالترميم، وأما إذا أجره بأقل من العشرة فلا إشكال والأقوى الجواز بالعشرة
أيضا.
مسألة 452: إذا استؤجر على عمل من غير تقييد بالمباشرة ولا مع
الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الأجرة أو الأكثر ولا
يجوز بالأقل قيمة منها إلا إذا أتى ببعض العمل ولو قليلا كما إذا تقبل خياطة ثوب
بدرهمين ففصله أو خاط منه شيئا ولو قليلا فإنه يجوز أن يستأجر غيره على
خياطته بدرهم، وفي الاكتفاء في جواز الاستئجار بالأقل بشراء الخيوط والإبرة
اشكال.
مسألة 453: في الموارد التي يتوقف العمل المستأجر عليه على
تسليم العين إلى الأجير إذا جاز للأجير أن يستأجر غيره على العمل الذي
استؤجر عليه لم يجز له على الأحوط أن يسلم العين إلى الأجير الثاني إلا
برضا المالك نظير ما تقدم في تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر الثاني.
مسألة 454: إذا استؤجر للعمل بنفسه مباشرة ففعله غيره بطلت
الإجارة ولم يستحق العامل ولا الأجير الأجرة، وكذلك إذا استؤجر على عمل
في ذمته لا بقيد المباشرة ففعله غيره لا بقصد التبرع عنه وأما إذا فعله بقصد
التبرع عنه كان أداء للعمل المستأجر عليه واستحق الأجير الأجرة.
مسألة 455: إجارة الأجير على قسمين:
126

الأول: أن تكون الإجارة واقعة على منفعته الخارجية من دون اشتغال
ذمته بشئ نظير إجارة الدابة والدار ونحوهما من الأعيان المملوكة.
الثاني: أن تكون الإجارة واقعة على عمل في الذمة فيكون العمل
المستأجر عليه دينا في ذمته كسائر الديون، وسيأتي أحكامهما في المسائل
الآتية.
مسألة 456: إذا آجر نفسه وكانت الإجارة واقعة على جميع منافعه
الخارجية في مدة معينة لا يجوز له في تلك المدة العمل لنفسه ولا لغيره لا
تبرعا ولا بإجارة، ولا بجعالة نعم لا بأس ببعض الأعمال التي تنصرف عنها
الإجارة ولا تشملها ولا تكون منافية لما شملته كما إنه إذا كان مورد الإجارة
أو منصرفها الاشتغال بالنهار مثلا فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في
الليل له أو لغيره تبرعا أو بإجارة أو جعالة إلا إذا أدى إلى ضعفه في النهار عن
القيام بما استؤجر عليه، فإذا عمل في المدة المضروبة في الإجارة بعض
الأعمال المشمولة لها فإن كان العمل لنفسه تخير المستأجر بين فسخ الإجارة
واسترجاع تمام الأجرة وبين ابقاء الإجارة ومطالبته بقيمة العمل الذي عمله
لنفسه وكذا إذا عمل لغيره تبرعا، ولكن في هذه الصورة إذا كان عمله للغير
بأمر من ذلك الغير يجوز له أيضا مطالبة ذلك الغير بقيمة العمل الذي
استوفاه، وأما إذا عمل لغيره بعنوان الإجارة أو الجعالة فله الخيار بين الأمور
الثلاثة وبين امضاء الإجارة أو الجعالة وأخذ الأجرة أو الجعل المسمى فيها،
ثم إذا اختار المستأجر فسخ الإجارة الأولى في جميع الصور المذكورة ورجع
بالأجرة المسماة فيها وكان قد عمل الأجير بعض العمل للمستأجر كان له
عليه أجرة المثل.
مسألة 457: إذا آجر نفسه وكانت الإجارة واقعة على منفعة خارجية
معينة وعمل مخصوص بالمباشرة كالخياطة في مدة معينة فليس له أن يعمل
127

ذلك العمل لنفسه ولا لغيره لا تبرعا ولا بإجارة ولا بجعالة فإذا خالف وعمل
لنفسه تخير المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الأجرة وبين ابقاء
الإجارة ومطالبته بقيمة العمل الذي عمله لنفسه، وإن عمل لغيره تبرعا بأمره
من ذلك الغير تخير بين الأمرين المذكورين وبين مطالبته ذلك الغير بقيمة
العمل الذي استوفاه، وإن عمل لغيره بإجارة أو جعالة تخير بين الأمور الثلاثة
وبين امضاء الإجارة أو الجعالة وأخذ الأجرة أو الجعل المسمى فيها، وفي
مفروض المسألة لا مانع من أن يعمل لنفسه أو لغيره بإجارة أو جعالة غير ذلك
العمل إذا لم يكن منافيا له، فإذا آجر نفسه في يوم معين للصوم عن زيد جاز
له أن يخيط لنفسه أو لغيره بإجارة أو جعالة وله الأجر أو الجعل المسمى، وأما
إذا كان منافيا له كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة تخير المستأجر
بين فسخ الإجارة والمطالبة بقيمة العمل المستأجر عليه الذي فوته على
المستأجر.
مسألة 458: إذا آجر نفسه وكانت الإجارة واقعة على عمل في الذمة
في وقت معين فتارة تؤخذ المباشرة قيدا وأخرى شرطا، وعلى التقديرين يجوز
له كل عمل لا ينافي الوفاء بالإجارة ولا يجوز له ما ينافيه سواء أكان من نوع
العمل المستأجر عليه أم من غيره، وإذا عمل ما ينافيه فإن كانت المباشرة قيدا
تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين المطالبة بقيمة العمل الفائت
المستأجر عليه، وإن كانت المباشرة شرطا تخير بين فسخ الإجارة وبين الغاء
شرطه فيجب على الأجير العمل له لا بنحو المباشرة.
وإذا آجر نفسه لما ينافيه فإن كانت المباشرة قيدا بطلت الإجارة
واستحق الأجير على من عمل له أجرة المثل وكان المستأجر الأول مخيرا بين
فسخ الإجارة الأولى ومطالبته بقيمة العمل الفائت، وإن كانت المباشرة شرطا
تخير المستأجر الأول بين فسخ الإجارة الأولى وبين الغاء شرطه فإن ألغى
128

شرطه وجب عدا الأجير العمل له لا بنحو المباشرة والعمل للمستأجر الثاني
بنحو المباشرة.
129

فصل
في مسائل متفرقة
مسألة 459: لا تجوز إجارة الأرض للزرع بما يحصل منها كحنطة أو
شعير مقدارا معينا كما لا تجوز إجارتها بالحصة من زرعها مشاعة ربعا أو
نصفا ولا تجوز أيضا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من الحبوب في
الذمة مشروطا بأن تدفع من حاصلها، نعم إذا كان الحاصل موجودا فعلا
تصح الإجارة.
مسألة 460: تجوز إجارة حصة مشاعة من أرض معينة كما تجوز
إجارة حصة منها على نحو الكلي في المعين.
مسألة 461: لا تجوز إجارة الأرض مدة طويلة لتوقف مسجدا ولا
تترتب آثار المسجد عليها، نعم تجوز إجارتها لتعمل مصلى يصلى فيه أو
يتعبد فيه أو نحو ذلك من أنواع الانتفاع ولا تترتب عليها أحكام المسجد.
مسألة 462: يجوز استيجار الشجرة لفائدة الاستظلال ونحوه كربط
الدواب ونشر الثياب، ويجوز استيجار البستان لفائدة التنزه.
مسألة 463: يجوز استيجار الانسان للاحتطاب والاحتشاش
والاستقاء ونحوها، فإن كانت الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة وحدها أو
مع غيرها ملك المستأجر العين المحازة إذا كان قد قصد تملكها، وإلا فهو
أولى بها من غيره ولا عبرة - على كل حال - بقصد الأجير حيازتها لنفسه أو
لشخص آخر غير المستأجر، وإن كانت واقعة على العمل في الذمة فإن قصد
الأجير تطبيق العمل المملوك عليه على فعله الخاص بأن كان في مقام الوفاء
بعقد الإجارة ملك المستأجر المحاز أيضا - على ما تقدم - وإن لم يقصد
130

ذلك بل قصد الحيازة لنفسه أو غيره فيما يحق الحيازة له كان المحاز ملكا
لمن قصد الحيازة له - على ما تقدم - وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالأجرة
المسماة، والامضاء والرجوع بقيمة العمل المملوك له بالإجارة الذي فوته عليه.
مسألة 464: يجوز استيجار المرأة للارضاع بل للرضاع أيضا بمعنى
ارتضاع اللبن وإن لم يكن بفعل منها أصلا مدة معينة ولا يعتبر في صحة
إجارتها لذلك إذن الزوج ورضاه، نعم لو أوجب ذلك تضييع حقه توقفت صحة
الإجارة على إجازته. ولا بد من معرفة الصبي الذي استؤجرت لارضاعه ولو
بالوصف على نحو ترتفع الجهالة كما لا بد من معرفة المرضعة كذلك كما
لا بد أيضا من معرفة مكان الرضاع وزمانه إذا كانت تختلف المالية
باختلافهما.
مسألة 465: لا بأس باستئجار الشاة والمرأة مدة معينة للانتفاع بلبنها
الموجود في ثديها فعلا وما يتكون فيها بعد الايجار، وكذلك الحال في استيجار
الشجرة للثمرة والبئر للاستقاء.
مسألة 466: تجوز الإجارة لكنس المسجد، والمشهد، ونحوهما
وإشعال سراجهما ونحو ذلك.
مسألة 467: تجوز الإجارة للنيابة عن الميت في العبادات الواجبة
عليه نظير الصلاة والصيام والحج، ولا يجوز ذلك عن الحي إلا في الحج عن
المستطيع العاجز عن المباشرة أو عمن استقر عليه الحج ولا يتمكن من
المباشرة.
مسألة 468: تجوز الإجارة عن الحي والميت في جميع المستحبات
العبادية وعن الحي في بعضها كالحج المندوب وزيارة الأئمة عليهم السلام
وما يتبعهما من الصلاة، وتجوز أيضا الإجارة على أن يعمل الأجير عن نفسه
ويهدي ثواب عمله إلى غيره.
131

مسألة 469: إذا أمر غيره بإتيان عمل فعمله المأمور فإن قصد المأمور
التبرع لم يستحق أجرة وإن كان من قصد الآمر دفع الأجرة، وإن قصد الأجرة
استحقها، وإن كان من قصد الآمر التبرع إلا أن تكون قرينة على قصد
المجانية كما إذا جرت العادة على فعله مجانا أو كان المأمور ممن ليس من
شأنه فعله بأجرة أو نحو ذلك مما يوجب ظهور الطلب في مجانية الفعل.
مسألة 470: إذا استأجره على الكتابة أو الخياطة فمع إطلاق الإجارة
يكون المداد والخيوط على الأجير، وكذا الحكم في جميع الأعمال المتوقفة
على بذل عين فإنها لا يجب بذلها على المستأجر إلا أن يشترط كونها عليه
أو تقوم القرينة على ذلك.
مسألة 471: يجوز استيجار الشخص للقيام بكل ما يراد منه مما يكون
مقدورا له ويتعارف قيامه به، والأقوى أن نفقته حينئذ على نفسه لا على
المستأجر إلا مع الشرط أو قيام القرينة ولو كانت هي العادة.
مسألة 472: يجوز أن يستعمل العامل ويأمره بالعمل من دون تعيين
أجرة ولكنه مكروه، ويكون عليه أجرة المثل لاستيفاء عمل العامل وليس من
باب الإجارة.
مسألة 473: إذا استأجر أرضا مدة معينة فغرس فيها أو زرع ما يبقى
بعد انقضاء تلك المدة فإذا انقضت المدة جاز للمالك أن يأمره بقلعه وكذا
إذا استأجرها لخصوص الزرع أو الغرس، وليس له الابقاء بدون رضا المالك
وإن بذل الأجرة، كما أنه ليس له المطالبة بالأرش إذا نقص بالقلع، وأما إذا
غرس ما لا يبقى فاتفق بقاؤه لبعض الطوارئ ففي جواز اجباره على قلعه وعدم
وجوب الصبر على المالك ولو مع الأجرة اشكال.
مسألة 474: خراج الأرض المستأجرة - إذا كانت خراجية - على
المالك، نعم إذا شرط أن تكون على المستأجر صح على الأقوى.
132

مسألة 475: لا بأس بأخذ الأجرة على ذكر مصيبة سيد الشهداء (عليه
السلام) وفضائل أهل البيت عليهم السلام والخطب المشتملة على المواعظ
ونحو ذلك مما له فائدة عقلائية دينية أو دنيوية.
مسألة 476: لا تجوز الإجارة على تعليم الحلال والحرام وتعليم
الواجبات مثل الصلاة والصيام وغيرهما مما هو محل الابتلاء على الأحوط
وجوبا، بل إذا لم يكن محل الابتلاء فلا يخلو عن إشكال أيضا وإن كان
الأظهر الجواز فيه.
ولا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم على
الأحوط.
نعم الظاهر أنه لا بأس بأخذ الأجرة على حفر القبر على نحو خاص
من طوله وعرضه وعمقه. أما أخذ الأجرة على مسمى حفر القبر اللازم فلا
يجوز ولا تصح الإجارة عليه على الأحوط.
مسألة 477: إذا بقيت أصول الزرع في الأرض المستأجرة للزراعة
بعد انقضاء مدة الإجارة فنبتت فإن أعرض المالك عنها وأباحها للآخرين
فهي لمن سبق إليها وتملكها بلا فرق بين مالك الأرض وغيره، نعم لا يجوز
الدخول في الأرض إلا بإذنه، وإن لم يعرض عنها فهي له.
مسألة 478: إذا أستأجر شخصا لذبح حيوان فذبحه على غير الوجه
الشرعي فصار حراما ضمن، وكذا لو تبرع بلا إجارة فذبحه كذلك.
مسألة 479: إذا استأجر شخصا لعمل في ذمته - كخياطة ثوب معين -
لا بقيد المباشرة فخاطه غيره تبرعا عنه استحق الأجير الأجرة المسماة لا
العامل، وإذا خاطه لا بقصد التبرع عنه بطلت الإجارة كما تقدم.
هذا فيما إذا لم تكن الخياطة من غير الأجير بأمر من المستأجر أو
بإجارته ثانية وإلا فالظاهر أن الأجير يستحق الأجرة لأن التفويت حينئذ مستند
133

إلى المستأجر نفسه كما إذا كان هو الخائط.
وأما الخائط فيستحق على المالك أجرة المثل إن خاط بأمره، وأما إذا
كان قد استأجره ثانية للخياطة فقيل أن الإجارة الثانية باطلة ويكون للخائط
أجرة المثل ولكن الأظهر صحتها واستحقاق الأجير الأجرة المسماة.
وإن خاط بغير أمره ولا إجازته لم يستحق عليه شيئا وإن اعتقد أن
المالك أمره بذلك.
مسألة 480: إذا استأجره ليوصل متاعه إلى بلد كذا في مدة معينة
فسافر بالمتاع وفي أثناء الطريق حصل مانع عن الوصول بطلت الإجارة، فإن
كان المستأجر عليه نفس إيصال المتاع لم يستحق شيئا وإن كان هو السير
بالمتاع في مجموع تلك المسافة على نحو تعدد المطلوب استحق من الأجرة
بنسبة ما قطع من المسافة إلى مجموعها، أما إذا كان على نحو وحدة
المطلوب فالأظهر عدم استحقاقه شيئا.
مسألة 481: إذا كان للأجير الخيار في الفسخ لغبن أو تخلف شرط
أو وجود عيب في الأجرة مثلا أو غيرها فإن فسخ قبل الشروع في العمل فلا
شئ له، وإن كان بعد تمام العمل كان له أجرة المثل، وإن كان في أثنائه
استحق بمقدار ما أتى به من أجرة المثل إلا إذا كان مجموع العمل ملحوظا
بنحو وحدة المطلوب كما إذا استأجره على الصلاة أو الصيام فإنه لو فسخ في
الأثناء لم يكن له شئ، وكذا إذا كان الخيار للمستأجر ويحتمل بعيدا أنه إذا
كان المستأجر عليه هو المجموع على نحو وحدة المطلوب ففسخ المستأجر
في الأثناء - كما إذا استأجره على الصلاة ففسخ في أثنائها - أن يستحق الأجير
بمقدار ما عمل من أجرة المثل.
مسألة 482: إذا استأجر عينا مدة معينة ثم إشتراها في أثناء المدة
فالإجارة باقية على صحتها، وإذا باعها في أثناء المدة ففي تبعية المنفعة للعين
وجهان أقواهما ذلك.
134

مسألة 483: تجوز إجارة الأرض مدة معينة بتعميرها دارا أو تعميرها
بستانا بكري الأنهار، وتنقية الآبار، وغرس الأشجار ونحو ذلك، ولا بد من
تعيين مقدار التعمير كما وكيفا.
مسألة 484: تجوز الإجارة على الطبابة ومعالجة المرضى سواء
أكانت بمجرد وصف العلاج أم بالمباشرة كجبر الكسير وتضميد القروح
والجروح ونحو ذلك.
مسألة 485: تجوز المقاطعة على العلاج بقيد البرء إذا كانت العادة
تقتضي ذلك كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدمات
غير اختيارية للأجير وكانت توجد حينها عادة.
مسألة 486: إذا أسقط المستأجر حقه من العين المستأجرة لم يسقط
وبقيت المنفعة على ملكه.
مسألة 487: لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا
من بلد الميت إلى (النجف) مثلا وآخر من (النجف) إلى (المدينة) وثالثا من
المدينة إلى (مكة) بل لا بد من أن يستأجر من يسافر من البلد بقصد الحج
إلى أن يحج.
مسألة 488: إذا استؤجر للصلاة عن الميت فنقص بعض الأجزاء أو
الشرائط غير الركنية سهوا، فإن كانت الإجارة على الصلاة الصحيحة كما هو
الظاهر عند الاطلاق استحق تمام الأجرة وكذا إذا كانت على نفس الأعمال
المخصوصة وكان النقص على النحو المتعارف، وإن كان على خلاف
المتعارف فإن كان الاشتمال على تمام الأجزاء قيدا مخصصا للعمل
المستأجر عليه لم يستحق الأجير شيئا وإن كان شرطا من ضمن العقد فظاهر
الشرط جعل الخيار للمستأجر عنه تخلفه فلو فسخ فعليه للأجير أجرة المثل،
نعم مع وجود قرينة على لحاظه على نحو تنبسط الأجرة عليه نقص منها
بالنسبة.
135

مسألة 489: إذا استؤجر لختم القرآن الشريف كان منصرفا إلى ما هو
المتعارف وهو القراءة مع مراعاة الترتيب بين السور بعضها مع بعض وبين
آيات السور وكلماتها، وإذا قرأ بعض الكلمات غلطا والتفت إلى ذلك بعد
الفراغ من السورة أو الختم، فإن كان بالمقدار المتعارف لم ينقص من الأجرة
شئ، وإن كان بالمقدار غير المتعارف فالأقرب إمكان تداركه بقراءة ذلك
المقدار صحيحا وإن كان الأحوط للأجير أن يقرأ السورة من مكان الغلط إلى
آخرها.
مسألة 490: إذا استؤجر للصلاة عن (زيد) فاشتبه وصلى عن (عمرو)
فإن كان على نحو الخطأ في التطبيق بأن كان مقصوده الصلاة عمن استؤجر
للصلاة عنه فأخطأ في اعتقاده أنه عمرو صح عن زيد واستحق الأجرة، وإن
كان على نحو آخر لم يستحق الأجرة ولم يصح عن زيد.
مسألة 491: الموارد التي يجوز فيها استئجار البالغ للنيابة في
العبادات المستحبة يجوز فيها أيضا استئجار الصبي.
والله سبحانه العالم.
136

كتاب المزارعة
المزارعة هي: (الاتفاق بين مالك التصرف في الأرض والزارع على
زرع الأرض بحصة من حاصلها).
مسألة 492: يعتبر في المزارعة أمور:
(الأول): الايجاب من المالك والقبول من الزارع بكل ما يدل على
تسليم الأرض للزراعة وقبول الزارع لها من لفظ كقول المالك للزارع مثلا
(سلمت إليك الأرض لتزرعها) فيقول الزارع (قبلت) أو فعل دال على تسليم
الأرض للزارع وقبول الزارع لها من دون كلام، ولا يعتبر في صيغتها العربية
والماضوية كما لا يعتبر تقديم الايجاب على القبول ولا يعتبر أن يكون الايجاب
من المالك والقبول من الزارع بل يجوز العكس.
(الثاني): أن يكون كل من المالك والزارع بالغا وعاقلا ومختارا وغير
محجور عليه لسفه أو فلس، نعم لا بأس أن يكون الزارع محجورا عليه
لفلس إذا لم تستلزم المزارعة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
(الثالث): أن يجعل لكل منهما نصيب من الحاصل وأن يكون محددا
بالكسور كالنصف والثلث، فلو لم يجعل لأحدهما نصيب أصلا، أو عين له
مقدار معين كعشرة أطنان، أو جعل نصيبه ما يحصد في الأيام العشرة الأولى
من الحصاد والبقية للآخر لم تصح المزارعة.
(الرابع): أن يجعل الكسر مشاعا في جميع حاصل الأرض - على
الأحوط - وإن كان الأظهر عدم اعتبار ذلك، فلا بأس أن يشترط اختصاص
أحدهما بنوع - كالذي يحصد أولا - والآخر بنوع آخر فلو قال المالك (ازرع
ولك النصف الأول من الحاصل، أو النصف الحاصل من القطعة الكذائية)
137

صحت المزارعة.
(الخامس): تعيين المدة بالأشهر أو السنين أو الفصول بمقدار يمكن
حصول الزرع فيه وعليه فلو جعل آخر المدة إدراك الحاصل بعد تعيين أولها
كفى في الصحة.
(السادس): أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والاصلاح، وأما
إذا لم تكن كذلك كما إذا كانت الأرض سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو نحوها
بطلت المزارعة.
(السابع): تعيين المزروع من حيث نوعه، وإنه حنطة أو شعير أو رز
أو غيرها، وكذا تعيين صنفه إذا كان للنوع صنفان فأكثر تختلف فيها
الأغراض، ويكفي في التعيين الانصراف المغني عن التصريح - لتعارف أو
غيره - ولو صرحا بالتعميم أو كانت قريبة عليه صح ويكون للزارع حق اختيار
أي نوع أو صنف شاء.
(الثامن): تعيين الأرض فيما إذا كانت للمالك قطعات مختلفة في
مستلزمات الزراعة وسائر شؤونها، فلو لم يعين واحدة منها والحال هذه بطلت
المزارعة، وأما مع التساوي فالأظهر الصحة وعدم الحاجة إلى التعيين في
العقد، وأما بعده فيكون التعيين بيد المالك.
(التاسع): تعيين ما عليهما من المصارف كالبذر ونحوه بأن يجعل
على أحدهما أو كليهما، ويكفي في ذلك المتعارف الخارجي لانصراف
الاطلاق إليه.
مسألة 493: يجوز للعامل أن يزرع الأرض بنفسه أو بغيره أو بالشركة
مع غيره هذا فيما إذا لم يشترط المالك عليه المباشرة وإلا لزم أن يزرع بنفسه.
مسألة 494: لو أذن شخص لآخر في زرع أرضه على أن يكون
الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما صح ذلك مزارعة على الأظهر
138

ولكنها تختلف عن المزارعة المصطلحة في بعض الأحكام، وكذلك الحال
لو أذن لكل من يتصدى للزرع وإن لم يعين شخصا معينا بأن يقول: لكل
من زرع أرضي هذه نصف حاصلها أو ثلثه.
مسألة 495: لو اتفق المالك مع الزارع على أن يكون مقدار من
الحاصل كخمسة أطنان لأحدهما، ويقسم الباقي بينهما بنسبة معينة بطلت
المزارعة وإن علما ببقاء شئ من الحاصل بعد استثناء ذلك المقدار، نعم لو
اتفقا على استثناء مقدار الخراج وكذا مقدار البذر لمن كان منه صحت على الأظهر.
مسألة 496: إذا عين المالك نوعا خاصا من الزرع من حنطة أو شعير
أو نحو ذلك في ضمن عقد المزارعة تعين ذلك على الزارع فلا يجوز له
التعدي عنه ولكن لو تعدى إلى غيره وزرع نوعا آخر منه فللمالك الخيار بين
الفسخ والامضاء فإن أمضاه أخذ حقه وإن فسخ رجع على العامل بأجرة مثل
المنفعة الفائتة للأرض، ويكون الحاصل للعامل إن كان البذر له، وإن كان
البذر للمالك فله المطالبة ببدله أيضا وعلى تقدير بذل البدل يكون الحاصل
للعامل أيضا وليست له مطالبة المالك بأجرة العمل مطلقا.
هذا إذا علم المالك بذلك بعد بلوغ الحاصل وأما إذا علم به قبل
بلوغه فإن كان البذر للعامل فللمالك مطالبته ببدل المنفعة الفائتة والزام
بقطع الزرع ولهما أن يتراضيا على إبقائه بعوض أو مجانا، وأما إذا كان البذر
للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وبدل البذر أيضا ومع بذله يكون
الزرع للعامل فيجري فيه ما تقدم.
هذا إذا كان التعيين على نحو الاشتراط وأما إذا كان على نحو التقييد
بطلت المزارعة، وحكمه ما تقدم في فرض الفسخ.
مسألة 497: إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع فإن كان البذر
139

للمالك كان الزرع له وعليه للزارع ما صرفه من الأموال وكذا أجرة عمله وأجرة
الآلات التي استعملها في الأرض، وإن كان البذر للزارع فالزرع له وعليه
للمالك أجرة الأرض وما صرفه المالك وأجرة آلاته التي استعملت في ذلك الزرع.
مسألة 498: إذا كان البذر للزارع فظهر بطلان المزارعة بعد الزرع
ورضي المالك والزارع ببقاء الزرع من الأرض بأجرة أو مجانا فلا اشكال،
وإن لم يرض المالك بذلك قيل أن له اجبار الزارع على إزالة الزرع وإن لم
يدرك الحاصل وليس للزارع اجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض ولو
بأجرة، ولكنه لا يخلو عن اشكال، وليس للمالك اجبار الزارع على ابقاء
الزرع في الأرض ولو مجانا لو أراد قلعه.
مسألة 499: إذا حددا لمزارعة أمدا معينا يدرك الزرع خلاله عادة
فانقض ولم يدرك، فإن لم يكن للتحديد المتفق عليه بينهما اطلاق يشمل
صورة عدم ادراك الزرع على خلاف العادة ألزم المالك ببقاء الزرع في
الأرض إلى حين الادراك، وإن كان له اطلاق من هذا القبيل فمع تراضي
المالك والزارع على بقاء الزرع - بعوض أو مجانا - لا مانع منه، وإن لم يرض
المالك به فله أن يجبر الزارع على إزالته وإن تضرر الزارع بذلك، وليس
للزارع اجبار المالك على بقاء الزرع ولو بأجرة.
مسألة 500: يصح أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا على ذمته أو
في الخارج من ذهب أو فضة أو نحوهما مضافا إلى حصته.
مسألة 501: المزارعة عقد لازم لا ينفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار
الشرط أو بخيار تخلف بعض الشروط المشترطة فيه ولا ينفسخ بموت أحدهما
فيقوم الوارث مقامه، نعم ينفسخ بموت الزارع إذا قيدت المزارعة بمباشرته
للعمل، ولا تنفسخ به إذا كانت المباشرة شرطا فيها وإن كان للمالك حق
فسخها حينئذ، وإذا كان العمل المستحق على الزارع كليا مشروطا بمباشرته
140

لم ينفسخ بموته - وإن كان للمالك حق فسخها - كما لا تنفسخ إذا مات
الزارع بعد الانتهاء مما عليه من العمل مباشرة ولو قبل ادراك الزرع فتكون
حصته من الحاصل لورثته، كما أن لهم سائر حقوقه، ويحق لهم أيضا اجبار
المالك على بقاء الزرع في أرضه حتى انتهاء مدة الزراعة.
مسألة 502: إذا ترك الزارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتى
انقضت المدة فإن كانت الأرض في تصرفه ضمن أجرة المثل للمالك، ولا
فرق في ضمانه في هذه الصورة بين أن يكون المالك عالما بالحال وأن يكون
غير عالم، وإن لم تكن الأرض تحت يده بل كانت تحت يد المالك فحينئذ إن
كان المالك مطلعا على ذلك فالظاهر عدم ضمان الزارع وإن لم يكن المالك
مطلعا فالظاهر ضمانه، هذا إذا لم يكن ترك الزرع لعذر عام كانقطاع الماء
عن الأرض أو تساقط الثلوج الكثيرة عليها وإلا كشف ذلك عن بطلان المزارعة.
مسألة 503: يجوز لكل من المالك والزارع أن يتقبل أحدهما حصة
صاحبه بعد خرصها بمقدار معين بشرط رضا الآخر به وعليه فيكون الزرع له
وللآخر المقدار المعين، ولا فرق في ذلك بين كون المقدار المتقبل به من
الزرع أو في الذمة، نعم إذا كان منه فتلف كلا أو بعضا كان عليهما معا ولا
ضمان على المتقبل بخلاف ما لو كان في الذمة فإنه باق على ضمانه.
مسألة 504: إذا زارع على أرض ثم تبين للزارع أنه لا ماء لها فعلا
لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه صحت المزارعة ولكن يثبت للعامل خيار
تخلف الشرط - إذا كان بينهما شرط بهذا المعنى ولو ضمنا - وكذا لو تبين
كون الأرض غير صالحة للزراعة إلا بالعلاج التام، كما إذا كان مستوليا عليها
الماء لكن يمكن إزالته عنها، نعم لو تبين أنه لا ماء لها فعلا ولا يمكن
تحصيله أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجى زواله كان باطلا.
مسألة 505: إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع
141

أو قبل ادراكه بطلت المزارعة، وإذا غرق بعضها تخير المالك والعامل في
الباقي بين الفسخ والامضاء، وهكذا الحال في طرو سائر الموانع القهرية عن
زراعة الأرض.
مسألة 506: يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصة من
حصته لمن شاركه بحيث كأنهما معا طرف للمالك، كما أنه يجوز أن يزارع
غيره بحيث يكون الزارع الثاني كأنه هو الطرف للمالك لكن لا بد أن تكون
حصة المالك محفوظة، فإذا أنت المزارعة الأولى بالنصف لم يجز أن
تجعل المزارعة الثانية بالثلث للمالك والثلثين للعامل، نعم يجوز أن يجعل
حصة الزارع الثاني أقل من حصة الزارع في المزارعة الأولى، فيأخذ الزارع
الثاني حصته والمالك حصته وما بقي يكون للزارع في المزارعة الأولى، مثلا
إذا كانت المزارعة الأولى بالنصف وجعل حصة الزارع في المزارعة الثانية
الربع كان للمالك نصف الحاصل وللزارع الثاني الربع ويبقى الربع للزارع
في المزارعة الأولى، ولا فرق في ذلك كله بين أن يكون البذر في المزارعة
الأولى على المالك أو على العامل، ولو جعل في الأولى على العامل يجوز
في الثانية أن يجعل على المزارع أو على الزارع، ولا يشترط في صحة
التشريك في المزارعة ولا في ايقاع المزارعة الثانية إذن المالك نعم لا يجوز
تسليم الأرض إلى الغير إلا بإذنه، كما أنه لو شرط عليه المالك أن يباشر
بنفسه بحيث لا يشاركه غيره ولا يزارعه - أو كان ذلك غير متعارف خارجا بحيث
أغنى عن التصريح باشتراط عدمه - كان هو المتبع.
مسألة 507: يصح عقد المزارعة بين أكثر من اثنين بأن تكون الأرض
من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من رابع، وكذا الحال
إذا وقع العقد بين جماعة على النحو المذكور لا بعنوان المزارعة.
مسألة 508: لا فرق في صحة عقد المزارعة بين أن يكون البذر من
142

المالك أو العامل أو منهما معا ولكن كل ذلك يحتاج إلى تعيين وجعل في
ضمن العقد إلا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الاطلاق.
وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه
وبين العامل، كما أنه لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل فيجوز أن يكون
عليهما وكذا الحال في سائر التصرفات والآلات.
والضابط أن كل ذلك تابع للجعل في ضمن العقد.
مسألة 509: خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على
المزارع وليس على الزارع إلا إذا شرط عليه كلا أو بعضا، وأما سائر المؤن
كشق الأنهار وحفر الآبار واصلاح النهر وتهيئة آلات السقي ونصب الدولاب
ونحو ذلك فلا بد من تعيين كونها على أي منهما إلا إذا كانت هناك عادة
تغني عن التعيين.
مسألة 510: إذا وجد مانع في الأثناء قبل ظهور الزرع أو قبل بلوغه
وادراكه كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله أو استولى عليه الماء ولم
يمكن إزالته أو وجد مانع آخر لم يمكن رفعه فالظاهر بطلان المزراعة من الأول
لكشفه عن عدم قابلية الأرض للزراعة، وعليه فيكون الزرع الموجود لصاحب
البذر فإن كان البذر للمالك فعليه جرة مثل عمل العامل وإن كان للعامل
فعليه أجرة مثل أرضه.
مسألة 511: إذا كانت الأرض التي وقعت المزارعة عليها مغصوبة
بطلت المزارعة بالإضافة إلى المزارع، فإن كان البذر له فالزرع له وعليه
للعامل أجرة مثل عمله ولمالك الأرض أجرة مثل أرضه وإن كان للعامل وأجاز المالك
الأرض.
وإذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وادراكه كان المالك مخيرا أيضا
143

بين الإجازة والرد فإن رد فله الأمر بالإزالة أو الرضا ببقائه ولو بأجرة وعلى
الزارع أجرة المثل بالنسبة إلى ممضى.
مسألة 512: كيفية اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة
للجعل والقرار الواقع بينهما، فتارة يشتركان في الزرع من حين طلوعه وبروزه
فيكون حشيشه وقصيله وتبنه وحبه كلها مشتركة بينهما، وأخرى يشتركان في
خصوص حبه إما من حين انعقاده أو بعده إلى زمان حصاده فيكون الحشيش
والقصيل والتبن كلها لصاحب البذر، هذا مع التصريح منهما، وأما مع عدمه
فالظاهر أن مقتضى وضع المزارعة عند الاطلاق الوجه الأول، فالزرع بمجرد
خروجه يكون مشتركا بينهما.
مسألة 513: تجب على كل من المالك والزارع الزكاة إذا بلغت حصة
كل منهما حد النصاب وتجب على أحدهما إذا بلغت حصته كذلك.
هذا إذا كان الزرع مشتركا بينهما من الأول أو من حين ظهور الحاصل
قبل صدق الاسم.
وأما إذا اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو من حين الحصاد
والتصفية فالزكاة على صاحب البذر سواء أكان هو المالك أم العامل.
مسألة 514: الباقي في الأرض من أصول الزرع بعد الحصاد
وانقضاء المدة إذا نبت في السنة الجديدة وأدرك فحاصله لمالك البذر إن لم
يشترط في عقد المزارعة اشتراكهما في الأصول، وإلا كان بينهما بالنسبة.
مسألة 515: إذا اختلف المالك والزارع في المدة فادعى أحدهما
الزيادة والآخر القلة فالقول قول منكر الزيادة، بيمينه ما لم يكن مدعيا قلة المدة
بمقدار لا يكفي عادة لبلوغ الحاصل، ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة فالقول
قول صاحب البذر المدعي للقلة بيمينه ما لم يدع كونها أقل مما يجعل عادة
لغير صاحب البذر في مثل تلك المزرعة بملاحظة خصوصياتها.
144

وأما إذا اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما
فالمرجع التحالف ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة.
مسألة 516: إذا قصر الزارع في تربية الأرض فقل الحاصل تخير
المالك بين فسخ المزارعة وامضائها، فإن فسخ فالحاصل لصاحب البذر فإن
كان هو المالك فعليه للزارع أجرة مثل عمله وإن كان هو الزارع فعليه للمالك
أقل الأمرين من أجرة مثل الأرض وقيمة حصته من الحاصل على تقدير عدم
التقصير، وإن لم يفسخ المالك فالحاصل بينهما بالنسبة المتفق عليها.
مسألة 517: لو ادعى المالك على الزارع عدم العمل بما اشترط عليه
في ضمن عقد المزارعة من بعض الأعمال أو ادعى تقصيره فيه على وجه يضر
بالزراعة أو تقصيره في الحفظ أو نحو ذلك وأنكره الزارع فالقول قوله بيمنه ما
لم يكن مخالفا للظاهر.
وكذلك الحال في كل مورد ادعى أحدهما شيئا وأنكره الآخر ما لم
يثبت ما ادعاه شرعا.
مسألة 518: إذا أوقع المتولي للوقف عقد المزارعة على الأرض
الموقوفة على البطون إلى مدة ملاحظا في ذلك مصلحة الوقف والبطون لزم
ولا يبطل بموته وأما إذا أوقعه البطن المتقدم من الموقوف عليهم ثم مات في
الأثناء قبل انقضاء المدة بطل العقد من ذلك الحين إلا إذا أجاز البطن
اللاحق.
مسألة 519: يجوز لكل من المالك والعامل بعد ظهور الحاصل أن
يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غير جنسه بعد التخمين
بحسب المتعارف في الخارج كما يجوز ذلك قبل ظهور الحاصل مع
الضميمة.
مسألة 520: لا يعتبر في عقد المزارعة على الأرض أن تكون قابلة
145

للزرع من حين العقد وفي السنة الأولى بل يصح العقد على أرض بائرة وخربة
لا تصلح للزرع إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أكثر.
وعليه فيجوز للمتولي أن يزارع الأراضي الموقوفة وقفا عاما أو خاصا
التي أصبحت بائرة إلى عشر سنين أو أقل أو أكثر حسب ما يراه صالحا.
146

كتاب المساقاة
المساقاة هي: (اتفاق شخص مع آخر على رعاية أشجار ونحوها
وإصلاح شؤونها إلى مدة معينة بحصة من حاصلها)
مسألة 521: يشترط في المساقاة أمور:
الأول: الايجاب والقبول، ويكفي فيهما كل ما يدل على المعنى المذكور
من لفظ أو فعل أو نحوهما ولا تعتبر فيهما العربية ولا الماضوية.
الثاني: أن يكون المالك والفلاح بالغين عاقلين مختارين غير
محجورين لسفه أو تفليس، نعم لا بأس بكون الفلاح محجورا عليه لفلس
إذا لم تستلزم المساقاة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
الثالث: أن تكون أصول الأشجار مملوكة عينا ومنفعة أو منفعة فقط أو
يكون تصرفه فيها نافذا بولاية أو وكالة أو تولية.
الرابع: أن تكون معلومة ومعينة عندهما.
الخامس: تعيين مدة العمل فيها إما ببلوغ الثمرة المساقي عليها مع
تعيين مبدأ الشروع وأما بالأشهر أو السنين بمقدار تبلغ فيها الثمرة غالبا فلو كانت
أقل من هذا المقدار بطلت المساقاة.
السادس: أن يجعل لكل منهما نصيب من الحاصل وأن يكون محددا
بأحد الكسور كالنصف والثلث، ولا يعتبر في الكسر أن يكون مشاعا في
جميع الحاصل على الأظهر كما تقدم نظيره في المزارعة، وإن اتفقا على أن
تكون من الثمرة عشرة أطنان مثلا للمالك والباقي للفلاح بطلت المساقاة.
السابع: تعيين ما على المالك من الأمور وما على العامل من الأعمال،
ويكفي الانصراف - إذا كان - قرينة على التعيين.
147

الثامن: أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو بعده قبل البلوغ إذا كان
قد بقي عمل يتوقف عليه اكتمال نمو الثمرة أو كثرتها أو جودتها أو وقايتها من
الآفات ونحو ذلك، وأما إذا لم يبق عمل من هذا القبيل وإن احتيج إلى عمل
من نحو آخر كاقتطاف الثمرة وحراستها أو ما يتوقف عليه تربية الأشجار ففي
الصحة اشكال.
مسألة 522: تصح المساقاة في الأصول غير الثابتة كالبطيخ والخيار
على الأظهر.
مسألة 523: تصح المساقاة في الأشجار غير المثمرة إذا كانت لها
حاصل آخر من ورق أو ورد ونحوهما مما له مالية يعتد بها عرفا كشجر الحناء
الذي يستفاد من ورقه.
مسألة 524: يصح عقد المساقاة في الأشجار المستغنية عن السقي
بالمطر أو بمص رطوبة الأرض إذا احتاجت إلى أعمال أخرى مما تقدم بيانها
في الشرط الثامن.
مسألة 525: يجوز اشتراط شئ من الذهب أو الفضة أو غيرهما
للعامل أو المالك زائدا على الحصة من الثمرة، وهل يسقط المشروط مع
عدم ظهور الثمرة كلا أو بعضا أو تلفها بعد الظهور كذلك أو أنه يقسط بالنسبة
إذا ظهر أو سلم البعض دون البعض، أو أنه لا ينقص منه شئ على كل حال
فيستحقه المشروط له بتمامه؟ وجوه أظهرها الأخير، إلا مع اقتضاء الشرط
خلافه ولو لانصراف اطلاقه إلى غيره.
مسألة 526: يجوز تعدد المالك واتحاد العامل فيساقي الشريكان
عاملا واحدا، ويجوز العكس فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلا
والنصف الآخر لهما، ويجوز تعددهما معا.
مسألة 527: خراج الأرض على المالك إلا إذا اشترطا كونه على
العامل أو عليهما معا.
148

مسألة 528: يملك العامل مع إطلاق العقد الحصة في المساقاة من
حين ظهور الثمرة، وإذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصة من حين
تحقق العقد.
مسألة 529: يبطل عقد المساقاة بجعل تمام الحاصل للمالك ومع
ذلك يكون تمام الحاصل والثمرة له وليس للعامل مطالبته بالأجرة حيث أنه
أقدم على العمل في هذه الصورة مجانا، وأما إذا كان بطلان المساقاة من جهة
أخرى وجب على المالك أن يدفع للعامل أجرة مثل ما عمله حسب
المتعارف.
مسألة 530: عقد المساقاة لازم لا يبطل ولا ينفسخ إلا بالتقايل
والتراضي أو الفسخ ممن له الخيار ولو من جهة تخلف بعض الشروط التي
جعلاها في ضمن العقد أو بعروض مانع موجب للبطلان.
مسألة 531: إذا مات المالك قام وارثه مقامه ولا تنفسخ المساقاة وإذا
مات العامل قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيدا ولا شرطا،
فإن لم يقم الوارث بالعمل ولا استأجر من يقوم به فللحاكم الشرعي أن
يستأجر من مال الميت من يقوم بالعمل ويقسم الحاصل بين المالك
والوارث.
وأما إذا أخذت المباشرة في العمل قيدا انفسخت المعاملة، كما أنها
إذا أخذت شرطا كان المالك بالخيار بين فسخ المعاملة والرضا بقيام الوارث
بالعمل مباشرة أو تسبيبا.
مسألة 532: الأعمال التي تحتاج إليها البساتين والنخيل والأشجار
في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها على قسمين:
الأول: ما يتكرر في كل سنة، مثل إصلاح الأرض وتنقية الأنهار
149

وإصلاح طريق الماء وإزالة الحشيش المضر وتهذيب جرائد النخل والكرم
والتلقيح واللقاط والتشميس وإصلاح موضعه وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة
وغير ذلك.
الثاني: ما لا يتكرر غالبا كحفر الآبار والأنهار وبناء الحائط
والدولاب والدالية ونحو ذلك.
ومقتضى إطلاق عقد المساقاة إن القسم الثاني على المالك، وأما
القسم الأول فمقتضى إطلاقه كونه على العامل والمالك معا لا على خصوص
واحد منهما، نعم إذا كان هناك تعيين أو انصراف في كون شئ على العامل
أو المالك - ولو لأجل جريان العادة عليه - فهو المتبع.
مسألة 533: إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال
فللمالك إجباره على العمل المزبور كما أن له حق الفسخ من جهة تخلف
الشرط وإن فات وقت العمل، وهل له أن لا يفسخ ويطالبه بأجرة العمل
المشروط عليه؟ فيه إشكال.
مسألة 534: لا يعتبر في المساقاة أن يكون العامل مباشرا للعمل
بنفسه إن لم يشترط عليه المباشرة فيجوز له أن يستأجر شخصا في بعض
أعمالها أو في تمامها وعليه الأجرة، كما أنه يجوز أن يشترط كون أجرة بعض
الأعمال على المالك.
مسألة 535: إذا كان البستان مشتملا على أنواع من الأشجار كالنخل
والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه فلا يعتبر العلم بمقدار كل واحد من
هذه الأنواع تفصيلا في صحة المساقاة عليها بل يكفي العلم بها إجمالا
بمشاهدة أو نحوها.
مسألة 536: لا فرق في صحة المساقاة بين أن تكون على المجموع
بالنصف أو الثلث أو نحوهما وبين أن تكون على كل نوع منها بحصة مخالفة
150

لحصة نوع آخر كأن يجعل في النخل النصف مثلا وفي الكرم الثلث وفي
الرمان الربع وهكذا.
مسألة 537: تصح المساقاة مرددا مثلا بالنصف إن كان السقي بالآلة
وبالثلث إن كان السقي بالسيح ولا يضر هذا المقدار من الجهالة بصحتها.
مسألة 538: إذا ظهر بطريق شرعي أن الأصول في عقد المساقاة
مغصوبة فعندئذ إن أجاز المالك المعاملة صحت المساقاة بينه وبين العامل
وإلا بطلت وكان تمام الثمرة للمالك وللعامل أجرة المثل يرجع بها إلى
الغاصب إذا كان جاهلا بالحال إلا إذا كان مدعيا عدم الغصبية وإن الأصول
للمساقي ومنه أخذ المدعي الثمرة منه ظلما.
مسألة 539: إذا كان ظهور غصب الأصول بعد تقسيم الثمرة وتلفها
فعندئذ للمالك أن يرجع إلى الغاصب فقط بتمام عوضها وله أن يرجع إلى
كل منهما بمقدار حصته، وليس له أن يرجع إلى العامل بتمام العوض إلا مع
ثبوت يده على تمام الثمرة.
مسألة 540: تجب الزكاة على كل من المالك والعامل إذا بلغت
حصة كل منهما حد النصاب فيما إذا كانت الشركة قبل زمان الوجوب وإلا
فالزكاة على المالك فقط.
مسألة 541: إذا اختلف المالك والعامل في اشتراط شئ على
أحدهما وعدمه فالقول قول منكره بيمينه، ولو اختلفا في صحة العقد وفساده
قدم قول مدعي الصحة بيمينه.
مسألة 542: لو اختلف العامل والمالك في مقدار حصة العامل
فالقول قول المالك المنكر للزيادة بيمينه وكذا الحال فيما إذا اختلفا في
المدة، وأما إذا اختلفا في مقدار الحاصل زيادة ونقيصة بأن يطالب المالك
العامل بالزيادة فالقول قول العامل بيمينه، وكذا لو ادعى المالك على العامل
الخيانة أو السرقة أو الاتلاف أو كون التلف بتفريط منه.
151

مسألة 543: تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدمة
منوط بعدم مخالفته للظاهر، مثلا لو اختلفا في مقدار حصة العامل فادعى
المالك قلتها بمقدار لا يجعل عادة لعامل المساقاة كواحد في الألف وادعى
العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف قدم قول العامل بيمينه وهكذا الحال
في سائر الموارد.
مسألة 544: المغارسة جائزة على الأظهر وهي: أن يدفع أرضا إلى
الغير ليغرس فيه أشجارا على أن يكون الحاصل لهما، سواء اشترط كون حصة
من الأرض أيضا للعامل أم لا، وسواء كانت الأصول من المالك أم من
العامل، والأحوط الأولى ترك هذه المعاملة، ويمكن التوصل إلى نتيجتها
بمعاملة لا إشكال في صحتها كإيقاع الصلح بين الطرفين على النحو
المذكور، أو الاشتراك في الأصول بشرائها بالشركة ثم إجارة الغارس نفسه
لغرس حصة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدة معينة بنصف منفعة
أرضه إلى تلك المدة أو بنصف عينها مثلا.
152

كتاب الجعالة
الجعالة هي: (الالتزام بعوض معلوم - ولو في الجملة - على عمل
كذلك)، وهي من الايقاعات ولا بد فيها من الايجاب أما عاما مثل: من رد
دابتي أو بنى جداري فله كذا، أو خاصا مثل: إن خطت ثوبي فلك كذا، ولا
يحتاج إلى القبول لأنها ليست معاملة بين طرفين حتى يحتاج إلى قبول
بخلاف العقود كالمضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها.
مسألة 545: مما تفترق به الجعالة عن الإجارة على العمل وجوب
العمل على الأجير بعد العقد دون العامل في الجعالة، كما تشتغل ذمة
المستأجر للأجير قبل العمل بالأجرة، ولا تشتغل ذمة الجاعل للعامل ما لم
يأت بالعمل.
مسألة 546: يعتبر في الجاعل البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر
لسفه لو فلس، فلا تصح جعالة الصبي ولا المجنون ولا المكره ولا السفيه
ولا المفلس فيما حجر عليه من أمواله.
وأما العامل فلا يعتبر فيه إلا امكان اتيانه بالعمل خارجا ولو كان إتيانه
به متوقعا على مقدمة محرمة، كما لو أوقع الجعالة على كنس المسجد فأتى
به الجنب أو الحائض فإنهما يستحقان الجعل على الأظهر، نعم لو خص
الجعل بالكنس من الجنب أو الحائض لم يصح فلو كنساه لم يستحقا الجعل وفي
استحقاقهما لأجرة المثل إشكال. ولا يعتبر في العامل نفوذ التصرف فيجوز
أن يكون صبيا مميزا ولو بغير إذن الولي بل يجوز أن يكون صبيا غير مميز أو
يكون مجنونا على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرر بعملهم.
153

مسألة 547: إنما تصح الجعالة على كل عمل محلل مقصود عند
العقلاء فلا تصح الجعالة على المحرم - كشرب الخمر - ولا على ما يكون
خاليا من الفائدة كالدخول ليلا في محل مظلم إذا لم يكن فيه غرض
عقلائي.
مسألة 548: كما لا تصح الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الاتيان
به مجانا، واجبا كان أو مستحبا عينيا كان أو كفائيا، عباديا كان أو توصليا كما
تقدم في المسألة (31) كذلك لا تصح الجعالة عليه.
مسألة 549: يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لا يغتفر
في الإجارة فإذا قال (من رد دابتي فله كذا) صح وإن لم يعين المسافة ولا
شخص الدابة مع شدة اختلاف الدواب في الظفر بها من حيث السهولة
والصعوبة، وكذا يجوز أن يوقع الجعالة على أحد الأمرين مخيرا مع اتحاد
الجعل كما إذا قال (من رد سيارتي أو دابتي فله كذا) أو بالاختلاف كما إذا
قال (من رد إحداهما فإن كانت السيارة فله عشرة وإن كانت الدابة فله خمسة)
نعم لا يجوز جعل موردها مجهولا صرفا ومبهما بحتا لا يتمكن العامل من
تحصيله كما إذا قال (من وجد وأوصلني ما ضاع مني فله كذا) بل وكذا لو قال
(من رد حيوانا ضاع مني فله كذا) ولم يعين أنه من جنس الطيور أو الدواب
أو غيرها.
هذا كله في العمل، وأما العوض فلا يعتبر أيضا تعيين خصوصياته،
بل يكفي أن يكون معلوما لدى العامل بحد لا يكون الاقدام على العمل معه
سفهيا فلو قال (بع هذا المال بكذا والزائد لك) صح، وكذا لو قال (من رد
فرسي فله نصفها أو له كذا مقدار من الحنطة)، ولو كان العوض مجهولا
محضا مثل (من رد فرسي فله شئ) بطلت الجعالة وللعامل أجرة المثل.
مسألة 550: إذا جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع
154

الجعالة أو بعده بقصد التبرع وعدم أخذ العوض يقع عمله ضائعا وبلا جعل
وأجرة.
مسألة 551: إذا أخبره مخبر بأن فلانا قال (من رد دابتي فله كذا)
فردها اعتمادا على أخباره مع أنه لم يقله لم يستحق شيئا لا على صاحب
الدابة ولا على المخبر الكاذب، نعم لو كان قوله حجة شرعية كالبينة أو
أوجب الاطمينان لديه لا يبعد ضمانه أجرة مثل علمه.
مسألة 552: لا يعتبر أن يكون الجعل من له العمل، فيجوز أن يجعل
جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو باشر علاجه، فإذا قام به أحد استحق
الجعل على الجاعل دون زيد، هذا مع رضا زيد بالتصرف في ماله أو نفسه
- حتى لا يكون العمل محرما - وإلا لم تصح الجعالة.
مسألة 553: لو عين الجعالة لشخص وأتى بالعمل غيره لم يستحق
الجعل ذلك الشخص لعدم العمل ولا ذلك الغير لأنه ما أمر باتيان العمل ولا
جعل لعمله جعل فهو كالمتبرع، نعم لو جعل الجعل على العمل لا بقيد
المباشرة بحيث لو حصل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو
الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرعا عن المجعول له بطلب
منه استحق المجعول له بسبب عمل ذلك العامل الجعل المقرر.
مسألة 554: لو قال (من دلني على مالي فله كذا)، فدله من كان ماله
في يده لم يستحق شيئا لأنه واجب عليه شرعا، وأما لو قال (من رد مالي فله
كذا) فإن كان مما لا يجب رده على من في يده بل تجب عليه التخلية بينه
وبين بالمال فقام برده استحق الجعل المقرر وإلا لم يستحقه.
مسألة 555: إنما يستحق العامل الجعل بالتسليم فيما إذا كان
المجعول عليه التسليم، وأما إذا كان المجعول عليه غيره كما إذا قال (من
خاط هذا الثوب فله درهم) استحق الخياط الدرهم بمجرد الخياطة، وإذا قال
155

(من أوصل دابتي إلى البلد كان له درهم) استحق العامل الدرهم بمجرد
الايصال إلى البلد وإن لم يسلمها إلى أحد، ولو كان الجعل على مجرد
الدلالة عليها وإعلام محلها استحق بذلك الجعل وإن لم يكن منه إيصال
أصلا.
مسألة 556: لو جعل جعلا لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة
ثوب فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط من جعله المعين ما يكون بإزاء عمل
ذلك الغير فإن كانت المشاركة بالنصف كان له نصف الجعل وإلا فبالنسبة، وأما
الآخر فلا يستحق شيئا لكونه متبرعا، نعم لو لم يشترط على العامل المباشرة بل أريد
منه العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بطلب منه بعنوان
التبرع عنه ومساعدته استحق المجعول له تمام الجعل.
مسألة 557: إذا جعل جعلين بأن قال: من خاط هذا الثوب فله درهم
ثم قال: من خاط هذا الثوب فله دينار، كان العمل على الثاني فإذا خاطه
الخياط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم.
ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار، وإذا لم تكن قرينة
على العدول من الأول إلى الثاني لزمه الجعلان معا.
مسألة 558: إذا جعل جعلا لفعل فصدر جميعه من جماعة - من كل
واحد منهم بعضه - كان للجميع جعل واحد لكل واحد منهم بعضه بمقدار
عمله، ولو صدر الفعل بتمامه من كل واحد منهم كان لكل واحد منهم جعل
تام.
مسألة 559: إذا جعل جعلا لمن رده من مسافة معينة فرده من بعضها
كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع.
مسألة 560: يجوز للجاعل الرجوع عن الجعالة قبل الشروع في
العمل، وأما بعد الشروع فيه فيشكل ذلك، إلا مع التوافق مع العامل.
156

مسألة 561: الجعالة لا تقتضي وجوب إتمام العمل على العامل إذا
شرع فيه، نعم قد تقتضيه لجهة أخرى، كما إذا أوجب تركه الاضرار
بالجاعل أو من يكون له العمل، كأن يقول: (كل من عالج عيني فله كذا)
فشرع الطبيب بإجراء عملية في عينه، بحيث لو لم يتمها لتعيبت عينه فيجب
عليه الاتمام.
مسألة 562: لا يستحق العامل شيئا من العوض إذا لم يتم العمل
الذي جعل بإزائه، فإذا جعل العوض على رد الدابة الشاردة إليه مثلا فجاء بها
إلى البلد ولم يوصلها إليه لم يستحق شيئا، وكذا لو جعل العوض على مثل
خياطة الثوب فخاط بعضه ولم يكمله، نعم لو جعله موزعا على إجزاء العمل
من دون ترابط بينها في الجعل استحق العامل منه بنسبة ما أتى به من العمل.
مسألة 563: إذا تنازع العامل والمالك في الجعل وعدمه أو في تعيين
المجعول عليه أو القدر المجعول عليه أو في سعي العامل كان القول قول
المالك بيمينه ما لم يكن مخالفا للظاهر.
مسألة 564: إذا تنازع العامل والجاعل في تعيين الجعل فالأظهر أنه
مع التنازع في قدره يكون القول قول مدعي الأقل بيمينه بشرط عدم كونه
مخالفا للظاهر، ومع التنازع في جنسه يكون القول قول الجاعل بيمينه
- بالشرط المذكور - في نفي دعوى العامل، وتجب عليه التخلية بين ما يدعيه
للعامل وبينه.
مسألة 565: عقد التأمين للنفس أو المال - سيكورته - من العقود
المستحدثة الصحيحة وقد ذكرنا أحكامه في رسالة (مستحدثات المسائل)
وبالإضافة إلى ذلك يمكن تخريجه على بعض العقود الأخرى فتترتب عليه
أحكام ذلك البعض، كأن يكون بعنوان الهبة المشروطة فيدفع المؤمن له مقدارا من
المال هبة ويشترط على المتهب أنه على تقدير حدوث حادثة نص عليها في
157

الاتفاقية أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له، أو يكون بعنوان المعاوضة إذا
كان المتعهد يقوم بالتأمين للمؤمنين له بعمل محترم له مالية وقيمة عند العقلاء
من وصف نظام للأكل أو الشرب أو غيرهما أو تعيين حارس على المال أو غير
ذلك من الأعمال المحترمة فيكون نوعا من المعاوضة وأخذ المال من الطرفين
حلال.
158

كتاب السبق والرماية
السبق هو المعاملة على إجراء الخيل وما شابهها في حلبة السباق
لمعرفة الأجود منها والأفرس من المتسابقين، والرماية هي المعاملة على
المناضلة بالسهام مثلا ليعلم حذق الرامي ومعرفته بواقع الرمي، وفائدة
العقدين بعث النفس على الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال في
الحرب دفاعا عن النفس والدين والعرض والمال.
مسألة 566: لا بد فيهما من إيجاب وقبول بما يدل عليهما من لفظ أو
فعل.
مسألة 567: يصح العقدان في السهام والحراب والسيوف والإبل
والفيلة والخيل والبغال والحمير، ولا يبعد صحتهما في جميع الآلات
المستعملة في الحرب ومنها الآلات المتداولة في زماننا.
مسألة 568: لا بد في المسابقة من تعيين الجهات التي يكون الجهل
بها موجبا للنزاع، فلا بد من تقدير المسافة والعوض وتعيين الدابة ولا بد في
الرماية من تقدير عدد الرمي وعدد الإصابة وصفتها وقدر المسافة والغرض
والعوض ونحو ذلك.
مسألة 569: قد يدخل شخص بين المتراهنين في المسابقة ولا يبذل
معهما عوضا بل يجري دابته بينهما أو في أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد
على أنه إن سبق بنفسه أو مع غيره أخذ العوض أو بعضه - على حسب
الشرط - وأن لم يسبق لم يغرم شيئا، وهذا الشخص يسمى ب‍ (المحلل)
وليس وجوده شرطا في صحة المسابقة.
159

مسألة 570: يجوز أن يكون العوض المقرر في السبق أو الرماية عينا
وإن يكون دينا، وأن يبذله أجنبي أو أحد الطرفين أو من بيت المال، ويجوز
جعله للسابق وللمحلل.
مسألة 571: إذا قالا بعد أن عين كل منهما عوضا من نفسه وأدخلا
محللا: من سبق منا ومن المحلل فله العوضان، فمن سبق من الثلاثة فهما
له، فإن سبقا اشتركا في المالين، وإن سبق أحدهما والمحلل فالمتبع في
استحقاق العوضين وتقسيمه كيفية الجعل.
مسألة 572: العبرة في تحقق السبق بالصدق العرفي إلا إذا اتفق الطرفان على غيره.
مسألة 573: إذا فسد العقد قيل: لا أجرة للغالب، ولو ظهر العوض
مستحقا للغير مع عدم إجازته قيل: وجب على الباذل مثله أو قيمته، ولكن
كلا القولين لا يخلو عن إشكال فلا يترك الاحتياط بالتراضي بصلح أو نحوه.
160

كتاب الشركة
تطلق الشركة على معنيين:
الأول: كون شئ واحد لاثنين أو أزيد.
الثاني: العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على الاشتراك فيما يحصل لهم
من ربح وفائدة من الاتجار أو الاكتساب أو غيرهما، وتسمى ب‍ (الشركة
العقدية).
مسألة 574: تتحقق الشركة بالمعنى الأول باستحقاق شخصين فما
زاد عينا أو دينا أو منفعة أو حقا، وسببها قد يكون إرثا وقد يكون عقدا ناقلا كما
إذا اشترى اثنان معا مالا أو شرك أحدهما الآخر في ماله أو استأجرا عينا أو صولحا
على حق تحجير مثلا، ولها أسباب ثلاثة أخرى تختص بالشركة في الأعيان:
الأول: الاحياء كما إذا حفرا بئرا أو شقا نهرا أو قناة وما شاكل ذلك.
الثاني: الحيازة كما إذا اصطادا صيدا أو اقتلعا شجرة مباحة أو اغترفا
ماء مباحا بآنية واحدة دفعة ونحو ذلك.
الثالث: الامتزاج، كما إذا امتزج خل شخص بخل شخص آخر.
مسألة 575: الامتزاج والخلط قد يوجب الشركة وقد لا يوجبها، ومن
الأول ما إذا حصل خلط وامتزاج تام بين ما يعين من جنس واحد كالماء بالماء
والدهن بالدهن سواء وقع ذلك قهرا أو اختيارا، ومثله خلط الجامدات الناعمة
من جنس واحد بعضها ببعض كخلط دقيق الحنطة بدقيق الحنطة فيما إذا كان
الخلط بمثله، وأما إذا كان الخلط بالأجود أو بالأردأ، أو كان الخلط بغير
الجنس مع عد الموجود طبيعة ثالثة كخلط دهن اللوز بدهن الجوز وخلط
161

الخل بالسكر وحصول السكنجبين منهما فإن حصل ذلك على وجه لا يكون
مضمونا على أحد المالكين كان للمجموع مشتركا بينهما وإلا كان لصاحبه
المطالبة ببدل ماله من المثل أو القيمة وله عدم المطالبة به والرضا بالاشتراك
في الخليط بنسبة المالية مع أخذ ما به التفاوت بين قيمة ماله قبل الخلط
وقيمته بعده لو كان الخلط سببا في تنزل قيمته كما سيأتي في المسألة 853.
عد الموجود خليطا من موجودات متعددة وإن لم يمكن افراز بعضها عن بعض
إلا بكلفة بالغة كمزج طن من حب الحنطة بطن من حب الشعير، ومثله على
الظاهر الامتزاج بالجنس فيما إذا لم يعد الموجود شيئا واحدا كخلط اللوز
باللوز والجوز بالجوز وخلط حب الحنطة بحب الحنطة سواء أكان الخلط
بمثله أو بالأجود أو بالأردأ، فإن في مثل ذلك كله لا تتحقق الشركة ولا تجري
عليها أحكام المال المشترك، بل لا بد من أن يتصالح الطرفان بوجه لا يستلزم الربا.
مسألة 576: لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في المال المشترك إلا
برضا الباقين، بل لو أذن أحد الشريكين في التصرف جاز للمأذون ولم يجز
للآذن إلا أن يأذن له المأذون أيضا، ويجب أن يقتصر المأذون بالمقدار
المأذون فيه كما وكيفا، نعم الإذن في الشئ إذن في لوازمه العرفية عند
الاطلاق ولكنها تختلف حسب اختلاف الموارد فربما يكون الإذن للشخص
في سكنى الدار إذنا له عرفا في إسكان أهله وعياله وأطفاله وتردد أصدقائه
ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد فيجوز ذلك كله إلا أن يمنع عنه كلا أو بعضا
فيتبع.
مسألة 577: إذا كان الاشتراك في أمر تابع مثل البئر والطريق غير
النافذ والدهليز ونحوهما مما كان الانتفاع به مبنيا عرفا على عدم الاستئذان
جاز التصرف وإن لم يأذن الشريك.
162

مسألة 578: إذا كان ترك التصرف موجبا لنقص العين كما لو كانا
مشتركين في طعام فإذا امتنع أحدهما من الإذن في التصرف فيه ولم يرض
بتقسيمه رجع الشريك في ذلك إلى الحاكم الشرعي ليسلم من الضرر.
مسألة 579: إذا كانا شريكين في دار مثلا فتعاسرا وامتنع أحدهما من
الإذن للآخر بالتصرف فيها بحيث أدى ذلك إلى الضرر رجع الشريك إلى
الحاكم الشرعي ليأذن في التصرف الأصلح حسب نظره.
مسألة 580: إذا طلب الشريك بيع ما يترتب على قسمته نقص ليقسم
الثمن تجب إجابته ويجبر الشريك عليه لو امتنع.
مسألة 581: تتصور الشركة العقدية على أنحاء:
النحو الأول: شركة العنان، وهي الاتفاق بين شخصين مثلا على
الاتجار والتكسب بأعيان من أموالهما على أن يكون بينهما ما يحصل من
ذلك من ربح أو خسران، وهذا النحو يمكن أن يقع على قسمين يختلفان في
جملة من الأحكام كما سيأتي:
القسم الأول: اتفاق شخصين مثلا على الاتجار بالمال المشاع بينهما
بأحد أسباب الإشاعة في مرحلة سابقة على العقد، وهذا من العقود الإذنية
ونعبر عنه ب‍ (الشركة الإذنية).
القسم الثاني: إنشاء شخصين مثلا المشاركة في رأس مال مكون من
مالهما للاتجار والتكسب به بكيفية وشروط معينة، وهذا من العقود المعاوضية
لتضمنه انتقال حصة من المال المختص بكل من الطرفين إلى الطرف الآخر
بنفس العقد، ونعبر عنه ب‍ (الشركة المعاوضية)
النحو الثاني: شركة الأبدان، وهي الاتفاق بين شخصين مثلا على
الاشتراك فيما يربحانه من حاصل عملهما سواء اتفقا في العمل كالخياطين
أو اختلفا كالخياط والنساج ومن ذلك معاقدة شخصين على أن كل ما يحصل
163

كل منهما بالحيازة من الحطب أو الحشيش مثلا يكون مشتركا بينهما.
وهذه الشركة باطلة فيختص كل من الطرفين بأجرة عمله وبما حازه،
نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدة معينة بإزاء نصف منفعة
الآخر إلى تلك المدة وقبل الآخر صح واشترك كل منهما فيما يحصله الآخر
في تلك المدة بالأجرة أو الحيازة، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف
منفعته إلى مدة بعوض معين وصالح الآخر أيضا نصف منفعته في تلك المدة
بذلك العوض، ولو اتفقا في ضمن عقد لازم على أن يعطي كل منهما نصف
أجرته للآخر صح ذلك ووجب العمل بالشرط.
النحو الثالث: شركة الوجوه، وهي الاتفاق بين طرفين مثلا على أن
يشتري كل منهما متاعا نسيئة لنفسه ويكون ما يبتاعه كل منهما بينهما فيبيعانه
ويؤديان الثمن ويشتركان فيما يربحانه منه، وهذه الشركة باطلة أيضا، نعم لا
بأس بأن يوكل كل منهما صاحبه في أن يشاركه فيما اشتراه بأن يشتري لهما
وفي ذمتهما فإذا اشترى شيئا كذلك يكون لهما ويكون الربح والخسران أيضا
بينهما.
النحو الرابع: شركة المعاوضة، وهي أن يتفق طرفان مثلا على أن
يكون كل ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو أجرة عمل أو
إرث أو وصية أو غير ذلك يكون بينهما وكذا كل غرامة وخسارة ترد على
أحدهما تكون عليهما معا.
وهذه الشركة باطلة أيضا، نعم لو اتفقا في ضمن عقد لازم على أنه إن
ربح أحدهما أعطى صاحبه نصف ربحه وإن خسر أحدهما تدارك صاحبه
نصف خسارته صح ولزم العمل به.
مسألة 582: لو أجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأجرة معينة
كانت الأجرة مشتركة بينهما، وكذا لو حاز اثنان معا مباحا كما لو اقتلعا معا
164

شجرة أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة كان ما حازاه مشتركا بينهما وليس ذلك
من شركة الأبدان حتى تكون باطلة وتقسم الأجرة وما حازاه بنسبة عملهما ولو
لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح.
مسألة 583: لا بد في عقد الشركة من إيجاب وقبول، ويكفي قولهما
(اشتركنا) أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، وتجري فيها المعاطاة أيضا.
مسألة 584: يعتبر في الشركة العقدية كل ما يعتبر في العقود المالية
في المتعاقدين من البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس، فلا
تصح شركة الصبي والمجنون والمكره والسفيه والمفلس فيما حجر عليه من
أمواله.
مسألة 585: لو اشترطا في عقد الشركة أن يشتركا في العمل كل
منهما مستقلا أو منضما مع الآخر أو يعمل أحدهما فقط أو يعمل ثالث
يستأجر لذلك وجب العمل على طبق الشرط، ولو لم يعينا العامل فإن كانت
الشركة إذنية لم يجز لأي منهما التصرف في رأس المال بغير إذن الآخر، وإن
كانت الشركة معاوضية فمقتضى إطلاق العقد جواز تصرف كل منهما
بالتكسب برأس المال بأي نحو لا يضر بالشركة.
مسألة 586: يجب على العامل أن يكون عمله على طبق ما هو
المقرر بينهما، فلو قررا - مثلا - أن يشتري نسيئة ويبيع نقدا، أو يشتري من
المحل الخاص وجب العمل به ولو لم يعين شئ من ذلك لزم العمل بما هو
المتعارف على وجه لا يضر بالشركة.
مسألة 587: لو تخلف العامل عما شرطاه أو عمل على خلاف ما هو
المتعارف في صورة عدم الشرط فالأظهر صحة المعاملة، فإن كانت رابحة
اشتركا في الربح وإن كانت خاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو
التلف.
165

مسألة 588: إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على
الشريكين بنسبة ماليهما فإن تساوى المالان تساويا في الربح والخسران وإلا
كان الربح والخسران بنسبة المالين، فلو كان مال أحدهما ضعف مال الآخر
كان ربحه وضرره ضعف الآخر سواء تساويا في العمل أو اختلفا أو لم يعمل
أحدهما أصلا.
ولو اشترطت زيادة الربح عما تقتضيه نسبة المالين لمن يقوم بالعمل
من الشريكين أو الذي يكون عمله أكثر أو أهم من عمل الآخر صح الشرط
ووجب الوفاء به، وهكذا الحال لو اشترطت الزيادة لغير العامل منهما أو لغير
من يكون عمله أكثر أو أهم من عمل صاحبه على الأظهر، ولو اشتراطا أن
يكون تمام الربح لأحدهما أو يكون تمام الخسران على أحدهما ففي صحة
العقد إشكال.
مسألة 589: الشريك العامل في رأس المال أمين فلا يضمن التالف
كلا أو بعضا من دون تعد أو تفريط.
مسألة 590: لو ادعى العامل التلف من مال الشركة فإن كان مأمونا
عند صاحبه لم يطالبه بشئ وإلا جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي ويكون
القول قول العامل بيمينه ما لم يكن مخالفا للظاهر - كما لو كان بين أمواله
فادعى تلفه بحريق أصابه وحده دون غيره -، وهكذا لو ادعى عليه التعدي أو
التفريط فأنكر.
مسألة 591: الشركة الإذنية عقد جائز من الطرفين، فيجوز لكل منهما
فسخه فينفسخ لكن لا تبطل بذلك الشركة في رأس المال، وكذا ينفسخ
لعروض الموت والجنون والاغماء والحجر بالفلس أو السفه وتبقى أيضا
الشركة في رأس المال، وأما الشركة المعاوضية فعقد لازم لا ينفسخ إلا
بانتهاء أمد الشركة أو بالتقابل أو الفسخ ممن له الخيار ولو من جهة تخلف
بعض الشروط التي جعلاها في ضمن العقد.
166

مسألة 592: لو جعلا للشركة أجلا فإن كانت معاوضية لزم مطلقا وإن
كانت إذنية لم يلزم فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه، نعم لو اشترطا
عدم فسخها إلى أجل معين - بمعنى التزامهما بأن لا يفسخاها إلى حينه -
صح الشرط ووجب العمل به سواء جعلا ذلك شرطا في ضمن نفس عقد
الشركة أو في ضمن عقد خارج لازم، ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخ أيهما وإن
كان الفاسخ آثما.
مسألة 593: إذا تبين بطلان عقد الشركة بعد أن اتجر أحد الشريكين
بمال الشركة، فإن لم يكن الإذن في التصرف مقيدا بصحة الشركة صحت
المعاملة ويرجع ربحها إليهما وإن كان الإذن مقيدا بصحة العقد كان العقد
بالنسبة إلى الآخر فضوليا فإن أجاز صح وإلا بطل.
القسمة وأحكامها
وهي تعيين الحصة المشاعة من المال المشترك في جزء معين منه سواء
اقتضى إزالة الشيوع عنه بالمرة أو اقتضى تضييق دائرته كما إذا قسم المال
المشترك بين أربعة أشخاص إلى قسمين يشترك كل اثنين منهم في قسم،
وهي ليست ببيع ولا معاوضة، نعم تشتمل قسمة الرد على تعويض بعض
الحصة المشاعة بما هو خارج عن المال المشترك فتحتاج إلى المصالحة
أو نحوها.
مسألة 594: لا بد في القسمة من تعديل السهام بحسب القيمة
والمالية، وهو يتحقق بالأنحاء الثلاثة التالية:
النحو الأول: تعديل السهام بحسب الكمية كيلا أو وزنا أو عدا أو
مساحة وتسمى (قسمة الافراز)، وموردها ما إذا كان كل سهم مساو مع
167

السهم الآخر في الكمية مساويا معه في المالية أيضا، فتجري في الصنف الواحد
من الحبوب والأدهان والألبان وفي الدراهم والدنانير والمصنوعات بالمكائن
الحديثة من آلات وأدوات وأواني ومنسوجات وسيارات ومكائن ونحوها، وكذا
في الأرض الوسيعة البسيطة بالشرط المتقدم. هذا إذا لم تكن للهيئة
الاجتماعية للسهام دخلا في ماليتها وإلا لم تجر فيها قسمة الافراز لاستلزامها
الحيف والضرر بالشركاء، فلا تجري في طاقة عباءة واحدة أو سجادة واحدة أو
قطعة أرض ضيقة لو أفرزت بعض أجزائها لم تصلح للبناء مثلا.
النحو الثاني: تعديل السهام بجعل بعضها أو جميعها متشكلا من
شيئين أو أشياء مختلفة وتسمى (قسمة التعديل)، وموردها ما إذا كان المال
المشترك مشتملا على أشياء مختلفة من حيث القيمة والمالية ولكن أمكن
تعديل السهام فيها على النحو المذكور، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام
قد ساوى أحدها الآخرين في القيمة فيجعل الواحد سهما والاثنان سهما، أو
اشترك شخصان في سيارة وسجادة وحانوت وغنم وبقر وقد ساوى اثنان منها
البقية في القيمة.
النحو الثالث: تعديل السهام بضم مقدار من المال مع بعض السهام
ليعادل البعض الآخر وتسمى (قسمة الرد)، كما إذا كانت بين اثنين سيارتان
قيمة إحداهما ألف دينار وقيمة الأخرى خمسمائة دينار فإنه إذا ضم إلى الثانية
مأتان وخمسون دينارا يحصل التساوي اللازم في مقام القسمة.
مسألة 595: الأموال المشتركة قد لا يتأتى فيها إلا نحو واحد من
القسمة كقسمة الرد كما في مثال السيارتين المتقدم آنفا فإن في مثله لا يتأتى
قسمة الافراز والتعديل، وقد يتأتى فيها نحوان من القسمة كقسمة التعديل
والرد كما إذا كان بينهما ثلاث سيارات قيمة إحداها ألف دينار وقيمة كل من
الأخريتين خمسمائة دينار، فيمكن أن تجعل الأولى سهما والأخريتان سهما
168

فتكون من قسمة التعديل، ويمكن أن تجعل الأولى مع واحدة من الأخريتين
سهما والأخرى منهما مع خمسمائة دينار سهما فتكون من قسمة الرد.
وقد تتأتى فيها الأنحاء الثلاثة، كما إذا اشترك اثنان في مائة كيلو غراما
من الحنطة قيمتها عشرة دنانير مع مائة كيلو غراما من الشعير قيمتها خمسة
دنانير ومائة كيلو غراما من الحمص قيمتها خمسة عشر دينارا فإذا قسمت كل
واحدة منها بانفرادها كانت قسمة افراز، وإن جعلت الحنطة مع الشعير سهما
والحمص سهما كانت قسمة تعديل، وإن جعل الحمص مع الشعير سهما
والحنطة مع خمسة دنانير سهما كانت قسمة الرد،
والظاهر صحة الجميع مع
التراضي حتى قسمة الرد مع إمكان غيرها.
مسألة 596: لا يعتبر في القسمة العلم بمقدار السهام بعد أن كانت
معدلة، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلت ثلاثة
أقسام معدلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية
الأجزاء قيمة فجعلت ثلاثة أجزاء متساوية المقدار بخشبة أو حبل لا يدري أن
طولها كم ذراع صح.
مسألة 597: إذا طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها، فإن
كانت قسمة رد أو كانت مستلزمة للضرر فللشريك الآخر الامتناع عنها ولم
يجبر عليها لو امتنع، وتسمى القسمة (قسمة تراض)، بخلاف ما إذا لم تكن
قسمة رد ولا مستلزمة للضرر فإنه يجبر عليها الممتنع لو طلبها الشريك
الآخر، وتسمى القسمة (قسمة اجبار) فإن كان المال المشترك مما لا يمكن
فيه إلا قسمة الافراز أو التعديل فلا إشكال، وأما فيما أمكن كلتاهما فإن طلب
قسمة الافراز يجبر عليها الممتنع، بخلاف ما إذا طلق قسمة التعديل، فإذا
كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء قيمة كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب
أحدهما قسمة كل نوع بانفراده قسمة افراز أجبر الممتنع، وإن طلب قسمتها
169

بالتعديل بحسب القيمة لم يجبر، وكذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران
أو دكانان فإنه يجبر الممتنع لو طلب أحد الشريكين قسمة كل منها على حده
ولم يجبر إذا طلب قسمتها بالتعديل، نعم لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة
للضرر دون قسمتها بالتعديل أجبر الممتنع على الثانية إن طلبها أحد
الشريكين دون الأولى.
مسألة 598: إذا اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل وأمكن قسمتها
قسمة افراز على نحو يصل إلى كل منهما بمقدار حصته من العلو والسفل،
وقسمتها على نحو يحصل لكل منهما حصته من العلو والسفل بالتعديل،
وقسمتها على نحو يحصل لأحدهما العلو وللآخر السفل، فإن طلب أحد
الشريكين النحو الأول ولم يستلزم الضرر يجبر الآخر لو امتنع، ولا يجبر لو
طلب أحد النحوين الآخرين، هذا مع إمكان النحو الأول وعدم استلزامه
الضرر وأما مع عدم إمكانه أو استلزامه الضرر وانحصار الأمر في النحوين
الأخيرين فالظاهر تقدم الأول فلو طلبه أحدهما يجبر الآخر لو امتنع بخلاف
الثاني، نعم لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر ولا الرد وإلا لم
يجبر كما مر.
مسألة 599: لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين جماعة
وطلب بعض الشركاء القسمة أجبر الباقون، إلا إذا استلزم الضرر من جهة
ضيقهما وكثرة الشركاء.
مسألة 600: إذا كان بينهما بستان مشتمل على نخيل وأشجار
فقسمته بأشجاره ونخيله بالتعديل قسمة إجبار إذا طلبها أحدهما يجبر
الآخر، خلاف قسمة كل من الأرض والأشجار على حده فإنها قسمة تراض
لا يجبر عليها الممتنع.
مسألة 601: إذا كانت بينها أرض مزروعة يجوز قسمة كل من الأرض
170

والزرع - قصيلا كان أو سنبلا
على حده وتكون القسمة قسمة اجبار، وأما
قسمتهما معا فهي قسمة تراض لا يجبر الممتنع عليها ألا إذا انحصرت
القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها، هذا إذا كان الزرع قصيلا أو
سنبلا، وأما إذا كان حبا مدفونا أو مخضرا في الجملة بحيث لم يمكن تعديل
السهام فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها وبقاء الزرع على إشاعته كما أنه
لا إشكال في عدم جواز قسمة الزرع مستقلا، وفي جواز قسمة الأرض بزرعها
بحيث يجعل من توابعها إشكال والأحوط قسمة الأرض وحدها وافراز الزرع
بالمصالحة.
مسألة 602: إذا كانت بينهم دكاكين متعددة متجاورة أو منفصلة، فإن
أمكن قسمة كل منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء وطلب بعض آخر منهم قسمة
بعضها في بعض بالتعديل لكي يتعين حصة كل منهم في دكان تام أو أزيد
يقدم ما طلبه الأول ويجبر البعض الآخر، إلا إذا انحصرت القسمة الخالية
عن الضرر في النحو الثاني فيجبر الأول.
مسألة 603: إذا كان بينهما حمام وشبهه مما لم يقبل القسمة الخالية
عن الضرر لم يجبر الممتنع، نعم لو كان كبيرا بحيث يقبل الانتفاع بصفة
الحمامية من دون ضرر ولو باحداث مستوقد أو بئر آخر فالأقرب الاجبار.
مسألة 604: لو كان لأحد الشريكين عشر من دار مثلا وهو لا يصلح
للسكنى ويتضرر هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب هو القسمة
بغرض صحيح يجبر شريكه ولم يجبر هو لو طلبها الآخر.
مسألة 605: يكفي في الضرر المانع عن الاجبار ترتب نقصان في
العين أو القيمة بسبب القسمة بما لا يتسامح فيه في العادة وإن لم يسقط
المال عن قابلية الانتفاع بالمرة.
مسألة 606: لا بد في القسمة من تعديل السهام ثم القرعة، وفي
171

الاكتفاء بالتراضي بعد التعديل من غير حاجة إلى القرعة وجه ولكن الأحوط
استحبابا خلافه. أما كيفية التعديل فإن كانت حصص الشركاء متساوية - كما
إذا كانوا اثنين ولكل منهما نصف أو ثلاثة ولكل منهم ثلث وهكذا - يعدل
السهام بعدد الرؤوس، فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين وثلاثة أسهم
متساويات إن كانوا ثلاثة وهكذا، ويعلم كل سهم بعلامة تميزه عن غيره، فإذا
كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء قيمة بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع متساوية
بحسب المساحة ويميز بينها إحداها الأولى والأخرى الثانية والثالثة الثالثة،
وإذا كانت دار مشتملة على بيوت بين أربعة مثلا تجعل أربعة أجزاء متساوية
بحسب القيمة وتميز كل منها بمميز كالقطعة الشرقية والغربية والشمالية
والجنوبية المحدودات بحدود كذائية. وإن كانت الحصص متفاوتة - كما إذا
كان المال بين ثلاثة سدس لعمرو وثلث لزيد ونصف لبكر - يجعل السهام
على أقل الحصص، ففي المثال السهام ستة وتعلم كل منها بعلامة كما مر.
ثم إنه إذا أمكن تعديل السهام على أنواع متعددة تختلف بحسب
الأغراض العقلائية كما يتصور ذلك في مثال الأرض المذكورة حيث يمكن
تعديل السهام على إشكال هندسية مختلفة كالمربع والمستطيل والمثلث
ونحوها فإن حصل التراضي بنوع التعديل فهو وإلا لا يجبر أحد على نوع
معين منه إلا بالقرعة.
وأما كيفية القرعة بعد التعديل ففي الأول - وهو فيما إذا كانت
الحصص متساوية - تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء رقعتان إذا كانوا اثنين
وثلاث إن كانوا ثلاثة وهكذا، ويتخير بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء على
إحداها زيد وعلى الأخرى عمرو وعلى الثالثة بكر وهكذا وبين أن يكتب عليها وأسماء
السهام على إحداها الأول وعلى الأخرى الثاني وعلى الثالثة الثالث وهكذا، ثم
تشوش وتستر ويؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة، فإن كتب عليها أسماء
172

الشركاء يعين أحد السهام كالأول مثلا ويخرج رقعة باسم ذلك السهم بقصد
أن يكون هذا السهم لكل من خرج اسمه، فكل من خرج اسمه يكون ذلك
السهم له، ثم يعين السهم الثاني، ويخرج رقعة أخرى لذلك السهم فكل من
خرج اسمه كان السهم له وهكذا، وإن كتب عليها أسماء السهام يعين أحد
الشركاء ويخرج رقعة، فكل سهم خرج اسمه كان ذلك السهم له، ثم يخرج
رقعة أخرى لشخص آخر وهكذا، وأما في الثاني - وهو ما كانت الحصص
متفاوتة كما في المثال المتقدم الذي قد تقدم أنه يجعل السهام على أقل
الحصص وهو السدس - فتؤخذ أيضا رقاع بعدد رؤوس الشركاء ويتعين فيها
كتابة أسمائهم فيكتب مثلا على إحداها زيد وعلى الأخرى عمرو وعلى
الثالثة بكر وتستر كما مر، ويقصد أن كل من خرج اسمه على سهم كان
له ذلك فإن لم يكن تمام حصته كان له أيضا ما يليه بما يكمل
تمامها، ثم يخرج إحداها على السهم الأول، فإن كان عليها اسم
صاحب السدس تعين له، ثم يخرج أخرى على السهم الثاني فإن كان عليها
اسم صاحب الثلث كان الثاني والثالث له، ويبقى الرابع والخامس والسادس
لصاحب النصف ولا يحتاج إلى إخراج الثالثة، وإن كان عليها اسم صاحب
النصف كان له الثاني والثالث والرابع ويبقى الأخيران لصاحب الثلث، وإن
كان ما خرج على السهم الأول صاحب الثلث كان الأول والثاني له، ثم
يخرج أخرى على السهم الثالث فإن خرج اسم صاحب السدس كان ذلك له
ويبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف، وإن خرج صاحب النصف كان الثالث
والرابع والخامس له ويبقى السادس لصاحب السدس، وقس على ذلك غيرها.
مسألة 607: الظاهر أنه ليست للقرعة كيفية خاصة، وإنما تكون
الكيفية تابعة لمواضعة القاسم والمتقاسمين بإناطة التعيين بأمر ليس لإرادة
المخلوق مدخلية فيه مفوضا للأمر إلى الخالق جل شأنه، سواء كان بكتابة
رقاع أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.
173

مسألة 608: إذا بنوا على التقسيم وعدلوا السهام وأوقعوا القرعة - في
مورد الحاجة إليها - فقد تمت القسمة ولا يحتاج إلى تراض آخر بعدها فضلا
عن إنشائه، نعم في قسمة الرد تتوقف على المصالحة أو نحوها كما مر.
مسألة 609: إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين
المشتركة أما بحسب الزمان بأن يسكن هذا في شهر وذاك في شهر مثلا، وأما
بحسب الأجزاء بأن يسكن هذا في الفوقاني وذاك في التحتاني مثلا، لم يلزم
على شريكه القبول ولم يجبر إذا امتنع، نعم يصح مع التراضي لكن ليس
بلازم، فيجوز لكل منهما الرجوع، هذا في شركة الأعيان، وأما في شركة
المنافع فينحصر افرازها بالمهاياة لكنها فيها أيضا غير لازمة، نعم لو حكم
الحاكم الشرعي بها في مورد لأجل حسم النزاع والجدال يجبر الممتنع
وتلزم.
مسألة 610: القسمة في الأعيان إذا وقعت وتمت لزمت ليس لأحد
من الشركاء إبطالها وفسخها، بل الظاهر أنه ليس لهم فسخها وإبطالها
بالتراضي، لأن الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها.
مسألة 611: لا تشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد
وعمرو معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث فأرادا تقسيمها قبل
استيفائها فقسماها سهمين متعادلين وجعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما وما على
البادي للآخر لم تفرز بل تبقى على إشاعتها، فكل ما حصل كل منهما يكون
لهما وكل ما يبقى على الناس يكون بينهما، ولو اشتركا في دين على أحد
واستوفى أحدهما حصته - بأن قصد كل من الدائن والمديون أن يكون ما
يأخذه وفاء وأداء لحصته من الدين المشترك - ففي تعينه له وبقاء حصة
الشريك في ذمة المديون إشكال.
174

مسألة 612: لو ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم
التعديل فيها وأنكر الآخر لا تسمع دعواه إلا بالبينة، فإن أقيمت على دعواه
انتقضت القسمة وأعيدت من جديد، وإن لم يكن بينة كان له إحلاف
الشريك.
مسألة 613: إذا اشترط أحد الشريكين على الآخر في عقد لازم عدم
القسمة إلى أجل بعينه لم تجب الإجابة عليه إلى القسمة حينئذ إلى أن ينتهي
الأجل.
مسألة 614: إذا قسم الشريكان فصار في حصة هذا بيت وفي حصة
الآخر بيت آخر وقد كان يجري ماء أحدهما على الآخر لم يكن للثاني منعه
إلا إذا اشترطا حين القسمة رد الماء عنه، ومثل ذلك لو كان مسلك البيت
الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار.
مسألة 615: لا تصح قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلا مع
اشتراطها من قبل الواقف عند وقوع التشاح بينهم أو مطلقا، نعم يجوز
تقسيمه بمعنى تخصيص انتفاع كل قسم منه ببعض الموقوف عليهم ما لم
يكن ذلك منافيا لشرط الواقف.
مسألة 616: تصح إفراز الوقف عن الملك المطلق بالقسمة بأن كان
ملك واحد نصفه المشاع وقفا ونصفه ملكا، بل الظاهر جواز إفراز وقف عن
وقف آخر، وهو فيما إذا كان ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصته على ذريته
مثلا والآخر حصته على ذريته فيجوز افراز أحدهما عن الآخر بالقسمة،
والمتصدي لذلك الموجودون من الموقوف عليهم وولي البطون اللاحقة.
175

كتاب المضاربة
المضاربة هي عقد واقع بين شخصين على أن يدفع أحدهما إلى
الآخر مالا ليعمل به على أن يكون الربح بينهما.
مسألة 617: يعتبر في المضاربة أمور:
الأول: الايجاب من المالك والقبول من العامل، ويكفي في
الايجاب كل لفظ يفيده عرفا كقوله (ضاربتك) أو (قارضتك) وفي القبول
(قبلت) وشبهه، وتجري المعاطاة والفضولية في المضاربة فتصح بالمعاطاة
وإذا وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصح بإجازتهما.
الثاني البلوغ والعقل والاختيار في كل من المالك والعامل.
وأما عدم الحجر من سفه أو فلس فهو إنما يعتبر في المالك دون
العامل إذا لم تستلزم المضاربة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
الثالث: تعيين حصة كل منهما من الربح بالكسور من نصف
أو ثلث أو نحو ذلك إلا أن يكون هناك تعارف خارجي ينصرف إليه الاطلاق.
الرابع: أن يكون المال معلوما قدرا ووصفا، ولا يعتبر أن يكون معينا
فلو أحضر المالك مالين مستلزمين من حيث القدر والصفات وقال (قارضتك)
بأحدهما صحت وإن كان الأحوط أن يكون معينا.
الخامس: أن يكون الربح بينهما فلو شرط مقدار منه لأجنبي لم تصح
المضاربة إلا إذا اشترط عليه القيام بعمل متعلق بالتجارة المتفق عليها في المضاربة.
السادس: أن يكون الاسترباح بالتجارة فلو دفع إلى شخص مالا
ليصرفه في الاسترباح بالزراعة أو في بشراء الأشجار أو الأنعام أو نحو ذلك
ويكون الحاصل والنتاج بينهما أو دفع إلى الطباخ أو الخباز أو الصباغ مثلا
176

مالا ليصرفوه في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما لم تقع مضاربة ولكن
يمكن تصحيحها جعالة.
السابع: أن يكون العامل قادرا على التجارة فيما كان المقصود مباشرته
للعمل فإذا كان عاجزا عنه لم تصح.
هذا إذا أخذت المباشرة قيدا، وأما إذا كانت شرطا لم تبطل المضاربة
ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلف الشرط.
وأما إذا لم يكن لا هذا ولا ذاك وكان العامل عاجزا عن التجارة حتى
مع الاستعانة بالغير بطلت المضاربة.
ولا فرق في البطلان بين تحقق العجز من الأول وطروه بعد حين
فتنفسخ المضاربة من حين طرو العجز.
مسألة 618: لا فرق بين أن يقول المالك خذ هذا المال قراضا ولكل
منا نصف الربح وبين أن يقول والربح بيننا، أو يقول ولك نصف الربح أو لي نصف
الربح في أن الظاهر أنه جعل لكل منهما نصف الربح، وكذلك لا فرق بين أن يقول
خذه قراضا ولك نصف ربحه أو يقول لك ربح نصفه، فإن مفاد الجميع واحد عرفا.
مسألة 619: تصح المضاربة بغير الذهب والفضة المسكوكين بسكة
المعاملة من الأوراق النقدية ونحوها، وفي صحتها بالمنفعة والدين إشكال.
مسألة 620: تصح المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كانت
دنانير معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي من
هذه الدنانير صح مع العلم بمقدار حصته.
مسألة 621: إذا دفع إلى غيره عروضا وقال بعها وخذ ثمنها قراضا فنفذ
ذلك صح على الأقرب.
مسألة 622: إذا كان له دين على أحد يجوز أن يوكل أحدا في
استيفائه ثم إيقاع المضاربة عليه، بأن يكون موجبا من طرف المالك وقابلا
177

من نفسه، وكذا لو أراد أن يكون المدين هو العامل فإنه يجوز أن يوكله في
قبض ما يعينه من دنانير أو دراهم وفاء لدينه ثم إيقاع عقد المضاربة عليها
موجبا وقابلا من الطرفين.
مسألة 623: لا يعتبر في صحة المضاربة أن يكون المال بيد العامل
فلو كان بيد المالك وتصدى العامل للمعاملة صحت.
مسألة 624: إذا كان لشخص مال في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه
عليه صح.
مسألة 625: إذا كان مال غيره في يده على وجه الضمان بغصب
ونحوه فضاربه عليه مالكه فهل يرتفع الضمان بذلك أم لا؟ قولان، الأقوى هو
الأول، وذلك لأن عقد المضاربة في نفسه وإن لم يقتض رضا المالك ببقاء
المال في يده لما عرفت من أنه لا يعتبر في صحته كون المال بيد العامل إلا
أن عقد المضاربة من المالك على ذلك المال قرينة عرفية على رضاه ببقاء
هذا المال في يده وتصرفه فيه.
نعم إذا لم تكن قرينة على ذلك لم يرتفع الضمان.
مسألة 626: المضاربة الإذنية عقد جائز من الطرفين بمعنى أن
للمالك أن يسحب إذنه في تصرف العامل في ماله متى شاء كما إن للعامل
أن يكف عن العمل متى ما أراد سواء أكان قبل الشروع في العمل أو بعده
وسواء أكان قبل تحقق الربح أو بعده وسواء أكان العقد مطلقا أو مقيدا بأجل
خاص. نعم لو اشترطا عدم فسخه إلى أجل معين - بمعنى التزامهما بأن لا
يفسخاه إلى حينه - صح الشرط ووجب العمل به سواء جعلا ذلك شرطا
في ضمن نفس العقد أو في ضمن عقد خارج لازم ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخ
أيهما وإن كان الفاسخ آثما.
مسألة 627: لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو
178

لغيره إلا مع إذن المالك خصوصا أو عموما كأن يقول: (أعمل به على حسب
ما تراه مصلحة) فيجوز الخلط إن رآه مصلحة، ولو خلط بدون إذنه ضمن ما
تلف تحت يده من ذلك المال ولكن هذا لا يضر بصحة المضاربة بل هي
باقية على حالها والربح بينهما على النسبة.
مسألة 628: مع إطلاق العقد يجوز البيع حالا ونسيئة إذا كان البيع
نسيئة أمرا متعارفا في الخارج يشمله الاطلاق، وأما إذا لم يكن أمرا متعارفا فلا
يجوز بدون الإذن الخاص.
مسألة 629: لو خالف العامل المضارب وباع نسيئة بدون إذنه فعندئذ
إن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو، وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء
فإن أجاز صح البيع وإلا بطل.
مسألة 630: إطلاق العقد لا يقتضي بيع الجنس بالنقد المتعارف بل
يجوز بيعه بغيره - نقدا كان أو بضاعة - إلا مع انصراف الاطلاق عنه لتعارف
أو غيره.
مسألة 631: العامل أمين لا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيب تحت
يده إلا مع التعدي أو التفريط كما أنه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في
التجارة بل هي واردة على صاحب المال، ولو اشترط المالك على العامل أن
يكون شريكا معه في الخسارة كما يكون شريكا معه في الربح بطل الشرط،
ولو اشترط أن يكون تمام الخسارة عليه فالأظهر صحة الشرط ولكن يكون
تمام لربح للعامل أيضا من دون مشاركة المالك فيه، ولو اشترط عليه أن
يتحمل الخسارة - بعضا أو كلا - أي يتداركها من ماله صح الشرط ولزم الوفاء
به.
مسألة 632: يجب على العامل بعد عقد المضاربة العمل بما يعتاد
بالنسبة إليه، وعليه أن يتولى ما يتولاه التاجر لنفسه من الأمور المتعارفة في
179

التجارة اللائقة بحاله، فيجوز له استئجار من يكون متعارفا استئجاره كالدلال
والحمال والوزان والكيال والمحل وما شاكل ذلك.
ومن هنا يظهر أنه لو استأجر فيما كان المتعارف مباشرته فيه بنفسه
فالأجرة من ماله لا من أصل المال كما أنه لو تولى ما يتعارف الاستئجار فيه جاز
له أن يأخذ الأجرة أن لم يتصد له مجانا.
مسألة 633: كما يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة بأن يعين
دراهم شخصية ويشتري بها شيئا كذلك يجوز له الشراء بالكلي في الذمة
على أن يدفعه من مال المضاربة، كأن يشتري بضاعة بألف درهم كلي على
ذمة المالك على أن يؤديه من رأس المال، ولو تلف رأس المال حينئذ قبل
أدائه بطل الشراء إلا أن يجيزه المالك فيؤديه من مال آخر، وهكذا الحال لو
اشترى شيئا نسيئة على ذمة المالك بإذنه فتلف رأس المال قبل أدائه، ولو
كان الشراء بالثمن الكلي في المعين فتلف مال المضاربة قبل أدائه بطل
الشراء ولا يصحح بالإجازة.
مسألة 634: لا يجوز للعامل أن يسافر بمال المضاربة برا وبحرا وجوا
والاتجار به في بلاد أخر غير بلد المال إلا مع إذن المالك أو كونه متعارفا - ولو
بالنسبة إلى ذلك البلد أو الجنس - بحيث لا ينصرف الاطلاق عنه، ولو سافر
ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل الربح يكون بينهما كما مر، وكذا لو
أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
مسألة 635: ليس للعامل أن ينفق في الحضر على نفسه من مال
المضاربة شيئا وإن قل وكذا الحال في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأما
لو كان بإذنه فله الانفاق من رأس المال إلا إذا اشترط المالك أن تكون نفقته
على نفسه، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه من المأكل والمشرب والملبس
والمسكن وأجرة الركوب وغير ذلك مما يصدق عليه النفقة اللائقة بحاله على
180

وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه ولو قتر على نفسه أو حل ضيفا عند
شخص فلم يحتج إليها لم يحسب له، ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه
وضيافاته وغير ذلك فهي على نفسه إلا إذا كانت لمصلحة التجارة.
مسألة 636: المراد بالسفر المجوز للانفاق من المال هو العرفي لا
الشرعي، فيشمل ما دون المسافة، كما أنه يشمل إقامته عشرة أيام أو أزيد
في بعض البلاد، فيما إذا كان لأجل عوارض السفر كما إذا كان للراحة من
التعب أو لانتظار الرفقة أو لخوف الطريق وغير ذلك، أو لأمور متعلقة بالتجارة
كما إذا كان لدفع الضربية وأخذ الوصل بها، وأما إذا بقي للتفرج أو لتحصيل
مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه خصوصا لو كانت الإقامة
لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل.
مسألة 637: إذا كان الشخص عاملا لاثنين مثلا أو عاملا لنفسه ولغيره
فسافر لأجل إنجاز العملين فإن كان سفره بتمامه مقدمة لكليهما توزعت نفقته
عليهما بالسوية، وإن كان بعضه مقدمة لأحدهما بالخصوص توزعت عليهما
بالنسبة، فلو توقف إنجاز أحد العملين على المقام في بلدة يوما واحدا وتوقف
إنجاز الثاني على المقام فيها خمسة أيام كانت نفقته في الأيام الأربعة الباقية
على الثاني.
مسألة 638: لا يشترط في استحقاق العامل النفقة تحقق الربح بل
ينفق من أصل المال نعم إذا حصل الربح بعد هذا تحسب منه ويعطى
المالك تمام رأس ماله فإن بقي شئ من الربح يكون بينهما.
مسألة 639: إذا مرض العامل في السفر فإن لم يمنعه من شغله فله
أخذ النفقة نعم ليس له أخذ ما يحتاج إليه للبرء من المرض، وأما إذا منعه عن
شغله فليس له أخذ النفقة على الأحوط.
مسألة 640: إذا فسخ العامل عقد المضاربة في أثناء السفر أو انفسخ
فنفقة الرجوع عليه لا على المال المضارب به.
181

مسألة 641: إذا اتجر العامل برأس المال وكانت المضاربة فاسدة فإن
لم يكن الإذن في التصرف مقيدا بصحة المضاربة صحت المعاملة ويكون
تمام الربح للمالك، وإن كان الإذن مقيدا بصحة العقد كانت المعاملة
فضولية فإن أجاز المالك صحت وإلا بطلت.
وأما العامل فيستحق أقل الأمرين من أجرة مثل عمله وما جعل له من
الربح، وعلى هذا إذا لم تكن التجارة رابحة أو كان فساد المضاربة من جهة
اشتراط تمام الربح للمالك لم يستحق العامل عليه شيئا.
مسألة 642: يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة الاتجار بالمال
على حسب ما يراه من المصلحة من حيث الجنس المشتري والبائع
والمشتري ومكان البيع وغير ذلك، نعم لو شرط عليه المالك أن لا يشتري
الجنس المعين أو إلا الجنس المعين أو لا يبيع من الشخص المعين أو يبيع
بسعر معين أو في بلد معين أو سوق معين لم يجز له التعدي والمخالفة، ولو
خالف فالأظهر صحة المعاملة فإن كانت رابحة شارك المالك في الربح على
ما قرراه وإن كانت خاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو التلف.
مسألة 643: يجوز أن يكون المالك واحدا والعامل متعددا سواء أكان
المال أيضا واحدا أو كان متعددا، وسواء أكان العمال متساوين في مقدار
الجعل في العمل أم كانوا متفاضلين.
وكذا يجوز أن يكون المالك متعددا والعامل واحدا بأن كان المال
مشتركا بين اثنين أو أزيد فقارضا شخصا واحدا.
مسألة 644: إذا كان المال مشتركا بين شخصين وقارضا واحدا
واشترطا له النصف وتفاضلا في النصف الآخر بأن جعل لأحدهما أكثر من
الآخر مع تساويهما في رأس المال أو تساويا فيه بأن كانت حصة كل منهما
182

مساوية لحصة الآخر مع تفاضلهما في رأس المال فلا يبعد صحة المضاربة
وإن لم تكن الزيادة في مقابل عمل.
ولو كان المقصود من ذلك النقص على حصة العامل - بمعنى أن
أحدهما قد جعل للعامل في العمل بماله أقل مما جعله الآخر، مثلا جعل
أحدهما له ثلث ربح حصته وجعل الآخر له ثلثي ربح حصته - صحت
المضاربة بلا إشكال.
مسألة 645: إذا كان رأس المال مشتركا بين شخصين فضاربا واحدا
ثم فسخ أحد الشريكين دون الآخر فالظاهر بقاء عقد المضاربة بالإضافة إلى
حصة الآخر.
مسألة 646: لو ضارب بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة وقعت
المضاربة فضولية، فإن أجازها المالك وقعت له ويترتب عليها حكمها من أن
الخسران عليه والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه، وإن ردها فإن كان
قبل أن يعامل بماله طالبه ويجب على العامل رده إليه، وإن تلف أو تعيب كان
له الرجوع على كل من المضارب والعامل مع تسلمه المال ولكن يستقر
الضمان على من تلف أو تعيب المال عنده، نعم إذا كان هو العامل وكان جاهلا
بالحال مع علم المضارب به فقرار الضمان على المضارب دون العامل، وإن
كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضولية، فإن أمضاها وقعت له وكان تمام
الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردها رجع بماله إلى كل من شاء من
المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير
حصول الربح ويردها على تقدير وقوع الخسران، بأن يلاحظ مصلحته فإذا
رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردها.
هذا حال المالك مع كل من المضارب والعامل، وأما معاملة العامل
مع المضارب فإذا لم يعمل عملا لم يستحق شيئا، وكذا إذا عمل وكان عالما
183

بكون المال لغير المضارب، وأما إذا عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحق على
المضارب أقل الأمرين من أجرة مثل عمله والحصة المقررة له من الربح
إن كان هناك ربح وإلا لم يستحق شيئا.
مسألة 647: تبطل المضاربة الإذنية بموت كل من المالك والعامل
أما على الأول فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته فإبقاء المال بيد العامل
يحتاج إلى مضاربة جديدة، وأما على الثاني فلفرض اختصاص الإذن به.
مسألة 648: لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في الاتجار أو يستأجر
شخصا لذلك - بأن يوكل إلى الغير أصل التجارة - إلا أن يأذن له المالك، فلو
فعل ذلك بدون أذنه وتلف ضمن.
نعم لا بأس بالاستئجار أو التوكيل في بعض المقدمات والمعاملات
حسب ما هو المتعارف في الخارج بحيث لا ينصرف عنه الاطلاق.
مسألة 649: لا يجوز للعامل أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلا بإذن
المالك، ومع الإذن إذا ضارب غيره كان مرجعه إلى نسخ المضاربة الأولى
وإيقاع مضاربه جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره
بالاشتراك، وأما لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون
العامل الثاني عاملا للعامل الأول - فصحته لا تخلو عن إشكال.
مسألة 650: يجوز لكل من المالك والعامل أن يشترط على الآخر في
ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا كخياطة ثوب أو نحوها أو ايقاع بيع أو
صلح أو وكالة أو قرض أو نحو ذلك ويجب الوفاء بهذا الشرط ما دام العقد
باقيا لم يفسخ سواء أتحقق الربح بينهما أم لم يتحقق، وسواء أكان عدم
تحقق الربح من جهة مانع خارجي أم من جهة ترك العامل العمل بالتجارة.
مسألة 651: الظاهر أنه يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره
ولا يتوقف على الانضاض - بمعنى جعل الجنس نقدا - ولا على القسمة،
184

كما أن الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة،
وسيأتي حكم مطالبته بالقسمة ونفوذ تصرفاته في حصته بالبيع أو الهبة
أو نحوهما في المسألة (656) و (658).
مسألة 652: الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما
دامت المضاربة باقية فملكية العامل له بالظهور متزلزلة كلها أو بعضها
بعروض الخسران فيما بعد إلى أن تستقر، والاستقرار يحصل بانتهاء أمد
المضاربة أو حصول الفسخ ولو من غير انضاض ولا قسمة، وهل تكون قسمة
تمام الربح والمال بينهما فسخا فيحصل بها الاستقرار؟ الظاهر ذلك.
مسألة 653: كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به
التلف، فلو كان المال الدائر في التجارة تلف بعضها بسبب غرق أو حرق أو
سرقة أو غيرها وربح بعضها يجبر تلف البعض بربح البعض حتى يكمل
مقدار رأس المال لرب المال، فإذا زاد عنه شئ يكون بينهما.
مسألة 654: إذا اشترط العامل على المالك في عقد المضاربة عدم
كون الربح جابرا للخسران المتقدم على الربح أو المتأخر عنه فالظاهر
الصحة.
مسألة 655: إذا ضاربه على خمسمائة دينار مثلا فدفعها إليه وعامل
بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة أخرى للمضاربة فالظاهر أنهما
مضاربتان فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى، نعم لو ضاربه على ألف
دينار مثلا فدفع إليه خمسمائة أولا فعامل بها ثم دفع إليه خمسمائة أخرى
فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كل من التجارتين بربح الأخرى.
مسألة 656: إذا ظهر الربح وتحقق في الخارج فطلب أحدهما قسمته
فإن رضى الآخر فلا مانع منهما وإن لم يرض لم يجبر عليها إلا إذا طلب
الأول الفسخ.
185

مسألة 657: إذا اقتسما الربح ثم عرض الخسران على رأس المال
فإن حصل بعده ربح جبر به إذا كان بمقداره أو أكثر وأما إذا كان أقل منه أو
لم يحصل ربح وجب على العامل رد أقل الأمرين مما أخذه من الربح وما
تجبر به الخسارة الفعلية من الربح المأخوذ.
مسألة 658: إذا تصرف العامل في حصته من الربح تصرفا ناقلا كبيع
أو هبة ثم طرأت الخسارة على رأس المال فإن لم يكن تصرفه بموافقة المالك
لم يصح وإلا صح، ولكن إذا كانت موافقته مشروطة بقيام العامل بدفع أقل
الأمرين مما تصرف فيه من الربح وما يخص المتصرف فيه من الخسارة على
تقدير طروها ولم يفعل العامل ذلك بطل تصرفه إلا أن يجيزه المالك.
مسألة 659: لا فرق في جبر الخسارة والتلف بالربح بين الربح
السابق واللاحق ما دام عقد المضاربة باقيا، بل الأظهر الجبر وإن كان
التلف قبل الشروع في التجارة كما إذا سرق في أثناء سفر التجارة قبل
الشروع فيها أو في البلد قبل الشروع في السفر.
هذا في تلف البعض، وأما لو تلف الجميع قبل الشروع في التجارة
فالظاهر أنه موجب لبطلان المضاربة إلا فيما إذا كان تلفه على وجه مضمون
على الغير فإن المضاربة لا تبطل حينئذ مع قيام ذلك الغير بتعويض المالك
عما تلف.
مسألة 660: إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فإن كان قبل
الشروع في العمل ومقدماته فلا اشكال ولا شئ للعامل كما لا شئ عليه
وكذا إن كان بعد تمام العمل والانضاض إذ مع حصول الربح يقتسمانه ومع
عدمه يأخذ المالك رأس ماله ولا شئ للعامل ولا عليه.
مسألة 661: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ في الأثناء بعد التشاغل
بالعمل فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شئ ولا أجرة لما مضى من
186

عمله سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ القهري، ولو كان
في المال عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون إذن المالك كما أنه ليس
للمالك الزامه بالبيع والانضاض، وإن كان بعد حصول الربح فإن كان بعد
الانضاض فقد تم العلم فيقتسمان الربح ويأخذ كل منهما حقه، وإن كان قبل
الانضاض فعلى ما مر من تملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره شارك
المالك في العين فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظر إلى أن تباع
العروض ويحصل الانضاض كان لهما ذلك ولا اشكال، وأما إن طالب
أحدهما بالقسمة ولم يرض الآخر أجبر عليها إلا إذا كانت قسمة رد أو كانت
مستلزمة للضرر كما هو شأن الأموال المشتركة على ما تقدم من كتاب
الشركة.
مسألة 662: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك
وصرف مقدار من رأس المال في نفقته ففي ضمانه لما صرفه وعدمه وجهان،
فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 663: إذا كانت في مال المضاربة ديون فهل يجب على العامل
أخذها بعد الفسخ أو الانفساخ أو لا وجهان، والأحوط إن لم يكن أقوى إجابة
المالك لو طلب منه ذلك.
مسألة 664: لا يجب على العامل بعد الفسخ إلا التخلية بين المالك
وبين ماله وأما الايصال إليه فلا يجب، نعم إذا أرسله إلى بلد آخر غير بلد
المالك وجب الرد إلى بلده على الأظهر.
مسألة 665: إذا اختلف المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي
أعطاه للعامل بأن ادعى المالك الزيادة وأنكرها العامل قدم قول العامل مع
يمينه إذا لم تكن للمالك بينة عليها، ولا فرق في ذلك بين كون رأس المال
موجودا أو تالفا مع ضمان العامل.
هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في
187

مقدار نصيب العامل من الربح كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم
أن الذي بيده هو مال المضاربة، إذ حينئذ النزاع في قلة رأس المال وكثرته
يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود إذ على
تقدير قلة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر فيكون نصيب العامل أزيد
وعلى تقدير كثرته بالعكس، فالقول حينئذ قول المالك مع يمينه إذا لم تكن
بينة للعامل عليها.
مسألة 666: إذا اختلفا في المقدار الذي جعل نصيبا للعامل في
أصل المضاربة بأن يدعي المالك الأقل والعامل يدعي الأكثر فالقول قول
المالك بيمينه إذا لم يكن للعامل بينة عليها.
مسألة 667: إذا ادعى المالك على العامل الخيانة والتقصير ولم يكن
له بينه فالقول قول العامل بيمينه.
مسألة 668: لو ادعى المالك على العامل مخالفته لما شرط عليه ولم
يكن له بينة قدم قول العامل بيمينه سواء أكان النزاع في أصل الاشتراط أو في
مخالفته لما شرط عليه، كما إذا ادعى المالك أنه قد اشترط عليه أن لا يشتري
الجنس الفلاني وقد اشتراه فخسروا أنكر العامل أصل هنا الاشتراط أو أنكر
مخالفته لما اشترط عليه، نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما
لا يجوز للعامل إلا بإذنه كما لو سافر بالمال فتلف أو خسر فادعى كونه بإذن
المالك وأنكره قدم قول المالك بيمينه.
مسألة 669: لو ادعى العامل التلف وأنكره المالك قدم قول العامل
وكذا الحال إذا ادعى الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع فرض كونه
مأذونا في المعاملات النسيئة، ولا فرق في سماع قول العامل في هذه الفروض
بين أن تكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده، بل الأظهر سماع قوله حتى
188

فيما إذا ادعى بعد الفسخ التلف بعده إلا إذا كان بقاء المال في يده بعد
الفسخ على وجه مضمون عليه.
مسألة 670: لو اختلفا في الربح ولم يكن بينة قدم قول العامل سواء
اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره، بل وكذا الحال فيما إذا قال العامل
ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
مسألة 671: إذا ادعى العامل رد المال إلى المالك وأنكره قدم قول
المالك بيمينه.
مسألة 672: إذا اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها
لنفسي وقال المالك اشتريتها للقراض، أو ظهر خسران فادعى العامل أنه
اشتراها للقراض وقال صاحب المال بل اشتريتها لنفسك قدم قول العامل
بيمينه.
مسألة 673: إذا حصل تلف أو خسارة فادعى المالك القرض ليحق
له المطالبة بالعوض وادعى العامل المضاربة ليدفع التلف والخسارة عن نفسه
قدم قول العامل بيمينه ويكون التلف والخسارة على المالك.
مسألة 674: إذا حصل ربح بما يزيد حصة العامل منه على أجرة مثل
عمله فادعى المالك المضاربة الفاسدة لئلا يكون عليه غير أجرة المثل
ويكون الربح له بتمامه، وادعى العامل القرض ليكون له الربح فالقول قول
المالك بيمينه وبعده يحكم بكون الربح للمالك وثبوت أجرة المثل للعامل.
مسألة 675: إذا ادعى المالك أنه أعطاه المال بعنوان البضاعة - وهي
دفع المال إلى الغير للتجارة مع كون الربح للمالك - فلا يستحق العامل شيئا
عليه، وادعى العامل المضاربة لتكون له حصة من الربح قدم قول المالك
بيمينه فيحلف على نفي المضاربة فلا يكون للعامل شئ ويكون تمام الربح -
لو كان - للمالك، ولو لم يكن ربح أصلا فلا ثمرة في هذا النزاع.
189

مسألة 676: تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدمة
إنما بعد فيما إذا لم يكن خالفا للظاهر وإلا قدم قول خصمه بيمينه إذا لم يكن
كذلك مثلا لو اختلفا في رأس المال فادعى العامل كونه بمقدار ضئيل لا
يناسب جعله رأس مال في التجارة المقررة في المضاربة وادعى المالك
الزيادة عليه بالمقدار المناسب قدم قول المالك بيمينه، وكذا لو اختلفا في
مقدار نصيب العامل من الربح فادعى المالك قلته بمقدار لا يجعل عادة
لعامل المضاربة كواحد في الألف وادعى العامل الزيادة عليه بالمقدار
المتعارف قدم قول العامل بيمينه، وهكذا في سائر الموارد.
مسألة 677: إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتجار به
وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة على تعطيله وعد متدانيا متسامحا
كالتأخير بضعة أشهر مثلا، فإن عطله كذلك ضمنه لو تلف لكن لم يستحق
المالك عليه غير أصل المال، وليس له مطالبة بالربح الذي كان يحصل على
تقدير الاتجار به.
مسألة 678: يجوز ايقاع الجعالة على الاتجار بمال وجعل الجعل
حصة من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلا إذا اتجرت بهذا المال وحصل
ربح فلك نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط
فيها ما يشترط في المضاربة فلا يعتبر كون رأس المال من النقدين أو ما
بحكمهما بل يجوز أن يكون دينا أو منفعة.
مسألة 679: يجوز للأب والجد المضاربة بمال الصغير مع عدم
المفسدة، وكذا القيم الشرعي كالوصي والحاكم الشرعي مع الأمن من
الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة، بل يجوز للوصي على ثلث الميت أن
يدفعه إلى الغير بالمضاربة وصرف حصة الميت من الربح في المصارف
المعينة للثلث إذا أوصى به الميت، بل وإن لم يوص به لكن فوض أمر الثلث
بنظر الوصي فرأى الصلاح في ذلك.
190

مسألة 680: إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة فإن علم
بوجوده فيما تركه بعينه فلا اشكال، وإن علم بوجوده فيه من غير تعيين - بأن
كان ما تركه مشتملا على مال نفسه ومال المضاربة أو كان عنده أيضا ودائع
أو بضائع لا ناس آخرين واشتبه أعيانها بعضها مع بعض يعمل بما هو العلاج
في نظائره من اشتباه أموال ملاك متعددين بعضها مع بعض، وهل هو بإيقاع
المصالحة أو باعمال القرعة أو بايقاع الأولى فإن لم يتيسر فباعمال الثانية؟
وجوه أظهرها الأخير.
نعم لو علم المال جنسا وقدرا وقد امتزج بمال العامل على نحو تحصل
به الشركة يكون المجموع مشتركا بين رب المال وورثة الميت فيقاسمانه
بالنسبة.
مسألة 681: إذا مات العامل وعلم بعدم بقاء مال المضاربة في تركته
واحتمل أنه قد رده إلى مالكه أو تلف بتقصير منه أو بغيره فالظاهر أنه لا يحكم
على الميت بالضمان ويكون الجميع لورثته بلا تعلق حق المالك بها، وكذا لو
احتمل بقاؤه فيها على الأظهر.
191

كتاب الوديعة
الوديعة هي: (جعل صيانة عين وحفظها على عهدة الغير) ويقال
للجاعل (المودع) ولذلك الغير (الودعي) و (المستودع).
مسألة 682: تحصل الوديعة بايجاب من المودع بلفظ أو فعل مفهم
لمعناها - ولو بحسب القرائن - وبقبول من الودعي دال على التزامه بالحفظ
والصيانية.
مسألة 683: إذا طلب شخص من آخر أن يكون ماله وديعة لديه فلم
يوافق على ذلك ولم يتسلمه منه ومع ذلك تركه المالك عنده ومضى فتلف
المال لم يكن ضامنا، وإن كان الأولى أن يحفظه بقدر الامكان.
مسألة 684: من لا يتمكن من حفظ الوديعة لا يجوز له قبولها على
الأقوى، ولو تسلمها كان ضامنا، نعم مع علم المودع بحاله يجوز له القبول
ولا ضمان عليه.
مسألة 685: الوديعة جائزة من الطرفين وإن كانت مؤجلة فيجوز لكل
منهما فسخها متى شاء، نعم مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين - بمعنى
التزام المشروط عليه بأن لا يفسخها إلى حينه - يصح الشرط ويجب عليه
العمل به سواء جعل ذلك شرطا في ضمن نفس عقد الوديعة أو في ضمن
عقد خارج لازم ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخه وإن كان آثما.
مسألة 686: لو فسخ الودعي الوديعة وجب عليه أن يوصل المال فورا
إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو يخبره بذلك، وإذا لم يفعل من دون عذر شرعي
وتلف فهو ضامن.
مسألة 687: يعتبر في المودع والودعي: البلوغ والعقل والاختيار
192

والقصد فلا يجوز استقلال الصبي بايداع ماله عند آخر وإن كان مميزا وأذن
وليه في ذلك، كما لا يصح استيداعه مطلقا، نعم يجوز أن يودع الطفل
المميز مال غيره بإذنه كما مر نظيره في البيع، ويعتبر في المودع أيضا أن لا
يكون سفيها ولا محجورا عليه لفلس إلا إذا لم تكن الوديعة من أمواله التي
حجر عليها، كما يعتبر في الودعي أن لا يكون محجورا عليه في ماله لسفه
أو فلس إذا كانت صيانة الوديعة وحفظها تتوقف على التصرفات الناقلة أو
المستهلكة فيه.
مسألة 688: لا يجوز تسلم ما يودعه الصبي من أمواله ومن أموال غيره
بدون إذن مالكه، فإن تسلمه الودعي ضمنه ووجب رد مال الطفل إلى وليه،
ورد مال الغير إلى مالكه، نعم لو خيف على ما في يد الطفل من التلف
والهلاك جاز أخذه منه حسبة ووجب رده إلى الولي أو المالك ولا يضمنه
الآخذ حينئذ من دون تعد أو تفريط.
مسألة 689: إذا أودع عند الصبي أو المجنون مالا لم يضمناه
بالتلف، بل ولا بالاتلاف إذا لم يكونا مميزين، وإلا ضمناه بالاتلاف ولا
يضمنانه بمجرد القبض، وفي ضمانهما بالتفريط والاهمال اشكال والأظهر
عدم الضمان.
مسألة 690: يجب على الودعي حفظ الوديعة بما جرت العادة
بحفظها به ووضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب
والدراهم والحلي ونحوها والاصطبل المضبوط بالغلق للدابة، وبالجملة
حفظها في محل لا يعد معه عند العرف مضيعا ومفرطا وخائنا، حتى فيما إذا
علم المودع بعدم وجود حرز مناسب لها عند الودعي فيجب عليه بعدما قبل
الاستيداع تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه، وكذا يجب عليه القيام
بجميع ماله دخل في صونها من التعيب أو التلف كالثوب ينشره في
193

الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم والدابة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحر والبرد
فلو أهمل وقصر في ذلك ضمنها.
مسألة 691: إذا عين المودع لحفظ ماله محلا وقال للودعي: (احفظه
هنا ولا تنقله إلى محل آخر وإن احتملت تلفه فيه) لم يكن له حينئذ أن ينقله
إلى محل آخر ولو فعل وتلف ضمن، نعم إذا علم بأن بقاءه في ذلك المحل
يؤدي إلى تلفه وهلاكه جاز له نقله منه إلى مكان يؤمن عليه من ذلك.
مسألة 692: إذا عين المودع للوديعة محلا معينا وكان ظاهر كلامه
- ولو بحسب القرائن - أنه لا خصوصية لذلك المحل عنده وإنما كان تعيينه
نظرا إلى أنه أحد موارد حفظه فللودعي أن يضعه في محل آخر أحفظ من
المحل الأول أو مثله، ولو تلف المال - حينئذ - لم يضمن.
مسألة 693: لو تلفت الوديعة في يد الودعي من دون تعد منه ولا
تفريط لم يضمنها وكذا لو أخذها منه ظالم قهرا سواء انتزعها من يده أو أمره
بدفعها إليه بنفسه فدفعها كرها، نعم لو سبب إلى استيلائه عليها ضمنها بل
يضمنها بمجرد الاخبار بوجودها عنده أو اظهارها للغير في محل يكون بذلك
في معرض اطلاع الظالم واستيلائه عليها ما لم يرتفع خطره عنها.
مسألة 694: لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل المشروعة الموجبة لسلامة
الوديعة وجب حتى أنه لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على
ذلك جاز بل وجب فإن لم يفعل ضمن، وفي وجوب التورية عليه مع التفاته
إليها وتيسرها له اشكال وإن كان هو الأحوط لزوما.
مسألة 695: إذا كانت مدافعته الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه
من جرح وغيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله لا يجب تحمله، بل لا
يجوز في بعض مراتبها، نعم لو كان ما يترتب عليها يسيرا جدا بحيث يتحمله
غالب الناس - كما إذا تكلم معه بكلام خشن لا يكون هاتكا له بالنظر إلى
شرفه ورفعة قدره وإن تأذى منه بالطبع - فالظاهر وجوب تحمله.
194

مسألة 696: لو توقف رفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره،
فإن كان يندفع بدفع بعضها وجب، فلو أهمل فأخذ الظالم كلها ضمن
المقدار الزائد على ما يندفع به منها لاتمامها، فلو كان يندفع بدفع نصفها
فأهمل فأخذ تمامها ضمن النصف ولو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل
ضمن الثلثين وهكذا، وكذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان
وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما فأهمل حتى أخذ كلتيهما فإن كان يندفع
بإحداهما العين ضمن الأخرى، وإن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرها
قيمة، ولو توقف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من الودعي لم يجب عليه
دفعه تبرعا ومجانا، وأما مع الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستيذان منه
أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم، فإن دفع بلا استيذان
لم يستحق الرجوع به عليه وإن كان من قصده ذلك، ولن لم يمكن الاستيذان
فإن كان يعد عرفا مقصرا في حفظ الوديعة لو لم يدفع المال لأجله وجب عليه
دفعه ويجوز له الرجوع به على المالك إذا كان من قصده الرجوع عليه.
مسألة 697: لو كانت الوديعة دابة يجب عليه سقيها وعلفها بالمقدار
المتعارف ولو لم يأمره المالك بذلك بل ولو نهاه عنه إذا كان تركه مؤديا إلى
تلفها، ولا يجب أن يكون ذلك بمباشرته وأن يكون ذلك في موضعها، فيجوز
أن يسقيها بخادمه مثلا، وكذا يجوز اخراجها من منزله للسقي وإن أمكن
سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك، نعم لو كان الطريق مخوفا لم
يجز اخراجها، كما أنه لا يجوز أن يولي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلا مع
مصاحبته أو مصاحبة أمين معه، وبالجملة لا بد من مراعاة حفظها على
المعتاد بحيث لا يعد معها عرفا مفرطا ومتعديا.
هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها، وأما بالنسبة إلى نفقتها فإن
195

وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو أذن له - ولو ضمنا - في الانفاق عليها من
ماله على ذمته فلا اشكال، وإلا فالواجب أولا الاستيذان من المالك أو
وكيله، فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحا ولو ببيع بعضها
للنفقة، فإن تعذر الحاكم أنفق هو من ماله ويجوز له الرجوع به على المالك
مع نيته.
مسألة 698: لو جن المالك المودع جنونا اطباقيا أو أغمي عليه كذلك
بطلت الوديعة ووجب على الودعي أن يوصل المال إلى وليه فورا أو اخبار
الولي به، ولو تركه من غير عذر شرعي وتلف ضمن، وأما لو كان جنونه أو
اغماؤه أدواريا ففي بطلان الوديعة به اشكال.
مسألة 699: إذا مات المالك المودع بطلت الوديعة، فإن انتقل المال
إلى وارثه من دون أن يكون متعلقا لحق الغير وجب على الودعي ايصاله إلى
الوارث أو وليه أو اعلامه بذلك - بخلاف ما إذا لم ينتقل إليه أصلا كما لو
أوصى بصرفه في الخيرات وكانت وصيته نافذة أو انتقل متعلقا لحق الغير كأن
يكون عينا مرهونة اتفق الراهن والمرتهن على ايداعها عند ثالث - فإن أهمل
لا لعذر شرعي ضمن، ومن العذر عدم علمه بكون من يدعي الإرث وارثا أو
انحصار الوارث فيه، فإن في مثل ذلك يجوز له التأخير في رد المال لأجل
التروي والفحص عن حقيقة الحال ولا يكون عليه ضمان مع عدم التعدي
والتفريط.
مسألة 700: لو مات المودع وتعدد مستحق المال وجب على الودعي
أن يدفعه إلى جميعهم أو إلى وكيلهم في قبضه، فلو دفع تمام الوديعة إلى
أحدهم من دون إجازة الباقين ضمن سهامهم.
مسألة 701: لو مات الودعي أو جن جنونا مطبقا أو أغمي عليه كذلك
بطلت ووجب على من بيده المال اعلام المودع به أو ايصاله إليه فورا، وأما
لو كان جنونه أو اغماؤه أدواريا ففي بطلان الوديعة به مطلقا اشكال.
196

مسألة 702: يجب رد الوديعة عند المطالبة في أول وقت الامكان وإن
كان المودع كافرا محترم المال، بل وإن كان حربيا مباح المال فإنه يحرم
خيانته ولا يصح تملك وديعته ولا بيعها على الأحوط، والذي هو الواجب عليه
رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها لا نقلها إلى المالك، فلو كانت في
صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي وديعتك خذها فقد
أدى ما هو تكليفه وخرج عن عهدته، كما أن الواجب عليه مع الامكان الفورية
العرفية، فلا يجب عليه الركض ونحوه والخروج من الحمام فورا وقطع الطعام
والصلاة وإن كانت نافلة ونحو ذلك، وهل يجوز له التأخير ليشهد عليه؟ قولان
أقواهما ذلك إذا كان من معرض المطالبة بها بعد ذلك سواء أكان الايداع مع
الاشهاد أم لا، هذا إذا لم يرخص المودع في التأخير وعدم الاسراع
والتعجيل، وإلا فلا اشكال في عدم وجوب المبادرة.
مسألة 703: لو أودع اللص ما سرقه عند أحد لا يجوز له رده عليه مع
الامكان، بل يكون أمانة شرعية في يده، فيجب عليه ايصاله إلى صاحبه أو
اعلامه به إن عرفه وإلا عرف به، فإن يأس من الوصول إليه تصدق به عنه،
والأحوط أن يكون ذلك بإجازة الحاكم الشرعي، ولو صادف فوجد المالك
ولم يرض بالتصدق ضمنه له على الأحوط.
مسألة 704: كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردها إذا
خاف عليها من تلف أو سرق أو عيب ونحو ذلك، فإن أمكن ايصالها إلى
المالك أو وكيله الخاص أو العام أو اعلامه بذلك تعين، وإلا فليوصلها إلى
الحاكم الشرعي أو يعلمه بالحال لو كان قادرا على حفظها، ولو فقد الحاكم
أو لم يكن متمكنا من حفظها بسبب من الأسباب أودعها - مع أن الاستيذان
من الحاكم على تقدير وجوده - عند ثقة أمين متمكن من حفظها.
197

مسألة 705: إذا أحس الودعي بأمارات الموت في نفسه ولم يكن
وكيلا في تسليمها إلى غيره فإن أمكنه ايصالها إلى صاحبها أو وكيله أو وليه أو
اعلامه بذلك تعين عليه ذلك على الأحوط، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من
وصولها إلى صاحبها بعد وفاته ولو بالايصاء بها والاستشهاد على ذلك واعلام
الوصي والشاهد باسم صاحب الوديعة وخصوصياته ومحله.
مسألة 706: يجوز للودعي أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها عند
أهله وعياله إذا لم يتوقف حفظها على حضوره، وإلا فإن لم يكن السفر
ضروريا لزم عليه إما الإقامة وترك السفر، وإما ايصالها إلى مالكها أو وكيله أو
وليه أو اعلامه بالحال، وإن لم يمكنه الايصال ولا الاعلام تعين عليه الإقامة
وترك السفر، ولا يجوز له أن يسافر بها ولو مع أمن الطريق ولا ايداعها عند
الأمين.
وأما لو كان السفر ضروريا فإن تعذر ايصالها إلى المالك أو وكيله أو
وليه أو اعلامه بالحال فالظاهر أنه يتخير بين أن يسافر بها مع أمن الطريق أو
ايداعها عند أمين، ولو سافر بها حافظ عليها بقدر الامكان ولا ضمان عليه لو
تلفت، نعم في الأسفار الخطرة اللازم أن يعامل فيه معاملة من ظهر له
أمارات الموت وقد تقدم آنفا.
هذا كله فيما إذا لم يكن مأذونا في السفر بها أو تسليمها إلى غيره عند
طرو السفر له وإلا فلا اشكال في أن له ذلك.
مسألة 707: المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو
تعيبت بيده إلا عند التفريط أو التعدي كما هو الحال في كل أمين، أما
التفريط فهو الاهمال في محافظتها وترك ما يوجب حفظها على مجرى
العادات بحيث يعد معه عند العرف مضيعا ومسامحا، كما إذا طرحها في
محل ليس بحرز وذهب عنها غير مراقب لها، أو ترك سقي الدابة وعلفها على
198

النحو المتعارف أو ترك ايداعها أو السفر بها مع توقف حفظها على ذلك، أو
ترك نشر ثوب الصوف أو الإبريسم في الصيف وما يقوم مقامه في حفظه، أو
ترك التحفظ من الندى فيما تفسده النداوة كالكتب وبعض الأقمشة وغير
ذلك.
وأما التعدي فهو أن يتصرف فيها بما لم يأذن له المالك، مثل أن يلبس
الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابة إذا لم يتوقف حفظها على التصرف،
كما إذا توقف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش، أو
يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة ويكون يده عليها على وجه الخيانة،
كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة ولا لعذر من نسيان ونحوه، وقد يجتمع
التفريط مع التعدي، كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب ونحوها في
موضع يعفنها أو يفسدها، ولعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا في كيس
مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه وشده من دون ضرورة
ومصلحة، ومن التعدي خلط الوديعة بماله، سواء أكان بالجنس أم بغيره،
وسواء أكان بالمساوي أم بالأجود أم بالأردأ، ومنه أيضا ما لو خلطه بالجنس
من مال المودع من دون مبرر ومن غير أن يكون مأذونا في ذلك كما إذا أودع
عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين فجعلهما كسيا واحدا.
مسألة 708: معنى كونها مضمونة بالتفريط والتعدي كون بدلها
عليه لو تلفت ولو لم يكن تلفها مستندا إلى تفريطه وتعديه، وبعبارة أخرى
تتبدل يده الأمانية غير الضمانية إلى الخيانية الضمانية.
مسألة 709: لو نوى التصرف في الوديعة ولم يتصرف فيها لم يضمن
بمجرد النية، ثم لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها والتغلب على
مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان بعدما كانت
يد استئمان، ولو رجع عن قصده فلا يبعد زوال الضمان، وأما لو جحد الوديعة
199

أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن عقلا وشرعا ضمنها بمجرد ذلك ولم
يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه.
مسألة 710: لو كانت الوديعة في كيس مختوم أو ما بحكمه ففتحه
وأخذ بعضها ضمن الجميع، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق،
وأما لو لم تكن كذلك فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر
قصر الضان على المأخوذ دون ما بقي، وأما لو كان من قصده عدم الاقتصار
بل أخذ التمام شيئا فشيئا فلا يبعد أن يكون ضامنا للجميع.
مسألة 711: لو أودعه كيسين فتصرف في أحدهما ضمنه دون الآخر.
مسألة 712: إذا كان التصرف لا يوجب صدق الخيانة كما إذا كتب
على الكيس بيتا من الشعر أو نقش عليه نقشا أو نحو ذلك فإنه لا يوجب
ضمان الوديعة وإن كان التصرف حراما لكونه غير مأذون فيه.
مسألة 713: لو سلم الوديعة إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها
ضمن إلا أن يكونوا كآلاته لكون ذلك بمحضره وباطلاعه ومشاهدته.
مسألة 714: إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه بأن جعلها في
الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها، أو تعدى ثم رجع كما إذا لبس
الثوب ثم نزعه فهل يبقى الضمان أو لا؟ وجهان أوجههما العدم.
مسألة 715: لو ادعى الودعي تلف الوديعة فإن كان مأمونا عند المودع
لم يطالبه بشئ وإلا جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي، ويكون القول قوله
- أي الودعي - بيمينه بشرط أن لا يكون مخالفا لظاهر الحال، كما لو كانت
بين أمواله فادعى تلفها بحريق أصابها وحدها دون غيرها.
مسألة 716: لو اتفقا على تلف الوديعة ولكن اختلفا في التفريط أو
التعدي أو في قيمة العين - ولو لأجل الاختلاف في خصوصيتها - كان القول
قول الودعي بيمنه بالشرط المتقدم.
200

مسألة 717: لو اختلفا في الرد فالأظهر أن القول قول المالك مع
يمينه بالشرط المتقدم، وكذلك الحال لو اختلفا في أنها دين أو وديعة مع
التلف.
مسألة 718: لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن من المالك فأنكر
المالك ولا بينة فالقول قول المالك بيمينه بالشرط المتقدم، وكذا لو صدقه
على الإذن ولكن أنكر التسليم إلى من أذن له.
مسألة 719: إذا أنكر الوديعة، ثم أقر بها - عند إقامة المالك البينة
عليها أو بدون ذلك - ولكنه ادعى تلفها لم تقبل دعواه بيمينه، فإن ادعى أنها
تلفت قبل انكاره من غير تعدي ولا تفريط وكذبه المالك كلف الودعي بإقامته
البينة على دعواه فإن أقامها فهو، وإلا توجه الحلف على المالك فإذا حلف
كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها، وأما لو ادعى تلفها بعد الانكار
فللمالك أن يأخذ منه بدلها وله أن يطالبه بالعين وحينئذ فإن أقام البينة على
تلفها حكم بضمانه بدلها وإلا توجه الحلف على المالك فإن حلف كلف
الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها كما تقدم في ا لصورة الأولى.
مسألة 720: إذا أقر بالوديعة ثم مات فإن عينها في عين شخصية معينة
موجودة حال موته أخرجت من التركة، وكذا إذا عينها في ضمن مصاديق من
جنس واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال إحدى هذه الشياة وديعة عندي
من فلان ولم يعينها فتخلى الورثة إذا احتملوا صدق المورث ولم يميزوا
الوديعة عن غيرها أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا اجمالا بأن إحدى هذه
الشياة لفلان، وإذا عين الوديعة ولم يعين المالك كان من مجهول المالك
فيترتب عليه حكمه وسيأتي في كتاب اللقطة.
وهل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عينها في معين واحتمل
صدقه؟ وجهان أظهرهما العدم.
201

وإذا لم يعينها بأحد الوجهين المذكورين بحيث لم يظهر من كلامه
وجودها في ضمن تركته ولم يعلم الورثة بذلك فلا اعتبار بقوله حتى إذا ذكر
الجنس ولم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلا واحد، إلا إذا علم أن مراده
ذلك الواحد.
مسألة 721: الأمانة على قسمين مالكية وشرعية:
أما الأول فهو ما كان باستيمان من المالك وإذنه، سواء كان عنوان
عمله ممحضا في الحفظ والصيانة كالوديعة أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات
كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة، فإن العين بيد المرتهن
والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية، حيث إن المالك قد استأمنهم
عليها وتركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم.
وأما الثاني فهو ما لم يكن الاستيلاء على العين ووضع اليد عليها
باستيمان من المالك ولا إذن منه وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان،
بل إما قهرا كما إذا أطارته الريح أو جاء بها السيل مثلا فصارت في يده، وإما
بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما، كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه
المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه، أو تسلم البائع أو المشتري زائدا
على حقهما من جهة الغلط في الحساب، وإما برخصة من الشرع كاللقطة
والضالة وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للايصال
إلى صاحبه، وكذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف
التلف في أيديهما حسبة للحفظ، وما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك
والتلف من الأموال المحترمة، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل
ونحو ذلك فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها
أمانة شرعية يجب عليه حفظها، فإن كان يعرف صاحبها لزمه إيصالها إليه في
أول أزمنة الامكان ولو مع عدم المطالبة.
202

ويحتمل عدم وجوب الايصال وكفاية إعلامه بكونها عنده وتحت يده
والتخلية بينها وبينه بحيث كلما أراد أن يأخذها، بل هذا هو الأقوى.
وأما لو كان صاحبها مجهولا كما في اللقطة والضالة وغيرهما من مجهول
المالك فيجب فيها التعريف والفحص عن المالك على تفصيل يأتي في كتاب اللقطة.
ولو كانت العين أمانة مالكية سواء بعنوان الوديعة أو بعنوان آخر فارتفع
ذلك العنوان مع بقاء العين في يده من دون طرو عنوان العدوان عليها، فإن
كان البقاء من لوازم ذلك العنوان أو كان برضا المالك فالأمانة مالكية وإن كان
مستندا إلى عجزه من الرد إلى مالكه أو من بحكمه فالأمانة شرعية.
203

كتاب العارية
العارية هي: (تسليط الشخص غيره على عين ليستفيد من منافعها
مجانا)
مسألة 722: تحصل العارية بالايجاب من المعير والقبول من
المستعير، ولكن لا يعتبر أن يكونا لفظين فلو دفع ثوبه لشخص بقصد الإعارة
وقصد الآخذ بأخذه الاستعارة صحت العارية.
مسألة 723: يعتبر في المعير أن يكون مالكا للمنفعة أو بحكمه فلا
تصح إعارة الغاصب منفعة وإن لم يكن عينا إلا بإجازة المغصوب منه.
مسألة 724: لا تصح إعارة الطفل والمجنون مالهما، كما لا تصح
إعارة المحجور عليه - لسفه أو فلس - ماله إلا مع إذن الولي أو الغرماء، وإذا
رأى ولي الطفل مصلحة في إعارة ماله جاز أن يكون الطفل وسيطا في ايصاله
إلى المستعير.
مسألة 725: لا يعتبر في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة
بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية، نعم إذا اشترط في الإجارة استيفاء
المنفعة بنفسه ليس له الإعارة، كما ليس له تسليم العين المستأجرة إلى
المستعير من غير إذن مالكها على الأحوط.
مسألة 726: يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع بالعين فلا
تصح استعارة الصيد للمحرم لا من المحل ولا من المحرم، وكذا يعتبر فيه
التعيين، فلو أعار شيئا أحد شخصين أو أحد أشخاص لم يصح، ولا يشترط
أن يكون واحدا، فيصح إعارة شئ واحد لجماعة، كما إذا قال: (أعرت هذا
الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة) فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة
204

كالعين المستأجرة، وأما إعارته لعدد غير محدود كما إذا قال: (أعرت هذا
الشئ لكل الناس) فالظاهر عدم صحتها نعم تصح إباحته كذلك.
مسألة 727: يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها
منفعة محللة مع بقاء عينها كالعقارات والدواب والثياب والكتب والأمتعة
والحلي وكلب الصيد والحراسة وأشباه ذلك، فلا يجوز إعارة ما لا ينتفع به
إلا باتلافه كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها، كما لا يجوز إعارة ما تنحصر
منافعه المتعارفة في الحرام - كآلات اللهو المحرم والقمار - لينتفع به في
ذلك، ولا تجوز إعارة آنية الذهب والفضة للأكل والشرب بل ولا لغيرهما من
الاستعمالات على الأحوط، ولا يبعد جواز إعارتها للزينة.
مسألة 728: تصح إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها وإعارة الفحل
للتلقيح.
مسألة 729: تصح الإعارة للرهن وليس للمالك حينئذ ابطاله وأخذ
ماله من المرتهن، كما ليس له مطالبة الراهن بالفك إذا كان الدين مؤجلا إلا
عند حلول الأجل وأما في غيره فيجوز له ذلك مطلقا.
مسألة 730: إذا لم يفك الرهن جاز للمرتهن بيعه كما يبيع ما كان
ملكا لمن عليه الدين - على تفصيل يأتي في محله - ويضمنه المستعير
لمالكه بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر وبقيمته تامة لو بيع بالأقل من
قيمته، وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير فك اشكال والظاهر عدم
الضمان إلا مع اشتراطه.
مسألة 731: لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال:
(أعرني إحدى دوابك) فقال: (ادخل الإصطبل وخذ ما شئت منها) صحت
العارية.
مسألة 732: العين التي تعلقت بها العارية إن انحصرت جهة الانتفاع
205

المتعارف بها في منفعة خاصة كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة
للاكتنان وأشباه ذلك لا يلزم التعرض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها
واستعارتها، وإن تعددت جهات الانتفاع بها كالأرض ينتفع بها للزرع
والغرس والبناء والسيارة ينتفع بها لنقل الأمتعة والركاب ونحو ذلك، فإن كانت
إعارتها واستعارتها لأجل منفعة أو منافع خاصة من منافعها يجب التعرض لها
واختص حلية الانتفاع للمستعير بما خصصه المعير، وإن كانت لأجل
الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم، بأن يقول: (أعرتك هذه
السيارة - مثلا - لأجل أن تنتفع بها كل انتفاع مباح يحصل منها) كما أنه يجوز
اطلاق العارية بأن يقول: (أعرتك هذه السيارة) فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر
الانتفاعات المباحة المتعلقة بها، نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة
إلى بعض الأعيان خفاء لا يندرج في الاطلاق، ففي مثله لا بد من التنصيص
عليه أو التعميم على وجه يعمه، وذلك كالدفن فإنه وإن كان من أحد وجوه
الانتفاعات من الأرض كالبناء والزرع والغرس ومع ذلك لو أعيرت الأرض
إعارة مطلقة لا يعمه الاطلاق.
مسألة 733: العارية جائزة من الطرفين وإن كانت مؤجلة فلكل منهما
فسخها متى شاء، نعم مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين - بمعنى التزام
المشروط عليه بأن لا يفسخها إلى ذلك الأجل - يصح الشرط ويجب عليه
العمل به سواء جعل ذلك شرطا في ضمن نفس العارية أو في ضمن عقد
خارج لازم، ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخه وإن كان آثما.
مسألة 734: إذا أعار أرضه للدفن فليس له بعد الدفن والمواراة
الرجوع عن الإعارة ونبش القبر واخراج الميت على الأصح، وأما قبل ذلك
فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته، وليس على المعير أجرة
الحفر ومؤنته إذا رجع بعد الحفر قبل الدفن، كما أنه ليس على ولي الميت
طم الحفر بعد ما كان بإذن من المعير.
206

مسألة 735: لو استعار أرضا للزرع فالظاهر أنه يتضمن - بحسب
الارتكاز العرفي - اشتراط عدم فسخ العقد بعد شروعه في العمل إلى أن يدرك
الزرع ويستحصد وينتهي أمده، فعلى المالك المعير الوفاء للمستعير بشرطه
والعلم به ولكن لو عصى وفسخ العقد انفسخ، وحينئذ فهل يجوز له اجبار
المستعير على إزالة الزرع مع الأرش أو بدونه، أو أنه ليس له ذلك بل
للمستعير اجباره على الابقاء ولو بأجرة حتى يدرك ويستحصد؟ وجوه،
والأحوط لهما التراضي والتصالح، ومثل ذلك ما لو استعار أرضا للبناء أو
جذوعا للتسقيف ثم رجع المالك بعد ما بنى الأرض أو أثبت الجذوع في
البناء.
مسألة 736: حكم العارية في بطلانها بموت المعير أو جنونه أو
اغمائه حكم الوديعة في ذلك، وقد تقدم في المسألتين (698 - 699).
مسألة 737: يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما
عينها المعير، فلا يجوز له التعدي إلى غيرها ولو كانت أدنى وأقل ضررا على
المعير، وكذا يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة، فلو
أعاره سيارة للحمل لا يحملها إلا القدر المعتاد بالنسبة إلى تلك السيارة وذلك
المحمول والزمان والمكان، فلو تعدى نوعا أو كيفية كان غاصبا وضامنا
وعليه أجرة ما استوفاه من المنفعة بتمامها، نعم لو زاد على القدر المسموح
له من الانتفاع كما لو أعاره سيارة للركوب إلى مسافة معينة فجاوزها ضمن
أجرة ما تجاوز به فقط، هذا مع عدم التقييد بعدم الزيادة وإلا ضمن أجرة
الجميع.
مسألة 738: العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا
بالتعدي أو التفريط، نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعد ولا
207

تفريط، كما أنه لو كانت العين المعارة ذهبا أو فضة ضمنها إلا إذا اشترط عدم
ضمانها.
مسألة 739: لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلا
بإذن المالك، فتكون إعارته حينئذ في الحقيقة إعارة المالك ويكون
المستعير وكيلا عنه، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك - كما إذا
مات أو جن مطبقا - بقيت العارية الثانية على حالها.
مسألة 740: حكم العارية في وجوب الاعلام بالنجاسة في إعارة
المتنجس حكم البيع في ذلك، وقد تقدم في المسألة (8).
مسألة 741: إذا تلفت العارية أو نقصت بفعل المستعير، فإن كان
بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون تعد عن المتعارف ليس عليه ضمان،
كما إذا هلكت الدابة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملا متعارفا،
وإن كان بسبب آخر ضمنها.
مسألة 742: لا يتحقق رد العارية إلا بردها إلى مالكها أو وكيله أو
وليه، ولو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد للمالك ولا إذن منه، كما
إذا رد الدابة إلى الإصطبل وربطها فيه فتلفت أو تلفها متلف ضمنها.
مسألة 743: إذا علم المستعير بأن العارية مغصوبة وجب عليه
ارجاعها إلى مالكها ولم يجز دفعها إلى المعير.
مسألة 744: إذا استعار ما يعلم بغصبيته فللمالك أن يطالبه أو يطالب
الغاصب بعوضه إذا تلف كما أن له أن يطالب كلا منهما بعوض ما استوفاه
المستعير أو تلف في يده أو الأيادي المتعاقبة عليها من المنافع، وإذا استوفى
المالك العوض من المستعير فليس للمستعير الرجوع به على الغاصب.
مسألة 745: إذا لم يعلم المستعير بغصبيته العارية وتلفت في يده
ورجع المالك عليه بعوضها فله أن يرجع على المعير بما غرمه للمالك إلا إذا
208

كانت العارية ذهبا أو فضة أو اشترط المعير ضمان العارية عليه عند التلف،
وإن رجع المالك عليه بعوض المنافع جاز له الرجوع إلى المعير بما دفع.
209

كتاب اللقطة
وهي - بمعناها الأعم -: (كل مال ضائع عن مالكه ولم يكن لأحد يد
عليه)، وهي على قسمين: حيوان، وغير حيوان، ويسمى الأول ب‍
(الضالة) ويطلق على الثاني (اللقطة) بقول مطلق و (اللقطة بالمعنى
الأخص).
وللضائع نوع آخر وهو الطفل الذي لا كافل له ولا يستقل بنفسه على
السعي فيما يصلحه ودفع ما يضره ويهلكه، ويقال له (اللقيط)، وفيما يلي
جملة من أحكام الأنواع الثلاثة.
أحكام اللقيط
مسألة 746: يستحب أخذ اللقيط، بل يجب كفاية إذا توقف عليه
حفظه سواء أكان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما - عجزا
عن النفقة أو خوفا من التهمة - أم غيره، ولا يعتبر عدم كونه مميزا بعد صدق
كونه ضائعا تائها لا كافل له.
مسألة 747: من أخذ اللقيط فهو أحق من غيره بحضانته وحفظه
والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره إلى أن يبلغ فليس لأحد أن ينتزعه من
يده ويتصدى حضانته غير من له حق الحضانة تبرعا بحق النسب - كالأبوين
والأجداد - أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد للأب، فإذا وجد أحد هؤلاء
فيخرج بذلك عن عنوان (اللقيط) لما تقدم من أنه الضائع الذي لا كافل له.
مسألة 748: كما أن لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه،
كذلك عليهم ذلك،
فلو امتنعوا أجبروا عليه.
210

مسألة 749: الظاهر وجوب تعريف اللقيط إذا أحرز عدم كونه منبوذا
من قبل أهله واحتمل الوصول إليهم بالفحص والتعريف.
مسألة 750: يشترط في ملتقط الصبي: البلوغ والعقل فلا اعتبار
بالتقاط الصبي والمجنون، بل يشترط فيه الاسلام إذا كان اللقيط محكوما
بالاسلام.
مسألة 751: ما كان مع اللقيط من مال فهو محكوم بأنه ملكه.
مسألة 752: اللقيط إن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال
أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع فهو، وإلا فإن
كان له مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك كحلي
ونحوه جاز للملتقط صرفه في إنفاقه مع الاستيذان من الحاكم الشرعي أو
وكيله إن أمكن، وإلا فبإذن بعض عدول المؤمنين، وإن لم يمكن أيضا فله
أن يتصدى لذلك بنفسه ولا ضمان عليه.
ولو أنفق عليه من مال نفسه مع وجود من ينفق عليه من أمثال ما ذكر أو
مع وجود مال للقيط نفسه لم يكن له الرجوع عليه بما أنفقه بعد بلوغه ويساره
وإن نوى الرجوع عليه، وأما إذا لم يكن له مال ولا من ينفق عليه أنفق الملتقط
عليه من مال نفسه وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.
مسألة 753: لا ولاء للملتقط على اللقيط بل له أن يتولى بعد بلوغه
من شاء فإن لم يتول أحدا ومات ولا وارث له فميراثه للإمام عليه السلام كما
أنه عاقلته.
مسألة 754: لا يجوز للملتقط أن يتبنى اللقيط ويلحقه بنفسه، ولو
فعل لم تترتب عليه شئ من أحكام البنوة والأبوة والأمومة.
211

أحكام الضالة
مسألة 755: إذا وجد حيوان مملوك في غير العمران كالبراري والجبال
والآجام والفلوات ونحوها، فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن صغار
السباع كالذئب والثعلب لكبر جثته أو سرعة عدوه أو قوته كالبعير والفرس
والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه، سواء أكان في كلأ وماء أم لم يكن
فيهما إذا كان صحيحا يقوى على السعي إليهما، فإن أخذه الواجد حينئذ كان
آثما وضامنا له وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئا
من نمائه كلبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته وإذا ركبه أو حمله حملا كان
عليه أجرته، ولا تبرأ ذمته من ضمانه إلا بدفعه إلى مالكه ولا يزول الضمان ولو
بارساله في الموضع الذي أخذه منه، نعم إذا يئس من الوصول إليه ومعرفته
تصدق به عنه بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 756: إذا كان الحيوان المذكور لا يقوى على الامتناع من
صغار السباع - سواء أكان غير ممتنع أصلا كالشاة أم لم يبلغ حد الامتناع
كصغار الإبل والخيل أم زال عنه لعارض كالمرض ونحوه - جاز أخذه، فإن
أخذه عرفه في موضع الالتقاط إن كان فيه نزال، فإن لم يعرف المالك جاز
له تملكه والتصرف فيه بالأكل والبيع - والمشهور أنه يضمنه حينئذ بقيمته وقيل
لا يضمن بل عليه دفع القيمة إذا جاء صاحبه من دون اشتغال ذمته بمال وهذا
هو الأوجه - ويجوز له أيضا ابقاؤه عنده إلى أن يعرف صاحبه ما دام لم ييأس
من الظفر به ولا ضمان عليه حينئذ.
مسألة 757: إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق والصحاري
والبراري فإن كان قد أعرض عنه وأباح تملكه لكل أحد جاز أخذه
212

كالمباحات الأصلية ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه للعجز عن الانفاق
عليه أو عن معالجته أو لجهد الحيوان وكلاله بحيث لا يتيسر له أن يبقى عنده
ولا أن يأخذه معه فإن كان الموضع الذي تركه فيه آمنا مشتملا على الكلاء
والماء أو يقوى الحيوان فيه على السعي إليهما بحيث يقدر على التعيش فيه
لم يجز لأي أحد أخذه فمن أخذه كان ضامنا له، وأما إذا كان الموضع مضيعة
لا يقدر الحيوان على التعيش فيه فإن لم يكن مالكه ناويا للرجوع إليه قبل
ورود الخطر عليه جاز لكل أحد أخذه وإلا لم يجز ذلك.
مسألة 758: إذا وجد الحيوان في العمران - وهي مواضع يكون الحيوان
مأمونا فيها من السباع عادة كالبلاد والقرى وما حولها مما يتعارف وصول
الحيوان منها إليه - لم يجز له أخذه، ومن أخذه ضمنه ويجب عليه حفظه من
التلف والانفاق عليه بما يلزم وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق، كما
يجب عليه تعريفه ويبقى في يده مضمونا إلى أن يؤديه إلى مالكه، فإن يئس
منه تصدق به بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط، نعم إذا كان غير مأمون
من التلف لبعض الطوارئ كالمرض ونحوه جاز له أخذه لدرء الخطر عنه من
دون ضمان ويجب عليه أيضا الفحص عن مالكه، فإن يئس من الوصول إليه
تصدق به كما تقدم.
مسألة 759: إذا دخلت الدجاجة أو السخلة مثلا في دار انسان ولم
يعرف صاحبها لم يجز له أخذها، ويجوز له اخراجها من الدار وليس عليه
شئ إذا لم يكن قد أخذها، وأما إذا أخذها فالظاهر عدم جريان حكم اللقطة
عليها، بل يجري عليها حكم مجهول المالك الآتي في المسألة (765)،
نعم لا يبعد جواز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعرف صاحبه من
دون فحص عنه.
مسألة 760: إذا احتاجت الضالة إلى النفقة فإن وجد متبرع بها أنفق
213

عليها، وإلا أنفق عليها من ماله فإن كان يجوز له أخذها ولم يكن متبرعا في
الانفاق عليها جاز له الرجوع بما أنفقه على المالك وإلا لم يجز له ذلك.
مسألة 761: إذا كان للضالة نماء أو منفعة جاز للآخذ - إذا كان ممن
يجوز له أخذها - أن يستوفيها ويحتسبها بدل ما أنفقه عليها، ولكن لا بد أن
يكون ذلك بحساب القيمة على الأقوى.
أحكام اللقطة
مسألة 762: يعتبر فيها الضياع عن مالكها المجهول، فما يؤخذ من
يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه، بل لا بد في
ترتيب أحكامها من احراز الضياع ولو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدل بحذائه
في المساجد ونحوها لا يترتب عليه أحكام اللقطة وكذا الثوب المتبدل بثوبه
في الحمام ونحوه لاحتمال تقصد المالك في التبديل أو حصوله اشتباها ومعه
يكون من مجهول المالك لا اللقطة.
مسألة 763: يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط،
فلو رأي شيئا وأخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن
تسبب منه، ولو قال ناولنيه فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر،
وكذا لو أخذه للآمر وناوله إياه على الأقرب.
مسألة 764: لو عثر على مال وحسب أنه له فأخذه ثم ظهر أنه ضائع
عن غيره كان لقطة وتجري عليه أحكامها، ولو رأى مالا ضائعا فنحاه من
جانب إلى آخر من دون أخذه فالظاهر عدم صيرورته بذلك لقطة وإن ضمنه،
ولو دفعه برجله أو عصاه مثلا ليتعرفه فالظاهر عدم الضمان أيضا.
مسألة 765: المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع
اليد عليه فإن أخذه كان غاصبا ضامنا إلا إذا كان في معرض التلف فإنه يجوز
214

أخذه في هذه الحالة بقصد الحفظ إما بعينه أو ببدله - حسب اختلاف الموارد
كما سيأتي - ويكون عندئذ أمانة شرعية في يد الآخذ لا يضمنه إلا بالتعدي
أو التفريط، وعلى كل من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه وجب
الفحص عن مالكه مع احتمال ترتب الفائدة عليه وإلا لم يجب وحينئذ فما
دام لم ييأس تماما من الوصول إلى المالك حفظ المال له ومع اليأس يتصدق
به أو يبيعه أو يقومه على نفسه ويتصدق بثمنه
هذا إذا كان المال مما يحتفظ بصفاته الدخيلة في ماليته إلى أن
يفحص عن المالك ويحصل له اليأس من الوصول إليه وإلا فلا بد أن
يتصدق به أو بثمنه مع صيرورته في معرض فقدان بعض تلك الصفات فإنه
يسقط التحفظ والفحص إذا صار كذلك، والأحوط لزوما أن يكون التصدق
وكذا البيع التقويم في الموردين المذكورين بإذن الحاكم الشرعي، كما أن
الأحوط ضمان المتصدق لو صادف أن جاء المالك ولم يرض بالتصدق.
مسألة 766: كل مال غير الحيوان إن أحرز ضياعه عن مالكه
المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه (اللقطة) كما مر - يجوز
على كراهة أخذه والتقاطه، ولا فرق في ذلك بين ما يوجد في الحرم - أي
حرم مكة زادها الله شرفا - وغيره وإن كانت الكراهة في الأول أشد وآكد.
هذا فيما إذا احتمل أنه لو لم يأخذه أحد لطلبه صاحبه وأخذه، وأما
فيما لم يحتمل ذلك احتمالا معتدا به - ولو لقلة قيمته مما يستوجب عادة
اعراضه عنه بعد ضياعه - فلا كراهة في أخذه سواء أكان مما يجب تعريفه
بعد الأخذ أم لا.
مسألة 767: إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يصفه بها من يدعيه
كالمسكوكات المفردة وغالب المصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه
الأزمنة جاز للملتقط أن يتملكه وإن بلغت قيمته درهما أو زادت عليه على
215

الأظهر، ولكن الأحوط أن يتصدق به عن مالكه.
مسألة 768: إذا كانت للقطة علامة يمكن أن يصفها بها من يدعيها
وكانت قيمتها دون الدرهم لم يجب تعريفها والفحص عن مالكها على
الأقرب، وفي جواز تملكها للملتقط اشكال والأحوط أن يتصدق بها عن مالكها.
مسألة 769: اللقطة إذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها
وبلغت قيمتها درهما فما زاد وجب التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم
يظفر به فإن كانت لقطة الحرم - أي حرم مكة - وجب عليه أن يتصدق بها عن
مالكها على الأحوط، وأما إذا كانت في غير الحرم تخير الملتقط بين أن
يحفظها لمالكها ولو بالايصاء ما لم ييأس من ايصالها إليه وله حينئذ أن ينتفع
بها مع التحفظ على عينها، وبين أن يتصدق بها عن مالكها، والأحوط وجوبا
عدم تملكها.
مسألة 770: المراد من الدرهم ما يساوي (6، 12) حمصة من
الفضة المسكوكة، فإن عشرة دارهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفية وربع مثقال.
مسألة 771: المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة
وفي الدرهم دون غيرهما من الأمكنة والأزمنة.
مسألة 772: يسقط وجوب التعريف فيما إذا كان الملتقط يخاف من
التهمة والخطر إن عرف باللقطة، كما يسقط مع الاطمينان بعدم الفائدة في
تعريفها - ولو لأجل احراز أن مالكها قد سافر إلى مكان بعيد غير معروف لا
يصله خبرها وإن عرفها - وفي مثل ذلك فالأحوط أن يحتفظ باللقطة لمالكها
ما دام لم ييأس من الوصول إليه - ولو لاحتمال أنه بنفسه يتصدى للتعريف
بماله الضائع ليصل إلى الملتقط خبره - ومع حصول اليأس من ذلك يتصدق
بها عن المالك، ولو صادف مجيئه كان بالخيار بين أن يرضي بالتصدق وبين
أن يطالبه ببدلها.
216

مسألة 773: تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم
يبادر إليه كان عاصيا إلا إذا كان لعذر، ولا يسقط عنه وجوبه على كل تقدير،
بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك إلا إذا كان التأخير بحد لا يرجى معه العثور
على مالكها وإن عرف بها، وهكذا الحكم لو بادر إليه من حيث الالتقاط
ولكن تركه بعد فترة ولم يستمر فيه فإنه يجب العود إليه إلا مع اليأس من
الوصل إلى المالك.
مسألة 774: مدة التعريف سنة كاملة، والأحوط مراعاة التتابع فيها مع
الامكان فلا يلفقها من عدة سنين ولو مع تتابعها كأن يعرف في كل سنة ثلاثة
أشهر ثم يترك التعريف بالمرة إلى السنة التالية حتى يكمل مقدار السنة في
أربع سنوات مثلا.
ويلزم صدق كونه في هذه المدة معرفا ومعلنا عنه بحيث لا يعد في
العرف متسامحا ومتساهلا في ايصال خبره إلى مالكه، ولا يعتبر فيه كيفية
خاصة ولا عدد معين بل العبرة بالصدق العرفي، فكما يتحقق بالنداء في
مجامع الناس ولو في كل ثلاثة أيام مرة بل ولو في كل أسبوع مرة فكذا يتحقق
بغيره من وسائل النشر والاعلام مما يفيد فائدته بل ربما يكون أبلغ منه
كالاعلان المطبوع في الجرائد المحلية، أو المكتوب على أوراق ملصقة في
الأماكن المعدة لها بالقرب من مجامع الناس ولمواقع أبصارهم كما هو
المتعارف في زماننا.
مسألة 775: لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف فيجوز له الاستنابة فيه
مجانا أو بأجرة مع الاطمينان بوقوعه، والأقوى كون الأجرة عليه لا على
المالك وإن كان الالتقاط بنية ابقائها في يده للمالك، ويسقط وجوب
التعريف عن الملتقط بتبرع غيره به.
217

مسألة 776: إذا عرفها سنة كاملة ولم يعثر على مالكها جاز له التصدق
بها - كما مر - ولا يشترط في ذلك حصول اليأس له من الوصول إليه، بخلاف
الحال في غيرها من المجهول مالكه فإنه لا يتصدق به إلا بعد اليأس من
الوصول إلى المالك.
مسألة 777: إذا يأس من الظفر بمالكها قبل تمام السنة لزمه التصدق
بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط ولا ينتظر بها حتى تمضي السنة.
مسألة 778: إذا كان الملتقط يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في
التعريف على السنة فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم التعريف حينئذ وعدم
جواز التصدق.
مسألة 779: إذا تعذر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر وليس
عليه بعد ارتفاع العذر استيناف السنة بل يكفي تتميمها.
مسألة 780: لو كانت اللقطة مما لا تبقى سنة لزم الملتقط أن يحتفظ
بها لأطول فترة تبقى محتفظة لصفاتها الدخيلة في ماليتها، والأحوط أن
يعرف بها خلال ذلك فإن لم يظفر بمالكها كان بالخيار بين أن يقومها على
نفسه ويتصرف فيها بما يشاء وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط
عنه بذلك ما سبق من التعريف فعليه أن يحفظ خصوصياتها وصفاتها ويتم
تعريفها سنة كاملة فإن وجد صاحبها دفع بدلها إليه وإلا عمل فيه بما تقدم في
المسألة (769).
هذا فيما إذا اختار الملتقط أن يقومها على نفسه أو تيسر بيعها فباعها،
ومع عدم الأمرين فيجب عليه أن يتصدق بها ولا يلزمه تعريفها بعد ذلك ولو
عثر على مالكها لم يضمن له قيمتها على الأظهر، والأحوط وجوبا أن يكون
التقويم والبيع والتصدق في الموارد بإجازة الحاكم الشرعي أو وكيله
إن أمكنت.
218

مسألة 781: إذا ضاعت اللقطة من الملتقط قبل الشروع في التعريف
أو قبل تكميله فالتقطها آخر وعلم بالحال ولم يعرف الملتقط الأول ولا
المالك وجب عليه التعريف بها أو تكميله سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه
وإن لم يجده ووجد الملتقط الأول دفعها إليه إذا كان واثقا بأنه يعمل بوظيفته،
وعليه اكمال التعريف سنة ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني وإن لم يجد
أحدهما حتى تمت السنة جرى التخيير المتقدم من التصدق أو الابقاء
للمالك.
مسألة 782: يجب أن يعرف اللقطة في المكان الذي يظن أو يحتمل
وصول خبرها إلى المالك بسبب التعريف فيه، ولا يتعين أن يكون موضع
الالتقاط، بل ربما يكون غيره كما إذا التقطها في بلد وعلم أن مالكها مسافر
قد غادره إلى بلد آخر بحيث لا يجدي معه التعريف في بلد الالتقاط فإنه
يجب في مثله التعريف بها في البلد الثاني مع الامكان.
وكذا لو التقطها في البراري أو الطرق الخارجية وعلم أن مالكها قد
دخل بلدا معينا بحيث لو عرف فيه لاحتمل وصول خبرها إليه فإنه يلزمه
التعريف في ذلك البلد مع الامكان دون موضع الالتقاط إذا لم يكن كذلك.
وبالجملة: العبرة في مكان التعريف بما تقدم من كونه بحيث لو عرف
باللقطة فيه لاحتمل احتمالا معتدا به وصول خبرها إلى المالك - مع تقديم
ما هو الأقوى احتمالا على غيره عند عدم تيسر الاستيعاب - وعلى هذا ينزل
ما قيل: من أنه لو كان الالتقاط في مكان متأهل من بلد أو قرية ونحوهما وجب
التعريف فيه، وإن كان في البراري والقفار ونحوهما فإن كان فيها نزال عرفهم
وإن كانت خالية عرفها في المواضع القريبة التي هي مظنة وجود المالك.
مسألة 783: إذا التقط في موضع الغربة أو في بلده وأرد السفر جاز له
ذلك، ولكن لا يسافر بها بل يضعها عند أمين ويستنيب في التعريف من يوثق
219

به في ذلك، ولو التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في
بلد المسافرين وقوافلهم.
مسألة 784: يعتبر في التعريف أن يكون على نحو لو سمعه المالك
لاحتمل - احتمالا معتدا به - أن يكون المال المعثور عليه له، وهذا يختلف
بحسب اختلاف الموارد، فقد يكفي أن يقول: (من ضاع له شئ أو مال) وقد
لا يكفي ذلك بل لا بد أن يقول: (من ضاع له ذهب) أو نحوه، وقد لا يكفي
هذا أيضا بل يلزم إضافة بعض الخصوصيات إليه كأن يقول: (من ضاع له قرط
ذهب) مثلا، ولكن يجب على كل حال الاحتفاظ بابهام اللقطة، فلا يذكر
جميع صفاتها حتى لا يتعين، بل الأحوط عدم ذكر ما لا يتوقف عليه التعريف.
مسألة 785: لو ادعى اللقطة أحد وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وإلا
سئل عن أوصافها وعلاماتها، فإذا توافقت الصفات والعلائم التي ذكرها مع
الخصوصيات الموجودة فيها وحصل الاطمينان بأنها له - كما هو الغالب -
أعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الأوصاف التي لا يلتفت إليها المالك غالبا،
وأما مع عدم حصول الاطمينان فلا يجوز دفعها إليه، ولا يكفي فيه مجرد
التوصيف بل لا يكفي حصول الظن أيضا.
مسألة 786: إذا شهدت البينة بأن مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه
وسقط التعريف سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، نعم إذا
كان ذلك بعد التصدق بها ولم يرض المالك بالصدقة ضمنها كما تقدم.
مسألة 787: إذا التقط شيئا وبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر
وقال: (إنه مالي) يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى الاثبات، إلا إذا
كان بحيث يصدق عرفا أنه تحت يده فيحكم بكون ملكا له ويجب دفعه إليه.
مسألة 788: إذا وجد مقدارا من الأوراق النقدية مثلا وأمكن معرفة
صاحبها بسبب بعض الخصوصيات التي هي فيها مثل العدد الخاص والزمان
220

الخاص والمكان الخاص وجب التعريف ولا تكون حينئذ مما لا علامة له
الذي تقدم جواز تملكه من غير تعريف.
مسألة 789: إذا التقط الصبي أو المجنون فإن كانت اللقطة غير ذات
علامة بحيث يمكن تعريفها بها جاز للولي أن يقصد تملكها لهما، وأما إن
كانت ذات علامة وبلغت قيمتها درهما فما زاد فللولي أن يتصدى لتعريفها -
بل يجب عليه ذلك مع استيلائه عليها - وبعد التعريف سواء أكان من الولي
أم من غيره يجري التخيير المتقدم بين الابقاء للمالك والتصدق.
مسألة 790: إذا تصدق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو
القيمة وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة ولا الرجوع على المتصدق
عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة، هذا إذا لم يرض المالك بالصدقة،
وإلا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدق.
مسألة 791: اللقطة أمانة في يد الملتقط لا يضمنها إلا بالتعدي عليها
أو التفريط بها - ومن التفريط ارجاعها إلى موضع التقاطها أو وضعها في مجامع
الناس - ولا فرق في ذلك بين مدة التعريف وما بعدها، نعم يضمنها إذا أخل
بوظيفته في المبادرة إلى التعريف بها متواليا - على ما مر - كما يضمنها
بالتصدق بها على ما عرفت.
مسألة 792: إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن
لم يخل بالمبادرة إلى التعريف ولم يكن تعد أو تفريط سقط التعريف وإذا كانت
مضمونة لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف ففي الصورة الأولى
يسقط التعريف وفي الصورة الثانية يجب اكماله فإذا عرف المالك رفع إليه المثل
أو القيمة.
مسألة 793: يجوز دفع اللقطة إلى الحاكم الشرعي ولكن تبقى أمانة
في يده ولا يسقط وجوب التعريف بذلك عن الملتقط، وإذا انتهت سنة
221

التعريف ولم يجد المالك فإن شاء استرجع اللقط من الحاكم واحتفظ بها
للمالك وإن شاء تصدق بها بنفسه أو أذن للحاكم في ذلك.
مسألة 794: إذا حصل للقطة نماء متصل أو منفصل بعد الالتقاط،
فإن عرف المالك دفع إليه العين والنماء، وأما إن لم يعرفه وقد عرف اللقطة
سنة فلا اشكال في كون النماء المتصل تابعا للعين، وأما المنفصل فهل هو
كذلك أي يكون الملتقط مخيرا فيه بين ابقائه للمالك ما لم يحصل اليأس
من الوصول إليه مع جواز الانتفاع منه بما لا يؤدي إلى تلفه - إن كان قابلا
لذلك - وبين التصدق به ولو مع عدم حصول اليأس من الوصول إلى
المالك، أم يجري عليه حكم مجهول المالك وهو - كما تقدم - لزوم
الاستمرار في الفحص ما دام يحتمل الفائدة فيه مع الاحتفاظ بالعين من دون
الاستفادة منها إلى حين حصول اليأس من الوصول إلى المالك فيتصدق به
حينئذ؟ وجهان: أحوطهما الثاني.
مسألة 795: لو عرف المالك قبل التعريف أو بعده ولم يمكن ايصال
اللقطة إليه ولا إلى وكيله المطلق ولا الاتصال بأحدهما للاستيذان منه في
التصرف فيها ولو بمثل الصدقة بها أو دفعها إلى الأقارب أو غيرهم فاللازم أن
يحتفظ بها للمالك أو وارثه ما لم ييأس من الوصول إليه، وأما مع حصول
اليأس فيتصدق بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط.
مسألة 796: إذا مات الملتقط وعنده اللقطة فإن كان بعد التعريف بها
واختيار إبقائها لمالكها قام الوارث مقامه في الاحتفاظ بها له ما لم ييأس من
الوصول إليه وإلا تصدق بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط وإن كان
قبل ذلك فالأحوط اجراء حكم مجهول المالك عليها.
مسألة 797: لو أخذ من شخص مالا ثم علم أنه لغيره قد أخذ منه
بغير وجه شرعي وعدوانا ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك
222

لا اللقطة لما مر أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذه
الصورة.
مسألة 798: إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن لم تكن ذات علامة
يمكن أن يصفها بها من يدعيها جاز لهما تملكها وتكون بينهما بالتساوي،
وإن كانت ذات علامة كذلك وبلغت قيمتها درهما فما زاد وجب عليهما
تعريفها وإن كانت حصة كل منهما أقل من درهم، فإن تصدى له أحدهما أو
كلاهما ولو بتوزيع الحول بينهما - بالتساوي أو بالتفاضل - فقد تأدى
الواجب، ولو تبرع به الغير سقط عنهما كما مر، وحينئذ يتخير إن فيها بين
الابهاء أمانة والتصدق، والأحوط أن يتفقا في ذلك فلا يختار أحدهما غير ما
يختاره الآخر، وأما مع ترك التعريف لا لعذر - لأي سبب كان - فيضمنان
اللقطة ولا يسقط وجوب التعريف عنهما على ما تقدم.
مسألة 799: إذا وجد مالا في صندوقه ولم يعلم أنه له أو لغيره فهو
له، إلا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فإنه يعرفه إياه فإن ادعاه
دفعه إليه وإن أنكره فهو له، وإن قال لا أدري فإن أمكن التصالح معه فهو وإلا
فلا يبعد الرجوع إلى القرعة كما في سائر موارد تردد المال بين مالكين.
هذا إذا كان الغير واحد، وإن كان متعددا فإن كان محصورا عرفه لهم
فإن أنكروه كان له وإن ادعاه أحدهم فقط فهو له وإن ادعاه أزيد من واحد فإن
تراضوا بصلح أو نحوه فهو وإلا تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم
النزاع، وإن قال الجميع لا ندري جرى فيه ما تقدم، وأما إذا لم يكن الغير
محصورا جرى عليه حكم مجهول المالك، نعم إذا كان احتمال كونه لنفسه
معتدا به كخمسة في المائة فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ويجعل عدد السهام
حينئذ بنسبة الاحتمال كعشرين في المثال فإن خرجت القرعة باسمه كان له
وإن خرجت باسم غيره عمل فيه بأحكام مجهول المالك.
223

مسألة 800: إذا وجد مالا في دار سكناه ولم يعلم أنه له أو لغيره فإن
لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في
المضائف ونحوها جرى عليه حكم اللقطة.
مسألة 801: لو وجد مالا في دار معمور يسكنها الغير، سواء كانت
ملكا له أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرفه الساكن، فإن ادعى ملكيته
فهو له فليدفعه إليه بلا بينة، وكذا لو قال لا أدري، وإن سلبه عن نفسه فإن
أحرز كونه ضائعا عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلا جرى عليه حكم
مجهول المالك.
مسألة 802: إذا اشترى دابة أو سمكة أو حيوانا غيرهما فوجد في
جوفها مالا فقد تقدم حكمه في كتاب الخمس المسألة (1197).
مسألة 803: ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي
المفاوز وفي كل أرض لا رب لها فقد تقدم حكمه في مبحث الكنز من كتاب
الخمس. وأما ما يوجد فيها مطروحا غير مستتر في الأرض ونحوها فإن علم
بشهادة بعض العلائم والخصوصيات إنه لأهل الأزمنة القديمة جدا بحيث
عد عرفا - بلحاظ تقادم السنين - مالا بلا مالك فالظاهر جواز تملكه إذا كان
كذلك شرعا، وإن علم بملاحظة العلائم والشواهد أنه ليس لأهل زمن الواجد
ولكن من دون أن يعد مالا بلا مالك بل مالا مجهول المالك فاللازم حينئذ
الفحص عن مالكه فإن عرفه رده إلى وارثه إن كان وإلا كان للإمام عليه السلام
لأنه وارث من لا وارث له، وإن لم يعرف المالك تصدق به مع الاستئذان من
الحاكم الشرعي على الأحوط، وإن علم بملاحظة العلائم والقرائن أنه لأهل
زمن الواجد فإن أحرز كونه ضائعا عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلا
جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 804: إذا انكسرت سفينة في البحر فتركها أصحابها وأباحوا ما فيها
لمستخرجه فاستخرج شخص لنفسه شيئا منها فهو له سواء أكان ذلك
بغوص أم بغيره.
224

مسألة 805: إذا تبدل حذاء الشخص بحذاء غيره جاز له التصرف فيه
بكل نحو يحرز رضا صاحبه به، ولو علم أنه قد تعمد التبديل ظلما وعدوانا
جاز له أن يقابله بالمثل فيأخذ حذاءه بدلا عن حذاء نفسه بشرط أن لا تزيد
قيمة المتروك على قيمة المأخوذ، وإلا فالزيادة من مجهول المالك وتترتب
عليه أحكامه، وهكذا الحكم فيما لو علم أنه قد اشتبه أولا ولكنه تسامح
وتهاون في الرد بعد الالتفات إلى اشتباهه، وأما في غير هاتين الصورتين
- سواء علم باشتباهه حدوثا وبقاءا أم احتمل الاشتباه ولم يتيقنه - فتجري
على المتروك حكم مجهول المالك.
هذا فيما إذا لم يكن الشخص هو الذي بدل ماله بمال غيره - عمدا أو
اشتباها - وإلا فلا يجوز له التقاص منه بل يجب عليه رده إلى مالكه.
225

كتاب الغصب
الغصب هو: (الاستيلاء عدوانا على مال الغير أو حقه)، وقد تطابق
العقل والنقل كتابا وسنة على حرمته، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:
من غصب شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة، وعن أمير
المؤمنين عليه السلام: الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها.
مسألة 806: المغصوب إما عين مع المنفعة من مالك واحد أو
مالكين، وإما عين بلا منفعة، وإما منفعة مجردة، وإما حق مالي متعلق
بالعين، فالأول كغصب الدار من مالكها، وكغصب العين المستأجرة إذا
غصبها غير المؤجر والمستأجر، فهو غاصب للعين من المؤجر وللمنفعة من
المستأجر، والثاني كما إذا غصب المستأجر العين المستأجر من مالكها مدة
الإجارة، والثالث كما إذا غصب العين المؤجر وانتزعها من يد المستأجر
واستولى على منفعتها مدة الإجارة، والرابع كما إذا استولى على أرض
محجرة أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة.
مسألة 807: المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان
والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق كذلك، ونظيره غصب الأعيان
والحقوق العائدة للكعبة المشرفة والمساجد ونحوها، وقد يكون هو النوع كما
في غصب مال تعين خمسا أو زكاة قبل أن يدفع إلى المستحق وغصب الرباط
المعد لنزول القوافل والمدرسة المعدة لسكني الطلبة.
مسألة 808: للغصب حكمان تكليفيان وهما: الحرمة ووجوب الرد
إلى المغصوب منه أو وليه، وحكم وضعي وهو الضمان بمعنى كون
226

المغصوب على عهدة الغاصب وكون تلفه وخسارته عليه فإذا تلف أو عاب يجب
عليه دفع بدله أو أرشه، ويقال لهذا الضمان (ضمان اليد).
مسألة 809: يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب،
ففي الجميع الغاصب آثم ويجب رد المغصوب إلى المغصوب منه، وأما
الحكم الوضعي وهو الضمان فيجري فيما إذا كان المغصوب من الأموال
مطلقا عينا كان أو منفعة، وأما إذا كان من الحقوق فيجري في بعض مواردها
كحق الاختصاص ولا يجري في البعض الآخر كحق الرهانة.
مسألة 810: لو استولى على حر فحبسه لم يتحقق الغصب لا بالنسبة
إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته وإن أثم بذلك وظلمة، سواء أكان كبيرا أو
صغيرا فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه حرق
أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير استناد إليه لم يضمن، وكذا لا يضمن
منافعه إلا إذا كان كسوبا لم يتمكن من الاشتغال بكسبه في الحبس فإنه
يضمن أجرة مثله ضمان تفويت على الأقوى، وكذا لو كان أجيرا لغيره فتعطل
عن عمله فإنه يضمن منفعته الفائتة للمستأجر ضمان تفويت أيضا، ولو
استوفى منه بعض منافعه - كما إذا استخدمه - ضمن أجرة مثل عمله ضمان
استيفاء، إلا إذا كان كسوبا فاستخدمه في غير ما هو عمله فإنه يضمن حينئذ
من أجرة مثل المنفعتين - المنفعة المستوفاة والمنفعة المفوتة - أعلاهما، ولو
تلف الحر المحبوس بتسبيب من الحابس مثل ما إذا حبسه في دار فيها حية
فلدغته أو قصر في تأمين الوسائل اللازمة لحفظه من مرض أصابه فأدى ذلك
إلى موته ضمن من جهة سببيته للتلف لا لأجل الغصب واليد.
مسألة 811: لو منع غيره عن امساك دابته المرسلة أو من القعود على
فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصبا لعدم وضع اليد
على ماله وإن كان عاصيا وظالما له من جهة منعه، فلو هلكت الدابة أو تلف
227

الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت القيمة السوقية للمتاع بعد المنع لم يكن
على المانع ضمان من جهة الغصب واليد، وهل عليه ضمان من جهة أخرى
أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير وهو ما إذا تنقصت القيمة السوقية، وأما في
غيره فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه - بأن كانت بآفة
سماوية وسبب قهري لا تفاوت في ترتبها بين ممنوعية المالك وعدمها - لم
يكن عليه ضمان قطعا، وأما إذا كان مستندا إليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة
أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها فلما منعه المانع ولم يقدر على
حفظها وقع عليها الهلاك فلا يبعد ثبوت الضمان.
مسألة 812: يتقوم الغصب - كما عرفت - باستيلاء الغاصب على
المغصوب وصيرورته تحت يده عرفا، ويختلف ذلك باختلاف المغصوبات
فيتحقق في المتاع والطعام ونحوهما من المنقولات بأخذها باليد مثلا، وكذا
بنقلها إلى ما تحت يده من بيت أو دكان أو مخزن أو نحوها ولو لم يكن ذلك
بمباشرته بل بأمر الغير به كأن ينقل الحمال بأمره متاعا للغير بدون إذنه إلى بيته
أو طعاما منه إلى مخزنه فإنه يكون بذلك غاصبا للمتاع والطعام.
ويتحقق في مثل الفرس والبغل والجمل من الحيوانات بالركوب عليها
وأخذ مقودها وزمامها. كما يتحقق في مثل الغنم بسوقها بعد طرد المالك أو
عدم حضوره إذا كانت تمشي بسياقه وتكون منقادة لسائقها، فلو كانت قطيع
غنم في الصحراء معها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من
مالكها وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظ عليها ويمنعها عن التفرق
والتشتت فالظاهر كفاية ذلك في تحقق الغصب لصدق الاستيلاء ووضع اليد
عرفا.
هذا في المنقول وأما في غيره فيكفي في غصب الدار أن يسكنها أو
يسكن غيره ممن يأتمر بأمره فيها بعد ازعاج المالك عنها أو عدم حضوره،
228

وكذا لو أخذ مفاتحها من صاحبها قهرا وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردد فيها،
وكذا الحال في الدكان والخان ومثلها البستان إذا كان لها باب وحيطان وأما
إذا لم يكن لها باب وحيطان فيكفي دخولها والتردد فيها - بعد طرد المالك -
بعنوان الاستيلاء وبعض التصرفات فيها، وكذا الحال في غصب القرية
والمزرعة
هذا كله في غصب الأعيان، وأما غصب المنافع فإنما هو بانتزاع
العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده، كما في العين
المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر واستولى عليها
في مدة الإجارة سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا.
مسألة 813: لو دخل الدار وسكنها مع مالكها، فإن كان المالك
ضعيفا غير قادر على مدافعته واخراجه فإن اختص استيلاؤه وتصرفه بطرف
معين منها اختص الغصب والضمان بذلك الطرف دون الأطراف الأخر، وإن
كان استيلاؤه وتصرفاته وتقلباته في عامة أطراف الدار وأجزائها فالأظهر كونه
غاصبا وضامنا لتمام الدار لا ضامنا لها بالنسبة، فلو انهدم بعضها ضمن تمام
ذلك البعض كما يضمن منافعها المستوفاة بل والمفوتة دون ما استوفاها المالك
بنفسه.
هذا إذا كان المالك ضعيفا، وأما لو كان الساكن ضعيفا - بمعنى أنه
لا يقدر على مقاومة المالك وأنه كلما أراد أن يخرجه من داره أخرجه - فالظاهر
عدم تحقق الغصب بل ولا اليد فليس عليه ضمان اليد، نعم عليه بدل ما
استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها.
مسألة 814: لو أخذ بمقود الدابة فقادها وكان المالك راكبا عليها،
فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد
غاصبا لها بتمامها ويتبعه الضمان، ولو كان بالعكس - بأن كان المالك
229

الراكب قويا قادرا على مقاومته ومدافعته - فالظاهر عدم تحقق الغصب من
القائد أصلا فلا ضمان عليه لو تلفت الدابة في تلك الحالة، نعم لا اشكال
في ضمانه لها لو اتفق تلفها بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان
لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت.
مسألة 815: إذا اشترك اثنان في الغصب فإن اشتركا في الاستيلاء
على جميع المال كان كل منهما ضامنا لجميعه سواء أكان أحدهما أو كلاهما
متمكنا لوحده من الاستيلاء على جميعه أم كان بحاجة في ذلك إلى مساعدة
الآخر وتعاونه، فيتخير المالك في الرجوع إلى أيهما شاء كما في الأيادي
المتعاقبة.
مسألة 816: إذا غصب شيئا من الأوقاف العامة فإن كان من قبيل
التحرير لم يستوجب الضمان لا عينا ولا منفعة وإن كان عمله محرما ويجب
رفع اليد عنه، فلو غصب مسجدا لم يضمن ما يصيب عرصته تحت يده من
الاضرار كالخسف ونحوه، كما لا يضمن أجرته مدة استيلائه عليه، نعم إذا
انهدم بناؤه تحت يده ضمنه لأنه ليس تحريرا بل ملك غير طلق للمسجد على الأظهر.
وأما إذا لم يكن الوقف العام من قبيل التحرير سواء أكان وقف منفعة
أم وقف انتفاع فالأظهر كونه ضامنا لكل من العين والمنفعة، فلو غصب
مدرسة أو رباطا أو بستانا موقوفة على الفقراء أو نحو ذلك فتلفت تحت يده
كان ضامنا لعينها، ولو استولى عليها مدة ثم ردها كان عليه أجرة مثلها كما هو
الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة.
مسألة 817: يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضي
الفاسد وما يشبهه فالمبيع الذي يأخذه المشتري والثمن الذي يأخذه البائع
في البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب سواء علما بالفساد أم جهلا
230

به، أم علم أحدهما وجهل الآخر، وكذلك الأجر التي يأخذها المؤجر في
الإجارة الفاسدة، والمهر الذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، والفدية التي
يأخذها الزوج في الطلاق الخلعي الفاسد، والجعل الذي يأخذه العامل في
الجعالة الفاسدة وغير ذلك مما لا يكون الأخذ فيه مبنيا على التبرع.
وأما المقبوض بالعقد الفاسدة غير المعاوضي وما يشبهه فليس فيه
الضمان، فلو قبض المتهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان.
وكذا يلحق بالغصب على المشهور بين الفقهاء (رض) المقبوض بالسوم،
والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطلع على على خصوصياته
لكي يشتريه إذا وافق نظره، فإن المشهور أنه يكون في الضمان آخذه فلو
تلف عنده ضمنه، ولكنه محل اشكال.
مسألة 818: يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا وإن كان في
رده مؤنة، بل وإن استلزم رده الضرر عليه، حتى أنه لو أدخل الخشبة
المغصوبة في بناء لزم عليه اخراجها وردها لو أرادها المالك وإن أدى إلى
خراب البناء، وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه فورا
إلا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم،
وهكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن للمالك الزامه بنزعها
ويجب عليه ذلك وإن أدى إلى فساد الثوب، وإن ورد نقص على الخشب أو
اللوح أو الخيط بسبب اخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداره هذا إذا
كان يبقى للمخرج من الخشبة والمنزوع من الخيط قيمة وأما إذا كان بحيث
لا يبقى له قيمة بعد الاخراج فللمالك المطالبة ببدله من المثل أو القيمة
وعلى تقدير بذل البدل تكون عينه للغاصب، وهل له - أي المالك - المطالبة
بالعين دون البدل فيلزم الغاصب نزعها وردها إليه وإن لم تكن لها مالية؟
الظاهر أن له ذلك.
231

مسألة 819: لو مزج المغصوب بما يمكن تميزه عنه ولكن مع المشقة
- كما إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة - يجب عليه أن
يميزه ويرده.
مسألة 820: يجب على الغاصب مع رد العين دفع بدل ما كانت لها
من المنافع المستوفاة بل وغيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78)، فلو
غصب الدار مدة وجب عليه أن يعوض المالك عن منفعتها - أي السكنى -
خلال تلك المدة سواء استوفاها أم تلفت تحت يده كأن بقيت الدار معطلة
لم يسكنها أحد.
مسألة 821: إذا كانت للعين منافع متعددة وكانت معطلة فالمدار على
المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض
المنافع الأخرى، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت
قابلة في نفسها بأن تجعل محرزا أو مسكنا لبعض الدواب وغير ذلك، ومنفعة
بعض الدواب كالفرس بحسب المتعارف الركوب، ومنفعة بعضها الحمل وإن
كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضا،
فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين،
ولو فرض تعدد المتعارف منها فيها - كبعض الدواب التي يتعارف استعمالها
في الحمل تارة وفي الركوب أخرى - فإن لم تتفاوت أجرة تلك المنافع ضمن
تلك الأجرة، فلو غصب يوما دابة تستعمل في الركوب والحمل معا وكانت
أجرة كل منهما في كل يوم دينارا كان عليه دينار واحد وإن كانت أجرة بعضها
أعلى ضمن الأعلى، فلو فرض أن أجرة الحمل في كل يوم ديناران وأجرة
الركوب دينار كان عليه ديناران. والظاهر أن الحكم كذلك مع الاستيفاء
أيضا، فمع تساوي المنافع في الأجرة كان عليه أجرة ما استوفاه، ومع
التفاوت كان عليه أجرة الأعلى، سواء استوفى الأعلى أو الأدنى.
232

مسألة 822: إن كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى
وكيله إن كان كاملا وإلى وليه إن كان قاصرا، كما إذا كان صبيا أو مجنونا،
فلو رد في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان. وإن كان المغصوب
منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفا على الفقراء وقف منفعة أو وقف
انتفاع فإن كان له متول خاص يرده إليه وإلا فيرده إلى الولي العام وهو الحاكم
الشرعي، وليس له أن يرده إلى بعض أفراد النوع بأن يسلمه في المثال
المذكور إلى أحد الفقراء، نعم في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل
الربط إذا غصبها يكفي في ردها رفع اليد عنها وابقاؤه على حالها، بل
يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها
رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة التي كانوا فيها عند الغصب مع
انطباق عنوان الموقوف عليهم عند الرد، ولكن الأحوط لزوما الرد إلى الناظر
الخاص لو كان وإلا فإلى الحاكم.
مسألة 823: إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في مكان الغصب
فلا اشكال، وكذا إن نقل المال إلى مكان آخر وكان المالك في مكان
الغصب، فإنه يجب عليه إعادة المال إلى ذلك المكان وتسليمه إلى
المالك، وأما إن كان المالك في غير مكان الغصب فإن كان في مكان وجود
المال فله الزام الغاصب بأحد الأمرين: أما بتسليمه له في ذلك المكان وأما
بنقله إلى مكان الغصب، وأما إن كان في مكان آخر فلا اشكال في أن له
الزامه بنقل المال إلى مكان الغصب، وهل له الزامه بنقله إلى مكانه الذي
هو فيه؟ فيه اشكال وإن كان لا يبعد ذلك في بعض الموارد.
مسألة 824: لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على
الغاصب أرض النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا - ورد
المعيوب إلى مالكه، وليس للمالك الزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة،
233

ولا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرا وبين ما كان مما يسري ويتزايد
شيئا فشيئا حتى يتلف المال بالمرة كالبلة الحاصلة في الحنطة المؤدية إلى
عفونتها وتلفها فإنه لا يضمن الغاصب في مثلها إلا أرش النقصان وتفاوت
القيمة بين كونها مبلولة وغير مبلولة، نعم لو كان حدوث العيب المذكور
منتسبا إلى الغاصب ولو من جهة تعديه أو تفريطه ولم يكن المالك قادرا على
المنع من تزايده ولا على بيع المال مثلا للحصول على عوضه فتزايد العيب
حتى تلف ضمن الغاصب تمام قيمته لا خصوص الأرش.
مسألة 825: لو كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية رده ولم
يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
مسألة 826: لو تلف المغصوب أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد
الفاسد قبل رده إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان قيميا،
والمراد بالمثلي - كما مر في كتاب البيع - ما يكثر وجود مثله في الصفات التي
تختلف باختلافها الرغبات، والقيمي ما لا يكون كذلك، فالحبوبات من
الحنطة والشعير والأرز والذرة والماش والعدس ونحوها من المثلي وكذلك
الآلات والظروف والأقمشة والأدوية المعمولة في المصانع في هذه الأزمنة،
والجواهر الأصلية من الياقوت والزمرد ونحوهما وغالب أنواع الحيوان كالفرس
والغنم من القيمي.
مسألة 827: المراد بضمان المثلي بمثله ما يكون موافقا له في
الصنف ولا يكفي الاتحاد في النوع، وإنما يحصل التغاير بين الصنفين
باختلافهما في بعض الصفات والخصوصيات التي تختلف باختلافها رغبات
العقلاء دون الاختلاف الذي لا يكون كذلك فإنه لا ينظر إليه في هذا
المقام.
مسألة 828: لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته، وإن تفاوتت
234

القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة وفي
وقت تلف العين قيمة أخرى ويوم التعذر قيمة ثالثة واليوم الذي يدفع إلى
المغصوب منه رابعة فالمدار على الأخير فيجب عليه دفع تلك القيمة،
فلو غصب طنا من الحنطة كانت قيمتها دينارين فأتلفها في زمان كانت الحنطة
موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دنانير ثم تعذرت وكانت قيمتها أربعة دنانير ثم
مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمته وكانت قيمة الحنطة في
ذلك الزمان خمسة دنانير يجب عليه دفع هذه القيمة.
مسألة 829: يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في
البلد وما حوله مما ينقل منها إليه عادة.
مسألة 830: لو وجد المثل بأزيد من ثمن المثل وجب عليه الشراء
ودفعه إلى المالك، نعم إذا كانت الزيادة كثيرة بحيث عد المثل متعذرا عرفا
لم يجب.
مسألة 831: لو وجد المثل ولكن تنزل قيمته لم يكن على الغاصب
إلا اعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت، فلو غصب طنا من
الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دنانير وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصورا أو
تقصيرا - إلى زمان قد تنزلت قيمتها وصارت خمسة دنانير لم يكن عليه إلا
اعطاء طن من الحنطة ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دنانير
مع طن من الحنطة، بل ليس له الامتناع من الأخذ فعلا وابقائها في ذمة
الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمته فعلا.
مسألة 832: لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو
المكان فالظاهر أنه ليس للغاصب الزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي دفعه
في ذلك الزمان والمكان في ارتفاع الضمان لو لم يرضى به المالك، فلو
غصب جمدا في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء،
235

أو غصب قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند النهر ليس له ذلك
وللمالك الامتناع، وحينئذ فإن تراضيا على الانتظار إلى زمان أو مكان يكون
للمثل فيه قيمة فهو وإلا فللغاصب دفع قيمة المغصوب إلى المالك وليس
للمالك الامتناع من قبولها، وهل يراعى في القيمة زمانا ومكانا وعاء الغصب
أو التلف أو أدنى القيم وهو قيمته في الزمان أو المكان المتصل بسقوطه عن
المالية؟ وجوه والأحوط التصالح.
مسألة 833: لو تلف المغصوب وكان قيميا ضمن قيمته - كما تقدم -
فإن لم تتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه وقيمته في
زمان أداء القيمة ولا في أثناء ذلك فلا اشكال، وإن تفاوتت بحسب اختلاف
الأزمنة كأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد أو أقل من قيمته يوم التلف أو كانت
قيمته يوم التلف أزيد أو أقل من قيمته يوم الأداء كانت العبرة بقيمته في زمان
التلف على الأظهر وإن كان الأحوط التراضي والتصالح فيما به التفاوت.
هذا إذا كان تفاوت القيمة السوقية لمجرد اختلاف الرغبات وقاعدة
العرض والطلب، وأما إذا كان بسبب تبدل بعض أوصاف المغصوب أو ما في
حكمها بأن كان واجدا لوصف كمال أوجب زيادة قيمته حين الغصب وقد
فقده حين التلف أو بالعكس كالسمن في الشاة واللون المرغوب فيه في
القماش والفيروزج ونحو ذلك فلا اشكال في أن العبرة حينئذ بأعلى القيم
وأحسن الأحوال.
ولو لم تتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة ولكن
حصلت في المغصوب صفة يوجب الارتفاع بين الزمانين ثم زالت تلك
الصفة، فإن لم يكن ذلك بفعل الغاصب فالأقوى أنه كذلك أي يضمن قيمته
حال الاتصاف بتلك الصفة كما لو كان الحيوان مريضا ثم صار صحيحا ثم
عاد مرضه وتلف، وأما إن كان بفعل الغاصب كما لو كان الحيوان هازلا
236

فاعلفه كثيرا وأحسن طعامه حتى سمن ثم عاد إلى الهزال وتلف فالأظهر أنه
لا يضمن قيمته حال سمنه وإن كان هو الأحوط.
مسألة 834: إذا اختلفت القيمة السوقية باختلاف المكان - كما إذا
كان المغصوب في مكان الغصب بعشرين وفي مكان التلف بعشرة أو
بالعكس - فهل يلحق ذلك باختلاف الزمان فتكون العبرة بمكان التلف
مطلقا، أو يلحق باختلاف الأوصاف فتكون العبرة (بأعلى القيم؟ فيه وجهان
والأوجه أولهما وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط.
مسألة 835: إذا تعذر عادة ارجاع المغصوب إلى مالكه فإن كان
بحيث يعد تالفا عرفا أي يعد مالا بلا مالك كما إذا انفلت الطائر الوحشي أو
وقع السمك في البحر ونحو ذلك ترتبت عليه أحكام التلف فيجب على
الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلا أو قيمة، وأما لو لم يعد كذلك فمع
اليأس من الحصول عليه كالمسروق الذي ليس له علامة يجب على
الغاصب اعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ويسمى ذلك البدل: (بدل
الحيلولة).
وهل يملكه المالك مع بقاء المغصوب في ملكه وإن كان للغاصب
استرجاعه فيما إذا صادف أن تمكن من ارجاع المغصوب إليه، أو أنه يملكه
موقتا وينتقل المغصوب إلى الغاصب موقتا أيضا، أو أن الانتقال في كل منهما
دائمي؟ وجوه أوجهها الثاني.
مسألة 836: لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدة كان للمغصوب
منه، ولو كان للمبدل نماء أو منافع كان للغاصب، نعم النماء المتصل
كالسمن يتبع العين فمتى ما استرجعها صاحبها استرجعها بنمائها.
مسألة 837: القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي
المثليات عند تعذر المثل إنما تحتسب بالنقد الرائج من الذهب والفضة
237

المسكوكين بسكة المعاملة وغيرهما من المسكوكات والأوراق النقدية
المتداولة في العصور الأخيرة، فهذا هو الذي يستحقه المغصوب منه كما هو
كذلك في جميع الغرامات والضمانات فليس للضامن من دفع غيره إلا بالتراضي
بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيسا إلى النقد الرائج.
وإذا اختلف النقد الرائج - بحسب اختلاف الأمكنة - كأن كان النقد
الرائج في بلد التلف غيره في بلد الأداء فالعبرة بالنقد الرائج في بلد التلف
على الأظهر، وأما إذا اختلف بحسب اختلاف الأزمنة فإن كان الاختلاف في
النوع بأن سقط النوع الرائج في زمن التلف وأبدل بغيره كان العبرة بالثاني
وإن كان الاختلاف بحسب المالية بأن كان الرائج في يوم التلف أكثر مالية
منه في يوم الأداء فالظاهر عدم كفاية احتساب قيمة التالف بما كانت تتقدر
به في زمن التلف بل اللازم احتسابها بما تتقدر به في زمن الأداء، ولو انعكس
الأمر ففي كفاية احتساب قيمته في زمن الأداء بما يساويها مالية في زمن
التلف أو لزوم احتسابها بنفس المقدار السابق اشكال، والأحوط في مثله
التصالح.
مسألة 838: الفلزات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص
والنحاس كلها مثلية حتى الذهب والفضة مضروبين أو غير مضروبين،
وحينئذ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات
المتعذرة المثل، نعم في خصوص الذهب والفضة تفصيل، وهو أنه إذا قوم
بغير الجنس - كما إذا قوم الذهب بالدرهم أو قوم الفضة بالدينار - فلا
اشكال، وأما إذا قوم بالجنس - بأن قوم الفضة بالدرهم وقوم الذهب بالدينار -
فإن تساوى القيمة والمقوم وزنا كما إذا كانت الفضة المضمونة المقومة عشرة
مثاقيل فقومت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضا عشرة مثاقيل فلا اشكال أيضا،
وإن كان بينهما التفاوت - بأن كانت الفضة المقومة عشرة مثاقيل مثلا وقد
238

قومت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل - فيشكل دفعها غرامة عن الفضة
لاحتمال كونه داخلا في الربا فيحرم كما أفتى به جماعة، فالأحوط أن يقوم
بغير الجنس، بأن يقوم الفضة بالدينار والذهب بالدرهم حتى يسلم من شبهة
الربا.
مسألة 839: المصنوع من الفلزات والمعادن المنطبعة هل يعد مثليا
أو قيميا أو أنه مثلي بحسب مادته وقيمي بحسب هيئته؟ الظاهر هو التفصيل
بين الموارد فإن كانت الصنعة بمثابة من النفاسة والأهمية تكون هي - في
الأساس - محط أنظار العقلاء ومورد رغباتهم كالمصنوعات الأثرية العتيقة
جدا أو البديعة النادرة، ففي مثل ذلك يعد المصنوع قيميا، فيقوم بمادته
وهيئته ويدفع الغاصب قيمته السوقية، وأما إن لم تكن كذلك فإن كان
يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات - كالمصنوع
بالآلات والمعامل المعمولة في هذه الأزمنة من الظروف والآلات - فهو مثلي
مع صنعته يضمن بالمثل مع مراعاة صنفه، وهكذا الحال فيما إذا لم تكن
لهيئته مالية أصلا وعد وجودها وعدمها سيين فإنه يضمن بالمثل حينئذ.
وأما إذا لم يكن المصنوع من القسمين المذكورين فالظاهر أنه يعد
بمادته مثليا وبهيئته قيميا كغالب أنواع الحلي والمصنوعات الذهبية والفضية،
فلو غصب قرطا ذهبيا كان وزنه مثقالين فتلف عنده أو أتلفه ضمن مثقالين من
الذهب مع ما به التفاوت بين قيمته مصوغا وقيمته غير مصوغ.
مسألة 840: لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهيئة والصنعة دون
المادة رد العين وعليه الأرش أيضا - أي ما تتفاوت به قيمته قبل تلف الهيئة
وبعده - لو كان للهيئة مالية، ولو طلب الغاصب أن يعيد صناعته كما كان فرارا
عن اعطاء الأرش لم يجب على المالك القبول، كما أن المالك ليس له
اجبار الغاصب بإعادة الصنعة وارجاع المغصوب إلى حالته الأولى.
239

مسألة 841: لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة
- كما في آلات القمار واللهو المحرم - لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصة أو
مع ذيها، فيرد المادة لو بقيت ومثلها لو تلفت إلى المالك وليس عليه شئ
لأجل الهيئة والصنعة.
مسألة 842: لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثم تلفت - بأن
غصبها شخص عن مالكها ثم غصبها من الغاصب شخص آخر ثم غصبها
من الثاني شخص ثالث وهكذا ثم تلفت - ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع
ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كل واحد منهم وإلى أكثر من واحد بالتوزيع
متساويا أو متفاوتا، حتى أنه لو كانوا عشرة مثلا له أن يرجع إلى الجميع ويأخذ
من كل منهم عشر ما يستحقه من البدل وله أن يأخذ من واحد منهم النصف
والباقي من الباقين بالتوزيع متساويا أو بالتفاوت.
هذا حكم المالك معهم، وأما حكم بعضهم مع بعضه: فأما الغاصب
الأخير الذي تلف المال عنده فعليه قرار الضمان بمعنى أنه لو رجع عليه
المالك وغرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه، بخلاف غيره من الأيادي
السابقة، فإن المالك لو رجع إلى واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الذي
تلف المال عنده، كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا
إلى أن ينتهي إلى الأخير.
مسألة 843: لو اشترى شيئا جاهلا بالغصب رجع بالثمن على
الغاصب وبما غرم للمالك عوضا عما لا نفع له في مقابله أو كان له فيه نفع،
ولو كان عالما فلا رجوع بشئ مما غرم للمالك.
مسألة 844: إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش
النقصان، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان، نعم قد اختص العبيد
والإماء ببعض التفاصيل والأحكام مما لا يسع المقام بيانها.
240

مسألة 845: لو غصب شيئين تنقص قيمة كل واحد منهما منفردا عن
قيمته مجتمعا مع الآخر كمصراعي الباب وفردي الحذاء فتلف أحدهما أو
أتلفه، فإن كان قيميا أو مثليا متعذرا ضمن قيمة التالف مجتمعا ورد الباقي
مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، وإن كان مثليا متوفرا دفع مثله مع رد
الباقي، فلو غصب حذاء قيميا كان قيمة فردية مجتمعين عشرة وكان قيمة كل
منهما منفردا ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا وهي
خمسة ورد الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي
للمالك سبعة مع أحد الفردين، ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف
بقيمته مجتمعا وهي خمسة في الفرض المذكور، وهل يضمن النقص الوارد
على الثاني وهو اثنان حتى تكون عليه سبعة أم لا؟ وجهان لا يخلو أولهما من
رجحان.
مسألة 846: لو حصلت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة
فهي على أقسام ثلاثة
أحدها: أن تكون أثرا محضا، كتعليم الصنعة في العبد وخياطة الثوب
بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الحنطة وصياغة الفضة ونحو
ذلك.
ثانيها: أن تكون عينية محضة، كغرس الأشجار والبناء في الأرض
البسيطة ونحو ذلك.
ثالثها: أن تكون أثرا مشوبا بالعينية، كصبغ الثوب والباب.
مسألة 847: لو زاد في العين المغصوبة بما يكون أثرا محضا ردها كما
هي ولا شئ له لأجل تلك الزيادة ولا من جهة أجرة العمل، وليس له إزالة
الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك، حيث إنه تصرف في مال
241

الغير بدون إذنه، ولو أزاله بدون إذنه ففي ضمانه للأرش نظر سيما مع تكرر
ايجاد الأثر وإزالته، وللمالك الزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الأولى للعين إذا
كان له غرض في ذلك ولا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة، نعم لو ورد
نقص على العين ضمن أرش النقصان.
مسألة 848: لو غصب أرضا فغرسها أو زرعها فالغرس والزرع ونماؤهما
للغاصب، وإذا لم يرض المالك ببقائها في الأرض مجانا ولا بأجرة وجب
عليه إزالتهما فورا وإن تضرر بذلك، كما أن عليه أيضا طم الحفر وأجرة
الأرض ما دامت مشغولة بهما، ولو حدث نقص في قيمة الأرض بالزرع أو
القلع وجبه عليه أرش النقصان، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو
الزرع لم يجب على الغاصب إجابته، وكذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو
قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبولها، ولو حفر الغاصب في الأرض
بئرا كان عليه طمها مع طلب المالك وليس له طمها مع عدم الطلب فضلا
عما لو منعه، ولو بنى في الأرض المغصوبة بناء فهو كما لو غرس فيها،
فيكون البناء للغاصب إن كانت أجزاؤه له وللمالك الزامه بالقلع، فحكمه
حكم الغرس في جميع ما ذكر.
مسألة 849: لو غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغراس وأجزاء
البناء لصاحب الأرض كان الكل له وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الأجرة،
وللمالك الزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض في ذلك.
مسألة 850: لو غصب شيئا وصبغه بصبغه فإن كان الباقي فيه من أثر
الصبغ عرضا لا جرم له عرفا كما هو الغالب في صبغ الأثواب ونحوها لزمه
رده كما هو ولا شئ له إزاء صبغه التالف بالاستعمال وليس له إزالة أثر الصبغ
إلا برضا المالك كما أن عليه دفع الأرش لو نقص قيمته بالصبغ، وإن كان
الباقي فيه مما له جرم عرفا كالأصباغ الدهنية المتعارفة في طلي الأخشاب
242

والحديد ونحوهما فإن أمكن إزالته كان له ذلك وليس للمالك منعه، كما أن
للمالك الزامه بها، ولو ورد نقص على المغصوب بسبب إزالة صبغه ضمنه
الغاصب ولو طلب المالك أن يملكه الصبغ بعوض لم يجب عليه إجابته
كالعكس بأن يطلب الغاصب منه أن يملكه المغصوب بقيمته. هذا إذا أمكن
إزالة الصبغ وإن لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه فالظاهر اشتراكهما في
مالية المغصوب بالنسبة، فلو كان التفاوت بين قيمته مصبوغا وقيمته غير
مصبوغ بنسبة السدس كان اشتراكه مع المالك في ماليته بهذه النسبة.
هذا إذا زادت قيمة المغصوب بصبغه وإلا فلو نقصت بذلك ضمن
الغاصب النقص ومع التساوي لا شئ للغاصب كما لا شئ عليه.
مسألة 851: لو صبغ المغصوب من شخص بصبغ مغصوب من آخر
فإن كان الباقي فيه عرضا لا جرما ضمن لمالك الصبغ بدله من المثل أو
القيمة وإن كان الباقي جرما فله مطالبته بالبدل فإن بذل له صار الصبغ ملكا
للغاصب فيجري عليه ما تقدم في المسألة السابقة، وإن لم يطالب بالبدل
واتفق مع مالك المصبوغ على بقاء الصبغ اشترك في ماليته بالنسبة وله أن
يأخذ من الغاصب ما به التفاوت بين حصته منها وبين قيمة الصبغ قبل
الاستعمال إن وجد، هذا إذا زادت قيمة المغصوب بصبغه ولو نقصت ضمن
الغاصب النقص كما يضمن بدل الصبغ لمالكه.
مسألة 852: لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزجا في يده بغير
اختيار وعد المزيج موجودا واحدا لا خليطا من موجودات متعددة فإن كان
المزج بجنسه وكانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر ولا أردأ تشاركا في
المجموع بنسبة ماليهما، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة بل الذي
عليه هو عدم التصرف فيه إلا برضا المغصوب منه والقبول بافراز حصته منه
وتسليمها إليه لو كان مطالبا بذلك كما هو الحال في سائر الأموال المشتركة.
243

وإن مزج المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه فللمغصوب منه أن يطالب
الغاصب ببدل ماله وله أن يقبل بالمشاركة في الخليط بنسبة المالية، فلو خلط
لترا من الزيت الردئ قيمته خمسة دنانير بلتر من الزيت الجيد قيمته عشرة
دنانير وقبل المغصوب منه بالشركة كان للأول ثلث المجموع وللثاني ثلثاه.
هذا إذا مزج المغصوب بجنسه، وأما إذا مزجه بغير جنسه فإن كان فيما
يعد معه تالفا كما إذا مزج ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن البدل، وإن لم
يكن كذلك كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل بالعسل
فالظاهر أنه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد فيتخير المغصوب
منه بين أخذ البدل وبين الرضا بالاشتراك في العين بنسبة المالية.
مسألة 853: لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ واختار المغصوب
منه المشاركة في المخلوط بنسبة المالية ولكن كان قيمة المخلوط أنقص من
قيمة الخليطين منفردين فورد بذلك النقص المالي على المغصوب منه ضمن
الغاصب هذا النقص، كما لو غصب لترا من الزيت الجيد قيمته عشرة دنانير
وخلطه بلتر منه ردئ قيمته خمسة دنانير وبسبب الاختلاط صار قيمة اللترين
اثني عشر دينارا قصار حصة المغصوب منه بعد التقسيم - وهو الثلثان - يساوي
ثمانية دنانير والحال أن زيته غير المخلوط كان يساوي عشرة دنانير فنقص منه
اثنان فهذا النقص يغرمه الغاصب.
مسألة 854: ما يعد من فوائد المغصوب من الأعيان الخارجية كالولد
واللبن والشعر والثمر ملك للمغصوب منه فيجب على الغاصب رده إلى ما دام
باقيا ورد عوضه على تقدير تلفه، وأما منافعه الأخرى كسكنى الدار وركوب
الدابة فهي أيضا مضمونة على الغاصب سواء المستوفاة منها والمفوتة
- دون الفائتة كما مر - وكذا كل صفة حصلت في المغصوب لا بفعل
244

الغاصب وأوجبت زيادة قيمته ثم زالت ونقصت بزوالها قيمته فإنه يضمنها وإن
رد العين كما كانت قبل الغصب على ما مر في المسألة (833)، ولو زادت
القيمة بزيادة صفة ثم زالت تلك الصفة ثم عادت الصفة بعينها لم يضمن
قيمة الزيادة التالفة إلا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الأولى فيضمن التفاوت،
ولو زادت القيمة لنقص بعضه مما له مقدر كالجب فعلى الغاصب دية
الجناية، ولو تجددت فيه صفة لا قيمة لها ثم زالت لم يضمنها.
مسألة 855: لو حصلت فيه صفة لا بفعل الغاصب فزادت قيمته ثم
زالت فنقصت ثم حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان
الزيادة الأولى ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية.
مسألة 856: لو غصب خمرا فصار خلا كان للمغصوب منه لا
الغاصب ولو غصب حبا فزرعه تخير المغصوب منه بين أخذ الزرع وبين
المطالبة بدل الحب، ولو بذل له البدل كانا لزرع للغاصب وهكذا الحال
لو غصب بيضا فاستفرخه أو غصب عصيرا فصار عنده خمرا ثم صار خلا.
مسألة 857: لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى فأولدها كان الولد لصاحب
الأنثى وإن كان هو الغاصب وعليه أجرة الضراب.
مسألة 858: يضمن المسلم للذمي الخمر والخنزير بقيمتهما عندهم
مع الاستتار وكذا يضمن للمسلم حق اختصاصه فيما إذا استولى عليهما
لغرض صحيح كتصنيع الخمر خلا أو استعمالها دواء.
مسألة 859: جميع ما مر من الضمان وكيفيته وأحكامه وتفاصيله
جارية في كل يد جارية على مال الغير بغير حق وإن لم تكن عادية وغاصبة
وظالمة، إلا في موارد الأمانات مالكية كانت أو شرعية كما تقدم تفصيل ذلك
في كتاب الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات المعاوضية الفاسدة
245

وما هي بحكمها، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه كما إذا لبس
حذاء غيره أو ثوبه اشتباها أو أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله وغيره
ذلك مما لا يحصى.
مسألة 860: كما أن اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو
المسمى ب‍ (ضمان اليد) وقد تقدم تفصيله في المسائل المتقدمة - كذلك
للضمان سببان آخران هما الاتلاف والتسبيب، وبعبارة أخرى له سبب آخر
وهو الاتلاف سواء كان بالمباشرة أو السبب من غير فرق بين أن يكون المتلف
عينا خارجيا أو صفة كمالية.
مسألة 861: الاتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه كما إذا ذبح
حيوانا أو رماه بسهم فقتله أو ضرب على إناء فكسره أو رمى شيئا في النار
فأحرقه وغير ذلك مما لا يحصى، وأما الاتلاف بالتسبيب فهو ايجاد شئ
يترتب عليه الاتلاف، كما لو حفر بئرا في المعابر فوقع فيها انسان أو حيوان
أو طرح المعاثر والمزالق كقشر البطيخ والموز في المسالك أو أوتد وتدا في
الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو انسان أو وضع شيئا على
الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره أو ألقى صبيا أو حيوانا يضعف
عن الفرار في مسبعة فقتله السبع، ومن ذلك ما لو فك القيد عن الدابة
فشردت أو فتح قفصا على طائر فطار مبادرا أو بعد مكث وغير ذلك، ففي
جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا ويكون عليه غرامة التالف وبدله إن كان
مثليا فبالمثل وإن كان قيميا فبالقيمة، وإن صار سببا لتعيب المال كان عليه
الأرش كما مر في ضمان اليد.
مسألة 862: لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا أو حبس مالك
الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب إلا إذا
انحصر غذاء الولد بارتضاع من أمه وكانت الماشية في محال السباع ومظان
الخطر واحتاج حفظها إلى حراسة المحبوس فعليه الضمان على الأقرب.
246

مسألة 863: لو فك وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه كان ضامنا له وأما
لو فتح رأس الظرف ثم اتفق أنه قلبته الريح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه
مثلا فسال ما فيه ففي الضمان اشكال، نعم يقوى الضمان فيما كان ذلك في
حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجتمع الطيور ومظان وقوعها عليه.
مسألة 864: لو فتح بابا على مال فسرق أو دل سارقا عليه فسرقه
ضمنه فيما إذا كان التلف مستندا إليه عرفا كما لا يبعد كونه كذلك في بعض
الموارد.
مسألة 865: إذا انهار الجدار فوقع على الجار أو على الطريق العام
فأصاب انسانا أو حيوانا أو غيرهما فصاحب الجدار ضامن إذا كان الجدار في
معرض الانهيار وعلم بالحال فلم يصلحه ولم يهدمه وتركه حتى انهدم
فأصاب عينا فأتلفها ولكن ضمانه مشروط بجهل التالف بالحال إن كان انسانا
وبجهل مالكه إن كان من الأموال، فلو وقف شخص تحت الجدار المشرف
على الانهيار أو ربط حيوانه هناك مع علمه بالحال فانهدم الجدار فتلف
الانسان أو الحيوان لم يكن على صاحب الجدار ضمان.
مسألة 866: لو وضع كوزا مثلا على حائط وكان في معرض السقوط
فسقط فتلف به مال أو نفس ضمن، وإن لم يكن كذلك وسقط اتفاقا لعارض
لم يضمن.
مسألة 867: لو أشعل نارا في ملكه من شأنها السراية إلى ملك غيره
فسرت إليه ضمنه، وإذا لم يكن من شأنها السراية فاتفقت السراية لعصف
الرياح بغتة أو لنحو ذلك لم يضمن.
مسألة 868: إذا أرسل الماء في ملكه فتعدى إلى ملك غيره فأضر به
ضمنه إذا كان في معرض التعدي إليه وإلا لم يضمنه.
247

مسألة 869: لو تعب حمال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح
بدون إذن صاحب الجدار فوقع باسنادها إليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه
عليه، ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا ضمنه إذا كان قد أسندها على وجه
تكون في معرض الوقوع وإلا فلا ضمان عليه.
مسألة 870: لو فتح قفصا على طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة
شخص مثلا ضمنها الفاتح وكذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب بخروجه
فسقطت وانكسرت ضمنها.
مسألة 871: إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته فإن كان معها
صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته، وإن لم يكن معها
- كأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره - لم يضمن ما أتلفته إذا كان
ذلك في الوقت الذي يكون في غير ذلك الوقت فهو ضامن لما أتلفته.
مسألة 872: كل حيوان جنى على غيره من انسان أو حيوان أو غيرهما
ضمن صاحبه جنايته إذا كان بتقصير منه إما بترك ربطه أو بحله من الرباط
إذا كان الحيوان من شأنه أن يربط وقت الجناية للتحفظ منه.
مسألة 873: لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابة في يد
المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعا أو غيره كان الضمان على الراعي
والمستأجر والمستعير لا على المالك والمعير.
مسألة 874: لو اجتمع سببان للاتلاف بفعل شخصين اشتركا في
الضمان سواء أكان أحدهما أسبق في التأثير أم لا على الأظهر، فلو حفر
شخص بئرا في الطريق ووضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر به انسان أو
حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر وحافر البئر معا.
مسألة 875: لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر
248

دون فاعل السبب، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع غيره فيها انسانا أو
حيوانا كان الضمان على الدافع دون الحافر، نعم لو كان السبب أقوى من
المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو وضع قارورة تحت رجل
شخص نائم فمد رجله وكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
مسألة 876: لو أكره على اتلاف مال غيره وساغ له الاتلاف لأجله كان
الضمان على من أكرهه وليس عليه ضمان، هذا إذا لم يكن المال مضمونا
في يده، بأن أكرهه على اتلاف ما ليس تحت يده أو على اتلاف الوديعة التي
عنده مثلا، وأما إذا كان المال مضمونا في يده - فللمالك إذا غصب مالا فأكرهه
شخص على اتلافه - فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيهما
شاء، فإن رجع على المكره - بالكسر - لم يرجع على المكره - بالفتح -
بخلاف العكس، هذا إذا أكره على اتلاف المال، وأما لو أكره على قتل أحد
معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره
- بالكسر - وإن كان عليه عقوبة، فإنه لا اكراه في الدماء.
مسألة 877: لو غصب مأكولا مثلا فأطعمه المالك مع جهلة بأنه ماله
- بأن قال له هذا ملكي وطعامي أو قدمه إليه ضيافة مثلا - أو غصب شاة
واستدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنها شاته ضمن الغاصب وإن
كان المالك هو المباشر للاتلاف نعم لو دخل المالك دار الغاصب مثلا
ورأى طعاما فأكله على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعام الآكل فالظاهر عدم
ضمان الغاصب وقد برئ عن ضمان الطعام.
مسألة 878: لو غصب طعاما من شخص وأطعمه غير المالك على
أنه ماله مع جهل الآكل بأنه مال غيره - كما إذا قدمه إليه بعنوان الضيافة مثلا -
ضمن كلاهما، فللمالك أن يغرم أيهما شاء، فإن أغرم الغاصب لم يرجع
على الآكل وإن أغرم الآكل رجع على الغاصب.
249

مسألة 879: إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده
بحق أو بغير حق فأخذ الظالم منه مالا بغير حق لم يضمن الساعي والمشتكي
ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق وإنما الضمان
على من أخذ المال.
مسألة 880: ضمان الانسان يتعلق بذمته في ماله لا على عاقلته، نعم
يجب على العاقلة في القتل الخطأ المحض وما بحكمه تحمل الدية عن
الجاني على تفصيل مذكور في محله.
مسألة 881: يجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو
قهرا، وإذا انحصر استنقاذ الحق بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك ولا يجوز
له مطالبة الغاصب بما صرفه في سبيل أخذ الحق.
مسألة 882: إذا كان له دين على آخر وامتنع من أدائه فصرف مالا في
سبيل تحصيله لا يجوز له أن يأخذه من المدين إلا إذا اشترط عليه ذلك في
ضمن معاملة لازمة.
مسألة 883: إذا وقع في يده مال الغاصب جاز أخذه مقاصة ولا يتوقف
على إذن الحاكم الشرعي، كما لا يتوقف ذلك على تعذر الاستيفاء بواسطة
الحاكم الشرعي أو غيره.
مسألة 884: لا فرق في مال الغاصب المأخوذ مقاصة بين أن يكون
من جنس المغصوب وغيره كما لا فرق بين أن يكون وديعة عنده وغيره.
مسألة 885: إذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من ماله أخذ منه حصة
تساوي ماله وكان بها استيفاء حقه، ولا يبعد جواز بيعه أجمع - ولو على نفسه -
واستيفاء حقه من الثمن، والأحوط لزوما أن يكون ذلك بإجازة الحاكم
الشرعي ويرد الباقي من الثمن إلى الغاصب.
مسألة 886: إذا حلف الغاصب على عدم الغصب فإن كان عن تبرع
250

لم يسقط حق المغصوب منه في المقاصة من أمواله، وإن كان عن استحلاف
منه ففيه قولان: أظهرهما عدم السقوط أيضا، نعم يسقط فيما لو استحلفه
الحاكم الشرعي وحكم له بعد حلفه.
مسألة 887: إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة
ولم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه وكذا لو تنازعا في صفة تزيد بها
الثمن بأن ادعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده لا
بفعل الغاصب وإن زالت فيما بعد، وأنكره الغاصب ولم يكن بينة فالقول قول
الغاصب مع يمينه.
مسألة 888: إذا كان على الدابة المغصوبة رحل أو علق بها حبل
واختلفا فيما عليها فقال المغصوب منه هو لي وقال الغاصب هو لي ولم يكن
بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه.
مسألة 889: تقدم قول الغاصب بيمينه في الموارد المتقدمة مشروط
بعدم كونه مخالفا للظاهر وإلا قدم قول المغصوب منه بيمينه إذا لم يكن
كذلك على ما مر في نظائرها.
251

كتاب احياء الموات
المراد بالموات: الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها انتفاعا معتدا به
ولو بسبب انقطاع الماء عنها أو استيلاء المياه أو الرمال أو الأحجار أو السبخ
عليها، سواء ما لم يكن ينتفع منها أصلا وما كان الانتفاع الفعلي منها غير
معتد به كالأراضي التي ينبت فيها الحشيش فتكون مرعى للدواب والأنعام،
وأما الغابات التي يكثر فيها الأشجار فليست من الموات بل هي من الأراضي
العامرة بالذات.
مسألة 890: الموات على نوعين:
1 - الموات بالأصل، وهو ما لم تعرض عليه الحياة من قبل وفي حكمه
ما لم يعلم بعروض الحياة عليه كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح
الجبال ونحو ذلك.
2 - الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة
والعمران.
مسألة 891: الموات بالأصل وإن كان ملكا للإمام عليه السلام حيث
إنه من الأنفال ولكن يجوز لكل أحد احياؤه، فلو أحياه كان أحق به من غيره
سواء أكان في دار الاسلام أم في دار الكفر وسواء أكان في أرض الخراج أم
في غيرها وسواء أكان المحيي مسلما أم كافرا، وليس عليه دفع الخراج أو أجرة
الأرض إذا كان مؤمنا.
هذا إذا لم يطرء عنوان ثانوي يقتضي المنع من احياءه ككونه حريما
للملك الغير أو كون احيائه على خلاف بعض المصالح العامة فنهى عنه ولي
المسلمين ونحو ذلك.
252

مسألة 892: الموات بالعارض على أقسام:
الأول: ما باد أهله أو هاجروا عنه وعد بسبب تقادم السنين ومرور
الأزمنة مالا بلا مالك كالأراضي الدارسة المتروكة والقرى أو البلاد الخربة
والقنوات الطامسة والتي كانت للأمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد بل ولا
اسم ولا رسم أو أنها تنسب إلى طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم
الثاني: ما كان عامرا بالذات حين الفتح ولكن طرء عليه الموتان بعد
ذلك.
الثالث: العامر المفتوح عنوة إذا طرء عليه الخراب.
الرابع: ما كان لمالك مجهول مردد بين أفراد غير محصورين.
الخامس: ما كان لمالك معلوم إما تفصيلا أو اجمالا لتردده بين أفراد
محصورين.
أما القسم الأول والثاني فهما من الأنفال ويجري فيهما ما مر في
الموات بالأصل.
وأما القسم الثالث فلا يبعد بقاؤه على ملك المسلمين فيكون أمره بيد
ولي الأمر.
وأما القسمان الأخيران ففيهما صور:
الأولى: ما إذا أعرض عنه صاحبه وأباح ما بقي فيه من الأجزاء والمواد
لكل أحد، ففي هذه الصورة يجوز احياؤه لكل من يريد ذلك فيكون بالاحياء
أحق به من صاحبه الأول.
الثانية: ما إذا كان صاحبه عازما على تجديد احيائه ولكنه غير متمكن
من ذلك في الوقت الحاضر لمنع ظالم أو لعدم توفر الآلات والأسباب
المتوقف عليها الاحياء أو لنحو ذلك، وفي هذه الصورة لا اشكال في أنه ليس
253

لأحد حق التصرف فيه باحياء أو غيره من دون إذنه أو إذن وليه.
الثالثة: ما إذا لم يكن قاصدا لاحيائه بل قصد ابقاءه مواتا للانتفاع
القليل الحاصل منه بوضعه الفعلي كالاستفادة من حشيشه أو قصبه أو جعله
مرعى لدوابه وأنعامه، وحكم هذه الصورة ما تقدم في سابقتها من غير فرق.
الرابعة: ما إذا كان قد أبقاه مواتا من جهة عدم الاعتناء به وكونه غير
قاصد لا حيائه ولا الاستفادة منه بوضعه الفعلي، وحينئذ فهل تزول علقته به
- سواء أكان سببها الاحياء مباشرة أو عن طريق تلقيه عن محي سابق بالإرث
أو الشراء أو نحوهما أو كان سببها غيره ككونه من الأراضي التي أسلم أهلها
طوعا - فيجوز أحياؤه للغير أم لا؟ فيه إشكال، وإن كان الأظهر فيما كان من
قبيل الأراضي الزراعية ومرافقها جواز إحيائها بكري أنهارها وإعمارها
وإصلاحها للزرع أو الغرس فيكون بذلك أحق بها من الأول، وأما غيرها فإن
كان من قبيل معلوم المالك فالأحوط ترك إحيائه من دون إذن صاحبه وعلى
تقدير الاقدام عليه من دون إذنه فالأحوط لهما التراضي بشأنه ولو بالمصالحة
بعوض، وأما إن كان من قبيل مجهول المالك فالأحوط أن يفحص عن
صاحبه وبعد اليأس عنه فإما أن يشتريه من الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون
في ذلك ويسلم الثمن إليه ليصرفه على الفقراء أو يستأذنه في صرفه عليهم
بنفسه وأما أن يتصدق به على الفقير - بإذن من الحاكم الشرعي - ثم يستأجره
منه بأجرة معينة ولو كانت قليلة.
مسألة 893: كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة والقرى الدارسة
التي باد أهلها كذلك يجوز حيازة موادها وأجزائها الباقية من الأخشاب
والأحجار والأجر وما شاكل ذلك ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك.
مسألة 894: الأراضي الموقوفة التي طرأ عليها الموتان والخراب على
أقسام:
254

1 - ما لا يعلم كيفية وقفها أصلا وإنها وقف خاص أو عام أو أنها وقف
على الجهات أو على أقوام.
2 - ما علم أنها وقف على أقوام ولم يبق منهم أثر أو على طائفة لم
يعرف عنهم سوى الاسم خاصة.
3 - ما علم إنها وقف على جهة من الجهات ولكن تلك الجهة غير
معلومة أنها مسجد أو مدرسة أو مشهد أو مقبرة أو غير ذلك.
4 - ما علم إنها وقف على أشخاص ولكنهم غير معلومين بأشخاصهم
وأعيانهم كما إذا علم أن مالكها وقفها على ذريته مع العلم بوجودهم فعلا.
5 - ما علم أنها وقف على جهة معينة أو أشخاص معلومين بأعيانهم.
6 - ما علم إجمالا بأن مالكها قد وقفها ولكن لا يدري أنه وقفها على
جهة كمدرسته المعينة أو أنه وقفها على ذريته المعلومين بأعيانهم ولم يكن
طريق شرعي لاثبات وقفها على أحد الأمرين.
أما القسم الأول والثاني فالظاهر أنه يجوز إحياؤهما لكل أحد ويكون
المحيي أحق بهما، فحالهما من هذه الناحية حال سائر الأراضي الموات.
وأما القسم الثالث فالمشهور جواز إحيائه ولكنه لا يخلو عن إشكال،
فالأحوط لمن يريد القيام بإحيائه وعمارته بزرع أو نحوه أن يراجع الحاكم
الشرعي أو وكيله - مع عدم وجود المتولي الخاص له - ويتفق معه بشأنه، فإن
أجره عليه فاللازم أن يدفع الأجرة إليه ليصرفها في وجوه البر أو يستأذنه في
صرفها فيها، وكذلك الحال في القسم الرابع إلا أن الأجرة فيه تصرف على
الفقراء، والأظهر أنه لا تصل النوبة في القسمين إلى بيع العين الموقوفة كلا،
أو بعضا لتعمير البعض الآخر مع إمكان استنمائهما بوجه من الوجوه.
وأما القسم الخامس فلا إشكال في أنه لا يجوز التصرف فيه بإحياء أو
نحوه ولا صرف بدل التصرف في موارده إلا بمراجعة المتولي ولو كان هو
255

الحاكم الشرعي أو الموقوف عليهم المعينين إذا كان الوقف عليهم ولم يكن
له متول خاص.
وأما القسم السادس فيجب على من يريد القيام بعمارته وإحيائه
مراجعة متولي الجهة الخاصة والذرية معا والاتفاق معهم بشأنه واستئجاره
منهم وحينئذ فإن أجاز الذرية صرف الأجرة في الجهة المعينة تعين ذلك وإلا
فينتهي الأمر إلى القرعة لتعيين الموقوف عليه، والأحوط تصدي الحاكم
الشرعي أو وكيله لاجرائها.
مسألة 895: من أحيا أرضا مواتا تبعها حريمها بعد الاحياء وحريم
كل شئ مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به ولا يجوز لأحد أن يحيي هذا
المقدار بدون رضا صاحبه.
مسألة 896: حريم الدار عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج منها
في الجهة التي يفتح إليها باب الدار، ومطرح ترابها ورمادها وثلوجها ومصب
مائها وما شاكل ذلك.
مسألة 897: حريم حائط البستان ونحوه مقدار مطرح ترابه والآلات
والطين والجص إذا احتاج إلى الترميم والبناء.
مسألة 898: حريم النهر مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى
الاصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه.
مسألة 899: حريم البئر موضع وقوف النازح إذا كان الاستقاء منها
باليد وموضع تردد البهيمة والدولاب والمضخة والموضع الذي يجتمع فيه
الماء للزرع أو نحوه ومصبه ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة ونحو
ذلك.
مسألة 900: حريم العين ما تحتاج إليه في الانتفاع منها على نحو ما
مر في غيرها.
256

مسألة 901: حريم القرية ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها ومصالح
أهلها من مجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومجمع أهاليها
لمصالحهم ومسيل مائها والطرق المسلوكة منها وإليها ومدفن موتاهم ومرعى
ماشيتهم ومحتطبهم وما شاكل ذلك.
كل ذلك بمقدار حاجة أهل القرية بحيث لو زاحم مزاحم لوقعوا في
ضيق وحرج، وهي تختلف باختلاف سعة القرية وضيقها وكثرة أهليها وقلتهم
وكثرة مواشيها ودوابها وقلتها وهكذا وليس لذلك ضابط غير ذلك وليس لأحد
أن يزاحم أهاليها في هذه المواضع.
مسألة 902: حريم المزرعة ما يتوقف عليه الانتفاع منها ويكون من
مرافقها كمسالك الدخول إليها والخروج منها ومحل بيادرها وحظائرها
ومجتمع سمادها ومرعى مواشيها ونحو ذلك.
مسألة 903: الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم
لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقيتهم بها بالاحياء باقية على إباحتها
الأصلية فلا يجوز لهم منع غيرهم من الانتفاع بها ولا يجوز لهم أخذ الأجرة
ممن ينتفع بها وإذا قسموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة
صحيحة فيجوز لكل من المتقاسمين التصرف فيما يختص بالآخر بحسب
القسمة.
نعم إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك كانت من
حريم أملاكهم ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم وتعطيل حوائجهم.
مسألة 904: للبئر حريم آخر وهو أن يكون الفصل بين بئر وبئر أخرى
بمقدار لا يكون في احداث البئر الثانية ضرر على الأولى ضررا معتدا به
كجذب مائها تماما أو بعضا أو منع جريانه إليها من عروقها وهذا هو الضابط
الكلي في جميع أقسامها.
257

مسألة 905: للعين والقناة أيضا حريم آخر وهو - على المشهور - أن
يكون الفصل بين عين وعين أخرى وقناة وقناة ثانية في الأرض الصلبة
خمسمائة ذراع وفي الأرض الرخوة ألف ذراع.
ولكن الظاهر أن هذا التحديد غالبي حيث أن الغالب اندفاع الضرر
بهذا المقدار من البعد وليس تعبديا.
وعليه فلو فرض أن العين الثانية تنقص من ماء الأولى مع هذا البعد
وتضر بها ضررا معتدا به فالظاهر عدم جواز إحداثها ولا بد من زيادة البعد بما
يندفع به الضرر أو يرضى به مالك الأولى، كما أنه لو فرض عدم ورود الضرر
المعتد به عليها في إحداث قناة أخرى في أقل من هذا البعد فالظاهر جوازه
بلا حاجة إلى الإذن من صاحب القناة الأولى.
ولا فرق في ذلك بين إحداث قناة في الموات وبين إحداثها في ملكه
فكما يعتبر في الأول أن لا يكون مضرا بالأولى فكذلك في الثاني.
كما أن الأمر كذلك في الآبار والأنهار التي تكون مجاري للماء فيجوز
إحداث بهر يجري فيه الماء من منبعه قرب نهر أخرى كذلك.
وكذلك إحداث بئر قرب آخر وليس لمالك الأول منعه إلا إذا استلزم
ضررا معتدا به فعندئذ يجوز منعه.
مسألة 906: يجوز إحياء الموات التي في أطراف القنوات والآبار والعيون
في غير المقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع منها فإن اعتبار البعد المذكور في
القنوات والآبار والعيون إنما هو بالإضافة إلى إحداث قناة أو بئر أو عين أخرى فقط.
مسألة 907: إذا لم تكن الموات من حريم العامر ومرافقة على النحو
المتقدم جاز إحياؤها لكل أحد وإن كانت بقرب العامر ولا تختص بمن يملك
العامر ولا أولوية له.
مسألة 908: الظاهر أن الحريم مطلقا ليس ملكا لمالك ما له الحريم
258

سواء أكان حريم قناة أو بئر أو قرية أو بستان أو دار أو نهر أو غير ذلك وإنما
لا يجوز لغيره مزاحمته فيه باعتبار أنه من متعلقات حقه.
مسألة 909: لا حريم للأملاك المتجاورة مثلا لو بنى المالكان
المتجاوران حائطا في البين لم يكن له حريم من الجانبين وكذا لو بنى
أحدهما في نهاية ملكه حائطا أو غيره لم يكن له حريم في ملك الآخر.
مسألة 910: إذا لزم من تصرف المالك في ملكه ضرر معتد به على
جاره فإن كان مثل هذا الضرر أمرا متعارفا فيما بين الجيران كإطالة البناء
الموجبة لتنقيص الاستفادة من الشمس أو الهواء فالظاهر أنه لا بأس به، وإلا
لم يجز ولو تصرف وجب عليه رفعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تصرفه
في ملكه مستلزما للتصرف الحقيقي في ملك الجار أو مستلزما للتصرف
الحكمي فيه.
والأول كما إذا تصرف في ملكه بما يوجب خللا في حيطان جاره أو
حبس ماء في ملكه بحيث تسري الرطوبة إلى بناء جاره أو أحدث بالوعة أو
كنيفا بقرب بئر الجار فأوجب فساد مائها أو حفر بئرا بقرب جاره فأوجب
نقصان مائها سواء أكان النقص مستندا إلى جذب البئر الثانية ماء الأولى أو
إلى كونها أعمق منها.
والثاني كما إذا جعل ملكه معمل دباغة أو حدادة في منطقة سكنية مما
يوجب عدم قابلية الدور المجاورة للسكنى فيها.
مسألة 911: الظاهر أنه لا فرق في عدم جواز تصرف المالك في ملكه
بما يوجب الاضرار بالجار على أحد النحوين المتقدمين بين أن يكون ترك
تصرفه فيه مستلزما للضرر على نفسه أم لا، فلا يجوز للمالك حفر بالوعة في
داره على نحو تضر ببئر جاره وإن كان في ترك حفرها ضرر عليه، ولو فعل
ضمن الضرر الوارد عليه إذا كان مستندا إليه عرفا.
259

نعم لو كان حفر البئر متأخرا عن حفر البالوعة فلا شئ عليه ولا يجب
عليه طمها وإن تضررت بئر الجار.
مسألة 912: قد حث في الروايات الكثيرة على رعاية الجار وحسن
المعاشرة مع الجيران وكف الأذى عنهم وحرمة إيذائهم، وقد ورد في بعض
الروايات: إن حسن الجوار يزيد في الرزق، وفي بعضها الآخر: أن حسن
الجوار يعمر الديار ويزيد في الاعمار، وفي الثالث: من كف أذاه عن جاره
أقال الله عثرته يوم القيامة، وفي الرابع: ليس منا من لم يحسن مجاورة من
جاوره، وغيرها مما قد أكد في الوصية بالجار وتشديد الأمر فيه.
مسألة 913: لا يجوز لأحد أن يبني بناء على حائط جاره أو يضع
جذوع سقفه عليه إلا بإذنه ورضاه وإذا طلب ذلك من الجار لم يجب عليه
إجابته وإن استحب له استحبابا مؤكدا من جهة ما ورد من التأكيد والحث
الأكيد في قضاء حوائج الإخوان ولا سيما الجيران، ولو بنى أو وضع الجذوع
بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم كالشرط في ضمن عقد لازم أو بالإجارة
أو بالصلح عليه لم يجز له الرجوع، وأما إذا كان مجرد الإذن والرخصة جاز
له الرجوع قبل البناء والوضع، وأما بعد ذلك فهل يجوز له الرجوع مع دفع
الأرش أو بدونه أم لا يجوز مطلقا وحينئذ فهل يستحق عليه الأجرة أم لا؟ وجوه
وأقوال، فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي بينهما ولو بالابقاء مع الأجرة
أو الهدم مع الأرش.
مسألة 914: لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء ولا
تسقيف ولا إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلا بإذن شريكه أو إحراز رضاه
بشاهد الحال كما هو الحال في التصرفات اليسيرة كالاستناد إليه أو وضع يده
أو طرح ثوبه عليه أو غير ذلك، ولو صرح بالمنع عنها أو أظهر الكراهة لم
تجز.
260

مسألة 915: لو انهدم الجدار المشترك في أساسه وجميع بنائه وأراد
أحد الشريكين تعميره لم يكن له إجبار الآخر على المشاركة فيه، ولا تعميره
من ماله مجانا بدون إذن شريكه، وحينئذ فإن كان قابلا للقسمة كأن كان سميكا
جدا تكفي قاعدته لبناء جدارين مستقلين عليها جاز له المطالبة بالقسمة
ويجبر الممتنع عليها، فيتصرف كل منهما في حصته المفروزة بما شاء إلا
بما يتضرر به الآخر. وإن لم يكن قابلا للقسمة بوجه ولم يوافقه الشريك في
شئ جاز له رفع أمره إلى الحاكم ليخيره بين عدة أمور من بيع أو إجارة أو
المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجانا.
وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة واحتاج إلى تعمير أو
التنقية ونحوهما فإنه لا يجبر الشريك على المشاركة فيه كما أنه ليس لأحد
الشريكين الاستقلال فيه من ماله تبرعا من دون إذن الآخر، بل إذا تعذر
الاتفاق معه بأي نحو يرفع أمره إلى الحاكم ليخيره بين عدة أمور نظير ما
تقدم.
ولو أنفق في تعميرها أو تنقيتها من ماله فنبع الماء أو زاد من أجل ذلك
فليس له أن يمنع شريكه غير المنفق من نصيبه من الماء لأنه فوائد ملكهما
المشترك.
مسألة 916: لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره ولم
يعلم على أي وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حق واستحقاق حتى
يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه بل ولا منعه من التجديد لو
انهدم السقف، وكذا الحال لو وجد بناء أو مجرى ماء أو ميزاب منصوب
لأحد في ملك غيره ولم يعلم سببه فإنه يحكم في أمثال ذلك بكونه عن حق
واستحقاق إلا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية التي يجوز فيها
الرجوع.
261

مسألة 917: لو تنازعا في جدار ولم يكن لأي منهما بينة فإن كان
تحت يد أحدهما فهو له بيمينه وكذا لو اتصل ببناء أحدهما دون الآخر أو كان
له عليه طرح فإنه يحكم له به مع اليمين، وأما لو كان تحت يد كليهما أو
خارجا عن يدهما فإن حلفا أو نكلا حكم به لهما وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر حكم به للحالف.
مسألة 918: لو اختلف مالك العلو ومالك السفل في ملكية السقف
الفاصل بين الطابقين فإن لم يكن لأي منهما بينة على دعواه كان ذلك من
باب التداعي فيتحالفان إلا إذا كانت هناك عادة قطعية تقضي باختصاص
أحدهما به فيقدم قوله بيمينه.
وإن اختلفا في ملكية جدران السفل كان القول قول مالك السفل بيمينه إذا
لم يكن السقف قائما عليها - كما في بعض الأبنية الحديثة حيث يتم بناء
الجدران بعد الفراغ عن بناء الهيكل الأساسي للبناية - وأما مع قيام السقف
عليها فحكمها حكم السقف.
وإن اختلفا في المصعد فالقول قول صاحب العلو بيمينه، وأما
المخزن تحت الدرجة فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه، وأما طريق
العلو في الصحن فحكمه حكم السقف، نعم لا إشكال في أن لصاحب
العلو حق الاستطراق فيه وأما الباقي فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه.
مسألة 919: إذا اختلف صاحب السفل مع الجار في الغرفة الفوقانية
المفتوح بابها إلى الجار من غير يد له عليها ولا بينة لأي منهما على دعواه كان
القول قول صاحب السفل بيمينه.
مسألة 920: إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير
استحقاق فله أن يطالب مالك الشجر بعطف الأغصان أو قطعها من حد
ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز للجار - بإذن الحاكم الشرعي - عطفها أو
قطعها، ومع إمكان الأول لا يجوز الثاني.
262

مسألة 921: من حاز أرضا عامرة بالأصالة كالغابات ونحوها كان أحق
بها من غيره لو لم يمنع عنه مانع شرعي، وإذا كان مؤمنا لم يجب عليه دفع
عوض إزاء استفادته منها.
مسألة 922: يعتبر في حصول الأولوية بالاحياء أن لا يسبق إليه سابق
بالتحجير وإلا لزم الاستيذان منه، فلو أحياه أحد من دون إذنه لم يحدث له حق
فيه ويتحقق التحجير بكل ما يدل على إرادة الاحياء كوضع أحجار أو جمع
تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه.
مسألة 923: لا بد من أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على أصل
إرادة الاحياء دالا على مقدار ما يريد إحيائه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار مثلا
فلا بد من أن يكون في جميع الجوانب حتى يدل على أن جميع ما أحاطت
به العلامة يريد إحيائه، نعم في مثل إحياء القناة الدارسة الخربة يكفي حفر
بئر من آبارها فإنه يعد تحجيرا بالإضافة إلى بقية آبار القناة بل هو تحجير أيضا
بالإضافة إلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه فلا يجوز لغيره
إحياؤها.
مسألة 924: لو حفر بئرا في الموات لاحداث قناة فيها
فالظاهر أنه تحجير بالإضافة إلى أصل القناة وبالإضافة إلى الأراضي الموات
التي يصل إليها ماؤها بعد تمامها وليس لغيره إحياء تلك الأراضي.
مسألة 925: التحجير - كما عرفت - يفيد حق الأولوية في الاحياء وهو
قابل للنقل والانتقال فيجوز الصلح عنه ويورث ويقع ثمنا في البيع وأما جعله
مثمنا فلا يخلو عن إشكال، نعم يصح بيع ما تعلق به بما هو كذلك.
مسألة 926: يعتبر في كون التحجير مانعا تمكن المحجر من القيام
بعمارته وإحيائه فعلا ولو بالتسبيب فإن لم يتمكن من إحياء ما حجره لمانع
263

من الموانع كالفقر أو العجز عن تهيئة الأسباب المتوقف عليها الاحياء جاز
لغيره إحياؤه.
مسألة 927: لو حجر زائدا على ما يقدر على إحيائه لا أثر لتحجيره
بالإضافة إلى المقدار الزائد.
مسألة 928: لو حجر الموات من كان عاجزا عن إحيائها ليس له نقلها
إلى غيره بصلح أو هبة أو بيع أو نحو ذلك.
مسألة 929: لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة بل يجوز أن
يكون بالتوكيل والاستئجار، وعليه فالحق الحاصل بسبب عملهما للموكل
والمستأجر لا للوكيل والأجير.
مسألة 930: إذا وقع التحجير عن شخص نيابة عن غيره ثم أجاز
النيابة فهل يثبت الحق للمنوب عنه أو لا وجهان، لا يبعد عدم الثبوت.
مسألة 931: إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجر بالتعمير
فإن كان من جهة إهمال المحجر بطل حقه وجاز لغيره احياؤه وإذا لم يكن
من جهة اهماله وتسامحه وكان زوالها بدون اختياره كما إذا أزالها عاصف
ونحوه ففي بطلان حقه إشكال بل منع إلا إذا علم بالحال وتسامح في تجديد
تحجيره.
مسألة 932: اللازم على المحجر أن يشتغل بالعمارة والاحياء عقيب
التحجير فلو أهمل وترك الاحياء وطالت المدة ففي جواز إحيائه لغيره بدون
إذنه إشكال، فالأحوط أن يرفع أمره إلى الحاكم الشرعي أو وكيله فيلزم
المحجر بأحد أمرين إما الاحياء أو رفع اليد عنه. نعم إذا أبدى عذرا مقبولا
يمهل بمقدار زوال عذره فإذا اشتغل بعده بالتعمير ونحوه فهو وإلا بطل حقه
وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن الحاكم أو وكيله موجودا أو لم يمكنه الالزام
فالظاهر سقوط حق المحجر إذا أهمل بمقدار يعد عرفا تعطيلا له الأحوط
الأولى مراعاة حقه إلى ثلاث سنين.
264

مسألة 933: لا يعتبر في حصول حق الأولوية بالاحياء قصد حصوله،
بل يكفي قصد الاحياء والانتفاع به بنفسه أو بمن هو بمنزلته، فلو حفر بئرا في
مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته كان أحق بها من غيره، نعم لو ارتحل
وأعرض عنها فالظاهر سقوط حقه فتكون مباحة للجميع.
مسألة 934: لا بد في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حد
يصدق عليها أحد العناوين العامرة كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر
والقناة والنهر وما شاكل ذلك، ولذلك يختلف ما اعتبر في الاحياء باختلاف
العمارة فما اعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في
إحياء الدار وما شاكلها، وعليه فحصول الأولوية تابع لصدق أحد هذه العناوين
ونحوها ويدور مداره وجودا وعدما وعند الشك في حصولها يحكم بعدمها.
مسألة 935: الاعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيته، نعم إذا أباح
تملكه للآخرين فسبق إليه من تملكه ملكه وإلا فهو يبقى على ملك مالكه
فإذا مات فهو لوارثه ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه.
265

كتاب المشتركات
المراد بالمشتركات: الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط
وكذا المياه والمعادن على ما سيأتي.
مسألة 936: الطريق على قسمين: نافذ وغير نافذ، أما الأول فهو
الطريق المسمى بالشارع العام والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرف
لأحد في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو شق نهر أو نصب دكة أو غرس أشجار
ونحو ذلك وإن لم يكن مضرا بالمستطرقين، نعم لا بأس بما يعد من مكملاته
ومحسناته ومنها أن يشق فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها،
ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال والنفايات ومنها غرس الأشجار
ونصب المظلات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف
بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر، فإن هذا كله مما
لا بأس به إذا لم يكن مضرا بالمستطرقين.
مسألة 937: يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع العامة
بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضرا بالمستطرقين بوجه، وليس لأحد
منعه حتى صاحب الدار المقابلة وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث
كان مانعا عن إحداث جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئا على جداره، نعم
إذا استلزم الاشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال وإن قيل بجواز مثله
في تعلية البناء في ملكه فلا يترك الاحتياط.
مسألة 938: لو أحدث جناحا على الشارع العام ثم انهدم أو هدم فإن
كان من قصده تجديده ثانيا فالظاهر أنه لا يجوز للطرف الآخر اشغال ذلك
الفضاء وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.
266

مسألة 939: لو أحدث شخص جناحا على الطريق العام فلا إشكال
في أنه يجوز للطرف المقابل إحداث جناح آخر في طرفه سواء أكان أعلى من
الجناح الأول أو أدنى منه أو موازيا له بشرط أن لا يكون مانعا بوجه من استفادة
الأول من جناحه كما هو الحال في الشوارع الوسيعة جدا.
وأما إذا كان مانعا منها ولو بلحاظ اشغال الفضاء الذي يحتاج إليه
صاحب الجناح الأول بحسب العادة ففي جواز إحداثه من دون إذنه إشكال
بل منع.
مسألة 940: كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامة يجوز
فتح الأبواب المستجدة فيها سواء أكانت له باب أخرى أم لا وكذا فتح
الشبابيك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها وكذا بناء ساباط عليها إذا لم
يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرا بالمارة ولو من جهة
الظلام، وإذا فرض أنه كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهة كالوقاية من
الحر والبرد فلا بد من مراجعة ولي الأمر ليوازن بين الجهتين ويراعي ما هو
الأصلح، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادة مع إحكام أساسه وبنيانه
وسقفه بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام.
مسألة 941: الطريق غير النافذ الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو
أرض مباحة لكونه محاطا بالدور من جوانبه الثلاثة وهو المسمى ب‍ (السكة
المرفوعة) و (الدريبة) عائد لمستطرقيه وهم أرباب الدور التي أبوابها مفتوحة
إليه، دون كل من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم في حق الاستطراق
بمقدار ما يشتركون في استطراقه، فيكون أوله مشتركا بين جميعهم ويقل عدد
الشركاء كلما قرب إلى آخره وربما ينحصر ذو الحق في واحد، وهو فيما إذا
اختص آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه.
هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص أو عائدة
للجميع على وجه التساوي وأو التفاضل إلا ترتبت أحكامه.
267

مسألة 942: لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أدخل
من الباب الأول سواء مع سد الباب الأول أم بدونه، إلا مع الاستئذان في
ذلك ممن له حق الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور.
مسألة 943: لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح
أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو نقب سرداب أو غير ذلك من التصرفات فيها
إلا بإذن أربابها، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلا بإذنهم نعم له
فتح ثقبة وشباك إليها وأما فتح باب لا للاستطراق بل لمجرد التهوية أو
الاستضاءة فلا يخلو عن إشكال.
مسألة 944: يجوز لكل من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها
من غير مزاحمة المستطرقين وكذا التردد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكل
ما يتعلق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء وإن كان فيهم القصر، ومن دون
رعاية المساواة معهم.
مسألة 945: يجوز لكل أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامة
كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك ما لم يكن مزاحما
للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه.
مسألة 946: إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه، فإن
كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع جلوسه، وإن
كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي العود كان
الحال كذلك وليس للأول منعه، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناويا
للعود فعندئذ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته
وإشغال ذلك الموضع وإلا ففي جوازه إشكال، والاحتياط لا يترك فيما إذا كان
في يوم واحد وأما إذا كان في يوم آخر فالظاهر إنه لا إشكال في جوازه.
268

مسألة 947: كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه كذلك
لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين
فيه، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين
إليه.
مسألة 948: يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أن يظلل على موضع
جلوسه بما لا يضر بالمارة بثوب أو بارية أو نحوهما، وليس له بناء دكة ونحوها
فيه.
مسألة 949: يتحقق الشارع العام بأمور:
الأول: كثرة الاستطراق والتردد ومرور القوافل في الأرض الموات.
الثاني: جعل الانسان ملكه شارعا وتسبيله تسبيلا دائميا لسلوك عامة
الناس; فإنه يصير طريقا وليس للمسبل الرجوع بعد ذلك.
الثالث: قيام شخص أو جهة بتخطيط طريق في الأرض الموات
وتعبيده وجعله طريقا لسلوك عامة الناس.
الرابع: إحياء جماعة أرضا مواتا وتركهم طريقا نافذا بين الدور
والمساكن.
مسألة 950: لو كان الشارع العام واقعا بين الأملاك فلا حد له، كما
إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقل أو أكثر
واستطرقها الناس حتى أصبحت جادة فلا يجب على الملاك توسيعها وإن
تضيقت على المارة.
وكذا الحال فيما لو سبل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه
المجاور لملك غيره مقدارا لعبور الناس.
مسألة 951: إذا كان الشارع العام محدودا بالموات من أحد طرفيه أو
كليهما وكان عرضه أقل من خمسة أذرع لم يجز إحياء الأراضي المتصلة به
269

بحيث يبقى ضيقا على حاله بل لا بد من مراعاة أن لا يقل الفاصل المشتمل
عليه عن خمسة أذرع والأفضل أن لا يقل عن سبعة أذرع، فلو أقدم أحد على
إحياء حريمه متجاوزا على الحد المذكور لزم هدم المقدار الزائد.
هذا إذا لم يلزم ولي المسلمين حسب ما يراه من المصلحة أن يكون
الفاصل أزيد من خمسة أذرع وإلا وجب اتباع أمره ولا يجوز التجاوز على
الحد الذي يعينه.
مسألة 952: إذا انقطعت المارة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه جاز
لكل أحد إحياؤه سواء أكان ذلك لعدم وجودهم أو لمنع قاهر إياهم أو لهجرهم
إياه واستطراقهم غيره أو لغيرها من الأسباب.
هذا إذا لم يكن مسبلا وإلا ففي جواز إحيائه من دون مراجعة ولي الأمر
إشكال.
مسألة 953: إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبلا
لم يجز لأحد اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقا، وأما إذا كان غير
مسبل فإن كان الزائد موردا لاستفادة المستطرقين ولو في بعض الأحيان
والحالات لم يجز ذلك أيضا وإلا ففي جوازه إشكال والأحوط العدم.
مسألة 954: يجوز لكل مسلم أن يتعبد ويصلي في المسجد وينتفع
منه بسائر الانتفاعات إلا بما لا يناسبه، وجميع المسلمين في ذلك شرع
سواء، ولو سبق واحد إلى مكان منه للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة
كالدعاء وقراءة القرآن التدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو
إزاحة رحله عنه ومنعه من الانتفاع به سواء توافق السابق مع المسبوق في
الغرض أو تخالفا فيه، نعم يحتمل عند التزاحم تقدم الطواف على غيره في
المطاف والصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق
بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك.
270

مسألة 955: من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفردا فليس لمريد
الصلاة فيه جماعة منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذ أن يخلي
المكان للجامع إذا وجد مكانا آخر فارغا لصلاته، ولا يكون مناعا للخير.
مسألة 956: إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض
عنه جاز لغيره أن يأخذ مكانه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره فليس له منعه
وازعاجه، وأما إذا كان ناويا للعود فإن بقي رحله فيه لم يجز إزاحته وأخذ مكانه
وإن لم يبق ففي جواز أخذ مكانه اشكال والأحوط تركه، ولا سيما فيما إذا كان
خروجه لضرورة كتجديد الطهارة أو نحوه، ولكن لو أقدم على أخذه لم يجز
للأول إزاحته عنه عند العود.
مسألة 957: العبرة في عدم جواز المزاحمة والازعاج لصدق السبق
إلى المكان عرفا، والظاهر صدقه بفرش سجادة الصلاة ونحوها مما يشغل
مقدار مكان الصلاة أو معظمه بل لا يبعد صدقه بمثل وضع الخمرة أو السبحة
أو المشط أو السواك ونحوها.
مسألة 958: إذا كان بين حجزه مكانا في المسجد وبين مجيئه
للاستفادة منه طول زمان بحيث استلزم تعطيل المكان جاز لغيره اشغاله قبل
مجيئه ورفع ما وضعه فيه والاستفادة من مكانه إذا كان قد شغل المحل
بحيث لا يمكن الاستفادة منه إلا برفعه، والظاهر أنه لا يضمنه الرافع حينئذ
بل يكون أمانة في يده إلى أن يوصله إلى صاحبه، وكذا الحال فيما لو فارق
المكان معرضا عنه مع بقاء حاجة له فيه.
مسألة 959: المشاهد المشرفة كالمساجد فيما ذكر من الأحكام،
ويحتمل فيما هو من قبيل المزار منها تقدم الزيارة وصلاتها على غيرهما من
الأغراض الراجحة عند التزاحم فلا ينبغي ترك مقتضى الاحتياط في مثله.
مسألة 960: جواز السكنى في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان
271

لكيفية وقف الواقف، فإذا خصها الواقف بطائفة خاصة كأهالي البلد أو
الأجانب، أو بصنف خاص كطالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه أو
الكلام مثلا، فلا يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها كما لا يجوز
لهؤلاء الاستقلال في حيازة غرفة منها من دون الاستئذان من المتولي إلا إذا
كان ذلك مقتضى وقفيتها، وحينئذ إذا سبق أحد إلى غرفة منها وسكنها فهو
أحق بها بمعنى أنه لا يجوز لغيره أن يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت
المدة، إلا إذا اشترط الواقف مدة خاصة كخمس سنين مثلا، فعندئذ يلزمه
الخروج بعد انقضاء تلك المدة بلا مهلة.
مسألة 961: إذا اشترط الواقف اتصاف ساكنها بصفة خاصة، كأن
لا يكون معيلا أو يكون مشغولا بالتدريس أو بالتحصيل أو بالمطالعة أو
التصنيف فإذا زالت عنه هذه العناوين لزمه الخروج منها، والضابط إن جواز
السكنى - حدوثا وبقاء - تابع لوقف الواقف بتمام شرائطه، فلا يجوز السكنى
لفاقدها حدوثا أو بقاء.
مسألة 962: لا يبطل حق السكنى لسكانها بالخروج لحوائجه اليومية
من المأكول والمشروب والملبس وما شاكل ذلك وإن لم يترك فيها رحلا، كما
لا يبطل بالخروج منها للسفر يوما أو يومين أو أكثر، وكذلك الأسفار المتعارفة
التي تشغل مدة من الزمن كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى
الحج أو الزيارة أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نية العود وبقاء رحله
ومتاعه، فلا بأس بها ما لم تناف شرط الواقف، نعم لا بد من صدق عنوان
ساكن المدرسة عليه، فإن كانت المدة طويلة بحيث توجب عدم صدق
العنوان عليه بطل حقه.
مسألة 963: إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل
خاصة أو في جميع الليالي فبات ساكنها في مكان آخر بطل حقه.
272

مسألة 964: لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته إلا إذا
كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليتها معدة لسكني طالب واحد.
مسألة 965: الربط وهي المساكن المعدة لسكني الفقراء أو الغرباء
كالمدارس في جميع ما ذكر.
مسألة 966: مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما
شاكلهما، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج
وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو في أراضي الموات ونحوها من الأنفال
- أي أنها مملوكة للإمام عليه السلام - ولكن من حاز منها شيئا بآنية أو حوض
أو غيرهما وقصد تملكه ملكه من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر.
مسألة 967: كل ماء من مطر أو غيره لو اجتمع بنفسه في مكان بلا يد
خارجية عليه فهو من المباحات الأصلية فمن حازه بإناء أو غيره وقصد تملكه
ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك.
مسألة 968: مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا
بنفسها، ملك للحافر، فلا يجوز لأحد التصرف فيها بدون إذن مالكها.
مسألة 969: إذا شق نهرا من بعض الأنهار الكبار سواء أكان بشقه
في أرض مملوكة له أو بشقه في الموات بقصد إحيائه نهرا ملك ما يدخل فيه
من الماء إذا قصد تملكه.
مسألة 970: إذا كان النهر لأشخاص متعددين، ملك كل منهم
بمقدار حصته من النهر، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية اشتركوا
في الماء بالسوية وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تتبع نسبة
استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
مسألة 971: الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر
الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه بدون إذن
273

الباقين.
وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كل
وقت وزمان وبأي مقدار شاء، جاز له ذلك.
مسألة 972: إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر فإن تراضوا بالتناوب
والمهاياة بالأيام أو الساعات فهو، وإلا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء
بأن توضع في فم النهر حديدة مثلا ذات ثقوب متعددة متساوية ويجعل لكل
منهم من الثقوب بمقدار حصته، ويوصل كل منهم ما يجري في الثقبة
المختصة به إلى ساقيته. فإن كانت حصة أحدهم سدسا والآخر ثلثا والثالث
نصفا، فلصاحب السدس ثقب واحد، ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب
النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع سنة.
مسألة 973: القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع
عنها بعد وقوعها. والظاهر أنها قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر
الممتنع منهم عليها.
وأما القسمة بالمهاياة والتناوب، فهي ليست بلازمة، فيجوز لكل منهم
الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته وإن ضمن
المستوفي حينئذ مقدار ما استوفاه بالمثل.
مسألة 974: إذا اجتمعت أملاك على ماء عين أو واد أو نهر أو نحو
ذلك من المشتركات، كان للجميع حق السقي منه، وليس لأحد منهم
احداث سد فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين.
وعندئذ فإن كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلا قدم الأسبق
فالأسبق في الاحياء إن كان وعلم السابق، وإلا قدم الأعلى فالأعلى والأقرب
فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة
المنشقة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع، وإلا قدم الأسبق
274

فالأسبق أي: من كان شق نهره أسبق من شق نهر الآخر - إن كان هناك سابق ولاحق
وعلم وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثم ما يليه وهكذا.
مسألة 975: تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع
بنسبة ملكهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم وأما إذا لم يقدم على ذلك
إلا البعض لم يجبر الممتنع، كما أنه لا يجوز التصرف فيه لغيره إلا بإذنه وإذا أذن
لهم بالتصرف فليس لهم مطالبته بحصته من المؤنة إلا إذا كان إقدامهم بطلبه
وتعهده ببذل حصته.
مسألة 976: إذا كان النهر مشتركا بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير
القاصر متوقفا على مشاركة القاصر إما لعدم اقتداره بدونه، أو لغير ذلك،
وجب على ولي القاصر مراعاة لمصلحته - إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما
وبذل المؤنة من مال القاصر بمقدار حصته.
مسألة 977: ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلا بإذن صاحب
الرحى المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرحى أيضا من الأشجار المغروسة
على حافتيه وغيرها.
مسألة 978: ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي
مواشيه إلا أن يكون المرعى ملكا له فيجوز له أن يحميه حينئذ نعم لولي
المسلمين أن يحمي المراعي العامة ويمنع من الرعي فيها حسب ما تقتضيه
المصلحة.
مسألة 979: المعادن من الأنفال وهي على نوعين:
الأول: المعادن الظاهرة، وهي الموجودة على سطح الأرض كبعض
معادن الملح والقير والكبريت والنفط ونحوها.
الثاني: المعادن الباطنة، وهي الموجودة في باطن الأرض مما يتوقف
استخراجها على الحفر وذلك كغالب معادن الذهب والفضة.
275

أما الأولى فمن حاز منها شيئا ملكه قليلا كان أو كثيرا، ويبقى الباقي
على حاله.
وأما الثانية فهي تملك بالاستخراج على تفصيل تقدم في المسألة
1194 من كتاب الخمس، وأما إذا حفر ولم يبلغ نيلها فهو يفيد فائدة
التحجير.
مسألة 980: من يجوز له استخراج معدن إذا تصرف في الأرض
بايجاد بعض مقدماته ثم أهمله وعطله أجبره الحاكم أو وكيله على اتمام
العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذرا أمهله إلى أن يزول عذره ثم يلزمه
أحد الأمرين.
مسألة 981: المعادن الباطنة لا تملك باحياء الأرض سواء أكانت
قريبة من السطح أم كانت بعيدة عنه في الأعماق كمعظم معادن النفط
المحتاجة إلى حفر زائد للوصول إليها أو ما شاكلها فهي على التقديرين لا
تتبع الأرض ولا تملك باحيائها.
مسألة 982: لو حفر أرض المعدن وقال لغيره استخرجه منه ولك
نصف الخارج فإن كان بعنوان الإجارة بطل، وفي صحته بعنوان الجعالة
اشكال.
276

كتاب الدين والقرض
الدين هو المملوك الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من
الأسباب ويقال لمن أشغلت ذمته به (المديون) و (المدين) وللآخر (الدائن)
ويطلق الغريم عليهما معا، وسبب الدين إما معاملة متضمنة لانشاء اشتغال
الذمة به كالقرض والضمان وبيع السلم والنسيئة والإجارة مع كون الأجرة كليا
في الذمة والنكاح مع جعل الصداق كذلك، وإما غيرها كما في أروش الجنايات
وقيم المتلفات ونفقة الزوجة الدائمة ونحوها. وله أحكام مشتركة وأحكام
مختصة بالقرض.
أحكام الدين
مسألة 983: الدين إما حال وهو ما ليس لأدائه وقت محدد، وإما
مؤجل وهو بخلافه، وتعيين الأجل تارة يكون بجعل المتداينين كما في السلم
والنسيئة وأخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقررة في الدية.
مسألة 984: يتأجل الدين الحال باشتراطه في ضمن عقد لازم أو
جائز، فلو اشترى منه شيئا واشترط عليه تأجيل دينه الحال لمدة شهر مثلا لم
تجز له المطالبة به قبل ذلك إلا أن يفسخ العقد ويسقط الشرط.
مسألة 985: إذا كان الدين حالا أو مؤجلا وقد حل الأجل يجب على
المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كما يجب على الدائن أخذه وتسلمه
إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمته، وأما الدين المؤجل قبل حلول
الأجل فليس للدائن حق المطالبة به إلا إذا كان التأجيل حقا له فقط لاحقا
للمدين أو لهما جميعا، وهل يجب على الدائن القبول لو تبرع المدين بأدائه
أم لا؟ الظاهر أن عليه ذلك إلا إذا كان التأجيل حقا له أو لهما معا فإن له
حينئذ الامتناع عن القبول مثل حلول الأجل.
277

مسألة 986: إذا امتنع الدائن عن أخذ الدين عند حلوله أجبره الحاكم
عليه لو طلب منه المديون ذلك، ولو تعذر اجباره فله أن يسلمه إلى الحاكم
وقد فرغت ذمته، وهل يجب على الحاكم القبول؟ فيه اشكال، ولو لم يمكن
الوصول إلى الحاكم أو لم يقبله بقي الدين في ذمته إلى أن يأخذه الدائن أو
من يقوم مقامه، ولو كان الدائن غائبا ولا يمكن إيصال المال إليه وأراد
المديون تفريغ ذمته جرى عليه ما تقدم.
مسألة 987: يجوز التبرع بأداء دين الغير سواء أكان حيا أم كان ميتا
وتبرأ ذمته به ولا فرق في ذلك بين أن يكون التبرع به بإذن المدين أو بدونه
بل وإن منعه المدين عن ذلك، وفي وجوب القبول على من له الدين وجريان
الأحكام المتقدمة عليه لو امتنع عنه إشكال بل منع.
مسألة 988: لا يتعين الدين في ما عينه المدين وإنما يتعين بقبض
الدائن أو من يقوم مقامه، فلو تلف قبل قبضه فهو من مال المدين وتبقى ذمته
مشغولة به.
مسألة 989: إذا مات المدين حل الأجل، ويخرج الدين من أصل
ماله وإذا مات الدائن بقي الأجل على حاله، وليس لورثته مطالبته قبل انقضاء
الأجل، وعلى هذا فلو كان صداق المرأة مؤجلا ومات الزوج قبل حلوله
استحقت الزوجة مطالبته بعد موته، وهذا بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فإنه
ليس لورثتها المطالبة قبل حلول الأجل ويلحق بموت الزوج طلاقه إذا كان
اشتراط التأجيل في أداء الصداق منصرفا إلى جواز التأخير مع بقاء الزوجية
كما لعله الغالب.
مسألة 990: إذا فقد المدين دائنه ويئس من الوصول إليه أو إلى ورثته
في المستقبل لزمه أن يؤديه إلى الفقير صدقة عنه، والأحوط أن يستجيز في
278

ذلك الحاكم الشرعي، وإن لم يكن الدائن هاشميا فالأولى أن يؤدي المديون
دينه إلى غير الهاشمي، وأما إذا احتمل الوصول إليه أو إلى ورثته ولم يفقد
الأمل في ذلك لزمه الانتظار والفحص عنه فإن لم يجده أوصى به عند الوفاة
حتى يجئ له طالبه، وإذا كان الدائن مفقودا عن أهله وجب تسليم دينه إلى
ورثته مع انقطاع خبره بعد مضي عشر سنين من غيبته، بل يجوز ذلك بعد
مضي أربع سنين إذا فحص عنه في هذه المدة.
مسألة 991: يصح بيع الدين بمال خارجي وإن كان أقل منه ما لم
يستلزم الربا ولا يصح بيعه بدين مثله إذا كانا دينين قبل العقد، ولا فرق في
المنع بين كونهما حين العقد حالين ومؤجلين ومختلفين، ولو كانا دينين
بالعقد بطل في المؤجلين وصح في غيرهما، ولو كان أحدهما دينا قبل العقد
والآخر دينا بالعقد فإن كان الثاني مؤجلا بطل وإلا بأن كان كليا في الذمة من
دون تأجيل في دفعه صح إلا في بيع المسلم فيه قبل حلوله فإنه لا يجوز بيعه
من غير بائعه مطلقا، ويجوز بيعه من غير بائعة بعد حلوله ومن بائعه مطلقا
على تفصيل تقدم.
مسألة 992: يجوز تعجيل الدين المؤجل بنقصان مع التراضي، وهو
الذي سمى ب‍ (تنزيل الدين)، ولا يجوز تأجيل الحال ولا زيادة أجل
المؤجل بزيادة، لأنه ربا وقد يتخلص منه بجعل الزيادة المطلوبة في ثمن
مبيع مثلا ويجعل التأجيل والتأخير إلى أجل معين شرطا على البائع، بأن يبيع
الدائن من المدين مثلا ما يساوي عشرة دنانير بخمسة عشر دينارا على أن لا
يطالب المشتري بالدين الذي عليه إلى وقت كذا، ولكنه لا يخلو عن
الاشكال والأحوط لزوما الاجتناب عنه، ومثله ما إذا باع المديون من الدائن
ما يكون قيمته خمسة عشر دينارا بعشرة دنانير شارطا عليه تأخير الدين إلى
وقت كذا.
279

مسألة 993: لا تجوز قسمة الدين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على
ذمم أشخاص متعددة، كما إذا افترضنا أنهما باعا مالا مشتركا بينهما من
أشخاص عديدة أو ورثا من مورثهما دينا على أشخاص ثم قسما الدين بينهما
بعد التعديل، فجعلا ما في ذمة بعضهم لأحدهما، وما في ذمة الباقي للآخر
لم يصح، ويبقى الدين على الاشتراك السابق بينهما، ولو كان لهما دين
مشترك على واحد ففي جواز أن يستوفي أحدهما حصته منه فيتعين له وتبقى
حصة الآخر في ذمة المدين اشكال كما مر في كتاب الشركة.
مسألة 994: يجب على المدين أداء الدين الحال فورا عند مطالبة
الدائن إن قدر عليه ولو بيع سلعته ومتاعه أو عقاره أو مطالبة غريمه أو
استقراضه إذا لم يكن حرجيا عليه أو إجارة أملاكه، وأما إذا لم يقدر عليه
بذلك فهل يجب عليه التكسب اللائق بحاله والأداء منه؟ الأحوط ذلك
خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلف وفيمن شغله التكسب بل وجوبه حينئذ لا
يخلو من قوة. نعم يستثنى من ذلك بيع دار سكناه وثيابه المحتاج إليها ولو
للتجمل وسيارته ونحو ذلك ما يحتاج إليه ولو بحسب حاله وشؤونه، والضابط
هو كل ما احتاج إليه بحسب حاله، وشرفه وكان بحيث لولاه لوقع في عسر
وشدة أو حزازة ومنقصة.
مسألة 995: لا فرق في استثناء هذه الأشياء بين الواحد والمتعدد،
فلو كانت عنده دور متعددة واحتاج إلى كل منها لسكناه ولو بحسب حاله
وشرفه لم يبع شيئا منها، وكذلك الحال في السيارة ونحوها، نعم إذ لم يحتج
إلى بعضها أو كانت داره أزيد مما يحتاج إليه وجب عليه بيع الزائد أو بيعها
واشتراء ما هو أدون مما يليق بحاله.
مسألة 996: إذا كانت له دار مملوكة وكانت بيده دار أخرى يمكنه
السكنى فيها كما - إذا كانت موقوفة تنطبق عليه - ولم يكن في ذلك حرج عليه
280

ولا في معرض قصر يده عنها وجب عليه أن يبيع داره المملوكة لأداء دينه.
مسألة 997: إنما لاتباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون
حيا، فلو مات ولم يترك غير دار سكناه تباع وتصرف في الدين.
مسألة 998: المقصود من كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنه
لا يجبر على بيعها لأدائه ولا يجب عليه ذلك، وأما لو رضي هو بذلك وقضى
به دينه جاز للدائن أخذه وإن كان ينبغي له أن لا يرضى ببيع داره.
مسألة 999: لو كانت عنده بضاعة أو عقار زائدة على مستثنيات الدين
ولكنها لا تباع إلا بأقل من قيمتها السوقية وجب عليه بيعها بالأقل لأداء دينه،
نعم إذا كان التفاوت بين القيمتين بمقدار فاحش لا يقبل به العقلاء إلا في
حال الضرورة لم يجب.
مسألة 1000: كما لا يجب على المدين المعسر الأداء يحرم على
الدائن اعساره بالمطالبة والاقتضاء، بل عليه الصبر والنظرة إلى الميسرة.
مسألة 1001: مماطلة الدائن مع القدرة على الأداء حرام، بل يجب
نية القضاء مع عدم القدرة عليه أيضا بأن يكون من قصده الأداء عند التمكن
منه.
أحكام القرض
وهو تمليك مال لآخر بالضمان في الذمة بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن
كان قيميا، ويقال للمملك (المقرض) وللمملك (المقترض) و (المستقرض).
مسألة 1002: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة وتخف كراهته مع
الحاجة وكلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة، وكلما اشتدت خفت إلى أن
تزول، والأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقب حصوله عدم
الاستدانة إلا عند الضرورة أو مع علم المستدان بحاله.
281

مسألة 1003: إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة سيما لذوي
الحاجة لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته، وعن النبي صلى الله عليه وآله.
مسألة 1004: حيث إن القرض عقد من العقود يحتاج إلى ايجاب
كقوله: (أقرضتك) وما يؤدي معناه، وقبول دال على الرضا بالايجاب، ولا يعتبر
في عقده العربية بل يقع بكل لغة، بل الظاهر عدم اعتبار الصيغة فيه فلو
دفع مالا إلى أحد بقصد القرض وأخذه المدفوع بهذا القصد صح قرضا.
مسألة 1005: يعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين
في سائر المعاملات والعقود من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد وكذا
عدم الحجر لفلس في المقرض.
مسألة 1006: يعتبر في القرض أن يكون المال عينا، فلو كان دينا أو
منفعة لم يصح القرض، نعم يصح إقراض الكلي في المعين كإقراض درهم
من درهمين معينين، ولا يصح إقراض المبهم كأحد هذين المالين.
مسألة 1007: يعتبر في القرض أن يكون المال مما يصح تملكه، فلا
يصح إقراض الخمر والخنزير، ولا يعتبر فيه تعيين مقداره وأوصافه
وخصوصياته التي تختلف المالية باختلافها إذا كان مثليا ولا قيمته إذا كان
قيميا، نعم على المقترض تحصيل العلم بذلك مقدمة لأدائه، وهذا أجنبي
عن اعتباره في صحة القرض.
282

مسألة 1008: يعتبر في القرض القبض، فلا يملك المستقرض المال
المقترض إلا بعد قبضه، ولا يتوقف على التصرف.
مسألة 1009: القرض عقد لازم ليس للمقرض ولا المقترض فسخه
حتى ترجع العين المقترضة إلى المقرض لو كانت موجودة، نعم للمقرض
فيما إذا لم يكن القرض مؤجلا لمصلحة المقترض عدم انظاره ومطالبته
بالأداء ولو قبل قضاء وطره بل ولو قبل مضي زمان يمكن فيه ذلك، كما أن
للمقترض فيما إذا لم يكن القرض مؤجلا لمصلحة المقرض أن يؤديه إليه
وليس له حق الامتناع من قبوله.
مسألة 1010: لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة والشعير والذهب
والفضة ونحوها ثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض، ولو كان قيميا كالغنم
ونحوها ثبت في ذمته قيمته وقت التسليم إلى المقترض.
مسألة 1011: يحرم اشتراط الزيادة على المقترض بأن يقرضه مالا
على أن يؤديه بأزيد مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع
القرض مبنيا عليه - وتستثنى من ذلك موارد تقدمت في المسألة 232 -، وهذا
هو الربا القرضي المحرم الذي وعدنا ذكره في كتاب البيع، وحرمته تعم
المعطي والآخذ.
مسألة 1012: الظاهر أن القرض لا يبطل باشتراط الزيادة، بل يبطل
الشرط فقط، فيملك المقترض ما يأخذه قرضا ولا يملك المقرض ما يأخذه
من الزيادة، فلو أخذ الحنطة مثلا بالقرض الربوي فزرعها جاز له التصرف
في حاصله، وكذا الحال فيما إذا أخذ مالا بالقرض الربوي ثم اشترى بعينه
شيئا كالثوب، وأما لو اشترى المقرض شيئا بعين الزيادة التي أخذها في
القرض لم يملكه ولم يجز له التصرف فيه، نعم إذا كان المعطي راضيا
283

بتصرفه فيما أخذه من الزيادة حتى لو فرض أنه لم يكن بينهما معاملة ربوية
جاز له التصرف فيه.
مسألة 1013: لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين أن تكون الزيادة
عينية كما إذا قرضه عشرة دراهم على أن يؤدي اثني عشر، أو عملا كخياطة
ثوب له، أو منفعة أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده أو صفة مثل أن
يقرضه دراهم فضية مكسورة على أن يؤديها صحيحة. كما لا فرق فيها بين
أن تكون الزيادة راجعة إلى المقرض أو غيره، فلو قال أقرضتك دينارا بشرط
أن تهب زيدا أو تصرف في المسجد أو المأتم درهما لم يجز. وكذا إذا اشترط
عليه أن يعمر المسجد أو يقيم المأتم أو نحو ذلك مما لوحظ فيه المال فإنه حرام.
وأما اشتراط ما لم يلحظ فيه المال أو ما هو واجب على المقترض فلا
بأس به مثل أن يقول أقرضتك بشرط أن تدعو لي أو تدعو لزيد أو تصلي أو
تصوم لنفسك، أو بشرط ن تؤدي زكاتك أو دينك مما كان مالا لازم الأداء،
فهذا كله جائز لأن المدار في المنع ما لوحظ فيه المال ولم يكن ثابتا بغير
القرض.
مسألة 1014: إذا أقرضه شيئا وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من
قيمته أو يؤاجره بأقل من أجرته كان داخلا في شرط الزيادة فيحرم، وقد
يتخلص منه بأن يبيع المقترض من المقرض مالا بأقل من قيمته عليه أو
يشتري منه شيئا بأكثر من قيمته ويشترط عليه أن يقرضه مبلغا معينا، ولكن
هذا محل اشكال فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.
مسألة 1015: إنما تحرم الزيادة مع الشرط، وأما بدونه فلا بأس به،
بل يستحب ذلك للمقترض، حيث إنه من حسن القضاء وخير الناس
أحسنهم قضاء، بل يجوز ذلك اعطاءا وأخذا لو كان الاعطاء لأجل أن يراه
المقرض حسن القضاء فيقرضه كلما احتاج إلى الاقتراض أو كان الاقراض
284

لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه
بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه، نعم يكره أخذه للمقرض خصوصا
إذا كان اقراضه لأجل ذلك بل يستحب له أنه إذا أعطاه المقترض شيئا بعنوان
الهدية ونحوها يحسبه عوض طلبه بمعنى أنه يسقط منه بمقداره.
مسألة 1016: إنما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، وأما
إذا شرطها للمقترض فلا بأس به، كما إذا أقرضه عشرة دنانير على أن يؤدي
تسعة دنانير، كما لا بأس أن يشترط المقترض على المقرض شيئا له.
مسألة 1017: يجوز دفع النقد قرضا إلى تاجر في بلد ليحوله إلى
صاحبه في بلد آخر بأقل مما دفعه.
مسألة 1018: لا يجوز دفع مال إلى أحد في بلد لأخذ أزيد منه في
بلد آخر إذا كان المدفوع مما يباع بالكيل أو الوزن كالحنطة والذهب والفضة
لأنه من الربا، ولو أعطى الدافع متاعا أو قام بعمل بإزاء الزيادة جاز، ولا
يجوز أخذ الزيادة في المعدود - كالأوراق النقدية - قرضا، ويجوز ذلك بيعا
إلا في البيع نسيئة مع الاتحاد في الجنس فإن جوازه محل اشكال كما مر في
محله.
مسألة 1019: المال المقترض إن كان مثليا كالدراهم والدنانير
والحنطة والشعير كان وفاؤه وأداؤه باعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه سواء
أبقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أم ترقى أم تنزل.
وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب
المقترض به وليس له الامتناع ولو ترقى سعره عما أخذه بكثير، كما أن
المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع ولو تنزل بكثير
ويمكن أن يؤدى بالقيمة أو بغير جنسه بأن يعطي بدل الدراهم دنانير
مثلا أو بالعكس، ولكن هذا النحو من الأداء يتوقف على التراضي، فلو
285

أعطى بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها ولو تساويا في
القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلى، كما أنه لو أراده المقرض كان للمقترض
الامتناع وإن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أقل قيمة.
هذا إذا كان المال المقترض مثليا وأما إذا كان قيميا فقد مر أنه تشتغل
ذمة المقترض بالقيمة، وإنما تكون بالنقود الرائجة، فأداؤه الذي لا يتوقف
على التراضي يكون باعطائها، ويمكن أن يؤدي بجنس آخر من غير النقود
بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي.
ولو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين باعطائها
أو أراد المقترض ذلك فالظاهر جواز امتناع الآخر.
مسألة 1020: يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على
المقترض أن يؤديه من غير جنسه، بأن يؤدي عوض الدراهم مثلا دنانير
وبالعكس، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة أو كان ما
شرط عليه أقل قيمة مما افترضه.
مسألة 1021: لو شرط التأجيل في القرض صح ولزم العمل به وكان
كسائر الديون المؤجلة وقد مر حكمها في المسألة (985).
مسألة 1022: لو اشترط في القرض أداؤه في مكان معين صح ولزم
العمل به، فلو طالب المقرض به في غير ذلك المكان لم يلزم على المقترض
القبول، كما أنه لو أداه المقترض في غيره لم يلزم على المقرض القبول،
هذا إذا كان الشرط حقا لهما معا، أو لأحدهما ولم يسقطه وأما إذا أسقطه
كان كأن لم يشترط، وسيأتي حكمه.
مسألة 1023: في حكم الاشتراط وجود قرينة حالية أو مقالية على
تعيين مكان التسليم كبلد القرض أو غيره، ومع فقدها فإن وجدت قرينة
صارفه عن بعض الأمكنة بالخصوص - ولو كانت هي لزوم الضرر والاحتياج
286

إلى المؤنة في الحمل إليه - كان ذلك في حكم تعيين غيره ولو اجمالا،
وحينئذ فالأحوط لهما التراضي وإن كان الأظهر وجوب الأداء على المقترض
لو طالبه المقرض في أي مكان غيره ووجوب القبول على المقرض لو أداه
المقترض في أي مكان كذلك.
مسألة 1024: يجوز أن يشترط في القرض اعطاء الرهن أو الضامن
أو الكفيل، وكل شرط سائغ لا يكون فيه النفع المالي للمقرض ولو كان
مصلحة له.
مسألة 1025: إذا اقترض دنانير ذهبية مثلا ثم أسقطتها الحكومة عن
الاعتبار وجاءت بنقد آخر غيرها كانت عليه الدنانير الأولى، ولو اقترض شيئا
من الأوراق النقدية المسماة ب‍ (اسكناس) ثم أسقط عن الاعتبار لم تفرغ
ذمة المقترض بأدائه بل عليه أداء قيمته قبل زمن الاسقاط
.
مسألة 1026: إذا أخذ الربا في القرض وكان جاهلا - سواء أكان
جهله بالحكم أم بالموضوع - ثم علم بالحال فإن تاب حل له ما أخذه حال
الجهل وعليه أن يتركه فيما بعد، ولا فرق في ذلك بين كون الطرف الآخر
عالما بالحال وجاهلا به.
مسألة 1027: إذا ورث مالا فيه الربا، فإن كان مخلوطا بالمال
الحلال فليس عليه شئ، وإن كان معلوما ومعروفا وعرف صاحبه رده إليه وإن
لم يعرف عامله معاملة المال المجهول مالكه.
287

كتاب الرهن
الرهن هو: (جعل وثيقة للتأمين على دين أو عين مضمونة).
مسألة 1028: الرهن عقد مركب من ايجاب من الراهن وقبول من
المرتهن، ولا يعتبر فيهما اللفظ بل يتحققان بالفعل أيضا، فلو دفع المديون
مالا للدائن بقصد الرهن وأخذه الدائن بهذا القصد كفى.
مسألة 1029: يعتبر في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد
والاختيار وعدم كون الراهن سفيها ولا محجورا عليه لفلس إلا إذا لم تكن
العين المرهونة ملكا أو لم تكن من أمواله التي حجر عليها.
مسألة 1030: يجوز لولي الطفل والمجنون رهن مالهما والارتهان
لهما مع المصلحة والغبطة.
مسألة 1031: لا يعتبر في صحة الرهن القبض على الأظهر وإن كان
هو الأحوط، نعم مقتضى اطلاقه كون العين المرهونة بيد المرتهن إلا أن
يشترط كونها بيد ثالث أو بيد الراهن ما لم يناف التأمين المقوم له.
مسألة 1032: يعتبر في المرهون أن يكون عينا خارجية مملوكة يجوز
بيعها وشراؤها فلا يصح رهن الدين قبل قبضه ولا المنفعة ولا الحر ولا الخمر
والخنزير ولا الأرض الخراجية ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد
العود ولا الوقف ولو كان خاصا إلا مع وجود أحد مسوغات بيعه.
مسألة 1033: يعتبر في العين المرهونة جواز تصرف الراهن فيها ولو
بالرهن فقط، فإذا رهن مملوك الغير فصحته موقوفة على إجازة المالك، ولو
ضمه إلى مملوكه فرهنهما لزم الرهن في ملكه وتوقف في الضميمة على إجازة
مالكها.
288

مسألة 1034: لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية صح رهن
ما فيها مستقلا، وأما رهن أرضها ولو بعنوان التبعية ففي صحته اشكال بل منع.
مسألة 1035: لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين، فيجوز
لشخص أما يرهن ماله على دين شخص آخر تبرعا ولو من غير إذنه، بل ولو
مع نهيه، وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه على ما تقدم
في كتاب العارية، ولو عين له المعير أن يرهنه على حق مخصوص من حيث
القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معين لم يجز له مخالفته، ولو أذن
له في الرهن مطلقا جاز له الجميع وتخير.
مسألة 1036: لو كان الرهن على الدين المؤجل وكان مما يسرع إليه
الفساد قبل الأجل من دون أن يمكن دفعه عنه كتجفيف الثمر فإن شرط بيعه
قبل أن يطرأ عليه الفساد وجعل ثمنه مكانه في استيفاء الدين صح الرهن
ويبيعه الراهن أو يوكل المرتهن في بيعه وإن امتنع أجبره الحاكم فإن تعذر باعه
الحاكم أو وكيله ومع فقده باعه المرتهن فإذا بيع جعل ثمنه مكانه في استيفاء
الدين، وأما لو شرط عدم البيع إلا بعد الأجل بطل الرهن وكذا لو أطلق ولم
يشترط البيع ولا عدمه على الأقرب.
ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فعرض ما صيره عرضة للفساد
كالحنطة تبتل ولم يمكن دفع الفساد عنه فالظاهر انفساخ الرهن أيضا.
مسألة 1037: يعتبر في المرهون كونه معينا، فلا يصح رهن المبهم
كأحد هذين، نعم يصح رهن الكلي في المعين كصاع من صبرة وشاة من
هذا القطيع، كما أن الظاهر صحة رهن المجعول حتى من حيث الجنس
والنوع إذا كان معلوما من حيث القيمة والمالية بحد يتحقق معه التأمين المقوم
للرهن.
مسألة 1038: يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة
289

لتحقق موجبه من اقتراض أو اسلاف مال أو شراء أو استيجار عين بالذمة وغير
ذلك حالا كان الدين أو مؤجلا، فلا يصح الرهن على ما يقترض أو على ثمن
ما يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض ثم اقترض لم يصر بذلك
رهنا، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقق الموت وإن علم
أن الجناية تؤدي إليه، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل
.
مسألة 1039: كما يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على
الأجرة التي في ذمة المستأجر، كذلك يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على
العمل الثابت في ذمة الأجير.
مسألة 1040: يصح الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة
والعارية المضمونة، ونحوهما، وأما عهدة الثمن أو المبيع أو الأجرة أو عوض
الصلح وغيرها لو خرجت مستحقة للغير ففي صحة الرهن عليها اشكال.
مسألة 1041: لو اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن.
مسألة 1042: لو رهن على دينه رهنا ثم استدان مالا آخر من المرتهن
جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا، وكان رهنا عليهما معا، سواء
كان الثاني مساويا للأول في الجنس والقدر أو مخالفا، وكذا له أن يجعله
على دين ثالث ورابع إلى ما شاء، وكذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن
شيئا آخر على ذلك الدين وكانا جميعا رهنا عليه.
مسألة 1043: لو رهن شيئا عند زيد ثم رهنه عند آخر أيضا باتفاق من
المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول وكونه
رهنا على خصوص الدين الثاني.
مسألة 1044: لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا ثم رهنا عنده
مالا مشتركا بينهما ولو بعقد واحد ثم قضى أحدهما دينه انفكت حصته عن
290

الرهانة وصارت طلقا، ولو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا - بأن كان عليه
دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد - فكل منهما مرتهن للنصف مع
تساوي الدين ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقهما، فإن
قضى دين أحدهما انفك عن الرهانة ما يقابل حقه.
هذا كله في التعدد ابتداء، وأما التعدد الطارئ فالظاهر أنه لا عبرة به،
فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين،
كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفك
بمقداره من الرهن.
مسألة 1045: توابع العين المرهونة كالحمل والصوف والشعر والوبر
واللبن في الحيوان، والثمرة والأوراق والأغصان اليابسة في الشجر لا تكون
رهنا بتبع الأصل إلا إذا اشترط ذلك صريحا أو كانت قرينة عليه من تعارف
أو غيره، بلا فرق في ذلك بين الموجود منها حين العقد والمتجدد منها بعده.
مسألة 1046: الرهن لازم من جهة الراهن جائز من طرف المرتهن
فليس للراهن انتزاعه بدون رضاه إلا أن يسقط حقه من الارتهان أو ينفك
الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين بالأداء أو غير ذلك، ولو برئت ذمته من
بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي، إلا إذا اشترطا التوزيع
فينفك منه على مقدار ما برأ منه ويبقى رهنا على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه
رهنا على المجموع من حيث المجموع فينفك الجميع بالبراءة عن بعض الدين.
مسألة 1047: يجوز لمالك العين المرهونة سواء أكان هو الراهن أم
غيره أن يتصرف فيها بما لا ينافي حق الرهانة بأن لا يكون متلفا لها أو موجبا
للنقص في ماليتها أو مخرجا لها عن ملكه، فيجوز له الانتفاع من الدابة
بركوبها ومن الكتاب بمطالعته ومن الدار بسكناها بل بجوز له أن يسكن غيره
291

فيها ونحو ذلك، وأما التصرف المتلف أو المنقص لماليتها كاستعمال ما
تنقص قيمته بالاستعمال أو ايجار الدار على نحو تكون مسلوبة المنفعة على
تقدير الحاجة إلى بيعها لاستيفاء الدين من ثمنها فغير جائز إلا بإذن المرتهن،
وكذلك التصرف الناقل فيها ببيع أو هبة أو نحوهما فإنه لا يجوز إلا بإذنه، وإن
وقع توقفت صحته على إجازته فإن أجاز بطل الرهن، ولو أذن في بيعها على
أن يجعل ثمنه مكانه في استيفاء الدين فلم يفعل بطل البيع إلا أن يجيزه.
مسألة 1048: لا يجوز للمرتهن التصرف في العين المرهونة بدون
إذن مالكها - من الراهن أو غيره - فلو تصرف فيها بركوب أو سكنى أو نحوهما
ضمن العين لو تلفت أو تعيبت تحت يده للتعدي ولزمه أجرة المثل لما
استوفاه من المنفعة ولو كان ببيع ونحوه أو بإجارة ونحوها وقع فضوليا فإن
أجازه المالك صح وإن لم يجز كان فاسدا.
مسألة 1049: لو باع المرتهن العين المرهونة قبل حلول الأجل بإذن
مالكها ففي كون ثمنها كالأصل في استيفاء الدين منه اشكال بل منع، وكذلك
لو باعها فأجازه المالك.
مسألة 1050: منافع الرهن كالسكنى والخدمة وكذا انماءاته
المنفصلة كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر والمتصلة كالسمن والزيادة
في الطول والعرض كلها لمالكه - سواء أكان هو الراهن أو غيره - دون المرتهن
من غير فرق فيها بين ما كانت موجودة حال الارتهان وما وجدت بعده.
مسألة 1051: لو شرط المرتهن في عقد الرهن استيفاء منافع العين
في مدة الرهن مجانا فإن لم يرجع ذلك إلى الاشتراط في القرض أو في تأجيل
أداء الدين صح، وكذلك ما لو شرط استيفاءها بالأجرة مدة، وإذا صح الشرط لزم
العمل به إلى نهاية المدة وإن برئت ذمة الراهن من الدين.
مسألة 1052: لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صح، فلو كان
292

الدين مؤجلا وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل، فإن لم تكن في معرض
الفساد إلى حينه فلا اشكال وإلا كان حكمها حكم ما يتسرع إليه الفساد قبل
الأجل وقد تقدم في المسألة (1036).
مسألة 1053: إذا حان زمان قضاء الدين وطالبه الدائن فلم يؤده جاز
له بيع العين المرهونة واستيفاء دينه إذا كان وكيلا عن مالكها في البيع واستيفاء
دينه منه وإلا لزم استجازته فيهما، فإن لم يتمكن من الوصول إليه استجاز
الحاكم الشرعي على الأحوط، وإذا امتنع من الإجازة رفع أمره إلى الحاكم
ليلزمه بالوفاء أو البيع، فإن تعذر على الحاكم الزامه باعها عليه بنفسه أو
بتوكيل الغير ولو كان هو المرتهن نفسه، ومع فقد الحاكم أو عدم اقتداره على
الالزام بالبيع وعلى البيع عليه لعدم بسط اليد باعها المرتهن بنفسه مع
الاستيذان من الحاكم الشرعي على الأحوط إن أمكن، وعلى كل حال لو
باعها وزاد الثمن على الدين كان الزائد عنده أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه.
مسألة 1054: لو وفى بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه وبقي
الباقي أمانة عنده، إلا إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم
الراغب أو كان
فيه ضرر على المالك فيباع الكل.
مسألة 1055: إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابة
ركوبة جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون.
مسألة 1056: لو شرط في عقد الرهن وكالة المرتهن أو غيره في البيع
لم ينعزل ما دام حيا.
مسألة 1057: لو رهن ماله وأوصى إلى المرتهن أن يبيع العين المرهونة
ويستوفي حقه منها لزمت الوصية وليس للوارث الزامه برد العين واستيفاء دينه
من مال آخر.
مسألة 1058: إذا لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة لاثبات دينه وخاف
293

أن يجحده الراهن لو اعتراف بالرهن عند الحاكم فيؤخذ منه بموجب اعترافه
ويطالب بالبينة على حقه جاز له بيع الرهن مع الاستيذان من الحاكم الشرعي
على الأحوط، وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
مسألة 1059: المرتهن أحق بالعين المرهونة من باقي الغرماء إذا صار
الراهن مفلسا أو مات وعليه ديون الناس، ولو فضل من الدين شئ شاركهم
في الفاضل، ولو فضل من الرهن وله دين بغير رهن تساوى الغرماء فيه.
مسألة 1060: الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب
من دون تعد ولا تفريط، نعم لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية
مضمونة مثلا ثم ارتهن عنده لم يزل الضمان، إلا إذا أذن له المالك في بقائه
تحت يده فيرتفع الضمان على الأقوى، وإذا انفك الدين بسبب الأداء أو
الابراء أو غير ذلك يبقى أمانة مالكية في يده على تفصيل تقدم في كتاب
الوديعة.
مسألة 1061: لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن
فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورثهم وينتقل إلى ورثة
المرتهن حق الرهانة، فإن امتنع الراهن من استيمانهم كان له ذلك فإن اتفقوا
على أمين وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول
المؤمنين.
مسألة 1062: إذ كانت العين المرهونة بيد المرتهن وقد ظهرت له
أمارات الموت وجب عليه الاستيثاق من عدم ضياع حق مالكها ولو بالوصية
بها وتعيين المرهون والراهن والاستشهاد على ذلك، ولو لم يفعل كان مفرطا
وعليه ضمانها.
مسألة 1063: لو كان عنده الرهن قبل موته ثم مات وعلم بعدم بقائه
في تركته ولكن احتمل أنه قد رده إلى مالكه أو أنه باعه واستوفى ثمنه أو أنه
294

تلف عنده بتقصير منه أو بغيره لم يحكم بكونه في ذمته بل يحكم بكون جميع
تركته للورثة من دون حق لمالك الرهن فيها، وهكذا الحال فيما لو احتمل
بقاءه في تركته ولم يعلم ذلك لا تفصيلا ولا اجمالا فإنه لا يحكم ببقائه فيها
مطلقا على الأظهر.
مسألة 1064: لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن ودينارا آخر منه
بلا رهن ثم دفع إليه دينارا بنية الأداء والوفاء، فإن نوى كونه عن ذي الرهن
سقط وانفك رهنه، وإن نوى كونه عن الآخر سقط لم ينفك الرهن، وإن
لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو
غيره حسب ما دفعه أداء لغير ذي الرهن ويبقى ذو الرهن بتمامه لا ينفك رهنه
إلا بأدائه.
مسألة 1065: تقدم إن المرتهن أمين لا يضمن من دون تعد ولا
تفريط ويضمن معه لمثله إن كان مثليا وإلا فلقيمته يوم التلف، والقول قوله
مع يمينه في قيمته وعدم التعدي والتفريط وقول الراهن مع يمينه في قدر
الدين، بشرط عدم مخالفتهما للظاهر كما مر في نظائره.
مسألة 1066: إذا اختلفا فادعى المالك إن المال لو كان وديعة وادعى
القابض أنه كان رهنا، فإن كان الدين ثابتا فالقول قول القابض بيمينه وإلا
فالقول قول المالك.
295

كتاب الحجر
والمقصود به كون الشخص ممنوعا في الشرع عن التصرف في ماله
بسبب من الأسباب، وهي كثيرة أهمها أمور:
1 - الصغر
مسألة 1067: الصغير وهو الذي لم يبلغ حد البلوغ محجور عليه
شرعا لا تنفذ تصرفاته الاستقلالية في أمواله ببيع وصلح وهبة واقراض وإجارة
وايداع وإعارة وغيرها وإن كان في كمال التمييز والرشد وكان التصرف في غاية
الغبطة والصلاح، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي سابقا كما لا تجدي
إجازته لاحقا على المشهور، ويستثنى من ذلك موارد منها: الأشياء اليسيرة
التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها كما تقدم في المسألة
(62)، ومنها وصيته لذوي أرحامه وفي الميراث والخيرات العامة كما سيأتي
في المسألة (1354).
مسألة 1068: كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك
محجور بالنسبة إلى ذمته، فلا يصح منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمة
بالسلم والنسيئة وإن كان وقت الأداء مصادفا لزمان البلوغ، وكذلك بالنسبة
إلى نفسه فلا ينفذ منه التزويج ولا الطلاق - على كلام في طلاق البالغ عشرا
يأتي في محله - ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو
المساقاة وغير ذلك، نعم يجوز حيازته المباحات بالاحتطاب والاحتشاش
ونحوهما ويملكها بالنية، بل وكذا بملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن
له الولي فيهما.
296

مسألة 1069: علامة البلوغ في الأنثى اكمال تسع سنين هلالية،
وفي الذكر أحد الأمور الثلاثة:
الأول: نبات الشعر الخشن على العانة، ولا اعتبار بالزغب والشعر
الضعيف.
الثاني: خروج المني، سواء خرج يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو غيرهما.
الثالث: اكمال خمس عشرة سنة هلالية على المشهور.
مسألة 1070: لا يبعد كون نبات الشعر الخشن في الخد وفي
الشارب علامة للبلوغ، وأما نباته في الصدر وتحت الإبط، وكذا غلظة
الصوت ونحوهما فليست أمارة عليه.
مسألة 1071: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد
معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الآتي.
مسألة 1072: ولاية التصرف في مال الطفل والنظر في مصالحه
وشؤونه لأبيه وجده لأبيه، ومع فقدهما للقيم من أحدهما، وهو الذي أوصى
أحدهما بأن يكون ناظرا في أمره، ومع فقد الوصي تكون الولاية والنظر
للحاكم الشرعي، وأما الأم والجد للأم والأخ فضلا عن الأعمام والأخوال
فلا ولاية لهم عليه بحال، نعم الظاهر ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم
ولسائر المؤمنين مع فقدهم.
مسألة 1073: لا تشترط العدالة في ولاية الأب والجد، فلا ولاية
للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال تعديها على حقوق
المولى عليه في نفسه أو ماله منعهما من التصرف، ولا يجب عليه الفحص
عن عملهما وتتبع سلوكهما.
مسألة 1074: الأب والجد مشتركان في الولاية، فينفذ تصرف
297

السابق منهما ويلغي تصرف اللاحق، ولو اقترنا فالأقوى بطلانهما إلا في
النكاح فيقدم عقد الجد.
مسألة 1075: لا فرق في الجد بين القريب والبعيد، فلو كان له أب
وجد وأب الجد وجد الجد اشتركوا كلهم في الولاية.
مسألة 1076: يعتبر في نفوذ تصرف الأب والجد عدم المفسدة فيه،
وأما غيرهما من الأولياء من الوصي والحاكم وعدول المؤمنين فنفوذ تصرفاتهم
مشروط بالغبطة والصلاح كما تقدم في كتاب البيع.
مسألة 1077: يجوز للولي المضاربة بمال الطفل وابضاعه بشرط
وثاقه بالعامل وأمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
مسألة 1078: يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة أو
إلى من يعلمه القراءة والخط والحساب والعلوم النافعة لدينه ودنياه، ويلزم
عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما يضر بعقائده.
مسألة 1079: يجوز لولي اليتيم أن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم
فيوزع المصارف عليهم على الرؤوس، ويختص هذا بالمصارف التي
يتشارك فيها أفراد العائلة الواحدة عادة ولا يفرد لصنف منهم أو لكل واحد
مصرفا مستقلا كالمأكل والمشرب وكذا المسكن وشؤونه المتعارفة، وأما
غيرها كالكسوة وما يشبهها فلا بد من افراده فيه ولا يحسب عليه إلا ما يصرف
منه عليه مستقلا، وهكذا الحال في اليتامى المتعددين فيجوز لمن يتولى
الانفاق عليهم أن يخلطهم فيما هو من قبيل المأكول والمشروب ويوزع
المصارف عليهم على الرؤوس دون غيره فإنه يحسب على كل واحد ما
يصرف عليه مستقلا.
مسألة 1080: إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه
عنه ببعضه مع المصحلة، لكن لا يحل على المتصالح باقي المال وليس
للولي اسقاطه بحال.
298

مسألة 1081: ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالاسراف ولا
بالتقتير ملاحظا قي طعامه وكسائه وغيرهما ما يليق بشأنه.
مسألة 1082: لو ادعى الولي الانفاق على الصبي أو على ماله أو
دوابه بالمقدار اللائق وأنكر بعد البلوغ أصل الانفاق أو مقداره وكيفيته فالقول
قول الولي بيمينه - ما لم يكن مخالفا للظاهر - إلا أن يكون مع الصبي البينة.
2 - الجنون
مسألة 1083: لا ينفذ تصرف المجنون إلا في أوقات إفاقته، وحكمه
حكم الصغير في جميع ما تقدم، نعم في ولاية الأب والجد ووصيهما عليه
إذا تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده أو كونها للحاكم اشكال، فلا يترك الاحتياط
بتوافقهما معا.
3 - السفه:
السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله
يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محله، وليس معاملاته مبنية على المكايسة
والتحفظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف والعقلاء
بوجدانهم إذا وجدوه خارجا عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلا
وصرفا.
مسألة 1084: السفيه محجور عليه شرعا لا ينفذ تصرفاته في ماله ببيع
وصلح وإجارة وايداع وعارية وغيرها، ولا يتوقف حجره على حكم الحاكم
على الأقوى، ولا فرق بين أن يكون سفهه متصلا بزمان صغره أو تجدد بعد
البلوغ، فلو كان سفيها ثم حصل له الرشد ارتفع حجره، فإن عاد إلى حالته
السابقة حجر عليه، ولو زالت فك حجره، ولو عاد عاد الحجر عليه وهكذا،
ولا يزول الحجر مع فقد الرشد وإن طعن في السن.
299

مسألة 1085: ولاية السفيه للأب والجد ووصيهما إذا بلغ سفيها،
وأما من طرأ عليه السفه بعد البلوغ ففي كون الولاية عليه للجد والأب أيضا
أو للحاكم خاصة اشكال فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معا.
مسألة 1086: كما ا ن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في
ذمته، بأن يتعهد مالا أو عملا، فلا يصح اقتراضه وضمانه ولا بيعه وشراؤه
بالذمة ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو
المساقاة وغير ذلك.
مسألة 1087: معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو
كان بإذن الولي أو إجازته صح ونفذ، نعم في العتق ونحوه مما لا يجري فيه
الفضولية يشكل صحته بالإجازة اللاحقة من الولي، ولو أوقع معاملة في حال
سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الولي.
مسألة 1088: لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته على
الأحوط، لكن يصح طلاقه وظهاره وخلعه، كما تصح وصيته في غير أمواله
كتجهيزه ونحوه، ويقبل اقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر بالنسب أو بما
يوجب القصاص ونحو ذلك، ولو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال.
مسألة 1089: لو وكل السفيه أجنبي في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز
ولو كان وكيلا في أصل المعاملة لا في مجرد اجراء الصيغة.
مسألة 1090: إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شئ أو تركه مما لا
يتعلق بماله انعقد حلفه ونذره، ولو حنث كفر كسائر ما أوجب الكفارة كقتل
الخطأ والافطار في شهر رمضان، وهل يتعين عليه الصوم لو تمكن منه أو
يتخير بينه وبين الكفارة مالية كغيره؟ وجهان أحوطهما الأول، نعم لو لم
يتمكن من الصوم تعين غيره، كما إذا فعل ما يوجب الكفارة المالية على
التعيين كما في كفارات الاحرام.
300

مسألة 1091: لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه،
بخلاف الدية وأرش الجناية.
مسألة 1092: إذا اطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه ولم
ير المصلحة في إجازته، فإن لم يقع إلا مجرد العقد ألغاه، وإن وقع تسليم
وتسلم للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده ويحفظه، وما تسلمه
وكان موجودا يرده إلى مالكه وإن كان تالفا ضمنه السفيه، فعليه مثله أو قيمته
لو قبضه بغير إذن من مالكه وإن كان بإذن منه وتسليمه لم يضمنه إلا مع اتلافه
إياه، نعم يقوى الضمان في صورة التلف أيضا لو كان المالك الذي سلمه الثمن
أو المبيع جاهلا بحاله، وكذا الحال فيما لو اقترض السفيه وأتلف المال.
مسألة 1093: لو أودع انسان وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على
الأقوى، سواء علم المودع بحاله أو جهل بها، نعم لو تلفت عنده لم يضمنها
حتى مع تقصيره في حفظها إذا كان المودع عالما بحاله.
مسألة 1094: لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يجوز رشده، وإذا اشتبه
حاله يختبر بأن يفوض إليه مدة معتد بها بعض الأمور مما يناسب شأنه كالبيع
والشراء والإجارة والاستيجار لمن يناسبه مثل هذه الأمور والرتق والفتق في
بعض الأمور مثل مباشرة الانفاق في مصالحة أو مصالح الولي ونحو ذلك
فيمن يناسبه ذلك، فإن أنس منه الرشد - بأن رأى منه المداقة والمكايسة
والتحفظ عن المغابنة في معاملاته وصيانة المال من التضييع وصرفه في
موضعه وجريه مجاري العقلاء - دفع إليه ماله وإلا فلا.
مسألة 1095: الصبي إذا احتمل حصول الرشد له قبل البلوغ
فالأحوط اختباره قبله ليسلم إليه ماله بمجرد بلوغه لو أنس منه الرشد، وإلا
لزم في كل زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده، وأما غيره فإن ادعى
حصول الرشد له واحتمله الولي يجب اختياره، وإن لم يدع حصوله ففي
وجوب الاختيار بمجرد الاحتمال اشكال بل لا يبعد عدمه.
301

مسألة 1096: يثبت الرشد في الرجال بشهادة أمثالهم، وفي النساء
بشهادة الرجال، وفي ثبوته بشهادة رجل وامرأتين أو بشهادة النساء منفردات
اشكال.
4 - الفلس
المفلس هو الذي حجر عليه أي منع من التصرف بماله لقصوره عن ديونه.
مسألة 1097: من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يصح
له التصرف فيها بأنواعه وينفذ أمره فيها بإضافة ولو باخراجها جميعا عن ملكه
مجانا أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي. نعم لو كان صلحه عنها
أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون تشكل الصحة، خصوصا فيما إذا
لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه.
مسألة 1098: لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة:
الأول: أن تكون ديونه ثابتة شرعا.
الثاني: أن تكون أمواله من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس ما
عدا مستثنيات الدين قاصرة عن ديونه.
الثالث: أن تكون الديون حالة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة
وإن لم يف ماله بها لو حلت، ولو كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا فإن قصر
ماله عن الحالة يحجر عليه وإلا فلا.
الرابع: أن يرجع الغرماء كلهم أو بعضهم إلى الحاكم ويطلبوا منه
الحجر عليه، فليس للحاكم أن يتبرع بالحجر عليه أو عند طلبه نفسه، نعم
إذا كان الدين لمن يكون الحاكم وليهم كاليتيم والمجنون جاز له الحجر عليه
مع مراعاة مصلحتهم.
مسألة 1099: يعتبر في الحجر عليه بطلب بعض الغرماء أن يكون
302

دينه بمقدار يجوز الحجر به عليه وإن عم الحجر حينئذ له ولغيره من ذي
الدين الحال الذي يستحق المطالبة به.
مسألة 1100: إذا حجر الحاكم على المفلس تعلق حق الغرماء
بأمواله عينا كانت أم دينا، ولا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع والإجارة
وبغير عوض كالوقف والهبة والابراء إلا بإذنهم أو إجازتهم.
مسألة 1101: إذا اشترى شيئا بخيار ثم حجر عليه جاز له اسقاط
خياره وأما جواز فسخه فمحل اشكال.
مسألة 1102: إنما يمنع الحجر عن التصرف في أمواله الموجودة في
زمان الحجر عليه دون الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو
باختياره بمثل الاحتطاب والاصطياد وقبول الوصية والهبة ونحو ذلك، نعم لا
اشكال في جواز تجديد الحجر عليها إذا كانت مع الأموال السابقة قاصرة عن
ديونه وإلا بطل الحجر.
مسألة 1103: لو اقترض المفلس بعد الحجر عليه أو اشترى في
الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء ولو أتلف مال غيره فالأظهر عدم
مشاركة صاحبه للغرماء وكذا لو أقر بدين سابق أو بعين، نعم ينفذ الاقرار في
حق نفسه فلو سقط حق الغرماء عن العين وانفك الحجر لزمه تسليمها إلى
المقر له أخذا باقراره.
مسألة 1104: إذا حكم الحاكم بحجر المفلس أمره ببيع أمواله
بالاتفاق مع غرمائه وقسمتها بينهم بالحصص وعلى نسبة ديونهم، فإن أبى
باعها عليه بالاتفاق معهم وقسمها كذلك ويزول الحجر عنه بالتقسيم
والأداء، ويستثنى من أمواله مستثنيات الدين وقد مرت في كتاب الدين، وكذا
أمواله المرهونة عند الديان لو كانت، فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من
العين المرهونة ولا يحاصه فيها سائر الغرماء إلا في المقدار الزائد منها على
دينه كما مر في كتاب الرهن.
303

مسألة 1105: إذا كان من جملة مال المفلس عين اشتراها وكان ثمنها
في ذمته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وبين الضرب
مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها.
مسألة 1106: الظاهر أن هذا الخيار ليس على الفور، فله أن لا يبادر
بالفسخ والرجوع في العين، نعم ليس له الافراط في تأخير الاختيار بحيث
يعطل أمر التقسيم على الغرماء، فإذا وقع منه ذلك خبره الحاكم بين الأمرين،
فإن امتنع عن اختيار أحدهما ضربه مع الغرماء بالثمن.
مسألة 1107: يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين فلا
رجوع لو كان مؤجلا ولم يحل قبل القسمة وأما مع حلوله قبلها فله ذلك على الأقرب.
مسألة 1108: لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن
يرجع إليها على الأظهر.
مسألة 1109: المقرض كالبائع في أن له الرجوع في العين المقترضة
لو وجدها عن المقترض، وأما المؤجر فهل له فسخ الإجارة إذا حجر على
المستأجر قبل استيفاء المنفعة؟ فيه اشكال فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1110: لو باع شقصا وفلس المشتري كان للشريك الأخذ
بالشفعة ويضرب البائع مع الغرماء في الثمن.
مسألة 1111: لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو
المقترضة كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصته من الدين والضرب بالباقي
مع الغرماء كما أن لهما الضرب بتمام الدين معهم.
مسألة 1112: لو حصلت للعين المبيعة أو المقترضة زيادة منفصلة
كالولد ونحوه فهي للمشتري والمقترض وليس للبائع والمقرض إلا الرجوع
إلى الأصل، وأما لو حصلت لها زيادة متصلة فإن كانت غير قابلة للانفصال
304

كالسمن والطول فهي تابعة للعين فيرجع البائع أو المقترض إلى العين كما
هي إلا إذا كانت كثيرة كما سيأتي وإن كانت قابلة له كالصوف والثمرة
ونحوهما ففي التبعية اشكال والأظهر عدمها.
مسألة 1113: إذا زرع الحب أو استفرخ البيض لم يكن للبائع أو
المقرض الرجوع إلى الزرع أو الفرخ وكذا في كل مورد حصل تغير في
المبيع أو المال المقترض بحيث لا يصدق أنه عين ماله وإن كان ذلك بسبب
حصول نماء متصل فيه غير قابل للانفصال كما لو باعه الفرخ في أول خروجه
من البيض فصار دجاجا فإن ذلك يمنع من الرجوع فيه، نعم لا يمنع منه
حدوث منعة أو ما بحكمها فيه وإن أوجبت زيادة قيمته السوقية.
مسألة 1114: لو اشترى ثوبا فقصره وصبغه لم يبطل حق البائع في
العين، وأما لو اشترى غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه فالأظهر بطلان حقه فيهما.
مسألة 1115: لو تعيبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة
سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب
بالثمن مع الغرماء، وكذا لو كان بفعل البائع أو الأجنبي على الأقرب.
مسألة 1116: لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناء أو غرسا ثم فلس كان
للبائع الرجوع إلى أرضه لكن البناء والغرس للمشتري فإن تراضيا على البقاء
مجانا أو بعوض جاز وإن لم يرض البائع بالبقاء قيل إن له اجبار المشتري على
القلع وليس للمشتري اجباره على البقاء ولو بأجرة ولكنه لا يخلو عن
اشكال، ولو أراد المشتري القلع فليس للبائع اجباره على البقاء ولو
مجانا بلا اشكال.
مسألة 1117: إذا خلط المشتري ما اشتراه بمال آخر على نحو يعد
معه تالفا أو موجبا للشركة في الخليط فالأظهر سقوط حق البائع في العين
فيضرب مع الغرماء في الثمن.
305

مسألة 1118: غريم الميت كغريم المفلس، فإذا وجد عين ماله في
تركته كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء،
وإلا فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميت
قد حجر عليه.
مسألة 1119: إذا كان في التركة عين زكوية قدمت الزكاة على الديون
وكذلك الخمس وإذا كانا في ذمة الميت كانا كسائر الديون.
مسألة 1120: يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته
ونفقة وكسوة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته، ولو مات
قدم كفنه بل وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك
على حقوق الغرماء ويقتصر على الواجب على الأحوط، وإن كان القول باعتبار
المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة.
مسألة 1121: لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم
آخر نقضت القسمة وشاركهم.
5 - مرض الموت
مسألة 1122: المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح
يتصرف في ماله بما شاء وكيف شاء وينفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه
إلا فيما أوصى بأن يصرف شئ بعد موته فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما
يتركه، كما أن الصحيح أيضا كذلك وسيأتي تفصيل ذلك في محله.
وأما إذا اتصل مرضه بموته فلا اشكال في عدم نفوذ وصيته بما زاد على
الثلث كغيره، كما أنه لا اشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل والشرب
والانفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه وفي حفظ شأنه واعتباره
وغير ذلك مما يليق به ولا يعد سرفا وتبذيرا أي مقدار كان، وكذا لا اشكال
في نفوذ تصرفاته المعاوضية المتعلقة بماله إذا لم تكن مشتملة على المحاباة
306

كالبيع بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل، وإنما الاشكال في تصرفاته الأخرى
المبينة على المحاباة والمجانية أو على نحو منها كالوقف والصدقة والابراء
والهبة والصلح بغير عوض أو بعوض أقل من القيمة والبيع بأقل من ثمن المثل
والإجارة بأقل من أجرة المثل ونحو ذلك مما يستوجب نقصا في ماله وهي
المعبر عنها ب‍ (المنجزات) فقد دفع الاشكال في أنها هل هي نافذة من
الأصل - بمعنى نفوذها وصحتها مطلقا وإن زادت على ثلث ماله بل وإن
تعلقت بجميع ماله بحيث لم يبق شئ للورثة - أو هي نافذة بمقدار الثلث،
فإذا زادت يتوقف صحتها ونفوذها في الزائد على امضاء الورثة والأقوى هو الثاني.
مسألة 1123: الواجبات المالية التي يؤديها المريض في مرض موته
كالخمس والزكاة والكفارات تخرج من الأصل.
مسألة 1124: الصدقة وإن كانت من المنجزات كما تقدم لكن
الظاهر أنه ليس منها ما يتصدق المريض لأجل شفائه وعافيته مما يليق بشأنه
ولا يعد سرفا.
مسألة 1125: يقتصر في المرض المتصل بالموت على ما يكون
المريض معه في معرض الخطر والهلاك، فمثل حمي يوم خفيف اتفق
الموت به على خلاف مجاري العادة لا يمنع من نفوذ المنجزات من أصل
التركة، وكذا يقتصر فيه على المرض الذي يؤدي إلى الموت، فلو مات لا
بسبب ذلك المرض بل بسبب آخر من قتل أو افتراس سبع أو لدغ حية ونحو
ذلك لم يمنع من نفوذها من الأصل، وأيضا يقتصر في المرض الذي يطول
بصاحبه فترة طويلة على أواخره القريبة من الموت فالمنجزات الصادرة منه
قبل ذلك نافذة من الأصل.
مسألة 1126: لا يبعد أن يلحق بالمرض كون الانسان معرض الخطر
307

والهلاك كأن يكون في حال المراماة في الحرب أو في حال اشراف السفينة
على الغرق.
مسألة 1127: لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو
أجنبي، فإن كان مأمونا غير متهم نفذ اقراره في جميع ما أقر به، وإن كان زائدا
على ثلث ماله بل وإن استوعبه، وإلا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.
هذا إذا كان الاقرار في مرض الموت وأما إذا كان في حال الصحة أو
في مرض غير مرض الموت نفذ في الجميع وإن كان متهما.
والمراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها بكذبه، كأن يكون بينه
وبين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك اضرارهم، أو كان له محبة
شديدة مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.
مسألة 1128: إذا لم يعلم حال المقر وأنه كان متهما أو مأمونا ففي
الحكم بنفوذ اقراره في الزائد على الثلث وعدمه اشكال، فالأحوط التصالح
بين الورثة والمقر له.
مسألة 1129: إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات والاقرار
بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو
حقا ماليا يبذل بإزائه المال كحق التحجير، وهل تحسب الدية من التركة
وتضم إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان أوجههما
الأول.
مسألة 1130: ما تقدم من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية
في المنجزات إنما هو فيما إذا لم يجز الورثة وإلا نفذتا بلا اشكال، ولو أجاز
بعضهم نفذ بمقدار حصته، ولو أجازوا بعضا من الزائد عن الثلث نفذ بقدره.
مسألة 1131: لا اشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورث،
وهل تصح منه في حال حياته بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الرد بعد ذلك أم
308

لا؟ قولان أقواهما الأول خصوصا في الوصية، وإذا رد في حال الحياة يمكن
أن يلحقه الإجازة بعد ذلك على الأقوى وإن رده بعد الموت لم تنفع الإجازة بعده.
309

كتاب الضمان
الضمان هو: (التعهد بمال لآخر) ويقع على نحوين:
تارة على نحو نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن
للمضمون له، وأخرى على نحو التزام الضامن للمضمون له بأداء مال إليه
فليست نتيجته سوى وجوب الأداء عليه تكليفا، فالفرق بين النحوين: إن
الضامن على النحو الأول - وهو المقصود بالضمان عند الاطلاق تشتغل
ذمته للمضمون له بنفس المال المضمون، فلو مات قبل وفائه أخرج من تركته
مقدما على الإرث، وأما الضامن على النحو الثاني فلا تشتغل ذمته
للمضمون له بنفس المال بل بأدائه إليه فلو مات قبل ذلك لم يخرج من تركته
شئ إلا بوصية منه.
مسألة 1132: يعتبر في الضمان: الايجاب من الضامن والقبول من
المضمون له بلفظ أو فعل دال - ولو بضميمة القرائن - على تعهد الأول
بالمال ورضا الثاني بذلك.
مسألة 1133: يعتبر في الضامن والمضمون له: البلوغ والعقل
والقصد والاختيار وعدم السفه، وعدم التفليس أيضا في خصوص المضمون
له، وأما في المديون فلا يعتبر شئ من ذلك فلو ضمن شخص ما على المجنون
أو الصغير من الدين صح.
مسألة 1134: الأحوط اعتبار التنجيز في عقد الضمان فلو علقه على
أمر كأن يقول: أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي، أو أنا ضامن إن لم
يف المديون إلى زمان كذا أو أن لم يف أصلا لم يصح على الأحوط، نعم
لا يعتبر التنجيز في الضمان على النحو الثاني فيصح أن يلتزم بأداء الدين مثلا.
310

على تقدير خاص كعدم قيام المدين بوفائه فيلزمه العمل بالتزامه وللدائن
مطالبته بالأداء على ذلك التقدير.
مسألة 1135: يعتبر في الضمان كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة
المضمون عنه سواء كان مستقرا كالقرض والثمن أو المثمن في البيع الذي لا
خيار فيه أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري أو كالنصف الثاني من المهر
قبل الدخول ونحو ذلك فلو قال أقرض فلانا أو بعه نسيئة وأنا ضامن لم
يصح، نعم لو قصد الضمان على النحو الثاني المتقدم صح، فلو تخلف المقترض
عن أداء القرض أو تخلف المشتري عن أداء الثمن المؤجل وجب على الضامن
من أداؤه.
مسألة 1136: يعتبر في الضمان تعين الدين والمضمون له
والمضمون عنه فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص
معين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معين، ولا ضمان دين أحد
الشخصين ولو على واحد معين.
مسألة 1137: إذا كان الدين معينا في الواقع ولم يعلم جنسه أو
مقداره أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعينا في الواقع ولم يعلم
شخصه صح على الأقوى، خصوصا في الأخيرين، فلو قال ضمنت ما لفلان
على فلان ولم يعلم أنه درهم أو دينار أو أنه دينار أو ديناران صح على
الأصح، وكذا لو قال ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء
العشرة، ويعلم بأن واحدا منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثم قبل بعد ذلك
للواحد المعين الذي يطلبه، أو قال ضمنت ما كان لفلان على المديون من
هؤلاء ولم يعلم شخصه صح الضمان على الأقوى.
مسألة 1138: إذا تحقق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحق - كما
تقدم - من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن وبرئت ذمته، فإذا أبرء
311

المضمون له - وهو صاحب الدين - ذمة الضامن برئت الذمتان الضامن
والمضمون عنه، وإذا أبرء ذمة المضمون عنه كان لغوا لأنه لم يشتغل ذمته
بشئ حتى يبرئه.
مسألة 1139: عقد الضمان لازم فلا يجوز للضامن فسخه ولا
المضمون له.
مسألة 1140: يشكل ثبوت الخيار لأي من الضامن والمضمون له
بالاشتراط أو بغيره.
مسألة 1141: إذا كان الضامن حين الضمان قادرا على أداء
المضمون فليس للدائن فسخ الضمان ومطالبة المديون الأول وإن عجز
الضامن عن الأداء بعد ذلك، وكذلك إذا كان الدائن عالما بعجز الضامن
ورضي بضمانه، وأما إذا كان جاهلا بذلك ففي ثبوت حق الفسخ له اشكال.
مسألة 1142: إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه وطلبه لم يكن
له الرجوع عليه بالدين وإلا فله الرجوع عليه ولو قبل وفائه على الأظهر، نعم
إذا أبرء المضمون له ذمة الضامن عن تمام الدين لم يستحق على المضمون
عنه شيئا وإذا أبرء ذمته عن بعضه لم يستحق عليه ذلك البعض، ولو صالح
المضمون له الضامن بالمقدار الأقل لم يستحق الضامن على المضمون عنه
إلا ذلك المقدار دون الزائد، وكذا الحال لو ضمن الدين بأقل منه برضا
المضمون له، والضابط أن الضامن لا يستحق على المضمون عنه بالمقدار
الذي يسقط من الدين بغير أدائه ومنه يظهر أنه ليس له شئ في صورة تبرع
أجنبي لأداء الدين.
مسألة 1143: لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون
إذن الضامن برئت ذمته وليس له الرجوع عليه.
مسألة 1144: إذا احتسب المضمون له ما على ذمة الضامن خمسا
312

أو زكاة بإجازة من الحاكم الشرعي، أو صدقة، فالظاهر أن للضامن أن يطالب
المضمون عنه بذلك وكذا الحال إذا أخذه منه ثم رده إليه بعنوان الهبة أو
نحوها، وهكذا إذا مات المضمون له وورث الضامن ما في ذمته.
مسألة 1145: يجوز ضمان الدين الحال حالا ومؤجلا، وكذا ضمان
الدين المؤجل مؤجلا وحالا، وكذا يجوز ضمان الدين المؤجل مؤجلا بأزيد
من أجله وبأنقص منه.
مسألة 1146: إذا كان الدين حالا وضمنه الضامن مؤجلا كان الأجل
للضمان لا الدين، فلو أسقط الضامن الأجل سقط فيكون للمضمون له
مطالبته حالا كما أن له مطالبة المضمون عنه كذلك، وهكذا الحال ما لو مات
الضامن قبل انقضاء الأجل.
مسألة 1147: إذا كان الدين مؤجلا وضمنه شخص بإذن المضمون
عنه كذلك ثم أسقط الأجل فليس له مطالبة المضمون عنه به قبل حلول
الأجل، وكذا الحال إذا مات الضامن في الأثناء فإن المضمون له يأخذ المال
المضمون من تركته حالا ولكن ليس لورثته مطالبة المضمون عنه قبل حلول الأجل.
مسألة 1148: إذا كان الدين مؤجلا وضمنه شخص حالا بإذن
المضمون عنه جاز له الرجوع إليه كذلك لأنه المتفاهم العرفي من إذنه
بذلك.
مسألة 1149: إذا كان الدين مؤجلا وضمنه بإذن المضمون عنه بأقل
من أجله كما إذا كان أجله ثلاثة أشهر مثلا وضمنه بمدة شهر فله مطالبة
المضمون عنه بالدين عند حلول الأجل الثاني وهو أجل الضمان.
وإذا ضمنه بأكثر من أجله ثم أسقط الزائد فله مطالبة المضمون عنه
بذلك وكذلك الحال ما إذا مات الضامن بعد انقضاء أجل الدين وقبل انقضاء
المدة الزائدة.
313

مسألة 1150: إذا أدى الضامن الدين من غير جنسه لم يكن له اجبار
المضمون عنه بالأداء من خصوص الجنس الذي دفعه إلى الدائن.
مسألة 1151: يجوز الضمان بشرط الرهانة من المضمون له على
الضامن فيرهن بعد الضمان، ولو لم يفعل ففي ثبوت الخيار للمضمون له
اشكال.
مسألة 1152: إذا كان على الدين الثابت في ذمة المضمون عنه رهن
فهو ينفك بالضمان إلا إذا اشترط عدمه فلا ينفك حينئذ.
مسألة 1153: يجوز الترامي في الضمان بأن يضمن مثلا عمرو عن
زيد، ثم يضمن بكر عن عمرو ثم يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمة
الجميع ويستقر الدين على الضامن الأخير، فإن كان جميع الضمانات بغير
إذن من المضمون عنه لم يرجع واحد منهم على سابقه، وإن كان جميعها
بالإذن يرجع الضامن الأخير على سابقه وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى
المديون الأصلي، وإن كان بعضها بالإذن وبعضها بدونه فإن كان الأخير بدون
الإذن كان كالأول لم يرجع واحد منهم على سابقه وإن كان بالإذن رجع هو
على سابقه وهو على سابقه لو ضمن بإذنه وإلا لم يرجع وانقطع الرجوع عليه.
مسألة 1154: لا اشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك
بأن يكون على كل منهما بعض الدين فتشتغل ذمة كل منهما بمقدار منه على
حسب ما عيناه ولو بالتفاوت، ولو أطلقا يقسط عليهما بالنصف وإن كانوا ثلاثة
فبالثلث وهكذا، ولكل منهما أداء ما عليه وتبرأ ذمته ولا يتوقف على أداء الآخر
ما عليه، وللمضمون له مطالبة كل منهما بحصته ومطالبة أحدهما أو ابراؤه
دون الآخر، ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر رجع هو إلى
المضمون عنه بما ضمنه دون الآخر، والظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكر
314

بين أن يكون ضمانهما بعقدين - بأن ضمن أحدهما عن نصف الدين ثم
ضمن الآخر عن نصفه الآخر - أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما
في ذلك فقبل المضمون له، هذا كله في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك،
وأما ضمانهما عنه بالاستقلال - بأن يكون كل منهما ضامنا لتمام الدين - فهو
محل اشكال بل منع.
مسألة 1155: إذا كان المديون فقيرا لم يصح أن يضمن شخص عنه
بالوفاء من الخمس أو الزكاة أو المظالم، ولا فرق في ذلك بين أن تكون ذمة
الضامن مشغولة بها فعلا أم لا.
مسألة 1156: إذا كان الدين الثابت على ذمة المدين خمسا أو زكاة
صح أن يضمن عنه شخص للحاكم الشرعي أو وكيله.
مسألة 1157: إذا ضمن شخص في مرض موته صح الضمان، فإن
كان بإذن المضمون عنه فالاشكال في خروجه من أصل التركة، وإن لم يكن
بإذنه فالأقوى خروجه من الثلث.
مسألة 1158: يصح أن يضمن شخص للمرأة نفقاتها الماضية، وأما
ضمانه لنفقاتها الآتية فلا يصح إلا على النحو الثاني المتقدم كما لا يصح
ضمان نفقة الأقارب إلا على ذلك النحو.
مسألة 1159: كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز
الضمان عن المنافع والأعمال المستقرة في الذمم، فكما أنه يجوز أن يضمن
عن المستأجر ما عليه من الأجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه
من العمل، نعم لو كان ما عليه يعتبر فيه مباشرته - كما إذا كان عليه خياطة
ثوب مباشرة - لم يصح ضمانه.
مسألة 1160: يصح ضمان الأعيان الخارجية على النحو الثاني
المتقدم أي الالتزام بردها مع بقاء العين المضمونة ورد بدلها من المثل أو
315

القيمة عند تلفها، ومن هذا القبيل ضمان شخص عهدة الثمن للمشتري إذا
ظهر المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع من جهة أخرى.
مسألة 1161: في صحة ضمان ما يحدثه المشتري في الأرض
المشتراة من بناء أو غرس أو نحو ذلك إذا ظهر كونها مستحقة للغير اشكال،
ولكن الأقوى صحته على النحو الثاني المتقدم.
مسألة 1162: لو ادعى شخص على دينا فقال ثالث للمدعي
علي ما عليه فرضي به المدعي عن الضمان، معنى انتقال الدين إلى ذمته
على تقدير ثبوته، فيسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرف
الدعوى، فإذا أقام المدعي البينة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، وكذا
لو ثبت اقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين، وأما اقراره بعد الضمان فلا
يثبت به شئ على الضامن لكونه اقرارا على الغير.
مسألة 1163: إذا اختلف الدائن والمدين في أصل الضمان، كما إذا
ادعى المديون الضمان وأنكره الدائن فالقول قول الدائن، وهكذا إذا ادعى
المديون الضمان في تمام الدين وأنكره المضمون له في بعضه.
مسألة 1164: إذا ادعى الدائن على أحد الضمان فأنكره فالقول قول
المنكر، وإذا اعترف بالضمان واختلفا في مقداره أو في اشتراط التعجيل إذا
كان الدين حالا، أو في وفائه للدين، أو في ابراء المضمون له قدم قول
المضمون له.
مسألة 1165: إذا اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه،
أو في مقدار الدين المضمون، أو في اشتراط شئ على المضمون عنه، قدم
قول المضمون عنه ما لم يكن مخالفا للظاهر وكذا الحال في الموارد المتقدمة.
مسألة 1166: من ادعى عليه الضمان فأنكره، ولكن استوفى
316

المضمون له الحق منه بإقامة بينة، فليس له مطالبة المضمون عنه، لاعترافه
بأن المضمون له أخذ المال منه ظلما.
مسألة 1167: لو كان على أحد دين فطلب من غيره أداءه فأداه بلا
ضمان عنه للدائن جاز له الرجوع على المدين.
مسألة 1168: إذا قال شخص لآخر ألق متاعك في البحر وعلي
ضمانه فألقاه ضمنه، سواء أكان لخوف غرق السفينة أو لمصلحة أخرى من
خفتها أو نحوها، وهكذا لو أمره باعطاء دينا مثلا لفقير أو أمره بعمل لآخر أو
لنفسه فإنه يضمن إذا لم يقصد المأمور المجانية.
317

كتاب الحوالة
الحوالة هي: (تحويل المدين ما في ذمته من الدين إلى ذمة غيره بإحالة
الدائن عليه) في متقومة بأشخاص ثلاثة: (المحيل) وهو المديون
و (المحال) وهو الدائن و (المحال عليه).
مسألة 1169: يعتبر في الحوالة الايجاب من المحيل والقبول من
المحال وأما المحال عليه فيعتبر قبوله في الحوالة على البرئ وفي الحوالة
على المدين بغير جنس الدين وفيما إذا كان الدين المحال به معجلا والدين
الذي على ذمته للمحيل مؤجلا، أو كانا مؤجلين جميعا مع تأخر أجل الثاني
عن الأول، وهل يعتبر قبوله في غير هذه الموارد أيضا أم لا؟ الأظهر اعتباره.
مسألة 1170: يكفي في الايجاب والقبول من الأطراف الثلاثة كل ما
يدل عليهما من لفظ أو فعل أو كتابة.
مسألة 1171: يعتبر في المحيل والمحال والمحال عليه: البلوغ
والعقل والقصد والرشد والاختيار، ويعتبر في الأولين عدم الحجر لفلس
أيضا، إلا في الحوالة على البرئ فإنه يجوز فيها أن يكون المحيل مفلسا.
مسألة 1172: يعتبر في الحوالة أن يكون الدين ثابتا في ذمة المحيل
فلا تصح في غير الثابت في ذمته وإن وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل
فضلا عما إذا لم يوجد سببه كالحوالة بما سيقترضه.
مسألة 1173: يعتبر أن يكون المال المحال به معينا، فإذا كان
الشخص مدينا لآخر بمن من الحنطة ودينار لم يصح أن يحيله بأحدهما من
غير تعيين.
318

مسألة 1174: للدائن أن لا يقبل الحوالة وإن كان المحال عليه مليا
غير مماطل في أداء الحوالة.
مسألة 1175: يستحق المحال عليه البرئ أن يطالب المحيل
بالمحال به ولو قبل أدائه على الأظهر، نعم إذا كان الدين المحال به مؤجلا
لم يكن له مطالبة المحيل به إلا عند حلول أجله وإن كان قد أداه قبل ذلك،
ولو تصالح المحال مع المحال عليه على أقل من الدين لم يجز له أن يأخذ
من المحيل إلا الأقل.
مسألة 1176: الحوالة عقد لازم فليس للمحيل ولا المحال عليه
فسخها وكذلك المحال وإن أعسر المحال عليه بعد ما كان موسرا حين
الحوالة، بل لا يجوز فسخها مع اعسار المحال عليه حين الحوالة إذا كان
المحال عالما به، نعم لو لم يعلم به - حينذاك - كان له الفسخ إلا إذا صار
المحال عليه غنيا حين استحقاق المحال للدين فإن في ثبوت حق الفسخ له
في هذه الصورة اشكالا، والمراد باعسار المحال عليه أن لا يكون عنده ما
يوفي به الدين زائدا على مستثنيات الدين.
مسألة 1177: يجوز اشتراط حق الفسخ للمحيل والمحال والمحال
عليه أو لأحدهم.
مسألة 1178: إذا أدى المحيل الدين برأت ذمة المحال عليه، فإن
كان ذلك بطلبه وكان مديونا للمحيل فله أن يطالبه بما أداه، وإن لم يكن بطلبه
أو لم يكن مديونا فليس له ذلك.
مسألة 1179: إذا تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته، وكذا إذا
ضمن شخص عنه برضا المحال.
مسألة 1180: لا فرق في المحال به بين كونه عينا في ذمة المحيل
وبين كونه منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصح إحالة مشغول الذمة
319

بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن ونحو ذلك على برئ أو
على من اشتغلت ذمته له بمثل ذلك، وكذلك لا فرق بين كونه مثليا كالحنطة
والشعير أو قيميا كالحيوان، فإذا استغلت ذمته بشاة موصوفة مثلا بسبب
كالسلم جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئا.
مسألة 1181: لا إشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال
به مع الدين الذي على المحال عليه جنسا ونوعا، كما إذا كان عليه لرجل
دراهم وله على آخر دراهم فيحيل الأول على الثاني، وأما مع الاختلاف
- بأن كان عليه دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأول على الثاني - فهو يقع
على أنحاء: فتارة يحيل الأول على الثاني بالدنانير بأن يستحق عليه بدل
الدراهم دنانير، وأخرى يحيله عليه بالدراهم بأن يستحق عليه الدراهم بدل
ما عليه للمحيل من الدنانير، وثالثة يحيله عليه بالدراهم بأن يستحق عليه
دراهمه وتبقى الدنانير على حالها، والأظهر صحة الأنحاء الثلاثة.
مسألة 1182: إذا تحققت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمة المحيل
عن الدين واشتغلت ذمة المحال عليه للمحال بما أحيل عليه، هذا حال
المحيل مع المحال، والمحال مع المحال عليه، وأما حال المحال عليه مع
المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمته مما عليه وكذا إن كانت
بغير الجنس ووقعت على النحو الأول أو الثاني من الأنحاء الثالثة المتقدمة،
وأما إذا وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على البرئ اشتغلت ذمة
المحيل للمحال عليه بما أحال عليه وإن كان له عليه دين يبقى على حاله.
مسألة 1183: إذا أحال البائع دائنه على المشتري بدينه وقبلها
المشتري على أساس كونه مدينا للبائع بالثمن ثم تبين بطلان البيع بطلت
الحوالة وكذا إذا أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثم ظهر
بطلان البيع فإنه تبطل الحوالة أيضا بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو
بالإقالة فإنه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع فيه.
320

مسألة 1184: إذا كان للمدين عند وكيله أو أمينه مال خارجي فأحال
دائنه عليه فرجع إليه لأخذه لم يجز له الامتناع من دفعه إليه مع علمه
بالحوالة، ولو لم يتحقق الدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته.
مسألة 1185: إذا طالب المحال عليه المحيل بما حوله عليه، وادعى
المحيل أن له عليه مالا مثل ما حوله عليه وأنكره المحال عليه، فالقول قوله
مع عدم البينة فيحلف على براءته.
مسألة 1186: إذا اختلف الدائن والمدين في أن العقد الواقع بينهما
كان حوالة أو وكالة، فمع عدم قيام البينة بقدم قول منكر الحوالة، سواء أكان
هو الدائن أم المدين ما لم يكن مخالفا للظاهر وهكذا الحال فيما تقدم كما
مضى في نظائرهما.
321

كتاب الكفالة
الكفالة هي: (التعهد لشخص باحضار شخص آخر له حق عليه عند
طلبه ذلك) ويسمى المتعهد (كفيلا) وصاحب الحق (مكفولا له) ومن عليه
الحق (مكفولا).
مسألة 1187: تصح الكفالة بالايجاب من الكفيل بلفظ أو بفعل
مفهم - ولو بحسب القرائن - للتعهد المذكور وبالقبول من المكفول له، وفي
اعتبار رضا المكفول اشكال والأحوط اعتباره بل الأحوط كونه طرفا للعقد بأن
يكون عقدها مركبا من ايجاب وقبولين من المكفول له والمكفول.
مسألة 1188: يعتبر في الكفيل والمكفول له وكذا في المكفول بناء
على اعتبار رضاه: البلوغ والعقل والاختيار، كما يعتبر في الكفيل القدرة
على احضار المكفول وعدم الحجر عليه من التصرف في ماله لسفه أو فلس
إذا كان احضار المكفول يتوقف على التصرف فيه.
مسألة 1189: لا تعتبر في الكفالة أن يكون الحق للمكفول له
بشخصه فيجوز أن يكون لمن هو ولي عليه شرعا كالصبي والمجنون،
فلو كان لهما حق على الغير جاز للولي أن يأخذ الكفيل عليه.
مسألة 1190: تصح الكفالة بالتعهد باحضار المكفول إذا كان عليه
حق مالي ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال.
مسألة 1191: إذا كان المال ثابتا في الذمة فلا شبهة في
صحة الكفالة، وأما إذا لم يكن ثابتا في الذمة فعلا، ولكن وجد سببه كالجعل
في عقد الجعالة وكالعوض في عقد السبق والرماية وما شاكل ذلك ففي صحة
322

الكفالة البدنية في هذه الموارد اشكال، نعم يصح فيها الكفالة المالية بمعنى
الالتزام بدفع الجعل أو العوض المقرر في السبق مثلا للمكفول له على تقدير
تخلف من عليه الدفع عن ذلك.
مسألة 1192: تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس
الشرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البينة عليه بالحق، ولا
تصح كفالة من عليه حد أو تعزير.
مسألة 1193: إذا كان الحق حالا صح ايقاع الكفالة حالة ومؤجلة،
ومع الاطلاق تكون حالة، وإذا كان الحق مؤجلا صح ايقاعها مؤجلة فقط،
ويلزم في المؤجلة تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة ونقصا.
مسألة 1194: الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل إلا
بالإقالة أو بجعل الخيار له.
مسألة 1195: إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة
المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة حالة، وبعد الأجل
إن كانت مؤجلة، فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل احضاره، فإن
أحضره وسلمه تسليما تاما بحيث يتمكن المكفول له منه فقد برئ مما عليه
وإن امتنع عن ذلك كان له رفع أمره إلى الحاكم فيحبسه حتى يحضره، نعم إذا
كان ما عليه من الحق قابلا للأداء من قبل الغير كالدين فأداه الكفيل أخلى
سبيله، وإن كان غائبا فإن كان موضعه معلوما ويمكن الكفيل احضاره أمهل
بقدر ذهابه ومجيئه، فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذر حبس كما
مر، وإن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه وانقطع خبره ولا يرجى الظفر
به لم يكلف الكفيل احضاره، وهل يلزم بأداء ما عليه؟ الأقرب عدمه إلا فيما
إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل بأن طالبه المكفول له وكان متمكنا منه فلم
يحضره حتى هرب.
323

مسألة 1196: إذا لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال، فإن
لم تكن الكفالة ولا الأداء بطلب المكفول لم يكن له الرجوع عليه بما أداه،
وإن كان الأداء بطلبه كان له أن يرجع به عليه، سواء أكانت الكفالة بطلبه
أيضا أم لا، وأما إذا كان قد طلب منه الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم
لا؟ الظاهر عدم الرجوع وإن كان غير متمكن من احضاره عند طلب المكفول
له ذلك.
مسألة 1197: إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين فلا
يجب عليه تسليمه في غيره، ولو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته،
كما أنه لو سلمه في غير ما عين لم يجب على المكفول له تسلمه، وفي حكم
التعيين صريحا وجود قرينة حالية أو مقالية عليه كقيامها على تعيين بلد
المكفول له، ومع فقدها فإن وجدت قرينة صارفة عن بعض الأمكنة
بالخصوص - كوجود الموانع الخارجية عادة من احضاره فيه أو احتياجه إلى
مؤونة غير متعارفة - كان ذلك في حكم تعيين غيره ولو اجمالا، وحينئذ
فالظاهر وجوب احضاره على الكفيل لو طالب به المكفول له في أي مكان
غيره.
مسألة 1198: يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة
لاحضار المكفول، فإذا احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر ولم تكن فيها
مفسدة دينية وجبت الاستعانة به.
مسألة 1199: إذا كان المكفول غائبا واحتاج احضاره إلى مؤونة
فالظاهر أنها على الكفيل إلا إذا كان صرفها بطلب من المكفول.
مسألة 1200: تبرأ ذمة الكفيل باحضار المكفول أو حضوره وتسليم
نفسه تسليما تاما وكذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعا أو كرها
بحيث تمكن من استيفاء حقه أو احضاره مجلس الحكم، أو أبرأ المكفول
عن الحق الذي عليه أو أبرأ الكفيل من الكفالة.
324

مسألة 1201: لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى
غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة.
مسألة 1202: إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف
ما لو مات المكفول له فإنه تكون الكفالة باقية وينتقل حق المكفول له منها
إلى ورثته.
مسألة 1203: من خلى غريما من يد صاحبه قهرا أو حيلة ضمن
احضاره أو أداء ما عليه من الحق إن كان قابلا للأداء كالدين، ولو خلى القاتل
عمدا من يد ولي الدم لزمه احضاره ويحبس لو امتنع عن ذلك، فإن تعذر
الاحضار لموت أو غيره دفع إليه الدية.
مسألة 1204: يكره التعرض للكفالات فعن مولانا الصادق عليه
السلام: الكفالة خسارة، غرامة، ندامة.
325

كتاب الصلح
الصلح هو: (التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على
اسقاط دين أو حق بعوض مادي أو مجانا) ولا يشترط كونه مسبوقا بالنزاع،
ويجوز ايقاعه على كل أمر وفي كل مقام إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا
لحرام، وقد مر المقصود بهما في المسألة (172) من كتاب التجارة.
مسألة 1205: الصلح عقد مستقل بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود
وإن أفاد فائدتها، فيفيد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض وفائدة الهبة إذا
كان على عين بلا عوض وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض وفائدة
الابراء إذا كان على اسقاط حق أو دين وهكذا، فعلى ذلك فلا يلحقه أحكام
سائر العقود ولا يجري فيه شروطها وإن أفاد فائدتها، فما أفاد فائدة البيع لا
يلحقه أحكامه وشروطه فلا يجري فيه الخيارات المختصة بالبيع كخياري
المجلس والحيوان، ولا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس إذا تعلق
بمعاوضة النقدين، وما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه
قبض العين كما اعتبر في الهبة وهكذا.
مسألة 1206: لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الايجاب
والقبول مطلقا حتى فيما أفاد فائدة الابراء واسقاط الحق، فابراء المديون من
الدين واسقاط الحق عمن عليه الحق وإن لم يتوقفا على قبول من عليه الدين
أو الحق لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقفا على القبول.
مسألة 1207: يتحقق الصلح بكل ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو نحو
ذلك، ولا تعتبر فيه صيغة خاصة، نعم لفظ (صالحت) كالصريح في إفادة
326

هذا المعنى من طرف الموجب فيقول مثلا: (صالحتك عن الدار أو منفعتها
بكذا أو على كذا) فيقول المتصالح: (قبلت المصالحة).
مسألة 1208: عقد الصلح لازم في نفسه حتى فيما إذا كان بلا عوض
وكانت فائدته فائدة الهبة ولا ينفسخ إلا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو
بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصلح.
مسألة 1209: لا يجري خيار المجلس، ولا خيار الحيوان في الصلح
كما مر، وفي جريان خيار الغبن فيه اشكال بل الظاهر عدم جريانه في الصلح
الواقع في موارد قطع النزاع والخصومات، وكذا لا يجري فيه خيار التأخر
على النحو المتقدم في البيع، نعم لو أخر تسليم المصالح به عن الحد
المتعارف، أو اشترط تسليمه نقدا فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة،
وأما بقية الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضا.
مسألة 1210: لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ، وأما أخذ
التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه اشكال.
مسألة 1211: متعلق الصلح إما عين أو منفعة أو دين أو حق، وعلى
التقادير إما أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأول إما أن يكون العوض
عينا أو منفعة أو دينا أو حقا، فهذه عشرون صورة كلها صحيحة، فيصح
الصلح عن عين بعين ومنفعة ودين وحق وبلا عوض وعن منفعة بمنفعة وعين
ودين وحق وبلا عوض وهكذا.
مسألة 1212: إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى
المتصالح، سواء أكان مع العوض أم بدونه، وكذا إذا تعلق بدين للمصالح
على ثالث أو حق قابل للانتقال كحقي التحجير والاختصاص وحق الأولوية
لمن بيده الأرض الخراجية، وإذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه،
وكذا الحال إذا تعلق بحق قابل للاسقاط وغير قابل للنقل والانتقال كحق
الشفعة ونحوه، وأما ما لا يقبل الانتقال ولا الاسقاط فلا يصح الصلح عليه.
327

مسألة 1213: يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين، كأن يصالح
شخصا على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدة، أو على أن يكون جذوع
سقفه على حائطه، أو يجري ماءه على سطح داره، أو يكون ميزابه على
عرصة داره، أو يكون له الممر والمخرج من داره أو بستانه، أو على أن يخرج
جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه،
وغير ذلك، ولا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه.
مسألة 1214: يعتبر في المتصالحين: البلوغ، والعقل، والاختيار،
والقصد، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة أن يتصرف في ماله من الطرفين
أن لا يكون محجورا عليه من ذلك لسفه أو فلس.
مسألة 1215: يجري الفضولي في الصلح - كما يجري في البيع
ونحوه - حتى فيما إذا تعلق باسقاط دين أو حق وأفاد فائدة الابراء والاسقاط
اللذين لا تجري فيهما الفضولية.
مسألة 1216: يجوز الصلح على ثمار وخضر وزرع العام الواحد قبل
ظهورها من دون ضميمة وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر.
مسألة 1217: لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به فإذا اختلط مال
أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو
بالاختلاف كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين، ولا يفرق
في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذرا وما إذا لم يكن متعذرا.
مسألة 1218: لو علم المديون بمقدار الدين ولم يعلم به الدائن
وصالحه بأقل مما يستحقه لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد، إلا أن يعلم رضا
الدائن بالمصالحة حتى لو علم بمقدار الدين أيضا، وهكذا لو لم يعلم
328

بمقدار الدين تحديدا ولكنه علم اجمالا زيادته على المقدار المصالح به فإنه
لا تبرأ ذمته عن المقدار الزائد إلا في الحالة المذكورة، ويجري نظير هذا
الكلام في العين أيضا.
مسألة 1219: إذا كان شخصان لكل منهما مال في يد الآخر أو على
ذمته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع
أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما أيضا،
لأن حرمة الربا تعم الصلح على هذا النحو على الأظهر، وهكذا الحكم في
صورة احتمال الزيادة وعدم العلم بها على الأحوط، ويمكن الاستغناء عن
الصلح عن المبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما
لصاحبه في الفرض الأول: (صالحتك على أن تهب لي ما في يدي وأهب لك
ما في يدك) فيقبل الآخر، ويقول في الفرض الثاني: (صالحتك على أن
تبرأني مما لك في ذمتي وأبرأك مما لي في ذمتك) فيقبل الآخر.
مسألة 1220: لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص
واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مر في المسألة
السابقة، مثلا إذا كان أحد الدينين الحالين من الحنطة الجيدة والآخر من
الحنطة الرديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما
بالآخر، ومع فرض زيادة أحدهما - في المثال - لا تجوز المصالحة على
المبادلة بينهما على الأظهر.
مسألة 1221: يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان
الغرض ابراء ذمة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقدا، هذا فيما
إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون،
وأما في غير ذلك فيجوز الصلح والبيع بالأقل نقدا من المديون وغيره، وعليه
فيجوز للدائن تنزيل (الكمبيالة) في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر على
ما مر في المسألة (234).
329

مسألة 1222: يجوز للمتنازعين في دين أو منفعة أن يتصالحا
بشئ من المدعى به أو بشئ آخر حتى مع إنكار المدعى عليه، ويسقط
بهذا الصلح حق الدعوى، وكذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على
المنكر، فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة، ولكن هذا قطع للنزاع
ظاهرا ولا يحل به لغير المحق ما يأخذه بالصلح، وذلك مثل ما إذا ادعى
شخص على آخر دنيا فأنكر ثم تصالحا على النصف فهذا الصلح وإن أثر
في سقوط الدعوى، ولكن المدعي لو كان محقا فقد وصل إليه نصف حقه
ويبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر وإن لم يكن عليه إثم إن كان معذورا في
اعتقاده، نعم لو فرض رضا المدعي باطنا بالصلح عن جميع ماله في الواقع
فقد سقط حقه، ولو كان المدعي مبطلا في الواقع حرم عليه ما أخذه من
المنكر إلا مع فرض طيب نفسه واقعا بأن يكون للمدعي ما صالح به لا أنه
رضي به تخلصا من دعواه الكاذبة.
مسألة 1223: لو قال المدعى عليه المدعي (صالحني) لم يكن ذلك
منه اقرارا بالحق، لما عرفت من أن الصلح يصح مع الاقرار والانكار، وأما
لو قال (بعني) أو (ملكني) كان اقرارا.
مسألة 1224: يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن
يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 1225: لو تصالح مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة
مثلا بإزاء لبنها، واشترط عليه أن يعطي له مقدارا معينا من الدهن صحت
المصالحة، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض
مقدار معين من الدهن غير المقيد بالدهن المأخوذ منها صحت الإجارة
أيضا.
330

مسألة 1226: إذا كان لواحد ثوب اشتراه بعشرين درهما ولآخر ثوب
اشتراه بثلاثين واشتبها، ولم يميز كل منهما ماله عن مال صاحبه، فإن خير
أحدهما صاحبه فلا اشكال فكل ما اختاره يحل له ويحل الآخر لصاحبه،
وأما مع عدمه فإن توافقا على بيعهما بيعا وقسم الثمن بينهما بنسبة رأس
مالهما فيعطي صاحب العشرين في المثال سهمين من خمسة والآخر ثلاثة
أسهم منها، ولو تعاسرا في البيع ولو من جهة كون مقصود أحدهما أو كليهما
نفس المال لا ثمنه فلا بد من القرعة.
مسألة 1227: لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على
جهة خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهة عامة في حياة
المصالح أو بعد وفاته صح، ولزم الوفاء بالشرط.
مسألة 1228: إذا كان شخصان لكل منهما مال فاختلطا ثم تلف
البعض من المجموع، فإن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في
الخليط حسب التالف عليهما بنسبة المالين، وإن لم يكن يوجب الشركة فيه
- سواء أكان مثليين أو قيميين - فإن تساوى المالان في المقدار حسب التالف
عليهما وقسم الباقي بينهما نصفين، وأما مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال
وقوع التلف ممن ماله أقل ضعيفا يوثق بخلافه حكم بوقوعه في مال الآخر،
كما إذا كان المجموع عشرة آلاف درهم، لأحدهما درهم أو درهمان والبقية
للآخر وكان التالف درهما أو درهمين أيضا فإن احتمال كون التالف ممن ماله
أقل واحد من عشرة آلاف أو خمسة آلاف وهو احتمال ضعيف لا يعبأ به
العقلاء.
وأما إذا لم يكن كذلك فالأقوى احتساب التالف عليهما بنسبة ماليهما
فلو كان المجموع عشرة لأحدهما درهم واحد وللآخر تسعة دراهم وكان
التالف درهما واحدا أعطي لصاحب الواحد تسعة أعشار الدرهم ولصاحب
331

التسعة ثمانية دراهم وعشر الدرهم، ولو كان التالف في المثال خمسة أعطى
لصاحب الدرهم نصف درهم ولصاحب التسعة أربعة دراهم ونصف وهكذا.
332

كتاب الاقرار
الاقرار هو: (اخبار الشخص عن حق ثابت عليه أو نفي حق له سواء
أكان من حقوق الله تعالى أم من حقوق الناس).
مسألة 1229: لا يعتبر في الاقرار لفظ خاص فيكفي كل لفظ مفهم
له عرفا، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضا.
مسألة 1230: يعتبر في الاقرار الجزم بمعنى عدم اشتمال الكلام
على الشك والترديد، فلو قال أظن أو أحتمل أنك تطلبني كذا لم يكن اقرارا.
مسألة 1231: يعتبر في الاخبار الذي يعد بلحاظ نفسه أو لوازمه اقرار
أن يكون واضحا في مدلوله إما على نحو الصراحة أو الظهور، فلا عبرة
بالكلام المجمل وإن كان اجماله طارئا ناشئا من اقترانه ببعض الخصوصيات
التي تمنع من انعقاد الظهور له عند أهل المحاورة.
مسألة 1232: لا يعتبر في تحقق الاقرار دلالة الكلام عليه بأحد طرق
الدلالة اللفظية (المطابقة والتضمن والالتزام) ولا كونه مقصودا بالإفادة فيؤخذ
المتكلم بلازم كلامه وإن لم ينعقد له ظهور فيه - بعد أن كان ظاهرا في
ملزومه - بل وحتى مع جهل المقر بالملازمة أو غفلته عنها، فإذا نفى الأسباب
الشرعية لانتقال مال إليه واحدا بعد واحد كان ذلك اقرارا منه بعدم مالكيته له
فيلزم به.
مسألة 1233: يعتبر في المقر به أن يكون مما لو كان المقر صادقا في
إخباره لأمكن الزامه به شرعا وذلك بأن يكون المقر به مالا في ذمته أو عينا
خارجية أو عملا أو حقا كحق الخيار والشفعة وحق الاستطراق في ملكه أو
اجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره أو يكون فعلا مستوجبا
333

للحد شرعا كالزنا وشرب الخمر وما شاكل ذلك، وأما إذا أقر بما لا يمكن
الزامه به شرعا فلا أثر له، فإذا أقر بأن عليه لزيد شيئا من ثمن خنزير ونحو
ذلك لم ينفذ اقراره.
مسألة 1234: إنما ينفذ الاقرار بالنسبة إلى المقر ويمضي عليه فيما
يكون ضررا عليه لا فيما يكون ضررا على غيره ولا فيما يكون فيه نفع المقر
إذا لم يصدقه الغير فإذا أقر بزوجية امرأة ولم تصدقه نفذ اقراره بالنسبة إلى
حرمة تزويجه من أمها مثلا لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه.
مسألة 1235: يصح الاقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقر،
وللمقر له أن يلزمه بالتفسير والبيان ورفع الابهام، ويقبل منه ما فسره به ويلزم
به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن
يكون مرادا منه، فلو قال: (لك علي شئ) فله الزامه بالتفسير، فإذا فسره
بأي شئ يصح أن يكون في ذمة المقر للمقر له يقبل منه وإن لم يكن
متمولا كحبة من حنطة ومثلها الخمر والخنزير إذا كان الطرفان ذميين، وأما لو
قال: (لك علي مال) لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به من الأموال وإن كانت
ماليته قليلة لا مثل حفنة من التراب.
مسألة 1236: إذا أقر بنقد أو وزن أو كيل يرجع في تعيينه إلى القرائن
إن وجدت ومع الابهام يرجع إلى تفسيره وتعيينه فإذا اتحد بلد الاقرار والمقر
والمقر له حمل على المتعارف فيه وإن تعدد البلد أو تعدد المتعارف في البلد
الواحد ولم توجد قرينة على التعيين يرجع إلى تفسير المقر.
مسألة 1237: لو أقر بشئ وأنكره المقر له، فإن كان المقر به دينا
على ذمة المقر فلا أثر للاقرار ولا يطالب المقر بشئ، وإن كان عينا خارجية
قيل إن للحاكم انتزاعها من يده ولكن الأظهر عدمه.
هذا بحسب الظاهر وأما بحسب الواقع فعلى المقر بينه وبين الله تفريغ
334

ذمته من الدين وتخليص نفسه من العين بالايصال إلى المالك وإن كان بدسه
في أمواله، ولو رجع المقر له عن انكاره فله الزام المقر بالدفع إليه لو كان باقيا
على اقراره.
مسألة 1238: لو أبهم المقر به وادعى عدم معرفته به حتى يعينه فإن
صدقه المقر له في ذلك وقال أنا أيضا لا أدري فلا محيص عن الصلح إن
أمكن وإلا فالقرعة وإن ادعى المعرفة وعينه فإن صدقه المقر فذاك
وإلا فله أن يطالبه بالبينة، ومع عدمها فله أن يحلفه، وإن نكل أو لم يمكن
احلافه يكون الحال كما لو جهلا معا فلا محيص عن الصلح وإن لم يمكن فالقرعة.
مسألة 1239: كما لا يضر الابهام والجهالة في المقر به لا يضران في
المقر له، فلو قال: (هذه الدار التي بيدي لأحد هذين) يقبل ولهما الزامه
بالتعيين، فمن عينه يقبل ويكون هو المقر له، فإن صدقه الآخر فذاك وإلا
تقع المخاصمة بينه وبين من عينه المقر، ولو ادعى عدم المعرفة وصدقاه في
ذلك سقط عنه لزوم التعيين، ولو ادعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله
بيمينه ما لم يكن مخالفا للظاهر كما مر في نظائره.
مسألة 1240: لو أقر بالمظروف لم يدخل الظرف.
مسألة 1241: لو أقر بالدين المؤجل ثبت المؤجل ولم يستحق المقر
له المطالبة به قبل الأجل، ولو أقر بالمردد بين الأقل والأكثر ثبت الأقل.
مسألة 1242: يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا
ينفذ اقرار الصبي والمجنون والسكران وكذا الهازل والساهي والغافل وكذا
المكره، نعم لا يبعد صحة اقرار الصبي إذا تعلق بما يحق له أن يفعله كبيع
الأشياء اليسيرة كما مر في المسألة (62).
مسألة 1243: السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل ويقبل
فيما عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما، وإن أقر بأمر مشتمل على مال
335

وغيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال وقبل بالنسبة إلى غيره، فيحد إذا
أقر بالسرقة ولا يلزم بأداء المال.
مسألة 1244: لا ينفذ اقرار المفلس فيما يتعلق بماله الذي حجر عليه
وينفذ فيما عداه كدار سكناه وأثاث بيته ونحوهما، وكذا ينفذ اقراره في الدين
سابقا ولاحقا ولكن لا يشارك المقر له الغرماء كما مر في كتاب الحجر.
مسألة 1245: ينفذ اقرار المريض كالصحيح إلا إذا كان في مرض
الموت مع التهمة، فلا ينفذ اقراره فيما زاد على الثلث سواء أقر لوارث أو
أجنبي كما مر في كتاب الحجر.
مسألة 1246: إذا ادعى الصبي البلوغ، فإن ادعاه بالانبات اختبر ولا
يثبت بمجرد دعواه، وكذا إن ادعاه بالسن فإنه يطالب بالبينة، وأما لو ادعاه
بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين
محل اشكال.
مسألة 1247: يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق، فلو
أقر بدين لدابة مثلا لغى، نعم لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو
مدرسة ونحوهما بمال فالظاهر قبوله وصحته، حيث إن المقصود من ذلك في
المتعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو
الموصى به لمصالحها ونحوها.
مسألة 1248: إذا أقر بشئ ثم عقبه بما يضاده وينافيه يؤخذ باقراره
ويلغى ما ينافيه، فلو قال: (له علي عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة)، ولو قال: (له
علي كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار) يلزم بالمال ولا يسمع منه ما
عقبه، وكذا لو قال: (له عندي وديعة وقد هلكت)، فإن اخباره بتلف الوديعة
وهلاكها ينافي قوله: (له عندي) الظاهر في وجودها عنده، نعم لو قال: (كانت له
عندي وديعة وقد هلكت) فهو بحسب الظاهر اقرار بالايداع عنده سابقا ولا
336

تنافي بينه وبين طرو الهلاك عليها، لكن هذا دعوى منه لا بد من فصلها على
الموازين الشرعية.
مسألة 1249: ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقر
به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثنى إن كان
الاستثناء من المنفي. فلو قال له علي عشرة إلا درهما أو هذه الدار التي بيدي
لزيد إلا الغرفة الفلانية كان اقرارا بالتسعة وبالدار ما عدا الغرفة، ولو قال ما
له علي شئ إلا درهم أو ليس له من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان اقرارا
بدرهم والغرفة، هذا إذا كان الاخبار بالاثبات أو النفي متعلقا بحق الغير
عليه، وأما لو كان متعلقا بحقه على الغير كان الأمر بالعكس، فلو قال لي
عليك عشرة إلا درهما أو لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان اقرارا بالنسبة
إلى نفي حقه عن الدرهم الزائد على التسعة ونفي ملكية الغرفة، فلو ادعى
بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتى الغرفة لم يسمع منه، ولو
قال ليس لي عليك إلا درهم أو ليس لي من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان
اقرارا منه بنفي استحقاق ما عدا الدرهم وما عدا الغرفة.
مسألة 1250: لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر - كما إذا
قال هذه الدار لزيد ثم قال بل لعمرو - حكم بكونها للأول وأعطيت له واغرم
للثاني قيمتها.
مسألة 1251: لو ادعى البائع إن اقراره بقبض الثمن كان موطأة
للاشهاد عليه عند الحاكم لغرض تصديقه وثيقة البيع مثلا وأنه لم يقبض
الثمن في الواقع كان عليه إقامة البينة على دعواه أو احلاف المشتري على
اقباض الثمن.
مسألة 1252: إذا أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك نفذ اقراره مع
احتمال صدقه فيما عليه من وجوب انفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث
337

ونحو ذلك، وأما بالنسبة إلى غير ذلك مما عليه من الأحكام ففيه تفصيل،
فإن كان الاقرار بالولد فيثبت النسب باقراره مع احتمال صدقه عادة وشرعا
وعدم المنازع إذا كان الولد صغيرا وكان تحت يده، ولا يشترط فيه تصديق
الصغير، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ويثبت بذلك النسب بينهما وكذا
بين أولادهما وسائر الطبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة الاحتياط، وأما
في غير الولد الصغير فلا أثر للاقرار إلا مع تصديق الآخر فإن لم يصدقه الآخر
لم يثبت النسب وإن صدقه - ولا وارث غيرهما - توارثا، وفي ثبوت التوارث مع
الوارث الآخر إن لم يكن مقرا إشكال والاحتياط أيضا فيما لو أقر بولد أو غيره ثم نفاه
بعد ذلك.
مسألة 1253: لو أقر الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه ولو كان
مساويا دفع بنسبة نصيبه من الأصل، ولو أقر باثنين دفعة فتناكرا لم يلتفت إلى
تناكرهما فيعمل بالاقرار، ولكن تبقى الدعوى قائمة بينهما، ولو أقر بأولى منه
في الميراث ثم أقر بأولى من المقر له أولا كما إذا أقر العم بالأخ ثم أقر بالولد
فإن صدقه المقر له أولا دفع إلى الثاني وإلا فإلى الأولى ويغرم الثاني.
مسألة 1254: لو أقر الولد بآخر ثم أقر بثالث وأنكر الثالث الثاني كان
للثالث النصف وللثاني السدس، ولو كانا معلومي النسب لم يلتفت إلى
انكاره فيكون المال بينهم أثلاثا.
مسألة 1255: إذا كان للميت ولدان وأقر أحدهما له بثالث وأنكر
الآخر لم يثبت نسب المقر به فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقر
الثلث، حيث إن هذا نصيبه بمقتضى إقراره ويأخذ المقر به السدس، وهو
تكملة نصيب المقر وقد تنقص بسبب إقراره.
مسألة 1256: إذا كانت للميت زوجة وإخوة مثلا وأقرت الزوجة بولد
338

له فإن صدقتها الإخوة كان ثمن التركة للزوجة والباقي للولد، وإن لم تصدقها
أخذت الإخوة ثلاثة أرباع التركة وأخذت الزوجة ثمنها والباقي وهو الثمن
للمقر له.
مسألة 1257: إذا مات صبي مجهول النسب فأقر انسان ببنوته قيل
ثبت بذلك نسبه ويكون ميراثه للمقر إذا كان له مال ولكنه محل اشكال.
مسألة 1258: يثبت النسب بشهادة عدلين ولا يثبت بشهادة رجل
وامرأتين ولا بشهادة رجل ويمين.
مسألة 1259: لو شهد الإخوان بابن للميت وكانا عدلين كان أولى
منهما ويثبت النسب، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب ويثبت الميراث إذا لم
يكن لهما ثالث وإلا كان إقرارهما نافذا في حقهما دون غيرهما.
مسألة 1260: لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت أو بشئ من
ماله للغير كان مقبولا لأنه كاقرار الميت، ولو أقر بعضهم، وأنكر البعض فإن
أقر اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميت، وكذا العين للمقر له
بشهادتهما، وإن لم يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ إقرار المقر في حق
نفسه خاصة، ويؤخذ منه للدين الذي أقر به مثلا بنسبة نصيبه من التركة،
فإذا كانت التركة مائة ونصيب كل من الوارثين خمسين فأقر أحدهما لأجنبي
بخمسين وكذبه الآخر أخذ المقر له من نصيب المقر خمسة وعشرين، وكذا
الحال فيما إذا أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى لأجنبي بشئ وأنكر
البعض.
339

كتاب الوكالة
الوكالة هي: (تسليط الغير على معاملة من عقد أو ايقاع أو ما هو من
شؤونهما كالقبض والاقباض)، وتفترق عن الإذن المجرد - الذي هو انشاء
الترخيص للغير في القيام بعمل تكويني كالأكل أو اعتباري كالبيع - في جملة
أمور: منها: توقف الوكالة على القبول وعدم توقف الإذن عليه.
ومنها: انفساخ الوكالة بفسخ الوكيل وعدم ارتفاع الإذن برفضه من قبل
المأذون له.
ومنها: نفوذ تصرف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين
صدوره منه، لم يبلغه العزل وعدم نفوذ تصرف المأذون له إذا ثبت رجوع
الإذن عن إذنه قبل وقوعه
وتختلف الوكالة عن النيابة - التي هي الاتيان بالعمل الخارجي المعنون
بعنوان اعتباري قصدي الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلا عنه - في جملة أمور:
منها: أن العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكل ويعد
عملا له فيقال باع زيد داره وإن كان المباشر للبيع وكيله، وأما العمل الصادر
من النائب كالصلاة والحج فلا يعد عملا للمنوب عنه ولا ينسب إليه فلا يقال
حج زيد لو كان الحاج نائبه.
ومنها: أن النيابة على قسمين: ما تكون عن استنابة وما تكون تبرعية،
وأما الوكالة فلا تقع على وجه التبرع.
مسألة 1261: الوكالة من العقود فلا بد فيها من الايجاب والقبول
340

بكل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل، فلو دفع ماله إلى شخص ليبيعه وقبضه
الوكيل بهذا العنوان صحت الوكالة.
مسألة 1262: يصح التوكيل بالكتابة، فإذا قبل الوكيل صحت الوكالة
وإن كان الوكيل في بلد آخر وتأخر وصول الكتاب إليه.
مسألة 1263: لا يعتبر التنجيز في الوكالة على الأظهر، فيجوز
تعليقها على شئ كأن يقول مثلا إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي
في أمر كذا، وأما تعليق متعلق الوكالة والتصرف الذي سلطه عليه فلا اشكال
فيه أصلا كما لو قال أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكلتك في
شراء كذا في وقت كذا.
مسألة 1264: يعتبر في الموكل والوكيل: العقل والقصد والاختيار،
ويعتبر في الموكل البلوغ أيضا إلا فيما تصح مباشرته من الصبي المميز، ولا
يعتبر البلوغ في الوكيل فيصح أن يكون الصبي المميز وكيلا ولو بدون إذن
وليه.
مسألة 1265: يعتبر في الموكل كونه جائز التصرف فيما وكل فيه فلا
يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه دون غيره
كالطلاق ونحوه، كما يعتبر في الوكيل كونه متمكنا عقلا وشرعا من مباشرة ما
وكل فيه فلا يجوز وكالة المحرم فيما يحرم عليه كابتياع الصيد وقبضه وايقاع
عقد النكاح.
ويعتبر فيما وكل فيه أن يكون في نفسه أمرا سائغا شرعا فلا تصح
الوكالة في المعاملات الفاسدة كالبيع الربوي وبيع الوقف من دون مسوغ له
والطلاق الفاقد للشرائط الشرعية ونحو ذلك.
مسألة 1266: لا يشترط في الوكيل الاسلام، فتصح وكالة الكافر بل
والمرتد وإن كان عن فطرة عن المسلم والكافر، نعم في وكالته على المسلم
في استيفاء حق منه أو مخاصمة معه اشكال ولا يبعد جوازها أيضا.
341

مسألة 1267: تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما
ممن لا حجر عليه لاختصاص ممنوعيتها بالتصرف في أموالهما.
مسألة 1268: الظاهر أنه لا يشترط في الموكل أن يكون حال التوكيل
مالكا للتصرف في العمل الموكل فيه، فيجوز للشخص أن يوكل غيره فيما لا
يتمكن شرعا أو عقلا من ايقاعه إلا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل
كطلاق امرأة سيتزوجها أو بيع دار سيشتريها أو أداء دين سيستدينه ونحو
ذلك، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون الوكالة شاملة لما تمكن منه
حين الوكالة بأن يوكله في ايقاع الموقوف عليه ثم ما يتوقف عليه كأن يوكله
في تزويج امرأة ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه ونحو ذلك، وبين أن تكون
مختصة بالموقوف سواء أكان الموقوف عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدة
أو قابلا له كالزواج والشراء في المثالين المتقدمين.
مسألة 1269: لا تصح الوكالة فيما يعتبر ايقاعه مباشرة، ويعرف ذلك
ببناء العرف والرجوع إلى مرتكزات المتشرعة، ومنه اليمين ولا سيما إذا كانت
في مقام فصل الخصومة، ولا يبعد أن يكون منه أيضا النذر والعهد واللعان
والايلاء والظهار والشهادة والاقرار.
مسألة 1270: إذا وكل غيره في ارجاع مطلقته الرجعية إليه قيل: إن
ذلك بنفسه رجوع إليها، ولو وكله في الاقرار عليه لزيد مثلا بمال قبل أنه يعد
بنفسه اقرارا منه لزيد به، ولكنهما محل اشكال أو منع.
مسألة 1271: يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح
والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض
والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح ايجابا وقبولا في
الجميع، وكذا في الوصية والوقف وفي الطلاق والابراء والأخذ بالشفعة
واسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار واسقاطه.
342

مسألة 1272: يصح التوكيل - كما تقدم - في القبض والاقباض،
سواء في موارد لزومهما كما في القرض بالنسبة لمتعلقه والصرف بالنسبة إلى
العوضين والسلم بالنسبة إلى الثمن وفي موارد عدم لزومهما كما إذا باع داره
من زيد ووكل عمرا في قبض الثمن فإن قبض الوكيل في جميع هذه الموارد
بمنزلة قبض الموكل وكذلك الحال في الاقباض، ولا يعتبر في صحة التوكيل
حينئذ قدرة الموكل على القبض خارجا فيجوز للبائع غير القادر على أخذ
الثمن من المشتري أن يوكل من يقدر على أخذه منه فيكون أخذه بمنزلة أخذ الموكل.
مسألة 1273: يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا،
بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها، أو بأن توكل الغير عن
الزوج أو عن نفسها.
مسألة 1274: يشترط في الموكل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولا
أو مبهما، فلو قال: (وكلتك) من غير تعيين (أو في أمر من الأمور) (أو في شئ
مما يتعلق بي) ونحو ذلك لم يصح، نعم لا بأس بالتعميم أو الاطلاق ولو كان
بدليا كما سيأتي.
مسألة 1275: الوكالة: إما خاصة، وإما عامة، وإما مطلقة:
فالأولى ما تعلقت بتصرف معين في مورد معين، كما إذا وكله في شراء
كتاب شخصي معين، وهذا مما لا اشكال في صحته.
وأما الثانية فإما عامة من جهة التصرف وخاصة من جهة متعلقه، كما
إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة المشروعة في داره المعينة من بيعها
وهبتها وإجارتها وغيرها، وإما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه،
وإما عامة في كلتا الجهتين، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة
المشروعة في جميع ما يملكه أو في ايقاع جميع ما يحق له بحيث يشمل
343

التزويج له وطلاق زوجته.
وأما الثالثة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقة، كما
إذا وكله في أن يبيع داره المعينة بيعا لازما أو خياريا أو يرهنها أو يؤجرها
أو نحو ذلك وأوكل التعيين إلى نظره، وقد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى بيع
أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابه أو غيرها فوكل شخصا في أن يبيع أحدها
وفوض الأمر في تعيينه بنظره ومصلحته، وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين،
كما إذا وكله في ايقاع أحد العقود المعاوضية من البيع أو الصلح والإجارة مثلا
على أحد أملاكه من داره أو دكانه أو مخزنه مثلا وأوكل التعيين من الجهتين
إلى نظره، والظاهر صحة الجميع.
مسألة 1276: الوكيل في معاملة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون وكيلا في مجرد اجراء العقد.
الثاني: أن يكون وكيلا مفوضا إليه أمر المعاملة وما يتبعها كعامل
المضاربة، والظاهر أنه حينئذ يحكم المالك المباشر للعقد، فيرجع عليه
البائع بالثمن ويدفع إليه المبيع ويرجع عليه المشتري بالمثمن، ويدفع إليه
الثمن ويثبت له الخيار، عند تحقق موجبه ولو ثبت الخيار للطرف الآخر لعيب
أو غيره رد عليه العين وأخذ منه العوض.
الثالث: أن يكون وكيلا مفوضا في المعاملة فقط دون ما يتبعها،
والحال فيه كما في سابقه إلا فيما إذا ثبت الخيار للطرف الآخر فإنه إذا فسخ
رجع إلى المالك في الرد والاسترداد لا إلى الوكيل.
مسألة 1277: يقتصر الوكيل في التصرف على ما شمله عقد الوكالة
صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية، ولو كانت هي العادة
الجارية على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا، كما لو أعطى المال
بيده ووكله في بيعه أو الشراء به فإنه بشمل تسليم البيع حال قبض الثمن في
البيع وتسليم الثمن حال قبض المثمن في الشراء دون إعمال الخيار بعيب أو
غبن أو غير هما إلا إذا شهدت قرائن الأحوال على أنه قد وكله فيه أيضا.
344

مسألة 1278: الاطلاق في الوكالة في البيع يقتضي البيع حالا بثمن
المثل بنقد البلد وفي الشراء يقتضي ابتياع الصحيح والرد بالعيب.
مسألة 1279: إذا خالف الوكيل عما عين له وأتى بالعمل على نحو
لم يشمله عقد الوكالة، فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت
صحته على إجازة الموكل وإلا بطل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف
بالمباينة، كما إذا وكله في بيع داره فأجرها، أو ببعض الخصوصيات كما إذا
وكله في أن يبيع نقدا فباع نسيئة أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو
بالعكس، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا، وليس منه ما لو علم
شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضا كما إذا وكله في أن يبيع السلعة بدينار
فباعها بدينارين إذا كان الظاهر منه عرفا أن تحديد الثمن بدينار إنما هو من طرف
النقيصة فقط لا من طرف النقيصة والزيادة معا فكأنه قال إن بعها بما لا يقل
عن دينار، نعم لو لم يكن كذلك بأن احتمل أن يكون مقصوده التحديد به
زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضوليا يحتاج إلى الإجازة،
ومن هذا القبيل ما إذا وكله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معين
فباعها في غيرها بذلك الثمن، فإنه ربما يفهم عرفا أنه ليس الغرض إلا
تحصيل الثمن المحدد، فيكون ذكر السوق المخصوص من جهة أنه أحد
الأفراد التي يحصل فيها الغرض، وربما يحصل الاجمال عرفا ويحتمل - احتمالا
معتدا به - تعلق غرضه بخصوص السوق التي ذكرها فلا يجوز التعدي عنه.
مسألة 1280: يجوز للولي كالأب والجد من جهته للصغير أن يوكل
غيره فيما يتعلق بالمولى عليه مما له الولاية فيه.
مسألة 1281: لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في ايقاع ما وكل فيه لا
عن نفسه ولا عن الموكل إلا بإذن الموكل، ويجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن
345

عين الموكل في إذنه أحدهما أو الجامع بينهما صريحا بأن قال مثلا (وكل
غيرك عني أو عنك) فهو المتبع، وكذا لو لم يصرح بالتعين ولكنه فهم من
كلامه لقرينة حالية أو مقالية، وأما مع الاجمال والابهام فيتوقف على التفسير
والتعيين لاحقا.
مسألة 1282: لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل كان في عرض
لوكيل الأول، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأول يبقى
الثاني على وكالته وأما لو كان وكيلا عن الوكيل كان له أن يعزله وكانت وكالته
تبعا لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته. وهل للموكل أن يعزله حينئذ من دون أن
يعزل الوكيل الأول؟ الظاهر أن له ذلك.
مسألة 1283: يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد،
فإن فهم من كلام الموكل إرادته انفرادهما فيه جاز لكل منهما الاستقلال في
التصرف من دون مراجعة الآخر، وإلا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة
صاحبه أو عجزه سواء صرح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلا:
(وكلتكما) أو (أنتما وكيلاي) ونحو ذلك، ولو مات أحدهما بطلت وكالة
الجميع مع شرط الاجتماع أو الاطلاق المنزل منزلته وبقي وكالة الباقي فيما
لو فهم منه إرادة الانفراد.
مسألة 1284: الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه
مع حضور الموكل وغيبته، وكذا للموكل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط
ببلوغه إياه، فلو أنشأ عزله ولكن لم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى
أمرا قبل أن يبلغه العزل بطريق معتبر شرعا كان ماضيا نافذا.
مسألة 1285: تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل وكذا بجنون
أحدهما أو اغمائه إن كان مطبقا، وأما إن كان أدواريا فبطلانها في زمان
الجنون أو الاغماء - فضلا عما بعده - محل اشكال، وتبطل الوكالة أيضا
346

بتلف موردها كالحيوان الذي وكل في بيعه وبفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة
كما لو وكله في بيع سلعة ثم باعها وبفعل ما ينافيه كما لو وكله في بيع
دار ثم أوقفه.
مسألة 1286: إذا عرض الحجر على الموكل فيما وكل فيه كان ذلك
موجبا لعدم صحة تصرف الوكيل ما دام الموكل محجورا عليه ولكن في كونه
مبطلا للوكالة بحيث لا يصح تصرفه بعد زوال الحجر أيضا اشكال بل منع.
مسألة 1287: يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة، فيجوز لكل من
المدعي والمدعى عليه أن يوكل شخصا عن نفسه، بل يكره لذوي المروات
أن يتولوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصا إذا كان الطرف بذئ اللسان
ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
مسألة 1288: يجوز للحاكم التوكيل لمن له الولاية عليه من سفيه أو
غيره إذا حصل بينه وبين غيره منازعة استدعت المرافعة عند الحاكم فيتخذ
له وكيلا ليدافع عن حقه أمامه.
مسألة 1289: الوكيل في المرافعة إن كان وكيلا عن المدعي كانت
وظيفته بت الدعوى على المدعي عليه عند الحاكم وإقامة البينة وتعديلها
وطلب تحليف المنكر والحكم على الخصم والقضاء عليه، وبالجملة كل ما
يقع وسيلة إلى الاثبات، وأما الوكيل عن المدعى عليه فوظيفته الانكار
والطعن على الشهود وإقامة بينة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم
بها، وبالجملة عليه السعي في الدفع ما أمكن.
مسألة 1290: لو ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله
ومدافعته عنه الأداء أو الابراء انقلب مدعيا وصارت وظيفة وكيله إقامة البينة
على هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم، وصارت وظيفة وكيل
خصمه الانكار والطعن في الشهود وغير ذلك.
347

مسألة 1291: لا يقبل اقرار الوكيل في الخصومة على موكله، فإذا أقر
وكيل المدعي بالقبض أو الابراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأن الحق
مؤجل أو أن الشهود فسقة أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل
وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقر في مجلس الحكم أو في غيره، لكن
ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة لأنه بعد الاقرار ظالم في الخصومة
بزعمه.
مسألة 1292: الوكيل في المرافعة لا يملك الصلح عن الحق ولا
الابراء منه إلا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا.
مسألة 1293: يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا في المرافعة كسائر
الأمور، فإن لم يفهم من كلامه استقلال كل واحد منهما فيها لم يستقل بها
أحدهما، بل يتشاوران ويعضد كل واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوض
إليهما.
مسألة 1294: إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته
واستيفاء حقوقه مطلقا أو في خصومة شخصية ثم قدم الوكيل خصما لموكله
ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادعى عند الحاكم أنه
وكيل في الدعوى وأقام البينة عنده على وكالته، وأما إذا ادعى الوكالة من دون
بينة عليها فإن لم يحضر خصما عنده أو أحضر ولم يصدقه في وكالته لم
يسمع دعواه، وأما إذ صدقه فيها فالظاهر أن يسمع دعواه لكن لم يثبت بذلك
وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقية
المدعي يلزم المدعى عليه بالحق، وأما إذا قضت بحقية المدعى عليه
فالمدعي على حجته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها.
مسألة 1295: إذا وكله في الدعوى وتثبيت حقه على خصمه وثبته لم
يكن له قبض الحق فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى
الوكيل.
348

مسألة 1296: لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه
الحق لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحق عليه ما لم يكن
وكيلا في الخصومة.
مسألة 1297: يجوز جعل جعل للوكيل ولكنه إنما يستحق الجعل
بتسليم العمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له جعلا كان
للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد اتمام المعاملة وإن لم يتسلم الموكل الثمن
أو المثمن، وكذا لو وكله في المرافعة وتثبيت حقه استحق الجعل بمجرد
اتمام المرافعة وثبوت الحق وإن لم يتسلمه الموكل.
مسألة 1298: لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء
بطلت الوكالة ولم يكن له مطالبة وارثه، نعم له كانت الوكالة شاملة لأخذ
الدين ولو من الورثة لم تبطل الوكالة وكان حينئذ للوكيل مطالبة الورثة بذلك.
مسألة 1299: لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة
فقال زيد للوكيل خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها
صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما
لم يقبضها صاحب الدين ولو بوكيله أو وليه، فلزيد استردادها ما دامت في
يد الوكيل، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله، ولو قال خذها عن الدين الذي
تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضا للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد.
مسألة 1300: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما دفعه إليه الموكل لا يضمنه
إلا مع التعدي أو التفريط، فلو تلف اتفاقا من دون أن يقصر في حفظه أو
يتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل فيه لم يكن عليه شئ، وأما لو قصر في
حفظه أو تعدى وتصرف فيه بغير ما أجازه الموكل وتلف ضمنه، فلو لبس
349

الثوب الذي وكل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه، وأما لو رجع عن تعديه
ثم تلف فالظاهر برائته عن الضمان.
مسألة 1301: لو تصرف الوكيل في المال الذي دفعه الموكل إليه بغير
ما أجازه لم تبطل وكالته، فيصح منه الاتيان بما هو وكيل فيه توكل في
بيع ثوب فلبسه ثم باعه صح البيع.
مسألة 1302: يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل أو
وكيله مع القدرة والمطالبة، فلو تخلف عنه كان ضامنا.
مسألة 1303: لو وكله في ايداع مال فأودعه بلا اشهاد فجحد الودعي
لم يضمنه الوكيل إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الاشهاد - ولو لانصراف
اطلاقه إليه - فأودع بلا اشهاد، وكذا الحال فيما لو وكله في قضاء دينه فأداه
بلا اشهاد وأنكر الدائن.
مسألة 1304: إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرح بكون
البيع أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا اشكال، وإن أطلق وقال أنت
وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فالظاهر أنه يعم
نفس الوكيل فيجوز له أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه
إلا مع انصراف الاطلاق إلى غيره.
مسألة 1305: لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلا بشاهدين عدلين.
مسألة 1306: لو زوجه فأنكر الموكل الوكالة حلف وعلى الوكيل
نصف المهر لها وعلى الموكل إن كان كاذبا في إنكاره الزوجية طلاقها، ولو
لم يفعل وقد علمت الزوجة بكذبة رفعت أمرها إلى الحاكم ليطلقها.
مسألة 1307: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها بيمينه، ولو
اختلفا في التلف أو في تقصير الوكيل أو في العزل أو العلم به أو في التصرف فالقول
قول الوكيل بيمينه، وإذا ادعى الوكيل الإذن في البيع بثمن معين وأنكره
350

الموكل فالقول قوله بيمينه فإن وجدت العين استعيدت وإن فقدت أو تعذرت
فالمثل، أو القيمة إن لم تكن مثلية.
مسألة 1308: إذا اختلفا في رد المال إلى الموكل فالقول قول الموكل
بيمينه، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصي والموصي له في دفع المال
الموصى به إليه، أو اختلف الأولياء - حتى الأب والجد - مع المولى عليه بعد
زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك،
نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الانفاق عليهم أو على ما يتعلق
بهم في زمان ولايتهم كان القول قول الأولياء بيمينهم.
مسألة 1309: قبول قول الوكيل أو غيره مع اليمين في الموارد
المتقدمة منوط بعدم كونه مخالفا للظاهر، مثلا لو ادعى الوكيل تلف ما دفعه
إليه الموكل بحريق أصابه وحده وقد كان بين أمواله لم يقبل قوله إلا بالبينة.
351

كتاب
الهبة هي: (تملك عين من دون عوض عنها) ويعبر عن بعض أقسامها
بالعطية والجائزة والصدقة.
مسألة 1310: الهبة عقد يتوقف على ايجاب وقبول، ويكفي في
الايجاب كل ما دل على التمليك المذكور من لفظ أو فعل أو إشارة ولا يعتبر
فيه صيغة خاصة ولا العربية ويكفي في القبول كل ما دل على الرضا
بالايجاب من لفظ أو فعل أو نحو ذلك.
مسألة 1311: يعتبر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار
وعدم الحجر عليه من التصرف في الموهوب لسفه أو فلس، وتصح الهبة من
المريض بمرض الموت على تفصيل تقدم في كتاب الحجر.
مسألة 1312: يعتبر في الموهوب له قابليته لتملك الموهوب شرعا فلا
تصح هبة الخنزير للمسلم ولو من قبل الكافر، ولا يعتبر فيه البلوغ والعقل
والقصد والاختيار إلا إذا كان هو القابل بنفسه أو بوكيله دون ما إذا كان القابل
وليه.
مسألة 1313: يعتبر في الموهوب أن يكون عينا فلا تصح هبة
المنافع، وأما الدين فتصح هبته لغير من هو عليه ويكون قبضه بقبض
مصداقه، وأما هبته لمن هو عليه بقصد اسقاطه فهو ابراء ولا يحتاج إلى
القبول.
مسألة 1314: يشترط في صحة الهبة القبض ولا بد فيه من إذن
الواهب إلا أن يهب ما في يده فلا حاجة حينئذ إلى قبض جديد وإن كان
الأحوط لزوما اعتبار الإذن في القبض بقاء.
352

مسألة 1315: للأب والجد من جهته ولاية القبول والقبض عن
الصغير والمجنون إذا بلغ مجنونا، أما لو جن بعد البلوغ ففي كون
ولاية القبول والقبض لهما أو للحاكم الشرعي اشكال فلا يترك الاحتياط
بتوافقهما معا، ولو وهب الولي أحدهما وكانت العين الموهوبة بيد الولي لم
يحتج إلى قبض جديد.
مسألة 1316: يتحقق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء
الموهوب له على الموهوب وصيرورته تحت يده وسلطانه، والظاهر اختلاف
صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.
مسألة 1317: تصح هبة المشاع ويمكن قبضه ولو بقبض المجموع
بإذن الشريك أو بتوكيل الموهوب له إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل
الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء الموهوب
له عليه من دون إذن الشريك أيضا وترتب الأثر عليه وإن فرض كونه تعديا
بالنسبة إليه.
مسألة 1318: لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد
فيجوز فيه التراخي عن العقد بزمان كثير، ومتى تحقق القبض صحت الهبة
من حينه فإذا كان للموهوب نماء سابق على القبض قد حصل بعد الهبة كان
للواهب دون الموهوب له.
مسألة 1319: لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد
وانفسخ، وانتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الاقباض. فيحتاج
إلى ايقاع هبة جديدة بينهم وبين الموهوب له، كما أنه لو مات الموهوب له
لا يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم.
مسألة 1320: إذا تمت الهبة بحصول القبض فإن كانت لذي رحم
353

أبا كان أو أما أو ولدا أو غيرهم لم يكن للواهب الرجوع في هبته، كما لا يحق
له الرجوع فيها بعد التلف أو مع التعويض عنها ولو بشئ يسير، من غير فرق
بين ما كان دفع العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره بأن أطلق في العقد
لكن الموهوب له أثاب الواهب وأعطاه العوض، وكذا لا يحق له الرجوع فيها
لو قصد بهبته القربة وأراد بها وجه الله تعالى.
مسألة 1321: في الحاق الزوج أو الزوجة بذي الرحم في لزوم الهبة
اشكال والأقرب عدمه وإن كان الأحوط عدم الرجوع فيها ولو قبل القبض.
مسألة 1322: يلحق بالتلف في عدم جواز الرجوع في الهبة التصرف
الناقل كالبيع والهبة والتصرف المغير للعين بحيث لا يصدق معه كون
الموهوب قائما بعينه كطحن الحنطة وخبز الدقيق وصبغ القماش أو تقطيعه
وخياطته ثوبا ونحو ذلك، وأما التصرف غير المغير كلبس الثوب وفرش
السجادة وركوب الدابة وأمثال ذلك فلا يمنع من الرجوع، ومن الأول
الامتزاج الموجب للشركة كما أن من الثاني قصارة الثوب.
مسألة 1323: فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل
والبعض فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما،
بل لو وهب شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو معينا مفروزا.
مسألة 1324: الهبة إما معوضة أو غير معوضة، والمراد بالأولى ما
شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض وما عوض عنها وإن لم يشترط
فيها العوض.
مسألة 1325: إذا وهب وأطلق لم يلزم على الموهوب له اعطاء
الثواب والعوض، سواء أكانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي
للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى اعطاؤه، ولو أعطى
العوض لم يجب على الواهب قبوله، وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له
الرجوع فيما وهبه ولم يكن للموهوب له أيضا الرجوع فيما أعطاه.
354

مسألة 1326: إذا شرط الواهب في هبته على الموهوب له أن يعوضه
عليها كأن يهبه شيئا مكافاة لهبته ووقع منه القبول على ما اشترط وكذا القبض
للموهوب وجب عليه العمل بالشرط، فإذا تعذر أو امتنع من العمل به جاز
للواهب الرجوع في الهبة ولو لم يكن الموهوب قائما بعينه، بل الظاهر جواز
الرجوع في الهبة المشروطة قبل العمل بالشرط أيضا، نعم إذا كان تدريجيا
وشرع فيه الموهوب له لم يكن للواهب الرجوع إلا مع عدم الاكمال في المدة
المضروبة أو المتعارفة.
مسألة 1327: لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين
ويلزم على الموهوب له بذل ما عين، ولو أطلق - بأن شرط عليه أن يعوض
ولم يعين العوض - فإن اتفقا على شئ فذاك، وإلا فالأحوط أن يعوض
بالمساوي من مثل أو قيمة إلا إذا كانت قرينة من عادة أو غيرها على الاجتزاء
باليسير.
مسألة 1328: لا يعتبر في الهبة المعوضة سواء أكان التعويض وفاء
بالشرط أم تبرعا أن يكون العوض هبة المرهوب له عينا للواهب بل يجوز أن
يكون غيرها من العقود أو الايقاعات كبيع شئ على الواهب بأقل من قيمته
السوقية مثلا أو ابراء ذمته من دين له عليه ونحو ذلك، بل يجوز أن يكون عملا
خارجيا - ولو في العين الموهوبة - يتعلق به غرض الواجب كأن يشترط على
الموهوب له أن يبني في الأرض الموهوبة مدرسة أو مسجدا أو غيرهما.
مسألة 1329: لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع وكان
للموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض كالولد كان من مال
الموهوب له ولا يرجع إلى الواهب، وإن كان النماء متصلا فإن كان غير قابل
للانفصال كالسمن والطول فهو تابع للعين فيرجع الواهب إلى العين كما هي
355

إلا إذا كان النماء كثيرا كما سيأتي، وإن كان قابلا للانفصال كالصوف
والثمرة ونحوهما ففي التبعية اشكال والأظهر عدمها وإن الزيادة للموهوب له
بعد رجوع الواهب أيضا.
مسألة 1330: إذا كان النماء المتصل غير القابل للانفصال بحيث لا
يصدق معه كون الموهوب قائما بعينه، كما لو وهبه فرخا في أول خروجه من
البيضة فصار دجاجا لم يكن للواهب الرجوع.
مسألة 1331: لو مات الواهب بعد اقباض الموهوب لزمت الهبة وإن
كانت لأجنبي ولم تكن معوضة وليس لورثته الرجوع، وكذلك لو مات
الموهوب له، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما.
مسألة 1332: لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة
بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة يقع البيع فضوليا، فإن أجاز
الموهوب له صح وإلا بطل، وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه
من الواهب وكان رجوعا في الهبة، هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، وأما لو كان
ناسيا أو غافلا وذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا اشكال فلا يترك الاحتياط.
مسألة 1333: الرجوع إما بالقول، كأن يقول: (رجعت) وما يفيد
معناه، وإما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد الموهوب له بقصد
الرجوع، ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إذا كان ذلك بقصد الرجوع.
مسألة 1334: لا يشترط في الرجوع اطلاع الموهوب له، فلو أنشأ
الرجوع من غير علمه صح.
مسألة 1335: يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيدا
بصلتهم ونهى شديدا عن قطيعتهم، فعن الباقر عليه السلام: (في كتاب علي
عليه السلام: ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن: البغي،
وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة
356

الرحم، وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون، وإن
اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها) وخصوصا
الوالدين الذين أمر الله تعالى ببرهما، فعن الصادق عليه السلام: (إن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وآله وقال: أوصني قال: لا تشرك بالله شيئا وإن أحرقت
بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيين
كان أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من
الايمان).
ولا سيما الأم التي يتأكد برها وصلتها أزيد من الأب فعن الصادق عليه
السلام: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله من أبر؟
قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟
قال: أباك).
مسألة 1336: يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على
كراهية، وربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى
الفساد، كما أنه ربما يفضل التفضيل فيما إذا أمن من الفساد وكان لبعضهم
خصوصية موجبة لأولوية رعايته.
357

كتاب الوصية وهي قسمان:
1 - الوصية التمليكية: وهي أن يجعل الشخص شيئا مما له من مال
أو حق لغيره بعد وفاته، كان يجعل شيئا من تركته لزيد أو للفقراء بعد مماته.
فهي وصية بالملك أو الاختصاص.
2 - الوصية العهدية: وهي أن يعهد الشخص بتولي أحد بعد وفاته أمرا
يتعلق به أو بغيره كدفنه في مكان معين أو في زمان معين أو تمليك شئ من
ماله لأحد أو وقفه أو بيعه، أو الاستنابة عنه في صلاة أو صوم أو حج أو
القيمومة على صغاره ونحو ذلك، فهي وصية بالتولية.
مسألة 1337: تتضيق الواجبات الموسعة إذا لم يطمئن المكلف
بالتمكن من الامتثال مع التأخير كقضاء الصلاة والصيام وأداء الكفارات
والنذور ونحوها من الواجبات البدنية وغيرها فتجب المبادرة إلى أدائها.
وإن ضاق الوقت عن أدائها فإن كان له مال لزمه الاستيثاق من أدائها
عنه بعد وفاته ولو بالوصية به، وإن لم يكن له مال واحتمل - احتمالا معتدا به -
أن يؤديها شخص آخر عنه تبرعا وجبت عليه الوصية به أيضا، وربما يغني
الاخبار عن الوصية كما لو كان له من يطمئن بأدائه لما وجب عليه كالولد
الأكبر فيكفي حينئذ اخباره بما عليه من الواجبات.
وأما أمانات الناس من الوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها مما
يكون تحت يده فإن أمكنه ايصاله إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو اعلامه بذلك
تعين عليه ذلك على الأحوط، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من وصوله إلى
358

صاحبه بعد وفاته ولو بالايصاء به والاستشهاد على ذلك واعلام الوصي
والشاهد باسم صاحبه وخصوصياته ومحله.
وأما ديون الناس فإن كان له تركة لزمه الاستيثاق من وصولها إلى
أصحابها بعد مماته ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها، هذا في الديون التي
لم يحل أجلها بعد أو حل ولم يطالبه بها الديان أو حل وطالبوا ولم يكن قادرا
على وفائها، وإلا فتجب المبادرة إلى وفائها فورا وإن لم يخف الموت.
وأما الحقوق الشرعية مثل الزكاة والخمس والمظالم فإن كان متمكنا
من أدائها فعلا وجبت المبادرة إليه ولا يجوز التأخير وإن علم ببقائه حيا، وإن
عجز عن الأداء وكانت له تركة وجب عليه الاستيثاق من أدائها بعد وفاته ولو
بالوصية به إلى ثقة مأمون، وإن لم يكن له تركة واحتمل أن يؤدي ما عليه بعض
المؤمنين تبرعا واحسانا وجبت الوصية به أيضا ونحوه في ديون الناس إذا لم
يكن له تركة.
مسألة 1338: يكفي في تحقق الوصية كل ما دل عليها من لفظ
- صريح أو غير صريح - أو فعل وإن كان كتابة أو إشارة، بلا فرق فيه بين
صورتي الاختيار وعدمه، بل يكفي وجود مكتوب بخطه أو بامضائه بحيث
يظهر من قرائن الأحوال إرادة العمل به بعد موته.
مسألة 1339: إذا قيل للشخص هل أوصيت؟ فقال: لا، فقامت
البينة على أنه قد أوصى، كان العمل على البينة ولم يعتد بخبره، نعم إذا
كان قد قصد من انكاره انشاء العدول عن الوصية صح العدول منه.
وكذا الحكم لو قال: نعم، وقامت البينة على عدم الوصية منه فإنه إن
قصد الاخبار كان العمل على البينة، وإن قصد انشاء الوصية صح الانشاء
وتحققت الوصية.
مسألة 1340: الوصية التمليكية لها أركان ثلاثة: الموصي،
359

والموصى به، والموصى له، وأما الوصية العهدية فيكون قوامها بأمرين:
الموصي، والموصى به، نعم إذا عين الموصي شخصا لتنفيذها كانت
أطرافها ثلاثة بإضافة الموصى إليه وهو الذي يطلق عليه الوصي، وإذا كان
الموصى به أمرا متعلقا بالغير كتمليك مال لزيد مثلا كانت أطرافها أربعة
بإضافة الموصى له.
مسألة 1341: إذا لم يعين الموصي في الوصية العهدية وصيا
لتنفيذها، تولى الحاكم أمرها أو عين من يتولاه، ولو لم يكن الحاكم ولا
منصوبه تولاه بعض عدول المؤمنين.
مسألة 1342: الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول، نعم إذا كان
الموصى به أمرا متعلقا بالغير فربما احتاج إلى قبوله، كما أنه إذا عين وصيا
لتنفيذها فلا بد من عدم ردها من قبله - كما سيأتي - ولكن هذا معتبر في
وصايته لا في أصل الوصية.
وأما الوصية التمليكية فإن كانت تمليكا لعنوان عام كالوصية للفقراء
والسادة والطلبة فهي كالعهدية لا يعتبر فيها القبول وإن كانت تمليكا للشخص
فالأظهر أنه يعتبر فيها القبول من الموصى له والقول بعدم اعتباره وكفاية عدم
الرد ضعيف.
مسألة 1343: يكفي في القبول كل ما دل على الرضا قولا أو فعلا،
كأخذ الموصى به بقصد القبول.
مسألة 1344: لا فرق في القبول بين وقوعه في حياة الموصي أو بعد
موته، كما أنه لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلا به أو متأخرا
عنه مدة.
مسألة 1345: الظاهر أن رد الموصى له الوصية في الوصية التمليكية
مبطل لها إذا كان الرد بعد الموت ولم يسبق بقبوله، أما إذا سبقه القبول بعد
الموت أو في حال الحياة فلا أثر له وكذا الرد حال الحياة.
360

مسألة 1346: لو أوصى له بشيئين فقبل أحدهما ورد الآخر صحت
فيما قبل وبطلت فيما رد إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع، وكذا
لو أوصى له بشئ واحد فقبل في بعضه ورد في البعض الآخر.
مسألة 1347: لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن
يختار الموصى له أحد الأمرين من الرد والقبول، وليس لهم اجباره على
الاختيار معجلا إلا إذا كان تأخيره موجبا للضرر عليهم فيجبره الحاكم حينئذ
على اختيار أحدهما.
مسألة 1348: لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل
أن يصدر منه رد أو قبول قام ورثته مقامه في الرد والقبول، فيملكون الموصى
به بقبولهم كمورثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيته قبل موته.
مسألة 1349: إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم صحت الوصية فيمن
قبل وبطلت فيمن رد بالنسبة إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع
فتبطل مطلقا.
مسألة 1350: الظاهر أن الوارث يتلقى المال الموصى به من
الموصي ابتداء لا أنه ينتقل إلى الموصى له أولا ثم إلى وارثه وإن كانت
القسمة بين الورثة في صورة التعدد على حسب قسمة المواريث، فعلى هذا
لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه.
مسألة 1351: المدار على الوارث للموصى له عند موته لا الوارث
عند موت الموصي.
مسألة 1352: إذا مات الوارث في حياة الموصي أيضا ففي انتقال
الموصى به إلى ورثته أيضا إشكال، والانتقال أظهر.
مسألة 1353: إذا أوصى إلى أحد أن يعطي بعض تركته لشخص مثلا
361

فهل يجري الحكم المذكور من الانتقال إلى الوارث لو مات في حياة
الموصي بتمليكه؟ الظاهر ذلك.
مسألة 1354: يشترط في الموصي أمور:
الأول: البلوغ فلا تصح وصية الصبي إلا إذا بلغ عشرا فإنه تصح
وصيته في المبرات والخيرات العامة وكذا لأرحامه وأقربائه، وأما الغرباء ففي
نفوذ وصيته لهم اشكال، وكذا في نفوذ وصية البالغ سبع سنين في الشئ
اليسير فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون والمغمى عليه والسكران
حال جنونه واغمائه وسكره، وإذا أوصى حال عقله ثم جن أو سكر أو أغمي
عليه لم تبطل وصيته.
الثالث: الرشد، فلا تصح وصية السفيه في أمواله وتصح في غيرها
كتجهيزه ونحوه.
الرابع: الاختيار، فلا تصح وصية المكره.
الخامس: الحرية، على تفصيل مذكور في محله.
السادس: أن لا يكون قاتل نفسه، فإذا أوصى بعد ما أحدث في نفسه
ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك لم تصح وصيته إذا كانت
في ماله، أما إذا كانت في غيره من تجهيز ونحوه صحت، وكذا تصح الوصية
في ماله وغيره إذا فعل ذلك لا عن عمد بل كان خطأ أو سهوا أو كان لا بقصد
الموت بل لغرض آخر، أو على غير وجه العصيان مثل الجهاد في سبيل الله،
وكذا إذا عوفي ثم أوصى، بل الظاهر الصحة أيضا إذا أوصى بعد ما فعل
السبب ثم عوفي ثم مات.
مسألة 1355: إذا أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم أحدث فيها
صحت وصيته وإن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث ذلك بعدها.
362

مسألة 1356: تصح الوصية من كل من الأب والجد بالولاية على
الطفل مع فقد الآخر ولا تصح مع وجوده.
مسألة 1357: لا يجوز للحاكم الوصية بالولاية على الطفل بعد موته،
بل بعد موته يرجع الأمر إلى حاكم آخر غيره.
مسألة 1358: لو أوصى وصية تمليكية لصغير من أرحامه أو من
غيرهم بمال ولكنه جعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم لم يصح هذا
الجعل بل يكون أمر ذلك المال للأب والجد مع وجود أحدهما وللحاكم مع
فقدهما، نعم لو أوصى أن يبقي ماله بيد الوصي حتى يبلغ فيملكه إياه
صح، وكذا إذا أوصى أن يصرف ماله عليه من دون أن يملكه إياه بشرط
عدم منافاته لحقي الحضانة والولاية.
مسألة 1359: يجوز أن يجعل الأب والجد الولاية والقيمومة على
الأطفال لاثنين أو أكثر كما يجوز جعل الناظر على القيم المذكور بمعنى كونه
مشرفا على عمله أو بمعنى كون العمل بنظره وتصويبه كما يأتي في الوصية
بالمال.
مسألة 1360: إذا قال الموصي لشخص: أنت ولي وقيم على أولادي
القاصرين وأولاد ولدي ولم يقيد الولاية بجهة بعينها جاز له التصرف في جميع
الشؤون المتعلقة بهم من حفظ نفوسهم وتربيتهم وحفظ أموالهم والانفاق
عليهم واستيفاء ديونهم ووفاء ما عليهم من نفقات أو ضمانات أو حقوق
شرعية واجبة كالخمس أو مستحبة كالزكاة في بعض الموارد، أو غير ذلك
من الجهات، نعم في ولايته على تزويجهم كلام سيأتي إن شاء الله.
مسألة 1361: إذا قيد الموصي الولاية بجهة دون جهة وجب على
الولي الاقتصار على محل الإذن دون غيره من الجهات وكان المرجع في
الجهات الأخرى الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.
363

مسألة 1362: ينفق الولي والقيم على الصبي من غير اسراف ولا
تقتير، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، ولو بلغ
فأنكر أصل الانفاق أو ادعى عليه الاسراف فالقول قول القيم بيمينه ما لم
يكن مخالفا للظاهر، وكذا لو ادعى عليه أنه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة،
نعم لو اختلفا في دفع ماله إليه بعد البلوغ فادعاه القيم وأنكره الصبي قدم قول
الصبي بيمينه ما لم يكن مخالفا للظاهر.
مسألة 1363: يجوز للقيم على اليتيم أن يأخذ من ماله أجرة مثل
عمله إذا كانت له أجرة وكان فقيرا أما إذا كان غنيا ففيه اشكال والأحوط الترك.
364

فصل في الموصى به
مسألة 1364: يشترط في الموصى به في الوصية التمليكية أن يكون
مالا أو حقا قابلا للنقل كحقي التحجير والاختصاص - لا مثل حق القذف
ونحوه - من غير فرق في المال بين كونه عينا أو دينا في ذمة الغير أو منفعة،
وفي العين كونها موجودة فعلا أو مما سيوجد، فتصح الوصية بما تحمله الدابة
أو تثمر الشجرة في المستقبل.
مسألة 1365: لا بد أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محللة
معتد بها، فلا تصح الوصية بالخمر والخنزير وآلات اللهو المحرم والقمار،
نعم لو أوصى لشخص بالخمر القابلة للتخليل أو التي ينتفع بها فيما عدا
الشرب من المنافع المحللة أو أوصى بآلات اللهو المحرم والقمار مع كونها
مما ينتفع بها إذا الكسر انتفاعا معتدا به صح.
مسألة 1366: يعتبر في المنفعة الموصى بها أن تكون محللة مقصودة
فلا تصح الوصية بمنفعة المغنية وآلات اللهو المحرم مثلا.
مسألة 1367: يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا
سائغا فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة الظالمين وقطاع الطرق وتعمير
الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها، كما يعتبر فيها أن لا تعد سفها وعبثا
من الموصي وإلا لم تصح.
مسألة 1368: إذا كان ما أوصى به جائزا عند الموصي باجتهاده أو
تقليده وليس بجائز عند الوصي كذلك لم يجز للوصي تنفيذ الوصية، وإذا كان
الأمر بالعكس وجب على الوصي العمل بها.
مسألة 1369: لو أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزه كتغسيله والصلاة
عليه مع وجود الولي فالظاهر نفوذها وتقديمه على الولي وإن كان الأحوط أن
يكون ذلك بتوافقهما بأن يستأذن الوصي من الولي ويأذن الولي للوصي.
365

مسألة 1370: يشترط في الموصى به - في الوصية التمليكية وكذا
العهدية بغير الديون ونحوها من الحقوق المالية - أن لا يكون زائدا على
الثلث فإذا أوصى ما زاد عليه بطل الايصاء في الزائد إلا مع إجازة الوارث.
وإذا أجاز بعضهم دون بعض نفذ في حصة المجيز دون الآخر، وإذا أجازوا
في بعض الموصى به وردوا في غيره صح فيما أجازوه وبطل في غيره.
مسألة 1371: لا إشكال في الاجتزاء بالإجازة بعد الوفاة وفي الاجتزاء
بها حال الحياة أو عدمه قولان أقواهما الأول.
مسألة 1372: ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي ولا
بعد وفاته كما لا أثر للرد حال حياته إذا لحقته الإجازة بعد وفاته، وأما إذا رد
بعد وفاته فلا أثر للإجازة بعده.
مسألة 1373: لا فرق بين وقوع الوصية حال مرض الموصي وحال
صحته، ولا بين كون الوارث غنيا وفقيرا.
مسألة 1374: لا يشترط في نفوذ الوصية قصد الموصي كونها من الثلث
الذي جعله الشارع له فإذا أوصى بعين غير ملتفت إلى ذلك وكانت بقدره أو
أقل صح.
مسألة 1375: إذا أوصى بثلث ما تركه ثم أوصى بشئ وقصد كونه من
ثلثي الورثة فإن أجازوا صحت الثانية أيضا وإلا بطلت.
مسألة 1376: إذا أوصى بعين وأوصى بالثلث فيما عداها أيضا نفذت
الوصية في ثلثها وتوقفت في ثلثيها على إجازة الورثة، كما إذا قال: (فرسي لزيد
وثلثي من باقي التركة لعمرو) فإنه تصح وصيته لعمرو وأما وصيته لزيد فتصح
إذا رضي الورثة وإلا صحت في ثلث الفرس وكان الثلثان للورثة.
مسألة 1377: إذا أوصى بعين ولم يوص بالثلث فإن لم تكن الوصية زائدة
366

على الثلث نفذت، وإن زادت على الثلث توقف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة.
مسألة 1378: إذا أوصى بعين معينة أو بمقدار كلي من المال كألف
دينار، يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقل أو أكثر بالإضافة إلى أموال
الموصي حين الموت لا حين الوصية.
فإذا أوصى لزيد بعين كانت بقدر نصف أمواله حين الوصية وصارت
حين الموت بمقدار الثلث إما لنزول قيمتها أو لارتفاع قيمة غيرها أو لحدوث
مال له لم يكن حين الوصية صحت الوصية في تمامها.
مسألة 1379: إذا كانت العين حين الوصية بمقدار الثلث فصارت
أكثر من الثلث حال الموت إما لزيادة قيمتها أو لنقصان قيمة غيرها أو لخروج
بعض أمواله عن ملكه نفذت الوصية بما يساوي الثلث وبطلت في الزائد إلا
إذا أجاز الورثة.
مسألة 1380: إذا أوصى بكسر مشاع كالثلث فإن كان حين الوفاة
مساويا له حين الوصية فلا إشكال في صحة الوصية بتمامه، وكذا إذا كان أقل
فتصح فيه بتمامه حين الوفاة.
أما إذا كان حين الوفاة أكثر منه حين الوصية كما لو تجدد له مال فهل
يجب إخراج ثلث الزيادة المتجددة أيضا أو يقتصر على ثلث المقدار الموجود
حين الوصية؟ لا يخلو من إشكال وإن كان الأقوى الأول، إلا أن تقوم القرينة
على إرادة الوصية بثلث الأعيان الموجودة حين الوصية لا غير فإذا تبدلت
أعيانها لم يجب إخراج شئ أو تقوم القرينة على إرادة الوصية بمقدار ثلث
الموجود حينها، وإن تبدلت أعيانها فلا يجب إخراج الزائد.
وكذا إذا كان كلامه محفوفا بما يوجب إجمال المراد فإنه يقتصر حينئذ
على القدر المتيقن وهو الأقل.
مسألة 1381: يحسب من التركة ما يملكه الميت بعد الموت كالدية
367

في الخطأ وكذا في العمد إذا صالح عليها أولياء الميت وكما إذا نصب شبكة
في حياته فوقع فيها شئ بعد وفاته، فيخرج من جميع ذلك الثلث إذا كان قد
أوصى به.
مسألة 1382: إذا أوصى بعين تزيد على ثلثه في حياته وبضم الدية
ونحوها تساوي الثلث نفذت وصيته فيها بتمامها.
مسألة 1383: إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من الأصل
كالدين والحقوق الشرعية فإن بقي بعد ذلك شئ كان ثلث الباقي هو مورد
العمل بالوصية.
مسألة 1384: إذا كان عليه دين فأبرأه الدائن بعد وفاته أو تبرع متبرع
في أدائه بعد وفاته لم يكن مستثنى من التركة وكان بمنزلة عدمه.
مسألة 1385: لا بد في إجازة الوارث الوصية الزائدة على الثلث من
إمضاء الوصية وتنفيذها ولا يكفي فيها مجرد الرضا وطيب النفس.
مسألة 1386: لا يعتبر في الإجازة كونها على الفور.
مسألة 1387: إذا عين الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعين وإذا
فوض التعيين إلى الوصي فعينه في عين مخصوصة تعين أيضا بلا حاجة إلى
رضا الوارث.
وإذا لم يحصل منه شئ من ذلك كان ثلثه مشاعا في التركة ولا يتعين
في عين بعينها بتعيين الوصي إلا مع رضا الورثة.
مسألة 1388: إذا كان ما أوصى به مالا معينا يساوي الثلث أو دونه
اختص به الميت أو الموصى له ولا اعتراض فيه للورثة كما تقدم، ولكن إنما يستقر
ملكية الموصى له أو الميت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارثة
ضعف ما أوصى به، فإذا كان له مال بيد الورثة بهذا المقدار استقرت ملكية
تمام المال المعين فللموصى له أو الوصي أن يتصرف فيه بما يشاء أو بما قرر
368

له، وأما إذا لم يكن ما بأيدي الورثة من التركة يبلغ ضعف الموصى به
واحتمل - احتمالا معتدا به - عدم وصول هذا المقدار إليهم توقف التصرف
في تمام الموصى به على إجازتهم أو وصول ضعفه إليهم، فمع انتفاء الأمرين
يشاركون الموصى له أو الميت في المال المعين بالنسبة، فلو كان ما عدا
الموصى به بتمامه خارجا عن أيديهم كان ثلث الموصى به للموصى له أو
الميت وثلثاه للورثة.
مسألة 1389: الواجبات المالية تخرج من الأصل وإن لم يوص بها
الموصي، وهي الأموال التي اشتغلت بها ذمته مثل المال الذي اقترضه والمبيع
الذي باعه سلفا وثمن ما اشتراه نسيئة وعوض المضمونات وأروش الجنايات
ونحوها ومنها الخمس والزكاة والمظالم، وأما الكفارات والنذور ونحوها
فالظاهر أنها لا تخرج من الأصل.
مسألة 1390: إذا تلف من التركة شئ بعد موت الموصي وجب
إخراج الواجبات المالية من الباقي وإن استوعبه وكذا إذا غصب بعض التركة.
مسألة 1391: إذا تمرد بعض الورثة عن وفاء الدين لم يجب على
غيره إلا وفاء ما يخص حصته بالنسبة لا وفاء الجميع.
مسألة 1392: الحج الواجب بالاستطاعة من قبيل الدين يخرج من
الأصل وأما الحج النذري فيخرج من الثلث على الأظهر.
مسألة 1393: إذا أوصى بوصايا متعددة متضادة كان العمل على
الثانية وتكون ناسخة للأولى، فإذا أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بها
لعمرو أعطيت لعمرو، وكذا إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى به لعمرو.
مسألة 1394: إذا أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى بنصف ثلثه لعمرو كان
الثلث بينهما على السوية.
مسألة 1395: إذا أوصى بعين شخصية لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو
كانت الثانية ناسخة للأولى بمقدارها.
369

مسألة 1396: إذا أوصى بوصايا متعددة غير متضادة وكانت كلها مما
يخرج من الأصل وجب إخراجها من الأصل وإن زادت على الثلث.
مسألة 1397: إذا كانت الوصايا كلها واجبات لا تخرج من الأصل
كالواجبات البدنية والكفارات والنذور أخرجت من الثلث فإن زادت على
الثلث وأجاز الورثة أخرجت جميعها وإن لم يجز الورثة ورد النقص على
الجميع بالنسبة ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على تقديم بعضها على
البعض عند التزاحم، سواء أكانت مرتبة بأن ذكرت في كلام الموصي واحدة
بعد أخرى كما إذا قال: (أعطوا عني صوم عشرين شهرا وصلاة عشرين سنة)
أم كانت غير مرتبة بأن ذكرت جملة واحدة كما إذا قال: (اقضوا عني عباداتي
مدة عمري صلاتي وصومي).
فإذا كانت تساوي قيمتها نصف التركة فإن أجاز الورثة نفذت في
الجميع وإن لم يجز الورثة ينقص من وصية الصلاة الثلث ومن وصية الصوم
الثلث.
وكذا الحكم إذا كانت كلها تبرعية غير واجبة فإنها إن زادت على الثلث
وأجاز الورثة وجب إخراج الجميع وإن لم يجز الورثة ورد النقص على
الجميع بالنسبة.
مسألة 1398: إذا كانت الوصايا مختلفة بعضها واجب يخرج من
الأصل وبعضها واجب لا يخرج من الأصل، كما إذا قال: (أعطوا عني ستين
دينارا: عشرين دينارا زكاة وعشرين دينارا صلاة وعشرين دينارا صوما)، فإن لم
يذكر المخرج يبدأ بما يخرج من الأصل فيخرج منه فإن بقي شئ يصرف ثلثه
في الاستيجار للصلاة والصوم إذا وفى الثلث بذلك وإلا فإن أجازت الورثة
الوصية في المقدار الزائد وجب العمل بها وإن لم تجزها ورد النقص عليهما
370

على ما مر. وإن ذكر المخرج بأن أوصى بأن تخرج من الثلث فإن وسعها
الثلث أخرج الجميع وكذلك إن لم يسعها وأجاز الورثة وأما إذا لم يسعها ولم
يجز الورثة بدأ بما يخرج من الأصل فيخرج من الثلث أولا فإن بقي منه شئ
يصرف في الاستيجار للصلاة والصوم وإن لم يف الثلث إلا بما يخرج من
الأصل بطلت الوصية في غيره.
مسألة 1399: إذا تعددت الوصايا وكان بعضها واجبا لا يخرج من
الأصل وبعضها تبرعية ولم يف الثلث بالجميع ولم يجز الورثة ما زاد على
الثلث ففي تقديم الواجب على غيره إشكال والأظهر هو التقديم.
مسألة 1400: المراد من الوصية التبرعية الوصية بما لا يكون واجبا
عليه في حياته سواء أكانت تمليكية كما إذا قال: (فرسي لزيد بعد وفاتي) أم
عهدية كما إذا قال: (تصدقوا بفرسي بعد وفاتي).
مسألة 1401: إذا أوصى بثلثه لزيد من دون تعيينه في عين شخصية
يكون الموصى له شريكا مع الورثة فله الثلث ولهم الثلثان، فإن تلف من التركة
شئ كان التلف على الجميع وإن حصل لتركته نماء كان النماء مشتركا بين
الجميع.
مسألة 1402: إذا أوصى بصرف ثلثه في مصلحته من طاعات وقربات
يكون الثلث باقيا على ملكه فإن تلف من التركة شئ كان التلف موزعا عليه
وعلى بقية الورثة وإن حصل النماء كان له منه الثلث.
مسألة 1403: إذا عين ثلثه في عين معينة تعين كما عرفت، فإذا حصل
لها نماء كان النماء له وحده وإن تلف بعضها أو تمامها اختص التلف به ولم
يشاركه فيه بقية الورثة.
مسألة 1404: إذا أوصى بثلثه مشاعا ثم أوصى بشئ آخر معينا كما
إذا قال: (أنفقوا علي ثلثي وأعطوا فرسي لزيد) وجب إخراج ثلثه من غير الفرس
371

في نفقته وتصح وصيته بثلث الفرس لزيد. وأما وصيته بالثلثين الآخرين من
الفرس لزيد فصحتها موقوفة على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا بطلت كما تقدم.
وإذا كان الشئ الآخر غير معين كما إذا قال: (انفقوا علي ثلثي وأعطوا
زيدا مائة دينار) توقفت الوصية بالمائة على إجازة الورثة فإن أجازوها في
الكل صحت في تمامها، وإن أجازوها في البعض صحت في بعضها وإن لم
يجيزوا منها شيئا بطلت في جميعها، ونحوه إذا قال: (أعطوا ثلثي لزيد وأعطوا)
ثلثا آخر من مالي لعمرو) فإنه تصح وصيته لزيد ولا تصح وصيته لعمرو إلا
بإجازة الورثة.
أما إذا قال (أعطوا ثلثي لزيد) ثم قال: (أعطوا ثلثي لعمرو) كانت
الثانية ناسخة للأولى كما عرفت، والمدار على ما يفهم من الكلام.
مسألة 1405: إذا أوصى بحرمان بعض الورثة من الميراث فلم يجز
ذلك البعض لم يصح.
نعم إذا لم يكن قد أوصى بالثلث وأوصى بذلك وجب العمل بالوصية
بالنسبة إلى الثلث بصرف سهم ذلك البعض من الثلث إلى غيره من الورثة
فإذا كان له ولدان وكانت التركة ستة فأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث
أعطي زيد اثنين وأعطي الآخر أربعة.
وإذا أوصى بسدس ماله لأخيه وأوصى بحرمان ولده زيد من الميراث
أعطي أخوه السدس وأعطي زيد الثلث وأعطي ولده الآخر النصف.
مسألة 1406: إذا أوصى بشئ من مال زيد بعد وفاة نفسه لكن في
حياة زيد لم يصح وإن أجازها زيد، وإذا أوصى بشئ في مال زيد بعد وفاه
زيد فأجازها زيد صح.
مسألة 1407: قد عرفت أنه إذا أوصى بعين من تركته لزيد ثم أوصى
بها لعمرو كانت الثانية ناسخة ووجب دفع العين لعمرو، فإذا اشتبه المتقدم
والمتأخر فإن تصالحا فهو وإلا تعين الرجوع إلى القرعة في تعيين الموصى له.
372

مسألة 1408: إذا دفع إنسان إلى آخر مالا وقال له إذا مت فأنفقه عني
ولم يعلم أنه أكثر من الثلث أو أقل أو مساو له أو علم أنه أكثر واحتمل أنه
مأذون من الورثة في هذه الوصية، أو علم أنه غير مأذون من الورثة لكن
احتمل أنه كان له ملزم شرعي يقتضي إخراجه من الأصل فهل يجب على
الوصي العلم بالوصية حتى تثبت زيادته على الثلث بطلانها في الزائد
عليه؟ فيه إشكال ولا سيما في الفرضين الأخيرين.
مسألة 1409: إذا أوصى بشئ لزيد وتردد بين الأقل والأكثر اقتصر
على الأقل وإذا تردد بين المتباينين ولم يتصالحا عين بالقرعة.
مسألة 1410: إذا أوصى من لا وارث له إلا الإمام بجميع ماله
للمسلمين والمساكين وابن السبيل ففي نفوذ وصيته في جميع المال كما
ذهب إليه بعض أو عدم نفوذها في الزائد على الثلث كما هو المشهور
اشكال، ولا يبعد الثاني كما هو الحال فيما لو أوصى بجميع ماله في غير
الأمور المذكورة.
373

فصل في الموصى له
مسألة 1411: لا يعتبر في الوصية العهدية وجود الموصى له حال
الوصية أو عند موت الموصي، فتصح الوصية للمعدوم إذا كان متوقع الوجود
في المستقبل، فلو أوصى باعطاء شئ من ماله لأولاد ولده الذين لم يولدوا حال
الوصية ولا حين موت الموصي فإن وجدوا في ظرف الاعطاء أعطي لهم وإلا
كان ميراثا لورثة الموصي إن لم تكن هناك قرينة على كونها من باب تعدد
المطلوب وإلا صرف فيما هو الأقرب إلى نظر الموصي من وجوه البر.
مسألة 1412: لا تصح الوصية التمليكية للمعدوم إلى زمان موت
الموصي، كما لو أوصى للميت أو لما تحمله المرأة في المستقبل أو لمن يوجد
من أولاد فلان، وتصح للحمل بشرط وجوده حين الوصية وإن لم تلجه الروح
فإن تولد حيا ملك الموصى به بقبول وليه وإلا بطلت الوصية ورجع المال إلى
ورثة الموصي.
مسألة 1413: تصح الوصية للكافر الذمي وللمرتد حق عن فطرة
وللحربي.
مسألة 1414: إذا أوصى لجماعة ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا بمال
اشتركوا فيه على السوية إلا أن تكون قرينة على التفضيل.
مسألة 1415: إذا أوصى لأبنائه وبناته أو لأعمامه وعماته أو أخواله
وخالاته أو أعمامه وأخواله أو نحو ذلك كان الحكم في الجميع التسوية إلا أن
تقوم القرينة على التفضيل فيكون العمل على القرينة.
374

فصل في الوصي
مسألة 1416: يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنفيذ وصاياه، ويقال
له: (الوصي) كما مر، ويشترط فيه أمور:
الأول: البلوغ على المشهور، فلا تصح الوصاية إلى الصبي منفردا
إذا أراد منه التصرف في حال صباه مستقلا، ولكنه لا يخلو عن إشكال، فلو
أوصى إليه كذلك فالأحوط أن يكون تصرفه بإذن الحاكم الشرعي.
أما لو أراد أن يكون تصرفه بعد البلوغ أو مع إذن الولي، فالأظهر صحة
الوصية، وتجوز الوصاية إليه منضما إلى الكامل سواء أراد أن لا يتصرف الكامل
إلا بعد بلوغ الصبي أم أراد أن يتصرف منفردا قبل بلوغ الصبي، لكن في
الصورة الأولى إذا كان عليه تصرفات فورية كوفاء دين عليه ونحوه يتولى ذلك
الحاكم الشرعي، وفي الصورة الثانية إذا بلغ الصبي شارك الكامل من حينه
وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان على خلاف ما أوصى
به الميت فيرده إليه.
الثاني: العقل فلا تصح الوصية إلى المجنون في حال جنونه سواء
أكان مطبقا أم أدواريا، وإذا أوصى إليه في حال العقل ثم جن فإن كان مطبقا
بطلت الوصاية إليه، وإن كان أدواريا لم تبطل على الأظهر، فتنفذ تصرفاته
حال إفاقته.
الثالث: الاسلام، إذا كان الموصي مسلما على الأحوط.
مسألة 1417: الظاهر عدم اعتبار العدالة في الوصي بل يكفي الوثوق
والاطمئنان بتنفيذه للوصية.
375

هذا في أداء الحقوق الواجبة على الموصي وما يتعلق بالتصرف في
مال الأيتام ونحو ذلك.
أما في غيره كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات
والقربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال.
مسألة 1418: إذا ارتد الوصي بطلت وصايته بناء على اعتبار الاسلام
في الوصي ولا تعود إليه إذا أسلم إلا إذا نص الموصي على عودها.
مسألة 1419: إذا أوصى إلى عادل ففسق فإن ظهر من القرينة التقييد
بالعدالة بطلت الوصية ولا تعود بعود العدالة إلا إذا فهم من كلام الموصي
ذلك، وإن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل، وكذا الحكم إذا
أوصى إلى الثقة.
مسألة 1420: تجوز الوصاية إلى المرأة والأعمى والوارث.
مسألة 1421: إذا أوصى إلى صبي وبالغ فمات الصبي قبل بلوغه أو
بلغ مجنونا ففي جواز انفراد البالغ بالوصية قولان أحوطهما الرجوع إلى
الحاكم الشرعي فيضم إليه آخر، إلا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الموصي
انفراد البالغ بالوصاية في هذه الصورتين.
مسألة 1422: يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو
الانضمام وعلى نحو الاستقلال.
فإن نص على الأول فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع
ما أوصى به ولا في بعضه.
وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه فإن
كان هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد الآخر بالوصاية عندئذ فهو وإلا ضم
الحاكم آخر إليه، وإن عرض ذلك عليهما أقام الحاكم شخصين مكانهما
ويكفي إقامة شخص واحد أيضا إذا كان كافيا للقيام بشؤون الوصية، وإن نص
376

على الثاني جاز لكل منهما الاستقلال فأيهما سبق نفذ تصرفه، وإن اقترنا في
التصرف مع تنافي التصرفين بأن باع أحدهما على زيد والآخر على عمرو في
زمان واحد بطلا معا ولهما أن يقتسما الثلث بالسوية وبغير السوية.
وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر ولم يضم إليه الحاكم آخر.
وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينص على الانضمام والاستقلال جرى
عليه حكم الانضمام إلا إذا كانت قرينة على الاستقلال كما إذا قال: (وصيي
فلان وفلان فإذا ماتا كان الوصي فلانا) فإنه إذا مات أحدهما استقل الآخر ولم
يحتج إلى أن يضم إليه الحاكم آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.
مسألة 1423: إذا قال: (زيد وصيي فإن مات فعمرو وصيي) صح
ويكونان وصيين مترتبين، وكذا يصح إذا قال: (وصيي زيد فإن بلغ ولدي فهو
الوصي).
مسألة 1424: يجوز أن يوصي إلى وصيين أو أكثر ويجعل الوصاية
إلى كل واحد في أمر بعينه لا يشاركه فيه الآخر.
مسألة 1425: إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحا ولم يجتمعا
بحيث كان يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصية فإن لم يكن السبب فيه وجود
مانع شرعي لدي كل منهما عن اتباع نظر غيره أجبرهما الحاكم على
الاجتماع، وإن تعذر ذلك أو كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما
فالأظهر أن الحاكم يضم إلى أحدهما شخصا آخر حسب ما يراه من
المصلحة وينفذ تصرفهما.
مسألة 1426: إذا قال أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصي فلانا إن
استمر على طلب العلم مثلا، صح وكان فلان وصيا إذا استمر على طلب
العلم فإن انصرف عنه بطلت وصايته وتولى تنفيذ وصيته الحاكم الشرعي.
مسألة 1427: إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصية لكبر ونحوه - ولو
377

على جهة التوكيل أو الاستئجار - ضم إليه الحاكم من يساعده، وإذا ظهرت
منه الخيانة فإن كانت الوصية مقيدة بأمانته انعزل ونصب الحاكم آخر مكانه
وإلا ضم إليه أمينا يمنعه عن الخيانة فإن لم يمكن ذلك عزله ونصب غيره.
مسألة 1428: إذا مات الوصي قبل تنجيز تمام ما أوصي إليه به نصب
الحاكم الشرعي وصيا لتنفيذه.
وكذا إذا مات في حياة الموصي ولم يعلم هو بذلك أو علم ولم ينصب
غيره ولم يكن ما يدل على عدوله عن أصل الوصية.
مسألة 1429: ليس للوصي أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصى
إليه به إلا أن يكون مأذونا من الموصي في الايصاء إلى غيره.
مسألة 1430: الوصي أمين لا يضمن ما في يده إلا بالتعدي أو
التفريط، ويكفي في الضمان حصول الخيانة في مورد بالإضافة إلى ضمان
موردها، أما الضمان بالنسبة إلى الموارد الأخر مما لم يتحقق فيها الخيانة
ففيه إشكال بل الأظهر العدم.
مسألة 1431: إذا خرج الوصي عن الوصاية لخيانة أو فسق أو نحوها
ضمن ما في يده من مال للوصاية إلا أن يدفعه إلى من يعود إليه أمر تنفيذها
من شريكه في الوصية أو الحاكم الشرعي.
مسألة 1432: إذا عين الموصي للوصي عملا خاصا أو قدرا خاصا أو
كيفية خاصة وجب الاقتصار على ما عين ولم يجز له التعدي فإن تعدى كان
خائنا، وإذا أطلق له التصرف بأن قال له: (أخرج ثلثي وأنفقه) عمل بنظر نفسه
ولا بد له من ملاحظة مصلحة الميت فلا يجوز أن يتصرف كيف شاء وإن لم يكن
صلاحا للميت أو كان غيره أصلح مع تيسر فعله على النحو المتعارف
ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربما يكون الأصلح أداء العبادات
الاحتياطية عنه، وربما يكون الأصلح أداء الحقوق المالية الاحتياطية، وربما
378

يكون الأصلح أداء حق بعينه احتياطي دون غيره أو أداء الصلاة عنه دون
الصوم، وربما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات وكسوة العراة ومداواة
المرضى ونحو ذلك.
هذا إذا لم يكن تعارف يكون قرينة على تعيين مصرف بعينه وإلا كان
عليه العمل.
مسألة 1433: إذا قال أنت وصيي ولم يعين شيئا وتردد بين أمور كثيرة
كتجهيزه وصرف ثلثه وشؤون أخرى كان لغوا إلا إذا كان تعارف يكون قرينة
على تعيين المراد كما يتعارف في كثير من بلدان العراق من أنهم يريدون به
أنه وصي في إخراج الثلث وصرفه في مصلحة الموصي وأداء الحقوق التي
عليه وأخذ الحقوق التي له ورد الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها.
نعم في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط أن
لا يتصدى لأمورهم إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي وعدم نصب الحاكم
الشرعي غيره إلا بإذن منه.
مسألة 1434: لا يجب على الوصي قبول الوصاية وله أن يردها في
حياة الموصي بشرط أن يبلغه الرد، بل الأحوط اعتبار تمكنه من الايصاء إلى
شخص آخر أيضا، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن الرد لم
يبلغه حتى مات، أو بلغه ولم يتمكن من الايصاء إلى غيره لشدة المرض مثلا
لم يكن للرد أثر، وكانت الوصاية لازمة، نعم إذا كان العمل بالوصية حرجيا
على الوصي جاز له ردها.
مسألة 1435: الرد السابق على الوصية لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو:
(لا أقبل أن توصي إلي)، فأوصى عمرو إليه لزمته الوصية إلا أن يردها بعد
ذلك، على ما تقدم.
مسألة 1436: لو أوصى إلى أحد فرد الوصية فأوصى إليه ثانيا ولم
يردها ثانيا لجهله بها ففي لزومها عليه إشكال بل الأظهر خلافه.
379

مسألة 1437: يجوز للوصي أن يوكل أمر تنفيذ الوصية - كلا أو
بعضا - إلى غيره ممن يوثق به ما لم يكن غرض الموصي مباشرته له
بشخصه، كأن يوكل أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في
الاستنابة في العبادات ويوكل أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة
فيها ويوكل أمر الكفارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفية
القسمة عليهم وهكذا.
وربما يوكل الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كانت له خبرة
في جميعها.
وقد لا يكون الموصي قد أوصى بأمور معينة بل أوصى بصرف ثلثه في
مصالحه وأوكل تعيين المصرف كما وكيفا إلى نظر الوصي فيرى الوصي من
هو أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيتها فيوكل الأمر إليه فيدفع
الثلث إليه بتمامه ويفوض إليه تعيين الجهات كما وكيفا كما يتعارف ذلك عند
كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصى به إلى المجتهد الموثوق به
عندهم، فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرف ولو بواسطة الايكال إلى
الغير.
فلا بأس أن يوكل الوصي أمر الوصية أمر إلى غيره إلا أن تقوم القرينة على
إرادة الموصي منه المباشرة، فلا يجوز له حينئذ ذلك.
مسألة 1438: لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل
نفسه عن الوصاية وجعلها له فيكون غيره وصيا عن الميت بجعل منه.
مسألة 1439: إذا بطلت وصاية الوصي لفوات شرطها نصب الحاكم
الشرعي وصيا مكانه أو تولى تنفيذ الوصية بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعين
وصيا أصلا كما تقدم.
380

مسألة 1440: إذ اشتبه مصرف المال الموصى به لنسيان أو غيره فإن
كانت الشبهة غير محصورة فالأظهر جواز صرفه في وجه من وجوه البر ولكن
الأحوط لزوما أن لا يكون المصرف خارجا عن أطراف الشبهة بل ولا يكون
احتمال كونه مصرفا أضعف من غيره، وأما إذا كانت الشبهة محصورة فإن
كانت أطرافها عناوين متصادقة في الجملة تعين صرف المال في المجمع،
وأما مع التباين الكلي بينها أو كون الموصى له مرددا بين أفراد فلا يبعد
الرجوع إلى القرعة، ويراعي في عدد السهام درجة الاحتمال - قوة وضعفا - في
جميع الأطراف، نعم إذا كانت الوصية تمليكية مرددة بين أفراد فلا بد من
اعلامهم بالحال فإن رفض الجميع قبولها رجع ميراثا ولا يبعد أن يكون الحال
كذلك فيما إذا قبلها بعض دون بعض، وأما إذا قبلها الجميع صار المال مرددا
بينهم فإن تراضوا بصلح أو غيره فهو وإلا رجعوا إلى الحاكم الشرعي لفصل
النزاع بينهم.
مسألة 1441: يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي ومشرفا
على عمله، ووظيفته تابعة لجعل الموصي، وهو على قسمين:
الأول: - ولعله الغالب - أن يجعل الناظر رقيبا على الوصي من جهة
الاستيثاق على عمله بالوصية مطابقا لما أوصى به حتى أنه لو رأى منه خلاف
ما قرره الموصي لاعترض عليه، ومثل هذا الناظر لا يجب على الوصي استئذانه
في تصرفاته ومتابعة رأيه ونظره فيها، بل إنما يجب أن تكون أعماله باطلاعه
واشرافه فلو أوصى باستنابة من يصلي عنه فاستناب الوصي لها شخصا واجدا
للشرائط وأعلم الناظر بذلك فقد عمل بوظيفته وليس للناظر الاعتراض عليه
ومطالبته باختيار غيره ما دام لا يقدح في صلاحية الأول للاستنابة، وأما لو
استناب الوصي شخصا ولم يعلم الناظر به كان ذلك خيانة منه للوصية وتصرفا
غير مأذون فيه.
381

الثاني: أن يجعل الناظر مشاورا للموصي بحيث لا يعمل إلا بإذن منه
وموافقته، فالوصي وإن كان وليا مستقلا في التصرف والتنفيذ لكنه غير مستقل
في الرأي والنظر فلا يمضى من أعماله إلا ما وافق نظر الناظر وكان بإذنه، فلو
استبد بالعمل على نظره من دون موافقة الناظر لم ينفذ تصرفه، ففي المثال
المتقدم لو لم يوافق الناظر على من اختاره الوصي للنيابة عن الموصي في
الصلاة لم تصح استنابته بل يتعين استنابة من يتوافقان عليه.
وفي كلا القسمين إذا خان الوصي لم يجب على الناظر - بما هو ناظر -
مدافعته فلو لم يدافع لم يكن ضامنا.
مسألة 1442: إذا مات الناظر ألزم الوصي الرجوع إلى الحاكم
الشرعي ليقيم شخصا مكانه.
مسألة 1443: الوصية جائزة من طرف الموصي، فله ما دام فيه الروح
- مع الشرائط المتقدمة من العقل والاختيار وغيرهما - أن يرجع عن وصيته
وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلقاتها، فله تبديل
الموصي به كلا أو بعضا وتغير الوصي والموصى له وغير ذلك، ولو رجع عن
بعض الجهات يبقى غيرها بحالها، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف
مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعل
الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصية بحالها، وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في
مصارف معينة على يد زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعين
مصارف أخر وهكذا، وكما له الرجوع في الوصية المتعلقة بالمال كذلك له
الرجوع في الوصية بالولاية على القاصرين.
مسألة 1444: إذا أوصى إلى شخص ثم أوصى إلى آخر ولم يخبر
الوصي الأول بالعدول عنه إلى غيره فمات فعمل الوصي الأول بالوصية ثم
علم كانت الغرامة على الميت فتخرج من أصل التركة ثم يخرج الثلث
382

للوصي الثاني.
هذا إذا لم يكن العدول عن الأول لسبب ظاهر لا يخفى على مثله عادة
أما إذا كان لسبب كذلك كما إذا هاجر الوصي الأول إلى بلاد بعيدة أو حدثت بينه وبين
الموصي عداوة ومقاطعة فعدل عنه كان ما صرفه الوصي الأول من مال نفسه.
مسألة 1445: يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول مثل أن يقول:
(رجعت عن وصيتي إلى زيد) وبالفعل مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثم يوصي
بوقفه ومثل أن يوصي بوقف عين أو يصرفها ثم يبيعها أو يهبها، وكذا إذا
أوكل غيره في بيعها مثلا مع التفاته إلى وصيته.
مسألة 1446: لا يعتبر في وجوب العمل بالوصية عدم مرور مدة
طويلة عليها فإذا أوصى ثم مات ولو بعد مرور سنين وجب العمل بوصيته،
نعم يعتبر عدم الرجوع عنها وإذا شك في الرجوع بنى على عدمه، هذا فيما
إذا كانت الوصية مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصية
والعمل بها بعد موته في أي زمان توفاه الله، فلو كانت مقيدة بموته في سفر
كذا أو عن مرض كذا مثلا ولم يتفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت
تلك الوصية واحتاج إلى وصية جديدة.
مسألة 1447: إذا كان الداعي له على إنشاء الوصية خوف الموت في
السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيته وإن لم يمت في ذلك السفر،
ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحجاج عند العزم على الحج ومثلهم زوار
الإمام الرضا عليه السلام والمسافرون أسفارا بعيدة، فإن الظاهر أن هؤلاء
وأمثالهم لم يقيدوا الوصية بالموت في ذلك السفر وإنما كان الداعي على
الوصية خوف الموت في ذلك السفر فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقق
الرجوع عنها.
مسألة 1448: يجوز للوصي أن يأخذ أجرة مثل عمله إذا كانت له
383

أجرة إلا إذا كان أوصي إليه بأن يعمل مجانا كما لو صرح الموصي بذلك أو
كانت قرينة عليه فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذ ويجب عليه العمل بالوصية
إن كان قد قبل أما إذا لم يقبل ففي الوجوب إشكال والأقرب العدم.
هذا بالنسبة إلى العمل الذي أوصى إليه به كالبيع والشراء وأداء
الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته.
أما لو أوصى إليه بأعمال أخرى مثل أن يحج عنه أو يصلي عنه أو نحو
ذلك لم يجب عليه القبول حتى لو لم يعلم بذلك في حياة الموصي، وإن
كان أوصى إليه بالعمل مجانا كالحج مثلا فقبل في حياته لم يبعد جواز الرد
بعد وفاته.
مسألة 1449: إذا أوصى إلى زيد أن يحج عنه وجعل له أجرة معينة
بأن قال له: (حج عني بمائة دينار) كان إجارة فإن قبل في حياته وجب العمل
بها ويستحق الأجرة، وإلا لم يجب.
ولو كان بأجرة غير معينة عندهما بأن قال له: (حج عني بأجرة المثل)
ولم تكن الأجرة معلومة عندهما فقبل في حياته لم يبعد أيضا عدم وجوب
العمل وجريان حكم الإجارة الفاسدة.
ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل، لكنه يستحق الأجرة على
تقدير العمل لصدق الوصية حينئذ.
مسألة 1450: تثبت الوصية التمليكية بشهادة مسلمين عادلين
وبشهادة مسلم عادل مع يمين الموصى له وبشهادة مسلم عادل مع مسلمتين
عادلتين كغيرها من الدعاوي المالية.
مسألة 1451: تختص الوصية التمليكية بأنها تثبت بشهادة النساء
منفردات فيثبت ربعها بشهادة مسلمة عادلة ونصفها بشهادة مسلمتين عادلتين
وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث مسلمات عادلات وتمامها بشهادة أربع مسلمات
عادلات بلا حاجة إلى اليمين في شاهدتهن.
384

مسألة 1452: الوصية العهدية - وهي الوصاية بالولاية - تثبت بشهادة
عدلين من الرجال ولا تقبل فيها شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى
الرجال.
مسألة 1453: تثبت الوصية التمليكية وكذا العهدية على الأقرب
بشهادة ذميين عدلين في دينهما عند عدم عدول المسلمين ولا تثبت بشهادة
غيرهما من الكفار.
مسألة 1454: تثبت الوصية التمليكية بإقرار الورثة جميعهم إذا كانوا
عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولا.
وإذا أقر بعضهم دون بعض تثبت بالنسبة إلى حصة المقر دون المنكر،
نعم إذا أقر منهم اثنان وكانا عدلين ثبتت الوصية بتمامها، وإذا كان عدلا
واحدا تثبت أيضا مع يمين الموصى له.
مسألة 1455: تثبت الوصية العهدية بإقرار الورثة جميعهم، وإذا أقر
بعضهم ثبت بعض الموصى به على نسبة حصة المقر وينقص من حقه، نعم
إذا أقر اثنان عدلان منهم ثبتت الوصية بتمامها.
مسألة 1456: إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي، فليس له
انكار وصاية من يدعي الوصاية، ولا يسمع منه هذا الانكار كغيره، نعم لو
كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب
كالمساجد والمشاهد أو الميت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو
ذلك كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصا إذا رأى منه
الخيانة الانكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكن الوارث
والأجنبي في ذلك سيان، نعم فيما إذا تعلقت بأمور الميت لا يبعد أولوية
الوارث من غيره واختصاص حق الدعوى به مقدما على غيره.
385

مسألة 1457: إذا تصرف الانسان في مرض موته، فإن كان معلقا
على موته - كما إذ قال أعطوا فلانا بعد موتي كذا، أو هذا المال المعين أو ثلث
مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي ونحو ذلك - فهو وصية وقد تقدم
إنها نافذة مع اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث، وفي الزائد موقوف على
إجازة الورثة كالواقعة في مرض آخر غير مرض الموت أو في حال الصحة،
وإن كان منجزا - بمعنى كونه غير معلق على الموت وإن كان معلقا على أمر
آخر - فإن لم يكن مشتملا على المجانية والمحاباة كبيع شئ بثمن المثل
وإجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا اشكال، وإن كان مشتملا على المحاباة
بأن لم يصل ما يساوي ماله إليه سواء كان مجانا محضا كالوقف والعتق
والابراء والهبة غير المعوضة أم لا كالبيع بأقل من ثمن المثل والإجارة بأقل
من أجرة المثل والهبة المعوضة بما دون القيمة وغير ذلك - ففي نفوذه مطلقا
أو كونه مثل الوصية في توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة؟ قولان
أقواهما الثاني كما تقدم في كتاب الحجر.
مسألة 1458: إذا وهب المالك في مرض موته بعض أمواله وأوصى
ببعض آخر ثم مات نفذا جميعا إذا وفى الثلث بهما وكذا إذا لم يف بهما
ولكن أمضاهما الورثة. وإن لم يمضوهما أخرجا معا من الثلث - كما مر - ويبدأ
أولا بالمنجزة فإن بقي شئ صرف فيما أوصى به.
مسألة 1459: إذا قال (هذا وقف بعد وفاتي) أو نحو ذلك مما يتضمن
تعليق الايقاع على الوفاة فهو باطل لا يصح وأن جاز الورثة، فالانشاء المعلق
على الوفاة إنما يصح في مقامين: أحدهما: انشاء الملك - وهي الوصية
التمليكية - انشاء الولاية كما في موارد الوصية العهدية، ثانيهما: انشاء
العتق وهو التدبير، ولا يصح في غيرهما من أنواع الانشاء، فإذا قال بعت أو
آجرت أو صالحت أو وقفت بعد وفاتي بطل، ولا يجري عليه حكم الوصية
386

بالبيع أو الوقف مثلا، بحيث يجب على الورثة أن يبيعوا أو يوقفوا بعد وفاته
إلا إذا فهم من كلامه أنه يريد الوصية بالبيع أو الوقف فحينئذ كانت وصيته
صحيحة ووجب العمل بها مع تحقق شرائطها.
مسألة 1460: إذا قال للمدين: (أبرأت ذمتك بعد وفاتي) وأجازه الوارث
بعد موته برئت ذمة المدين، فإن إجازة الابراء بنفسها تنازل من قبل الورثة عن
حقهم وابراء لذمة المدين.
387

كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
مسألة 1461: الوقف على قسمين فإنه أما يتقوم بأمرين هما الواقف
والعين الموقوفة، وأما يتقوم بثلاثة أمور ثالثها الموقوف عليه، ويختص الأول
بوقف المساجد ويكون الثاني في غيرها من الأوقاف، وحقيقة الوقف في
القسم الأول هو التحرير وفك الملك، وأما في القسم الثاني فحقيقته - على
الأظهر تمليك العين الموقوفة للموقوف عليه ملكا غير طلق.
مسألة 1462: إذا وقف مكانا على المسلمين لينتفعوا منه ببعض ما
ينتفعون به في المساجد أو بجميعها من الصلاة والذكر والدعاء والتدريس
وغير ذلك لم يصر مسجدا ولم تجر عليه أحكام المساجد من حرمة التنجيس
ونحوها، وإنما يصير وقفا على الصلاة وغيرها مما لاحظه الواقف من المنافع
ويكون من القسم الثاني المتقدم الذي مر أنه يتقوم بأمر ثالث غير الواقف
والعين الموقوفة وهو الموقوف عليه.
مسألة 1463: ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى أقسام:
الأول: ما يكون وقفا على عين أو أعيان خاصة، سواء أكانت انسانا
أم غيره كوقف الدار أو البستان على الكعبة المشرفة أو على مسجد أو مشهد
معين أو على زيد وذريته ونحو ذلك.
الثاني: ما يكون وقفا على عنوان عام قابل للانطباق على عين أو أعيان
خاصة سواء لم يكن له إلا مصاديق طولية كأوقاف الشيعة على الأئمة عليهم
السلام في زمان الحضور أو على المرجع الأعلى في زمن الغيبة، أو كان له
مصاديق طولية وعرضية كالوقف على الفقراء أو علماء البلد أو الطلبة أو الأيتام
388

ونحو ذلك.
الثالث: ما يكون وقفا على عنوان غير منطبق على الأعيان ويعبر عنه
بالجهة، سواء أكانت جهة خاصة أو عامة كوقف البستان ليصرف وارده على
عزاء الحسين عليه السلام في الدار الفلانية أو على اطعام ذرية فلان أو على
معالجة المرضى أو تعليم القرآن أو تبليغ المذهب أو تعبيد الطرق أو على
سبل الخير عامة أو نحو ذلك.
مسألة 1464: كما أن العين الموقوفة في القسم الأول المتقدم تكون
ملكا للموقوف عليه كذلك منافعها تكون ملكا له، فالبستان الموقوف على
المسجد أو المشهد المعين أو زيد وذريته يكون بنفسه وبما آته ملكا
للموقوف عليه، نعم قد يشترط الواقف مباشرة الموقوف عليه في الانتفاع
بالعين الموقوفة، كما لو وقف الدار على زيد وأولاده ليسكنوا فيها بأنفسهم،
أو وقف البستان عليهم ليأكلوا من ثماره ويصطلح على هذا بوقف
الانتفاع، وحينئذ فلا يكون للموقوف عليه ايجار الدار والانتفاع بأجرتها، ولا
بيع ثمار البستان والاستفادة من ثمنه وإن جاز لهم إجارة البستان للتنزه فيه
ونحوه.
نعم إذا لم يمكنهم السكنى في الدار الموقوفة أو الأكل من ثمار
البستان لهجرتهم عن المكان أو للضرر أو الحرج أو لغير ذلك فإن كان قيد
المباشرة ملحوظا على نحو تعدد المطلوب كما هو الغالب جاز لهم الاستفادة
من منافعها بوجه آخر وإلا بطل الوقف ورجع إلى الواقف أو إلى ورثته.
مسألة 1465: إذا كان الموقوف عليه عنوانا عاما كما في القسم الثاني
المتقدم فالعين الموقوفة تكون ملكا للموقوف عليه، وأما منافعها فتكون لها
إحدى الحالات الثلاث التالية:
أ - أن تكون ملكا للعنوان ولا تدخل في ملك الأفراد أصلا كما في
389

وقف المدارس على الطلاب ووقف الخانات على المسافرين والغرباء ووقف
كتب العلم والزيارة على أهل العلم والزوار.
ب - أن تكون ملكا للعنوان وتدخل في ملك الأفراد بتمليكها لهم من
قبل المتولي وقبضهم إياها كما في وقف البستان على الفقراء.
ج - أن تكون ملكا للأفراد الموجودين في كل زمان على سبيل
الإشاعة من دون أن تتوقف ملكيتهم لها على اعمال الولاية من قبل المتولي
كما في وقف البستان على علماء البلد على أن يكون نماؤه ملكا للموجودين
منهم من أول ظهوره.
مسألة 1466: إذا كان الموقوف عليه من الجهات العامة أو الخاصة -
كما في القسم الثالث المتقدم - تكون العين والمنافع ملكا للجهة، ولو
اشترط الواقف صرف المنافع بأعيانها على الجهة الموقوف عليها لم يجز
تبديلها والمعاوضة عليها.
مسألة 1467: الظاهر أن غصب الوقف بجميع أقسامه - عدا ما يكون
من قبيل التحرير - يستتبع الضمان عينا ومنفعة، فلو غصب مدرسة أو رباطا
أو دارا موقوفة على الفقراء أو بناية موقوفة ليصرف واردها في علاج المرضي
أو نحو ذلك فتلفت تحت يده كان ضامنا لعينها، ولو استولى عليها مدة ثم
ردها كان عليه أجرة مثلها كما هو الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة.
مسألة 1468: إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالغنم
والبقر والإبل لم تجب الزكاة فيها وإن اجتمعت فيها شرائط ثبوتها، وأما إذا
كان نماؤها زكويا كما إذا وقف بستانا مشتملا على أشجار النخيل والعنب فإن
صار النماء ملكا شخصيا للمكلف قبل وقت تعلق الزكاة بحيث تعلقت في
ملكه وجبت عليه الزكاة إذا كان بالغا حد النصاب وإلا لم تجب، وقد تقدم
توضيح ذلك في المسألة 1086 من كتاب الزكاة.
390

مسألة 1469: لا يتحقق الوقف بمجرد النية، بل لا بد من انشائه بلفظ
ك‍ (وقفت) و (حبست) ونحوهما من الألفاظ الدالة عليه ولو بمعونة القرائن، أو
فعل سواء أكان معاطاة مثل أن يعطي آلات الاسراج أو الفرش إلى قيم
المسجد أو المشهد، أو لم يكن كذلك مثل أن يعمر الجدار أو الأسطوانة
الخربة من المسجد أو يبني بناء على طراز ما تبني به المساجد بقصد كونه
مسجدا ونحو ذلك فإنه يكون وقفا بذلك.
مسألة 1470: الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه وإن
كان الاعتبار أحوط ولا سيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية فيقبله
الموقوف عليهم وإن كانوا صغارا قام به وليهم، ويكفي قبول الموجودين ولا
يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده.
مسألة 1471: الأظهر عدم اعتبار القربة في صحة الوقف ولا سيما
في الوقف الخاص مثل الوقف على الذرية.
مسألة 1472: يعتبر في صحة الوقف الخاص قبض الموقوف عليه أو
قبض وكيله أو قبض وليه فإذا مات قبل القبض بطل وكان ميراثا، نعم يكفي قبض
الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى
عمن يوجد منها بعد ذلك، ولو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون
بعض صح بالنسبة إلى من قبض وبطل بالنسبة إلى من لم يقبض.
مسألة 1473: المشهور أنه يشترط أن يكون القبض بإذن الواقف، فلو
قبض الموقوف عليه بدون الإذن لم يكف ولكنه لا يخلو عن اشكال.
مسألة 1474: إذا وقف على أولاده الصغار وأولاد أولاده وكانت العين
في يده كفى ذلك في تحقق القبض ولم يحتج إلى قبض آخر، وإذا كانت
العين في يد غيره فلا بد من أخذها منه ليتحقق قبض وليهم.
مسألة 1475: إذا كانت العين بيد الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها
391

ولم يحتج إلى قبض جديد، نعم لا بد أن يكون بقاؤها في يده بعنوان الوقفية
بإذن الواقف بناء على اشتراط كون القبض بإذنه كما تقدم.
مسألة 1476: يتحقق القبض في المنقول وغير المنقول باستيلاء
الموقوف عليه على العين الموقوفة وصيرورتها تحت يده وسلطانه، والظاهر
اختلاف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد.
مسألة 1477: لا يعتبر في القبض الفورية فلو وقف عينا في زمان ثم
أقبضها في زمان متأخر كفى وتم الوقف من حينه.
مسألة 1478: الظاهر عدم اعتبار القبض في صحة الوقف على
العناوين والجهات العامة ولا سيما إذا كان من نية الواقف أن تبقى في يده
ويعمل بها على حسب ما وقف، وعلى تقدير اعتباره فالظاهر عدم الحاجة
إلى قبض الحاكم، فإذا وقف مقبرة كفى في تحقق القبض الدفن فيها، وإذا
وقف مكانا للصلاة تكفي الصلاة فيه، وإذا وقف حسينية تكفي إقامة العزاء
فيها، وكذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين والدار على سكنى
العلماء والفقراء فإنه يكفي في قبضها السكنى فيها.
مسألة 1479: إذا وقف حصيرا للمسجد كفى في قبضه - على تقدير
اعتباره - وضعه في المسجد بقصد استعماله، وكذا الحال في مثل آلات
المشاهد والحسينيات والمساجد ونحوها.
مسألة 1480: إذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو
نحوهما فعمره عامر فالظاهر كفاية ذلك في تمامية الوقف وإن لم يقبضه قابض،
وإذا مات لم يرجع ميراثا لوارثه.
مسألة 1481: يجوز التوكيل في ايقاع الوقف، وفي جريان الفضولية
فيه اشكال وإن كان هو الأقرب.
مسألة 1482: الوقوف التي تتعارف عند الأعراب بأن يقفوا شاة على
392

أن يكون الذكر المتولد منها (ذبيحة) أي يذبح ويؤكل والأنثى (منيحة) أي
تبقى وينتفع بصوفها ولبنها، وإذا ولدت ذكرا كان (ذبيحة) وإذا ولدت أنثى
كانت (منيحة) وهكذا، فإذا كان وقفهم معلقا على شفاء مريض أو ورود
مسافر أو سلامة غنمهم من الغزو أو المرض أو نحو ذلك فهي باطلة.
وأما إذا كانت منجزة غير معلقة فالظاهر صحتها إذا أريد بها وقف الشاة
على أن تذبح الذكور من نتاجها ونتاج نتاجها وتصرف على الجهة الموقوفة
عليها، وتبقى الإناث للانتاج مع استثناء صوفها ولبنها للواقف ومن يتولى
شؤون الشاة والنتاج من بعده.
مسألة 1483: لا يجوز في الوقف توقيته بمدة، فإذا قال: داري وقف
على أولادي سنة أو عشر سنين بطل وقفا، وهل يصح حبسا إذا قصد كونه
كذلك أم لا؟ الظاهر هو الصحة.
مسألة 1484: إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده
وأولاد أولاده صح وقفا ويسمى: (الوقف المنقطع الآخر) فإذا انقرضوا رجع إلى
الواقف أو ورثته حين الموت لا حين الانقراض، فإذا مات الواقف عن ولدين
ومات أحدهما قبل الانقراض وترك ولدا ثم انقرض الموقوف عليهم كانت
العين الموقوفة مشتركة بين العم وابن أخيه.
مسألة 1485: لا فرق فيما ذكرناه من صحة الوقف ورجوعه إلى
الواقف أو إلى ورثته بين كون الموقوف عليه مما ينقرض غالبا وبين كونه مما
لا ينقرض غالبا فاتفق انقراضه.
هذا إذا لم يفهم من القرائن أن خصوصية الموقوف عليه ملحوظة بنحو
تعدد المطلوب، وأما إذا فهم منها ذلك - كما لعله الغالب في الوقف على
من لا ينقرض غالبا - بأن كان الواقف قد أنشأ التصدق بالعين وأنشأ أيضا كونه
على نحو خاص بحيث إذا بطلت الخصوصية بقي أصل التصدق فلا اشكال
393

في أنه إذا انقرض الموقوف عليه لم ترجع العين إلى الواقف أو ورثته بل تبقى
وقفا وتصرف منافعها في جهة أخرى الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف.
مسألة 1486: من الوقف المنقطع الآخر ما إذا كان الوقف مبنيا على
الدوام لكن كان وقفا على من يصح الواقف عليه في أوله دون آخره كما إذا
وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلا فيصح وقفا
بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه ويبطل بالنسبة إلى ما لا يصح.
مسألة 1487: الوقف المنقطع الأول باطل سواء أكان بجعل الواقف
كما إذا أوقفه من أول الشهر القادم أو بحكم الشرع بأن وقف أولا على
ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره، وإن كان الأحوط في الثاني تجديد
الوقف عند انقراض الأول.
مسألة 1488: إذا وقف عينا على غيره وشرط عودها إليه عند الحاجة
ففي صحته قولان والأظهر البطلان.
مسألة 1489: يشترط في صحة الوقف التنجيز، فلو علقه على أمر
مستقبلي معلوم الحصول أو متوقع الحصول أو أمر حالي محتمل الحصول مع عدم
كونه مما تتوقف عليه صحة العقد بطل، فإذا قال: وقفت داري إذا جاء رأس
الشهر أو إذا ولد لي ذكر أو أن كان هذا اليوم يوم الجمعة بطل، وإذا علقه
على أمر حالي معلوم الحصول أو علقه على أمر مجهول الحصول ولكنه كان
تتوقف عليه صحة العقد كما إذا قال زيد: وقفت داري إن كنت زيدا أو وقفت
داري إن كانت لي صح.
مسألة 1490: إذا قال هذا وقف بعد وفاتي بطل إلا أن يفهم منه عرفا
أنه أراد الوصية بالوقف فيجب العلم بها عند تحقق شرائطها فيوقف بعده.
مسألة 1491: يشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن
الوقف فإذا وقف على نفسه بطل، وإذا قال: (داري وقف علي وعلى أخي) مثلا
394

على نحو التشريك بطل الوقف في نصف الدار، وإذا كان على نحو الترتيب
بأن قصد الوقف على نفسه ثم على غيره كان الوقف من المنقطع الأول فيبطل
مطلقا، وإن قصد الوقف على غيره ثم على نفسه بطل بالنسبة إلى نفسه فقط
وكان من الوقف المنقطع الآخر، وإن قال: (هي وقف على أخي، ثم على
نفسي، ثم على زيد) بطل الوقف بالنسبة إلى نفسه وزيد، وكان من الوقف
المنقطع الوسط.
مسألة 1492: إذا استثنى في ضمن اجراء الوقف بعض منافع العين
الموقوفة لنفسه فالظاهر صحته لأنه يعد خارجا عن الوقف لا من الوقف على
نفسه ليبطل، فيصح أن يوقف البستان ويستثني السعف وغصون الأشجار
وأوراقها عند اليبس، أو يستثني مقدار أداء ديونه سواء أكان بنحو التوزيع على
السنين كل سنة كذا أو بنحو تقديم أداء الديون على الصرف من مصارف
الوقف.
مسألة 1493: إذا وقف بستانا على من يتبرع من أولاده - مثلا -
بأداء ديونه العرفية أو الشرعية من ماله صح، وكذا إذا أوقفها على من يقوم من
جيرانه مثلا بالتبرع بأكل ضيوفه أو مؤنة أهله وأولاده حتى في مقدار النفقة
الواجبة عليه لهم فإنه يصح الوقف في مثل ذلك.
مسألة 1494: إذا وقف عينا على وفاء ديونه الشرعية أو العرفية بعد
الموت لم يصح وكذا لو وقفها على أداء العبادات عنه بعد الوفاة.
مسألة 1495: يمكن التخلص من اشكال الوقف على النفس بطرق
أخرى غير استثناء مقدار من منافع العين الموقوفة لنفسه:
منها: أن يملك العين لغيره ثم يقفها الغير على النهج الذي يريد من
ادرار مؤنته ووفاء ديونه ونحو ذلك، ويجوز له أن يشترط ذلك عليه في ضمن
عقد التمليك.
395

ومنها: أن يؤجرها مدة ويجعل لنفسه خيار الفسخ وبعد الوقف يفسخ
الإجارة فترجع المنفعة إليه لا إلى الموقوف عليهم.
مسألة 1496: يجوز انتفاع الواقف بالعين الموقوفة في مثل وقف
المساجد والوقف على الجهات لعامة، وكذا الوقف على العناوين الكلية إذا
كان الواقف داخلا في العنوان أو صار داخلا فيه فيما بعد وكان الوقف عليه
من قبيل القسم الأول من الأقسام الثلاثة المذكورة في المسألة (1465)
حيث لا تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم أصلا، وأما إذا كان من قبيل
القسم الثالث حيث تكون المنافع ملكا للموقوف عليهم على سبيل الإشاعة
فلا اشكال في عدم جواز أخذه حصة منها، بل يلزم أن يقصد من العنوان
المذكور حين العقد من عدا نفسه ويقصد خروجه عنه، وأما في القسم الثاني
حيث تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم بتمليك المتولي واقباضهم
إياها ففي جواز دخول الواقف في العنوان وأخذه حصة من المنافع اشكال،
لا سيما إذا كان مقتضى الوقف توزيع المنافع على الموقوف عليهم على نحو
الاستيعاب.
مسألة 1497: إذا تم الوقف كان لازما لا يجوز للواقف الرجوع فيه،
وإن وقع في مرض الموت لم يجز للورثة رده إلا فيما زاد على الثلث كما تقدم
في كتاب الحجر.
396

فصل في شرائط الواقف
مسألة 1498: يعتبر في الواقف: البلوغ والعقل والاختيار والقصد
وعدم الحجر عن التصرف في الموقوف لسفه أو فلس، فلا يصح وقف الصبي
وإن بلغ عشرا أو أذن فيه الولي، ولا وقف المجنون ولا المكره ولا الغافل
والساهي ولا المحجور عليه، نعم إذا أوصى الصبي بأن يوقف ملكه بعد وفاته
على وجوه الخير أو المبرة لأرحامه وأقربائه وكان قد بلغ عشرا وعقل نفذت
وصيته كما تقدم.
مسألة 1499: لا يشترط في الواقف الاسلام، فيصح وقف الكافر
إذا كان واجدا لسائر الشرائط على الأقوى.
397

فصل فيما يتعلق بالمتولي والناظر
مسألة 1500: يجوز للواقف في وقف غير المسجد أن يجعل تولية
الوقف ونظارته لنفسه ما دام الحياة أو إلى مدة مستقلا أو مشتركا مع غيره، وكذا
يجوز جعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر التولية لنفسه أو لشخص
آخر، بأن يكون المتولي كل من يعينه نفسه أو ذلك الشخص، بل يجوز أن
يجعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده، وهكذا كل متول
يعين المتولي بعده.
مسألة 1501: إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين
انشاء الوقف وأما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف، فليس له جعل التولية
لأحد ولا عزل من جعله متوليا عن التولية إلا إذا اشترط لنفسه ذلك، بأن جعل
التولية لشخص وشرط أنه متى أراد أن يعزله عزله، ولو فقد المتولي شرط
الواقف كما إذا جعل الولاية للعدل ففسق أو جعلها للأرشد فصار غيره أرشد
أو نحو ذلك العزل بذلك بلا حاجة إلى عزل.
مسألة 1502: يعتبر في متولي الوقف أن تكون له الكفاية على لإدارة
شؤونه ولو بالاستعانة بالغير، كما يعتبر أن يكون موثوقا به في العمل على وفق
ما يقتضيه الوقف، فلا يجوز جعل التولية - خصوصا في الجهات والمصالح
العامة - للخائن أو لمن ليس له الكفاية لذلك وإن كان بالغا عاقلا غير سفيه،
ولو كان غير البالغ واجدا للشرائط جاز جعله متوليا على الأقرب.
مسألة 1503: لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء
أكان حاضرا في مجلس ايقاع الوقف أم لم يكن حاضرا فيه ثم بلغ إليه الخبر
ولو بعد وفاة الواقف ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم
398

لم يجب القبول على المتولين بعده، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متول
منصوب، ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا؟ لا
يبعد الجواز وإن كان الأحوط أن لا يعزل نفسه ولو عزل يقوم بوظائفه مع
المراجعة إلى الحاكم.
مسألة 1504: إذا ظهرت خيانة من المتولي للوقف كعدم صرفه منافع
الوقف في الموارد المقررة من الواقف فللحاكم أن يضم إليه من يمنعه عنها
وإن لم يمكن ذلك عزله ونصب شخصا آخر متوليا له.
مسألة 1505: لو شرط التولية لاثنين، فإن فهم من كلامه استقلال كل
منهما استقل ولا يلزم عليه مراجعة الآخر، وإذا مات أحدهما أو خرج عن
الأهلية انفرد الآخر، وإن فهم من كلامه الاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال،
وكذا لو أطلق ولم تكن قرينة على إرادة الاستقلال، وفي الصورتين الأخيرتين
لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا آخر.
مسألة 1506: لو عين الواقف وظيفة المتولي وشغله فهو المتبع، ولو
أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف وإجارته وتحصيل أجرته
وقسمتها على أربابه وأداء خراجه ونحو ذلك، كل ذلك على وجه الاحتياط
ومراعاة الصلاح، وليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم، ويجوز
أن ينصب الواقف متوليا في بعض الأمور وآخر في الآخر، كما إذا
جعل أمر التعمير وتحصيل المنافع إلى أحد وأمر حفظها وقسمتها على أربابها
إلى آخر، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده ويحفظه وللآخر التصرف، ولو
فوض إلى واحد التعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من الحفظ
والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متول منصوب
فيجري عليه حكمه وسيأتي.
مسألة 1507: يجوز أن يجعل الواقف للمتولي مقدارا معينا من ثمرة
399

العين الموقوفة أو منفعتها أو من غيرهما سواء أكان أقل من أجرة المثل أم أكثر
أم مساويا، فإن لم يجعل له شيئا كانت له أجرة المثل أن كانت لعمله أجرة
إلا أن يظهر من القرائن أن الواقف قصد المجانية.
مسألة 1508: ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه
عن التصدي إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متوليا، نعم يجوز له
توكيل الغير فيما كان تصديه من وظيفته إذا لم يشترط عليه المباشرة في.
تنفيذه.
مسألة 1509: يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي، فإن أحرز
أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله واشرافه عليها لأجل الاستيثاق فهو
مستقل في تصرفاته ولا يعتبر أذن الناظر في صحتها ونفوذها وأنما اللازم عليه
اطلاعه، وإن أحرز أن المقصود اعمال نظره وتصويبه عمل المتولي لم يجز له
التصرف إلا بإذنه وتصويبه، ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين.
مسألة 1510: ما تقدم في المتولي من عدم إمكان عزله بعد النصب
إلا مع الشرط، وجواز جعل شئ له إزاء عمله، وعدم وجوب قبول التولية
على المعين لها ونحو ذلك من الأحكام يجري نظيرها على الناظر أيضا.
مسألة 1511: إذا لم يجعل الواقف متوليا للوقف ولم يجعل حق نصبه
لنفسه أو لغيره فالمال الموقوف إن كان موقوفا على أفراد معينة على نحو
التمليك كأولاد الواقف مثلا جاز لهم التصرف في العين الموقوفة بما يتوقف
عليه انتفاعهم منها فعلا من دون أخذ إجازة أحد فيما إذا كانوا بالغين عاقلين
رشيدين وإن لم يكونوا كذلك كان زمام ذلك بيد وليهم، وأما التصرف فيها بما
يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة مصلحة البطون من تعميرها وإجارتها على
الطبقات اللاحقة فالأمر فيه بيد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.
وإن كان المال موقوفا على جهة عامة أو خاصة أو عنوان كذلك
400

كالأموال الموقوفة على الفقراء أو الخيرات فالمتولي له في حال عدم نصب
الواقف أحدا للتولية وعدم جعل حق النصب لنفسه أو لغيره هو الحاكم
الشرعي أو المنصوب من قبله.
مسألة 1512: الأوقاف التي تكون توليتها للحاكم ومنصوبة إذا فقدا أو
لم يمكن الوصول إليهما تكون توليتها لعدول المؤمنين.
مسألة 1513: لا فرق في رجوع الأمر إلى الحاكم بين ما إذا لم
يعين الواقف متوليا وبين ما إذا عين ولم يكن أهلا لها أو خرج عن الأهلية،
فإذا جعل التولية للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل لو كان ففسق كان
كأن لم ينصب وليا.
مسألة 1514: لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا ولم يكن فيهم
إلا عدل واحد ضم الحاكم إليه عدلا آخر، وأما لو لم يوجد فيهم عدل أصلا
نصب الحاكم عدلين، والظاهر كفاية نصب عدل واحد أيضا إذا كان كافيا
للقيام بشؤون الوقف.
401

فصل
في شرائط العين الموقوفة
مسألة 1515: يعتبر في الموقوف أن يكون عينا خارجية فلا يصح
وقف الدين ولا وقف المنفعة غير العينية، فإذا قال: (وقفت ما هو لي في ذمة زيد
من فرش أو إناء أو نحوهما)، أو قال: (وقفت منفعة داري) لم يصح، وأما وقف
الكلي في المعين كوقف مائة متر مربع مثلا من القطعة المعينة من أرض
فالظاهر صحته.
مسألة 1516: يعتبر أن تكون العين مملوكة أو بحكمها، فلا يصح
وقف الحر والمباحات الأصلية قبل حيازتها، ويجوز وقف إبل الصدقة وغنمها
وبقرها من سهم سبيل الله إذا اقتضته المصلحة العامة وكان الواقف هو
الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله.
مسألة 1517: يعتبر في العين الموقوفة أن لا تكون متعلقة لحق الغير
بحيث يمنع من التصرف الناقل أو ما بحكمه فيها، فلا يصح وقف العين
المرهونة قبل فكها على الأقوى.
مسألة 1518: يعتبر في العين الموقوفة أن تكون مما يمكن الانتفاع
بها مدة معتدا بها مع بقائها، فلا يصح وقف الأطعمة والخضر والفواكه ونحوها مما
لا نفع فيه إلا بإتلاف عينه ولا وقف الورد والريحان ونحوهما للشم مما لا يبقى إلا لفترة
قصيرة، كما يعتبر أن يكون الانتفاع بها محللا، فلا يصح وقف آلات اللهو
المحرم وآلات القمار والصلبان ونحوها مما يحرم الانتفاع به، ويعتبر أن
تكون المنفعة المقصودة بالوقف محللة فلا يصح وقف الدابة لحمل الخمر
أو الدكان لحرزها أو بيعها.
402

مسألة 1519: لا يعتبر في صحة الوقف أن تكون العين مما يمكن
قبضها حال الوقف، فإذا وقف الجمل الشارد أو الطير في الهواء
وتحقق القبض بعده صح الوقف.
مسألة 1520: لا إشكال في صحة وقف الثياب والأواني والفرش
والدور والبساتين والأراضي والكتب والسلاح والحيوانات إذا كان ينتفع بها
في الركوب أو الحمل أو كان لها نماء من اللبن أو الوبر والشعر والصوف
أو غير ذلك وكذا غيرها مما له منفعة محللة، ويجوز وقف الدراهم والدنانير
إذا كان ينتفع بها في التزيين ونحوه، وأما وقفها لحفظ الاعتبار ففيه إشكال.
مسألة 1521: المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر
واللبن ونحوهما والمنفعة الفعلية مثل الركوب والحرث والسكنى وغيرها.
مسألة 1522: لا يشترط في العين الموقوفة أن تكون محلا للانتفاع
حال الوقف بل يكفي كونها معرضا للانتفاع ولو بعد مدة فيصح وقف الشجرة
قبل أن تثمر ووقف الدابة الصغيرة قبل أن تقوى على الركوب أو الحمل
عليها.
403

فصل
في شرائط الموقوف عليه
مسألة 1523: يشترط في الموقوف عليه أمور:
الأول: التعيين، فإذا وقف على المردد بين شيئين أو أشياء مثل أحد
المسجدين أو أحد المشهدين أو أحد الولدين مثلا لم يصح، نعم إذا وقف على
الجامع بين أمرين أو أمور صح.
الثاني: وجوده - الوقف الخاص - حال الوقف فلا يصح الوقف
على المعدوم حاله سواء أكان موجودا قبل ذلك، كما إذا وقف على
زيد الذي مات أو يوجد بعد الوقف مثل أن يقف على ولده الذي
سيولد، وأما إذا كان حملا لم ينفصل حين الوقف ففي بطلان الوقف تأمل،
نعم إذا وقف على الحمل أو المعدوم تبعا للموجود بالفعل بأن يجعل طبقة
ثانية أو مساويا للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صح كما إذا وقف
على أولاده ثم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم وهكذا.
مسألة 1524: إذا وقف على أولاده الموجودين ثم على من سيوجد
على أن يكون بعد وجوده مقدما على الموجودين فالظاهر الصحة.
مسألة 1525: إذا وقف على الزائرين أو الحجاج أو عالم البلد أو نحو
ذلك من العناوين العامة التي توجد لها أفراد في وقت ولا توجد في وقت آخر
صح وإن لم يكن له فرد حين الوقف، فإذا وقف بستانا مثلا على فقراء البلد
ولم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف كما أنه لو
كان موجودا ثم لم يوجد ثم وجد لم يبطل الوقف في فترة عدم وجوده بل هو
باق على وقفيته فيحفظ ثمره في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد وإن لم
404

يمكن حفظه بعينه بيع وحفظ ثمنه إلى ذلك الزمان.
الثالث: أن لا يكون من الجهات المحرمة وما فيه إعانة على المعصية
كفعل الزنا وشرب الخمر ونسخ كتب الضلال ونشرها وتدريسها وشراء آلات
اللهو المحرم ونحو ذلك.
مسألة 1526: يجوز وقف المسلم على الكافر في الجهات المحللة.
مسألة 1527: إذا وقف على ما لا يصح الوقف عليه وما يصح على
نحو التشريك بطل بالنسبة إلى حصة الأول وصح بالنسبة إلى حصة الثاني،
وإن كان على نحو الترتيب فإن كان الأول مقدما فالأقوى بطلانه رأسا وإن
كان مؤخرا كان من المنقطع الآخر فيصح فيما يصح الوقف عليه ويبطل فيما
بعده كما تقدم.
مسألة 1528: إذا وقف على ما يصح الوقف عليه ثم على ما لا يصح
الوقف عليه ثم على ما يصح الوقف عليه كان من المنقطع الوسط فيصح في
الأول ويبطل فيما بعده مطلقا حتى في الأخير.
405

فصل
في بيان المراد من بعض عبارات الواقف
مسألة 1529: إذا وقف على الفقراء أو فقراء البلد اختص بفقراء
ملته ونحلته لو وجدت قرينة على الاختصاص كما لو كان ممن لا يعطف
على الفقراء من غير أهل نحلته ومذهبه إما مطلقا أو مع وجود فقير من
أهل نحلته، كما لعله السائد في اتباع مختلف الأديان والمذاهب في
غالب الأزمنة والأمكنة، وعليه فلو كان الواقف من المسلمين اختص
الوقف بفقراء المسلمين ولو كان من اليهود أو النصارى اختص بفقرائهم
وإن كان الواقف من بعض الفرق والمذاهب اختص بأهل فرقته ومذهبه.
مسألة 1530: إذا وقف على فقراء البلد أو فقراء القرية أو فقراء
المحلة فالظاهر منه أنهم مصرف لمنافعه لا أنها ملك لأشخاصهم
ليلزم الاستيعاب، وعليه فلا يجب توزيعها على جماعة معتد بها منهم
فضلا عن استيعابهم جميعا، نعم لو كانت هناك قرينة على ذلك لزم
اتباعها، كما لو كانت منافع الوقف كثيرة والموقوف عليهم قليلون
لا سيما مع قلة مصرف كل واحد منهم، فإنه لا بد حينئذ من التوسع في
المصرف حسبما تقتضيه القرينة، ولو كانت قرينة على إرادته الاستيعاب
والصرف على الجميع حتى الغائبين منهم تعين العمل بموجبها فإن لم
يمكن لغيبة بعضهم أو لتفرقهم عزل حصة من لم يتمكن من إيصال
حصته إليه إلى زمان التمكن وإذا شك في عددهم اقتصر على الأقل
والأحوط التفتيش والفحص.
406

مسألة 1531: إذا قال: (هذا وقف على أولادي، أو ذريتي، أو
أصهاري، أو أرحامي، أو تلامذتي، أو مشايخي، أو جيراني) فالظاهر منه
العموم فيجب فيه الاستيعاب.
مسألة 1532: إذا وقف على المسلمين كان لمن يعتقد الواقف
إسلامه، فلا يدخل في الموقوف عليهم من يعتقد الواقف كفره وإن أقر
بالشهادتين، ويعم الوقف المسلمين جميعا الذكور والإناث والكبار
والصغار والمجانين والسفهاء والعدول والفساق.
مسألة 1533: إذا وقف على المؤمنين اختص الوقف بمن كان
مؤمنا في اعتقاد الواقف، فإذا كان الواقف اثني عشريا اختص الوقف
بالاثني عشرية من الإمامية، ولا فرق بين الرجال والنساء والأطفال
والمجانين ولا بين العدول والفساق، وكذا إذا وقف الاثنا عشري
على الشيعة، وأما إذا كان الواقف على الشيعة من بعض الفرق الآخر
من الشيعة فقد يقال: إن الظاهر منه العموم لا تباع فرقته وغيرهم ممن
يعتقد الخلافة لعلي عليه السلام بلا فصل، ولكن لا كلية له.
مسألة 1534: إذا وقف في سبيل الله تعالى أو في وجوه البر فالمراد
منه ما يكون قربة وطاعة.
مسألة 1535: إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع فيه العرف،
وكذا إذا وقف على الأقرب فالأقرب ما لم تقم قرينة على إرادته الترتيب وفق
طبقات الإرث وإلا لزم إتباعها.
مسألة 1536: إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى،
407

نعم إذا كان المفهوم في العرف الخاص لبعض البلاد خصوص الذكر اختص
به دون الأنثى، وكذا الحال إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده.
مسألة 1537: إذا وقف على إخوته اشترك الإخوة للأبوين والإخوة
للأب فقط والإخوة للأم فقط بالسوية، وكذا إذا وقف على أجداده اشترك
الأجداد لأبيه والأجداد لأمه، وكذا إذا وقف على الأعمام أو الأخوال فإنه
يعم الأعمام للأبوين وللأب وللأم وكذلك الأخوال ولا يشمل الوقف على
الإخوة أولادهم ولا الأخوات ولا الوقف على الأعمام والأخوال أعمام الأب
والأم وأخوالهما والعمات مطلقا والخالات كذلك.
مسألة 1538: إذا وقف على أبنائه لم تدخل البنات، وإذا وقف على
ذريته دخل الذكر والأنثى والصلبي وغيره.
مسألة 1539: إذا قال: (هذا وقف على أولادي ما تعاقبوا وتناسلوا)
فالظاهر منه التشريك، وإذا قال: (هذا وقف على أولادي الأعلى فالأعلى) فالظاهر
منه الترتيب، وإذا قال: (هذا وقف على أولادي نسلا بعد نسل، أو طبقة بعد طبقة،
أو طبقة فطبقة) ففي كونه للترتيب أو للتشريك قولان ولعل الأول أظهر.
مسألة 1540: إذا كان الوقف ترتيبا كانت الكيفية تابعة لجعل
الواقف، فتارة يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعي الأقرب
فالأقرب إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمه وعمته ولا ابن
الأخت خاله وخالته، وأخرى يجعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل طبقة
وأبنائهم، فإذا توفي الآباء شارك الأولاد أعمامهم مثلا، ويمكن أن يجعل الترتيب
على نحو آخر ويتبع، فإن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها.
مسألة 1541: لو قال: (وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإذا مات
أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده) فلو مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه
لولده، ولو تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤوس، وإذا مات من لا
ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ولا يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده.
408

مسألة 1542: إذا تردد الموقوف عليه بين عنوانين أو شخصين فإن
تصادق العنوانان في مورد أو أمكن التصالح بين الشخصين على شئ فهو
وإلا أقرع بينهما، وإذا شك في الوقف أنه ترتيبي أو تشريكي فإن كان هناك
اطلاق في عبارة الواقف كان مقتضاه التشريك وإن لم يكن فيها اطلاق أعطي
أهل المرتبة المحتملة التقدم حصتهم، وأما الحصة المرددة فإن أمكن التصالح
بينهم وبين من بعدهم بشأنها فهو وإلا أقرع بينهما فتعطى من خرجت القرعة
باسمه.
مسألة 1543: إذا وقف على العلماء فالظاهر منه - بحسب الغالب -
علماء الشريعة فلا يشمل علماء الطب والنجوم والهندسة والجغرافيا ونحوهم.
وإذا وقف على أهل بلد اختص بالمواطنين والمجاورين منهم ولا
يشمل المسافرين وإن نووا إقامة مدة فيه.
مسألة 1544: إذا وقف على مسجد أو مشهد صرف نماؤه في
مصالحة من تعمير وفرش وإنارة وكنس ونحو ذلك من مصالحة، وفي جواز
أعطاء شئ من النماء لإمام الجماعة اشكال إلا أن تكون هناك قرينة على
إرادة ما يشمل ذلك فيعطي منه حينئذ.
مسألة 1545: إذا وقف على الحسين عليه السلام صرف في إقامة
عزائه من أجرة القارئ وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين من طعام أو
غيره، والأحوط الأولى إهداء ثواب ذلك إليه عليه السلام، ولا فرق بين إقامة
مجلس للعزاء وأن يعطي الذاكر لعزائه عليه السلام في المسجد أو الحرم أو
الصحن أو غير ذلك، هذا مع انصراف الوقف عليه عليه السلام إلى إقامة
عزائه، وإلا جرى عليه ما سيأتي في الوقف على النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام.
409

مسألة 1546: إذا وقف على أن يصرف على ميت أو أموات صرف
في مصالحهم الأخروية من الصدقات عنهم وفعل الخيرات لهم، وإذا
احتمل اشتغال ذمتهم بالديون العرفية أو الشرعية صرف أيضا في افراغ ذمتهم.
مسألة 1547: إذا وقف على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام صرف في إحياء ذكرهم واعلاء شأنهم كإقامة المجالس لذكر
فضائلهم ومناقبهم ووفياتهم وبيان ظلاماتهم ونحو ذلك مما يوجب التبصر
بمقامهم الرفيع، والأحوط الأولى اهداء ثواب ذلك إليهم عليهم السلام، ولا
فرق بين أمام العصر عجل الله فرجه الشريف وآبائه الطاهرين.
مسألة 1548: إذا وقف على أولاده فالظاهر العموم لأولاد أولاده،
وأولادهم وإن سفلوا.
مسألة 1549: إذا قال: (هذا وقف على أولادي فإذا انقرض أولادي
وأولاد أولادي فهو على الفقراء) فالأقوى أنه وقف على أولاده الصلبيين
وغيرهم على التشريك، وكذا إذا قال: (هذا وقف على أولادي فإذا انقرضوا
وانقرض أولاد أولادي فهو على الفقراء).
مسألة 1550: إذا قال (هذه الدار وقف على أولادي) جاز لهم الانتفاع
منها بغير السكن فيها كأن يؤجروها ويقسموا بينهم ما يحصلون من الأجرة،
وإن قال: (هذه الدار وقف على أولادي ليسكنوا فيها) لم يجز لهم أن يؤجروها
ويقتسموا الأجرة، بل لكل منهم حق الانتفاع منها بالسكنى فقط، فمن لم
يرد السكنى فلا شئ له، وإن أراده الجميع فإن اتسعت لذلك سكنوا جميعا
وإن تشاحوا في تعيين المسكن لكل واحد فالمرجع نظر المتولي ومع عدمه
أو توقفه لفقدان المرجح فالمرجع القرعة، وإن امتنع بعضهم عن السكنى
حينئذ جاز للباقين الاستقلال فيها وليس عليه شئ لصاحبهم، وإن لم تتسع
لسكني الجميع اقتسموها بينهم يوما فيوما أو شهرا فشهرا أو سنة فسنة
410

وإن اختلفوا في ذلك وتشاحوا فالحكم كما سبق وليس لبعضهم ترك السكنى
والمطالبة بالأجرة حينئذ بالنسبة إلى حصته.
مسألة 1551: إذا قال: (هذا وقف على الذكور من أولادي، أو ذكور
أولادي نسلا بعد نسل، أو طبقة بعد طبقة) أختص بالذكور من الذكور ولا يشمل
الذكور من الإناث.
مسألة 1552: إذا قال: (هذا وقف على إخوتي نسلا بعد نسل) فالظاهر
العموم لأولادهم الذكور والإناث.
مسألة 1553: إذا قال: (هذا وقف على أولادي ثم أولاد أولادي) كان
الترتيب بين أولاده الصلبيين وأولادهم ولا يكون بين أولاد أولاده وأولادهم
ترتيب بل الحكم بينهم على نحو التشريك.
مسألة 1554: إذا وقف على زيد والفقراء فالظاهر التنصيف وكذا إذا
قال: (هذا وقف على زيد وأولاد عمرو) أو قال: (هذا وقف على أولاد زيد
وأولاد عمرو) أو قال: (هذا وقف على العلماء والفقراء).
مسألة 1555: إذا وقف على الزوار فالظاهر الاختصاص بغير أهل
المشهد ممن يأتي من الخارج للزيارة، وفي كونه كذلك إذا قال: (هذا وقف على من
يزور المشهد) اشكال.
مسألة 1556: لو وقف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل بلد
آخر كلبنان لم يختص بمن هاجر من ذلك البلد إلى النجف للاشتغال بل يعم
أولاد المهاجرين ممن ولدوا في النجف وصاروا مشتغلين فيها، وهل يعم
المشتغل الذي جعله وطنا له معرضا عن بلده الأول أم لا؟ الأظهر الشمول
مع صدق نسبته إليه عرفا.
411

فصل
في بعض أحكام الوقف
مسألة 1557: إذا تم الوقف لا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل
والتغيير في الموقوف عليه بنقله منهم إلى غيرهم وإخراج بعضهم منه
وإدخال أجنبي عنهم معهم إذا لم يشترط ذلك، وأما إذا اشترط ادخال
من شاء معهم فالظاهر صحته وحينئذ إذا أدخل غيرهم معهم نفذ وإذا لم
يدخل أحدا إلى أن مات بقي الوقف على حاله الأولى، وإذا اشترط
إخراج بعضهم فالظاهر صحته أيضا.
مسألة 1558: إذا اشترط الواقف شرطا الواقف شرطا في الموقوف عليه كما
إذا وقف المدرسة على الطلبة العدول أو المجتهدين ففقد الشرط خرج
عن الوقف، وإذا أشترط عليه شرطا كما إذا وقف على الطلبة واشترط
عليهم التهجد في الليل فالظاهر أن مرجعه إلى ذلك أيضا، فلو ترك التهجد
خرج عن الوقف لا أنه يجب عليه التهجد تكليفا بحيث لو تركه بقي مشمولا
للوقف وإن كان عاصيا.
مسألة 1559: إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم
لأجل بقائها وحصول النماء منها فإن عين الواقف لها ما يصرف فيها عمل عليه
وإلا صرف من نمائها وجوبا مقدما على حق الموقوف عليهم، وإذا احتاج إلى
التعمير أو الترميم بحيث لولاه لم يبق للبطون اللاحقة فالظاهر وجوبه وإن
أدى إلى حرمان البطن السابق.
مسألة 1560: إذا أحتاج الوقف إلى التعمير أو الترميم ولم يكن وجه يصرف
412

فيه يجوز للمتولي أن يقترض له بما هو متول عليه فلا يكون مدينا بشخصه بل
بماله من الولاية على الوقف، فيؤدي دينه - هذا - مما يرجع إلى الوقف
كمنافعه أو منافع موقوفاته لا من أمواله الخاصة، ولو صرف من ماله في تعميره
بقصد الاستيفاء مما ذكر جاز له ذلك فإن مرجعه إلى ما تقدم.
مسألة 1561: الثمر الموجود على النخل أو الشجر حين إجراء الوقف
باق على ملك مالكها ولا يكون للموقوف عليه، وكذا الحمل الموجود حين
وقف الدابة واللبن والصوف الموجودان حين وقف الشاة، وكذا ما يتجدد من
الثمر أو الحمل أو اللبن أو الصوف ونحوها بعد انشاء الوقف وقبل القبض
فيما يعتبر القبض في صحته، نعم إذا اكتمل نمو الثمرة أو نحوها بعد تحقق
الوقف فالظاهر أن الموقوف عليهم يشاركون الواقف فيها بالنسبة ما لم تكن
قرينة على استثناء ذلك عن منافع العين الموقوفة.
مسألة 1562: إذا جهل الموقوف عليه فإن كانت الشبهة غير محصورة
فالأظهر جواز صرفه في وجه من وجوه البر، والأحوط لزوما أن لا يكون
المصرف خارجا عن أطراف الشبهة، بل وإن لا يكون احتمال كونه مصرفا
أضعف من غيره، وأما إذا كانت الشبهة محصورة فإن كانت أطرافها عناوين
متصادقة في الجملة تعين صرف المال في المجمع كما إذا لم يدر أن الوقف
وقف على العلماء مطلقا أو على خصوص العدول منهم أو لم يدر أنه وقف
على العلماء أو الفقراء فإنه يصرف في الصورة الأولى على العلماء العدول
وفي الصورة الثانية على العلماء الفقراء.
وإن كانت المحتملات متباينة كما إذا لم يدر أن الوقف وقف على
المسجد الفلاني أو على المسجد الآخر أو أنه وقف لزيد وأولاده الذكور نسلا
بعد نسل أو لعمرو كذلك فالأقرب الرجوع إلى القرعة ويراعي في عدد
السهام درجة الاحتمال - قوة وضعفا - في جميع الأطراف.
413

هذا كله فيما إذا لم يعتبر في المصرف التوزيع على نحو الاستيعاب
وإلا اختلف الحال فيه عما ذكر في الجملة، ففي موارد العناوين المتصادقة
لا بد من الرجوع إلى القرعة في غير مورد الاجتماع، وأيضا لو كان الوقف
على نحو يوجب ملكية المنافع فالمرجع فيه عند التردد في الشبهة المحصورة
هو القرعة وفي غير المحصورة يعامل مع النماء معاملة مجهول المالك
فيتصدق به، ولا بد أن يكون التصدق على المستحقين من أطراف الشبهة ولا
يجوز التصدق على الخارج عنهم مع تيسر التصدق عليهم.
مسألة 1563: إذا أجر البطن الأول من الموقوف عليهم العين
الموقوفة في الوقف الترتيبي وانقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة لم تصح
الإجارة بالنسبة إلى بقية المدة وكذا الحكم في الوقف التشريكي إذا ولد في
أثناء المدة من يشارك الموقوف عليه المؤجر فإنه لا تصح الإجارة بالنسبة إلى
حصته، والظاهر صحتها بالإجازة من البطن الثاني في الصورة الأولى ومن
الشريك في الصورة الثانية فيكون للمجيز حصته من الأجرة ولا يحتاج إلى
تجديد الإجارة وإن كان أحوط. نعم إذا كانت الإجارة من الولي لمصلحة
الوقف صحت ونفذت وكذا إذا كانت لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له
ولاية على ذلك فإنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.
مسألة 1564: إذا كانت للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات متنوعة
كان الجميع للموقوف عليه مع اطلاق الوقف فإذا وقف الشجر أو النخل كانت
ثمرتهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة وأكمام
الطلع والفسيل ونحوها مما هو مبني على الانفصال للموقوف عليه ولا يجوز
للمالك ولا لغيره التصرف فيها إلا على الوجه الذي اشترطه الواقف.
مسألة 1565: الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما واستطال حتى صار
نخلا أو قلع من موضعه وغرس في موضع آخر فنما حتى صار مثمرا لا يكون
414

وقفا بل هو من نماء الوقف فيجوز بيعه وصرفه في الموقوف عليه، وكذا إذا قطع
بعض الأغصان الزائدة للاصلاح وغرس فصار شجرة فإنه لا يكون وقفا بل
يجري عليه حكم نماء الوقف من جواز بيعه وصرف ثمنه في مصرف الوقف.
مسألة 1566: إذا خرب المسجد لم تخرج العرصة عن الوقفية فلا
يجوز بيعها وإن تعذر تعميره، وكذا إذا خربت القرية التي هو فيها حتى بطل
الانتفاع به إلى الأبد.
مسألة 1567: كما لا يجوز بيع عرصة المسجد بعد خرابه كذلك لا
يجوز إجارتها، ولو غصبها غاصب واستوفى منها منافع أخرى - كما إذا جعلها
مسكنا أو محرزا - لم يكن علية أجرة المثل وإن كان آثما، نعم لو تلف
بعض موقوفاته تحت يده أو أتلفه شخص فالظاهر ضمانه فيؤخذ منه البدل
من المثل أو القيمة ويصرف على مسجد آخر.
مسألة 1568: ما يوقف على المساجد والمشاهد ونحوهما من آلات
الإنارة والتكييف والفرش وشبهها ما دام يمكن الانتفاع بها باقية على حالها لا
يجوز بيعها، فإن أمكن الانتفاع بها في المحل الذي أعدت له ولو بغير ذلك
الانتفاع الذي أعدت له بقيت على حالها في ذلك المحل، فالفرش المتعلق
بمسجد أو مشهد إذا أمكن الانتفاع به في ذلك المحل بقي على حاله فيه، ولو
فرض استغناء المحل عن الافتراش بالمرة لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحر
أو البرد تجعل سترا لذلك المحل، ولو فرض استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا
يترتب على امساكه وابقائه فيه إلا الضياع والتلف يجعل في محل آخر مماثل له،
بأن يجعل ما للمسجد لمسجد آخر وما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يكن المماثل
أو استغنى عنها بالمرة جعل في المصالح العامة. هذا إذا أمكن الانتفاع به باقيا
على حاله، وأما لو فرض أنه لا يمكن الانتفاع به إلا ببيعه وكان بحيث لو بقي
على حاله ضاع وتلف بيع وصرف ثمنه في ذلك المحل أن أحتاج إليه وإلا ففي
المماثل ثم المصالح العامة حسبما مر.
415

مسألة 1569: غير المسجد من الأعيان الموقوفة مثل البستان والدار
لا تخرج عن وصفها وقفا بمجرد الخراب الموجب لزوال العنوان، نعم إذا
كانت الوقفية قائمة بعنوان كوقف البستان ما دامت كذلك بطلت الوقفية
بذهاب العنوان وترجع ملكا للواقف ومنه إلى ورثته حين موته، وهذا بخلاف
ما إذا لوحظ في الوقف كل من العين والعنوان فإنه إذا زال العنوان فإن أمكن
تعمير العين الموقوفة وإعادة العنوان من دون حاجة إلى بيع بعضها كأن تؤجر
لمدة معينة ولو كانت طويلة نسبيا ويصرف بدل الايجار على تعميرها أو
يصالح شخص على إعادة تعميرها على أن تكون له منافعها لفترة معينة لزم
وتعين، وإن توقف إعادة عنوانها على بيع بعضها ليعمر الباقي فالأحوط تعينه
أيضا، وإن تعذر إعادة العنوان إليها مطلقا وأمكن استنماء عرصتها بوجه آخر
فالأظهر تعينه، وإن لم يمكن بيعت والأحوط حينئذ أن يشتري بثمنها ملك
آخر ويوقف على نهج وقف الأول بل الأحوط أن يكون الوقف الجديد معنونا
بعنوان الوقف الأول مع الامكان وإلا الأقرب فالأقرب إليه، وإن تعذر هذا
أيضا صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها.
مسألة 1570: إذا خرب الوقف ولم تبطل منفعته بل بقيت له منفعة
معتد بها قليلة أو كثيرة فإن أمكن تجديده وإن كان بإجارته مدة وصرف الإجارة
في العمارة وجب ذلك وإن لم يمكن فالظاهر بقاء الوقفية بحالها وتصرف
منافعه في الجهة الموقوف عليها.
مسألة 1571: إذا وقف على مصلحة فبطل رسمها كما إذا وقف على
مسجد أو مدرسة أو حسينية فخربت وصارت شارعا أو نحوه فإن كانت
خصوصية الموقوف عليه ملحوظة على نحو تعدد المطلوب - كما لعله الغالب -
416

صرف نماء الوقف على مسجد أو حسينية أو مدرسة أخرى إن أمكن وإلا
ففي وجوه البر الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف، وإن كانت الخصوصية
ملحوظة على نحو وحدة المطلوب بطل الوقف ورجع إلى الواقف أو إلى
ورثته.
هذا إذا بطل رسمها ولم ترج إعادته وأما مع رجاء إعادته في المستقبل
المنظور فاللازم تجميع عوائد الوقف وادخارها لذلك، نعم إذا انقطع الرجاء
عمل في هذه العوائد بما تقدم من الصورة السابقة.
مسألة 1572: إذا تعذر الانتفاع بالعين الموقوفة لانتفاء الجهة
الموقوف عليها وكانت خصوصيتها ملحوظة على نحو تعدد المطلوب صرفت
منافعها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف، فإذا كان الوقف وقفا على
إقامة عزاء الحسين عليه السلام في بلد خاص بنحو معين ولم يمكن ذلك
صرفت منافعه في إقامة عزائه عليه السلام في ذلك البلد بنحو آخر، وإن لم
يمكن ذلك أيضا صرفت منافعه في إقامة عزائه عليه السلام بذلك النحو في
بلد آخر.
مسألة 1573: إذا تعذر الانتفاع بالوقف لانقراض الموقوف عليه تبطل
وقفيته ويرجع ملكا للواقف فإن لم يكن موجودا كان لورثته على ما تقدم في
المسألة (1484).
مسألة 1574: يجوز وقف البستان واستثناء نخلة منها ويجوز له حينئذ
الدخول إليها بمقدار الحاجة كما أن له ابقاءها مجانا وليس للموقوف عليهم
قلعها، وإذا انقلعت لم يبق له حق في الأرض فلا يجوز له غرس نخلة أخرى
مكانها، وكذا يجوز في وقف الدار استثناء غرفة منها ولكن إذا خربت بقيت
له الأرض لأن الأرض جزء الغرفة.
مسألة 1575: إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك الطلق
417

جازت قسمتها بتمييز الوقف عن الملك الطلق ويتولى القسمة المالك للطلق
ومتولي الوقف، بل الأقوى جواز القمسة إذا تعدد الواقف والموقوف عليه كما
إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما نصفه المشاع على
أولاده، وكذا إذا اتحد الواقف مع تعدد الموقوف عليه كما إذا وقف مالك
الدار نصفها على مسجد ونصفها الآخر على مسجد آخر، وأما إذا اتحد
الواقف والموقوف عليه فالظاهر عدم جواز القمسة إلا مع اشتراطها من قبل
الواقف عند وقوع التشاح بين الموقوف عليهم أو مطلقا، نعم يجوز تقسيمه
بمعنى تخصيص انتفاع كل قسم منه ببعض الموقوف عليهم ما لم يكن ذلك
منافيا لشرط الواقف، فإذا وقف أرضا زراعية مثلا على أولاده وكانوا أربعة جاز
لهم اقتسامها أرباعا لينتفع كل قسم منها، فإذا صار له ولد آخر بطلت القسمة
وجاز اقتسامها أخماسا، فإذا مات اثنان منهم بطلت القمسة وجاز اقتسامها
أثلاثا وهكذا.
مسألة 1576: لا يجوز تغير عنوان العين الموقوفة إذا كان ظاهر الوقف
إرادة بقاء عنوانها سواء فهم ذلك من كيفيته كما إذا وقف داره على السكنى فلا
يجوز تغييرها إلى الدكاكين أم فهم من قرينة خارجية، بل إذا احتمل ذلك
ولم يكن اطلاق في إنشاء الوقف لم يجز ذلك، نعم إذا كان اطلاق في إنشاء
الوقف جاز للولي التغيير فيبدل الدار إلى دكاكين والدكاكين إلى دار وهكذا،
وقد يعلم من القرينة إرادة بقاء العنوان ما دام له دخل في كثرة المنفعة فيحنئذ
لا يجوز التغيير ما دام الحال كذلك، فإذا قلت المنفعة جاز التغيير.
مسألة 1577: النخلة الموقوفة للانتفاع بثمرها إذا انقلعت لعاصفة أو
نحوها بيعت واشترى بثمنها فسيل أو نخلة أخرى - إن أمكن - وتوقف على
نهج وقف الأولى، وإن لم يمكن صرف ثمنها على الجهة الموقوفة عليها.
نعم إذا كانت النخلة المقاوعة في ضمن بستان موقوف فالظاهر أن حكمها
418

حينئذ حكم الكرب والأغصان الزائدة فتصرف على الجهة الموقوفة عليها عينا
أو قيمة إلا مع حاجة البستان إلى ثمنها فتباع وتصرف عليه.
مسألة 1578: الأموال التي تجمع لعزاء سيد الشهداء عليه السلام من
صنف خاص لإقامة مأتمهم أو من أهل بلدة لإقامة مأتم فيها أو للأنصار
الذين يذهبون في زيارة الأربعين إلى (كربلاء) الظاهر أنها من قسم
الصدقات المشروط صرفها في جهة معينة وليست باقية على ملك مالكها ولا
يجوز لمالكها الرجوع فيها، وإذا مات قبل صرفها لا يجوز لوارثه المطالبة
بها، وكذا إذا أفلس لا يجوز لغرمائه المطالبة بها، وإذا تعذر صرفها في الجهة
المعينة فالأحوط صرفها فيما هو الأقرب فالأقرب إلى الجهة الخاصة، نعم إذا
كان الدافع للمال يرى أن الآخذ للمال بمنزلة الوكيل عنه لم يخرج حينئذ عن
ملك الدافع وجاز له ولورثته ولغرمائه المطالبة به بل يجب ارجاعه إليه أو
إلى وارثه مع المطالبة وإلى غرمائه عند تفليسه، وإذا تعذر صرفه في
الجهة الخاصة واحتمل عدم رضاه بصرفه في غيرها وجبت مراجعته في
ذلك.
مسألة 1579: لا يجوز بيع العين الموقوفة إلا في موارد ذكرناها في
كتاب البيع.
مسألة 1580: إذا كان غرض الواقف من الوقف حصول شئ فبان
عدم حصوله يكون ذلك موجبا لبطلان الوقف، فإذا علم أن غرض الواقف
من الوقف على أولاده أن يستعينوا به على طلب العلم أو الإقامة بالمشهد
الفلاني أو نحو ذلك فلم يترتب الغرض المذكور عليه لم يكن ذلك موجبا
لبطلان الوقف وهكذا الحال في جميع الأغراض والدواعي التي تدعو إلى
إيقاع المعاملات أو الايقاعات، فإذا كان غرض المشتري الربح فلم يربح
لم يكن ذلك موجبا لبطلان الشراء أو التسلط على الفسخ.
419

مسألة 1581: الشرائط التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل
عليها إذا كانت مشروعة، فإذا اشترط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة أو لا
يؤجر على غير أهل العلم لا تصح إجارته لأكثر من سنة ولا على غير أهل
العلم.
مسألة 1582: تثبت الوقفية بالعلم والاطمئنان الحاصلين من المناشئ
العقلائية - ومنها الشياع - وبالبينة الشرعية وبإقرار ذي اليد وإن لم تكن اليد
مستقلة كما إذا كانت دار في يد جماعة فأخبر بعضهم بإنها وقف فإنه يحكم بوقفية
الحصة التي تقتضي اليد ملكيته لها لولا الاقرار وإن لم يعترف غيره بها.
مسألة 1583: إذا أقر بالوقف ثم ادعى أن اقراره كان لمصلحة تسمع
منه لكن يحتاج إلى الاثبات، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض في
موضع الحاجة إليه ثم ادعى أنه لم يكن قاصدا فإنه لا تسمع منه أصلا، كما
هو الحال في جميع العقود والايقاعات.
مسألة 1584: إذا كان كتاب أو مصحف وقد كتب عليه أنه وقف فإن
احتف بقرائن تورث الاطمينان بصحة الكتابة كختم مكتبة معروفة أو عالم
مشهور حكم بوقفيته، وكذا إذا أحرز أنه كان تحت يد الكاتب واستيلائه حين
الكتابة فإنه يحكم بوقفيته أخذا باقراره على نفسه. ولو ادعى بعد ذلك أن تلك
الكتابة كانت لمصلحة فعلية اثباتها بالبينة إلا أن يحصل الوثوق بصدقة.
مسألة 1585: إذا وجدت ورقة في تركة الميت قد كتب عليها إن
بعض ما تركه وقف فإن كان على نحو يعد اعترافا منه بوقفيته، كما إذا كانت
مذيلة بتوقيعه أو ختمه أو بصمة يده ولم يحرز فقدانه لبعض شرائط نفوذ
الاقرار حين صدوره منه حكم بوقفية ذلك الشئ وإلا لم يحكم بها وإن كانت
الورقة بخطه.
مسألة 1586: لا فرق في حجية اخبار ذي اليد بين أن يكون اخبارا
420

بأصل الوقف وأن يكون اخبارا بكيفيته من كونه ترتيبا أو تشريكيا وكونه على
الذكور فقط أو على الذكور والإناث وأنه على نحو التساوي أو على نحو
الاختلاف، كما أنه لا فرق في الاخبار بين أن يكون بالقول وأن يكون بالفعل
كما إذا كان يتصرف فيه على نحو الوقف أو يتصرف فيه على نحو الوقف
الترتيبي أو التشريكي أو للذكور والإناث أو للذكور دون الإناث وهكذا، فإن
تصرفه إذا كان ظاهرا في الاخبار عن حاله كان حجة كخبره القولي.
مسألة 1587: إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية
لكن علم أنه قد كان في السابق وقفا لم ينتزع من يده بمجرد ذلك ما لم يثبت
وقفيته فعلا، وكذا لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا بعد نسل وأثبت
ذلك من دون أن يثبت كونه وقفا فعلا، نعم لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه
بأنه قد كان وقفا إلا أنه قد حصل المسوغ للبيع وقد اشتراه سقط حكم يده
وينتزع منه ويلزم باثبات الأمرين: وجود المسوغ للبيع، ووقوع الشراء.
مسألة 1588: إذا أراد المتولي - مثلا - بيع العين الموقوفة بدعوى
وجود المسوغ للبيع لم يجز الشراء منه إلا بعد التثبت من وجوده، وأما لو
بيعت العين الموقوفة ثم حدث شك للمشتري أو لطرف ثالث في وجود
المسوغ للبيع في حينه فالظاهر البناء على صحته، نعم إذا تنازع المتولي
والموقوف عليه مثلا في وجود المسوغ وعدمه فرفعوا أمرهم إلى الحاكم
الشرعي فحكم بعدم ثبوته وبطلان البيع لزم ترتيب آثاره.
421

الحاق فيه بابان
الباب الأول
في الحبس وأخواته
مسألة 1589: يجوز للمالك أن يحبس ملكه على جهة معينة يجوز
الوقف عليها على أن يصرف نماؤه فيها ولا يخرج بذلك عن ملكه، فإن كان
حبسه دائميا أو مطلقا منزلا على الدوام لزم ولم يجز له الرجوع فيه ما دامت
العين باقية ولها نماء - معتد به - يمكن صرفه على الجهة المحبوس عليها، وإن
كان مقيدا بمدة معينة لم يجز له الرجوع قبل انقضاء المدة، وإذا انتهت المدة
انتهى التحبيس، فإذا قال: (فرسي محبس على نقل الحجاج، أو عبدي
محبس على خدمة العلماء) لزم ما دامت العين باقية - على ما نقدم - وإذا
جعل المدة عشر سنين مثلا لزم في العشر وانتهى بانقضائها.
مسألة 1590: إذا حبس ملكه على شخص فإن عين مدة كعشر سنين
أو مدة حياة ذلك الشخص لزم الحبس في تلك المدة، وبعدها يرجع إلى
الحابس وإذا مات الحابس قبل انقضاء المدة بقي الحبس على حاله إلى أن
تنتهي المدة فيرجع إلى ورثته، وإذا حبس عليه مدة حياة نفسه - يعني الحابس -
لم يجز له الرجوع ما دام حيا فإذا مات رجع إلى ورثته، وإذا حبسه على
شخص ولم يذكر مدة معينة ولا مدة حياة نفسه ولا حياة المحبس عليه ففي
لزومه إلى موت الحابس وبعد موته يرجع إلى ورثته وجوازه فيجوز له الرجوع
فيه متى شاء قولان أقربهما الأول.
مسألة 1591: لا يبعد اعتبار القبول والقبض في الحبس على
الشخص وعدم اعتبارهما في الحبس على الصرف في جهة معينة.
422

مسألة 1592: الظاهر جواز بيع المحبس قبل انتهاء أجل التحبيس
فتنتقل العين إلى المشتري على النحو الذي كانت عليه عند البائع فيكون
للمحبس عليهم الانتفاع بالعين حسب ما يقتضيه التحبيس، ويجوز للمشتري
المصالحة معهم على نحو لا تجوز لهم مزاحمته في الانتفاع بالعين مدة
التحبيس بأن يعطيهم مالا على أن لا ينتفعوا بالعين، إما المصالحة معهم
على اسقاط حق الانتفاع بها أو المعاوضة على حق الانتفاع بها ففيه اشكال.
مسألة 1593: يلحق بالحبس السكنى والعمرى والرقبى والأولى
تختص بالمسكن والأخيرتان تجريان فيه وفي غيره من العقار والحيوانات
والأثاث ونحوها مما لا يتحقق فيه الاسكان، فإن كان المجعول الاسكان قيل
له: (سكنى) فإن قيد بعمر المالك أو الساكن قيل له أيضا: (عمري) وإن قيده
بمدة معينة قيل له: (رقبى)، وإذا كان المجعول غير الاسكان كما في الأثاث
ونحوه مما لا يتحقق فيه السكنى لا يقال له: (سكنى) بل قيل: (عمري) إن قيد
بعمر أحدهما و (رقبى) إن قيد بمدة معينة.
مسألة 1594: الظاهر أن الثلاثة من العقود فتحتاج إلى ايجاب وقبول
ويعتبر فيها ما يعتبر في سائر العقود، كما يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في
المتعاقدين في غيرها، وقد تقدم ذلك في كتاب البيع، ويعتبر فيها أيضا
القبض فلو لم يتحقق حتى مات المالك بطلت كالوقف.
مسألة 1595: إذا أسكنه مدة معينة كعشر سنين أو مدة عمر المالك
أو مدة عمر الساكن لم يجز الرجوع قبل انقضاء المدة فإن انقضت المدة في
الصور الثلاث رجع المسكن إلى المالك أو ورثته.
مسألة 1596: إذا قال له: (أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك) لم يجز له
الرجوع في هذه السكنى ما دام الساكن موجودا أو عقبه فإذا انقرض هو وعقبه
رجعت الدار إلى المالك.
423

مسألة 1597: إذا قال له: (أسكنتك هذه الدار مدة عمري) فمات
الساكن في حال حياة المالك فإن كان المقصود جعل حق السكنى له بنفسه
وتوابعه كما يقتضيه اطلاق السكنى انتقلت السكنى بموته إلى المالك قبل وفاته على
اشكال، وإن كان المقصود جعل حق السكنى له مطلقا انتقلت السكنى إلى
وارثه ما دام المالك حيا، فإذا مات انتقلت من ورثة الساكن إلى ورثة
المالك، وكذا الحكم لو عين مدة معينة فمات الساكن في أثنائها.
مسألة 1598: إذا جعل السكنى له مدة حياته كما إذا قال له:
(أسكنتك هذه الدار مدة حياتك) فمات المالك قبل الساكن لم يجز لورثة
المالك منع الساكن بل تبقى السكنى على حالها إلى أن يموت الساكن.
مسألة 1599: إذا جعل له السكنى ولم يذكر له مدة ولا عمر أحدهما
صح، ولزم بالقبض، ووجب على المالك اسكانه ولو لفترة قصيرة لا يكون
الاطلاق منصرفا عنها، وجاز له الرجوع بعد ذلك أي وقت شاء، ولا يجري
ذلك في الرقبى والعمرى لاختصاص الأولى بالمدة المعينة والثانية بمدة عمر
أحدهما والمفروض انتفاء ذلك كله.
مسألة 1600: اطلاق السكنى كما تقدم يقتضي أن يسكن هو وأهله
وسائر توابعه من أولاده وخدمه وضيوفه بل سيارته إن كان فيها موضع معد
لذلك وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من غلة وأوان وأمتعة والمدار على ما
جرت به العادة من توابعه، وليس له إجارتها ولا إعارتها لغيره فلو آجره ففي صحة
الإجازة بإجازة المالك وكون الأجرة له حينئذ إشكال، نعم إذا فهم من المالك جعل
حق السكنى له الشاملة لسكني غيره جاز له نقل حقه إلى غيره بصلح أو نحوه
كما تجوز له إعارتها للغير.
424

الباب الثاني
في الصدقة
وهي مما تواترت الروايات في الحث عليها والترغيب فيها وقد روي
أنها دواء المريض، وبها يدفع البلاء وقد أبرم إبراما، وبها يستنزل الرزق، وأنها
تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد العبد، وأنها تخلف البركة، وبها يقضي
الدين، وأنها تزيد في المال، وأنها تدفع ميتة السوء والداء والداهية والحرق
والغرق والجذام والجنون إلى أن عد سبعين بابا من السوء، ويستحب التبكير
بها فإنه يدفع شر ذلك اليوم وفي أول الليل فإنه يدفع شر الليل.
مسألة 1601: المشهور كون الصدقة من العقود فيعتبر فيها الايجاب
والقبول ولكن الأظهر اختلاف حكمها من هذه الجهة باختلاف مواردها فإن
كانت على نحو التمليك احتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كانت بالابراء كفى
الايجاب بمثل أبرأت ذمتك، وإن كان بالبذل كفى الإذن في التصرف وهكذا.
مسألة 1602: المشهور اعتبار القبض فيها مطلقا ولكن الظاهر أنه لا
يعتبر فيها كلية وإنما يعتبر فيها إذا كان العنوان المنطبق عليها مما يتوقف على
القبض، فإذا كان التصدق بالهبة أو بالوقف الخاص اعتبر القبض وإذا كان
التصدق بالابراء أو البذل لم يعتبر وهكذا.
مسألة 1603: يعتبر في المتصدق البلوغ والعقل والاختيار والقصد
وعدم الحجر لفلس أو سفه، نعم في صحة صدقة من بلغ عشر سنين وجه
ولكنه لا يخلو عن إشكال.
ويعتبر فيه أيضا قصد القربة فإذا وهب أو أبرأ أو وقف بلا قصد القربة كان
هبة أو ابراء أو وقفا ولا يكون صدقة.
425

مسألة 1604: تحل صدقة الهاشمي على الهاشمي وعلى غيره حتى
زكاة المال وزكاة الفطرة، وإما صدقة غير الهاشمي، فإن كانت زكاة المال أو
زكاة الفطرة فهي حرام على الهاشمي ولا تحل للمتصدق عليه ولا تفرغ ذمة
المتصدق بها عنها وإن كانت غيرهما فالأقوى جوازها سواء أكانت واجبة كرد
المظالم والكفارات وفدية الصوم أم مندوبة إلا إذا كانت من قبيل ما يتعارف
من دفع المال القليل لدفع البلاء ونحو ذلك، مما كان من مراسم الذل
والهوان فإن في جوازه إشكال.
مسألة 1605: لا يجوز الرجوع في الصدقة إذا كانت هبة مقبوضة وإن
كانت لأجنبي على الأصح.
مسألة 1606: يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به
عليه بشراء أو اتهاب أو غيرهما، نعم لا بأس بأن يرجع إليه منه بالميراث.
مسألة 1607: تجوز الصدقة المندوبة على الغني والمخالف والكافر
غير الحربي.
مسألة 1608: الصدقة المندوبة سرا أفضل إلا إذا كان الاجهار بها
بقصد رفع التهمة أو الترغيب أو نحو ذلك مما يتوقف على الاجهار، أما
الصدقة الواجبة ففي بعض الروايات: أن الأفضل إظهارها، وقيل: الأفضل
الاسرار بها، والأظهر اختلاف الحكم باختلاف الموارد في الجهات
المقتضية للاسرار بها، والاجهار.
مسألة 1609: التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم،
والصدقة على القريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، وأفضل منها
الصدقة على الرحم الكاشح يعني المعادي، ويستحب التوسط في إيصالها
إلى المسكين ففي الخبر لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأجروا كلهم
من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ.
426

مسألة 1610: يكره رد السائل ولو ظن غناه، بل يعطيه ولو شيئا يسيرا.
مسألة 1611: يكره السؤال مع الحاجة ما لم يبلغ حد الاضطرار، وأما
السؤال من غير حاجة فربما يقال بحرمته، ولكن لا يبعد كراهته كراهة
شديدة، نعم التظاهر بالحاجة من غير حاجة حرام.
إلى هنا ينتهي الجزء الثاني من رسالة (منهاج الصالحين) وقد أضفت
إليه مسائل كثيرة معظمها من رسالة وسيلة النجاة للسيد الفقيه الأصفهاني
قدس سره والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
427