الكتاب: مناسك الحج
المؤلف: الشيخ محمد إسحاق الفياض
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨
المطبعة: أمير – قم
الناشر: انتشارات عزيزي
ردمك:
ملاحظات:

مناسك الحج
فتاوى
آية الله العظمى
الشيخ محمد إسحاق الفياض
(دام ظله)
1

اسم الكتاب: مناسك الحج
اسم المؤلف: آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض
(دام ظله)
الفلم والألواح الحساسة: تيز هوش
المطبعة: أمير
الطبعة: الأولى / 1418 ه‍
الكمية: 2000 نسخة
الناشر: انتشارات عزيزي
2

بسم الله الرحمن الرحيم
لا بأس بالعمل بهذه الرسالة
المشتملة على مناسك الحج
وأحكامه انشاء الله تعالى
ومن الله نستمد التوفيق
والاعتصام 25 / ج 2 /
1419 / محمد إسحاق الفياض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
3

بسم الله الرحمن الرحيم
في وجوب حجة الإسلام
وشروطه
الحج من أهم الفرائض الإلهية الكبرى، والعبادات
الاجتماعية في الاسلام، وذات المغزى العظيم روحيا ومدنيا،
ونقلة جماعية موحدة زمانا ومكانا وشعائرا، وقد اهتم الاسلام
بهذه الفريضة الكبيرة في الكتاب والسنة، وقد عبر فيهما عن
تركه الحج بالكفر تأكيدا لأهميته.
1 - حجة الاسلام هي الحجة الأولى الواجبة على الانسان
البالغ العاقل الحر المستطيع، رجلا كان أم امرأة، في العمر مرة
واحدة، والحجة الثانية ليست بحجة الاسلام، فإنها مستحبة، ولا
تصبح واجبة إلا بسبب طارىء كالنذر أو اليمين، أو فساد
الشخص لحج سابق بالجماع مع امرأته عامدا وملتفتا إلى الحكم
الشرعي قبل الوقوف بالمشعر الحرام، فإنه يجب عليه اكمال
حجه فعلا، والتكفير عن جماعه، وحجة أخرى عقوبة في العام
القادم، وتسمى تلك الحجة بالحج الواجب بالإفساد، وكل هذه
أسباب طارئة، وفي الأصل لا تجب سوى حجة الاسلام مرة
واحدة إذا توفرت شروطها.
5

2 - إذا توفرت هذه الشروط وجبت على الانسان المبادرة
إلى الحج، فلا يجوز له التسامح والتسويف والمماطلة فيه في
السنة الأولى، بأمل حصول ربح من تجارة، أو غير ذلك من
متطلبات الدنيا، وإذا لم يحج تكاسلا منه في السنة الأولى وجب
عليه أن يبادر إلى ذلك في السنة الثانية، وهكذا نعم إذا كان
الانسان مطمئنا ومتأكدا من نفسه بالتمكن من الحج في العام
القادم إذا اخر حسب إمكانيته المالية وظروفه الصحية والأمنية
وغيرها من متطلبات السفر إلى الحج، كان وجوب المبادرة اليه
في السنة الأولى مبنيا على الاحتياط الواجب.
3 - قد تسأل ان السفر إذا كان متوقفا على تهيئة مقدمات
واعداد ترتيبات رسمية أو غيرها كالحصول على جواز السفر
وتأشير الدخول ونحو ذلك، فهل يجب السعي لحصولها؟
والجواب: يجب السعي لتحصيلها وترتيبها بالنحو الذي
لا يكون محرجا، والمبادرة إلى ذلك على نحو يكون واثقا
بادراك الحج.
4 - وقد تسأل ان من يتمكن من السفر إلى الديار المقدسة
مع أول قافلة أو طائرة متوجهة نحوها فهل تجب المبادرة عليه
بالالتحاق إليها، أو يجوز له التأخير والخروج مع آخر قافلة أو
طائرة؟
6

والجواب: يجوز له التأخير ما دام لم يخش فوت الحج،
وإذا أخر والحال هذه ففاته الحج اتفاقا فهل يستقر عليه الحج؟
الأظهر عدم الاستقرار، ولكن يجب عليه التحفظ على الإمكانية
المالية عنده إلى السنة القادمة إن أمكن.
حجة الإسلام
وشروطها
وهي كما يلي: 1 - البلوغ. 2 - العقل. 3 - الحرية. 4 -
الاستطاعة.
1 و 2 - البلوغ والعقل
وفروعهما
1 - لا يجزي حج الصبي عن حجة الإسلام وإن كان
مراهقا.
وقد تسأل هل أن حجه صحيح كصلاته
وصيامه؟ والجواب: نعم حجه صحيح.
2 - إذا بلغ الصبي قبل وصوله إلى الميقات، وكان مستطيعا
وجب عليه أن يحرم لعمرة التمتع من حجة الاسلام، وأما إذا بلغ
7

بعد الإحرام، فان كان بامكانه الرجوع إلى أحد المواقيت
والاحرام منه وجب عليه الرجوع، وإن لم يكن بامكانه ذلك،
فهل يجب عليه أن يحرم من مكانه؟
والجواب: انه غير بعيد، فان بلوغه ان كان قبل وصوله إلى
مكة، فالأحوط أن يبتعد من مكانه إلى الميقات بالمقدار
الممكن، والاحرام من هناك، وإن كان بعد وصوله إلى مكة فان
كان بامكانه الخروج من الحرم وجب ويبتعد عن الحرم
بالمقدار الذي يمكنه، والاحرام منه، والا فمن مكانه وكذلك
الحال في المجنون، فإنه إذا أفاق في وقت يتمكن من حجة
الاسلام وجب عليه الاتيان بها إذا كان مستطيعا.
3 - قد تسأل ان الصبي إذا بلغ بعد الوقوف بعرفات وقبل
المشعر، فهل يجزي حجه عن حجة الاسلام؟
والجواب: انه لا يجزي، وكذلك الحال في المجنون إذا
أفاق قبل المشعر.
4 - قد تسأل أن الصبي إذا كان معتقدا بعدم بلوغه وحج
قاصدا أنه مستحب استحبابا عاما وبعد الفراغ من الحج تبين أنه
كان بالغا، فهل يجزي ذلك عن حجة الاسلام؟
والجواب: أنه لا يجزي.
5 - لا يشترط في صحة حج الصبي إذا كان مميزا إذن
الولي، كما لا يعتبر ذلك في صحة صلاته وصيامه.
8

6 - يستحب للولي أن يأمر الصبي بالإحرام والتلبية
وغيرهما من أعمال الحج إذا كان بامكانه القيام المباشر لها، وإلا
فعلى الولي أن يقوم باحرامه، بأن يغسله ويلبي عنه ويطوف به
ويصلي عنه ويسعى به بين الصفا والمروة، وهكذا.
7 - لا يجب على الولي الشرعي للصبي أن يتحمل ما زاد
على مصارفه في الحضر من نفقات حجه إذا كان سفر الحج
مصلحة له صحيا أو فكريا أو غير ذلك، بل لا يبعد جواز أن
يشتري الولي هديه من ماله أيضا حسب ولايته عليه شريطة أن
لا تكون فيه مفسدة، وإلا لم يجز.
8 - كفارة صيده على أبيه، وأما سائر كفاراته فلا تجب
عليه ولا على أبيه.
3 - الحرية
وفروعها
1 - لا يجب على المملوك حجة الاسلام، ولو حج باذن
مولاه فحجه وإن كان صحيحا إلا أنه لا يجزي عنها، فإذا اعتق
فإن توفرت فيه شرائط وجوب الحج وجب، وإلا فلا.
2 - المملوك المأذون من قبل المولى في الحج إذا مارس
9

ما يوجب الكفارة، فان كان صيدا فكفارته عليه، وإن كان غيره
فكفارته على مولاه.
3 - إذا اعتق العبد يوم عرفة، أو بعد الوقوف بها وقبل
الوقوف بالمشعر، وأدرك أحد الموقفين وهو حر فقد أدرك
الحج، وأجزأ عن حجة الاسلام شريطة توفر سائر شروطها فيه.
4 - الاستطاعة
الاستطاعة تتكون من العناصر التالية:
العنصر الأول: الامكانية المالية لنفقات الحج ذهابا وايابا،
وعند ممارسة الاعمال لمن يريد الرجوع إلى بلده، وذهابا فقط
لمن لا يريد الرجوع اليه.
العنصر الثاني: الأمن والسلامة على نفسه، أو ماله، أو
عرضه في الطريق ذهابا وايابا، وعند ممارسة مناسك الحج
وأعماله.
العنصر الثالث: تمكنه بعد الانفاق على سفر الحج من
استيناف وضعه المعاشي الاعتيادي بدون الوقوع في حرج
وضيق بسبب ما انفق مالديه من المال على الحج.
فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة في الإنسان رجلا كان أم
امرأة، وكان الوقت متسعا وجبت عليه حجة الاسلام، وأما إذا
10

حج مع عدم توفر أحد تلك العناصر لم يكن حجه حجة
الاسلام.
العنصر الأول: الامكانية المالية
وفروعها
1 - لا يقصد بالإمكانية المالية وجود نقود عنده فعلا، بل
يقصد وجود مال عنده تفي قيمته بنفقات سفر الحج بكل
متطلباته، شريطة ان لا يكون ذلك المال من مؤنته التي هو في
أمس الحاجة إليها، كدار السكنى، والأثاث اللازمة فيها
وغيرهما، ونقصد بأمس الحاجة، أنه إذا صرفها في نفقات الحج
وقع في ضيق وحرج، وكما تحصل الامكانية المالية بوجود مال
في يده فعلا، كذلك تحصل بوجود مال له في ذمة آخر دينا إذا
كان الدين حالا، وكان بامكانه استيفاؤه منه.
2 - المراد بالزاد، القدرة المالية على نفقات سفر الحج
ذهابا وايابا وعند ممارسة الاعمال، وأما وجود الراحلة فهو
داخل في الامكانية المالية عند الحاجة اليه، كالركوب عليها أو
حمل الزاد وما يتبعه السفر من الوسائل، وأما إذا كان الشخص
قادرا على الحج بالمشي راجلا بدون الوقوع في عسر وحرج
11

فيكون مستطيعا، ولا تتوقف استطاعته على وجود الراحلة
عنده.
3 - ان الامكانية المالية التي هي العنصر الأول من
الاستطاعة لا تعتبر أن تكون من البلد، فإذا لم تكن لدى
الشخص الامكانية المالية في بلده، ولكنه ذهب إلى بلدة قريبة
من الميقات كالمدينة المنورة مثلا بغرض التجارة، أو مهندس
ينتدب للعمل في مشروع هناك، أو غير ذلك، فحصل على مال
يفي بنفقات الحج منها، وجب عليه الحج، وكذلك لو ذهب إلى
مكان قريب من الميقات متسكعا، وحصل فيه على مال يكفي
لنفقات سفر الحج، وجب عليه ذلك، بل لو احرم متسكعا ثم
حصل على مال واف للحج، وجب عليه أن يرجع إلى الميقات،
والاحرام منه من جديد لحجة الاسلام، وإن لم يكن بامكانه
الرجوع اليه، فان كان أمامه ميقات آخر وجب عليه الإحرام منه،
وإلا فمن مكانه، والأحوط الابتعاد منه بالمقدار الممكن،
والإحرام من هناك.
4 - إذا كان لدى الانسان مال متمثل في عقار أو سلعة تفي
قيمته لنفقات سفر الحج، ولكن لم يتيسر بيعه بثمن معقول
اعتيادي، فهل يجب عليه بيعه بأقل من ثمنه الاعتيادي؟
والجواب: يجب بيعه إذا لم يكن مجحفا بحال البايع،
وكذلك الحال إذا ارتفعت في سنة بسبب أو آخر نفقات سفر
12

الحج، كأجور الطائرة والخيام والفنادق ونحوها، فان الارتفاع
إذا كان بقدر مجحف بحال الانسان جاز تأخير الحج إلى العام
القادم، والا لم يجز، ومن هذا القبيل ما إذا كان ماله متمثلا في دين
مؤجل في ذمة شخص وكان بامكانه بيعه بثمن واف بنفقات
الحج، فهل يجب عليه بيعه؟
والجواب: يجب إذا لم يكن مجحفا بحال البايع.
5 - قد تسأل أن الهدايا التي تكون من مشتريات الحجاج
لأقربائهم، فهل تعد ضمن الاستطاعة ولابد من وفاء امكاناته
المالية بها؟
والجواب: أنها لا تعد من الاستطاعة، ولا يعتبر العجز عن
شرائها مسوغا لترك الحج، نعم إذا كان عدم التمكن من ذلك
بالنسبة إلى فرد محرجا واقعا لمنع عن وجوب الحج عليه، كما
هو الحال في سائر موارد ما إذا كان وجوبه حرجيا.
6 - إذا حصل الشخص على مال رجلا كان أم امرأة يفي
لنفقات الحج برا، ولا يفي لها جوا وبالطائرة، وجب عليه الحج
برا شريطة أن لا يكون ذلك محرجا، وإلا لم يجب ما لم يحصل
على ما يفي لنفقات سفر الحج جوا.
7 - إذا حصلت المرأة على مهرها من زوجها، وكان وافيا
بنفقات سفر الحج، مع استثناء ما تتطلب شؤونها في حياتها
الزوجية بحسب التقاليد أو العادات المتبعة صرفه فيها، شريطة
13

أن يسبب عدم استثناء ذلك الحرج، فيجب عليها الحج في هذه
الحالة، وكذلك إذا استغنت عن الحلي والزينة عندها، وكانت
وافية بنفقات الحج مع ما تفرض شؤنها في حياتها الزوجية
صرفه فيها حسب التقاليد المتبعة التي يسبب تركها الحرج.
ومن هذا القبيل ما تحصل عليه الزوجة عقيب زواجها من
الهدايا والنقود بما تتحقق به الامكانية المالية، فانها حينئذ
مستطيعة فيجب عليها الحج.
8 - قد تسأل ان الامكانية المالية إذا كانت متمثلة في مال
اقترضه الانسان، ولا يزال مدينا به، فهل تتحقق الاستطاعة في
هذه الحالة؟
والجواب: تتحقق شريطة أن يكون واثقا بعدم وقوعه في
الضيق والحرج عند حلول الأجل ووفاء الدين. نعم لا يجب
عليه الاستقراض في البدء وإن علم بتمكنه من الوفاء به بدون
الوقوع في الحرج، ولكن بعد ان استقرض وجب عليه الحج،
ويقع منه صحيحا ومجزيا عن حجة الاسلام. ومن هذا القبيل ما
إذا أخذ الموظف الحكومي سلفة بمقدار يفي بنفقات سفر
الحج، فان أخذ السلفة وإن كان غير واجب عليه، إلا أنه إذا أخذها
وكان واثقا ومطمئنا بتمكنه من الوفاء بها في موعدها المقرر
وجب عليه الحج، وصح إذا حج وكان حجة الاسلام.
9 - قد تسأل أن ماله الوافي بمصارف الحج متمثل في دين
14

حال على ذمة شخص مماطل ولا يتمكن من استنقاذه مباشرة،
ولكنه يتمكن منه بالرجوع إلى المحاكم الشرعية أو العرفية
بدون الوقوع في محذور، فهل يجب عليه ذلك؟
والجواب: يجب عليه ذلك، وكذلك الحال إذا كان ماله
متمثلا في دين مؤجل في ذمة شخص، وكان بامكانه أن يبيعه
بمبلغ معقول يفي بنفقات سفر الحج، فهل يجب عليه ذلك.
والجواب نعم يجب.
10 - إذا كان عند الانسان مال يفي بنفقات سفر الحج مع
حاجته إلى صرف ذلك المال في الزواج أو شراء دار للسكنى أو
غير ذلك، فهل يجوز له صرف هذا المال في ذلك وترك الحج؟
والجواب: يجب عليه في هذه الحالة صرف ذلك المال
في الحج وتعطيل الحاجة الأخرى، الا إذا لزم من تعطيل الحاجة
الأخرى وقوعه في حرج وضيق.
11 - قد تسأل أن أموال الإنسان إذا كانت متمثلة في لوازم
حياته الاعتيادية كالدار وأثاث البيت والسيارة وغيرها، فهل ان
تلك اللوازم مستثناة عن مؤنة الحج ونفقاته؟
والجواب: ان تلك اللوازم غير مستثناة إلا أن تكون حاجة
الانسان إليها بنحو يكون صرفها في نفقات الحج يسبب وقوعه
في الضيق والحرج، فإذا باع داره وسكن في دار مستأجرة أو
موقوفة كان ذلك غير لائق بحاله، ومهانة لكرامته، ويكون
15

تحملها عليه حرجيا، نعم إذا لم يستلزم بيعها وصرف ثمنها في
الحج وقوعه في ضيق وحرج وجب عليه ذلك، كما إذا كانت
عنده دار موقوفة أو مستأجرة ولم يكن سكناه فيها على خلاف
شأنه ومقامه، ففي هذه الحالة يكون مستطيعا فيجب عليه الحج،
وكذلك إذا كانت تلك الأعيان، زائدة عن مقدار حاجياته وكان
الزائد وافيا بنفقات الحج، وجب بيع الزائد، أو تبديل تلك
الأعيان بأعيان أخرى أقل قيمة، وصرف المقدار الزائد في
الحج.
12 - قد تسأل ان الانسان هل يستطيع بالحقوق الشرعية
كسهم الإمام (عليه السلام) وسهم السادة والزكاة؟
والجواب: أن الاستطاعة لا تتحقق بسهم الإمام (عليه السلام) ولا
يجب الحج به وتتحقق بسهم السادة شريطة توفر أمرين،
أحدهما: ان ما يملكه الشخص من سهم السادة بالقبض يكون
بمقدار واف للحج، والآخر: ان يكون واثقا ومتأكدا من عدم
وقوعه في ضيق وحرج بعد الرجوع لو انفق ما قبضه من سهم
السادة في سفر الحج، فإذا توفر الأمران فقد تحققت الاستطاعة
به، ويجب عليه الحج، وكذلك الحال في الزكاة.
وقد تسأل ان المالك إذا أعطى من سهم السادة أو الزكاة
لشخص بمقدار يفي بنفقات الحج وشرط عليه أن يحج به، فهل
يحق له ذلك؟
16

والجواب: لا يحق له ذلك.
13 - قد تسأل أن من لديه الامكانية المالية، ومستطيع هل
يجزي لو حج متسكعا، أو بمال غيره ولو غصبا؟
والجواب: انه يجزي حتى إذا كان بمال غيره غصبا،
شريطة أن لا يكون هديه مغصوبا، كما إذا اشتراه بماله الخاص،
أو بثمن كلي في الذمة.
14 - قد تسأل ان الاستطاعة المالية هل تحصل بالملكية
المتزلزلة؟
والجواب: نعم أنها تحصل بالملكية المتزلزلة، بل
بالإباحة، وإن لم يكن ملك.
15 - إذا وجد شخص مالا يكفي لنفقات الحج، فهل يجوز
له أن ينفق ذلك المال في حاجياته الخاصة وشؤون حياته
الاعتيادية الضرورية وترك الحج؟
والجواب: لا يجوز له ذلك، ويجب عليه أن يحج به
وتعطيل الحاجيات ما لم يلزم منه الحرج والمشقة الشديدة
عليه.
16 - إذا كان للانسان مال في بلد آخر بمقدار يفي لنفقات
الحج وحده أو مع ما في يده من المال، وكان بامكانه جلب ذلك
المال من البلد الآخر بحوالة أو بطريق آخر، وجب عليه الحج
17

فورا، ومع الاهمال والتسويف إلى أن فات عنه ذلك المال اعتبر
آثما واستقر عليه الحج.
الاستطاعة البذلية
وفروعها
1 - إذا وهب شخص مالا لآخر، فلذلك صور:
الصورة الأولى: أن يهبه المال على أن يحج به، ففي هذه
الصورة يجب عليه قبول الهبة، والذهاب إلى الحج.
الصورة الثانية: أن يهبه المال ويخيره بين أن يحج به، أو
يصرفه في جهة أخرى. ففي هذه الصورة هل يجب عليه
القبول؟ الظاهر عدم وجوبه، وإن كان الأحوط والأجدر به
القبول، فإذا قبل وجب عليه الحج عند توفر سائر الشروط فيه.
الصورة الثالثة: أن يهبه المال من دون تعرض لفكرة
الحج، ففي هذه الصورة لا يجب على الموهوب له القبول، نعم
لو قبل وجب إذا كان واجدا لبقية الشروط.
2 - يتحقق البذل بالوصية، كما إذا أوصى الميت بمال
لشخص على أن يحج به، أو يأمر وصيه بأن ينفق على حج
شخص من ثلثه.
3 - تحصل الاستطاعة البذلية بعرض مال على شخص
18

ليحج به إذا كان وافيا لنفقات سفر الحج ذهابا وإيابا وعند
ممارسة الأعمال، وثمن الهدي من نفقاته، فإذا امتنع الباذل عن
بذل الثمن لم يجب على المبذول له قبول البذل، الا إذا كان
متمكنا بنفسه من شرائه، واما الكفارات فهي على المباشر دون
الباذل.
4 - لا فرق في وجوب الحج بالاستطاعة البذلية بين بذل
المال للمبذول له خارجا، وبين أن يبذل له القيام بنفقات حجه،
بأن يقول له: حج وعلي نفقتك أو يصحبه معه في الحج.
وقد تسأل أن من يقول لغيره أقترض لي وحج به، فهل
يجب على المأمور الاقتراض في ذمة الآمر والحج به؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك.
5 - لا يجب على المبذول له بالبذل الا الحج الذي يكون
وظيفته في الشريعة المقدسة إذا استطاع، فان كان المبذول له من
البعيد، وهو من يبعد موطنه ومسكنه عن المسجد الحرام ستة
عشر فرسخا، فوظيفته عند الاستطاعة حج التمتع من حجة
الاسلام وان كان من القريب وهو من يكون موطنه ومسكنه
دون ستة عشر فرسخا، فوظيفته عند الاستطاعة حج الافراد،
وعلى هذا فان بذل للبعيد مالا على أن يحج به حج التمتع من
حجة الاسلام وجب عليه القبول، وإن بذل له مالا على أن يحج
19

به حج الافراد لم يجب عليه القبول، وعكس ذلك تماما في
القريب.
6 - لافرق في وجوب الحج بالبذل بين أن يكون الباذل
واحدا أو متعددا.
7 - إذا بذل مال واف بنفقات حجة واحدة لجماعة، فهل
يجب الحج على الجميع؟
والجواب: المعروف والمشهور وجوبه على الكل غاية
الأمر، إذا سبق أحدهم الآخرين بقبض المال المبذول وجب
عليه الحج، وسقط عن الباقي، وإذا ترك الكل مع تمكن كل
واحد من قبضه استقر الحج على الجميع، ولكنه لا يخلو عن
اشكال، والاحتياط لا يترك.
8 - يجزي الحج البذلي عن حجة الاسلام، ولا يجب عليه
الحج مرة ثانية إذا استطاع بعد ذلك.
9 - قد تسأل ان من بذل مالا لشخص يفي بنفقات حجه،
وخيره بين أن يحج به أو يزور الحسين (عليه السلام) فهل يجب عليه
قبوله، فيحج به؟
والجواب: لا يجب.
10 - إذا عين الباذل مالا معينا معتقدا بكفايته لنفقات الحج،
ثم بان عدم الكفاية، فهل يجب عليه بذل الباقي؟
والجواب: لا يجب عليه بذل الباقي.
20

11 - يجوز للباذل أن يرجع عن بذله قبل دخول المبذول
له في الإحرام إذا كان البذل على نحو الإباحة، أو كان على نحو
الهبة مع عدم تصرف المبذول له في المال الموهوب تصرفا
مغيرا للعين، وهل يجوز له أن يرجع عن بذله بعد دخول
المبذول له في الإحرام؟
والجواب: يجوز له ذلك، وحينئذ فهل يجب على
المبذول له اتمام الحج؟ نعم إذا كان متمكنا من اتمامه.
وقد تسأل أن المبذول له هل يضمن للباذل ما صرفه من
المال المبذول؟
والجواب: أنه لا يضمن.
12 - إذا رجع الباذل في أثناء الطريق عن بذله، فهل تجب
عليه نفقة العود؟
والجواب: لا يبعد وجوبها عليه.
13 - لو تلف المال المبذول أثناء الطريق - مثلا - بسبب من
الأسباب، كان ذلك كاشفا عن عدم تحقق الاستطاعة البذلية
للمبذول له، فلا يجب عليه الحج الا إذا كانت عنده الامكانية
المالية لاتمامه، فعندئذ يجب عليه أن يتمه ويجزي عن حجة
الاسلام.
14 - قد تسأل أن المال المبذول إذا تبين انه كان مغصوبا،
فهل يجزي عن حجة الاسلام؟
21

والجواب: لا يبعد شريطة أن يكون المبذول له غافلا عن
الغصب أو جاهلا به مركبا.
15 - قد تسأل هل يعتبر في الاستطاعة البذلية بذل ما به
الكفاية أيضا، أو أنه يكفي بذل ما يفي بنفقات الحج ذهابا وايابا،
وعند ممارسة الأعمال، فإذا بذل ذلك وجب على المبذول له
القبول والذهاب إلى الحج؟
والجواب: ان المبذول له في هذه الحالة ان كان متمكنا بعد
الرجوع من الحج من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون
الوقوع في الضيق والحرج، وجب عليه القبول والذهاب إلى
الحج، ولا يعذر في ترك الحج بمجرد عدم ضمان الباذل
معيشته، وإن كان غير متمكن من ذلك، كما إذا كان موظفا عند
الحكومة - مثلا - ولم يحصل على إجازة، فلو سافر والحالة هذه
يفقد وظيفته وراتبه ويقع في العسر والحرج الشديدين بعد
الرجوع من الحج، لم يجب عليه القبول، ويعذر في ترك الحج
إذا لم يضمن الباذل معيشته بعد الحج.
16 - قد تسأل ان المبذول له إذا كان مدينا، هل تجب عليه
الاستجابة للحج إذا بذل؟
والجواب: تجب شريطة أن لا يفوت سفره إلى الحج
فرصة الوفاء بالدين عليه، وإلا لم تجب.
22

العنصر الثاني: الأمن والسلامة
وفروعهما
1 - قد تسأل إذا كان هناك في الطريق من يفرض عليه
ضريبة مالية معتدا بها، فهل يجب عليه الحج؟
والجواب: ان الضريبة المذكورة إذا كانت شيئا مألوفا
كالمبالغ الرسمية التي تأخذها الدولة من كل حاج يدخل الديار
المقدسة، فهي لا تمنع عن وجوب الحج، ويجب عليه دفعها
وإن كانت ضررية، وأما إذا كانت شيئا غير مألوفا من قبيل ما
يفرضه اللصوص وقطاع الطرق، فلا أمن ولا يجب الحج.
وقد تسأل عن أن الضريبة إذا كانت اتفاقية ولم تكن
رسمية من قبل السلطات، فان كانت متمثلة في مال غير معتد به
وجب دفعها، ولا تمنع عن وجوب الحج، ولا تبرر التأجيل إلى
السنة الآتية، وإن كانت متمثلة في مال معتد به، فان كان أخذ ذلك
المال من الحاج في الطريق يختل بالأمن والسلامة انتفى
وجوب الحج بانتفاء العنصر الثاني من الاستطاعة، وإن كان
أخذها لا يوجب الاختلال بالأمن والسلامة وجب دفعها وإن
كان ضرريا ما لم يكن مجحفا.
2 - إذا كان الطريق الاعتيادي المألوف غير مأمون بسبب
23

وجود لصوص أو قطاع الطرق فيه سقط وجوب الحج. نعم إذا
كان هناك طريق آخر أطول منه وأكثر مؤنة، ولكنه مأمون وجب
الحج عنه على كل من لديه الامكانية المالية، ولا مبرر للتأجيل.
3 - من كان عنده أولاد صغار يخشى عليهم من الضياع إذا
تركهم وسافر إلى الحج، فإنه لا أمن ولا يجب عليه الحج.
4 - من كان عنده مال معتد به في البلد يخاف عليه من
الضياع والتلف إذا تركه وسافر إلى الحج، فإنه لا أمن حينئذ ولا
يجب الحج، وكذلك إذا كانت عنده تجارة أو نحوها وخاف
عليها من الضياع والتلف إذا تركها وذهب إلى الحج. والحاصل
ان كل من خاف على نفسه أو عرضه أو ماله رجلا كان أم امرأة
من الهلاك والضياع إذا سافر إلى الحج لم يجب.
5 - المرأة المستطيعة إذا خافت على نفسها من السفر إلى
الحج بدون اصطحاب محرم لها، وهي غير متمكنة من
اصطحابه، لم يجب عليها الحج، نعم إذا كانت واثقة ومطمئنة
من نفسها على الأمن والسلامة في السفر فسافرت وحجت
صح حجها، ولا يجب عليها اصطحاب المحرم وإن أمكنها،
ومن هنا ليس المحرم شرطا أصليا في وجوب الحج عليها،
وانما هو شرط إذا خافت من السفر بدونه.
6 - إذا كانت لدى الانسان الامكانية المالية لنفقات سفر
24

الحج برا فقط لا جوا، ولكنه كان يخشى من السفر برا، فلا يجب
عليه الحج.
7 - قد تسأل ان الطريق إذا انحصر بالبحر اتفاقا، وخاف
الحاج من السفر بحرا، لم يجب عليه الحج، ومع هذا لو سافر
بحرا وحج فهل يصح حجه ويجزي عن حجة الاسلام؟
والجواب: انه إن احرم في البحر خائفا وغير آمن لم يصح،
وأما إذا لم يحرم فيه بسبب من الأسباب إلى أن وصل إلى جدة -
مثلا - وذهب إلى أحد المواقيت وأحرم منه فيصح، وإذا لم يكن
بامكانه الذهاب إلى الميقات وأحرم من جدة بالنذر صح أيضا.
8 - قد تسأل أن الطريق إذا كان غير مأمون إلى الميقات
فحسب وأما منه إلى مكة فهو مأمون، فإذا سافر والحال هذه
ووصل إلى الميقات سالما، فهل يجب عليه الحج؟
والجواب: يجب عليه الحج إذا كان مستطيعا.
العنصر الثالث: وجود ما به الكفاية
يقصد به تمكن الحاج بعد الانفاق على سفر الحج من
استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج
وضيق. وفروعه كما يلي: -
1 - إذا كان عند الشخص رأس مال قليل يعيش به، ففي
25

هذه الحالة وإن كان العنصر الأول والثاني من الاستطاعة
متوفرين عنده، الا أن العنصر الثالث غير متوفر، لأنه لو أنفق ما
لديه من المال على سفر الحج ذهابا وايابا وعند ممارسة
الأعمال، فإذا رجع تعذر عليه استيناف وضعه المعاشي
الاعتيادي بسبب ما انفقه في الحج، ويقع في الضيق والحرج،
فلذلك لا يجب عليه الحج.
2 - صانع عند أرباب العمل، ولديه الامكانية المالية بقدر
نفقات الحج، ولكنه لم يحصل على إجازة منهم للسفر إلى
الحج، ولو سافر والحال هذه، ثم إذا رجع يفقد عمله عندهم
ويقع في ضيق وحرج فلا يجب عليه الحج.
3 - موظف حكومي عنده المقدرة المالية بقدر نفقات
الحج ولكنه لم يحصل على إجازة للسفر إلى الحج، ولو سافر
بدون الإجازة، ثم إذا رجع يفقد وظيفته، فإذا فقدها تعذر عليه
استعادة وضعه المعاشي العادي بدون الوقوع في ضيق وحرج،
فلا يجب عليه الحج.
4 - من يعيش على الوجوه الشرعية، فإذا حصل على مال
يفي بنفقات الحج وجب، فان الوجوه الشرعية تكفل له
استيناف وضعه المعاشي الاعتيادي بعد رجوعه من الحج بدون
الوقوع في ضيق وحرج.
26

وكذلك من كانت نفقته مضمونة طيلة حياته كالزوجة
مثلا، أو من يعيش من صلات وهبات من أرحامه أو غيرهم
كالانسان العاجز عن العمل، فان حاله قبل السفر إلى الحج
وبعده على حد سواء، ولا يؤثر انفاق مالديه من المال على سفر
الحج في استيناف وضعه المعاشي بعد الرجوع.
5 - من يعيش على عمله الحر بأجور كأصحاب المهن
من النجارين والخياطين والبنائين والحدادين وغيرهم من أهل
الفن، والجامع أن كل من يعيش طبيعيا بمهنته وحرفته وعمله
الذاتي، فإنه إذا حصل على مال يفي بنفقات الحج، وجب عليه،
فان المهنة والصنعة التي يتقنها تكفل له استعادة وضعه المعاشي
بعد الرجوع، ومن هذا القبيل السائل بالكف، فإنه إذا حصل على
مال يفي بنفقات الحج وجب.
ههنا مسألتان: الأولى: قد تسأل ان نفقة الرجوع إذا تلفت
بعد اعمال الحج والفراغ منه، فهل يكشف ذلك عن عدم
استطاعته من الأول؟
والجواب: انه يكشف عن ذلك، فان العنصر الأول من
الاستطاعة كما مر، متمثل في الامكانية المالية لنفقات الحج
ذهابا وايابا، وعند ممارسة الاعمال.
الثانية: قد تسأل عن أن ما به الكفاية إذا تلف بعد الفراغ من
الحج، فهل يكشف ذلك عن عدم استطاعته من الأول أيضا.
27

والجواب: انه غير بعيد، على أساس أنه العنصر الأخير من
الاستطاعة.
موانع وجوب الحج ومعيقاته
1 - إذا كان على الانسان واجب أهم من حجة الاسلام،
كأداء دين حال مطالب به شرعا أو انقاذ نفس محترمة من
الهلاك، كما إذا كان عنده مريض لو تركه، وذهب إلى الحج لمات
أو غير ذلك مما يفوقه أهمية شرعا، وجب تقديمه على الحج،
ومع هذا إذا ترك المكلف الأهم وانفق مالديه من المال على
الحج فحج صح حجه، وأجزأ عن حجة الاسلام، وإن اعتبر آثما.
2 - إذا حصل الانسان على مال يفي بنفقات الحج، ولكنه
كان مدينا لغيره باتلاف ماله وجب عليه صرفه في أداء الدين
دون الحج، وإن كان بعد استطاعته. وأما إذا كانت هناك حاجة
ماسة إلى صرف ذلك المال فيها، ولو صرفه في الحج لوقع في
الضيق والحرج، فلا يجب صرفه في الحج، ولو صرفه فيه
وعطل الحاجة والحال هذه لبطل حجه ولم يجزئ عن حجة
الاسلام، وبذلك تفترق هذه الصورة عن الصورة الأولى، فان
المكلف في الصورة الأولى إذا حج به ولم يصرفه في أداء الدين
صح حجه، وأجزأ عن حجة الاسلام، ولكنه اعتبر آثما، وفي
28

هذه الصورة لو تحمل الحرج وحج به لم يصح، وإن كان تحمله
جائزا.
3 - إذا كان على ذمة الانسان خمس أو زكاة وكان عنده مال
يفي بنفقات سفر الحج، وجب عليه صرفه في أداء الخمس أو
الزكاة دون الحج، ومع هذا إذا أصر على الحج فحج به صح
وأجزأ عن حجة الاسلام وإن اعتبر آثما.
4 - إذا كان الخمس أو الزكاة متعلقا بعين الأموال
الموجودة عند الانسان، كأموال التجارة أو غيرها، لا متعلقا
بذمته، وأراد أن يحج بتلك الأموال قبل اخراج خمسها أو
زكاتها، فهل يصح؟
والجواب: انه يصح شريطة أن يكون ثمن هديه حلالا، أو
أنه مشترى في الذمة، ولا يجوز التسامح والاهمال في اخراج
الحقوق الشرعية من أمواله، ولا يجوز أن يجعل سفر الحج
ذريعة للتأخير والإهمال.
5 - قد تسأل ان صحة الطواف هل هي مشروطة بإباحة
الساتر فلو كان مغصوبا أو متعلقا لحق شرعي كالخمس أو
الزكاة بطل، وكذلك ثوبي الإحرام؟
والجواب: ان ذلك وإن كان معروفا بين الأصحاب، ولكنه
لا يخلو عن اشكال، بل منع، والأظهر عدم بطلان الطواف بلبس
29

الساتر المغصوب أو المتعلق للحق الشرعي، وإن اعتبر آثما،
فان الحرام وهو الساتر وإن كان قيدا للواجب، وهو الطواف
حول البيت إلا أنه خارج عنه، وليس متعلقا للوجوب النفسي،
لأنه تعلق بالطواف المقيد به لا المركب منه، وعليه فإذا فرض
انه مغصوب ومتعلق للحرمة لم يكن متحدا مع الواجب في
الخارج ومصداقا له لكي يمنع من انطباقه على الفرد المأتي به
ويحكم بالفساد.
6 - مر أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة
المالية، وانما يمنع عن وجوب الحج بها باعتبار أنه يفوقه
أهمية، وأما في الاستطاعة البذلية فلا يمنع عن وجوبه من جهة
أنه لا يجوز له صرف المال المبذول في غير الحج. نعم إذا كان
سفر الحج يفوت عليه فرصة الوفاء بالدين، لم تجب الاستجابة.
7 - قد تسأل ان نفقة العيال الواجبة على الإنسان أثناء فترة
الحج هل تمنع عن وجوب الحج؟ كما إذا فرض انه لو سافر إلى
الحج لم يتمكن من الانفاق على عائلته بسبب أو آخر.
والجواب: ان نفقة العائلة ان كانت دينا في ذمته كنفقة
الزوجة، تمنع عن وجوب الحج، وان كانت مجرد تكليف كنفقة
الأولاد والأبوين، ففي منعها عن وجوب الحج اشكال، بل منع.
8 - قد تسأل ان منع الزوج زوجته من الذهاب إلى الحج،
هل يعتبر معيقا؟
30

والجواب: انه لا أثر لمنعه، ولا يجب على الزوجة
استئذانه في السفر لحجة الاسلام. نعم وجب عليها الاستئذان
منه في السفر للحج المندوب.
9 - قد تسأل ان كلا من النذر أو اليمين أو العهد، هل يعتبر
معيقا ومانعا عن وجوب الحج، كما إذا نذر زيارة الحسين (عليه السلام)
في كل سنة يوم عرفة، ثم استطاع للحج؟
والجواب: انه لا يعتبر معيقا ومانعا عن وجوب الحج.
10 - قد تسأل أن من أجار نفسه لعمل مدة سنة مثلا، ثم
استطاع للحج، فهل يكون وجوب الوفاء بالإجارة مانعا عن
وجوب الحج؟
والجواب: انه لا يكون مانعا، وتعين عليه الحج، وبطل من
الإجارة ما ينافي ذلك.
11 - قد تسأل ان منع الوالد ولده عن الحج لسبب من
الأسباب، هل يكون مسقطا لوجوبه عنه؟
والجواب: انه لا أثر لمنع الوالد، فان الولد إذا كانت لديه
الامكانية المالية لسفر الحج ذهابا وايابا وعند ممارسة الاعمال،
وجب عليه الحج، وليس له أن يترك الحج ايثارا لأبيه بذلك
المال على نفسه، نعم إذا نذر الحج كان لوالده نقضه، كما أن
الحج إذا كان مندوبا، فله أن يتركه ايثارا لأبيه.
31

مسائل متفرقة
1 - إذا كان الانسان مستطيعا في الواقع بتمام عناصر
الاستطاعة، ولكنه كان جاهلا بها، أو غافلا عن وجوب الحج
عليه إلى أن تلف المال، ثم انتبه بالحال، فهل يستقر عليه الحج؟
والجواب: ان ذلك إذا كان ناشئا من اهماله وعدم مبالاته
بالدين وتعلم الأحكام وتسامحه في ذلك استقر عليه الحج،
وإلا فلا.
2 - قد تسأل ان الانسان إذا اعتقد بأنه غير مستطيع فحج
ندبا، ثم بان انه كان مستطيعا، فهل يجزي عن حجة الاسلام؟
والجواب: انه لا يجزي.
3 - إذا استطاع شخص بإجارة نفسه لخدمة الحجاج في
طريق الحج، وعند ممارسة الاعمال، وجب عليه الحج، وإذا أتى
به أجزأ عن حجة الاسلام.
4 - قد تسأل ان الشخص إذا كان مستطيعا، فهل يجوز له
أن يؤجر نفسه لخدمة الحجاج في الطريق، وفي مكة المكرمة،
والمدينة المنورة؟
والجواب: انه يجوز بل لا مانع من أن يؤجر نفسه على
المشي في الطريق مع حاج، بأن يكون العمل المستأجر عليه
نفس المشي، باعتبار أنه من مقدمات الحج، وليس من واجباته.
32

5 - قد تسأل انه إذا طولب من الانسان أن يؤجر نفسه
للخدمة لقاء اجرة كبيرة تفي بنفقات الحج بتمام متطلباته، فهل
يجب عليه قبول ذلك؟
والجواب: لا يجب.
6 - إذا استطاع شخص بإجارة نفسه للحج عن غيره بأجرة
كبيرة، فهل يجب عليه تقديم الحج عن غيره على الحج عن
نفسه؟
والجواب: ان الإجارة إن كانت مقيدة بالسنة الأولى لزم
تقديمها على الحج عن نفسه، وإن لم تكن مقيدة بها وجب
تقديم الحج عن نفسه على الحج عن غيره، هذا بشرط أن يكون
واثقا ومطمئنا بالتمكن من الاتيان بالحج عن غيره في السنة
القادمة.
7 - قد تسأل أن الشخص إذا حج عن نفسه متسكعا
وبدون الاستطاعة، فهل يجزي عن حجة الاسلام، وهي
الفريضة الأولى للمستطيع؟
والجواب: لا يجزي.
8 - قد تسأل: انه إذا حج عن غيره تبرعا أو نيابة مع عدم
كونه مستطيعا آنذاك، فهل يجزي ذلك عن حجة الاسلام عنه،
ولو استطاع بعد ذلك لم يجب عليه الحج؟
33

والجواب: ان الاجزاء غير بعيد نظريا، ولكن مع هذا
فالأحوط والأجدر به وجوبا أن يأتي بحجة الاسلام إذا استطاع
بعد ذلك.
9 - يجب على كل مستطيع أن يحج عن نفسه مباشرة إذا
كان بامكانه ذلك، ولا يجزي عنه حج غيره لا إجارة ولا تبرعا.
10 - الأظهر ان الكافر مكلف بالفروع فيجب عليه الحج إذا
كان مستطيعا.
11 - وقد تسأل ان الاسلام هل هو شرط في صحة العبادة
أو لا؟
والجواب: انه شرط على المشهور، ولكنه لا يخلو عن
اشكال. ثم إن الكافر إذا أسلم فان ظلت استطاعته بعد الاسلام
وجب عليه الحج، وإن زالت ثم اسلم لم يجب عليه، وإن كان
مقصرا في ازالتها.
12 - المشهور بين الأصحاب ان الكافر المستطيع إذا ترك
الحج استقر في ذمته، فان زالت استطاعته وجب عليه الإتيان به
متسكعا، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل منع.
13 - قد تسأل ان الكافر إذا أحرم من الميقات ثم اسلم،
فهل يجزي، أو عليه أن يرجع إلى الميقات والاحرام منه إن
أمكن، وإلا فمن مكانه؟
34

والجواب: ان الاجزاء غير بعيد، وإن كان الأحوط
والأجدر به أن يرجع إلى الميقات وجدد احرامه.
14 - المشهور بين الفقهاء وجوب الحج على المرتد،
وهل يصح منه في حالة ارتداده؟
والجواب: لا تبعد صحته، وإن كان الاحتياط بالإعادة إذا
تاب ورجع في محله.
15 - إذا حج المخالف ثم استبصر، فهل تجب عليه
الإعادة؟
والجواب: لا تجب عليه الإعادة شريطة توفر أحد أمرين
فيه، الأول: ان يكون حجه صحيحا على مذهبه، وإن كان باطلا
على مذهبنا. الثاني: أن يكون صحيحا على مذهبنا وإن كان
باطلا على مذهبه.
16 - إذا وجب الحج على الشخص بالاستطاعة، فإذا أخره
بالاهمال والتسويف إلى أن زالت استطاعته استقر الحج عليه،
ويجب حينئذ أن يأتي به بأي طريق متاح له ولو متسكعا وإذا
مات وجب قضاؤه من تركته، وكذلك الحال في حج الإفراد
والقران والعمرة المفردة.
35

النيابة عن الحي العاجز
وفروعها
1 - يعتبر في صحة النيابة عن الحي رجلا كان أم امرأة
أمران: أحدهما: استقرار الحج في ذمته، كما إذا كان مستطيعا مالا
ولكن لم يتح له أن يحج لمرض أو اي عائق آخر، أو أتيح له
ذلك، ولكنه تسامح وتساهل في ذلك، ولم يحج حتى عجز عن
الحج لسبب من الأسباب، والآخر: انقطاع أمله في استعادة قوته
في التمكن من القيام المباشر للحج طول عمره.
2 - من استقر عليه الحج وعجز عن القيام المباشر لتدهور
صحته، أو لمرض الشيخوخة، أو أي عائق آخر، وانقطع أمله من
القيام به مباشرة طول حياته، فوظيفته في هذه الحالة أن يستنيب
شخصا يحج عنه، والأولى والأجدر به أن يختار شخصا لم
يحج من قبل لكي ينوب عنه.
وقد تسأل أن وجوب الاستنابة هل هو فوري كوجوب
الحج؟
والجواب: انه كوجوب الحج، وقد تقدم الكلام فيه في
المسألة (2).
3 - يجزي حج النائب عن الحي العاجز إذا مات وهو
36

عاجز عن القيام المباشر للحج، وهل يجزي إذا مات بعد
استعادة قوته في التمكن من ذلك وارتفاع عذره؟
والجواب: لا يجزي، وأولى من ذلك ما إذا استعاد صحته
وقوته في التمكن من الحج قبل حج النائب.
4 - إذا مات من استقر عليه الحج بعد الاحرام ودخول
الحرم، أجزأ حجه عن حجة الاسلام، ولافرق فيه بين حج
التمتع من حجة الاسلام، وبين حج الافراد.
وقد تسأل انه إذا مات أثناء عمرة التمتع، فهل يجزي عن
حجه من حجة الاسلام؟
والجواب: إنه يجزي. نعم إذا مات أثناء حج الافراد لم
يجزئ عن عمرته المفردة. وهل يختص هذا الحكم بحجة
الاسلام، أو أنه يشمل الحج الواجب بالنذر أو الافساد أو غيره؟
والجواب: انه يختص بحجة الإسلام.
وقد تسأل انه إذا دخل الحرم ثم خرج منه لسبب من
الأسباب، ومات في خارج الحرم، فهل يجزي ذلك عن حجة
الاسلام؟
والجواب: ان الاجزاء لا يخلو عن اشكال، والاحتياط
بالقضاء لا يترك.
5 - من لم يتمكن من القيام المباشر للحج لتدهور صحته
37

أو هرمه، أو أي عائق آخر، مع انقطاع أمله في التمكن من ذلك
نهائيا، فوظيفته الاستنابة، ومع تعذرها بسبب أو آخر، إلى أن
مات، يجب على وليه أن يستنيب شخصا يحج عنه نيابة
وتخرج نفقات الحج من التركة. نعم إذا مات في سنة الاستطاعة
فلا شيء عليه.
6 - وظيفة الانسان العاجز المنقطع أمله في التمكن من
القيام المباشر بالحج ان يجهز شخصا ويرسله إلى مكة المكرمة
لكي يحج عنه نيابة.
وقد تسأل: هل يجزي من يحج عنه تبرعا؟
والجواب: أنه لا يجزي.
7 - إذا عرض على الموسر في السنة الأولى من استطاعته
مرض أو أي عائق آخر يعيقه من القيام بالحج، فان كان على
يقين من بقاء العذر إلى نهاية عمره، وجب عليه في نفس السنة
أن يرسل شخصا ليحج عنه، ولا مبرر للتأجيل. نعم إذا كان واثقا
ومطمئنا بعدم الفوت إذا أخر إلى السنة الآتية، فلا يبعد جواز
التأخير، وان كان الأحوط تركه.
8 - لا فرق في وجوب الاستنابة عليه بين أن علم
باستمرار العذر إلى آخر عمره، أو اطمأن بذلك أو بنى عليه
تعبدا بمقتضى الاستصحاب، فان وظيفته في تمام هذه
الفروض وجوب ارسال شخص كي يحج عنه نيابة.
38

9 - قد تسأل ان النائب عن الحي العاجز هل يعتبر كونه
صرورة؟
والجواب: لا يعتبر كونه صرورة، وإن كان أولى وأجدر.
10 - قد تسأل ان النائب عن الحي العاجز الموسر، هل
يعتبر كونه رجلا، ولا يكفي إذا كان امرأة؟
والجواب: يكفي وإن كان امرأة.
11 - قد تسأل ان العذر إذا كان خلقيا ذاتيا، وعائقا عن القيام
المباشر بالحج، فهل يجب عليه أن يستنيب شخصا يحج عنه
نيابة؟
والجواب: ان وجوب الاستنابة عليه غير بعيد، وإذا مات
وكانت عنده تركة يخرج الحج من التركة، والأحوط أن يستأذن
في ذلك من الورثة أيضا.
الاستنابة في الحج
وفروعها:
1 - إذا وجب الحج على الانسان بسبب مالديه من
الامكانية المالية، وتوفر سائر شروطه، ولم يحج إلى أن توفى،
وجبت الاستنابة للحج عنه، وتسدد نفقات هذا الحج من تركته،
فإذا لم يكن قد أوصى بأن يحج عنه أخرجت نفقات الحجة
39

الميقاتية من التركة، ولاحق للميت في هذه الحالة إلا في
نفقاتها، وهي لا تكلف النائب السفر إلا من الميقات، وتكون
نفقاتها أقل من نفقات الحجة البلدية التي تكلف النائب السفر
من البلد، وعلى هذا فإذا أمكن وجدان شخص يسكن في
الميقات أو نواحيه من البلاد القريبة، كالمدينة المنورة مثلا،
كفى استيجاره للحج عن الميت، وإذا كان الميت قد أوصى بأن
يحج عنه من تركته أخرجت نفقات الحجة البلدية من التركة،
ومعنى أن نفقات الحج تخرج من التركة، ان الميت لو كان قد
أوصى بثلثه ليصرف في وجوه البر والاحسان، فالواجب أولا
اخراج نفقات الحج من التركة ككل، ثم تقسيم الباقي إلى ثلاثة
اقسام وتخصيص قسم منها للميت وفقا للوصية.
2 - إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه، وأوصى بالثلث
لأشياء أخرى، وجب الانفاق من التركة على حجة بلدية عنه، ثم
اخراج الثلث من الباقي وصرفه فيها تنفيذا للوصية.
3 - إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه، وبأمور أخرى
كالصلاة والصيام ونحوهما، على أن يسدد الكل من الثلث،
فحينئذ إن اتسع الثلث للجميع، فهو المطلوب، وإن لم يتسع إلا
لنصف النفقة التي تتطلبها الكل أخرج نصف نفقة الحج من
الثلث، والنصف الآخر من الأصل، إذا كان الحج الموصى به
حجة الاسلام.
40

4 - إذا مات شخص رجلا كان أم امرأة، وترك مالا متعلقا
للخمس أو الزكاة، وهو في نفس الوقت لم يحج حجة الاسلام،
وجب أن يدفع الخمس أو الزكاة أولا، فان وفى الباقي من التركة
ولو للحد الأدنى من نفقات الحج، وجب صرفه فيه، والا سقط
وجوب الحج، وكان للورثة إذا لم يوجد دين أو وصية، ولا
يجب عليهم تكميل النفقة من مالهم الخاص، نعم إذا كان
الخمس أو الزكاة في ذمة الميت لا في نفس التركة، ولم تف
التركة للكل، فالأظهر تقديم الحج على الخمس أو الزكاة، ولا
فرق في ذلك بين الدين الشرعي والدين العرفي، وإذا أوصى
هذا الشخص بأن يحج عنه حجة الاسلام من ماله على الرغم من
أنه متعلق للخمس أو الزكاة، وجب على الوصي أن يخرج
الخمس أو الزكاة أولا، ثم ينفق من الباقي على الحج، فان وفى
بنفقات الحجة البلدية وجب صرفه فيها، وإن لم يف إلا للحد
الأدنى من نفقاته، وهو نفقات الحجة الميقاتية، انفق عليها، وإلا
كان للورثة شريطة أن لا يكون هناك دين أو وصية أخرى.
5 - إذا مات شخص وعليه حجة الاسلام فهل يجوز
للورثة أن يتصرفوا في التركة قبل الاستنابة للحج عنه؟
والجواب: ان التركة ان كانت أوسع من نفقة الحج، جاز
لهم التصرف في الزائد شريطة التزامهم بتهيئة النيابة المطلوبة،
وعدم خوف فوتها، وإلا لم يجز.
41

6 - إذا لم تتسع التركة بمجموعها للحد الأدنى من نفقات
الحج سقط الحج، وكانت التركة كلها للورثة إذا لم يوجد دين أو
وصية، ولا يجب على الورثة تكميل نفقة الحج من مالهم
الخاص، كما لا يجب عليهم بذل تمام نفقة الحج، إذا لم تكن
للميت تركة أصلا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الميت قد
أوصى بالحج عنه أو لا.
7 - إذا مات شخص وعليه حجة الاسلام ولم يوص بها لم
يجب الاستيجار إلا من الميقات، بل يكفي من أقرب المواقيت
إلى مكة، فان الواجب عليه الحجة الميقاتية، ولا حق له في
التركة في حالة عدم الوصية إلا بمقدار نفقاتها دون الأكثر.
8 - إذا وجبت حجة الاسلام على شخص فمات قبل أن
يحج، وجب الاستيجار عنه للحج في سنة موته، ولا يجوز
تأخير ذلك إلى سنة أخرى، ولا يكون عدم وجدان الوارث من
يقبل بأجرة الحجة الميقاتية في تلك السنة مبررا للتأجيل،
ويتعين عليه في هذه الحالة دفع الأجور للحجة البلدية من أصل
التركة، وكذلك الحال إذا اقترح شخص أجرة أكبر من الأجرة
الاعتيادية المقررة عادة للاستيجار في الحج ولم يوجد من
يقبل بالأجرة الاعتيادية وجب تلبية اقتراحه ولا يجوز التأجيل
إلى سنة أخرى.
42

9 - إذا اختلف الورثة فأقر بعضهم بان على الميت حجة
الاسلام، وانكر الآخرون أو تمردوا، فهل على الوارث المقر أن
يدفع تمام نفقات الحج من حصته؟
والجواب: لا يجب عليه أن يدفع كل نفقات الحج من
حصته الخاصة به، بل توزع على حصص جميع الورثة بنسبة
معينة، فإذا كانت نفقة الحج بقدر خمس التركة، فليس عليه إلا
أن يدفع خمس ما عنده من أجل نفقة الحج، وعندئذ فان كان
هناك متبرع اتفاقا بباقي النفقة، وجب عليه أن يؤدي خمس ما
عنده، وإلا فهو حر في التصرف بكامل حصته ولا شيء عليه،
وكذلك إذا أقر بعض الورثة بأن على الميت دين وانكر
الآخرون أو تمردوا، فليس على الوارث المقر إلا دفع ما تعلق
من الدين بحصته الخاصة به بالنسبة دون تمام الدين.
10 - إذا وجبت حجة الاسلام على شخص، ثم مات قبل أن
يحج، ولم يوص بالحج عنه، وتبرع متبرع بالحج ونيابة عنه،
كانت التركة كلها للورثة، ولا يجب عليهم أن يستثنوا مقدار
نفقات الحج منها للميت وصرفه في مصلحته من وجوه البر
والاحسان، بل الأمر كذلك إذا أوصى بالحج عنه من تركته، فإنه
إذا وجد متبرع تبرع بالحج عنه سقطت الوصية بسقوط
موضوعها وترجع التركة إلى الورثة، ولا يستثنى مقدار نفقات
43

الحج منها لمصلحة الميت. نعم إذا كان الميت قد أوصى باخراج
حجة الاسلام من ثلثه وتبرع متبرع بالحج عنه لم يحق للورثة
اهمال الوصية رأسا، بل وجب صرف مقدار نفقات الحج من
الثلث في وجوه البر والاحسان.
11 - إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه من تركته وجب
على الوصي أو الوارث استيجار شخص للحجة البلدية عنه
تنفيذا للوصية، ولكن إذا خالف واستأجر شخصا للحجة
الميقاتية برئت بذلك ذمة الميت، ولا تجب إعادة الحج وان
اعتبر آثما.
وقد تسأل عن الإجارة حينئذ على الحجة الميقاتية، هل
هي صحيحة؟
والجواب: أن الوصية بالحجة البلدية ان كان معناها ايقاع
الإجارة على المقدمات والأعمال معا بطلت، وإن كان معناها
ايقاعها على الاعمال فحسب، ولكن بشرط أن يكون الأجير
على تلك الأعمال من البلد صحت، وعلى هذا فيستحق الأجير
على الأول اجرة المثل دون المسماة، وعلى الثاني يستحق
الأجرة المسماة.
12 - إذا كان الميت قد أوصى بحجة الاسلام من بلدة
أخرى غير بلدته، وجب على الوصي استيجار شخص للحج
44

عنه من تلك البلدة، وتسدد نفقاته من الأصل، وإن كانت أكبر من
نفقات الحج من بلدته شريطة أن يكون له في هذه الوصية
غرض عقلائي، كما إذا كان الحج من تلك البلدة أكثر ثوابا لا
مجرد اضرار بالورثة وأن لا تكون اجرته من هناك أكبر من
الأجرة الاعتيادية بأعلى مراتبها.
13 - إذا كان الميت قد عين مقدارا معينا من ماله وأوصى
بأن يحج به عنه، فحينئذ إن كان ذلك المال أكثر من الأجرة
الاعتيادية بأعلى درجاتها أخرجت الأجرة الاعتيادية من الأصل
والزائد من ثلث الباقي.
14 - إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه بمال معين، وعلم
الوارث أو الوصي انه متعلق للخمس وجب عليه اخراج خمسه
أولا، ثم يصرف الباقي على الحج، ولا يسوغ له أن يصرف على
الحج من المال الذي لا يزال الخمس فيه ثابتا. نعم إذا كان
الخمس ثابتا في ذمة الميت ودينا عليه، لا في عين ماله خارجا
قدم الحج عليه، هذا كله إذا كان الحج الموصى به حجة الاسلام،
وأما إذا كان حجة أخرى فيجب عليه أولا اخراج الخمس من
ذلك المال، ثم ان الباقي إن كان بمقدار ثلثه دون أزيد منه، وجب
العمل بالوصية وصرفه على الحج وإن لم يف بالحج انفق في
وجوه الخير والاحسان.
45

15 - من مات وعليه حجة الاسلام وجب على من تكون
التركة في حيازته الاستيجار للحجة عنه، فإذا أهمل وتسامح إلى
أن تلف المال كان ضامنا، وعليه الاستيجار للحج عن الميت من
ماله بدل التالف، نعم إذا تلف المال المذكور في حيازته بدون
تفريط واهمال منه، فلا يضمن ووجب الانفاق على الاستيجار
للحج عنه من باقي التركة، وكذلك إذا كان المال في حيازة
الوصي، فإنه إذا أهمل وتسامح في الانفاق على الاستيجار للحج
عن الميت وتلف ضمن، وعليه الاستيجار عنه من ماله الخاص،
وإلا فلا ضمان عليه، ووجب الاستئجار عنه من باقي التركة.
16 - إذا علم الوارث أو الوصي باشتغال ذمة الميت بحجة
الاسلام، وشك في انه حج في حياته أو لا، وجب عليه
الاستيجار للحج عنه.
17 - إذا علم الوارث أن الميت كان قد أوصى بحجة
الإسلام، وبعد فترة زمنية شك في أن الوصي قد نفذ الوصية
واستأجر من يحج عنه، ففي هذه الحالة يجب عليه الاستيجار
للحج عنه، ما لم يكن واثقا بالتنفيذ.
18 - لا تبرأ ذمة الميت بمجرد عقد الايجار، وانما تبرأ
باتيان الأجير بكامل العمل خارجا، وعلى هذا فإذا علم أن
الأجير لم يقم بالحج عن الميت، اما لعذر أو عامدا وملتفتا
46

وجب الاستيجار للحج عنه مرة ثانية من التركة، وحينئذ فان
أمكن استرداد الأجرة من الأجير تعين إذا كانت الأجرة من مال
الميت.
19 - إذا كانت الأجرة الاعتيادية على درجات تبعا لنوعية
الأجير واختلافه من جهة الفضل والشرف والعلم والدقة في
التطبيق والمكانة، فهل يجب استيجار من يقبل بأجرة أقل إذا
كانت الإجارة من تركة الميت؟
والجواب: لا يجب ذلك، فيجوز الأخذ بأعلى تلك
الدرجات، كما يجوز الأخذ بأدناها، ولا مانع من استيجار من
هو أفضل من الميت شرفا وعلما ومكانة، كما أنه لا مانع من
استيجار من هو دون الميت فضلا وعلما شريطة أن لا تكون فيه
مهانة للميت.
20 - إذا حج شخص حجة الاسلام، ثم أوصى بأن يحج
عنه حجة أخرى، أخرجت نفقات ذلك من الثلث، وإذا أوصى
بحج ولم يعلم انه حجة الاسلام أم غيرها، اعتبرت نفقاته من
الثلث.
21 - إذا كان المتصدي لعملية الاستيجار للحج عن الميت
الوارث فهو يعمل على طبق نظره اجتهادا أو تقليدا، دون نظر
الميت، إلا فيما إذا كان نظر الميت موافقا للاحتياط، ونظر
47

الوارث مخالفا له، ومبنيا على الأصل العملي المؤمن كأصالة
البراءة، دون الدليل الاجتهادي، ففي هذه الحالة الأحوط
والأجدر به وجوبا أن يعمل على طبق نظر الميت اجتهادا أو
تقليدا، وإذا كان المتصدي للعملية الوصي، فان كان نظره مطابقا
لنظر الموصي اجتهادا أو تقليدا فهو المطلوب، وإن كان مخالفا
له، فان كان نظره مطابقا للاحتياط دون نظر الموصي، فعليه أن
يعمل على طبق نظره، وان كان نظر الموصي مطابقا للاحتياط،
دون نظره، فعليه أن يعمل على طبق نظر الموصي تنفيذا
للوصية.
22 - إذا علم الوصي ان الميت كان مقلدا لمجتهد لا يعلم
أن رأيه في المسألة كان موافقا للاحتياط أو مخالفا له وجب
عليه الاستيجار للحج عن الميت بشروط موافقة للاحتياط
تطبيقا لتنفيذ الوصية، وإذا علم الوارث بذلك لم يجب عليه
العمل إلا بما يراه صحيحا بحسب نظره اجتهادا أو تقليدا دون
نظر الموصي.
23 - إذا كان الميت قد عين شخصا خاصا وأوصى بأن
يحج عنه وجب على الوصي استيجاره للحج عنه، وإن لم يقبل
إلا بأجرة أكبر من الأجرة الاعتيادية، اعتبر الزائد من ثلث الباقي،
وإن لم يمكن ذلك بسبب أو آخر استأجر غيره بالأجرة
الاعتيادية.
48

24 - إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه، وعين اجرة لا
يرغب أحد أن يحج بها، فحينئذ إن كان الحج الموصى به حجة
الإسلام وجب تكميل نفقاتها من باقي التركة، وإن كان حجة
أخرى بطلت الوصية ويصرف ما عينه من الأجرة في وجوه البر
والاحسان.
25 - إذا باع شخص داره مثلا من آخر بثمن معين كمأة
دينار، أو صالحها منه بذلك المبلغ، واشترط عليه في ضمن
العقد أن ينفق ذلك المبلغ على الحج عنه بعد موته، فعندئذ ان
كان الحج الموصى به حجة الاسلام اعتبر المبلغ من التركة
شريطة أن لا يكون زائدا على الأجرة الاعتيادية بأعلى مرتبتها،
وإلا اعتبر الزائد من الثلث إذا كانت له تركة أخرى، ولو كانت
التركة منحصرة به، فان كان بقدر الأجرة الاعتيادية انفق على
الحج وإن كان أزيد منها كان ثلثا الزائد للورثة وثلثه للميت
ويصرف في وجوه البر والإحسان وإن كان أقل منها بدرجة لا
يتسع للحد الأدنى من نفقات الحج كان المبلغ كله للورثة.
وإن كان الحج الموصى به حجة أخرى، فان كان المبلغ
بقدر ثلثه وجب على الوصي انفاقه على الحجة، وإن كان أزيد
من الثلث فالزائد للورثة، والباقي إن وفى بنفقات الحج فهو
المطلوب، وإلا صرف في سائر وجوه البر، وكذلك الحال إذا
49

كانت التركة منحصرة به، فان ثلثيه للورثة وثلثه للميت، فان
وفى بالحج فهو، وإلا صرف في وجوه الخير والاحسان.
وعلى هذا، فان امتنع المشروط عليه من العمل بالشرط،
فان كان الشرط حجة الاسلام فللحاكم الشرعي اجباره على
العمل، فان لم يكن ذلك انتقل الخيار اليه دون الورثة، وله حينئذ
فسخ العقد فإذا فسخه انتقلت الدار إلى الميت، وبعد انتقالها اليه
ينفق منها على الحج، فان زاد اعتبر الزائد من الثلث كما مر، نعم
لو كانت التركة منحصرة به، وكان أزيد من الأجرة الاعتيادية
كان ثلثا الزائد للورثة، وعندئذ فيثبت الخيار لهم أيضا من جهة
امتناع المشروط عليه عن تسليم ثلثي الزائد إليهم.
وإن كان الشرط حجة أخرى، فان كان المبلغ بقدر ثلثه
ظهر حكمه مما مر، وإن كان الزائد على الثلث أو كانت التركة
منحصرة به، ثبت خياران، أحدهما للميت، والآخر للورثة،
والأول انتقل إلى الحاكم الشرعي.
26 - إذا صالحه شخص على داره، أو باعها منه وشرط
عليه أن يحج منه بعد موته، أو باع الدار لينفق ثمنها على الحج
عنه، فهذا وإن لم يكن من الوصية، إلا أنه يجب عليه الوفاء
بالشرط، فان امتنع فلوارث الميت أن يطالب منه العمل بالشرط،
فان لم يقبل يرجع إلى الحاكم الشرعي لكي يجبره على العمل
50

به، وإن لم يمكن ذلك أيضا فللوارث أن يفسخ العقد بمقتضى
خيار تخلف الشرط، على أساس أن الشرط بما أنه ملك
للمشروط له، فيكون من التركة، وينتقل الخيار اليه تبعا لانتقاله.
27 - قد تسأل ان الوصي إذا مات ولم يعلم أنه قام بتنفيذ
الوصية قبل موته، فهل يجب عليه الاستيجار من التركة؟
والجواب: يجب الاستيجار من التركة إذا كان الحج
الموصى به حجة الاسلام، ومن الثلث إذا كان حجة أخرى،
وعلى هذا فان كان الوصي قابضا لمال الايجار، وكان موجودا
عنده أخذ، ولا يعتنى باحتمال أنه قد استأجر من مال نفسه
بديلا عنه، وإن لم يكن موجودا عنده، فهل يحكم بضمانه أو لا؟
والجواب: لا يحكم بضمانه لاحتمال أنه تلف عنده بدون
تفريط وإهمال، هذا إذا لم تكن هناك قرينة على التنفيذ كظهور
حاله الموجب للوثوق به.
28 - إذا تلف المال عند الوصي بلا تفريط وتقصير منه،
وجب الاستيجار للحج عن الميت من بقية التركة وإن كانت
موزعة بين الورثة إذا كان الموصى به حجة الاسلام، ومن بقية
الثلث إذا كان الموصى به حجة أخرى، وكذلك الحال إذا مات
الأجير قبل الشروع في العمل، ولا فرق فيه بين امكان استرداد
مال الايجار عن ورثة الأجير أو لا.
29 - إذا كان الميت قد أوصى بحج غير حجة الاسلام،
51

وعين مالا لنفقاته يحتمل أنه أزيد من الثلث، لم يجز التصرف
فيه وانفاقه جميعا على الحج.
30 - إذا كان عند أحد مال من شخص آخر، ومات صاحب
المال بعد استقرار حجة الاسلام عليه، واحتمل من يكون المال
في حيازته أنه إذا رده إلى ورثته أكلوه ولم ينفقوا على الحج نيابة
عنه، كانت وظيفته أن ينفق منه للحج عن الميت، فان زاد من
أجرة الحج رد الزائد إلى الورثة، ولا فرق فيه بين أن يقوم بنفسه
ومباشرة للحج نيابة عنه، وبين أن يستأجر شخصا آخر للحج
عنه، كما أنه لا فرق بين أن يكون المال موجودا عنده أو في
ذمته.
31 - إذا علم بالإمكانية المالية لدى الميت في زمن حياته،
وشك في توفر سائر الشروط فيه فهل يجب القضاء عنه؟
والجواب: لا يجب إلا إذا كانت لهذه الشروط حالة سابقة.
وقد تسأل عن ما إذا كانت لها حالتان سابقتان متضادتان،
فهل يجب القضاء؟
والجواب: لا يجب إلا إذا علم اجمالا بأنه في الوقت الذي
توفر فيه سائر الشروط كان مستطيعا.
32 - إذا كان ذمة الميت مشغولة بحجة الاسلام، ولم
يوص بها، وعلم الوارث بذلك، فعليه أن يستأجر شخصا لحجة
الاسلام عنه، وحينئذ فإن استأجر للحجة البلدية غافلا عن أن
52

الواجب في ذمته الحجة الميقاتية، فهل يضمن ما زاد عن الأجرة
الميقاتية الاعتيادية؟
والجواب: انه يضمن.
33 - من كانت عليه حجة الاسلام فلا يسوغ له أن يحج
عن غيره تبرعا أو إجارة، ولكن إذا أصر على ذلك، وحج عن
غيره كذلك، فهل يصح حجه؟
والجواب: أنه يصح وان اعتبر آثما.
34 - تبين مما تقدم ان النيابة لا تكون مشروعة إلا عن
الشخص الذي استقرت عليه حجة الإسلام، ولم يقم بأدائها إلى
أن مات، أو كان مستطيعا وأخر تسامحا وإهمالا، ولم يحج حتى
عجز عن الحج لسبب من الأسباب، وانقطع أمله في التمكن من
القيام المباشر بالحج، وأما من مات ولم تستقر عليه حجة
الاسلام، كمن مات في سنة استطاعته، فلا شيء عليه حتى
تكون النيابة عنه مشروعة.
35 - تجوز الاستنابة في الحج المندوب عن الاحياء
والأموات على السواء، ولا تكون مشروطة بأي شروط ما عدا
كون المنوب عنه مسلما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
المنوب عنه رجلا أو امرأة، بالغا وعاقلا أو مجنونا أو صبيا
مميزا.
53

شروط النائب
وفروعه:
1 - البلوغ، فلا يجزي حج الصبي ولو كان مميزا عن غيره
في حجة الاسلام، وغيرها من الحج الواجب، نعم تصح نيابة
الصبي المميز في حج مندوب باذن الولي.
2 - العقل، فلا تجزي استنابة المجنون، ولا فرق في ذلك
بين المجنون المستمر جنونه، أو يصاب بالجنون أحيانا، إذا
كانت الاستنابة في فترة جنونه.
وقد تسأل: هل ان استنابة السفيه صحيحة؟
والجواب: إنها صحيحة.
3 - الايمان، على الأحوط.
4 - ان يكون النائب متمكنا من القيام المباشر بكل
واجبات الحج، وأما إذا كان عاجزا عن القيام ببعض واجباته
لمرض أو نحوه، فلا تجوز نيابته، كما إذا كان عاجزا عن الطواف
وصلاته، أو السعي بين الصفا والمروة، أو غير ذلك، وإذا بادر
والحال هذه وتبرع بالحج عن غيره، فلا يكتفى بذلك. نعم إذا لم
يتمكن من رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر
والثاني عشر مباشرة، فلا بأس باستنابته، كما انه إذا علم
54

باضطراره أثناء الإحرام إلى التظليل أو نحوه لم يعق ذلك عن
صحة الاستنابة.
وقد تسأل عن الشخص الذي كان متمكنا من القيام بكل
واجبات الحج من الأول، واستؤجر للحج عن غيره، ثم طرأ
عليه العجز أثناء الاعمال، كما إذا مرض أو انكسر رجله اتفاقا
فعجز عن القيام المباشر بالطواف والسعي ونحوهما، فهل
يكشف ذلك عن بطلان الإجارة من الأول أو أنها صحيحة؟
والجواب: ان الصحة غير بعيدة.
5 - إذا كان الانسان مكلفا بحجة الاسلام أو غيرها من
الحج الواجب في سنته، لا يجوز له أن ينوب عن غيره فيها،
ويهمل ما وجب عليه من الحج، ولكن إذا صنع ذلك غافلا أو
جاهلا بوجوب الحج عليه، صحت استنابته وحجته النيابية معا.
وقد تسأل انه إذا صنع ذلك عامدا وملتفتا إلى أنه مكلف
بالحج فعلا، فهل تصح اجارته؟
والجواب: ان الإجارة لا تصح، وأما حجته النيابية فهي
صحيحة.
وقد تسأل ان الإجارة إذا كانت باطلة، والحجة صحيحة،
فهل يستحق الأجير شيئا على المستأجر؟
والجواب: إنه يستحق اجرة المثل، وهي الأجرة التي
55

يتقاضاها الأجراء عادة للقيام بمثل ذلك العمل، وعليه فإذا كانت
الأجرة المعينة في الإجارة أكثر من اجرة المثل لم يكن له
المطالبة بالزائد.
6 - لا تعتبر في صحة عمل النائب العدالة، ولا الوثاقة، ولا
الأمانة، ولا في صحة استيجاره، ولكن بما أن ذمة الميت لا تبرأ
بمجرد عقد الايجار، وإنما ترتبط براءتها بأداء النائب للحج
على الوجه الصحيح، فيتطلب ذلك من الوصي أو الوارث أن
يستنيب شخصا يكون واثقا ومطمئنا بأنه يؤدي العمل على
الوجه المطلوب، ولا يجوز له أن يستنيب من لا يثق به، لأن
وظيفته احراز فراغ ذمة الميت عن الحج، ولا يمكن ذلك إلا أن
يكون النائب مأمونا بأداء الحج بكامل واجباته وذا معرفة في
تطبيقها ومواضعها التسلسلية، وجديرا بالثقة وكذلك الحي
العاجز الموسر الذي تكون وظيفته الاستنابة، فان الواجب عليه
أن يستنيب شخصا جديرا بالثقة والأمانة، ومتأكدا بأنه يؤدي
العمل على الوجه الصحيح والمطلوب حتى يحصل له الوثوق
والاطمئنان بفراغ ذمته.
7 - لا تعتبر الحرية في صحة النيابة، فتصح نيابة المملوك
عن الحر شريطة أن يكون ذلك باذن مولاه.
8 - إذا استقرت حجة الإسلام على شخص، ثم صار
56

مجنونا، فان انقطع الأمل عن استعادة عقله، أرسل شخص مكانه
ليحج عنه نيابة، وإن مات وجب على وليه أن يحج عنه مباشرة
أو استنابة.
9 - لا تعتبر المماثلة في نيابة الحج بين النائب والمنوب
عنه، فتصح نيابة المرأة عن الرجل وبالعكس، ولا يعتبر في
نائب الرجل أن يكون رجلا وفي نائب المرأة أن يكون امرأة،
كما أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون النائب قد حج سابقا أو لم
يحج.
10 - تقدم ان الانسان الحي الموسر رجلا كان أم امرأة، إذا
عجز عن الحج وانقطع أمله في التمكن من القيام المباشر
بالحج، وجب عليه أن يستنيب شخصا يحج عنه نيابة، وهل
يعتبر أن يكون ذلك الشخص النائب صرورة؟
والجواب: لا يعتبر ذلك، كما انه لا يعتبر في النائب عن
الميت، بدون فرق بين أن يكون المنوب عنه رجلا أو امرأة،
وكذلك الحال في النائب.
11 - تقدم ان الكافر مكلف بالفروع، وهل تصح النيابة
للحج عنه إذا عجز وانقطع أمله في التمكن من القيام به مباشرة؟
والجواب: لا تصح النيابة عنه، لا في حالة حياته، ولا بعد
موته.
57

وقد تسأل: هل على وارثه إذا كان مسلما أن يحج عنه
مباشرة أو استنابة؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك.
وقد تسأل: هل ان الناصب كالكافر في عدم صحة
الاستنابة عنه؟
والجواب: انه كالكافر إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان
له ولد مؤمن فيجوز له أن يحج عنه.
12 - تصح النيابة في الحج المندوب عن الحي رجلا كان
أم امرأة مطلقا، أي سواء أكان عاجزا أم لا، وسواء أكانت بالتبرع
أم بالإجارة، وفي الحج الواجب عنه شريطة أن يكون عاجزا
ومأيوسا من التمكن بالقيام به مباشرة، وأن يكون بالإجارة، ولا
تصح بالتبرع، وتصح عن الميت مطلقا في الحج الواجب
والمندوب، كانت بالتبرع أم بالإجارة.
13 - يعتبر في صحة عمل النائب أمران: أحدهما قصد
النيابة عن غيره، وهو المنوب عنه والآخر تعيينه ولو على وجه
الاجمال، فلو أتى بعمل كان يقصد به النيابة عن غيره بدون
تعيينه ولو اجمالا، لم يقع عنه، كما أنه لو أتى بعمل بدون أن
يقصد النيابة عن غيره لم يقع عنه.
14 - كما تصح النيابة بالإجارة، تصح بالجعالة، وبالشرط
في ضمن العقد أيضا.
58

15 - إذا مات النائب قبل الاحرام، لم تبرأ ذمة الميت عن
الحج، ويجب على الوصي أو الوارث أن يستنيب شخصا للحج
عنه مرة ثانية، وإذا مات بعد الاحرام أجزأ عنه وبرئت ذمته وإن
كان قبل دخول الحرم، ولا فرق في ذلك بين أقسام الحج، كما
أنه لا فرق بين أن تكون النيابة بالإجارة أو بالتبرع.
16 - قد تسأل أن الأجير إذا مات بعد الاحرام، فهل يستحق
تمام الأجرة؟
والجواب: انه يستحق إذا كانت الإجارة على تفريغ ذمة
الميت، وإذا كانت على الاعمال والمناسك توزع الأجرة عليها،
فيستحق منها بالنسبة.
17 - قد تسأل انه إذا مات قبل الاحرام، فهل يستحق من
الأجرة شيئا؟
والجواب: أنه لا يستحق منها شيئا مطلقا، سواء أكانت
الإجارة على تفريغ الذمة، أم كانت على الاعمال والمناسك،
نعم ما صرفه من الأجرة على المقدمات إلى ما قبل الميقات، فلا
يكون ضامنا، ولا يحق للوارث أو الوصي أن يطالبه به.
18 - إذا استأجر الوارث أو الوصي شخصا للحجة البلدية
عن الميت، ولم يعين طريقا خاصا، كان الأجير مخيرا في اختيار
أي طريق شاء، وأما إذا عين طريقا خاصا وكان بنظره أصلح من
59

سائر الطرق، فلا يجوز له العدول عنه، فإذا عدل عنه وذهب إلى
الحج من طريق آخر وحج صح حجه وبرئت ذمة المنوب عنه،
وحينئذ فهل يستحق الأجرة كلها؟
والجواب: ان الطريق المعين ان كان داخلا في متعلق
الإجارة فيستحق من الأجرة بالنسبة، وإن لم يكن داخلا في
متعلقها بأن تكون الإجارة على الاعمال والمناسك، أو على
تفريغ الذمة استحق تمام الأجرة، غاية الأمر أنه خالف الشرط.
19 - إذا اجر أحد نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة
خاصة، ثم أجر نفسه للحج عن آخر في نفس تلك السنة كذلك،
فهل تبطل الإجارة الثانية؟
والجواب: تبطل، فإنها وقعت على ملك الغير بدون اذنه.
20 - إذا اجر انسان نفسه للحج عن شخص آخر في سنة
معينة، وجب عليه أن يحج عنه في هذه السنة تنفيذا للوفاء
بالإجارة، ولا يجوز له التأخير إلى سنة أخرى، ولا التقديم، فإذا
أخر أو قدم فذمة الميت وإن برئت، إلا أن الأجير لا يستحق شيئا
على المستأجر، لا الأجرة المسماة، لعدم وفائه بالإجارة، ولا
أجرة المثل، لأن ما أتى به لم يكن باذن المستأجر وأمره.
21 - إذا منع ظالم أو عدو الأجير بعد الاحرام عن ممارسة
اعمال الحج، أو منعه مرض عن ممارستها، كان حكمه حكم
60

الحاج عن نفسه إذا صد أو أحصر، وسيأتي بيان ذلك في ضمن
مسائل المصدود والمحصور. نعم على هذا انفسخت الإجارة
إذا كانت مقيدة بهذه السنة الخاصة، وإلا ظل الحج في ذمته،
وعليه الاتيان به في السنين القادمة.
22 - إذا مارس النائب محرمات الاحرام عامدا وملتفتا إلى
الحكم الشرعي، أو اضطرارا، فكفارتها عليه دون المنوب عنه،
ولا فرق في ذلك بين أن تكون النيابة بالإجارة أو بالتبرع.
23 - إذا استأجر شخصا للحج عن الميت بأجرة معينة، ثم
قصرت الأجرة عن نفقات الحج، فلا يجب على المستأجر
تكميلها، كما أنها إذا زادت عنها فلا يحق له أن يطالب الأجير
بارجاع الزائد.
24 - إذا كان الميت قد أوصى بصرف مبلغ معين من المال
في الحج عنه سنين متعددة، وحدد لكل سنة مقدارا خاصا منه،
واتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة، فهل يجب على
الوصي أن يصرف نصيب سنتين في سنة واحدة للحج عنه أو
أكثر، أو يصرف في وجوه البر والإحسان؟
والجواب: لا يبعد الأول.
25 - إذا مارس الأجير الاستمتاع بامرأته جماعا قبل
الوقوف بالمشعر الحرام، فعليه الحج من قابل، وكفارة ناقة،
61

واتمام هذا الحج، فإذا أكمل هذا الحج فقد برئت ذمة الميت،
واستحق تمام الأجرة، وأما الحج في العام القادم فهو عقوبة
عليه، ويكون حاله حال سائر الكفارات.
26 - يملك الأجير الأجرة بعقد الايجار، ولكن لا يجب
على المستأجر تسليمها اليه إلا بعد اتيانه بالعمل المستأجر
عليه، هذا إذا لم يشترط الأجير في ضمن العقد تسليم الأجرة
قبل العمل، وإلا وجب، والقرينة هنا على هذا الاشتراط
موجودة، وهي أن المتعارف الخارجي والمرتكز في أذهان
الناس تقديم الأجرة قبل البدء بالعمل المستأجر عليه، ومنشأ
ذلك أن الأجير في الغالب لا يتمكن من نفقات الحج بكاملها
قبل أخذ الأجرة، وحيث ان عقد الايجار الواقع بين الأجير
والمستأجر في باب الحج مبني على ذلك، فيكون بمثابة شرط
ضمني لتسليم الأجرة قبل الشروع في العمل.
27 - إذا اجر زيد نفسه للحج عن الميت، فليس له أن
يستأجر شخصا آخر للاتيان بالحج عنه، إلا إذا اذن المستأجر
الأول بذلك، أو كانت هناك قرينة على أن مقصود المستأجر
الأول ليس قيام الأجير بالحج عنه مباشرة، فيجوز له أن يستأجر
غيره للقيام به.
28 - قد تسأل ان الوارث أو الوصي إذا استأجر شخصا
62

لحج التمتع باعتقاد سعة الوقت، ثم بان أن الوقت قد ضاق، ولا
يتمكن الأجير من الاتيان بعمرة التمتع وادراك الحج بعدها،
فهل تنقلب وظيفته حينئذ من حج التمتع إلى حج الافراد،
والإتيان بالعمرة المفردة بعده، أو يكشف ذلك عن بطلان
الإجارة؟
والجواب: ان ذلك يكشف عن بطلان الإجارة، دون
الانقلاب، وإذا كان ضيق الوقت مستندا إلى إهمال الأجير،
وتأخير السفر إلى الحج تساهلا وتسامحا، لم يكشف ذلك عن
بطلان الإجارة ولا الانقلاب، ووقتئذ يثبت الخيار للمستأجر،
وله فسخ الإجارة، واسترجاع الأجرة منه.
29 - تصح نيابة شخص واحد عن جماعة في الحج
المندوب، بدون فرق بين أن يكون هؤلاء الجماعة من الأحياء
أو الأموات، ولا تصح في الحج الواجب، فإذا كان الحج واجبا
على كل واحد من الشخصين أو الاشخاص احتاج كل منهم إلى
نائب مستقل، ولا تتصور كفاية نائب واحد عن الجميع.
30 - يجوز لجماعة أن ينوبوا في سنة واحدة عن شخص
واحد، سواء أكان ذلك الشخص حيا أم كان ميتا، فيحج كل واحد
منهم نيابة عنه، سواء أكان قصد بعضهم مختلفا عن قصد
البعض الآخر، كما إذا قصد أحدهم النيابة عنه في حج مندوب،
63

وقصد الآخر النيابة عنه في حج واجب، أو قصدوا جميعا النيابة
عنه في حج واحد كحجة الاسلام احتياطا، على أساس أن كل
واحد منهم يحتمل أن عمل الآخرين ناقص في الواقع وباطل.
31 - يجب تعيين نوع الحج من تمتع أو افراد أو قران في
عقد الايجار، نعم لو كان الايجار على الحج المندوب، ولم
يعين نوعا خاصا منه، كان الايجار على الجامع، وعليه فيكون
الأجير مخيرا في تطبيق ذلك الجامع على أي نوع من أنواعه
شاء، وأما إذا عين المستأجر نوعا خاصا من الحج، فلا يجوز
للأجير العدول منه إلى غيره وإن كان أفضل، إلا باذن المستأجر،
فإذا عدل بدون اذنه لم يستحق على المستأجر شيئا من الأجرة
المسماة، ولا المثل.
32 - الطواف حول البيت الشريف جزء من الحج، وجزء
من العمرة، وهو مضافا إلى ذلك مستحب في نفسه، وعبادة
مستقلة من هذه الناحية، كالوضوء فإنه شرط للصلاة، ومع ذلك
يكون عبادة مستقلة، وعلى هذا فيجوز للانسان أن يطوف
حول الكعبة الشريفة مستقلا، بدون أن يضم إلى ذلك شيئا آخر
من اعمال العمرة أو الحج، ولا يعتبر في الطواف المستحب
المستقل أن يكون حال الطواف متوضئا، ولكن لابد أن يكون
متوضئا حال الاتيان بركعتيه من صلاته.
64

33 - يسوغ للنائب بعد الفراغ من أعمال الحجة النيابية أن
يأتي بعمرة مفردة عن نفسه، وعن غيره تبرعا أو إجارة.
مسائل متفرقة
1 - تقدم ان الاستطاعة لا تتحقق بسهم الإمام (عليه السلام)، ولا
يجب به الحج.
وقد تسأل: إذا ترتبت على الحج بسهم الإمام (عليه السلام) خدمات
دينية جليلة من الوعظ والارشاد وبيان الأحكام، وتوجيه الناس
بقدر ما هو متاح له في تلك الظروف التاريخية والاجتماعية،
فهل يجب عليه أن يذهب إلى الحج، ويصبح مستطيعا؟
والجواب: نعم يصبح بذلك مستطيعا، فيجب عليه الحج،
وإذا حج كان حجه حجة الاسلام.
2 - قد تسأل ان البعثات الحكومية التي ترسل إلى الحج
من قبل حكومات الوقت وعلى نفقاتها الخاصة، فهل يصح
حجهم، ويجزي عن حجة الاسلام؟
والجواب: نعم، يصح ويجزي عن حجة الاسلام شريطة
اتيانهم بالحج بكامل واجباته وشروطه.
3 - قد تسأل ان الحج هل يصح بجوائز السلطان
وهداياه؟
65

والجواب: يصح ويجزي عن حجة الاسلام إذا لم يعلم
بغصبيتها وحرمتها، وأما إذا علم بذلك فتكون من المجهول
مالكه، وحينئذ فان كان المهدى اليه مستحقا لها نوى تملكها
صدقة من قبل أصحابها، شريطة أن لا تزيد عن مؤنة سنته،
وعندئذ فيصبح مستطيعا إذا كانت وافية بنفقات الحج، وإن لم
يكن مستحقا لها تصدق بمقدار ثلثها للفقراء، ويتصرف في
الباقي، فان كان وافيا بنفقات الحج وجب عليه، وإلا فلا، وكذلك
الحال في منحة الحكومة إذا علم بأنها مجهولة المالك.
4 - إذا كان الانسان مستطيعا، بأن كانت لديه الامكانية
المالية لنفقات الحج، فحج وانفق عليه من الأموال المغصوبة
عنده، فهل يصح حجه ويجزي عن حجة الاسلام؟
والجواب: نعم يصح ويجزي عنها شريطة أن يكون هديه
حلالا، أو اشتراه في الذمة، وأما غصبية الساتر في حال الطواف،
فقد تقدم أنها لا تضر بصحته، وإن كان الطائف عالما بها،
وكذلك غصبية ثوبي الإحرام على ما مر.
الحج المستحب
مسألة 1: يستحب أن يحج الانسان في كل عام إذا كان
متمكنا من ذلك.
66

مسألة 2: يستحب أن ينوي العود إلى مكة حين الخروج
منها للحج.
مسألة 3: يستحب إحجاج من لا استطاعة له، كما يستحب
الاستقراض للحج إذا كان واثقا ومطمئنا بالوفاء به في وقته،
ويستحب كثرة الانفاق في الحج.
مسألة 4: يستحب اعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج
ليحج بها.
مسألة 5: يستحب في حج المرأة اذن زوجها إذا كان
مندوبا، وكذلك المعتدة بالعدة الرجعية، ولا يعتبر ذلك في
البائنة والمتوفى عنها زوجها.
العمرة
وهي نوعان:
الأول: العمرة المفردة، وهي مستحبة عموما باستثناء
العمرة الأولى للمستطيع، فإنها واجبة على كل مستطيع تكون
المسافة بين مسكنه وموطنه وبين المسجد الحرام دون ستة
عشر فرسخا، لأن وظيفته أن يحج ويعتمر مبتدئا بالحج ومنتهيا
بالعمرة على الأحوط، وتسمى مثل هذه الحجة بحجة الافراد،
وتعتبر العمرة فيها عملا مستقلا عن الحج، وليست جزءا له،
67

ولهذا تسمى بالعمرة المفردة، وإذا لم يتمكن من الحج، وتمكن
من العمرة وجب عليه أن يأتي بها مفردة.
الثاني: عمرة التمتع، وهي جزء الحج، وعلى كل من
يستطيع مالا وبدنا وأمنا، ويبعد موطنه ومسكنه عن المسجد
الحرام ستة عشر فرسخا وهي ما يقارب ثمانية وثمانين
كيلو مترا، أن يعتمر ويحج بادئا بالعمرة ومنتهيا بالحج، وتسمى
الحجة التي تبدأ بالعمرة وتنتهي بالحج بحجة التمتع، فالعمرة
تعتبر الجزء الأول من حجة التمتع، ولا تجب عليه العمرة
المفردة وإن استطاع لها.
وبكلمة أن وظيفة القريب حج الافراد والعمرة المفردة،
بادئا بالحج، ثم بالعمرة على الأحوط، ووظيفة البعيد حج التمتع
بادئا بالعمرة ثم بالحج، ولا ترتبط صحة حج الافراد بالعمرة
المفردة، فلهذا لا يمثلان عبادة واحدة، بل عبادتين مستقلتين،
ولا يستلزم بطلان أحدهما بطلان الأخرى، بينما ترتبط صحة
حج التمتع بعمرة التمتع، فلهذا يمثلان عبادة واحدة، فبطلان أي
منهما يستلزم بطلان الآخر.
مسألة 6: كل من أراد أن يحج حجا استحبابيا، سواء أكان
قريبا، أم كان بعيدا، تخير بين حج التمتع أو الإفراد أو القران، وإن
كان الأول أفضل، وإذا أراد أن يأتي بالعمرة في غير موسم الحج،
68

فلابد من أن يأتي بالعمرة المفردة، ولا يجوز له الاتيان بعمرة
التمتع إلا في أشهر الحج.
مسألة 7: يسوغ للانسان الاتيان بالعمرة المفردة في كل
شهر هلالي مرة واحدة، فإذا أتى بها في آخر يوم من شهر جاز له
الاتيان بعمره أخرى في أول يوم من شهر آخر، ولا يسوغ له
الاتيان بعمرتين في شهر إذا كانتا كلتاهما من شخص واحد،
سواء أكانتا عن نفسه أم عن غيره. نعم لا بأس بأن يأتي الانسان
بعمرتين في شهر من قبل شخصين، سواء أكانا حيين أم كانا
ميتين، أو كان أحدهما ميتا والآخر حيا، أو يأتي بعمرات في
شهر من قبل اشخاص كذلك.
مسألة 8: لا يعتبر الفصل بشهر هلالي بين العمرة المفردة
وعمرة التمتع، فيجوز الاتيان بعمرة مفردة في أول شهر ذي
الحجة، ثم بعمرة التمتع فيه، كما يجوز الاتيان بعمرة مفردة بعد
اعمال الحج، والفراغ منها، نعم لا يجوز الاتيان بالعمرة المفردة
بين عمرة التمتع والحج.
مسألة 9: مر أن العمرة المفردة تجب على القريب
بالاستطاعة، ولا تجب على البعيد، وأما بالنذر أو اليمين أو
العهد أو الشرط في ضمن العقد، فهي تجب على القريب
والبعيد على حد سواء.
69

المقارنة بين العمرتين
في الأمور التالية:
1 - الاحرام، وصورته أن يلبس المكلف ثوبي الاحرام،
وينويه، ويلبي بقصد القربة، فإذا لبى كذلك انعقد الإحرام،
وأصبح محرما، وحرمت عليه أشياء معينة سيأتي شرحها في
ضمن المسائل القادمة.
2 - الطواف، وهو أن يقف إلى جانب الحجر الأسود،
مراعيا أن يكون البيت الشريف إلى جانبه الأيسر، فيطوف حوله
سبع مرات، بادئا في كل مرة بالحجر، ومنتهيا في كل مرة اليه.
3 - صلاة الطواف، وهي ركعتان مخيرا فيهما بين الجهر
والاخفات.
4 - السعي بين الصفا والمروة، وهو أن يبدأ الإنسان
بالصفا، وينتهي بالمروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا
إلى سبع مرات.
الفوارق بين العمرتين
في النقاط التالية:
1 - موضوع عمره التمتع من الناحية الزمانية أشهر الحج،
70

وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، بينما يكون موضع العمرة
المفردة من الناحية الزمانية تمام شهور السنة، وأفضلها للعمرة
المفردة شهر رجب.
2 - تشتمل العمرة المفردة على طواف آخر يسمى
بطواف النساء، وهو آخر ما يأتي به المعتمر في هذه العمرة،
بينما لا تشتمل عمرة التمتع إلا على طواف واحد.
3 - لا يخرج المحرم عن الإحرام في عمرة التمتع إلا
بالتقصير، بينما يخرج في العمرة المفردة بأحد أمرين: اما
بالتقصير، أو الحلق.
4 - تمثل عمرة التمتع وحج التمتع عبادة واحدة، فلا يصح
انجاز العمرة بصورة مستقلة عن حج التمتع، ولا بد من
إنجازهما في سنة واحدة في أشهر الحج، خلافا للعمرة
المفردة، فإنها لا تمثل مع حج الافراد عبادة واحدة، بل هي تعتبر
عبادة مستقلة عن الحج، ولهذا يجوز الاتيان بعمرة مفردة في
سنة، وحج الافراد في سنة أخرى.
5 - لا يصح الإحرام لعمرة التمتع إلا من أحد المواقيت
الخمسة، أو من محاذاتها، بينما يجوز الاحرام للعمرة المفردة
من أدنى الحل في حالة عدم المرور على أحد تلك المواقيت
ولا على محاذاته.
6 - مر أن عمرة التمتع بما أنها مرتبطة بحج التمتع ثبوتا
71

وسقوطا، ولا يصح اتيانها بصورة مستقلة عن الحج، فلذلك كل
من أراد أن يأتي بعمرة مستحبة يتعين عليه أن يأتي بعمرة
مفردة.
7 - إن من تكون وظيفته حج التمتع، فلا تكتمل استطاعته
إلا أن تتوفر بالنسبة إلى كلا جزئيه معا، من عمرة التمتع وحجة
التمتع، فإذا كان مستطيعا لإحداهما دون الأخرى فلا يجب عليه
شيء منهما، وهذا بخلاف من تكون وظيفته حج الافراد، فإنه
يكفي لكل من الحج والعمرة استطاعته، فإذا استطاع للحج
وجب عليه الحج دون العمرة، وإذا استطاع للعمرة وجبت عليه
العمرة دون الحج، وإذا استطاع للاثنين وجب عليه الاثنان مقدما
الحج على العمرة على الأحوط.
مسائل
1 - كل شخص أراد الاتيان بالعمرة المفردة، فإذا مر على
أحد المواقيت أو من محاذاته التي يحرم منها لعمرة التمتع،
وجب عليه أن يحرم منه، ولا يجوز له الاجتياز بدون احرام
بقصد الاحرام من أدنى الحل، وأما من كان في مكة وأراد الاتيان
بالعمرة المفردة، فيجوز له أن يخرج من الحرم ويحرم لها من
أدنى الحل، وهو النقطة التي تنتهي فيها منطقة الحل، وتبدأ
72

منطقة الحرم المحيطة بمكة، والأولى أن يكون احرامه من أحد
الأمكنة التالية: الحديبية، أو الجعرانة، أو التنعيم، بينما لا يصح
احرام عمرة التمتع إلا من أحد المواقيت الخمسة، أو من
محاذاتها، حتى لمن كان في مكة، وأراد الاتيان بها، فان عليه أن
يخرج إلى أحد تلك المواقيت، والإحرام منه، إلا إذا لم يتمكن
من الذهاب اليه، وحينئذ فإن تمكن من الخروج عن الحرم
والإحرام من هناك وجب، وإلا فمن مكانه، على تفصيل يأتي
في ضمن المسائل الآتية.
2 - من خرج من مكة المكرمة بعد الفراغ من أعمال الحج،
أو بعد الاتيان بالعمرة المفردة، إذا أراد الدخول إليها مرة ثانية،
جاز بدون إحرام إذا كان قبل مضي الشهر الذي أتى بالحج أو
العمرة المفردة فيه.
وأما غيره فلا يجوز له الدخول بدون احرام، إلا من يتكرر
دخوله فيها، والخروج منها كالحطاب والحشاش والمجتلبة.
قد تسأل ان الحكم هل يختص بالحطابة والمجتلبة، أو
يتعدى إلى كل من يتكرر دخوله فيها والخروج منها لحاجة
تتطلب ذلك، كالممرض والمعلم والطالب الجامعي أو غير
ذلك؟
والجواب: إن التعدي غير بعيد.
3 - من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج ناويا الرجوع إلى
73

بلده بعد العمرة، فإذا بقي في مكة بعدها إلى يوم التروية، فان
نوى الحج انقلبت عمرته متعة، ولم يجز له الخروج منها، وترك
الحج، وإلا جاز له ذلك حتى في يوم التروية.
4 - قد تسأل أن من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج بقصد
أن يأتي بعدها بالحج، فهل تنقلب عمرته المفردة حينئذ متعة،
ويكتفي بها؟
والجواب: أنها لا تنقلب متعة في هذه الحالة، بل عليه أن
يأتي بعمرة التمتع لحج التمتع بعدها، وقد تسأل ان مورد
انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة التمتع هل هو من أتى بها ناويا
الرجوع إلى بلده، ثم بعد الاتيان بها عدل عن نيته، وبنى على
البقاء في مكة بقصد الحج؟
والجواب: نعم، ان هذا هو مورد انقلاب العمرة المفردة
متعة.
وقد تسأل: ان انقلاب العمرة المفردة متعة هل هو من
حين العدول عن الرجوع إلى بلده، والبناء على البقاء في مكة
إلى يوم التروية وإن لم يكن بنية الحج، أو أنه من حين نية الحج؟
والجواب: انه من حين نية الحج.
وقد تسأل: ان الانقلاب هل يختص بالحج الندبي، أو
يشمل الواجب أيضا كحجة الاسلام؟
والجواب: أنه يختص بالحج الندبي.
74

وقد تسأل: ان العمرة المفردة هل تجوز في العشرة
الأولى من ذي الحجة؟
والجواب: نعم تجوز فيها.
أقسام الحج
القسم الأول: حج التمتع. وهو عبادة مركبة من جزءين
مترابطين: أحدهما العمرة، والآخر الحج.
واجبات عمرة التمتع
أمور:
1 - الاحرام: وصورته: ان يلبس ثوبي الإحرام، ويقصد
الإحرام لعمرة التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى،
ويلبي، فإذا لبى انعقد الاحرام، وأصبح محرما، وحرمت عليه
أشياء محددة يأتي شرحها.
2 - الطواف: وصورته أن يبدأ بالطواف حول البيت
الشريف من النقطة المحاذية للحجر الأسود مراعيا أن يكون
البيت إلى جانبه الأيسر، فيطوف حول البيت سبع مرات لعمرة
التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى، وفي كل مرة يبدأ من
المكان المحاذي للحجر، وينتهي اليه في كل مرة.
75

3 - صلاة الطواف: وصورتها ركعتان كصلاة الفجر مخيرا
فيها بين الجهر والاخفات.
4 - السعي: وصورته أن ينوي السعي بين الصفا والمروة
لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، ويسير بادئا
من الصفا منتهيا إلى المروة، ويعود من المروة إلى الصفا، وهكذا
حتى يصل عدد السعي بينهما إلى سبع مرات، ويسمى كل واحد
منها شوطا، أربع مرات ذاهبا من الصفا إلى المروة، وثلاث
مرات ذاهبا من المروة إلى الصفا، فيكون ختام السعي عند
المروة.
5 - التقصير: وهو أن يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره،
وينوي بذلك التقصير لعمرة التمتع من حجة الاسلام قربة إلى
الله تعالى، فإذا أتى المكلف بهذه الأعمال الخمسة خرج من
احرامه، وحلت عليه الأمور التي كانت قد حرمت عليه بسبب
الإحرام، ولم يبق عليه حينئذ إلا أعمال الحج في وقتها.
واجبات حجة التمتع
أمور:
1 - الاحرام: وصورته نفس صورة الإحرام لعمرة التمتع،
غير أنه يقصد هنا الإحرام لحجة التمتع قربة إلى الله تعالى،
76

ومكانه مكة المكرمة، وزمانه يجب أن يكون قبل ظهر اليوم
التاسع من ذي الحجة، على نحو يتمكن من ادراك الوقوف
الواجب بعرفات.
2 - الوقوف بعرفات: وهو أن يكون الحاج متواجدا فيها
من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، وله أن يتأخر
عن أول الظهر بمقدار ساعة.
3 - الوقوف بالمزدلفة: وهو أن يكون الحاج متواجدا فيها
بعد أن يغادر من عرفات، والواجب هو التواجد في المزدلفة من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ولا يجب المبيت، أي قضاء
بقية الليل فيها وإن كان أحوط.
4 - رمي جمرة العقبة: ووقته بين طلوع الشمس وغروبها،
ويعتبر أن يكون بسبع حصيات على سبيل التتابع لا دفعة
واحدة.
5 - الهدي: وهو عبارة عن الذبيحة التي يجب على الحاج
أن يذبحها أو ينحرها يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة في منى.
6 - الحلق أو التقصير: على الرجل الحاج بعد ذلك أن
يحلق رأسه أو يقصر، وعلى المرأة التقصير دائما، ونقصد
بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، وبالتقصير أخذ شيء من
الشعر أو الأظافر، ومكانه منى.
77

7 - الطواف حول البيت: وهو كطواف عمرة التمتع، غير
أنه ينويه باسم طواف حج التمتع قربة إلى الله تعالى.
8 - صلاة الطواف: وهي كصلاة طواف العمرة، إلا أنه
ينويها باسم صلاة طواف الحج كذلك.
9 - السعي بين الصفا والمروة: وصورته نفس صورة
السعي بينهما في العمرة، غير أنه ينويه لحج التمتع قربة إلى الله
تعالى.
10 - طواف النساء وصلاته: وهما كطواف العمرة والحج
وصلاتهما.
11 - المبيت في منى: وهو التواجد فيها إما من أول الليل إلى
نصفه، أو من منتصفه إلى طلوع الفجر في الليل الحادي عشر
والثاني عشر.
12 - رمي الجمرات الثلاث: مبتدئا من الجمرة الأولى
ومنتهيا إلى الجمرة العقبى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.
القسم الثاني: حج الإفراد
وهو وظيفة من يكون موطنه ومسكنه دون ستة عشر
فرسخا من المسجد الحرام، وهو واجب مستقل لا يرتبط
بالعمرة، نعم إذا استطاع المكلف لهما معا وجب الاتيان بهما
كذلك مقدما للحج على العمرة، على الأحوط كما سبق.
78

القسم الثالث: حج القران
وهو حج الافراد، ولا فرق بينهما إلا ان المكلف إذا
صحب هديا معه وقت الإحرام وساقه في حجه وجب عليه أن
يضحي بذلك الهدي يوم العيد، ويسمى الحج حينئذ بحج
القران، حيث ان الحاج يقرن معه الهدي، وإذا لم يصحب هديا
معه وقت الاحرام سمي بحج الافراد باعتبار أن الحاج يفرد
بالحج، ولا يقرن معه الهدي.
المقارنة بين حج التمتع وحج الإفراد
في الأعمال التالية:
1 - الاحرام. 2 - الوقوف بعرفات وفي المزدلفة. 3 - رمي
جمرة العقبة. 4 - الحلق أو التقصير للرجال، والتقصير فقط
للنساء. 5 - الطواف حول البيت الشريف وصلاة الطواف.
6 - السعي بين الصفا والمروة. 7 - طواف النساء وصلاته.
8 - المبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر. 9 - رمي
الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر. واما
الذبح أو النحر فهو لا يجب في حج الافراد إذا لم يصحب
79

المؤدي له هديا معه وقت الاحرام، وإلا وجب ذبحه أو نحره في
منى.
المفارقة بين الحجتين
في الأمور التالية:
1 - ترتبط صحة حج التمتع بكونه مسبوقا بعمرة التمتع
بصورة صحيحة، بينما لا ترتبط صحة حج الافراد بذلك.
2 - يجب في حج التمتع الذبح أو النحر في منى، ولا يجب
ذلك في حج الافراد إلا إذا صحب المؤدي له هديا معه في وقت
الإحرام، وساق كما مر.
3 - موضع احرام حج التمتع مكة المكرمة، وموضع
احرام حج الافراد أحد المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتع،
أو من محاذاتها.
4 - لا يجوز تقديم طواف الحج والسعي بين الصفا
والمروة في حج التمتع على الوقوف بالموقفين اختيارا،
ويجوز ذلك في حج الإفراد.
80

تطبيق وتكميل
بالنقاط التالية
1 - قد تسأل أن البعد المتمثل في ستة عشر فرسخا، هل
يعتبر بين بلد الانسان ومكة، أو بين بلده والمسجد الحرام؟
والجواب: انه يعتبر بين بلده والمسجد الحرام.
وقد تسأل ان تلك المسافة وهي ستة عشر فرسخا، هل
تعتبر من نهاية بلد الانسان، أو من منزله؟
والجواب: أنها تعتبر من نهاية البلد.
وقد تسأل ان من كان مسكنه على الحد هل تكون وظيفته
حج التمتع؟
والجواب: نعم ان وظيفته حج التمتع دون الافراد. وكذلك
من شك في أن مسكنه على الحد أو لا.
وقد تسأل أن من كان له منزلان، أحدهما يبعد عن
المسجد الحرام ستة عشر فرسخا، والآخر دون هذا الحد، هل
تكون وظيفته التمتع أو الإفراد؟
والجواب: ان صدق عليه أحد العنوانين المذكورين عرفا
دون الآخر كان محكوما بحكمه، وإن صدق عليه كلا العنوانين
معا بنسبة واحدة، وجب أن يحتاط بالجمع بين الوظيفتين.
81

2 - إذا نوى البعيد الإقامة في مكة بقصد التوطن، انقلبت
وظيفته من التمتع إلى الافراد من الأول، وإن كانت استطاعته في
بلدته، ولا يتوقف الانقلاب على الإقامة فيها مدة، وإذا نوى
الإقامة فيها بقصد المجاورة، فان كانت استطاعته بعد اقامته فيها
سنتين انقلبت وظيفته من التمتع إلى الافراد.
وقد تسأل ان من كانت استطاعته في بلدته أو في مكة قبل
أن تكمل سنتين فيها، ولكنه لم يحج اهمالا وتسامحا إلى أن
دخل في السنة الثالثة، هل تنقلب وظيفته من التمتع إلى الافراد؟
والجواب: ان المشهور بين الفقهاء عدم الانقلاب في كلتا
الصورتين، ولكنه لا يخلو عن اشكال، والأقرب الانقلاب، ومع
ذلك فالاحتياط في محله.
3 - قد تسأل أن من أقام بمكة بقصد المجاورة، وكانت
استطاعته في بلدته، أو استطاع في مكة قبل سنتين، وأراد أن
يحج تمتعا، فهل يسوغ له أن يحرم لعمرة التمتع من أدنى الحل؟
والجواب: يسوغ له ذلك، وإن كان الأحوط أن يخرج إلى
أحد المواقيت والإحرام منه.
4 - إذا نوى المكي الإقامة في بلد آخر إلى سنتين أو أكثر
يبعد عن مكة أكثر من ستة عشر فرسخا، فهل يلحقه حكم ذلك
البلد؟
82

والجواب: لا يلحقه ذلك ما لم يصدق عليه عنوان أهل
البلد.
ما يعتبر في حج التمتع
أمور:
1 - النية بعناصرها الثلاثة، من نية القربة والاخلاص
وقصد اسمه الخاص المميز له شرعا.
2 - أن يكون مجموع العمرة والحج في أشهر الحج، وهي
شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فلو أحرم للعمرة قبل دخول
شهر شوال بطل وإن وقعت بقية اعمالها فيه.
3 - أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة، بادئا بالعمرة،
ثم بالحج.
4 - أن موضع احرام الحج مكة، والمراد بمكة هنا البلدة
على امتدادها، فالاحياء الجديدة تعتبر جزءا منها عرفا، فيجوز
الاحرام منها، نعم لا يجوز الإحرام في قرية أو بلدة أخرى لها
عنوانها المتميز واسمها الخاص، وإن كانت اتصلت بمكة من
طريق توسع العمران.
5 - قد تسأل ان المكلف بعد الفراغ من اعمال عمرة التمتع
وقبل الاحرام بالحج، هل يسوغ له الخروج من مكة؟
83

والجواب: يجوز له الخروج إلى المناطق القريبة، كجدة
وطائف ونحوهما إذا كان واثقا ومطمئنا بالتمكن من الرجوع
إلى مكة وادراك الحج، بل لا يبعد جواز الخروج منها إلى
المناطق البعيدة أيضا شريطة أن يكون جازما ومتأكدا بالتمكن
من الرجوع إلى مكة المكرمة، وعدم فوت الحج منه. نعم من
يريد الخروج من مكة لحاجة أو غيرها فالأولى والأحوط له أن
يحرم للحج أولا ثم يخرج منها.
ههنا تساؤلات
1 - قد تسأل أن من خرج من مكة بعد عمرة التمتع بدون
احرام للحج، فإذا رجع إلى مكة في شهر آخر، وجب عليه أن
يدخل فيها باحرام جديد. والسؤال أن هذا الإحرام هل هو
إحرام لعمرة مفردة، أو تمتع؟
والجواب: انه احرام لعمرة التمتع.
2 - قد تسأل أن من خرج من مكة بعد عمرة التمتع محرما
بالحج، فهل إذا رجع في غير الشهر الذي خرج فيه يدخل
محرما باحرام جديد؟
والجواب: يدخل ملبيا بالحج بدون احرام للعمرة من
جديد.
84

3 - قد تسأل أن من خرج من مكة بعد العمرة وبدون
احرام ثم رجع في الشهر الآخر وأحرم بنية العمرة المفردة
غافلا أو جاهلا بأن وظيفته الإحرام لعمرة التمتع وأتى بها، هل
تنقلب متعة؟
والجواب: لا تنقلب متعة.
وقد تسأل أنها إذا لم تنقلب متعة فهل هي صحيحة؟
والجواب: نعم إنها صحيحة ولا موجب لبطلانها، ولكن
حينئذ تصبح المتعة الأولى لاغية فيجب عليه الاتيان بعمرة
التمتع ثانيا.
4 - قد تسأل أن المراد من الشهر الذي رجع فيه هل هو
الشهر الهلالي أو ثلاثون يوما؟
والجواب: ان المراد منه الشهر الهلالي.
5 - قد تسأل أن الخروج من مكة في أثناء عمرة التمتع هل
يجوز؟
والجواب: انه جائز شريطة أن يكون واثقا ومتأكدا
بالتمكن من الرجوع إلى مكة واتمام العمرة، ثم ادراك الحج.
6 - لا يجوز لمن كانت وظيفته حج التمتع أن يعدل إلى
حج الافراد أو القران، إلا إذا ضاق وقت العمرة اتفاقا، وخاف
فوت الموقف الاختياري إذا أتى بها، فحينئذ يسوغ له أن يعدل
إلى حج الافراد.
85

7 - من كانت وظيفته حج التمتع إذا علم بضيق الوقت من
الأول وقبل الإحرام لم تنقلب وظيفته من التمتع إلى الافراد.
8 - إذا أحرم لعمرة التمتع في سعة الوقت، ولكنه تسامح
بالاهمال والتسويف، ولم يطف حول البيت عامدا وملتفتا إلى
أن ضاق الوقت بحيث لو أكمل العمرة لم يتمكن من إدراك
الموقف بعرفات، ففي مثل ذلك إذا قام باكمال العمرة وفات عنه
الموقف الاختياري بطلت وأصبحت لاغية، لا من جهة أنها
واقعة في خارج وقتها، إذ ليس لها وقت محدد، بل من جهة أن
صحتها مرتبطة بصحة الحج وحيث أنه ترك الحج بترك
الموقف عامدا وعالما تصبح عمرته ملغية.
9 - قد تسأل: هل يجوز رفع اليد عن عمرة التمتع
المستحبة أثناءها، كما إذا أحرم لها من أحد المواقيت ثم يلغي
الإحرام قبل دخوله في الحرم ويرجع إلى بلده؟
والجواب: انه لا يجوز على الأحوط، نعم لا يجوز له ذلك
بعد دخوله في الحرم محرما، فإنه يجب عليه حينئذ اتمام
العمرة، وأما إذا أعصى ولم يتم عمرته ورجع إلى بلده، فهل يظل
محرما أو يلغي احرامه؟
والجواب: يلغي احرامه بانتهاء وقت العمرة، ولا شيء
عليه ما عدا الإثم.
86

10 - قد تسأل: هل يجوز له أن يترك الحج بعد الاتيان
بالعمرة، ويرجع إلى بلده؟
والجواب: لا يجوز له ذلك، ولكن إذا فعل ذلك ورجع إلى
بلده، فهل تنقلب عمرته من المتعة إلى المفردة، أو تلغى؟
والجواب: إنها تلغى لأن عمرة التمتع بصفة أنها جزء من
حج التمتع لا يمكن انجازها بصورة مستقلة، ولهذا من أراد أن
يعتمر عمرة مستحبة بدون حج يتحتم عليه أن يأتي بعمرة
مفردة، لا بعمرة التمتع، واما الانقلاب فلا دليل عليه.
11 - قد تسأل أن من أحرم لعمرة مفردة كعمرة رجب -
مثلا - فهل يجوز له أن يرفع اليد عن احرامه ويلغيه ويرجع إلى
بلده.
والجواب: انه لا يجوز إذا كان بعد دخوله الحرم، وأما إذا
كان قبله فعلى الأحوط. وقد تسأل: هل يبطل احرامه بذلك إذا
فعل، أو يظل محرما ما لم يأت بالعمرة المفردة؟
والجواب: أنه يظل محرما لا مطلقا بل ما دام يبقى وقت
العمرة فإذا انتهى انتهى احرامه وبطل، مثلا إذا أحرم لعمرة
رجب ولم يأت بها إلى أن انتهى شهر رجب بطل احرامه لها
بانتفاء موضوعها، وهو شهر رجب، على أساس ان احرام
العمرة في كل شهر جزء من تلك العمرة، وبانتفائها ينتفي لا
محالة.
87

12 - قد تسأل: هل يجوز رفع اليد عن الحج المستحب
بعد التلبس باحرامه كحج الافراد أو القران؟
والجواب: انه لا يجوز على الأحوط.
واجبات الإحرام
أمور:
1 - مواقيت الإحرام لعمرة التمتع:
قد تقدم ان وقته من الناحية الزمانية أشهر الحج، ويمتد
من أول يوم شوال إلى اليوم التاسع من ذي الحجة، وأما من
الناحية المكانية فيجب على كل من أراد أن يأتي بعمرة التمتع أن
يحرم لها من أحد المواقيت المعينة التي وقتها رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه المواقيت كما يلي:
الأول: مسجد الشجرة: وهو منطقة تسمى بذي الحليفة،
يكون قريبا من المدينة المنورة، ويقدر بعده عنها بتسعة كيلو
مترات تقريبا، وهو أبعد المواقيت من مكة المكرمة، والظاهر
ان المسجد في المنطقة مبدأ الميقات، ويمتد الميقات إلى
البيداء بمسافة ميل، ويجوز الإحرام في أي جزء من هذه
المسافة وإن كان الإحرام من البيداء أفضل وأولى.
وبكلمة أن سعة حدود هذا الميقات طولا معينة شرعا،
88

وهي من المسجد إلى البيداء بمسافة ميل، وأما عرضا فلا تكون
معينة. نعم يجوز الاحرام من يمين المسجد أو يساره قريبا كان
أم بعيدا.
الثاني: وادي العقيق: وهو ذات اجزاء ثلاثة: أولها بريد
البعث، ثانيها المسلخ، ثالثها بريد أوطاس. فيجوز الإحرام في
كل من هذه الأمكنة الثلاثة، وأما ذات عرق وغمرة فهما داخلان
في هذه الأمكنة فيجوز الإحرام في كل منهما، وإذا صعب تطبيق
ذلك، فالمرجع أهل الخبرة في المنطقة.
الثالث: الجحفة: وهي قرية بين مكة المكرمة والمدينة
المنورة، وهي ميقات أهل الشام، نعم من ترك الاحرام من
مسجد الشجرة غافلا أو جاهلا واجتاز إلى الجحفة جاز له
الاحرام منها، ولا يجب عليه الرجوع إلى مسجد الشجرة
والاحرام منه، وإن كان بامكانه ذلك، بل لا يبعد جواز الإحرام
من الجحفة لمن اجتاز من الميقات السابق بدون احرام عامدا
وملتفتا ولكن الاحتياط بالرجوع اليه، والإحرام منه في هذه
الصورة لا يترك إذا أمكن.
الرابع: يلملم: وهو جبل من جبال تهامة، وقيل أن بعده
عن مكة يقدر بأربعة وتسعين كيلو مترا.
الخامس: قرن المنازل: قيل: أنه يقع في جبل مشرف على
عرفات، ويقدر بعده عن مكة المكرمة بتسعين كيلو مترا، ولا
89

يبعد أن يكون اسما للمنطقة لا للجبل خاصة، وعلى كلا
التقديرين يجوز الإحرام من النقطة المحاذية للجبل في الطريق
العام التي قد شيد عليها المسجد.
مسألة 10: إذا كان في الطريق إلى مكة ميقاتان، أحدهما كان
قبل الآخر، كما في الطريق من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة
هما ذو الحليفة والجحفة، لم يجز أن يجتاز من الميقات الأول
بدون احرام، ويحرم من الميقات الثاني، ولو اجتاز من الميقات
الأول بلا احرام، وأحرم من الميقات الثاني صح احرامه، ولكنه
اعتبر آثما، ويستثنى من ذلك المريض، ومن ضعفت حالته
الصحية وغيرهما ممن يكون الإحرام عليه من الميقات الأول
حرجيا بسبب من الأسباب.
مسألة 11: يصح الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة طولا
إلى محاذاة البيداء بمسافة ميل، وتتحقق المحاذاة عرفا بأن يصل
المسافر إلى نقطة لو اتجه فيها إلى مكة المكرمة لكان الميقات
واقعا في طرف يمينه أو يساره، ولا فرق بين أن تكون المحاذاة
من نقطة بعيدة عرفا أم قريبة، فيسوغ لمن يمر بذي الحليفة أن
يجعل مسجد الشجرة عن يمينه أو يساره، ويحرم من هناك.
وقد تسأل: ان الإحرام من محاذاة سائر المواقيت هل
يكفي؟
والجواب: انه يكفي على الأظهر.
90

وقد تسأل: ان المكلف إذا وصل إلى نقطة محاذية
للميقات، فهل يجوز له ترك الاحرام منها وتأجيله إلى الميقات
الآخر والإحرام منه؟
والجواب: يجوز له ذلك.
مسألة 12: قد تسأل انه إذا كان في طريقه إلى مكة يحاذي
ميقاتين، فهل يجوز له تأجيل احرامه من المحاذي للميقات
الأول إلى المحاذي للميقات الثاني؟
والجواب: ان الجواز وإن كان غير بعيد نظريا، ولكن مع
هذا فالأحوط والأجدر به وجوبا عدم التأجيل.
مسألة 13: يجب على المكلف التأكد من وصوله إلى أحد
المواقيت أو ما يحاذيها والاحرام منه وذلك عن طريق العلم أو
الوثوق والاطمئنان، أو الحجة الشرعية، ولا يجوز له الاحرام
عند الشك في الوصول إلى الميقات أو المحاذي له، ومع تعذر
تحصيل العلم بذلك فبامكانه أن يطمئن من صحة احرامه بأحد
طريقين:
الأول: أن يحرم بالنذر من نقطة يعلم أنها قبل الميقات، أو
أنها إما قبل الميقات أو محاذية له.
الثاني: ان يلبس ثوبي الإحرام ويشرع في التلبية برجاء
ادراك الواقع من أول نقطة يحتمل أنها من المواقيت، أو من
91

المحاذاة لأحدها، ويستمر على ذلك إلى آخر نقطة يعلم أنه
باجتيازه عن هذه النقطة قد خرج منها.
وقد تسأل انه إذا وصل إلى نقطة لا يعلم أنها قبل الميقات
أو بعده، مع عدم تمكنه من احراز صحة احرامه بأحد الطريقين
المذكورين، فما هو وظيفته؟
والجواب: ان وظيفته في هذه الحالة أن يحرم من مكانه
بالنذر.
مسألة 14: لا يصح الاحرام قبل الميقات إلا بالنذر، فإذا
نذر الإحرام من مكان يكون قبل الميقات انعقد نذره، فإذا أحرم
صح احرامه من هناك، ولا يصح الاحرام بعد الميقات حتى
بالنذر، نعم من كان يسكن في نقطة دون أحد المواقيت فإنه
يجوز له الإحرام من مسكنه وموطنه، ولا يجب عليه الرجوع
إلى أحد المواقيت، وإن جاز ذلك أيضا.
مسألة 15: قد تسأل ان المراد من دون الميقات، هل هو
المعنى النسبي، أو المطلق؟ فعلى الأول ان كل من كان منزله
دون الميقات من جانبه خاصة إلى مكة، فيجوز له أن يحرم من
منزله وإن لم يكن دونه بالنسبة إلى سائر جوانب مكة. وعلى
الثاني ان كل من كان منزله في نقطة هي أقرب إلى مكة من جميع
المواقيت في أطرافها المحيطة بها، فيجوز له أن يحرم من
منزله، وإلا فلا.
92

والجواب: ان المراد منه المعنى الأول.
مسألة 16: قد تسأل ان هذا الحكم هل يختص بمن كان من
أهل ذلك البلد، أو يشمل المقيم فيه أيضا، وإن لم يصدق عليه
عنوان الأهل؟
والجواب: انه يشمل المقيم أيضا.
مسألة 17: قد تسأل ان من كان منزله في مكة المكرمة،
فهل هو مشمول لهذا الحكم أيضا، فيجوز له أن يحرم لعمرة
التمتع من مكة؟
والجواب: انه لا يشمل أهل مكة والساكنين فيها.
مسألة 18: الحجاج السائرون إلى مكة برا من طريق
الطائف يحرمون من قرن المنازل، وقد مر ان من المحتمل أن
يكون قرن المنازل اسما للمنطقة، فيشمل الطريق العام أيضا، لا
أنه اسم لخصوص الجبل المشرف على عرفات، وعلى كل
تقدير يجوز الإحرام من المسجد الذي شيد في الطريق العام،
لأنه أما ميقات أو محاذ له.
واما الحجاج السائرون إلى مكة برا من طريق المدينة
المنورة كما يحرمون من مسجد الشجرة أو من محاذاته
يمكنهم ان يحرمون من المدينة نفسها بالنذر، بأن ينذروا
الاحرام منها فيحرموا.
93

مسألة 19: الحجاج الوافدون إلى مكة من طريق جدة جوا،
فهل يجوز لهم أن يحرموا من جدة؟
الجواب: لا يجوز لهم الاحرام منها، لأنها ليست من أحد
المواقيت، ولا طريق لنا للتأكد بأنها محاذية للميقات، وحينئذ
فان كانوا متمكنين من الذهاب إلى الميقات والإحرام منه،
وجب عليهم ذلك، وإن لم يكونوا متمكنين من ذلك لضيق
الوقت، أو لمنع السلطات، أو لسبب آخر أحرموا من جدة
بالنذر، ويعتبر احرامهم حينئذ صحيحا، ولا يجب عليهم
التجديد من أدنى الحل.
تطبيق وتكميل
ههنا حالات:
الحالة الأولى: ان المسافر كان يعلم من بلده أنه يذهب إلى
المدينة المنورة بعد وصوله إلى جدة، ثم يرجع إلى مكة، وفي
هذه الحالة يحرم من مسجد الشجرة أو ما يحاذيه.
الحالة الثانية: انه يعلم بعدم ذهابه إلى المدينة المنورة بعد
وصوله إلى جدة، ولكنه كان واثقا ومطمئنا بتمكنه من الذهاب
إلى أحد المواقيت كالجحفة أو قرن المنازل والاحرام منه، ففي
هذه الحالة يجوز له أن ينذر الإحرام من مطار بلده، أو من
94

منتصف الطريق، وهو في الطائرة قبل الميقات والإحرام منه
بالنذر، كما يجوز له بعد ما يصل إلى جدة أن يذهب إلى أحد
المواقيت والإحرام منه.
الحالة الثالثة: انه وصل إلى جدة بدون احرام بالنذر من
مطار بلده، أو من منتصف الطريق قبل الميقات، وبعد ما يصل
إلى جدة يظهر أنه لم يتمكن من الذهاب إلى أحد المواقيت، أما
لضيق الوقت، أو لمنع السلطات، أو لمانع آخر، ففي هذه الحالة
يتعين عليه أن يحرم من جدة بالنذر، ويعتبر احرامه صحيحا.
الحالة الرابعة: ان المسافر إذا كان يعلم بأنه لا يتمكن من
الذهاب إلى أحد المواقيت بسبب أو آخر، والاحرام من هناك
بعد وصوله إلى جدة، فهل يجب عليه أن ينذر الاحرام من مطار
بلده، أو من منتصف الطريق، وهو في الطائرة قبل الميقات؟
والجواب: يجب عليه ذلك، لأن الاحرام من جدة بالنذر
وظيفة المضطر، فما دام المكلف متمكنا من الاحرام من أحد
المواقيت، أو الاحرام بالنذر قبل الميقات، لا يصل الدور اليه.
نعم إذا كان غافلا أو جاهلا عن ذلك ووصل إلى جدة ولم
يتمكن من الرجوع إلى أحد المواقيت، فوظيفته أن ينذر
الاحرام من جدة، فيحرم منها، ويكون احرامه صحيحا كما مر.
وقد تسأل: أنه إذا ترك الاحرام بالنذر من مطار بلده، أو في
95

منتصف الطريق وهو في الجو عامدا وملتفتا إلى أنه بعد وصوله
إلى جدة لم يتمكن من الرجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه،
فهل يصح احرامه من جدة بالنذر؟
والجواب: ان صحته غير بعيدة وإن كان مأثوما على ترك
الاحرام بالنذر قبل الميقات.
وقد تسأل: ان المسافر إذا كان يعلم انه متمكن بعد ما يصل
إلى جدة من الرجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه، ومع ذلك
فإذا نذر الاحرام من مطار بلده، أو من منتصف الطريق قبل
الميقات وأحرم، فاحرامه وإن كان صحيحا، إلا أنه جعل
باختياره وعامدا وملتفتا نفسه مضطرا إلى التظليل المحرم على
المحرم، لركوبه الطائرة، فهل يجوز له ذلك في هذه الحالة؟
والجواب: ان المحرم إذا كان امرأة فلا شيء عليها، وإن
كان رجلا وقد ضاق عليه الوقت ويخشى من تأخير الإحرام،
فيحرم ويكفر كفارة التظليل، ولا شيء عليه، وأما إذا لم يكن
الوقت مضيقا - كما هو المفروض - وصنع ذلك بدون خوف
وعذر، فحينئذ إن تمكن بعد الإحرام من عدم التظليل، ومع
ذلك إذا ظلل عامدا وملتفتا، وركب الطائرة باختياره وبدون
اضطرار اعتبر مقصرا وآثما وإن لم يضر بحجه، وإن لم يتمكن
من عدم التظليل بعد الإحرام واضطر إلى ركوب الطائرة ولا
96

يتمكن من السفر إلى مكة بدون ذلك لم يعتبر مقصرا، ولا إثم
عليه، وانما عليه كفارة التظليل فحسب.
مسألة 20: قد تسأل ان المسافر الذي يصل إلى المدينة
المنورة رأسا، هل يجوز له وهو في المدينة أن ينذر الإحرام من
جدة، فيسافر إلى جدة محلا ويحرم من هناك، فيسافر إلى مكة
محرما؟
والجواب: انه غير جائز، كما إذا كان هناك من يرغب في
السفر بالطائرة من المدينة المنورة إلى جدة، فإنه لا يسعه أن
يحرم من مسجد الشجرة، إذ لو احرم من هناك حرم عليه
التظليل وركوب الطائرة إذا كان بامكانه عدم التظليل بعد
الاحرام، وأما تأجيل احرامه إلى ما بعد وصوله إلى جدة
والإحرام منها بالنذر، فهو لا يجوز مع تمكنه من الاحرام في
أحد المواقيت.
مسألة 21: لا يجوز الاحرام قبل الميقات إلا في حالتين:
الأولى: أن ينذر الاحرام قبل الميقات، فيحرم، فيعتبر
احرامه صحيحا وإن كان متمكنا من الإحرام في أحد المواقيت،
ولا يجب عليه التجديد إذا مر بأحدها أو ما يحاذيه، ولا فرق في
ذلك بين أن يكون احرامه لعمرة التمتع أو العمرة المفردة، أو
حج الإفراد.
97

الثانية: ان يخشى المكلف عدم ادراك عمرة رجب إذا أخر
الإحرام إلى الميقات، فإنه يجوز له أن يحرم قبل الميقات بنية
العمرة المفردة في شهر رجب، وتحسب له عمرة رجب وإن
وقعت بقية أعمال العمرة في شعبان.
مسألة 22: إذا مر المكلف بالميقات أو المحاذي له، وترك
الاحرام منه عامدا وملتفتا واجتازه، فإن أمكنه الرجوع اليه أو
المحاذي له، وجب، فإذا رجع وأحرم من هناك صح، وأما إذا لم
يمكن الرجوع اليه، فهل يكفي أن يخرج من الحرم، ويبتعد عنه
بالمقدار الممكن والإحرام من هناك، وإذا لم يتمكن من
الخروج عن الحرم أحرم من مكانه؟
والجواب: ان الأظهر الكفاية، وفي حكم ذلك ما إذا لم
يصل إلى الحرم، وندم، فان عليه أن يرجع إلى أحد المواقيت، أو
المكان المحاذي له، والإحرام منه، وإن لم يمكن ذلك ابتعد عن
مكانه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك، وإلا فمن مكانه.
مسألة 23: قد تسأل: ان من تكون وظيفته الرجوع إلى
الميقات، هل وظيفته الرجوع إلى ميقات أهل بلده، أو يجوز له
الرجوع إلى أي ميقات شاء؟
والجواب: إن الأظهر هو الرجوع إلى أي ميقات شاء، وإن
كان الأولى والأجدر أن يرجع إلى ميقات أهل بلده ان أمكن.
98

مسألة 24: إذا ترك المكلف الإحرام من الميقات بسبب
النسيان أو الاغماء أو الجهل بالحكم أو بالميقات أو بما يحاذيه،
ثم انتبه، فللمسألة صور:
الأولى: ان يتمكن من الرجوع إلى الميقات أو المكان
المحاذي له، ففي هذه الصورة يجب عليه الرجوع والإحرام من
هناك.
الثانية: أن يكون في الحرم، ولا يمكنه الرجوع إلى
الميقات، غير أنه متمكن من الرجوع إلى خارج الحرم، وحينئذ
فيجب عليه أن يخرج من الحرم ويبتعد عنه بالمقدار الممكن
والاحرام من هناك.
الثالثة: أن يكون في الحرم، ولا يمكنه أن يرجع إلى خارج
الحرم، ففي هذه الصورة أن يحرم من مكانه.
الرابعة: أن يكون خارج الحرم، ولا يمكنه الرجوع إلى
الميقات أو ما يحاذيه، ووظيفته عندئذ أن يحرم من مكانه،
والأحوط والأجدر به الابتعاد عنه بالمقدار الذي يمكنه.
وفي جميع هذه الصور إذا لم يعمل المكلف بوظيفته
عامدا وعالما وأتى بسائر أعمال العمرة بدون احرام بطلت
عمرته، كمن ترك الاحرام لعمرة التمتع من الميقات عامدا
وملتفتا إلى الحكم الشرعي وأتى بسائر أعمال العمرة بدون
احرام، فإنه لا اشكال في بطلان عمرته.
99

مسألة 25: المرأة الحائض أو النفساء إذا تركت الاحرام من
مسجد الشجرة - مثلا - عن جهل بالحكم أو غفلة إلى أن دخلت
مكة، ثم تنبهت بالحال، فان كانت متمكنة من الرجوع إلى
الميقات والاحرام منه، وجب عليها ذلك وإن لم تكن متمكنة
من ذلك فحكمها حكم الصور المتقدمة التي لا يتمكن
المكلف من الرجوع إلى الميقات.
مسألة 26: قد تسأل ان من ترك الاحرام عن الميقات لعذر
كالمرض أو نحوه، وواصل سفره إلى مكة، فإذا بلغ أدنى الحل
أحرم منه، ودخل مكة ثم ارتفع عذره واستعاد قوته ونشاطه.
فهل يجب عليه أن يرجع إلى الميقات والاحرام منه إذا كان
بامكانه ذلك ولم يخش فوت الحج؟
والجواب: يجب عليه ذلك، بل الأمر كذلك إذا ارتفع
عذره بعد اعمال العمرة، شريطة تمكنه من الرجوع إلى الميقات
والاحرام منه، وعدم خوف فوت الموقف، فإنه كاشف عن
بطلان العمرة.
مسألة 27: إذا أحرم المكلف حرمت عليه أشياء عديدة،
وسيأتي شرحها في ضمن المسائل القادمة.
وقد تسأل: ان المكلف إذا كان عازما في حال الاحرام على
ارتكاب بعض تلك الأشياء، فهل يصح احرامه؟
والجواب: يصح احرامه وإن كان آثما بارتكاب تلك
100

المحرمات، مثال ذلك: من يحرم وهو عازم على التظليل
اختيارا وبدون اضطرار.
مسألة 28: يجوز للجنب والحائض أن يحرما في مسجد
الشجرة حال الاجتياز كما يجوز لهما الاحرام خارج المسجد
يمينا ويسارا وأماما إلى جهة مكة المكرمة طولا بمسافة ميل
كما مر.
مسألة 29: إذا ترك المكلف الاحرام من الميقات أو
المحاذي له عالما وعامدا حتى تجاوزه، فان أمكنه الرجوع إلى
الميقات أو المحاذي له وجب بلا فرق بين أن يكون ذلك بعد
دخول الحرم أو قبله، وإن لم يمكن الرجوع اليه، فهل يكفي
الإحرام من أدنى الحل، بأن يخرج من الحرم ويحرم منه، أو من
مكانه إذا كان بعد لم يصل إلى الحرم، أو وصل ولكن تعذر عليه
الرجوع إلى أدنى الحل؟
والجواب: لا يبعد الكفاية في تمام هذه الصور، وإن كان
الأحوط والأجدر به الإعادة في السنة القادمة.
مسألة 30: قد تسأل: أن من أتى بعمرة التمتع بدون احرام
جاهلا بالحكم أو ناسيا، هل تصح عمرته وبالتالي حجه؟
والجواب: ان صحتها لا تخلو عن اشكال، والأظهر عدم
الاعتداد بتلك العمرة، والإعادة في السنة الآتية.
101

الأمر الثاني: حقيقة الإحرام
وهي متقومة بأمرين: أحدهما النية، والآخر التلبية:
1 - النية: وهي نية الانسان تحريم أشياء عديدة على نفسه
باحرامه، ولا يلزم فيها تصور تلك الأشياء تفصيلا، بل تكفى نية
تحريمها على وجه الاجمال.
والى جانب ذلك لابد أن تتوفر في هذه النية الأمور التالية:
1 - ان الاحرام بما أنه جزء العبادة فيجب أن ينويه باسم
تلك العبادة المميزة لها شرعا، فإذا أراد المكلف أن يأتي بعمرة
التمتع من فريضة حج التمتع من حجة الاسلام، فعليه أن ينوي
الاحرام لعمرة التمتع من حجة الاسلام. وإذا أراد أن يأتي بحج
التمتع من حجة الاسلام، فعليه أن ينوي الاحرام لحج التمتع من
حجة الاسلام، وهكذا فلو احرم من دون تعيين لم يصح.
ولا يجب التلفظ بالنية والنطق بما ينويه وإن جاز له ذلك،
بل استحب بان يقول: " احرم لعمرة التمتع من حجة الاسلام
قربة إلى الله تعالى " وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان
الحج مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام)، وإذا كان الحج واجبا
بالنذر أو العهد أو اليمين أو بالإفساد، قصد الحج الواجب بذلك
بديلا عن قصد حجة الاسلام.
102

2 - ان يقصد القربة باحرامه لعمرة أو حج.
3 - أن يقصد باحرامه للعمرة أو الحج، الاخلاص،
ونقصد بذلك عدم الرياء، فالرياء في العبادة مبطل لها.
2 - التلبية: وهي متمثلة في أربع صيغ، وصورتها أن يقول:
" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ". والأحوط
استحبابا أن يضيف إلى ما تقدم جملة أخرى بهذه الصيغة: " إن
الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك ".
فإذا نوى الإحرام لعمرة التمتع مثلا، ولبى انعقد احرامه،
وأصبح محرما شرعا، وحرمت عليه أشياء عديدة معينة. وأما إذا
نوى ولم يلب لم ينعقد احرامه شرعا، ولم يحرم عليه ما يحرم
على المحرم.
مسألة 31: لا يعتبر في صحة الاحرام العزم من المحرم
حين النية على عدم ارتكاب ما يحرم على المحرم زائدا على ما
تقدم سابقا، نعم قد يقال باعتبار العزم من المحرم على ترك
خصوص الجماع والاستمناء عند النية في صحة الإحرام،
ولكن الأقوى أنهما كسائر المحرمات.
مسألة 32: يجب على المكلف أن يتعلم ألفاظ التلبية
وصيغها، ويحسن أداءها بصورة صحيحة ويكفي في أدائها أن
يقوم شخص بتلقينه بهذه الكلمات والصيغ، بأن يتابعه في
النطق بها.
103

وأما إذا لم يتح له أن يتعلم تلك الالفاظ، ولم يتيسر له
التلقين فيجب عليه التلفظ بما تيسر له منها، والأحوط الأولى أن
يأتي إضافة إلى ذلك بما يدل على معاني تلك الالفاظ،
ويستنيب أيضا من يحسن التلبية كاملة لأدائها نيابة عنه.
مسألة 33: تلبية الأخرس انما هي بإشارته بأصبعه مع
تحريك لسانه.
مسألة 34: إذا كان الصبي غير مميز، ولم يقدر على التلبية
لبى عنه وليه.
مسألة 35: الأقرب أن لبس ثوبي الاحرام ليس من شروط
صحة الاحرام، بل هو واجب مستقل على من يحرم، ومن هنا
إذا ترك لبسهما وأحرم في ثيابه الاعتيادية صح احرامه، وانعقد
وإن اعتبر آثما، واما احرام حج القران فهو كما ينعقد بالتلبية
ينعقد بالاشعار، أو التقليد، والتقليد مشترك بين الناقة وغيرها
من أقسام الهدي، وأما الاشعار فالمشهور انه مختص بالناقة،
ولكنه لا يخلو عن اشكال، وإذا كان الاحرام بالاشعار، فالأولى
والأجدر ضم التقليد اليه أيضا.
وأما التقليد فالمشهور بين الأصحاب هو أن يعلق في
رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه، ولكنه لا يخلو عن اشكال،
والأقرب كفاية تعليق مطلق شيء يكون علامة للهدي. نعم
يستحب تعليق نعل خلق قد صلى فيه.
104

مسأله 36: لا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر
في صحة الاحرام، فيصح من المحدث بالحدث الأكبر كالجنب
والحائض والنفساء، ومن المحدث بالأصغر.
مسألة 37: لا يجب في النية اخطار الصورة التفصيلية
لفريضة حج التمتع وغيرها، بل يكفي له أن ينوي الاتيان
بواجباتها اجمالا ثم يتعلمها ويأتي بالتدريج بها، كما لا تجب
الإشارة إلى الوجوب أو الاستحباب.
مسألة 38: يجب على من اعتمر عمرة التمتع أن يقطع
التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، ونقصد بها مكة في
زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى من اعتمر العمرة المفردة إذا جاء
من الخارج أن يقطع التلبية على الأحوط عند دخول الحرم، وإذا
كان في مكة وخرج منها إلى أدنى الحل والاحرام منه للعمرة
المفردة أن يقطع التلبية على الأحوط عند مشاهدة بيوت مكة
القديمة.
مسألة 39: إذا شك المكلف بعد الاتيان بالتلبية أنه أتى بها
صحيحة أولا؟ بنى على الصحة تطبيقا لقاعدة الفراغ، وإذا شك
في أنه لبى أولا، فان كان قد تجاوز الميقات لم يعتن بشكه
تطبيقا لقاعدة التجاوز، وإلا وجبت عليه التلبية.
مسألة 40: إذا نوى الاحرام ولبس الثوبين وشك في أنه
105

لبى أولا، بنى على أنه لم يلب، فيجوز له ارتكاب ما يحرم على
المحرم.
مسألة 41: إذا أتى المكلف بما يوجب الكفارة، وشك في
أنه كان بعد التلبية حتى تجب عليه، أو قبلها حتى لا تجب،
فالأظهر عدم وجوبها، بدون فرق في ذلك بين أن يكون كلاهما
مجهولي التاريخ، أو التاريخ الزمني لأحدهما معلوما وللآخر
مجهولا.
مسألة 42: يستحب غسل الإحرام في الميقات حتى من
الحائض والنفساء أيضا على الأقوى، وإذا خشي المسافر عدم
تيسر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فان وجد
الماء في الميقات أعاد، وإذا اغتسل ثم احدث بالأصغر، أو اكل
أو لبس ما يحرم على المحرم قبل أن يحرم أعاد غسله.
الأمر الثالث: ما يجب على المحرم
مسألة 43: يجب على الرجل المحرم أن يحرم في ثوبين،
هما الإزار والرداء بعد تجريده من ملابسه الاعتيادية التي يحرم
عليه لبسها حدوثا وبقاء، ويكفي في الثوبين المذكورين صدق
الإزار والرداء عرفا، ويصدق الإزار على قطعة قماش يستر بها
ما بين السرة والركبة، والرداء على قطعة قماش يستر بها ما بين
106

المنكبين، ويحرم في حال لبسه لهذين الثوبين، ولا بأس
بزيادتهما على الحد المذكور.
مسألة 44: الأظهر ان لبس ثوبي الإحرام واجب تعبدي
على الرجل المحرم، وليس من شروط صحة احرامه، فمن ترك
لبسهما عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي وأحرم صح احرامه،
وحرم عليه ما يحرم على المحرم وإن كان عاصيا وآثما.
مسألة 45: يعتبر في ثوبي الإحرام نفس الشروط المعتبرة
في لباس المصلي على الأحوط، بأن لا يكونا من الحرير
الخالص، ولا من اجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا من الذهب، على
نحو يصدق أنه لابس للذهب، وأن لا يكونا حاكيين للبشرة،
ويلزم طهارتهما. نعم لا بأس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها في
الصلاة. والأحوط الأولى أن لا يكونا من الجلد، ولا من الملبد،
ولا من المخيط.
مسألة 46: لا يجوز للرجل المحرم ان يلبس السراويل إلا
أن لا يكون له إزار، ولا خفين الا أن لا يكون له نعلان.
مسألة 47: ان وجوب لبس ثوبي الاحرام مختص بالرجل
المحرم دون المرأة، فإنه يجوز لها أن تحرم في ملابسها
الاعتيادية، شريطة أن تكون طاهرة، والأحوط لها مراعاة سائر
الشروط التي تقدمت في المسألة (37). نعم لا يجوز للمرأة
107

المحرمة أن تلبس الحرير الخالص والقفازين في جميع أحوال
الاحرام.
مسألة 48: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما، فالأحوط
والأجدر وجوبا المبادرة إلى التبديل أو التطهير.
مسألة 49: يسوغ للمحرم أن يزيد على ثوبي الإحرام ما
يصلح له أن يلبسه في ابتداء الإحرام وأثنائه، كما يجوز للمحرم
تبديل الثوبين بآخرين واجدين لنفس الشروط المعتبرة فيهما،
ويجوز له بعد عقد الاحرام والتلبية التجرد منهما بدون تبديل،
شريطة أن يكون آمنا من الناظر المحترم، أو كون العورة
مستورة بشيء آخر.
آداب الإحرام ومستحباته
أمور:
الأول: أن يقوم الشخص بتنظيف جسده، وتقليم أظافره،
وإزالة الشعر عن الإبطين والعانة، وأخذه من الشارب، وتنظيف
الأسنان وغير ذلك.
الثاني: ان يوفر الرجل شعر رأسه منذ بداية شهر ذي
القعدة، فلا يأخذ منه شيئا إذا كان غرضه الحج منذ ذلك الحين.
الثالث: غسل الإحرام، كما مر، ويدعو المكلف عند
108

الغسل بهذا الدعاء: " بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله،
اللهم اجعله لي نورا وطهورا وحرزا، وأمنا من كل خوف،
وشفاء من كل داء وسقم، اللهم طهرني وطهر قلبي، واشرح لي
صدري، وأجر على لساني محبتك ومدحتك والثناء عليك،
فإنه لا قوة لي إلا بك، وقد علمت أن قوام ديني التسليم لك،
والاتباع لسنة نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
ويستحب الإحرام في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فان
كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة
صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك
فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقل: " اللهم اني
أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك، وآمن بوعدك، واتبع
امرك، فاني عبدك، وفي قبضتك، لا أوقي إلا ما وقيت، ولا أجد
إلا ما أعطيت، وقد ذكرت الحج فأسألك ان تعزم لي عليه على
كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، وتقويني على ما
ضعفت، وتسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية، واجعلني من
وفدك الذي رضيت وارتضيت وسعيت وكتبت، اللهم إني
خرجت من شقة بعيدة وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك، اللهم
فتمم لي حجتي وعمرتي، اللهم أريد التمتع بالعمرة إلى الحج
على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، فان عرض لي
عارض يحبسني فخلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت
109

علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، احرم لك شعري وبشري
ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب
والطيب، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة ".
ويقول عند لبس ثوبي الإحرام: " الحمد لله الذي رزقني ما
أواري به عورتي وأؤدي فيه فرضي، واعبد فيه ربي، وانتهي فيه
إلى ما أمرني، الحمد لله الذي قصدته فبلغني، وأردته فأعانني
وقبلني ولم يقطع بي، ووجهه أردت فسلمني، فهو حصني
وكهفي وحرزي وظهري وملاذي ورجائي ومنجاي وذخري،
وعدتي في شدتي ورخائي ".
ويستحب أن يعقب التلبية التي تقدم ذكرها في كيفية
الإحرام بما يلي، " لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا إلى دار
السلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك أهل التلبية لبيك،
لبيك ذا الجلال والأكرم لبيك، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك،
لبيك يستغنى ويفتقر إليك لبيك، لبيك مرعوبا ومرهوبا إليك
لبيك، لبيك انه الحق، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن والجميل،
لبيك كشاف الكرب العظام لبيك، لبيك عبدك وابن عبدك لبيك،
لبيك يا كريم لبيك ".
ويستحب بعد أن يحرم الحاج أن يكرر التلبية التي احرم
بها، وسائر التلبيات في مختلف الحالات والأوقات خصوصا
عقيب كل صلاة فريضة أو نافلة، وعند اليقظة من النوم،
110

وبالأسحار وعند استيناف السفر، وعند النزول في وادي، أو من
واسطة النقل، وعند الركوب فيها، وهكذا، وحد التلبية في عمرة
التمتع مشاهدة بيوت مكة القديمة، وفي حج التمتع زوال يوم
عرفة، وفي العمرة المفردة دخول الحرم على الأحوط - كما
تقدم -.
محرمات الإحرام
وهي على أنواع: (النوع الأول) ما يحرم على الرجل
المحرم والمرأة المحرمة معا. (النوع الثاني) ما يحرم على
الرجل المحرم خاصة. (النوع الثالث) ما يحرم على المرأة
المحرمة خاصة.
النوع الأول: ما يحرم على الرجل المحرم والمرأة
المحرمة معا، وهو متمثل في أشياء:
1 - الصيد
مسألة 50: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة صيد
الحيوان البري ولا قتله في الحل والحرم، سواء أكان الحيوان
محلل الأكل، أم كان محرم الأكل، كما أنه لا فرق في حرمة قتله
بين أن يكون بعد صيده أو ابتداء.
مسألة 51: كما لا يجوز للمحرم صيد الحيوان البري، لا
111

يجوز له إعانة شخص آخر على صيده بالإشارة باليد أو غيرها
من ألوان الإعانة، وإن كان ذلك الشخص الآخر محلا.
مسألة 52: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة امساك
الصيد من الحيوان البري، والاحتفاظ به، وإن كان صيده قبل
احرامه وفي وقت كان محلا، ولا يجوز له أكل لحم الصيد وإن
كان الصائد محلا.
وقد تسأل أن المحرم إذا أصاب صيدا، أو ذبحه وهو
محرم، فهل يجوز للمحل أن يأكل منه؟
والجواب: ان ذلك ان كان في الحل، فالأظهر جوازه، بل لا
يبعد الجواز وإن كان في الحرم، ولو ذبحه المحل في الحرم
حرم على المحرم والمحل معا، والفارق بين المحرم والمحل
ان المحرم يحرم عليه الصيد في الحل والحرم، كما يحرم عليه
أن يأكل من لحمه وإن كان قد اصطاده غيره، والمحل يحرم عليه
الصيد في الحرم فقط، ولكن لا يبعد جواز أكله مما أصابه
المحرم وإن كان الاحتياط في محله.
مسألة 53: الصيد انما ينطبق على الحيوان النافر كالطيور
مثلا، وأما الحيوان الأهلي كالدجاج والغنم والبقر والإبل، فلا
يصدق على أخذه الصيد وإن توحش، ولهذا لا يحرم على
المحرم أخذه وامساكه وذبحه والأكل من لحمه، وأما إذا شك
في حيوان أنه بري أو أهلي، فهل يجوز صيده؟ فالأظهر عدم
112

جوازه. ولا يختص حرمة الصيد بالحيوان الذي ينتفع عادة
بلحومه، كالطيور وغيرها، بل تعم غيره أيضا، كالسباع ونحوها.
نعم ما يخاف منه على النفس يجوز قتله مطلقا، كالأسد وغيره
من السباع كالأفعى والأسود الغدر والعقرب والفأرة، وأما الحية
فإذا ارادته فلا شيء عليه في قتله.
مسألة 54: يختص الحكم بالحرمة بالحيوان البري النافر،
وأما الحيوان البحري كالسمك أو نحوه فيجوز للمحرم صيده
وإمساكه، ونقصد بالحيوان البحري ما يعيش فيه فقط، وأما ما
يعيش في البر والبحر، فهو ملحق بالبري، فلا يجوز صيده. نعم
إذا شك في حيوان أنه بري أو بحري جاز صيده، ويلحق بصيد
الحيوان البري امساك الجراد، فيحرم على المحرم صيده
والاحتفاظ به وأكله، ويرخص للمحرم أن يرمي الغراب الأبقع
والحدأة، ولا كفارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.
مسألة 55: فرخ الحيوان البحري والأهلي تابع لهما في
الحكم، وكذلك بيضهما.
كفارات الصيد
مسألة 56: في قتل النعامة جمل، وفي قتل بقرة الوحش
بقرة، وفي قتل حمار الوحش جمل أو بقرة على الأحوط، وفي
113

قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط
الأولى.
مسألة 57: من أصاب صيدا وكانت كفارته إبلا ولم يجده،
فعليه اطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد، وإن كانت قيمة
الإبل أكثر، وأما إن كانت قيمتها أقل من ذلك لم يجب عليه إلا
التصدق بمقدار قيمتها دون الأكثر، وإن كانت كفارته بقرة ولم
يجدها، فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يقدر على الاطعام صام
تسعة أيام، وإن كانت كفارته شاة ولم يجدها فليطعم عشرة
مساكين، فان لم يقدر صام ثلاثة أيام.
مسألة 58: إذا قتل المحرم - رجلا كان أم امرأة - حمامة
ونحوها في خارج الحرم، فعليه شاة، وفي فرخها إذا تحرك
حمل أو جدي، وفي كسر بيضها درهم على الأظهر، وإذا قتلها
المحل في الحرم فعليه درهم، وفي فرخها نصف درهم، وفي
بيضها ربعه، وإذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين
الكفارتين هما الشاة وقيمة الحمامة، وإذا كسر البيض وقتل
الفرخ فيه في الحرم فعليه في كل منهما كفارتان على الأحوط
الأولى.
مسألة 59: في قتل القطاة حمل قد فطم من اللبن وأكل من
الشجر، وكذلك في قتل الحجل والدراج ونظيرهما على
114

الأحوط، ولا كفارة في قتل العصفور والقبرة والصعوة. نعم
نسب إلى المشهور أن فيه مدا من الطعام، ولكنه لا يخلو عن
اشكال بل منع، وفي قتل جرادة واحدة تمرة، وفي أكثر من
واحدة كف من طعام، وفي الكثير عرفا شاة.
مسألة 60: في قتل اليربوع والقنفذ والضب وما أشبهها
جدي، وفي قتل العظاية كف من الطعام، وفي قتل الزنبور
متعمدا اطعام شيء من الطعام، وإذا كان القتل دفعا لايذائه فلا
شيء عليه.
مسألة 61: يجب على المحرم أن ينحرف عن الطريق
يمينا ويسارا إذا كان فيه جراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها.
مسألة 62: لو اشترك جماعة من المحرمين رجالا كانوا أم
نساء في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفارة مستقلة.
مسألة 63: كفارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو
صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان على الأحوط.
مسألة 64: من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه
ارساله وإن كان محلا، وإن لم يرسله حتى مات الصيد فعليه
فداء، ولا يجوز له امساكه بعد احرامه وان كان قبل أن يدخل
الحرم، وهل عليه فداء إذا مات عنده قبل أن يدخل الحرم؟
فالأظهر عدم الفداء وإن كان الفداء أولى وأجدر.
115

مسألة 65: لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد
وأكله بين أن يكون عن عمد أو جهل أو نسيان.
مسألة 66: تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا إذا كان مما
يعذر فيه، أو نسيانا، أو خطاء، وكذلك في العمد إذا كان الصيد
من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الاحرام، وأما إذا
كان تكرار الصيد عمدا من المحرم في احرام واحد، فلا يوجب
تعدد الكفارة، وانما يوجب في المرة الثانية الإدانة والعقوبة في
الآخرة.
2 - الجماع
مسألة 67: يحرم على الرجل الاستمتاع بالمرأة جماعا
أثناء عمرة التمتع والعمرة المفردة والحج.
مسألة 68: إذا جامع المحرم امرأته، فان كان في أثناء عمرة
التمتع، فمع الجهل بالحكم أو النسيان صحت عمرته سواء أكان
الجماع بعد الفراغ من السعي بين الصفا والمروة أم قبله. وأما مع
العلم بالحكم والعمد فهل تصح عمرته؟ فالأظهر صحتها أيضا،
ولكنه آثم وعليه كفارة، وهي اما جمل أو بقرة أو شاة وإن كان
الأولى والأجدر تقديم الجمل، ومع العجز عنه البقرة، وإلا
فشاة. وإن كان في أثناء العمرة المفردة، فان كان جاهلا أو ناسيا،
116

فعمرته صحيحة ولا شيء عليه، وإن كان عالما وعامدا فحينئذ
ان كان الجماع بعد السعي فالظاهر صحة عمرته أيضا، ولكنه
آثم، وإن كان قبل السعي فهل تبطل عمرته به أولا؟
والجواب: ان المشهور بين الفقهاء البطلان، ولكنه لا
يخلو عن اشكال، بل لا يبعد الصحة وإن اعتبر آثما.
وقد تسأل أنه على القول بصحة العمرة وعدم فسادها
بالجماع أثناءها، فهل يجب على من فعل ذلك أن يقيم بمكة إلى
شهر آخر، ثم يخرج إلى أحد المواقيت الخمسة، ويحرم منه
للعمرة المعادة؟
والجواب: يجب عليه ذلك، كما يجب على القول بفساد
العمرة. والمرأة المحرمة كالرجل المحرم، فإنها ان كانت جاهلة
بالحكم أو ناسية فعمرتها صحيحة ولا شيء عليها، وان كانت
عالمة به، فإن كانت مطاوعة وغير مستكرهة فعليها اثم وكفارة،
وأما عمرتها فهي صحيحة أيضا، وإلا فلا اثم عليها ولا كفارة.
مسألة 69: من حل من احرامه إذا جامع زوجته وهي
محرمة وجبت عليها الكفارة، وعلى الرجل أن يغرمها، والكفارة
ناقة أو جمل.
وقد تسأل ان هذا الحكم هل يعم مطلق المحل إذا جامع
زوجته وهي محرمة، أو يختص بمن يكون مسبوقا بالاحرام؟
والجواب: الأظهر أنه يعم مطلق المحل.
117

مسألة 70: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف
بالمزدلفة، فان كان جاهلا بالحكم أو ناسيا، فحجه صحيح ولا
شيء عليه، وإن كان عامدا وملتفتا اليه فحجه حينئذ وإن كان
صحيحا أيضا ولكن عليه اثم وكفارة والحج من قابل، هذا بدون
فرق بين أن يكون الحج المأتي به حجة الاسلام أو غيرها،
كالحج الواجب بالنذر أو نحوه، والحج المستحب، وكذلك
الحكم في المرأة المحرمة. نعم ان ثبوت الكفارة عليها والحج
من قابل منوط بكونها مطاوعة للاستمتاع بها جماعا، وأما إذا
كانت مكرهة فلا شيء عليها. نعم على زوجها كفارتان حينئذ.
ويجب التفريق بينهما من مكان الإصابة في حجتهما الفعلية إلى
اتمام المناسك كلها، وفي الحجة المعادة في العام القادم شريطة
أن لا يكون معهما ثالث، ويستمر هذا التفريق بينهما إلى يوم
النفر من منى، أو وصولهما إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا.
مسألة 71 وقد تسأل: ان الحجة الأولى هل هي صحيحة،
والثانية عقوبة، أو أن الأولى فاسدة والثانية إعادة؟
والجواب: ان الأولى صحيحة، والثانية عقوبة.
مسألة 72: قد تسأل: ان المحرم للحج إذا جامع امرأته
عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي بعد الوقوف بالمزدلفة، وقبل
طواف النساء، فهل تجب عليه إعادة الحج في العام القادم؟
والجواب: لا تجب عليه الإعادة، نعم عليه إثم وكفارة إذا
118

كان قبل الشوط الخامس من طواف النساء، وأما إذا كان بعده فلا
كفارة عليه أيضا، وانما عليه الإثم فقط.
وقد تسأل: أن هذا الحكم هل يختص بجماع الرجل
المحرم امرأته أو يعم المرأة الأجنبية أيضا.
والجواب: أن الأظهر عموم الحكم.
كفارات الجماع
مسألة 73: يكفي في كفارة الجماع أن يكفر بذبح ناقة أو
جمل قد أكمل خمس سنوات ودخل في السادسة. نعم إن كان
الجماع أثناء عمرة التمتع، فان عجز عن الناقة أو الجمل كفى
ذبح بقرة، وإن عجز عنها أيضا كفى ذبح شاة، وإن كان في الحج
فان عجز عن ذلك تعين عليه ذبح شاة، وأما في العمرة المفردة
فالأحوط أن يذبح ناقة أو جملا، وإن عجز فعليه بقرة، وإلا
فشاة، ولافرق في ذلك بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة
شريطة أن تكون مطاوعة لا مستكرهة.
مسألة 74: لا تثبت هذه الكفارة على الجاهل بالحكم
والناسي، ولا كفارة سائر محرمات الإحرام، ويستثنى من ذلك
موردان:
1 - إذا نسي المكلف الطواف في الحج أو بعض أشواط
119

السعي في عمرة التمتع، فأحل وواقع أهله، فان عليه الكفارة،
وكذلك الحال إذا أتى أهله بعد السعي في عمرة التمتع وقبل
التقصير جاهلا بالحكم.
2 - إذا أمر يده على رأسه أو لحيته عبثا، فسقطت شعرة أو
شعرتان أو أكثر، بدون قصد وإرادة، وغافلا عن ذلك، أو جاهلا
به، فان عليه الكفارة.
3 - تقبيل النساء
مسألة 75: يحرم على الرجل المحرم تقبيل زوجته عن
شهوة، فلو قبلها وخرج منه المني فعليه كفارة جمل، وإذا لم
يخرج منه مني فعليه كفارة شاة، وإن كان الأحوط والأجدر به أن
يكفر بجمل. وأما إذا لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته دم شاة.
مسألة 76: إذا قبل الرجل بعد طواف النساء وخروجه عن
الاحرام امرأته وهي محرمة بشهوة، فعليه دم شاة على الأظهر،
ويحرم على المرأة المحرمة ما يناظر ذلك.
4 - مس النساء
مسألة 77: يحرم على الرجل المحرم أن يمس امرأته
بشهوة، فان فعل ذلك فعليه كفارة شاة، وإن أدى المس إلى
120

الامناء فعليه كفارة ناقة أو جمل، ولا يحرم عليه مس امرأته
بدون شهوة، وإذا صنع ذلك فلا شيء عليه أيضا. وإذا مس
الرجل المحرم المرأة الأجنبية بشهوة، فإن لم يؤد إلى الإمناء
فعليه كفارة دم شاة، وإن أدى اليه فعليه ناقة أو جمل، وإن فعل
ذلك بدون شهوة، فلا كفارة عليه، ولكنه آثم، وتناظر المرأة
المحرمة الرجل المحرم في ذلك.
5 - النظر إلى المرأة
مسألة 78: يحرم على الرجل المحرم النظر إلى المرأة
الأجنبية بتركيز مؤد إلى الإمناء، فإذا فعل ذلك فعليه الاثم
والكفارة، وهي ناقة أو جمل على الموسر، وبقرة على
المتوسط، وشاة على الفقير، وأما إذا نظر إليها بشهوة بدون أن
يؤدي إلى الامناء، فلا كفارة عليه ولكن عليه إثم.
مسألة 79: إذا نظر الرجل المحرم إلى زوجته عن شهوة،
فان أدى إلى الامناء فعليه كفارة ناقة أو جمل على الأحوط، وإن
لم يؤد إلى الامناء فلا شيء عليه، وكذلك إذا نظر إليها لا بقصد
الشهوة ولكنه أدى اتفاقا إلى الامناء.
وقد تسأل: ان النظر إليها بشهوة بدون أن يؤدي إلى
الإمناء، فهل هو حرام أو لا؟
121

والجواب: لا يبعد عدم حرمته، وإن كان الأحوط والأجدر
به أن لا يفعل ذلك، والمرأة المحرمة مثل الرجل المحرم في
ذلك.
مسألة 80: لا يحرم على الرجل المحرم الاستمتاع
بزوجته بألوان من الاستمتاعات غير ما مر، وإن كان الأحوط
الأولى تركها مطلقا. نعم يحرم عليه الاستمتاع بها مركزا
الموجب للامناء، فإذا فعل ذلك فعليه كفارة ناقة.
6 - الاستمناء
مسألة 81: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة
الاستمناء، فان كان في عمرة التمتع وكان عن جهل بالحكم أو
نسيان فلا شيء عليه، وإن كان عن علم وعمد فعليه كفارة
ككفارة الجماع وإثم، وأما عمرته فهي صحيحة، وإن كان في
عمرة مفردة فمع الجهل بالحكم أو النسيان فلا شيء عليه، وأما
مع العلم والعمد فعليه كفارة ناقة وإثم، وأما عمرته فهي
صحيحة، وإن كان الاستمناء قبل الفراغ من السعي، وكان في
الحج، فإن كان قبل الوقوف بالمزدلفة وكان عامدا وعالما بالحال
فعليه كفارة ناقة أو جمل وإثم، وأما الحج في العام القادم
فالأظهر عدم وجوبه عليه، وإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا فلا
شيء عليه.
122

7 - عقد النكاح
مسألة 82: إذا عقد المحرم على امرأة وهو محرم كان
العقد باطلا، سواء أكان لنفسه أم لغيره وسواء أكان ذلك الغير
محرما أو محلا، كما أنه لا فرق فيه بين العقد الدائم والمنقطع،
وكذلك الحال إذا وكل غيره للعقد على امرأة، فإنه إذا عقد عليها
وكالة منه بطل، وإذا عقد فضوليا من قبله لم تصح اجازته.
وقد تسأل: ان عقد المحرم الذي هو باطل، فهل هو حرام
تكليفا أيضا؟
والجواب: انه ليس بحرام تكليفا.
وقد تسأل: ان المحرم إذا عقد على امرأة وهو محرم، فهل
تحرم عليه مؤبدة؟
والجواب: أنها تحرم عليه مؤبدة إذا كان عامدا وملتفتا إلى
الحكم الشرعي، وأما إذا كان جاهلا به فلا تحرم عليه كذلك،
ويجوز له أن يتزوج منها بعد خروجه من الإحرام. نعم لا بأس
بأن يحضر المحرم رجلا كان أم امرأة مجلس العقد والشهادة
عليه، بل قد تجب لدفع ظلم أو اثبات حق كما لا بأس أن
يتعرض المحرم بخطبة النساء، ويجوز له الطلاق والرجوع إلى
زوجته المطلقة الرجعية، وشراء الإماء وإن كان بقصد
الاستمتاع.
123

وقد تسأل: هل يجوز للمحرم تحليل أمته أو قبوله
التحليل؟
والجواب: انه جائز ولا بأس به.
مسألة 83: إذا عقد المحرم أو المحل للمحرم امرأة ودخل
بها، فان كان العاقد والزوج عالمين بتحريم العقد في هذه الحالة
وبطلانه، فعلى كل منهما كفارة ناقة، وإن كان أحدهما عالما
بالحال دون الآخر فعلى العالم كفارة دون الجاهل، وكذلك على
المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحكم الشرعي، وأما إذا لم تكن
محرمة فإن كانت تعلم أن من يقوم بتزويجها محرم فمع ذلك
قبلت تزويجها منه، فعليها كفارة دم ناقة، وإن كانت لا تعلم
بذلك فلا شيء عليها.
8 - الطيب
مسألة 84: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة
استعمال الزعفران والمسك والعنبر والورس والعود بالشم
والدلك والأكل والمس، وكذلك يحرم عليه لبس ما يكون عليه
اثر منها.
ويحرم على الأظهر استعمال الطيب بصورة عامة بكل
هذه الألوان من الاستعمال، والطيب كل مادة لها رائحة طيبة،
124

وتتخذ للشم والتطيب، كعطر الورد والقرنفل والياسمين وغير
ذلك، وإذا ابتلى به عن عمد أو غير عمد وجب عليه أن يحاول
التخلص منه.
ويستثنى من الطيب المحرم ما تطيب به الكعبة الشريفة،
فلا بأس بشمه وتركه في الثوب إذا أصابه.
مسألة 85: لا يجب على المحرم رجلا كان أم امرأة أن
يمسك على أنفه من رائحة الطيب في حال السعي بين الصفا
والمروة إذا كانت هناك. ويحرم عليه أن يمسك على أنفه من
الرائحة الكريهة، وإذا ابتلى بها وأراد التخلص منها بالاسراع في
المشي أو نحوه، جاز له ذلك.
مسألة 86: إذا مارس المحرم شيئا من أنواع الطيب في
الأكل، كالزعفران أو نحوه، عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي،
فعليه اثم وكفارة دم شاة، وكذلك إذا كان جاهلا بسيطا وغير
معذور فيه، نعم إذا كان معذورا أو جاهلا مركبا أو ناسيا فلا شيء
عليه. وأما إذا مارسه عامدا وعالما بالحكم في غير الأكل، كالشم
والتطيب به فيكون آثما، ولا كفارة عليه.
وأما الرياحين والنباتات ذوات الروائح الطيبة التي لا
تتخذ منها مادة للطيب، كالخزامي والقيصوم وغيرهما، فلا بأس
بشمها. وأما ما يؤخذ منه مادة له كالورد والياسمين وغيرهما،
فالأحوط وجوبا ترك مسها والتلذذ بشمها.
125

مسألة 87: يجوز للمحرم أن يأكل من فاكهة ذات رائحة
طيبة كالتفاح والنبق والسفرجل وغيرها، ولا يجب عليه أن
يمسك على أنفه من شمها وإن كان أولى.
9 - النظر في المرآة
مسألة 88: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة النظر
في المرآة إذا كان المقصود بالنظر اصلاح صورته أو هندامه
الطبيعي، وأما إذا كان بدافع آخر كالتأكد من عدم وجود حاجب
على بشرة الوجه مثلا، أو تأكد سائق السيارة على جلوس
المسافرين في كراسيهم واستقرارهم فيها، أو التعرف على ما
خلفه من السيارات فلا يحرم.
ولا يعتبر لبس النظارة من النظر في المرآة، فلا يحرم
لبسها بشرط أن لا يكون زينة في العرف العام، وإلا لم يجز وإن
كان بدافع آخر، كالوقاية من الشمس، أو لقراءة قرآن أو دعاء، أو
كتابة شيء، أو لغرض طبي شريطة أن لا يصل إلى حد
الاضطرار، وإلا جاز. ولا بأس بالنظر إلى الأجسام الشفافة
كالماء الصافي وغيره التي ينطبع فيها صورة الناظر، ولا كفارة
على المحرم إذا نظر في المرآة وإن اعتبر آثما.
126

10 - الزينة
مسألة 89: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة الزينة،
سواء أكان الدافع من ورائها قصد الزينة أم كان له غرض آخر،
فان ما يكون زينة في العرف العام، لا يجوز للمحرم التزين به
وإن لم يكن بدافع الزينة، بل بغرض آخر، ومالا يكون زينة في
العرف العام فيجوز للمحرم أن يستعمله مطلقا.
وضابط ذلك: ان ما هو زينة للانسان في العرف العام
كاصلاح هندامه أو لباسه، أو لبس ما يكون زينة عندهم، فإنه
محرم على المحرم وإن لم يكن الدافع اليه قصد الزينة، ومالا
يكون زينة للانسان في العرف العام كلبس لباسه الاعتيادي، أو
لبس ثوبي الإحرام فلا يكون محرما على المحرم، ويستثنى من
ذلك لبس المرأة الحلي التي كانت تعتاد لبسها قبل احرامها،
فإنها زينة في العرف العام، ومع هذا يجوز للمرأة المحرمة
لبسها، ولكن لا يجوز لها اظهارها لزوجها ولا لغيرها من
الرجال.
وأما تختم الرجل المحرم بالخاتم، فان عد زينة في
العرف العام لم يجز، وإلا فلا بأس به. ومن هذا القبيل لبس
الساعة اليدوية، ولا كفارة في ممارسة الزينة وإن كانت عن علم
وعمد.
127

مسألة 90: يحرم على المحرم - رجلا كان أم امرأة -
استعمال الحناء إذا عد زينة في العرف العام وإن لم يكن بقصد
الزينة، ويجوز له ذلك إذا لم يعد زينة عندهم.
11 - الاكتحال
وفيه صور:
1 - لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل الأسود، وهو
محرم، وإن لم يقصد به الزينة، بدون فرق فيه بين الرجل
المحرم والمرأة المحرمة.
2 - يسوغ للمحرم رجلا كان أم امرأة ان يكتحل بالكحل
غير الأسود، إلا إذا كان في العرف العام زينة، فحينئذ لا يجوز له
الاكتحال به وإن لم يكن الداعي اليه قصد الزينة.
3 - لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب، سواء
أكان رجلا أم امرأة.
4 - يجوز له أن يكتحل لعلة وإن كان بالأسود، كالتداوي
به أو غيره، بدون فرق في ذلك بين الرجل المحرم والمرأة
المحرمة، وإذا ارتكب المحرم هذا المحرم عامدا وعالما اعتبر
آثما، ولا كفارة عليه.
128

12 - الفسوق
مسألة 91: الفسوق هو الكذب والسب، وهما محرمان
في الشريعة المقدسة على كل مكلف، غير أن حرمتهما مؤكدة
بوجه خاص في حال الإحرام.
والمراد من الفسوق في الآية الشريفة: (فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج) هل هو الكذب والسباب، أو
الكذب والمفاخرة؟ الظاهر هو الأول، لأن المفاخرة لون من
ألوان السباب في المقام، وأما اظهار المفاخرة من حيث الحسب
أو النسب إذا لم يستلزم الحط من شأن الآخرين، والنيل من
كرامتهم، فلا مانع شريطة أن لا يكون كذبا، ولا كفارة على
ممارسة هذا المحرم وإن كانت عن علم وعمد.
13 - الجدال
مسألة 92: يحرم على المحرم - رجلا كان أم امرأة -
الجدال، وهو متمثل في الصيغتين التاليتين، هما " لا والله - و -
بلى والله " في مقام الخصومة والمخالفة، سواء أكان صادقا أم
كاذبا، ويسمى ذلك جدالا، وأما الخصومة والمقابلة بالكلام من
129

دون حلف بالله تعالى بالصيغتين المذكورتين فلا تكون بجدال
شرعا، وإن كان الأحوط والأجدر اجتنابه.
وقد تسأل: ان حرمة الحلف على المحرم هل تختص
بموارد المخاصمة والمخالفة، أو تعم كل مورد وإن لم تكن فيه
مخاصمة ولا مخالفة ما عدا المقابلة بالكلام، كما لو سأله أحد
هل طفت بالبيت؟ فقال: لا والله؟
والجواب: الأقرب عدم اختصاص الحرمة بموارد
المخاصمة والمخالفة.
وقد تسأل: ان الجدال هل يتحقق بعبارة أخرى غير هاتين
الصيغتين المؤدية لنفس المعنى؟
والجواب: ان تحقق الجدال المحرم في الحج بغيرهما
مشكل، وإن كان الأحوط والأجدر به وجوبا تركه ويستثنى من
حرمة الجدال أمران: أحدهما أن يكون ذلك في مقام احقاق حق
أو ابطال باطل. (والآخر) ان لا يكون المقصود بذلك الحلف،
بل يكون أمرا آخر كاظهار المحبة والتكريم، كما إذا قال تكريما
لغيره: والله افعل ذلك، وقال غيره: والله لا أقبل ذلك.
ثم ان المحرم إذا جادل، فان كان صادقا في قوله: لا والله
وبلى والله، فلا كفارة عليه ما لم يتكرر حلفه ثلاث مرات، غير
أنه يستغفر ربه، فان تكرر ثلاث مرات ولاء في مقام واحد كان
130

عليه كفارة. وإن كان كاذبا في قوله: لا والله، وبلى والله، فعليه
كفارة دم شاة للمرة الأولى، وشاتين للمرة الثانية، وبقرة للمرة
الثالثة.
وقد تسأل ان الجدال بالصيغتين المذكورتين هل يعتبر
أن يكون بجملة خبرية؟
والجواب: نعم لابد أن يكون بجملة خبرية.
وقد تسأل: هل المعتبر في تحقق الجدال شرعا تحقق
كلتا الصيغتين معا، أو يكفي تحقق إحداهما؟
والجواب: يكفي تحقق واحدة منهما.
وقد تسأل: ان كلمة (لا) في احدى الصيغتين، وكلمة
(بلى) في الأخرى، هل هي معتبرة في ترتيب الأثر على
الصيغتين؟
والجواب: نعم، إنها معتبرة في ذلك.
14 - قتل هوام الجسد
مسألة 93: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة، قتل
القمل في جسده، وإذا قتله عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي،
فهل عليه كفارة؟
والجواب: انه لا كفارة عليه وإن كانت أحوط وأولى.
131

ولا يجوز للمحرم القاء القمل من جسده، نعم يجوز نقله
من مكان إلى مكان آخر، وإذا نقله فكفارته كف من الطعام، وأما
غيره من الدواب فيجوز القاؤه من جسده، كما يجوز نقله.
وقد تسأل: أن قتل البق والبرغوث هل هو جائز أو لا؟
والجواب: انه جائز سواء ترتب على وجودهما ضرر
أم لا.
15 - الإدهان
مسألة 94: لا يجوز للمحرم والمحرمة الادهان، سواء
أكانت فيه رائحة طيبة أم لا؟ ويستثنى من ذلك ما إذا كان
للتداوي والعلاج.
الأظهر أنه لا كفارة فيه على المحرم رجلا كان أم امرأة،
وإن كان ذلك عن علم وعمد.
16 - إخراج الدم من البدن
مسألة 95: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة اخراج
الدم من بدنه بالحجامة والحك، إلا إذا كانت هناك ضرورة، أو
كان من أجل دفع الأذى. وأما إذا خرج منه الدم نتيجة استعماله
132

السواك، فلا بأس به، وإن كان المستعمل يعلم مسبقا بذلك، وإذا
ارتكب المحرم هذا الحرام عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي
اعتبر آثما، ولا كفارة عليه.
17 - التقليم
مسألة 96: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة تقليم
ظفره وهو محرم ولو بعضه، إلا في الحالات التي ينشأ من بقائه
الضرر أو الأذى، فإنه يجوز حينئذ تقليمه، وإذا قلم أظفاره وهو
جاهل بالحكم أو ناس فلا شيء عليه، وإذا كان مع العلم والعمد
فعليه كفارة، وهي مد من الطعام لتقليم كل ظفر، وإذا قلم أظافير
اليدين العشرة في مجلس واحد كان عليه التكفير بشاة، وكذلك
إذا قلم أظافير الرجلين العشرة في مجلس واحد، أو جمع بين
أظافير اليدين والرجلين العشرين في مجلس واحد، وأما إذا قلم
أظافير يديه في مجلس ورجليه في مجلس آخر فعليه التكفير
بشاتين.
مسألة 97: إذا قلم المحرم أظافيره وهو محرم فأدمى
اعتمادا على فتوى من جوزه، فالمشهور ان كفارته على المفتي،
ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع.
133

18 - إزالة الشعر عن البدن
مسألة 98: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة أن
يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره، سواء أكان ذلك الغير محرما
أم كان محلا، وتستثنى من ذلك ثلاث حالات:
1 - تكاثر القمل على جسد المحرم الموجب لايذائه.
2 - وجود ضرورة لإزالة الشعر، كما إذا أوجبت كثرة
الشعر صداعا أو نحو ذلك.
3 - وجود الشعر في أجفان العين الموجب لتألم الانسان،
وإذا تساقطت شعرات عفوا بسبب حك الانسان لجسده، أو
أثناء الوضوء أو الغسل بدون أن يكون مقصودا فلا شيء عليه.
مسألة 99: إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة، فان
كان مع الجهل بالحكم أو النسيان فلا شيء عليه، وإن كان مع
العلم والعمد فعليه كفارة دم شاة وإثم. وإذا حلقه لضرورة أو
لعذر مع العلم والعمد أمكنه أن يكفر بشاة، أو يصوم ثلاثة أيام،
أو إطعام ستة مساكين، ولكل واحد منهم مدان من الطعام، وإذا
نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه عالما عامدا فعليه كفارة
شاة، وكذلك إذا نتف أحد إبطيه، وإذا نتف شيئا من شعر لحيته
أو غيرها فعليه أن يطعم مسكينا بكف من الطعام.
134

وقد تسأل: ان الكفارة هل هي على نتف تمام الشعر
النابت في الإبط، وحلق تمام الرأس، أو يكفي البعض أيضا؟
والجواب: إنها على التمام.
وقد تسأل: هل للنتف خصوصية بحيث لو حلق الشعر
النابت في الإبط فلا كفارة فيه؟
والجواب: انه لا خصوصية له فان المعيار انما هو بإزالة
الشعر سواء أكانت بالنتف أم بالحلق. وإذا أزال شعر غيره كما إذا
حلق رأسه سواء أكان ذلك الغير محرما أم محلا، فلا كفارة عليه
ولكنه آثم.
مسألة 100: إذا علم المحرم بأنه لو حك رأسه أو بدنه أدمى
لم يجز إذا لم تكن هناك ضرورة تدعو اليه، وإذا علم بأنه لو مس
لحيته بدون ضرورة وعبثا تساقطت شعرة أو شعرات، فعليه أن
يطعم كفا من الطعام، ولا اثم عليه إذا فعل ذلك وتساقطت شعرة
أو شعرات.
19 - قلع الضرس
مسألة 101: قد تسأل أن قلع الضرس هل هو محرم على
المحرم رجلا كان أم امرأة وإن لم يؤد إلى الإدماء؟ وهل عليه
كفارة؟
135

والجواب: انه ليس بمحرم مع عدم الادماء، ولا كفارة
عليه.
20 - الارتماس
مسألة 102: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة
الارتماس في الماء، وهو ادخال رأسه بكامله فيه، وهل يجوز
ذلك في غير الماء من المايعات؟
الأظهر الجواز، وإن كان الأحوط والأجدر به أن لا يفعل
ذلك في غير الماء أيضا.
21 - حمل السلاح
مسألة 103: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة حمل
السلاح، كالسيف والرمح والبندقية ونحوها مما يصدق عليه
السلاح عرفا، ولا يلحق بها في التحريم على الأظهر الآلات
الوقائية، كالدرع والمغفر، ولا بأس بوجود السلاح عند المحرم
وفي أمتعته.
مسألة 104: لا بأس بحمل السلاح عند الضرورة
والاضطرار، وإذا حمله المحرم عامدا وملتفتا إلى الحكم
الشرعي، وبدون ضرورة فعليه كفارة شاة على الأحوط.
136

22 - قلع شجر الحرم ونبته
مسألة 105: لا يجوز للمحرم - رجلا كان أم امرأة - بل
لكل مكلف وإن لم يكن محرما، أن يقلع أو يقطع أي شيء من
أشجار الحرم ونباتاته، ولا بأس بما ينقطع عند المشي على
النحو المعتاد والمتعارف، كما لا بأس بان تترك الدواب في
الحرم لتأكل من حشيشه.
وهناك استثناءات:
1 - استثناء الإذخر، وهو نبت معروف.
2 - استثناء النخل وشجر الفاكهة.
3 - استثناء الأعشاب التي تجعل علوفة للإبل.
4 - استثناء ما غرسه الشخص بنفسه، أو نما في داره، أو في
ملكه، دون ما كان موجودا فيه قبل التملك.
مسألة 106: الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفروعها
في خارجه، أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون
جميعها في الحرم.
مسألة 107: كفارة قلع الشجرة أو قطعها قيمة تلك
الشجرة، يتصدق بها، ولا كفارة في قلع الأعشاب وقطعها.
وقد تسأل: أن في قطع أغصان الشجرة كفارة؟
والجواب: ان فيه كفارة على الأحوط.
137

23 - الصيد في الحرم
مسألة 108: يحرم الصيد في الحرم على الرجل المحرم
والمرأة المحرمة، بل على كل مكلف وإن لم يكن محرما، لأن
ذلك من أحكام الحرم لا من أحكام المحرم، ولهذا لا يحل
للمحرم بعد خروجه من الاحرام الصيد الحرمي ما دام هو في
الحرم.
النوع الثاني: ما يحرم على الرجل المحرم خاصة، وهو
أمور:
1 - لبس الملابس الاعتيادية:
مسألة 109: يحرم على الرجل المحرم لبس الملابس
الاعتيادية، كالقميص وهو الثوب الذي يسلك في العنق، فان كل
ثوب يسلك في العنق يسمى قميصا، والدرع وهو الثوب الذي
له يدان أو فتحتان على نحو يتيح للابس أن يدخل يديه فيهما،
وكل ثوب من هذا القبيل يسمى بالدرع، وهو محرم وإن لم
يسلك في العنق كالعباءة، فان الحرمة هنا ليست مرتبطة بادخال
اليدين فعلا في يدي العباءة ونحوها، فإنه لو لبس العباءة
بصورتها الاعتيادية دون أن يدخل يديه في يديها كان حراما
أيضا. والسراويل وهو الثوب الذي يستر به العورة، والثوب
المزرور وهو الثوب الذي فيه ازرار يعقد بعضها ببعض، فان
138

لبسه محرم على المحرم وإن لم تكن له يدان ولم يسلك في
العنق، كما إذا لبس مما دون إبطيه ثوبا مزرورا، وليس موضوع
الحرمة هنا وجود الازرار، بل استعمال تلك الازرار بعقد
بعضها بالبعض الآخر.
وهذه الأنواع الأربعة من الثياب محرمة على المحرم،
سواء أكانت مصنوعة من طريق الخياطة أم من طريق آخر، كما
إذا كانت مصنوعة من طريق النساجة، فلو كان هناك ثوب
مصنوع بالخياطة على نحو لا يسلك في العنق، ولا له يدان أو
فتحتان، ولا له ازرار، جاز للمحرم لبسه، إذ لا يصدق على لبسه
لبس شيء من هذه الأنواع الأربعة، كما إذا غطى جسده باللحاف
المصنوع بالخياطة، لأن هذا ليس تقمصا للحاف، ولا ادراعا له.
وقد تسأل: هل يجوز للمحرم أن يلبس ثوبا ليس
بقميص ولا درع ولا سراويل ولا مزرور، ولكن يعوض فيه
عن الأزرار بمادة أخرى لاصقة؟
والجواب: لا يبعد عدم جوازه.
مسألة 110: يجوز للرجل المحرم أن يلبس الطيلسان
شريطة أن لا يشد ازراره أو ينزعها، كما أنه يجوز له أن يلبس
الملبد، وهو الثوب الذي تستعمله الرعاة شريطة أن لا يكون
لبسه على أحد الانحاء الأربعة، والحزام والهميان الذي يوضع
فيه النقود، ورباط العنق وان كانت مصنوعة من طريق الخياطة.
139

مسألة 111: الأقوى أن لا يعقد الازرار في عنقه، ولا مانع
من عقده في غير عنقه، كما أنه لا بأس بأن يغرزه بإبرة ونحوها،
ولا مانع من أن يعقد الرداء في عنقه وإن كان الأولى تركه.
مسألة 112: إذا لبس المحرم أحد الأثواب الأربعة، فان كان
جاهلا بالحكم أو ناسيا فلا كفارة عليه، وان كان عامدا وملتفتا
إلى الحكم الشرعي فعليه كفارة شاة وإثم، وأما إذا كان لبسه
للاضطرار، فهل فيه كفارة؟
والجواب: انه لا كفارة فيه على الأظهر، كما أنه لا اثم، وأما
الجاهل البسيط، فان كان مقصرا فيلحق بالعامد العالم، وإن كان
قاصرا فيلحق بالجاهل المركب، ولا كفارة عليه.
2 - لبس الخف والجورب
مسألة 113: لا يجوز للرجل المحرم لبس الخف
والجورب وهو محرم، وأما لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم
فهل هو جائز أم لا؟ لا يبعد جوازه، وإن كان الأحوط والأجدر
الاجتناب عنه. وأما ستر تمام ظهر القدم بدون لبس، بأن يضع
عليه منديلا - مثلا - فهو جائز ولا اشكال فيه، نعم إذا لم يتيسر
للمحرم نعل أو شبههه واضطر إلى لبس الخف جاز.
مسألة 114: إذا لبس الخف أو الجورب، فان كان جاهلا
140

بالحكم أو ناسيا فلا شيء عليه، وإن كان عامدا وعالما به، فهل
عليه كفارة دم شاة أو لا؟ لا يبعد عدم وجوبها، وإن كان الاحتياط
في محله.
3 - ستر الرأس
مسألة 115: يحرم على الرجل المحرم ستر رأسه كله،
وكذلك ستر الأذنين، ولا فرق في الساتر مهما كان نوعه حتى
مثل الطين أو نحوه، وأما ستر بعض الرأس فهل هو جائز؟
والجواب: انه لا يبعد جوازه وإن كان الاحتياط أولى
وأجدر.
ولا بأس بحمل شيء على رأسه شريطة أن لا يغطي تمام
الرأس. نعم إذا اضطر إلى تغطيته من جهة الصداع أو نحوه فلا
بأس بها.
مسألة 116: يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد.
وقد تسأل: هل يجوز للرجل المحرم أن يغطي رأسه في
حال النوم؟
والجواب: انه يجوز على الأظهر، وإن كان الاحتياط في
محله.
141

4 - التظليل للرجال
مسألة 117: يحرم على الرجل المحرم أن يستظل بظل
يتحرك بحركته، وينتقل بانتقاله، ويكون فوق رأسه، كسقف
السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو المظلة التي يحملها بيده، سواء
أكانت الحركة أفقية، كما في راكب السيارة أو الطائرة، أم كانت
عمودية كالواقف في المصعد الكهربائي وهو يصعد وينزل
وراكب طائرة تتحرك عمودية، ولا فرق بين أن يكون ذلك من
الشمس، أو من البرد غير الاعتيادي، أو المطر، أو غير ذلك من
الحوادث التي قد تتفق في الجو.
وقد تسأل: ان التظليل بظل متحرك بحركته، والتستر
بساتر كذلك، هل يجوز للمحرم إذا لم تكن هناك شمس ولا
مطر ولا برد، كما إذا كان الجو معتدلا وصافيا؟
والجواب: لا يجوز له ذلك على الأظهر.
مسألة 118: يجوز للرجل المحرم أن يستظل بظل ثابت لا
يتحرك بحركته، كظل السقوف أو الجسور أو الأنفاق أو
الجدران أو غير ذلك، كما يجوز له بعد وصوله إلى مكة أن
يتحرك تحت الجسور أو السقوف أو في النفق أو في ظل
الحيطان في حالة الذهاب إلى منزله والاياب منه، وهو محرم،
ولا فرق فيه بين أن يكون بعد اتخاذه مسكنا أو قبله.
142

وقد تسأل: انه إذا نزل في الطريق للاستراحة أو للبيتوتة
فيه أو لغرض آخر كملاقاة الأصدقاء أو غيرها، فهل يسوغ له
التظليل في الخباء والفسطاط؟
والجواب: يجوز له ذلك.
وهل يسوغ له أن يحمل مظلة بيده ويستظل بها وهو
جالس؟
والجواب: انه جائز، وان كان الأولى والأجدر أن لا يفعل
ذلك.
وقد تسأل: أن التظليل بما يكون في أحد جانبي المحرم
هل يجوز أو لا؟
والجواب: انه جائز ولا بأس به، كما هو الحال في السيارة
التي يكون الجزء الواقع فوق رأس المحرم مكشوفا دون سائر
اجزائها.
مسألة 119: قد تسأل ان التظليل في الليل هل هو جائز؟
والجواب: انه غير جائز، ولا فرق في حرمته بين الليل
والنهار، فان المراد من التظليل المحرم على الرجل المحرم هو
تستره بمظلة أو سقف سيارة أو طائرة، في مقابل بروزه
وظهوره وإن لم تكن هناك شمس ولا برد غير اعتيادي، ولا
مطر.
143

مسألة 120: قد تسأل أن السفينة في البحر هل تلحق
بالمنزل لكي يجوز التظليل فيها، أو أنها ملحقة بالسيارة
والطائرة؟
والجواب: أنها ملحقة بالسيارة والطائرة.
مسألة 121: لا بأس بإستظلال المحرم بظل كالمظلة أو
نحوها إذا كان واقفا غير متحرك، كما في حالة الجلوس والنوم
ونحوهما، كما يجوز له الاستظلال بظل ثابت حتى حال سيره
وتحركه، ويجوز له أن يستتر من الشمس بيديه.
مسألة 122: يرخص الرجل المحرم بالتظليل للضرورة
والخوف من صحته من حر أو برد، أو الخوف على سيارته من
الضياع لو تركها وركب سيارة مكشوفة، أو على عائلته أو غير
ذلك. وإذا ظلل جاهلا أو ناسيا فلا كفارة عليه، وإن ظلل عامدا
عالما كان عليه التكفير بشاة عن كل إحرام ظلل في أثنائه ولا
فرق في ذلك بين أن يكون تظليله لضرورة أو بدون ضرورة،
ولو ظلل في احرام واحد مرات، فلا تجب عليه إلا كفارة
واحدة.
النوع الثالث: ما يحرم على المرأة خاصة، وهو كما يلي:
مسألة 123: يحرم على المرأة المحرمة ستر وجهها كله
بالبرقع أو النقاب، بل بكل ساتر وإن لم يكن اعتياديا.
144

وقد تسأل: ان ستر بعض وجهها هل هو حرام أو أنه
جائز؟
والجواب: ان جوازه غير بعيد، وان كان الاحتياط في
محله. نعم يجوز لها أن تتحجب من الأجنبي، بأن تنزل ما على
رأسها من الخمار أو نحوه من ملابسها إلى الذقن إذا لم تكن
المرأة راكبة والى النحر إذا كانت راكبة، وإن مس ذلك وجهها
مباشرة، كما يجوز لها أن تغطي وجهها كله حال النوم بالنقاب
أو نحوه.
مسألة 124: يحرم على المرأة المحرمة أيضا لبس
القفازين، وكذلك يحرم عليها لبس الحرير الخالص.
وقيل: ان كفارة ستر الوجه شاة إذا ارتكبت المرأة
المحرمة ذلك عامدة وملتفتة، وهو الأحوط الأولى.
محل ذبح الكفارة ومصرفها
مسألة 125: محل ذبح كفارة الصيد في احرام العمرة
أعم من العمرة المفردة والتمتع مكة المكرمة، وفي إحرام الحج
منى. وأما سائر الكفارات ككفارة التظليل والجماع ونحوهما
فيجوز له تأخير ذبحها إلى أن يرجع إلى بلده ويذبحها فيه، كما
يسوغ له أن يذبح كفارة احرام الحج في منى واحرام العمرة أعم
145

من المفردة والتمتع في مكة، ومصرفها الفقراء، ويجوز له الأكل
منها قليلا، وإن كان الأحوط والأجدر تركه.
آداب دخول الحرم ومستحباته
مسألة 126: إذا وصل إلى الحرم استحب له أن يغتسل
ويدعو بهذا الدعاء:
" اللهم انك قلت في كتابك وقولك الحق، - وأذن في
الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج
عميق - اللهم اني أرجو أن أكون ممن أجاب دعوتك، وقد جئت
من شقة بعيدة وفج عميق سامعا لندائك مستجيبا لك مطيعا
لأمرك، وكل ذلك بفضلك علي واحسانك إلي، فلك الحمد
على ما وفقتني له ابتغي بذلك الزلفة عندك والقربة إليك
والمنزلة لديك، والمغفرة لذنوبي، والتوبة علي منها بمنك،
اللهم صل على محمد وآل محمد، وحرم بدني على النار،
وأمني من عذابك وعقابك برحمتك يا أرحم الراحمين ".
آداب دخول مكة والمسجد ومستحباته
مسألة 127: يستحب الغسل قبل دخول مكة، فإذا اغتسل
146

يدخلها بسكينة ووقار وخشوع وتواضع، ولا تدخل بتكبر،
فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم، وقل: " السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله،
والسلام على أنبياء الله ورسله، والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
والسلام على إبراهيم خليل الله، والحمد لله رب العالمين " فإذا
دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت وقل: " اللهم إني
أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، وان
تتجاوز عن خطيئتي، وتضع عن وزري، الحمد لله الذي بلغني
بيته الحرام، اللهم اني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت
اطلب رحمتك، واؤم طاعتك، مطيعا لأمرك، راضيا بقدرك،
أسألك مسألة المضطر إليك، الخائف لعقوبتك، اللهم افتح لي
أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك " وإذا دنوت
من الحجر الأسود، فارفع يديك، واحمد الله واثن عليه، وصل
على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر،
وقبله، فان لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك، فان لم تستطع ان
تستلمه بيدك فأشر اليه وقل: " اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي
تعاهدته، لتشهد لي بالموالاة، اللهم تصديقا بكتابك، وعلى سنة
نبيك، اشهد ان لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله، آمنت بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت،
147

وباللات والعزى، وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يدعى من دون الله " فان
لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: " اللهم بسطت يدي،
وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل سبحتي واغفر لي
وارحمني، اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر، ومواقف
الخزي في الدنيا والآخرة " وبعد ذلك يبدأ بالطواف الواجب.
الطواف
هو الواجب الثاني من واجبات عمرة التمتع، وصورته: ان
يقف الحاج إلى جانب الخط الموازي للحجر الأسود، مراعيا أن
يكون البيت في جانبه الأيسر، ويطوف حوله سبع مرات،
بكيفية خاصة يأتي شرحها، ويبطل الحج بتركه متعمدا، سواء
أكان عالما بالحكم أم كان جاهلا به، ويتحقق الترك بالتأخير عن
عمد إلى زمان لا يتمكن من ادراك الموقف بعرفات، فإذا بطلت
العمرة بطل احرامه أيضا.
شروط الطواف
الأول: الطهارة من الحدث الأكبر كالجنابة والحيض
والنفاس الذي يستوجب الغسل، والأصغر كالبول والنوم
148

ونحوهما الذي يستوجب الوضوء، فلو طاف المحدث
بالحدث الأكبر بدون أن يغتسل، والمحدث بالحدث الأصغر
بدون أن يتوضأ، بطل طوافه، سواء أكان ذلك عن عمد وعلم، أم
كان عن جهل ونسيان، نعم لا تعتبر الطهارة في الطواف
المندوب.
وقد تسأل: ان الطواف المندوب إذا كان واجبا بالفرض
بسبب النذر أو نحوه فهل تعتبر فيه الطهارة؟
والجواب: إنها لا تعتبر فيه.
مسألة 128: إذا احدث المحرم أثناء طوافه، فهل يبطل
طوافه بذلك أو لا؟
والجواب: الأقرب عدم البطلان بذلك وإن كان الحدث
قبل بلوغه النصف وكان عن اختيار، وحينئذ فوظيفته أن يقطع
طوافه ويتطهر، بأن يتوضأ أو يغتسل، ثم يبدأ من حيث انتهى
مع الطهارة فيحتسب ما مضى منه، ويتمه، وإن كان الأحوط
والأجدر به أن يستأنف طوافا جديدا بقصد الأعم من التكميل
والاستيناف، ويلغي ما تقدم.
مسألة 129: إذا شك في الطهارة، فان علم انه كان على
طهارة في السابق وشك في بقائها وصدور الحدث منه بعدها،
لم يعتن بالشك، وبنى على الطهارة، وإن لم يعلم بذلك فهنا
صور:
149

الأولى: أن يكون شكه في الطهارة قبل الشروع في
الطواف، ففي هذه الصورة تجب عليه الطهارة، ولا يسمح له
بالدخول في الطواف بدونها.
الثانية: ان يكون شكه فيها أثناء الطواف، والحكم في هذه
الصورة هو الحكم في الصورة الأولى.
الثالثة: أن يحصل له الشك بعد الفراغ من الطواف وقبل
صلاته، ففي هذه الصورة لا تجب عليه إعادة الطواف، وانما
يتطهر لصلاته، هذا إذا لم يصدر الحدث الأصغر منه بعد
الطواف، وقبل الاتيان بصلاته، وأما إذا صدر فان كان مسبوقا به
فلا أثر له، وإن كان مسبوقا بالأكبر كالجنابة فعليه أن يغتسل
ويعيد الطواف، ثم يتوضأ ويصلي صلاته.
الرابعة: أن يحصل له الشك بعد الفراغ من الطواف
وصلاته، ففي هذه الصورة يبنى على صحة الطواف وصلاته
معا، ويتوضأ أو يغتسل لما يأتي من الأعمال المشروطة
بالطهارة.
مسألة 130: إذا لم يتيسر الماء للمكلف، أو تيسر له ولكنه
لا يتمكن من استعماله لمرض أو نحوه، فوظيفته التيمم، فيتيمم
ويأتي بالطواف وصلاته، ولا شيء عليه، وأما إذا لم يتيسر له
التيمم أيضا فهو فاقد الطهورين وعاجز عن الطواف وصلاته
150

مع الطهارة من الحدث، وحينئذ فوظيفته الاستنابة، وإن كان
الأحوط والأجدر به أن يطوف بنفسه أيضا، ولا فرق في ذلك
بين أن يكون محدثا بالأكبر أو بالأصغر.
مسألة 131: يجب على المرأة المحرمة إذا حاضت أو
نفست أن تغتسل بعد انقضاء أيام العادة إذا تمكنت، ثم تطوف
حول البيت وإن لم تتمكن من الغسل فعليها أن تتيمم فتطوف
حول البيت. وإذا تعذر عليها التيمم أيضا فوظيفتها الاستنابة،
وكذلك الحال في الجنب.
مسألة 132: إذا حاضت في عمرة التمتع حال الإحرام أو
بعده وقد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت إلى أن تطهر
وتغتسل وتأتي بأعمالها، وإن لم يسع الوقت لذلك فالأظهر أن
وظيفتها في هذه الحالة أن تجمع بين الاستنابة للطواف
وصلاته، ثم تسعى بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر وتحرم
للحج، وبين أن تأتي بهما بعد الفراغ من اعمال منى، وقبل
طواف الحج وركعتيه، والأحوط أن تعيد السعي أيضا ولا فرق
في ذلك بين أن يكون حيضها قبل الإحرام، بأن أحرمت وهي
حائض، أو يكون بعده.
مسألة 133: قد تسأل: ان المرأة إذا كانت تعلم أنها تحيض
قبل الاحرام، ولا تطهر إلا بعد الوقوف بعرفات فهل
151

تنقلب وظيفتها من حج التمتع إلى الافراد؟ ويجب عليها أن
تنوي الاحرام للإفراد من الأول؟
والجواب: ان الأظهر عدم الانقلاب، ووظيفتها في هذه
الحالة أن تحرم للتمتع وتستنيب من يطوف عنها ويصلي، ثم
تسعى هي بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر، ثم تحرم للحج،
وبعد الفراغ من اعمال منى وقبل طواف الحج وصلاته تأتي
بهما، والأحوط لها أن تعيد السعي أيضا.
مسألة 134: إذا حاضت المرأة أثناء الطواف وجب عليها
قطعه والخروج من المسجد فورا، وحينئذ فان كان الوقت
متسعا فعليها الانتظار إلى أن تطهر، ثم تأتي على الأحوط
وجوبا بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستيناف
حسب ما هو المطلوب منه واقعا، وإن لم يكن الوقت متسعا
للانتظار فوظيفتها أن تستنيب للطواف وصلاته، وتسعى
بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر، ثم تحرم للحج، وبعد
الرجوع من منى يوم العيد أو بعده تأتي به قبل طواف الحج.
مسألة 135: إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل صلاته،
صح طوافها، وحينئذ فان كان الوقت متسعا انتظرت إلى أن
تطهر ثم تأتي بالصلاة وتتابع سائر اعمال العمرة من السعي بين
الصفا والمروة والتقصير، وان كان ضيقا سعت وقصرت وأتت
بالصلاة بعد اعمال منى، وقبل طواف الحج على الأحوط.
152

مسألة 136: إذا طافت المرأة وصلت ثم تأكدت بالحيض،
ولكن لا تدري انه كان قبل الطواف أو بعده وقبل الصلاة أو
أثناءها أو بعدها، بنت على صحة الطواف والصلاة معا.
مسألة 137: إذا كان المكلف محدثا بالأصغر، ولم يتمكن
من الوضوء للطواف، وكان مأيوسا من ذلك، فوظيفته التيمم،
وكذلك الجنب والحائض والنفساء بعد انقطاع الدم، فيجب
عليهم التيمم بديلا عن الغسل للطواف إذا كانوا غير متمكنين
منه.
مسألة 138: إذا دخلت المرأة مكة المكرمة، وكانت
متمكنة من الاتيان بتمام اعمال العمرة وواجباتها، ولكنها
أخرت الاتيان بها تسامحا وإهمالا إلى أن حاضت، وضاق
الوقت، فحينئذ ان كانت المرأة تعلم بأنها تحيض في آخر
الوقت، ولا تتمكن بعد الحيض من انجاز العمرة، فالظاهر
فسادها، وعليها الحج في السنة القادمة، وإن لم تكن تعلم بذلك،
ولكنها حاضت فجأة، ولا يسع لها الوقت للاتيان بها بعد النقاء
من الحيض، فوظيفتها في هذه الحالة أن تستنيب للطواف
وصلاته، وتسعى هي بنفسها بين الصفا والمروة وتقصر، ثم
تحرم للحج، وبعد الفراغ من اعمال منى يوم العيد تأتي بطواف
العمرة قبل طواف الحج.
مسألة 139: لا تعتبر الطهارة في الطواف المندوب،
153

فيصح بدون وضوء، نعم تعتبر في صلاته فلا تصح بدونها.
مسألة 140: لا فرق في الطهارة المعتبرة في صحة الطواف
بين أن تكون من المكلف في حالة صحية تامة، أو تكون من
المكلف في حالة مرضية، كوضوء صاحب الجبيرة التي توضع
على العضو المكسور، أو المجروح، ويمسح عليها بديلا عن
غسل ما تخفيه من البشرة، فإنه رافع للحدث واقعا ما دام العذر
باقيا، وكذلك وضوء المسلوس والمبطون فإنه طهور حقيقة،
ورافع للحدث كذلك، ولا ينتقض بما يصدر منهما قهرا ما دام
لم يصدر منهما الحدث اعتياديا كالنوم أو غيره.
مسألة 141: قد تسأل: ان المستحاضة هل يجب عليها أن
تفعل للطواف وصلاته ما تفعله للصلوات اليومية أم لا؟
والجواب: يجب عليها ذلك، فان استحاضتها ان كانت
الصغرى، فعليها أن تتوضأ لكل من الطواف وركعتي صلاته،
كما أنها تتوضأ لكل صلاة من الصلوات اليومية، وان كانت
الوسطى، فعليها أن تتوضأ لكل منهما، كما تتوضأ لكل من
الفرائض اليومية، نعم ان عليها غسلا واحدا في كل يوم وليلة
دون أكثر، سواء أكان عليها طواف وركعتي الطواف أم لا. وإذا
كانت الكبرى وجب عليها الاتيان بالغسل لكل منهما، ولا
يكتفي بالأغسال الثلاثة للفرائض اليومية.
154

وقد يقال: ان المستحاضة بالاستحاضة الكبرى إذا فعلت
ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليومية يجوز لها أن
تصلي اي صلاة أخرى أو غيرها مما هو مشروط بالطهارة،
كالطواف ونحوه بالوضوء بدون حاجة إلى غسل آخر.
والجواب: انه لا يجوز لها ذلك، لان مفعول غسلها
محدود بفترة زمنية خاصة، وهي في الفجر تسع لصلاة الفجر
فحسب، وفي الظهر تسع للظهرين شريطة أن تجمع بينهما،
وإذا أرادت أن تفرق بينهما فعليها أن تغتسل لكل منهما، وفي
المغرب تسع للعشاءين جمعا لا تفريقا، وحينئذ فإذا أرادت
الاتيان بالطواف وركعتي صلاته فعليها أن تغتسل لكل منهما،
ولا تكتفي بالوضوء فحسب، فإنه لا يكون رافعا لحدث
الاستحاضة الكبرى.
الثاني: من شروط الطواف الطهارة من النجاسة على
المشهور، ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع، وإن كان الأحوط
اعتبارها، نعم تعتبر الطهارة من النجاسة في صلاته، فلا تصح
بدونها، إلا إذا كان مما يعفى عنه في الصلاة، كالدم إذا كان أقل من
الدرهم، أو كان من القروح أو الجروح شريطة أن تكون في
ازالته مشقة نوعية.
مسألة 142: إذا صلى ثم علم أن بدنه أو شيئا من ملابسه
155

كان نجسا في أثناء الصلاة صحت صلاته، ولا إعادة عليه، نعم إذا
كان عالما بوجود نجاسة في بدنه أو ثوبه ثم نسي ذلك وصلى
وتذكر بعد الصلاة فالأحوط والأجدر به وجوبا اعادتها مرة
ثانية.
مسألة 143: المشهور ان من اشتغل بالطواف وأصابت
بدنه أو ثوبه نجاسة، أو علم أن بدنه وثوبه نجس، فان كان قبل
اكمال الشوط الرابع قطع الطواف، وطهر الموضع المتنجس،
وكفاه أن يستأنف طوافا جديدا، وإن كان بعد اكمال الشوط
الرابع قطع وطهر وكان له أن يحتسب ما مضى، ويقتصر على
تكميله، نعم إذا كانت النجاسة في ثوبه فقط، وأمكنه تبديله في
نفس المطاف، بدون الحاجة إلى قطع الطواف كان له ذلك،
ويواصل طوافه. ولكنه لا يخلو عن اشكال بل منع على تقدير
تسليم اعتبار الطهارة من النجاسة في صحة الطواف إذ لا دليل
على هذا التفصيل فالأظهر انه على كلا التقديرين يجوز له أن
يحتسب ما مضى ويكتفي بتكميله شريطة أن تكون فترة
خروجه للتطهير قليلة لا تخل بالموالاة عرفا.
الثالث: من شروط الطواف الختان للمحرم من الرجال
دون النساء، كما ان الأظهر اعتباره في الصبي المميز أيضا
شريطة أن يحرم بنفسه ومباشرة، وأن يطوف كذلك، ولا يعتبر
في الصبي غير المميز إذا كان احرامه من وليه.
156

مسألة 144: من طاف حول البيت وهو غير مختون كان
كتارك الطواف فيبطل حجه، وإذا استطاع المكلف وهو غير
مختون فلذلك صور:
الأولى: أن يكون متمكنا من الختان والحج معا في سنة
الاستطاعة، ففي هذه الصورة يجب عليه الحج، ولا يجوز له
تأخيره.
الثانية: أن يكون متمكنا من الختان، ولكن لا يتمكن من
الحج في هذه السنة فيؤجل الحج إلى السنة الأخرى.
الثالثة: ان لا يتمكن من الختان أصلا لضرر أو حرج أو
غير ذلك، ففي هذه الصورة يجب عليه الحج ويطوف بنفسه في
عمرته وحجه، ويستنيب أيضا من يطوف عنه ويصلي هو
صلاة الطواف بعد طواف النائب.
الرابع: من شروط الطواف ستر العورة على الطائف رجلا
كان أم امرأة، فان كان رجلا فعليه أن يستر عورتيه، وإن كان امرأة
فعليها أن تستر كامل جسمها عدا الوجه والكفين، وهذا الشرط
وإن كان مشهورا ولكنه لا يخلو عن اشكال. نعم هو الأحوط
والأجدر وجوبا.
157

واجبات الطواف
مسألة 145: الطواف كما مر، هو السير حول الكعبة
الشريفة، وتعتبر فيه أمور:
الأول: النية، ونريد بها أن تتوفر فيها العناصر التالية:
1 - قصد القربة، 2 - قصد الاخلاص، 3 - قصد الاسم الخاص
المميز له شرعا.
وصورتها أن يقول مثلا: " أطوف حول البيت سبعة
أشواط لعمرة التمتع، أو لحج التمتع من حجة الاسلام، أو لعمرة
مفردة، أو حج الافراد من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى
خالصا لوجهه الكريم ". وان كان الحج مستحبا اسقط كلمة
(حجة الاسلام)، وإن كان منذورا بدل كلمة (المستحب) بكلمة
(المنذور)، وإن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، ولا يجب التلفظ
بالنية، بل يكفي وجودها في القلب، ويعتبر أن تكون النية بتمام
عناصرها مقارنة للطواف بتمام أشواطه من الابتداء به إلى
الانتهاء، وهذا ليس بمعنى أن لا تتقدم عليه، بل بمعنى أن لا
تتأخر عن أول جزء من اجزائه، كما أن المراد من المقارنة ليس
بمعنى أنه يجب ان يكون الطائف منتبها إلى نيته انتباها كاملا
كما كان في اللحظة الأولى، بل بمعنى أنه إذا نوى وبدأ بالطواف،
158

ثم ذهل عن نيته وواصل طوافه على هذه الحالة من الذهول
صح شريطة أن تكون النية كامنة في أعماق نفسه على نحو لو
سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فورا إلى أنه يطوف قربة إلى الله
تعالى.
الثاني: كون الطائف خارج الكعبة ورخامها المبني في
أسفل حائطها لدعم بنيانها المسمى بشاذروان، فإذا تجاوز
الطائف مطافه، ودخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة،
وكذلك إذا تجاوز إلى الشاذروان.
الثالث: الابتداء من الحجر الأسود الموضوع في أحد
أركان البيت، بأن يقف إلى جانب الحجر محاذيا له قريبا منه أو
بعيدا، والأحوط والأجدر به أن يتأخر عنه قليلا لكي يعلم بأن
تمام بدنه يمر على تمام الحجر ناويا أن يبدأ طوافه من النقطة
التي تحقق فيها المحاذاة بينه وبين الحجر.
الرابع: أن ينتهي في كل شوط بالحجر الأسود الذي بدأ
منه، ويحتاط في الشوط الأخير بتجاوز الحجر بقليل ناويا
بذلك التأكد من اكمال سبعة أشواط.
الخامس: أن يجعل الكعبة عند طوافه حولها على يساره
في جميع أحوال الطواف، فإذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل
الأركان أو لغيره، أو ألجأه الزحام إلى استقبال الكعبة أو
159

استدبارها، أو جعلها على اليمين، فذلك المقدار لا يعد من
الطواف، فيعيد من حيث انحرف، والمقصود من وضع الكعبة
على اليسار تحديد وجهة سير الطائف، ولا يجب عليه أن
ينحرف كتفه الأيسر عند مروره بالأركان لكي يكون محاذيا
لبناء الكعبة، فان هذه التدقيقات غير واجبة شرعا.
السادس: الطواف حول حجر إسماعيل، بمعنى ادخاله
في المطاف، فلا يجوز جعل الطواف بينه وبين الكعبة، فإذا
دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذي وقع فيه، فلابد
من اعادته، ولا يبطل أصل الطواف، وإن كان دخوله فيه عامدا
وملتفتا إلى الحكم الشرعي، هذا مع بقاء الموالاة عرفا، وأما مع
فوتها فيبطل أصل الطواف، وعليه استينافه من جديد.
السابع: أن يكون الطواف بخطواته المختارة، فلو حملته
كثرة الزحام على نحو ارتفعت رجلاه من الأرض لم يكف، وإذا
اتفق له ذلك وجب عليه أن يلغى تلك المسافة التي انتقل فيها
محمولا لا مشيا على الاقدام، ويعود إلى المكان الذي حملته
كثرة الزحام، ويواصل طوافه منه، وإذا تعذر الرجوع عليه كذلك
فبامكانه أن يسير حول البيت في اتجاهه بدون أن يقصد
الطواف إلى أن يصل إلى ذلك المكان، فيقصد الطواف، كما ان
بامكانه أن يخرج من المطاف ويلغى ما أتى به، ويستأنف طوافا
جديدا.
160

وقد تسأل: ان كثرة الزحام إذا الجأته على المشي بخطواته
على أرض المطاف، واضطراره اليه كذلك، ولا يتمكن من
الوقوف في الأثناء، وإلا لحملته كثرة الزحام، فهل يكفي ذلك؟
والجواب: نعم يكفي ذلك.
الثامن: أن يطوف حول البيت سبع مرات متواليات عرفا، ولا
يجزئ الأقل من ذلك، ويسمى كل واحد من السبع بالشوط،
فالطواف مركب من سبعة أشواط.
التاسع: اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة
ومقام إبراهيم (عليه السلام)، ويقدر هذا الفاصل بستة وعشرين ذراعا
ونصف الذراع، وبما أن حجر إسماعيل داخل في المطاف
فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع ونصف الذراع،
ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل منع، والظاهر كفاية الطواف في
مساحة أكبر من تلك المساحة، والمعيار في تحديدها انما هو
بصدق الطواف حول الكعبة الشريفة عرفا وإن كان من خلف
المقام.
العاشر: ان القران بين طوافين في طواف الفريضة بأن
يطوف سبعة أشواط ويلحقها بسبعة أخرى كطواف ثان مؤجلا
ركعتي الطواف إلى ما بعد الطوافين مبطل على الأظهر. نعم لا
بأس به في الطواف المستحب.
161

الحادي عشر: ان يكون حافظا لعدد الأشواط، فلو شك
في عددها بطل طوافه، وعليه استئنافه من جديد ويستثنى من
الحكم بالبطلان الصور التالية:
الأولى: أن يكون الشك في العدد بعد الفراغ من الطواف
والتجاوز عنه بالدخول في صلاة الطواف - مثلا - فلا أثر للشك
فيه حينئذ.
الثانية: ان يكون قد أكمل الأشواط جميعا، وكان يشك
بعد اكمالها في أنها سبعة تماما أو أكثر، مع عدم احتمال النقصان
فيه، فان طوافه صحيح ولا يعتنى بشكه وإن لم يدخل بعد في
صلاة الطواف، بل وإن لم يخرج من المطاف أيضا.
الثالثة: أن يكون الشك في عدد الأشواط في طواف
مندوب، فإنه يبنى على الأقل ويكمل، ويصح طوافه، فالشك
في عدد أشواطه فيما عدا هذه الصور الثلاث مبطل، سواء أكان
بين السادس والسابع والثامن، أم بين السادس والثامن، أو
السادس والسابع، أو ما دون ذلك. نعم إذا شك بين السادس
والسابع، وبنى على السادس جهلا منه بالحكم وأتم طوافه، فان
علم بالحال في الوقت وجب عليه استئناف الطواف من جديد،
وان استمر جهله إلى أن فاته وقت التدارك، فلا تبعد صحة
طوافه.
162

مسألة 146: يكفي في ضبط الطائف لعدد أشواط طوافه أن
يكون واثقا ومطمئنا به، ولو بالاتكال على ضبط غيره الذي
يشاركه في الطواف شريطة أن يحصل له الوثوق والاطمئنان
بصحة احصائه وضبطه ولا يكفي الظن.
الخروج من المطاف على التفصيل التالي
الأول: إذا خرج الطائف من المطاف، فدخل الكعبة بطل
طوافه، وعليه اعادته من جديد.
الثاني: يجوز للطائف أن يخرج من المطاف للوضوء إذا
أحدث أثناء الطواف، فإذا خرج وتوضأ ثم عاد، فعليه أن يتم
طوافه إذا لم تفت به الموالاة عرفا، وإلا بطل، وعليه اعادته من
جديد، ولا فرق في ذلك بين أن يكون صدور الحدث منه قبل
تجاوز النصف أو بعده.
مسألة 147: إذا تنجس بدنه أو ثوبه أثناء الطواف جاز له
الخروج لتطهير بدنه أو ثوبه، فإذا رجع فان فاتت الموالاة فعليه
أن يستأنف طوافا جديدا، وإن لم تفت الموالاة فالأحوط
والأجدر به وجوبا أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من
التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.
ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه
163

والخروج من المسجد فورا، وقد مر حكم ذلك في
المسألة (134).
الثالث: إذا عرض على الطائف مرض مفاجئ كالصداع
في الرأس، أو الوجع في البطن أو غيره فله صور:
الأولى: ان يرتفع مرضه واستعاد صحته بعد الخروج منه
بفترة زمنية قصيرة لم تختل بها الموالاة عرفا، ففي هذه الصورة
تكون وظيفته أن يكمل ما نقص من طوافه، ولا شيء عليه.
الثانية: نفس الصورة السابقة ولكن كانت الفترة الزمنية
طويلة اختلت بها الموالاة عرفا، ففي هذه الصورة أيضا وظيفته
على الأظهر تكميل ما نقص من طوافه، وان كان الأولى
والأجدر فيها أن يأتي بطواف كامل جديد بقصد الأعم من
التكميل والاستئناف، حسب ما هو المطلوب واقعا.
الثالثة: إذا لم يرتفع مرضه إلى أن ضاق الوقت، ولم
يتمكن من تكميل النقص، فوظيفته أن يستنيب من يكمل ما
نقصه من الأشواط، وإن كان الأولى أن يأتي النائب بطواف كامل
بقصد الأعم من التكميل والاستئناف، ولافرق في تمام هذه
الصور الثلاث بين أن يكون خروجه من المطاف قبل اكمال
الشوط الرابع أو بعده.
الرابعة: انه إذا جامع امرأته أثناء الخروج في منزله بعد
164

استعادة صحته، فان كان بعد الشوط الخامس لم يوجب البطلان
فيما أتى به من الأشواط، بل يجوز له حينئذ أن يكتفي باكمال ما
أتى به، وان كان بعد الشوط الثالث بطل، وعليه أن يستأنف
طوافا جديدا كاملا.
الرابع: يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة
مريض أو تشييع جنازة، أو لقضاء حاجة لنفسه أو لمؤمن،
وحينئذ فان طالت مدة الخروج وفاتت الموالاة بطل طوافه إذا
كان فريضة، وعليه اعادته من جديد، وإن لم تفت الموالاة لم
يبطل طوافه فوظيفته عندئذ التكميل، والأظهر أنه لافرق في
ذلك بين أن يكون خروجه بعد شوط أو شوطين أو أكثر.
الخامس: قد تسأل أن الطائف في خروجه عن المطاف
في طواف الفريضة عامدا وملتفتا وبدون مبرر، هل يعتبر آثما؟
والجواب: انه لا يعتبر آثما.
السادس: قد تسأل: ان خروج الطائف من المطاف عامدا
وملتفتا وبدون عذر مسوغ، هل هو مبطل للطواف وإن لم تفت
به الموالاة عرفا؟
والجواب: الظاهر انه مبطل وإن لم تفت به الموالاة عرفا،
وهذا بدون فرق بين أن يكون خروجه قبل تجاوزه النصف أو
بعده.
165

وقد تسأل: هل يجوز للطائف أن يقطع طوافه في الأثناء
عن علم وعمد، ويلغي ما أتى به من الأشواط، ويستأنف طوافا
جديدا كاملا من الأول؟
والجواب: يجوز له ذلك، ولا يلزم منه محذور الزيادة فيه،
لأنها تتبع القصد، بأن يؤتى بالزائد بقصد أنه جزء المزيد فيه،
وإلا فلا موضوع للزيادة.
السابع: إذا خرج نسيانا وبتخيل انه أكمل الطواف، ثم
تذكر النقص، فان كان النقص ثلاثة أشواط أو أقل كفاه أن يرجع
ويتم طوافه بتكميله سبعة أشواط، ولا يجب عليه استئناف
طواف جديد، وإن كان النقص أكثر من ثلاثة أشواط، فهل يكفي
اكماله سبعة أشواط، أو يستأنف طوافا جديدا كاملا؟
والجواب: انه يكفي اكماله على الأظهر، وإن كان الأحوط
الاستئناف.
الثامن: ان الطواف إذا كان مستحبا لم يبطل بقطع الطائف
له عامدا وملتفتا وخروجه من المطاف، فإذا قطع وخرج عن
المطاف، ثم رجع وبنى على ما أتى به فيكمله، صح طوافه.
مسألة 148: يجوز الجلوس للطائف أثناء الطواف في
المطاف للاستراحة أو لسبب آخر، شريطة أن لا تكون فترة
الجلوس بمقدار يضر بالموالاة، وإلا بطل طوافه.
166

النقصان في الطواف على التفصيل الآتي:
مسألة 149: إذا نقص الطائف من طوافه عامدا وملتفتا
إلى الحكم الشرعي، فان فاتت الموالاة بطل طوافه، وعليه
استئنافه من جديد، وإن لم تفت الموالاة فان كان لا يزال هو في
المطاف جاز له أن يكمل النقص ويكتفي به ولا شيء عليه، وإن
كان قد خرج من المطاف كفاه أن يستأنف طوافا جديدا.
مسألة 150: إذا نقص من طوافه سهوا فلذلك صور:
الأولى: أن يتذكر ذلك قبل خروجه من المطاف، وبعد
برهة قصيرة لم تختل بها الموالاة، ففي هذه الصورة يأتي
بالباقي ويصح طوافه.
الثانية: أن يتذكر بعد خروجه من المطاف أو بعد فوات
الموالاة، فحينئذ إن كان النقص شوطا واحدا أتى به وصح، وإن
لم يتمكن من الاتيان به مباشرة لسبب من الأسباب، ولو من
أجل أن تذكره كان بعد الرجوع إلى بلده استناب غيره، وإن كان
الناقص أكثر من شوط واحد وأقل من أربعة أشواط رجع
وأكمل ما نقص مباشرة إن أمكن، وإلا فبالاستنابة، بل الأمر
كذلك، وإن كان الناقص أربعة أشواط أو أكثر وإن كان الأحوط
والأجدر في الصورتين الأخيرتين الاتيان بطواف كامل بقصد
167

الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه
واقعا.
الثالثة: ان شرطية الموالاة بين الأشواط مختصة بحال
التذكر والالتفات، وأما في حال النسيان والغفلة فلا تكون
شرطا، فإذا نسي منها وخرج من المطاف وتذكر بعد فوات
الموالاة لم يبطل ما أتى به من الأشواط، فيجوز له الاكتفاء
بتكميل الناقص، ولا يتحتم عليه الاستئناف من جديد.
الزيادة في الطواف
ونقصد بالزيادة أن يأتي الطائف بعد اكمال الطواف
بالشوط الآخر بقصد أنه جزؤه، سواء أكان ذلك القصد من
الأول، أم كان يتجدد له في الأثناء، أم بعد الفراغ، وهذا بخلاف ما
إذا أتى به لا بهذا العنوان والقصد، فان ذلك لا يكون زيادة حتى
يبطل الطواف بها.
مسألة 151: إذا زاد الطائف في طوافه، فلذلك صور:
الأولى: إذا قصد الطائف أن يجعل طوافه أكثر من سبعة
أشواط، فإذا جعله كذلك بطل، سواء أقصد ذلك من البداية، بأن
طاف قاصدا أن يزيد شوطا في طوافه، أو تجدد له القصد في
الأثناء إلى أن يزيد في طوافه، أو بعد الانتهاء منه، فبدأ بالشوط
168

الثامن بقصد أنه جزء من طوافه الأول لا كعمل مستقل، ولا
يفرق في البطلان بالزيادة بين العالم بحكم المسألة والجاهل به.
الثانية: إذا طاف سبعة أشواط، ثم طاف شوطا آخر بدون
أن يقصد ضمه إلى الطواف الأول بنية أنه جزؤه، بل كعمل
مستقل، فلا يضر بصحة طوافه المتقدم، كما أنه إذا زاد في طوافه
سهوا بأن خيل له أنه لم يستوف سبعة أشواط فطاف شوطا آخر،
ثم تبين له أنها أصبحت ثمانية، فلا يبطل طوافه بذلك.
وفي كلتا الصورتين يجب تكميله أسبوعا بإضافة ستة
أشواط أخرى إليه.
وقد تسأل: ان ذلك يستلزم القران بين الطوافين، وقد مر
أن الأقوى مانعية القران في طواف الفريضة.
والجواب: ان القران الممنوع هو أن يقصده الطائف في
طواف الفريضة، سواء أكان من البداية، أو تجدد له القصد في
الأثناء أو بعد الفراغ، بأن يقرن طوافه الأول بطواف آخر، وفي
المقام لا يقصد الطائف أن يقرن طوافه بطواف ثان، بل هو يأتي
بعد الفراغ من طوافه بشوط كعمل مستقل أو سهوا، ثم أمر
الشارع بتكميله أسبوعا آخر، والا فهو غير قاصد لذلك، ومثل
هذا القران لا يكون ممنوعا.
الثالثة: قد تسأل ان وجوب الاتمام والتكميل بإضافة ستة
169

أشواط أخرى، هل هو من حين الشروع في الشوط الثامن
والدخول فيه سهوا، أو كعمل مستقل، أو بعد اكماله؟
والجواب: الظاهر انه بعد اكماله، وأما إذا لم يكمله بعد
وكان في أثنائه فيجوز له قطعه والغاؤه والخروج من المطاف.
الرابعة: قد تسأل ان الطائف إذا زاد أكثر من شوط واحد
سهوا أو كعمل مستقل، فهل يجب عليه التكميل والاتمام
بإضافة الباقي؟
والجواب: انه غير بعيد، وإن كان الأحوط والأجدر أن
يكمله أسبوعا رجاء.
الخامسة: قد تسأل ان الواجب هل هو الطواف الأول أو
الثاني أو كلاهما معا؟
والجواب: الظاهر الأخير.
السادسة: ان الطائف بعد الطوافين مخير بين الاتيان بأربع
ركعات جميعا، أو بركعتين منها بعدهما وركعتين أخريين بعد
السعي بين الصفا والمروة.
أحكام الطواف
مسألة 152: إذا ترك الشخص الطواف فلذلك صور:
الأولى: أن يتركه عامدا وملتفتا إلى وجوبه، ولو من أجل
170

الخوف من الزحام وكثرة الناس في المطاف، فلا يكون معذورا،
ولا يصح منه السعي بين الصفا والمروة وما بعده من الاعمال لو
ترك الطواف متعمدا وتوجه إلى السعي، بل يجب عليه أن
يطوف ثم يسعى ثم يقصر حسب تسلسل اعمال العمرة ما دام
في الوقت متسع. وأما إذا لم يكن الوقت متسعا لذلك ولإدراك
الوقوف بعرفات تبطل عمرته.
الثانية: ان يتركه جاهلا بالحكم، وبأنه واجب، والحكم
في هذه الصورة كما تقدم في الصورة الأولى.
الثالثة: ان يترك طواف الحج، فان كان ذلك عن عمد وعلم
بالحكم ولم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء شهر ذي الحجة،
بطل حجه واحرامه معا، وإن كان عن جهل بالوجوب ولم
يتدارك إلى أن ينتهي الوقت بطل حجه واحرامه أيضا، وعلى
تارك الطواف جهلا كفارة بدنة.
الرابعة: ان ترك الطواف نسيانا أو غفلة لا يوجب بطلانه،
بدون فرق بين طواف العمرة وطواف الحج، وعلى هذا فإذا كان
المنسي طواف العمرة، فان تذكر في وقت يتمكن من الاتيان به
في ذلك الوقت بدون أن يفوت منه الوقوف بعرفات وجب
عليه ذلك، وإلا فعليه أن يقضيه بعد اعمال منى. وإذا كان طواف
الحج، فان تذكر قبل الخروج من مكة وجب عليه الاتيان به، وإن
171

تذكر بعد الرجوع إلى بلدته، فهل تجوز له الاستنابة مع تمكنه
من القيام المباشر به؟
والجواب: ان الجواز غير بعيد.
الخامسة: إذا ترك بعض أشواط الطواف نسيانا، وتذكره
في أثناء السعي، فعليه أن يرجع إلى المطاف ويكمل طوافه ثم
يعود إلى المسعى ويتم سعيه، وإذا بدأ بالسعي ناسيا لطوافه ثم
تذكر فعليه أن يقطع سعيه ويرجع ويطوف حول البيت،
ويصلي ركعتيه، ثم يعود ويستأنف السعي من جديد. نعم إذا
تذكره بعد الفراغ من السعي انه لم يأت بالطواف، وجب عليه أن
يأتي بالطواف وصلاته، ولا تجب إعادة السعي وإن كانت
أحوط.
السادسة: إذا استمتع الناسي للطواف بأهله جماعا، فعليه
هدي، وحينئذ فإذا تذكر، فان كان تذكره بعد الرجوع إلى بلدته
وكان الطواف المنسي طواف الحج بعث بهديه إلى منى ويذبح
هناك وإن كان طواف العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها،
وإذا تذكر وهو في مكة المكرمة يذبح الهدي في منى ان كان في
الحج، وفي مكة ان كان في العمرة.
السابعة: إذا تذكر الناسي للطواف وهو في بلدته، فحينئذ
إذا رجع إلى مكة للاتيان به بنفسه ومباشرة، فان كان في شهر ذي
172

الحجة دخل مكة بدون احرام، ويأتي بالطواف حول البيت ولا
شيء عليه، وإن كان في شهر آخر لم يجز له الدخول فيها بدون
احرام من أحد المواقيت للعمرة المفردة، فإذا احرم لها ودخل
في مكة أتى بالعمرة المفردة كاملة، ثم بالطواف قضاء أو
بالعكس، ولا يجب عليه الإحرام للطواف المنسي فقط، فإذا
تذكر بعد شهر ذي الحجة وهو في مكة لم يجب عليه أن يرجع
إلى أحد المواقيت والإحرام منه لقضاء ذلك الطواف، وأما إذا
استناب من يطوف عنه فعلى النائب أن يحرم من أحد المواقيت
للعمرة المفردة لا للطواف الذي ناب فيه وإن كان دخوله في
شهر ذي الحجة، شريطة أن لا يكون من الذين رجعوا عن الحج
في نفس السنة.
الثامنة: انه إذا دخل في مكة في آخر يوم من ذي الحجة،
ولكنه لا يتمكن من الاتيان بالطواف إلا في أول شهر محرم،
فهل يجب عليه أن يحرم حينما دخل في مكة؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك.
التاسعة: قد تسأل ان من نسي بعض أشواط الطواف دون
الكل فهل يجب عليه تدارك ذلك البعض بالمباشرة أم
بالاستنابة سواء أكان تذكره في مكة أم بعد الرجوع إلى بلدته؟
والجواب: يجب عليه تداركه حتى بعد شهر ذي الحجة
173

بنفسه أو بنائبه، وإن كان الأولى والأجدر أن يأتي بطواف كامل
بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب
منه واقعا.
العاشرة: انه ليس لقضاء الطواف المنسي أو بعض أشواطه
وقت محدد شرعا، فمتى تذكر وتمكن منه مباشرة أو استنابة
وجب.
الحادية عشرة: لا يحل لناسي الطواف ما كان حله متوقفا
عليه، كالطيب ما دام لم يأت به، فإذا أتى به حل سواء أكان بنفسه
أم كان بنائبه، وكذلك الحكم لو كان ناسيا لبعض أشواط
الطواف، فلا يحل له الطيب الا بعد تكميل النقص.
الثانية عشرة: إذا لم يتمكن المحرم من الطواف بنفسه
لمرض أو كسر أو غير ذلك، ففي هذه الحالة ان تمكن من
الطواف بالاستعانة بالغير ولو بأن يطوف محمولا على متن
انسان وجب عليه ذلك، ولا يصل الدور إلى الاستنابة، وإن لم
يتمكن من ذلك أيضا كفاه أن يستنيب شخصا يطوف عنه، وأما
بالنسبة إلى ركعتي الطواف، فان كان قادرا على اتيانهما مباشرة
فعليه أن يأتي بهما بعد طواف النائب كذلك، وإلا فعلى النائب
أن يأتي بهما نيابة عنه.
174

آداب الطواف ومستحباته
مسألة 153: من آداب الطواف أن يطوف الطائف
خاضعا وخاشعا ومقصرا في خطواته حول البيت، مشغولا
بالذكر وقراءة القرآن والدعاء والصلاة على محمد وآله، تاركا
كل ألوان اللغو متوجها إلى الله تعالى في بيته العتيق.
ومنها: أن يستلم الحجر الأسود ويقبله في الابتداء
والانتهاء وفي نهاية كل شوط شريطة أن لا يزاحم أحدا ولا
يؤذيه.
ومنها: أن يدعو أثناء الطواف بهذا الدعاء: " اللهم اني
أسألك باسمك الذي يمشي به على ظل الماء، كما يمشي به
على جدد الأرض، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك،
وأسألك باسمك الذي تهتز له اقدام ملائكتك، وأسألك باسمك
الذي غفرت به لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
وأتممت عليه نعمتك، أن تفعل بي كذا وكذا "، أو ما أحببت من
الدعاء وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: " ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وقل في
الطواف: " اللهم اني إليك فقير، واني خائف مستجير، فلا تغير
جسمي، ولا تبدل اسمي ".
175

ثم ان هناك آداب وأدعية ترتبط بمواضع خاصة من
الكعبة الشريفة، وينبغي للطائف مراعاتها عند الوصول إليها
تباعا في طوافه، وهي كما يلي:
تقدم ان الطواف يبدأ من النقطة المحاذية للحجر الأسود
الواقع في ركن من أركان البيت العتيق، وهذا الركن في الجهة
الشرقية، وحينما يبدأ الطائف طوافه منه واضعا البيت الشريف
على يساره يمر بعد خطوات قصيرة بباب البيت الشريف ثم
يواصل سيره إلى أن يصل إلى الركن الآخر للبيت الشريف،
ويسمى ذلك الركن بالركن العراقي، ويقع في الجهة الشمالية
وفى هذا الجانب يوجد حجر إسماعيل وميزاب البيت المطل
عليه، ثم يصل الطائف في طوافه إلى الركن الثالث، ويسمى
ذلك الركن بالركن الشامي، ويقع في الجهة الغربية، ومنه
يواصل سيره نحو الركن الرابع والأخير المسمى بالركن اليماني
الواقع في الجهة الجنوبية، وقبل أن يصل إلى الركن اليماني
بمسافة قصيرة موضع للبيت الشريف يسمى بالمستجار، وهو
يكون في النقطة المقابلة لباب البيت، وإذا وصل الطائف إلى
المستجار فقد وصل إلى مؤخر البيت، ويسير الطائف بعد ذلك
من الركن اليماني إلى الحجر الأسود لينهي بذلك شوطا كاملا
من الطواف، وبعد معرفة هذه المواضع التي يمر بها الطائف في
176

طوافه حول البيت العتيق في كل شوط تعين محال الأدعية
والآداب، وإذا بدأ الطائف طوافه من المحاذي للحجر الأسود
ووصل إلى باب البيت في كل شوط، صلى على محمد وآل
محمد، وإذا بلغ حجر إسماعيل قبيل الميزاب يرفع رأسه ثم
يقول: " اللهم أدخلني الجنة برحمتك وأجرني برحمتك من
النار، وعافني من السقم، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ
عني شر فسقة الجن والإنس، وشر فسقة العرب والعجم " وإذا
جاز حجر إسماعيل ووصل إلى ظهر البيت، قال: " يا ذا المن
والطول والجود والكرم ان عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله
مني انك أنت السميع العليم " وإذا صار بحذاء الركن اليماني قام
فرفع يده إلى السماء، ثم يقول: " يا الله يا ولي العافية وخالق
العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية، والمنان بالعافية،
والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع خلقك، يا رحمان الدنيا
والآخرة ورحيمهما، صل على محمد وآل محمد، وارزقنا
العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا
والآخرة يا أرحم الراحمين ".
يستحب للطائف استلام الأركان كلها في كل شوط،
ويقول عند استلام الحجر الأسود: " أمانتي أديتها، وميثاقي
تعاهدته لتشهد لي بالموافاة " فإذا فرغ من طوافه ذهب إلى
177

مؤخر الكعبة بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل في
الشوط السابع. فابسط يديك على الأرض، والصق خدك
وبطنك بالبيت، ثم قل: " اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك وهذا
مكان العائذ بك من النار " ثم أقر لربك ما فعلته من الذنوب، فإنه
ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له إن شاء
الله. ويقول: " اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللهم ان
عملي ضعيف فضاعفه لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفى
على خلقك " ثم استقبل الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر
الأسود، واختم به وتقول: " اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي
فيما آتيتني ".
صلاة الطواف
مسألة 154: إذا فرغ الطائف من الطواف وجبت عليه
ركعتا الطواف، وتسمى بصلاة الطواف، وهي الواجب الثالث
من عمرة التمتع، وصورتها كصلاة الفجر، ولكنه مخير في
قراءتها بين الجهر والاخفات.
وتجب فيها النية، وصورتها مثلا: " أصلي ركعتي الطواف
لعمرة التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان الحج
مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام)، وإذا كان منذورا بدل كلمة
178

(حجة الاسلام) ب‍ (الحجة المنذورة)، وإذا كان المصلي نائبا ذكر
اسم المنوب عنه ونوى عنه.
مسألة 155: موضع الصلاة من الناحية المكانية خلف
المقام، ويجب الاتيان بها خلفه، والمقام هو الحجر الذي كان
إبراهيم (عليه السلام) يقف عليه وقت بناء الكعبة، وهو على مقربة من
البيت الشريف، فان تعذر الصلاة خلف المقام صلى في أي
موضع من المسجد شاء، وإن كان الأحوط والأجدر مراعاة
الأقرب فالأقرب إلى المقام. واما الطواف المندوب فيجوز
الاتيان بصلاته في أي نقطة من المسجد أراد عامدا وملتفتا.
مسألة 156: موضع الصلاة من الناحية الزمانية بعد
الطواف، أو بفاصل قليل منه، فلا يجوز الفصل بينهما بفترة
طويلة تختل بها الموالاة العرفية بينها وبين الطواف عامدا
وملتفتا.
مسألة 157: إذا ترك الطائف صلاة الطواف عامدا وعالما
بالحكم بطل حجه إذا لم يكن بامكانه أن يتداركها قبل انتهاء
وقت العمرة، وحينئذ فهل تنقلب وظيفته إلى حج الافراد، ثم
الاتيان بالعمرة المفردة؟
والجواب: أنها لا تنقلب، بل عليه أن يأتي بالحج في السنة
القادمة شريطة توفر شروطه.
179

مسألة 158: إذا ترك صلاة الطواف نسيانا، وبدأ بالسعي
بين الصفا والمروة، ثم التفت، فان كان التفاته أثناء السعي فعليه
أن يقطعه ويذهب إلى المسجد ويصلي في محلها، ثم يرجع
ويكمل سعيه، وإن كان بعد السعي يصلي في محلها، ولا تجب
عليه إعادة السعي، وإن كانت الإعادة أولى وأجدر، وإن كان
التفاته بعد الارتحال من مكة، فان كان ارتحاله بمسافة قصيرة
عرفا، رجع إلى المسجد الحرام، ويصلي في محلها، أو يستنيب
من يصلي عنه، والأحوط والأجدر به وجوبا أن تكون الاستنابة
عند عدم تمكنه من الرجوع بنفسه. وإن كان بمسافة طويلة
عرفا، أو بعد الوصول إلى بلدته، صلاها في أي موضع ذكرها
فيه، ولا يجب عليه حينئذ الرجوع إلى مكة بنفسه والصلاة في
محلها وإن تمكن من ذلك، أو استناب شخص يصلي عنه،
وكذلك الحال إذا كان التفاته بعد فوت الوقت.
وقد تسأل: ان من نسي صلاة الطواف للعمرة وخرج من
مكة إلى منى، ثم تذكر، فهل يجب عليه أن يرجع إلى المسجد
ويصليها خلف المقام، أو يكفي أن يصليها في أي موضع ذكرها
فيه؟
والجواب: الظاهر انه يجب عليه أن يرجع ويصليها في
محلها أو يستنيب إذا لم يتمكن. نعم إذا كان تذكره في عرفات
صلى هناك.
180

وقد تسأل: ان الطائف إذا ترك الطواف جاهلا بالحكم،
فهل ان حكمه حكم الناسي؟
والجواب: ان حكمه حكم الناسي بدون فرق في ذلك بين
الجاهل المركب والبسيط وإن كان مقصرا.
مسألة 159: إذا ترك صلاة الطواف نسيانا حتى مات،
وجب على وليه قضاؤها، وكذلك إذا تركها جاهلا بالحكم ولو
كان مقصرا.
مسألة 160: يجب على الطائف أن يتأكد من صحة صلاته
وقراءته، فان كان فيها خطأ وجب عليه تصحيحها إذا كان
متمكنا من ذلك، ولكنه إذا تماهل وتسامح ولم يقم بتصحيحها
حتى ضاق الوقت معه، فالأظهر أن يصليها جماعة ان أمكن،
وإلا فعليه أن يجمع بين الصلاة فرادى والاستنابة. نعم إذا كان
الخطأ في غير القراءة تخير بين أن يصليها بنفسه ومباشرة، وبين
الاستنابة، وأما إذا لم يتمكن من تصحيحها فوظيفته أن يصليها
حسب امكانه، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يجمع بينها
وبين الصلاة جماعة والاستنابة ان أمكن.
مسألة 161: إذا كان في قراءته خطأ، وكان جاهلا بذلك
فصلى صحت صلاته وإن كان جهله مما لا يعذر فيه شريطة أن
يكون مركبا، ولا تجب عليه الإعادة إذا علم بذلك بعد الصلاة،
181

بل في أثنائها إذا كان علمه بالحال بعد التجاوز عن محلها،
وكذلك إذا كان جهله بسيطا ان كان معذورا فيه، نعم لو لم يكن
معذورا وجبت عليه الإعادة.
آداب صلاة الطواف ومستحباته
مسألة 162: يستحب للطائف أن يقرأ في الركعة الأولى
من ركعتي الطواف سورة التوحيد " قل هو الله أحد "، وفي
الركعة الثانية سورة الجحد " قل يا أيها الكافرون "، ثم تشهد
وأحمد الله واثن عليه، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واسأله أن يتقبل
منك. وأن يسجد بعد الصلاة ويقول في سجوده: " سجد وجهي
لك تعبدا ورقا، لا إله إلا أنت حقا حقا، الأول قبل كل شيء،
والآخر بعد كل شيء، وها أنا ذا بين يديك، ناصيتي بيدك،
واغفر لي انه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي فاني مقر
بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك ". ويستحب
أيضا أن يقول بعد الفراغ من صلاة الطواف: " اللهم ارحمني
بطواعيتي إياك، وطواعيتي رسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم جنبني أن
أتعدى حدودك، واجعلني ممن يحبك ويحب رسولك
وملائكتك وعبادك الصالحين ".
182

السعي
مسألة 163: الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتع
السعي بين الصفا والمروة، وهما جبلان يقعان إلى جانب
المسجد الحرام، وبينهما مسافة يقدر طولها بما يقارب أربعمأة
متر، ويجب السعي بينهما، بمعنى السير من أحدهما إلى الآخر،
ويعتبر فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة: -
1 - قصد القربة. 2 - الاخلاص. 3 - قصد اسمه الخاص
المميز له شرعا، وصورتها مثلا أن يقول: " أسعى بين الصفا
والمروة لعمرة التمتع من حجة الاسلام بقصد التقرب إلى الله
تعالى " وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج
مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام) وهكذا.
مسألة 164: لا تشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من
الخبث، ولا ستر العورة، ولا الختان، فيجوز أن يسعى بين الصفا
والمروة مع عدم توفر شيء من هذه الشروط في الساعي.
مسألة 165: يجب الاتيان بالسعي على الكيفية التالية:
الأولى: أن يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا متجها
نحو المروة، فإذا وصل إلى المروة اعتبر ذلك شوطا، ثم يبدأ من
المروة متجها نحو الصفا، فإذا وصل إلى الصفا اعتبر ذلك شوطا
183

آخر وهكذا يسير بينهما سبع مرات، ويسمى كل مرة منها
شوطا، أربع مرات ذاهبا من الصفا إلى المروة، وثلاث مرات
راجعا من المروة إلى الصفا، ويكون ختام سعيه بالمروة،
والأظهر اعتبار الموالاة بين الأشواط عرفا.
وقد تسأل: ان الصعود على الجبل الذي يمثل الصفا من
طرف والمروة من طرف آخر، هل يجب؟
والجواب: انه غير واجب، وإن كان ذلك أولى وأجدر.
وقد تسأل: ان السعي بينهما من الطابق العلوي هل هو
مجزئ، أو لابد أن يكون من الطابق السفلي؟
والجواب: يجزي السعي بينهما من الطابق العلوي أيضا.
مسألة 166: يجب على الساعي أن يستقبل المروة عند
الذهاب إليها عرفا، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من
المروة اليه كذلك، فلو استدبر المروة عند الذهاب من الصفا
إليها، أو استدبر الصفا عند الذهاب من المروة اليه، بأن مشى
القهقري لم يجزئه ذلك، وكذلك إذا سعى بينهما على يمينه أو
يساره مستقبلا الكعبة، أو مستدبرا، ولا بأس بالالتفات إلى
اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب، ويجب أيضا
أن يكون السعي بينهما من المبدأ إلى المنتهى، فلو خرج من
المسعى ودخل في المسجد أو مكان آخر، ومنه ذهب إلى
184

المروة أو إلى الصفا لم يجزئه، نعم لا يعتبر أن يكون السير من
المسعى بخط مستقيم.
مسألة 167: موضع السعي بين الصفا والمروة من الناحية
الزمانية بعد الطواف وصلاته، فلو قدمه عليهما عامدا وملتفتا
بطل، فتجب اعادته بعد الاتيان بهما، وإذا نسي الطواف وتذكره
بعد سعيه أعاد الطواف، ولا تجب عليه إعادة السعي، وقد تقدم
حكم من نسي الطواف أو بعض أشواطه وتذكره أثناء السعي في
الفقرة (5) من أحكام الطواف.
مسألة 168: من بدأ السعي من المروة إلى الصفا، فان كان
في شوطه الأول ألغاه، وبدأ من الصفا إلى المروة، وإن كان بعده
الغى الكل واستأنف السعي من جديد، ولا فرق بين أن يكون
ذلك عن علم وعمد، أو عن جهل، أو نسيان.
مسألة 169: يجب على الساعي أن يباشر السعي بين الصفا
والمروة بنفسه، ولا تجوز له الاستنابة مع التمكن من المباشرة،
ولا يلزم بالسعي ماشيا وبامكانه السعي راكبا أو محمولا كيفما
أحب وشاء، ولو تعذر ذلك كله استناب غيره للسعي عنه.
مسألة 170: يجوز له الجلوس على الصفا أو المروة، أو
بينهما للاستراحة شريطة أن لا تختل به الموالاة العرفية، كما
185

يجوز له قطع السعي لشرب ماء أو لتطهير شيء، أو غير ذلك بما
لا يضر بالموالاة عرفا.
أحكام السعي
مسألة 171: إذا ترك السعي عامدا، أي بدون نسيان أو
غفلة حتى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطلت عمرته
واحرامه، وبالتالي حجه، سواء أكان عالما بوجوب السعي أو
جاهلا بذلك.
مسألة 172: إذا ترك السعي نسيانا أتى به عند التذكر، وإن
كان تذكره بعد الفراغ من اعمال الحج وإن لم يتمكن منه مباشرة،
أو كان فيه حرج أو مشقة لزمته الاستنابة.
مسألة 173: إذا لم يكن الساعي متمكنا من السعي بنفسه
ومباشرة ولو راكبا أو محمولا فعليه الاستنابة كما مر.
مسألة 174: يجوز له تأخير السعي عن الطواف وصلاته
بفترة طويلة من نفس اليوم، بل الأظهر جوازه إلى الليل مطلقا
وإن لم يكن فيه تعب في النهار. نعم لا يجوز تأخيره اختيارا إلى
الغد، فلو أخره إلى الغد عامدا وملتفتا بطل سعيه.
مسألة 175: إذا زاد في سعيه عامدا وعالما بطل سعيه، ولو
زاد جاهلا أو ناسيا لم يبطل، ونقصد بالزيادة هنا نظير ما تقدم
186

في الطواف، بأن يأتي بالشوط الثامن بقصد أنه جزء من السعي،
فلو أتى به كعمل مستقل لم يضر وإن وقع عقيب السعي.
مسألة 176: إذا زاد في سعيه خطأ صح سعيه، وإذا كان
الزائد شوطا كاملا استحب له أن يضيف اليه ستة أشواط أخرى
حتى يكون سعيا كاملا، ويكون ختامه عند الصفا، وإذا كان
الزائد أكثر من شوط واحد، فهل يستحب اكماله لكي يكون
سعيا كاملا؟
والجواب: انه غير بعيد.
مسألة 177: إذا نقص الساعي من أشواط السعي عامدا
وعالما بالحكم أو جاهلا بذلك، ولم يكن بامكانه تداركه حتى
مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطل حجه، ولزمته
الإعادة من قابل، (ودعوى) ان وظيفته في هذه الحالة تنقلب من
حجة التمتع إلى حج الافراد (مدفوعة) بان الحج إذا بطل بطل
احرامه أيضا، وانقلابه إلى احرام حج الافراد أو العمرة المفردة
بحاجة إلى دليل.
مسألة 178: إذا نقص من أشواط سعيه نسيانا وجب عليه
التدارك متى تذكر باكمال السعي وتكميل النقص، وإن كان
التذكر بعد الفراغ من اعمال الحج أو الرجوع إلى بلدته وجب
عليه ان يرجع بنفسه لتكميل السعي وان لم يتمكن من ذلك
187

بنفسه استناب غيره لذلك، والأولى في هذه الصورة أن يأتي
بنفسه أو بنائبه بسعي كامل بقصد الأعم من التكميل
والاستيناف، ولا فرق في ذلك بين أن يكون نسيانه بعد اتمام
الشوط الرابع أو قبله، هذا إذا كان حافظا للشوط المنسي، والا
بطل سعيه وعليه استئنافه من جديد.
مسألة 179: إذا نقص من أشواط سعيه في عمرة التمتع
نسيانا فاحل باعتقاد انه فرغ من السعي، فعليه كفارة بقرة على
الأظهر، بدون فرق في ذلك بين أن يكون احلاله بتقليم الأظفار،
أو قص الشعر، أو غيره، وحينئذ فإن كان حافظا للشوط المنسي
وجب تداركه بتكميل النقص، وإلا وجب استئنافه من جديد.
الشك في السعي
مسألة 180: يجب على الساعي أن يضبط عدد أشواط
السعي، فلو شك فيه بطل سعيه، إلا في حالتين: (الأولى) أن
يكون شكه في الأشواط زيادة ونقيصة، أو نقيصة فقط بعد
التقصير شريطة احتمال انه كان حين العمل ملتفتا إلى ما يعتبر
في صحة السعي، (الثانية) ان يكون شكه في الزيادة فقط، وقد
حدث وهو على المروة، فلا يدري ان الشوط الذي انتهى عنه
فعلا هل هو السابع أو أكثر منه، وأما في غير هاتين الحالتين
188

فالشك فيه مبطل مهما كان نوعه وشكله وبذلك يظهر ان حكم
الشك في عدد أشواط السعي حكم الشك في عدد أشواط
الطواف.
آداب السعي ومستحباته
مسألة 181: يستحب للساعي أن يصعد على الصفا
بنحو ينظر إلى البيت لو لم يكن حاجب ويتوجه إلى الركن
الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد الله عز وجل، واثن عليه، ثم
اذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره،
ثم كبر الله سبعا، واحمده سبعا، وهلله سبعا، وقل: " لا اله إلا الله،
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو
حي لا يموت وهو على كل شيء قدير " ثلاث مرات، ثم صل
على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقل: " الله أكبر الحمد لله على ما هدانا، والحمد
لله على ما أولانا، والحمد لله الحي القيوم، والحمد لله الحي
الدائم " ثلاث مرات. وقل: " أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو
كره المشركون " ثلاث مرات. " اللهم اني أسألك العفو والعافية
واليقين في الدنيا والآخرة " ثلاث مرات، " اللهم آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ثلاث مرات. ثم كبر
189

الله مأة مرة، وهلل مأة مرة، واحمد الله مأة مرة، وسبح مأة مرة،
ويقول: " لا إله إلا الله وحده وحده وانجز وعده، ونصر عبده
وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد وحده وحده،
اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت، اللهم اني أعوذ بك
من ظلمة القبر ووحشته، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا
ظل إلا ظلك " وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك، ثم
يقول: " استودع الله الرحمن الرحيم الذي لا يضيع ودائعه ديني
ونفسي، وأهلي، اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك،
وتوفني على ملته، وأعذني من الفتنة " ثم يكبر ثلاثا ثم يعيدها
مرتين ثم يكبر واحدة، ثم يعيدها، فان لم يستطع هذا فبعضه.
وفي رواية إذا صعد الصفا استقبل الكعبة، ثم يرفع يديه،
ثم يقول: " اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط، فان عدت فعد علي
بالمغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله
فإنك ان تفعل بي ما أنت أهله ترحمني، وان تعذبني فأنت غني
عن عذابي، وأنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى
رحمته ارحمني، لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنا
أهله تعذبني ولن تظلمني، أصبحت اتقي عدلك، وأخاف
جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني " ويستحب ان يسعى
بين الصفا والمروة ماشيا، وأن يمشي على سكينة ووقار
وخضوع وخشوع حتى يأتي محل المنارة الأولى، فيهرول إلى
190

محل المنارة الأخرى، ثم يمشي مع سكينة ووقار حتى يصعد
على المروة فيصنع عليها كما صنع على الصفا.
التقصير
مسألة 182: وهو الواجب الخامس والأخير من عمرة
التمتع، ومعناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو
لحيته أو شاربه ناويا به التقصير لعمرة التمتع من حجة الاسلام
مثلا قربة إلى الله تعالى، ولا يكفي النتف عن التقصير، ولا
يجزي حلق الرأس، بل يحرم عليه الحلق.
مسألة 183: موضعه من الناحية التسلسلية بعد السعي،
ولكن لا تجب المبادرة اليه بعده، ويجوز فعله في أي موضع
شاء، سواء أكان في المسعى أم في منزله أم غيرهما.
مسألة 184: حكم من ترك التقصير متعمدا، فاحرم للحج
بطلان عمرته، سواء أكان عالما بالحكم أم جاهلا به وتحول
حجه من التمتع إلى الافراد، فيأتي باعمال حج الافراد، ثم يأتي
بعمرة مفردة بعد الحج.
وقد تتساءل عن ان حج الافراد هل يجزي عن حج
التمتع؟
والجواب: انه يجزي على الأظهر، وإن كان الاحتياط
191

بالإعادة في السنة القادمة أولى وأجدر.
مسألة 185: من ترك التقصير نسيانا فاحرم للحج صحت
عمرته، والأحوط لو لم يكن أقوى وجوب التكفير عليه بشاة.
مسألة 186: إذا قصر المحرم رجلا كان أم امرأة في عمرة
التمتع حل له جميع ما كان يحرم عليه بسبب احرامه ما عدا
الحلق، وأما الحلق فان كان المكلف قد أتى بعمرة التمتع في
شهر شوال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوما من يوم عيد
الفطر، واما إذا أتى بها خلال شهر ذي القعدة وما بعده إلى حين
الاحرام للحج، فالأظهر أن لا يحلق حتى بعد الاحلال
بالتقصير، وإذا حلق عامدا وملتفتا كفر بشاة. وإذا كان ذلك
جاهلا فلا شيء عليه.
وقد تسأل: ان المعتمر في عمرة التمتع إذا كان ملبدا أو
معقوصا هل عليه التقصير أيضا أو الحلق؟
والجواب: ان عليه التقصير دون الحلق.
مسألة 187: إذا جامع الرجل المحرم امرأته بعد السعي
وقبل التقصير جاهلا بالحكم، فالأظهر ان عليه كفارة ناقة أو
جمل.
مسألة 188: يحرم التقصير على المعتمر قبل الفراغ من
السعي، فلو فعله عامدا وعالما وجبت الكفارة عليه وأما إذا فعله
192

جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه.
مسألة 189: لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع، ولا
بأس بالاتيان به رجاء.
احرام الحج
مسألة 190: الاحرام للحج هو الواجب الأول من
واجبات حج التمتع، وخصائص هذا الإحرام متمثلة في النقاط
التالية:
الأولى: نيته، وصورتها - مثلا - " احرم لحج التمتع من
حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب
عنه، وإذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام).
الثانية: صورة احرام الحج صورة احرام عمرة التمتع في
الكيفية والشروط والعناصر التي يجب توفيرها فيه، وقد تقدم
توضيح جميعها في احرام عمرة التمتع، ولا اختلاف بين
الإحرامين إلا في النية.
الثالثة: موضعه من الناحية المكانية مكة المكرمة، ويراد
بها البلدة على امتدادها طولا وعرضا، فالأحياء الجديدة التي
تشكل الامتداد والتوسعة لمكة وتعتبر جزءا منها عرفا، يجوز
الاحرام فيها، ولا يجوز الاحرام من بلدة أو قرية أخرى التي لها
193

عنوانها المتميز والخاص وان اتصلت بمكة من طريق توسعة
العمران.
الرابعة: زمانه، يجب على الحاج أن يحرم قبل زوال اليوم
التاسع من ذي الحجة على نحو يتمكن من ادراك الوقوف
الواجب بعرفات، ولا يجوز التأخير عن ذلك، والأفضل أن
يحرم في اليوم الثامن، ويمكنه أن يحرم قبل اليوم الثامن بيوم أو
يومين أو ثلاثة أيام دون أكثر منها على الأظهر عامدا وملتفتا،
ولا فرق في ذلك بين الصحيح والمريض والشيخ الكبير، ولا
بين الرجل والمرأة، نعم إذا أراد أن يخرج من مكة بعد الفراغ من
عمرة التمتع اختيارا، أو لحاجة ضرورية إلى بلدة قريبة أو
بعيدة، فقد تقدم انه يجوز له الخروج إذا كان واثقا بعدم فوات
الحج منه، والأفضل أن يخرج منها محرما باحرام الحج وإن كان
قبل ذي الحجة.
وقد تسأل: هل يجوز تأخير الاحرام إلى ما بعد زوال يوم
عرفة بنحو لا يتمكن بعد الاحرام إلا من ادراك الركن وهو
مسمى الوقوف بعرفات بين الزوال والغروب؟
والجواب: انه لا يجوز، ولو اخر كذلك اعتبر آثما، وإن
كان لا يضر بحجه.
وقد تسأل: ان من أحرم للحج في أول ذي الحجة أو قبله
194

في شهر ذي القعدة جاهلا بالحكم أو ناسيا، هل يصح احرامه؟
والجواب: ان الصحة غير بعيدة.
وقد تسأل: هل يجوز ان يحرم للعمرة المفردة أثناء
اعمال الحج، كما إذا أحرم للحج قبل يوم التروية بيومين أو
ثلاثة أيام، ثم احرم للعمرة المفردة وأتى بها، وبعد ذلك يذهب
إلى عرفات؟
والجواب: لا يبعد جوازه.
الخامسة: حكمه: من ترك الاحرام نسيانا أو جهلا منه
بالحكم إلى أن خرج من مكة ثم التفت فان كان التفاته قبل
وصوله إلى عرفات وجب عليه الرجوع إلى مكة والاحرام منها،
فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من
موضعه، وإن كان بعد وصوله إليها، فهل يجب عليه الرجوع إلى
مكة إذا كان بامكانه ذلك؟ لا يبعد عدم وجوب الرجوع إليها، بل
يحرم من مكانه، وإن كان الأحوط والأجدر به الرجوع، وإذا
تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات لم يجب عليه
الرجوع جزما وإن تمكن ويحرم من مكانه، ولو لم يتذكر ولم
يعلم بالحكم إلى أن فرغ عن الحج صح حجه ولا شيء عليه.
السادسة: من ترك الاحرام عامدا وعالما بالحكم وجب
عليه أن يتداركه، فان تدارك قبل الوقوف بعرفات صح حجه ولا
195

شيء عليه، وإن لم يتمكن من تداركه قبل الوقوف بها بطل
حجه، وعليه الإعادة في السنة القادمة.
السابعة: من أحرم لحج التمتع فالأحوط أن لا يطوف
حول البيت طوافا مندوبا قبل الخروج إلى عرفات، ولو طاف
جدد التلبية بعد الطواف.
آداب إحرام الحج
مسألة 191: احرام الحج يشارك احرام العمرة فيما له
من آداب ومستحبات، وقد تقدم ذكرها في احرام العمرة،
ويستحب لمن احرم للحج وخرج من مكة ملبيا في طريقه أن
يرفع صوته إذا اشرف على الأبطح، فإذا توجه إلى منى بسكينة
ووقار، يقول: " اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو، فبلغني أملي،
وأصلح لي عملي " فإذا وصل إلى منى قال: " الحمد لله الذي
أقدمنيها صالحا في عافية، وبلغني هذا المكان " ثم يقول: " اللهم
هذه منى، وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن
علي بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك في قبضتك "
ويستحب له المبيت في منى في ليلة عرفة، ويقضي تلك الليلة
في عبادة الله تعالى وطاعته والصلاة في مسجد الخيف والتعبد
فيه تمام الليلة، فإذا طلع الفجر صلى صلاة الفجر في منى،
196

وعقب إلى طلوع الشمس، ثم اتجه إلى عرفات مارا من وادي
محسر، ولا بأس أن يخرج من منى قبل طلوع الشمس، ولكن
ينبغي أن لا يتجاوز وادي محسر قبل طلوع الشمس، ولا اثم
عليه لو تجاوز، ولو شاء أن يخرج من منى قبل طلوع الفجر فلا
بأس، ولا اثم عليه أيضا، غير أن ذلك مكروه، كل هذا فيما لو
اتجه من مكة إلى منى، وأما إذا سلك طريقا إلى عرفات لا يمر
بمنى كما هو الغالب، في الطريق العام للحجاج في الفترة
المعاصرة، فلا اثم عليه، فإذا توجه الحاج إلى عرفات قال: " اللهم
إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت، فأسألك أن
تبارك لي في رحلتي، وأن تقضى لي حاجتي، وأن تجعلني ممن
تباهي به اليوم من هو أفضل مني " ثم يكرر التلبية إلى أن يصل
إلى عرفات.
الوقوف بعرفات
مسألة 192: الواجب الثاني من واجبات حج التمتع
الوقوف بعرفات، والمراد منه التواجد فيها من دون فرق بين أن
يكون تواجده فيها راكبا أو راجلا، واقفا أو قاعدا، أو على أية
حالة أخرى.
مسألة 193: تبعد عرفات عن مكة المكرمة القديمة
197

حوالي اثنين وعشرين كيلو مترا، وهي أبعد النقاط التي يجب
على الحاج أن يقصدها في حجه عن مكة، ثم يأخذ بعد ذلك
بالاقتراب من مكة بالانتقال من عرفات إلى المشعر، ومنه إلى
منى، وعرفات رقعة واسعة من الأرض وتكون خارج الحرم،
وتتصل حدودها به، ويفصل بينها وبين المشعر الحرام منطقة
تسمى بالمأزمين.
وقد حدد في الروايات الموقف بعرفات بنقاط متميزة
معروفة وقتئذ، كبطن عرنة، وثوية، ونمرة، وذي المجاز،
وبعض هذه الأسماء لا يزال موجودا أو منعكسا في الخرائط
المختصة بالموقف، ولا يزال مسجد نمرة موجودا ومتميزا
الآن، وكيف كان فالموقف لا يزال معلوما بحدوده وعلاماته
المنصوبة في أطرافه، ولا يجوز الوقوف في الأماكن المذكورة
والنقاط المحاذية للموقف بل لابد أن يكون الوقوف في مكان
محاط بتلك النقاط والأماكن، ولا فرق بين أن يكون في الجبل
أو السهل، وإن كان الأولى والأفضل أن يكون في السفح من
مسيرة الجبل.
مسألة 194: زمانه، الأقرب جواز البدء بالوقوف بعد زوال
الشمس من يوم عرفة بساعة إلى الغروب، وإن كان الأحوط
والأجدر به أن يقف من أول الظهر، والوقوف في تمام
198

هذه المدة واجب، يأثم المكلف بتركه، ولكن لا يبطل الحج إذا
اقتصر على الوقوف فترة قصيرة خلال هذه المدة، ويسمى هذا
بالوقوف الاختياري بعرفات. نعم لو ترك الوقوف بها رأسا
حتى في تلك الفترة القصيرة عامدا وملتفتا بطل حجه، وكذلك
إذا تركه عن جهل لا يعذر فيه.
مسألة 195: تجب النية في الوقوف بعرفات بتمام
عناصرها الثلاثة، من قصد القربة، وقصد الاخلاص، وقصد
اسمه الخاص المميز له شرعا، وصورتها - مثلا -: " أقف
بعرفات من الظهر أو بعده بساعة إلى غروب الشمس لحج
التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان مفردا بدل
كلمة " التمتع " بكلمة " الافراد "، وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب
عنه، وإذا كان الحج مندوبا اسقط كلمة (حجة الاسلام)، فلو كان
الحاج نائما أو مغمى عليه أو مغشيا من أول ظهر اليوم التاسع
إلى غروب الشمس لم يتحقق منه الوقوف الواجب.
مسألة 196: لا يجوز للحاج الإفاضة من عرفات - أي
الخروج منها - قبل غروب الشمس عامدا وملتفتا، وإذا خرج
كذلك اعتبر آثما وعليه كفارة جمل أكمل الخامسة، ينحره في
منى يوم العيد، وإن لم يتمكن صام ثمانية عشر يوما في مكة، أو
في الطريق، أو في بلدته، ولا تعتبر فيه الموالاة، ولكن لا يفسد
199

حجه، وإذا ندم ورجع فلا شيء عليه، وإذا خرج من عرفات قبل
الغروب جاهلا أو ناسيا وجب عليه الرجوع عند العلم أو
التذكر، وإن لم يرجع عامدا وعالما فهل عليه كفارة؟
والجواب: الأظهر انه لا كفارة عليه، هذا إذا تمكن من
الرجوع، وأما إذا لم يتمكن منه بعد الالتفات فلا شيء عليه
جزما.
وقد تسأل: ان الخروج من عرفات قبل غروب الشمس لا
بقصد الإفاضة هل هو جائز؟
والجواب: انه جائز شريطة أن يكون واثقا ومتأكدا
بالرجوع إليها قبل الغروب.
مسألة 197: من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات،
وهو الوقوف في برهة قصيرة خلال النهار نسيانا أو جهلا يعذر
فيه أو غيره من الأعذار، كتأخر وصوله إلى مكة وجب عليه
الوقوف الاضطراري، وهو الوقوف في برهة من ليلة العيد، وإذا
فعل ذلك صح حجه ولا شيء عليه.
مسألة 198: إذا ثبت هلال ذي الحجة عند قاضي أهل
السنة، وحكم بذلك ولم يثبت عندنا، فلذلك صور:
الأولى: ما إذا احتمل كون حكمه مطابقا للواقع، ففي هذه
الحالة تجب المتابعة والوقوف والتواجد معهم في نقلة جماعية
200

زمانا ومكانا، ولا تجوز المخالفة لهم، وإن لم تكن هناك تقية.
وقد تسأل: ان من خالف في هذه الحالة ولم يقف معهم
بعرفات، ووقف في اليوم الثاني فهل يجزي؟
والجواب: ان الاجزاء لا يخلو عن اشكال، بل منع، لأن
وظيفته الواقعية هي الوقوف معهم، دون الوقوف في اليوم
التالي الذي هو أيضا مشكوك كونه يوم عرفة.
الثانية: ما إذا علم بعدم مطابقة حكمه للواقع، مع افتراض
عدم التمكن من المخالفة للتقية، ففي هذه الحالة أيضا لا اشكال
في وجوب المتابعة والوقوف معهم، وإنما الكلام في اجزاء
ذلك الوقوف، وهل انه مجزىء عن الوقوف في يوم عرفة؟
والجواب: لا يبعد الاجزاء، وإن كانت الإعادة في العام
القادم أحوط وأجدر.
الثالثة: نفس الصورة، ولكن لا تقية، بمعنى ان بامكان الشخص
أن يقف بعرفات والتخلف عنهم في الوقوف اعتياديا في يوم
عرفة بدون خوف وخطر، ففي هذه الحالة، هل يجوز له ترك
الوقوف معهم؟
والجواب: الأحوط وجوبا في تلك الحالة أن يجمع بين
الوقوف معهم والوقوف في يوم عرفة إن أمكن، وإلا فالأحوط
الإعادة في السنة الآتية إذا توفرت شروطها.
201

الرابعة: ان الوقوف إذا كان مخالفا للتقية كان مبغوضا، ولا
يمكن التقرب به.
آداب الوقوف بعرفات ومستحباته
مسألة 199: ان يوم عرفة يوم دعاء وتضرع وخضوع
وخشوع إلى الله تعالى، ويستحب أن يكون الحاج على طهارة،
وقد جاء في الحديث: " انما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ
نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة " ثم تأتي الموقف وعليك
السكينة والوقار، فاحمد الله وهلله ومجده واثن عليه وكبره مأة
مرة، واحمده مأة مرة، وسبحه مأة مرة، واقرأ: قل هو الله أحد مأة
مرة وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء
ومسألة، وتعوذ بالله من الشيطان، فان الشيطان لن يذهلك في
موطن قط أحب اليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، وإياك أن
تشتغل بالنظر إلى الناس، واقبل قبل نفسك وتقول له: " اللهم اني
عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك من
الفج العميق " وتقول: " اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من
النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن
والإنس " وتقول: " اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا
تستدرجني " وتقول: " اللهم اني أسألك بحولك وجودك
202

وكرمك وفضلك ومنك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين
ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين، أسألك أن تصلي على
محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا " وتقول وأنت رافع
رأسك إلى السماء: " اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم
يضرني ما منعتني، والتي ان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني،
أسألك خلاص رقبتي من النار، اللهم اني عبدك وملك يدك
وناصيتي بيدك وأجلي بعلمك أسألك أن توفقني لما يرضيك
عني، وأن تسلم مني مناسكك التي أريتها خليلك إبراهيم (عليه السلام)
ودللت عليها نبيك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، اللهم اجعلني ممن رضيت
عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الموت حياة طيبة " وقد جاء
في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): " ألا أعلمك
دعاء يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء، فقال
علي (عليه السلام): بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فتقول: لا اله إلا الله وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت
ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير،
اللهم لك الحمد أنت كما تقول وخير ما يقول القائلون، اللهم
لك صلاتي وديني ومحياي ومماتي، ولك تراتي وبك حولي
ومنك قوتي، اللهم اني أعوذ بك من الفقر، ومن وسواس
الصدر، ومن شتات الأمر، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر،
203

اللهم إني أسألك من خير ما يأتي به الرياح، وأعوذ بك من شر ما
يأتي به الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار ".
وقد جاء في الحديث ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف بعرفات،
فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال: " اللهم إني أعوذ
بك من الفقر ومن تشتت الأمر، ومن شر ما يحدث بالليل
والنهار، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك، وأمسى خوفي مستجيرا
بأمانك، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك، وأمسى وجهي الفاني
مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل، ويا أجود من أعطى،
جللني برحمتك " ثم تطلب حاجتك وتسأل ما شئت. وقد جاء
في الحديث: إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل: " اللهم لا تجعله
آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه من قابل أبدا ما أبقيتني،
واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي
بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك وحجاج بيتك الحرام،
واجعلني اليوم من أكرم وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت
أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة،
وبارك لي فيما ارجع اليه من أهل ومال أو قليل أو كثير، وبارك
لهم في " وينبغي للحاج أن يدعو في هذا اليوم بما أحب،
وبالمأثور من الأدعية كدعاء الإمام الحسين (عليه السلام)، ودعاء الإمام
زين العابدين (عليه السلام)، وسيأتي نص الدعاءين في آخر هذا الكتاب
إن شاء الله تعالى.
204

الوقوف في المشعر - المزدلفة
مسألة 200: وهذا هو الواجب الثالث من واجبات حج
التمتع، يجب على الحاج الوقوف فيه بعد الإفاضة من عرفات،
اي الخروج منها بعد غروب الشمس متجها نحو المشعر
الحرام، ويراد بالوقوف التواجد فيه، سواء أنام أم لم ينم، وهو
اسم لفسحة من الأرض تسمى بالمزدلفة، وتبعد عن مكة
القديمة حوالي عشر كيلومترات، وتكون داخل الحرم، وحد
الموقف طولا من المأزمين إلى وادي محسر، وهما حدان
وليسا من الموقف إلا عند الزحام وضيق الوقت، وحينئذ فتمتد
رقعة الموقف وتشمل المأزمين، وهي المنطقة الواقعة بين
المشعر وعرفات.
مسألة 201: تعتبر في الوقوف بالمشعر الحرام النية،
وصورتها - مثلا - " أقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس لحج التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى "
وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحبا اسقط
كلمة (حجة الاسلام).
مسألة 202: قد تسأل: ان من أفاض من عرفات متجها
نحو المشعر الحرام، هل يجب عليه أن يبيت ليلة العيد فيه؟
205

والجواب: ان ذلك وإن كان مشهورا بين العلماء، ولكنه لا
يخلو عن اشكال بل منع، والأظهر عدم وجوب ذلك فان
الواجب هو تواجده فيه بين الطلوعين.
مسألة 203: المشهور بين العلماء انه لا يجوز الخروج من
المشعر قبل طلوع الشمس، ولكن لا يبعد جواز الخروج منه
قبل طلوعها بقليل بنحو لا يجتاز من وادي محسر إلا أن تطلع
عليه الشمس.
مسألة 204: الوقوف بالمشعر الحرام بمعنى التواجد فيه
من طلوع الفجر من يوم العيد، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة
إلى طلوع شمس ذلك اليوم واجب، إلا أن الحج لا يختل
بالاخلال بالوقوف في بعض هذه المدة، إذ يكفي لصحة الحج
أن يقف برهة من الزمن بين الطلوعين ولو لم يستوعب تمام
المدة، ويسمى الوقوف بين الطلوعين بالوقوف الاختياري.
وقد تسأل: ان من وقف في المشعر الحرام فترة قصيرة
من ليلة العاشر، وترك الوقوف ما بين الطلوعين عامدا وعالما
بالحكم، فهل يصح حجه؟
والجواب: الأقرب انه صحيح، ولكنه عليه اثم وكفارة
جمل، وإن كان جاهلا بالحكم فعليه كفارة شاة، وإذا وقف في
المشعر بعد طلوع الفجر فترة قصيرة، ثم خرج منه قبل طلوع
206

الشمس متعمدا فان كان جاهلا بالحكم فلا شيء عليه، نعم إن
كان مقصرا فعليه اثم، وإن كان عالما به فعليه كفارة شاة.
مسألة 205: يجب على الحاج الوقوف في المشعر الحرام
بين طلوع الفجر من يوم العيد وطلوع الشمس، ويستثنى من
ذلك النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى،
فيجوز لهم بعد الوقوف في المزدلفة ليلة العيد فترة قصيرة، أن
يفيضوا منها ليلا قبل الفجر إلى منى، ويرموا جمرة العقبة ليلا.
مسألة 206: من لم يتمكن من الوقوف بين الطلوعين في
المزدلفة، وهو الوقوف الاختياري لنسيان أو لعذر آخر كعدم
توفر واسطة نقل، أو لغير ذلك، فإنه يجزيه أن يقف وقتا ما بين
طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويصح حجه حينئذ، ويسمى
هذا الوقوف بالوقوف الاضطراري.
ادراك الوقوفين أو أحدهما
مسألة 207: قد ظهر مما تقدم أن لكل من الوقوفين في
عرفات أو في المزدلفة وقتين، أحدهما الوقت الاختياري،
والآخر الوقت الاضطراري. فالوقت الاختياري للوقوف
بعرفات يمتد من زوال يوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى
الغروب، والوقت الاضطراري له يمتد من ليلة العيد - العاشر
207

من ذي الحجة - إلى الفجر، والوقت الاختياري للوقوف
بالمزدلفة يمتد من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع
الشمس، والوقت الاضطراري له يمتد من طلوع الشمس من
يوم العيد إلى الزوال.
مسألة 208: من لم يدرك الوقوف في الوقت الاختياري
بعرفات والمزدلفة معا فلذلك صور:
الأولى: انه مدرك للوقوف في الوقت الاضطراري في كلا
الموقفين معا، ففي هذه الصورة يصح حجه ولا شيء عليه. نعم
إذا كان عدم ادراكه الوقوف في الوقت الاختياري مستندا إلى
سوء اختياره وتسامحه واهماله بطل حجه ولم يعوض ادراكه
الوقوف في الوقت الاضطراري عن ذلك، وعليه الإثم والحج
في العام القادم.
الثانية: انه لم يدرك الوقوف بعرفات، ولا بالمزدلفة في
الوقت الاضطراري أيضا، ففي هذه الصورة لا حج له، وتنقلب
وظيفته إلى العمرة المفردة، فيطوف حول البيت بعنوان طواف
العمرة المفردة، ثم يأتي بركعتيه، وبعد ذلك يذهب إلى الصفا،
ويبدأ بالسعي من هناك فإذا أكمل سعيه قصر أو حلق، ثم يأتي
إلى المسجد ثانيا فيطوف طواف النساء، ويصلي ركعتيه،
وبذلك أكمل عمرته فيخرج عن الاحرام، ويحل له كل شيء
208

أحرم منه، ولا يجزي ذلك عن حجه، وعليه الاتيان به في السنة
القادمة شريطة أن لا تكون استطاعته وليدة تلك السنة، أو
تجددت له الاستطاعة بعد رجوعه من مكة أو كان الحج مستقرا
في ذمته.
الثالثة: انه مدرك للوقوف في الوقت الاختياري بعرفات،
والاضطراري بالمشعر، ففي هذه الصورة صح حجه ولا شيء
عليه، وكذلك إذا كان مدركا للوقوف في الوقت الاختياري
بالمشعر والاضطراري بعرفات.
الرابعة: انه لم يدرك الوقوف بعرفات في الوقت
الاختياري، ولا في الوقت الاضطراري، وأدرك الوقوف في
الوقت الاختياري بالمشعر الحرام فحسب، ففي هذه الصورة
هل يصح حجه؟ الظاهر انه صحيح.
وقد تسأل: ان من أدرك الوقوف في الوقت الاختياري
بعرفات، ولم يدرك الوقوف بالمشعر في الوقت الاختياري،
ولا في الوقت الاضطراري لسبب من الأسباب، فهل يصح
حجه؟
والجواب: لا يبعد صحته، وإن كان الأحوط والأجدر به
أن يجمع بين اتمامه والاتيان بعمرة مفردة بعد ذلك، والحج في
العام القابل.
209

الخامسة: انه أدرك الوقوف في الوقت الاختياري
بعرفات، ولكن لم يقف بالمشعر الحرام، وانما مر به مرورا في
طريقه إلى منى، ففي هذه الصورة ان كان جاهلا بالوقوف فيه
فحينئذ إن علم بالحال وهو في منى، وتمكن من الرجوع إلى
المشعر وإدراك الموقف الاضطراري فيه وجب، وإن لم يعلم
بالحال، أو علم بها ولكنه لم يتمكن من الرجوع إلى المشعر
وادراك الموقف ولو في الوقت الاضطراري صح حجه، وعليه
كفارة شاة، وإن كان عالما به فعليه كفارة جمل، وأما حجه
فالظاهر أنه صحيح.
السادسة: قد تسأل انه إذا أدرك الوقوف في الوقت
الاضطراري بالمشعر فحسب، ولم يدرك الوقوف بعرفات في
الوقت الاختياري، ولا في الوقت الاضطراري، فهل يصح
حجه؟
والجواب: لا يصح على الأظهر، وبذلك يظهر حكم من
أدرك الوقوف في الوقت الاضطراري بعرفات، ولم يدرك
الوقوف بالمشعر الحرام لا في الوقت الاختياري، ولا
الاضطراري، وفي كلتا الحالتين تنقلب وظيفته إلى العمرة
المفردة، ويأتي بها ويتحلل بما يتحلل به المعتمر، وعليه الحج
من قابل، على ما مر.
210

آداب الوقوف بالمشعر الحرام ومستحباته
مسألة 209: ويستحب للحاج عند الإفاضة من عرفات
إلى المشعر أن يتحلى بالسكينة والوقار، ويتضرع إلى الله تعالى،
ويطلب منه خير الدنيا والآخرة، وأن يؤجل المغرب والعشاء
إلى حين وصوله إلى المشعر، فيجمع بينهما بأذان وإقامتين.
وقد جاء في الحديث: " لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة،
وتقول: اللهم هذه جمع، اللهم اني أسألك أن تجمع لي فيها
جوامع الخير، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن
تجمعه لي في قلبي، واطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أولياءك
في منزلي هذا، وأن تقيني جوامع الشر ". وإن استطعت أن تحيى
تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة
لأصوات المؤمنين، لهم دوي كدوي النحل، يقول الله جل ثناؤه:
" أنا ربكم وأنتم أديتم حقي، علي أن استجيب لكم "، فيحط تلك
الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له.
ويستحب للحاج أن يكون على طهر بعد صلاة الفجر،
فيقف ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، ويذكر من آلائه وبلائه
ما يقدر عليه، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقول: " اللهم رب
المشعر الحرام فك رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك
الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير
211

مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسؤول، ولكل وافد جائزة
فاجعل جائزتي في موطني هذا، وأن تقيلني عثرتي، وتقبل
معذرتي، وان تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا
زادي " ثم أفض حيث يشرف لك ثبير، وترى الإبل مواضع
أخفافه.
واجبات يوم العيد
مسألة 210: إذا طلعت الشمس يوم العيد في المشعر
انتهى ما على الحاج في هذا المكان، ولزمه التوجه نحو منى،
وحدها طولا من ناحية مكة العقبة، ومن ناحية المشعر وادي
محسر، وأما عرضا فليس لها حدود واضحة، والمرجع في
تعيينها أهل الخبرة من البلد، وهل يجوز الابتعاد عرضا إلى
نقاط يشك في كونها من منى؟
والجواب: لا يبعد جوازه عمليا، بمعنى أن كل ما يجب أن
يؤدي في منى يجوز أن يؤدى في تلك النقاط المشكوكة
بالشبهة المفهومية أيضا على ما تقدم، ويجب على الحاج في
منى أن يقوم بثلاثة واجبات في نهار يوم العيد: وهي: 1 - رمي
جمرة العقبة، 2 - والذبح أو النحر، 3 - والحلق أو التقصير.
ونذكرها فيما يلي تباعا:
212

رمي جمرة العقبة
مسألة 211: وهو الرابع من واجبات حج التمتع،
وجمرة العقبة اسم لموضع مخصوص، وهي واحدة من ثلاث
جمرات، ولا يجب في يوم العيد إلا رميها، وتعتبر فيه أمور:
الأول: النية، وصورتها مثلا: " ارمي جمرة العقبة سبعا في
حج التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان افرادا
بدل كلمة (حج التمتع) ب‍ (حج الافراد)، وإذا كان نائبا ذكر اسم
المنوب عنه، وإذا كان الحج مندوبا اسقط كلمة (حجة الاسلام).
الثاني: أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولا يجزئ الأقل
من ذلك، ولا ضرر في الزيادة، كما لا يجزئ الرمي بغيرها من
الأجسام.
الثالث: أن يكون رميها على نحو التتابع، يعني واحدة بعد
أخرى، لا دفعة واحدة.
الرابع: أن يكون ايصالها إلى الجمرة بالرمي، فلا يكفي
وضعها على الجمرة، ولا رميها مع سقوطها قبل الوصول إلى
الجمرة، نعم يجوز الاكتفاء بما إذا لاقت الحصاة في طريقها إلى
الجمرة شيئا ثم أصابت الجمرة، إلا إذا كان ذلك الشيء جسما
صلبا، وتكون اصابتها الجمرة مستندة إلى الطفرة من ذلك
213

الجسم الصلب لا إلى الرمي، فان ذلك لا يكفي، وكذلك إذا كان
المرمي ذلك الجسم لتطفر منه الحصاة إلى الجمرة.
الخامس: أن يقع الرمي بين طلوع الشمس وغروبها من
يوم العاشر من ذي الحجة، ويستثنى من ذلك من سبق أنهم
مرخصون في الإفاضة من المشعر في الليل، فإنهم مرخصون
في الرمي أيضا في تلك الليلة، ولا يبعد كونهم مرخصين في
الحلق أو التقصير أيضا في نفس الليلة. نعم لا يكونون
مرخصين في الذبح أو النحر فيها، بل لابد أن يكون ذلك في
النهار، وهذا بخلاف الخائف، فإنه كما يكون مرخصا في
الإفاضة من المشعر في الليل، كذلك يكون مرخصا في الاتيان
بتمام اعمال منى يوم العيد في تلك الليلة.
مسألة 212: إذا شك في إصابة الحصاة الجمرة وعدمها،
بنى على العدم، وألغى تلك الرمية من الحساب، ورمى جمرة
أخرى حتى يستيقن بالإصابة، نعم إذا شك بعد دخوله في
واجب آخر مترتب عليه، أو كان بعد دخول الليل فلا يعتنى به.
مسألة 213: أن تكون الحصيات مأخوذة من الحرم،
ويستثنى من الحرم المسجد الحرام، ومسجد الخيف وان
تكون أبكارا على الأحوط الأولى، بمعنى عدم العلم بأنها كانت
مستعملة في الرمي قبل ذلك.
214

مسألة 214: قد تسأل: هل يجوز رمي الجمرة من الطابق
الثاني؟
والجواب: انه يجوز.
مسألة 215: إذا ترك الحاج رمي جمرة العقبة نسيانا أو
جهلا بالحكم، ثم التفت إلى الحال، فلذلك صور:
الأولى: أن يتذكر في نفس يوم العيد، فيؤديه، ولا تجب
عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج، من الذبح والحلق أو
التقصير والطواف.
الثانية: ان يتذكر في ليلة اليوم الحادي عشر أو نهاره، فيقضيه في
نهار اليوم الحادي عشر، ويفرق بينه وبين الرمي المفروض في
ذلك النهار بتقديم القضاء على الأداء بساعة، والأحوط الأولى
أن يجعل القضاء صباحا، والأداء عند الظهر، ولا تجب عليه
إعادة ما أتى به من أعمال الحج.
الثالثة: أن يتذكر بعد مضي اليوم الحادي عشر، وقبل
خروجه من مكة، فيجب عليه أن يرمي خلال أيام التشريق،
وهي تمتد من اليوم الحادي عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر،
وإذا كان في مكة وتذكر وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي
فيها.
وقد تسأل: انه إذا تذكر بعد انتهاء أيام التشريق وهو في
مكة، فهل يجب عليه الرجوع إلى منى والرمي منها.
215

والجواب: نعم يجب عليه الرجوع ما دام هو في مكة.
الرابعة: ان يتذكر بعد خروجه من مكة متجها إلى بلدته،
فهل يجب عليه الرجوع إلى منى؟
والجواب: لا يجب عليه الرجوع.
وقد تسأل: ان حكم الجاهل بوجوب الرمي يوم العيد هل
هو حكم الناسي في وجوب القضاء في اليوم الحادي عشر؟
والجواب: نعم ان حكمه حكم الناسي، بل لا فرق في
وجوب القضاء بين أن يكون ترك الرمي في يوم العيد نسيانا أو
جهلا أو لعذر آخر، بل وإن كان عامدا وملتفتا.
مسألة 216: إذا ترك الحاج رمي جمرة العقبة عامدا وعالما
بالحكم الشرعي، فان استمر على تركه بطل حجه، وان تداركه
قبل مضي وقته صح، وهل يجب عليه حينئذ أن يعيد ما أتى به
من اعمال منى المترتبة على الرمي؟
والجواب: لا يبعد عدم وجوب اعادتها، وإن كانت الإعادة
أحوط وأجدر.
مسألة 217: إذا طاف طواف الحج قبل رمي جمرة العقبة
عامدا وملتفتا إلى موضع الطواف من الناحية التسلسلية
ووجوبه، وحينئذ فان استمر على ترك الرمي بطل حجه، وان
تداركه قبل مضي وقته صح، وهل تجب عليه إعادة الطواف؟
والجواب: نعم تجب اعادته وإعادة ما بعده كالسعي.
216

مسألة 218: إذا ترك الحاج رمي جمرة العقبة عن علم
وعمد، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج قبل الحلق والذبح،
فعليه كفارة شاة، كما أن عليه أن يرجع إلى منى، ويرمي ويذبح،
ثم يحلق أو يقصر، وبعد ذلك يعود إلى مكة، ويعيد الطواف
قبل مضي الوقت، فان فعل ذلك صح حجه، وإلا بطل. وكذلك
إذا رمى جمرة العقبة ولكنه ترك الحلق أو التقصير عامدا وعالما
بتسلسل الأعمال، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج، وسعى
بين الصفا والمروة، فان عليه دم شاة، ووجوب أن يرجع إلى
منى، ويحلق أو يقصر فيها، ثم يعيد الطواف والسعي فان صنع
ذلك صح حجه، وإلا فسد.
آداب رمي الجمرات
مسألة 219: يستحب أن يكون الحاج على طهارة في
حال الرمي، وإذا أخذ حصاة الجمار وأتى الجمرة القصوى التي
عند العقبة رماها من قبل وجهها، اي مستدبر القبلة، ويقول
والحصى بيده: " اللهم هؤلاء حصياتي فاحصهن لي، وارفعهن
في عملي " ثم يرمي فيقول مع كل حصاة: " الله أكبر، اللهم ادحر
عني الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك، وعلى سنة نبيك، اللهم
اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا، وسعيا مشكورا، وذنبا
217

مغفورا " فإذا رجع من الرمي قال: " اللهم بك وثقت، وعليك
توكلت، فنعم الرب ونعم المولى، ونعم النصير ".
الذبح والنحر في منى
وهو الخامس من واجبات حج التمتع.
مسألة 220: موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا ضاقت
منى بالناس وتعذرت ممارسة الواجبات فيها اتسعت رقعة منى
شرعا فشملت وادي محسر، وعليه فإذا انجز الناس واجبات
منى في الوادي كفى، وهي منطقة بين منى والمشعر، وتفصل
الأولى عن الثانية، وإذا تعذر الذبح في منى بسبب منع السلطات
وتعيين المجازر خارج منى جاز للحاج أن يذبح في تلك
المجازر، أو في مكة شريطة أن لا يتمكن من الذبح في منى
طول ذي الحجة بسبب أو آخر وإلا وجب التأخير، وإذا ذبح في
غير منى جهلا بالحكم، أو نسيانا، أو لاعتقاد أن المكان الفلاني
الذي يذبح فيه من منى، فلا يبعد صحة ذبحه.
وقد تسأل: انه إذا شك في نقطة أنها من منى أو لا، فهل
يجزي الذبح أو النحر فيها؟
والجواب: ان هذا الشك ان كان من جهة الشبهة المفهومية
لا يبعد اجزاؤه فيها، توضيح ذلك: ان حدود منى طولا وإن
218

كانت معينة، فإنها من ناحية مكة العقبة، ومن ناحية المشعر
وادي محسر، إلا أن حدودها عرضا غير واضحة، وعلى هذا فإذا
شك في نقاط في عرض منى أنها داخلة فيها أو خارجة عنها، لا
يبعد ترتيب آثار منى عليها عمليا، باعتبار أن منى اسم لواقع
المكان المسمى بمنى، وحينئذ فيكون الواجب ايقاع الذبح
والحلق أو التقصير في واقع المكان، وهو مردد بين السعة
والضيق، فاذن بطبيعة الحال يدور أمر التكليف بين الأقل
والأكثر، وحيث ان الدليل المخصص، وهو ما دل على اعتبار
كون الذبح والحلق أو التقصير بمنى مجمل مفهوما، فلا يكون
حجة إلا في المقدار المتيقن، وهو عدم اجزاء هذه الواجبات في
النقاط التي لا تكون من منى يقينا، وحينئذ فيكون المرجع في
النقاط المشكوكة الأصل اللفظي إن كان، وإلا فالأصل العملي،
ومقتضاه كفاية الذبح والحلق فيها، وتوضيح ذلك بأكثر من هذا
في محله.
مسألة 221: موضعه من الناحية الزمانية يوم العيد على
الأحوط، فإذا لم يأت به في ذلك اليوم عامدا أو غير عامد،
فالأحوط أن يأتي به خلال أيام التشريق، وهي اليوم الحادي
عشر والثاني عشر والثالث عشر، وإذا لم يأت به خلال تلك
الأيام وجب عليه أن يأتي به خلال شهر ذي الحجة.
219

مسألة 222: موضعه من ناحية تسلسل الواجبات بعد
الرمي وان قدمه على الرمي جاهلا أو ناسيا صح، ولم يحتج إلى
الإعادة، وإن قدمه عليه عامدا وملتفتا بوجوب البدء بالرمي أولا،
فهل عليه أن يعيده بعد أن يرمي؟ لا يبعد عدم وجوب الإعادة،
وإن كانت الإعادة أحوط وأجدر.
وقد تسأل: ان من لم يتمكن من الذبح أو النحر في منى
يوم العيد بسبب من الأسباب فهل عليه أن يؤخر الحلق أو
التقصير أيضا؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك.
وقد تسأل: هل يجوز تأخير الذبح أو النحر في منى عن
يوم العيد؟
والجواب: انه غير بعيد وإن كانت رعاية الاحتياط أولى
وأجدر.
مسألة 223: تجب فيه النية عند المباشرة، أو عند التوكيل،
بأن ينوي مثلا " أذبح الشاة لحج التمتع من حجة الاسلام قربة
إلى الله تعالى "، وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجا
مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام).
مسألة 224: من لم يتمكن من الذبح أو النحر بمنى في يوم
العيد بسبب من الأسباب، فهل يجوز له انجاز هذه العملية
خارج منى كمكة أو نحوها؟
220

والجواب: ان عدم التمكن من ذلك إن كان من جهة أن منى
قد ضاقت بالناس وتعذر انجاز هذه العملية فيها، فحينئذ بما أن
رقعة منى قد توسعت شرعا فتشمل وادي محسر فعليه أن يقوم
بانجازها في الوادي، ولا يجوز في الخارج. نعم إذا لم يتمكن
من انجازها فيه أيضا يجوز في مكة أو غيرها. وإن كان من جهة
منع السلطات عن الذبح في منى وتعيينها مجازر خارج منى،
فهل يجوز له حينئذ الذبح في تلك المجازر، أو في مكة أو
غيرها؟
والجواب: انه إن كان مأيوسا عن التمكن من الذبح في منى
إلى آخر ذي الحجة ولو لسبب أنه لا يتمكن من البقاء في مكة،
جاز له الذبح في خارج منى، وإن علم انه متمكن منه فيها خلال
أيام التشريق أو إلى آخر ذي الحجة وجب التأخير والذبح فيها
كما مر.
مسألة 225: إذا ترك الحاج الذبح أو النحر في يوم العيد
عامدا وملتفتا إلى موضعه التسلسلي، وأتى بسائر واجبات الحج
من الحلق أو التقصير والطواف، فان استمر على تركه بطل
حجه، وإن تداركه قبل مضي وقته صح، وهل تجب عليه إعادة ما
أتى به من الأعمال المترتبة عليه؟
والجواب: تجب إعادة الطواف، وأما الحلق أو التقصير
221

فعدم وجوب اعادته لا يخلو عن قوة، وإن كان الأحوط
والأجدر الإعادة.
وإذا تركه نسيانا أو جهلا بالحكم، ثم تذكر وجب عليه
تداركه وإن كان التذكر في آخر ذي الحجة، وهل تجب عليه
إعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة عليه؟
والجواب: لا تجب حتى الطواف وما بعده في هذه الحالة.
مسألة 226: يجب أن يكون الهدي من أحد الانعام الثلاثة،
الإبل والبقر والغنم، ولا يجزي من الإبل إلا ما أكمل السنة
الخامسة، ودخل في السادسة، ولا يجزي من البقر والمعز إلا ما
أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط، ولا يجزي من
الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والأحوط أن
يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية، وإذا تبين له بعد
الذبح انه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك، ولزمته
الإعادة.
ويعتبر في الهدي أن يكون تام الأعضاء، فلا يجزئ
الأعور والأعرج والمقطوع اذنه والمكسور قرنه من الداخل
والخصي، وأن لا يكون مهزولا عرفا، والأحوط الأولى أن لا
يكون مريضا ولا موجوءا، ولا مرضوض الخصيتين، ولا كبيرا
لا مخ له، ولا فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته، ولا بأس بأن
222

يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها، وإذا لم يتيسر الهدي الواجد
لكل هذه الشروط أجزأه ما تيسر له من الهدي، ولا يجوز أن
يشترك شخصان يقومان بحجة الاسلام في هدي واحد، بل
لابد من ذبيحة مستقلة لكل منهما.
مسألة 227: إذا اشترى هديا باعتقاد سلامته فنقد ثمنه، ثم
علم أن به عيبا فالظاهر جواز الاكتفاء به.
مسألة 228: إذا اشترى هديا باعتقاد أنه سمين فبان مهزولا
أجزأه وإن كان الانكشاف قبل الذبح أو النحر، ولا فرق في ذلك
بين أن يملك الهدي بالشراء أو الإرث أو الهبة.
مسألة 229: إذا ذبح الهدي وبعد الذبح شك في أنه كان
واجدا للشروط أو لا، يحكم بصحته وعدم وجوب الإعادة
شريطة احتمال أنه كان ملتفتا في وقت الذبح إلى ما يعتبر في
صحته، وكذلك إذا شك بعد الذبح انه كان بمنى أو كان في محل
آخر، نعم إذا شك في نقطة أنها من منى أو لا، فان كان ذلك بنحو
الشبهة الموضوعية لم يكف الذبح فيها، وإن كان بنحو الشبهة
المفهومية فلا يبعد الكفاية كما تقدم، وإذا شك في أصل الذبح
فان كان الشك بعد الدخول في الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه
تطبيقا لقاعدة التجاوز.
مسألة 230: إذا شك الحاج في هزال هديه فذبحه امتثالا
لأمر الله تعالى رجاء، وبعد الذبح ظهر أنه كان سمينا أجزأه ذلك.
223

مسألة 231: إذا اشترى هديا سليما وصحيحا، وبعد الشراء
مرض وصار مهزولا، أو اصابه كسر في رجله أو قرنه من
الداخل أو غير ذلك أو عيب كما إذا صار أعور أو أعرج أو
مقطوع الاذن، فهل يجزي ذبحه، أو يجب عليه تبديله بالهدي
السالم؟
والجواب: انه يجزي.
مسألة 232: إذا ضل هديه ثم اشترى مكانه هديا آخر فان
وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأول، وأما الثاني فهو بالخيار ان
شاء ذبحه، وإن شاء لم يذبحه، فإنه كسائر أمواله، وإن وجد بعد
ذبحه الثاني ذبح الأول أيضا، هذا إذا لم يكن الثاني أفضل من
الأول كما وكيفا، وأما إذا كان أفضل منه كما إذا كان الأول شاة
واشترى مكانها جملا أو شاة أخرى اسمن من الأول، فلا يبعد
الاجزاء، وإن كان الأحوط والأجدر ذبح الأول أيضا.
مسألة 233: إذا وجد شخص هديا ضالا وجب عليه
تعريفه إلى اليوم الثاني عشر والثالث عشر، فان لم يوجد صاحبه
ذبحه عصر اليوم الثالث عشر عن صاحبه بمنى.
مسألة 234: من لم يجد الهدي وتمكن من ثمنه فعليه أن
يدع ثمنه في مكة عند ثقة ليشترى به هديا، ويذبحه عنه في منى
إلى آخر ذي الحجة، فان مضى الشهر انتهى وقته، وحينئذ
فيجب عليه أن يذبحه في السنة القادمة.
224

مسألة 235: إذا لم يتيسر للحاج الهدي ولا ثمنه، فعليه
صيام عشرة أيام بديلا عنه، ثلاثة أيام في الحج، اليوم السابع
والثامن والتاسع من ذي الحجة، وسبعة أيام إذا رجع إلى بلدته،
والأظهر أن يكون صيام السبعة في بلدته متواليا، وهل يجوز أن
يكون صيام الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس باحرام عمرة
التمتع؟
والجواب: يجوز ذلك، ويجب التتابع في صيام الأيام
الثلاثة مطلقا، سواء أصام تلك الأيام في العشرة الأولى من ذي
الحجة أم بعد أيام التشريق، أم في العشرة الأخيرة، كان في
الطريق أم في مكة أم في بلدته، ولا تجزي إذا كانت متفرقة، وإذا
لم يرجع الحاج إلى بلده، وأقام بمكة فعليه أن يصبر حتى يرجع
أصحابه إلى بلدهم، أو يمضي شهر كامل ثم يصوم السبعة.
مسألة 236: من يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج، إذا
لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع، أخر إلى ما بعد أيام
التشريق، وحينئذ فان كان في مكة، صام ثلاثة أيام متتابعات
فيها، وإن لم يتمكن من البقاء فيها فان شاء صام الأيام الثلاثة في
الطريق، وإن شاء صامها في بلدته، ولا يجوز الجمع بين الثلاثة
والسبعة، بأن يصوم عشرة أيام متواليات، وإذا لم يصم الحاج
الثلاثة حتى أهل هلال محرم سقط الصوم عنه، وتعين عليه
الهدي في السنة القادمة.
225

مسألة 237: من كان في منى لممارسة اعمال الحج فيها، لا
يجوز له أن يصوم أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر
والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.
وقد تسأل: هل يجوز أن يصوم اليوم الثالث عشر في مكة
بعد الرجوع من منى؟
والجواب: انه يجوز، كما انه يجوز لغير الحاج أن يصوم
هذه الأيام الثلاثة في بلده أو مكان آخر.
مسألة 238: إذا تيسر له الهدي بعد يوم العيد خلال أيام
التشريق أو بعدها حتى في العشرة الأخيرة من ذي الحجة، فان
كان ذلك قبل صيامه الأيام الثلاثة في الحج، فلا اشكال في أن
وظيفته الهدي دون الصيام، وإن كان ذلك بعد صيام الأيام الثلاثة
فيه، فهل تكون وظيفته الهدي أيضا، أو الصيام؟ فالأظهر أنها
الهدي.
وقد تسأل: ان الحاج إذا ترك صيام الأيام الثلاثة في تمام
ذي الحجة، فهل يجب عليه الهدي في السنة القادمة، أو الصوم
في الشهر الآتي؟
والجواب: إن وظيفته الهدي في السنة الأخرى، ولا فرق
في ذلك بين أن يكون ترك صيامها عن اختيار أو نسيان أو
جهل، بل الأمر كذلك إذا كان تركها لعذر كالمرض أو نحوه.
226

وقد تسأل: ان المكلف إذا صام ثلاثة أيام في الحج، فهل
يجوز له أن يصوم سبعة أيام بعد ذي الحجة في بلده؟
والجواب: يجوز له ذلك، لأن صوم الأيام الثلاثة موقت
بذي الحجة دون صوم الأيام السبعة.
وقد تسأل: ان المكلف إذا نسي صيام الأيام الثلاثة في
مكة، ورجع إلى بلده وتذكر في وقت يتمكن من الهدي فيه،
فهل وظيفته حينئذ صيام تلك الأيام أو الهدي؟
والجواب: ان وظيفته الهدي.
وقد تسأل: ان المكلف إذا صام الأيام الثلاثة في ذي
الحجة، ثم مات في بلده إذا رجع قبل أن يصوم السبعة، فهل
يجب على وليه القضاء؟
والجواب: لا يجب.
وقد تسأل: ان من لم يتمكن من الهدي مستقلا، وتمكن
من الشركة فيه مع غيره، فهل تكون وظيفته الشركة أو الصيام؟
والجواب: ان وظيفته الصيام.
مسألة 239: إذا وكل الحاج شخصا في الذبح أو النحر عنه،
ثم شك في أنه ذبحه أو نحره أو لا، بنى على عدمه، إلا إذا كان
الوكيل ثقة وأخبره بذبحه أو نحره فإنه يكتفي به، أو حصل له
الاطمئنان بذلك.
227

مسألة 240: لا تعتبر شرائط الهدي في الكفارة.
مسألة 241: يجب على الحاج أن يذبح هديه أو ينحره في
منى مباشرة، أو بالوكالة، ولا يعتبر الايمان في الوكيل، ويكفي
اسلامه.
وقد تسأل: ان الذابح إذا كان وكيلا من قبل الحاج في
الذبح، فهل ينوي القربة الوكيل أو الحاج نفسه؟
والجواب: ينوي القربة الحاج نفسه عند التوكيل.
وقد تسأل: ان الحاج عندما يوصي الوكيل تنفيذ وكالته
ومباشرة الذبح، قد يكون ذاهلا عن نيته، فكيف تكفي في
صحته؟
والجواب: ان هذا الذهول لا يمنع عن صحته ما دامت النية
كامنة في أعماق نفسه على نحو لو سأله سائل ماذا صنعت،
لانتبه فورا إلى أنه وكل فلانا في الذبح عنه ونوى القربة فيه،
ومن هنا لو نوى الصلاة وكبر ثم ذهل عن نيته وواصل صلاته
على هذه الحال من الذهول صحت صلاته ما دامت النية كامنة
في أعماقه على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فورا إلى أنه
يصلي قربة إلى الله تعالى، وهكذا الحال في سائر العبادات،
حيث لا يمكن أن يكون المصلي منتبها إلى نيته انتباها كاملا في
جميع أحوال الصلاة من المبدأ إلى المنتهى.
228

مصرف الهدي
مسألة 242: يجب على الحاج إذا وجد الفقراء في منى
أن يتصدق عليهم من لحوم ذبيحته، ويجوز له أن يأكل منها
وعائلته واخوانه، هذا إذا لم يسق هديه معه، وإلا وجب عليه أن
يتصدق بثلث منها للفقراء، وثلث منها للقانع والمعتر، ويأكل
هو وأهله من الثلث الباقي، هذا في فرض التمكن من ذلك، وإلا
فلا شيء عليه.
وقد تسأل: ان الحاج إذا كان يأخذ الوكالة عن فقير في
بلده فيقبض ثلثه وكالة عنه فهل يكفي ذلك، ويعوض عن
إطعام الفقير؟
والجواب: لا يكفي ذلك، لأن المأمور به في الآية الشريفة
عنوان اطعام البائس الفقير وهو لا ينطبق عرفا على تقبل الحاج
للثلث وكالة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ، ولا يحصل
على شيء من الذبيحة، فان المأمور به عنوان الإطعام، لا مجرد
انشاء التمليك.
وقد تسأل: هل يعتبر الايمان في الفقير؟
والجواب: لا يعتبر الايمان فيه، وإذا وجد الحاج فقراء في
منى تصدق باللحم عليهم مهما كان مذهبهم ونوعهم.
229

وقد تسأل: هل يجوز اخراج لحوم الأضاحي من منى؟
والجواب: يجوز ذلك.
مسألة 243: لا يضمن الحاج حصة الفقراء إذا تلفت، بل لو
اتلفها عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي لم يضمن، لأن الظاهر
من الآية الشريفة والروايات أن وجوب اطعام الفقراء من
الذبيحة وجوب تكليفي من دون أن تكون الذبيحة متعلقة
لحقهم.
آداب الذبح أو النحر
مسألة 244: يستحب أن يقول عند الذبح أو النحر:
" وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا
من المشركين، ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم
منك ولك، بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل مني كما تقبلت عن
إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد حبيبك (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
الحلق والتقصير
وهو الواجب السادس من واجبات حج التمتع.
مسألة 245: موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا خرج
230

منها نسيانا أو جهلا منه بالحكم، ولم يؤد هذا الواجب، فان تذكر
أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى منى مع التمكن فان
تعذر الرجوع أو تعسر عليه حلق أو قصر في مكانه وبعث
بشعر رأسه إلى منى، وإذا خرج منها تاركا للحلق أو التقصير
عامدا وملتفتا إلى الأحكام الشرعية وتسلسل المناسك فان
استمر على تركه بطل حجه، وإن تداركه في وقته صح، وحينئذ
فان كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عن عمد
وعلم فعليه أن يعيدهما بعد الحلق أو التقصير ويكفر بدم شاة.
مسألة 246: موضعه من الناحية الزمانية نهار يوم العيد
على الأحوط، وإذا أخره عن نهار يوم العيد عامدا وملتفتا إلى
الحكم الشرعي وأتى به بعده إلى آخر أيام التشريق أو بعدها، بل
إلى آخر ذي الحجة صح حجه، ولكن إذا كان قد طاف بالبيت
وسعى قبل الحلق أو التقصير عالما عامدا فعليه الإعادة والكفارة
كما مر، وإذا تركه نسيانا أو جهلا بالحكم حتى نفر من منى
وجب عليه الرجوع في أي وقت تذكر لأدائه مع التمكن، وان
تعذر الرجوع أو تعسر حلق أو قصر في موضعه وأرسل بشعره
إلى منى.
وقد تسأل أن من خرج من منى قبل الحلق أو التقصير
لحاجة ناويا الرجوع إليها لأداء اعمالها ولكن تعذر عليه
231

الرجوع لسبب أو آخر، فهل وظيفته الحلق أو التقصير في مكانه
وإرسال شعره إلى منى؟
والجواب: نعم وظيفته ذلك.
مسألة 247: موضعه من ناحية تسلسل الأعمال بعد رمي
جمره العقبة والذبح، ولكن إذا قدمه على الذبح جاهلا بالحكم
أو ناسيا أو عالما عامدا صح، ولا تجب عليه اعادته بعد الذبح،
وأما إذا قدمه على الرمي، فان كان جاهلا أو ناسيا صح أيضا، ولا
تجب اعادته، وإن كان عامدا وعالما بالحال فهل تجب اعادته؟
والجواب: لا يبعد عدم وجوب اعادته بعد الرمي أيضا،
وإن كانت الإعادة أحوط وأجدر.
مسألة 248: وكيفيته، ان الرجل الحاج إذا كان مسبوقا
بحجة أو أكثر، فوظيفته التخيير بين الحلق أو التقصير، ونريد
بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، سواء أكان بالموسى أو
بالماكنة التي لا تبقي شعرا، وإن كان في حجته الأولى
(الصرورة) فلا يبعد أن تكون وظيفته أيضا التخيير بينهما، وإن
كان الأحوط والأجدر به أن يختار الحلق، نعم إذا لبد الرجل
الحاج شعر رأسه أو عقصه، فالأظهر وجوب الحلق عليه تعيينا
وإن لم يكن صرورة.
وأما المرأة الحاجة، فيتعين عليها التقصير وإن كان شعر
رأسها ملبدا أو معقوصا.
232

مسألة 249: نيته، تجب فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة،
من نية القربة والإخلاص وقصد اسمه الخاص وعنوانه
المخصوص المميز له شرعا، وصورتها - مثلا - " أحلق، أو
أقصر في حج التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى
مخلصا لوجهه الكريم "، وإن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإن
كان مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام)، وهكذا.
مسألة 250: أثره، إذا حلق المحرم أو قصر حل له كل شيء
يحرم عليه بالاحرام ما عدا الطيب والنساء والصيد الاحرامي،
ويجوز له حينئذ أن يلبس ثيابه الاعتيادية، وأن يغطي رأسه بما
يشاء، وهكذا.
مسألة 251: الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم
يكن ملبدا أو معقوصا، وإلا جمع بين التقصير والحلق.
آداب الحلق ومستحباته
مسألة 252: يستحب أن يكون الحاج مستقبلا القبلة،
وأن يبدأ فيه من الطرف الأيمن، وأن يقول حين الحلق: " اللهم
أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة " وأن يدفن شعره في خيمته
في منى، وأن يأخذ من لحيته وشاربه، ويقلم أظافره بعد الحلق.
233

طواف الحج وصلاته والسعي
الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحج
الطواف وصلاته والسعي.
مسألة 253: كيفيتها وشرائطها هي نفس الكيفية التي
ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها، غير أن النية
تختلف، فينوي هنا أنه يطوف ويصلي ويسعى بين الصفا
والمروة لحج التمتع، بدلا من عمرة التمتع.
مسألة 254: موضعه من الناحية الزمانية يمتد من اليوم
العاشر من ذي الحجة إلى آخر أيامه، فيجوز تأخيره إلى ما بعد
أيام التشريق، بل إلى آخر ذي الحجة على الأظهر، وإن كان
الأحوط والأجدر أن لا يؤخره عن اليوم الحادي عشر، وكذلك
الأمر في السعي، فان موضعه التسلسلي بعد الطواف وركعتيه.
مسألة 255: موضعه من ناحية تسلسل المناسك بعد
الوقوف بالموقفين واعمال منى يوم العيد. فلا يجوز تقديم
طواف الحج وصلاته، والسعي على الوقوف بالموقفين، ولو
قدم ذلك على الوقوف بهما عامدا أو غير عامد لم يجزئ،
وتجب عليه الإعادة في موضعها التسلسلي.
نعم يستثنى من ذلك المعذور والشيخ الكبير والمرأة
234

الكبيرة والمرأة التي تخاف من الحيض والمريض، فيجوز
لهؤلاء بعد التلبس باحرام الحج تقديم الطواف وصلاته
والسعي على الوقوف بالموقفين.
وقد تسأل: هل يجوز لهؤلاء المعذورين أن يقدموا
طواف النساء أيضا على الوقوف بالموقفين؟
والجواب: انه غير بعيد، وان كان الاحتياط أولى وأجدر.
مسألة 256: يسوغ للخائف على نفسه أو عرضه أو ماله
من دخول مكة أن يقدم الطواف وصلاته والسعي على الوقوف
بالموقفين، بل يجوز له تقديم طواف النساء أيضا، فيمضي بعد
الانتهاء من اعمال منى إلى بلده أو بلد آخر.
مسألة 257: لا يجوز تقديم طواف الحج على الحلق أو
التقصير، فلو قدمه بأن ذهب إلى مكة فطاف قبل أن يحلق أو
يقصر، فان كان عامدا وعالما بالحال فعليه التكفير بشاة، وإعادة
ما أتى به من الطواف وصلاته والسعي بعد أن يحلق أو يقصر،
وإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا ثم التفت إلى الحال حلق أو
قصر، ولا كفارة عليه ولا إعادة.
مسألة 258: أثره، إذا طاف الحاج رجلا كان أم امرأة وصلى
صلاة الطواف، وسعى بين الصفا والمروة، حل له الطيب، وبقى
عليه من محرمات الإحرام شيئان: (أحدهما)
235

النساء، ونريد بحرمة النساء هنا خصوص الاستمتاع بها جماعا،
وأما سائر ألوان الاستمتاعات فهي تحل له بالحلق أو التقصير،
وكذلك عقد النكاح. (والآخر) الصيد الإحرامي، وإذا طاف
طواف النساء حل له النساء، وإذا زالت الشمس في اليوم الثالث
عشر من شهر ذي الحجة حل له الصيد، وأما الصيد الحرمي فقد
ظل عليه محرما ما دام في الحرم.
وقد تسأل: ان الطيب هل يحل له بطواف الحج وصلاته
فحسب، أو يتوقف على ضم السعي بين الصفا والمروة أيضا؟
والجواب: انه يتوقف على ضم السعي أيضا.
مسألة 259: إذا طاف الرجل طواف النساء، ثم قبل امرأته
بشهوة وهي لم تطف طواف النساء فعليه كفارة دم شاة.
مسألة 260: قد تسأل: أن من يجوز له تقديم طواف الحج
وصلاته والسعي على الوقوف بالموقفين، فإذا قدمهما عليه،
فهل يحل له الطيب؟
والجواب: لا يحل له الطيب حتى يأتي بتمام اعمال منى،
من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير.
مسألة 261: حكمه، من ترك الطواف أو صلاته، أو السعي
عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعي فان تداركه قبل مضي الوقت
صح، وإن لم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء ذي الحجة بطل
حجه وإحرامه.
236

ومن ترك الطواف أو السعي جاهلا بالوجوب، واستمر
على هذه الحالة، ولم يتدارك قبل مضي الوقت، بطل حجه
واحرامه أيضا، وعلى تارك الطواف جهلا كفارة بدنة. ومن ترك
صلاة الطواف جاهلا بوجوبها تداركها في محلها، ومع عدم
التمكن صلاها في مكانه وإذا نسي صلاة الطواف فان تذكر وهو
في مكة وجب عليه الاتيان بها في محلها، وإن تذكر بعد
الخروج من مكة، فان كان التذكر بعد الابتعاد عن مكة بمسافة
قليلة وجب عليه أن يرجع ويصلي في محلها، أو يستنيب من
يصلي عنه، والأحوط وجوبا أن تكون الاستنابة في حال عجزه
من القيام بها مباشرة.
ومن ترك الطواف نسيانا أتى به، وإذا كان قد سعى طاف
وأعاد سعيه على الأحوط الأولى، وإذا تذكر الطواف بعد
خروجه من مكة وعدم تمكنه من الرجوع استناب شخصا
يطوف عنه نيابة، ويسعى أيضا كذلك، على الأحوط الأولى، بل
لا يبعد جواز الاستنابة حتى في حال التمكن من المباشرة، ومن
ترك السعي نسيانا جرى عليه الحكم نفسه. وحال العجز عن
المباشرة للطواف أو السعي في الحج لمرض أو نحوه حال
العجز عن مباشرتهما كذلك في العمرة، وقد سبق حكمه،
فالعاجز عن الطواف يطاف به، ومع العجز عن ذلك أيضا
يستنيب من يطوف عنه، والعاجز عن السعي ولو راكبا يستنيب
237

من يسعى عنه. وتعتبر المرأة التي طرأ عليها الحيض أو النفاس
عاجزة عن الطواف إذا لم يتيسر لها المكث في مكة إلى حين
طهرها، وتستنيب من يطوف عنها ويصلي صلاة الطواف، ثم
تسعى بنفسها بين الصفا والمروة بعد طواف النائب وصلاته.
لمزيد التعرف على حكم المسألة نذكر فيما يلي أمورا:
1 - قد تسأل: ان من نسي طواف الحج وتذكر بعد
خروجه من مكة، ولم يتداركه مباشرة ولا استنابة عامدا وعالما
بالحكم، فهل يبطل حجه؟
والجواب: انه ان تذكر في ذي الحجة في وقت يتمكن من
تداركه فيه بنفسه أو بنائبه وقبل خروجه ودخول شهر آخر،
ومع ذلك تسامح ولم يقم بتداركه فيه عن علم وعمد بطل حجه
باعتبار أنه حينئذ تارك للطواف عامدا وملتفتا في وقته، وإن
تذكر بعد خروج شهر ذي الحجة فحينئذ وإن وجب عليه
قضاؤه، إلا أنه إذا تركه ولو عامدا وملتفتا لم يبطل حجه وإن
اعتبر آثما.
2 - الطواف المنسي ان كان طواف عمرة التمتع، فان تذكر
بعد انتهاء الوقت، فعليه أن يقضيه بعد أعمال منى وإن كان
طواف الحج وتذكر بعد الخروج من مكة، فقد مر حكمه.
238

3 - إذا استمتع الناسي للطواف بأهله جماعا وهو ناس
فعليه هدي، وحينئذ فان تذكر وهو في بلده، فان كان المنسي
طواف الحج بعث بهديه إلى منى، ويذبح فيها، وإن كان طواف
العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها. وان تذكر وهو في مكة،
فان كان المنسي طواف الحج بعث بهديه إلى منى، وإن كان
طواف العمرة ذبح في مكة.
4 - إذا تذكر بعد شهر ذي الحجة انه ترك الطواف وهو في
مكة، فهل عليه أن يحرم من جديد للطواف المنسي، فيأتي به؟
والجواب: لا يجب عليه الإحرام من جديد، فإنه كان يظل
محرما بالنسبة إلى الطيب والنساء ما لم يأت بطواف الزيارة
وطواف النساء.
5 - إذا تذكر وهو في بلده ورجع ودخل في مكة في آخر
يوم من شهر ذي الحجة، ولكنه لا يتمكن من الاتيان بالطواف
إلا بعد هلال شهر محرم، فهل يجب عليه أن يحرم ويدخل في
مكة وهو محرم؟
والجواب: لا يجب عليه أن يحرم.
6 - قد تسأل: هل لقضاء الطواف المنسي وقت محدد؟
والجواب: ليس له وقت محدد، فيجوز الاتيان به طول
السنة.
7 - إذا كان المنسي بعض الطواف دون الكل، وجب
239

تدارك ذلك البعض بالمباشرة أم بالاستنابة، وإن كان الأولى
والأجدر أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل
والاستئناف.
آداب طواف الحج والسعي
مسألة 262: آداب طواف الحج وسعيه هي آداب طواف
العمرة وسعيها التي تقدمت في العمرة، وآداب صلاة الطواف
هي آداب صلاة طواف العمرة، ويستحب للحاج عند إرادة
الوصول إلى المسجد للطواف أن يقف على باب المسجد
ويقول: " اللهم أعني على نسكك، وسلمني له، وسلمه لي،
أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه، أن تغفر ذنوبي، وأن
ترجعني بحاجتي، اللهم اني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك،
جئت اطلب رحمتك، وأؤم طاعتك متبعا لأمرك، راضيا بقدرك،
أسألك مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك، المشفق من
عذابك، الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك، وتجيرني من النار
برحمتك " فإذا فرغ من هذا الدعاء ودخل المسجد يتجه قبل
البدء بالطواف إلى الحجر الأسود، فيستلمه ويقبله إذا أتيح له
ذلك بدون ايذاء للآخرين، وإلا اكتفى باستلامه بيده، ويقبل يده
بعد الاستلام، وإن لم يتيسر له ذلك أيضا كما هو الغالب استقبل
240

الحجر وكبر، وقال: " اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته،
لتشهد لي بالموافاة ".
طواف النساء وصلاته
مسألة 263: الواجب العاشر والحادي عشر طواف
النساء وصلاته، وهما واجبان مستقلان، ولهذا لا يبطل الحج
بتركهما وإن كان عن علم وعمد، ويجبان على الرجال والنساء.
مسألة 264: موضعه من الناحية التسلسلية بعد طواف
الحج، والسعي، فلا يجوز تقديمه عليهما، ولا على السعي، فلو
قدمه عليه وجبت عليه اعادته بعد السعي، وإن كان التقديم عن
جهل، بل لا يبعد وجوب الإعادة وإن كان ذلك عن نسيان.
مسألة 265: أثره، إذا طاف الحاج رجلا كان أم امرأة طواف
النساء، حل له ما كان قد حرم عليه بالإحرام، وهو الاستمتاع
الجماعي، ولم يبق عليه من محرمات الإحرام إلا الصيد
الإحرامي، فإنه لا يحل له وإن كان في الحل، إلا بزوال اليوم
الثالث عشر من ذي الحجة. وأما حرمة الصيد في الحرم، وحرمة
قلع الشجر، وما ينبت في الحرم، فهما ثابتان على المكلف، على
أساس حرمة الحرم، ويشترك فيها المحرم والمحل على
السواء.
241

مسألة 266: الكيفية، طواف النساء وصلاته كطواف الحج
وصلاته في الكيفية والشرائط ويختلف في النية إذ ينوي هنا
طواف النساء وصلاته.
مسألة 267: صورة النية - مثلا - " أطوف طواف النساء
لحج التمتع من حجة الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان نائبا
عن الغير ذكر اسم المنوب عنه، وقصد الطواف عنه، وإذا كان
الحج مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام) وصورتها في الصلاة
مثلا " أصلي ركعتي طواف النساء لحج التمتع قربة إلى الله تعالى "
وهكذا على ما مر.
مسألة 268: حكمه، العاجز عن مباشرة طواف النساء
بالاستقلال لمرض أو غيره يستعين بغيره فيطوف ولو محمولا
على متن انسان، وإذا لم يتمكن من ذلك أيضا لزمته الاستنابة،
وأما العاجز عن صلاة الطواف مباشرة يستنيب من يصلي عنه.
مسألة 269: من ترك طواف النساء سواء أكان عامدا وعالما
بالحكم، أم كان جاهلا أو ناسيا ظلت حرمة النساء عليه إلى أن
يتداركه، ومع تعذر المباشرة أو تعسرها استناب من يطوف
عنه، فإذا طاف النائب حلت له النساء، وأما إذا مات الحاج قبل
تداركه، فان أوصى به خرج من ثلثه، وإلا لم يجب قضاؤه على
وليه. وحكم نسيان الصلاة في طواف النساء كحكم نسيان
الصلاة في طواف الحج، وقد تقدم في المسألة رقم (264).
242

مسألة 270: من يجوز له تقديم طواف النساء على
الوقوف بالموقفين كالخائف أو غيره من المعذورين، فإذا قدمه
عليه، فهل تحل له النساء؟
والجواب: لا تحل له النساء حتى يأتي بمناسك الحج
جميعا.
مسألة 271: إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها،
جاز لها في هذه الحالة ترك طواف النساء والخروج مع رفقتها،
ويجب عليها على الأحوط أن تستنيب لطوافها ولصلاته،
وكذلك إذا حاضت بعد طوافها أكثر من النصف، فإنه يجوز لها
ترك الباقي والخروج مع رفقتها، وتستنيب لبقية الطواف،
ولصلاته على الأحوط وجوبا.
المبيت في منى
مسألة 272: الواجب الثاني عشر من واجبات الحج
المبيت في منى، ونقصد به تواجد الحجاج فيها في الليل، ولا
يجب التواجد فيها في النهار إلا بقدر ما يتطلبه رمي الجمرات.
مسألة 273: يجب على الحاج التواجد في منى ليلتين،
وهما ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويكفي في التواجد
المطلوب في كل ليلة أن يكون في منى من أول الليل إلى أن
243

يتجاوز منتصفه، أو يكون فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر،
فيسمح لمن بقي من أول الليل إلى منتصفه في منى أن يغادرها
إلى مكة أو غيرها، وكذلك يسمح له أن يكون خارج منى إلى
قبيل نصف الليل مع التواجد فيها حينئذ من النصف إلى الفجر.
ويستثنى ممن يجب عليه المبيت من الحجاج عدة أصناف:
1 - المعذور كالمريض والممرض والخائف على نفسه
أو عرضه أو ماله من المبيت في منى.
2 - من اشتغل بالعبادة في مكة المكرمة تمام ليلته ما عدا
الحوائج الضرورية، كالأكل والشرب ونحوهما، وكذلك يجوز
لمن خرج من منى بعد دخول الليل إلى مكة أن يبقى فيها
مشتغلا بالعبادة إلى الفجر.
3 - من طاف بالبيت وبقى في عبادته ثم خرج من مكة
وتجاوز بيوتها القديمة، فيجوز له أن يبيت في الطريق من دون
أن يصل إلى منى.
وهؤلاء الأصناف معذورون من المبيت في منى.
ويستثنى ممن لا يجب عليه المبيت في ليلة الثالث عشر
عدة اشخاص:
1 - من لم يجتنب الصيد في احرامه.
2 - من أتى النساء على الأحوط الأولى.
244

3 - من دخل عليه غروب اليوم الثاني عشر، وهو لا يزال
في منى.
مسألة 274: إذا تهيأ الحاج للخروج من منى، وتحرك من
مكانه، ولكنه من جهة الزحام أو مانع آخر، لم يتمكن من
الخروج قبل الغروب من منى، وحينئذ فان أمكنه المبيت فيها
وجب ذلك، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيا عليه، جاز له
الخروج ولا شيء عليه، وإن كان الأولى والأجدر أن يكفر بشاة.
مسألة 275: من ترك المبيت بمنى رأسا عامدا وعالما
بالحكم، وبدون عذر فحجه وإن لم يبطل بذلك ولكن عليه اثم
وكفارة دم شاة عن ترك المبيت في كل ليلة.
وقد تسأل: ان من ترك المبيت في منى نسيانا أو جهلا منه
بالحكم، فهل عليه كفارة أيضا؟
والجواب: ان عليه الكفارة على الأحوط، ويلحق الجاهل
المعذور بالناسي وإن كان بسيطا، والجاهل المقصر بالعالم
العامد وإن كان مركبا، وأما الاشخاص المعذورون من المبيت
في منى فلا كفارة على الصنف الثاني والثالث، وأما الصنف
الأول فلا يبعد وجوب الكفارة عليه.
مسألة 276: إذا أفاض الحاج من منى، ثم رجع إليها بعد
دخول الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت فيها.
245

مستحبات منى
مسألة 277: يستحب للحاج التواجد بمنى الأيام الثلاثة
نهارا وليلا، وينبغي له أن يؤثر المكث في منى مهما أمكن على
الخروج ولو للطواف المندوب.
ويستحب أيضا أن يكبر الحاج في منى في اعقاب خمس
عشرة صلاة ابتداء من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة
الفجر من اليوم الثالث عشر، والأفضل في كيفية هذا التكبير أن
يقول: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،
الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام،
والحمد لله على ما أبلانا " ويستحب ذكر الله في أيام التشريق،
والاكثار فيه، والصلاة والتسبيح والتهليل والحمد في مسجد
الخيف، فان له شأنا عند الله تعالى، حتى ورد في بعض الروايات
أن ماءة ركعة فيه تعادل عبادة سبعين عاما.
رمي الجمار
مسألة 278: الثالث عشر من واجبات الحج رمي الجمار
الثلاث، الأولى والوسطى وجمرة العقبة في كل من اليوم
246

الحادي عشر والثاني عشر، ومن بات ليلة الثالث عشر في منى
فهل يجب عليه الرمي في اليوم الثالث عشر؟
والجواب: لا يجب عليه الرمي وإن كان أولى وأجدر.
مسألة 279: كيفيته، وهو متحد في الكيفية والشروط مع
ما تقدم من رمي جمرة العقبة يوم العيد، ونضيف هنا أنه يجب
الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي، ابتداء من الجمرة
الأولى وانتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى الوسطى قبل
الأولى، أو العقبة قبل الوسطى، وجب الرجوع إلى السابقة،
وأعاد رمي اللاحقة، بدون فرق بين أن يكون عالما أو جاهلا أو
ناسيا، نعم يستثنى من ذلك صورة واحدة وهي ما إذا نسي فرمى
جمرة قبل سابقتها أربع حصيات أجزأه اكمالها سبعا، ولا تجب
عليه إعادة رمي اللاحقة.
مسألة 280: تجب النية في رمي كل جمرة، وصورتها -
مثلا - " أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات لحج التمتع من حجة
الاسلام قربة إلى الله تعالى " وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه،
وإذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة (حجة الاسلام)، وإذا كان
افرادا اسقط كلمة (حج التمتع) ويعوض بكلمة (حج الافراد).
مسألة 281: وقته، يجب ايقاع رمي الجمرات في النهار،
ولا يجزي في الليل اختيارا، ويستثنى من ذلك عدة أصناف:
247

العبد والخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، والشيوخ، والنساء،
والصبيان، والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من الزحام،
فيجوز لهم الرمي في الليلة السابقة على النهار فيرمون في ليلة
اليوم الحادي عشر ما يجب عليهم في نهار ذلك اليوم من الرمي
وهكذا.
مسألة 282: حكمه، رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي
عشر والثاني عشر واجب، ولكن إذا تركه الحاج عامدا وملتفتا
إلى وجوبه حتى مضى وقته لم يبطل حجه، وهل يجب عليه
قضاؤه في العام القادم، إما بالمباشرة أو بالاستنابة؟
والجواب: لا يجب قضاؤه على الأظهر، وإن كان أولى
وأجدر.
وإذا نسي الرمي في اليوم الحادي عشر، قضاه في اليوم
الثاني عشر، وإذا نساه في اليوم الثاني عشر قضاه في اليوم التالي،
وإذا نسي الرمي في أكثر من يوم، وتذكر ذلك قبل مضي اليوم
الثالث عشر قضاه.
وقد تسأل: ان الحاج إذا رجع من منى إلى مكة ثم تذكر أنه
نسي الرمي، فهل يجب عليه العود إلى منى لقضاء الرمي؟
والجواب: يجب إذا كان ذلك قبل انتهاء أيام التشريق،
وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وأما إذا كان
248

بعد انتهائها فيجب ذلك على الأحوط، ويفصل بين القضاء
والأداء بأن يقدم القضاء على الأداء بساعة، وإذا نساه ولم يذكره
إلا بعد خروجه من مكة وانتهاء أيام التشريق سقط وجوبه،
ويقضيه على الأحوط الأولى في السنة القادمة، إما بالمباشرة أو
بالاستنابة.
مسألة 283: كل من يتمكن من مباشرة الرمي من دون
مشقة وحرج يجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يستنيب من
يرمي عنه، وإذا كان غير متمكن لمرض أو نحوه من الموانع التي
لا يرجى زوالها إلى المغرب استناب غيره، فإذا اتفق برؤه قبل
زوال الشمس رمى بنفسه.
مسألة 284: قد تسأل ان الحاج إذا لم يتمكن من أن يبقى
في منى أيام التشريق لا نهارا ولا ليلا لسبب من الأسباب، فهل
يسقط الرمي عنه، أو أن وظيفته رمي جميع الأيام في ليلة واحدة
أو الاستنابة؟
والجواب: ان الأظهر في هذه الحالة الاستنابة، وإن كان
الأولى والأجدر أن يجمع بين رمي جميع الأيام في ليلة واحدة
والاستنابة.
249

أحكام المصدود
مسألة 285: المصدود - رجلا كان أم امرأة - هو الممنوع
عن الحج أو العمرة بعد تلبسه بالاحرام من قبل السلطات أو
العدو.
مسألة 286: المصدود عن العمرة المفردة إذا ساق هديا
معه يذبحه في مكانه ويحلق ويتحلل بهما من كل شيء أحرم
منه حتى النساء، وإذا لم يسق الهدي معه تحلل بالحلق أو
التقصير، ولا يجب عليه الهدي، ومن صد عن عمرة التمتع، فان
أدى ذلك إلى صده عن الحج أيضا، فوظيفته أن يذبح هديا في
مكانه، ويتحلل به، والأحوط ضم التقصير اليه أيضا، وأما إذا لم
يؤد إلى ذلك، بأن يكون متمكنا من الحج، كما إذا خلى سبيله في
وقت يتمكن من ادراك الوقوف في الوقت الاختياري بالمشعر
الحرام، فلا تترتب عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من
التمتع إلى الافراد، فإذا أتى بحج الافراد ثم بالعمرة المفردة كفى
ذلك.
مسألة 287: المصدود عن الحج إن كان مصدودا عن
الوقوف بالموقفين، فعليه أن يذبح هديا في محل الصد، فإذا
ذبحه تحلل من كل شيء قد حرم عليه حتى النساء، والأحوط
250

ضم الحلق أو التقصير اليه أيضا، وإن كان مصدودا عن الطواف
والسعي فحسب، فان لم يستمر صده إلى آخر ذي الحجة، بأن
خلى سبيله بعد أيام التشريق، أو في العشرة الأخيرة، قام بنفسه
بالطواف والسعي، فإذا طاف وسعى صح حجه، ولا شيء عليه،
ولا يكون حينئذ من المصدود، وان استمر صده إلى آخر ذي
الحجة، فعليه أن يستنيب من يطوف عنه، ويصلي ركعتيه،
ويسعى، ثم يطوف عنه طواف النساء، ويصلي ركعتيه، فإذا
صنع النائب ذلك صح حجه، ولا تجري عليه أحكام المصدود
أيضا، وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة أيضا، فحينئذ يكون
مصدودا، ووظيفته أن يذبح الهدي في مكانه، ويضم اليه الحلق
أو التقصير أيضا على الأحوط، ويتحلل بذلك، وعليه الحج في
العام القادم إذا لم تكن استطاعته وليدة تلك السنة، أو كانت
ولكن تبقى بعد رجوعه من سفره، نعم إذا لم تبق بعد الرجوع،
ولم تتجدد له بعد ذلك، سقط عنه الوجوب.
وإن كان مصدودا عن مناسك منى خاصة، لم تجر عليه
أحكام المصدود، فإنه في هذه الحالة إن كان متمكنا من
الاستنابة فيستنيب للرمي والذبح في منى، ثم يحلق أو يقصر
في مكانه، ويرسل شعره إليها، وبذلك يتحلل، ثم يأتي ببقية
المناسك، وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة جاز له أن يذبح
251

هديه في مكانه، ثم يحلق أو يقصر، فان من لم يتمكن من الذبح
في منى لا بالمباشرة ولا بالاستنابة، جاز له أن يذبح في خارج
منى كمكة أو غيرها، وأما وجوب الرمي فهو مشروط بالتمكن
ومع العجز عنه حتى بالاستنابة فلا وجوب. وبعد ذلك يذهب
بنفسه إلى مكة فيطوف حول البيت طواف الحج، ويصلي
ركعتيه، فيسعى بين الصفا والمروة، ثم يرجع إلى البيت فيطوف
طواف النساء، ويصلي ركعتيه، فإذا صنع ذلك فقد فرغ عن
الحج، ويحل له كل شيء قد حرم عليه حتى النساء.
والحاصل: ان المصدود عن اعمال منى ليس مصدودا عن
الحج لكي يكون مشمولا للآية الشريفة والروايات.
مسألة 288: لا يسقط الحج عن المصدود بالهدي، وعليه
الحج من قابل، إلا إذا كانت استطاعته وليدة تلك السنة، ولم تبق
بعد الرجوع من سفره، فحينئذ سقط الوجوب عنه ما لم تتجدد
الاستطاعة له بعد ذلك.
مسألة 289: إذا صد عن الرجوع إلى منى للمبيت فيها،
ورمي الجمار لم يضر بحجه، وعليه أن يستنيب من يرمي عنه
إن أمكن.
مسألة 290: من تعذر عليه اكمال حجه لمانع غير الصد
والحصر يبطل ولا شيء عليه.
252

مسألة 291: لافرق في الهدي المذكور بين أن يكون جملا
أو بقرة أو شاة، ولا تعتبر فيه شروط الهدي، وإذا لم يتمكن من
الهدي، فهل يجب عليه أن يصوم عشرة أيام بدلا عنه؟
والجواب: لا يبعد وجوبه، هذا إذا كان مصدودا في الحج،
وأما إذا كان مصدودا في العمرة المفردة فلا يجب عليه الصوم.
مسألة 292: من جامع امرأته عامدا وعالما بالحكم قبل
الوقوف بالمشعر، ثم صد ومنع عن اكمال الحج من قبل
السلطات، فهل تجري عليه أحكام المصدود؟
والجواب: تجري عليه احكام المصدود، بناء على ما هو
الصحيح من أن الحجة الأولى صحيحة والثانية عقوبة.
مسألة 293: إذا ساق المكلف هديا معه، ثم صد ومنع عن
الحج، كفى ذبح ما ساقه، فان المعيار فيه انما هو بصدق الذبح أو
النحر، مهما كان نوع الذبيحة أو المنحور.
أحكام المحصور
مسألة 294: المحصور رجلا كان أم امرأة، هو الممنوع
عن الحج أو العمرة المفردة بمرض أو نحوه بعد تلبسه
253

بالإحرام، فان كان محصورا في عمرة مفردة تخير بين أن يرسل
الهدي إلى محله، وهو مكة، فإذا بلغ الهدي محله حلق أو قصر
في مكانه، وبين أن يذبح أو ينحر في مكانه، ثم يحلق أو يقصر
فيه، فإذا فعل ذلك أحل من كل شيء قد حرم عليه، ما عدا النساء،
وأما النساء فلا تحل له إلا بالاتيان بعمرة مفردة أخرى، وإن كان
محصورا في الحج، فحكمه ما تقدم في العمرة المفردة، غير أن
النساء لا تحل للمحصور في العمرة المفردة، إلا بالاتيان بعمرة
مفردة أخرى، ولكنها تحل للمحصور في الحج بالذبح والحلق
أو التقصير، ولا تتوقف حليتها على الاتيان بعمرة مفردة بعد
الحصر.
واما المحصور في عمرة التمتع فقط دون الحج، فلا
تترتب عليه أحكامه، بل تنقلب وظيفته حينئذ من التمتع إلى
الافراد، كما تقدم في المصدود.
مسألة 295: إذا أحصر في الحج وأرسل هديه إلى محله
وهو منى، وبعد ذلك خف مرضه واستعاد صحته، وحينئذ فإن
اعتقد انه إذا واصل سفره إلى مكة أدرك الموقفين أو أحدهما
وجب عليه ذلك، والالتحاق بالناس في الموقفين أو أحدهما،
فإذا صنع ذلك صح حجه افرادا، والأحوط أن يأتي بعمرة مفردة
بعده أيضا، وإن احتمل ذلك بدون الوثوق والاطمئنان،
254

فالأحوط وجوبا أن يواصل سفره برجاء ادراك الموقف، فان
أدرك كفى، ولا شئ عليه غير اعمال منى وما بعدها من طواف
الحج وصلاته والسعي بين الصفا والمروة، ثم طواف النساء
وصلاته، فإذا أكمل ذلك فقد تم حجه، وإن لم يدرك الموقف
فلذلك صورتان: -
الأولى: إن كان عدم إدراكه مستندا إلى مرضه، ففي هذه
الصورة تترتب عليه احكام المحصور، على أساس أن مرضه
هو الموجب لفوات الحج عنه، وعندئذ فان كان قد ذبح هديه
في منى فعليه أن يحلق أو يقصر في مكانه، فإذا فعل ذلك حل له
كل شيء قد حرم عليه حتى النساء، وإن لم يذبح هديه فعليه أن
يقوم بذبحه، فإذا ذبح ثم حلق أو قصر أحل من كل شيء حتى
من النساء.
الثانية: ان كان عدم ادراكه مستندا إلى تقصيره وتسامحه
في السير والتعطيل والإهمال فيه بدون مبرر وموجب، ولو
واصل سفره اعتياديا لكان مدركا للحج، ففي هذه الصورة لا
تترتب عليه أحكام المحصور، باعتبار أن فوات الحج غير
مستند إلى مرضه، والأحوط الأولى فيها أن يأتي بعمرة مفردة،
وعليه الحج من قابل.
مسألة 296: إذا احصر الحاج عن مناسك منى فقط لم تجر
255

عليه احكام المحصور، فان المكلف إذا عجز عن الذبح في منى
مباشرة استناب، فان عجز عن الاستنابة أيضا جاز له الذبح
خارج منى كمكة أو غيرها. وأما الحلق أو التقصير، فمع العجز
عنه في منى سقط وجوبه فيها، فيجوز حينئذ الحلق أو التقصير
في خارج منى وارسال الشعر إليها. وأما الرمي فان تمكن منه
ولو بالاستنابة وجب وإلا سقط وجوبه عنه، ولا يجب قضاؤه
في السنة القادمة أيضا، وإن كان أولى وأجدر.
مسألة 297: إذا احصر الرجل فأرسل هديه إلى محله، ثم
أذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله جاز له أن يذبح شاة في
محله، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين
مدان ويحلق.
مسألة 298: لا يسقط الحج عن المحصور بتحلله بالهدي
والحلق أو التقصير، بل عليه الحج من قابل، شريطة أن لا تكون
استطاعته وليدة تلك السنة، أو كانت ولكنها تبقى بعد رجوعه
من السفر.
مسألة 299: المحصور في الحج إذا لم يجد هديا ولا ثمنه
صام عشرة أيام على ما تقدم.
256

نقطة المفارقة والموافقة
مسألة 300: المصدود في الحج والعمرة المفردة تحل له
النساء بنفس ما تحل له سائر محرمات الإحرام، وكذلك
المحصور في الحج، وأما المحصور في العمرة المفردة فلا
تحل له النساء إلا بالإتيان بعمرة مفردة أخرى.
مسألة 301: المصدود في الحج يذبح هديا في مكانه،
والمصدود في العمرة المفردة إذا ساق الهدي معه يذبحه في
مكانه، وإلا فلا يجب عليه الهدي، والمحصور في الحج
والعمرة المفردة مخير بين إرسال الهدي إلى محله والذبح في
مكان الصد.
257

أعمال المدينة المنورة
1 - زيارة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)
يستحب استحبابا مؤكدا - بل من تمام الحج - زيارة سيد
النبيين (صلى الله عليه وآله)، وكذا زيارة الصديقة الطاهرة والأئمة (عليهم السلام)، ويستحب
الغسل عند دخول المدينة المنورة، وعند الدخول إلى المسجد
النبوي الشريف، وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، ويكفي غسل واحد لجميع
ذلك.
ويستحب الدخول إلى الروضة المباركة من باب جبرائيل
والاستئذان للدخول فيقف على باب الحرم بخضوع وخشوع قائلا:
اللهم إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيك صلواتك
عليه وآله وقد منعت الناس أن يدخلوا إلا بإذنه وقلت يا أيها الذين
آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم اللهم إني أعتقد حرمة
صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته
وأعلم أن رسولك وخلفائك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون
يرون مقامي ويسمعون كلامي ويردون سلامي وإنك حجبت عن
سمعي كلامهم وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم وإني أستأذنك
يا رب أولا واستأذن رسولك ثانيا واستأذن الملائكة الموكلين
259

بهذه البقعة المباركة ثالثا أأدخل يا رسول الله أأدخل يا حجة الله
أأدخل يا ملائكة الله المقربين المقيمين في هذا المشهد فأذن لي يا
مولاي في الدخول أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك فإن لم أكن
أهلا لذلك فأنت أهل لذلك.
فيدخل مع سكينة ووقار وخشوع مقدما الرجل اليمنى على
اليسرى ويقول:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) رب
أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من
لدنك سلطانا نصيرا اللهم اغفر لي وارحمني وتب على إنك أنت
التواب الرحيم.
ثم تكبر مائة مرة وتصلي ركعتين تحية للمسجد الشريف، ثم
تأتي قبر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مع السكينة والوقار وتستلمه وتقبله إن
أمكن، وتقول:
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام
عليك يا محمد بن عبد الله السلام عليك يا خاتم النبيين أشهد أنك
قد بلغت الرسالة وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف
ونهيت عن المنكر وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين فصلوات
الله عليك ورحمته وعلى أهل بيتك الطاهرين.
ثم قف عند الأسطوانة الأمامية من الطرف الأيمن من القبر
260

وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك
الأيمن لما يلي المنبر فإنه موضع رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله وأشهد أنك رسول الله وأشهد أنك محمد بن عبد الله
وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وجاهدت في
سبيل الله وعبدت الله حتى أتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة
وأديت الذي عليك من الحق وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت
على الكافرين فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين الحمد لله
الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة اللهم فاجعل صلواتك
وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك
المرسلين وأهل السموات والأرضين ومن سبح لك يا رب
العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك
وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك
من خلقك اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما
محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم إنك قلت ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله وأستغفر لهم الرسول لوجدوا
الله توابا رحيما وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي يا محمد
إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر ذنوبي.
وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلى الله عليه وآله) خلف كتفيك
261

واستقبل القبلة وارفع يديك وسل حاجتك فأحرى أن تقضى إن
شاء الله تعالى.
وقد وردت زيارة اخرى عن الصادق (عليه السلام) وهي: إذا وقفت على
قبر النبي (صلى الله عليه وآله) قل:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله وأشهد أنك محمد بن عبد الله وأشهد أنك خاتم
النبيين وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك
وجاهدت في سبيل ربك وعبدته حتى أتاك اليقين وأديت الذي
عليك من الحق اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونجيبك
وأمينك وصفيك وخيرتك من خلقك أفضل ما صليت على أحد
من أنبيائك ورسلك اللهم سلم على محمد وآل محمد كما سلمت
على نوح في العالمين وأمنن على محمد وآل محمد كما مننت
على موسى وهارون وبارك على محمد وآل محمد كما باركت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل على محمد
وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد اللهم رب البيت الحرام
ورب المسجد الحرام ورب الركن والمقام ورب البلد الحرام
ورب الحل والحرام ورب المشعر الحرام بلغ روح نبيك محمد
صلى الله عليه وآله مني السلام.
وقد وردت أيضا زيارة ثالثة، وهي بعد ما تتوجه إلى القبر
الشريف تقول:
262

أسأل الله الذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك أن يصلي
عليك.
ثم تقول:
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما.
ثم تصلي ركعتين صلاة الزيارة.
وهناك زيارات اخرى مذكورة في المطولات.
2 - زيارة الصديقة الطاهرة (عليها السلام)
تستحب زيارة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) مؤكدا والأولى أن تزار
قريبا من الروضة بما ورد:
يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك
لما امتحنك صابرة وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون وصابرون لكل
ما أتانا به أبوك وأتانا به وصيه فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا
ألحقتنا بتصديقنا لهما (بالبشرى) لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا
بولايتك.
وتقول في الصلاة عليها:
اللهم صل على أمتك وابنة نبيك صلاة تزلفها فوق زلفى
عبادك المكرمين من أهل السموات وأهل الأرضين.
263

ثم تصلي صلاة الزيارة لها (عليها السلام) في المسجد النبوي.
3 - زيارة البقيع
تستحب زيارة الأئمة في البقيع وهم: الحسن بن علي، وعلي
بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد (عليهم السلام) بعدما تغتسل
وتجعل القبور الشريفة أمامك وتقول:
السلام عليكم يا خزان علم الله وحفظة سره وتراجمة وحيه
أتيتكم يا بني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عارفا بحقكم مستبصرا بشأنكم معاديا
لأعدائكم بأبي أنتم وأمي صلى الله على أرواحكم وأبدانكم اللهم
إني أتولى آخرهم كما توليت أولهم وأبرء من كل وليجة دونهم
آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وكل ند
يدعى من دون الله.
ثم تصلى ست ركعات، والأولى أن تصليها في المسجد
النبوي.
وقد وردت زيارات اخرى مفصلة مذكورة في كتب المزار.
ثم إنه في البقيع قبور أولاد النبي (صلى الله عليه وآله) جميعهم سوى قبر فاطمة
(عليها السلام) كما تقدم وهم: إبراهيم، وزينب، وام كلثوم، وعبد الله، والقاسم،
وكذا في البقيع قبر فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (عليه السلام)،
والعباس بن عبد المطلب، وعماته (صلى الله عليه وآله) صفية، وعاتكة، وأما
264

الأصحاب والشهداء فهم كثيرون في البقيع، مثل: عثمان بن مظعون
أخو النبي (صلى الله عليه وآله) من الرضاعة، وسعد بن معاذ، وأبو سعيد الخدري،
وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر الطيار زوج زينب بنت أمير
المؤمنين (عليه السلام)، وفيه أيضا فاطمة بنت حزام والدة العباس بن أمير
المؤمنين (عليه السلام)، وغيرهم من الأصحاب والشهداء.
4 - إكثار الصلاة في المسجد النبوي فإنها تعدل ألف صلاة
خصوصا بين القبر والمنبر الذي هو روضة من رياض الجنة وفي
بيت فاطمة (عليها السلام).
5 - الصوم في المدينة ثلاثة أيام - الأربعاء والخميس
والجمعة - لطلب الحاجة والصلاة عند أسطوانة التوبة (أسطوانة أبي
لبابة) ليلة الأربعاء ويومها وليلة الخميس ويومها والدعاء بما ورد:
اللهم إني أسألك بعزتك وقوتك وقدرتك وجميع ما أحاط
به علمك أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته وأن تفعل بي كذا
وكذا.
6 - إتيان مقام جبرائيل والدعاء بالمأثور:
أي جواد أي كريم أي قريب أي بعيد أسألك أن تصلي على
محمد وأهل بيته وأن ترد علي نعمتك.
وهناك دعاء آخر من شاء فليراجع كتب المزار.
7 - الرابع: إتيان مسجد قبا الذي بني على التقوى وأول
265

مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإتيان مشربة ام إبراهيم أي: غرفتها
التي كانت فيه، وهي مسكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومصلاه.
8 - إتيان كل من مسجدي الفضيخ والقبلتين.
9 - زيارة شهداء احد خصوصا زيارة الحمزة بن عبد المطلب
وتقول في زيارته:
السلام عليك يا عم رسول الله وخير الشهداء السلام عليك يا
أسد الله وأسد رسوله أشهد أنك قد جاهدت في الله حق جهاده
ونصحت لله ولرسوله وجدت بنفسك وطلبت ما عند الله ورغبت
فيما وعد الله.
وتصلي ركعتين في المسجد هناك، وقد ورد دعاء بعد صلاة
الزيارة، ومن شاء فليراجع كتب المزار.
والحمد لله أولا وآخرا
266

دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة
الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع
صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته
الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع جازي كل
صانع، ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، ومنزل المنافع والكتاب
الجامع، بالنور الساطع، وهو للدعوات سامع، وللكربات دافع،
وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا إله غيره، ولا شيء يعدله،
وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، اللطيف الخبير، وهو على
كل شيء قدير. اللهم إني أرغب إليك، وأشهد بالربوبية لك، مقرا
بأنك
ربي، وإليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا، وخلقتني
من التراب، ثم أسكنتني الأصلاب، آمنا لريب المنون، واختلاف
الدهور والسنين، فلم أزل ظاعنا من صلب الى رحم، في تقادم من
الأيام الماضية، والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك
لي، وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك، وكذبوا
رسلك، لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى، الذي له
يسرتني، وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك
267

وسوابغ نعمك، فابتدعت خلقي من مني يمنى، وأسكنتني في
ظلمات ثلاث، بين لحم ودم وجلد، لم تشهدني خلقي ولم تجعل
إلي شيئا من أمري، ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى
الدنيا تاما سويا، وحفظتني في المهد طفلا صبيا، ورزقتني من
الغذاء لبنا مريا، وعطفت على قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات
الرواحم، وكلأتني من طوارق الجان، وسلمتني من الزيادة
والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمن، حتى إذا استهللت ناطقا
بالكلام، أتممت علي سوابغ الأنعام، وربيتني زائدا في كل عام،
حتى إذا أكتملت فطرتي، واعتدلت مرتي، أوجبت على حجتك،
بأن ألهمتني معرفتك، وروعتني، بعجائب حكمتك وأيقظتني لما
ذرأت في سمائك، وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني لشكرك،
وذكرك، وأوجبت علي طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به
رسلك، ويسرت لي تقبل مرضاتك، ومننت علي في جميع ذلك
بعونك ولطفك، ثم إذ خلقتني من خير الثرى، لم ترض لي يا إلهي
نعمة دون اخرى، ورزقتني من أنواع المعاش، وصنوف الرياش
بمنك العظيم الأعظم علي، وإحسانك القديم إلي، حتى إذا أتممت
على جميع النعم، وصرفت عني كل النقم، لم يمنعك جهلي
وجرأتي عليك، أن دللتني إلى ما يقربني إليك، ووفقتني لما يزلفني
لديك، فإن دعوتك أجبتني، وإن سألتك أعطيتني، وإن أطعتك
شكرتني، وإن شكرتك زدتني، كل ذلك إكمال لأنعمك علي،
268

وإحسانك إلي، فسبحانك سبحانك، من مبدىء معيد، حميد مجيد،
تقدست أسماؤك، وعظمت آلآؤك، فأي نعمك يا إلهي أحصي
عددا وذكرا، أم أي عطاياك أقوم بها شكرا، وهي يا رب أكثر من أن
يحصيها العادون، أو يبلغ علما بها الحافظون، ثم ما صرفت
ودرأت عني، اللهم من الضر والضراء، أكثر مما ظهر لي من العافية
والسراء، وأنا أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني، وعقد عزمات يقيني،
وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري
نور بصري، وأسارير صفحة جبيني، وخرق مسارب نفسي،
وخذاريف مارن عرنيني ومسارب سماخ سمعي، وما ضمت
وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ لساني، ومغرز حنك فمي
وفكي، ومنابت أضراسي، ومساغ مطعمي ومشربي، وحمالة ام
رأسي، وبلوغ حبائل عنقي، وما اشتمل عليه تامور صدري
وحمائل حبل وتيني، ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي،
وما حوته شراسيف أضلاعي، وحقاق مفاصلي، وقبض عواملي،
وأطراف أناملي ولحمي ودمي، وشعري وبشري، وعصبي وقصبي،
وعظامي ومخي وعروقي، وجميع جوارحي، وما انتسج على ذلك
أيام رضاعي، وما أقلت الأرض مني، ونومي ويقظتي وسكوني
وحركات ركوعي وسجودي، أن لو حاولت واجتهدت مدى
الأعصار والأحقاب لو عمرتها أن أؤدي شكر واحدة من أنعمك ما
استطعت ذلك إلا بمنك الموجب علي به شكرك أبدا جديدا، وثناء
269

طارفا عتيدا، أجل ولو حرصت أنا والعادون من أنامك، أن نحصي
مدى إنعامك، سالفه وآنفه ما حصرناه عددا، ولا أحصيناه أمدا،
هيهات أني ذلك وأنت المخبر في كتابك الناطق، والنبإ الصادق،
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، صدق كتابك) اللهم وإنباؤك،
وبلغت أنبياؤك ورسلك، ما أنزلت عليهم من وحيك، وشرعت لهم
وبهم من دينك، غير أني يا إلهي أشهد بجهدي وجدي، ومبلغ
طاعتي ووسعي، وأقول مؤمنا موقنا، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا
فيكون موروثا، ولم يكن له شريك في ملكه فيضاده فيما ابتدع، ولا
ولي من الذل فيرفده فيما صنع، فسبحانه سبحانه، لو كان فيهما آلهة
إلا الله لفسدتا وتفطرتا، سبحان الله الواحد الأحد الصمد الذي لم
يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، الحمد لله حمدا يعادل حمد
ملآئكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وصلى الله على خيرته محمد
خاتم النبيين، وآله الطيبين، الطاهرين المخلصين وسلم.
ثم اندفع (عليه السلام) في المسألة والدعاء وقال وعيناه تنهمر بالدموع:
اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني
بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب
تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، اللهم اجعل غناي في
نفسي، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والنور في بصري،
والبصيرة في ديني، ومتعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري
الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني فيه ثأري ومآربي
270

وأقر بذلك عيني أللهم اكشف كربتي واستر عورتي واغفر لي
خطيئتي واخسأ شيطاني، وفك رهاني، واجعل لي يا إلهي الدرجة
العليا في الآخرة والاولى، أللهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني
سميعا بصيرا، ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني خلقا سويا رحمة
بي، وقد كنت عن خلقي غنيا، رب بما برأتني فعدلت فطرتي، رب
بما أنشأتني فاحسنت صورتي، رب بما أنعمت علي فهديتني، رب
بما أوليتني ومن كل خير أعطيتني، رب بما أطعمتني وسقيتني،
رب بما أغنيتني، وأقنيتني، رب بما أعنتني وأعززتني، رب بما
ألبستني من سترك الصافي، ويسرت لي من صنعك الكافي، صل
على محمد وآل محمد، وأعني على بوائق الدهور وصروف الليالي
والأيام، ونجني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة، واكفني شر ما
يعمل الظالمون في الأرض، أللهم ما أخاف فاكفني، وما أحذر
فقني، وفي نفسي وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي
أهلي ومالي فاخلفني، وفي ما رزقتني فبارك لي، وفي نفسي
فذللني، وفي أعين الناس فعظمني، ومن شر الجن والإنس
فسلمني، وبذنوبي فلا تفضحني وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي فلا
تبتلني، ونعمك فلا تسلبني، وإلي غيرك فلا تكلني، إلهي إلي من
تكلني إلي قريب فيقطعني، أم إلى بعيد فيتجهمني، أم إلى
المستضعفين لي، وأنت ربي ومليك أمري، أشكو إليك غربتي
وبعد داري، وهواني علي من ملكته أمري، إلهي فلا تحلل على
271

غضبك، فإن لم تكن غضبت علي فلا ابالي سواك، سبحانك غير
أن عافيتك أوسع لي، فأسألك يا رب بنور وجهك الذي أشرقت له
الأرض والسموات، وكشفت به الظلمات، وصلح به أمر الأولين
والآخرين، أن لا تميتني على غضبك ولا تنزل بي سخطك، لك
العتبي لك العتبي حتى ترضى قبل ذلك، لا إله إلا أنت، رب البلد
الحرام والمشعر الحرام، والبيت العتيق، الذي أحللته البركة،
وجعلته للناس أمنا، يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه، يا من
أسبغ النعماء بفضله، يامن أعطى الجزيل بكرمه، يا عدتي في
شدتي، يا صاحبي في وحدتي، يا غياثي في كربتي، يا وليي في
نعمتي، يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب
ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ورب محمد خاتم النبيين وآله
المنتجبين، ومنزل التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان، ومنزل
كهيعص، وطه ويس، والقرآن الحكيم، أنت كهفي حين تعينني
المذاهب في سعتها وتضيق بي الأرض برحبها، ولولا رحمتك
لكنت من الهالكين، وأنت مقيل عثرتي، ولولا سترك إياي لكنت
من المفضوحين، وأنت مؤيدي بالنصر على أعدائي، ولولا نصرك
إياي لكنت من المغلوبين، يا من خص نفسه بالسمو والرفعة،
فاولياؤه بعزه يعتزون، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على
أعناقهم، فهم من سطواته خائفون، يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور، وغيب ما تأتي به الأزمنة والدهور، يا من لا يعلم كيف هو
272

إلا هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو يا من لا يعلمه إلا هو يا من كبس
الأرض على الماء، وسد الهواء بالسماء، يا من له أكرم الأسماء، يا
ذالمعروف الذي لا ينقطع أبدا، يا مقيض الركب ليوسف في البلد
القفر، ومخرجه من الجب وجاعله بعد العبودية ملكا، يا راده على
يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، يا كاشف الضر
والبلوى عن أيوب، ويا ممسك يدى إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر
سنه، وفناء عمره، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى، ولم يدعه
فردا وحيدا، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، ويا من فلق
البحر لبني إسرائيل فانجاهم، وجعل فرعون وجنوده من المغرقين،
يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدى رحمته، يا من لم يعجل على
من عصاه من خلقه، يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود،
وقد غدوا في نعمته، يأكلون، رزقه، ويعبدون غيره، وقد حادوه
ونادوه وكذبوا رسله، يا الله يا الله، يا بدي، يا بديعا لا ند لك، يا دائما
لا نفاد لك، يا حيا حين لا حي، يا محيي الموتى، يا من هو قائم
على كل نفس بما كسبت، يا من قل له شكري فلم يحرمني،
وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم
يشهرني يا من حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري، يا من
أياديه عندي لا تحصي، ونعمه لا تجازي، يا من عارضني بالخير
والإحسان، وعارضته بالإساءة والعصيان، يا من هداني بالإيمان
من قبل أن أعرف شكر الإمتنان، يا من دعوته مريضا فشفاني،
273

وعريانا فكساني، وجائعا فاشبعني، وعطشانا فارواني، وذليلا
فاعزني، وجاهلا فعرفني، ووحيدا فكثرني، وغائبا فردني، ومقلا
فأغناني، ومنتصرا فنصرني، وغنيا فلم يسلبني، وأمسكت عن
جميع ذلك فابتدأني، فلك الحمد والشكر، يا من أقال عثرتي،
ونفس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر عورتي، وغفر ذنوبي، وبلغني
طلبتي، ونصرني علي عدوي، وإن أعد نعمك ومننك وكرائم
منحك لا أحصيها، يا مولاي أنت الذي مننت، أنت الذي أنعمت،
أنت الذي أحسنت، أنت الذي أجملت، أنت الذي أفضلت، أنت
الذي أكملت، أنت الذي رزقت، أنت الذي وفقت، أنت الذي
أعطيت، أنت الذي أغنيت، أنت الذي أقنيت، أنت الذي آويت،
أنت الذي كفيت، أنت الذي هديت، أنت الذي عصمت، أنت الذي
سترت، أنت الذي غفرت، أنت الذي أقلت، أنت الذي مكنت، أنت
الذي أعززت، أنت الذي أعنت، أنت الذي عضدت، أنت الذي
أيدت أنت الذي نصرت أنت الذي شفيت أنت الذي عافيت أنت
الذي أكرمت، تباركت وتعاليت، فلك الحمد دائما، ولك الشكر
واصبا أبدا، ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي
أسأت، أنا الذي أخطات أنا الذي هممت، أنا الذي جهلت، أنا
الذي غفلت، أنا الذي سهوت، أنا الذي اعتمدت، أنا الذي
تعمدت، أنا الذي وعدت، أنا الذي أخلفت، أنا الذي نكثت، أنا
الذي أقررت، أنا الذي اعترفت، بنعمتك علي وعندي، وأبوء
274

بذنوبي فاغفرها لي، يا من لا تضره ذنوب عباده، وهو الغني عن
طاعتهم، والموفق من عمل صالحا منهم بمعونته ورحمته، فلك
الحمد إلهي وسيدي، إلهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت
نهيك، فاصبحت لا ذا براءة لي فأعتذر، ولاذا قوة فانتصر، فبأي
شيء أستقبلك يا مولاي، أبسمعي أم ببصري، ام بلساني، أم بيدي
أم برجلي، أليس كلها نعمك عندي، وبكلها عصيتك يا مولاي،
فلك الحجة والسبيل علي، يا من سترني من الآباء والامهات أن
يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيروني، ومن السلاطين أن
يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما
أنظروني، ولرفضوني، وقطعوني، فها أنا ذا يا إلهي بين يديك، يا
سيدي، خاضع ذليل، حصير حقير، لاذو براءة فأعتذر، ولا ذو قوة
فانتصر، ولا حجة فأحتج بها ولا قائل لم أجترح، ولم أعمل سوء،
وما عسى الجحود، ولو جحدت يا مولاي ينفعني، كيف وأني
ذلك، وجوارحي كلها شاهدة علي بما قد عملت، وعلمت يقينا
غير ذي شك أنك سائلي من عظائم الأمور، وأنك الحكم العدل
الذي لا تجور، وعدلك مهلكي، ومن كل عدلك مهربي، فإن
تعذبني يا إلهي فبذنوبي بعد حجتك علي، وإن تعف عني فبحلمك
وجودك وكرمك، لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين، لا
إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من المستغفرين، لا إله إلا أنت،
سبحانك إني كنت من الموحدين، لا إله إلا أنت، سبحانك إني
275

كنت من الخائفين، لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الوجلين،
لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الراجين، لا إله إلا أنت،
سبحانك إني كنت من الراغبين، لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت
من المهللين، لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من السائلين، لا إله
إلا أنت، سبحانك إني كنت من المسبحين، لا إله إلا أنت، سبحانك
إني كنت من المكبرين، لا إله إلا أنت، سبحانك ربي ورب آبائي
الأولين، أللهم هذا ثنائي عليك ممجدا، واخلاصي بذكرك موحدا،
وإقراري بآلائك معددا، وإن كنت مقرا أني لم احصيها، لكثرتها
وسبوغها، وتظاهرها وتقادمها إلى حادث، ما لم تزل تتعهدني به
معها منذ خلقتني وبرأتني من أول العمر، من الإغناء، من الفقر،
وكشف الضر، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج الكرب،
والعافية في البدن، والسلامة في الدين، ولو رفدني على قدر ذكر
نعمتك جميع العالمين من الأولين والآخرين، ما قدرت ولاهم
على ذلك، تقدست وتعاليت من رب كريم، عظيم رحيم، لا تحصي
آلاؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافي نعماؤك، فصل على محمد وآل
محمد، وأتمم علينا نعمك، وأسعدنا بطاعتك، سبحانك لا إله الا
أنت، أللهم إنك تجيب المضطر، وتكشف السوء، وتغيث
المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم
الصغير، وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وأنت
العلي الكبير، يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا
276

عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير، صل على
محمد وآل محمد، وأعطني في هذه العشية، أفضل ما أعطيت
وأنلت أحدا من عبادك نعمة توليها، وآلاء تجددها، وبلية تصرفها،
وكربة تكشفها، ودعوة تسمعها، وحسنة تتقبلها، وسيئة تتغمدها،
إنك لطيف بما تشاء خبير، وعلى كل شيء قدير، أللهم إنك أقرب
من دعي، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفى، وأوسع من أعطى،
وأسمع من سئل، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ليس كمثلك
مسؤول، ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني،
ورغبت إليك فرحمتني ووثقت بك فنجيتني، وفزعت إليك
فكفيتني، أللهم فصل على محمد عبدك ورسولك ونبيك، وعلى
آله الطيبين، الطاهرين أجمعين وتمم لنا نعماءك، وهنئنا عطاءك،
وأكتبنا لك شاكرين، ولآلائك ذاكرين، آمين آمين، رب العالمين،
أللهم يا من ملك فقدر، وقدر فقهر، وعصي فستر، واستغفر فغفر، يا
غاية الطالبين الراغبين، ومنتهى أمل الراجين، يا من أحاط بكل
شيء علما، ووسع المستقيلين رأفة ورحمة وحلما، أللهم إنا نتوجه
إليك في هذه العشية، التي شرفتها وعظمتها بمحمد نبيك
ورسولك، وخيرتك من خلقك، وأمينك علي وحيك، البشير
النذير، السراج المنير، الذي أنعمت به على المسلمين، وجعلته
رحمة للعالمين، أللهم فصل على محمد وآل محمد، كما محمد
أهل لذلك منك، يا عظيم فصل عليه وعلى آله، المنتجبين
277

الطيبين، الطاهرين أجمعين، وتغمدنا بعفوك عنا، فإليك عجت
الأصوات بصنوف اللغات، فاجعل لنا أللهم في هذه العشية نصيبا،
من كل خير تقسمه بين عبادك، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها،
وبركة تنزلها، وعافية تجللها، ورزق تبسطه، يا أرحم الراحمين،
أللهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين،
ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نؤمله
من فضلك ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا لفضل ما نؤمله
من عطائك قانطين، ولا تردنا خائبين ولا من بابك مطرودين، يا
أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، إليك أقبلنا موقنين، ولبيتك
الحرام آمين قاصدين، فاعنا على مناسكنا، وأكمل لنا حجنا، واعف
عنا وعافنا، فقد مددنا إليك أيدينا فهي بذلة الإعتراف موسومة،
أللهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك، واكفنا ما استكفيناك، فلا
كافي لنا سواك، ولا رب لنا غيرك، نافذ فينا حكمك، محيط بنا
علمك، عدل فينا قضاؤك إقض لنا الخير، واجعلنا من أهل الخير،
أللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر، وكريم الذخر، ودوام اليسر،
واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا تصرف عنا
رأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين، أللهم اجعلنا في هذا الوقت
ممن سألك فأعطيته، وشكرك فزدته، وتاب إليك فقبلته وتنصل
إليك من ذنوبه كلها فغفرتها له، يا ذالجلال والإكرام، أللهم ونقنا
وسددنا واعصمنا واقبل تضرعنا، يا خير من سئل، ويا أرحم من
278

استرحم، يا من لا يخفى عليه إغماض الجفون، ولا لحظ العيون،
ولا ما استقر في المكنون، ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب،
ألا كل ذلك قد أحصاه علمك، ووسعه حلمك، سبحانك وتعاليت
عما يقول الظالمون، علوا كبيرا، تسبح لك السموات السبع،
والأرضون ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمدك، فلك الحمد
والمجد، وعلو الجد، يا ذالجلال والاكرام، والفضل والإنعام،
والأيادي الجسام، وأنت الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، أللهم
أوسع علي من رزقك الحلال، وعافني في بدني وديني، وآمن
خوفي، واعتق رقبتي من النار، أللهم لا تمكر بي، ولا تستدرجني،
ولا تخدعني، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس.
ثم رفع الإمام الحسين (عليه السلام) رأسه وبصره إلى السماء وعيناه تفيضان
بالدمع كأنهما مزادتان وقال:
يا أسمع السامعين، يا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا
أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد، السادة الميامين،
وأسألك أللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها، لم يضرني ما منعتني، وإن
منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك رقبتي من النار، لا إله
إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لك الملك، ولك الحمد، وأنت
على كل شيء قدير، يا رب يا رب.
وكان (عليه السلام) يكرر قوله: (يارب) فشغل من حوله عن الدعاء لأنفسهم،
279

وأقبلوا على السماع إليه والتأمين على دعائه، ثم علت أصواتهم
بالبكاء معه حتى غربت الشمس، وأفاض الناس معه.
وأضاف السيد ابن طاووس (قدس سره) بعد يا رب يا رب هذه الزيادة:
إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري، إلهي أنا
الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي، إلهي إن
اختلاف تدبيرك، وسرعة طواء مقاديرك، منعا عبادك العارفين بك
عن السكون إلى عطاء، واليأس منك في بلاء، إلهي مني ما يليق
بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك، إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة
لي، قبل وجود ضعفي أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي، إلهي إن
ظهرت المحاسن مني فبفضلك، ولك المنة علي، وإن ظهرت
المساوي مني، فبعدلك، ولك الحجة علي، إلهي، كيف تكلني وقد
تكفلت لي، وكيف أضام وأنت الناصر لي، أم كيف أخيب وأنت
الحفي بي، ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك، وكيف أتوسل إليك بما
هو محال أن يصل إليك، أم كيف أشكو إليك حالي، وهو لا يخفى
عليك، أم كيف أترجم بمقالي وهو منك برز إليك، أم كيف تخيب
آمالي وهي قد وفدت إليك، أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت،
إلهي ما ألطفك بي، مع عظيم جهلي، وما أرحمك بي مع قبيح
فعلي، إلهي ما أقربك مني وأبعدني عنك، وما أرأفك بي فما الذي
يحجبني عنك، إلهي علمت باختلاف الآثار، وتنقلات الأطوار، أن
مرادك مني، أن تتعرف إلي في كل شيء، حتى لا أجهلك في شيء
280

إلهي كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك، وكلما آيستني أوصافي
أطمعتني مننك، إلهي من كانت محاسنه مساوئ، فكيف لا تكون
مساوؤه مساوئ، ومن كانت حقائقه دعاوي، فكيف لا تكون دعاويه
دعاوي، إلهي حكمك النافذ، ومشيتك القاهرة، لم يتركا لذي مقال
مقالا، ولا لذي حال حالا، إلهي كم من طاعة بنيتها، وحالة شيدتها،
هدم اعتمادي عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك إلهي إنك تعلم
أني وإن لم تدم الطاعة مني فعلا جزما فقد دامت محبة وعزما، إلهي
كيف أعزم وأنت القاهر، وكيف لا أعزم وأنت الآمر، إلهي ترددي
في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني
إليك، كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون
لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك متى
غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون
الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيبا،
وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا، إلهي أمرت
بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوة الأنوار، وهداية
الإستبصار، حتى أرجع إليك منها، كما دخلت إليك منها، مصون
السر عن النظر إليها، ومرفوع الهمة عن الإعتماد عليها، إنك على
كل شيء قدير، إلهي هذا ذلي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا
يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك أستدل عليك،
فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك إلهي
281

علمني من علمك المخزون، وصني بسترك المصون، إلهي حققني
بحقائق أهل القرب، واسلك بي مسلك أهل الجذب، إلهي أغنني
بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري، وأوقفني علي
مراكز اضطراري، إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني، من شكي
وشركي قبل حلول رمسي، بك أنتصر فانصرني وعليك أتوكل فلا
تكلني وإياك أسأل فلا تخيبني، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني،
وبجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا تطردني، إلهي
تقدس رضاك أن يكون له علة منك، فكيف يكون له علة مني، إلهي
أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف لا تكون غنيا
عني، إلهي إن القضاء والقدر يمنيني، وإن الهوى بوثائق الشهوة
أسرني، فكن أنت النصير لي، حتى تنصرني وتبصرني، وأغنني
بفضلك حتى أستغني بك عن طلبي، أنت الذي أشرقت الأنوار في
قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار
عن قلوب أحبائك، حتى لم يحبوا سواك، ولم يلجأوا إلي غيرك،
أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم
حيث استبانت لهم المعالم، ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من
وجدك لقد خاب من رضي دونك بدلا، ولقد خسر من بغى عنك
متحولا، كيف يرجي سواك، وأنت ما قطعت الإحسان، وكيف
يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الإمتنان، يا من أذاق أحباءه
حلاوة المؤانسة، فقاموا بين يديه متملقين، ويا من ألبس أولياءه
282

ملابس هيبته، فقاموا بين يديه مستغفرين، أنت الذاكر قبل
الذاكرين، وأنت البادىء بالإحسان قبل توجه العابدين، وأنت
الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب، ثم لما وهبت لنا
من المستقرضين، إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك،
واجذبني بمنك حتى أقبل عليك، إلهي إن رجائي لا ينقطع عنك
وإن عصيتك، كما أن خوفي لا يزايلني وإن أطعتك، فقد دفعتني
العوالم إليك، وقد أوقعني علمي بكرمك عليك، إلهي كيف أخيب
وأنت أملي، أم كيف أهان وعليك متكلي، إلهي كيف أستعز وفي
الذلة أركزتني، أم كيف لا أستعز وإليك نسبتني، إلهي كيف لا أفتقر
وأنت الذي في الفقراء أقمتني، أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك
أغنيتني، وأنت الذي لا إله غيرك تعرفت لكل شيء فما جهلك
شيء، وأنت الذي تعرفت إلي في كل شيء، فرأيتك ظاهرا في كل
شيء، وأنت الظاهر لكل شيء، يا من استوى برحمانيته فصار
العرش غيبا في ذاته، محقت الآثار، بالآثار وموت الأغيار
بمحيطات أفلاك الأنوار، يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن
تدركه الإبصار، يا من تجلي بكمال بهائه، فتحققت عظمته
الإستواء، كيف تخفي وأنت الظاهر، أم كيف تغيب وأنت الرقيب
الحاضر، إنك على كل شيء قدير، والحمد لله وحده.
283

دعاء الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) يوم عرفة
ألحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد بديع السموات والأرض
ذالجلال والإكرام رب الأرباب وإله كل مألوه وخالق كل مخلوق
ووارث كل شيء، ليس كمثله شيء، ولا يعزب عنه علم شيء وهو
بكل شيء محيط، وهو على كل شيء رقيب، وأنت الله لا إله إلا
أنت الأحد المتوحد الفرد المتفرد، أنت الله لا إله إلا أنت الكريم
المتكرم العظيم المتعظم الكبير المتكبر، وأنت الله لا إله إلا أنت
العلي المتعال الشديد المحال، وانت الله لا إله إلا أنت الرحمان
الرحيم العلم الحكيم، وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير القديم
الخبير، وأنت الله لا إله إلا أنت الكريم الأكرم الدائم الأدوم، وأنت
الله لا إله إلا أنت الأول قبل كل أحد والآخر بعد كل عدد، وأنت الله
لا إله إلا أنت الداني في علوه والعالي في دنوه، وأنت الله لا إله إلا
أنت ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد، وأنت الله لا إله إلا أنت
الذي أنشات الأشياء من غير سنخ وصورت ما صورت من غير
مثال وابتدعت المبتدعات بلا احتذاء، أنت الذي قدرت كل شيء
تقديرا ويسرت كل شيء تيسيرا ودبرت ما دونك تدبيرا، أنت الذي
لم يعنك على خلقك شريك ولم يؤازرك في أمرك وزير ولم يكن
284

لك مشاهد ولا نظير، أنت الذي أردت فكان حتما ما أردت
وقضيت فكان عدلا ما قضيت وحكمت فكان نصفا ما حكمت،
أنت الذي لا يحويك مكان ولم يقم لسلطانك سلطان ولم يعيك
برهان ولا بيان، أنت الذي أحصيت كل شيء عددا وجعلت لكل
شيء أمدا وقدرت كل شيء تقديرا، أنت الذي قصرت الأوهام عن
ذاتيتك وعجزت الأفهام عن كيفيتك ولم تدرك الأبصار موضع
أينيتك، أنت الذي لا تحد فتكون محدودا ولم تمثل فتكون
موجودا ولم تلد فتكون مولودا، أنت الذي لا ضد معك فيعاندك
ولا عدل لك فيكاثرك ولا ند لك فيعارضك، أنت الذي ابتدأ
واخترع واستحدث وابتدع وأحسن صنع ما صنع، سبحانك ما أجل
شأنك وأسنى في الأماكن مكانك وأصدع بالحق فرقانك، سبحانك
من لطيف ما ألطفك ورؤوف ما أرأفك وحكيم ما أعرفك،
سبحانك من مليك ما أمنعك وجواد ما أوسعك ورفيع ما أرفعك
ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد، سبحانك بسطت بالخيرات
يدك وعرفت الهداية من عندك فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك،
سبحانك خضع لك من جرى في علمك وخشع لعظمتك ما دون
عرشك وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تجس ولا تحس
ولا تمس ولا تكاد ولا تماط ولا تنازع ولا تجاري ولا تماري ولا
تخادع ولا تماكر، سبحانك سبيلك جدد وأمرك رشد وأنت حي
285

صمد سبحانك قولك حكم وقضاؤك حتم وإرادتك عزم، سبحانك
لا راد لمشيتك ولا مبدل لكلماتك سبحانك باهر الآيات فاطر
السموات بارىء النسمات، لك الحمد حمدا يدوم بدوامك، ولك
الحمد حمدا خالدا بنعمتك، ولك الحمد حمدا يوازي صنعك،
ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك، ولك الحمد حمدا مع حمد
كل حامد، وشكرا يقصر عنه شكر كل شاكر، حمدا لا ينبغي إلا لك
ولا يتقرب به إلا إليك، حمدا يستدام به الأول ويستدعى به دوام
الآخر، حمدا يتضاعف على كرور الأزمنة ويتزايد أضعافا مترادفة،
حمدا يعجز عن إحصائه الحفظة ويزيد على ما أحصته في كتابك
الكتبة، حمدا يوازن عرشك المجيد ويعادل كرسيك الرفيع، حمدا
يكمل لديك ثوابه ويستغرق كل جزاء جزاؤه، حمدا ظاهره وفق
لباطنه وباطنه وفق لصدق النية، حمدا لم يحمدك خلق مثله ولا
يعرف أحد سواك فضله، حمدا يعان من اجتهد في تعديده ويؤيد
من أغرق نزعا في توفيته، حمدا يجمع ما خلقت من الحمد وينتظم
ما أنت خالقة من بعد، حمدا لا حمد أقرب إلى قولك منه ولا
أحمد ممن يحمدك به، حمدا يوجب بكرمك المزيد بوفوره
وتصله بمزيد بعد مزيد طولا منك، حمدا يجب لكرم وجهك
ويقابل عز جلالك، رب صل على محمد وآل محمد المنتجب
المصطفى المكرم المقرب أفضل صلواتك وبارك عليه أتم
286

بركاتك وترحم عليه أمتع رحماتك، رب صل على محمد وآله
صلاة زاكية لا تكون صلاة أزكى منها، وصل عليه صلاة نامية
لا تكون صلاة أنمي منها، وصل عليه صلاة راضية لا تكون صلاة
فوقها، رب صل على محمد وآله صلاة ترضيه وتزيد على رضاه،
وصل عليه صلاة ترضيك وتزيد على رضاك له، وصل عليه صلاة
لا ترضى له إلا بها ولا ترى غيره لها أهلا، رب صل على محمد وآله
صلاة تجاوز رضوانك ويتصل اتصالها ببقائك ولا ينفذ كما لا تنفد
كلماتك، رب صل على محمد وآله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك
وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك وتشتمل على صلوات عبادك من
جنك وإنسك وأهل إجابتك وتجتمع على صلاة كل من ذرأت
وبرأت من أصناف خلقك، رب صل عليه وآله صلاة تحيط بكل
صلاة سالفة ومستأنفة وصل عليه وعلى آله صلاة مرضية لك ولمن
دونك، وتنشيء مع ذلك صلاة تضاعف معها تلك الصلوات
عندها وتزيدها على كرور الأيام زيادة في تضاعيف لا يعدها
غيرك رب صل على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك
وجعلتهم خزنة علمك وحفظة دينك وخلفاءك في أرضك
وحججك على عبادك وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيرا
بإرادتك وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك، رب صل
عليه وعليهم صلاة تجزل لهم بها من نحلك وكرامتك وتكمل لهم
287

الأشياء من عطاياك ونوافلك وتوفر عليهم الحظ من عوائدك
وفوائدك، رب صل على محمد وآله صلاة لا أمد في أولها ولا غاية
لأمدها ولا نهاية لآخرها، رب صل عليهم زنة عرشك وما دونه
وملء سمواتك وما فوقهن وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن،
صلاة تقربهم منك زلفى وتكون لك ولهم رضى ومتصلة بنظائرهن
أبدا، أللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علما لعبادك
ومنارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك وجعلته الذريعة إلى
رضوانك وافترضت طاعته وحذرت معصيته وأمرت بامتثال أمره
والإنتهاء عند نهيه وألا يتقدمه متقدم ولا يتأخر عنه متأخر، فهو
عصمة اللائذين وكهف المؤمنين وعروة المتمسكين وبهاء
العالمين، أللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه، وأوزعنا مثله
فيه وآته من لدنك سلطانا نصيرا وافتح له فتحا يسيرا وأعنه بركنك
الأعز واشدد أزره وقو عضده وراعه بعينك واحمه بحفظك
وانصره بملائكتك وامدده بجندك الأغلب وأقم به كتابك وحدودك
وشرائعك وسنن رسولك صلواتك أللهم عليه وآله، وأحي به ما
أماته الظالمون من معالم دينك واجل به صدأ الجور عن طريقتك،
وأبن به الضراء من سبيلك، وأزل به الناكبين عن صراطك، وامحق
به بغاة قصدك عوجا، وألن جانبه لأوليائك، وابسط يده على
أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه، واجعلنا له
288

سامعين مطيعن، وفي رضاه ساعين وإلى نصرته والمدافعة عنه
مكنفين، وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك
متقربين، أللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم المتبعين
منهجهم، المقتفين آثارهم المستمسكين بعروتهم، المتمسكين
بولايتهم، المؤتمين بإمامتهم، المسلمين لأمرهم، المجتهدين في
طاعتهم، المنتظرين أيامهم، المادين إليهم أعينهم الصلوات
المباركات الزكيات الناميات الغاديات الرائحات، وسلم عليهم
وعلى أرواحهم، واجمع على التقوى أمرهم وأصلح لهم شؤنهم
وتب عليهم إنك أنت التواب الرحيم وخير الغافرين، واجعلنا معهم
في دار السلام برحمتك يا أرحم الراحمين، أللهم هذا يوم عرفة يوم
شرفته وكرمته وعظمته، نشرت فيه رحمتك ومننت فيه بعفوك
وأجزلت فيه عطيتك وتفضلت به على عبادك، أللهم وأنا عبدك،
الذي أنعمت عليه قبل خلقك له وبعد خلقك إياه فجعلته ممن
هديته لدينك ووفقته لحقك وعصمته بحبلك وأدخلته في حزبك
وأرشدته لموالاة أوليائك ومعاداة أعدائك، ثم أمرته فلم يأتمر
وزجرته فلم ينزجر ونهيته عن معصيتك فخالف أمرك إلي نهيك، لا
معانده لك ولا استكبارا عليك بل دعاه هواه إلى ما زيلته وإلى ما
حذرته، وأعانه على ذلك عدوك وعدوه فاقدم عليه عارفا بوعيدك
راجيا لعفوك واثقا بتجاوزك وكان أحق عبادك مع ما مننت عليه ألا
289

يفعل، وها أنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا خائفا
معترفا بعظيم من الذنوب تحملته، وجليل من الخطايا اجترمته
مستجيرا بصفحك لائذا برحمتك موقنا أنه لا يجيرني منك مجير
ولا يمنعني منك مانع، فعد علي بما تعود به على من اقترف من
تغمدك، وجد على بما تجود به على من ألقى بيده إليك من عفوك
وامنن علي بما لا يتعاظمك أن تمن به على من أملك من غفرانك،
وأجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال به حظا من رضوانك ولا تردني
صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك، وإني وإن لم أقدم ما
قدموه من الصالحات فقد قدمت توحيدك ونفي الأضداد والأنداد
والأشباه عنك، وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتي منها
وتقربت إليك بما لا يقرب أحد منك إلا بالتقرب به ثم أتبعت ذلك
بالإنابة إليك والتذلل والإستكانة لك وحسن الظن بك والثقة بما
عندك، وشفعته برجائك الذي قل ما يخيب عليه راجيك وسألتك
مسألة الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير، ومع ذلك
خيفة وتضرعا وتعوذا وتلوذا لا مستطيلا بتكبر المتكبرين ولا
متعاليا بدالة المطيعين ولا مستطيلا بشفاعة الشافعين، وأنا بعد أقل
الأقلين وأذل الأذلين ومثل الذرة أو دونها، فيا من لم يعاجل
المسيئين ولا ينده المترفين، ويا من يمن بإقالة العاثرين ويتفضل
بإنظار الخاطئين، أنا المسيء المعترف الخاطئ العاثر، أنا الذي
290

أقدم عليك مجترئا أنا الذي عصاك متعمدا، أنا الذي استخفي من
عبادك وبارزك، أنا الذي هاب عبادك وأمنك، أنا الذي لم يرهب
سطوتك ولم يخف بأسك، أنا الجاني على نفسه، أن المرتهن
ببليته، أن القليل الحياء، أنا الطويل العناء بحق من انتجبت من
خلقك وبمن اصطفيته لنفسك، بحق من اخترت من بريتك ومن
اجتبيت لشأنك، بحق من وصلت طاعته بطاعتك، ومن جعلت
معصيته كمعصيتك، بحق من قرنت موالاته بموالاتك ومن نطت
معاداته بمعاداتك، تغمدني في يومي هذا بما تتغمد به من جأر
إليك متنصلا وعاذ باستغفارك تائبا وتولني بما تتولى به أهل
طاعتك والزلفى لديك والمكانة منك وتوحدنى بما تتوحد به من
وفي بعهدك وأتعب نفسه في ذاتك وأجهدها في مرضاتك، ولا
تؤاخذني بتفريطي في جنبك وتعدى طوري في حدودك ومجاوزة
أحكامك، ولا تستدرجني بإملائك لي استدراج من منعني خير ما
عنده ولم يشركك في حلول نعمته بي ونبهني من رقدة الغافلين
وسنة المسرفين ونعسة المخذولين، وخذ بقلبي إلى ما استعملت به
القانتين، واستعبدت به المتعبدين، واستنقذت به المتهاونين،
وأعذني مما يباعدني عنك ويحول بيني وبين حظي منك ويصدني
عما أحاول لديك، وسهل لي مسلك الخيرات إليك والمسابقه إليها
من حيث أمرت والمشاحة فيها على ما أردت ولا تمحقني في من
291

تمحق من المستخفين بما أوعدت، ولا تهلكني مع من تهلك من
المتعرضين لمقتك، ولا تتبرني في من تتبر من المنحرفين عن
سبلك، ونجني من غمرات الفتنة، وخلصني من لهوات البلوى،
وأجرني من أخذ الإملاء، وحل بيني وبين عدو يضلني وهوى
يوبقني ومنقصة ترهقني، ولا تعرض عني إعراض من لا ترضى
عنه بعد غضبك، ولا تؤيسني من الأمل فيك فيغلب علي القنوط
من رحمتك، ولا تمنحني بما لا طاقة لي به فتبهظني مما تحملنيه
من فضل محبتك، ولا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه ولا
حاجة بك إليه ولا إنابة له، ولا ترم بي رمي من سقط من عين
رعايتك ومن اشتمل عليه الخزي من عندك، بل خذ بيدي من
سقطة المتردين ووهلة المتعسفين وزلة المغرورين وورطة
الهالكين، وعافني مما ابتليت به طبقات عبيدك وإمائك، وبلغني
مبالغ من عنيت به وأنعمت عليه ورضيت عنه فاعشته حميدا
وتوفيته سعيدا، وطوقني طوق الإقلاع عما يحبط الحسنات
ويذهب بالبركات، وأشعر قلبي الإزدجار عن قبائح السيئات
وفواضح الحوبات، ولا تشغلني بما لا أدركه إلا بك عما لا يرضيك
عني غيره، وأنزع من قلبي حب دنيا دنية تنهي عما عندك وتصد
عن ابتغاء الوسيلة إليك وتذهل عن التقرب منك، وزين لي التفرد
بمناجاتك بالليل والنهار، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك
292

وتقطعني عن ركوب محارمك وتفكني من أسر العظائم وهب لي
التطهير من دنس العصيان وأذهب عني درن الخطايا وسربلني
بسربال عافيتك، وردني رداء معافاتك وجللني سوابغ نعمائك،
وظاهر لدي فضلك وطولك، وأيدني بتوفيقك وتسديدك، وأعني
على صالح النية ومرضي القول ومستحسن العمل، ولا تكلني إلى
حولي وقوتي دون حولك وقوتك، ولا تخزني يوم تبعثني للقائك،
ولا تفضحني بين يدي أوليائك، ولا تنسني ذكرك ولا تذهب عني
شكرك بل ألزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين لآلائك،
وأوزعني أن اثني بما أوليتنيه وأعترف بما أسديته إلي، واجعل
رغبتي إليك فوق رغبة الراغبين وحمدي إياك فوق حمد
الحامدين، ولا تخذلني عند فاقتي إليك، ولا تهلكني بما أسديته
إليك، ولا تجبهني بما جبهت به المعاندين لك، فإني لك مسلم
أعلم أن الحجة لك وأنك أولى بالفضل وأعود بالإحسان وأهل
التقوى وأهل المغفرة، وأنك بأن تعفو أولى منك أن تعاقب، وأنك
بأن تستر أقرب منك إلى أن تشهر، فأحيني حياة طيبة تنتظم بما
أريد وتبلغ بي ما أحب من حيث لا آتي ما تكره ولا أرتكب ما
نهيت عنه، وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه وعن يمينه،
وذللني بين يديك وأعزني عند خلقك وضعني إذا خلوت بك
وارفعني بين عبادك، وأغنني عمن هو غني عني، وزدني إليك فاقة
293

وفقرا، وأعذني من شماتة الأعداء ومن حلول البلاء ومن الذل
والعناء، وتغمدني في ما اطلعت عليه مني بما يتغمد به القادر على
البطش لولا حلمه والآخذ على الجريرة لولا أناته، وإذا أردت بقوم
فتنة أو سوء فنجني منها لواذا بك، وإذ لم تقمني مقام فضيحة في
دنياك فلا تقمني مثله في آخرتك، واشفع لي أوائل مننك بأواخرها
وقديم فوائدك بحوادثها، ولا تمدد لي مدا يقسو معه قلبي، ولا
تقرعني قارعة يذهب لها بهائي ولا تسمني خسيسة يصغر لها
قدري، ولا نقيصة يجهل من أجلها مكاني، ولا ترعني روعة ابلس
بها ولا خيفة أوجس دونها، اجعل هيبتي في وعيدك وحذري من
إعذارك وإنذارك ورهبتي عند تلاوة آياتك، واعمر ليلي بإيقاظي
فيه لعبادتك وتفردي بالتهجد لك، وتجردي بسكوني إليك، وإنزال
حوائجي بك ومنازلتي إياك في فكاك رقبتي من نارك، وإجارتي
مما فيه أهلها من عذبك ولا تذرني في طغياني عامها، ولا في
غمرتي ساهيا حتى حين، ولا تجعلني عظة لمن اتعظ ولا نكالا
لمن اعتبر ولا فتنة لمن نظر، ولا تمكر بي في من تمكر به، ولا
تستبدل بي غيري، ولا تغير لي اسما، ولا تبدل لي جسما، ولا
تتخذني هزوا لخلقك، ولا سخريا لك، ولا تبعا إلا لمرضاتك، ولا
ممتهنا إلا بالإنتقام لك، وأوجدني برد عفوك وحلاوة رحمتك
وروحك وريحانك وجنة نعيمك، وأذقني طعم الفراغ لما تحب
294

بسعة من سعتك، والإجتهاد في ما يزلف لديك وعندك، وأتحفني
بتحفة من تحفاتك، واجعل تجارتي رابحة وكرتي غير خاسرة،
وأخفني مقامك وشوقني لقاءك، وتب علي توبة نصوحا لا تبقي
معها ذنوبا صغيرة ولا كبيرة، ولا تذر معها علانية ولا سريرة، وانزع
الغل من صدري للمؤمنين، وأعطف بقلبي على الخاشعين، وكن
لي كما تكون للصالحين، وحلني حلية المتقين، واجعل لي لسان
صدق في الغابرين وذكرا ناميا في الآخرين، وواف بي عرصة
الأولين وتمم سبوغ نعمتك علي وظاهر كراماتها لدي، واملأ من
فوائدك يدي وسق كرائم مواهبك إلي، وجاور بي الأطيبين من
أوليائك في الجنان التي زينتها لأصفيائك، وجللني شرائف نحلك
في المقامات المعدة لأحبائك، واجعل لي عندك مقيلا آوي إليه
مطمئنا ومثابة أتبوأها وأقر عينا، ولا تقايسني بعظيمات الجرائر، ولا
تهلكني يوم تبلى السرائر، وأزل عني كل شك وشبهة، واجعل لي
في الحق طريقا من كل رحمة، وأجزل لي قسم المواهب من نوالك
ووفر علي حظوظ الإحسان من إفضالك، واجعل قلبي واثقا بما
عندك وهمي مستفرغا لما هو لك وأستعملني بما تستعمل به
خالصتك، وأشرب قلبي عند ذهول العقول طاعتك، واجمع لي
الغنى والعفاف والدعة والمعافاة والصحة والسعة والطمأنينة
والعافية، ولا تحبط حسناتي بما يشوبها من معصيتك ولا خلواتي
295

بما يعرض لي من نزعات فتنتك، وصن وجهي عن الطلب إلى
أحد من العالمين وذبني عن التماس ما عند الفاسقين، ولا تجعلني
للظالمين ظهيرا ولا لهم على محو كتابك يدا ونصيرا، وحطني من
حيث لا أعلم حياطة تقيني بها، وافتح لي أبواب توبتك ورحمتك
ورأفتك ورزقك الواسع، إني إليك من الراغبين، وأتمم لي إنعامك
إنك خير المنعمين، واجعل باقي عمري في الحج والعمرة ابتغاء
وجهك يا رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين
الطاهرين والسلام عليه وعليهم أبد الآبدين.
والحمد لله رب العالمين
296