الكتاب: منهاج الصالحين
المؤلف: السيد محمد سعيد الحكيم
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٦ م
المطبعة:
الناشر: دار الصفوة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

منهاج الصالحين
1

منهاج الصالحين
المعاملات
فتاوى
السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
القسم الأول
دار الصفوة
بيروت لبنان
3

جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1416 ه‍ - 1996 م
بيروت - بئر العبد - الصنوبرة - مقابل سنتر داغر - بناية دياب مهدي
ت: 823518 - 822167 - 601002
فاكس: 009611601019
ص. ب: 63 / 24
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم
أجمعين، إلى يوم الدين
5

كتاب التجارة
فيه مقدمة وفصول وخاتمه...
مقدمة في المكاسب
التكسب وطلب الرزق من المستحبات المؤكدة، فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
(العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال). وعن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (من
طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله
عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر). وعن الإمام الكاظم عليه السلام أنه
قال: (من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في
سبيل الله). والأخبار في ذلك كثيرة لا يسع المقام استقصاءها.
لكن يجب التحفظ من وجوه الحرام والحذر منها، فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه
خطب في حجة الوداع فقال: (ألا إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت
نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء
شئ من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين
خلقه حلالا ولم يقسمها حراما، فمن اتقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حله، ومن
هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال
وحوسب عليه يوم القيامة). والأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.
ولا يتيسر التحفظ من الحرام في المكاسب وغيرها إلا بالتفقه في الدين
وتعلم أحكام الشرع المبين، فعلى المؤمنين أعزهم الله تعالى شدة الاهتمام
بذلك وعلم التساهل والتسامح فيه، لتحفظ حدود الله تعالى وتقام أحكامه
وتطيب المكاسب وتهنأ.
7

فعن الأصبغ بن نباتة أنه قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول على
المنبر: (يا معشر التجار الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر. والله
للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق،
التاجر فاجر، والفاجر في النار، إلا من أخذ الحق وأعطى الحق).
وعنه عليه السلام أنه قال: (من أتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم). ومن
المؤسف أن نرى اليوم كثيرا من المتدينين يوقع المعاملة ثم يسأل عن حكمها،
وإذا به قد تورط في مشكلة شرعية يصعب حلها والتخلص من تبعتها، وكان
بوسعه أن يتجنب ذلك بالسؤال قبل العمل والتفقه قبل التورط. ونسأله سبحانه
التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ويقع الكلام في هذه المقدمة في مقامين..
8

المقام الأول
في المكاسب المحرمة
وفيه مسائل..
(مسألة 1): يحرم بيع الخمر وكل مسكر، وثمنه حرام، بل هو من
السحت الذي يكون أكله من الكبائر، كما تقدم في كتاب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ويستثنى من ذلك التخمير الحاصل عند صناعة الخل، فإن تصنيع
الخل مستلزم لمرور المائع بحالة يشتمل فيها على العنصر المسكر. والظاهر
جواز بيعه في هذه الحال.
(مسألة 2): لا يجوز بيع الخنزير وثمنه حرام.
(مسألة 3): إذا باع الكافر الخمر أو الخنزير ثم أسلم جاز له أكل الثمن.
(مسألة 4): إذا باع المسلم أو الكافر خمرا أو خنزيرا كان الثمن حراما
عليه. لكن لو دفعه لمسلم هبة أو وفاءا لدين أو ثمنا في بيع أو غير ذلك حل
للأخذ.
(مسألة 5): يحرم بيع الميتة، وثمنها حرام، بل هو من السحت، كما تقدم
أيضا. والأحوط وجوبا عموم ذلك للميتة الطاهرة، كميتة السمك والجراد.
(مسألة 6): يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة.
(مسألة 7): إذا اختلط الميت بالمذكى وتعذر تمييز أحدهما من الآخر
جاز بيع الجميع ممن يستحل الميتة من ذوي الأديان والمذاهب الأخرى،
ويحل الثمن. وفي جواز ذلك في غير الميتة مما يحرم أكله إذا اختلط بالحلال
إشكال.
(مسألة 8): يحرم بيع الكلب وثمنه حرام، بل هو من السحت كما تقدم.
9

إلا كلب الصيد، وهو الكلب المعلم الذي يحسن الاصطياد فإنه يجوز بيعه وإن
لم يكن سلوقيا. ولا يجوز بيع ما لم يتعلم وإن كان سلوقيا. كما لا يجوز بيع كلب
الحراسة.
(مسألة 9): يجوز بيع السباع وغيرها من الحيوانات المحرمة الأكل إذا لم
ينحصر الغرض الظاهر منها بالوجه المحرم من الأكل أو غير.
نعم، الأحوط وجوبا بيع القرد.
(مسألة 10): يجوز بيع الأعيان النجسة غير ما تقدم إذا كانت لها منفعة
محللة معتد بها بحيث تقصد منها نوعا، كالعذرة والدم للتسميد والتزريق. وأما
إذا لم تكن لها منفعة محللة بالنحو المذكور إما لانحصار منفعتها بالحرام، أو
لكون منفعتها المحللة غير معتد بها ولا مقصودة منها فلا يجوز بيعها. وكذا
الحال في الأعيان الطاهرة، فلا يجوز بيع السمك المحرم الأكل إذا انحصر
الغرض المعتد به والمقصود منه نوعا بالأكل. ولا عبرة بالفوائد المحللة النادرة
المغفول عنها نوعها.
(مسألة 11): إذا كان الشئ مما تنحصر منفعته نوعا بالحرام كالأكل
للميتة والجري والشرب للفقاع وكان هناك من يستحله من أهل الأديان
والمذاهب الأخرى ففي جواز بيعه على المستحل نفسه أو على من يبيعه عليه
إشكال، فالأحوط وجوبا عدم تسليمه له.
نعم، إذا أقدم المكلف تسامحا على بيعه ممن يستحله وعلى تسليمه جاز
له أخذ الثمن منه، ويملكه بأخذه من باب الالزام، كما يأتي في آخر الكلام في
المكاسب المحرمة إن شاء الله تعالى.
(مسألة 12): كما يحرم بيع الأمور المتقدمة يحرم شراؤها وجعلها أجرة
في الإجارة وعوضا عن العمل في الجعالة وفي الطلاق الخلعي وجعلها مهرا في
النكاح ودفعها وفاء عن الدين وغير ذلك من وجوه الكسب.
نعم، إذا أمكن تحويل الخمر خلا جاز أخذها وفاء عن الدين، ولا بد
حينئذ من تحويلها، ولا يجوز بيعها قبل ذلك.
(مسألة 13): الأمور المتقدمة وإن حرم التكسب بها والتعامل عليها إلا
10

أنها تملك في أنفسها بحيازتها أو بملكية أصولها المحللة، كما لو حاز الانسان
كلبا سائبا أو حيوانا محرم الأكل، أو مات له حيوان مملوك، أو صنع خمرا من
أعيان مملوكة، كما أنها تملك بأسباب الملك القهرية كالميراث.
وحينئذ يختص المالك بالسلطنة عليها ويجوز له الانتفاع بها بوجه
محلل كالتسميد بالميتة وبما يحرم أكله، وتدريب الكلب على الحراسة،
وتحويل الخمر خلا وغير ذلك. ولا يحل لأحد مزاحمته فيه وأخذه منه أو
التصرف فيه بغير إذنه. ويجوز لغيره بذل المال له في مقابل رفع يده عنه أو
الانتفاع به من دون أن يكون المال عوضا عنه. لكن الأحوط وجوبا الاقتصار في
ذلك على ما إذا لم يكن الغرض من ذلك الانتفاع بالوجه المحرم.
(مسألة 14): الأعيان المتنجسة إن لم تكن قابلة للتطهير، كالزيت والعسل
ولم يكن لها منفعة محللة معتد بها لم يجز بيعها، كما تقدم في الأعيان النجسة.
وإن كانت قابلة للتطهير، أو كان لها في حال نجاستها منفعة محللة معتد بها،
كالزيت والنفط اللذين يوقد بهما، جاز بيعهما. ويجب إعلام المشتري
بنجاستهما إذا كانت مما يؤكل أو يشرب، وكذا إذا كانت عيبا يكون اخفاؤه
تدليسا، بل مطلقا على الأحوط وجوبا.
(مسألة 15): يحرم التكسب بالآلات والأشياء المعدة بهيئاتها للحرام،
كهياكل العبادة المحرمة مثل الأصنام والصلبان والشعارات المتخذة لتقوية
الباطل والضلال، وآلات القمار، وآلات اللهو المحرمة كالآلات الموسيقية،
وكتب الضلال، ونحو ذلك.
ولا بأس بيعها إذا لم يبتن البيع على احترام الهيئة المذكورة، كبيع صنم
الذهب أو الخشب بما هو ذهب أو خشب لا يهتم بحفظ هيئته، وبيع الكتاب بما
هو ورق لا يهتم بكتابته. وكذا إذا كان مبنيا على احترام الهيئة، لكن لا بلحاظ
الجهة المحرمة له، لاغفالها عرفا بل لجهة أخرى يهتم بها من لا يهتم بالجهة
المحرمة، ككونها من الآثار القديمة، أو التحفيات الفنية، أو لكون بقاء الهيئة
موجبا لزيادة قيمة المادة، كما لو كانت من الأحجار الكريمة التي تزيد قيمتها
كلما كبر حجمها، أو لترتب نفع عليها غير الجهة المحرمة كبعض الآلات
11

الزراعية والصناعية التي هي بهيئة الصليب مثلا، وكبعض المصوغات التي
يقصد التزين بها من دون نظر للجهة المحرمة، وككتب الضلال التي يراد بها
الاطلاع على ما يقوله أصحابها أو نقضه أو نحو ذلك.
لكن الأحوط وجوبا الاقتصار على ما إذا لم يعلم يترتب الاستعمال
المحرم على البيع حينئذ، وعلى ما إذا لم يلزم من البيع بالهيئة المذكورة ترويج
الباطل وتقويته لكونه شعارا له ولو مع عدم ترتب الاستعمال المحرم. بل لا
إشكال في حرمة البيع تكليفا حينئذ في الثاني، وإنما الاشكال في البطلان.
(مسألة 16): كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم صنعها إذا ابتنى على
تحقيق الغرض المحرم بها، بل قد يجب إتلافها بإتلاف هيئاتها إذا كان بقاؤها
موجبا لترويج الباطل وتقوية الحرام. ولا يجب فيما عدا ذلك، كما إذا كان
الغرض من حفظها حفظ آثار الشخص الذي كان يستغلها كسائر متروكاته
المختصة به، بل قد يجوز صنعها حينئذ، كما لو كان الغرض منه عرض نمط
حياة شخص خاص أو مجتمع خاص وتصوير ذلك، من دون أن يبتني على
ترتب الحرام عليه. إلا أن يلزم من ذلك ترويج الباطل وتقويته، فيحرم، نظير ما
سبق.
(مسألة 17): غش المسلم حرام يستحق به العقاب، بل هو من
المحرمات المؤكدة وقد تظافرت النصوص بأن من غش المسلمين فليس
منهم. وهو إظهار خلاف الواقع له بنحو يحمله على الاقدام على فعل مرجوح لا
يقدم عليه لولا ذلك. ولا بد فيه من أمور:
الأول: علم الغاش بالواقع وقصده إظهار خلافه.
الثاني: جهل المغشوش بالواقع وتوهمه خلافه بسبب تدليس المدلس،
فلو علم بالواقع لم يصدق الغش، وكذا لو جهله لكن لم يستند خطاؤه فيه لفعل
المدلس بل لأمر آخر لا دخل له فيه، كما لو تظاهر المريض بالعافية لاخفاء
مرضه فلم يعتمد الطرف الآخر على ظهور حاله، بل فحصه فأخطأ في فحصه.
الثالث: أن يترتب على ذلك وقوع المغشوش في أمر يكرهه ولا يقدم
عليه لولا الغش، كتزوج المرأة المريضة، وشراء المتاع المعيب، واستعمال الماء
12

النجس، ونحو ذلك. أما لو لم يترتب شئ من ذلك ولم تكن فائدة إخفاء الواقع
إلا التجمل، أو دفع عدوان الغير، أو نحو ذلك فليس إظهار خلاف الواقع من
الغش المحرم.
(مسألة 18): الغش في المعاملة إن وجب الاخلال بركن من أركانها،
كالعوض أو المعوض، كان مبطلا لها، كما لو غش الدبس فأوهم أنه عسل
واشتراه المشتري على ذلك. وإن لم يوجب ذلك لكن أوجب إخفاء عيب كانت
المعاملة صحيحة، وثبت خيار العيب الذي يأتي الكلام فيه في مبحث الخيار من
كتاب البيع. وإن لم يوجب ذلك أيضا وإنما أوجب إظهار صفة كمالية، أو صنف
خاص يرغب فيه المشتري، وقد ابتنت المعاملة عليه صحت المعاملة أيضا،
وثبت خيار تخلف الوصف لا خيار العيب.
(مسألة 19): لا يجب إتلاف النقود المغشوشة 7 نعم لا يجوز التعامل بها
مع جهل الطرف الآخر، للزوم الغش المحرم، ويجري فيها ما تقدم، سواء كان
حصولها عند الشخص عن علم بها أم كان مغشوشا فيها، فإنه لا يحل
للمغشوش بشئ أن يغش به غيره، كما لا يحل للمظلوم أن يظلم غير ظالمه.
(مسألة 20): الظاهر جواز بيع المصحف الشريف وشرائه على كراهة،
خصوصا في البيع. فالأولى إيقاع المعاملة على الغلاف ونحوه مما هو خارج
عن المصحف مع بذل المصحف تبعا، أو دفع المصحف بعنوان الهبة
المشروطة.
(مسألة 21): يحرم بيع المصحف الشريف على الكافر إذا استلزم إهانته
وهتكه، أما إذا لم يلزم منه ذلك فلا بأس به، بل قد يرجع، كما إذا كان مظنة
للاهتداء به وسببا لعلو الاسلام وظهور حجته.
(مسألة 22): لا بأس ببيع ما يتخذ منه الحرام والحلال ممن يعلم أنه
يتخذ منه الحرام، كبيع العنب والتمر والعصير ممن يعلم أنه يصنعه خمرا، وبيع
الخشب ممن يعلم أنهه يصنعه عودا أو آلة قمار ونحوها من الآلات المحرمة.
ويستثنى من ذلك بيع الخشب ونحوه ممن يتخذه أصناما أو صلبانا، فإنه يحرم
ويبطل، بل الأحوط وجوبا العموم لجميع أنواع آلات العبادة المبتدعة في
13

الأديان غير الصحيحة. كما يستثنى من ذلك أيضا ما إذا لزم من البيع التشجيع
على الحرام، أو كان في تركه ردع عن الحرام ونهي عن المنكر، فإنه يحرم ذلك
حتى في مثل بيع العنب ممن يصنعه خمرا.
(مسألة 23): إذا باع ما يتخذ منه الحلال والحرام واشترط في البيع اتخاذ
الحرام منه كان الشرط حراما باطلا ولم يجب الوفاء به، من دون أن يبطل البيع.
(مسألة 24): تحرم وتبطل إجارة الأعيان للمنافع المحرمة، كإجارة الدار
لشرب الخمر أو الدعارة، وإجارة الحانوت لبيع الخمر، وإجارة السيارة للنقل
المحرم. وتجوز إجارتها بوجه مطلق ممن يستغلها في الحرام من دون أن يؤخذ
ذلك في عقد الإجارة وإن علم حين العقد بحصول ذلك منه.
نعم، إذا لزم من الإجارة التشجيع على الحرام حرمت، وكذا إذا كان في
تركها ردع عن الحرام ونهي عن المنكر.
(مسألة 25): تحرم الرشوة في الحكم من الراشي والمرتشي، ولا يحل
أكلها للمرتشي، والمراد بها ما يبذل للقاضي من أجل الحكم لأحد الخصمين،
حقا كان أو باطلا.
نعم، إذا توقف استنقاذ الحق على ذلك جاز دفعها من الراشي وحرمت
على المرتشي.
(مسألة 26): تحرم الرشوة من الراشي والمرتشي في غير الحكم والقضاء في مقابل أخذ حق الغير ظلما، ولا تحرم على الدافع من أجل استنقاذ
الحق أو دفع الظلم.
(مسألة 27): يحرم التكسب بالمراهنة في القمار وغيره، والمال المأخوذ
به حرام لا يملكه الفائز، سواء ابتنى على عمل من المتراهنين أو من أحدهما،
كالرهن على حمل الحجر الثقيل، وعلى المسابقة في الشعر أو في السباحة أو
في الركض، أم لم يبتن على ذلك، كالرهن على مطر السماء، وقدوم المسافر،
وسبق غير المتراهنين، ومنه (الرايسز) المعروف في هذه العصور. ويستثنى من
حرمة الرهن السبق والرماية على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
(مسألة 28): اليانصيب إن كان لشركة تابعة لحكومة لا تقوم على أساس
14

ديني ولا تدعي لنفسها الولاية الدينية جرى على أوراقه وعلى الجائزة
المستحصلة به ما يجري على جميع ما يؤخذ من الجهات الحكومية المذكورة
على ما يأتي في المسألة (59). وإن كان لشركة أو جهة أهلية أو لشركة تابعة
لحكومة تقوم على أساس ديني فله صور.
الأولى: أن ترجع إلى التراهن بين المشتركين لكسب الغالب منهم
بالقرعة، بحيث يبقى المال المدفوع كله أو بعضه موقوفا غير مملوك لأحد حتى
يملكه الفائز بالقرعة. ولا تكون ورقة اليانصيب إلا وثيقة لاثبات الدخول في
المسابقة من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع. وهذه الصورة داخلة في
المراهنة المحرمة التي سبق الكلام فيها.
الثانية: أن ترجع إلى بذل المال للجهة الخاصة أو العامة وتعيينه لها بشرط
أن تقوم تلك الجهة بالاقراع بين المشتركين وتمليك الجائزة للفائز، بحيث
يتعين المال بتمامه لتلك الجهة بمجرد دفعه، ويكون الاقراع شرطا زائدا على
التمليك يلزم الوفاء به ولا يوجب تخلفه إلا الخيار. والظاهر حلية المعاملة في
هذه الصورة وتملك الأطراف للمال المأخوذ بموجبها، سواء كانت ورقة
اليانصيب مبذولة للمشارك من الجهة التي تقوم باليانصيب لمجرد التوثيق
لاثبات مشاركته من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع، بل يكون المال هبة
للجهة مشروطة بالاقراع، أم كانت الورقة مبيعة من قبل الجهة المذكورة، بحيث
يكون المال المدفوع ثمنا لها ويكون بيعها هو المشروط بالاقراع.
الثالثة: أن ترجع إلى بذل المال للجهة الخاصة أو العامة بنحو الهبة أو
الشراء من دون شرط للاقراع ولا للجائزة. ويكون الاقراع والجائزة إحسانا
ابتدائيا من الجهة القائمة به للتشجيع على البذل المذكور من دون أن تكون
ملزمة به بعقد أو شرط لازمين، سواء سبق منها الوعد بهما قبل البذل أم لم
يسبق، ولا إشكال في صحة المعاملة في هذه الصورة وتملك الأطراف للمال
المأخوذ بموجبها.
وتجري هذه الصور الثلاث وتترتب أحكامها السابقة في جميع
المسابقات العلمية والفنية والعملية التي تبذل فيها الجوائز للسابقين، فإن ابتنت
15

على استحقاق السابق للجائزة بمجرد سبقه كانت من
الصورة الأولى، وإن ابتنت
على قيام كل مشارك بالعمل المطلوب منه وبذله للجهة القائمة بالمسابقة بشرط
بذل الجائزة له إن سبق كانت من الصورة الثانية، وإن ابتنت على قيام كل مشارك
بالعمل المطلوب منه بلا شرط مع كون بذل الجائزة للسابق إحسانا ابتدائيا
للتشجيع على المشاركة من دون شرط كانت من الصورة الثالثة.
(مسألة 29): لا بأس بعقود التأمين على الحياة وعلى الحوادث من غرق
وحرق وسرقة وغيرها إذا ابتنت على التعاقد بين الطرفين على أن يدفع المؤمن
على حياته أو داره أو محله أو سيارته أو غيرها مبلغا من المال معينا مقطوعا، أو
أن يدفع في كل سنة مثلا مبلغا من المال وفي قبال ذلك يتعهد الطرف الآخر
المؤمن عنده بتدارك الضرر الواقع بقيمته حين حدوثه أو بمبلغ معين.
(مسألة 30): لا يجوز التكسب بالأذان وأخذ الأجرة عليه، سواء كان
بإجارة أم جعالة، وكذا الحال في الصلاة والصوم والحج واجبة أو مندوبة، بل
جميع العبادات التي لم يثبت مشروعية النيابة فيها على الأحوط وجوبا.
نعم، ما يقبل النيابة يجوز أخذ الأجرة عليه ويقع امتثالا عن المنوب عنه.
(مسألة 31): لا يجوز أخذ الأجرة على القضاء، والأحوط وجوبا عدم
أخذها على بيان الحكم الشرعي الذي يحتاج الجاهل لمعرفته ولو لكونه في
معرض الحاجة للعمل به، وأما ما لا يحتاج إليه للعمل بل يكون تعلمه لمجرد
التفقه أو لنفع الغير فالظاهر جواز أخذ الأجرة على تعليمه.
نعم، لا يجوز امتناع العالم بالحكم الشرعي عن تعليمه عند السؤال عنه
من دون أجر، إلا أن يكون قضاء الوقت في بيانه حرجا لكونه شاغلا عن طلب
المعاش، أو لغير ذلك.
(مسألة 32): لا بأس بارتزاق القاضي والفقيه من الأموال العامة مع عدم
التمكن من الجمع بين التكسب والقيام بوظيفتهما، والأحوط وجوبا الاقتصار
على صورة حاجتهما للمال بالمقدار اللائق بشأنهما.
نعم، يجوز دفع المال لهما تشجيعا لا بعنوان الارتزاق مع وجود
المصلحة في ذلك. وتشخيص ذلك موكل لولي الأموال المذكورة.
16

(مسألة 33): الظاهر جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وإن كان الأولى
عدم المشارطة في تعيين الأجر، بل يرضى بما يدفع له. وأولى منه عدم أخذ
شئ عليه حتى الهدبة.
(مسألة 34): لا بأس بالتكسب بالأمور الراجحة التي لم يثبت وجوب
إيقاعها مجانا، كقراءة المواعظ أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم وغير ذلك.
وإن كان الأولى عدم المشارطة في ذلك، بل عدم أخذ الأجرة، ويكون الدفع
والأخذ بعنوان الهدية.
(مسألة 35): يجوز أخذ الأجرة على إيقاع عقد النكاح وصيغة الطلاق
وجميع العقود والايقاعات. وأما تعليم الصيغ المذكورة فيجري فيه ما تقدم في
المسألة (31).
(مسألة 36): تحرم ولا تصح الإجارة على المنافع والأعمال المحرمة كما
يحرم التكسب بها بغير الإجارة كالجعالة، فلا يستحق فاعلها الجعل ولا الأجر.
نعم إذا كان العامل بها جاهلا بالحرمة استحق الأقل من الأجر المبذول
والأجر المقابل عرفا للجهد الذي بذله العامل من دون خصوصية الفعل الخاص.
17

تتميم:
فيه أمران.
الأمر الأول
في بعض الأعمال المحرمة
قد جرى الفقهاء قدس الله أسرارهم على ذكر جملة من المحرمات هنا
لبيان حرمة أخذ الأجرة عليها، لكنا ذكرنا جملة منها في كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر عند التعرض للكبائر. وينبغي التعرض هنا لغيرها مما يناسب
المقام، وذلك في ضمن مسائل..
(مسألة 37): يحرم تدليس الماشطة ونحو كالحلاق، وذلك بإخفاء
عيب موجود، أو إظهار حسن لا واقع له، ولا بد فيه من أن يكون الغرض منه
إيقاع الغير فيما لا يقدم عليه لولا العمل المذكور، كالتزويج من الشخص الذي
يفعل به ذلك، حيث يدخل في الغش الذي سبق حرمته. أما إذا لم يكن الغرض
منه ذلك فلا بأس به، كما لو تزوج الشخص المعيب فأراد إخفاء عيبه عن
صاحبه بعد الزواج من دون أن يستلزم ذلك إقدام صاحبه على محذور لا يقدم
عليه لو علم بالحال، ولا تكون فائدة إخفاء الواقع إلا تجنب النفرة وحصول
الألفة وحسن المعاشرة. وكذا لو أراد الشخص التجمل لصاحبه مع علمه
بالعيب، أو التجمل لغيره من الناس ممن لا علاقة له به ولو مع جهلهم بالعيب
ونحو ذلك، لخروج ذلك كله عن الغش المحرم كما يظهر مما سبق في
المسألة (17).
(مسألة 38): لا بأس بما تزينت به المرأة. نعم يكره وصل شعرها بشعر
امرأة غيرها، بل الأحوط استحبابا تركه.
(مسألة 39): يحرم على الرجل حلق اللحية إلا أن يخشى الضرر المعتد
به من بقائها، وأما سخرية الآخرين فاهتمام المؤمن بها يبتني غالبا على ضعف
18

النفس والشعور بالنقص وعدم الاعتزاز بدينه ومبدئه، وإلا فمن قويت نفسه
واعتز بدينه ومبدئه يرد كما رد النبي نوح عليه السلام قومه إذ قال: (إن تسخروا منا فإنا
نسخر منكم كما تسخرون).
نعم، مع الخوف وعدم القدرة على الجواب والتغيير قد تبلغ السخرية حد
الضرر المعتد به فيجوز لأجله حلق اللحية. وذلك فله من فساد الزمان بفساد
أهله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(مسألة 40): يكفي في مسوغ حلق اللحية خوف الضرر في خصوص
حال يتعلق الغرض العقلائي بالوقوع فيه وإن لم يضطر إليه شرعا أو عرفا، فمن
خاف من بقاء لحيته عند ملاقاة جائر جاز له حلقها عند ملاقاته إذا كان له غرض
شرعي أو عرفي معتد به في ملاقاته، وإن لم يبلغ الغرض في ملاقاته حد
الوجوب الشرعي أو الضرورة العرفية.
(مسألة 41): الحد اللازم في طول اللحية ما يصدق معه عرفا عدم كون
الشخص حالقا لحيته. ويكره الزيادة في طولها على قبضة الكف.
(مسألة 42): يجوز حلق العارضين وإبقاء الذقن إذا كان الباقي مقدارا
معتدا به، كما يجوز تحديد اللحية وأخذ الشعر عند التحديد بأي وجه، كالحلق
والنتف والحف بخيط وغير ذلك. وإن كان الأولى للرجل الحفاظ على ما هو
الأنسب برجولته.
(مسألة 43): لا يجوز تشبه الرجال بالنساء بقصد التخنث، ولا تشبه
النساء بالرجال بقصد التذكر والاسترجال، سواء كان باللباس أم الزينة أم الكلام
أم بغير ذلك. ولا بأس بفعل كل من الصنفين ما يناسب الآخر لغرض آخر،
كالمعاونة في بعض الأعمال والتنكر لغرض ما، وكذا مثل لبس الرجل ثوب
المرأة أو العكس للتستر أو التدفئة أو غيرهما.
(مسألة 44): يحرم تصوير ذي الروح من الانسان والحيوان، سواء كان
مجسما أم لا. ولا بأس بتصوير بعض ذي الروح وعضو منه كالرأس والرجل، أما
إذا صدق عليه أنه تصوير حيوان ناقص فهو حرام، كتصوير حيوان مقطوع اليد
أو الرجل. وأظهر من ذلك تصوير حيوان على هيئة خاصة تقتضي عدم ظهور
19

بعض أعضائه، كتصوير شخص جالس، أو بارز من نافذة قد اختفى أسفل
جسده خلف الجدار، ومنه تصوير الشخص إلى صدره مثلا. نعم الظاهر جواز
تصوير الجسد المقطوع الرأس.
(مسألة 46): الظاهر أن المحرم ليس هو إيجاد الصورة بأي وجه اتفق،
بل تصوير الصورة، بحيث يكون الانسان مصورا لها بأن تستند إليه هندستها
وتنظيم أبعادها، فلا يحرم التصوير الفوتوغرافي، ولا طبع الصور ولا
استنساخها، ولا جمع الأجزاء المتفرقة للصورة بنحو تتم بها الصورة كما في
تركيب المكعبات المتعارف في زماننا.
نعم، إذا كانت الأجزاء دقيقة جدا فالأحوط وجوبا اجتناب تركيبها بنحو تتم بها الصورة.
(مسألة 46): الأحوط وجوبا اجتناب تصوير الصور الوهمية لذوات
الأرواح، كتصوير حيوان مركب من حيوانين وتصوير حيوان وهمي كالعنقاء والغول
وتصوير الملائكة والجن.
(مسألة 47): تصوير الكاريكاتير المتعارف في عصورنا إن كان عرفا
تصويرا لحيوان مشوه كان حراما وإلا كان حلالا وإن اشتمل على ملامح الحيوان
العامة.
(مسألة 48): يجوز على كراهية اقتناء الصور، كما يجوز بيعها وشراؤها
من دون أن يقتضي صنعها. أما إذا اقتضى البيع صنعها فهو باطل، كما لو باع
الصور بنحو بيع الكلي في الذمة ولم يمكن تسليمها إلا بصنعها.
(مسألة 49): يحرم سب المؤمن وذمه وهجاؤه وإهانته وهتكه ونحو
ذلك من أنحاء التعدي عليه. نعم قد يجوز ذلك لدفع الضرر الأهم عنه أو عن
غيره من المؤمنين. وكذا يجوز ذلك لتنفير الناس عنه دفعا لضرره على
الدين، كم لو ابتدع بدعة أو دعا إلى ضلالة.
(مسألة 50): مدح من لا يستحق المدح إن كان بنحو الخبر الكاذب حرم
مطلقا، وإن كان بوجه آخر كالبيان المبني على المبالغة والتخييل والمدح بنحو
الانشاء لا الاخبار فلا بأس به، إلا أن يترتب عليه محرم آخر كترويج الباطل
20

والتشجيع عليه.
(مسألة 51): المشهور حرمة الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب
خفة الحركة وسرعتها بنحو يخرج عن المتعارف. لكن المتيقن من حرمته ما إذا
لزم منه أمر آخر محرم كالأضرار بالمؤمن. كما أن الأحوط وجوبا تركها إذا كانت
بداعي بيان قدرة المشعوذ على الأمر الخارق للعادة. أما إذا لم يكن بداعي بيان
ذلك، بل ابتنى على أن ما يقع إيهام لا واقع له من دون أن يلزم منه أمر آخر محرم
فالظاهر جوازه.
(مسألة 52): يحرم طبع كتب الضلال والفساد ونشرها وحفظها والدعاية
لها وسائر وجوه ترويجها إذا خيف ترتب الضلال أو الفساد على ذلك، أو كان
فيه تقوية للباطل وترويج له. بما لا يخاف منه على شئ من ذلك، بل
يرجح لو ترتب عليه أمر راجح، كاقتنائها للاطلاع على مضامينها الباطلة من أجل
ردها ودفع شبهها.
(مسألة 53): تحرم القيافة، وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض استنادا إلى
علامات خاصة، إذا كان الالحاق بنحو الجزم، كما يحرم تصديق القائف حينئذ،
ويحرم التكسب بذلك. ولا يحرم شئ من ذلك إذا لم يكن الالحاق بنحو الجزم
واليقين من دون ترتب أثر مخالف لمقتضى الطرق والموازين الشرعية. نعم
يكره إتيانهم والرجوع إليهم حينئذ.
(مسألة 54): تعارف في عصورنا إخبار بعض الناس عن أمور مجهولة
اعتمادا على طرق خاصة غير مبتنية على الحس أو التجربة أو نحوهما من
الطرق العقلائية، كالأخبار من طريق نشر بعض الأشياء المختلفة من خرز
وحصى وغيرها، ومن طريق قراءة الفنجان، أو غيرهما. والظاهر حرمة الاخبار
بطريق الجزم وحرمة التصديق به كذلك وحرمة التكسب بذلك.
نعم، لا يحرم شئ منها إذا لم يكن الاخبار أو التصديق بنحو الجزم، نظير
ما تقدم في القيافة.
(مسألة 55): يدعي بعض الناس القدرة على تحضير الجن، ولا يسعنا
إنكار ذلك، فإن صدقوا فتحضيرهم إن كان بطريق السحر كان محرما وإن لم
21

يكن بطريق السحر فهو حلال إذا لم يستتبع إيذاء مؤمن، ولا بأس بالاستعانة
بهم في الأمور المحللة. ويجري على الاخبار عن الأمور الغيبية من طريقهم ما
تقدم في حكم المسألتين السابقتين.
(مسألة 56): اشتهرت في هذه الأيام دعوى تحضير أرواح الموتى وأخذ
المعلومات منهم، ويجري على الاخبار اعتمادا عليهم ما تقدم في حكم المسائل
السابقة. وأما نفس التحضير فهو حلال إذا لم يستلزم إيذاء مؤمن، وإن كانت
قناعتنا الشخصية على أنه لا أصل لذلك، وأن من يدعي هذه الأمور بين دجال
كاذب ومتخيل وأهم قد لبست عليه نفسه وشبهت عليه، وإن فرض أن هناك
بعض الأمور الحقيقية فهي أمور شيطانية، فالحضور للشياطين لا للأرواح التي
زعم إحضارها، كما قد يناسبه أن كل فئة وأهل دين توحي إليهم الأرواح التي
يزعمون تحضيرها ما يناسب عقائدهم، حقة كانت أو باطلة، مع أن الحقيقة التي
تنكشف بعد الموت واحدة لا لبس فيها.
ومن ثم ينبغي الاحتياط والحذر من التصديق نتيجة تجربة صدق الخبر
في بعض المرات، فإن ذلك قد يكون من الشيطان، استدراجا حتى يستحكم
حسن الظن بهذه الأمور ويستسلم السامع لها ويؤخذ بها ولا يستطيع الافلات
منها، فإذا تم له ذلك سيطر عليه وقاده إلى ما يريد من ضلالات ومحرمات،
وشغله عن نفسه ودينه كما يشاء فخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران
المبين.
والأخطر من ذلك والأكذب ما شاع في زماننا هذا من دعوى إفاضة بعض
الأئمة عليهم السلام والأولياء على بعض الناس من أنوارهم، أو حلول أرواحهم فيهم
متلبسين بهم فينطقون عنهم مخبرين كما يزعمون ببعض الأمور المجهولة أو
آمرين أو ناهين، بنحو يثير الانتباه ويلفت النظر ويستجلب بعض المغفلين
السذج فيعملون على ذلك مطيعين مصدقين وكأنهم يطيعون الإمام أو الولي
ويصدقونه. وقد رأينا من قاده ذلك للسرقة وانتهاك الحرمات عن حسن نية،
ولو تأمل قليلا لأدرك التخليط في ذلك، وإلا فما بال هذه الذوات الطاهرة تفيض
أنوارها على النساء وضعاف البصيرة وتتجسد فيهم وتترك ذوي النفوس العالية
22

والشخصية القوية من علماء الدين ورجال الفكر المتدينين.
على أن تجسد أرواحهم عليهم السلام في أشخاص غيرهم أمر مرفوض دينيا
وعقيديا أشد الرفض، وليس ذلك إلا من عمل الشيطان وكيده وساوسه
وتخييلاته، ولذا شاع في الأوساط التي يضعف فيها الدين، وتجهل تعاليمه،
وتخفي معامله، ويقل المرشدون، حيث يكون ذلك مرتعا خصبا للشيطان،
وبيئة صالحة لكيده في تضليل الناس والعبث بهم، نعوذ بالله تعالى من كيده
ومكره، ونسأله العصمة والسداد إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو
حسبنا ونعم الوكيل.
(مسألة 57): المشهور حرمة النجش. قيل: وهو أن يزيد الشخص في
ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته، أو هو مدح
سلعة الغير للترغيب في شرائها. والظاهر أن المعيار في الحرمة على تحقق
الغش بذلك، بأن يكون الغرض من أحد الأمرين إيهام الغير جودة السلعة
ليشتريها بأكثر من ثمنها. أما إذا كان الغرض من ذلك إنفاق السلعة الكاسدة
وبيعها بثمنها أو بما دونه فلا يحرم، لعدم تحقق الغش، كما يظهر مما تقدم في
المسألة (17).
(مسألة 58): لا بأس بالنياحة وبالتكسب بها. وإن كان الأولى عدم
المشارطة في ذلك والرضا بما يدفع له، نعم قد تحرم النيابة لاشتمالها على
خصوصية محرمة، كالنياحة بالكذب أو بالمدح بصفات مذمومة شرعا، كالسلب
والنهب وحسن الغناء ونحو ذلك مما يستلزم المدح به الترويج للحرام
والتشجيع عليه، وكذا إذا كان المرثي ممن يلزم من مدحة ترويج الباطل
وتقويته، لكونه علما للضلال أو مشهورا بالفسق وانتهاك الحرمات أو نحو ذلك.
23

الأمر الثاني
في حكم التعامل مع من يتعرض
في كسبه للحرام
(مسألة 59): ما تأخذه الحكومة التي تقوم على أساس ديني وتدعي
لنفسها الولاية الدينية من الضرائب الشرعية المجعولة على الأراضي الخراجية
والأموال يقع عما عينته وتبرأ ذمة من عليه تلك الضريبة بأخذ الحكومة لها،
سواء كانت تلك الدولة محققة في دعواها الولاية أم مبطلة وظالمة. ويكون الوزر
في الصورة الثانية على الحاكم لا غير. كما يجوز للغير أخذه من الحكومة
المذكورة، سواء دفعته الحكومة له جائزة وهدية مجانية أم بمعاملة معاوضية. بل
إذا قاطعت الحكومة المذكورة شخصا آخر عن تلك الضريبة بمبلغ معين من
المال يدفعه لها صحت المقاطعة، وكان لذلك الشخص أخذ الضريبة من
الشخص الذي وجبت عليه. ووجب على من عليه تلك الضريبة دفعها له. وتبرأ
ذمته أيضا بذلك.
وأما إذا لم تدع الحكومة لنفسها الولاية الدينية، بل ابتنت سلطتها على
القوانين الوضعية فالظاهر عدم براءة الذمة من الضريبة بدفعها إليها. وأظهر من
ذلك ما إذا لم تؤخذ الضريبة بعنوان كونها الضريبة الشرعية المعهودة، بل بعنوان
آخر تقتضيه القوانين الوضعية، فإنها لا تجزي عن الضريبة الشرعية، حتى لو كان
الأخذ حكومة تدعي الخلافة أو الولاية الدينية. ولا تخرج الضريبة المأخوذة
عن ملك الدافع، فيحرم التصرف فيها إذا كان محترم المال مع العلم بها وتعيينها.
(مسألة 60): المراد بالضريبة الشرعية في المسألة السابقة هي الزكاة
وضريبة الأرض الخراجية الزراعية، سواء كانت نقدية بمقدار معين من المال،
24

كما لو جعل على كل دونم عشرة دنانير مثلا، وهي المسماة بالخراج، أم حصة
من الثمرة كالربع والثلث وهي المسماة بالمقاسمة. وأما بقية الحقوق والضرائب
الشرعية كالخمس والكفارات فلا يجري عليها الحكم السابق، بل لا بد من أدائها
بالوجه المقرر شرعا.
(مسألة 61): يصح التعامل مع من يبتلى في أمواله بالحرام كالمرابي و
المقامر والسارق وبائع الخمر وغيرهم، كما يجوز الانتفاع بماله والتصرف فيه
بإذنه بمثل الدخول في داره أو محله والركوب في سيارته والأكل من طعامه
وغيرها، ويجوز أيضا أخذ المال منه وتملكه بهبة أو معاوضة أو غيرهما، إلا أن
يعلم بحرمة المال بعينه فلا يجوز التصرف فيه ولا أخذه إلا بمراجعة مالكه
الحقيقي أو وليه مع معرفته ولو جهل المالك فإن أمكن الفحص عنه وجب، ومع
اليأس من معرفته والوصول إليه يجب على من يقع المال تحت يده التصدق به
عن صاحبه على الفقراء. ولو صادف أن عرف المالك بعد ذلك ولم يرض
بالتصدق فالأحوط وجوبا الضمان له.
وهذا هو الحكم في كل مال مجهول
المالك يقع تحت يد المكلف. وأما التصرف بالمال المجهول المالك من دون
أن يتصدق به كالدور والمحلات وغيرها فلا بد في جوازه من الرجوع للحاكم
الشرعي.
(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين كون من يبتلى في
أمواله بالحرام شخصا خاصا وكونه جهة عامة، كالدولة: نعم الدولة التي لا تقوم
على أساس ديني ولا تدعي لنفسها الولاية الدينية، بل تبتني سلطتها على
القوانين الوضعية فالمال المأخوذ منها إن كان ملكا لها من دون أن يكون مسبوقا
بملك مسلم جاز تملكه منها بالوجه القانوني، كالنقود غير المستعملة (البلوك)
والمواد التي تستوردها من الحكومات أو الشعوب غير المسلمة. وإن كان
مسبوقا بملك مسلم مجهول جرى عليه حكم مجهول المالك الذي تقدم في
المسألة السابقة، كالنقود المستعملة التي تعاقبت عليها أيدي المسلمين بوجوه
لا يعلم الحرام منها من الحلال، وكالمواد المشتراة من المسلمين من دون ضبط
للمالك أو الغاصب أو المختلس أو نحوهما ممن لا يبالي كيف يكتسب المال.
25

نعم، إذا كانت مشتراة ممن يرى نفوذ المعاملة مع تلك الدولة من فرق
المسلمين أو الأديان الأخرى جاز أخذه منها وتملكه بمقتضى قاعدة الالزام.
(مسألة 63): المال المأخوذ من الدولة التي لا تدعي لنفسها الخلافة أو
الولاية الدينية وإن جرى عليه حكم مجهول المالك فيجب التصدق به على
الفقير إلا أن الأحوط وجوبا صرفه في الجهة التي تملكه قانونا إذا كانت محترمة
بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه، فإذا طلب شخص من آخر قبض مبلغ
عنه من البنك مثلا فقبضه فاللازم على القابض بعد إجراء وظيفة مجهول المالك
على المبلغ دفعه للشخص الذي طلب منه قبض المبلغ، وإذا كان قد عين صرف
المبلغ المذكور في وفاء دينه أو الانفاق على أهله صرفه فيما عينه، إلا في موارد
خاصة لا يتيسر ضبطها يراجع فيها الحاكم الشرعي.
(مسألة 64): مما سبق يظهر أن من أجرى معاملة صحيحة أو باطلة
تقتضي استحقاق المال عليه فدفع المال بالتحويل على البنك التابع للدولة التي
لا تبتني على كيان ديني ولا تدعي لنفسها الولاية الدينية لم يبرأ بأخذ المستحق
للمال من البنك المذكور، لكون المال مجهول المالك.
نعم، إذا أخذه المستحق للمال وأجرى عليه وظيفة مجهول المالك ثم
احتسبه بعد ذلك وفاء عمن عليه الحق الذي أجرى المعاملة معه برئت ذمة من
عليه الحق بذلك. ولعل الأولى في دفع المحذور المذكور أن يتصالح الطرفان
على براءة ذمة من عليه الحق في مقابل تسليطه لمن له الحق على أخذ المال من
البنك بدفعه الصك له مثلا، فيكون دفعه للصك بنفسه سببا لبراءة ذمته من الحق
الذي عليه، بلا حاجة إلى احتسابه عليه بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه،
وإنما يحتاج آخذ المال لاجراء وظيفة مجهول المالك من أجل تحليل المال له
لا غير.
(مسألة 65): إذا كان المال مشتركا بين الجهة غير المالكة والجهة المالكة،
كأموال الشركات المختلطة، جرى عليه حكم مجهول المالك في حصة الجهة
غير المالكة وحكم معلوم المالك في حصة الجهة المالكة.
نعم، إذا حولت الشركة المذكورة المال المستحق عليها على جهة
26

غير مالكة فأخذ المال من تلك الجهة جرى عليه حكم مجهول المالك بتمامه.
(مسألة 66): إذا اكتسب المؤمن المال بأحد الوجوه المحرمة السابقة
وغيرها من مخالف في الدين يرى بمقتضى دينه صحة المعاملة واستحقاق
المال عليه بموجبها حل للمؤمن أخذ المال إلزاما للمخالف بحكم دينه وإن كان
إيقاع المعاملة محرما، فإذا باع المؤمن الخمر والخنزير مثلا ممن يرى جواز
البيع المذكور كان إيقاع المعاملة محرما وتسليم المبيع حراما، لكن لو فعل
المؤمن ذلك عصيانا أو جهلا حل له أخذ الثمن وتملكه من الشخص المذكور.
وإذا وقع في يد المؤمن مال لمخالف له في الدين بوجه غير مشروع وكان
صاحب المال يراه مشروعا بمقتضى دينه حل للمؤمن أخذه وتملكه منه أو
التصرف فيه. كما أنه إذا اكتسب المال بمعاملة غير مشروعة من مخالف في
الدين غير محترم المال جاز أخذ المال منه من باب الاستنقاذ وإن لم يكن حلالا
في دين الشخص المذكور.
(مسألة 67): إذا دفع إنسان مالا إلى آخر لينفقه في طائفة من الناس،
كالسادة أو الفقراء، وكان المدفوع له منهم، فإن ظهر من الدافع أن مراده صرف
المال فيهم كيف اتفق بنحو يشمل أخذه لنفسه معهم جاز له الأخذ منه، وإن لم
يظهر منه ذلك بل اشتبه المراد، أو كان ظاهر الحال إرادة صرفه في غيره بحيث
يكون واسطة في الايصال لا غير لم يحل له الأخذ من المال. وكذا الحال فيما لو
دفع له بضاعة ليبيعها أو مالا ليشتري به، حيث لا يجوز له شراء البضاعة لنفسه،
ولا الشراء بالمال من نفسه إلا مع فهم العموم له وظهور حال الدافع في ذلك.
ويجري ذلك في جميع النظائر.
27

المقام الثاني
في آداب التجارة
(مسألة 68): يستحب ذكر الله تعالى في الأسواق، وطلب الخيرة منه،
والدعاء بالمأثور، ومنه الشهادتان. كما يستحب عند الشراء التكبير ثلاثا، والدعاء
بالمأثور أيضا، وأن يستدر الرزق بالدعاء، وأن يرجو في نفسه الرزق من حيث
لا يحتسب، ولا يعتمد على حذقه وكده ولا يطمئن إليهما.
(مسألة 69): ينبغي للمتكسب أن يقصد بكسبه الاستعفاف عن الناس،
والتوسعة على العيال، والقيام بأعمال الخير والبر، فإن ذلك من طلب الآخرة. ولا
ينبغي له أن يكون همه الجمع والادخار.
(مسألة 70): يستحب الاجمال في الطلب، فإنه لن تموت نفس حتى
تستكمل رزقها، وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام: (ليكن طلبك للمعيشة فوق
كسب المضيع ودون طلب الحريص).
(مسألة 71): يستحب التعامل مع من نشأ في الخير. ويكره التعامل مع
مستجد النعمة، ومخالطة السفلة.
(مسألة 72): يستحب التوثق بالكتابة عند المعاملة.
(مسألة 73): يستحب الاحسان في البيع والتسامح فيه، وأن يعطي زائدا،
وأن يبادر للبيع عند حصول الربح، وأن لا يزهد في الربح والاسترزاق به وإن قل.
(مسألة 74): يستحب إقالة النادم. وهي رفع اليد عن البيع وفسخه عند
طلب أحد المتبايعين. ففي الحديث: (أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله الله
عثرته يوم القيامة). ويأتي الكلام في أحكامها في الفصل الرابع عشر إن شاء الله
تعالى.
28

(مسألة 75): يستحب للمشتري المماكسة والتحفظ من الغبن، إلا في
شراء الأضحية، والكفن، والعبيد، ومصارف الحج فإنه يكره المماكسة فيها.
(مسألة 76): صاحب السلعة أولى بالسوم بأن يبدأ ببيان الثمن الذي
يطلبه، ولا يكون المشتري هو البادي ببيان الثمن الذي يدفعه.
(مسألة 77): ينبغي للتاجر أن لا يشتغل بتجارته عن أداء الصلاة في أول
وقتها، بل ينبغي ذلك لجميع أهل الأعمال، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: (ليس عمل
أحب إلى الله عز وجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شئ من أمور الدنيا،
فإن الله عز وجل ذم أقوما فقال: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) يعني: أنهم
غافلون، استهانوا بأوقاتها).
(مسألة 78): يكره للانسان أن يكون أول داخل للسوق وآخر خارج
منه، كما يكره السوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
(مسألة 79): يكره للبائع أن يمدح سلعته، وللمشتري أن يذمها، وكذا
كتمان العيب إذا لم يؤد إلى الغش، وإلا حرم، والحلف في البيع والشراء صدقا،
وإن كان كذبا حرم.
(مسألة 80): يكره للبائع الربح بمثل الثمن فما زاد، ويستحب الرفق في
الريح على المؤمن إذا اشترى للتجارة، ويكره الربح عليه فيما يشتريه لغيرها إلا
بمقدار الحاجة، كما يكره ربح البائع على من يعده بالاحسان إن اشترى منه،
ويكره أيضا التفريق بين المشتري المماكس وغيره في الربح.
(مسألة 81): يكره للمشتري طلب الوضيعة من الثمن بعد العقد، وقبولها
إذا ردها عليه البائع.
(مسألة 82): يكره الشكوى من عدم الربح ومن الانفاق من رأس المال،
ففي الحديث: (إن من شكى من ذلك فقد شكى الله تعالى). ولا بأس ببيانه
كحقيقة واقعة من دون أن يتضمن الشكوى، خصوصا مع استدراك ذلك بحمده
تعالى وشكره على ما رزق ويسر، فإن نعمه لا تحصى ولا ينبغي أن تنسى.
(مسألة 83): يكره الدخول في سوم المؤمن. والمراد به أن يرى اثنين
يتساومان في بيع وشراء فيدخل قبل أن ينتهي الأمر بينهما بالقبول أو الرد،
29

ويطلب أن يكون هو المشتري أو البائع بدلا من أحدهما. ولا بأس به إذا ابتنى
بيع المتاع على طلب الزيادة، وهو البيع في المزاد.
(مسألة 84): يكره أن يتوكل أحد من أهل المدينة للأعراب وأهل
البوادي في بيع ما يأتون به للمدينة من البضائع. بل يتركون ليبيعوها بأنفسهم.
(مسألة 85): يكره تلقي الركبان، وهم الذين يجلبون البضائع للبلد،
والمراد بتلقيهم الخروج لاستقبالهم، ومبادرتهم بالشراء منهم قبل دخول البلد.
ولا يكره ذلك لو صادف لقاءهم خارج البلد من دون قصد. وحد التلقي أربعة
فراسخ، فإن زاد على ذلك كان من جلب البضاعة المستحب.
(مسألة 86): يكره الاحتكار، وهو حبس الطعام لطلب الزيادة في
الخصب أربعين يوما وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام، بل يحرم حبس الطعام مطلقا
مع حاجة الناس له وعدم الباذل، بحيث يوجب الضيق على الناس، والمراد
بالطعام الحنطة والشعير والتمر والزبيب والزيت والسمن.
(مسألة 87): في مورد الاحتكار المحرم يجبر المحتكر على البيع من
دون أن يحدد السعر عليه، إلا أن يكون السعر الذي يطلبه مجحفا بالعامة،
فيحدد السعر عليه بنحو لا يجحف به ولا بهم.
(مسألة 88): الذي يجبر المحتكر ويحدد السعر عليه في مورد
الاجحاف هو الحاكم الشرعي مع تيسر الرجوع إليه، ومع عدم تيسر الرجوع إليه
يقوم بذلك عدول المؤمنين.
(مسألة 89): يحرم الاحتكار إذا كان موجبا لتلف النفوس المحترمة، أو
الضرر المهم الذي يجب دفعه، كالأمراض الصعبة وتعطيل بعض الأعضاء،
أو كان موجبا للهرج والمرج واختلال النظام. من دون فرق بين الطعام وغيره
كالدواء واللباس وغيرهما. بل حتى الأعمال، كعلاج الأمراض والنقل وغيرهما،
فيحرم الامتناع عنها إذا أوجب ذلك. ولا بد في الثمن حينئذ من أن يكون بنحو لا
يلزم منه أحد المحذورين المذكورين.
30

الفصل الأول
في عقد البيع
لا بد في تحقق البيع من التزام الطرفين به وإبرازهما الالتزام المذكور بما
يدل على جعل المضمون وإيجاده في الخارج ادعاء، المعبر عنه بالانشاء. وهذا
هو اللازم في جميع العقود.
(مسألة 1): يقع البيع بكل ما يدل على الالتزام المذكور من الطرفين من
لفظ أو إشارة أو كتابة كالتوقيع من الطرفين على ورقه البيع أو فعل آخر، كتسليم
أحد العوضين من الثمن أو المثمن وتسلمه، المسمى بالمعاطاة، ونحو ذلك.
(مسألة 2): لا يشترط في اللفظ العربية، فيقع بأية لغة كانت، كما يقع
بالملحون والكنايات وغيرها مما يتضمن إبراز الالتزام النفسي بالبيع وجعل
مضمونه.
(مسألة 3): إذا طلب أحد الطرفين من الآخر أن يبيعه شيئا فقال: بعتك
هذا الشئ، لم يكف في تحقق البيع ما لم يظهر من الطالب القبول والرضا بالبيع.
أما لو لم يظهر منه ذلك أو صرح رأسا بالرد فلا بيع.
(مسألة 4): إذا كان أحد الطرفين وكيلا عن الآخر كفى التزامه بالبيع عن
نفسه وعن موكله وإنشاؤه له، بلا حاجة إلى إنشاء القبول عن الآخر.
نعم، إذا غفل عن وكالته فالتزم بالبيع وأنشأه عن نفسه بانتظار قبول الآخر
فلا يقع البيع ما لم يتحقق القبول عن الآخر أو منه. وهكذا الحال في الوكيل عن
الطرفين، والولي عليهما، ونحوهما من موارد تولي الشخص الواحد لطرفي
العقد.
(مسألة 5): يشترط في عقد البيع ابتناء التزام الطرفين بالمضمون على التزام
31

التزام الآخر به، فلو التزم كل منهما بالمضمون ابتداء بانتظار قبول الآخر لم يقع
العقد إلا أن يطلع أحدهما على التزام الآخر ويرضى به. مثلا إذا كتب الوسيط
ورقة البيع ووقعها أحد الطرفين بانتظار توقيع صاحبه، وصادف أن وسيطا آخر
كتب ورقة أخرى للبيع ووقعها الطرف الثاني بانتظار توقيع صاحبه من دون أن
يعلم بتوقيعه لم يقع البيع حتى يعلم أحد الطرفين بتوقيع الآخر ويرضى
بالمعاملة. وهكذا الحال في جميع العقود.
(مسألة 6): لا يشترط في البيع التخاطب بين الطرفين ولا وحدة
المجلس، ولا الموالاة بين الالتزام من الطرفين. فيقع البيع مثلا بكتابة مضمونه
في ورقة وتوقيع أحد الطرفين فيها ثم ارسالها للآخر فيوقع فيها.
نعم، لا بد من بقاء الطرف الأول على التزامه حتى يقبل الآخر، فلو عدل
الطرف الأول عن التزامه قبل صدور القبول من الآخر لم يقع البيع حتى لو لم
يعلم الطرف الثاني حين قبوله بعدول الأول. ولو ادعى العدول قبل منه إلا أن
يعلم بكذبه. ولو شك في زمان العدول وأنه قبل قبول الثاني أو بعده بني على
عدم صحة البيع. وهكذا الحال في جميع العقود.
(مسألة 7): لا بد في صحة البيع من اتفاق المتبايعين على مضمون واحد،
بحيث يتطابق ما يلتزم به أحدهما مع ما يلتزم به الآخر في الثمن والثمن و
غيرهما من الخصوصيات المأخوذة في البيع، كالشرط والوصف والأجل
وغيرها، فإذا اختلفا في شئ من المضمون بطل البيع. ولو اختلفا في الاجمال
والتفصيل، كما لو قال: بعتك الثوب بدينار، فقال: اشتريت كل ربع منه بربع
دينار، فإن ابتنى التفصيل على الارتباطية بحيث يرجع إلى وحدة البيع في
مجموع الأجزاء صح البيع، وإن رجع إلى الانحلال وإلى تعدد البيع بتعدد
الأجزاء بطل. هكذا الحال في جميع العقود.
(مسألة 8): يشترط في البيع التنجيز، فلا يصح البيع معلقا على أمر غير
حاصل حين العقد، سواء علم حصوله كالبيع معلقا على طلوع الهلال أم لم
يعلم، كالبيع معلقا على قدوم المسافر. بل الأحوط وجوبا عدم البيع معلقا على
أمر حاصل مجهول الحصول، كما لو قال: بعتك إن كان ما ولد لي ذكرا.
32

نعم، يصح البيع معلقا على مجهول إذا كان المجهول شرطا في صحة
البيع، كما لو قال: بعتك هذا الثوب إن كان لي. وكذا يصح إذا كان معلقا على أمر
معلوم الحصول حين العقد، وإن لم يكن شرطا في صحة العقد. وهكذا الحال
في جميع العقود والايقاعات، عدا الوصية التمليكية وهي التمليك معلقا على
الموت والتدبير، وهو عتق العبد معلقا على الموت والنذر المعلق على حصول
شئ غير حاصل.
33

الفصل الثاني في شروط المتبايعين
يعتبر في المتبايعين أمور..
الأول: البلوغ بأحد الأمور المتقدمة في أول مباحث الاجتهاد والتقليد،
فلا يصح بيع الصبي وشراؤه لنفسه وإن كان مميزا يفهم معنى البيع والشراء،
ويدرك موارد النفع والضرر الماليين. بل لا بد في ذلك من إذن الولي، ويأتي في
كتاب الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك إن شاء الله تعالى.
الثاني: العقل فلا يصح عقد المجنون. ويأتي في كتاب الحجر بعض
الفروع المتعلقة بذلك إن شاء الله تعالى.
الثالث: الاختيار، فلا يصح بيع المكره وشراؤه، وهو الذي يأمره غيره
بالبيع أو الشراء المكروه له على نحو يخاف من ترتب الضرر بمخالفته. نعم إذا
كان الاكراه بحق لم يمنع من صحة البيع.
(مسألة 1): المراد من الضرر الذي يتوقف صدق الاكراه معه ما يعم
الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه وبعض من يتعلق به ممن يهمه أمره كولده
وأبويه وإخوته، بل الظاهر أنه يعم من يجب عليه دفع الضرر المعتد به عنه
شرعا، كما لو هدده بقتل مؤمن لا يعرفه، بل يعم من يحسن منه شرعا دفع
الضرر عنه، كما لو هدده بنهب مال مؤمن لا يعرفه.
(مسألة 2): لو قدر على دفع ضرر المكره بالاستعانة بالغير من دون
محذور والتفت لذلك، ولكنه لم يفعل وأوقع البيع فالظاهر عدم صدق الاكراه،
وصحة البيع حينئذ. وكذا إذا قدر على إيهام المكره أنه فعل ما أكرهه عليه
والتفت لذلك ولم يفعل، بل أوقع البيع. ومنه إذا قدر على التورية كما لو قصد
34

بقوله: (بعت) الاخبار دون الانشاء والتفت إليهما، ولم يخش ظهور الحال والوقوع
في الضرر، فإنه إذا لم يور حينئذ وباع قاصدا البيع صح لعدم صدق الاكراه.
(مسألة 3): إذا أمره الغير بالبيع وخاف من ترتب الضرر بمخالفته، لكنه
باع برضاه من دون أن يستند البيع لأمر الغير صح البيع. وكذا إذا استند في بيعه
لأمر الغير دفعا للضرر المترتب على مخالفته، لكنه التفت إلى أنه لا يصح شرعا
فأوقع البيع راضيا به دفعا للمشاكل الشرعية المترتبة على بطلان المعاملة.
(مسألة 4): إذا أكره على بعض الخصوصيات في البيع كالثمن والزمان
والمكان من دون أن يكره على أصل البيع، بل كان له تركه، فباع بالخصوصية
التي أكره عليها صح البيع. كما لو حدد له الثمن من دون يلزم بالبيع به، بل كان
له ترك البيع بالثمن المحدد صح البيع.
(مسألة 5): الاكراه إنما يبطل البيع إذا وقع على من له البيع أو على وليه أمر
وكيله مع عدم رضا الموكل بالبيع، أما إذا وقع على الوكيل مع رضا الموكل بالبيع
فالبيع صحيح. وكذا إذا أكره صاحب المال أو وليه أو وكيله شخصا في أن يبيع
عنه فباع، فإن البيع يصح حينئذ، ولا يبطله الاكراه.
(مسألة 6): يصح بيع المكره بالإجازة اللاحقة منه أو من وكيله أو وليه.
(مسألة 7): لما كان البيع مع إكراه أحد الطرفين فاسدا فكما يبقى المكره
مالكا لما يؤخذ منه من ثمن أو مثمن يبقى الطرف الآخر مالكا لما يدفعه
للمكره، وحينئذ إن كان الطرف الآخر عالما بالاكراه وبفساد العقد، وتعمد أخذ
ما أخذ غضبا كان للمكره تملك ما أخذه منه باب المقاصة، فإن كان ما أخذه
مساويا لما أخذه الطرف الآخر في القيمة فقد استكمل حقه ولا شئ عليه، وإن
كان ما أخذه أقل قيمة بقي له عند الطرف الآخر فرق ما بينهما، وإن كان ما أخذه
أكثر قيمة استحق مقدار ما أخذ منه بالمقاصة، وبقي الزائد ملكا لصاحبه، لكن لا
يضمنه الأخذ لو تلف لعدم تعديه في أخذه. وبوسع المكره تملك تمام الثمن
بتصحيح البيع بإجازته له لاحقا، كما تقدم في المسألة السابقة.
وإن كان الطرف الآخر جاهلا بالاكراه، أو بفساد البيع بقي ما دفعه للمكره
في ملكه ولم يكن للمكره تملكه تملكه من باب المقاصة، بل يجب عليه إرجاعه
35

لصاحبه ومراجعته فيه. ومع تعذر مراجعته لعدم معرفته أو لانقطاع خبره أو
لغير ذلك فاللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه، لأنه ولي الغائب، وبوسع المكره
حينئذ تجنب ذلك بتصحيح البيع بإجازته اللاحقة، كما تقدم.
(مسألة 8): إذا اضطر للبيع من غير جهة الاكراه لم يبطل البيع، كما لو
اضطر لبيع داره لمعالجة مريضه أو تحصيل قوت عياله. وكذا لو كان من جهة
الاكراه على أمر غير البيع، كما لو أكرهه الجائر على دفع مال، ولم يمكنه دفعه إلا
ببيع داره.
(مسألة 9): يجوز الشراء ممن يقبل بالثمن القليل لاضطراره للبيع. وكذا
البيع ممن يقبل بالثمن الكثير لاضطراره للشراء. نعم يكره استغلال اضطراره
بحيث يكون تقليل الثمن في الأول وزيادته في الثاني لأجل اضطراره، أما إذا
كان بداع آخر، كعدم الرغبة في الشراء أو البيع فلا كراهة. وكذا إذا كان الاضطرار
للبيع أو الشراء موجبين لهبوط السعر السوقي أو ارتفاعه.
الرابع: السلطنة على التصرف في المبيع أو الثمن، لكونه مملوكا له أو في
ذمته من دون أن يكون محجورا عليه أو لكونه وكيلا على المال أو مأذونا في
التصرف فيه ممن له التوكيل والإذن أو لكونه وليا عليه. فلو لم يكن كذلك لم
ينفذ البيع، كما لو باع الأجنبي أو المالك المحجور عليه لصغر أو سفه أو
غيرهما. وهو المسمى عندهم ببيع الفضولي وشرائه.
(مسألة 10): لا يكفي في خروج البيع أو الشراء عن كونه فضوليا العلم
برضا من له السلطنة عليه به، بحيث لو التفت إليه لأذن فيه، بل لا بد من إعمال
سلطنته فيه، بإذنه في البيع أو توكيله على إيقاعه، ولو كان مستفادا من شاهد
الحال كما لو رأى صاحب المحل ولده يبيع له ويشتري وتكرر ذلك منه ولم
ينكر عليه مع قدرته على الانكار، حيث يظهر منه إذنه له في القيام مقامه في إدارة
المحل.
(مسألة 11): بيع الفضولي وشراؤه وإن كان موقوفا غير نافذ إلا أنه لا
يبطل رأسا بحيث يبطل التنفيذ والتصحيح، بل ينفذ بإجازة من له السلطنة، من
مالك أو وكيل أو ولي أو غيرهم.
36

(مسألة 12): لا بد في تصحيح عقد الفضولي بالإجازة من بقاء الطرف
الآخر على التزامه بالبيع إلى حين الإجازة، فلو أعرض عنه لم تنفع الإجازة في
تصحيحه، فإذا باع الفضولي دار زيد على عمرو فأعرض عمرو عن البيع قبل
إجازة زيد للبيع لم تنفع إجازة زيد بعد إعراض عمرو في صحة البيع.
(مسألة 13): يكفي في الإجازة كل ما يصلح لبيان إمضاء من له السلطنة
للعقد من قول أو فعل، كقبض الثمن، وتسليم المبيع، وغيرهما. بل يكفي
سكوته عنه وعدم رده بعد علمه به إذا كان كاشفا عن إقراره وتنفيذه له. أما مجرد
الرضا الباطني بالعقد مع عدم المبرز لاقرار العقد والرضا به فلا يكفي في إجازة
العقد ونفوذه.
(مسألة 14): ينفذ عقد الفضولي بإجازة من له السلطنة، سواء سبق منه أو
من غيره من ذوي السلطنة المنع عن إيقاعه أو الرد له بعد وقوعه، أم لم يسبق
شئ منهما.
(مسألة 15): إجازة عقد الفضولي تقتضي نفوذه وترتب جميع أثار
صحته من حين وقوعه، لا من حين إجازته فقط، فإذا باع الفضولي الدابة مثلا
وحصلت الإجازة بعد مدة من الزمن حكم بملكية المشتري لها من حين العقد،
فتكون نماءاتها كالولد واللبن ومنافعها من حين العقد للمشتري، ولو اعتدى
عليها شخص بعد العقد وقبل الإجازة فأتلف منها شيئا كان ضامنا للمشتري لا
للمالك الأول، وهكذا الحال في بقية الآثار. كما أنه يحكم بملكية البائع للثمن
من حين وقوع العقد وتترتب آثار ذلك.
(مسألة 16): إذا باع الفضولي العين من شخص ثم أخرجها المالك أو
من يقوم مقامه عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما قبل إجازة بيع الفضولي فلا
مجال لإجازته بعد ذلك. أما إذا آجر المالك أو من يقوم العين من دون أن
تخرج عن ملكه فالظاهر أن له إجازة العقد الفضولي، فإذا أجازه صح، غايته أن
يكون للمشتري حينئذ الخيار، وله فسخ البيع للعيب. وكذا الحال في كل تصرف
من المالك في العين يوجب نقصا فيها من دون أن يوجب سلب سلطنته على
بيعها كالرهن، بل حتى التصرف الخارجي فيها منه أو من غيره، كهدم الدار، أو
37

تغيير صورتها، وخياطة الثوب، ونحوها.
(مسألة 17): إذا باع شخص فضولا وقبل الإجازة ملك المبيع بالشراء أو
بغيره لم يصح بيعه الفضولي، حتى لو أجازه. وكذا لو ملكه غير البائع الفضولي،
فإنه لا يصح منه إجازة بيع الفضولي السابق على ملكيته للعين.
نعم، إذا كان انتقال العين من المالك الأول للبائع الفضولي أو غيره
بالميراث فلصحة بيع الفضولي بالإجازة من المالك الثاني وجه، إلا أن الأحوط
وجوبا التوقف والرجوع للصلح ونحوه مما يكون مرجعا عند اشتباه الحقوق.
(مسألة 18): إذا باع الشخص باعتقاد كونه مالكا أو وكيلا أو وليا فتبين
عدم كونه كذلك كان البيع فضوليا، وتوقف على الإجازة، كما سبق. وإن باع
باعتقاد عدم كونه مسلطا فتبين كونه وليا أو وكيلا وكان البيع مناسبا لولايته أو
وكالته نفذ البيع ولم يحتج للإجازة. وإن تبين كونه مالكا، فإن ابتنى بيعه على
إعمال سلطنته ولو ادعاءا، نظير بيع الغاصبي نفذ البيع، وإن لم يبتن على ذلك، بل
على مجرد إيقاع العقد بانتظار تنفيذ من له السلطنة فالظاهر عدم نفوذ البيع
وتوقفه على إجازته، أو إجازة غيره ممن له السلطنة.
(مسألة 19): إذا باع الغاصب المال المغصوب لنفسه لم ينفذ البيع إلا
بإجازة صاحب المال، فإن أجاز وقع البيع له ودخل الثمن في ملكه، ولا يقع
للغاصب ولا يدخل الثمن في ملكه. وكذا الحال في غير الغاصب ممن يبيع مال
غيره لنفسه، كالذي يعتقد ملكية مال الغير خطأ أو تشريعا.
(مسألة 20): من كان عنده مال للغير فاشترى به من دون إذن صاحب
المال، فإن نوى الشراء لصاحب المال كان من بيع الفضولي، وتوقف نفوذه على
إجازة صاحب المال، وإن نوى الشراء لنفسه، فله صورتان..
الأولى: أن يشتري بشخص ذلك المال، كما لو قال: اشتريت منك هذا
الثوب بهذا الدينار، وفي هذه الصورة يلحقه حكم بيع الفضولي، فيتوقف نفوذه
على إجازة صاحب المال.
الثانية: أن يشتري بالذمة ويدفع مال الغير، كما لو قال: اشتريت منك هذا
الثوب بدينار، ثم دفع له الدينار هو ملك غيره. وهذه الصورة هي الشائعة،
38

والبيع فيها نافذ بلا حاجة إلى إجازة من صاحب المال، ويكون المبيع للمشتري
لا لصاحب المال، غاية الأمر أن ذمة المشتري لا تبرأ من الثمن، بل يبقى في ذمته
للبايع حتى يجيز صاحب المال، أو يعوض المشتري صاحب المال عنه، أو
يدفع المشتري الثمن من ملكه.
(مسألة 21): إذا لم ينفذ بيع الفضولي لعدم الإجازة، فقبض المشتري
المبيع كان قبضه بلا حق، وجرى عليه حكم المغصوب، من حيثية ضمانه
وضمان منافعه وغير ذلك، مما يأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى، من دون
فرق بين العالم بكون البائع فضوليا والجاهل بذلك، وإنما يفترقان في الإثم
وعدمه.
نعم، إذا علم المشتري رضا المالك بقبضه للمبيع وبتصرفه فيه جاز له
ذلك، وإن لم ينفذ البيع ولم يملكه لعدم الإجازة. بل يكفي الرضا التقديري من
الغافل، وذلك بأن يكون بحيث لو علم لرضي، فإنه يجوز التصرف مع ذلك لكل
أحد. وحينئذ إن علم أنه يرضى بالتصرف من دون ضمان فلا ضمان، إلا أن
ينكشف الخطأ فيضمن بالمثل أو القيم، كما في الغصب، وإن علم أنه يرضى
بالتصرف مع الضمان بالمثل أو القيمة تعين الضمان بالأقل من أجرة المثل
أو بالأكثر منها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما في الفرق بين أجرة المثل وأحد
الأمرين.
(مسألة 22): لو باع الانسان ماله السلطنة على بيعه وما ليس له السلطنة
على بيعه صفقة واحدة نفذ البيع فيما له السلطنة عليه، وتوقف نفوذه فيما لا
سلطنة عليه على إجازة من له السلطنة، ومع عدم الإجازة يكون للمشتري خيار
تبعض الصفقة مع جهله بعدم السلطنة على بيع البعض، وكذا مع علمه بذلك إذا
كان البيع مشروطا ولو ضمنا بتمامية المبيع للمشتري، وأما إذا لم يكن مشروطا
بذلك فلا خيار له. وأما طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن، فيأتي الكلام فيه
في خيار تبعض الصفقة إن شاء الله تعالى.
39

تتميم: في أولياء العقد
للانسان أن يتصرف بنفسه أو بوكيله في نفسه وماله، ما لم يكن محجورا
عليه لصغر أو جنون أو سفه. والكلام هنا في الأولياء الذين لهم التصرف في
شؤون المحجور عليه الراجعة لنفسه وماله.
(مسألة 23): للأب والجد للأب التصرف في مال الصغير بالبيع والشراء
وغيرهما، كما أن لهم التصرف في نفسه بمثل الاطعام والاستخدام والعلاج
والاستئجار للقيام ببعض الأعمال، والنكاح على تفصيل يأتي في كتاب النكاح
إن شاء الله تعالى وغير ذلك.
نعم، لا يجوز لهما طلاق زوجته، ولا يلحق به فسخ النكاح بأحد الأسباب
المسوغة له، وهبة المدة في النكاح المنقطع، بل يجوز لهما القيام بهما بالشرط
الآتي.
(مسألة 24): لا يعتبر في تصرف الأب والجد لزوم المصلحة للصغير،
فيجوز مثلا بيع ماله بقيمة المثل مع عدم الحاجة للبيع، نعم لا بد من عدم لزوم
المفسدة من التصرف وعدم كونه تفريطا في حق الصغير عرفا، فلا يجوز
التصرف مع المفسدة، كالبيع بأقل من قيمة المثل من دون حاجة، كما لا يجوز
التصرف بدون مفسدة مع تيسر التصرف الأصلح والأنفع، كالبيع بقيمة المثل أو
بأزيد منها مع تيسر البيع بأكثر من ذلك، لأنه تفريط حينئذ.
بل الأحوط وجوبا في مثل إعمال الحقوق وإسقاطها كهبة المدة في
النكاح المنقطع، والفسخ في مورد الخيار، والإقالة، وإسقاط حق الخيار الاقتصار
مع الأمرين السابقين على صورة الحاجة العرفية لذلك، بأن يكون عدم القيام بها
معرضا لحدوث مشكلة للصغير أو لغيره ممن يتعلق به الحق، أو حصول
مصلحة معتد بها للصغير، ولو بأن يبذل له مال معتد به بإزاء التصرف المذكور.
(مسألة 25): يجوز للأب والجد نصب القيم على اليتيم بعد موتهما،
وهو الوصي فيكون له الولاية على التصرف في مال الطفل على النحو المتقدم،
40

من عدم المفسدة وعدم لزوم التفريط.
نعم، الأحوط وجوبا له عدم الاتجار بمال الطفل بضاعة أو مضاربة أو
نحوهما إلا إذا أجاز له الموصي ذلك بالخصوص، أو مع ضمان الخسران لو وقع
وكان العامل مليا قادرا على التدارك. ويكون الربع بتمامه لليتيم إلا إذا نص
الموصي على الإذن في المضاربة.
(مسألة 26): ليس للقيم الوصي من قبل الأب أو الجد نصب القيم على
اليتيم بعد موته والوصية بذلك لغيره. إلا إذا نص الأب أو الجد على الإذن له في
ذلك.
(مسألة 27): إذا بلغ الصغير مجنونا استمرت ولاية الأب والجد والوصي
منهما عليه، وكذا إذا بلغ غير رشيد في بعض الجهات من الماليات أو غيرها، فإن
ولايتهم تبقى عليه في تلك الجهة. وأما إذا بلغ رشيدا ثم جن فالظاهر انحصار
الولاية عليه بالأب والجد، فلا يتولى غيرهما التصرف إلا بإذنهما. والظاهر عدم
توقف التصرف على مراجعة الحاكم الشرعي، وإن كان هو الأحوط استحبابا.
(مسألة 28): إذا فقد الصغير أو المجنون الأب والجد من قبل الأب
والوصي من قبل أحدهما فولايته لمن هو الأولى بميراثه، لكن لا بنحو يجب
عليه تولي أمره، بل بمعنى أنه لا يجوز لغيره مزاحمته في ذلك، ولو تولى أره
تعين على غيره استئذانه إذا أراد تولي شئ من أمره. أما إذا لم يتول أمره فلا
يجب على غيره استئذانه في إدارة أمره.
نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة إشراك العادل بها نظير ما يأتي
في المسألة اللاحقة.
(مسألة 29): إذا لم يتول الأولى بالميراث أمر اليتيم أو المجنون في
المسألة السابقة جاز بل استحب لكل أحد كفالته ومخالطته بالمعروف وبالنحو
الذي يصلح له، كالنفقة عليه من ماله - مع وجوده - أو من غيره، وحمله على
التكسب بعمل أو غيره، والمحافظة عليه، ومداواته، وتأديبه، ونحو ذلك مما
يحتاج إليه، وتقتضيه طبيعة المعاشرة والمخالطة، من دون إفساد أو تفريط
بالنحو المتقدم في ولاية الأب والجد. والانسان على نفسه بصيرة، والرقيب على
41

ذلك هو الله تعالى، فإنه يعلم المصلح من المفسد.
نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة الخارجة عن ذلك مراجعة
العادل فيها إن لم يكن المتولي عادلا مثل قسمة الميراث، وتصفية الأموال ببيع ما
لا صلاح في بقائه، ولا يحتاج في جميع ذلك إلى مراجعة الحاكم الشرعي، وإن
كان هو الحوط استحبابا. وإذا بلغ اليتيم غير رشيد بقي الحكم السابق عليه.
وكذا الحال في المجنون الذي لا ولي له.
نعم، لا يجوز تزويجهما عند احتياجهما للزواج إلا بمراجعة الحاكم
الشرعي مع إمكان ذلك، ومع تعذره يكفي الرجوع للعادل، نظير ما تقدم.
(مسألة 30): يجب الرجوع للحاكم الشرعي وتثبت له الولاية في أمور..
الأول: مال الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه، ولا لوليه عند الحاجة إلى
التصرف فيه، ومثله المال الذي يتعذر الرجوع لوليه، لغيبة أو خوف أو غيرهما.
نعم، يجوز التصرف الخارجي في الجميع بمثل النقل والأكل وغيرهما
إذا أحرز رضا المالك أو الولي به ولو تقديرا، بأن يكون بحيث لو التفت لرضي
بالتصرف.
الثاني: الأموال العامة التي ليس لها مالك خاص، كأموال الخراج.
الثالث: الخمس، على تفصيل تقدم في كتاب الخمس.
الرابع: الأوقاف التي لا ولي لها والأموال التابعة لها، على تفصيل يأتي في
كتاب الوقف إن شاء الله تعالى.
(مسألة 31): إذا تعذر الرجوع إلى الحاكم الشرعي في الموارد المتقدمة
وجب الرجوع إلى عدول المؤمنين، ومع تعذره يجوز القيام بالتصرف لكل
أحد، والأحوط وجوبا الاقتصار فيهما على مقدار الضرورة بحيث يقطع بأهمية
التصرف ورضا الشارع الأقدس به، إلى أن يتيسر الرجوع إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 32): لا بد في الولي في جميع الطبقات المتقدمة من أن يكون
نظره على طبق الموازين العقلائية، فإذا كان شاذا في اختياره خارجا عن طريقة
العقلاء في نظره سقط عن مقام الولاية، إلا أن تكون مخالفته لما عليه عموم
العقلاء لاطلاعه على ما خفي عنهم، بحيث لو اطلعوا على ما اطلع عليه لأقروه
42

على تصرفه ووافقوه في اختياره.
(مسألة 33): المعيار في تشخيص المصلحة وعدم المفسدة على نظر
الولي حين إيقاع التصرف، لا على نظر الغير، فإذا باع الولي باعتقاد كون التصرف
مصلحة جاز الشراء منه وإن اعتقد المشتري عدم المصلحة أو وجود المفسدة.
بل إن ظهر للولي الخطأ بعد إيقاع التصرف لم ينكشف بطلان التصرف، إلا أن
يرجع ذلك للتقصير منه في النظر للمولى عليه، فيبطل التصرف لقصور ولايته
حينئذ. كما أنه لو تصرف معتقدا ترتب المفسدة على التصرف لم ينفذ تصرفه
وإن كان التصرف صلاحا في الواقع، وكان موقوفا على الإجازة، كتصرف غير
أولي.
(مسألة 34): إذا وقع التصرف من غير الولي أو من الولي أو من الولي الخارج عن
مقتضى ولايته لحقه حكم تصرف الفضولي، فيتوقف نفوذه إذا كان عقدا على
تنفيذ من له السلطنة عليه، عنه كالصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق أم وليه
حين إيقاع العقد، أم وليا آخر حصلت له الولاية بعد إيقاع العقد، كما لو انعزل
من كان وليا حين العقد بالخيانة فصارت الولاية للحاكم الشرعي فرأى مصلحة
المولى عليه في تنفيذ العقد، فمثلا إذا بيع مال الصغير بدون قيمة المثل تفريطا،
ثم نزل سعر المبيع إلى ما دون الثمن الذي وقع به البيع أمكن للولي تنفيذ البيع
المذكور، لكون التنفيذ حينئذ مصلحة للصغير.
43

الفصل الثالث
في شروط العوضين
تمهيد...
لما كان البيع من المعاوضات فهو موقوف بطبعه على أن يتعين المبيع
لجهة خاصة كي يكون موردا للمعاوضة، ويترتب على ذلك أمران..
الأول: امتناع بيع المباحات الأصلية، كالسمك في الماء، والطير في الهواء
قبل اصطيادهما.
نعم، لا يعتبر أن يكون ملكا لانسان خاص بل يكفي تعينه لجهة عامة أو
خاصة، كالأموال الزكوية، وكالأموال المعينة لجمعيات وهيئات خيرية، ونماء
الوقف غير المملوك، وغيرها.
(مسألة 1): لا بد في التعين للشخص أو للجهة - المصحح لكون المال
موضوعا للبيع - من كونه شرعيا بتحقق سببه الشرعي، من حيازة أو إحياء أو
غيرهما. ولا يكفي التعين بمقتضى القانون الوضعي، فمثلا لا يجوز بيع الأراضي
الموات المشتراة أو الممنوحة من الدولة وإن تم تسجيلها باسم شخص خاص،
لعدم كفاية ذلك في ملكها شرعا.
نعم، يجوز أخذ المال في مقابل التنازل القانوني عنها للآخرين
والاعتراف بها لدافع المال ونقلها له رسميا وقانونيا، وتتوقف ملكيته لها شرعا
على حصول سببها الشرعي وهو الاحياء.
الثاني: أن يدخل الثمن في ملك من خرج منه المبيع، فلا يقع البيع على
أن يدخل الثمن في ملك غير البايع، وعلى ذلك فلو دفع الأب مثلا لولده شيئا
على أن يبيعه الولد ويأخذ ثمنه لنفسه فلا يصح ذلك، إلا بأحد وجهين..
44

أحدهما: أن يرجع إلى هبة الأب لولده ذلك الشئ الذي دفعه له، أو
الإذن له بتملكه بحيث يملكه قبل البيع، فيبيعه لنفسه ويدخل ثمنه في ملكه.
ويترتب على ذلك أنه لو فسخ البيع بإقالة أو خيار رجع المبيع للولد.
ثانيهما: أن يرجع إلى إذن الأب لولده في تملك الثمن بعد البيع، فيقع
البيع للأب ويدخل الثمن في ملكه بدلا عن المبيع، ثم يتملكه الولد هبة من أبيه.
ويترتب على ذلك أنه لو فسخ البيع يبقى الثمن في ملك الولد، ويجب على
الأب ضمانه بمثله أو قيمته للمشتري، إلا أن تكون هبة الأب للثمن مشروطة
ولو ضمنا بحمله تبعات المعاملة. ولا يمكن أن يبقى المبيع على ملك الأب إلى
حين البيع ثم يدخل الثمن البيع في ملك الولد رأسا.
أما المبيع فمقتضى الوضع الطبيعي للبيع دخوله في ملك من خرج منه
الثمن، فإذا باع زيد لعمرو ثوبا بعشرة دنانير لعمرو أو في ذمته كان مقتضى
إطلاق العقد بطبعه صيرورة الثوب لعمرو بالبيع، لكن يمكن قصد البيع على
وجه آخر، بحيث يكون البيع لشخص آخر غير من خرج منه الثمن، وعلى ذلك
يمكن أن يدفع الأب مثلا لولد مالا ليشتري به الولد شيئا له من دون أن يملك
الولد ذلك المال، بل ينتقل المال من الأب للبايع رأسا في مقابل المبيع الذي
ينتقل من البايع للولد. ويترتب على ذلك أنه لو فسخ البيع رجع المبيع من الولد
للبايع، ورجع الثمن من البايع للأب دون الولد، وفي مثل هذا البيع يكون
أطراف العقد ثلاثة، البايع والمشتري ودافع الثمن، ولا بد في صحته من إذنهم أو
إجازتهم.
إذا عرفت هذا فالكلام في شروط العوضين يقع في ضمن مسائل..
(مسألة 2): الظاهر أنه لا يعتبر في العوضين أن يكونا مالا، وهو ما
يتنافس العقلاء على تحصيله، فيجوز بيع ما لا مالية له كالماء على الشاطئ،
وبعض الحشرات والفضلات غير المرغوب في اقتنائها عند عموم العقلاء إذا
تعلق الغرض الشخصي بتملكها من مالكها. ويترتب عليه جميع آثار البيع.
(مسألة 3): الظاهر عدم وقوع البيع على المنفعة والعمل، فلا تكون مبيعا،
بل تكون موضوعا للإجارة،، نعم يجوز أن تكون ثمنا في البيع. ويجوز بيع بقية
45

الأشياء القابلة للانتقال، كالأعيان مثل الثوب والدار والحقوق، كحق الاستثمار
في الأراضي الخراجية، وحق أولوية الاستئجار وهو المعروف ب‍ (السرقفلية).
(مسألة 4): لا يصح بيع الحق غير القابل للانتقال، كحق الشفعة، نعم
يمكن بذل المال في مقابل إسقاطه بنحو من الصلح، ولا يصدق عليه البيع، ولا
تجري أحكامه، فلا يثبت فيه الخيار مثلا. وكذا الحال في جميع موارد إسقاط
الحق بالعوض، كإسقاط الحق الثابت بالشرط، ومثله الصلح على عدم إعمال
السلطنة الشرعية التي هي نحو من الحكم الشرعي، كالصلح على عدم حيازة
بعض المباحات الأصلية، وعلى عدم الدخول في المزايدة في بعض المعاملات، فإن ذلك كله ليس من البيع ولا تترتب عليه أحكامه.
(مسألة 5): العين التي يصح معاوضتها على أقسام:
الأول: أن تكون خارجية شخصية، كالثوب الخاص والدرهم الخاص.
الثاني: أن تكون كلية في ضمن موجود خارجي، كما لو كان عنده كيس
فيه مائة كيلو من الدقيق فباع كيلو منها بدينار.
الثالث: أن تكون ذمية قبل البيع، كما لو كان له في ذمة زيد كيلو من
الدقيق فباعه على عمرو بدينار، أو كان له على زيد دينار فاشترى به منه كيلو من
الدقيق.
الرابع: أن تكون ذمية بالبيع، كما لو باع الثوب على زيد عشرة دنانير في
ذمته. نعم لا يجوز بيع الدين بالدين إذا كانا ثابتين قبل البيع، على ما يأتي تفصيل
الكلام فيه في كتاب الدين.
(مسألة 6): لا يجوز بيع الأرض الخراجية، وهي التي افتتحها المسلمون
بالقتال مع الكفار وكانت عامرة حين الفتح، لأنها متروكة مختصة بعامة
المسلمين ما تعاقبوا جيلا بعد جيل باستمرار الزمان، وليست هي ملكا لمن هي
في يده، بل له حق إعمارها بدفع الخراج للمسلمين بالنحو الذي لا يجحف به،
من دون فرق في عدم جواز البيع بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبايع من بناء أو
شجر أو غيرهما وأن لا تكون فيها آثار مملوكة له.
نعم، للذي هي في يده أولوية التصرف فيها
بعمارتها واستغلالها، وهي
46

نحو من الحق له في الأرض لا يجوز مزاحمته فيه. وحينئذ يجوز شراء هذا
الحق منه، ويحل للمشتري القيام بعمارتها واستغلالها مع دفع الخراج، وهو
حصة مما ينتج منها أو أجرة معينة.
(مسألة 7): يجزي في حلية التصرف في الأراضي الخراجية واستغلالها
التعامل عليها مع السلطان المدعي للخلافة أو الولاية الدينية وإن كان ظالم إذا
كان واضعا يده على الأرض مسيطرا عليها، كما يرجع إليه في تحديد الخراج،
ويجزي دفعه له، ويحل أخذه منه مجانا بنحو الجائزة أو بمعاملة معاوضة، بل
يجوز للمكلف أن يتقبل الخراج من السلطان المذكور بمال معين يدفعه إليه، ثم
يأخذ الخراج ممن يعمر الأرض بدلا من السلطان بالمقدار الذي عينه السلطان
عليه، ولا يجوز لمن عليه الخراج منع الشخص المذكور من الخراج إذا كان
محترم المال.
نعم، إذا كان السلطان ظالما، وأمكن منع الخراج منه وجبت مراجعة
الحاكم الشرعي فيه. كما أنه إذا لم تكن الأرض تحت يد السلطان المدعي
للخلافة أو الولاية الدينية، أو أمكن عدم مراجعته فيها لجهله بأنها خراجية أو
نحو ذلك وجب التعامل على الأرض مع الحاكم الشرعي، والاتفاق معه على
مقدار خراجها، والرجوع إليه في مصرفه.
(مسألة 8): من كان بيده أرض خراجية، فتركها وأعرض عن عمارتها
واستغلالها إعراضا منه عنها أو لعجزه عن عمارتها سقط حقه فيها، وجاز لغيره
عمارتها والتعامل عليها مع السلطان أو مع الحاكم الشرعي.
نعم، إذا كان تركه لها بسبب مضارة السلطان له، بتثقيل الخراج عليه
وإجحافه فيه بقي حقه فيها، ووجب لمن يريد عمارتها إرضاؤه، إلا أن تكون
مضارة السلطان له سببا في إعراضه عنها بحيث لا تتعلق نفسه بها.
(مسألة 9): إذا تركت الأرض الخراجية مدة طويلة حتى خربت وماتت
- ولو بسبب ضعف السلطان أو جوره - فالظاهر أنه يجري عليها ما يأتي في
حكم الأرض الموات.
(مسألة 10): الظاهر أن إحياء الأرض الموات موجب لجريان حكم
47

الملك عليها في ثبوت حق للمحيي قابل للبيع والشراء وغيرهما من أنحاء
التصرفات المبنية على السلطنة، ولا يوجب ملكية الأرض حقيقة، بل هي مالك
للإمام عليه السلام، وليس ثبوت الحق فيها لمن عمرها إلا تفضلا منهم (عليهم السلام).
(مسألة 11): لو ترك صاحب الأرض عمارتها مدة معتدا بها حتى ماتت،
بحيث صدق عليها أنها من الأرض الموات سقط حقه فيها، سواء كان ذلك
للاعراض عن نفس الأرض أو عن عمارتها، أم كان للعجز عن عمارتها، أم لداع
آخر، كالانشغال بما هو أهم. وحينئذ يجوز لغيره عمارتها، ويثبت حقه فيها، ولا
يجب عليه استئذان الأرض، ولا دفع الأجرة له عن استغلالها والانتفاع بها، وإن
كان الأحوط استحبابا دفع الأجرة له، وأحوط منه استحبابا أيضا إرضاؤه عن
نفس الأرض، أو دفعها له أرادها. بل الأحوط وجوبا عدم مزاحمته لو أراد
عمارتها بعد خرابها قبل أن يعمرها الغير، فلا يسبقه الغير لعمارتها وإحيائها.
(مسألة 12): الظاهر عدم سقوط حق صاحب الأرض فيها لو كان خرابها
بسبب منع ظالم له من عمارتها موجبا لاعراضه عن الأرض وعن عمارتها،
وانصرافه عن ذلك، بحيث لا يستند بقاء الخراب لمنع الظالم وحده، بل
للاعراض المذكور أيضا، فلا يبقى حقه فيها حينئذ، ويجوز للغير عمارتها.
(مسألة 13): لا بد في كل من العوضين أن يكون معينا، ولا يجوز أن
يكون مرددا، فإذا قال: بعتك المتاع بدينار أو عشرة دراهم، أو قال: بعتك الثوب
أو الطعام بدينار، فقبل، لم يصح البيع، إلا أن يرجع إلى توكيل أحد المتبايعين
للآخر في إيقاع العقد بالنحو الذي يراه مناسبا، وحينئذ لا يتم العقد إلا بعد إيقاعه
بالوجه الذي يراه.
(مسألة 14): إذا باعه بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا فقبل، صح البيع
بالثمن الأقل مع الأجل، فإذا قال مثلا: بعتك هذا الثوب بدينار حالا وبدينارين
إلى شهر، فقبل المشتري، وقع البيع بالدينار مؤجلا إلى شهر، والأحوط وجوبا
الاقتصار على ذلك وعدم التعدي إلى ما يشبهه، كالبيع مؤجلا بأجلين بثمنين،
كما لو قال: بعتك بدينارين إلى شهر وبثلاثة دنانير إلى شهرين، أو البيع بأكثر من
48

ثمنين، كمال لو قال: بعتك بدينار حالا وبدينارين إلى شهر وبثلاثة دنانير إلى
شهرين، وغير ذلك. بل يشكل صحة البيع في الجميع لما تقدم في المسألة
السابقة.
نعم، لا بأس بالمساومة بنحو الترديد لتعيين الثمن المطلوب على كل
تقدير يفرض، ثم إيقاع بنحو محدد يتفقان عليه.
(مسألة 15): يجب في المبيع إذا كان من المكيل أو الموزون معرفة كيله
أو وزنه عند العقد، ولا يجوز بيعه جزافا، والأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا.
بل الأحوط وجوبا عموم اشتراط العلم بمقدار كل من العوضين بالنحو الذي
يتعارف تقديره به عند البيع، من كيل أو وزن أو عد أو مساحة أو مشاهدة، فلا
بيع مع الجهل المطلق بأحد العوضين أو كليهما، مثل البيع بما في الصرة، والبيع
بقيمة الشراء، وبيع ما في الخزانة، كما لا بيع مع التقدير بما لا يتعارف التقدير به،
كالاكتفاء بالمشاهدة في المكيل أو الموزون أو المعدود، والاكتفاء بالكيل في
الموزون أو المعدود أو غير ذلك.
نعم، إذا تعارف بيع الشئ في بعض الأحوال مجازفة صح بيعه كذلك،
كبيع ثمرة البستان لسنة أو سنتين، وبيع اللبن في الضرع، على ما يأتي التعرض
له إن شاء الله تعالى.
(مسألة 16): يترتب على ما سبق الاشكال فيما قد يجري عليه بعض
الناس من البيع بانتظار قائمة الشراء، بأن يوقع الطرفان البيع من دون تعيين
للثمن وينتظران في تعيينه وصول قائمة الشراء والاطلاع عليها.
(مسألة 17): يمكن التخلص من الاشكال المتقدم بأحد وجهين:
الأول: إيقاع المعاملة بثمن معين مع اشتراط الفسخ لأحد الطرفين أو
لكليهما لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.
الثاني: إيقاع المعاملة بثمن معين مع اشتراط التدارك ببذل الفرق من
البائع أو المشتري لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.
(مسألة 18): إذا اختلف تقدير الشئ الواحد باختلاف الأحوال لزم
تقديره في كل حال بما يتعارف تقديره به في ذلك الحال، كالثمر يباع
49

بالمشاهدة على الشجر أو عند البيع جملة، ويباع بالوزن عند البيع مفردا، كما أنه
قد يباع الشئ في حال كيلا في صناديق أو أكياس، وفي حال بالوزن، وغير
ذلك. وكذا الحال في اختلاف البلدان والأزمنة، فيراعى في كل بلد وزمان ما
يناسبه.
(مسألة 19): يكفي في معرفة المقدار إخبار البايع به، كيلا أو وزنا أو عدا
أو مساحة. نعم إذا اشترى الشئ اعتمادا على إخبار البايع لم يصح منه الاكتفاء
بذلك في التعهد بالمقدار لمن يبيعه عليه، إلا أن يعلم صدقه. وكذا يجوز
الاعتماد على ظهور حال المبيع لو تعارف كونه بقدر خاص، كما قد يتعارف
بلوغ كيس الحبوب مائة كيلو، والطاقة من القماش ثلاثين مترا، والصندوق من
الأمتعة بعدد خاص، ونحو ذلك.
(مسألة 20): إذا ظهر الخطأ بالنحو الخارج عن المتعارف في الكيل أو
الوزن أو غيرهما من جهات معرفة المبيع أو الثمن، فإن كان موضوع المعاملة
هو الكلي المقدر بالمقدار الخاص كعشرة كيلوات من الدقيق ومائة دينار وجب
إتمام ما نقص وإرجاع ما زاد، وإن كان شخصيا فإن كان الخطأ في المبيع بالزيادة
وجب على المشتري، وإن كان الخطأ في الثمن بالزيادة
وجب إرجاع الزائد، وإن كان بالنقيصة وجب إرجاع ما قابله من المبيع.
نعم، إذا كان الاجتماع موردا لغرض عقلائي كان لهما الفسخ في مورد
وجوب الارجاع.
(مسألة 21): يجوز مع التراضي جعل الكيل طريقا إلى معرفة العدد، بأن
يعد ما في مكيال خاص ثم يكيل بحسابه، وكذا يجوز جعله طريقا إلى معرفة
الوزن، بأن يوزن ما في مكيال خاص ثم يكال بحسابه، أو يوزن بعض الأكياس
ثم يؤخذ باقيها بحسابه، ولا رجوع مع ذلك لو ظهر الخلاف.
نعم، لا بد من كون الفرق المتوقع قليلا لا ينافي صدق معلومية المقدار
عرفا، وأن يقع التراضي بذلك من الطرفين، وإلا فلا مجال للاكتفاء بذلك في
معرفة المقدار.
50

(مسألة 22): يجوز مع التراضي استثناء مقدار معين من الوزن للظروف،
كالصناديق والأكياس والقرب ونحوها، إذا كانت مجهولة المقدار وتردد
المستثنى بين الزيادة والنقصان، ولا رجوع حينئذ لو ظهر الخلاف كما في
المسألة السابقة. وأما إذا علم أن المستثنى أكثر من مقدار الظرف فإن كان
قصدهما بيع تمام الباقي على جهالته أشكل صحته، ويدخل فيما تقدم من بيع
المجهول، وإن كان قصدهما بيع المقدار الأقل، وهبة الباقي من البايع للمشتري
صح البيع.
(مسألة 23): إذا اشترى جملة بكيل أو وزن فزاد أو نقص، فإن كان
بالمقدار الذي يتعارف فيه الخطأ وكان البناء من المتبايعين على الرضا بالزيادة
والنقصان صح البيع، وكفى الوزن والكيل المذكوران، ولا يرجع بالزيادة
والنقصان، وإن كان بالنحو الخارج عن المتعارف المبتني على التعمد
والاختلاس، أو على الغلظ في الحساب، أو نحو ذلك لم يكف في التقدير،
ولزم الرجوع بالزيادة والنقصان على نحو ما تقدم في المسألة (20).
(مسألة 24): يجوز بيع مقدار معين في ضمن مقدار مجهول بلا حاجة
إلى عزل المقدار المبيع وتعيينه بأحد الوجوه المتقدمة، بل يدفع الكل على أن
يكون المقدار المعين منه مبيعا والزائد هبة من البايع للمشتري، فإذا كان عنده
مقدار من الطعام مردد بين العشرة كيلوات فما زاد جاز دفعه بتمامه من دون
وزن على أن يكون عشرة كيلوات منه مبيعا والزائد هبة، لا على أن يكون بتمامه
مبيعا على جهالة مقداره.
(مسألة 25): إنما يلزم معرفة المقدار بالنحو المتقدم في الثمن والمثمن
اللذين يقع عليهما البيع، سواء كانا شخصيين كبيع الطعام الخاص، والبيع
بالدرهم الخاص أم كليين، كبيع مائة كيلو من الطعام، أو البيع بعشرة مثاقيل من
الفضة، أما بعد تعين الثمن والمثمن في الذمة فلا يلزم التعيين في مقام الوفاء،
فيجوز دفع مقدار مجهول وفاء عما انشغلت به الذمة إذا تراضى به الطرفان على
جهالته، كما يجوز الوفاء من غير الجنس مع التراضي، ويرجع إلى نحو من
الصلح خارج عن البيع ومترتب عليه.
51

(مسألة 26): الذي يلزم أن يعرف مقدار العوضين بالنحو المتقدم هو
المتولي للمعاملة، سواء كان أصيلا، أم وكيلا مفوضا في المعاملة، دون الأصيل
غير المتولي للمعاملة، ودون الوكيل على إجراء الصيغة فقط.
(مسألة 27): يجوز إيكال أحد الطرفين للآخر تعيين المثمن أو الثمن،
فيدفع المشتري للبايع عشرة دنانير مثلا ليدفع له ما يقابلها من المكيل أو
الموزون بالقدر الذي يراه البايع مناسبا، وإن جهله المشتري، أو يأخذ به
المشتري القدر الذي يراه مناسبا، وإن جهله البايع، كما يجوز أن يدفع البايع
للمشتري عشرة كيلوات من الطعام بالثمن الذي يراه المشتري مناسبا، وإن
جهله البايع، أو يراه البايع مناسبا، وإن جهله المشتري.
(مسألة 28): يجوز بيع جملة مشاهدة مجهولة المقدار على أن كل مقدار
منها بثمن معين، فيبيع بيدرا من الطعام مجهول المقدار مثلا على أن كل طن منه
بألف دينار، ويبيع طاقة من القماش على أن كل متر منه بعشرة دنانير، ونحو
ذلك، ولا تضر جهالة مجموع المقدار والثمن.
(مسألة 29): قد يؤخذ الوزن أو الكيل أو العدد أو المساحة شرطا زائدا
على المبيع من دون أن يكون به قوام التقدير والكمية المقابلة بالمال، بل تعلق
الغرض بها زائدا على الكمية المأخوذة في البيع، كما لو باعه عشرة كيلوات من
الفاكهة على أن يكون عددها مائة، أو باعه مائة بيضة على أن يكون وزنها عشرة
كيلوات، أو باعه عشرين مترا من القماش على أن يكون وزنها خمسة كيلوات،
أو باعه حيوانا مشاهدا على أن يكون وزنه خمسين كيلو، ونحو ذلك. وحينئذ لو
تخلف الشرط المذكور لم يبطل البيع، ولم ينقص شئ من الثمن، بل يثبت به
خيار تخلف الوصف فيتخير المشترط بين الفسخ والرضا بالعقد بتمام الثمن.
هذا إذا كان المبيع شخصيا، وإن كان كليا قد أخذت فيه إحدى
الخصوصيات المذكورة وكان المدفوع للمشتري فاقدا لها فلا خيار حينئذ، بل
يتعين الابدال بالواجد للخصوصية المشروطة.
(مسألة 30): لا يعتبر رؤية العوضين، إذا لم تتوقف عليها معرفة مقدارهما
وصفاتهما الدخيلة في الرغبة فيهما لانضباطها، كبعض المصنوعات في زماننا
52

مما له ماركة معينة عرف بها، بل الظاهر عدم اعتبار الرؤية أيضا فيما إذا لم يتوقف
عليها معرفة المقدار بأحد الوجوه المتقدمة حتى لو توقف عليها معرفة الصفات التي تختلف فيها الرغبات من اللون والطعم وغيرها. غاية الأمر أنه لو اشترطت
صفات خاصة ولو ضمنا فتخلفه موجب للخيار في حق المشترط لها، وأما
بالإضافة إلى الصفات الأخرى غير المشترطة والتي تختلف فيها الرغبات
فالظاهر ثبوت خيار الرؤية في حق المشتري إذا لم ير المبيع، وهو الأحوط
وجوبا في حق البايع إذا لم ير الثمن، فلا بد في الخروج عن الاحتياط المذكور
بالتراضي بينهما في فسخ العقد أو إقراره. ويأتي الكلام في خيار الرؤية عند
الكلام في الخيارات إن شاء الله تعالى.
(مسألة 31): الظاهر عدم اشتراط معرفة جنس العوضين وصفاتهما،
كاللون والطعم والجودة والرداءة والرقة والغلظة والرطوبة واليبوسة وغيرها إذا
اختلفت القيمة باختلافها، فضلا عما لا أثر له في اختلاف القيمة، وإن اختلفت
فيه الرغبات الشخصية.
نعم، إذا اشترط وصف خاص في أحد العوضين صريحا أو ضمنا كان
تخلفه موجبا للخيار للمشترط. كما أنه إذا ظهر أن أحد العوضين معيب جرى
عليه حكم العيب الذي يأتي عند الكلام في الخيارات إن شاء الله تعالى. هذا كله
مع رؤية العوضين، أما مع عدم رؤيتهما فقد تقدم الحكم في المسألة السابقة.
(مسألة 32): ما يتعارف بيعه مع جهالة مقداره وتعذر معرفته حتى
بالمشاهدة كاللبن في الضرع، والجنين في بطن الحيوان، والسمك في الماء
المملوك إن علم بسلامة شئ منه جاز بيعه، وإلا وجب ضم شئ إليه معلوم
الحصول، ويكون البيع للمجموع، ولا يضر فيه الجهالة حينئذ. كما لا يجب
حينئذ وجود المبيع عند البيع، بل يكفي وجوده بعد ذلك، كبيع صوف قطيع
غنم قبل ظهوره، وبيع أولادها قبل أن تحمل بها. ويستثنى من ذلك الزرع
والثمر، حيث يأتي الكلام فيهما في فصل بيع الثمار إن شاء الله تعالى.
(مسألة 33): يعتبر في المبيع أن يكون بحيث يقدر المشتري على
تحصيله، فلو لم يكن كذلك لم يجز بيعه، كالعبد الآبق والجمل الشارد والمال
53

الضائع.
نعم، إذا كان المال محفوظا في نفسه إلا أن عدم تحصيله لقصور في البايع
كالسجين الذي لا يعلم بإطلاق سراحه قبل تلف المال فالظاهر جواز بيعه
وصحته، غاية الأمر أن المال لو تلف قبل قبض المشتري كان على البايع، ورجع
الثمن للمشتري، كما يأتي في أحكام القبض إن شاء الله تعالى.
كما أنه يجوز في القسم الأول بيعه مع الضميمة المضمونة الحصول نظير
ما تقدم في المسألة السابقة، وحينئذ لو تلف المال غير المضمون حين البيع لم
يكن على البائع، ولم يرجع المشتري بشئ من الثمن، بل يكفي أخذه
للضميمة.
(مسألة 34): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن ذلك في الثمن أيضا، فلا بد من كونه
بحيث يقدر البايع على تحصيله، على التفصيل المتقدم.
(مسألة 35): يعتبر في كل من العوضين أن يكون طلقا ويترتب على
ذلك أمور.
البيع منافيا للحق، كبيع العين المرهونة، والعين المشروط عدم بيعها، ونحو
ذلك. ولو وقع البيع في ذلك كان من بيع الفضولي الموقوف نفوذه على إجازة
صاحب الحق، نظير ما تقدم في شروط المتبايعين.
الثاني: أنه لا يجوز بيع العين المنذورة لجهة خاصة ينافيها البيع، مثل نذر
التصدق بها، أو صرفها في جهة خاصة راجحة. وكذا نذر عدم بيعها إذا كان نافذا
لكون البيع مرجوحا شرعها، فإن البيع يبطل في الجميع. وأما اليمين والعهد
اللذان يجب الوفاء بهما فهما يوجبان حرمة البيع ووجوب الكفارة به من دون
أن يكون باطلا.
الثالث: أنه لا يجوز بيع الوقف، على تفصيل يأتي في كتاب الوقف إن
شاء الله تعالى، ولا بيع أم الولد وهي الجارية التي يستولدها المالك، على تفصيل
لا مجال لاستقصائه لندرة الابتلاء بذلك في عصورنا هذه.
54

الفصل الرابع
في الخيارات
البيع من العقود اللازمة سواء كان إنشاؤه باللفظ، أم بغيره، كالمعاطاة.
وحينئذ لا يصح فسخه إلا بالتقايل برضا الطرفين، أو بثبوت الخيار لهما أو
لأحدهما، والخيار حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه أو إقراره
والرضا به وإلزامه بحيث بعده الرد، والخيارات عشرة..
الأول: ما يسمى بخيار المجلس
والمدار فيه على بقاء المتبايعين مجتمعين بأجسامهما من حين إيقاع
عقد البيع، سواء بقيا في مكانهما، أم انتقلا عنه مصطحبين، ماشيين أو راكبين أو
غير ذلك، فإذا افترقا سقط هذا الخيار.
(مسألة 1): الظاهر أن الموت بحكم الافتراق، فيسقط به الخيار.
(مسألة 2): إذا أوقع المتبايعان العقد وهما متفرقان فلا خيار لهما، كما لو
أوقعاه وهما في مكانين متباعدين باتصال هاتفي، أو بالمراسلة بأن وقع أحدهما
على ورقة البيع فأرسلت للآخر فوقعها، أو غير ذلك.
(مسألة 3): إذا كان المباشر للعقد الوكيل أو الولي فالخيار للموكل أو
المولى عليه، وقيام الوكيل والولي بإعمال الخيار إنما يكون بدلا عمن له الخيار،
لا لأن الخيار له، فيجب عليه ملاحظة مصلحة الأصيل في إعمال حق الخيار لا
مصلحة نفسه، ولذا إذا كانت وكالة الوكيل تقصر عن إعمال حق الخيار لم يكن له
إعماله، ولا ينفذ فسخه.
(مسألة 4): المدار في الاجتماع والافتراق على المباشر للبيع، أصيلا كان
أو وليا أو وكيلا. نعم إذا كان الوكيل وكيلا على إجراء الصيغة فقط من دون أن
55

تكون المعاملة منوطة به فلا أثر لاجتماعه وافتراقه، بل المدار على اجتماع
وافتراق المتولي، أصيلا كان أو غيره. وحينئذ إذا كان المتوليان للمعاملة مفترقين
حين إيقاع البيع فلا خيار من أول الأمر، نظير ما تقدم في المسألة (2).
(مسألة 5): إذا أوقع الوكيل أو الولي البيع فمات المالك قبل افتراق
المباشرين للبيع ففي انتقال حق الخيار لوارثه وقيام وكيل المورث أو وليه مقامه
إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الأصيلين في الفسخ وعدمه، أما إذا افترق
المباشران فلا خيار قطعا، كما أنه لو كان المباشر هو الأصيل فمات فقد سبق أن
موته بمنزلة الافتراق مسقط للخيار.
(مسألة 6): إذا كان المتولي للعقد شخصا واحدا أصالة عن نفسه ونيابة
عن الطرف الآخر، أو نيابة عن الطرفين فلا خيار من أول الأمر.
(مسألة 7): يسقط هذا الخيار بأمور:
الأول: اشتراط عدمه في ضمن العقد أو في ضمن عقد آخر.
الثاني: إسقاطه بعد العقد قبل التفرق.
الثالث: إقرار العقد والرضا به، ولو بفعل ما يدل على ذلك مما لا يصدر
ممن هو متردد في الامضاء والفسخ كتقطيع الثوب، وطبخ الطعام، وعرض ما
اشتراه للبيع، ونحو ذلك.
(مسألة 8): إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل التفرق أو خرج عن
ملك صاحبه بوجه لا يظهر في إمضائه للعقد وإقراره له فالظاهر سقوط الخيار.
أما إذا تعيب أو نقص ففي بقاء الخيار إشكال، وعلى تقدير بقائه ففي ضمانه
على من وقع النقص أو التعيب عنده إشكال. بل الظاهر عدم ضمانه إذا كان
الفاسخ هو الطرف الآخر.
نعم، إذا كان العوض فرديا ودفع فرد منه فتلف أو تعيب أو خرج عن
الملك قبل التفرق فالظاهر عدم سقوط الخيار، بل يجب على صاحبه عند
الفسخ دفع فرد آخر.
(مسألة 9): يختص هذا الخيار بالبيع، ولا يجري في غيره من العقود
المعاوضية كالإجارة فضلا عن غيرها كالهبة.
56

الثاني: خيار الحيوان
وهو يثبت لمن انتقل إليه الحيوان بالبيع، سواء كان الحيوان مبيعا أم ثمنا،
فلو بيع الحيوان بالحيوان كان الخيار للمتبايعين معا.
(مسألة 10): المراد بالحيوان هو الحي دون الميت المذكى، فلا يثبت في
بيعه هذا الخيار، بل الظاهر عدم ثبوته في الحيوان غير مستقر الحياة الذي
يباع للحمه، كالمذبوح، والصيد المجروح جرحا قاتلا، والسمك الذي أخرج
من الماء إذا كانت فيها الحياة حين البيع. بل يشكل ثبوته في مستقر الحياة إذا
ابتنى البيع على عدم إبقاء الحيوان على حياته، بل على المبادرة بإزهاق روحه،
كالسمك المصيد المجعول في الماء للحفاظ على حياته ليؤكل طازجا، إذا بيع
للأكل لا للحفظ، والهدي الذي يشترى ليذبح حين الشراء، ونحوهما. فالأحوط
وجوبا في مثل ذلك التراضي من المتبايعين معا في فسخ البيع وعدمه في مدة
الخيار.
(مسألة 11): مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من حين إيقاع عقد البيع، ولو
ملفقة، كما لو وقع البيع في أثناء اليوم، حيث لا ينتهي إلا في نفس الوقت من
اليوم الرابع والليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار، وكذا الليلة الثالثة
المتوسطة لو وقع البيع في أثناء النهار، وكذا الليلة المتطرفة الأولى لو وقع البيع
في أول الليل أو أثنائه. وأما الليلة المتطرفة الأخيرة أو أبعاضها لو وقع البيع في
أول النهار أو في أثناء الليل فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين معا في
فسخ البيع وعدمه فيها.
(مسألة 12): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس الذي تقدم
في المسألة (7).
(مسألة 13): إذا بيع الحيوان فتلف قبل القبض جرى عليه ما يأتي في
تلف المبيع قبل قبضه، وإذا تعيب قبل القبض جرى عليه ما يأتي في خيار
العيب، وأما إذا تلف أو تعيب بعد القبض فله صور..
الأولى: أن يكون بمقتضى الوضع الطبيعي للحيوان، كما لو مرض فمات
أو عثر فانكسر. فمع التلف يرجع المشتري على البايع بالثمن، ومع التعيب
57

يكون للمشتري الفسخ من دون أن يدفع أرش النقص، وليس له مطالبة البايع
بالأرش مع عدم الفسخ.
الثانية: أن يكون بفعل البايع، ويتخير المشتري حينئذ بين الفسخ
وأخذ الثمن وعدمه مع مطالبة البايع بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية.
الثالثة: أن يكون بفعل المشتري، فإن كان فعله ظاهرا في رضاه بالعقد
وإقراره له فليس له الفسخ ولا المطالبة بالأرش، وإن لم يكن ظاهرا فيه، لصدوره
منه غفلة أو لنحو ذلك ففي جواز الفسخ له ورجوعه بالثمن وضمانه لما حدث
بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي
منهما معا بالفسخ أو عدمه.
الرابعة: أن يكون بفعل أجنبي، وحينئذ يكون للمشتري الرجوع على
الأجنبي ومطالبته بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية، وفي جواز الفسخ له
ورجوعه على البايع بالثمن، ثم مطالبة البايع الأجنبي بضمان ما حدث بمثله أو
قيمته السوقية إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي من البايع والمشتري معا
بالفسخ أو عدمه، كما سبق في الصورة الثالثة.
الخامسة: أن يكون بآفة سماوية، كما لو أخذ السيل الحيوان، أو سقط
عليه جدار فهلك أو تعيب ففي جواز الفسخ للمشتري ورجوعه بالثمن وضمانه
لما حدث بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ له إشكال، فالأحوط
وجوبا التراضي منهما معا بالفسخ أو عدمه.
ثم إن هذه الصور الخمس تجري فيما إذا كان الحيوان ثمنا، غاية الأمر أنه
يجري على البايع هنا حكم المشتري هناك وعلى المشتري حكم البايع.
(مسألة 14): يختص هذا الخيار بالبيع ولا يجري في غيره من العقود،
نظير ما تقدم في خيار المجلس.
(مسألة 15): إذا مات صاحب الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام منم البيع
انتقل الخيار لوارثه، ومع تعدد الورثة لا بد من اتفاقهم على فسخ البيع أو إقراره
والرضا به، ومع اختلافهم لا يترتب الأثر على فعل كل منهم ويبقى البيع نافذا ما
لم يتفقوا على الفسخ، فإذا اتفقوا عليه انفسخ البيع، وإن سبق من بعضهم إقرار
58

البيع والرضا به.
(مسألة 16): إذا باع في عقد واحد الحيوان مع غيره صفقة واحدة، فإن
ابتنى البيع على اشتراط عدم الخيار فهو، وإلا ثبت الخيار لصاحب الحيوان فيه،
فإن فسخ ثبت لهما معا في غير الحيوان خيار تبعض الصفقة الذي يأتي الكلام
فيه في التاسع من الخيارات إن شاء الله تعالى.
الثالث: خيار الشرط
وهو الخيار المجعول من قبل المتعاقدين باشتراطه في ضمن العقد لكل
منهما، أو لأحدهما بعينه دون الآخر.
(مسألة 17): إذا جعل الخيار لأحد الطرفين، فكما يمكن جعله بنحو
يكون هو المباشر للفسخ الصادر عن نظره كذلك يمكن جعله بنحو يقوم
شخص آخر في الفسخ عنه، بحيث يصدر الفسخ من الشخص الآخر بنظره بدلا
عنه، وأما جعل حق الخيار للشخص الآخر استقلالا بحيث يكون له، من دون أن
يقوم به عن أحد المتعاقدين، بل يكون قهرا عليهما فلا يخلو عن إشكال.
(مسألة 18): ليس لهذا الخيار مدة معينة، بل لهما أن يشترطا ما شاءا من
مدة طويلة أو قصيرة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، فكما يجوز أن يجعلا
الخيار إلى سنة من العقد مثلا لهما أن يجعلاه على رأس سنة من العقد.
(مسألة 19): لا يجوز جعل الخيار مدة مرددة لا تعين لها في الواقع، بل
لا بد من تعين المدة، سواء كانت مستمرة باستمرار أثر العقد، أم محددة بحد
معلوم كشهر، أم مجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، وأيام نزول المطر، وإلى
مجئ الحاج، ووضع المرأة الحمل، ونحو ذلك.
(مسألة 20): من أفراد هذا الخيار خيار رد الثمن بعينه أو بمثله، بأن
يشترط البايع على المشتري أنه له الفسخ متى جاء بالثمن، أو إن جاء به في
وقت خاص معلوم المقدار، أو مجهول المقدار قابل للضبط على ما تقدم،
بحيث لو جاء الوقت المذكور ولم يأت بالثمن فلا خيار له، ويسمى ببيع الخيار.
ولعل بيع خيار الشرط بإطلاقه ينصرف إلى ذلك، ولا يعم صورة عدم رد الثمن
59

في الوقت المشروط فيه الخيار إلا بالتنصيص على ذلك.
(مسألة 21): المنصرف من إطلاق البيع مع خيار رد الثمن هو تهيئة
البايع للثمن، بحيث لو كان المشتري قابلا لأخذه وأراد أخذه لأخذه، فالمعيار
فيه على الاقدار من جانب البايع ورفع المانع من قبله، لا على فعلية أخذ
المشتري للثمن، فلا يخل به امتناع المشتري عن أخذ الثمن، ولا عجزه عن
أخذه لمرض أو غيبة، أو عدم سلطنته عليه بجنون أو سفه أو غيرهما، بل يكفي
مع امتناعه من قبضه التخلية بينه وبين الثمن، ومع عجزه أو عدم سلطنته يكفي
تسليمه لوكيله أو وليه ولو كان هو الحاكم الشرعي. بل لو تعذر قبض الولي
حينئذ كان للبايع الفسخ إذا كان قادرا على التسليم.
نعم، إذا صرحا في عقد البيع بما يخرج عن الاطلاق المذكور كان العمل
عليه عملا بالشرط.
(مسألة 22): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط للبايع اشتراط بقاء
المبيع، وعدم إخراج المشتري له عن ملكه أو إتلافه وعدم تصرفه فيه تصرفا
مغيرا لصورته، كهدم الدار وتقطيع الثوب وكسر المصاغ ونحو ذلك، ومقتضى
ذلك عدم نفوذ التصرف المخرج عن الملك، وحرمة الاتلاف والتصرف المغير
للصورة، فلو أتلف المشتري المبيع أو غير صورته كان ضامنا له أو للأرش على
تقدير إعمال البايع للخيار بفسخ البيع.
نعم، لو صرحا في عقد البيع بجواز التغير المذكور فلا حرمة، ولو صرحا
بعدم الضمان فلا ضمان، كما أنه لو صرحا فيه بجواز إخراج المشتري له عن
ملكه نفذ إخراجه له، وكان عليه ضمانه بالمثل أو القيمة لو أعمل البايع حق
الخيار وفسخ البيع.
(مسألة 23): لو تلف المبيع أو تغيرت صورته قهرا على المشتري
فالظاهر عدم ضمانه، فلا يبقى موضوع للفسخ مع التلف، ولا ضمان مع تغير
الصورة، بل ليس للبايع إلا العين على ما هي عليه من غير أرش، إلا مع التصريح
أو قيام القرينة على الضمان حينئذ، فيتعين بقاء الخيار مع الضمان في التلف
وتغير الصورة.
60

(مسألة 24): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط العموم لصورة موت
المشروط عليه الخيار، فيقوم وارثه مقامه في جواز رجوع من له الخيار عليه،
فإذا اشترط البايع الخيار على المشتري مثلا فمات المشتري لم يسقط خيار
البايع، ويقوم وارث المشتري مقامه في ثبوت الخيار عليه، وأما بالإضافة
إلى من له الخيار فلا يقتضي الاطلاق قيام وارثه مقامه، فإذا مات سقط
خياره.
نعم، مع التصريح بخلاف ذلك أو قيام القرينة عليه يتعين العمل على
النحو المصرح به، أو الذي اقتضته القرينة.
(مسألة 25): إذا ابتنى الشرط على كون حق الخيار مطلقا غير مقيد بحياة
صاحبه كان موروثا، ومع تعدد الورثة يجري ما تقدم في خيار الحيوان في
المسألة (15) كما أن الظاهر حينئذ عدم اختصاص الإرث بمن يرث أحد
العوضين، بل يعم غيره، فمن باع أرضا بخيار أو اشترى أرضا بخيار فمات كانت
زوجته شريكة في الخيار وإن كانت لا ترث من الأرض. وكذا من باع أو اشترى
شيئا من الحبوة بخيار، فإن جميع الورثة يشتركون في الخيار، ولا يختص به من
يرث الحبوة.
(مسألة 26): إذا كان أحد العوضين من سنخ الأثمان التي يهتم بماليتها لا
بخصوصياتها كالنقود والذهب الموزون ونحوهما وكان الخيار لمن دخل ذلك
العوض في ملكه فمقتضى إطلاق البيع المشتمل على خيار الشرط بقاء الخيار
مع خروج العين عن ملكه أو تلفها عنده، فله الفسخ مع إرجاع البدل.
وإذا لم يكن من سنخ الأثمان فيشكل شمول الاطلاق لصورة خروجه
عن ملك من له الخيار أو تلفه عنده، بل يشكل شموله لصورة تغير العين،
كتقطيع الثوب وانهدام الدار، فيحتاج بقاء الخيار في الجميع إلى عناية من
تصريح أو قرينة على العموم لذلك، ومعهما يتعين ثبوت الخيار له، وإرجاع
البدل من المثل أو القيمة مع التلف، وضمان الأرش مع التغير، إلا مع التصريح
بعد الأرش حينئذ.
(مسألة 27): يجوز اشتراط الفسخ بالإضافة إلى خصوص بعض المبيع
61

إذا كان ورود البيع على الأبعاض بنحو الانحلال عرفا، كما لو تضمن العقد
مقابلة كل جزء من المبيع بجزء من الثمن، كما لو باعه مثلا في عقد واحد
الثوب بدينار والحصير بدينار، أو باعه الثوبين كل منهما بدينار. وأما إذا كان
ورود البيع على تمام البيع بنحو المجموعية ففي صحة اشتراط الخيار في
البعض إشكال.
(مسألة 28): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد، وبإقرار العقد والرضا
به، ولو بفعل ما يدل على ذلك، نظير ما تقدم في خيار المجلس.
(مسألة 29): يصح اشتراط الخيار في جميع العقود اللازمة عدا النكاح،
وكذا الصدقة على الأحوط وجوبا. والظاهر صحة اشتراطه في الهبة اللازمة،
وكذا في عقد الضمان إن كان برضا المدين. ولا يصح اشتراطه في العقود
الجائزة، ولا في الايقاعات حتى الوقف، ويبطل الوقف باشتراطه فيه. وأما بقية
الايقاعات ففي بطلانها باشتراطه إشكال، فاللازم الاحتياط بإعادتها من دون
شرط.
(مسألة 30): المنصرف من إطلاق العقد عدم أخذ خصوصية البايع في
إعمال الخيار ودفع الثمن مقدمة للفسخ، فيقوم وكيله ووليه مقامه في
إعمال الخيار وفي دفع الثمن مع عموم الولاية والوكالة لذلك سواء كان
موقع المعاملة هو الأصيل أم الوكيل أم الولي. ولو خرجا عن الولاية والوكالة
كان للأصيل إعمال الخيار، ولو تبدل الوكيل أو الولي كان للبديل القيام
بذلك.
نعم، لو صرح في العقد المتضمن للشرط المذكور بخصوصية الأصيل أو
الوكيل أو الولي، أو بخصوصية وكيل خاص أو ولي خاص تعين العمل على
مقتضى الشرط. بل لو أخذت خصوصية الشخص الخاص حتى لو خرج عن
الوكالة أو الولاية تعين العمل على ذلك، غاية الأمر أنه ليس له إعمال حق
الخيار بالفسخ رغما على من جعل له الخيار في العقد، نظير ما تقدم في
المسألة (17).
62

الرابع: خيار الغبن
وهو يثبت للمشتري مع الشراء بأكثر من القيمة السوقية، وللبايع مع البيع
بأقل منها.
(مسألة 31): إنما يثبت هذا الخيار مع غفلة الموقع للمعاملة عن التفاوت
بين المسمى والقيمة السوقية، فلا خيار لو علم بالفرق أو احتمله وأقدم على
المعاملة على كل حال، لاهتمامه بتحصيل المبيع أو الثمن من دون اهتمام
بالحفاظ على المالية.
(مسألة 32): إنما يثبت هذا الخيار إذا ابتنت المعاملة على عدم الخروج
عن القيمة السوقية، كما هو الغالب في نوع المعاملات. ولا يثبت إذا لم تبتن على
ذلك، كما هو الغالب في مثل بيع المزاد المبتني على إعمال النظر الشخصي من
أطراف المزايدة، وكذا مثل بيع التحفيات والنوادر التي يكون المعيار فيها على
الرغبة الشخصية من دون نظر للقيمة السوقية.
(مسألة 33): إذا كانت القيمة السوقية مرددة بين الأقل والأكثر تبعا
لاختلاف البائعين من حيثية الصعوبة والسهولة، أو المشترين من حيثية المماكسة
وعدمها فلا يكون الغبن إلا بالزيادة على أعلى القيم، أو النقص عن أدنى القيم،
ولو كانت القيمة محددة بالدقة كما في موارد التسعيرة الرسمية إذا كان مبنى
الناس على العمل بها وعدم الخروج عنها صدق الغبن بالزيادة عليها أو النقص
عنها وإن كان الفرق قليلا.
(مسألة 34): لو اختلفت القيم باختلاف البلدان أو المنافق أو الأسواق،
كما يتعرف كثيرا في زماننا، كان المعيار في القيمة التي يكون الغبن بلحاظها،
على الموضع الذي يقع فيه البيع، ولا عبرة بغيره من المواضع.
(مسألة 35): المعيار في هذا الخيار على حصول الغبن واقعا، لا على
العلم به، فإذا فسخه المغبون البيع وهو جاهل بحصول الغبن ثم علم به انكشف
صحة فسخه.
(مسألة 36): المعيار في الغبن على اختلاف السعر حين البيع، ولا أثر
63

لارتفاع السعر أو نزوله بعد البيع ولو بزمان قليل.
(مسألة 37): يتخير المغبون بين الفسخ والقبول بتمام الثمن، وليس له
ترك الفسخ والمطالبة بالتفاوت. ولو بذل له الغابن التفاوت، على أن لا يفسخ لم
يجب عليه القبول.
نعم، لو تصالحا على بذل التفاوت في مقابل عدم الفسخ أو إسقاط الخيار
صح منهما ذلك، ولزمهما العمل عليه.
(مسألة 38): إذا ظهر الغبن كان للمغبون الخيار والفسخ مع بقاء
العوضين على حالهما وفي ملك من صارا له بالبيع وأما مع تلف أحدهما أو
خروجه عن ملك من صار له بالبيع بعتق أو هبة أو بيع أو غيرهم فإن كان العوض
المذكور من سنخ الأثمان التي لا يهتم إلا بماليتها عرفا فالظاهر بقاء الخيار، ومع
الفسخ يتعين إرجاع البدل، وإن كن من سنخ العروض الذي يهتم بتحصيله زائدا
على ماليته أشكل بقاء الخيار ونفوذ الفسخ. وكذا الحال في تغير الصورة، كتقطيع
الثوب وخياطته، وكسر المصاغ، وبناء الدار وإجارتها، ومزج الشئ بغيره بنحو
لا يتيسر تصفيته، ونحو ذلك، فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين بالفسخ
أو عدمه، أو إسقاط الخيار ولو بالمصالحة ببذل شئ من المال. نعم لا يرتفع
الخيار باشتباه العين بغيرها من دون امتزاج، فيتعين بعد الفسخ تعيين العين
المسترجعة بالقرعة أو بالمصالحة.
(مسألة 39): الظاهر أن خيار الغبن ليس فوريا، سواء علم المغبون بالغبن
وبثبوت الخيار له أم لم يعلم، فله تأخير الفسخ بانتظار استيضاح الأصلح
باستشارة أو استخارة أو تفكر، أو بانتظار العثور على البايع، أو غير
ذلك.
(مسألة 40): إذا اشترى شيئين في عقد واحد كل منهما بثمن يخصصه،
وحصل الغبن في أحد البيعين دون الآخر فله صورتان..
الأولى: أن يبتني العقد على الارتباط بين البيعين، وحينئذ إن ابتنت
المعاملة على عدم الخروج عن القيمة السوقية في كل من البيعين كان للمغبون
الخيار في البيع الغبني، فإن فسخ ثبت خيار تبعض
الصفقة لمن أخذ الارتباطية
64

شرطا له في المعاملة. وإن ابتنت المعاملة على عدم ملاحظة القيمة السوقية في
كل من البيعين كما لعله الغالب فلا خيار للمغبون، على ما تقدم.
الثانية: أن يبتني العقد على الانحلال بين البيعين، وحينئذ لو ثبت الخيار
للمغبون في البيع الغبني لابتناء المعاملة على عدم الخروج عن القيمة السوقية،
فلا يثبت خيار تبعض الصفقة.
(مسألة 41): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد،
وبإسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن، كما يسقط بإقرار العقد والرضا به،
ولو بفعل ما يدل على ذلك مع العلم بالغبن أو احتماله، نظير ما تقدم في خيار
المجلس.
(مسألة 42): الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مبنية على
ملاحظة القيمة السوقية من صلح أو إجارة أو غيرهما. نعم في ثبوتها في الإجارة
ونحوها بعد استيفاء المنفعة إشكال، نظير الاشكال المتقدم في البيع مع تلف
أحد العوضين إذا لم يكن من سنخ الأثمان.
(مسألة 43): الظاهر أن خيار الغبن يورث على النهج المتقدم في خياري
الحيوان والشرط.
الخامس: خيار التأخير
اطلاق العقد يقتضي تعجيل كل من المتبايعين تسليم العوض الذي
استحقه الآخر بالبيع مع تسليم صاحبه له ما استحقه هو بالبيع، فالعقد مبني على
التسليم والتسليم.
نعم، إذا لم يسلم أحدهما ما عليه عصيانا أو عجزا لم يجب على الآخر
التسليم. ولو امتنع أحد المتبايعين من التسليم مع حضور الآخر له كان للآخر
إجباره عليه. ومع عدم تسليم أحد الطرفين لما عنده عصيانا أو عن عذر، يثبت
للطرف الآخر الخيار في فسخ العقد، ولا يختص ذلك بالبيع، بل يجري في
جميع المعاوضات، وهو داخل في خيار تخلف الشرط الذي يأتي التعرض له
في الخيار الثامن إن شاء الله تعالى.
65

نعم، يختص البيع بأنه مع عدم تسليم المبيع وعدم تسليم الثمن لا يثبت
الخيار إلا بعد ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن وقبض المبيع فهو وإلا
كان للبايع الخيار والفسخ بعد الثلاثة، ولو تلف المبيع قبل تسليمه ضمنه البايع
وكان من ماله على ما يأتي في أحكامه القبض إن شاء الله تعالى. والمتيقن من
ذلك ما إذا رضي البايع بالتأخير في الجملة، وإن كان الأحوط وجوبا العموم لما
إذا لم يرض بالتأخير من أول الأمر، من دون أن يشترط التعجيل صريحا في
العقد.
هذا والظاهر جريان ذلك بالإضافة إلى عدم قبض المبيع وحده، فلو
قبض البايع الثمن ولم يقبض المشتري المبيع مع بذل البايع له يكون لازما
إلى ثلاثة أيام، ويثبت الخيار بعدها للبايع.
نعم، لو ابتنى عدم قبض المشتري للمبيع على إيداعه عند البايع، بحيث
يكون البايع وكيلا عن المشتري في القبض، ويبقى المبيع عنده وديعة فلا خيار،
وليس له الفسخ. ولو تلف المبيع عنده المبيع عنده من دون تفريط منه لم يضمنه حينئذ،
وكان من مال المشتري. بل الأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا فلو لم يقبضه
البايع لم يكن له الفسخ إلا بعد ثلاثة أيام، فإن لم يدفعه المشتري كان للبايع
الفسخ بعد الثلاثة، وإن كان المشتري قد قبض المبيع.
هذا كله مع عدم التصريح باشتراط التعجيل قبل الثلاثة أو التأخير عنها. أما
معه فاللازم العمل عليه، ويثبت الخيار مع مخالفة شرط التعجيل ولو قبل الثلاثة،
كما لا خيار بعد الثلاثة مع اشتراط التأخير أكثر من ذلك.
(مسألة 44): المراد من الأيام الثلاثة هنا هو المراد منها في خيار الحيوان،
وقد تقدم توضيحه.
(مسألة 45): لا فرق في المبيع بين أن يكون شخصيا مثل كيس خاص
من الحنطة وأن يكون كليا، كمائة كيلو من الحنطة غير معينة، وكذا الحال في
الثمن.
(مسألة 46): ما يفسده أو يضربه المبيت كبعض الخضر والبقول واللحم
إذا لم يقبضه المشتري ولم يسلم الثمن يلزم البيع فيه إلى دخول الليل، فإذا لم
66

يجئ المشتري حتى دخل الليل كان للبايع الخيار، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف
في المبيع كيف يشاء. ويختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي، وأما في غيره
فالمرجع فيه ما سبق.
(مسألة 47): لو لم يفسخ البيع بدخول الليل فيما يفسده أو يضره
المبيت، فإن تلف أو تضرر كان عليه ضمانه للمشتري، لما أشرنا إليه ويأتي من
أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه. نعم له بيعه عن المشتري عند خوف
تلفه أو تضرره إذا كان بيعه أنفع لصاحبه من الفسخ، ولا بد من الاستئذان من
الحاكم الشرعي مع إمكانه.
(مسألة 48): يجري ما سبق في كل ما يكون تحت يد المكلف لغيره
ويتعرض للتلف مما ثبت له فيه الخيار له ولم يفسخ. أما إذا لم يثبت له فيه
الخيار إما لكونه أمانة ابتدائية أو لكونه مبيعا ببيع لازم فاللازم الحفاظ على ماليته
مهما أمكن ببيعه أو بغير ذلك، واللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه مع الامكان.
وإن كان مضمونا عليه كالمغصوب كان عليه ضمان الفرق بين قيمته الأصلية وما
أمكن الحفاظ عليه بالبيع أو غيره من ماليته.
(مسألة 49): يسقط خيار التأخير بأمور:
الأول: إسقاطه بعد ثبوته، ولا يسقط بإسقاطه قبل ذلك، وعلى هذا يسقط
في غير البيع بإسقاطه بعد العقد، ولا يسقط في البيع إلا بإسقاطه بعد الأيام الثلاثة
أو بعد الليل فيما يفسد ليومه.
الثاني: إقرار البيع والرضا به من قبل من له الخيار إذا كان بعد ثبوت الخيار
أيضا.
الثالث: اشتراط سقوطه في ضمن العقد. وأما بذل المشتري للثمن
وحضوره لأخذ المبيع بعد ثبوت الخيار فهو لا يسقط الخيار.
(مسألة 50): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، فلو لم يعجل صاحب
الخيار بالفسخ لم يسقط خياره إلا بأحد المسقطات المتقدمة.
(مسألة 51): يقوم الوارث مقام المورث في استحقاق هذا الخيار، على
النهج المتقدم في الخيارات السابقة.
67

السادس: خيار الرؤية
تقدم عند الكلام في شروط العوضين الكلام في اشتراط العلم بمقدار
العوضين. وتقدم في المسألة (30) من الفصل السابق أنه لا يعتبر رؤية العوضين
إذا لم يتوقف عليها العلم بمقدارهما.
نعم، إذا توقف عليها العلم بصفات المبيع التي تختلف باختلافها القيمة
أو الرغبة الشخصية فالبيع وإن كان صحيحا إلا أنه يثبت للمشتري فيه الخيار.
وأما الصفات التي لا تظهر بالرؤية فلا تتوقف صحة البيع على العلم بها، كما لا
يكون تخلفها موجبا للخيار، إلا أن يكون عيبا، أو تكون مشروطة في البيع ولو
ضمنا، فيثبت في الأول خيار العرب، وفي الثاني خيار تخلف الشرط، ويأتي
الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.
(مسألة 52): الأحوط وجوبا ثبوت خيار الرؤية للبائع بالإضافة إلى الثمن
إذا كان شخصيا، فلا بد من التراضي بين المتبايعين بالفسخ أو عدمه.
(مسألة 53): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس.
(مسألة 54): يقوم الحارث مقام المورث في استحقاق هذا الخيار على
النهج المتقدم.
(مسألة 55): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، نظير ما تقدم في غيره من
الخيارات.
السابع: خيار العيب
ويثبت للمشتري فيما إذا اشترى شيئا فظهر به عيب، فإنه يتخير بين
الرضا بالبيع بتمام الثمن والفسخ، وليس له الرضا بالبيع مع الأرش إلا أن يتعذر
الرد، وذلك بأمور..
الأول: تلف العين، وبحكمه تعذر إرجاعها للبائع بضياع أو غصب أو
غرق أو نحوها، ولو ارتفع التعذر قبل أخذ الأرش فليس له المطالبة بالأرش، بل
ليس له إلا الفسخ.
68

الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو هبة أو عتق أو نحو ذلك، ولو عاد
للملك ففي امتناع الفسخ ولزوم الأرش إشكال، فاللازم الاحتياط بالتراضي
بينهما في الفسخ أو الأرش.
الثالث: التصرف الاعتباري اللازم الذي يوجب اختلاف الرغبة فيه،
كإجارة العين ورهنها. ولو فسخ التصرف المذكور أو انتهت مدته قبل أخذ
الأرش جرى فيه ما تقدم فيما لو عاد للملك.
الرابع: تغير صورة المبيع بما يوجب اختلاف الرغبة فيه، كتقطيع الثوب
وصبغه وخياطته وبناء الدار والتغيير فيها وانهدامها ونحو ذلك.
نعم، لو كان التغير مضمونا على البايع كمرض الحيوان قبل مضي ثلاثة
أيام لم يمنع من الرد، وكذا إذا كان بفعل البايع من دون إذن من المشتري.
الخامس: وطئ الجارية، فإنه يمنع من ردها بالعيب إلا أن تكون حبلى،
فعليه حينئذ ردها إن كان الحبل من المولى ويرد معها نصف عشر قيمتها، وإن
كان الحبل من غير المولى فالأمر لا يخلو عن إشكال، وهو غير مهم لندرة
الابتلاء بالمسألة أو عدمه.
(مسألة 56): لو رضي البائع برجوع العين في الأخيرين، فإن أضر الرد
بالمشتري كما لو صبغ الثوب لم يسقط الأرش، وإلا فالأحوط وجوبا التراضي
بينهما في الفسخ أو الأرش.
(مسألة 57): إذا تعذر الرد كان للمشتري الأرش، وهو فرق ما بين
الصحيح والمعيب، ونسبته للثمن كنسبة الفرق بين الصحيح والمعيب في القيمة
السوقية، فإذا كان قيمة المعيب ثلثي قيمة الصحيح مثلا، كان نسبة الأرش للثمن
الثلث، وإذا لم يكن بين الصحيح والمعيب فرق في القيمة السوقية كما قد يدعى
في الخصاء في الحيوانات فلا أرش وإن تعذر الرد.
(مسألة 58): المرجع في معرفة نسبة المعيب للصحيح أهل الخبرة من
أهل الأمانة والثقة، ومع اختلافهم يتعين الأخذ بمن هو أخبر وأعرف بالنحو
المعتد به عند العقلاء، ومع عدم الترجيح يجزي البايع دفع الأقل.
(مسألة 59): يجب على البائع إخراج الأرش من الثمن مع وجوده، لكن
69

لا بنحو يكون المشتري شريكا معه فيه بالنسبة، بحيث لا يتصرف فيه كل منهما
إلا برضا الآخر، بل يكون للبايع وحده التصرف فيه، غايته أنه يجب عليه أن
يدفع مقدار الأرش للمشتري، وعليه لا يجوز له بعد امتناع الرد إتلاف الثمن أو
إخراجه عن ملكه بتمامه، بل لا ينفذ تصرفه فيه حينئذ إلا بإذن المشتري، نعم له
ذلك فيما عدا مقدار الأرش. ولو لم يكن الثمن قابلا للقسمة كان عليه دفع
قيمته، ولو تلف الثمن أو خرج عن ملك البائع أو نحو ذلك مما يتعذر معه
إخراج الأرش منه لزمه ضمان مقدار الأرش بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن كان
قيميا.
(مسألة 60): إذا كان المبيع المعيب ربويا وثمنه من جنسه وبقدره لم
يمنع ذلك من استحقاق الأرش من الثمن، ولا يلزم منه الربا، وإنما يلزم الربا إذا
نقص الثمن أو المبيع حين البيع.
(مسألة 61): الظاهر أن العيب الحادث بعد البيع قبل القبض بحكم
العيب الحاصل قبل البيع، فيثبت للمشتري فيه الرد، فإذا قبضه وحدث عنده ما
يمنع من الرد كان له الأرش، وإن كان الأحوط استحبابا التراضي بين الطرفين في
الجميع.
(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين العيب الحادث بأمر
سماوي والحادث بفعل البايع والحادث بفعل الغير، غايته أنه في الأخير للبائع
بعد دفع الأرش الرجوع على ذلك الغير بأرش العيب، والأحوط وجوبا له
الاقتصار على الأقل في الفرق بين الصحيح المعيب مما دفعه للمشتري ومن
القيمة السوقية، كما أن للمشتري عدم الرجوع بالأرش على البايع والرجوع به
على ذلك الغير، فيأخذ منه فرق ما بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة
السوقية، لا بنسبته من الثمن. وأما إذا كان العيب بفعل المشتري فلا رد ولا أرش.
(مسألة 63): إذا اشتري شيئين بثمنين صفقة، فظهر عيب في أحدهما
دون الآخر فإن حصل ما يمنع من الرد استحق الأرش لا غيره، وإن لم يحصل ما
يمنع من الرد ثبت له خيار العيب، فإن لم يبتن بيعهما على الارتباطية كان له رد
المعيب وحده، وإن ابتنى بيعهما على الارتباطية بين المبيعين ثبت خيار تبعض
70

الصفقة الذي يأتي الكلام فيه في التاسع من الخيارات لمن أخذت الارتباطية
شرطا له في المعاملة، فله الرجوع في الآخر أيضا وإن لم يكن معيبا.
نعم، إذا حدث في الآخر نقص أو زيادة أو تبدل حال يوجب اختلاف
الرغبات فالأحوط وجوبا التصالح بينهما في الفسخ وعدمه ولو ببذل مال.
(مسألة 64): يجري التفصيل المتقدم لو كانا معا معيبين فرد أحدهما ولم
يرد الآخر لرضاه به على عيبه، أو لحدوث ما يمنع من الرد فيه.
(مسألة 65): إذا اشترى شيئين بثمن واحد وكان أحدهم معيبا دون
الآخر كان له الخيار في المعيب، فإن فسخ فيه ثبت في الثاني لهما خيار تبعض
الصفقة كما تقدم.
(مسألة 66): العيب هو الخروج عن الوضع المتعارف للشئ بما يعد
نقصا فيه عرفا، لاخلاله بالغرض المقصود منه نوعا كالمرارة في المطعوم أو
لكونه سببا في مؤنة زائدة كشرود الحيوان المقتضي للالتزام بربطه أو لترتب
ضرر عليه، أو لتشوه صورته، أو لكونه ناشئا عن نقص في طبيعته ومزاجه
- كعدم نبات الشعر في المواضع المعهود فيها نباته - أو لغير ذلك. أما إذا كان
الخروج عن الوضع المتعارف فيه راجعا إلى كماله عرفا فلا خيار فيه، كحدة
ذكاء الحيوان وقوة بصره، وكثرة رواء الفاكهة ونحو ذلك، إلا أن يستلزم أمرا
يرغب عنه نوعا، كما إذا كانت قوة الذكاء مستلزمة لقصر العمر، أو كانت قوة
البصر بنحو تقتضي اختراق النظر لما وراء الثياب كما يحكى في زماننا عن
بعض الشواذ أو نحو ذلك، فتكون عيبا يثبت به الخيار.
(مسألة 67): إذا تعارف وجود العيب في صنف المبيع، أو في زمان البيع،
أو مكانه، بحيث لا يبتني البيع على السلامة من العيب ارتكازا فلا يقتضي
الخيار.
وكذا إذا قامت القرينة الخاصة في البيع على عدم ابتنائه على السلامة من
العيب، كما قد يكون فيما إذا ابتنى شراء الطعام أو الخضر والفاكهة على أن
تجعل علفا للحيوان، أو شراء الذهب المصوغ على الإذابة والتصفية، حيث لا
يكون العيب المغير للطعم في الأول، والكسر في المصوغ في الثاني سببا
للخيار.
71

(مسألة 68): إنما يثبت خيار العيب فيما إذا كان المبيع عينا شخصية
معيبة، أما إذا كان المبيع كليا ودفع البايع معيبا وفاء له فلا خيار، بل للبايع حينئذ
إبدال المعيب بالصحيح، فلو باعه طنا من الحنطة، فدفع إليه حنطة معيبة
استرجعها وأخذ حنطة غير معيبة، وإذا امتنع كان له خيار عدم تسليم المبيع الذي
تقدم الكلام فيه في المجالس من الخيارات، وكذا الحال في الثمن الكلي لو سلم
المشتري معيبا وفاء له.
(مسألة 69): يسقط خيار العيب بأمور:
الأول: علم المشتري بالعيب حين البيع.
الثاني: براءة البائع من العيب حين البيع الراجعة لاشتراط عدم ثبوت
الخيار به إما صريحا، أو ضمنا لابتناء المعاملة على ذلك، كما يكون كثيرا في بيع
الأشياء المستعملة المعروضة بالمزاد.
الثالث: اسقاط الخيار المذكور بعد البيع.
الرابع: إقرار البيع والرضا به بعد العلم بالعيب، ولو بالتصرف في المبيع
تصرفا ظاهرا في عدم إرادة الفسخ والرد، سواء كان تصرفا مانعا من الرد، أم لم
يكن، وفي جميع ذلك لا يجب الأرش، فإنه إنما يجب بحصول ما يمنع من الرد
حال ثبوت الخيار، لا مع سقوطه بأحد هذه المسقطات.
(مسألة 70): إذا زال العيب قبل علم المشتري به، فإن كان زواله بفعل
البايع من دون إذن من المشتري لم يمنع من الرد، وإلا منع من الرد واستحق
المشتري الأرش. نعم إذا كان زواله لعدم استحكامه كالمرض الطارئ في
الحيوان الذي يزول من قبل نفسه فقد يكشف ارتفاعه عن عدم كونه عيبا أو
كونه عيبا لا أرش له، ولا ضابط لذلك، بل المرجع فيه العرف.
(مسألة 71): الظاهر أن هذا الخيار ليس على الفور، فلو لم يبادر
المشتري بعد اطلاعه على العيب للفسخ لم يسقط حقه فيه، كما أنه لو لم يبادر
لطلب الأرش بعد امتناع الرد لم يسقط حقه فيه.
(مسألة 72): الظاهر جريان جميع ما تقدم فيما لو كان العيب في الثمن،
إلا أن الخيار في الرد وثبوت الأرش هنا للبايع.
72

(مسألة 73): يقو الوارث مقام المورث في استحقاق هذا الخيار على
النهج المتقدم في الخيارات السابقة. أما لو سقط الرد فإن سقوطه في حياة
المورث اشترك جميع الورثة في الأرش، وإن كان سقوطه بعده ففي اشتراك
جميع الورثة في الأرش أو اختصاصه بمن يرث المبيع المعيب إشكال، فاللازم
الاحتياط بالتراضي بين جميع الورثة.
الثامن: خيار تخلف الوصف
العنوان المأخوذ في أحد العوضين إن كان مقوما له بحسب وضع
المعاملة كان تخلفه موجبا لبطلان البيع، وإن لم يكن مقوما له، بل كان وصفا
زائدا فيه فتخلفه موجب للخيار. والأحوط وجوبا الاقتصار في الخيار على ما إذا
ابتنى البيع على الوصف لاهتمام أحد المتبايعين به، حتى لو كان اهتمامه
شخصيا من دون أن يهتم به عامة الناس.
(مسألة 74): المرجع في تمييز العنوان المقوم من الوصف الزائد هو
العرف، وهو يختلف باختلاف المعاملات، فالشئ الواحد قد يكون عنوانا
مقوما للمبيع في حال ووصفا زائدا عليه في حال آخر، فالجنس مثلا كالصوف
والذهب والحنطة ونحوها قد يكون مقوما للمبيع، بحيث يكون تخلفه موجبا
لبطلان البيع، وقد يكون وصفا زائدا عليه لا يلزم من تخلفه إلا الخيار مع كون
العنوان المقوم للمبيع هو العنوان المنتزع من الهيئة الخاصة، كالثوب والبساط
والمضاغ والخبز ونحوها، كما قد يكون المقوم للمبيع كلا الأمرين من الجنس
والهيئة، فيكون تخلف كل منهما موجبا للبطلان ولا ضابط لذلك.
(مسألة 75): لا يعتبر في الوصف الذي يكون تخلفه موجبا للخيار أن
يكون مصرحا به في العقد، بل يكفي أخذه ضمنا اعتمادا على قرينة عامة
ارتكازية نظير وصف السلامة في المبيع أو خاصة، لظهور الحال المستفاد من
خصوصية السوق أو خصوصية العين المبيعة، ومنه الغش المظهر للمبيع على
خلاف حاله، كترطيب الخضر الموهم لجدتها أو جودتها، كتجليل المبيع بالجيد
منه وإخفاء الردئ تحته ونحو ذلك، فإن ذلك كله موجب للخيار، وإن لم
73

يصدق العيب على الواقع المخفي، كما لو أخفى نوعا من التمر لا عيب فيه في
نوع آخر أجود منه.
(مسألة 76): إذا حدث في المبيع عند المشتري أحد موانع الرد المتقدمة
في خيار العيب ففي بقاء خيار تخلف الوصف إشكال، فالأحوط وجوبا
التراضي بين المتبايعين في الفسخ مع الأرش أو بدونه وعدمه. وأما رجوع
المشتري بالأرش حينئذ فلا مجال له إذا لم يرجع تخلف الوصف للعيب، وكذا
الحال لو حدث أحد موانع الرد المذكورة في الثمن.
(مسألة 77): يختص هذا الخيار بما إذا كان العوض الموصوف شخصيا،
أما إذا كان كليا وكان المدفوع فاقد الوصف فلا خيار، بل يجب إبدال الفاقد
للوصف بالواجد له، نظير ما تقدم في خيار العيب.
(مسألة 78): يسقط هذا الخيار بإسقاط المشتري له بعد البيع، وبإقرار
البيع والرضا به بعد العلم بتخلف الوصف، كما أنه ينتقل للوارث، نظير ما تقدم في الخيارات السابقة.
التاسع: خيار تبعض الصفقة
ويثبت فيما إذا لم يتم البيع في بعض المبيع، إما لعدم كونه مما يصح بيعه
، كالوقف والحر والخمر أو لعدم سلطان البايع على بيعه فيكون البيع فيه فضوليا
، من دون أن يجيزه من له السلطنة عليه، أو لثبوت الخيار فيه كالمعيب والحيوان
في الأيام الثلاثة مع فسخ صاحب الخيار، فإنه يصح لكل من المتبايعين الفسخ
في تمام المبيع.
(مسألة 79): إذا لم يفسخ من له خيار تبعض الصفقة ورضي بالبيع في
البعض أخذه بحصته من الثمن. وحينئذ فله صورتان..
الأولى: أن لا يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء ولا في
نقصها، وحينئذ يقوم ما تم البيع فيه وما لم يتم البيع فيه، ويبقى للبايع من الثمن
بنسبة قيمة ما تم فيه البيع لمجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ما تم فيه البيع
نصف مجموع القيمتين أخذ البايع نصف الثمن، وإذا كانت قيمته ربع مجموع
74

القيمتين أخذ ربع الثمن، وهكذا.
الثانية: أن يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء، أو في نقصها،
وحينئذ قد تتفق الأجزاء في نسبة الدخل المذكور فيكون الحكم كما في الصورة
الأولى، كنسبة قيمة كل من النصفين المشاعين لقيمة المجموع، وقد تختلف،
كما لو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء ونقص قيمة بعضها، مثل
الجارية وبنتها الرضيعة، حيث تنقص قيمة الأم إذا كانت معها ابنتها، وترتفع
قيمة البنت إذا كانت مع أمها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء
أو نقصها من دون أن يكون دخيلا في بعضها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة
قيمة بعض الأجزاء بنسبة تختلف عن نسبة الزيادة في الأجزاء الأخر... إلى غير
ذلك من الصور.
ويتردد الأمر هنا بين وجهين:
الأول: ملاحظة نسبة قيمة ما تم فيه البيع منفردا لقيمة المجموع ويأخذ
البايع من مجموع الثمن بتلك النسبة. فإذا كان الثمن عشرين، وكانت قيمة ما تم
فيه البيع منفردا ثلاثة، وقيمة المجموع اثني عشر أخذ البايع خمسة من
العشرين.
الثاني: ملاحظة نسبة قيمة ما تم فيه البيع في حال انضمامه للمجموع
لقيمة المجموع، ويأخذ البايع من مجموع الثمن بتلك النسبة، ففي المثال
السابق إذا كانت قيمة ما تم فيه البيع في حال انضمامه للمجموع ستة
أخذ البايع عشرة من العشرين، فاللازم على المتبايعين الاحتياط والتصالح بين
الوجهين.
(مسألة 80): كما يثبت خيار تبعض الصفقة مع عدم تمامية البيع في
بعض المبيع يثبت مع عدم تماميته في أحد المبيعين كما إذا باع شيئين بثمنين
لكل منهما ثمن يخصه فلم يتم بيع أحدهما لكن بشرط أن يبتني بيعهما معا
على الارتباطية، لا على الانحلال. وحينئذ لو اختار عدم الفسخ فيما تم فيه
البيع لزم الثمن الذي عين في البيع، ولا تلحظ نسبة قيمة أحدهما لقيمة
المجموع.
75

العاشر: تفصيل يأتي عند الكلام في الشروط إن شاء الله تعالى.
تذنيب:
ينفذ العقد ويترتب أثره بوقوعه، ولا يتوقف على مضي زمن الخيار،
فالمبيع في مدة الخيار في ملك المشتري والثمن في ملك البايع. ويترتب على
ذلك أمران..
الأول: أن ضمان المبيع لو تلف بعد قبضه في مدة الخيار على المشتري
وضمان الثمن على البايع. لا بمعنى لزوم دفعهما المثل أو القيمة مطلقا ولو مع
عدم فسخ البيع، بل بمعنى أنه مع عدم فسخ البيع تكون خسارة التالف على من
تلف في ملكه ولا يرجع على الآخر، كما يرجع المشتري على البايع لو تلف
المبيع قبل القبض. أما مع فسخ البيع في فرض بقاء الخيار مع التلف فيتعين على
من تلف أو نقص عنده أحد العوضين دفع بدل العين أو أرش النقص إلى الآخر.
نعم، في خيار الحيوان يكون ضمان الحيوان إلى من انتقل عنه، على
تفصيل تقدم، كما تقدمت بعض التفصيلات عند الكلام في بعض الخيارات
الآخر.
الثاني: أن نماء العين ومنفعتها يكونان لمالك العين، نعم إذا ردت العين
بالفسخ رد معها من النماء ما كان ملحقا بها عرفا، كاللبن في الضرع. بل يستحب
أن يرد المشتري بدل اللبن الذي يشربه في الأيام الثلاثة التي هي مدة خيار
الحيوان ثلاثة أمداد من الطعام.
76

الفصل الخامس
في الشرط
وهو التزام في ضمن العقد تابع له، كما إذا باعه البستان واشترط أن له
ثمرتها إلى سنة، أو باعه الدار واشترط أن عليه دفع ضريبتها، أو أن له الخيار فيها
إلى سنة، أو اشترط عليه أن يخدمه عشرة أيام، أو نحو ذلك، مما يتضمن
استحقاقا لعين أو منفعة أو حق أو عمل. ويعتبر في نفوذ الشرط وترتب الأثر
عليه أمور..
الأول: أن يبتني عليه العقد، إما لذكره فيه صريحا، أو لأخذه فيه ضمنا
لقرينة من بناء عرفي عام أو خاص، مثل اشتراط التسليم للعوضين، واشتراط
الاعتراف في بيع العقار بدائرة الطابو الذي تعارف في زماننا أو نحو ذلك. أما إذا
ذكر قبل العقد أو بعده من دون أن يبتني عليه العقد فهو وعد لا يجب الوفاء به،
بل يستحب.
الثاني: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، وذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون مضمونه مخالفا للحكم الشرعي، مثل أن يكون
الطلاق بيد غير الزوج، وأن لا يرث الورثة من المال، وأن يكون ولد الحر رقا،
وأن ثال يثبت الخمس في المال الخاص، ونحو ذلك.
ثانيهما: أن يقتضي الالزام بترك واجب أو فعل حرام، كما لو اشترط
أحدهما على الآخر أن يصنع له الخمر، أو أن يحلق لحيته، أو أن يغش له في
بيعه، أو أن يترك الصلاة، أو يفطر في شهر رمضان... إلى غير ذلك. ويلحق به ما
إذا اشترط عملا محللا في نفسه إلا أنه مستلزم لترك واجب أو فعل حرام، مثل
العمل في تمام نهار شهر رمضان بنحو يضطر معه لترك الصوم أو الصلاة. وأما
الالتزام بفعل مباح أو مكروه أو ترك مباح أو مستحب فلا مانع منه، إلا أن يدل
77

الدليل على المنع منه بالخصوص، على ما قد ننبه عليه في المواضع المناسبة.
الثالث: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد، وهو على قسمين:
الأول: أن يكون منافيا لمقتضى العقد الذي أخذ فيه الشرط، مثل أن يبيعه
بشرط أن لا يستحق الثمن.
الثاني: أن يكون منافيا لمقتضى عقد آخر، مثل أن يشترى المتاع بشرط
أن لا يتحمل خسارته، أو بشرط أن يشاركه في الريح، إذا رجع ذلك إلى وقوع
الخسارة عليه أو شركته في الريح عند بيعه ابتداء فإنه وإن لم يناف عقد شراء
المتاع الذي أخذ فيه الشرط، إلا أنه ينافي عقد بيعه بعد ذلك الذي تقع فيه
الخسارة أو الربح، لأن مقتضى البيع دخول الثمن بتمامه في ملك مالك المثمن
المستلزم لوقوع الربح له والخسارة عليه، وأما لو رجع إلى تدارك البايع الأول
لخسارة المشتري، أو استحقاق البايع الأول من الربح بعد دخوله بتمامه في
ملك المشتري الذي باعه بعد ذلك فهو لا ينافي مقتضى العقد، ولا يكون باطلا.
(مسألة 1): ليس من الشرط المنافي لمقتضى العقد بيع الشئ بشرط أن
يبيعه المشتري على البايع، نعم لا يصح البيع مع الشرط المذكور في بعض
صوره، على ما يأتي إن شاء الله تعالى عند الكلام في بيع النقد والنسيئة.
الرابع: أن يكون الشرط مقدورا للمشروط عليه، فلو كان متعذرا في تمام
أزمنة اشتراطه كان باطلا، ولو اعتقد القدرة عليه ثم انكشف عدمها انكشف
البطلان من أول الأمر. نعم إذا كان مقدورا في بعض الأزمنة ثم تعذر كان
صحيحا، غايته أنه يسقط الوفاء به في زمن التعذر.
(مسألة 2): لا يبطل الشرط بالتعليق، كما لو اشترط عليه أن يصلي عنه إن
مات قبله. ولا يبطل أيضا بالجهالة، كما لو اشترط عليه أن يسكنه في داره حتى
يشفى مريضه أو يقدم مسافره.
(مسألة 3): إذا بطل الشرط لفقد أحد الشرطين الأولين لم يبطل العقد به.
(مسألة 4): إذا بطل الشرط لفقد الشرط الثالث، فإن كان لمنافاته لمقتضى
العقد الذي أخذ فيه باطل العقد بتبعه، وإن كان لمنافاته لمقتضى عقد آخر لم
يبطل العقد الذي أخذ فيه، ولا العقد الآخر.
(مسألة 5): إذا صح الشرط وكان المشروط هو استحقاق عين أو منفعة أو
78

حق ترتب أثره ولم يمكن خروج المشروط عليه عنه، فإذا باعه البستان واشترط
عليه أن له ثمرتها إلى سنة، أو باعه الدار واشترط عليه أن له منفعتها إلى شهر، أو
أن له الخيار في البيع إلى سنتين مثلا ملك البايع الثمرة والمنفعة والخيار، ولم
يقدر المشتري على التخلف عن الشرط المذكور. ويلزم العقد على كل حال،
فلو امتنع المشتري عن تسليم الثمرة مثلا أو المنفعة كان غاصبا لها من دون أن
يستحق البايع فسخ البيع، إلا أن يرجع الشرط المذكور إلى اشتراط التسليم
والتمكين من الثمرة والمنفعة فيدخل في المسألة الآتية.
(مسألة 6): إذا صح الشرط وكان المشروط عملا كما لو اشترط عليه أن
يخدمه أو يخيط ثوبه أو نحو ذلك استحق صاحب الشرط على المشروط عليه
ما اشترطه، فيجب على المشروط عليه القيام به على النحو الذي يلزم به الشرط،
فإن امتنع كان للمشروط له إجباره، وإن قصر في القيام به أ وتعذر عليه ذلك كان
للمشروط له فسخ العقد، سواء تمكن من إجباره فلم يفعل، أم لم يتمكن من
إجباره، وليس له المطالبة بقيمة الشرط لو كان له قيمة.
(مسألة 7): لصاحب الشرط إسقاط شرطه، فإن رجع إسقاطه إلى رفع
اليد عن الالتزام به في العقد رأسا لم يجب على المشروط عليه القيام به، ولم
يستحق المشروط له الخيار بتخلفه، وإن رجع إسقاطه إلى رفع اليد عن
استحقاقه لا غير لم يجب على المشروط عليه القيام به، لكن يستحق المشروط
له الفسخ مع تخلفه.
(مسألة 8): إذا فسخ العقد الذي تضمن الشرط بخيار أو تقايل سقط
الشرط تبعا له. نعم إذا كان الشرط مترتبا على فسخ العقد من أحد الطرفين،
كالشرط الجزائي المتعارف في هذه الأيام لم يسقط الشرط ووجب على الفاسخ
القيام بما تضمنه، ولا يسقط الشرط المذكور إلا بالتقايل بين الطرفين في تمام
المعاملة ورفع اليد عنها رأسا.
(مسألة 9): الظاهر نفوذ الشرط في ضمن العقود الجائزة، كالعارية
والوكالة وبعض أقسام الهبة.
(مسألة 10): لا ينفذ الشرط في الايقاع، إلا في موارد خاصة تذكر في
مواضعها إن شاء الله تعالى.
79

الفصل السادس
في التسليم والقبض
يجب على كل من المتبايعين بعد تمامية البيع بذل كل من العوضين
لصاحبه الذي صار له بالبيع، وتمكينه منه عند بذل الآخر وتمكينه مما عنده، ولا
يجوز لأحدهما الامتناع من ذلك عند بذل الآخر، ولو امتنع من ذلك حينئذ أجبر
عليه.
(مسألة 1): لو اشترط أحدهما أو كلاهما عدم بذل العوض الذي تحت
يده مدة من الزمن صح الشرط. كما يجوز له اشتراط الانتفاع مدة من الزمن بما
تحت يده، كسكنى الدار ولبس الثوب وزرع الأرض وغيرها.
(مسألة 2): لا يجوز في المدة المشترط فيها تأخير التمكين أو الانتفاع
بالعين أن تكون مرددة لا تعين لها في الواقع، بل لا بد من تعيينها، سواء كانت
مستمرة باستمرار بقاء العين، أم محدودة بحد معلوم كشهر أو مجهول قابل
للضبط، كموسم الحصاد، ورجوع الحاج، ووضع المرأة حملها، ونحو ذلك. ولا
يجري فيه ما يأتي فيما إذا كان المبيع كليا مؤجلا من أنه لا بد من ضبط الأجل
بحد معلوم.
(مسألة 3): لا يجب على أحد المتبايعين إقباض الآخر، وتسليم ما تحت
يده له، بل يكف بذله له وتمكينه منه، كما سبق.
(مسألة 4): لو بذل البايع المبيع فامتنع المشتري من أخذه كفاه في
خروجه عن عهدته إخراجه من حوزته بحيث يستطيع المشتري أخذه، نعم إذا
كان المشتري عاجزا عن أخذه وجب عليه حفظه حسبة، كما أنه تقدم أن له بعد
ثلاثة أيام فسخ العقد لخيار التأخير. وهكذا الحال في الثمن لو بذله المشتري
وامتنع البايع عن قبضه. هذا إذا كان شخصيا، أما إذا كان كليا فسيأتي الكلام فيه.
80

(مسألة 5): إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية وهو في حوزة البايع
كان للمشتري أخذ الثمن، سواء كان قد امتنع من تسليمه للمشتري، أم رضي هو
والمشتري ببقائه عنده. بل هو الأحوط وجوبا إذا لم يكن راضيا هو بذلك، لكن
كان المشتري عاجزا عن أخذ المبيع، فلا بد من التراضي بينهما في ذلك.
إما إذا طلب من المشتري أخذه فامتنع المشتري، مع قدرته على ذلك
فالظاهر خروجه عن عهدة البايع وعدم ضمانه له، ووقوع الخسارة على
المشتري من دون أن يسقط حق البايع في الثمن. وكذا إذا قبضه المشتري أو
قبضه وكيله، بل وكذا لو وكل المشتري البايع في قبضه عنه وجعله عنده وديعة،
أو طلب منه إرساله إليه بيد شخص معين، أو غير معين فأرسله وتلف بعد
خروجه عن حوزته.
(مسألة 6): يلحق بتلف المبيع تعذر الوصول إليه ولبدله، كما لو سرقه
شخص مجهول، أو غرق، أو كان حيوانا وحشيا فأفلت.
(مسألة 7): إذا أتلف البايع المبيع قبل أن يخرج عن عهدته كان المشتري
مخيرا بين فسخ البيع والرجوع على البايع بالثمن المسمى، وعدم فسخه
فيضمن البايع المبيع بمثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، على التفصيل الآتي
في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى. أما إذا أتلفه بعد أن خرج عن عهدته بما
سبق في المسألة (4) فالمتعين الثاني وهو عدم الفسخ، والضمان بالمثل أو
القيمة. وكذا الحال لو فرط فيه إذا كان وديعة عنده.
(مسألة 8): إذا أتلف المبيع أجنبي قبل أن يخرج عن عهدة البايع تخير
المشتري بين الفسخ وعدمه، فإن فسخ رجع على البايع بالثمن، ورجع البايع
على الأجنبي بالمثل أو القيمة، وإن لم يفسخ لم يرجع على البايع بشئ، بل
يرجع على الأجنبي بالمثل أو القيمة. وأما إذا أتلفه الأجنبي بعد أن خرج عن
عهدة البايع فالمتعين الثاني، وهو الرجوع على الأجنبي بالمثل أو القيمة. ويلحق
بإتلاف الأجنبي ما إذا وضع يده عليه ولم يقدر البايع على استنقاذه منه، غايته
أنه مع رجوع البايع أو المشتري على الأجنبي يجب على ذلك الأجنبي إرجاع
العين مع قدرته على ذلك، ولا يجزيه دفع المثل أو القيمة إلا مع تعذر إرجاعها
عليه.
81

(مسألة 9): إذا أتلف المشتري المبيع لم يستحق شيئا على البايع، سواء
كان إتلافه له قبل خروجه عن عهدة البايع، أم بعد خروجه عنها. ويلحق بذلك
ما إذا أذن بإتلاف للبايع أو لغيره.
(مسألة 10): إذا تعيب المبيع قبل خروجه عن عهدة البايع فقد تقدم
حكمه في المسألة (60) من الفصل الرابع المعقودة لحكم التعيب قبل القبض،
لأن المراد من القبض ما يعم الخروج عن عهدة البايع. وإذا تعيب بعد خروجه
عن عهدته في زمن الخيار فقد تقدم الكلام فيه في تذنيب الفصل المذكور. وإذا
تعيب بعد الخروج عن عهدة البايع وانقضاء زمن الخيار كان من المشتري.
(مسألة 11): ما تقدم إنما هو فيما إذا كان المبيع أو الثمن شخصيا،
كالثوب الخاص والدينار الخاص. أما إذا كان كليا كما لو باعه مائة كيلو حنطة في
الذمة بألف دينار فلا يتعين حق كل منهما في الفرد الشخصي إلا برضاهما معا،
فإن اتفقا على تعيينه في فرد خاص ولم يأخذه صاحبه كان أمانة في يد الآخر لا
يضمنه، ولا يضمن العيب الذي يحصل فيه إلا مع تفريطه، وله إلزامه بقبضه منه،
فإن امتنع خلى بين المال وصاحبه مع قدرته على أخذه، وخرج عن عهدته. وإن
أبى أحدهما من تعيين حقه الكلي في فرد مع حلول وقت أدائه كان للآخر
الرجوع للحاكم الشرعي في تعيينه، ثم يجري عليه ما سبق فيما لو رضي صاحبه
بتعيينه ولم يأخذه.
(مسألة 12): إذا حصل للمبيع نماء قبل خروجه عن عهدة البايع كان
للمشتري، فإذا تلف المبيع قبل الخروج عن عهدة البايع ورجع المشتري بالثمن
بقي النماء له.
(مسألة 13): لو باع جملة فتلف بعضها قبل الخروج عن عهدة البايع
انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف، ورجع ما يخصه من الثمن، وكان له في الباقي
خيار تبعض الصفقة الذي تقدم في التاسع من الخيارات.
(مسألة 14): يجب على البايع مع إطلاق عقد البيع المبادرة لتفريغ
المبيع عما فيه، من أثاث أو بضاعة أو غيرهما. ولو توقف التفريغ على التصرف
في العين بهدم بناء، أو قلع باب، أو فتق وعاء، أو غير ذلك، فإن ابتنى البيع على
ذلك لزم من دون حاجة فيه لاستئذان المشتري، إلا أن يبتني البيع على استئذانه،
82

لاختيار التصرف الصلح. ولا يجب على البايع إصلاح الخلل إذا استفيد
اشتراط ذلك عليه عند البيع صريحا، أو ضمنا لتعارف ذلك في أمثاله، أو لنحو
ذلك من القرائن.
وإن لم يبتن البيع على التصرف المذكور للغفلة عن انشغال المبيع، أو
لتخيل عدم احتياج التفريغ لذلك التصرف، أو نحو ذلك لزم استئذان المشتري
فيه. وحينئذ لو عد ذلك نقصا عرفا جرى فيه ما تقدم في خيار العيب، وإن لم يعد
عيبا لم يجز للمشتري الفسخ. ثم أنه إذا لزم من التفريغ خلل في المبيع بهدم أو
نحوه وجب على البايع إصلاحه، إلا أن يتفقا على حل آخر، كدفع عوض
خاص، أو شراء المشتري لما انشغل به المبيع، أو غير ذلك. وكذا الحال فيما
لوعد عيبا ولم يفسخ المشتري.
هذا ولو اشترط البايع صريحا أو ضمنا عدم التفريغ أبدا أو إلى مدة نفذ
الشرط ووجب العمل عليه، وجاز للبايع تعاهد ما ينشغل به المبيع وإن لزم
التصرف في المبيع بالمقدار المتعارف، أو المتفق عليه بينهما عند البيع.
(مسألة 15): من اشترى شيئا ولم يقبضه، فإن كان مما لا يكال ولا يوزن
جاز بيعه قبل قبضه على كراهة، وكذا إذا كان مما يكال أو يوزن وكان البيع برأس
المال، أما إذا كان البيع بربح أو وضيعة فالأحوط وجوبا عدم بيعه ذلك الشئ
حتى يقبضه.
نعم، يستثنى من ذلك بيع أحد الشركاء في المبيع حصته لشريكه، فإنه
يجوز مطلقا وإن لم يقبض المبيع ولم يكن البيع برأس المال. وكذا يجوز بيع ما
يملك بغير الشراء كالميراث والصداق قبل قبضه، وتمليك المبيع وغيره مما
يملك بغير البيع كجعله صداقا أو أجرة قبل قبضه. وفي جريان الحكم المبيع على
الثمن في البيع إشكال، فاللازم الاحتياط.
(مسألة 16): المراد بالقبض في المسألة السابقة معناه العرفي، وهو
الاستيلاء على المبيع وكونه في حوزة المشتري، ولا يكفي خروجه عن عهدة
البايع، الذي عليه المدار فيما سبقها من المسائل.
83

الفصل السابع
في النقد والنسيئة
والمراد بالنقد هو البيع المبتني على استحقاق تعجيل تسليم الثمن.
والمراد بالنسيئة هو البيع المبتني على جواز تأجيل الثمن، نعم لا بد في النسيئة
من كون الثمن كليا في ذمة المشتري. أما إذا كان شخصيا وقد اشترط تأخير
تسليمه، فالشرط المذكور وإن كان نافذا إلا أن البيع لا يكون نسيئة حينئذ.
(مسألة 1): بيع النسيئة يتوقف على اشتراط التأجيل في ضمن العقد، أما
بيع النقد فلا يحتاج إلى شرط، بل هو مقتضى إطلاق العقد، ويجب فيه المبادرة
بتسليم الثمن، كما يظهر ذلك كله مما تقدم في خيار التأخير. وقد تقدم في
الفصل السابق حكم ما لو امتنع البايع من قبض الثمن المستحق له.
(مسألة 2): الأحوط وجوبا في بيع النسيئة أن يكون الأجل معلوما،
مضبوطا بنحو لا يقبل الزيادة والنقصان، ولا يكفي تعينه واقعا مع الجهل به حين
العقد، كقدوم المسافر، ووضع المرأة حملها، بل حتى مثل الشهور العربية أو
الرومية أو الفارسية مما هو منضبط في نفسه إذا لم يألفه المتبايعان، بحيث
يحتاج معرفة المدة بها إلى الحساب أو الرجوع للغير.
نعم، لا يضر التحديد بأول الشهر إذا تردد الشهر السابق عليه بين الزيادة
والنقصان.
(مسألة 3): لأحد للأجل في النسيئة، وإن كان الأحوط استحبابا أن لا
يبلغ ثلاث سنين.
(مسألة 4): كما لا يجب على المشتري في بيع النسيئة دفع الثمن قيل
الأجل لا يجب على البايع أخذه لو دفعه المشتري قبل الأجل، ولا يجري فيه ما
84

تقدم في الفصل السابق إلا بعد حلول الأجل.
نعم، لو قامت القرينة على أن التأجيل شرط للمشتري دون البايع كان
للمشتري التنازل عن شرطه فيكون الثمن حالا، لكن يكفي في ذلك انتفاع
المشتري بالشرط غالبا دون البايع، لامكان أن يكون طلب المشتري للتأجيل
يوجب ترتيب البايع لأموره بنحو يلائمه الشرط المذكور، فيجعلان الشرط لهما
معا ولا يسقط إلا برضاهما معا، فلا بد من قيام القرينة الخاصة على خلاف ذلك،
وعلى أن الشرط للمشتري فقط.
(مسألة 5): يصح بيع الشئ بثمن حالا، وبأكثر منه مؤجلا من دون تعيين
أحدهما، كما لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دنانير نقدا، وباثني عشر إلى شهر،
لكن يقع البيع بأقل الثمنين وأبعد الأجلين، كما تقدم تفصيل ذلك في
المسألة (14) من الفصل الثالث.
(مسألة 6): يجوز في بيع النسيئة أن يزيد في الثمن من أجل الأجل كما
يتعارف كثيرا، فإذا كانت قيمة الشئ عشرة مثلا جاز بيعه نسيئة باثني عشر، ولا
محذور في ذلك.
نعم بعد تعيين الثمن في العقد بقدر خاص إذا حل وقت دفعه لا يجوز
تأجيله بزيادة عليه، كما لا يجوز أن يزيد في أجل المؤجل بزيادة عليه، فإذا باعه
السلعة بخمسة عشر إلى شهر مثلا وتم البيع ثم بدا لهما أن يزيدا في الأجل
بزيادة في الثمن بأن يجعلا الثمن عشرين مثلا إلى شهرين لم يصح ذلك.
وهكذا الحال في كل دين حال أو مؤجل، للزوم الربا منه.
نعم، يمكن التخلص من ذلك ببعض الطرق:
منها: أن يبيع المدين الدائن شيئا منه بدينه ثم يشتريه نسيئة بأكثر منه،
مثلا إذا كان زيد مدينا لعمرو ألف دينار فحل دينه ولم يكن عند زيد ما يفي به
جاز له أن يبيع عمرا ثوبا بألف دينار فإذا تم البيع اشتراه منه بألف ومائتي دينار
نسيئة إلى أجل معين.
ومنها: أن يبيع عليه شيئا بأكثر من قيمته ويعتبر عليه في البيع تأجيل
الدين، أو الزيادة في أجله، مثل أن يبيعه في المثال السابق ما قيمته عشرة بمائة
85

بشرط أن يؤجل دينه الحال عليه، إلى غير ذلك مما يذكر في التخلص من الربا.
(مسألة 7): يجوز تعجيل الثمن المؤجل بل كل دين بنقصان منه، بأن
يعجل له بعضه ويبرئه من الباقي، كما يجوز أن يبيع الدين عليه بأقل منه معجلا،
أو يصالحه عنه بأقل منه معجلا أيضا، إلا أن يكون من المكيل أو الموزون فلا
يجوز البيع ولا الصلح، بل يتعين الابراء.
(مسألة 8): لا يصح بيع الشئ نسيئة بثمن بشرط أن يبيعه المشتري على
البايع نقدا بثمن أقل. والأحوط وجوبا المنع في عكسه أيضا، وهو بيع الشئ
نقدا بثمن بشرط أن يبيعه المشتري على البايع نسيئة بثمن أكثر. بل الأحوط
وجوبا أيضا عدم البيع بشرط أن يبيعه المشتري على البايع مطلقا، كان البيعان
معا نقدا أو نسيئة أو مختلفين. بل الأحوط استحبابا عدم البيع إذا كان من
قصدهما الشراء بعده بحيث لو لم يقع لرد أحدهما البيع حتى لو لم يشترطا
ذلك في البيع، بل لا يوقعان البيع الثاني مع قصده من أول الأمر إلا بعد لزوم
البيع الأول، بسقوط خيار المجلس ونحوه مما يسوغ لأحدهما الرد.
86

الفصل الثامن
في المساومة والمرابحة
والمواضعة والتولية
التعاقد بين البايع والمشتري وتعيينهما الثمن عند البيع..
تارة: لا يبتني على ملاحظة رأس المال الذي اشترى به البايع السلعة، بأن
يتفقا على الثمن ابتداء.
وأخرى: يبتني على ملاحظة رأس المال المذكور.
والبيع في الأول يسمى مساومة وهو الأفضل. وأما في الثاني، فإن كان
البيع برأس المال سمي تولية، وإن كان بربح عليه سمي مرابحة، وإن كان بنقصان
عنه سمي مواضعة.
(مسألة 1): لا بد في القسم الثاني بصوره الثلاث من ذكر مقدار رأس
المال من دون بيان مقداره، بأن يقول مثلا: بعتك الثوب برأس ماله
فقط، أو مع ربح كذا، أو وضيعة كذا. بل يقول: بعتك الثوب برأس ماله وهو
عشرة فقط، أو مع ربح كذا، أو وضيعة كذا.
(مسألة 2): الظاهر كفاية نسبة الربح أو الوضيعة لرأس المال المعلوم وإن
جهل مجموع الثمن حين إيقاع البيع وتوقفت معرفته على الحساب، فيصح
- مثلا - أن يقول: بعتك هذا المتاع برأس ماله وهو مائتان مع ربح واحد لكل
عشرة، وإن لم يعرف أحدهما أو كلاهما حين البيع أن الثمن يكون مائتين
وعشرين واحتاج ذلك إلى الحساب.
(مسألة 3): في بيع المرابحة والمواضعة والتولية إذا أخبر البايع برأس
87

المال على خلاف الواقع صح البيع وكان للمشتري الخيار في البيع، نظير خيار
تخلف الوصف.
(مسألة 4): إذا كان الشراء بثمن مؤجل وجب على البايع في المرابحة
والمواضعة والتولية أن يخبر بالأجل، فإن أطلق ولم يبين كان للمشتري الخيار
بين الفسخ والامساك بذلك الأجل.
(مسألة 5): إذا اشترى شخص جملة أشياء بثمن واحد صفقة لم يجز له
بيع أجزائها مرابحة أو مواضعة أو تولية على تقويمه من دون إعلام المشتري
بالحال، إلا أن يكون توزيع الثمن على الأجزاء معلوما من غير حاجة للتقويم،
بأن كانت الصفقة جملة متماثلة الأجزاء، كما لو اشترى عشرة أقلام من ماركة
خاصة بمائة دينار.
(مسألة 6): إذا اشترى شيئا بثمن معين وعمل فيه بنفسه عملا له أجرة كما
لو خاط الثوب لم يحل له أن يضم الأجرة للثمن، في بيع المرابحة والمواضعة
والتولية، بل لا بد أن يخبر بالحال، وكذا لو عمل له الغير ذلك العمل تبرعا، وكذا
إذا عمله له بأجرة، إلا أن تقوم القرينة على أن المراد بالثمن مطلق الكلفة، لا ثمن
الشراء فقط. وهكذا الحال في كل ما ينفقه على المتاع من أجرة النقل والحفظ
وغيرهما، فإنه لا يجوز إضافتها للثمن وعدها منه، إلا مع قيام القرينة على أن
المراد بالثمن ما يعمها، وبدونها لا بد من إعلام المشتري بالحال، وإلا ثبت له
الخيار.
(مسألة 7): إذا حدد صاحب المال للدلال سعرا، وقال له: ما زاد فهو لك،
جاز ذلك ويكون الزائد للدلال، إلا أنه لا يجوز للدلال أن يبيعه مرابحة، بأن
يفرض القدر المحدد عليه رأس المال وما زاد هو الربح، لأنه لم يشتره بالمقدار
الذي حدده عليه.
(مسألة 8): إذا اشترى معيبا ورجع على البايع بالأرش فليس له البيع
مرابحة أو وضيعة أو تولية بثمن الشراء، بل لا بد من بيان الحال. وكذا لو لم يرجع
أو رجع ولم يدفع له البايع الأرش، فإن اللازم بيان أن الشراء بذلك الثمن إنما
كان بتخيل السلامة، لا مع العلم بالعيب. وكذا الحال لو اشتراه بالثمن الخاص
88

سالما فتعيب عنده أو تغير تغيرا قد ينقص قيمته أو يوجب اختلاف الرغبة فيه،
فإن اللازم بيان أن الشراء بالثمن الخاص إنما كان قبل التعيب أو التغير.
(مسألة 9): لو اشترى شيئا بثمن خاص ثم أسقط البايع بعض الثمن
تفضلا أو مجازاة على إحسان سابق جاز للمشتري بيعه مرابحة أو وضيعة أو
تولية بثمن الشراء ولا يستثني منه ما أسقطه البايع. بخلاف ما لو كا الشراء
بالثمن مع إسقاط بعضه للتحايل في زيادة الثمن، فإنه لا بد من بيان الحال، وإلا
ثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والامساك بتمام الثمن. بل الأحوط وجوبا البيان
فيما لو عد الاسقاط عرفا من توابع المعاملة ولواحقها، بحيث يرى العرف أن
الثمن هو الباقي بعد الاسقاط. وهكذا الحال في جميع موارد الانصرافات
العرفية التي لو انكشف الأمر فيها على حقيقته لعد البايع متحايلا، مثل ما لو سبق
منه المواطأة مع ولده على أن يبيع المتاع عليه ثم يشتريه منه بأكثر من ثمنه
المتعارف فإنه لا يجوز ملاحظة ثمن الشراء من ولده في بيعه بعد ذلك، بل لا بد
من بيان الحال، وإلا كان تدليسا وثبت الخيار للمشتري.
89

الفصل التاسع
في الربا
وهو من المحرمات الشديدة والذنوب الموبقة التبي أكد الكتاب المجيد
والسنة الشريفة على الردع عنها، حتى عد في النصوص الكثيرة من
الكبائر الخمس أو السبع التي يظهر من النصوص أنها أكبر الكبائر، وفي الصحيح
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم
في بيت الله الحرام)، وفي بعض النصوص أنه: سبعون جزء أيسرها مثل أن
ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام، وأنه أخبث المكاسب، وأن صاحبه لا يزال
في لعنة الله تعالى والملائكة ما كان عنده منه قيراط، وأنه إذا أراد الله بقوم هلاكا
ظهر فيهم الربا، إلى غير ذلك.
وقد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يشترك في
إثمه الآكل والمعطي والكاتب والشاهد.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن الربا على قسمين:
الأول: ما يكون في الدين.
الثاني: ما يكون في المعاوضة.
أما الأول فيأتي الكلام فيه في كتاب القرض والدين إن شاء الله تعالى.
وأما الثاني فهو عبارة عن المعاوضة مع زيادة أحد العوضين عن الآخر
في المقدار. ولا فرق فيه بين المعاوضة بالبيع وغيره، كالمقاطعة مع الطحان عن
مقدار من الحنطة بمقدار من الدقيق أكثر منه، والمصالحة عن الشئ بالشئ
الأكثر منه، ووفاء الدين بأكثر منه، كما لو كان له على رجل مقدار من الحنطة
الجيدة فلا تكون عنده فيدفع إليه بدله أكثر منه من الحنطة الرديئة، وهكذا.
90

نعم، لا بد من تضمن المعاملة المعاوضة بين العينين، أما إذا لم تبتن على
ذلك فلا يلزم الربا المحرم، كما إذا وهبه مقدارا من الحنطة على أن يهبه أكثر
منها، أو تصالحا على إبراء ذمة كل منهما مما انشغلت به للآخر مع التفاضل بين
الحقين. ومنه الصلح على القسمة في المشاع، والمشتبه، لعدم ابتنائه على
المعاوضة بين ما يستحقه كل من المتصالحين وما يأخذه، بل على تعيين حقه
بما يأخذه.
ويعتبر فيه أو في حرمته أمران:
الأول: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون. فإذا كان
أحدهما أو كلاهما مما يباع عدا، أو جزافا، أو يقدر بالمساحة كالثياب فلا بأس
بالتفاضل بينهما.
(مسألة 1): يجوز بيع غير المكيل والموزون بما يماثله في الجنس مع
عدم التفاضل في المقدار مطلقا نقدا ونسيئة. وأما مع التفاضل كبيع
بيضة
ببيضتين وشاة بشاتين وثوب بثوبين فيجوز بيعه نقدا بلا إشكال. بل الظاهر
جواز بيعه نسيئة أيضا. وإن كان الأحوط استحبابا تركه.
نعم، إذا كان العوضين مؤجلا وكان أكثر من المعجل ولم يكن بينهما
فرق في القيود والأوصاف فالأحوط وجوبا الاجتناب عن المعاوضة بينهما.
(مسألة 2): لا بأس ببيع الحنطة أو دقيقها بالخبز ونحوه منها مع التفاضل
إذا لم يكن الخبز موزونا، وكذا بيع القطن أو غزله بالثوب المنسوج منه مع
التفاضل إذا لم يكن الثوب موزونا. أما إذا كان الخبز أو الثوب موزونا فلا يجوز
ذلك. وكذا الحال في أمثال ذلك مما كان فيه أحد العوضين مكيلا أو موزونا
والآخر غير مكيل أو موزون.
(مسألة 3): إذا كان الشئ في حال يباع موزونا أو مكيلا وفي حال يباع
جزافا، لم يجز بيعه بمثله متفاضلا في الحال الأول وجاز بيعه متفاضلا في
الحال الثاني. وكذا إذا اختلف حاله باختلاف البلدان.
(مسألة 4): الأوراق النقدية كالدينار والدولار والريال والتومان لما لم
تكن من المكيل والموزون فلا بأس ببيعها من جنسها مع التفاضل.
91

الثاني: أن يكون العوضان متحدين في الجنس وإن اختلفا في الصفات،
كالجودة والرداءة والجفاف والرطوبة واللون والطعم. بل وإن اختلف الصنف
كالعنب الرازقي وغيره، والتمر البرني وغيره، والرز العنبر وغيره إلى غير ذلك.
والمرجع في وحدة الجنس واختلافه العرف عدا ما دلت عليه النصوص
بالخصوص وهو الحنطة والشعير، فإنهما وإن كانا جنسين عرفا إلا أنهما بحكم
الجنس الواحد في المقام، فلا يجوز التفاضل بينهما.
(مسألة 5): المدار في اتحاد جنس ما يؤخذ من الحيوان من اللحوم
والألبان والأدهان والأصواف وغيرها وتعدده على اتحاد جنس الحيوان
المأخوذ منه وتعدده.
فما يؤخذ من حيوان متحد الجنس متحد جنسا، وما
يؤخذ من حيوان مختلف الجنس مختلف جنسا.
نعم، الظاهر أن اللحم والشحم مختلفان جنسا وإن كانا لحيوان واحد
كالعظم واللحم. كما أن الظاهر أن صوف الغنم مخالف لشعر المعز عرفا، وإن
قيل أن الحيوانين من جنس واحد.
(مسألة 6): لما كان العظم واللحم والشحم أجناسا مختلفة كما سبق فإذا
بيع قسم من الحيوان مشتمل على الأمور المذكورة بقسم منه كذلك لا يلزم الربا
مع التفاضل لما يأتي من عدم لزوم الربا مع الضميمة. نعم لا بد من كون كل منهما
بمقدار معتد به بحيث يكون موضوعا للمعاوضة.
(مسألة 7): الأحوط وجوبا عدم بيع اللحم بالحيوان، ولا بيع الحيوان
باللحم من غير فرق بين اتحاد جنس الحيوان ذي اللحم مع الحيوان العوض أو
المعوض عنه وعدمه. بل الأحوط وجوبا العموم للحيوان المذبوح.
(مسألة 8): التمر بأنواعه جنس واحد، والحبوب كل منها جنس،
فالحنطة والأرز والماش والذرة والعدس والفاصوليا والباقلاء والحمص
وغيرها كل واحد منها جنس برأسه. والفلزات كل نوع منها جنس، فالذهب
والفضة والصفر والألمنيوم والحديد والرصاص كل واحد منها جنس برأسه.
(مسألة 9): تفرع الشئ أو الأشياء عن الأصل إن رجع إلى تبدل الصفة
مع حفظ الذات عرفا فهو جنس واحد، كالحنطة مع الدقيق والخبز بأنواعه،
92

وحتى مثل الحلوى المتخذة منها إذا كان الدقيق هو المقوم لها عرفا. وكالحليب
مع اللبن الرائب والجبن، وكالزبد مع السمن، وكالبسر مع الرطب والتمر،
وكالسمسم مع ما يسمى بالراشي أو الطحينة. نعم لا بد من انحفاظ الجزء المقوم
له عرفا، كالحليب والجبن، أما مع انحفاظ الجزء غير المقوم كالماء المنفصل من
الحليب عندد صيرورته جبنا فالظاهر مباينته عرفا للأصل.
وإن كان من قبيل تولد شئ من شئ فهما جنسان كالزبد أو السمن مع
الحليب، والزيوت النباتية مع أصولها كالجوز واللوز والزيتون ونحوها. ونظير
ذلك ما يستخرج بالتفاعل مع الأصل كالخل من التمر والعنب ونحوهما. أما
مثل الدبس المعتصر أو المطبوخ من التمر، والعصير من العنب والزبيب والرمان
وغيرها فالأحوط وجوبا العمل معه بالإضافة إلى أصله معاملة الجنس الواحد.
(مسألة 10): يجوز بيع أحد الفرعين بالآخر مع التفاضل إذا لم يكونا
متحدين عرفا، كالزبد واللبن المخيض المستخرجين من الحليب. دون مثل
الجبن واللبن المخيض.
(مسألة 11): يجوز على كراهة بيع الجاف بالرطب من جنس واحد
مع التساوي في المقدار، كالرطب بالتمر، والعنب بالزبيب، واللحم بالقديد، وجميع
أنواع الفواكه الطرية باليابس منها وإن كان الأحوط استحبابا تركه. وأما مع
التفاضل في المقدار فلا يجوز البيع بلا إشكال حتى لو كانت الزيادة في جانب
الرطب بحيث لو جف ساوى الجاف.
(مسألة 12): لا فرق في حرمة الزيادة في بيع الأجناس الربوية بين أن
تكون من جنس العوضين، كما لو باعة تسعة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات
منها وأن تكون من غير جنسها، كما لو باعه عشرة كيلوات حنطة بعشرة كيلوات
منها مع أكياسها. بل الأحوط وجوبا ترك الزيادة غير العينية، كما لو اختص أحد
المتبايعين بشرط، كالأجل وغيره، فلا يباع مثل بمثل بشرط تأجيل أحدهما دون
الآخر، أو زيادة أجل أحدهما على أجل الآخر، أو بشرط أن يعمل البايع دون
المشتري أو المشتري دون البايع عملا، أو نحو ذلك مما يوجب لأحد
المتبايعين حقا لا يثبت للآخر.
93

(مسألة 13): لا ربا بين الوالد وولده، فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من
الآخر. من دون فرق في الولد بين الذكر والأنثى، ولا بين الولد الصلبي وولد
الولد. ولا تلحق الأم بالأب في ذلك.
(مسألة 14): لا ربا بين المولى ومملوكه فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة
من الآخر، من دون فرق فيهما بين الذكر والأنثى، ومن دون فرق في المملوك
بين الفتن والمدبر وأم الولد. وفي العموم للمكاتب إشكال.
(مسألة 15): لا ربا بين الزوج وزوجته. وفي العموم للمتمتع بها إشكال،
كالاشكال في جريان هذا الحكم على المطلقة رجعيا.
(مسألة 16): لا ربا بين المسلم والحربي لكن على أن يكون آخذ الزيادة
هو المسلم دون الحربي. أما الذمي فلا يجوز الربا معه وإن كان آخذ الزيادة هو
المسلم. نعم لو فرض العصيان بإيقاع المعاملة معه جاز أخذ الزيادة منه من باب
الالزام إذا كان مقتضى دينه صحة الربا ونفوذه عليه.
(مسألة 17): المراد بالحربي من لا يقوم بشرائط الذمة وإن كان كتابيا.
(مسألة 18): لا فرق في الربا الحلل في المسائل السابقة بين ربا
المعاوضة وربا القرض، ويترتب على ذلك أنه يجوز الايداع في البنوك الأهلية
الكافرة مع الفائدة، ولا يجوز ذلك في البنوك الأهلية المسلمة، وحبذا لو أعلنت
إدارة البنوك الأهلية المسلمة عن أن من يمتنع شرعا من الايداع فيها بالفائدة له
أن يودع فيها لا بشرط الفائدة ويأخذ الفائدة بنية الهدية التبرعية من دون أن
تكون مستحقة بالشرط. لئلا يمتنع المسلمون المتدينون عن الايداع فيها
ويودعوا في البنوك الكافرة التبي يحل أخذ الفائدة منها.
(مسألة 19): يجوز الايداع في البنوك الحكومية في الحكومات التي لا
تبتني على الولاية الدينية لا بنية اشتراط الفائدة ثم يجوز أخذ الفائدة بنية كونها
منحة مجانية من الدولة، لكن يجري عليها حكم مجهول المالك، كما يجري
الحكم المذكور في جميع ما يؤخذ منها إذا كان المال مما تعاقبت عليه أيدي
المسلمين، نظير ما تقدم في المسألة (59) من مقدمة كتاب التجارة.
(مسألة 20): من أخذ مالا بوجه ربوي جاهلا بحرمته ثم علم بعد ذلك
94

فإن تاب وانتهى عنه حل له ما أخذ، ووجب عليه ترك ما لم يأخذ. من دون فرق
بين الجهل بحرمة الربا رأسا والجهل ببعض الخصوصيات والفروع المتعلقة به
مع العلم بحرمة أصل الربا. كما لا فرق أيضا بين ربا المعاوضة وربا القرض.
(مسألة 21): من أخذ الربا عالما بحرمته لم تنفعه التوبة في تحليله له، بل
إن بقي عين المال فإن كان متميزا وجب إرجاعه لصاحبه مع معرفته، ومع الجهل
به يجري عليه عكم مجهول المالك، وإن كان مختلطا بماله جرى على الكل
حكم المال المختلط بالحرام، وإن تلف أو خرج عن يده انشغلت به ذمته. وقد
تقدمت أحكام ذلك كله في حكم المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس.
(مسألة 22): من ورث مالا من شخص يأخذ الربا، وعلم أن فيه الربا، فإن
عرف الربا بعينه أرجعه لصاحبه، وإن لم يعرفه جرى عليه حكم مجهول
المالك، وإن كان الربا مختلطا بغيره من مال المورث حل له المال كله، فله المهنأ
والوزر على المورث. ولا فرق في ذلك بين ربا المعاوضة وربا القرض.
95

الفصل العاشر
في بيع الصرف
وهو بيع الذهب بالفضة وبيع الفضة بالذهب، من دون فرق بين
المسكوك منها وهو الدراهم والدنانير ونحوها وغيره. ومن ثم كان موردا
للابتلاء، وإن لم يكن شايعا نحو شيوعه فيما سبق يوم كانت النقود التي عليها
مدار التعامل من الذهب والفضة المسكوكين.
(مسألة 1): يجب في بيع الصرف نقدا التقابض بين المتبايعين قبل
التفرق، فلو أوقعا العقد متفرقين لم يصح. وفي صحة البيع نسيئة المستلزم لعدم
قبض أحد العوضين إشكال والأحوط وجوبا اجتنابه.
(مسألة 2): لا يعتبر القبض في مجلس العقد، فلو فارقا المجلس
مصطحبين ثم تقابضا قبل التفرق صح العقد.
(مسألة 3): لو تقابضا في بعض المبيع أو الثمن ولم يتقابضا في الباقي
حتى افترقا صح بالإضافة إلى ما تقابضا بالنسبة، وكان لهما خيار تبعض الصفقة.
إذا لم يكن افتراقهما مبنيا على الرضا منهما بالتبعيض. وكذا الحال لو كان بعض
المبيع من غير الذهب والفضة، فإنه لو لم يحصل التقابض صح في ذلك الغير
بالنسبة وبطل في الذهب أو الفضة غير المقبوضين، وثبت خيار تبعض الصفقة
بالشرط المتقدم.
(مسألة 4): يختص اشتراط التقابض بالبيع ولا يجري في الصلح وغيره
من العقود.
(مسألة 5): إذا كان له في ذمة غيره دين من الذهب فباعه عليه بفضة لم
يحتج إلى قبض المشتري بأن يعين ما في ذمته من الذهب في ذهب خاص
97

ويقبضه، بل يكفي انشغال ذمته به عن قبضه. نعم لا بد من قبض البايع وهو
الدائن للثمن وهو الفضة قبل التفرق. أما لو قال الدائن للمدين: حول الذهب
الذي في ذمتك إلى فضة بسعر خاص، فقبل صح التحويل بلا حاجة أيضا إلى
قبض الدائن للفضة. وكذا الحال في عكس ذلك، وهو ما إذا كان له في ذمة الغير
فضة وأراد بيعها بذهب أو تحويلها إلى ذهب.
(مسألة 6): لا يجب على المتبايعين في الصرف الاقباض من أجل
تصحيح البيع، بل لكل منهما الامتناع منه وإن لزم البطلان.
(مسألة 7): يكفي في قبض كل من العوضين في الصرف قبض أكثر من
الحق من دون تمييز للحق في ضمنه، فإذا باعه مائة غرام ذهبا مثلا كفى قبض
مائتي غرام، على أن يرجع الزائد، ولا يجب قبل التفرق تعيين المائة التي هي له.
(مسألة 8): لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقدية التي تعارف
التعامل بها في عصورنا، سواء رصدت لها الحكومات ذهبا أم لا. فيصح بيع
بعضها ببعض وصرفه من دون تقابض، سواء كانت للدولة واحدة كالدينار
بالدينار، أم لدولتين كالدولار بالدينار.
(مسألة 9): إذا انشغلت ذمة الانسان بنقد معين كالدينار العراقي وجب
عليه في مقام الوفاء الدفع منه مهما طال الزمان وإن تغيرت قيمته السوقية، زيادة
أو نقيصة. ولا يجب ملاحظة قيمته حين انشغال الذمة به. سواء كان انشغال الذمة
به لاقتراضه، أم لاتلافه، أم لجعله ثمن في بيع أو مهرا في نكاح، أو نحو
ذلك. وهكذا الحال في كل ما تنشغل به الذمة من الأعيان المثلية.
(مسألة 10): إذا كان النقد الذي تنشغل به الذمة بدلا عن مضمون قيمي
عينا كان أو منفعة فاختلف سعر المضمون وجب دفع الثابت حين انشغال الذمة
من دون زيادة ولا نقيصة إذا كان اختلفا السعر لاختلاف مالية المضمون، كما
لو كان عزيز الوجود فابتذل أو مبتذل الوجود فعز. أما إذا كان لاختلاف مالية
النقد فالأمر لا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوبا التصالح بين الطرفين.
(مسألة 11): إذا اقترض نقدا معينا وكان المدفوع فئة خاصة منه كفئة
الخمسة وعشرين دينارا أو طبعة خاصة منه، لم يجب حفظ الخصوصية
98

المذكورة في مقام الوفاء، بل يكفي دفع أي فرد شاء يصدق عليه النقد المذكور،
وإن اختلف سعر الخصوصيتين بعد ذلك. إلا أن يشترط في القرض حفظ
الخصوصية المذكورة عند الوفاء. وكذا الحال في إتلاف بعض الأفراد منه، فإنه لا
يجب حفظ الخصوصية التي يمتاز بها المتلف إذا لم يكن لها حين الاتلاف فرق
في المالية، وإن اختلفت قيمتها بعد ذلك. وكذا إذا ضمنها بسبب آخر غير
الاتلاف، فإنه لا يجب الوفاء بواحد الخصوصية الموجودة أو الشايعة الوجود
حين الضمان، نعم إذا كان الاقتراض أو الاتلاف بعد اختلاف الخصوصيات في
السعر وجب الوفاء بواجد الخصوصية المقترضة أو المتلفة.
(مسألة 12): إذا انشغلت ذمة الشخص بنقد خاص ثم أسقطت الدولة
الطبعة الشايعة منه واستبدلتها بطبعة أخرى وجب الوفاء من الطبعة الثانية. وأما
إذا أسقطت العملة رأسا أو سقطت العملة بنفسها عن المالية لسقوط الدولة فلا
يجب الوفاء بغيرها مما كان بسعرها من النقود أو الأعيان الأخرى.
(مسألة 13): إذا انشغلت الذمة بنقد معين ثم منعت الدولة من التعامل به
من دون أن تسقط ماليته وجب الوفاء به مهما بلغت قيمته.
(مسألة 14): تراب الصاغة إذا علم بأن فيه ذهبا فقط وجهل قدره لم يجز
بيعه بالذهب، بل يتعين بيعه بالفضة نقدا أو بغير الذهب والفضة نسيئة أو نقدا.
وينعكس الحال لو علم باشتماله على الفضة فقط. أما لو علم باشتماله على
الذهب والفضة فقط أو مع غيرهما مما له قيمة جاز بيعه بالذهب فقط أو بالفضة
فقط لكن بشرط العلم بزيادة الثمن إذا كان من الفضة عما فيه من الفضة. وإذا كان
من الذهب عما فيه من الذهب. كما يجوز بيعه بالذهب والفضة معا. ويجب فيه
وفيما قبله التقابض. ويجوز بيعه بجنس ثالث كالأوراق النقدية والطعام، ولا
يجب حينئذ التقابض. وهذا هو الحال في كل ما اشتمل على الفضة أو الذهب
من الأمتعة كالأواني والسيوف المحلاة وغيرها.
(مسألة 15): تراب الصاغة المشتمل على الذهب والفضة وغيرهما من
الفلزات إن كان ما فيه منها باقيا على ملك أصحابه الأول من دون أن يعرضوا عنه
فمع معرفتهم بأعيانهم يجب مراجعتهم فيه، ومع ترددهم بين جماعة معينة
99

يجب مراجعة الكل والصلح ومع التشاح يقرع بينهم بعد مراجعة الحاكم
الشرعي ومع ترددهم بين جماعة غير معينة يتصدق به عن أصحابه على
الفقراء. أما إذا كان ملكا للصايغ فثمنه له، كما هو الغالب، للبناء على إعراض
أصحابه الأول عنه، لعدم أهميته، أو للصلح معهم عنه بضمان الصائغ لنقص ما
يأتون به وتعويضهم عنه.
ويجري التفصيل المذكور في أمثال الصاغة ممن
تجتمع عندهم فضلات ما يعملون به، كالحديد عند الحدادين والقماش عند
الخياطين.
100

الفصل الحادي عشر
في السلف
وفيه مباحث..
المبحث الأول
في حقيقة السلف
ويقال له السلم أيضا، وهو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال عكس النسيئة.
وقد تقدم في خيار التأخير أن إطلاق العقد يقتضي تعجيل تسليم كل من
الثمن والمثمن، وحينئذ فاستحقاق تأجيل المبيع الذي يبتني عليه السلف
يحتاج إلى شرط مخرج عن مقتضى الاطلاق المذكور، نظير ما تقدم في النسيئة
من أن استحقاق تأجيل الثمن يحتاج إلى شرط مخرج عن ذلك الاطلاق.
(مسألة 1): الظاهر أنه لا بد في السلف من أن يكون المبيع كليا بحيث
تنشغل به ذمة البايع، فإذا كان المبيع شخصيا قد اشترط تأجيل تسليمه إلى أجل
لم يكن من السلف وإن كان البيع صحيحا. وكذا إذا كان كليا في معين خارجي
كما إذا باعه مائة كيلو حنطة من بيدر خاص. وحينئذ لو تلف المبيع قبل قبضه أو
تعذر تسليمه بطل البيع واستحق المشتري الثمن لا غير. وكذا لو تلف تمام
المعين المشتمل على المبيع، كالبيدر في المثال المتقدم. نعم لو تلف بعضه لم
يبطل البيع، بل يجب على البايع تسليم تمام المبيع من الباقي، إلا أن يكون
الباقي أن من المبيع فيبطل البيع فيما لا يمكن تسليمه.
(مسألة 2): يجوز بيع الكلي حالا بحيث يستحق المشتري المطالبة به
فعلا وإن لم يكن عند البايع حين البيع فرد منه إذا كان يقدر على تحصيله
وتسليمه للمشتري ولو بشرائه من غيره أو استيهابه أو اقتراضه. نعم يجب
المبادرة لذلك فإن تأخر على خلاف المتعارف في مثله كان للمشتري الخيار.
(مسألة 3): لا يجوز للانسان أن يبيع أمرا شخصيا لا يملكه فعلا على أن
101

يشتريه أو يستوهبه من مالكه ثم يسلمه للمشتري، فلو فعل ذلك بطل البيع، ولو
اشترى البايع المبيع حينئذ من مالكه الأول لم يستحقه المشتري. نعم لا بأس بأن
يساوم شخصا على ما لا يملك من دون أن يبيعه إياه، ثم يشتريه بعد ذلك من
مالكه ويبيعه لذلك الشخص بعد أن يشتريه ويصير في ملكه، لكن على أن يبقى
لكل منهما حرية الاختيار بالبيع وعدمه إلى أن يتحقق منهما البيع قعد شرائه من
مالكه الأول، وكل منهما لا يلزم بالبيع قبل ذلك.
102

المبحث الثاني
في شروط السلف
وهي أمور..
الأول: ضبط أوصاف المبيع في الجملة بالنحو الرافع للاختلاف
الفاحش، كضبط الحيوان بالأسنان، وضبط الطعام بالجنس والكيل والوزن، وكذا
جميع ما يكال أو يوزن، وضبط القماش بالطول والعرض، ونحو ذلك. ولا
يجب استيعاب الصفات التي تختلف القيمة باختلافها والتدقيق فيها، فضلا عن
الأوصاف التي تختلف الرغبة باختلافها من دون أن يكون لها دخل في القيمة.
الثاني: قبض الثمن قبل التفرق، وإلا لم يقع سلفا، وفي صحته بيعا من غير
أن يكون سلفا إشكال، فاللازم الاحتياط. ولو قبض بعض الثمن صح فيما
يقابله. لكن لو قلنا بكون القبض شرطا في صحة العقد المستلزم لبطلان العقد في
الباقي كان لهما خيار تبعض الصفقة، إذا لم يكن افتراقهما مبنيا على الرضا منهما
بالتبعيض.
(مسألة 4): إذا كان للمشتري دين في ذمة البايع كان له جعله ثمنا في
السلف، ولا يحتاج إلى القبض حينئذ.
الثالث: تعيين الأجل المضبوط للمبيع بالأيام أو الشهور أو السنين، من
دون فرق بين الطويل والقصير. ولا يكفي الأجل المردد كتسليمه عند المطالبة،
ولا المعين واقعا المجهول حين العقد، كقدوم المسافر ووضع المرأة حملها، بل
حتى مثل الشهور العربية أو الرومية أو الفارسية إذا لم يألفها المتبايعان ولم يعرفا
الوقت بها.
الرابع: قدرة البايع على تسليمه في وقته على حسب ما تضمنه العقد،
103

سواء كان عام الوجود أم نادرة، فلو انكشف عدم قدرته عليه حينئذ انكشف
بطلان البيع. ويكفي في قدرته عليه المعتبرة في صحة العقد القدرة الحقيقية،
ولو بالقدرة على الحقيقية،
ولو بالقدرة على تحصيله قبل الأجل وحفظه إلى حين حلوله، سواء كان
تحصيله بصنعه أم بشرائه أم باستيهابه أم بغير ذلك. ولا يبطل العقد إلا مع
انكشاف العجز عن تحصيله رأسا، فلو كان قادرا على تحصيله قبل الأجل فلم
يفعل عمدا أو لتخيل قدرته على تحصيله بعد ذلك فاتفق عجزه حينئذ فالعقد
صحيح.
الخامس: عدم الاخلال بشروط الصرف وعدم لزوم الربا، فلا يجوز
إسلاف الذهب بالفضة، ولا الفضة بالذهب، لما تقدم من وجوب التقابض في
بيع الذهب بالفضة وبيع الفضة بالذهب.
كما أن الأحوط وجوبا عدم الأسلاف مع اتحاد جنس المبيع والثمن إذا
كانا من المكيل أو الموزون لئلا يلزم الربا.
104

المبحث الثالث
في أحكام السلف
(مسألة 5): إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع إذا حل أجله في
بلد العقد، ما لم تقم قرينة على إرادة غيره، فيتعين تسليمه فيه حينئذ.
(مسألة 6): إذا اشترى شيئا سلفا وصح الشراء لقدرة البايع على تسليمه
في وقته بالمعنى المتقدم جاز بيعه على من اشتراه منه قبل حلول الأجل وبعده
بغير جنس الثمن الذي اشتراه به، وبجنسه من دون زيادة. بل مع الزيادة أيضا
على كراهية، وإن كان الأحوط استحبابا تركه. أما بيعه على غير البايع فلا يجوز
حالا قبل حلول الأجل، ولا مؤجلا إلى أجل لا يبلغ الأجل الذي له، كما يشكل
بيعه قبل قبضه مرابحة، أو بوضيعة إذا كان مما يكال أن يوزن، على ما تقدم في
المسألة (15) من الفصل السادس. ولا بد في بيعه في جميع الصور من ملاحظة
الضوابط المتقدمة للربا وبيع الصرف.
وأما إذا انكشف بطلان السلف لتعذر المبيع في وقته كما لو اشترى مقدارا
من طعام قرية فتلف فاحترق زرعها قبل بلوغه فلا يصح بيعه في جميع الصور،
ولو بيع بتخيل صحة السلف انكشف بطلانه بانكشاف بطلان السلف.
(مسألة 7): إذا دفع البايع المبيع في السلف قبل وقت الأجل لم يجب
على المشتري القبول، إلا أن يكون التأجيل شرطا للبايع دون المشتري، نظير ما
تقدم في المسألة (4) من الفصل السابع.
(مسألة 8): إذا دفع البايع المبيع في السلف فاقدا للصفة المشترطة لم
يجب القبول على المشتري وكان له طلب واجد الصفة، وكذا لو دفع له المعيب،
فإن له طلب التبديل. لكن لو رضي بالمدفوع بعد العلم بفقد الصفة أو بالعيب
105

صح وبرئت ذمة البايع منه.
(مسألة 9): إذا دفع البايع المبيع على الصفة المطلوبة من دون عيب
وجب على المشتري القبول، فإن امتنع جرى ما تقدم في المسألة (4) من
الفصل السادس.
(مسألة 10): إذا دفع البايع من المبيع ما هو فوق الصفة المشترطة في
السلف، فإن كان شرط الصفة راجعا إلى التقييد بخصوص الموصوف كان
للمشتري عدم القبول، نظير ما تقدم في المسألة (8) وإن كان شرط الصفة راجعا
إلى التقييد بعدم دفع ما دون الموصوف فقط، مع العموم للموصوف وما فوقه
وجب عليه القبول.
(مسألة 11): إذا حل الأجل في السلف وتعذر على البايع دفع المبيع
تخير المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن بلا زيادة ولا نقيصة وانتظار
المشتري إلى أن يتمكن البايع من دفع المبيع إليه في وقت آخر، وللمشتري بيع
حقه على البايع بما يتفقان عليه من الثمن وإن زاد على ثمن شرائه كما تقدم في
المسألة (6).
هذا، إذا كان التعذر بعد القدرة على تسليم المبيع، وأما إذا كان التعذر في
تمام الأزمنة فينكشف بطلان العقد رأسا كما تقدم ولم يستحق المشتري إلا
الثمن.
(مسألة 12): إذا قدر البايع على تسليم بعض المبيع دون بعض وجب
عليه تسليم ما قدر على تسليمه، ويجري على الباقي ما تقدم.
(مسألة 13): لو كان المبيع موجودا في غير البلد الذي يجب فيه التسليم،
فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده أجزأ. ومع عدم تراضيهما يجب على
البايع نقله إلى البلد الذي اشترطا تسليمه فيه، ومع تعذر ذلك عليه يجري حكم
المسألة (11).
106

الفصل الثاني عشر
في بيع الثمار والزرع والخضر
الأحوط وجوبا عدم بيع الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة.
ويجوز بيعها أكثر من عام واحد وإن لم تظهر، وكذا بيعها مع الضميمة ولو كانت
عاما واحدا ولم تظهر، وكذا بيعها بلا ضميمة ولو عاما واحدا إن ظهرت. نعم
يكره ذلك قبل بدو صلاحها، بل الأحوط استحبابا تركه. بل الأفضل أن ينتظر
بثمرتها حتى تأمن من الآفة.
(مسألة 1): بدو الصلاح في التمر احمراره واصفراره، وفي العنب أن
يصير له عنقود ينعقد فيه الحب. قيل: وفيما له ورد أن ينعقد بعد سقوط ورده،
لكن الأحوط وجوبا أن ينتظر به حتى يصلح للأكل. وكذا الحال في بقية الثمار
غير التمر والعنب.
(مسألة 2): يعتبر في الضميمة التي تقدم جواز بيع الثمرة معها أن تكون
مما يجوز بيعها منفردة، وكون الثمن لها ولما انضمت له بنحو الإشاعة، من دون
تخصيص كل منهما بجزء معين من الثمن. ولا يعتبر فيها أن تكون مقصودة
بالأصل، بل يكفي كونها تابعة للثمرة، كورق العنب. وكذا يكفي مثل الشجر
اليابس والسعف والكرب والحطب والحشيش الذي في البستان وغير ذلك.
(مسألة 3): يكفي في الضميمة ظهور بعض ثمر البستان، فيصح بيع تمام
ثمرته حتى ما لم يظهر منه، بل يجوز ضمه لبستان أو بساتين أخر لم تظهر ثمرتها
بعد.
(مسألة 4): إذا كان الشجر يثمر في السنة مرتين فلا يجري على بيع تمام
ثمرة السنة الواحدة حكم بيع ثمرة السنتين.
107

(مسألة 5): إذا باع مالك الأصول الثمرة الظاهرة أو التي لم تظهر بنحو
يصح البيع، ثم باع الأصول من شخص آخر، فإن كان المقصود ببيع الأصول
بيعها مع الثمرة لكون الأصول كالضميمة للثمرة صح البيع في الأصول وتوقف
في الثمرة على إجازة مشتريها، ولم يستحق البايع من الثمن إلا ما يقابل الأصول،
وإذا لم يجز مشتري الثمرة الأول بيع الثمرة كان للمشتري الثاني خيار تبعض
الصفقة إذا لم يبتن شراؤه على الرضا بالتبعيض. وإن كان المقصود بيع الأصول
بيعها وحدها مع كون الثمرة من سنخ المنفعة المملوكة تبعا صح البيع واستحق
البايع تمام الثمن مقابل الأصول وحدها، وكان لمشتري الأصول خيار تخلف
الوصف إذا كان جاهلا بالحال حين البيع.
(مسألة 6): لا يبطل بيع الثمرة بموت المشتري قبل أخذه لها، بل تنتقل
لورثته، كما لا يبطل بموت البايع، بل تنتقل الأصول لورثته من دون أن يستحقوا
بتبعها الثمرة المبيعة.
(مسألة 7): إذا بيعت الثمرة لم يجز للبايع أو لمن يشتري الأرض أو
الأصول منه أن يتصرف في الأرض أو في الأصول بما يضر بخروج الثمرة
وصلاحها، فليس له قلع الأصول، ولا منعها من السقي، ولا أن يضع في الأرض
من المواد ما يضر بالثمرة، ولا غير ذلك.
(مسألة 8): مسؤولية خدمة الأرض والأصول بالنحو الذي يتوقف عليه
صلاح الثمرة تابعة لما يتفق عليه الطرفان من كونها على البايع أو على المشتري
أو عليهما.
(مسألة 9): إذ بيعت الثمرة بعد وجودها وصلوحها للقطف، بحيث كان
مقتضى البيع أخذها رأسا فإن تلف بعد قبض المشتري لها ولو بقبض أصولها
والاستيلاء على الأرض التي هي فيها كانت من مال المشتري، وإن تلفت قبل
ذلك لحقها حكم تلف المبيع قبل قبضه الذي تقدم في مسائل التسليم والقبض.
وكذا إذا بيعت قبل صلوحها للقطف وكان البيع مبتنيا على تعهد البايع
بتسليمها صالحة للأكل. وأما إذا ابتنى البيع على عدم تعهد البايع بتسليمها
صالحة للأكل كما هو الغالب فالظاهر عدم ضمان البايع بتلفها قبل القبض إذا
108

كان مستندا داخلي فيها كالمرض أو خارجي طبيعي كالزوابع والأمطار
المتلفة للثمرة ونحو ذلك مما يتعارف تعرض الثمرة له، وكما لا ضمان بعدم
ظهور الثمرة حينئذ أو بعدم بلوغها ونضجها بعد ظهورها حتى تتلف، وكذا إذا
كان التلف مستندا للمشتري. وأما إذا كان ذلك مستندا للبايع أو لأجنبي، فإن كان
بنحو يقتضي تلف الثمرة بعد نضجها لحقه ما تقدم في حكم تلف المبيع قبل
قبضه من مسائل التسليم والقبض، وإن كان بنحو يمنع من نضج الثمرة
وصلوحها للأكل أو يوجب نقصها أو عيبها اقتضى الخيار للمشتري، إلا أن يبتني
البيع على براءة البايع من ذلك وعدم مسؤوليته به، فلا خيار حينئذ.
(مسألة 10): لما كانت الثمرة قبل قطفها ليست من المكيل والموزون
فكما يجوز بيعها بغير جنسها يجوز بيعها بجنسها.
وإن كان الظاهر كراهة ذلك.
(مسألة 11): لا يجوز بيع حمل النخل بسرا كان أو رطبا أو تمرا بتمر منه،
ولا بيع زرع الحنطة بحنطة منه. والظاهر العموم لجميع أنواع الثمار، فلا يجوز
بيعها بشئ من ثمرتها. نعم لا بأس ببيع الكل حتى التمر والحنطة بمقدار من
جنسه ثم الوفاء من ثمرته من دون أن يختص الثمن بذلك، كما لا بأس بأن
يؤخذ ذلك شرطا في البيع.
ولا يفرق في المنع بين العرية وغيرها، والعرية هي النخلة للانسان في
دار غيره أو بستانه أو نحو ذلك، فلا يجوز بيع ثمرتها أو حملها بتمر منها.
نعم قد يرجع البيع المذكور إلى الصلح بين صاحب الشجر وغيره على
أن يكون الزائد من الثمرة على المقدار على المقدار المتفق عليه لغير صاحب الشجر في
مقابل خدمته أو خدمة الثمرة أو على تسليمه لصاحب الشجر من دون أن
يتكلف هو الدخول لأخذها، أو نحو ذلك. وحينئذ يصح ذلك في العرية وغيرها
والنخل وغيره، والثمار وغيرها من أنواع الزرع، بل حتى غير الزرع كالحيوان
يصالح صاحبه غيره على أن له مقدارا من نمائه كصوفه ولبنه والزائد للغير في
مقابل خدمة الحيوان أن نحوها.
(مسألة 12): يجوز لمن يشتري الثمرة أن يبيعها قبل قبضها بربح أو
بدونه، كما يجوز ذلك بعد القبض، ولا يجري فيه ما سبق في المسألة (15) من
109

الفصل السادس.
(مسألة 13): لا يجوز بيع الحب قبل ظهوره. نعم يجوز شراء أصوله،
وهو الزرع الأخضر على أن يحصده قصيلا أو بعد أن يسنبل، فيملك الحب تبعا
له.
(مسألة 14): إذا اشترى الأصول وهي الزرع الأخضر على أن يحصده
قصيلا فتركه حتى سنبل كان الحب له، وعليه أجرة الأرض لصاحبها إذا لم يأذن
ببقائه بعد ذلك.
(مسألة 15): إذا لم يشتر الأصول بتمامها، بل اشترى الظاهر منها على أن
يحصده، فلم يحصده حتى سنبل كان السنبل بينهما، ويرجعان في تعيين حصة
كل منهما للصلح وعلى المشتري أجرة الأرض لصاحبها. وكذا إذا اشترى الظاهر
فقط قبل أن يصير قصيلا على أن يتركه حتى يصير قصيلا فيحصده، فإنه لو تركه
ولم يحصده حتى سنبل كان السنبل بينهما وعلى المشتري لمالك الأرض أجرة
بقائه بعد صيرورته قصيلا.
(مسألة 16): لا يجوز بيع الخضر كالخيار والباذنجان قبل ظهورها،
ويجوز بعد ظهورها لقطة واحدة ولقطات.
(مسألة 17): إذا كانت الخضرة مما يجر كالكراث والنعناع لم يجز بيعه
قبل ظهوره، ويجوز بيعه بعد ذلك جزة أو جزات. وكذا الحكم فيما يخرط
كورق الحناء والتوت، فإنه يجوز بيعه ظهوره خرطة وخرطات، بخلاف ما
إذا لم يظهر.
(مسألة 18): المرجع في تعيين وقت اللقطة واللقطات، والجزة
والجزات، والخرطة والخرطات هو عرف المزارعين.
(مسألة 19): إنما يعتبر الظهور في الخضر ونحوها إذا بيعت الثمرة أو
الورق.
أما إذا بيعت الأصول فلا يعتبر ذلك، بل يجوز بيعها قبل ظهور الثمرة
المقصودة منها، وتملك الثمرة المقصودة منها إذا ظهرت تبعا لملك الأصول.
(مسألة 20): ما لا يظهر من الثمر كالبطاطا والجزر إن علم انعقاد شئ
منه جاز بيعه، وإن كان الأحوط استحبابا المصالحة عليه. وأما بيع أصوله فيجوز
مطلقا وإن لم يعلم انعقاد شئ من الثمرة.
110

(مسألة 21): إذا اشترك اثنان في نخل أو شجر أو زرع جاز أن يتقبل
أحدهما حصة صاحبه من الثمرة ونحوها بمقدار معين، فإذا اتفقا على ذلك
استحق الشريك على صاحبه ذلك المقدار بدلا عن حصته، زادت عليه أو
نقصت عنه أو ساوته. ويجري ذلك فيما إذا زاد الشركاء عن اثنين لو تراضى
واحد منهم أو أكثر مع البقية في تقبل حصته.
(مسألة 22): إذا كان المقدار المتقبل به كليا وجب دفعه مطلقا، سواء
تلفت الثمرة أم لا. أما إذا كان المقدار المتقبل به من الثمرة المشتركة، فإن تلفت
بتمامها من غير تفريط منه لم يجب عليه التعويض. نعم لو بقي منها شئ وجب
عليه الدفع منه، ولا يتحمل الشريك النقص حينئذ.
(مسألة 23): إذا مر الانسان بشئ من النخل أو الشجر أو الزرع جاز له
أن يأكل من ثمره بلا إفساد للثمر من كثرة الأكل، ولا إضرار بالأغصان أو الشجر
أو غيرها، سواء التفت لذلك حين العبور ورؤية الثمر، أم كان قاصدا لذلك من
أول الأمر. بل لو كان له طريقان فرجح الطريق المار بالثمر من أجل الأكل جاز له
الأكل أيضا. ولو لم يكن له غرض في العبور إلا الأكل فالأحوط له وجوبا عدم
الأكل. نعم لا بأس بالخروج عن الطريق السالك لأخذ الثمرة إذا كانت منحرفة
عن الطريق بالنحو المتعارف، بحيث لا ينافي صدق المرور بالثمرة عرفا.
(مسألة 24): لا فرق في جواز الأكل بين العلم بكراهة المالك وعدمه. بل
لو نهاه المالك جاز له الأكل، وإن كان الأحوط استحبابا الترك فيه وفيما لو علم
بكراهة المالك.
(مسألة 25): لا يمنع من جواز الأكل حجز البستان بحائط أو شباك أو
شجر غير مثمر أو نحو ذلك. نعم لو كان تخطي الحاجز مفسدا له حرم.
(مسألة 26): يحرم أن يحمل معه شيئا من الثمر، ولو حمله كان سارقا
وضامنا له.
(مسألة 27): لا يجوز الأكل مما لا يتعارف أكله إلا بعد الطبخ، كما لا
يجوز أخذه والانتظار به حتى يطبخ ثم يؤكل. نعم لا بأس بأكل ما يحتاج إلى
إزالة قشره.
111

الفصل الثالث عشر
في بيع الحيوان
والمهم من مسائله يتعلق ببيع الانسان المملوك، وبخيار الحيوان، والأول
ليس موردا للابتلاء أو يندر الابتلاء به فلا ينبغي إطالة الكلام في فروعه، والثاني
تقدم في مباحث الخيار. فلنقتصر على بعض المسائل.
(مسألة 1): يجوز بيع بعض الحيوان مشاعا، كنصفه وربعه.
(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم شراء بعض معين من الحيوان كالرأس
والجلد والقلب وغيرها، من دون فرق بين ما يقصد منه الذبح وما يقصد منه
الابقاء للركوب والحرث وغيرهما.
(مسألة 3): يستثنى مما تقدم ما إذا باع بعيرا واستثنى الرأس والجلد، فإنه
يكون شريكا في البعير بنسبة قيمة الرأس والجلد لقيمة البعير، فله من البعير
جزء مشاع بالنسبة المذكورة، وما إذا اشترك اثنان في شراء بعير على أن يكون
لأحدهما الرأس والجلد. فإنه يكون شريكا في البعير بنسبة الثمن الذي دفعه
مقابلهما للثمن الذي دفعه الآخر، فله من البعير جزء مشاع بالنسبة المذكورة.
112

الفصل الرابع عشر
في الإقالة
وهي إجابة أحد المتعاقدين الأخر في طلب فسخ العقد، وهي ترجع إلى
فسخ العقد برضاهما معا. وقد تقدم في آداب التجارة أنها من المستحبات
المؤكدة.
(مسألة 1): لا تختص الإقالة بالبيع، بل تجري في جميع العقود حتى
الجائزة عدا النكاح، وكذا الصدقة على الأحوط وجوبا. والظاهر جريانها في
الهبة اللازمة، وكذا الضمان إذا رضي المدين. ولا تجري في الايقاعات.
(مسألة 2): إقالة البيع ليست بيعا، فلا تجري فيها أحكامه وشروطه
ولواحقه، بل هي فسخ للبيع وحل له.
(مسألة 3): تقع الإقالة بكل ما يدل على فسخ العقد ورفع اليد عنه، من
قول أو فعل.
(مسألة 4): لا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن أو المثمن أو وضيعة منهما.
فإن فعل بطلت الإقالة، وبقي كل من العوضين على ملك مالكه بالبيع.
(مسألة 5): لو بذل له على الإقالة جعلا صحت الإقالة ولزم الجعل، فلو
قال: إن أقلتني فلك كذا، فأقاله صحت الإقالة ولزمه المال المذكور. وكذا لو
تصالحا على أن يقيله ويدفع له شيئا من المال فأقاله عملا بالمصالحة
المذكورة. أما الإقالة بشرط مال أو عمل ففي صحتها إشكال، فلو قال له: أقلتك
على أن تدفع لي كذا أو على أن تخيط ثوبي، فقبل ففي صحة الإقالة واستحقاق
الشرط إشكال.
(مسألة 6): لا يجري في الإقالة خيار ولا فسخ ولا إقالة.
(مسألة 7): في صحة الإقالة في العقد مع موت أحد المتعاقدين وقيام
113

وارثه مقام إشكال، والأحوط وجوبا العدم.
(مسألة 8): تصح الإقالة في بعض مضمون العقد إذا كان مبنيا على
الانحلال، بحيث يرجع عرفا إلى عقدين، أما مع الارتباطية في المضمون
والحد، بحيث يكون العقد واحدا عرفا ففي صحة الإقالة إشكال، والأحوط
وجوبا العدم.
(مسألة 9): في صحة الإقالة مع تلف أحد العوضين أو كليهما إشكال،
والأحوط وجوبا العدم. نعم إذا كان التالف من سنخ الأثمان التي يقصد ماليتها
من دون نظر إلى خصوصيتها كالنقود فلا يمنع تلفه من الإقالة. وفي حكم
التلف
خروج العوض عن ملك صاحبه ببيع أو هبة أو غيرهما، بحيث لا يمكن رجوعه
إلى مالكه الأول بالإقالة.
(مسألة 10): إذا تغير أحد العوضين أو تعيب لم يمنع ذلك من الإقالة،
لكن لا يستحق مالكه الأول الأرش إلا بمصالحة ونحوها مما تقدم في
المسألة (5). ولو حصلت الإقالة جهلا من المقيل أو المستقيل بحصول التغير أو
العيب بطلت الإقالة.
(مسألة 11): يتحقق الغرض المهم من الإقالة بالبيع ثانيا، فيمكن اختياره
مع عدم تيسر الإقالة بالوجه المشروع، أو مع عدم كون الوجه المشروع ملائما
لأحد الطرفين، فبدلا من الإقالة بوضيعة من الثمن مثلا يمكن للمشتري بيع
المبيع على البايع بأقل من الثمن الذي اشتراه به. وهكذا في جميع موارد
الاشكال المتقدمة في صحة الإقالة. نعم يجري عليه حينئذ أحكام البيع من
الخيار والفسخ والإقالة وغيرها.
والحمد لله رب العالمين.
114

تتميم: في الشفعة
وهي حق الشريك في أخذ حصة شريكه إذا أراد بيعها من ثالث بالثمن.
فإذا كانت الدار مثلا مشتركة بين زيد وعمرو، فأراد زيد بيع حصة منها على بكر،
كان لزيد أخذ الحصة المذكورة بالثمن الذي يقع الشراء به، فإذا وقع الشراء كان
منافيا للحق المذكور، فللشريك إعمال حقه بأخذ المبيع سواء كان قابلا للقسمة
أم لا، وسواء كان منقولا أم لا. نعم لا تثبت في السفينة، والنهر، والطريق، والرحى
والحمام. وبقية الكلام فيها في ضمن مقامات..
المقام الأول
في تحديد الحق المذكور
المشهور أن حق الشفعة يثبت ببيع الشريك حصته، فقبل البيع لا موضوع
للحق المذكور، وإنما يثبت بعد البيع فهو حق للشريك على المشتري، يقتضي
سلطنة الشريك على أخذ الحصة التي اشتراها من شريكه بالثمن الذي دفعه له.
لكن الظاهر أن الحق المذكور سابق على البيع يثبت عند إرادة الشريك
بيع حصته من ثالث بثمن معين، فهو حق للشريك على شريكه يقتضي أولوية
الشريك بالشراء من غيره. فإن أقدم الشريك على بيع حصته من ثالث كان له
انتزاعها منه بالثمن الذي دفعه. وعلى ذلك فإعمال الشريك الحق المذكور
يكون بأحد أمرين مترتبين..
الأول: السبق إلى شراء الحصة من شريكه بالثمن الذي يريد بيعه به على
الثالث. وذلك من أفراد البيع الذي هو من العقود، ويعتبر فيه ما تقدم في البيع من
رضا الطرفين وغيره.
الثاني: انتزاع الحصة من المشتري بالثمن الذي دفعه قهرا عليه، وهو من
سنخ الايقاع الذي يكفي فيه إنشاء المضمون من طرف واحد، وهو الشريك في
المقام. ويقع بكل ما يدل على ذلك من قول أو فعل، فيقع بمثل قوله: أخذت
115

المبيع بالثمن، وقوله: شفعت في البيع، كما يقع بمثل دفع الثمن للمشتري، أو
الاستقلال بالمبيع مع بذل الثمن، إذا قصد بهما إنشاء المضمون المذكور. ولا
يعتبر فيه العلم بقدر الثمن الذي وقع عليه البيع.
(مسألة 1): لما كانت الشفعة من الحقوق فهي تسقط بالاسقاط عند إرادة
الشريك البيع، أو بعد تحقق البيع، فإذا أراد الشريك بيع الحصة بثمن خاص
وعرض ذلك على شريكه فأسقط حقه كان للشريك البيع على الثالث فإن باع
لزم البيع، ولم يكن للشريك بعد ذلك حق الشفعة وانتزاع المبيع بالثمن.
وكذلك إذا أسقط الحق المذكور بعد البيع فإنه ليس له الرجوع وانتزاع المبيع.
(مسألة 2): يكفي في إسقاط الحق المذكور كل ما يدل عليه ولو بأن
يحضر البيع أو يشهد عليه بنحو يظهر منه إقراره والرضا به.
(مسألة 3): إذا كان المال مشتركا بين الولي والمولى عليه، فباع الولي
حصته من ثالث لم يكن له المطالبة بحق الشفعة في حق المولى عليه، لظهور
حاله في إسقاط الحق المذكور. إلا أن يكون غافلا عن ذلك، أو كان مفرطا في
حق المولى عليه وخارجا عن مقتضى ولايته، فلا أثر لاسقاطه.
(مسألة 4): الظاهر ابتناء حق الشفعة على الفور العرفي بعد علم الشريك
بإرادة شريكه للبيع، أو بايقاعه له بخصوصياته من الثمن والمشتري ونحوهما
مما له دخل في الرغبة في إعمال الحق، وبعد علمه أيضا بثبوت الحق المذكور
له، فإذا لم يبادر مع ذلك للأخذ بالشفعة سقط حقه فيها. نعم إذا كان عاجزا عن
الأخذ بها لحبس أو غيبة أو نحوهما فلا يكون عدم المبادرة مسقطا لحقه، إلا مع
طول المدة بحيث يضر بالشريك أو بمن يشتري منه.
(مسألة 5): تختص الشفعة بالبيع، ولا تجزي في غيره من أسباب
التمليك لحصة الشريك المشاعة، كما لو جعلت مهرا في النكاح أو ملكت للغير
بهبة أو صلح أو غيرهما.
116

المقام الثاني
في الشفيع
وهو الشريك الذي له حق الشفعة. ويعتبر فيه أمور..
الأول: الاسلام، فلا شفعة للكافر إذا كان كل من البايع والمشتري مسلما،
بل الأحوط وجوبا ذلك إذا كان أحدهما مسلما. نعم تثبت الشفعة للكافر إذا كان
البايع والمشتري معا كافرين.
الثاني: أن يكون أحد شريكين لا أكثر، فإذا كان الشركاء أكثر من واحد لم
يكن لأحدهم شفعة، سواء باع الكل وبقي واحد أم باع البعض وبقي أكثر من
واحد. ويستثنى من ذلك ما يأتي فيما لو اشترك جماعة في الطريق.
(مسألة 6): إذا باع أحد الشريكين بعض حصته ففي ثبوت الشفعة
للشريك إشكال. وكذا إذا باع تمام حصته من شخصين على نحو التعاقب. نعم
إذا باع تمام حصته من شخصين أو أكثر دفعة واحدة كان للشريك الأخذ
بالشفعة. وكذا إذا باعه من شخص واحد ولو تدريجا.
(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك فلا شفعة فيها،
سواء كان المبيع هو الملك أم الوقف في مورد جواز بيعه.
(مسألة 8): لا تثبت الشفعة بالجواز من دون شركة، فإذا باع أحد الجارين
داره أو محل عمله المختص به فليس لجاره حق الشفعة، من دون فرق بين
اختصاص كل منهما بماله من أول الأمر وسبق الشركة بينهما إذا وقع البيع من
الجار بعد القسمة وتعيين حصة كل منهما.
(مسألة 9): إذا كانت داران أو أكثر كل منها مختصة بشخص، وكان لها
جميعا طريق واحد يشترك فيه كلهم ففي المقام صورتان...
117

الأولى: أن يبيع أحدهم داره دون حصته من الطريق المشترك. ولا شفعة
للآخرين حينئذ، لا في الدار ولا في الطريق، نعم يبقى للبايع حصته من الطريق،
فله الانتفاع به بالمرور فيه والجلوس على باب الدار التي باعها، وعلى المشتري
أن يتجنب المرور في الطريق بغير إذنهم، بل يفتح بابا أخرى في طريق آخر أو
تبقى داره بلا باب. وفي جواز دخوله لداره في الطريق بإذن البايع بلحاظ حصته
منه إشكال، وكذا الاشكال في جواز تصرفه فيه لو ملكه من قبله بغير البيع. نعم
ليس لهم الشفعة في الطريق حينئذ.
الثانية أن يبيع أحدهم داره مع حصته من الطريق. وحينئذ تثبت لهم
الشفعة في مجموع الدار والطريق. ولكل منهم الأخذ بها، ومع تشاحهم إذا كانوا
أكثر من واحد يتعين اشتراكهم في حق الشفعة المذكور، فتكون الدار والحصة
التابعة لها من الطريق لهم جميعا.
(مسألة 10): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدور ولا يجري في
غيرها كالمحلات التجارية ونحوها. إلا إذا صدق عليها أنها دور.
(مسألة 11): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالاشتراك في الطريق،
ولا يعم غيره كالنهر والبئر ونحوها. نعم للشريك الشفعة في الأمر المشترك فقط
إذا كان بين شريكين، لا أكثر، على نحو ما تقدم. فيأخذه بحصته من الثمن بعد
توزيع الثمن عليه وعلى الدار.
(مسألة 12): إذا اشترك شخصان أو أكثر في طريق دور فباع أحدهم
حصته منه دون الدار كان للآخرين الشفعة. وأما إذا كان الطريق لغير الدور
فتختص الشفعة بالشريكين، ولا تعم الأكثر، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.
الثالث: أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عن الثمن ولا للمماطل به. وإذا بذل
الرهن أو أتى بضامن يضمنه عنه من دون أن يؤديه لم تجب إجابته.
(مسألة 13): إذا ادعى حضور الثمن في البلد واحتياج تهيئته إلى مدة
أجل ثلاثة أيام من حين إرادة الشريك البيع بعد إعلانه بذلك، فإن جاء بالثمن،
وإلا فلا شفعة له. والمراد بالأيام الثلاثة ما سبق في الأيام الثلاثة التي يثبت فيها
خيار الحيوان.
118

(مسألة 14): إذا ادعى الشفيع أن الثمن في بلد آخر انتظر به مدة ذهابه
لذلك البلد ورجوعه وزيادة ثلاثة أيام، فإن جاء بالثمن وإلا فلا شفعة له. والمراد
بمدة الذهاب والرجوع مدة قطع الطريق فقط، لا ما يعم مدة تهيئة جواز السفر
والحصول على بطاقته ونحو ذلك مما تعارف في عصورنا.
(مسألة 15): إذا كان الشريك غائبا عن البلد وقت البيع ثبت له حق
الشفعة إذا علم بإرادة الشريك للبيع أو بإيقاعه وله في غيبته، مع قدرته على
الأخذ بها بالتوكيل أو بالاتصال المباشر بالمشتري، وله تأجيل الثمن إن كان
الثمن في البلد ثلاثة أيام، وإن كان في غيره كان له التأجيل بمقدار وصوله للبلد.
مع زيادة ثلاثة أيام، على نحو ما تقدم. ولو تعذر عليه الأخذ به في غيبته كان له
الأخذ إذا رجع. وكذا إذا لم يعلم بالبيع حتى رجع.
(مسألة 16): تثبت الشفعة للمحجور عليه ويأخذ بها عنه وليه، أو يأذن
له في الأخذ بها إن كان يحسن معناها والأخذ بها. فإن أسقطها الولي أو لم يبادر
للأخذ بها سقط حق المولى عليه فيها، إلا أن يكون ذلك من الولي للتفريط في
حق المولى عليه والخروج عن مقتضى ولايته.
119

المقام الثالث
في الأخذ بالشفعة
(مسألة 17): ليس للشفيع التبعيض في المبيع، بل إما أن يأخذه بتمامه
أو يدع.
(مسألة 18): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأقل منه ولا بأكثر، سواء كان
البيع غبنيا للبايع أو المشتري أم لم يكن. وإذا تنازل البايع للمشتري عن بعض
الثمن لم يكن للشفيع تنقيصه.
(مسألة 19): إذا غرم المشتري شيئا زائدا على الثمن كأجرة الدلال
ومصارف التسجيل لم يجب على الشفيع تداركه. نعم ليس للشفيع إلزام
المشتري بالاعتراف له رسميا.
(مسألة 20): لا بد في ثبوت الشفعة من كون الثمن مثليا، ولا تثبت إذا كان
قيميا.
(مسألة 21): يشكل ثبوت الشفعة إذا اشتمل البيع على شرط للبايع على
المشتري، كما لو باع الشريك حصته بألف دينار واشترط على المشتري أن
يخيط ثوبه.
(مسألة 22): إذا اشترط المشتري على البايع شيئا لم يجب مثله على
المشتري للشفيع، فإذا باع الشريك حصته بألف دينار واشترط المشتري على
البايع أن يخيط ثوبه فأخذ الشفيع بالشفعة لم يجب على المشتري أن يخيط له
ثوبا ولا أن يعوضه بأجرته.
(مسألة 23): إذا تصرف المشتري في الحصة مع ثبوت حق الشفعة
تصرفا منافيا للحق المذكور كما لو أوقفها أو وهبها أو جعلها صداقا لم يبطل
120

حق الشفيع بالشفعة، بل له الأخذ بها فيبطل التصرف المذكور.
(مسألة 24): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل
جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني، وله الأخذ من
المشتري الثاني بالثمن الثاني فيسقط حقه من الشفعة في الأول. وهكذا لو
تعاقبت البيوع، فإنه يكون له الأخذ بالشفعة في السابق فيبطل ما بعده وله الأخذ
بها في اللاحق فيسقط حقه في الشفعة من السابق. هذا ولو وقع بعضها بإذنه
سقط حقه من الشفعة فيها وفيما قبلها إذا كان يعلم به.
(مسألة 25): إذا باع أحد الشريكين نصيبه وكان للآخر الشفعة، فإذا باع
الآخر حصته قبل أن يأخذ بالشفعة سقط حقه فيها، وإن كان جاهلا بالبيع الأول.
(مسألة 26): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، وإذا تلف
بعضه أو تعيب لم تسقط وجاز للشفيع الأخذ لكن بتمام الثمن من دون أرش
النقص، ولا ضمان على المشتري.
(مسألة 27): إذا كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة مع تأجيل
الثمن للأجل الذي أخذ في البيع. وليس للمشتري إلزامه بالرهن أو الكفيل أو
نحوهما مما يوجب التوثق على الثمن. نعم لو لم يكن مقدما على الضرر
المذكور لجهله بثبوت حق الشفعة للشبهة الحكمية أو الموضوعية كان له خيار
تخلف الوصف في البيع، كما تثبت سائر الخيارات، ومع الفسخ ترجع العين
للبايع بالثمن، ويبطل حق الشفعة.
(مسألة 28): الظاهر أن حق الشفعة لا يورث، فإذا باع أحد الشريكين
حصته من ثالث، فمات الشريك قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه واحدا كان
أو متعددا أن يأخذ بالشفعة. نعم لو مات قبل البيع وكان وارثه واحدا كان له
الأخذ بالشفعة لو بقي الشريك على إرادة البيع أو باع، لكنه حينئذ يكون شفيعا
بالأصل لا وارثا للشفعة. كما أنه لو مات الشريك بعد الأخذ بالشفعة كانت
الحصة لورثته وإن تعددوا، لكنه من إرث المال، لا من إرث حق الشفعة.
(مسألة 29): إذا تقايل الشريك البايع والمشتري قبل أخذ الشريك الآخر
بالشفعة ففي بقاء حق الشفعة بحيث يكون للشريك الآخر الأخذ بها المستلزم
121

لبطلان الإقالة إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.
(مسألة 30): الظاهر عدم ثبوت خيار العيب للشفيع إذا أخذ المبيع من
المشتري. وفي ثبوت الأرش له إذا أخذه المشتري من الشريك إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.
والحمد لله رب العالمين.
122

كتاب الإجارة
وفيه فصول..
الفصل الأول
في حقيقة الإجارة وشروط
العقد والمتعاقدين
الإجارة هي المعاوضة على منافع الأعيان، سواء كانت المنفعة عملا -
كالإجارة على الخياطة - أم غير ذلك، كإجارة المساكن والملابس والدواب
والمعامل وغيرها.
(مسألة 1): لا بد في الإجارة من كون المنفعة ملحوظة بالأصل ومعوضة
بالثمن، أما إذا كانت عوضا عن تمليك شئ أو شرطا في تمليكه فلا تكون
المعاملة إجارة، بل بيعا أو هبة مشروطة أو صلحا، وخرجت عن محل الكلام.
(مسألة 2): تبتني الإجارة على تمليك المنفعة بالعوض، من دون أن
تخرج العين ذات المنفعة عما كانت عليه من كونها ملكا للمؤجر أو غيره، أو
وقفا، أو غير ذلك، فيجب إرجاعها بنفسها بعد استيفاء المنفعة. وعلى ذلك لا
يجوز إجارة الأرض - مثلا - على أن توقف مسجدا أو مصلى أو غير ذلك. نعم لا
بأس بإجارتها لتكون مصلى أو نحوه مدة معينة.
(مسألة 3): لا يجوز استئجار العين ذات النماء بنحو يقتضي ملكية
النماء، كاستئجار الشجر للثمر والشاة للبن، والبئر للماء، إلا أن يرجع إلى بيع
النماء قبل ظهوره، فيجوز على ما تقدم في المسألة (32) من الفصل الثالث من
123

كتاب البيع. نعم لا بأس باستئجار العين المذكورة للانتفاع بنمائها بمثل الأكل
والشرب من دون أن يملك.
(مسألة 4): تكرر على ألسنة بعض الناس إطلاق إجارة النقد أو الذهب أو
نحوهما على دفع الأمور المذكورة ليتعامل بها بالبيع والشراء ونحوهما أو
ليعمل فيها بمثل الصياغة ونحوها ثم إرجاع مثلها بعد مضي المدة المضروبة.
ولا يخفي أن الاطلاق المذكور تسامحي، لخروج المعاملة المذكورة عن الإجارة
في الحقيقة من وجهين:
الأول: ابتناؤها على تملك الأعيان بأنفسها، وترتيب آثار الملك عليها
كالبيع والاستهلاك وغيرهما.
الثاني: عدم رجوعها بأعيانها بعد انقضاء المدة وإنما يسترجع مثلها.
وليست هذه المعاملة في الحقيقة إلا اقتراضا للأمور المذكورة فيتملكها
المقترض ويتصرف بها تصرف المالك، وتنشغل ذمته بمثلها، فيجب عليه
إرجاعه لا إرجاعها بأعيانها. وعلى ذلك تكون الأجرة في الحقيقة فائدة في
مقابل القرض المذكور، وتدخل المعاملة في القرض الربوي المحرم. نعم
تصدق الإجارة حقيقة في مثل إجارة الذهب المصوغ للبسه والتزين به مدة
بأجرة، على أن يبقى على ملك صاحبه ويرجع إليه بعينه بعد انقضاء المدة.
(مسألة 5): الإجارة تبتني على ملكية المستأجر للمنفعة والمؤجر للثمن
بمجرد وقوعها قبل استيفاء المنفعة، حيث يلزم كل من المتعاقدين بملكية
المنفعة في مقابل الثمن، ولذا كانت من العقود التي يجب الوفاء بها بتسليم كل
من العوضين لصاحبه. وهناك طرق أخرى لاستحقاق الأجر على المنفعة لا
تبتني على الالزام والالتزام، كالجعالة والاستيفاء بالضمان والإباحة بالضمان.
ويأتي الكلام فيها في خاتمة كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى.
(مسألة 6): حيث كانت الإجارة من العقود، فلا بد في تحققها من التزام
المؤجر والمستأجر بها وإبرازهما للالتزام المذكور بالعقد المتضمن لذلك
باللفظ أو بغيره، على النحو المتقدم في عقد البيع وبالشروط المتقدمة ففيه،
وتجري هنا جميع الفروع الجارية هناك، فلتراجع.
124

(مسألة 7): يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في البيع،
وتجري هنا جميع الفروع المتقدمة هناك للفضولي والمكره وغيرهما.
(مسألة 8): يكفي في صحة الإجارة ملكية المؤجر للمنفعة أو ولايته
عليها، وإن لم يملك العين كالموقوف عليه والمستأجر، على تفصيل يأتي في
محله.
125

الفصل الثاني
في شروط العوضين
حيث سبق أن موضوع الإجارة هو المنفعة دون العين، فلا بد..
أولا: من استقلال المنفعة عن العين، بحيث يمكن استيفاؤها مع بقاء
العين، فلا يصح مثل إجارة الخبز لأن يؤكل والمال لأن يباع، نظير ما تقدم.
وثانيا: أن تكون العين صالحة للمنفعة الخاصة، فلا ى صح إجارة الأرض
للزراعة إذا كانت غير قابلة لأن تزرع، ولو خرجت بعد الإجارة عن القابلية
المذكورة في الوقت المطلوب انكشف بطلانها من أول الأمر.
إذا عرفت هذا فيعتبر في المنفعة - مضافا إلى ذلك - أمور..
الأول: التعيين، فلو كانت مرددة لا تعين لها في الواقع بطلت الإجارة، كما
لو آجره على أن يخيط أحد الثوبين أو استأجر منه إحدى السيارتين. إلا أن
يرجع إلى إرادة القدر المشترك بين المنفعتين، نظير الواجب التخييري، فتصح
حينئذ.
(مسألة 1): كما يعتبر التعيين في المنفعة يعتبر في الثمن، فلا تصح
الإجارة مع تردده وعدم تعيينه بحدود واقعية، كما لو تردد الثمن بين دينار ذهبي
وعشرة دراهم فضية. إلا أن يرجع إلى إرادة القدر المشترك، نظير ما تقدم في
المنفعة.
(مسألة 2): إذا تردد الثمن تبعا لتردد المنفعة كما لو قال: إن نقلت المتاع
يوم الجمعة كان لك عشرة دراهم وإن نقلته يوم السبت كان لك خمسة دراهم،
صح جعالة. وأما صحته إجارة، بحيث يلزم كل منهما بالمضمون، فتتوقف على
رجوع كل من الثمنين والمنفعتين إلى قدر مشترك يكون هو اللازم بالعقد،
126

وتكون الخصوصية الأخرى زائدة ملحوظة بنحو الشرط، كما قد يوجه في
المثال السابق بأن يراد إجارته على أصل النقل في أحد اليومين بخمسة دراهم
مع اشتراط زيادة خمسة دراهم لو عجل بالنقل يوم الجمعة. ولا تصح إجارة
بدون ذلك، كما لو قال: إن نقلت المتاع يوم الجمعة كان لك ديناران وإن نقلته
يوم السبت كان لك عشرة دراهم. بل لا يصح حينئذ إلا جعالة لا يلزم بها أحد
الطرفين.
(مسألة 3): ليس من الترديد ما إذا استؤجر على العمل بوجه خاص مع
اشتراط زيادة الأجرة أو نقصها لو جئ به بوجه آخر، بل تصح الإجارة ويلزم
الشرط حينئذ، كما لو قال: آجرتك على نقل المتاع يوم السبت بعشرة دراهم
على أنك إن نقلته يوم الجمعة كان لك عشرون أو إن نقلته يوم الأحد كان لك
خمسة. أو قال: آجرتك على أن تصبغ الثوب بالسواد بعشرة دراهم على أنك إن
صبغته بالخضرة كان لك خمسة عشر درهما، أو إن صبغته بالحمرة كان لك
ثمانية دراهم. نعم لا يصح الشرط إن كان موجبا لسقوط الثمن بتمامه.
الثاني: أن تكون محللة فلا تصح إجارة الأماكن لاحراز ما يحرم إحرازه -
كالخمر - أو للقيام فيها بأعمال محرمة كالغناء، ولا تصح الإجارة على الأعمال
المحرمة، كقتل النفس المحترمة والغناء وصنع الخمر وسقيها وغير ذلك، بل لا
يستحق الأجر بها حتى مع الجعالة ونحوها. وقد تقدم في المكاسب المحرمة ما
ينفع في المقام.
الثالث: أن يتوقف تسليمها على فعل الحرام، كاستئجار الحائض
لكنس المسجد، فإن كنس المسجد وإن لم يكن محرما عليها إلا أنه موقوف
على دخولها للمسجد وهو محرم. وأما لو توقف تسلم المنفعة على فعل الحرام
فالظاهر عدم بطلان الإجارة، كما لو استأجر الدار وتوقفت سكناها على المرور
بالأرض المغصوبة. نعم لو كان المستأجر جاهلا بذلك كان له الفسخ بخيار
العيب.
الرابع: القدرة الخارجية على استلام المنفعة على الأحوط وجوبا، فلا
تصح الإجارة بدون ذلك وإن احتمل القدرة عليه في وقته كإجارة الجمل الشارد
127

والعبد الآبق. بل لو جهل المستأجر تعذر الاستلام كان له الفسخ قطعا لو فرض
صحة الإجارة.
الخامس: أن لا تكون المنفعة منافية لحق الغير، كحق الزوج والمولى
والمستأجر السابق، وإلا توقف نفوذها على إذن صاحب الحق. نعم لو آجرت
المرأة نفسها قبل التزويج لم يمنع التزويج من نفوذ الإجارة وإن كانت المنفعة
منافية لحق الزوج.
(مسألة 4): الظاهر جواز الإجارة على المنفعة - التي يتعذر على المؤجر
تسليمها - مع الضميمة المعلومة الحصول، عينا كانت تلك الضميمة أو منفعة،
كما لو باعه ثوبا تحت يده وآجره عبدا آبقا بألف دينار، وكما لو آجره جملين
أحدهم شارد والآخر غير شارد بمائة دينار.
(مسألة 5): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن أيضا، وقد تقدم نظير
ذلك في البيع.
(مسألة 6): الأحوط وجوبا العلم بمقدار المنفعة في الجملة، ولا ملزم
بالمداقة في ذلك، فلا تضر الجهالة بالنحو الذي لا يوجب التغرير بالمال عرفا،
كاستئجار الدابة والسيارة إلى بلد معهود وإن لم تعرف المسافة دقة، أو لحمل ما
تطيقه وإن لم يعلم بمقدار طاقتها دقة، واستئجار المنزل في موسم خاص وإن لم
يعلم عدد الأيام، واستئجار العامل لتصليح الآلة المعيبة وإن لم يعلم مقدار العيب
ولا مقدار الجهد المبذول لاصلاحه دقة، واستئجار المضخة لسحب المياه مدة
معينة وإن لم تعرف المدة التي يمكن الانتفاع بها فيا لعدم تحديد أيام تواجد
الماء القابل للسحب، ولا أيام اتصال التيار الكهربائي الذي يتوقف عليه عملها،
ونحو ذلك مما يتسامح فيه العقلاء ويتعارف بينهم الاقدام على الإجارة مع
الجهل به.
(مسألة 7): الأحوط وجوبا اعتبار العلم بمقدار الثمن، على التفصيل
المتقدم في ثمن المبيع.
(مسألة 8): إذا قال: آجرتك الدار كل شهر بكذا، فالظاهر رجوعه للإجارة
في الشهر الأول، والإذن باستيفاء المنفعة بأجر مخصوص في بقية الشهور، الذي
128

تقدمت الإشارة إليه في المسألة (5) من الفصل الأول.
(مسألة 9): لا يعتبر اتصال مدة الإجارة بالعقد، فيجوز أن يؤجر في
شوال داره على أن يسكنها في ذي الحجة. نعم إذا أطلقت الإجارة كان ظاهرها
إرادة الزمان المتصل بالعقد.
(مسألة 10): يجوز إجارة الحصة المشاعة من العين، فيجوز لمالك
نصف الدار إجارة النصف الراجع إليه، فيقتسم الشريك المنفعة مع المستأجر
كما كان يقتسمها مع شريكه. نعم لا يجوز للشريك المؤجر تسليم العين
للمستأجر إلا بإذن شريكه.
(مسألة 11): يجوز أن يستأجر أكثر من واحد عينا واحدة، وتكون
منفعتها مشتركة بينهم بالنسبة. كما يجوز أن يستأجر أكثر من واحد لعمل واحد
يشتركون بالقيام به.
(مسألة 12): لا تجوز إجارة الأرض للزرع بمقدار معين مما يحصل
منها، حنطة كان أو شعيرا أو غيرهما من الطعام، بل الأحوط وجوبا العموم لغير
الطعام من أنواع الزرع. كما أن الأحوط وجوبا أيضا العموم لما يحصل من أرض
خاصة غيرها، بل العموم لكل ما لا وجود له في الخارج، مما سيوجد من دون أن
يكون ذميا. نعم تجوز إجارتها بحصة مشاعة مما يحصل منها، كالثلث والربع
فتشبه المزارعة.
129

الفصل الثالث
في لزوم الإجارة
الإجارة من العقود اللازمة، فلا يصح فسخها إلا بالتقايل برضا الطرفين أو
بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما.
(مسألة 1): يجري في الإجارة خيار الغبن وخيار الشرط وخيار العيب
وخيار تخلف الوصف وخيار تبعض الصفقة وخيار تخلف الشرط، وقد تقدم
تفصيل الكلام فيها في البيع. كما يجري خيار عدم تسليم العوضين، دون خيار
التأخير على ما يتضح بمراجعة ما تقدم في البيع. ولا يجري فيها خيار المجلس
ولا خيار الحيوان ولا خيار الرؤية.
(مسألة 2): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا وكان جاهلا به
حين العقد، فإن كان موجبا لفوات بعض المنفعة - كخراب بعض بيوت الدار -
قسطت الأجرة ورجع على المؤجر من الأجرة بما يقابل المنفعة الفائتة، وكان له
مع ذلك خيار تبعض الصفقة، وإن لم يوجب فوت بعض المنفعة لكن كان
موجبا لعيب في المنفعة - مثل عرج الدابة - كان له الفسخ بخيار العيب، وإن لم
يوجب ذلك أيضا إلا أنه كان موجبا لنقص الأجرة كان له الفسخ أيضا لكن بخيار
تخلف الوصف، وهو وصف السلامة الذي يبتني عليه العقد ضمنا وإن لم يصرح
به في متن العقد. أما إذا لم يوجب شيئا من ذلك فلا خيار.
(مسألة 3): إذا كان موضوع الإجارة عينا كلية فدفع المؤجر عينا معيبة لم
يكن للمستأجر الفسخ في جميع الصور المتقدمة، بل له المطالبة بالصحيح، ومع
تعذره أو امتناع المؤجر من إبدال العين يكون له الخيار في أصل العقد.
(مسألة 4): إذا وجد المؤجر عيبا في الأجرة، فإن كانت أمرا كليا كان له
130

المطالبة بالبدل، وإن كانت أمرا شخصيا كان له الفسخ. وإن تصرف فيها تصرفا
موجبا لاختلاف الرغبة فيها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما.
(مسألة 5): يجوز للمالك أن يبع العين المستأجرة قبل انقضاء مدة
الإجارة على المستأجر وغيره، ولا تبطل الإجارة بذلك، بل تنتقل إلى المشتري
مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، نعم على البايع أن يعلم المشتري بأنها مستأجرة
للأجل الخاص، فإن جهل المشتري بأنها مستأجرة، أو اعتقد قلة المدة كان له
فسخ البيع، وليس له المطالبة بالأرش أو الأجرة التي تخص المدة الباقية.
(مسألة 6): إذا فسخت الإجارة بعد البيع بخيار أو تقايل رجعت المنفعة
إلى البايع دون المشتري.
(مسألة 7): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا المستأجر، إلا إذا أخذت
خصوصية أحدهما في المنفعة التي هي موضوع الإجارة، كما إذا آجر نفسه
للعمل بنفسه، أو استأجر الدار ليسكنها بنفسه، حيث يتعذر استيفاء المنفعة
حينئذ. وذلك مبطل للإجارة على ما يأتي بتفصيل في الفصل الرابع إن شاء الله
تعالى.
(مسألة 8): في ولاية ولي الصبي - كالأب والجد - على إجارة الصبي
بنفسه، أو إجارة ماله مدة تزيد على صباه إشكال، فالأحوط وجوبا الاقتصار في
ذلك على مقدار الضرورة العرفية اللازمة من تعرض النفس أو المال أو العرض
للضر المهم.
(مسألة 9): لا أثر لموت الولي والوكيل الذي يتولى الإجارة.
131

الفصل الرابع
في أحكام التسليم في الإجارة
إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة وملك المؤجر الأجرة، كما
هو مقتضى المعاوضة، ووجب على كل منهما تسليم ما عليه للآخر. لكن حيث
كانت المنفعة تدريجية الحصول فلا مجال للتقارن بينهما في التسليم والتسلم
- كما هو الواجب في المعاوضة بين الأعيان - بل لا بد من تقديم أحدهما، وهو
تابع لما يتفقان عليه في العقد صريحا، أو ارتكازا تبعا للعرف والعادة، أو تقتضيه
القرائن الخاصة.
(مسألة 1): إذا امتنع أحد المتعاقدين من التسليم في الوقت المستحق
عصى وكان للآخر إجباره. ولو ظهر عليه الامتناع من التسليم في وقته كان للآخر
التوقف عن التسليم وطلب الاستيثاق لنفسه.
(مسألة 2): إذا امتنع المؤجر من تسليم المنفعة في الوقت المستحق مع
بدل المستأجر الأجرة كان للمستأجر الفسخ والرجوع بالأجرة وله الانتظار حتى
ينتهي أمد الإجارة فتنفسخ قهرا، ولا مجال للبناء - حينئذ - على صحة الإجارة
وضمان المؤجر للمنفعة بنحو يقتضي دفع أجرة المثل لها.
(مسألة 3): إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة في الوقت المستحق،
فإن لم يكن استوفى المنفعة كان للمؤجر الفسخ فترجع المنفعة له. وإن كان قد
استوفاها ففي جواز الفسخ للمؤجر والرجوع لأجرة المثل إشكال، والأحوط
وجوبا الاقتصار على المطالبة بالأجرة المسماة.
(مسألة 4): تقدم أن المؤجر يملك الأجرة بالإجارة، إلا أن ملكيته
لها لا تستقر إلا بتسليمه المنفعة، ومع عدم تسليمه لها يكون للمستأجر الرجوع
132

بالأجرة. ويأتي الكلام في المسائل الآتية في معيار التسليم الذي تستقر به
الأجرة.
(مسألة 5): إذا كانت المنفعة التي هي موضوع الإجارة محددة بوقت
خاص مساو لها كفى في تسليمها - الموجب لاستقرار الأجرة للمؤجر على
المستأجر - بذل المؤجر للعين، سواء استوفى المستأجر المنفعة منها مع ذلك أم
لم يستوفها وفرط فيها، فإذا استأجر الدار على أن يسكنها في شهر شعبان،
أو السيارة على أن يستغلها يوم العيد فسلمه المؤجر الدار في الشهر المذكور
والسيارة في اليوم المذكور استحق عليه الأجرة وإن لم ينتفع بهما عنده.
(مسألة 6): قد تكون المنفعة محددة بوقت أوسع منها، كما إذا استأجر
الدار على أن يسكنها أسبوعا من شهر شعبان، أو السيارة على أن ينقل متاعه بها
يوما في ضمن الأسبوع، فالظاهر أنه لا مجال لاطلاق المنفعة في مثل ذلك، بل
لا بد من تقييدها بإناطة تعيين وقت المنفعة بإرادة المؤجر فقط أو المستأجر فقط
أو إرادتهما معا أو إرادة أي منهما حسبما تقتضيه قرائن المقام المختلفة. وحينئذ
يجري مع تعيين من بيده التعيين حكم المسألة السابقة من الاكتفاء في استقرار
الأجرة بالبذل في المدة المعينة.
(مسألة 7): إذا لم تحدد المنفعة - صريحا أو ضمنا - بوقت خاص
فمقتضى إطلاق العقد التعجيل، لكن لا بمعنى تقييد المنفعة به بحيث ينتهي
أمدها لو لم يعجل، بل بمعنى استحقاق المطالبة بها فورا ففورا، والاكتفاء بالبذل
فيها كذلك، فإذا تحقق البذل من المؤجر في أي وقت استحق الأجرة، إلا أن
تقوم القرينة على التقييد بحال خاص كاستئذان المستأجر أو طلبه أو غير ذلك.
(مسألة 8): في الإجارة على الأعمال يكفي في استقرار الأجرة حضور
العامل وبذل نفسه للعمل ومضي المدة المطلوبة للعمل، فإذا استأجره على أن
يبني في داره أو يخيط ثيابه أو غير ذلك فحضر للعمل في الوقت المناسب
- حسبما تقدم في المسائل الثلاث السابقة - وبذل نفسه في تمام المدة استقرت
الأجرة على المستأجر، سواء استوفى عمله أم لم يستوفه. بل لو انشغل الأجير
في الوقت المذكور بعمل آخر لنفسه غير مناف لبذل نفسه للعمل المستأجر
133

عليه لم يمنع من استقرار الأجرة.
(مسألة 9): إذا كانت العين المستأجرة كلية كفى في التسليم واستقرار
الأجرة تسليم فرد منها، وبذله لاستيفاء المنفعة منه في الوقت المناسب للإجارة
- حسبما تقدم - وكذا إذا كان الأجير كليا، كما لو استأجره على أن يبني داره
بنفسه أو بشخص آخر بدلا عنه، فإنه يكفي في استقرار الأجرة حينئذ تهيئة
عامل خاص للبناء وحضوره للعمل في الوقت المناسب، حسبما تقدم.
(مسألة 10): إذا كان العمل قائما بعين مملوكة للمستأجر تحت يد الأجير
كفى في تسليمه واستقرار الأجرة إنجاز العمل فيه، فلو دفع له ثوبه ليخيطه أو
سيارته ليصلحها استقرت له الأجرة بخياطة الثوب وتصليح السيارة، ولا يتوقف
مع ذلك على إرجاع العين التي يقوم بها العمل - كالثوب والسيارة في المثال -
للمستأجر. وعلى ذلك لو تلفت عنده لم تسقط الأجرة، غاية الأمر أن تلفها إذا
كان بفعله أو بتفريط منه كان ضامنا لها بما لها من الصفة الحاصلة بسبب العمل.
(مسألة 11): لو امتنع المستأجر في المسألة السابقة من تسليم الأجرة
غاصبا لها ومتعديا كان للمؤجر حبس العين استيثاقا لحقه، كما له حبس غيرها
من أمواله. كما أنه لو امتنع المؤجر من تسليم العين غاصبا لها كان للمستأجر
حبس الأجرة عليه استيثاقا لحقه، كما له حبس غيرها من أمواله. وهذا بخلاف ما
إذا لم يسلم المستأجر الأجرة أو لم يسلم الأجير العين لعذر من دون تعد منهما،
حيث لا يجوز معه للآخر الحبس.
134

الفصل الخامس
في تعذر استيفاء المنفعة
تعذر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة..
تارة: يكون لتلفها ولو بمثل الموت.
وأخرى: يكون لمانع خارجي، كمنع السلطان، وكما لو استأجر الدابة أو
السيارة للسفر فمرض بنحو لا يستطيع السفر، أو غصب العين المستأجرة
غاصب، أو غير ذلك.
وجميع ذلك موجب لبطلان الإجارة وعدم استحقاق الأجرة إذا وقع قبل
بذل المؤجر العين وتسليمها للمستأجر ليستوفي المنفعة منها، سواء استند
للمؤجر أم للمستأجر أم لأجنبي أم لسبب قهري بتفريط من أحد أو لا. وكذا إذا
وقع بعد تسليم العين ولم يكن بتفريط من المستأجر.
أما إذا كان بتفريط منه ففي الأول - وهو التلف - تبطل الإجارة، ويكون
ضامنا للعين غير مسلوبة المنفعة. كما أن الأجنبي لو ضمن العين بإتلاف أو
نحوه يضمنها غير مسلوبة المنفعة أيضا. وفي الثالث لا تبطل الإجارة وتلزمه
الأجرة، نظير ما تقدم في المسألة (5) من الفصل السابق.
وأما الثاني فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوبا فيه التراضي
بين المؤجر والمستأجر.
(مسألة 1): إذا استؤجر على عمل في عين - كبناء الدار وخياطة الثوب -
فتعذر العمل، فإن كان تعذره لقصور في الأجير - بموت أو مرض أو نحوهما -
135

بطلت الأجرة مطلقا، وإن كان لأمر آخر - كتلف العين وضياعها ومنع السلطان
وغير ذلك - فإن لم يكن بتفريط من المستأجر بطلت الإجارة أيضا، وإن كانت
بتفريط منه ففي بطلان الإجارة وعدم استحقاق الأجير الأجرة إذا كان مستعدا
للعمل إشكال، والأحوط وجوبا التراضي بينهما.
(مسألة 2): تعذر استيفاء المنفعة بجميع أقسامه إنما يبطل الإجارة إذا لم
تستقر الأجرة ببذل العين ومضي مدة يمكن استيفاء المنفعة منها على التفصيل
المتقدم في المسألة (5) من الفصل السابق. وكذا الحال في تعذر العمل من
الأجير الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة، فإنه إنما يبطل الإجارة إذا لم
تستقر الأجرة ببذل الأجير نفسه للعمل في تمام المدة المطلوبة بالنحو المتقدم
في المسألة (8) من الفصل السابق.
(مسألة 3): إذا غصب العين غاصب، فإن لم يستوف المنفعة جرى
التفصيل المتقدم، وإن استوفى المنفعة المستأجر عليها فإن كان قبل تسليم العين
للمستأجر كان المستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع له الأجرة المسماة
ويرجع المؤجر على الغاصب بالمثل، وعدم الفسخ، فتستقر الأجرة المسماة
للمؤجر ويرجع هو على الغاصب بأجرة المثل. وكذا إذا كان الغصب بعد تسليم
العين من دون تفريط من المستأجر. أما إذا كان بتفريط منه فليس له فسخ
الإجارة، بل تستقر الأجرة عليه وله الرجوع على الغاصب بأجرة المثل.
(مسألة 4): إذا تعذرت المنفعة - بنحو يقتضي بطلان الإجارة - في بعض
المدة دون بعض، فإن كان التعذر قبل تسليم العين لاستيفاء المنفعة - كما إذا
استأجر الدابة شهرا فمرضت في النصف الأول من الشهر وبرئت في النصف
الثاني - كان كل من المؤجر والمستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع الأجرة
بتمامها للمستأجر وليس له من المنفعة شئ، وعدم الفسخ فتصح الإجارة في
المقدار القابل للاستيفاء بما يقابله من الأجرة.
وإن كان بعد تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها - كما إذا مرضت الدابة في
المثال السابق بعد مضي نصف شهر من تسليمها - فلا مجال لفسخ الإجارة
رأسا، بل تبطل من حين سقوط العين عن الانتفاع، وتصح في الزمن السابق بما
136

يقابله من الأجرة. ويجري التفصيل المذكور في تعذر بعض العمل المستأجر
عليه. ويأتي في آخر الفصل السابع ما يتعلق بذلك.
(مسألة 5): إذا تعذر استيفاء المنفعة لمانع خاص بالمستأجر - كما لو
استأجر سيارة ليسافر بها فمنع من السفر بمرض، أو من قبل السلطان - فإن
اشترط وأخذ في الإجارة مباشرته كان من تعذر استيفاء المنفعة، وإلا فلم تتعذر،
بل كان له بذل العين لغيره مجانا أو بأجرة ليستوفي منفعتها.
(مسألة 6): إذا استأجره للمداواة فبرئ بطلت الإجارة، لارتفاع موضوع
المنفعة، من دون فرق بين أن يستند الشفاء للمؤجر أو يكون قهرا عليه.
(مسألة 7): إذا استأجر الطبيب لقلع ضرسه أو لاجراء عملية جراحية له
أو نحو ذلك فالظاهر أخذ الحاجة الصحية في موضوع ذلك، فإذا ارتفعت
الحاجة له بالشفاء قبل وقت الإجارة دخل في تعذر استيفاء المنفعة، نظير ما
تقدم في المسألة السابقة، بخلاف ما إذا استأجره لخياطة ثوبه وبناء داره
فارتفعت الحاجة لذلك بأن رزق ثوبا آخر أو دارا أخرى، فإن الإجارة لا تبطل
بذلك.
(مسألة 8): إذا كانت العين المستأجرة كلية فسلم فردا منها لتستوفى منه
المنفعة وبعد تسليمه تعذر استيفاء المنفعة منه لم تبطل الإجارة، بل يجب على
المؤجر تبديل ذلك الفرد بفرد آخر. وما سبق من بطلان الإجارة بذلك في بعض
الصور يختص بما إذا كان موضوع الإجارة العين الشخصية.
(مسألة 9): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فقام به غيره بنحو لا يبقى
موضوع لعمله، كما لو استأجره على أن يخيط ثوبه، أو يداوي مريضه، فإن
ابتنت الإجارة على مباشرة الأجير العمل بنفسه، بطلت الإجارة، وإن لم تبتن
على ذلك بل على انشغال ذمته بالعمل مع إمكان قيام غيره مقام فيه، فإن كان
عمل الغير بدلا عن الأجير - تبرعا أو بأجرة - صحت الإجارة واستحق الأجير
الأجرة، وإلا بطلت أيضا ولم يستحق الأجير شيئا، ولا العامل.
137

الفصل السادس
في الضمان وعدمه
(مسألة 1): العين المستأجرة إذا كانت تحت يد المستأجر فهي أمانة في
يده يجري عليها حكم الأمانات، فلا تكون مضمونة إلا بأمرين.
الأول: التعدي عليها على خلاف مقتضى الاستئمان، باستعمالها في غير
ما يقتضيه العقد، كما لو استأجر الدابة مدة فأخرها عنها، أو إلى مكان فركبها إلى
غيره، أو استأجر الثوب ليلبسه عند التجمل فلبسه حال التبذل، أو جعله فراشا
يوطأ، وكما لو ترك الدابة بلا طعام ولا شراب أو أجهدها أو عرضها للبرد حتى
مرضت أو نفقت، وكما لو ابتل الثوب فلم ينشره ويجففه حتى تعفن وتعيب.
الثاني: التفريط، وهو عدم التحفظ على العين بالنحو المتعارف، كما لو لم
يوثق الدابة فشردت أو ترد ت في حفرة، أو لم يقفل البيت فسرق ما فيه، أو نحو
ذلك.
(مسألة 2): المشهور أن التعدي والتفريط في الأمانات موجبان لضمان
تلفها وضررها المتأخرين عنهما وإن لم يستندا إليهما، فلو ركب الدابة إلى غير
المكان المأذون فيه بمقتضى الاستئمان فلم يضر بها ثم تلفت بسبب غير
مضمن كان عليه الضمان، وكذا إذا لم يوثق الدابة فلم تشرد ثم مرضت، إلى غير
ذلك. فالتعدي والتفريط عندهم مخرج لها عن حكم الأمانة إلى حكم الغصب.
لكن الظاهر اختصاص الضمان بما إذا استند سبب التلف أو العطب إلى التعدي
أو التفريط، ولا يجري عليها حكم الغصب إلا إذا كان وضع اليد عليها عدوانيا،
كما لو انتهت مدة الإجارة أو بطلت أو فسخت بخيار فأبقى العين عنده بدون
رضا المالك مع قدرته على تسليمها له.
138

(مسألة 3): في مورد الضمان إذا تعيبت العين ولم تتلف، بل بقيت لها
قيمة عرفا يلزم الأرش وهو الفرق ما بين قيمتها قبل طروء العيب وقيمتها بعده.
وإن تلفت أو صارت بحكم التالف عرفا لعدم المالية لها، فإن كانت مثلية لزم
مثلها، وإن كانت قيمية لزمت قيمتها يوم التلف، إلا أن يجري عليها حكم
الغصب - على ما تقدم في المسألة السابقة - فحينئذ تلزم قيمتها يوم الغصب.
(مسألة 4): إذا كانت مثلية وتعذر المثل لزم دفع قيمته يوم الأداء.
(مسألة 5): المثلي هو الذي تنسب القيمة فيه عرفا لنوعه لا لشخصه،
كالذهب وأنواع الطعام ومنتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة.
والقيمي هو الذي تنسب القيمة عرفا له بشخصه، ككثير من المصنوعات اليدوية
والحيوانات والأشياء المستعملة وغيرها.
(مسألة 6): للمؤجر أن يشترط على المستأجر الضمان، بحيث تنشغل
ذمته بالمثل أو القيمة، وأظهر من ذلك ما إذا اشترط عليه أن يعطيه عوض العين
أو أرش النقص. ولا يفرق في ذلك بين الإجارة الصحيحة والفاسدة.
(مسألة 7): كما أن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، كذلك العين
التي يدفعها المستأجر للأجير ليعمل فيها، كالثوب الذي يدفع للأجير ليخيطه أو
يصبغه، والجهاز الذي يدفع له ليصلحه، والدقيق الذي يدفع له ليخبزه، وغير
ذلك، فإن جميع ذلك أمانة في يد الأجير، ويجري عليها الحكم المتقدم من
عدم الضمان إلا بالتعدي والتفريط والشرط.
(مسألة 8): لا يجب على المستأجر تدارك ما يحصل للأجير في مدة
الإجارة أو العمل من ضرر في نفسه، سواء كان عمل الأجير في حوزة المستأجر
وتحت يده - كما لو حفر بئرا في داره - أم لا، كما لو دفع إليه الثوب ليخيطه،
وسواء كان الأجير عبدا أم حرا، كبيرا أم صغيرا، وسواء كان الضرر بسبب العمل
أم بسبب آخر، إلا مع الشرط، أو كون المستأجر هو السبب في الضرر، أو كونه
غارا أو خادعا، فيضمن حينئذ.
(مسألة 9): إذا دفع إليه عينا ليعمل فيها عملا - كخياطة أو صبغ أو غيرهما
- فعمله، ثم تلفت مضمونة عليه وجب عليه ضمانها بما أنها واجدة للصفة
139

الحاصلة من العمل، كما سبق. نعم يستحق الأجير أجرة العامل حينئذ.
(مسألة 10): كل من آجر نفسه لعمل في مال الغير أو في نفسه - كالخياط
والنجار والحداد والقصاب والختان وغيرهم - إذا استؤجر على أن يعمل بوجه
صالح من دون تحديد العمل الذي يعمله فهو ضامن إذا أفسد. وكذا إذا حدد له
العمل فتجاوزه فأفسد، أما إذا لم يتجاوز ما حدد له فلا ضمان عليه، وتجري
ذلك في كل من يعمل للغير وإن لم يكن مستأجرا حين التبرع.
(مسألة 11): يضمن الطبيب والبيطري المباشران للعلاج - بمثل حقن
الدواء في بدن المريض وطلي جسمه به وتدليكه وشقه وجبر كسره ونحوها -
مطلقا، وكذا الطبيب المشرف على العلاج - بحيث تكون فعلية العلاج بتوجيهه،
فلا يستعمل المريض الدواء في كل مرة إلا بأمره - إذا كان المريض قاصرا لا
يستقل بالتصرف لصغر أو جنون أو نحوهما، بل مطلقا على الأحوط وجوبا. بل
الأحوط وجوبا ضمانه بوصفه للعلاج عند الرجوع إليه من أجل أن يتعالج به
وإن لم يكن مشرفا على العلاج، حتى لو كان المريض أو المباشر للعلاج مستقلا
بالتصرف. نعم لا يضمن بمجرد وصفه للدواء إذا كان لمجرد الاعلام برأيه من
دون أن يكون من أجل ترتب العلاج عليه.
(مسألة 12): يسقط ضمان الطبيب والبيطري بأخذه البراءة من المريض
أو المالك أو وليهما. ويكفي في البراءة حضورهم للعلاج مع علمهم بعدم ابتناء
العلاج على اليقين، وتعرضه للخطر. والظاهر جريان ذلك في كل من يعمل
للغير ويتبرأ من الضمان.
(مسألة 13): الممرض التابع للطبيب والمنفذ تعاليمه في حق المريض
يضمن مع مباشرته للعلاج أو أمره للمريض القاصر باستعمال العلاج في
حالتين..
الأول: أن لا يكون مأذونا من قبل المريض أو وليه بتنفيذ أمر الطبيب أو
إرشاده.
الثانية: أن يتجاوز إرشاد الطبيب وتوجيهه من دون إذن المريض أو وليه.
(مسألة 14): إذا عثر الحمال فسقط ما على رأسه فتلف لم يضمنه إلا أن
140

يكون مقصرا، لاقدامه على الحمل مع علمه من نفسه أنه يتعثر كثيرا، أو لسلوكه
طريقا غير مستو، أو لاسراعه في السير على خلاف المتعارف، أو نحو ذلك.
(مسألة 15): إذا حمل الأجير على الدابة شيئا فسقط منها وتلف أو تعيب،
فإن استند ذلك إليه ضمن، كما إذا لم يحكم شد المتاع وأرسلها فسقط المتاع، أو
نخس الدابة أو ضربها فنفرت وألقت ما عليها، إلا أن يتعارف فعل ذلك، بحيث
تبتني الإجارة على عدم الضمان معه. وإن لم يستند إليه لم يضمن، كما لو طار
طائر فنفرت، أو مطرت السماء فزلقت، إلا أن يكون مقصرا، كما لو تعارف
إحكام شد المتاع في أيام المطر، فلم يفعل. ويجري هذا التفصيل في جميع
وسائط النقل ونحوها.
(مسألة 16): إذا قال للخياط: خط هذا الثوب قميصا لي، فقطعه فلم
يكف قميصا له، كان عليه ضمان النقص، لعدم تحقق ما أذن له فيه. أما إذا قال:
اصبغ هذا الثوب لأجعله قميصا لي فصبغه فلم يكف فلا ضمان عليه، إلا أن
يكون الإذن مقيدا بكفايته، كما لو قال: إن هذا الثوب يكفيني قميصا فاصبغه
أو نحو ذلك.
(مسألة 17): حيث تقدم أن العين التي يدفعها المؤجر للأجير أمانة في
يد الأجير لا يضمنها إلا بالتعدي والتفريط، فإن ادعى تلفها بسبب لا يقتضي
الضمان - كالسرقة والحرق والغرق من دون تفريط - فإن كان هناك ما يناسب
ذلك - كسرقة محله كله ونحو ذلك مما يرفع الشبهة عنه - صدق، وكذا إذا كان
ثقة مأمونا أجاء بالبينة، بل الأحوط وجوبا عدم تضمينه إذا حلف، أما إذا لم
يحلف فيجوز تضمينه.
(مسألة 18): إذا استؤجر لحراسة محل تجاري أو نحوه من دون أن
يجعل تحت يده أمانة عنده، فسرق المحل فإن لم يكن بتقصير منه فلا ضمان،
ويستحق الأجرة، وإن كان بتقصير منه لم يستحق الأجرة لكن لا يضمن أيضا، إلا
أن يتضمن عقد الإجارة اشتراط الضمان على تقدير التفريط أو مطلقا، فيضمن
حسب الشرط.
(مسألة 19): إذا استؤجر لحفظ متاع وجعل تحت يده أمانة عنده فسرق،
141

كان ضامنا له مع التقصير. ولا ضمان مع عدمه إلا مع الشرط، كما تقدم في
المسألة السابقة. ولا يستحق الأجرة على كل حال، إلا أن يكون الحفظ المستأجر
عليه استمرار يا إلى مدة معينة - كشهر - فحفظه في بعض المدة، فإنه يستحق من
الأجرة بنسبة المدة التي حفظه فيها إلى المدة المستأجر عليها.
(مسألة 20): إذا استأجر عينا فآجرها لغيره وسلمها له - في مورد صحة
الإجارة الثانية - فتلفت عند الثاني، أو تعيبت بتقصير من الثاني كان الثاني
ضامنا، وأما الأول فلا يضمن إلا إذا كان الثاني الذي سلمها له غير مأمون عنده.
وكذا الحال إذا استؤجر على عمل في عين يأخذها عنده فاستأجر آخر على
العمل فيها وسلمها له.
142

الفصل السابع
في أحكام الإجارة
(مسألة 1): إذا استوفى المستأجر من العين أكثر من المنفعة المستأجر
عليها كان عليه للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة مثل المنفعة الزائدة، كما إذا سار
بالدابة أطول من المسافة المقررة، أو حملها أكثر من الحمل المتفق عليه، أو
أسكن في الدار أكثر من العدد المقرر، أو استعمل الأجير مدة أطول، وهكذا.
وكذا إذا استوفى منها منفعة أخرى مع المنفعة المستأجر عليها، كما لو استأجر
الدابة لجر العربة فحمل عليها مع ذلك، أو استأجر الجارية للخدمة فاسترضعها
لولده، فإن عليه مع الأجرة المسماة أجرة المثل للمنفعة الأخرى.
(مسألة 2): إذا استلم المستأجر العين ولم يستوف منها المنفعة
المستأجر عليها بل استوفى غيرها مع إمكان استيفاء المنفعتين معا وجب عليه
الأجرة المسماة للمنفعة المستأجر عليها التي فوتها على نفسه وأجرة المثل
للمنفعة الأخرى التي استوفاها، سواء كان ذلك لعدم التضاد بين المنفعتين - كما
لو استأجر الأمة للخدمة فاسترضعها ولم يستخدمها - أم لسعة الوقت للمنفعتين
معا مع التضاد بينهما، كما لو استأجر السيارة يوما للذهاب لكربلاء، فلم يذهب
لكربلاء بل ذهب للنجف. نعم يستحق في الثاني مع بقاء الوقت استيفاء المنفعة
المستأجر عليها، إلا أن يبتني عقد الإجارة على اشتراط عدم الجمع بين
المنفعتين تجنبا لاجهاد العين، وحينئذ يلحقه حكم تعذر الجمع بين المنفعتين.
(مسألة 3): إذا استلم المستأجر العين ولم يستوف منها المنفعة
المستأجر عليها، بل استوفى غيرها مما يتعذر جمعه معها - كما إذا استأجر الدار
للسكن فصيرها محلا تجاريا، أو استأجر السيارة يوما للسفر شرقا فسافر بها
143

غربا - فالظاهر أن للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين،
فإذا كانت قيمة منفعة المحل التجاري ضعف قيمة منفعة دار السكن في المثال
السابق استحق مع الأجرة المسماة نصف أجرة المثل للمحل التجاري. وإذا
كانت المنفعتان متساويتين قيمة أو كانت المنفعة المستوفاة أقل لم يستحق شيئا
زائدا على الأجرة المسماة. نعم له في جميع الصور فسخ الإجارة، لمخالفة
المستأجر الشرط باستعمال العين في غير المنفعة المستأجر عليها، وحينئذ
يستحق أجرة المثل للمنفعة المستوفاة بتمامها، دون الأجرة المسماة.
(مسألة 4): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فحضر الأجير للعمل فطلب
منه عملا آخر فعمله - كما إذا استأجر عاملا يوما للخياطة، فكلفه بالحراسة أو
الكتابة - فإن رجع ذلك منهما إلى التراضي على إبدال العمل المستأجر عليه
بالعمل الآخر فلا إشكال في لزوم الإجارة واستحقاق الأجرة المسماة لا غير،
وإن لم يرجع إلى ذلك - كما لو كانا غافلين عن مقتضى الإجارة، أو كان الأجير
مجبورا على العمل الآخر، أو قاصرا لا ينفذ تصرفه، أو غير ذلك - جرى فيه
التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.
(مسألة 5): إذا استأجر عينا على أن يستوفي منفعتها بنفسه فمكن غيره
من استيفائها وأذن له في ذلك لم ينفذ منه، ويحرم على ذلك الغير
استيفاؤها، فلو استوفاها كان المورد من صغريات ما تقدم في المسألة (3) من
استيفاء المنفعة المضادة للمنفعة المستأجر عليها، فيكون للمؤجر فسخ الإجارة
، فإن فسخ لم يستحق الأجرة المسماة على المستأجر، بل يستحق أجرة المثل
للمنفعة المستوفاة على من استوفاها، وإن لم يفسخ كان له الأجرة المسماة على
المستأجر، وكان للمستأجر على المستوفى أجرة المثل للمنفعة إذا لم يكن قد
أذن له في استيفائها مجانا. نعم لو فرض - حينئذ - زيادة أجرة المنفعة إذا
استوفاها الشخص المذكور عن أجرتها إذا استوفاها المستأجر كان للمؤجر قيمة
المثل لفرق ما بين المنفعتين، نظير ما تقدم في المسألة (3).
(مسألة 6): إذا استأجر عينا على أن يستوفي منفعتها بنفسه فآجرها من
غيره ليستوفيها لم تنفذ الإجارة منه، بل تتوقف على إجازة المؤجر الأول، فإن
144

أجاز نفذت الإجارة ووقعت للمستأجر الأول، لرجوعها عرفا إلى إسقاط شرط
مباشرته في الاستيفاء، فيلحقها حكم المسألة الآتية. وإن لم يجز حرم على
المؤجر الثاني استيفاء المنفعة، وإن استوفاها حينئذ جرى حكم المسألة السابقة.
(مسألة 7): إذا استأجر عينا على منفعة خاصة فاستوفى غيره منفعتها من
دون إذن منه، فإن كان ذلك مع استيفاء المستأجر للمنفعة المستأجر عليها - لعدم
التضاد بين المنفعتين - استحق المؤجر على المستأجر الأجرة المسماة. وعلى
الثاني أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها. وإن لم يستوف المستأجر المنفعة
المستأجر عليها فله صورتان..
الأولى: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة بسبب منع ذلك الغير له
من دون تقصير منه، وحينئذ تبطل الإجارة ويجب على المؤجر إرجاع الأجرة
المسماة للمستأجر، ويستحق هو أجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من
استوفاها.
الثانية: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة تسامحا منه في لك مع
قدرته عليه، وحينئذ لم تكن المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المستأجر عليها
صحت الإجارة ووجب للمؤجر الأجرة المسماة على المستأجر، وأجرة المثل
للمنفعة المستوفاة على من استوفاها. وإن كانت مضادة لها صحت الإجارة أيضا
ووجبت للمؤجر الأجرة المسماة.
وأما بالإضافة إلى أجرة المثل للمنفعة المستوفاة، فإن زادت قيمة المثل
للمنفعة المستوفاة عن قيمة المثل للمنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نسبة ما
بين القيمتين منها والباقي للمستأجر، فإذا كانت قيمة المنفعة المستوفاة ضعف
قيمة المنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نصف قيمة المنفعة المستوفاة
والنصف الثاني للمستأجر، وإن لم تزد عليها كانت بتمامها للمستأجر. نعم إذا
كان استفاء الغير للمنفعة بالوجه المذكور منافيا لشرط صريح أو ضمني في عقد
الإجارة بأن تبتني الإجارة على عدم تمكين الغير من العين وكان الاستيفاء مبنيا
على التسامح من المستأجر في ذلك كان للمؤجر فسخ الإجارة فلا يستحق معه
الأجرة المسماة، بل يستحق تمام أجرة المثل للمنفعة المستوفاة على من
145

استوفاها.
(مسألة 8): يجوز لمستأجر العين أن يؤجرها من غيره، فمن استأجر
مقعدا في سيارة مثلا جاز له أن يؤجره من غيره، إلا مع اشتراط المباشرة صريحا
أو ضمنا ولو لانصراف الإجارة إليها. نعم إذا كانت الإجارة في مثل المنفعة
المذكورة مبنية على تسليم العين للمستأجر فلا يجوز للمستأجر الأول تسليمها
للثاني إذا لم يكن أمينا بنظره، وإلا كان ضامنا، كما سبق. وهكذا الحال إذا
استؤجر لعمل في عين لغيره كخياطة ثوبه وبناء داره، فإنه يجوز مع عدم اشتراط
المباشرة أن يستأجر غيره لذلك، ولا يجوز له تسليمه العين إلا إذا كان أمينا
بنظره.
(مسألة 9): من استأجر عينا لم يشترط فيها المباشرة جاز له أن يؤجرها
لغير بأقل مما استأجرها به وبقدره، وكذا بالأكثر إذا أحدث فيها حدثا - كصبغ
بيوت الدار واصلاح بابها وغير ذلك - أو غرم فيها شيئا. وأما بدون ذلك فلا
يجوز في البيت والدار والدكان، بل ولا في الرحى والأرض على الأظهر، بل
الأحوط وجوبا عموم المنع لكل عين مستأجرة.
(مسألة 10): قيل: يجوز لمن استأجر عينا أن يؤجرها بغير جنس الأجرة
التي استأجرها بها، وإن كانت أكثر قيمة منها بحيث يكون له الربح في ذلك. لكنه
لا يخلو عن إشكال، بل الأظهر المنع في الأرض، والأحوط وجوبا المنع في
غيرها أيضا.
(مسألة 11): يجوز للمستأجر أن يؤجر بعض العين المستأجرة بأكثر من
نسبته من أجرة الكل، بل يجوز بتمام أجرة الكل من دون زيادة، فمن استأجر
دارا بألف دينار - مثلا - جاز له أن ينتفع بثلثيها بنفسه، ويؤجر ثلثها بألف دينار،
لا بأكثر.
(مسألة 12): يجوز لمن تقبل أرضا للزراعة أن يقبلها لغيره بأكثر مما
تقبلها به وإن لم يحدث فيها شيئا ولم يغرم، إذا كان ذلك بحصة مشاعة من
ثمرها، لا بمقدار معين، فمن تقبل أرضا مثلا على أن يدفع ربع حاصلها لمالكها
جاز له أن يقبلها لغيره بنصف حاصلها، فإذا أخذ النصف دفع منه ربعا للمالك
146

ويكون الربع الثاني ربحا له. ولا يجوز ذلك مع تحديد الأجرة بشئ معين،
كألف دينار.
(مسألة 13): من استؤجر لعمل - كخياطة ثوب وبناء دار - بأجر معين من
دون شرط المباشرة لا يجوز له أن يستأجر غيره عليه بأقل من ذلك الأجر، إلا أن
يعمل فيه شيئا، كتقطيع الثوب للخياطة وشق الأسس للبناء ونحو ذلك. وفي
كفاية الغرم من غير عمل إشكال، كما إذا دفع أجرة لنقل العين التي فيها العمل أو
لحراستها، إلا أن يكون العمل الذي يغرم لأجله من جملة العمل المستأجر عليه،
فيجوز حينئذ وإن حصل له ربح من ذلك.
وكذا يجوز إذا كان الثمن الأول مدفوعا بإزاء عين مع العمل والثاني
مدفوعا بإزاء العمل فقط، كما إذا استؤجر على الخياطة أو البناء أو غيرهما بثمن
معنى على أن عليه المواد اللازمة لانجاز العمل، فإنه يجوز له أن يستأجر غيره
على انجاز العمل وحده بأقل من ذلك الثمن على أن تكون المواد عليه لا على
ذلك الغير.
(مسألة 14): إذا استأجر عينا لمنفعة ما مدة معينة لا يحق أن يشغلها
بما من شأنه إشغاله فيها أكثر من تلك المدة، فمن استأجر أرضا للزرع لا يحق له
أن يزرع فيها ما يبقى أكثر من مدة الإجارة، ومن استأجر بيتا لا يحق له أن يعمل
فيه أو يحرز فيه ما لا يمكن تفريغه منه عند انقضاء مدة الإجارة، ولو فعل عامدا
كان متعديا في إبقاء ذلك الشئ، فيحق للمالك إجباره على أن يسلمه العين
المستأجرة غير مشغولة به، وإن استلزم الضرر عليه، ولا يجوز له الامتناع من
ذلك، إلا أن يرضي المالك بإشغال العين به ولو بثمن يتفقان عليه.
أما لو فعل ذلك غير عامد، فإن أمكن إزالته من دون لزم ضرر على
صاحبه لزم مع عدم رضا المالك بالابقاء ولو بثمن، وإن لزم عليه الضرر وجب
على المالك الرضا بالابقاء بأجرة ما لم يلزم الضرر على المالك أيضا، فيجب
على المستأجر إزالته مع عدم رضا المالك، كما إذا كان موجبا لنقص قيمة العين
وتعيبها عرفا.
وكذا الحال لو أشغل المستأجر العين بما من شأنه أن يفرغ منها عند
147

انقضاء مدة الإجارة فاتفق خلاف ذلك لطوارئ غير محتسبة، كما لو لم ينضج
الزرع لبرودة الهواء أو لقلة الماء.
(مسألة 15): إذا استأجر أرضا للزراعة فحصد الزرع عند انقضاء المدة
وبقيت أصوله فنبتت بعد ذلك، فإن كان قد أعرض عنها فهي لمن سبق إليها، بلا
فرق بين مالك الأرض وغيره، غاية الأمر أنه يحرم على الغير الدخول إلا بإذنه.
بل لو كان مرجع إعراض المستأجر عن أصول الزرع إلى تركها لمالك الأرض -
كما لعله الغالب - لم يجز لغيره تملكها.
هذا كله إذا كان الاعراض منه من الالتفات لاحتمال نباتها بعد ذلك، أو مع
الغفلة عنه وسبق صاحب الأرض أو غيره لتملكها قبل النبات. أما إذا كان غافلا
عن احتمال نباتها فنبتت قبل أن يسبق شخص لتملكها فلا يجوز لأحد تملكها
بل يجري عليها حكم المسألة الآتية.
(مسألة 16): إذا حصد مستأجر الأرض الزرع عند انقضاء مدة الإجارة
وأبقى الأصول له غير معرض عنها - عصيانا أو للبناء على قلعها فانشغل عن
ذلك - كان النبات له. نعم للمالك المطالبة بقلعها على التفصيل المتقدم في
المسألة (14). كما أن له المطالبة بأجرة المثل في جميع الصور المتقدمة إذا لم
تدخل في ملكه، وكان من شأنها أن تزال عند انتهاء مدة الإجارة.
(مسألة 17): إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص - من زمان أو مكان
أو آلة أو غيرها - فجاء به على خلاف الوجه الذي وقع الاتفاق عليه فله
صورتان..
الأولى: أن يتعذر العمل المستأجر عليه ولو لمضي المدة التي قيدت بها
الإجارة، وحينئذ تبطل الإجارة ولا يستحق الأجير شيئا، ثم إنه إذا كان العمل في
مادة خاصة - كما إذا استأجره على أن يخيط ثوبه قميصا فخاطه قباءا فإن نقصت
قيمتها بالعمل المذكور كان ضامنا للأرش، وإن زادت فإن كان قد تعمد ذلك فلا
شئ له في مقابل عمله، وإن كان قد أخطأ فالظاهر استحقاقه لنتيجة عمله في
العين فله الزيادة الحاصلة بسببه.
الثانية: أن لا يتعذر العمل المستأجر عليه، كالذهب يستأجر على صياغته
بوجه فيصوغه بوجه آخر مع بقاء مدة الإجارة، وحينئذ إن كان قد تعمد العمل
148

بالوجه الآخر لم تبطل الإجارة ووجب إعادة العمل على الوجه المستأجر عليه.
وكذا إذا كان قد أخطأ في ذلك ولم يكن العمل موجبا لزيادة القيمة، أما إذا كان
موجبا لزيادة القيمة فإعادة العمل جريا على مقتضى الإجارة مضر بالأجير، لأنه
يستلزم إتلاف نتيجة عمله فيكون المورد من تزاحم الحقوق ولا بد من التراضي
بينهما. ومع تشاحهما لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي.
(مسألة 18): إذا استأجره على عمل واشترط عليه شرطا زائدا على
العمل المستأجر عليه فجاء بالعمل وتخلف عن الشرط صحت الإجارة
واستحق الأجرة، وكان للمستأجر الفسخ والرجوع بالأجرة المسماة ودفع أجرة
المثل بدلها. وهكذا الحال في كل شرط في الإجارة، فإن تخلفه لا يوجب بطلان
الإجارة، بل يوجب الخيار لصاحب الشرط، فإذا فسخ لزم الرجوع لأجرة المثل.
(مسألة 19): الفرق بين القيد والشرط أن القيد يكون مضيقا للعمل
المستأجر عليه فلا ينطبق على فاقد القيد، ليقع به الوفاء بالإجارة، والشرط التزام
خارج عن العمل المستأجر عليه لا يقتضي قصوره عن صورة فقد الشرط، سواء
كان الشرط خارجا عن العمل المستأجر عليه، كما لو استأجره على الصلاة عن
الميت واشترط عليه أن يخيط ثوبه، أم متعلقا به، كما لو استأجره على الصلاة
عن الميت واشترط عليه التعجيل به زائدا على أصل العمل. غايته أن تمييز الأول
عن القيد أيسر من تمييز الثاني، بل يحتاج تمييز الثاني عن القيد إلى عناية لفظية
أو قرينة عرفية.
(مسألة 20): إذا استأجره على عمل خاص، فعجز ولم يكمله، كان له من
الأجرة قدر ما أتى به من العمل. أما إذا استأجره على نتيجة العمل غير القابلة
للتبعيض، كحضور موسم خاص - من حج أو عمرة أو زيارة أو سوق أو غيرها -
فأتم له المل من دون أن تترتب النتيجة المذكورة - بأن حضر بعد ذهاب الوقت
مثلا لزمهما الصلح والتراضي على دفع بعض الأجرة بنسبة قيمة السفر مثلا للمكان
المذكور من دون حصول النتيجة المذكورة نصف قيمته مع حصولها استحق
نصف الأجرة المسماة. نعم إذا لم يكن للعمل الفاقد للنتيجة قيمة لم يستحق
الأجير شيئا.
149

تتميم:
ليس لمستأجر العين أولوية الإجارة من غيره بعد انقضاء مدة الإجارة،
فإذا استأجر زيد من عمرو دارا أو محلا تجاريا أو سيارة سنة واحدة مثلا
فانقضت السنة كان لعمرو أخذ هذه الأعيان من زيد وإيجاره من غيره، وله أن
يعطله أو ينتفع به بنفسه، ويجب على المستأجر تسليمه. وما تعارف من أولوية
مستأجر المسكن أو المحل التجاري ليس أمرا شرعيا، بل أولوية عرفية، وقد
أكدها صعوبة الانتقال خصوصا من المحل التجاري.
(مسألة 1): نظرا للأولوية العرفية المتقدمة فقد تعارف سابقا بذل شئ
من المال للمستأجر من أجل أن يخطي المحل التجاري ويفسح المجال لدافع
المال كي يستأجره من المالك، وهذا المال المدفوع هو الذي كان يسمى
(سرقفلية) وهو في الحقيقة هدية مشروطة بالاخلاء لا يوجب حقا لدافعه في
الاستئجار لا في السنة الأولى ولا بعدها، بل لا بد في ذلك من مراجعة المالك،
ولا يكفي مراجعة المستأجر المدفوع له المال بعد عدم ثبوت حق له في العين
شرعا.
نع لو رضي المالك بأن يكون لدافع المال المذكور الأولوية في
الاستئجار في مقابل ما دفع ثبت له الحق في ذلك، لكن لا يكفي في ذلك رضا
المالك باستئجار الثاني بعد بذله المال للمستأجر الأول، بل لا بد فيه من عناية
خاصة واتفاق خاص يرجع إلى عقد أطرافه ثلاثة أشخاص المالك والمستأجر
ودافع المال، ويتضمن العقد المذكور التزام المالك بأن للدافع حقا في العين
يقتضي أولويته باستئجار في مقابل دفعه المال المذكور للمستأجر الأول من
أجل إخلائها.
(مسألة 2): تعارف في عصورنا أن يبذل من يريد استئجار المحل
التجاري أو المسكن مقدارا من المال مقدمة للاستئجار يسمى (سرقفلية)
أيضا. ويمكن أن يقع ذلك على وجهين..
الأول: أن يكون بذل المال من أجل تقديم الباذل على غيره ممن يريد
الاستئجار من دون أن يكون للدافع في مقابل المال المدفوع الأولوية والحق في
150

الاستئجار بعد ذلك، وحينئذ لا يكون للمستأجر المذكور في العين المستأجرة
حق شرعي، بل لا يكون له إلا الأولوية العرفية التي تقدم التعرض لها.
الثاني: أن يكون بذل المال في مقابل حق للباذل في العين المستأجرة
يقتضي أن يكون له الحق في استئجارها، وحينئذ لا يكون للمالك حق أخذ
العين منه، إلا أن يتنازل عن الحق المذكور مجانا أو بعوض.
(مسألة 3): الحق في الصورة الثانية من جملة المكاسب التي يملكها
المؤجر التي تكون موضوعا للخمس، كما سبق في كتاب الخمس. كما أنه
يورث، إلا أن يكون مقيدا عند العقد بمباشرة خصوص دافع المال، بخلاف
الحال في الصورة الأولى حيث لا موضوع فيها للإرث والخمس. نعم سبق في
كتاب الخمس أن المال المدفوع فيها يكون من مؤن التجارة المستثناة من
الأرباح.
(مسألة 4): لما كان الحق المذكور في الصورة الثانية مجعولا للمتعاقدين
فعمومه وخصوصه تابع لنحو الاتفاق بينهما، فإذا اتفق على أن للمستأجر بذله
لغيره بعوض أو مجانا جاز ذلك له ونفذ قهرا على المالك، وإلا لم يجز له بذله
إلا بإذن المالك.
(مسألة 5): الحق المذكور في الصورة الثانية يختص بما إذا حضر
المستأجر - الباذل للمال - للاستئجار في السنين اللاحقة وبذل الأجرة، ولا يعم
ما إذا لم يفعل ذلك، ولو قهرا لحبس أو تشريد، بل يجوز للمالك حينئذ الانتفاع
بالمحل بنفسه وإيجاره على غيره من دون بذل شئ للمستأجر الباذل للمال، إلا
أن يتفقا على ثبوت الحق المذكور بنحو يقتضي ضمانه بالقيمة المدفوعة أو
بقيمة المثل عند إرادة استيفاء منفعة العين وتعذر مراجعة صاحب الحق. وهو
يحتاج إلى عناية خاصة وتنبيه لا يبتني عليه طبيعة الحق ارتكازا.
(مسألة 6): للمالك عند انتهاء مدة الإجارة وإرادة تجديدها أن يزيد على
الأجرة السابقة، سواء كان للمستأجر حق السرقفلية المتقدم أم لم يكن، إلا أن
يتفق المؤجر والمستأجر ويشترطا في عقد الإجارة أو في عقد آخر تحديد
الأجرة أو تبعيتها للقوانين الوضعية المفروضة في البلد، فيلزم الشرط ويجب
العمل عليه.
151

خاتمة: في بقية وجوه استيفاء المنفعة بالأجر
استيفاء المنفعة بالأجر لا يختص بالإجارة، بل له وجوه أخرى جرى
العرف والعقلاء على العمل عليها، وهي تشارك الإجارة في اشتراط حلية
المنفعة والأجرة، على الضوابط المتقدمة في المكاسب المحرمة. وتختص
الإجارة من بينها بأنها من العقود، حيث تتضمن المعاوضة وتمليك المنفعة
بالأجر بمجرد وقوع المعاملة قبل استيفاء المنفعة، كما تقدم في الفصل الأول.
ولذا كان لكل من الطرفين المطالبة بما ملك، وعلى كل منهما تسليم ما ملك وفاء
بالعقد اللازم، كما تقدم أيضا.
وهذا بخلاف الوجوه الأخر، فإنها إنما تقتضي ملكية الأجر بعد استيفاء
المنفعة من دون أن تقتضي ملكية المنفعة، ولا ملكية الأجرة قبل استيفائها، ولذا
لا يكون لكل من الطرفين المطالبة بشئ قبل الاستيفاء، وإنما يحق لمن
استوفيت المنفعة منه المطالبة بعد استيفائها بالأجر.
إذا عرفت هذ، فالمناسب التعرض لتلك الوجوه في ضمن مبحثين..
152

المبحث الأول
في الاستيفاء والإباحة بالضمان
كل من طلب من غيره عملا أو منفعة لهما مالية عرفا فوفاه ما طلب كان
عليه لمن استوفى منه أجر تلك المنفعة أو العمل، كما إذا قال المريض للطبيب:
داوني، أو قال الماشي لصاحب الدابة أو السيارة: احملني: أو قال صاحب الثوب
للخياط: خط لي هذا الثوب، أو قال طالب المتاع للدلال: اشتر لي المتاع الفلاني،
أو قال الطارق لصاحب البيت: دعني أنام فيه لي غير ذلك، فإنه إذا استجاب
المطلوب منه للطالب فاستوفى الطالب منه ما طلب كان عليه أجرة العمل أو
المنفعة التي استوفاها.
(مسألة 1): لا بد في لزوم الأجر من كون الطالب للعمل نافذ التصرف،
فلو كان محجورا عليه بصغر أو جنون أو سفه فلا أجر عليه إن علم العامل بحاله،
وإلا فلا يخلو الأمر عن إشكال، ويحتمل لزوم أقل الأمرين من الأجر المعين
وأجرة المثل، فالأحوط وجوبا التصالح مع الولي.
(مسألة 2): إذا علم المطلوب منه أن الطالب يريد العمل أو المنفعة مجانا
فأدى له ما طلب لم يكن له أجر، وكذا إذا ظهر له من حاله ذلك بقرائن حالية أو
مقالية. نعم لو غفل عنها استحق الأجر واقعا، وتوقف استحقاقه له ظاهرا على
اثبات غفلته.
(مسألة 3): قد يعلم المطلوب منه من حال الطالب أنه يريد منه العمل
تبرعا وبلا أجر، فلا يرضى في نفسه بذلك، ولا يهون عليه تنبيهه إلى ذلك
خجلا منه، أو خوفا من أن يترك التعامل معه فيكون أضر عليه، فيكتم ما في
نفسه ويعمل له بقصد الأجر، ويعمد للتحايل في تحصيل الأجر له، فمثلا يقول
153

زيد لعمرو: اشتر لي البضاعة الفلانية، قاصدا الشراء له مجانا من دون أن يدفع له
دلالية، فإذا لم يعجب عمرا ذلك تحايل في أخذ الدلالية منه بأحد وجهين..
الأول: أن يأخذ منه الدلالية بإضافتها للثمن مع إيهام أن الثمن هو
المجموع.
الثاني: أن يتفق مع البايع على زيادة الثمن من أجل أن يدفع الدلالية له.
لكن الأول سرقة محرمة، والثاني مخالف لقصد المشتري الذي وكله، لأن
مطلوبه منه تحري أرخص الأثمان، ثقة به واعتقادا بأنه لا يأخذ لنفسه شيئا، فلا
يكون الشراء بالثمن المذكور مأذونا فيه ويخرج عن شرط وكالته فيبطل الشراء،
ولا يستحق البايع الثمن كما لا يستحق هو الدلالية.
وقد يلجأ بعضهم إلى أن يأخذ المشتري للبايع مع اتفاق مسبق مع البايع
أن يزيد في الثمن من أجل الدلالية، فيخبر البايع المشتري بالثمن الأكثر،
فيرضى به ثقة بصاحبه الذي أرشده للبايع المذكور، لتخيل أنه أرشده لصاحب
الثمن الأقل. وهذا الطريق وإن لم يستلزم بطلان البيع، إلا أنه يبتني على خيانة
صاحبه - الذي ائتمنه واسترشده - وغشه، وذلك من أعظم المحرمات، فاللازم
اجتناب هذه الطرق الملتوية وأمثالها، وسلوك الطرق الواضحة الصريحة تجنبا
للحرام وليطيب المكسب ويهنأ.
(مسألة 4): إذا تعارف دفع البايع الدلالية في المسألة السابقة من دون
حاجة إلى اتفاق خاص بينه وبين الوسيط، بحيث يكون السعر الذي يطلبه هو
السعر الطبيعي، ولم يكن هناك بايع آخر بدون الثمن الذي يطلبه جاز للوسيط
الشراء لمن طلب منه بالثمن الذي يعينه البايع المذكور، وحل له أخذ الدلالية،
ولا يجب عليه حينئذ تنبيه المشتري الذي طلب منه التوسط ولا إعطاء الدلالية
له، كما لا يجب عليه التنازل عن الدلالية وعدم أخذها من البايع من أجل أن
ينقص الثمن لصالح المشتري الذي استعان به واستنصحه، لعدم كونه غاشا له
حينئذ بعد جريه على النحو المتعارف من دون التواء وتحايل.
(مسألة 5): إذا أدى المطلوب منه ما طلب بقصد التبرع والمجانية لم
يستحق شيئا. ولو دفع له الأجر لم يستحقه، فليس له أخذه إلا إذا قصد الدافع
154

الهدية لا الأجر، ولو أعلمه بالحال فأصر على دفع الأجر فالظاهر جواز أخذه له،
لظهور حاله عرفا في إجازته له أن يأخذه بعنوان الهدية.
(مسألة 6): إذا كان المطلوب منه محجورا عليه بصغر أو جنون أو سفه لم
ينفع قصد التبرع منه أو من الطالب في سقوط الأجر، بل يتعين ثبوت أجر المثل
له. نعم إذا رأى وليه صلاحه في العمل تبرعا جاز له أن يأذن في ذلك فلا يثبت
الأجر. ويكفي استفادة إذنه من شاهد الحال.
(مسألة 7): إذا ابتنى طلب المنفعة وأداؤها على أجر معين بين الطرفين
لزم، كما إذا اتفقا بوجه خاص على مقدار الأجر مسبقا، وكما إذا أعلن العامل
بوجه عام أجرا خاصا لعمله، كالطبيب يكتب أجر المعاينة في عيادته، وصاحب
الفندق يكتب أجر المبيت، وسائق السيارة يكتب أو يعلن عن أجرة السيارة.
(مسألة 8): لا يعتبر علم كلا الطرفين بمقدار الأجر، بل يكفي رضاهما
بالأجر المعلن المعين إجمالا وإن جهله أحدهما أو كلاهما تفصيلا.
(مسألة 9): إذا علم أحدهما بقصد الآخر أجرا معينا ولم يعرف مقداره
فليس له قصد غيره، بل لا بد إما من الرضا به على إجماله فيلزم به، أو التوقف
عن بذل المنفعة أو استيفائها. ولو أقدم حينئذ من دون أن ينبه صاحبه على عدم
الرضا به ألزم بما قصده صاحبه. وكذا الحال إذا علم بما قصده صاحبه تفصيلا،
فإنه ليس له إلا الرضا به فيلزمه، أو التوقف.
(مسألة 10): إذا قصد كل منهما غير ما قصده الآخر بتخيل أن ذلك هو
الأجر المطلوب فهناك صور:
الأولى: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل أجرة المثل أو ما زاد عليها
ويقصد المستوفي ما نقص عنها.
الثانية: أن يقصد المستوفي أجرة المثل ويقصد صاحب العمل أو المنفعة
ما زاد عليها.
واللازم في هاتين الصورتين أجرة المثل.
الثالثة: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل ما نقص عن أجرة المثل
ويقصد المستوفي ما دونه أو ما فوقه، مساويا لأجرة المثل أو زائدا عليها. وفي
155

وجوب ما قصده صاحب المنفعة أو العمل أو وجوب أجرة المثل حينئذ
إشكال، والأحوط وجوبا التصالح بينهما.
الرابعة: أن يقصد كل منهما ما زاد على أجرة المثل. وفي وجوب أقل
الأمرين مما قصده كل منهما أو وجوب أجرة المثل حينئذ إشكال أيضا،
والأحوط وجوبا التصالح.
(مسألة 11): إذا لم يبتن طلب المنفعة وأداؤها على التبرع لكن لم يعين
الطر فإن أجرا خاصا وجبت أجرة المثل. نعم يكره استعمال الأجير من دون
تحديد أجرته.
(مسألة 12): إذا كان أحد الطرفين محجورا عليه لصغر أو غيره فلا عبرة
بتعيينه، إلا أن يحرز إذن وليه له في ذلك. فلو استوفيت المنفعة من دون ذلك،
فإن كان المحجور عليه هو المستوفي للمنفعة لم يكن عليه أجر، وإن كان هو
صاحبها فهل اللازم أجرة المثل، أو أكثر الأمرين منها ومما أقدم عليه المستوفى؟
وجهان، والأحوط وجوبا التصالح والتراضي بينهما.
(مسألة 13): المعاملة المذكورة ليست عقدا، فيجوز الرجوع فيها ما لم
تستوف المنفعة ويثبت الضمان. نعم إذا تعارف عدم الرجوع في أثناء استيفاء
المنفعة كان الشروع في استيفائها برضاهما معا راجعا إلى التزام كل منهما للآخر
بالمضي فيما شرعا فيه، فيلتزم صاحب المنفعة للمستوفي بالاستمرار في بذل
المنفعة حتى تكمل في مقابل تمام الأجر، ويلتزم المستوفي لصاحب المنفعة
بتمام الأجر لو بقي على بذله، فتكون المعاملة نحوا من الصلح، وعقدا خاصا
اتفق عليه الطرفان ضمنا وإن لم يصرح به لفظا.
(مسألة 14): كما أنه قد يطلب الشخص استيفاء المنفعة فيجري فيه ما
تقدم، كذلك قد يبيح صاحب المنفعة استيفاءها بثمن معين، فيلزم الثمن
المذكور على كل من استوفاها، كأن يأذن صاحب الكراج بجعل السيارة فيه،
وصاحب الخان بالمبيت فيه، وصاحب الحمام بالغسل فيه، وصاحب السيارة
العامة بالركوب فيها، وغير ذلك. وليس ذلك من الإجارة في شئ، كما أنه ليس
من العقود ما لم يبتن على الالزام والالتزام بأن يتعارف عدم الرجوع في الأثناء،
156

بحيث لا يحق لأحدهما العدول عما شرعا فيه، نظير ما تقدم في المسألة السابقة
(مسألة 15): الظاهر جريان نظير ما سبق في الأعيان المملوكة، فمن
طلب من أحد طعاما فأكله كان عليه مع عدم قصد المجانية من الطرفين قيمة
المثل، إلا مع تعيين قيمة خاصة فتلزم، وإن لم تكن معلومة تفصيلا. وكذا من
بذل طعامه وأباحه بالضمان كان له قيمة المثل، أو القيمة التي عينها على من
يأكل الطعام أو يتصرف فيه التصرف المانع من الانتفاع به على الوجه المطلوب،
كما هو الشايع في المطاعم العامة ونحوها. ولا يكون ذلك بيعا ليكون مشروطا
بشروطه، بل هو استيفاء بالضمان أو إباحة بالضمان. وتجري فيه الفروع
المتقدمة في العمل والمنفعة.
157

المبحث الثاني
في الجعالة
وهي عبارة عن التزام الانسان بجعل مال لغيره على عمل يقوم به بحيث
يكون المال جعلا على العمل وعوضا عنه. أما الوعد بدفع المال هدية لمن يقوم
بالعمل، من دون أن يكون عوضا عنه وجعلا عليه فهو وعد مجرد لا يجب
الوفاء به.
(مسألة 16): الجعالة من الايقاعات، فيكفي فيها الايجاب ممن يريد
العمل و يحث عليه، ولا تحتاج إلى القبول. وإيجابها على نحوين: خاص وعام،
فالأول كما إذا قال لشخص: إن خطت ثوبي فلك درهم، وإن كنست المسجد
فلك دينار، والثاني كما إذا أعلن صاحب الضالة عن جعل شئ من المال لمن
ردها عليه، أو أعلن من يهمه أمر البلد عن جعل شئ من المال لمن يرد عن
البلد عادية حيوان أو سيل أو عدو أو نحو ذلك.
(مسألة 17): يعتبر في الجاعل أن يكون نافذ التصرف غير محجور عليه
لصغر أو جنون أو سفه، وإلا احتاج نفوذ الجعالة منه لإذن الولي. وبدون ذلك
تبطل الجعالة، ولا يستحق العامل شيئا. نعم إذا أمر بالعمل ولم يقتصر على جعل
الجعل جرى ما تقدم في المبحث الأول.
(مسألة 18): لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فإذا لم يكن نافذ
التصرف وجاء بالعمل استحق الجعل. بل إذا كان الجاعل قد أمره بالعمل ولم
يقتصر على جعل الجعل واندفع في العمل عن أمره استحق أكثر الأمرين من
الجعل وأجرة المثل.
(مسألة 19): لا يعتبر انتفاع الجاعل بالعمل، بل يكفي رغبته في تحصيله
لمصلحة غيره، كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله كذا. بل حتى لو كان لمصلحة
158

العامل نفسه، كما إذا قال: إن غسلت ثوبك فلك كذا.
(مسألة 20): لا يعتبر في العمل أن يكون معلوما من حيثية الكثرة والقلة
والمشقة والسهولة وغير ذلك مما يوجب اختلاف المالية أو الرغبة، بل يكفي
تحديده بنحو ينضبط. وكذا الحال في الجعل فتصح مع جهالته، كما لو قال: من
رد دابتي فله ما في هذه الصرة. بل تصح مع تردد الجعل بين أمرين، كما لو قال:
من رد دابتي فله أحد هذين الثوبين، لكن لا بد من انضباطه في الجملة بجعل
طريق لتعيين أحدهما، كالقرعة أو اختيار الجاعل أو المجعول له أو نحو ذلك.
(مسألة 21): لا بد في استحقاق العامل للجعل من ابتناء عمله على
الجعالة، بحيث يقصد به استحقاق الجعل، فلو قام بالعمل جاهلا بها أو غافلا
عنها لم يستحق شيئا، وإن كان بأمل إحسان الجاعل. وكذا لو كان عالما بها إلا أنه
قصد التبرع بعمله.
(مسألة 22): يجوز للجاعل الرجوع بالجعالة قبل شروع العامل في
العمل وفي مقدماته. وفي جواز رجوعه بعد شروعه في المقدمات قبل البدأ
بالعمل إشكال، كما لو قال: من رد دابتي فله كذا، فسافر العامل من أجل العثور
عليها. وكذا بعد الشروع في العمل قبل إكماله إذا كان الجعل مبنيا على
الارتباطية، وأما إذا كان مبنيا على الانحلال فله الرجوع، ويستحق العامل من
الأجر بنسبة عمله.
(مسألة 23): يجوز للمجعول له الرجوع بعد الشروع في مقدمات
العمل، بل بعد الشروع في العمل نفسه، إلا أن يتعارف عدم الرجوع حينئذ،
فيجري ما تقدم في المسألة (13).
(مسألة 24): إذا اشترك في العمل المجعول عليه الجعل أكثر من واحد
اشتركوا في الجعل بالنسبة. وإن قام به كل منهم بنحو الاستقلال - كما لو قال: من
صلى عن أبي صلاة الظهر فله كذا، فصلاها جماعة - فإن كان الجعل على
الوجود الواحد كان الجعل لمن سبق في إكمال العمل، وإن تقارنوا في ذلك
اشتركوا في الجعل، وإن كان الجعل على كل وجود بنحو الانحلال بأن كان
المراد تعدد الجعل بتعدد العمل استحق كل منهم جعلا.
والحمد لله رب العالمين.
159

كتاب المضاربة
المضاربة عبارة عن معاملة خاصة بين صاحب المال وشخص آخر تبتني
على اتجار ذلك الشخص بالمال على أن يكون له شئ من الربح.
(مسألة 1): لا بد في المضاربة من بقاء المال على ملك صاحبه وعدم
تملك العامل له من المالك، فيكون العامل بمنزلة الوكيل على المال يبيع به
ويشتري لصاحبه، بحيث يكون من شأن الربح أن يكون بتمامه لصاحب المال،
لأنه ربح ماله، لولا أن العامل بسبب عمله يستحق بعضه.
وليس من المضاربة ما إذا دفع المالك المال للتاجر على أن يخرج عن
ملكه ويصير للتاجر مع انشغال ذمته بمثله، وحينئذ يعمل التاجر به كما يعمل
بماله يبيع ويشتري به لنفسه، ويربح لنفسه، غايته أنه يجعل لمن أخذ منه المال
بعضا من الربح لأنه انتفع بماله، بل المعاملة المذكورة قرض ربوي محرم.
ولا يكفي في جعلها مضاربة - مع خروج المال عن ملك الدافع -
اشتراط تحمل دافع المال للخسارة، بل لا بد مع ذلك من بقاء المال على ملك
مالكه الأول وكون التاجر بمنزلة الوكيل، كما ذكرنا.
وقد شاع في عصرنا دفع الانسان ماله لمن يعمل به على أن يعطيه شيئا
من الربح باسم المضاربة، والظاهر رجوعه للقرض الربوي، وليس له من
المضاربة إلا الاسم، غفلة عن الضابط المتقدم للمعاملتين، فاللازم التنبه لذلك
والحذر من التورط في الحرام.
(مسألة 2): المضاربة من العقود، فلا بد فيها من الايجاب والقبول، ولا
يعتبر فيها اللفظ، بل يكفي كل ما يدل على ذلك، ولو مثل دفع المال للشخص
وأخذه له بعنوان المضاربة.
(مسألة 3): يعتبر في المتعاقدين - وهما صاحب المال والعامل - نفوذ
التصرف وعدم الحجر لصغر أو جنون أو سفه، ولا تصح بدون ذلك إلا بإذن
161

الولي.
ولو وقع العدق بدون ذلك وعمل العامل، فإن كان المحجور عليه هو
المالك كان له تمام الربح وليس للعامل شئ إن علم بالحال، وإن جهله أو جهل
عدم نفوذ المضاربة حينئذ فلا يخلو الأمر عن إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي
بينهما. وإن كان المحجور عليه هو العامل كان له أجرة المثل.
(مسألة 4): لا يعتبر في مال المضاربة أن يكون من الدنانير والدراهم التي
هي عبارة عن الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة، بل تصح بجميع
النقود وإن كانت ورقية. بل تصح حتى بالأعيان إذا ابتنت المعاملة على حفظ
رأس المال بمثله، كما لو دفع إليه ألف مثقال من الذهب - مثلا - ليتجر بها بالبيع
والشراء بنسبة من الربح على أن يحسب الربح بعد حفظ الألف مثقال من
الذهب بمثلها، بل تصح بالأعيان حتى لو دفع إليه بضاعة خاصة واتفقا على أن
ثمنها ألف دينار تكون هي رأس المال، أو على أنها تباع وما يحصل من ثمنه هو
رأس المال.
(مسألة 5): الظاهر صحة المعاملة على المنفعة وإن لم تكن مضاربة بأن
يجعل لها قسطا من الربح، كما لو دفع لشخص شبكة ليصيد بها ويكون الصيد
بينهما، أو سيارة لينقل بها ويكون الوارد بينهما. بل قد تكون المعاملة على
المنفعة والمال معا، كما لو دفع شخص معملا وآخر مالا لشخص ثالث عن أن
يستغل المال لانتاج المعمل ويكون الربح بينهم.
(مسألة 6): إذا كان المال دينا في ذمة شخص لم يصح لمالكه المضاربة
عليه معه قبل قبضه، ولو ضاربه عليه بطل العقد، فلو عمل به حينئذ كان الربح
بتمامه للعامل وبقي الدين في ذمته.
نعم، لو كان وكيلا في تعيينه وعزله وقبضه عن المالك، ففعل ذلك ثم
عمل به كان الربح بتمامه للمالك، وعليه للعامل أجرة المثل لعمله، وبرئ العامل
من الدين.
ولا تقع المضاربة إلا أن يوكله في إيقاع عقد المضاربة في المال بعد عزله
وقبضه عنه، بأن يتولى طرفي العقد معا، فإنه لو فعل ذلك حينئذ صحت
162

المضاربة وكان الربح بينهما على النحو الذي يتفقان عليه.
(مسألة 7): إذا كان المال دينا في ذمة شخص فضارب الدائن به شخصا
آخر فالظاهر صحة المضاربة به معه وإن لم يقبض ممن عليه.
(مسألة 8): الأحوط وجوبا في مال المضاربة أن يكون معينا، فلا
يضارب بأحد مالين مرددا من دون تعيين. نعم لا يعتبر فيه أن يكون معلوما حين
العقد، فتصح المضاربة على المال المعين وإن كان مجهولا جنسا أو قدرا، نعم
لا بد من معرفة مقداره قبل الاسترباح به ليعلم مقدار الربح.
(مسألة 9): الظاهر توقف صدق المضاربة على المعاملة على ما إذا كان
الربح بينهما بنحو الإشاعة بنسبة معينة كالنصف أو الثلث أو الربع. أما لو اشترط
العامل مقدارا معينا كألف دينار، فإن رجع إلى استحقاق ذلك على كل حال في
ذمة المالك وإن لم يف الربح به صحت المعاملة بلا إشكال مع تعيين مدة
العمل، لكن لا تكون مضاربة، بل إجارة على العمل بالمال وكالة عن المالك،
وإن رجع إلى استحقاقه من الربح على تقدير وفائه به، بحيث لو لم يف به كان
أجره دون ذلك أو لا أجر له، فالظاهر صحتها أيضا، لكن لا تكون مضاربة ولا
إجارة، بل معاملة خاصة خارجة عنهما. وأما لو اشترط المالك مقدارا معينا فلا
تصح مضاربة، بل إن رجع ذلك إلى استحقاقه المقدار المعين على كل حال وإن
لم يف به الربح بطلت المعاملة، وحينئذ لو عمل العامل بالمال كان له على
المالك أجرة المثل والربح بتمامه للمالك، وإن رجع إلى استحقاقه ذلك من
الربح على تقدير وفائه به صحت المعاملة، ولم تكن مضاربة.
(مسألة 10): لا بد في صحة المضاربة من قدرة العامل على الاتجار
بالوجه المجعول فيها، فلا تصح مع عجزه، ولو تحدد العجز بطلت.
(مسألة 11): يجوز في المضاربة الواحدة تعدد العامل على أن تكون
الحصة بين العمال بالسوية أو بالتفاضل، كما يجوز فيها تعدد المالك، بأن يكون
المال مشتركا بين مالكين أو أكثر ويعمل فيه غيرهما بحصة من ربحه وللمالكين
الباقي منه بالسوية أو بالتفاضل أيضا.
(مسألة 12): يجوز مع تعدد المضاربة ابتناء كل مضاربة على الشركة بين
المالين، بأن يأخذ العامل مال من كل شخص على أن له أن يخلطه بالمال
163

المأخوذ من الآخر، ويعمل فيهما معا بنحو الشركة.
(مسألة 13): مقتضى إطلاق عقد المضاربة دفع المال للعامل بحيث
يكون تحت يده، لكن يمكن الخروج عن ذلك بأن يشترطا بقاء المال تحت يد
المالك.
(مسألة 14): مقتضى إطلاق المضاربة جواز فسخ كل من المالك
والعامل لها متى شاء، وحينئذ تبطل بموت أحدهما، وبطروء ما يمنع من
استقلاله بالتصرف كالجنون والسفه.
(مسألة 15): إذا حددت المضاربة بأجل خاص، فإن كان المراد بذلك
مجرد عدم جواز الاتجار بالمال بعد الأجل بقي لكل منهما حق الفسخ قبل
الأجل، وإن كان المراد به - زائدا على ذلك - لزوم البقاء عليها في الأجل
المذكور لزمت في ذلك الأجل، ولم يكن لأحدهما أن يستقل بالفسخ قبله، إلا أن
يتفقا معا عليه، من دون فرق بين التصريح بالأجل، وابتناء المضاربة عليه ضمنا
لقرينة حاليه من عرف أو عادة أو غيرهما، حيث كثيرا ما يتعارف إرادة موسم
خاص أو سوق خاص، وإن لم ينضبط مدة بالشهور والأيام، وحينئذ لا تبطل
بموت المالك ولا بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف قبل الأجل، وتبطل
بموت العامل وبطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف إذا أوجب عجزه عن
الاتجار بالمال.
(مسألة 16): يجب على العامل أن يقتصر على التصرف المأذون فيه،
فإذا عين المالك نوعا من البضاعة أو وقتا للعمل أو مكانا خاصا أو سعرا معينا أو
نحو ذلك لزم العمل به، فإن خالف ضمن رأس المال، وإن كانت المعاملة
والواقعة منه صحيحة ويكون الربح بينهما.
(مسألة 17): الظاهر من إطلاق المضاربة إيكال التصرف فيها لنظر
العامل، من حيثية السفر بالمال وعدمه، والبيع بالنقد والنسيئة، وكيفية حفظ
المال، وكيفية الاسترباح به، وغير ذلك. فاللازم عليه تحري الأقرب لحفظ المال
وحصول الربح بالنحو المتعارف، وإلا كان مفرطا معتديا ضامنا، كما يأتي.
(مسألة 18): الظاهر أنه ليس للمالك بعد تمامية عقد المضاربة أن
يشترط شيئا خارجا عن مقتضى العقد، إلا أن يرجع إلى فسخ العقد وتجديده
164

على طبق الشرط فيتوقف على أن يكون له الفسخ.
(مسألة 19): مقتضى ظاهر إطلاق المضاربة أن جميع النفقات التي
يحتاج إليها لحفظ المال وصلاحه وللاسترباح به على مال المضاربة، ولا
يتحمله العامل ولا المالك من غير مال المضاربة. نعم لو اشترط خلاف ذلك كان
العمل على الشرط.
(مسألة 20): إذا احتاجت المضاربة لسفر العامل كانت نفقته من رأس
المال. وإذا فسخت المضاربة في أثناء السفر، فمع اشتراطهما ولو ضمنا وقوع
نفقة الرجوع على مال المضاربة أو عدمه يعمل بالشرط، ومع عدم الشرط ففي
التحمل وعدمه إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الطرفين.
(مسألة 21): لا إشكال في انجبار الخسارة بالربح الحاصل في المضاربة،
فلا يثبت للعامل شئ من الربح إلا بعد تدارك الخسارة، سواء كانت سابقة على
الربح أم لاحقة له، فإذا خسرت المضاربة في بعض المعاملات مائة، وربحت في
أخرى مائتين فحصة العامل تثبت في خصوص مائة من الربح المذكور، لا في
تمامه. كما أن الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل في مال المضاربة بعد دورانه في
التجارة إذا كان من توابع التجارة وشؤونها - كخطأ الحساب وعدم وفاء بعض
الغرماء وتلف البضاعة بسبب النقل ونحو ذلك - وعدم جبره للتلف ونحوه إذا
كان قبل الشروع في التجارة ولم يكن من شؤونها وتوابعها، كما إذا سرق بعض
المال أو عطب. وأما إذا وقع التلف المذكور بعد الشروع في التجارة ففي جبر
الربح له إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بينهما. نعم لو اشترط أحد الأمرين
صريحا أو ضمنا كان العمل عليه.
(مسألة 22): يملك العامل الحصة بظهور الربح، ولا يتوقف على
إنضاض البضاعة الذي هو عبارة عن بيعها بالنقد، وحينئذ يملك العامل من تمام
الموجود من البضاعة والنقد بالنسبة، لكن الملك المذكور لا يستقر، إلا مع عدم
تجدد الخسارة أو التلف، وإلا كان الربح جابرا لهما، على ما تقدم في المسألة
السابقة.
(مسألة 23): الربح وإن كان جابرا للخسارة كما سبق، إلا أن أمد الانجبار
تابع لما يتفقان عليه حين العقد صريحا أو ضمنا ولو بسبب عرف أو عادة، فإذا
165

اتفقا على تمييز حق كل منهما كل سنة - مثلا - كان الانجبار مختصا بما يقع في
السنة الواحدة، وإذا اتفقا على تمييز حق كل منهما لكل بضاعة كان الانجبار
مختصا بما يقع فيها. وإذا أغفلا هذه الجهة كان ظاهرهما الانجبار في تمام مدة
بقاء المضاربة، فمع عدم تحديد أمدها يجوز لكل منهما فسخا في أي وقت
شاء - كما سبق - فيستقر الربح بفسخها، ومع أخذ أجل خاص فيها لا يستقر
الربح إلا بمضي الأجل، إلا أن يتفقا معا بعد ذلك على الفسخ قبله فيستقر الربح
بذلك.
(مسألة 24): لا يضمن العامل تلف مال المضاربة ولا يتحمل الخسارة
الطارئة عليه، إلا أن يخالف ما عينه له المالك، أو يكون معتديا خارجا عن
مقتضى وظيفته المتقدمة في المسألة (17) إذا كان التلف والخسارة مسببين عن
مخالفة المالك أو عن التعدي، وأما إذا لم يكونا مسببين عنهما فالظاهر عدم
الضمان مع التعدي. وفي الضمان مع المخالفة إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي
بينهما.
(مسألة 25): ليس للمالك أن يشترط على العامل المضارب الضمان عند
تلف رأس المال أو طروء الخسارة عليه من دون تفريط، ولو اشترط ذلك كانت
المضاربة بحكم القرض، فليس له إلا رأس ماله ولا يستحق من الربح شيئا، بل
يختص به العامل، من دون فرق بين اشتراط الضمان رأسا واشتراط تدارك
الخسارة إن حصلت.
(مسألة 26): إذا أخذ العامل مال المضاربة ولم يتجر به تسامحا وخروجا
عن مقتضى وظيفته كان ضامنا له إن تلف، إلا أن يكون ذلك بإذن المالك. نعم إذا
لم يبتن الاتفاق بينهما على إلزام العامل بالعمل، بل على مجرد جعل الحصة من
الربح له على تقدير العمل إن أراده لم يكن مفرطا بترك العمل، والظاهر خروج
ذلك عن المضاربة ودخوله في الجعالة، لكنه يشارك المضاربة في حكم اشتراط
الضمان المتقدم في المسألة السابقة.
(مسألة 27): لا يصح للمالك أن يشتري من مال المضاربة، لأن بعضه أو
تمامه ملك له، ولا يشتري الانسان من نفسه، إلا أن يريد بالشراء محض تبديل
مال المضاربة بالثمن، ليكون الثمن مالا للمضاربة بدلا عنه، فيصح حينئذ،
166

ويترتب على الثمن آثار مال المضاربة.
(مسألة 28): إذا مات العامل قبل تسليم مال المضاربة فهنا صور..
الصورة الأولى: أن يعلم بعدم وجود مال المضاربة، فإن علم بضمانه له
- لتعديه عليه - كان المالك كسائر الغرماء يضرب معهم بحيث لو قصرت
التركة لحقه النقص مثلهم، ويكون مثلهم مقدما على الورثة، وإن لم يعلم بضمان
العامل فلا شئ للمالك.
الصورة الثانية: أن يعلم بوجود مال المضاربة، وحينئذ..
تارة: يعلم بوجوده في ضمن التركة الظاهرة التي تصل إليها يد الوارث.
وأخرى: يعلم بخروجه عنها.
وثالثة: يشك في وجوده فيها أو خروجه عنها.
ففي الأولى يستحق المالك عين المال مع تميزه، وأما مع عدم تميزه ففي
استحقاقه تمام مقدار المال من التركة مقدما على الغرماء، أو كونه كبقية الغرماء
وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه وبينهم. وفي الثانية إن علم بضمان العامل
للمال - لتفريطه فيه، ولو بعدم إخباره عنه - يكون المالك أسوة الغرماء، وإن
علم بعدم ضمان العامل للمال فلا شئ للمالك، بل تكون التركة بتمامها للورثة
بعد وفاء الديون، وإن شك في ضمانه له ففي كونه أسوة الغرماء في التركة أو
عدم استحقاقه شيئا وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه وبين الورثة
والغرماء. وفي الثالثة إن علم بضمان العامل للمال كان المالك أسوة للغرماء، وإن
لم يعلم بضمان العامل ففي عدم استحقاق المالك شيئا، أو كونه أسوة الغرماء
وجهان، والأحوط وجوبا التراضي بينه وبين الغرماء والورثة.
الصورة الثالثة: أن يشك في وجود مال المضاربة، فحكمها حكم
الفرض الثالث من الصورة الثانية.
(مسألة 29): يكره مضاربة الذمي، بل مطلق الكافر.
167

كتاب المزارعة والمساقاة
والكلام فيه في ضمن مباحث..
المبحث الأول
في المزارعة
وهي معاملة خاصة بين صاحب الأرض وشخص آخر تبتني على قيام
ذلك الشخص بزراعة الأرض في مقابل حصة من حاصلها. ويعتبر فيها أمور..
الأول: أن يكون الحاصل بينهما ولا يختص به أحدهما.
(مسألة 1): لو اتفقا على أن يكون الحاصل بتمامه لأحدهما صح العقد
ولم يقع مزارعة، كما إذا كان غرض مالك الأرض أن يزرع أرضه بنوع من الزرع
لسحب أملاحها مثلا لا من أجل أن ينتفع بحاصلها فلم يجد من يرضى بذلك
إلا بتمام الحاصل مع كون البذر منه أو من مالك الأرض، أو كان غرض العامل أن
يتمرن على الزراعة فلم يجد من يأذن له في العمل في أرضه إلا مجانا على أن لا
يترك العمل قبل بلوغ الزرع.
الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة، كما إذا كانت
حصة العامل الربع أو النصف أو الثلث أو نحو ذلك، والباقي للمالك. فلو اشترط
أحدهما مقدارا معينا - كعشرة أطنان - والباقي للآخر لم يصح العقد مزارعة ولا
غيرها. وكذا إذا اشترط لأحدهما نوع من النماء وللآخر نوع آخر، كما لو زارعه
على أن له الحنطة وللعامل الشعير، أو على أن له حاصل بعض معين من الأرض
وللعامل حاصل بعض آخر منها. نعم لا بأس بإجارة العامل الأرض بشئ معلوم
من النقد أو غيره، لكن تقدم في مسألة (12) من الفصل الثاني من كتاب الإجارة
169

أنه لا يجوز إجارته بشئ من حاصلها على تفصيل وكلام، فراجع.
(مسألة 2): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا معينا من النقد
وغيره حتى الثمر. نعم يشكل اشتراط مقدار معين من الحاصل الذي تقع
المزارعة عليه، فالأحوط وجوبا عدم اشتراطه.
الثالث: تعيين المدة بالنحو المناسب لتعيين الزرع المستحق، سواء كان
بالشهور والأعوام، أم بالفصول، أم بدفعات الزرع، إلى غير ذلك مما يرتفع معه
إبهام الزرع المستحق.
الرابع: تعيين الأرض بالنحو الرافع للابهام، ويكفي تعيين مقدار خاص
من كلي أو خارجي، كما إذا قال: زارعتك على عشرين دونما من أرض صفتها
كذا، أو من هذه الأرض. ولا يجوز المزارعة على إحدى أرضين من دون تعيين
لها، نعم لو ابتنى على الرجوع في تعيينها لاختيار أحدهما المعين أو اختيار ثالث
كفى.
الخامس: تعيين ما على كل منهما من البذر والآلات والعوامل وحفر النهر
وغير ذلك، إما صريحا، أو ضمنا لقرينة خاصة، أو عامة كالتعارف.
السادس: إمكان الزرع، لكون الأرض صالحة له، مع القدرة على مقدماته
الأخرى. وإذا كان المانع موجودا في بعض الأرض بطلت المزارعة فيه خاصة،
وكان لكل منهما خيار تبعض الصفقة في الباقي إن ابتنت المزارعة على
المجموعية والارتباطية.
(مسألة 3): لا يعتبر في المزارعة أن يكون المزارع مالكا للأرض، بل
يكفي أن يكون مالكا للمنفعة، كالمستأجر والموقوف عليه إذا كان مقتضى
الوقف ملكية المنفعة. بل يكفي اختصاص المنفعة بجهة معينة، كما في الأرض
الموقوفة للجهات العامة، أو على أناس خاصين على أن تكون لهم ثمرتها لا
منفعتها، فإنه يجوز لوليها إجراء عقد المزارعة عليها. وكذا الحال في أرض
الخراج التي هي مختصة بالمسلمين. وأما المزارعة ممن له حق الاختصاص
بالأرض من دون أن يختص بمنفعتها - مثل من حجر أرضا أو سبق إليها من دون
أن ينوي حيازتها له - فلا يخلو عن إشكال، والأحوط وجوبا عدم صحته.
170

(مسألة 4): الظاهر جواز استعارة الأرض للمزارعة عليها، ومرجع ذلك
إلى إذن المالك في المزارعة بنحو يكون أجر الأرض للمستعير، نظير إذن
المالك لغيره في بيع ما يملكه على أن يكون الثمن للمأذون لا للمالك، فقد
تقدم في أول كتاب البيع أنه يمكن البيع مع كون الثمن لثالث وأنه يرجع إلى
عقد بين ثلاثة أطرفا البايع والمشتري والثالث الذي يكون الثمن له، وكذا إذن
المالك في إجارة العين على أن يكون الثمن للمأذون لا لمالك العين، حيث لا
مانع من صحة هذه المعاملات، نعم لا بد من شمول الإذن في العارية لايقاع
المزارعة، وهو يحتاج إلى عناية، لا تقتضيها العارية بطبعها.
(مسألة 5): يجوز للعامل أن يباشر الزرع بنفسه وأن يستنيب غيره في
تمام العمل أو في بعضه، إلا أن تشترط المباشرة في ضمن عقد المزارعة.
(مسألة 6): إذا اتفقا في العقد على زرع خاص، أو زمان خاص، أو حال
خاص، أو غير ذلك من شؤون العمل تعين، ولا يجوز الخروج عنه إلا برضا
الآخر، وليس للمالك أو العامل فرض شئ بعد العقد.
(مسألة 7): إذا خرج الزارع عما اتفقا عليه في العقد فيما هو قوام العقد -
كما لو زرع أرضا أخرى، أو نوعا آخر من الزرع - فإن كان البذر من المالك كان
الحاصل بتمامه له وليس للعامل شئ، وعليه ضمان النقص الحاصل في الأرض
أو البذر أو غيرهما مما يعود للمالك. وإن كان البذر من العامل فإن كان متعمدا
كان متعديا وكان للمالك قلعه، وله القبول ببقائه مع أجرة الأرض، ويكون
الحاصل للعامل، وإن لم يكن متعمدا كان على المالك القبول ببقائه ولو بأجرة ما
لم يتضرر، ويكون الحاصل للعامل.
(مسألة 8): إذا خالف الزارع شرط المالك غير المقوم للعقد كان للمالك
الفسخ، فإن كان البذر منه كان تمام الحاصل له وعليه أجرة المثل لعمل العامل،
وإن كان البذر من العامل كان تمام الحاصل له وعليه أجرة المثل للأرض.
(مسألة 9): مقتضى إطلاق العقد تحمل المالك لضريبة الدولة التي
تجعلها على الأرض، وخروج ضريبة الدولة التي تجعلها على الحاصل من
المجموع قبل القسمة، وكذا الخراج الذي كان يضعه السلطان على الأرض في
171

العصور السابقة، لأنه مجعول على حاصلها حقيقة، وإذا اشترط خلاف ذلك كان
العمل على الشرط.
(مسألة 10): يجوز لكل من صاحب الأرض والزارع أن يخرص الزرع
على الآخر بعد إدراكه بمقدار معين، فإذا تراضيا نفذ ذلك عليهما، وليس لهما
الرجوع بعد ذلك لو ظهرت الزيادة أو النقيصة.
(مسألة 11): إذا تلف شئ من الزرع وبعد تراضيهما بالخرص كان
التلف منهما معا ولحق من خرص عليه من حقه بنسبة التالف للمجموع، فإذا
تراضيا بخرص مجموع الزرع بعشرة أطنان مثلا ورضي المالك بخمسة أطنان
عن حصته وكان الزرع في الواقع اثني عشر طنا، فتلف نصفه - وهو ستة أطنان -
كان التلف الذي على المالك طنين ونصفا، والذي على الزارع ثلاثة أطنان
ونصفا، من دون فرق في ذلك كله بين أن يكون التلف بوجه مضمن وأن لا
يكون كذلك. نعم إذا كان التلف بوجه مضمن كان على الضامن لكل منهما
بمقدار ما وقع عليه من التلف.
(مسألة 12): إذا ظهر أن الأرض مغصوبة ففي المقام صور..
الأولى: أن يعلما بذلك قبل العمل، واللازم عليهما هنا التوقف عن
التصرف فيها ومراجعة المالك، فإن استمرا في عملهما جرى عليهما ما يأتي في
حكم الصور الآتية.
الثانية: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للمزارع الغاصب
للأرض، وحينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته، وكانت حصة المزارع
بين المالك والغاصب بنسبة قيمة منفعة الأرض لمنفعة البذر، فإذا كان المتعارف
أن يجعل للبذر الثلث وللأرض الثلث وللعمل الثلث مثلا كان للمزارع نصف
الحصة المجعولة له بالعقد، وللمالك نصفها، نعم لمالك البذر حينئذ خيار
تبعض الصفقة فله الفسخ، فيكون كما لو لم يجز المالك على ما يأتي.
وإن لم يجز المالك كان الزرع كله للمزارع الغاصب واستحق مالك
الأرض على المباشر للعمل أجرة المثل لمنفعة الأرض التي استوفاها، فإن كان
مغرورا من قبل الغاصب أو غيره كان له الرجوع على من غره، وله أيضا الرجوع
172

على الغاصب بأجرة المثل لعمله في بذره حتى أنتج، أما إذا كان عالما بالحال فلا
رجوع له عليه بشئ، أما ما دفعه للمالك فلعدم الغرور، وأما عمله في البذر
حتى أنتج فلحرمته ولا أجرة لحرام.
الثالثة: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للعامل الزارع،
وحينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته وكان الباقي لمالك الأرض،
وليس للمزارع الغاصب شئ، وإن لم يجز كان الزرع بتمامه للزارع وعليه أجرة
المثل للأرض يدفعها لمالكها.
الرابعة: أن يعلما بالحال في الأثناء، ويجب عليهما التوقف عن العمل
ومراجعة المالك، فإن أجاز المعاملة جرى حكم الصورة الثانية إن كان البذر
للمزارع الغاصب، وحكم الصورة الثالثة إن كان البذر للزارع العامل، وإن لم
يجزها كان له على المباشر للعمل أجرة المثل لما استوفاه من منفعة الأرض،
ووجب عليه الرضا ببقاء الزرع في أرضه بالأجرة إلا أن يتضرر بذلك، فيكون له
الحق في القلع. وأما حكم الزرع وغيره مما يستحقه أحدهما على الآخر فيظهر
مما تقدم في الصورتين الثانية والثالثة.
(مسألة 13): إذا كان البذر مغصوبا كان الزرع بتمامه لمالكه المغصوب
منه، وإن تلف شئ من البذر أو نقصت قيمته كان له الرجوع على الزارع
المباشر لذلك، وللزارع الرجوع بما يغرم للمالك على صاحب الأرض إن كان
مغرورا من قبله.
ثم إنه إن كان الغاصب هو صاحب الأرض المزارع لم يستحق شيئا على
العامل، واستحق عليه العامل أجرة المثل لعمله إن لم يعلم بالحال، وإن كان قد
علم لم يستحق شيئا، وإن كان الغاصب هو الزارع استحق عليه صاحب الأرض
أجرة الأرض إلى أن يعلم بالحال، وإن علم بالحال قبل بلوغ الزرع فإن تضرر
صاحب البذر كان على صاحب الأرض إبقاؤه بالأجرة، إلا أن يتضرر صاحب
الأرض بذلك فله المطالبة بالقلع.
(مسألة 14): إذا ظهر الشروع في العمل عدم إمكان بلوغ الزرع
بالنحو المقصود من المزراعة بطلت، ولا يضمن صاحب الأرض عمل العامل،
173

كما لا يضمن العامل ضرر الأرض لو حصل بسبب عمله. وكذا لا يضمن كل
منهما البذر لصاحبه، نعم لا يشرع الاستمرار في العمل بعد ذلك ولو استمر
العامل في العمل كان عمله هدرا لا عوض له، بل لو أضر بالأرض من دون رضا
مالكها كان ضامنا لما حصل، كما أنه لو طلب صاحب الأرض من العامل
الاستمرار في العمل مع علمه بالحال وجهل العامل به كان عليه أجرة المثل
لعمله.
وكذا الحال إذا حصل موجب التعذر بسبب قهري عليهما، أو بسبب
اختياري لهما، أو لأحدهما من دون أن يعلم بترتب ذلك عليه ولم يشترط في
عقد المزارعة تجنبه، كما لو أخطأ العامل في كيفية الحرث أو السقي، أو أخطأ
المالك في تعقيب معاملة الأرض من الناحية الرسمية. وأما إذا كان بسبب
اختياري يعلم بترتب ذلك عليه، أو مخالف لشرط المزارعة، فإن كان من
صاحب الأرض كان عليه للعامل أجرة المثل لعمله، وضمان البذر - إن كان له -
إذا تلف أو نقص، وإن كان من العامل كان عليه لصاحب الأرض ضمان ما حصل
بسبب عمله من ضرر في الأرض أو البذر إن كان له.
(مسألة 15): إذا بطلت المزارعة أثناء العمل بأحد الوجوه المتقدمة، فإن
كان البذر لصاحب الأرض وكان البطلان قبل ظهور ما تقتضي المزارعة
الاشتراك فيه - كما لو كان مقتضاها الاشتراك في الثمرة وكان البطلان قبل
ظهورها - فلا شئ للعامل من الزرع لو كان قد طلع، وإن كان بعد ظهور ما
تقتضي المزارعة الاشتراك فيه كان للعامل نصيبه منه.
(مسألة 16): إذا بطلت المزارعة بعد ثبوت حصة العامل في الزرع فإن لم
يتضرر بقلعه كان لصاحب الأرض المطالبة بذلك، وليس للعامل إلزامه ببقائه
طلبا لزيادة النفع، وإن تضرر به وجب على صاحب الأرض تدارك ضرره، أو
الرضا ببقائه في أرضه بأجرة المثل، أو بوجه آخر يتفقان عليه، إلا أن يتضرر هو
أيضا بذلك فله المطالبة بقلعه مجانا. وكذا الحال إذا انتهت مدة المزارعة قبل
بلوغ الحاصل بالنحو المطلوب في المزارعة. نعم إذا اشترط في عقد المزارعة
القلع أو الابقاء مجانا أو بأجرة كان العمل على الشرط.
174

المبحث الثاني
في المساقاة
وهي معاملة خاصة بين صاحب الأصول المغروسة - كالنخل والشجر
والكرم - وشخص آخر، تبتني على قيام ذلك الشخص بخدمة تلك الأصول -
بسقيها وتقليمها وتلقيحها وغير ذلك - في مقابل حصة من ثمرتها. ويعتبر فيها
أمور..
الأول: أن يكون الثمر مشتركا بينهما، فلو اختص به أحدهما لم تصح
مساقاة، وإنما تصح معاملة أخرى، على نحو ما تقدم في المزارعة.
الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة على الأحوط
وجوبا. ولو شرط أحدهما لنفسه أمرا زائدا على الحصة جرى فيه التفصيل
المتقدم في المزارعة أيضا.
الثالث: تعيين المدة والأصول المساقى عليها وما على كل منهما من
الأعمال والآلات وغيرها، على النحو المتقدم في المزارعة.
الرابع: كون الأصول ثابتة في الأرض، فلو كان موضع العقد وديا أو شتلا
خاصا على أن يشتل وما خرج منه كان بينهما أو لأحدهما صح، ولم يقع مساقاة
ولم يجر عليه حكمها ولا يشترط فيه شروطها، بل كان معاملة أخرى. وكذا
الحال لو كان موضوع العقد أصلا مزروعا في الأرض من دون أن يبتني على
الثبات فيها كالبطيخ والباذنجان ونحوهما.
الخامس: أن يكون ذلك قبل ظهور الثمرة، أو بعده قبل بلوغها إذا كان
بلوغها يحتاج إلى عمل من سقي أو غيره، أما إذا لم يحتج لذلك، أو كان العقد
بعد بلوغ يحتاج إلى عمل من سقي أو غيره، أما إذا لم يحتج لذلك، أو كان العقد
بعد بلوغ الثمرة، وكان التعامل بلحاظ الحفظ أو القطف أو النقل أو نحو ذلك فلا
175

تصح المعاملة مساقاة، وإنما تصح على أنها معاملة خاصة خارجة عن المساقاة،
كما يتعارف في عصورنا جعل حصة من الحاصل لمن يحصد بالآلة.
السادس: القدرة على خدمة الأصول بالنحو الذي تقتضيه الثمرة
المطلوبة، على نحو ما تقدم في المزارعة، وتجري فيه الفروع المتقدمة.
(مسألة 17): الظاهر جواز المساقاة على الشجر الذي لا ثمر له وينتفع
بورقه كالحناء، أو الذي له ثمر لا ينتفع به وإنما ينتفع بورقه، فيكون الورق هو
الملحوظ في التعامل، وكذا الذي ينتفع بثمره وورقه معا - كالسدر - والذي ينتفع
بخشبه، وغير ذلك مما يكون الانتفاع فيه بغير الثمر.
(مسألة 18): لا يعتبر فيمن يساقي على الأصول أن يكون مالكا لها، بل
يكفي استحقاقه لثمرتها، كالموقوف عليه، ومن يشتري الثمرة قبل ظهورها أو
بعده.
(مسألة 19): يملك العامل في المساقاة الحصة من الثمر حين ظهوره،
إذا وقع عقد المساقاة بعد ظهور الثمر ملك الحصة منه بالعقد.
(مسألة 20): إذا ظهر عدم إمكان بلوغ الثمرة بالنحو المطلوب في
المساقاة بطلت، وجرى في المقام ما يناسب ما تقدم في المسألة (14).
176

المبحث الثالث
في بعض الأحكام المشتركة بين
المزارعة والمساقاة
المزارعة والمساقاة من العقود المبنية على الالزام والالتزام، ومقتضاهما
استحقاق صاحب الأرض أو الأصول على العامل العمل، واستحقاق العامل
عليه الحصة من الزرع والثمر قبل العمل، فيجب على كل منهما الجري على
مقتضى الالتزام المذكور.
أما إذا لم يبتن الاتفاق بينهما على الالزام والالتزام، بل على مجرد التزام
صاحب الأرض أو الأصول بجعل الحصة لمن يعمل، من دون التزام من الطرف
الآخر بشئ لم يكن ذلك مزارعة ولا مساقاة، بل يصح جعالة، وجرت عليه
أحكام العجالة المتقدمة.
(مسألة 21): يقع عقد المزارعة والمساقاة بكل ما يدل على الالزام
والالتزام من قول أو فعل، على النحو المتقدم في سائر العقود.
(مسألة 22): لما كانت المزارعة والمساقاة من العقود المالية فاللازم
فيهما أهلية المتعاقدين وعدم الحجر عليهما، لصغر أو جنون أو رق أو سفه أو
فلس.
(مسألة 23): المزارعة والمساقاة من العقود اللازمة، فلا تنفسخ إلا
بالتقايل من الطرفين، أو بفسخ من له الخيار منهما. ويثبت فيهما الخيارات الثابتة
في الإجارة بالشروط المذكورة فيها، على ما تقدم.
(مسألة 24): إذا لم يكن صاحب الأرض أو الأصول نافذ التصرف فأوقع
عقد المزارعة أو المساقاة توقف نفوذ العقد على إجازة وليه، ومع عدمها لا
177

يترتب أثر على العقد ولم يستحق العامل شيئا، ولو عمل كان عمله هدرا، عالما
كان بالحال أو جاهلا.
نعم في المزارعة إذا كان العامل جاهلا بعدم نفوذ تصرف مالك الأرض
وكان البذر منه جرى ما تقدم في المسألة (12). أما إذا لم يكن العامل نافذ
التصرف فإن العقد وإن لم ينفذ إلا أن صاحب الأرض أو الأصول لو مكنه منها
فعمل جريا على مقتضى العقد استحق عليه أجرة المثل لعمله. وإذا كان البذر في
المزارعة من العامل كان له الزرع واستحق عليه مالك الأرض أجرة المثل
للأرض مع جهله بعدم نفوذ تصرفه، وأما مع علمه بذلك ففيه تفصيل لا يسعه
المقام.
(مسألة 25): إذا امتنع العامل من العمل كان لصاحب الأرض أو الأصول
إجباره، وإذا تأخر عنه على خلاف مقتضى العقد كان له الفسخ.
(مسألة 26): إذا لم يؤد العامل العمل المطلوب منه، أو قصر في عمله
بنحو يضر بالزرع والثمر ففي ضمانه أجرة المثل لما لم يؤده من العمل وعدمه
وجهان، والأحوط وجوبا التراضي بينهما. نعم إذا كان التقصير في المزارعة
موجبا لتلف بعض البذر كان ضامنا له، وكذا يضمن ضرر الأرض أو الأصول في
المزارعة والمساقاة.
(مسألة 27): إذا تعذر إتمام العمل من العامل - لمرض أو موت أو حبس
أو غيرها - فإن لم تؤخذ المباشرة شرطا في العقد وجب عليه استئجار من يتم
العمل، وإن مات وجب الاستئجار من تركته، فإن لم يفعل ذلك دخل في
المسألة (25). أما إذا تعذر ذلك - لعجزه عن الاستئجار في حياته، وعدم التركة
مع الموت - بطل عقد المزارعة أو المساقاة، وحينئذ يستحق من الحصة
المجعولة له بنسبة عمله الذي وقع منه للعمل المطلوب منه، فإذا كانت حصته
من الحاصل الثلث، وكان قد أدى نصف العمل المطلوب منه بمقتضى العقد
استحق من الحاصل نصف الثلث، ونصفه الآخر في مقابل العمل الذي لم يؤده.
هذا إذا قام غيره بالعمل الباقي وأتى الحاصل بالنحو المتعارف، أو لم يقم غيره
بالعمل الباقي وقل الحاصل، أو أتى معيبا. وأما إذا لم يأت الحاصل فلا شئ له.
178

هذا في المساقاة، وكذا في المزارعة إذا كان البذر من المالك، وأما إذا كان البذر
من العامل ففي صورة نقص الحاصل أو تعيبه إشكال، والأحوط وجوبا التراضي
بين المالك وبينه أو بين ورثته. وفي حكم التعذر ما إذا أخذت المباشرة شرطا
في المساقاة.
(مسألة 28): يجوز التعدد في كلا الطرفين في عقد المزارعة وعقد
المساقاة، على نحو يشترك في الحصة المجعولة لأحدهما أكثر من واحد، كما
إذا كانت الأرض أو الأصول مشتركة بين أكثر من واحد، أو تعدد العامل بحيث
يشترك الكل في العمل بتمامه في الحصة المجعولة في مقابل العمل.
(مسألة 29): الظاهر جواز التعاقد بين أكثر من شخصين على أن يختص
كل شخص بشئ في مقابل حصة من الثمرة تخصه، كما إذا كانت الأرض من
شخص والبذر من آخر والعوامل من ثالث والماء من رابع والعمل من خامس،
على أن يكون لكل منهم حصة من الحاصل، وكما إذا كانت الأصول من شخص
والعوامل من آخر والماء من ثالث والعمل من رابع على أن يكون لكل منهم
حصة من الثمرة، لكن الظاهر خروج المعاملة المذكورة عن المزارعة والمساقاة،
وإن كانت قد تؤدى مؤداهما.
(مسألة 30): إذا تعاقد صاحب الأرض مع شخص آخر على أن يعمرها
ويغرس فيها شجرا ونحوه على أن يكون الحاصل بتمامه للعامل مدة معينة، ثم
ترجع لصاحبها عامرة صح العقد وإن لم يقع مساقاة. وكذا إذا تعاقدا على أن
يعمرها ويغرس فيها شجرا ونحوه على أن يكون الشجر المغروس بنفسه
بينهما، سواء كان الأصل المغروس من صاحب الأرض، أم من العامل. وكذا إذا
تعاقدا على أن يغرس الأرض ويعمرها على نحو معين على أن تكون الأرض
بما فيها بينهما. فإن هذه العقود تصح جميعا وإن لم تكن من المساقاة.
179

كتاب العارية
وهي عقد ثمرته التسليط على العين المملوكة منفعتها للانتفاع بها مجانا.
وصاحب العين هو المعير وآخذها هو المستعير أو المعار. وتقع بكل ما يدل
على التسليط المذكور والرضا به، من قول أو فعل.
(مسألة 1): يعتبر في المعير الاستقلال في التصرف والاختيار، فإن كان
محجورا عليه - لجنون أو صغر أو غيرهما - لم تنفذ إلا بإذن وليه، ومع عدمه
يحم وضع اليد على العين والتصرف فيها، وتكون مضمونة بذلك، كما تكون
المنفعة مضمونة بأجرة المثل. وكذا مع الاكراه.
(مسألة 2): تصح الإعارة من مالك المنفعة وإن لم يملك العين،
كالمستأجر إذا لم تؤخذ المباشرة شرطا في عقد الإجارة.
(مسألة 3): لا تصح الإعارة من غاصب المنفعة وإن كان مالكا، فإذا أعار
الغاصب، فإن كان غاصبا للعين والمنفعة كان على المستعير ضمان العين
والمنفعة التي استوفاها، وإن كان غاصبا للمنفعة مالكا للعين لم يضمن المستعير
العين وضمن المنفعة التي استوفاها لا غير، وله الرجوع على الغاصب بما ضمن
إن كان مخدوعا ومغرورا من قبله.
(مسألة 4): يعتبر في المستعير العقل الذي يتوقف عليه القصد للمعاملة،
وبدونه لا تصح العارية، وإن لم يكن التصرف محرما في حقه، كما لا يكون
ضامنا للعين ولا للمنفعة.
(مسألة 5): لا يعتبر في المستعير البلوغ، فتصح العارية للصبي المميز، إلا
أن تتضمن التزاما عليه بأمر - كالضمان - فلا يصح الالتزام المذكور منه. وكذا
181

الحال في المكره، وأما السفيه والمفلس فلا ينفذ الالتزام المالي منهما وينفذ
غيره.
(مسألة 6): كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها.
(مسألة 7): ينتفع المستعير بالعين بالنحو المأذون له فيه، ومع إطلاق
العارية تنصرف للمنافع المتعارف استغلال العين لها، ولما يكون الاضرار
بالعين أقل.
(مسألة 8): مع تعدي المستعير عن الاستعمال المأذون فيه يضمن العين
إن أضربها التعدي المذكور، وعليه أجرة المثل للمنفعة التي تعدى فيها، دون
المنافع المأذون فيها.
(مسألة 9): لا يجوز للمستعير أن يعير العين لغيره بدون إذن المعير، وإلا
كان متعديا وجرى على إعارته حكم إعارة الغاصب.
(مسألة 10): العين المستعارة أمانة في يد المستعير فيلحقها حكم
الأمانات في الضمان، وقد تقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة.
(مسألة 11): الظاهر جواز اشتراط الضمان في عقد العارية، فتكون العين
مضمونة ولو مع عدم التعدي والتفريط.
(مسألة 12): عارية الذهب والفضة مضمونة مطلقا ولو مع عدم الشرط،
نعم إذا اشترط فيها عدم الضمان لزم الشرط.
(مسألة 13): عقد العارية مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متى
شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل فيلزم الشرط. وكذا إذا كان التصرف المقصود لهما
من شأنه الاستمرار مدة معينة بحيث تبتني العارية على الاستمرار في تلك
المدة، ويكون مشروطا فيها ضمنا، كاستعارة الأرض لزرعها واستعارة الدابة
للسفر بها، والقدر لطبخ الطعام، فإنه لا يجوز الرجوع فيها قبل بلوغ الزرع
وانتهاء السفر ومضي الوقت الذي يتعارف تفريغ القدر فيه من الطعام. لكن
يجوز مع الاطلاق الرجوع قبل الشروع في هذه الأمور، لأن المتيقن من اشتراط
الاستمرار ضمنا صورة الشروع لا نعم لو اشترط عدم الرجوع حتى قبل الشروع
لزم الشرط.
182

كتاب الاستيداع
وهو عقد ثمرته الائتمان للحفظ. وصاحب العين هو المودع، والمؤتمن
عليها هو الودعي، والمال المودع هو الوديعة. وتقع بكل ما يدل على الاستئمان
المذكور والالتزام به، من قول أو فعل، ولا يعتبر فيه فعل خاص أو لفظ خاص.
(مسألة 1): لا تصح الوديعة من المجنون، ولو أخذها المكلف منه كان
ضامنا لها، إلا أن يكون بإذن وليه.
(مسألة 2): لا تصح الوديعة من الصبي إلا بإذن وليه، فإن لم يأذن كان
على آخذها منه الضمان.
(مسألة 3 9: لا يصح من المكلف أن يودع الصبي والمجنون، ولو دفع
المال لهما لم يكن وديعة عندهما، ولا ضمان عليهما حينئذ بالتفريط والاهمال،
كما لا ضمان بالتعدي إذا لم يستند له الضرر أو التلف، بل حتى إذا استندا له. وأما
مع تمييزهما ففي الضمان وعدمه إشكال، واللازم الاحتياط.
(مسألة 4): لا يجوز التعدي على الوديعة بالتصرف فيها تصرف منقصا
لها، أو معرضا لها للخطر، كما لو أكل منها أو لبسها أو فك حرزها أو نحو ذلك،
مما يبتني على مخالفة الوضع الذي يريده المودع لها في مقام التحفظ عليها،
وإن فعل الودعي ذلك كان متعديا عليها. وهذا بخلاف التصرف الذي لا يأذن به
المالك إذا لم يكن منافيا للتحفظ عليها، كالاتكاء على القاصة، أو الكتابة عليها
كتابة تسهل إزالتها، أو نحو ذلك، فإنه - وإن كان محرما إذا لم يحرز به رضا
المالك - لا يصدق به التعدي من حيثية الاستيداع.
(مسألة 5): إطلاق الوديعة يقتضي وجوب حفظ الوديعة على الودعي
بالنحو المتعارف، بنحو لا يعتبر عرفا مفرطا. وإذا علم المودع كيفية حفظ
الودعي للوديعة فأطلق كان للودعي الاجتزاء بالكيفية التي يعمل عليها، وإن
183

كانت على خلاف المتعارف، واستلزمت التفريط عرفا.
(مسألة 6): إذا عين المودع وجها خاصا للحفظ تعين ولا يجوز الخروج
عنه. نعم إذا ابتنى تعيين المودع على بيان أدنى مراتب الحفظ كان للودعي
اختيار الأحسن والأوثق بنظره.
(مسألة 7): إذا عين المودع وجها للحفظ لتخيل إحكامه وكان الودعي
يعلم بخلل فيه مغفول عنه وجب عليه تنبيهه، ولو أبقاه على غفلته وعمل عليه
كان مفرطا.
(مسألة 8): إذا عين المودع وجها للحفظ فطرأ ما يمنع من التوثق به، فإن
كان ذلك متوقعا للمودع لم يجز للودعي تبديله، وإن لم يكن متوقعا فإن أمكن
مراجعة المالك وجبت وإلا كان على الودعي مع القدرة تبديله بما هو بمرتبته
في التوثق أو الأحسن منه. وكذا يجب التبديل بالوجه المذكور إذا تعذر
استعماله، كما لو عين له صندوقا خاصا فتلف أو سرق أو منع من وضع الوديعة
فيه.
(مسألة 9): يجب على الودعي تعاهد الوديعة بالنحو المتعارف، والقيام
بما تحتاج إليه من طعام أو شراب أو تعريض للهواء أو الشمس أو لف أو نشر
أو تجفيف أو غير ذلك، حسب اختلاف الودائع والأوقات والأحوال، ولو قصر
في ذلك كان مفرطا. هذا كله مع الاطلاق، أما مع اشتراط عدم ذلك فلا يجب.
(مسألة 10): إذا احتاج حفظ الوديعة والقيام بما تحتاج إليه إلى بذل مال،
فإن كان ذلك متوقعا لها حين الايداع وجب على الودعي بذله والرجوع ببدله
على المودع، إلا أن يشترط عليه صريحا أو ضمنا عدم رجوعه به، وإن لم يكن
متوقعا، فإن رضي الودعي ببذله له من دون رجوع فهو، وإلا فإن أمكن إعلام
المودع بالحال والعمل على ما يتفقان عليه وجب، وإن تعذر كان على الودعي
أن يختار الأصلح للوديعة والمودع، من بيعها وحفظ ثمنها للمودع، أو بيع
بعضها للانفاق على الباقي، أو الانفاق عليها والرجوع على المودع، أو غير ذلك.
ويجب مراجعة الحاكم الشرعي مع الامكان للاتفاق معه على أحد الوجوه، إلا
أن يبتني عقد الوديعة على إيكال الاختيار عند الطوارئ للودعي نفسه.
184

(مسألة 11): إذا توقف دفع تعدي الظالم على الوديعة على الكذب في
أمرها، أو حلف كاذبا وجب على الودعي ذلك، وإن لم يفعل مع علمه بوجوب
ذلك عليه كان مفرطا ضامنا، أما مع جهله وتخيله الحرمة فالظاهر عدم التفريط،
إلا أن يكون مفرطا عرفا في جهله.
(مسألة 12): لا يضمن الودعي الوديعة إلا بالتعدي والتفريط، على
التفصيل المتقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة. وإن اشترط في عقد
الاستيداع ضمانها مطلقا فالظاهر نفوذ الشرط.
(مسألة 13): عقد الاستيداع مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متى
شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل صريحا أو ضمنا، فيلزم الشرط.
(مسألة 14): تحرم خيانة الوديعة بالتعدي عليها، أو التفريط بها، أو
اختلاسها، سواء كان المودع مؤمنا أم مخالفا، بل وإن كان ناصبا أو كافرا. ويجري
ذلك في كل أمانة دفعت بناء على الاستئمان وقبلت على ذلك، حيت الدين، بل
يجري ذلك حتى في مثل نصيحة المستنصح، ففي حديث عمار بن مروان عن
الإمام الصادق عليه السلام عليهم السلام (اعلم أن ضارب علي بالسيف وقاتله لو ائتمنني
واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة).
فعلى المؤمنين - وفقهم الله تعالى - الاهتمام بذلك وعدم التسامح
والتساهل، لشدة الأمر فيه، ففي حديث الحسين بن مصعب عنه عليه السلام: (ثلاث
[ثلاثة] لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر
والفاجر،، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين).
(مسألة 15): يجب على الودعي رد الوديعة للمالك أو وكيله مع مطالبته
بها أو تعرضها للخطر، ولو لتخوف الموت وعدم قيام وارثه بالأداء. ولو مات
المالك وجب دفعها لوارثه، ولا يجزي دفعها لبعض الورثة إلا مع العلم بإيصاله
لكن ذي حق فيها حقه، يجزي دفعها لوصي الميت أو لوكيل الورثة. ولو
تعذر الوصول للمالك وجب الانتظار حتى يسلمه له أو لوارثه.
(مسألة 16): إذا جهل المودع أو وارثه واحتمل العثور عليه بالفحص
وجب الفحص عنه حتى يحصل اليأس من العثور عليه بالفحص، فإن حصل
185

اليأس فلا فحص، وكذا لو تعذر الفحص، أو لزم منه محذور مهم، وحينئذ إن
احتمل - ولو بعيدا - العثور عليه أو على وارثه صدفة من دون فحص فالأحوط
وجوبا الانتظار مهما طال الزمان، نعم إذا قطع بعدم العثور عليه أو على وارثه
وجب التصدق بالوديعة عن مالكها.
(مسألة 17): من استولى على عين بلا حق - عمدا أو جهلا - فأودعها
غيه فلا أثر لايداعه، ولا تترتب على العين أحكامه الوديعة، ولا على الأخذ لها
حكم الودعي، بل تكون مضمونة عليه لمالكها، ويجب عليه تسليمها له، ويحرم
عليه إرجاعها للمودع، فإن جهل مالكها جرى ما تقدم في المسألة السابقة من
وجوب الفحص أو الانتظار، غايته أنه مع اليأس عن العثور على المالك
- بالفحص أو بدونه - إذا احتمل بعيدا العثور عليه صدفة لا يجب الانتظار - كما
وجب في المسألة السابقة - بل تجوز المبادرة للتصدق، كما يجوز الانتظار أيضا.
(مسألة 18): إذا أجبر المودع في المسألة السابقة الودعي على استرجاع
الوديعة وأخذها منه فالظاهر ضمان الودعي لها، لكن لا يجب عليه التصدق
ببدلها، بل يجب عليه نية الوفاء للمالك لو طالبه، فإن ظهر المالك - مع الفحص
أو بدونه - ورجع عليه دفع له البدل، ورجع هو على المودع إن قدر عليه، وإن
رجع المالك على المودع رأسا وأخذ منه البدل فلا شئ على الودعي.
(مسألة 19): إذا تصدق بالوديعة في مورد عدم الوصول للمالك ثم ظهر
المالك فالأحوط وجوبا مراجعته وإخباره بذلك، فإن رضي به كان له أجر
الصدقة، وإن أبى ضمن المتصدق له المال، وكان أجر الصدقة للمتصدق،
ويجري ذلك في جميع موارد التصدق بمجهول المالك.
والحمد لله رب العالمين.
186

كتاب الشركة
وهي اشتراك أكثر من شخص واحد في ملكية مال واحد، بأن يكون ملكا
للكل بنحو الإشاعة، الراجع لملكية كل واحد حصة منه مشاعة. أما لو كان كل
واحد منهم مالكا لجزء منه معين فليس هو من الشركة في شئ.
(مسألة 1): الشركة كما تكون في الأعيان الخارجية - كالدار والثوب -
تكون في الأعيان الذمية كالديون، كما لو باع الشركاء المال المشترك بثمن في
الذمة، أو اقترض الرجل من أموال الشركة أو أتلفها. بل تكون في الحقوق أيضا.
كحق الخيار والشرط وحق السرقفلية الذي تعارف في عصورنا وغير ذلك.
(مسألة 2): الشركة..
تارة: تكون قهرية، كشركة الورثة في المال الموروث، وكما لو أوصى
الميت بمال لأكثر من واحد.
وأخرى: تكون اختيارية، وهي على قسمين..
الأول الحكمية، وتكون بسبب الاشتراك في سبب الملك، كما لو اشترك
أكثر من واحد في حيازة مال واحد، أو في إحياء أرض واحدة، أو في حفر بئر
واحدة، أو في عمل واحد له جعل معين. ومنه اشتراك أكثر من واحد في شراء
شئ واحد بثمن من الكل.
الثاني: العقدية، وهي تكون..
تارة: بتشريك شخص في مال آخر، كما لو قال أحد الشخصين لصاحبه:
أشركني في بضاعتك أو دارك أو غير ذلك بثمن كذا، فقبل الآخر. وكذا لو باع
أحدهما نصف داره أو بضاعته المشاع لآخر.
وأخرى: بتشريك كل من المالكين الآخر في ماله، بأن يكون لكل من
الشخصين ما يختص به، فيتعاقدا على أن يشتركا في المالين بنحو الإشاعة،
187

ولا يعتبر فيها حينئذ مزج أحد المالين بالآخر. والشركة العقدية بقسميها كما تقع
بين اثنين تقع بين أكثر.
(مسألة 3): إذا امتزج المالان المملوك كل منهما لشخص امتزاجا رافعا
للتمييز بينهما عرفا جرى عليهما حكم الشركة، سواء اتفقا جنسا ووصفا - كما لو
امتزج الزيت الجيد بالزيت الجيد - أم اتفقا جنسا واختلفا وصفا - كما لو امتزج
الزيت الجيد بالزيت الردئ - أم اختلفا جنسا - كما لو امتزج زيت الزيتون بزيت الذرة - بل يجري ذلك مع امتياز أحد المالين وصعوبة الفصل بينهما لصغر
الأجزاء، كامتزاج الحنطة بالحنطة أو بالشعير. وأما اشتباه أحد المالين بالآخر من
دون امتزاج - كما لو كان لزيد كيس من الحنطة ولعمرو كيس آخر فاشتبه
أحدهما بالآخر - فلا يجري عليه حكم الشركة، بل يتعين الرجوع في رفع
الاشتباه للقرعة أو الصلح.
(مسألة 4): الشركة العقدية وإن كانت عبارة عن التعاقد على الشركة في
المال، إلا أنها كثيرا ما تبتني - زائدا على ذلك - على التكسب بالمال بالاتجار به،
أو استنمائه أو غيرهما من وجوه الاسترباح. وذلك على نحوين..
الأول: أن يتفق الأطراف عليه ابتداء من غير أن يؤخذ في عقد الشركة،
وحينئذ يعمل على ذلك - ما دامت الأطراف آذنة به - على النحو المأذون فيه،
ومتى عدل بعضهم عن إذنه لزمه التوقف عن العمل، وكذا لو سقط إذن بعضهم
عن الأثر بموت أو جنون أو نحوهما.
الثاني: أن يؤخذ ذلك في ضمن عقد الشركة، كما جرت عليه الشركات
ذات الأنظمة الخاصة المتعارفة في عصورنا، ومنها الجمعيات التعاونية، وحينئذ
يجب العمل عليه على طبق ما أخذ في العقد سعة وضيقا، كما يؤخذ بسائر ما
تضمنه العقد من تعيين المباشر للتكسب بالمال، والأجر الذي يستحقه، والمدة
التي تبقى فيها الشركة، وغيرها من الشروط المشروعة التي تقدم تحديدها في
مبحث الشروط من كتاب البيع.
وبلحاظ هذين النحوين يتجه منا تقسيم الشركة إلى جائزة ولازمة. وأما
بلحاظ أصل الاشتراك في المال مع قطع النظر عن التصرف فيه والتكسب به
188

فالشركة لازمة لا تنحل إلا بالقسمة.
ويجري ذلك لو كان الشرط في ضمن عقد لازم غير عقد الشركة، كما
يمكن جريانه حينئذ في الشركة غير العقدية، فإنه يمكن اشتراط التكسب بمال
الشركة في ضمن عقد لازم.
(مسألة 5): تشرع المضاربة بالمال المشترك، سواء كان العامل من
الشركاء أم من غيرهم، وتجري على المضاربة به أحكام المضاربة المتقدمة.
(مسألة 6): يجوز شراء بعض الشركاء من مال الشركة، إلا أن الشراء يلغو
بالإضافة إلى حصة الشريك المذكور، لعدم صحة البيع مع وحدة مالك الثمن
والمثمن، لكن لا أثر لذلك فإن الثمن المقابل لحصته يقوم مقام حصته في
الدخول في الشركة. نعم قد يشكل الحال لو كان للعامل في الشركة حصة من
الربح، لأن ما يقابل الحصة من الربح ليس ربحا في الحقيقة بعد أن كان البيع
لاغيا في الحصة، بل هو ربح صوري فلا يستحق العامل حصة منه، إلا أن يكون
المراد من الربح - الذي يجعل للعامل في الشركة حصة منه - ما يعم مثل هذا
الربح الصوري، كما هو الظاهر.
(مسألة 7): يجوز للشريك الاقتراض من مال الشركة، إلا أن الاقتراض
يلغو في حصته، لامتناع اقتراض الانسان من ماله، فإن أرجع المقدار الذي
استدانه دخل في الشركة مجددا، نظير ما إذا زاد الشركاء في مال الشركة، وحينئذ
إن كانت الشركة جائزة لم يكن ملزما بذلك، بل ليس عليه إلا إرجاع حصة
الشركاء لهم، وإن كانت لازمة كان ملزما بذلك، لابتناء رضاهم بالاقتراض - مع
لزوم الشركة - على لزوم إرجاع مقدار المبلغ الذي اقترضه للشركة وتجديد
الشركة فيه.
(مسألة 8): يجوز شراء أسهم الشركات ذات الأنظمة المحددة، وحينئذ
يجري على المشتري نظام الشركة ويلزم به. نعم لو كانت بعض مكاسب الشركة
محرمة لم يجز شراء ما يقابل أرباح تلك المكاسب، كما لا ينفذ نظام الشركة
المتعلق بالجهة المحرمة، ولا يجوز العمل عليه ولا التكسب بالوجه المحرم.
(مسألة 9): لا إشكال في أن الدين يقع موردا للشركة القهرية، كما لو
189

مات شخص عن دين له فاشترك فيه ورثته. بل الظاهر جريان الشركة العقدية
فيه، فإذا أراد جماعة تأسيس شركة بمبلغ معين فكما يجوز لكل منهم أن يعين
ما يقابل أسهمه في الشركة في النقود الموجودة عنده فيدفعها للشركة، له أن
يعينه في الدين الذي له في ذمة الغير من أفراد أو مؤسسات أهلية، فيدفع للشركة
صكا مقابلا للدين المذكور ليسجل في حساب الشركة. وإن لم تستوف الشركة
الدين، فإن كان قبول الشركاء بالدين مبنيا على اشتراط تحصيله ضمنا، أو كان
من شأن الدين أن يتحصل كان لهم فسخ الشركة فيه، وإلا لزمهم القبول به،
ويكون من سنخ الخسارات الواردة على الشركة التي يتحملها جميع الشركاء.
هذا ولو كان دفع الصك راجعا إلى التوكيل في قبض المبلغ وتسجيله في
حساب الشركة بعد القبض خرج عن الشركة في الدين، وتعين عدم دخول
المبلغ في الشركة قبل قبضه، وإن تلف قبله كانت خسارته على صاحبه فقط.
(مسألة 10): الظاهر أن المنافع كالدين، فكما تقع موردا للشركة القهرية
تقع موردا للشركة العقدية، بأن تجعل منفعة الدار مثلا التي هي ملك أحد
شخصين أو أشخاص موضوعا للشركة بينهم مع أعيان أو منافع يدفعها
الأطراف الأخر.
وأظهر من ذلك ما إذا صالح المنفعة الطرف الآخر على حصة من
تلك المنفعة بنقد منه، مثلا: إذا كان لزيد دار ولعمرو عشرة آلاف دينار، فيصالح
عمرو زيدا عن نصف منفعة الدار إلى سنة بخمسة آلاف دينار، وتتم الشركة بعد
ذلك بينهما في منفعة الدار بتمامها إلى سنة والعشرة آلاف دينار. وهناك وجه
ثالث، وهو أن يتصالحا على أن يدفع صاحب المنفعة أجرة منفعته التي تأتيه
منها للشركة في مقابل تشريكه في مال الطرف الآخر. ولا يفرق في جميع ذلك
بين منفعة عمل الشريك ومنفعة مملوكاته، كداره ودابته وغيرهما.
(مسألة 11): لا تصح شركة الوجوه، وهي أن يشتري كل من الطرفين
مثلا مالا بثمن في ذمته ثم يبيعانه، وما كان من ربح أو خسارة فهو بينهما. ومثلها
كل ما كان موضوع الشركة تكسب كل منهما لنفسه - من تجارة أو إجارة أو زراعة
أو حيازة أو غيرها، ولا يكون فائدة الشركة إلا الاشتراك فيما يرد عليهما من ربح
190

أو خسارة من دون اشتراك في الأصل، وكذا لو عم ذلك ما يحصل لكل منهما
من غير تكسب، كهبة أو ميراث أو غيرهما، وهي المسماة بشركة المفاوضة. نعم
يمكن في الجميع تصالح الأطراف فيما بينهم على أن يشرك كل منهم جماعته
فيما يتحصل له، فإذا حصل له شئ وملكه جعله في صندوق الشركة، أو قبضه
على الكل بنحو الشركة.
(مسألة 12): لا بد في الشركة العقدية من اتفاق الأطراف على الشركة أو
ما يقوم مقامها، بحيث يتعاقدون على ذلك بعد تعيينه وتوضيح حدوده، ويكفي
في تحقق العقد كل ما يدل على إنشاء التعاقد من قول أو كتابه أو عمل، كخلط
الأموال بعضها ببعض، أو جمعها في محل الشركة، أو نحوهما، ثم الجري على
ذلك في عملهم.
ولا ينبغي للأطراف المعنية التهاون في ذلك إغفالا له، أو اعتمادا على
الثقة المتبادلة بينهم، أو لمنع الخجل منه، أو غير ذلك، فكم من أفراد عائلة
واحدة متحابين متآلفين عملوا مع كبيرهم وهم لا يعرفون من عملهم إلا أن الكل
يعملون ويكسبون وينفقون من مجموع الوارد، من دون أن يحددوا وجه
عملهم ويتفقوا عليه، فهم لا يعرفون أنهم شركاء مع كبيرهم، أو أنهم أعوانه في
عمله يعملون له وينفق عليهم، حتى إذا تقبلت بهم الأحوال وأرادوا هم أو
ورثتهم تصفية الأمور، لم يرجعوا إلى شئ محدد واضح المعالم، وصعب الحل
الشرعي، بل العرفي أيضا، وحصلت المشاكسة والمنافرة، ومهما يكن الحل بعد
ذلك فهو لا يصادف رضا الكل، بل يشعر بعضهم أو كل منهم بأنه مغبون
مهضوم، وقد يترتب على ذلك الشقاق والتعادي والتقاطع والتدابر بعد ذلك
التحابب الشديد والتآلف الطويل.
(مسألة 13): يلحق كلا من الشركاء من الربح والخسران بنسبة ماله، إلا
أن يشترط في ضمن عقد الشركة أو في ضمن عقد آخر تحمل بعض الشركاء
الخسران، فيلزم الشرط المذكور. كما يجوز اتفاقهم على اختصاص بعضهم
برأس المال مع كون الربح والخسران للآخر، سواء تم هذا الاتفاق بعقد مستقل
به، أم كان شرطا في ضمن عقد الشركة أو عقد آخر.
191

(مسألة 14): يجوز لبعض الشركاء اشتراط الزيادة في الربح على نسبة
ماله إذا كانت في مقابل عمل يقوم به، فإن كانت الزيادة حصة مشاعة من الربح
دخل في المضاربة وجرى حكمها، وإن كانت مالا معينا - كألف دينار - دخل في
الإجارة وجرى حكمها. وكذا يجوز له أخذ الزيادة في مقابل منفعة يبذلها -
كمنفعة المحل التجاري، أو سيارة العمل - ويكون من الإجارة إن كان مالا معينا،
أما إذا كان حصة مشاعة فهو معاملة مستقلة وليست إجارة ولا مضاربة.
(مسألة 15): لا يجوز زيادة بعض الشركاء في الربح على نسبة ماله من
دون عمل أو منفعة يبذلها. نعم يجوز لبعضهم أن يشترط على الآخرين في
ضمن عقد الشركة أو عقد آخر أن يعطوه من حصتهم التي يستحقونها بمقتضى
الشركة بعد تملكهم لها.
(مسألة 16): يجوز أن يستأجر شخصان لعمل واحد بأجرة واحدة،
فيستحق المستأجر على كل منهما نصف العمل مشاعا، ويستحق كل منهما
نصف الأجرة مشاعا، وحينئذ إن اشتركا في العمل بنية الوفاء عنهما معا لم
يستحق أحدهما على الآخر شيئا، حيت لو صادف أن كان عمل أحدهما أكثر،
لأنه يكون متبرعا عن صاحبه بالزيادة، وكذا لو اقتسما العمل بينهما من دون أن
يجعلا لكل منهما قسما من الأجرة، أما لو اقتسما العمل وجعلا لعمل كل منهما
أجرة خاصة فيستحق كل منهما من صاحبه ما يتفقان عليه، سواء ساوى مجموع
الأجرتين الأجرة المجعولة على تمام العمل، أم نقص عنها، أم نقص عنها، أم زاد عليها.
كذا الحال لو استأجرا شخصا آخر للقيام بالعمل عنهما، أو استأجر
أحدهما أو كل منهما من يقوم مقامه في حصته من العمل. نعم إذا كان العمل
المستأجر عليه في الأجرة الثانية تمام العمل المستأجر عليه في الأجرة الأولى
من دون تقسيم أن تنقيض فلا يجوز أن تنقص الأجرة الثانية عن الأجرة الأولى،
على ما سبق في كتاب الإجارة.
(مسألة 17): لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة
بدون إذن شريكه، إلا أن يكون لازما عليه بشرط أو نحوه. ومنه ما إذا ابتنى
الاشتراك في العين على ذلك ضمنا، كما في الطريق غير النافذ للدور أو المحال
192

التجارية المتعددة، والساحة الخارجة عنها المجعولة فضاء بينها للتهوية والإنارة
والتنزه ونحوها من الشؤون المشتركة، والبئر بين الدور المتعددة للاستقاء،
ونحوها من الأمور التابعة للأعيان المختصة، فإن إنشاءها أو شراءها لتكون تابعة
لها يبتني عرفا على كون الغرض هو انتفاع الأطراف بها من دون حاجة
للاستئذان.
وهذا بخلاف ما إذا لم تبتن الشركة بها على ذلك، كما إذا اشترى
المتجاورون أرضا ليجعلوها محلا تجاريا ثم عدلوا عن ذلك وتركوها للانتفاع
المشترك بين دورهم كطريق أو ساحة تابعة لها، وكما لو حفروا بئرا ليبيعوا ماءها
ثم بدا لهم تركها ليستقوا منها لأنفسهم في دورهم، أو ورثوا شيئا من ذلك
فاختاروا تركه للانتفاع المشترك، فإن الانتفاع في جميع ذلك يحتاج لإذن
الشركاء.
نعم إذا لم يبتن جعلها تابعة على مجرد الإذن في الانتفاع المشترك، بل
على الالزام والالتزام بين الأطراف بتبعيتها وتعيينها منهم لذلك لزمهم الجري
عليه ولم يحتج التصرف للإذن حينئذ، نظير ما سبق فيما لو ابتنى الاشتراك على
التبعية. وقد تشهد القرائن بذلك، كما لو اتفقوا على أن يغلقوا أبواب دورهم
الأولى ويعتاضوا عنها بأبواب شارعة في الأرض المشتركة، أو يغوروا آبارهم
المختصة ويستبدلوها بالبئر المشتركة، وغير ذلك مما يختلف باختلاف
المقامات.
(مسألة 18): تقدم أن الشركة العقدية قد تبتني على التصرف في مال
الشركة والتكسب به، وأن ذلك قد يكون بنحو اللزوم لاشتراطه في ضمن عقد
لازم، وحينئذ يجوز العمل عليه بلا حاجة إلى إذن بقية الشركاء. وأما في غير
ذلك فلا بد في التصرف في المال المشترك من إذن جميع الشركاء، ولا يجوز
استقلال بعضهم بالتصرف من دون رضا الباقين، وإذا رضي الشركاء بتصرف
خاص وجب الاقتصار عليه، وإذا تعاسر الشركاء، أو عين كل منهم ما يراه الآخر
مضرا، أو منع مما يرى الآخر تركه مضرا للمال تعين الرجوع للحاكم الشرعي،
والأحوط وجوبا ذلك حتى لو علم أن الشريك لم يعين ما عين ولم يمنع مما
193

منع إلا مضارة للآخرين من دون أن يراه صلاحا. نعم إذا تعذر حينئذ الرجوع
للحاكم جاز مخالفة الشريك والعمل بما يراه الآخر لازما لصلاح المال مقتصرا
مهما أمكن على أقل وجوه مخالفته.
(مسألة 19): إذا طلب بعض الشركاء القسمة وجب إجابته، إلا إذا كان
ذلك على خلاف شرط لازم في عقد الشركة أو عقد لازم آخر، أو كانت القسمة
مضرة بالمال المشترك، أو كانت موقوفة على الرد بأن يتعذر قسمة المال على
نسبة السهام بل يتوقف على دفع بعض الشركاء للباقين شيئا من المال يتدارك به
الفرق.
(مسألة 20): تصح قسمة الوقف مع الملك الطلق إذا كان عدمها مضرا
بأحدهما.
(مسألة 21): لا تصح قسمة الوقف بين الموقوف عليهم. نعم تصح
قسمته موقتا بالنحو الذي لا ينافي مقتضى الوقف، كما لو تساوى نماء القسمين
فيتصالح الشريكان على اختصاص كل منهما بأحدهما ما دام الأمر كذلك، ولا بد
في نفوذها حينئذ من إذن الولي.
(مسألة 22): مع تراضي الشركاء في كيفية القسمة يقسمون كيف شاؤوا.
ولا حاجة للقرعة، ولعل الأولى أن يقسم بعضهم ويخير الباقين.
(مسألة 23): مع تشاح الشركاء في كيفية القسمة يرجعون إلى الحاكم
الشرعي، وعليه تعديل السهام وتقسيم العين المشتركة بما يناسب سهام كل
شريك ثم القرعة لتعيين ما يختص به كل منهم من أقسام العين المشتركة.
(مسألة 24): إذا وقعت القسمة وانكشف أن ما تعين لبعض الشركاء
معيب كان له الفسخ إلا أن تبتني القسمة على الرضا به على كل حال، أو أسقط
خيار العيب بعد القسمة.
(مسألة 25): إذا كان بعض أموال الشركة ديونا على الناس، فوقعت
القسمة وشملت الديون فتلف الدين الذي صار لبعض الشركاء كان تلفه من
الكل، وبطلت القسمة فيه. نعم إذا اتفق الشركاء على توزيع أموال الشركة بينهم
بنحو خاص ولو مع توقع الخسارة من دون أن يرجع ذلك إلى القسمة نفذ
194

الصلح المذكور.
(مسألة 26): إذا كان بعض أموال الشركة دينا في ذمة الناس فقبض بعض
الشركاء حصته من الدين على أنها حصته التي يختص بها صح قبضه وبطلت
الشركة في الدين المذكور، وكذا إذا اشترى به شيئا من المدين أو صالحه عليه
بشئ أو أبرأ ذمته منه. نعم إذا كانت الشركة لازمة لم يصح منه القبض لنفسه، بل
لا يمكن التصرف في الدين إلا للشركة.
الشريك المأذون في التصرف، أو الذي له حق التصرف
بمقتضى عقد أو شرط لازم أمين لا يضمن ما تحت يده من المال المشترك إلا
بالتعدي أو التفريط.
(مسألة 28): إذا اشترى بعض الشركاء لنفسه فليس له أن يدفع الثمن من
مال الشركة إلا مع إذن الشركاء الراجع لإذنهم له في الاقتراض من مال الشركة
الذي تقدم بيان حكمه في المسألة (7)، وإذا دفع من دون إذنهم كان خائنا، لكن
ذلك لا يوجب بطلان الشراء، ولا وقوعه للشركة.
(مسألة 29): يكره مشاركة الكافر الكتابي فضلا عن غيره. نعم إذا شاركه
غيره وصار أمينا على المال من قبله حرم خيانته.
(مسألة 30): إذا كان لأحد عين قيمتها عشرون دينارا مثلا وللآخر عين
قيمتها ثلاثون دينارا واشتبهت إحدى العينين بالأخرى فلا تعرف ذات العشرين
من ذات الثلاثين، فإن خير أحدهما الآخر فاختار إحداهما فلا إشكال، وهو
راجع إلى الصلح بينهما على تعيين ما يملكه كل منهما أو تبديله، وإلا فإن كان
الغرض لكل منهما الحفاظ على مالية ماله بيعا معا وقسم الثمن بين المالكين
بنسبة قيمة إحدى العينين لقيمة الأخرى، فيعطى في المثال المذكور صاحب
العين التي قيمتها عشرون خمسي الثمن والآخر ثلاثة أخماسه، وإن كان الغرض
لكل منهما الحفاظ على خصوصية العين التي له فالمرجع القرعة.
هذا إذا كان الاشتباه في العينين أما إذا كان الاشتباه في المالكين، كما إذا
تميزت العين ذات العشرين دينارا عن الأخرى في المثال المتقدم وتردد المالك
لكل منهما فلا بد إما من الصلح بينهما أو الرجوع للقرعة.
195

كتاب السبق والرماية
السبق عقد يقتضي استحقاق السابق لجعل معين، والرماية عقد يقتضي
استحقاق الأجود رميا لجعل معين. وأطراف العقدين جميع المشتركين في
التسابق والمغالبة، ويضاف إليهم باذل الجعل إذا لم يكن منهم. ولا بد فيهما من
أمرين..
الأول: كون أطراف العقد نافذي التصرف بالبلوغ والعقل وعدم الحجر.
الثاني: الايجاب من بعضهم والقبول من الباقي، ويكفي كل ما يدل على
الالزام والالتزام بذلك من قول أو فعل كسائر العقود، وإذا تم لزم العقد ووجب
التسابق، ولا يجوز الامتناع عنه مع المطالبة إلا بعروض المبطل للعقد، كعجز
بعض الأطراف أو موته، أو بالتقايل الراجع لحل العقد.
هذا إذا ابتنى السبق والرماية على الالتزام بالتسابق ثم استحقاق الجعل
للسابق، نظير الإجارة. أما إذا ابتنيا على استحقاق السابق الجعل من دون إلزام
بالتسابق كانا من الايقاعات، وكفى فيهما الالتزام من باذل الجعل بجعله للسابق
من دون حاجة لالتزام الباقين، ولم يقتضيا وجوب التسابق، وجاز العدول عنهما
قبل العمل، كالجعالة وجرى عليهما حكمها.
(مسألة 1): يجوز السبق بكل ذي خف، وهو الإبل والفيلة، وبكل ذي
حافر، وهو الخيل والبغال والحمير. وتجوز الرماية بكل ذي نصل، وهو الحديدة
المحددة الموضوعة في طرف السلاح، كالسيف والرمح والسهم والحربة
ونحوها. ولا يجوز التسابق مع الرهن في غير ذلك، حتى الحمام على الأحوط
وجوبا، نعم يجوز اللعب والتسابق فيه بلا رهن، إلا أن يكون قمارا فيحرم، على
ما تقدم عند ذكر الكبائر من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(مسألة 2): يجوز أن يكون العوض عينا خارجية، وأن يكون ذميا كألف
197

دينار في ذمة الجاعل.
(مسألة 3): يجوز أن يكون العوض من أحد المتسابقين، ومن جميعهم،
كما لو بذل كل منهم مائة دينار للسابق بحيث يكون للسابق مجموع ما يبذله
الكل، كما يجوز أن يبذل العوض من غير المتسابقين.
(مسألة 4): لا يجوز جعل الرهان لغير السابق من المتسابقين، كما تعارف
في عصورنا مراهنة بعض المشاهدين على سبق أحد المتسابقين، بحيث لا
يكون سبق السابق سببا لاستحقاقه الرهان بنفسه، بل لاستحقاق أحد المتراهنين
له، فإن ذلك من الرهن المحرم، وهو المعروف في عصورنا بالرايسز.
(مسألة 5): لا بد في المسابقة من تحديد الجهات الدخيلة فيها، كالزمان
والمكان ومقدار الرمي ونحو ذلك، بنحو تنضبط به المسابقة ويحدد معيار
السبق واستحقاق الجعل، ولا يجب ما زاد على ذلك.
(مسألة 6): في المسابقات المحللة التي لا يجوز فيها الرهن إذا بذلت آلة
اللعب للمتسابقين مجانا فلا إشكال، وإن كانت بأجرة فلا يجوز الاتفاق على أن
يتحملها المغلوب وحده، ويجوز اشتراك المتسابقين فيها، أو تحمل بعضهم
المعين لها.
(مسألة 7): ينبغي للمؤمن أن يترفع عن اللهو واللعب وإن كان حلالا،
فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاثة: تأديبه فرسه ورميه
عن قوسه وملاعبته امرأته، فإنهن حق). ويتأكد ذلك فيما يبتني على المغالبة
والتسابق، فإنه يجر للتباهي والتفاخر والأشر والبطر، وهي من وسائل الشيطان
المهلكة. وكثيرا ما تكون عاقبة ذلك التنافر والتباغض والعدوان والتحاسد، ولا
أقل من كون ذلك مضيعة للوقت الثمين الذي هو رصيد الانسان في دنياه،
والذي يستطيع أن يكتسب به أربح المكاسب وينال به أسمى المطالب وأسنى
المراتب. ومنه سبحانه نستمد التوفيق والتسديد.
198

كتاب القرض والدين
القرض عقد يتضمن تمليك المال للغير مضمونا عليه. أما الدين فهو كل
ما انشغلت به الذمة، سواء كان بعقد - كبدل القرض في المقام، والمبيع في
السلم، والمهر المؤجل، وثمن المبيع وأجرة الإجارة إذا لم يكونا عينا خارجية -
أم بدونه كبدل المضمون باليد والاتلاف.
(مسألة 1): يعتبر في القرض ما يعتبر في سائر العقود من استقلال
المتعاقدين في التصرف بالبلوغ والعقل وعدم الحجر والسلطنة على المال،
وبدون ذلك لا ينفذ العقد ولا يترتب عليه الأثر. نعم إذا أخذ المقترض المال كان
ضامنا له وإن لم يملكه، إلا أن يكون المقترض غير مميز فإنه لا يضمن المال إذا
كان الدافع له مميزا، بل يكون الدافع مفرطا في دفع المال ولا ضمان له.
(مسألة 2): لا بد في نفوذ عقد القرض وترتب الأثر عليه من قبض
المقترض المال، فلا يملك المقترض المال قبل ذلك. بل لا يبعد توقف صدق
القرض على القبض المبني على الضمان العقدي، ولا يكفي في صدقه العقد
بدون القبض.
(مسألة 3): إذا تم عقد القرض وحصل القبض لزم العقد ولا يجوز
الرجوع فيه من أحدهما، فلو طلب المقرض إرجاع عين المال لم تجب إجابته،
وكذا لو طلب المقترض إرجاعه وفسخه العقد. نعم له الوفاء بعين المال الذي
أخذه.
(مسألة 4): يقع القرض في المثليات، وهي الأمور التي تقوم ماليتها
بنوعها أو صنفها دون خصوصياتها الفردية، كالنقود والذهب والفضة والحبوب
ومنتوجات المعامل ذات الماركات الخاصة وغيرها. وأما القيميات - وهي
الأمور التي تقوم مالياتها بخصوصياتها الفردية ككثير من المنتوجات اليدوية
199

والحيوانات - فالظاهر وقوع القرض فيها إذا كانت مماثلاتها في الصفات
الدخيلة في المالية عرفا ميسورة، وقصد ضمانها بمثلها حينئذ.
وإما إذا لم تكن مماثلاتها ميسورة أو لم يقصد ضمانها بمماثلاتها، بل
بقيمتها فلا يقع القرض بها. نعم تقدم في خاتمة كتاب الإجارة جواز بذل العين
مضمونة بقيمتها أو بعوض خاص، لكنه ليس من القرض، ولا يكون مملكا
للعين المبذولة.
(مسألة 5): يكره القرض، بل مطلق الدين مع إمكان الاستغناء عنه.
(مسألة 6): يجب نية الأداء عند الاقتراض، وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام:
أنها سبب - بعون الله تعالى - على الأداء، وأن من اقترض مالا وفي نيته أن لا
يؤديه فهو بمنزلة السارق.
(مسألة 7): يستحب إقراض المؤمن، وفيه أجر عظيم، وقد ورد أنه
أفضل من الصدقة.
(مسألة 8): يحرم اشتراط الزيادة للمقرض، وهو من الربا في الدين الذي
تقدم في التاسع من كتاب التجارة أنه القسم الثاني من الربا المحرم. ولو اشترط
الزيادة بطل الشرط ولا يبطل عقد القرض، فيملك المقترض المال وليس عليه
الزيادة.
(مسألة 9): لا فرق في الزيادة المحرمة بين العين والمنفعة - كسكنى
الدار وركوب الدابة - والصفة، كما لو أقرضه حنطة رديئة على أن يعطيه حنطة
جيدة، أو أقرضه نقودا من فئة خاصة على أن يعطيه من فئة أخرى خير منها، وقد
تكون نفعا خارجيا، كما لو أقرضه ألف دينار وشرط عليه أن يبيعه ثوبا بأقل من
قيمة المثل، بل مطلق البيع على الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا العموم لكل
شرط للمقترض على المقرض، سواء عاد نفعه لم أم لا، كما لو اشترط أن يعطي
مالا لشخص ثالث أو أن يبني المسجد، وسواء كان الملحوظ فيه المال أم لا، كما
لو اشترط أن يدعو له أو لأبيه أو للمؤمنين، نعم يجوز اشتراط الوفاء في غير بلد
القرض.
(مسألة 10): يجوز أن يشترط المقترض على المقرض شيئا له، سواء
200

كان عينا أم منفعة أم صفة أم غيرها، كما يجوز له اشتراط الأداء بأقل مما أخذ.
(مسألة 11): المحرم هو اشتراط الفائدة في القرض، ولا يحرم العكس،
وهو اشتراط القرض في الفائدة، كما لو وهب زيد عمرا عشرة دنانير على أن
يقرضه عمرو مائة دينار، أو آجره داره بأقل من ثمن المثل على أن يقرضه مبلغا
من المال، وغير ذلك.
(مسألة 12): يجوز للمقرض قبول الهبة وكل فائدة من المقترض إذا لم
تكن مشروطة في القرض، نعم هو مكروه، والأولى له أن يحتسب الهبة من
دينه، كما يجوز الوفاء بالأجود والأكثر من دون شرط، بل يستحب ذلك
للمقترض.
(مسألة 13): لا يجوز تأجيل القرض الحال بل مطلق الدين بزيادة فيه،
وكذا إطالة أجل الدين المؤجل، بل هو من الربا المحرم. نعم يمكن التخلص من
الحرمة بايقاع معاملة تثمر ذلك، مثلا: يبيع المدين متاعا من الدائن بدينه ثم
يشتريه منه بأكثر منه إلى أجل، أو يهب المدين للدائن شيئا ويشترط عليه أن
يؤجل دينه، أو غير ذلك مما يتضح بملاحظة ضوابط الربا المحرم.
(مسألة 14): يجوز تعجيل القرض المؤجل بل مطلق الدين المؤجل
بإسقاط بعضه.
(مسألة 15): لا يختص الربا في الدين بالمكيل والموزون، بل يجري في
غيرهما أيضا، وليس هو كالربا المعاملي.
(مسألة 16): ما تقدم في الربا المعاملي من حكم أكل الربا عمدا أو
بجهالة، وميراث المال ممن يأخذ الربا جار في ربا القرض فراجع.
(مسألة 17): يجوز أن يشترط في عقد القرض جعل رهن على المال
المقترض، كما يجوز اشتراط التوثق منه بغير الرهن، كالاقرار والاشهاد
ونحوهما. كما يجوز أن يشترط في عقد آخر التوثق من القرض بل مطلق الدين
بالرهن أو غيره.
(مسألة 18): إطلاق القرض يقتضي عدم التأجيل، لكن ظاهر حال
المقرض حينئذ الإذن بتأخير وفائه، فلا يجب على المقترض المبادرة لوفائه إلا مع
201

ظهور أمارة عدم الرضا بالتأخير من المقرض، فيجب الوفاء حينئذ فضلا عما
إذا طلب الوفاء.
(مسألة 19): يجوز اشتراط الأجل في عقد القرض، كما يجوز اشتراط
تأجيل القرض بل مطلق الدين في عقد آخر، وله حينئذ صورت ثلاث..
الأولى: أن يكون المشترط هو المقترض، فيكون مفاد الشرط أن التأخير
حق له وحده، وحينئذ لا يجوز للمقرض الالزام بالوفاء قبل الأجل، ولا يجب
على المقترض الوفاء لو طالبه قبله، نعم يجوز له المبادرة للوفاء قبل الأجل وإن
لم يطالبه المقرض ويجب على المقرض القبول.
الثانية: أن يكون المشترط هو المقرض دون المقترض، كما لو كان
عاجزا عن حفظ المال قبل الأجل فاشترط الأجل كي لا يعترض ماله للخطر لو
حصل الوفاء قبله وأجابه المقترض لذلك مع استعداده للتعجيل لو قدر عليه
وقبل به المقرض، وحينئذ لا يجب على المقرض القبول لو أراد المقترض
الوفاء قبل الأجل. أما لو طالب المقرض بالوفاء قبل الأجل فاللازم على
المقترض المبادرة مع القدرة.
الثالثة: أن يكون الشرط لهما معا، وحينئذ لا يجوز للمقرض الالزام
بالوفاء قبل الأجل، ولا يجب على المقترض المبادرة لو طالب به، كما أنه لا
يجب على المقرض القبول لو أراد المقترض المبادرة بالوفاء قبل الأجل.
والشايع هو الصورة الأولى، وهي المفهومة من إطلاق اشتراط الأجل،
وبعدها الثالثة، وأما الثانية فهي أبعد الصور عن ظاهر الاشتراط، ويحتاج الحمل
عليها إلى عناية خاصة.
(مسألة 20): لا يتأجل الدين الحال برضا الدائن بالتأجيل إذا لم يشترط
الأجل في عقد القرض أما لو عدل وطالب بالأداء فإنه يجب على المدين المبادرة له
ولا ينتظر الأجل.
(مسألة 21): يجب على المدين - إذا كان واجدا - إذا كان واجدا - المبادرة لأداء الدين
غير المؤجل إذا ظهرت على الدائن أمارة عدم الرضا بتأخير الأداء، كما يجب
202

عليه المبادرة لأداء الدين المؤجل إذا حل أجله، ولا يحل له حبسه في المقامين،
بل هو من الكبائر. أما لو كان عاجزا فالأحرى به ملاطفة الدائن وحسن الاعتذار
منه، وإرضاؤه مهما أمكن.
(مسألة 22): إذا لم يؤد المدين الدين الحال مع قدرته على أدائه جاز
للدائن أو وليه أو وكيله مطالبته، وإذا امتنع جاز إجباره، وإذا انحصر الأمر باللجوء
لحاكم الجور جاز. نعم مع التنازع وإمكان الرجوع للحاكم الشرعي لا يجوز
الترافع لحاكم الجور، كما تقدم في مسائل التقليد.
(مسألة 23): إذا أراد المدين وفاء الدين وجب على الدائن القبول، إلا إذا
كان الدين مؤجلا لم يحل أجله وكان الأجل شرطا للدائن وحده أو مع المدين،
كما سبق في المسألة (19).
وإذا امتنع الدائن من القبول مع وجوبه عليه جاز إجباره، وإذا تعذر جاز
التسليم للحاكم الشرعي بدلا عنه، وإن امتنع الحاكم الشرعي من قبض المال
كفى في فراغ ذمة المدين تمكينه للدائن من المال والتخلية بينه وبينه، والأحوط
وجوبا عدم الاكتفاء بذلك إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي إن أمكن.
(مسألة 24): يكفي في وجدان المدين الملزم له بالوفاء والمسوغ لالزامه
به أن يكون له ما يقدر على وفاء دينه به من نقد أو دين أو عروض أو عقار
أو ضياع، فيجب عليه الوفاء مع القدرة على ذلك، وبيع ما يتوقف الوفاء به على
البيع، وغير ذلك.
(مسألة 25): لا يجب على المدين بيع دار سكناه وثياب تجمله ونحو
ذلك من ضرورياته العرفية لوفاء دينه، كما لا يجب بذل ما يحتاج إليه لمعاشه
من رأس مال أو آلة عمل أو عقار يدر عليه قوت سنته، فإن ذلك كله مستثنى من
وجوب وفاء الدين. نعم إذا كان له فضل في ذلك وجب بذله، كما لو كان في
داره سعة وأمكنه بيع بعضها أو استبدالها بأصغر منها، وكذا لو أمكنه الاقتصار في
آلة العمل أو العقار أو رأس المال على البعض، أو استبداله بالأقل بحيث يكفيه
للمعاش، فإنه يجب بذل الزائد.
(مسألة 26): إذا أمكنه الاستغناء عن دار السكن بدار موقوفة ولم يكن
203

الانتقال إليها حرجا عليه فالظاهر عدم استثنائها، بل يجب بذلها لوفاء الدين،
وكذا الحال في غيرها من المستثنيات. بل هو الظاهر في رأس المال وآلة العمل
والعقار إذا أمكن الاستعاضة عنها في المعاش بعمل يكفيه ويناسب حاله من
دون مهانة أو حرج، فإنه يجب حينئذ بذلها لوفاء الدين.
(مسألة 27): إذا لم يكن عنده بعض المستثنيات لا يجوز استثناء
مقدارها مما عنده، بل يجب وفاء الدين بما عنده وإن بقي فاقدا لذلك الشئ.
(مسألة 28): إذا رضي ببيع بعض المستثنيات ووفاء الدين بثمنه فالأولى
للدائن أن لا يقبل ذلك، فضلا عن أن يحمله عليه ويشجعه، لكن لو فعل ووفى
الدين به جاز القبول، بل وجب مع إصراره على ذلك.
(مسألة 29): المستثنيات المذكورة إنما تستثنى في حياة المدين، أما إذا
مات فيتعلق الدين بها ولا يجوز للورثة التصرف فيها إلا بعد وفاء الدين أو
مراجعة الدائن.
(مسألة 30): إذا اشترط الدائن على المدين في عقد القرض أو في عقد
آخر بيع المستثنيات أو بعضها لوفاء الدين صح الشرط، ووجب العمل عليه.
(مسألة 31): إذا قدر المدين على التكسب لوفاء دينه بنحو يليق بحاله
وجب عليه ذلك.
(مسألة 32): لا يجب على المدين الاسترفاد والاستيهاب وطلب الحق
الشرعي - كالخمس والزكاة - والتعرض للصدقات ونحوها، نعم الأحوط وجوبا
له قبول ذلك مع بذله إذا لم يكن فيه مهانة عليه.
(مسألة 33): إذا كان عنده ما يجب وفاء الدين به لكن لم يتيسر بيعه إلا
بدون قيمة المثل وجب بيعه، إلا أن يكون الفرق كثيرا بحيث يكون إقدامه عليه
في مثل حاله تضييعا للمال عرفا، ففي وجوب البيع عليه حينئذ إشكال،
خصوصا إذا كان ذلك مؤقتا، ولا يلزم منه الانتظار طويلا. نعم إذا أمكن
الاقتراض على المال المذكور والمبادرة لوفاء الدين فالظاهر وجوب الوفاء
حينئذ.
(مسألة 34): إذا عين المدين مالا لوفاء الدين لم يتعين له ولم يتحقق
204

الوفاء به إلا مع رضا الدائن بذلك، سواء قبضه أم لا، ومنه ما لو عين له موضعا
خاصا فوضعه المدين فيه، كما لو قال له: ضعه في صندوقي، أو على باب الدار،
أو ادفعه لزيد، أو نحو ذلك. أما إذا لم يرض الدائن بتعيين المدين فإن المال
يبقى على ملك المدين، وتبقى ذمته مشغولة بالدين فله الوفاء بغيره، ولو حصل
منه نماء كان له، ولو تلف كان من ماله. نعم يسقط اعتبار رضاه بامتناعه من
استيفاء الدين، كما سبق في المسألة (23).
(مسألة 35): إذا دفع المدين لشخص مالا ليوصله للدائن وفاء عن دينه،
فتصرف الوسيط في المال - عمدا أو غفلة - تصرفا غير مأذون فيه فإنه يضمن
المال للمدين لا للدائن، فلا يكفيه مراجعة الدائن أو دفع دينه له في براءة ذمته،
بل لا بد فيها من مراجعة المدين. وكذلك الحال في كل من دفع ماله لشخص
ليوصله الآخر هدية أو ثمن مبيع أو حقا شرعيا أو غير ذلك، فإن الوسيط لو
ضمن المال - بأحد موجبات الضمان - لم يبرأ من الضمان إلا بمراجعة الدافع،
لا يكفيه مراجعة الشخص المطلوب منه إيصال المال إليه، ولا دفع بدل المار
له. وهذا أمر يغفل عنه كثير من الناس فاللازم التنبه له.
نعم إذا كان الوسيط وكيلا عن الشخص الذي يوصل المال إليه في قبض
المال عنه، فقبضه عنه وصار المال في يده ملكا له فإنه إذا ضمن المال بأحد
أسباب الضمان يتعين مراجعة موكله في براءة ذمته، ولا يحتاج إلى مراجعة
الدافع.
(مسألة 36): إذا مات المدين تعلق الدين بتركته وكان مقدما على
الوصية. نعم يتقدم عليه الكفن الواجب، كما يتقدم عليه حج الاسلام إذا
انشغلت به ذمته في حياته.
(مسألة 37): إذا اشترى متاعا ولم يؤد ثمنه حتى مات، فإن وجد البايع
متاعه بعينه كان له أخذه إلا أن تقصر تركة الميت عن ديونه فليس للبايع أن
يأخذ متاعه، بل يأخذ من التركة بنسبة دينه، ولا فرق في المقامين بين أن يكون
عدم دفع الثمن لكونه مؤجلا وأن لا يكون كذلك.
(مسألة 38): إذا مات الشخص وعليه دين مؤجل حل دينه وسقط
205

الأجل، فليس للورثة تأخير الوفاء من تركته، أما إذا كان له دين مؤجل على الغير
ففي سقوط الأجل إشكال، والأحوط وجوبا الصلح والتراضي.
(مسألة 39): إذا كان الدين نقدا تابعا لدولة معينة وجب الوفاء من نقد
تلك الدولة - وإن اختلفت طبعاته أو فئاته - بشرط أن لا تسقط الدولة الطبعة أو
الفئة عن الاعتبار، فإذا اقترض من فئة العشرات مثلا جاز الوفاء بفئة المئات. نعم
إذا اشترط في عقد القرض الوفاء من الفئة التي وقع القرض بها لزم الشرط، أما
إذا اشترط الوفاء من غيرها، فإن كان المشترط هو المقترض صح الشرط، وإن
كان المشترط هو المقرض بطل. وإذا صح الشرط لم يجب دفع غيرها إذا
أسقطتها الدولة. إلا أن يرجع الشرط إلى اشتراط ترجيحها مع إقرار الدولة لها من
دون أن ينحصر الوفاء بها، كما لعله الأظهر من حال المشترط، خصوصا إذا كان
هو المقرض.
(مسألة 40): إذا اختلفت قيمة الشئ المدين لم يختلف مقداره في مقام
الوفاء، فإذا كان الدين طنا من الحنطة وجب الوفاء بالطن، ولا ينقص بارتفاع
قيمة الحنطة ولا يزيد بنقص قيمتها، ويترتب على ذلك عدم اختلاف الوفاء إذا
كان الدين نقدا ورقيا عملة لدولة معينة باختلاف قيمة النقد المذكور بالإضافة
إلى عملة دولة أخرى، أو بالإضافة إلى الذهب، أو غيره من أنواع العروض.
(مسألة 41): إذا اشترط الدائن الوفاء على ما يناسب قيمة الدين في وقته
لعملة أخرى أو لعروض خاص من ذهب أو غيره، كما إذا كان مقدار الدين من
النقد يعادل مائة غرام من الذهب فاشترط الوفاء بما يعادل مائة غرام منه سواء
ارتفعت قيمة العملة أم هبطت، فله صور..
الأولى: أن يكون الدين قرضا ويقع الشرط في عقد القرض.
الثانية: أن يكون الدين قرضا ويقع الشرط في ضمن عقد آخر.
الثالثة: أن لا يكون الدين قرضا، بل بسبب عقد آخر - كثمن مبيع أو مهر
نكاح أو غيرهما - ويقع الشرط في ضمن العقد الذي استحق به، أو في ضمن
عقد آخر. ويصح الشرط في الصورتين الأخيرتين، ولا يصح في الصورة الأولى.
أما لو كان المشترط هو المدين فيصح الشرط حيت في الصورة الأولى.
206

هذا، وللمشترط في جميع الصور التي يصح فيه الشرط إسقاط شرطه،
فيكون كالعدم.
(مسألة 42): لا يجوز بيع الدين بالدين، والمراد أنه يكون لشخص دين
في ذمة غيره ولآخر دين في ذمة غيره أيضا، فيتبايعان على الدينين بحيث يكون
أحد الدينين ثمنا للآخر، سواء كانا حالين أم مؤجلين أم مختلفين، وسواء كان
الدينان على غيرهما - كما لو كان لمحمد دين في ذمة علي ولحسن دين في ذمة
حسين، فيبيع محمد دينه في ذمة علي على حسن بدينه في ذمة حسين، وتكون
النتيجة أن يصير حسين مدينا لمحمد وعلى مدينا لحسن - أم كانا عليهما - كما
لو كان لمحمد دين من حنطة على علي، ولعلي دين من دنانير على محمد،
فيبيع محمد حنطته على علي بدنانيره - وتكون النتيجة براءة ذمتهما معا. نعم
يمكن الاستعاضة عن الثاني بإبراء كل منهما الآخر من دينه أو المصالحة بينهما
على براءة ذمة كل منهما مما عليه.
والظاهر جواز ما عدا ذلك، سواء كان أحد العوضين خارجيا والآخر ذميا
- دينا قبل البيع أو دينا بعد البيع - أم كانا معا ذميين. وإن كان الأحوط استحبابا
عدم بيع الذمي بالذمي ولا سيما إذا كان معا مؤجلين. نعم لا بد من مراعاة ما تقدم
في البيع قبل القبض من أحكام القبض وفي بيع السلف.
(مسألة 43): إذا بيع الدين بأقل منه من جنسه، أو بأقل قيمة منه من غير
جنسه ففي استحقاق المشتري على المدين من الدين ما زاد على مقدار الثمن
الذي اشترى به الدين إشكال، والأحوط وجوبا التصالح بينهما.
(مسألة 44): إذا بيع الدين الذي في ذمة الغير، فإن تعذر تحصيله جرى
عليه حكم تلف المبيع قبل قبضه من تلفه من مال البايع واستحقاق المشتري
الثمن الذي دفعه لا غير. وإذا تعهد البايع، فإن رجع إلى اشتراط استحقاق فسخ
البيع عند تعذر تحصيله لم يستحق المشتري إلا الثمن الذي دفعه، وإن رجع إلى
اشتراط دفعه بدلا عن المدين استحق المشتري تمام الدين الذي اشتراه. إلا أن
رجوع البايع على المدين بما دفع موقوف على استئذانه في دفع الدين عنه
للمشتري، ولا يستحق ذلك مع عدمه بعد عدم كونه مدينا له بل للمشتري.
207

نعم إذا كان الدين معرضا للتلف حين بيعه جاز بيعه مع الضميمة، ولا رجوع حينئذ.
(مسألة 45): تعارف في عصورنا تنزيل الكمبيالات، وذلك بأن يكون
لشخص دين على آخر إلى أجل فيدفع له به كمبيالة عليه، فإذا أراد تعجيل المال
نزل الكمبيالة المذكورة لصالح شخص ثالث بمبلغ أقل يدفعه له نقدا، وهو
مشكل شرعا، لأنه إن رجع إلى اقتراض المبلغ المذكور من الثالث على أن
يستلم بدله الدين الذي تضمنته الكمبيالة في وقته كان قرضا ربويا محرما، وإن
رجع إلى بيع الدين المذكور بالمبلغ المعجل - كما لعله الأظهر - فهو وإن لم
يستلزم الربا المحرم، لأن نقود هذه الأيام ليست من المكيل والموزون ليلزم من
الزيادة في أحد العوضين الربا المحرم، إلا أنه يجري فيه ما تقدم في
المسألة (43) من الاشكال في استحقاق مشتري الدين بأقل منه على المدين ما
زاد على مقدار الثمن الذي اشترى به الدين، مع أنه عند عدم دفع من عليه
الكمبيالة للدين يجري ما تقدم في المسألة السابقة.
(مسألة 46): تعارف في عصورنا أيضا تنزيل كمبيالة المجاملة، وذلك
بأن يحتاج شخص لمقدار من المال، فيدفع له شخص آخر كمبيالة تتضمن دينا
مؤجلا عليه من دون أن يكون مدينا له حقيقة، فيأخذ الأول الكمبيالة منه وينزلها
لحساب شخص ثالث مع خصم مبلغ منها في مقابل تعجيل المال، ولا إشكال
في بطلان المعاملة مع جهل الشخص الثالث بالحال، لترددها بين القرض
الربوي والبيع من دون مبيع. أما مع علمه بالحال فقد توجه بأحد وجهين..
الأول: رجوعها إلى توكيل موقع الكمبيالة الأول بأن يبيع في ذمته المبلغ
المذكور في الكمبيالة بالثمن الأقل معجلا، ثم يقترض الثمن المذكور منه. لكن
لازم ذلك دفع موقع الكمبيالة تمام المبلغ المذكور فيها لأنه مملوك عليه، وعدم
رجوعه على الشخص الأول إلا بالمقدار الذي اقترضه منه وهو الذي أخذه بعد
التنزيل والخصم.
الثاني: رجوعها إلى بيع من له الكمبيالة المقدار الذي تضمنته في ذمته
مؤجلا بالثمن الأقل معجلا، ويكون مرجع توقيع الكمبيالة من قبل الشخص
الأول إلى كفالته للبايع كفالة عرفية - التي يأتي الكلام فيها في الكفالة - فهو
208

متعهد بدفع المبلغ الذي باعه عنه إن لم يدفعه هو. لكنه يشكل بالزيادة بين
العوضين من دون فرق بينهما إلا بالزمان الذي تقدم في المسألة (1) من بيع الربا
الاشكال في جوازه، ومن هنا يصعب تصحيح هذه المعاملة إلا بتدارك جهات
الاشكال التي أشرنا إليها.
(مسألة 47): لما كانت الصكوك المصرفية حوالة بالمال الذي تتضمنه
من دون أن تكون بنفسها مالا فإن دفعها على أحد وجهين..
الأول: أن يقصد دافع الصك تمليك مبلغ له على البنك بقدر المبلغ الذي
تضمنه الصك، إما ببيعه أو بجعله ثمنا في مبيع أو نحوهما، وحينئذ يجري عليه
حكم بيع ما في ذمة الغير أو نحوه، فلا يجوز بيعه إذا لم يكن له في ذمة صاحب
البنك مال، كما يتعارف كثيرا دفع الصك قبل رصد ما يقابله في البنك على أن
يكون سحبه بعد ذلك أولا لأن دفعه على حسابه المكشوف، كما لا يجوز لدافع
الصك سحب تمام رصيده في البنك حتى إذا كان من عزمه إرجاع المبلغ الذي
تضمنه الصك قبل حلول وقت قبضه المتفق عليه. وإذا امتنع البنك من الدفع
تبطل المعاملة ويرجع آخذ الصك بما دفعه فقط، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه
فهو من مال بايعه... إلى غير ذلك.
الثاني: أن يقصد بدفع الصك الحوالة العرفية - التي يأتي الكلام فيها في
الحوالة - على البنك بالمبلغ المذكور من دون تمليك لشئ في ذمة البنك، بل
إذا كانت هناك معاملة تتضمن التمليك فالتمليك يكون في ذمة دافع الصك
نفسه، وحينئذ يجري على المعاملة المذكورة حكم المعاملة على شئ في ذمة
المتعامل نفسه، فيشكل بيع المبلغ بأقل منه إذا كان الفارق بينهما الزمن لا غير،
كما تقدم في المسألة (1) من بيع الربا. وأما التحويل ودفع الصك فهو خارج عن
صلب المعاملة، نعم قد يكون شرطا فيها زائدا عليها، فيلحقه حكم الشرط.
(مسألة 48): الظاهر أن سندات القرض - بمقتضى وضعها القانوني -
وثيقة على المال الذي تضمنته فصاحبها مالك لذلك المال، وليست هي بأنفسها
مالا بلحاظ إمكان تحصيل المال بسببها من دون أن يكون مملوكا بنفسه قبل
تحصيله بها، فهي نظير الكمبيالة بمبلغ معين، لا نظير النقود ذات المالية بلحاظ
209

تعهد الدولة بها وجعلها الرصيد لها، ولا نظير الطوابع البريدية، ولا نظير الشبكة
التي يمكن بها تحصيل الصيد. ودفع المال بإزاء تحصيل السندات المذكورة أو
المحافظة عليها ليس لتقوم المالية بها من دون نظر للمبلغ الذي تضمنه.
وعلى ذلك يكون دفع المال وتحصيل السندات المذكورة من الجهة التي
جعلتها على نفسها إقراضا للمال المدفوع لتلك الجهة، ويجري عليه حكم
القرض من حرمة الزيادة فيه، لأنها ربا محرم، كما أن بيعها ثانيا يجري عليه
حكم بيع الدين، وإذا كان بعضه فائدة ربوية بطل البيع فيه بالنسبة، كما لا يستحق
المشتري الزيادة المتجددة، لأنها ربا محرم. نعم لو كانت بنفسها مالا لصح
شراؤها من الجهة التي تصدرها كما يصح بيعها من المشتري لها وشراؤها منه،
وإن اختلف ثمنها وزاد.
(مسألة 49): ما تقدم في أحكام المسائل الأربع يختص بما إذا كانت
الجهة التي تكون طرفا للمعاملة ويتحصل منها المال جهة مالكة، وحينئذ إن
كانت محترمة المال لزم التوقف عن التعامل معها في مورد بطلان المعاملة وحرم
المال المأخوذ منها بسبب المعاملة المذكورة، إلا بتحليل خاص منها بعد
الالتفات لبطلان المعاملة، أو تكون تلك الجهة مخالفة في الدين وترى صحة
المعاملة فيجوز أخذ المال حينئذ من باب الالزام، وإن لم تكن محترمة المال
أمكن استنقاذ المال منها من طريق المعاملات المذكورة الربوية التي يحل أخذها من
الكافر الحربي.
أما إذا لم تكن مالكة شرعا وكان المال المأخوذ منها مجهول المالك،
فالمعاملة معها باطلة على كل حال. نعم يحل إيقاع صورة المعاملة ودفع المال
للجهة المذكورة بداعي التسلط على المال المجهول المالك، فيؤخذ المال
ويحل بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه.
هذا، وأما إذا كانت الجهة التي يتعامل معها مالكة محترمة المال إلا أنها
تدفع المال بالتحويل على الجهات غير المالكة والتي يكون المال المأخوذ منها
210

مجهول المالك - كبعض البنوك الحكومية - فالأحكام المذكورة سابقا تجري
على التعامل معها، لكن يمكن قبض المال بسبب التعامل معها وتحليله بعد
إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. وهكذا الحال في جميع المعاملات غير
الصحيحة إذا أجريت مع جهة مالكة محترمة وكان دفعها للمال بالتحويل على
جهة غير مالكة يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك.
وأولى من ذلك أن تستبدل المعاملات المتقدمة - في مورد الاشكال فيها
- بنحو من الصلح بين تلك الجهة والطرف الآخر، على أن يدفع الطرف المذكور
لتلك الجهة المال في مقابل تسليطه - بدفع الكمبيالة أو الصك أو السند - على
أخذ المال من الجهة المحول عليها من أجل تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول
المالك عليه. وهذا جار في جميع المعاملات - صحيحة كانت أو باطلة - التي
يكون طرفها محترم المال لكن يدفع المال بالتحويل على الجهة غير المالكة
التي يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك، كما سبق في المسألة (64) من
مقدمة المكاسب، فراجع.
(مسألة 50): إذا باع الكافر شيئا من المحرمات - كالخمر والخنزير - على
كافر مثله حرم عليه ثمنه، لكن لو قبض الثمن جاز للمسلم أخذه منه وفاء عن
دين له عليه، أو ثمنا في معاوضة بينهما. بل لو أسلم الكافر قبل قبض الثمن جاز
له أخذه من المشتري، كما تقدم في المكاسب المحرمة.
(مسألة 51): إذا اقتسم الشريكان الدين بينهما فتلفت حصة أحدهما كان
التلف من المجموع وبطلت القسمة، كما تقدم في المسألة (25) من كتاب
الشركة.
(مسألة 52): إذا لم يقدر المدين على الوصول للدائن أو من يقوم مقامه
ليوفيه دينه وجب عليه العزم على الوفاء لو قدر عليه والوصية بالدين توثقا له
والسعي للوصول إليه مع الامكان، وكفاه ذلك مهما طال الزمان، حتى مع اليأس
من معرفته والوصول إليه. ولا يجب عليه حينئذ التصدق عنه بقدر الدين، بل لا
يجزيه التصدق في براءة ذمته من الدين، وليس هو كالمال الخارجي المجهول
المالك في وجوب التصدق به عن صاحبه.
211

وأما ما ذهب إليه جمع من فقهائنا - رفع الله تعالى شأنهم - في العصور
القريبة من وجوب التصدق والاجتزاء به واشتهر بين المتشرعة باسم (رد
المظالم) فإنه لم يثبت عندنا، نعم لا بأس بالعمل عليه احتياطا وبرجاء المطلوبية
والوفاء، من دون بناء على براءة الذمة من الدين بذلك.
(مسألة 53): إذا غاب صاحب الدين وانقطع خبره فإن علم بموته وجب
دفع الدين لورثته وإن علم بحياته جرى ما تقدم في المسألة السابقة، وإن احتمل
موته في غيبته جاز بل وجب دفعه إلى ورثته بعد أربع سنين من الفحص عنه في
الأرض، كما يجب دفعه لهم بعد عشر سنين من غيبته وانقطاع خبره، وإن لم
يفحص عنه في الأرض. أما لو كان انقطاع خبر صاحب الدين والعجز عن
الوصول إليه لأمر طارئ على المدين نفسه - من غيبة أو سجن أو نحوهما - فلا
يجوز له دفع الدين للوارث حتى إذا لم يعلم بموت صاحب الدين أو تقوم عليه
حجة شرعية مهما طال الزمان، وجرى عليه ما تقدم في المسألة السابقة.
(مسألة 54): إذا وجب دفع الدين للورثة - للعلم بموت صاحب الدين أو
الحكم به شرعا - فلا يكفي الدفع لبعضهم، أو لمن يتولى إدارة أمورهم ما لم
تثبت ولايته، أو وكالته عنهم جميعا، بل يلزم مع عدم ثبوت ذلك إحراز وصول
حصة كل واحد منهم من الدين له والتوثق من ذلك. وإذا ادعى بعض الورثة عدم
وصول حقه له وجب على المدين تصديقه ما لم يثبت كذبه. وكذا الحال في
جميع ما يجب إيصاله لورثة الميت من أمواله التي في أيدي الناس.
(مسألة 55): إذا وجب دفع الدين للوارث ولم يعرف الوارث، فإن علم
بوجود وارث لصاحب الدين غير الإمام عليه السلام إلا أنه مجهول الشخص أو المكان
جرى عليه ما تقدم في المسألة (52) من حكم تعذر الوصول لصاحب الدين،
وإن لم يعلم بوجود وارث له غير الإمام كان الدين من الأنفال التي هي ملك
الإمام عليه السلام ووجب مراجعة الحاكم الشرعي فيه، والأحوط وجوبا حينئذ تقديم
فقراء بلد الميت إذا كان له بلد معروف، فيصرف فيهم بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 56): إذا حل الدين وجب على المدين وفاؤه في أي مكان يصل
فيه المال للدائن، إلا مع تعيين مكان التسليم في عقد لازم فيجب الاقتصار عليه.
212

(مسألة 57): إطلاق القرض يقتضي استحقاق المقرض على المقترض
التسليم في بلد القرض، بمعنى وجوب ذلك عليه وإن استلزم ضررا عليه أو
صرف مال زائد على الدين، ولا يجب عليه التسليم في غيره إذا طالبه المقرض
إلا إذا لم يستلزم شيئا من ذلك، فالأحوط وجوبا حينئذ الوفاء.
(مسألة 58): يجب إنظار المعسر ولا يجوز التضييق عليه وإلزامه بالوفاء،
كما يستحب ترك الحق له أو بعضه وإبراؤه منه.
(مسألة 59): يستحب الرفق في طلب الدين حتى مع يسار المدين.
ويكره المداقة والاستقصاء في الاستيفاء.
(مسألة 60): يستحب قضاء دين الأبوين، خصوصا بعد وفاتهما، كما
يستحب تحليل المؤمن الحي فضلا عن الميت من الدين الذي عليه.
213

تتميم: في المقاصة
من كان له عند غيره مال - عينا كان أو دينا - بنحو يمتنع من دفعه إليه ثم
قدر صاحب المال على مال للشخص الذي أخذ ماله كان له أن يقاصه من دون
أن يعلمه، بأن يأخذ من ماله الذي قدر عليه بمقدار ما أخذ هو منه، سواء كان
امتناع آخذ المال الأول من إرجاعه لتعمد غصبه، أم لجهله باستحقاق صاحبه له.
نعم هو مكروه، خصوصا في موارد:
الأول: إذا كان مال الممتنع قد وقع بيد صاحب الحق الأول على وجه
الأمانة.
الثاني: إذا كان صاحب المال الأول قد احتسب المال المأخوذ منه عند الله
تعالى.
الثالث: إذا حلف آخذ المال الأول على عدم استحقاقه عليه. بل الأحوط
وجوبا ترك المقاصة إذا كان حلفه بطلب من صاحب المال الأول، بأن استحلفه
فحلف.
(مسألة 61): يستحب لمن يريد أخذ المقاصة أن يقول حين أخذه:
(اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني، وإني لم آخذ الذي أخذته
خيانة ولا ظلما) وروي الدعاء بوجوه أخر لا يسعنا استقصاؤها.
(مسألة 62): الأحوط وجوبا عدم المقاصة مع عدم امتناع آخذ المال
الأول، بل كان أخذه جهلا به مع تعذر مراجعته، نعم لو تعذرت مراجعته في
المال الثاني أيضا وهو المال الذي له عند صاحب المال الأول فقد يتسنى أخذ
المال المذكور مقاصة، لكن بعد مراجعة الحاكم الشرعي، فإنه قد يرى بمقتضى
ولايته على الغائب تفريغ ذمته من الحق الذي عليه بذلك المال.
والحمد لله رب العالمين.
214

كتاب الرهن والكفالة
والضمان والحوالة
وفيه أربعة فصول..
الفصل الأول
في الرهن
وهو اتفاق يتضمن جعل مال وثيقة على دين ليستوفي منه صاحب الدين
دينه، فهو يتضمن جعل حق لصاحب الدين في الوثيقة المذكورة يقتضي
حجرها لذلك. والشئ المجعول وثيقة هو المرهون وقد يطلق عليه لفظ الرهن
أيضا، والمدين هو الراهن، وصاحب الدين هو المرتهن. والكلام في ذلك يقع
في ضمن مباحث..
215

المبحث الأول
في إنشاء الرهن
لا بد في تحقق الرهن من التزام الراهن بمضمونه وقبول المرتهن به.
ويكفي فيه كل ما يدل على ذلك من قول أو فعل، ويقع على وجهين..
الأول: أن يلتزم به استقلالا، إما ابتداء أو جريا على اشتراطه في ضمن
عقد لازم، كعقد القرض فيقول المدين للدائن مثلا: رهنتك هذا الثوب على
دينك، فيقبل الدائن بذلك.
الثاني: أن يلتزم به في ضمن عقد لازم، كعقد القرض أو غيره، فيقول
المقرض مثلا: أقرضتك هذه المائة دينار على أن يكون هذا الثوب رهنا عليها،
فيقبل المقترض بذلك، أو يقول الدائن: بعتك هذا الدفتر بهذا الدينار على أن
يكون ثوبك هذا رهنا على دينك، فيقبل المدين.
(مسألة 1): الرهن من الانشاءات اللازمة بالأصل، ولا يجوز الرجوع فيها
لأحد الطرفين إلا بالتقايل أو بطروء أحد أسباب الخيار العامة، كتخلف الشرط
الصريح أو الضمني. نعم يجوز للمرتهن إسقاط حقه من المال المرهون متى
شاء، فينفذ عليه، ولا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، لكنه ليس فسخا للرهن، بل
هو نظير الابراء من الدين لا يكون فسخا للعقد الذي أوجبه.
(مسألة 2): يصح الرهن ويلزم بمجرد اتفاق الطرفين عليه، ولا يتوقف
صحته ولا لزومه على قبض المرتهن للمال المرهون.
(مسألة 3): يسقط حق الرهن ببراءة ذمة من عليه الدين من الدين الذي
وقع الرهن له بتمامه، ولا يكفي براءته من بعضه في سقوط حق الرهن عن
بعض المال بنسبته، فضلا عن سقوطه عنه بتمامه.
(مسألة 4): إذا كان للمرتهن على الراهن دينان وكان الرهن على أحدهما
دون الآخر، فإذا برئت ذمة الراهن من الدين الذي عليه الرهن لم يكن للمرتهن
216

إمساك المال المرهون ليكون رهنا على الدين الآخر، بل يجب تسليمه للراهن
مع مطالبته به.
(مسألة 5): إذا تلف المال المرهون أو سقط عن قابلية استيفاء الحق منه،
فإن كان بوجه مضمون قام بدله مقامه في كونه رهنا على الحق، وإن لم يكن
مضمونا بطل الرهن، ولا يجب على الراهن إبداله بغيره إلا إذا سبق اشتراط ذلك
عليه في الرهن أو في عقد آخر.
(مسألة 6): يعتبر في الراهن والمرتهن الكمال والبلوغ والعقل وعدم
الاكراه، كما يعتبر في الراهن ملك المال المرهون وعدم الحجر بسفه أو فلس،
ولا يعتبر ذلك في المرتهن، لعدم كون الرهن تصرفا في ماله. وإذا كان أحد
الطرفين قاصرا قام وليه مقامه، كما يقوم الوكيل مقام الأصيل في ذلك.
(مسألة 7): إذا وقع الرهن مع قصور سلطنة أحد الطرفين كان فضوليا
وتوقف نفوذه على إجازة من له السلطنة وجرت فيه فروع الفضولي، ويتضح
كثير منها مما تقدم في البيع.
217

المبحث الثاني
في المال المرهون
ولا بد من كونه مالا قابلا لأن يستوفى منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليته، إما
بنفسه - كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه أو ببدله - كالأعيان القابلة لأن
تباع، فلا يصح رهن ما لا مالية له، كبعض الحشرات، ولا ما له مالية عرفية إلا أنه
لا يقابل بالمال شرعا، كالخمر والخنزير، أو ما له مالية إلا أنه لا يمكن استيفاء
الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتنى الرهن على أن لا يباع بل يبقى بعينه
إلى حين حلول الدين.
(مسألة 8): لا يصح رهن الخمر والخنزير مع كون الراهن أو المرتهن
مسلما، وإن كان الآخر كافرا.
(مسألة 9): لا إشكال في صحة رهن الأعيان الخارجية. وأما منافع
الأعيان قبل استيفائها والديون غير المقبوضة فيشكل صحة رهنها، نعم لا بأس
بجعلها وثيقة على الحق تبعا لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدم في الوجه
الثاني لانشاء الرهن وذلك بأحد وجهين..
الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة على الدين، فيقول
المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تكون
منفعة دارك أو الدين الذي لك على زيد وثيقة لديني هذا، فيقبل المقترض ذلك.
الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول
المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تجعل لي
وثيقة على ديني هذا، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقا آخر على أن الدين
الخاص أو المنفعة الخاصة هي الوثيقة على ذلك الدين عملا بمقتضى الشرط.
218

وعلى كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق
نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له واستحقاقه استيفاء دينه منهما، ولا
يصح الالتزام بكونهما وثيقة على نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما
تقدم في الوجه الأول لانشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الأعيان. وبلحاظ
مشروعية الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع والديون.
(مسألة 10): رهن المنافع بالوجه المتقدم يبتني..
تارة: على التعجيل باستيفائها بالأجر ثم حفظ الأجر ليستوفى منه الدين
عند حلوله.
أخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذ
صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تستأجر العين ويستوفى الدين من
أجرتها.
وكذلك الديون حيث يبتني رهنها..
تارة: على التعجيل باستيفائها وحفظ المال ليستوفى منه الدين عند
حلوله.
وأخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين.
وتعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.
(مسألة 11): تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن على المدين استيفاء
دينه من راتبه الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كل
شهر. وذلك إن ابتنى على التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به
الراتب - بحيث ليس له التفرغ وترك العمل - كان مبتنيا على ما سبق من رهن
المنافع، لأن الأعمال من جملة المنافع، وإن لم يبتن على ذلك بأن لم يكن ملزما
من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، وراجع إلى اشتراط الوفاء من مال
خاص، وهو شرط نافذ، وإن لم يكن ذلك المال مستحقا بعمل، بل كان من سنخ
التبرع، كما لو اشترط الدائن على المدين أن يوفي دينه مما يصل له من حقوق
شرعية أو عادات على الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك. ومنه
الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية.
219

ويترتب على ذلك أنه لا بد في صحة العقد على الوجه الأول من كون
العمل الذي يستحق به الراتب محللا والاستئجار عليه صحيحا. أما الثاني فيكفي
في صحته ملكية المدين للراتب ولو بعد حصوله في يده، لكونه مباحا أصليا أو
مالا مجهول المالك يصح له تملكه بوجه شرعي.
(مسألة 12): ما سبق في رهن الدين والمنفعة جار في رهن الحق إذا كان
مقابلا بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة،
وحق الأولوية للمزارع في الأراضي الخراجية الذي تقدم الكلام فيه في فصل
شروط العوضين 5 من كتاب البيع.
(مسألة 13): في جواز رهن الكلي على إطلاقه - كثوب أو بقرة - أو
الكلي في المعين - كثوب من رزمة معينة - إشكال. نعم يجوز التوثق بهما للدين
بالالتزام به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع والديون، وحينئذ يكون
على من عليه الدين دفع فرد من الكلي ليكون هو الوثيقة.
(مسألة 14): لا يجوز رهن الأعيان غير المملوكة كالأوقاف والأراضي
الخراجية، إلا أن يرجع رهن التوقف إلى رهن منفعته إذا كانت ملكا للموقوف
عليهم، ورهن الأرض الخراجية إلى رهن حق الأولوية فيها، فيصح بالوجه الذي
تقدم في المسألة (9).
(مسألة 15): المال المرهون على دين يجوز رهنه على دين آخر إما
بنحو يزاحم مقتضى الرهن الأول، كما لو اقتضى كون الاستيفاء للدينين في
عرض واحد أو ابتنى على شرط مخالف لمقتضى الأول، وإما بنحو لا يزاحمه،
كما لو اقتضى الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أول يبتني
على شرط مناف لمقتضى الرهن الأول، ولا فرق بين كون الدينين لشخص واحد
وكونهما لشخصين. نعم لا بد في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان
الرهن الثاني مزاحما للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن
في المقام فسخ الرهن الأول بالتقايل من الطرفين ثم رهن المال على الدينين معا
(مسألة 16): يجوز تعدد الرهن على الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء
220

دينه من كل من الرهنين مخيرا بينهما أو مع تقديم أحدهما، حسب ما يتفق عليه
الطرفان.
(مسألة 17): لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكا للمدين بل يجوز
رهن ما لا يملكه المدين، سواء كان ملكا لغيره أم لم يكن مملوكا لأحد
كالصدقات العامة. نعم لا بد من إذن أم لم يكن مملوكا لأحد
كالصدقات العامة. نعم لا بد من إذن من له الولاية على المال المرهون من مالك
أو ولي، وإذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضوليا وتوقف نفوذه على إذنه. بل يصح
التبرع لغير المدين برهن ماله على دين غيره، فإذا كان زيد مدينا لعمرو جاز
لبكر أن يرهن ماله على الدين المذكور، وحينئذ لا يعتبر إذن زيد بل يكفي
اتفاق بكر وعمرو على ذلك، والراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب
المال المرهون.
(مسألة 18): من رهن ماله على دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من
المدين ولا بإذنه فلا يستحق الرجوع على المدين إذا استوفى المرتهن دينه من
المال المرهون، وإن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون
الرجوع عليه إذا استوفى المرتهن دينه من المال، إلا أن يكون إذنه في الرهن أو
طلبه له مبنيا على التبرع وعدم الضمان، فلا بد حينئذ من قيام القرينة على ذلك.
(مسألة 19): لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون ولا بصفاته ولا بمقدار
ماليته.
221

المبحث الثالث
في الدين الذي يرهن له
يصح الرهن على كل عين ثابتة في الذمة، كالدراهم والدنانير والطعام
ونحوها مما يكون دينا في ذمة الغير. وفي عمومه للمنافع إشكال، كما لو
استأجر إنسان على عمل لم تؤخذ فيه المباشرة، فأراد المستأجر أن يستوثق
لنفسه فيأخذ رهنا، ليكون له أن يستوفي منه العمل المستأجر عليه إذا لم يؤده
الأجير، فيبيع الرهن المذكور ويستأجر بثمنه من يقوم بذلك العمل. نعم يجوز
له التوثق لذلك بالالتزام في ضمن عقد لازم بجعل شئ وثيقة للعمل المطلوب،
نظير ما تقدم في رهن الديون والمنافع.
(مسألة 20): لا يصح الرهن على ما يتوقع ثبوته في الذمة قبل أن يثبت
فعلا، سواء تحقق مقتضي ثبوته كالجعل في الجعالة قبل الاتيان بالعمل، وبدل
المغصوب قبل التلف لأن يد الغاصب سبب للضمان، أم لم يتحقق المقتضي،
كبدل الأمانات غير المضمونة إذا أراد صاحبها لتوثق بأخذ الرهن حذرا من
التفريط فيها، وبدل المبيع الذي يقبضه المشتري إذا أراد البايع التوثق بأخذ
الرهن حذرا من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع
استرجاع المبيع كي يستطيع استيفاء بدله من الرهن، ونظيره بدل الثمن الذي
يقبضه البايع إذا أراد المشتري التوثق بأخذ الرهن حذرا من حصول أحد أسباب
الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع الثمن.
وكذا الحال في الأعيان المملوكة إذا كانت في يد الغير - كالأمانة والمبيع
الذي يعتبر تأجيل تسلميه - وأراد صاحبها التوثق لنفسه بأخذ مال ممن هي في
يده ليكون ملزما بتسليمها بأعيانها.
222

نعم يمكن اشتراط التوثق في جميع ذلك في ضمن عقد لازم، نظير ما
تقدم في رهن المنافع والديون، كما لو اشترى عمرو سيارة زيد نقدا واشترط
عليه أن تكون داره وثيقة للثمن الذي دفعه ليستوفيه منها لو ظهرت السيارة
معيبة أو مغصوبة ثم وقع تسليم الثمن مبنيا على الشرط المذكور، بأن يكون
دفعه مع احتمال بطلان البيع مبنيا على جعل الدار وثيقة له، وكما لو اشترى زيد
دار عمرو على أن تسلم إليه الدار بعد سنة واشترط على عمرو أن يدفع له
سيارته لتكون وثيقة للدار من أجل أن يسلمها بعد السنة وهكذا، فإن الشرط
المذكور نافذ، كما تقدم نظيره.
223

المبحث الرابع
في أحكام الرهن
(مسألة 21): إطلاق الرهن يقتضي استحقاق المرتهن أخذ المال
المرهون، فيجب على الراهن تسليمه له وإذا امتنع أجبر على ذلك، ولا يجوز له
استرجاعه منه بعد أخذه له. وقد يتأكد مقتضى الاطلاق بالشرط، كما قد يخرج
عنه باشتراط بقاء المال المرهون عند الرهن أو عند شخص ثالث، ويجب
العمل بالشرط حينئذ.
(مسألة 22): المال المرهون وإن كان باقيا على ملك الراهن إلا أن
مقتضى الرهن ثبوت حق للمرتهن فيه، وهو حق استيفاء دينه منه، وقد سبق أن
مقتضى إطلاقه أنه يستحق وضع يده عليه وجعله في حوزته، وحينئذ يتعين منع
الراهن من كل تصرف ينافي أحد هذين الحقين - ولو لكونه دخيلا في كيفية
إعمالهما - إلا بإذن المرتهن، فلا يجوز له إتلافه، أو إخراجه عن ملكه ببيع أو
وقف أو عتق أو نحوها، أو تغيير حاله بصبغ أو كسر أو نحوهما مما قد يعرضه
لقلة الرغبة فيه، ولا إجارته أو إعارته أو نحوهما مما يوجب خروجه عن حوزة
المرتهن أو يجعله معرضا للتلف والضرر، ولا أن يحدث فيه ما يصعب معه
حفظه على المرتهن وجعله في حوزته، كحل شده الموجب لانفراط أجزائه
وتفرقها، وإحبال الدابة الموجب لزيادة الكلفة في حفظها مع ولدها، أو نحو
ذلك.
وإذا فعل الراهن شيئا من ذلك من دون إذن المرتهن، فإن كان تصرفا
خارجيا - كالاتلاف والصبغ - كان حراما ومعصية، وإن كان تصرفا اعتباريا -
كالبيع والإجارة - لم ينفذ إلا أن يجيزه المرتهن، كالعقد الفضولي.
(مسألة 23): يجوز للراهن التصرف في المال المرهون من غير إذن
المرتهن إذا لم يكن منافيا لحقه بالوجه المتقدم، ومن ذلك بيعه على أن يبقى
224

بعينه مرهونا مستحقا للمرتهن، بحيث لا يستقل المشتري به إلا بعد وفاء الحق
المرهون عليه، نظير ما لو كان المال المرهون ملكا لغير من عليه الحق.
(مسألة 24): إذا أذن المرتهن في بيع المال المرهون أو أجاز بيعه بعد
وقوعه قام الثمن مقام المبيع في كونه رهنا على الدين، إلا أن يبتني الإذن
أو الإجارة على إسقاط حق الرهن، فحينئذ يستقل الراهن بالثمن.
(مسألة 25): المال المرهون إذا صار - بمقتضى إطلاق عقد الرهن أو
بمقتضى الشرط تحت يد الراهن - فهو أمانة بيده لا يضمنه إلا بالتعدي أو
التفريط، على النحو المتقدم في أوائل الفصل السادس من كتاب الإجارة.
(مسألة 26): لا يجوز للمرتهن التصرف في المال المرهون إلا بوجهين:
الأول: التصرف الذي هو مقتضى أمانته، كإطعام الحيوان ونشر الثوب أو
الطعام لو خيف عليهما من التلف.
الثاني: ما يأذن به المالك صريحا، أو يفهم من ظاهر حاله ولو بسبب
التعارف.
(مسألة 27): إذا تعرض المال المرهون للفساد بنحو يسقط قيمة، أو
ينقصها نقصا معتدا به وجب مراجعة مالكه، فإن أذن ببيعه فذاك، وإلا فإن بلغ
الضرر حدا يمنع من استيفاء الدين من الرهن كان للمرتهن بيعه بعد الاستئذان
من الحاكم. وكذا إذا تعذرت مراجعة المالك. ويجري ذلك فيما لو تعرض المال
المرهون للخطر من غير جهة الفساد، كما لو كان معرضا للسرقة أو نحوها.
(مسألة 28): منافع المال المرهون - كركوب الدابة وسكنى الدار -
ونماءاته - كالبيض والحليب - ملك للراهن، وليس للمرتهن استيفاؤها وأخذها
إلا بإذنه الصريح أو المستفاد من ظاهر الحال، فإن ابتنى إذنه على المجانية فهو،
وإلا كان عليه بدلها ونقص مقداره من دينه. وكذا الحال إذا استوفاها من غير إذنه.
(مسألة 29): إذا اشترط المرتهن أن تكون منافع المال المرهون أو
نماءاته له، أو أن له استيفاءها وأخذها مجانا فلذلك صور..
الأولى: أن يشترط ذلك في عقد القرض، كما إذا أقرض المال برهن
واشترط حين القرض أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أقرض
225

المال واشترط على المقترض أن يجعل عليه رهنا تكون منافعه ونماءاته له.
الثانية: أن يشترط ذلك في نفس الرهن - فيما إذا أنشئ استقلالا - أو في
عقد آخر، كما لو طالب الدائن المدين بالرهن، فلما أراد أن يرهن عنده شيئا
اشترط عليه في الرهن أن تكون منافعه ونماءاته له فقبل الراهن الشرط.
الثالثة: أن يشترط ذلك في عقد ثالث، كما إذا باع شيئا بثمن مؤجل برهن
واشترط في عقد البيع أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو رهن
المدين شيئا على دينه ثم أوقع مع المرتهن عقدا - كالبيع - وشرط أن تكون
منافع ذلك الشئ المرهون أو نماءاته له.
أما في الصورة الأولى فيبطل الشرط المذكور، لأنه من الربا المحرم، فإذا
استوفى المرتهن المنافع والنماءات كان ضامنا لها ونقص من دينه بقدرها، وأما
في الصورتين الأخيرتين فالظاهر جواز الشرط المذكور ونفوذه، فيملك به
المرتهن منافع المال المرهون ونماءاته، فإذا استوفاها وأخذها لم يكن ضامنا
لبدلها ولم تنقص من دينه.
(مسألة 30): تجري الصورتان السابقتان أيضا فيما إذا كان المشروط هو
استيفاء الراهن المنافع وأخذه النماء بعوض.
(مسألة 31): إذا أراد الطرفان استيفاء الراهن منافع العين المرهونة
ونماءاتها مجانا أمكنهما الاستعاضة عن الدين والرهن ببيع الشرط الذي تقدم
التعرض له في الخيار الثالث من الفصل الرابع من كتاب البيع، فمثلا إذا أراد زيد
أن يقترض من عمرو ألف دينار إلى سنة ويرهن عليها داره، فبدلا من ذلك يبيع
زيد داره من عمرو بألف دينار ويجعل له خيار رد الثمن إلى سنة، فإذا أرجع زيد
لعمرو الألف دينار في آخر السنة يفسخ البيع ويسترجع داره، فإن الدار ومنافعها
في تلك السنة تكون ملكا لعمرو حينئذ، وله أن يستوفيها مجانا.
نعم لو تلفت الدار يكون تلفها عليه، بخلاف ما لو كانت مرهونة فإن تلفها
يكون على زيد ولا يضمنه عمرو إلا مع التفريط، كما أنه إذا لم يأت زيد بالثمن
في الأجل المحدود فليس له الفسخ إلا أن يرضى عمرو.
(مسألة 32): حق الرهانة يورث، فإذا مات المرتهن انتقل حق الرهن في
226

المال المرهون لورثته، لا يسقط حق كل منهم إلا بإسقاطه، أو ببراءة ذمة
المدين من حصته من الدين الذي عليه الرهن.
(مسألة 33): لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل يبقى المال المرهون معه
موردا لحق الرهن وإن صارت للوارث.
(مسألة 34): إذا حل وقت استيفاء الدين لم يستقل المرتهن باستيفائه
من المال المرهون، بل لا بد من مراجعة الراهن ليقوم بأدائه من عنده، أو من
المال المرهون - إن كان من سنخ الدين - أو ببيع المال المرهون على المرتهن أو
غيره ويوفي الدين بثمنه. وإن امتنع جاز إجباره على أحد الأمرين، وإن تعذر
ذلك جاز للمرتهن أن يتولى البيع بنفسه. والأحوط وجوبا مراجعة الحاكم
الشرعي من الامكان. ويجري ذلك فيما إذا تعذرت مراجعة المالك لغيبة أو
جهالة أو نحوهما.
(مسألة 35): إذا اشترط المرتهن على الراهن في عقد الرهن أو في عقد
آخر أن يكون له بيع الرهن لاستيفاء الدين من دون مراجعته نفذ الشرط
المذكور. وكذا إذا جعله الراهن وكيلا عنه في البيع وشرط عليه المرتهن في عقد
الرهن أو في عقد آخر غير عقد الوكالة أن لا يعزله. نعم الأحوط وجوبا عدم
اشتراط ذلك في عقد القرض.
(مسألة 36): إذا أفلس الراهن أو مات مدينا دينا لا تفي به تركته ففي
تقديم حق المرتهن في العين المرهونة على بقية الغرماء إشكال، والأحوط
وجوبا التراضي والتصالح معهم.
(مسألة 37): إذا مات الراهن ولم يكن للمرتهن بينة على دينه عليه،
وخاف إن هو أقر بالمال المرهون أن يأخذه الورثة منه وينكروا دينه، جاز له أن
يستوفي دينه من المال المرهون بنفسه ويرجع ما زاد منه للورثة من دون أن يقر
بالرهن.
(مسألة 38): إذا وجد المرتهن عنده رهنا على دين وجهل صاحبه كان له
استيفاء دينه منه، فإن كان الدين بقدر الرهن فذاك، وإن كان أكثر من الرهن بقي
الزائد من دينه في ذمة الراهن المجهول، وإن كان أقل من الرهن بقي الزائد من
227

الرهن أمانة في يده للراهن المجهول، وجرى عليه حكم الأمانة المجهول
مالكها، وقد تقدم في المسألة (16) من كتاب الاستيداع. وإن جهل مقدار الدين
واحتمل كونه بقدر الرهن جاز له احتسابه بدينه ويكون له.
(مسألة 39): إذا تردد الدين الذي عليه الرهن بين الأقل والأكثر بنى على
الأقل.
(مسألة 40): إذا كان عند شخص عين لآخر، وتردد بين كونها رهنا على
دين وكونها وديعة أو نحوها بني على عدم كونها رهنا، سواء علم بأن صاحب
العين مدين للشخص الذي عنده العين، أم لم يعلم بذلك. نعم إذا اتفقا على
كونه مدينا له، وادعى الدائن أن العين رهن على ذلك الدين وادعى المدين أنها
ليست برهن كان القول قول الدائن ما لم يقم المدين البينة على عدم كونها رهنا،
ويكفي أن يقيم البينة على أنه تسلمها عنه منه لا على وجه الرهينة، ولا يسمع مع
ذلك دعوى الدائن أنه رهنها عنده بعد ذلك، إلا ببينة.
228

الفصل الثاني في الكفالة
وهي نظير الرهن في كونها استيثاقا للحق، لكن موضوعها النفس
والغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهد شخص لآخر بحضور شخص
ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. والأول الكفيل، والثاني المكفول
له، والثالث المكفول. ومحل الكلام ما إذا وجب الحضور على المكفول، وكان
المكفول له يستحق ذلك عليه. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
(مسألة 1): لا إشكال في توقف الكفالة على رضا الكفيل والمكفول له،
والظاهر توقفها على رضا المكفول أيضا، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل
عليه، ولا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه على
كل حال ولو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل على إحضاره
ولا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.
(مسألة 2): لا بد من إنشاء مضمون الكفالة والتزام الأطراف المعنية به
وإبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية
العقود.
(مسألة 3): يجوز اشتراط الكفالة على الكفيل - من قبل المكفول أو
المكفول له أو شخص ثالث - في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول
والمكفول له. وهو على وجهين:
الأول: أن يشترط كونه كفيلا لزيد مثلا ومسؤولا به.
الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيدا. وفي الأول يكون كفيلا بمجرد
الشرط، وفي الثاني لا يكون كفيلا إلا بعد إنشاء الكفالة، ولا يكون فائدة الشرط
229

إلا وجوب انشائها.
(مسألة 4): لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل
وحده فالأحوط وجوبا الاقتصار في نفوذها على ما إذا ابتنت على أن يترتب
عليها شئ من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله
بها للقبول بكونه وفاء بشرطه، أو كان مستحقا الحضور على المكفول أو حابسا
له فعلا فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتمادا على الكفالة، أو كان طالبا - من
المكفول أو من غيره ممن يتعلق به - التوثق لحقه ساعيا لذلك، فيترك الطلب
والسعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون
ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل نفوذها إلا أن تكون مشروطة على الكفيل من
ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل نفوذها إلا أن تكون مشروطة على الكفيل من
قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعا لنفوذ العقد.
(مسألة 5): يعتبر في الكفيل أن يكون قابلا لأن يلزم بإحضار المكفول
على ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ والعقل، فإذا كان مقتضى الكفالة إحضار
المكفول بعد شهر من العقد - مثلا - لزم كمال الكفيل حينئذ ولا يجب كماله
حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة
صلاحا له. أما المكفول والمكفول له فلا يعتبر كمالهما، فيمكن كفالة الصبي
والمجنون والكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلا عنهما.
(مسألة 6): لا يعتبر قدرة الكفيل على إحضار المكفول واقعا، بل يكفي
زعمة القدرة على ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف
بطلان الكفالة. وليس المراد بالقدرة على إحضاره القدرة على مباشرة الاحضار
بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل أو أمره.
بالحضور.
(مسألة 7): تشرع الكفالة سواء كان طلب حضور المكفول لتعلق حق
مالي به - كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها - من أجل أن يستوفى منه ذلك
الحق، أم كان لأمر آخر، كحضوره لمرافعة أو لأداء شهادة أو دخول سجن بحق
أو ليقتص منه أو غير ذلك. ويعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل
والمكفول له محجورا عليهما بسفه أو فلس. ولا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت
230

الحق عليه على كل حال.
(مسألة 8): تصح الكفالة في الماليات، سواء كان الحق ثابتا فعلا، كما لو
كان المكفول مدينا للمكفول له، أم لم يكن ثابتا فعلا مع وجود سببه، كالجعل
في عقدا الجعالة والعوض في عقد السبق والرماية، بل تصح مع عدم وجود
السبب فعلا، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه
الدار أو آجره الدكان وأنا كفيل باحضاره ليؤدي الثمن أو الأجرة.
(مسألة 9): مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب على الكفيل إحضار
المكفول، ومع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد
الكفالة باقتصاره على إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الاحضار دفع
المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة
المكفول من الحق.
(مسألة 10): يمكن في الكفالة مطلقا جعل شرط جزائي على تقدير
عدم إحضار المكفول، لكن لا بد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل:
على كذا إن لم أحضره، لزمه الشرط. وإذ قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لم يلزمه
الشرط ولم يكلف إلا بإحضاره.
(مسألة 11): في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن
المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، وإن لم يكن بإذنه لم
يرجع عليه، إلا إذا كان آذنا في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق
عند تعذر الاحضار، فإن له الرجوع حينئذ إذا كان قد دفع المال مع تعذر
الاحضار.
(مسألة 12): مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد
الكفالة، ولا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضى الاطلاق.
(مسألة 13): يجب على المكفول الاستجابة للكفيل والحضور معه، فإن
امتنع جاز له إجباره ولو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الاحضار على الكفيل ولا
يتحملها المكفول إلا مع الشرط، وإن كان ضمنيا مستفادا من شاهد الحال عند
إذن المكفول في الكفالة.
231

(مسألة 14): يجوز أن يكفل الكفيل شخص ثان، يكون ملزما باحضاره
ليقوم بمقتضى كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، وهكذا تترامى
الكفالات.
(مسألة 15): إذا أمسك صاحب الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه
من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي
عليه. وإذا كان قاتلا عمدا لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، ولهم حبسه
لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. وكذا إذا مات القاتل فيجب على من
خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.
(مسألة 16): الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع
الخيار، أو بالتقايل منه ومن المكفول له. نعم ينحل بأمور..
الأول: القيام بمؤداه وهو إحضار المكفول.
الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع
موضوعه، كما إذا كان كافلا لشخص فبطلت كفالته له.
الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع صلح أو حوالة
أو غيرها، فإن الشخص الآخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل
تنحل الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالإرث قام الوارث مقام المورث في
استحقاق الكفالة ولم تنحل.
الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الاحضار لاستيفاء الحق
بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة على أداء الكفيل للحق عند تعذر الاحضار
فلا تبطل الكفالة حينئذ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو
تركته.
الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.
(مسألة 17): لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور على المكفول مع قطع
النظر عنها، كالمحبوس ظلما، والشاهد في الترافع عند الظالم، والملزم ظلما
بدفع مال، ونحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل
بإحضار المكفول، ولم يجب على على الكفيل إحضاره.
232

نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذ في حق المكفول بالإضافة إلى الكفيل إذ
ابتنى رضاه بالكفالة على تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعا للضرر
الوارد على الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلا قد يرضى الظالم
بخروجه من السجن موقتا إذا كفله شخص وتعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد
يتعارف في زماننا، وحينئذ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهدا له
بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص
بناء على التعهد المذكور وجب عليه الحضور، وجاز للكفيل إحضاره وإجباره
على الحضور بمقتضى نفوذ التعهد المذكور، وإن لم يستحق المكفول له
حضوره،، بل كان ظالما في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرما فيشكل الأمر، كما
إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.
تتميم:
المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني على التعهد بحضور
المكفول لاستيفاء الحق منه، وهي التي سبق الكلام فيها. والظاهر مشروعية
الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذا، وهي تعهد الكفيل
للمكفول له بأداء حقه الثابت له على المكفول، لا بمعنى جعل الحق المذكور
في ذمة الكفيل وبراءة المكفول منه - كما يأتي في الضمان - بل بمعنى تعهد
الكفيل للمكفول له بحصوله على حقه بأن يؤديه له الكفول، فإن لم يفعل أداه
هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة ذمة المكفول من الحق.
والظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذا القسم من الكفالة، بل يكفي رضا
الكفيل والمكفول له عليها ورضاهما بها.
(مسألة 18): كما تجري هذه الكفالة في الأمور الذمية تجري في الأعيان
الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق وأنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم
الغاصب وأنا كفيل بما غصب، على معنى أنه مسؤول بإرجاع عن المال ومع
تعذره فهو مسؤول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.
(مسألة 19): لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق وانشغال ذمة المكفول
233

فعلا، بل يكفي تحقق سبب ثبوته وانشغال الذمة به وإن لم تنشغل بعد، كما
لو قال: بع زيدا أو آجره وأنا كفيل بالثمن أو الأجر، وأدخله بيتك وأنا
كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع وأنا كفيل به، أو لا تغلق باب المنزل وأنا
كفيل بما يسرق منه.
نعم، لا بد في جميع ذلك من أن تبتني على أن يترتب عليها شئ من
جانب المكفول على النحو المتقدم في المسألة (4) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو
أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم
الشخص غلق أبوابه أو بأقصى جهده في التحفظ على ماله فقال له: إن سرق
منك شئ فأنا كفيل به، ونحو ذلك.
(مسألة 20): تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوبا أو غير ذلك
مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئا بثمن معين، وخشي المشتري أن
يكون المبيع مغصوبا كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله شخص
كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوبا.
كما تصح كفالة الثمن على تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل
القبض، أو نحو ذلك.
(مسألة 21): إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل
الرجوع عليه بما أدى عنه، وإن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه
من الحق في وقته على حسب مقتضى الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة
على عدم ضمانه له لو أدى عنه، وهو يحتاج إلى عناية وقرينة خاصة.
(مسألة 22): يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.
(مسألة 23): تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق على المكفول
شرعا، بل كان مؤاخذا به ظلما، فإنها وإن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه
ظالما، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبها، فيجب عليه أداء المال
للكفيل لو أداه عنه بمقتضى الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الأخيرة من كفالة
النفس.
234

الفصل الثالث
في الضمان
وهو عبارة عن تحمل شخص دينا في ذمة آخر، بحيث تنشغل ذمته
بالدين وتفرغ منه ذمة المدين. والمتحمل هو الضامن، والمدين الأول هو
المضمون عنه، وصاحب الدين هو المضمون له. ويكفي في إنشائه كل ما يدل
على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما تقدم في غيره من العقود.
(مسألة 1): الضمان عقد بين الضامن والمضمون له، فلا بد من صدوره
عن اختيارهما، ولا يقع مع الاكراه كسائر العقود، كما لا بد فيه من كونهما بالغين
عاقلين غير محجور عليهما بسفه. وأما عدم الحجر بالفلس فالظاهر اشتراطه في
المضمون له لا يشارك الغرماء في أمواله التي هي مورد الحجر، ويأتي
التعرض لذلك في كتاب الحجر إن شاء الهل تعالى. أما المضمون عنه فلا يعتبر
رضاه، كما لا يعتبر فيه ما سبق، بل يصح الضمان عنه وإن كان ميتا.
(مسألة 2): إذا كان الضامن والمضمون له قاصرين لصغر أو جنون قام
وليهما مقامهما، كما يقوم وكيلهما مقامهما لو كانا كاملين.
(مسألة 3): لا بد في الضمان من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواء كان
لازما - كالقرض - أم متزلزلا - كثمن المبيع في زمن الخيار - فمع عدم ثبوته لا
يصح ضمانه، سواء تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق،
كثمن المبيع قبل البيع. كما لا بد في الضمان أيضا من كون الحق ذميا، ولا يجري
في الأعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون
أن تبرأ بها ذمة من عليه الحق، كما تقدم.
235

(مسألة 4): إذا لم يكن الضمان بإذن المضمون عنه لم يكن للضامن
الرجوع عليه بما أدى من الحق، أما إذا كان بإذنه فله الرجوع عليه بما أدى، ولا
يجوز الرجوع عليه بما لم يؤده لعجز أو إبراء، وكذا لو صالح على الدين بما هو
دونه، فإنه ليس له الرجوع إلا بما صالح به.
(مسألة 5): الضمان من العقود اللازمة، فلا يجوز الرجوع فيه للضامن
ولا للمضمون له، بل لا يمكن حله حتى بالتقايل منهما، ولا يصح شرط الخيار
فيه، كما لا يثبت فيه خيار تخلف الشرط أو الوصف، فإذا رضي المضمون له
بالضمان بشرط أن يفعل الضامن شيئا أو بشرط أن يكون موسرا، فلم يفعل
الضامن ذلك الشئ أو بان إعساره حين الضمان لم يكن للمضمون له الفسخ،
سواء كان الشرط صريحا أو ضمنيا. نعم إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه
فالظاهر صحة شرط الخيار فيه، وثبوت خيار تخلف الشرط أو الوصف فيه إذا
كان الاشتراط بإذنه أيضا. كما أن الظاهر إمكان التقايل فيه بإذن المضمون عنه،
بحيث يرضى الثلاثة بحله ورفع اليد عنه.
(مسألة 6): يجوز ضمان الدين الحال مؤجلا، بحيث لا يستحق
المضمون له المطالبة إلا بعد الأجل، كما يجوز العكس، وهو ضمان الدين
المؤجل حالا.
(مسألة 7): إذا أمر شخص صاحب المال بإتلاف ماله، فإن كان الاتلاف
محرما - لكونه تبذيرا - وعلم صاحب المال بذلك لم يكن عليه ضمانه، حتى لو
تعهد بضمانه على تقدير الاتلاف، كما لو قال: أحرق ثوبك وعلى قيمته، وإن لم
يكن محرما - لوجود غرض عقلائي مخرج له عن التبذير - أو كان محرما ولم
يعلم صاحب المال بذلك، فإن فهم صاحب المال إرادة الأمر المجانية فلا ضمان
أيضا. وكذا إذا وجب الاتلاف على صاحب المال وكان الأمر به من باب الأمر
بالمعروف.
وفي غير ذلك يتعين الضمان، سواء صرح الأمر بالضمان أم لا، لكن ذلك
ليس من الضمان الذي هو محل الكلام، بل هو نظير بالاستيفاء الذي
تقدم في المبحث الأول من خاتمة كتاب الإجارة.
236

الفصل الرابع
في الحوالة
والمراد بها تحويل المدين للدائن بدينه على غيره، بحيث تبرأ ذمة
المدين من الدين وتنشغل به ذمة ذلك الغير. والمدين الأول هو المحيل،
والدائن هو المحال، وقد يسمى بالمحتال، والذي يحول عليه الدين هو المحال
عليه. ويكفي في إنشائها كل ما دل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو
فعل.
(مسألة 1): لا بد في الحوالة من رضا المحيل والمحال، أما المحال عليه
فلا بد من رضاه أيضا إذا كان بريئا غير مدين للمحيل، وكذا إذا كان مدينا له
وكانت الحوالة بغير الجنس، كما إذا كان مدينا له بدارهم فأحال عليه بدنانير،
وأما إذا كان مدينا وكانت الحوالة بنفس الجنس، فإن أريد بالحوالة عليه الحوالة
على ذمته ابتداء - ولو تخيل كونه بريئا - فلا بد من رضاه أيضا، وإن أريد بها
الحوالة على الدين الثابت في ذمته فلا يعتبر رضاه.
(مسألة 2): لا بد في المحيل والمحال من البلوغ والعقل وعدم الاكراه،
كما يجب ذلك في المحال عليه في الموارد الذي يعتبر في رضاه.
(مسألة 3): يعتبر عدم الحجر بسفه أو فلس في المحال والمحال عليه
في كل مورد يكون نفوذ الحوالة منافيا لمقتضى الحجر. ولا يسعنا تفصيل ذلك،
بل قد يظهر بالتأمل وبملاحظة ما يأتي في كتاب الحجر.
(مسألة 4): تجوز الحوالة على البرئ - غير المدين للمحيل - بإذنه، كما
أشرنا إليه، فإن ابتنت الحوالة على رجوعه على المحيل بما أحال عليه انشغلت
ذمة المحيل له بمثل الذي أحال به، وإن ابتنت على تبرع المحال عليه فلا تنشغل
ذمة المحيل له بشئ.
(مسألة 5): إذا تم عقد الحوالة بشروطه برئت ذمة المحيل من الدين
237

الذي أحال به للمحال، وبرئت ذمة المحال عليه إذا كان مدينا للمحيل من مقدار
الدين الذي أحال به عليه، وانشغلت ذمة المحيل للمحال عليه بمثل الدين الذي
أحال به إذا كان المحال عليه بريئا وكان مبنى الحوالة على رجوعه على المحيل
بما أحال عليه، ولا يتوقف شئ من ذلك على أداء المحال عليه للمحال الدين
الذي أحيل به.
(مسألة 6): لا بد في الحوالة من ثبوت الدين في ذمة المحيل حينها، ولا
يكفي حصول سببه - كالجعل في الجعالة قبل العمل - فضلا عن توقع ثبوته من
دون ذلك، كثمن المبيع قبل البيع.
(مسألة 7): الحوالة كالضمان في اللزوم، وعدم إمكان شرط الخيار وغيره
إلا إذا كانت بإذن المحال عليه، فيمكن فيها شرط الخيار وغيره والتقايل، نظير ما
تقدم في الضمان. نعم إذا كان المحال عليه معسرا حين الحوالة ولم يعلم المحال
بإعساره كان له الخيار إذا علم بعد ذلك. وإذا زال إعساره قبل الفسخ ففي بقاء
الخيار إشكال، كالاشكال في ثبوت الخيار إذا كان بناء المحال عليه على
الاقتراض أو الاستيهاب أو نحوهما وكان يمكنه ذلك، بل الأظهر هنا عدم
الخيار.
تتميم
الحوالة المصطلحة للفقهاء والتي دلت عليها النصوص هي الحوالة
بالمعنى المتقدم المبتني على نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
أما الحوالة المعروفة في زماننا هذا فهي عبارة عن طلب المحيل من المحال
عليه دفع المال عنه للمحال من دون أن تنشغل ذمة المحال عليه للمحال بشئ.
ويترتب على ذلك أمور..
الأول: أنه لا يعتبر في المال المحال به أن يكون دينا ثابتا فعلا في ذمة
المحيل، بل كما يكون كذلك يكون ثمنا في بيع حين الحوالة، كما إذا اشترى
المحيل شيئا بثمن يأخذه المشتري من المحال عليه، أو يكون دينا آيلا إلى
238

الثبوت، كالجعل في الجعالة قبل العمل، وثمن المبيع قبل البيع، بل يمكن أن
يكون مالا متبرعا به.
الثاني: أنه لا يعتبر رضا المحال إلا حيث يكون له الامتناع عن أخذ المال
المحال به، كما إذا كان ثمنا في بيع، حيث يجوز له الامتناع عن إطلاق الثمن
بحيث يشمل المال المحال به، بخلاف ما إذا كان دينا في ذمة المحيل، فإنه
حيث يكون تعيين الوفاء تابعا للمدين فإذا كان إطلاق الدين يشمل المال
المحال به وعين المدين الوفاء به هلم يكن للدائن الامتناع عن قبضه.
وأما المحال عليه فقد يكون ملزما بقبول الحوالة، كما إذا كان وكيلا
للمحيل، أو كان بينهما عقد ملزم بالدفع عند التحويل.
الثالث: إذا دفع رجل إلى آخر مالا في بلد ليأخذ بدله في بلد آخر، فإن
اختلف المالان في الجنس فلا إشكال، كما لو دفع في العراق دينارا عراقيا ليأخذ
بدله في خارج العراق عملة أخرى، لرجوعه إلى بيع إحدى العملتين بالأخرى.
وإن اتفقا في الجنس، فله صور ثلاث..
الأولى: أن يكون المدفوع أولا أقل من المأخوذ بدلا عنه، كما لو دفع في
العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج ألفا وخمسين دولارا، وحينئذ إن
كان الدفع بعنوان القرض كانت الزيادة ربا محرما، وإن كان بعنوان البيع، بأن
يبيعه ألف دولار في العراق بألف وخمسين دولارا في الخارج كان حلالا، لعدم
حرمة الزيادة في العوضين في المعدود.
نعم الأحوط وجوبا عدم الزيادة المذكورة مع انحصار الفرق بالزمن، كما
لو باعه ألف دولا ر معجلة بألف وخمسين دولارا مؤجلة إلى شهر مثلا من دون
فارق من جهة أخرى كالمكان.
الثانية: أن يكونا متساويين، والظاهر جريان التفصيل المتقدم بين القرض
والبيع، فيحل في البيع ويحرم بالقرض، لأن شرط اختلاف المكان زيادة فيحرم
بالقرض.
الثالثة: أن يكون المدفوع أولا أكثر من المأخوذ بدلا عنه،
239

كما لو دفع في
العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج تسعمائة وخمسين دولارا، والظاهر
جواز ذلك مطلقا، سواء كان بعنوان البيع أم بعنوان القرض، لأن أخذ الزيادة إنما
يحرم على الدائن لا على المدين.
والحمد لله رب العالمين
240

كتاب الحجر
وهو منع الانسان من التصرف في نفسه أو ماله لقصور في سلطنته،
وأسبابه كثيرة، إلا أن بعضها يختص ببعض الموارد، كالرهن المانع للراهن من
التصرف في المال المرهون، والتحبيس المانع للمجلس من التصرف في العين
المحبسة، والدين والوصية المانعين للوارث من التصرف في تركة المدين وإن
كانت ملكا له، والشرط المانع من التصرف على خلاف مقتضاه، وغير ذلك مما
يذكر في كتب الفقه المتفرقة، وقد استغني بذكره هناك عن ذكره هنا.
وقد خص الفقهاء (رضوان الله عليهم) الكلام هنا بأمور ستة: الصغر،
والجنون، والسفه، والفلس، والرق، والمرض. وحيث لم يكن الرق في عصورنا
موردا للابتلاء بوجه معتد به، وكان التحجير بالمرض مبنيا على القول بمنع
الانسان في مرض الموت من التصرف فيما زاد على الثلث، وهو ضعيف عندنا،
انحصر الكلام في الأربعة الأول.
الأول: الصغر، فلا يستقل الصغير بالتصرف وإن كان مميزا إلا مع البلوغ،
ويستثنى من ذلك بعض التصرفات، كالوصية على ما يذكر في محله.
(مسألة 1): يصح تصرف الصبي في ماله ونفسه بإذن الولي، كما يصح
تصرفه في مال غيره ونفسه بإذن من له التصرف أو بإذن وليه وإن لم يأذن ولي
الصبي. ولا بد في الحالين من تمييز الصبي للتصرف الذي يوقعه وإدراكه لمعناه
وقصده له، أما إذا لم يكن كذلك فلا يصح منه التصرف.
نعم يمكن أن يكون واسطة في إعلام الطرف الآخر للمعاملة بإذن الولي
فيها، فيتولى الطرف المذكور الايجاب والقبول معا، كما لو أرسل معه الثمن
لصاحب المحل التجاري لاعلامه بأن المرسل يطلب من صاحب المحل بيع
البضاعة عليه بالثمن المذكور وإرسالها معه.
241

(مسألة 2): إذا أقدم الصبي المميز على إيقاع المعاملة لنفسه وشك في
كونه مأذونا من الولي حكم ظاهرا بتحقق الإذن وصحة المعاملة التي أقدم عليها،
خصوصا إذا ادعى صريحا الإذن له. نعم إذا أنكر الولي بعد ذلك صدور الإذن منه
فالقول قوله. وكذا الحال إذا كان تحت يده مال لغيره فأقدم على التصرف فيه
بالبيع أو الشراء أو غيرهما. أما إذا لم يكن تحت يده مال للغير وأراد التعامل عنه
في ذمته فلا مجال للبناء على صدور الإذن من ذلك الغير ما لم يثبت بوجه
شرعي، وهكذا الحال في البالغ.
وأما إذا لم يكن الصبي مميزا لكن احتمل كونه واسطة في إيصال الثمن
مثلا للاعلام بإذن الولي في إيقاع المعاملة من قبل الطرف الآخر فلا مجال للبناء
على ذلك ما لم يثبت بوجه شرعي. هذا وقد تقدم في كتاب البيع الكلام في
أولياء العقد.
(مسألة 3): يثبت البلوغ بالعلم وبالبينة، وبإخبار الشخص عن نفسه إذا
لم يكن متهما.
الثاني: الجنون، وهو في الشدة والضعف على مراتب. ويكفي في الحجر
عليه كونه بمرتبة من ضعف العقل ونقص الادراك بحيث لا يميز الصلاح من
الفساد والضر من النفع، ولا يحسن الاختيار بالوجه العقلائي، وحينئذ إن كان
يدرك معنى المعاملة ويتحقق منه القصد إليها من دون أن يحسن الاختيار جرى
عليه حكم الصبي المميز، وإن كان فاقدا لذلك أيضا جرى عليه حكم الصبي غير
المميز.
(مسألة 4): إذا لم تظهر أمارات الجنون على الشخص يبنى على عدم
جنونه، إلا أن يعلم بأنه كان فيما مضى مجنونا فلا يبنى حينئذ على ارتفاع جنونه
إلا بالعلم أو البينة.
الثالث: السفه، والظاهر أنه صفة نفسية ترجع إلى قصور الانسان عن أن
يدرك - ولو بالتعلم - ما يحفظ ماله من التلف والفساد والنقص، بحيث يقدم
بسبب قصوره على ما يعرضه لذلك، كإهمال التحرز عليه من السرقة، وترك
إطعامه وسقيه إن كان محتاجا لهما، وكبذله مجانا، وكإيقاع المعاملات الغبنية
242

بالمقدار الفاحش عليه.
أما لو يكن إقدامه على ذلك مسببا عن قصور في إدراكه، بل عن دواع
أخر - وإن لم تكن مناسبة للحكمة - فالظاهر عدم صدق السفه به، كمن بذل ماله،
لمحبوب مشغوف به، أو إغراقا في مفاخرة أو ترف أو شهوة محللة أو محرمة،
أو غير ذلك من الدواعي المقبولة شرعا أو عرفا أو المستهجنة. نعم إذا كانت
الاستجابة للداعي المذكور مسببة عرفا عن النقص في الادراك تحقق السفه
أيضا.
(مسألة 5): إذا لم تظهر أمارات السفه بني على عدمه. نعم لا يجوز لولي
الصغير تمكينه من ماله إذا كبر حتى يتبين له رشده بالاختبار أو غيره، كما أنه إذا
علم بأن الشخص كان سفيها فيما مضى فلا بد في التعامل معه ثبوت رشده
بالعلم، أو البينة، أو بالاعتماد على معاملة الولي له معاملة الرشيد برفع يده عن
ماله وتسليمه له.
(مسألة 6): من اتصل سفهه بصغره بقي تحت ولاية وليه حال الصغر،
ومن تجدد له السفه بعد أن بلغ رشيدا فالأحوط وجوبا اشتراك الولاية عليه بين
أقرب الناس إليه - وهم ورثته - والحاكم الشرعي. نعم لو ظهر للحاكم الشرعي
عدم أهليتهم للولاية لعجزهم عن رعاية أمواله أو لخيانتهم استقل هو بالولاية.
(مسألة 7): لا يحتاج ثبوت السفه أو ثبوت ارتفاعه إلى حكم الحاكم، بل
لكل شخص أن يعمل على مقتضى الوظيفة السابقة. نعم مع التشاح والتنازع
لا بد من الرجوع للحاكم في ثبوته وعدمه، كما لو الولي على الشخصين حال
صغره أن بلغ سفيها فوضع يده على ماله وادعى المولى عليه أنه ليس بسيفه أو
ادعى تجدد الرشد له بعد البلوغ بمدة، وكما لو أوقع الشخص معاملة مع شخص
ثم ادعى أنه كان سفيها عند إيقاع المعاملة وادعى طرف المعاملة أنه لم يكن
سفيها، وكذا لو ادعى أهل الشخص أنه سيفه توصلا لابطال المعاملة التي أوقعها
وادعى هو أو طرف المعاملة أنه ليس بسفيه توصلا لتصحيحها، أو ادعوا سفهه
لطلب الحجر فأنكر هو ذلك.. إلى غير ذلك.
(مسألة 8): السفيه إنما يحجر عليه في التصرفات المالية، مجانية كانت -
243

كالهبة والصدقة - أو معاوضية - كالبيع والإجارة - بل يمنع حتى عن اليمين
والنذر والعهد المقتضية لصرف المال فلا تنفذ، دون التصرفات غير المالية
كالطلاق والظهار، نعم الظاهر منعه عن النكاح لابتنائه على استحقاق المهر وإن
لم يكن مقوما له.
(مسألة 9): كما يمنع السفيه من التصرفات المالية كذلك لا يقبل إقراره
بها وبكل ما يرجع للمال كالاتلاف والسرقة. ولو أقر بنسب يستتبع الانفاق من
ماله فالظاهر ثبوته وعدم وجوب الانفاق. نعم الظاهر قبول قوله من باب الشهادة
لو كان عادلا، فيترتب عليه حكم الشاهد الواحد، دون حكم الاقرار.
(مسألة 10): لا يلغى إنشاء السفيه في الأمور المالية، بل يصح بإذن
الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره بإذنه، ولو أوقع العقد لنفسه من دون إذن
الولي كان فضوليا موقوفا، فإذا أجازه الولي نفذ، وكذا إذا أوقع العقد على مال
غيره من دون إذنه، ثم أجازه صاحب المال فهو كالصبي المميز في ذلك.
الرابع: الفلس، وهو أن تقصر أموال المدين عن ديونه التي عليه.
والمعروف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يحجر على المفلس بشروط
ثلاثة: ثبوت ديونه عند الحاكم الشرعي بالمقدار الزائد على أمواله، وحلولها،
ومطالبة الغرماء بالتحجير عليه. فإن تمت الشروط المذكورة وجب على الحاكم
التحجير عليه فإن حجر عليه منع من التصرف في أمواله، وثبت حق الغرماء
فيها، وكان على الحاكم أن يتولى وفاء ديونهم منها.
لكن الأمر لا يخلو عن إشكال، والذي تقتضيه الأدلة أنه مع امتناع المدين
عن وفاء الدين ورفع الأمر للحاكم الشرعي فإن الحاكم الشرعي يأمره بالوفاء إذا
كان ذا مال، فإن امتنع تولي الحاكم وفاء ديونهم من ماله، عدا مستثنيات الدين
المتقدمة، فإن قصر المال عن الديون وقع النقص عليها جميعا بالنسبة، وكذا إذا
لم يمتنع وكان ماله قاصرا عنها. وإن طالب الغرماء باستسعائه في وفاء دينه كان
لهم ذلك إذا كان لائقا به.
ومقتضى ذلك أنه بأمر الحاكم له بالوفاء تسلب سلطنته على ما له في
خصوص التصرفات المانعة من وفاء ديونه به أو الموجبة لقصوره عن ذلك،
244

وكذا عن المال الحاصل له بالاستسعاء حتى يتم الوفاء، ولا حجر
عليه فيما عدا
ذلك.
(مسألة 11): إذا قصرت أموال الشخص عن ديونه، فمن وجد من
أصحاب الديون ماله الذي اشتراه منه المدين بعينه كان له أخذه بدل دينه، ولا
يقسم مع بقية أمواله على الغرماء بالنسبة. وهناك فروع كثرة تبتني على مذهب
المشهور لا يسعنا التعرض لها. والحمد لله رب العالمين
245

كتاب الصلح
وهو عقد يحتاج إليه عند قصور العقود المعهودة عن تحقيق المطلوب
للمتعاقدين أو حل مشكلتهما، ويجب فيه ما يجب في سائر العقود من أهلية
المتعاقدين، واختيارهما، وعدم الحجر عليهما، وإنشاء المضمون المتفق عليه
بكل ما يدل عليه من قول أو فعل. نعم لا يصح إذا تضمن تحليل حرام أو تحريم
حلال ومخالفة حكم شرعي، نظير ما تقدم في الشروط.
(مسألة 1): الصلح من العقود اللازمة، إلا أن يشترط فيه الخيار، فيصح
فسخه لمن له الخيار، كما يصح فسخه من أحدهما، بتخلف الشرط أو الوصف
أو بظهور العيب، على النحو المتقدم في البيع، كما يصح فسخه بالتقايل من
الطرفين معا.
(مسألة 2): يصح الصلح عند التخاصم والتنازع أو عند خوف ذلك على
تبعيض الحق المتنازع عليه بين الطرفين، أو اختصاصه بأحدهما في قبال شئ
للآخر، أو غير ذلك مما يرفع به التنازع، أو يمنع من تحققه، وإن كان الحق في
الواقع بتمامه لأحدهما، بل وإن كان كل منهما عالما بالأمر على حقيقته إلا أنه
يملك ما يمكنه من التخاصم فيه، ولو كان هو رفع صاحبه للحاكم، بل وإن لم
يملك ذلك - لسبق إقرار منه أو نحوه - إلا أنه يستطيع الشكوى من صاحبه
والتشنيع عليه حتى لو كان ظالما له في ذلك، وحينئذ يسقط حق الدعوى
بالصلح المذكور ويحل المال المأخوذ به في الواقع، حتى لو انكشف بعد ذلك
الأمر على حقيقته بإقرار أو نحوه.
نعم إذا كان ترك العدوان المحرم أحد ركني العقد فالظاهر عدم صحته،
كما إذا اتفق صاحب الحق مع الطرف الآخر على أن يدفع صاحب الحق شيئا له
في مقابل أن لا يعتدي عليه بشتم أو ضرب أو رفع لحاكم الجور أو غير ذلك،
247

فيكون دفع المال في مقابل عدم العدوان، لا من باب الصلح بين الطرفين. وكذا
لو كان صاحب الحق مكرها على الصلح بالوجه المذكور لتهديد الطرف الآخر
بالاضرار به إذا لم يصالحه ولو برفع أمره لحاكم الجور، لبطلان العقد مع الاكراه.
(مسألة 3): يجوز لصاحب الحق أن يصالح - تفاديا للنزاع - بما يشاء،
وكذا لوكيله بإذنه. أما الولي فلا يصح منه الصلح المذكور إلا إذا كان بنظره
صلاحا للمولى عليه، كما إذا لم يأمن القدرة على إثبات الحق له، أو كان ما يبذله
عند الصلح دون مؤنة إثبات الحق أو بقدرها، أو خاف على المولى عليه من بقاء
النزاع والخصومة، أو كان في الخصومة حرج على الولي لا يجب عليه تحمله
لصالح المولى عليه. أما إذا كان لمصلحة الولي نفسه - تجنبا للخصومة أو غير
ذلك - دون المولى عليه فلا يجوز له أن يصالح على بذل مال من المولى عليه إلا
أن يضمنه له.
(مسألة 4): يجوز الصلح بنحو يقتضي تمييز الحق المشاع، كما إذا
اشترك شخصان في فرس وبقرة فاصطلحا على أن تكون لأحدهما الفرس
وللآخر البقرة، ولا يكون ذلك من القسمة.
(مسألة 5): يجوز الصلح عند اشتباه الحقوق بنحو يقتضي تعيين ما
يستحقه كل طرف من أطراف الاشتباه، كما إذا كان لأحد شخصين كتاب وللآخر
ثوب واشتبه مالك الكتاب بمالك الثوب، فيتصالحان على أن يكون لأحدهما
المعين الثوب وللآخر الكتاب.
(مسألة 6): يجوز الصلح من صاحب الحق ومن وليه عند الشك في
ثبوت الحق بنحو يقتضي رفع الشك، كما لو شك في اقتراض زيد من عمرو
مبلغا من المال أو في وفاء القرض المذكور بعد ثبوته، فيتصالح على ثبوت
نصفه مثلا. وفائدة الصلح المذكور الحل واقعا في المقدار المتصالح عليه بحيث
لو انكشف الحال بعد ذلك لم يخرج عن مقتضى الصلح، أما بدونه فالعمل
لصالح أحد الشخصين في تمام الحق المشتبه وإن كان لازما بمقتضى الأصل إلا
أنه يقتضي الحل ظاهرا ما دام الجهل باقيا، ولا يقتضي الحل واقعا.
وهذه جهة مهمة كما قد تدعو صاحب الحق للتنازل عن بعض حقه قد
248

تكون مصححة للتنازل بنظر الولي في حق المولى عليه. وعلى ذلك قد تجري
المصالحة مع الحاكم الشرعي في تعيين الحق الشرعي الذي له الولاية عليه.
نعم، مقتضى الانصاف وطبيعة الاشتباه الصلح بالتناصف مع تساوي
الاحتمالين في القوة والضعف، ومع اختلافهما يكون التفاضل لصالح من كان
الاحتمال في جانبه أقوى بنسبة قوة الاحتمال المذكور، مثلا: إذا كان احتمال
ثبوت الحق بنسبة خمسة وسبعين بالمائة واحتمال عدمه بنسبة خمسة
وعشرين بالمائة يكون الصلح على ثبوت ثلاثة أرباع الحق المشتبه. وربما
تكون هناك جهات ملحوظة لصاحب الحق أو وليه تقتضي الخروج عن ذلك.
(مسألة 7): يجوز الصلح عن الحق الثابت المعلوم ببعضه فتبرأ ذمة من
عليه الحق من الباقي، لكن بشرطين..
الأول: علم من له الحق بمقداره، أما لو كان جاهلا به ولم يعلم به إلا من
عليه الحق فلا يصح الصلح المذكور، نعم لو كان صاحب الحق راضيا بالصلح
حتى مع علم من عليه الحق بالمقدار فيصح الصلح حينئذ.
الثاني: أن يكون الصلح حقيقيا راجعا إلى إبراء من له الحق لمن عليه
الحق من بعضه بطيبة نفسه، أما إذا كان لمجرد استنقاذ من له الحق لبعض حقه
لامتناع من عليه الحق من أدائه بتمامه فالصلح المذكور صوري ولا يصح حقيقة،
بل يبقى من عليه الحق مشغول الذمة بالباقي، وكأنه إلى هذا يشير قول الإمام
الصادق عليه السلام في الحديث الصحيح: (إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى
مات، ثم صالح ورثته على شئ، فالذي أخذ الورثة لهم، وما بقي فللميت حتى
يستوفيه منه في الآخرة، وإن هو لم بصالحهم على شئ حتى مات ولم يقض
عنه فهو كله للميت يأخذه به).
ولا يخفى أن الصلح بالوجه الصحيح على تبعيض الحق إنما يصح من
صاحب الحق، لأنه مسلط على ماله فله التنازل عنه كله فضلا عن بعضه. أما من
الولي فلا يصح بمقتضى طبيعة ولايته، لأن وظيفته ملاحظة مصلحة المولى
عليه، والتنازل عن بعض حقه ليس من مصلحته.
نعم، قد يتجه منه الصلح بالنحو المذكور إذا أخرج، من باب استنقاذ الحق
249

لامتناع من عليه من أدائه بتمامه. لكن الصلح المذكور صوري لا يصح حينئذ
حقيقة ولا يترتب عليه براءة ذمته من بعض الحق، كما سبق. وعلى ذلك يشكل
المصالحة مع الحاكم الشرعي على إسقاط بعض الحق الشرعي، كما قد يتردد
على ألسنة كثير من الناس، إلا أن يلحظ الولي المأمون جهات خاصة في صالح
الحق مصححة للتنازل عن بعض الحق ويرى أن ملاحظتها مقتضى ولايته،
فيعمل على ذلك، وهو أمر لا يتسنى لنا فعلا استيضاحه. ومنه سبحانه نستمد
العون والتسديد.
250

كتاب الوكالة
وهي عقد يقتضي قيام الوكيل مقام الموكل، نظير قيام الولي مقام المولى
عليه، فيترتب أثرها المذكور بمجرد العقد قبل وقوع التصرف، وهذا بخلاف
الإذن في التصرف، فإنه لا يقتضي ذلك، بل هو إيقاع من الإذن يقتضي سلطنة
المأذون على التصرف المأذون فيه من دون أن يقتضي قيامه مقامه. ويظهر الأثر
في الوكالة التفويضية على الشئ بنحو الاطلاق كتوكيل الشخص في الأمور
المالية المتعلقة به وتوكيل الولي فيما هو مولى عليه، حيث يجب على الوكيل
القيام بما يجب على الموكل القيام به، ولا يجب ذلك على المأذون من دون
توكيل، وإن جاز له الاتيان بالأمر المأذون فيه ويصح منه.
(مسألة 1): الوكالة كسائر العقود لا بد من إنشائها، ويكفي فيها كل ما يدل
على الالتزام بها من الوكيل والموكل من قول أو فعل. كما أن الأحوط وجوبا فيها
التنجيز، فلا تصح مع تعليقها على أمر غير معلوم الحصول، نعم لا بأس بتعليق
الأمر الموكل فيه.
(مسألة 2): يعتبر في الوكالة كمال الوكيل والموكل بالبلوغ والعقل أو إذن
وليهما، ولا تصح بدون أحد الأمرين. نعم إذا وكل شخص طفلا مميزا أو مجنونا
مميزا بحيث يتأتى منهما القصد للتصرف الموكل فيه وإنشاؤه نفذ تصرفهما
عليه وإن لم يأذن وليهما في توكيلهما، لكنه ليس لصحة الوكالة، بل لتحقق الإذن
منه لهما بالتصرف تبعا لتوكيلهما، ولا يعتبر في نفوذ تصرف المأذون كماله ولا
إذن وليه، بل يكفي التمييز الذي يتحقق معه القصد للتصرف المأذون فيه.
(مسألة 3): يعتبر في نفوذ تصرف الوكيل سلطنة الموكل على ذلك
التصرف، فإذا وكلت البكر الرشيدة ذات الولي مثلا شخصا في تزويجها صحت
وكالته، ولا ينفذ تزويجه لها إلا برضا وليها، وإذا وكل الراهن شخصا في بيع
251

العين المرهونة صحت وكالته ولا ينفذ بيعه لها إلا بإذن المرتهن. نعم إذا كان
قصور سلطنة الموكل لعدم كماله - كالصبي والمجنون - كفى صدور الوكالة عن
الولي في نفوذ تصرف الوكيل، ولا يحتاج إلى إذن الولي فيه.
(مسألة 4): يعتبر في الموكل عدم الحجر بسفه إذا كانت الوكالة في
الماليات، فإذا وكل السفيه لم تصح الوكالة، ولا يصح من الوكيل التصرف حتى
بعد ارتفاع سفه الموكل. أما الحجر بالفلس أو نحوه مما تقدم في كتاب الحجر
فالظاهر أنه غير مانع من صحة الوكالة وإنما يمنع من نفوذ تصرف الوكيل في
مورد عدم نفوذ تصرف الموكل.
(مسألة 5): الوكالة من العقود الجائزة، بمعنى أن لكل منهما متى شاء
عزل الوكيل عن وكالته. نعم لا ينفذ عزل الموكل للوكيل إلا بعد أن يعلم الوكيل
بالعزل، أو يخبره به ثقة.
(مسألة 6): إذا اشترط أحدهما عدل عزل الوكيل أبدا، أو إلى أمد خاص
في ضمن عقد آخر لزم ولم ينفذ العزل، بل الظاهر لزومه إذا اشترط ذلك في
عقد الوكالة بنفسه.
(مسألة 7): تبطل الوكالة بموت الوكيل ولا تنتقل لورثته، كما تبطل
بموت الموكل، إلا أن تبتني على العموم لما بعد الموت، فترجع إلى كون
الشخص وكيلا حال الحياة وصيا بعد الموت، فيلحقه بعد موت الموكل حكم
الوصي.
(مسألة 8): المشهور بطلان الوكالة بجنون الموكل والاغماء عليه وإن كانا
موقتين، لكن المتيقن من ذلك عدم جواز التصرف للوكيل حال المجنون، لقصور
سلطنة الموكل من دون أن تبطل الوكالة، فإذا ارتفع الجنون وعادت سلطنة
الموكل جاز للوكيل التصرف. بل إذا كان الموكل ملتفتا لاحتمال طروء الجنون
عليه، وعمم الوكالة له كان مرجعها إلى جعل الوكيل وليا على التصرف حال
الجنون، والظاهر نفوذ الجعل المذكور واغناؤه عن ولاية الولي الشرعي، فيجوز
التصرف للوكيل حتى حال الجنون. وأما الاغماء فإن كان مستحكما طويل الأمد
فهو بحكم الجنون، وإن كان طارئا موقتا فهو بحكم النوم لا ينافي سلطنة المغمى
252

عليه عرفا، ولا يمنع الوكيل من التصرف، فضلا عن أن يبطل وكالته.
(مسألة 9): المشهور بطلان الوكالة بجنون الوكالة بجنون الوكيل والاغماء عليه وإن كانا
موقتين، لكنه ممنوع. نعم إذا كانا مستحكمين طويلي الأمد فقد يكون اطلاق
الوكالة منصرفا عنهما، فيكون بطلان الوكالة معهما لقصورها عنهما ابتداء، لا
لكونهما مبطلين لها.
(مسألة 10): يجوز للولي أن يوكل غيره، وله صورتان...
الأولى: أن يوكل عن نفسه، وحينئذ تبطل وكالة وكيله بخروجه عن
الولاية.
الثانية: أن يوكل عن المولى عليه، وحينئذ لا تبطل الوكالة بخروجه عن
الولاية، بل لا بد في بطلانها من عزل الوكيل من قبل من بيده الأمر بعد خروج
الولي عن الولاية، إلا أن يكون توكيله عن المولى عليه مختصا بحال ولايته عليه،
فيكون خروجه عن الولاية موجبا لانتهاء أمد الوكالة.
ويجري نظير ذلك في توكيل الوكيل، حيث قد يوكل عن نفسه وقد يوكل
عن الموكل. ولا بد في جميع ذلك من كون التوكيل داخلا في عموم الولاية
والوكالة الأولى، أما إذا كان خارجا عن مقتضاهما فهو لاغ ولا يترتب عليه الأثر
حال الولاية والوكالة الأولى، فضلا عما بعد الخروج عنهما.
(مسألة 11): يصح التوكيل في كل ما لا يتعلق غرض الشارع الأقدس
بمباشرة الموكل له بنفسه، بل يكفي في انتسابه إليه وقوعه عن أمره نيابة عنه،
بحيث يكون نسبته للمباشر في طول نسبته إليه، سواء كان أمرا اعتباريا، كإيقاع
العود والايقاعات، أم حقيقيا خارجيا، كقبض المبيع والموهوب وإقباضهما،
وأداء كثير من الواجبات والمستحبات. ومع عدم تنصيص الشارع الأقدس على
ذلك بالخصوص يكتفى فيه ببناء المتشرعة، ومع عدم وضوح بنائهم يكتفي فيه
ببناء العرف.
وقد تعرضنا - تبعا للفقهاء (رضوان الله عليهم) - في أبواب الفقه المختلفة
لكثير من الموضوعات الشرعية التي تقبل الوكالة والتي لا تقبلها.
(مسألة 12): لا يجب في الأمر الموكل عليه أن يكون متحقق الموضوع
253

حين الوكالة، كما في التوكيل في الانفاق على الزوجة التي هي في حبال الموكل
فعلا، أو في طلاقها بل يجوز التوكيل فيما لم يتحقق موضوعه بعد على تقدير
تحقق موضوعه، سواء عمت الوكالة تحقيق الموضوع، كما لو وكله في شراء
البضاعة ثم بيعها، أو في تزويج المرأة ثم الانفاق عليها أو طلاقها، أم لا، كما لو
وكله في بيع البضائع التي سيشتريها، أو في الانفاق على الزوجة التي سوف
يتزوجها من دون أن يوكله في الشراء والتزويج.
(مسألة 13): يجوز للوكيل مع إطلاق الوكالة اختيار أي فرد شاء، ولا
يجوز مع تقييدها الخروج عما عين له، ولو خرج عنه لم ينفذ تصرف إلا بإجازة
الموكل. والمرجع في تحديد مفاد الوكالة سعة وضيقا هو العرف حسبما يفهم
من إطلاق الكلام بضميمة القرائن المقالية والحالية المحيطة به، ومنها التعارف
وشاهد الحال وغير ذلك مما لا مجال لاعطاء الضابط له.
(مسألة 14): إذا كانت الوكالة متعلقة بعين للموكل يسلمها للوكيل - كما
لو دفع إليه مالا ليشتري به بضاعة، أو بضاعة ليبيعها أو يصلحها، أو حيوانا
ليطعمه أو ليرعاه - فالعين المذكورة أمانة بيد الوكيل لا يضمنها إلا بالتعدي عما
عينه الموكل - ولو من دون تعمد - أو التفريط فيها، على نحو ما سبق في جميع
الأمانات. وإذا تعدى فيها أو فرط كان ضامنا من دون أن ينعزل عن الوكالة فيما
وكل فيه.
(مسألة 15): إذا طرأ ما لا يمكن معه العمل على مقتضى الوكالة، ولم
يمكن إرجاع العين للمالك أو حفظها له أو مراجعته فيها، وجب على الوكيل
العمل بما تقتضيه مصلحة المالك بعد مراجعة الحاكم الشرعي مع تيسره، ولا
ضمان عليه حينئذ، بل إذا لم يفعل تهاونا ضمن.
مثلا: إذا دفع الموكل للوكيل نقدا ليشتري به بضاعة معينة، فصار النقد في
معرض النهب أو السقوط عن المالية بإسقاط الدولة له أو نحو ذلك مما لا يتيسر
معه شراء البضاعة المعينة فاللازم على الوكيل فعل ما يراه صلاحا، كإبدال النقد
بنقد آخر أو إقراضه أو شراء بضاعة أخرى أو غير ذلك.
(مسألة 16): إذا ادعى شخص الوكالة عن شخص من أجل أن يوقع
254

معاملة من عقد أو
إيقاع عنه، فإن كان التصرف بما تحت يده من مال ذلك
الشخص جاز تصديقه وترتيب الأثر على معاملته، فيجوز الشراء منه والبيع عليه
إيقاع المعاملة في ذمة ذلك الشخص على أن يقبض المال مما تحت يده، كما إذا
كان عنده ألف دينار لذلك الشخص فاشترى بضاعة بألف دينار في ذمته ودفع
تلك الألف وفاء عنها، بل يجوز في المثال إيقاع المعاملة معه وإن لم يكن تحت
يده ألف دينار له، وإنما جاء بها ودفعها بعد ذلك.
بل لا حاجة في جميع ذلك إلى دعواه الوكالة صريحا في نفوذ تصرفه
ظاهرا بعد كونه صاحب يد، فإن مقتضى يده سلطنته على التصرف فيما تحت
يده ونفوذ تصرفه فيه، فمن جلس في متجر غيره وأخذ يبيع ويشتري ويتصدق
مما في المتجر جاز البناء على صحة تصرفه والتعامل معه وإن لم يدع الوكالة
صريحا.
نعم، إذا أنكر المالك الوكالة بعد ذلك كان القول قوله حتى إذا كان
صاب اليد قد ادعى الوكالة.
وأما إذا لم يكن تصرفه فيما تحت يده، بل فيما هو خارج عنها، فلا مجال
لتصديقه وترتيب الأثر على تصرفه - بنحو يلزم به ذلك الشخص - من دون
حجة شرعية، فمن مر على متجر قد تركه صاحبه فجاء شخص آخر من جيران
ذلك المتجر أو عابر عليه فأراد أن يبيعه شيئا مما في المتجر من دون أن يضع
يده عليه لم يكن له أن يشتري منه ويبني على صحة البيع بنحو يجوز له أخذ
ذلك الشئ الذي باعه له، ومن اشترى لشخص في ذمته من دون أن يكون له
مال عنده لم يكن للبايع البناء على استحقاقه الثمن في ذمة ذلك الشخص،
بحيث له مطالبته أو أخذ مقدار ذلك الثمن منه مقاصة أو من وارثه، بل لو قال
ذلك الشخص: إن كنت مدينا لك فخذ من مالي ما في بدينك، لم يجز له أخذ
شئ منه، إذ لا حجة له على كونه مدينا له. نعم يجوز ترتيب الأثر على البيع في
حتى مدعي الوكالة نفسه كما يأتي.
(مسألة 17): إذا أجرى الوكيل المعاملة كان مسؤولا بها وبتبعاتها، فيجوز
255

مطالبته بالثمن إن امتنع الموكل من تسليمه - عصيانا أو لانكار الوكالة - فإن كان
ذميا دفعه عن الموكل، وإن كان عينا خارجية دفع بدلها، كما يجوز مطالبته بأرش
العيب في المبيع، وبالثمن عند حصول سبب الفسخ، وبالمهر في النكاح، وغير
ذلك. نعم إذا قامت قرينة على عدم مسؤوليته بالمعاملة فلا رجوع عليه، كما إذا
كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط، أو صرح بعدم مسؤوليته بالمعاملة أو تبعاتها،
أو أقام البينة أو نحوها من الشواهد على الوكالة من أجل التنبيه على أن
المسؤول بالمعاملة هو الموكل لا غير، أو نحو ذلك.
(مسألة 18): لا بأس بجعل الموكل الأجر للوكيل، فإن كان الأجر على
نفس الوكالة استحقه بها ولم ينظر لخصوصيات العمل، كما إذا جعله وكيلا
للقيام عنه بما يناسب عند الحاجة، وعين له في شهر مثلا مبلغا من المال،
وإن كان الأجر على العمل الموكل على استحقه به، كما إذا عين للوكيل عنه في
إجراء المعاملات مبلغا من المال لكل معاملة يقوم بها.
(مسألة 19): إذا كان الأمر الموكل فيه مما يمكن وقوعه للوكيل والموكل،
كحيازة المباحات وإحياء الموات والشراء في الذمة، فالقول قول الوكيل في
تعيين من أوقع له ذلك الأمر.
256

كتاب الهبة
وهي عقد يتضمن تمليك عين لا على نحو المعاوضة، بل مجانا، ولا على
نحو التصدق الذي هو نحو من العبادة المشروطة بالتقرب. وطرفا العقد هما
الواهب والموهوب، فلا بد من إنشاء المضمون منهما أو من وكيلهما أو من
وليهما. ويكفي فيه كل ما يدل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل،
كما هو الحال في سائر العقود، فيكفي في الايجاب مثلا من الواهب إرسال
العين الموهوبة للموهوب بقصد الهبة، وفي القبول من الموهوب أخذها على
ذلك.
(مسألة 1): إذا وقعت الهبة على نحو القربة لم تكن صدقة، بل الصدقة
ماهية خاصة لا بد في وقوعها من قصد عنوانها ولو إجمالا، ولا يكفي فيها قصد
التمليك المجاني على نحو القربة.
(مسألة 2): يعتبر في الواهب والموهوب الكمال بالبلوغ والعقل، ومع
عدمه يقوم الولي مقامهما. كما لا بد في الواهب من عدم الحجر بسفه أو فلس،
على الكلام المتقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 3): يعتبر في صحة الهبة قبض الموهوب للعين الموهوبة بإذن
الواهب، فلو مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة، وكانت العين الموهوبة
ميراثا. ويكفي قبض وكيل الموهوب ووليه عنه.
(مسألة 4): لا يعتبر في القبض الفورية، ولا كونه في مجلس العقد.
(مسألة 5): إذا حصل القبض صحت الهبة وملك الموهوب العين
الموهوبة من حينه، لا من حين العقد، فإذا حصل لها نماء بعد القول قبل القبض
فهو للواهب.
(مسألة 6): إذا كانت العين الموهوبة حين الهبة في يد الموهوب أو يد
257

وليه أو وكيله صحت الهبة، ولا تحتاج إلى قبض جديد. فإذا وهب الولي ما
تحت يده للمولى عليه صحت الهبة، ولم يحتج لقبضه لها عنه بعد ذلك.
(مسألة 7): لا يكفي في القبض هنا التخلية بين الموهوب والعين
الموهوبة، ولا التسجيل الرسمي، بل لا بد من خروجها عن حوزة الواهب
واستيلاء الموهوب عليها خارجا بحيث يصدق أنها في حوزته عرفا.
(مسألة 8): لا بد في الموهوب من أن يكون عينا، ولا تصح هبة المنفعة.
(مسألة 9): تصح هبة الحصة المشاعة ويكون قبضها بقبض العين
بتمامها.
(مسألة 10): تصح هبة ما في الذمة لغير من هو في ذمته، ويكون قبضه
بقبض ما يتحقق به وفاؤه، فإذا كان لزيد على عمرو مبلغ من المال كان له أن
يهبه لبكر، فتصح الهبة بقبض بكر المال من عمرو. أما إذا وهبه لمن هو في ذمته
فإنه يصح من دون حاجة للقبض ويكون بحكم الابراء.
(مسألة 11): إذا وقعت الهبة وصحت بالقبض لم تلزم، وكان للواهب
الرجوع فيها، إلا في موارد
الأول: أن يكون الموهوب له رحما ذا قرابة، والمدار فيه على الصدق
العرفي.
الثاني: أن يعوض الواهب عن هبته.
الثالث: أن تتغير العين الموهوبة عن حالها التي كانت عليه حين الهبة،
كما لو قطع الثوب أو خيط أو طحن الحب أو خبز الدقيق أو طبخ الطعام أو ذبح
الحيوان أو انكسر الإناء أو نحو ذلك، سواء كان ذلك بفعل الموهوب أم لا.
(مسألة 12): الظاهر عدم إلحاق الزوج والزوجة بذي الرحم، فيجوز لكل
منهما الرجوع فيما يهبه للآخر.
(مسألة 13): لا يعتبر في العوض أن يكون عينا، بل يكفي كل ما يصدق
به التعويض والجزاء عن الهبة، عينا كان أو منفعة أو عملا، سواء كان تعويضه
بتمليكه ذلك الشئ، أم ببذله له حتى استوفاه من دون أن يتملكه، بل حتى مثل
بيعه شيئا يرغب في شرائه أو شراء شئ منه يرغب في بيعه.
258

نعم لا بد في الجميع من أن يصدر بعنوان التعويض والجزاء، والأحوط
وجوبا توقف اللزوم على أن يقبله الواهب بالعنوان المذكور أيضا، أما إذا دفع
إليه بعنوان التعويض وقبله لا بالعنوان المذكور، للغفلة عن قصد الدافع ففي
الاجتزاء به في لزوم الهبة إشكال.
(مسألة 14): الأحوط وجوبا أن يكون التعويض من الموهوب، وفي
الاجتزاء بالتعويض من غيره - كالأب والأخ والأجنبي - إشكال.
(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل الرجوع بالهبة فليس لورثته الرجوع
بها.
(مسألة 16): إذا مات الموهوب قبل الرجوع بالهبة انتقلت العين
الموهوبة لورثته وليس للواهب الرجوع بها عليهم. وكذا إذا خرجت عن ملك
الموهوب ببيع أو هبة أو غيرهما فإنه ليس للواهب الرجوع عليه لا بعينها ولا
ببدلها، أما إذا رجعت إليه بفسخ أو شراء أو غيرهما ففي جواز رجوع الواهب بها
إشكال.
(مسألة 17): إذا كانت الهبة مشروطة بشرط وجب على المشروط عليه
القيام بالشرط ما دامت الهبة باقية لم يرجع فيها، ومع عدم قيامه بالشرط يثبت
للآخر خيار تخلف الشرط حتى مع أحد الملزمات المتقدمة. أما مع قيامه
بالشرط فلا يثبت الخيار المذكور، وتبقى الهبة على الحكم المتقدم.
(مسألة 18): يكره للشخص تفضيل بعض أولاده على بعض في العطية
إذا كان معسرا، بل قيل إنه مكروه مطلقا، لكن لا إشكال في جوازه، كما يجوز له
ذلك في نسائه.
259

كتاب الوقوف والصدقات
تشترك الصدقات جميعا في ابتنائها على خروج المالك عن ملكه وعدم
انتفاعه به، إلا أنها على قسمين:
الأول: ما يبتني على حبس العين من أجل استيفاء منفعتها أو نمائها
تدريجا في الجهة المتصدق عليها.
الثاني: ما لا يبتني على ذلك، بل على مجرة خروج المال عن ملك مالكه،
مع بقائه على ما هو عليه صالحا للتصرف في الوجوه المختلفة والتنقل بينها.
والأول هو الوقف وما الحق به، والثاني بقية الصدقات.
فيقع الكلام في القسمين معا في ضمن مبحثين..
المبحث الأول
في الوقف وما ألحق به
الوقف عبارة عن إخراج العين عن ملك مالكها وتحبيسها من أجل
استيفاء منفعتها أو نمائها مع تسبيل تلك المنفعة أو النماء وبذلهما لجهة معينة
عامة أو خاصة. ويقع الكلام فيه ضمن فصول.
261

الفصل الأول
في أقسام الوقف
الوقف على قسمين..
القسم الأول: ما كان متقوما بحفظ عنوان خاص من دون نظر إلى
موقوف عليه تعود المنفعة إليه. وهو وقف المسجد، فإنه يتقوم بعنوانه من دون
نظر إلى منفعة خاصة ترجع لموقوف عليه خاص، والانتفاع به للمصلين
ونحوهم من توابع العنوان المذكور لا من مقوماته.
والظاهر من توابع العنوان المذكور لا من مقوماته.
والظاهر أن مثله في ذلك وقف المشاهد المشرفة التابعة للمراقد المقدسة
ونحوها، فإن المنظور فيها عنوان الحرم للمرقد المذكور أو نحوه، وانتفاع الزوار
وغيرهم بها من توابع ذلك لا من مقوماته. وكذا ما تعارف في بعض البلاد النائية
عنها من جعل شبيه للمرقد والحرم الخاص، أو جعل مكان منسوب للنبي أو
للإمام أو الولي نحو نسبة يقصد منها تشريف المكان بنسبته له إعلاء لذكره
وشدا لقلوب الناس نحوه، فإن الوقف في جميع ذلك متقوم بحفظ العنوان
الخاص، وليس انتفاع من ينتفع بالمكان إلا تابعا لذلك من دون أن يكون مقوما
له. ولا تملك المنفعة في مثل ذلك، ولا تقع موردا للمعاوضة، كما لا تقع موردا
للضمان بالغصب أو الاستيفاء.
(مسألة 1): إذا وقف مكان للمصلين أو الزائرين أو الداعين أو
المنشغلين بالثناء على الله تعالى، أو على صاحب المرقد لم يكن المكان
المذكور مسجدا ولا حرما ولا نحوه مما تقدم ذكره، ولا يكون الوقف المذكور
من هذا القسم، بل من القسم الآتي.
(مسألة 2): لا يصح هذا القسم من الوقف مع عدم مشروعية العنوان،
262

لكونه شعارا مشيدا بدعوة باطلة يعلم من الشارع الأقدس عدم الرضا بتشييدها،
كالا ماكن المختصة بالأديان الوثنية والمنسوخة والمبتدعة التي يكون
اختصاصها بتلك الأديان كاختصاص المساجد بدين الاسلام، وكالمشاهد
التابعة لمراقد أهل الكفر والضلال والبدع، ونحو ذلك.
نعم لا بأس بما كان منها يمثل حقا قد استغله أهل الضلال، كالمساجد
التي يستغلها المخالفون، والمساجد التابعة للأديان المنسوخة قبل نسخها التي
هي في الحقيقة مساجد تابعة للاسلام الذي هو دين الفطرة وقد استغلها
المنتسبون لتلك الأديان بعد نسخها، وكالمشاهد التابعة لمراقد المؤمنين التي
يستغلها أهل البدع والضلال، فإنه يصح وقفها، وإن كان استغلالها من أهل
الدعوة الباطلة غير شرعي.
القسم الثاني: ما كان مبتنيا على وجود موقوف عليه تعود المنفعة أو
الثمرة إليه، وله صور ثلاث..
الأولى: أن يبتني على بذل المنفعة أو الثمرة لهم ليستوفوها وينتفعوا بها
بأنفسهم من دون أن يتملكوها، كوقف المدارس على طلاب العلم، ووقف
الخانات والمنازل على الزائرين أو المسافرين أو الفقراء، ووقف كتب العلم أو
الأدعية أو الزيارات على أهل العلم أو المؤمنين أو الزائرين، ووقف الأشجار
والمياه على العابرين، ونحو ذلك.
ومنه بعض أنواع الوقف الذري كوقف الدار على أولاده ليسكنوها،
ووقف البستان عليهم ليأكلوا ثمرتها. ولا تصح المعاوضة في ذلك على المنفعة
أو الثمرة من قبل الموقوف عليهم ولا من قبل الولي، كما أنهما لا يكونان
مضمونين على الغير بالغصب أو الاستيفاء أو الاتلاف.
الثانية: أن يبتني على ملكية المنفعة أو الثمرة لهم، كما لو قال: الدار وقف
على أولادي على أن تكون منفعتها لهم، أو: البستان وقف على أولادي على أن
تكون ثمرتها لهم، وحينئذ يترتب أثر ملكهم لها وإن لم يقبضوها، وتجب فيها
الزكاة والخمس بشروطهما، كما يجوز لهم المعاوضة عليها بأنفسهم أو بتوسط
ولي الوقف حسب شرط الواقف. وتكون مضمونة لهم على الغير بالغصب أو
263

الاستيفاء أو الاتلاف.
(مسألة 3): الظاهر عدم إرادة هذه الصورة إذا كان الموقوف عليه عنوانا
عاما غير منحصر الأفراد عرفا كالعلماء والسادة والفقراء والزوار ونحوهم. وإنما
يمكن إرادة هذه الصورة مع انحصار الموقوف عليهم بعدد تنقسم عليه المنفعة
أو الثمرة حسب السهام التي يعينها الواقف.
الثالثة: أن يبتني على تمليك الولي المنفعة أو الثمرة لهم بنفسها أو ببدلها،
بحيث لا يتحقق الملك ولا تترتب آثاره بمجرد وجود المنفعة أو الثمرة، بل بعد
تمليك الولي وقسمته لها عليهم. والظاهر الضمان فيها حتى بطروء سببه قبل
تمليكهم، فيجب على الولي تمليكهم البدل كما كان يجب عليه تمليكهم
الأصل.
(مسألة 4): لا يصح الوقف في هذا القسم بصوره الثلاث مع حرمة
المنفعة المعينة في الوقف، كوقف آلات اللهو والقمار، وكذا مع حرمة الصرف
المقصود منه، كالوقف على طبع كتب الضلال وعلى إعانة الداعين إليه وعلى
ترويج الفسق والفجور وإعانة الظالمين ونحو ذلك.
264

الفصل الثاني
في إنشاء الوقف وشروطه
لا يتحقق الوقف إلا بإنشاء الواقف له، وذلك بفعل ما يدل عليه بداعي
جعله له وإبراز التزامه به، كما هو الحال في سائر الأمور الانشائية من العقود
والايقاعات.
والانشاء المذكور يكون بأحد أمرين:
الأول: القول بمثل: وقفت كذا، أو حبسته وسبلته، أو نحوهما بداعي
جعل ذلك، لا الأخبار عنه نظير إخبار الأجنبي.
الثاني: الفعل، كالتوقيع على ورقة الوقفية لبيان الالتزام بمضمونها، ودفع
العين الموقوفة لمن يتولى استغلالها في الجهة التي وقفت عليها، كولي الوقف
أو ولى تلك الجهة، ومثل فرش الفراش في المسجد أو المشهد أو نحوهما،
أو نصب السراج فيه بداعي جعله وقفا عليه، ومثل الإذن في الانتفاع بالوقف
بالوجه المناسب له ولو بمثل فتح باب المسجد ليصلي الناس فيه، إلى غير ذلك
مما يصدر من الواقف بداعي جعل الوقف وبيان الالتزام به.
(مسألة 1): يكفي في إنشاء الوقف قيام وكيل الواقف به، ولا يجب
مباشرة المالك له.
(مسألة 2): الوقف من الايقاعات، لا من العقود، فلا يحتاج إلى قبول
الموقوف عليهم، سواء كان وقفا عاما - كالوقف على الفقراء أو المسجد أو
المشهد - أم خاصا، كالوقف على ذرية شخص معين. نعم لا بد مع منافاته لحق
الغير من إذن من له الولاية على ذلك الحق، فإذا أراد أن يوقف فراشا على أن
يفرش في دار زيد، أو ثلاجة على أن تنصب في المسجد، أو مشربة على أن
265

توضع في الطريق بنحو قد تزاحم المارة، فاللازم إذن مالك المكان أو وليه في
ذلك. لكن الإذن المذكور ليس شرطا في صحة الوقف، بل شرط في جواز العمل
بمقتضاه ما دام حاصلا، فإذا ارتفع الإذن تعذر العمل بمقتضى الوقف، وقد
يستتبع ذلك بطلانه.
(مسألة 3): الأحوط وجوبا اشتراط الوقف بقصد القرية، لكن الظاهر أنه
يكفي وإن صدر ممن لا تصح عبادته كالكافر.
(مسألة 4): يعتبر في صحة الوقف القبض في حياة الواقف، فإذا مات
قبله لم يصح الوقف، بل تصير العين الموقوفة ميراثا، والأحوط وجوبا كون
القبض بإذن الواقف، كما أن له الرجوع في الوقف قبل القبض.
(مسألة 5): إذا نصب الواقف قيما على الوقف - ولو كان هو الواقف نفسه
- كفى قبضه، بل الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بقبض الموقوف عليهم حينئذ.
(مسألة 6): إذا لم ينصب الواقف قيما على الوقف كفى قبض الطبقة
الأولى من الموقوف عليهم أو قبض وكيلهم أو وليهم عنهم، فإن كانوا تحت
ولاية الواقف - كأولاده الصغار - كفى قبضه عن قبضهم. وحينئذ لو لم تكن
العين الموقوفة تحت يد الواقف فلا بد في صحة الوقف من قبضه لها.
(مسألة 7): في الوقف على الجهات العامة إذا لم ينصب الواقف قيما
فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا بحصول التصرف المناسب للوقف،
كالصلاة في المسجد، والدفن في المقبرة، والسكنى من المسافرين في الخان
الموقوف عليهم، والصلاة أو إقامة المآتم في الحسينية، ونحو ذلك. أما إذا لم
يبتن الوقف على تصرف مناسب في العين الموقوفة، كما لو وقف بستانه على
أن تكون ثمرته للفقراء فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا مع الجري على
مقتضى الوقف. نعم إذا رجع عدم نصب القيم إلى كون الواقف هو القيم كفى
قبضه في الجميع. وعلى كل حال لا يحتاج إلى قبض الحاكم الشرعي، بل لا أثر
له.
(مسألة 8): في الوقف التابع لوقف آخر يكفي عن القبض جعله على
النحو الذي وقف عليه، كالمشهد يبنى تبعا للمرقد، وتوسعة المسجد بما يلحق
266

به، وبناء حائط المكان الموقوف، ونصب الباب الموقوفة له فيه، ووضع الفراش في المسجد الموقوف عليه، ونصب السراج والمروحة الموقوفين عليه فيه، إلى
غير ذلك.
(مسألة 9): في الوقف على جماعة مخصوصين لا يكفي قبض بعضهم
من الطبقة الأولى إلا في حصته من الوقف.
(مسألة 10): لا يكفي في القبض في المقام رفع الواقف يده عن العين
الموقوفة والتخلية بينها وبين الموقوف عليه، كما لا يكفي فيه التسجيل الرسمي،
ولا بذل الثمرة أو المنفعة للموقوف عليهم وأخذهم أو استيفاؤهم لها، بل لا بد
فيه من استيلاء القابض على العين الموقوفة خارجا، بحيث تكون في حوزته
عرفا.
(مسألة 11): لا يعتبر إمكان القبض حين الوقف، ولا كون العين الموقوفة
تحت سيطرة الواقف، بل يكفي تحقق القبض أو ما هو بمنزلته بعد ذلك وإن كان
متعذرا حين الوقف، فيصح وقف الحيوان الشارد والعين المغصوبة ونحوهما
مما لا سيطرة للواقف عليه، والوقف على الغائب والسجين ونحوهما ممن لا
يستطيع القبض. غاية الأمر أنه لا بد من تحقق القبض في جميع ذلك ولو بعد
الوقف بزمان طويل إذا بقي الواقف ولم يرجع في وقفه.
(مسألة 12): يعتبر في الوقف التأبيد، فلو وقته بمدة لم يقع وقفا، بل
يحمل على التحبيس ويصح إلا أن يعلم إرادة الوقف فيبطل. ويجري ذلك فيما
يوقف على من يتوقع انقراضه، وأما ما يوقف على من لا يتوقع انقراضه فاتفق
انقراضه فالظاهر أنه يكون وقفا، ويرجع بعد الانقراض صدقة.
(مسألة 13): إذا وقف عينا وشرط عودها إليه عند الحاجة فالظاهر
البطلان، إلا أن يرجع ذلك إلى تحبيسها ما دام مستغنيا عنها، فيصح حبسا، وإذا احتاج إليها رجعت له منفعتها، وأما العين فهي لا تخرج عن ملكه كي تعود إليه.
(مسألة 14): يعتبر في صحة الوقف التنجيز، فيبطل لو علقه على أمر
مستقبل معلوم الحصول، كقدوم المسافر وطلوع هلال شهر خاص، وكذا إذا
علقه على أمر حالي محتمل الحصول لا تتوقف عليه حصة الوقف، كما إذا قال:
267

داري وقف إن كان هذا الجنين ذكرا. إلا إذا كان ذلك الأمر مما يتوقف عليه صحة
الوقف فإن الظاهر الصحة، كما إذا قال: إن كان هذا ملكي فهو وقف.
(مسألة 15): إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي، كان من الوقف المعلق وبطل.
إلا أن يريد بذلك أنه يوصي بأن يوقف بعد وفاته، فتنفذ من الثلث، أو بإجازة
الوارث، وحينئذ يجب أن يوقف بعد وفاته عملا بالوصية.
(مسألة 16): لا يصح الوقف على النفس مستقلا ولا منضما للغير، ولو
وقف كذلك بطل في الكل. بل الظاهر عدم صحة الوقف على الغير إذا اشترط
الواقف عليه القيام بمؤنته، أو بأداء الحقوق الواجبة عليه، أو وفاء ديونه من نماء
الوقف الذي يصله أو من مال آخر له. وكذا إذا جعل لمتولي الوقف سهما من
وارد الوقف وكان الواقف هو المتولي له في بعض الطبقات. نعم إذا كان الجعل
في مقابل عمل يقوم به المتولي في إدارة الوقف وشؤونه فلا بأس به، وإن كان
الأحوط وجوبا فيه الاقتصار على ما إذا لم يكن الجعل أكثر من قيمة العمل.
(مسألة 17): إذا وقف عينا على أن يوفى من نمائها عنه بعد موته ما عليه
من ديون الناس، أو الحقوق الشرعية، أو يؤدي عنه العبادات الواجبة أو
المستحبة فالظاهر الصحة.
(مسألة 18): لا يجوز للواقف أن يوقف العين مع استثناء منفعة خاصة
منها - محددة بزمان معين أو نوع معين - لنفسه، بحيث تبقى ملكا له غير مشمولة
بالوقف.
(مسألة 19): إذا آجر المالك العين أو صالح على منفعتها مدة معينة ثم
أوقفها قبل انقضاء المدة لم تدخل المنفعة في المدة المذكورة في الوقف، أما لو
فسخ الإجارة أو المصالحة بخيار أو تقايل ففي عود المنفعة إليه أو دخولها في
الوقف إشكال. ولا ينافي ذلك ما سبق في كتاب الإجارة من رجوع المنفعة
للبايع، للفرق بين البيع والوقف بإمكان استثناء المنفعة في البيع دون الوقف.
(مسألة 20): إذا أراد الواقف التخلص من محذور الوقف على النفس
أمكنه تمليك العين لغيره - بهبة أو بيع أو مصالحة أو غيرها - ثم يوقفها من
تملكها على النحو الذي يريده صاحبها الأول وإن كان بنحو يقتضي انتفاعه بها.
268

وله أن يتوثق لنفسه باشتراط الوقف بالنحو المذكور في ضمن عقد التمليك،
ليكون له فسخ عقد التمليك لو امتنع الطرف المذكور أن يوقف العين أو تعذر
عليه ذلك.
(مسألة 21): يجوز لمن وقف مسجدا أو حرما أو نحوهما مما لم يؤخذ
فيه موقوف عليه خاص أن يصلي فيه أو يزور أو ينتفع به بالنحو الذي يجوز
لسائر المسلمين. وكذا يجوز انتفاع الواقف بالعين التي أو قفها على العناوين
العامة إذا ابتنى وقفها على بذل المنفعة أو النماء للموقوف عليهم ليستوفوها
بأنفسهم من دون أن يتملكوها، وهي الصورة الأولى من الصور الثلاث للقسم
الثاني من قسمي الوقف المتقدمين في الفصل الأول، ولا يجوز له الانتفاع في
غير ذلك، إلا في طول انتفاع الموقوف عليهم، كنزوله ضيفا عليهم، أو استعارته
العين منهم.
(مسألة 22): يتعارف عند أهل البوادي والريف الوقف على وجهين:
أحدهما: أن يوقفوا شاة أو بقرة مثلا لتكون (منيحة) ينتفع بصوفها ولبنها
على أن يكون الذكر المتولد منها ذبيحة يذبح ويؤكل والأنثى المتولدة منها
(منيحة) كامها، وهكذا.
ثانيهما: الوقف لأحد المعصومين صلوات الله عليهم أو الأولياء،
فيوقفون شاة خاصة مثلا أو حصة مشاعة من غنمهم لتبقى الأنثى للاستيلاد على
النحو المتقدم ويذبح الذكر في سبيل الموقوف له، أو يباع ويصرف ثمنه في
سبيله. والظاهر الصحة في الصورتين معا.
نعم، حيث تقدم عدم صحة الوقف المعلق فلا بد من تنجيز الوقف في
الصورتين، فلو علق على شفاء مريض أو فك أسير أو ورود مسافر أو سلامة
غنمهم من المرض أو نحو ذلك بطل.
كما أنه حيث تقدم لزوم خروج الواقف عن الوقف فلا بد من عدم ابتناء
الوقف على تملك الواقف بنفسه للصوف أو اللبن أو اللحم أو أثمانها، بل تكون
لغيره، أو تبذل لعنوان عام يدخل فيه - كالفقراء أو الآكلين في المضيف - فينتفع
بها من دون أن يتملكها على ما تقدم في المسألة (21)، أو تكون ملكا له في
269

مقابل خدمته للوقف وما يبذله عليه من علف أو نحوه لو احتاج إلى ذلك على
النحو المتقدم في المسألة (16).
(مسألة 23): إذا تم الوقف بشروطه المتقدمة كان لازما لا يجوز للواقف
الرجوع فيه، ولا للورثة رده حتى إذا وقع في مرض الموت وزاد على الثلث.
(مسألة 24): إذا اشترط الواقف على الموقوف عليهم شرطا، فإن رجع
إلى مجرد إلزامهم به لم ينفذ ولم يجب الأمر المشروط عليهم، وإن رجع إلى
تقييد دخولهم في الوقف بقيامهم به فالظاهر نفوذه، لكن لا يجب عليهم القيام
به، غاية الأمر أنه مع عدم قيامهم به يخرجون عن الوقفية. والظاهر أن المراد
بشرط الواقف مع عدم القرينة هو الثاني، وأما الأول فهو يحتاج إلى قرينة
وعناية.
270

الفصل الثالث
في شروط الواقف
(مسألة 1): يعتبر في الواقف أن يكون مالكا للعين الموقوفة، مختارا،
نافذ التصرف فيها بالعقل وعدم الحجر لسفه أو رق أو فلس، على التفصيل
المتقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم نفوذ الوقف من الصبي قبل البلوغ حتى
لو بلغ عشر سنين وكان وقفه بالمعروف. نعم إذا كان الوقف صلاحا له فأقف
بإذن وليه نفذ.
(مسألة 3): يصح الوقف من ولي الصبي إذا كان صلاحا للصبي، كما
يصح الوقف من ولي المال في الوقف من سهم الإمام عليه السلام، ومن المال الزكوي،
ومن المال الموصى به، ونحوها.
(مسألة 4): الظاهر عدم جريان حكم الفضولي في الوقف، فلو وقف غير
المالك لم ينفذ وقفه بإمضاء المالك، ولو وقف المالك مكرها لم ينفذ وقفه
برضاه بعد ذلك. وكذا لو وقف وهو غير نافذ التصرف، فإنه لا ينفذ برضا وليه أو
رضاه بعد نفوذ تصرفه.
(مسألة 5): لا يعتبر في الواقف الايمان، بل ولا الاسلام، فيصح الوقف
من المخالف والكافر.
271

الفصل الرابع
في شروط العين الموقوفة
يعتبر في العين الموقوفة أمور..
الأول: أن تكون عينا، فلا يصح وقف المنفعة إلا أن يرجع إلى الحبس أو
العمري أو الرقبى التي يأتي الكلام فيها.
الثاني: أن تكون موجودة، فلا يصح وقف المعدوم كوقف ولد الدابة قبل
وجوده. وفي جواز وقف الحمل قبل ولادته إشكال. نعم يجوز وقف المعدوم
تبعا للموجود، كوقف الدابة على أن يكون نسلها وقفا مثلها.
الثالث: أن تكون شخصية، فلا يصح وقف الكلي، سواء كان دينا في ذمة
الغير - كما لو كان له في ذمة شخص شاة فأوقفها قبل قبضها - أم لم يكن، كما لو
قال: وقفت شاة: قاصدا تعيينها بعد ذلك. بل لا يصح وقف الكلي في المعين،
كما لو كان عنده قطيع من الغنم، فقال: وقفت شاة من هذا القطيع.
الرابع: أن تكون معينة، فلا يصح وقف المردد، كما لو قال: وقفت إحدى
هاتين الشاتين.
الخامس: أن تكون لها منفعة قابلة للتحصيل مع بقاء عينها، كالشجرة
ينتفع بها في الاستظلال والثمرة، والشاة ينتفع بها في الولد واللبن والصوف،
والبقرة ينتفع بها في اللبن والولد والحرث، والثياب ينتفع بها في اللبس، والدار
ينتفع بها في السكن، والأرض ينتفع بها في الزرع، والحلي ينتفع بها في التزين،
وهكذا. ولا يصح وقف ما يتوقف الانتفاع به على تلف عينه، كالطعام والفواكه
والصابون.
(مسألة 1): الظاهر عدم جواز وقف النقود لينتفع بها في الاقتراض، أو
272

وقفها لينتفع بها في الاستثمار، عدم بقاء عينها معه، بل لا يتحقق الانتفاع إلا
باستبدالها. نعم الظاهر جواز جعلها لذلك على أن تكون نحوا من الصدقة غير
الوقف، كما في التبرع لبعض المشاريع الخيرية، فيجعل قسم من المال
لصندوق خيري من أجل إقراض المؤمنين، أو يتبرع به لمؤسسة خيرية من
أجل الاتجار به أو غيره من وجوه الاستثمار لصالحها، أو يعين الحيوان للذبح
في مناسبة خيرية.
(مسألة 2): لا يعتبر قابلية العين للانتفاع حين الوقف، بل يكفي صلوحها
له ولو بعد ذلك، فيصح وقف الحيوان الصغير الذي لا يصلح للانتفاع بالحمل أو
اللبن إلا بعد زمان طويل، كما يصح وقف الأرض للزرع وإن كانت سبخة لا
تصلح للزرع إلا بعد العلاج.
السادس: أن تكون المنفعة المسبلة في الوقف محللة، فلا يصح وقف
آلات القمار واللهو المحرم، ليستعملها الموقوف عليه أو لينتفع بأجرتها.
السابع: أن تكون العين مملوكة، أو متعينة لجهة خاصة كالمال الزكوي،
فلا يصح وقف المباحات الأصلية، ولا وقف الحر.
273

الفصل الخامس
في شروط الموقوف عليه
يعتبر الموقوف عليه أمور..
الأول: أن يكون موجودا، فلا يصح الوقف على المعدوم، سواء كان
موجودا قبل ذلك - كما لو وقف على زيد بعد موته - أم سيوجد، كما لو وقف
على أولاده ولم يولد له بعد، حتى لو كان له حمل لم ينفصل.
والمتيقن من ذلك ما إذا كان مفاد الوقف أمرا يتوقف على وجود
الموقوف عليه، كما لو كان مفاده التملك أو الانتفاع فعلا.
أما إذا كان مفاده مجرد صرف وارد الوقف عليه أو تمليكه له حين وجوده
فالظاهر صحة الوقف، كما لو وقف الدار على أن يجمع المتولي واردها ويدفعه
لمن سيولد له، أو ينفقه عليه، أو وقفها لينفق واردها في صالح الحمل الموجود
فعلا ولم ينفصل.
كما أنه لو كان مفاده التمليك في المستقبل عند وجود الموقوف عليه
فالظاهر الصحة أيضا، كما لو وقف شجرا لا يثمر إلا بعد سنين على من سيولد
له، فإنه يصح وإن كان مفاد الوقت ملكية الموقوف عليه للثمر بمجرد ظهوره.
نعم لا مجال لذلك فيمن وجد سابقا ومات قبل الوقف، بل يتعين البطلان مطلقا.
وكذا لو صادف عدم وجود الموقوف عليه في المستقبل على خلاف ما كان يتوقعه الواقف، فإنه ينكشف بطلان الوقف عليه من أول الأمر مطلقا أيضا.
(مسألة 1): في صورة بطلان الوقف على المعدوم إذا حصل الوقف
المذكور بطل الوقف بتمامه إن كان في الطبقة الأولى، وكذا إن كان في الطبقات
اللاحقة إذا كان انعدام الموقوف عليه متوقعا. نعم إذا كان انعدامه مستمرا فقد
274

تقدم في المسألة (12) من الفصل الثاني أن يحمل حينئذ على التحبيس. وأما إذا
لم يكن انعدامه متوقعا فالظاهر صحة الوقف، وحينئذ إن كان الانعدام مستمرا
انقلبت العين الموقوفة صدقة، وإن كان مؤقتا بقيت العين وقفا، وكانت الثمرة أو
المنفعة عند انعدام الموقوف عليه صدقة مطلقة وترجع إلى الموقوف عليهم
بعد عودهم.
الثاني: أن يكون معينا، فلا يصح الوقف على المردد، كالوقف على
العلماء أو الفقراء، والوقف على أحد المسجدين، أو أحد الوالدين، إلا أن يرجع
إلى الوقف على أحد الأمرين على نحو التخيير في الصرف، أو إلى الصرف على
كل منهما عند احتياجه.
الثالث: أن لا يكون الوقف عليه ليصرفه في المعصية كالزنا وشرب
الخمر وترويج الباطل ونحوها.
275

الفصل السادس
في الولاية على الوقف
(مسألة 1): للمالك جعل الولاية والقيومة على الوقف لنفسه ولغيره،
سواء كانت الولاية في استثمار الوقف، أم في صرف نمائه، أم في عمارة العين
الموقوفة وإصلاحها وحفظها. وحينئذ لا يجوز لغير الولي التصرف من دون
إذنه.
(مسألة 2 9: يجوز جعل الولاية لأكثر من واحد بنحو التشريك أو الترتيب
أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف أو عند حضوره أو غير
ذلك.
(مسألة 3): لا يعتبر في الولي المجعول أن يكون عادلا.
(مسألة 4): لا تتوقف ولاية الولي المجعول من قبل الواقف على قبوله،
كما لا تبطل برده، غاية الأمر أنه لا يجب عليه العمل بمقتضى الولاية، وله
التخلف عنها، فيصير الوقف كما لو لم يجعل الواقف له وليا. نعم إذا كان الوقف
تحت يده لم يجز له التفريط به، بل لا يجوز له تسليمه إلا إلى من هو مأمون عليه
كالولي الذي يجعله الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل من يكون الوقف
تحت يده، كما أنه لو رضي بالقيام بمقتضى الولاية بعد الامتناع عنه كان هو
المتعين لذلك، ولا تسقط ولايته بالامتناع المذكور.
(مسألة 5): للواقف أن يجعل للولي شيئا من نماء العين الموقوفة في
مقابل قيامه بمقتضى الولاية، سواء كان بقدر أجرة المثل، أم أكثر، أم أقل. ولا
يجوز للولي أن يأخذ أكثر مما جعل له، كما لا يجوز له أن يأخذ شيئا لو ابتنى
جعله وليا على قيامه بمقتضى الولاية مجانا. نعم له الامتناع عن القيام بمقتضى
276

الولاية في الحالين معا، فيلحقه ما يأتي في المسألة (11).
(مسألة 6): إذا لم يجعل الواقف وليا على الوقف ففي الوقف الخاص
ترجع الولاية للموقوف عليهم، ومع تشاحهم لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي
لحل المشكلة بينهم باختيار ما هو الأوفق بنظره بمصلحة الوقف، وفي الوقف
العام تكون الولاية للحاكم الشرعي، فلا ينفذ التصرف مع عدم مراجعته. نعم لا
يحتاج لمراجعته في الانتفاع به بمقتضى الوقفية، وفي خدمته وإصلاحه فيما لا
يحتمل فيه فساد من جهة ما، أما مع احتمال الفساد فلا بد من الرجوع للحاكم
الشرعي.
وكذا الحال إذا تردد العمل بمقتضى الوقف بين وجهين أو أكثر، فإنه لا بد
من الرجوع للحاكم الشرعي في اختيار الأوفق والارفق بالوقف والموقوف
عليهم، كما إذا حصل التردد في وقت فتح المسجد أو الحرم، أو في وقت الإنارة
أو التبريد أو غير ذلك.
(مسألة 7): إذا لم يقم الولي المجعول من قبل الواقف بمقتضى ولايته
خيانة أو عجزا أو امتناعا، فإن كان الواقف قد عين خلفا له فهو، وإلا جرى على
الوقف حكم الوقف الذي لم يعين الواقف له وليا. ولو عاد وأراد القيام بمقتضى
الولاية كان له ذلك، ولم يسقط عن الولاية بقصوره أو تقصيره السابق، إلا أن
تتضمن الوقفية انعزاله بذلك.
(مسألة 8): إذا كانت الولاية للموقوف عليهم فلا بد من مراعاتهم مصلحة
الوقف بالإضافة إلى جميع البطون، لا بالإضافة إلى خصوص الموجودين،
وليس لهم التصرف فيه تصرفا يلزم البطول اللاحقة إلا إذا كان صلاح الوقف في
ذلك، فليس لهم إجارته مثلا مدة تزيد على أعمارهم إلا إذا كانت صلاحا
للوقف، ولا يكفي كونها صلاحا للبطن الموجود.
(مسألة 9): في مورد الرجوع للحاكم الشرعي تكون للحاكم الولاية على
التصرف بنفسه أو بوكيله الذي ينعزل بعزل الحاكم أو بموته، وليس له نصب
القيم عليه بحيث لا ينعزل بعزل الحاكم ولا بموته. وكذا الحال في الموقوف
عليهم إذا صارت لهم ولاية الوقف، فإن لهم جعل الوكيل عنهم في إدارة أمر
277

الوقف، لأنصب القيم على الوقف.
نعم، إذا تضمنت الوقفية ولاية الموقوف عليهم أو الحاكم أو غيره على
نصب القيم كان له نصبه، فتثبت له القيمومة ولا ينعزل حينئذ بعزل من نصبه أو
بموته.
(مسألة 10): للحاكم الشرعي أن يجعل للوكيل الذي يقوم مقامه في إدارة
الوقف شيئا من نماء الوقف إذا كان الوقف محتاجا له وامتنع من القيام بذلك
مجانا، سواء عين الواقف لمن يقوم بأمر الوقف شيئا أم لم يعين. نعم التعيين
لا يجوز الزيادة على ما عين إلا مع انحصار الأمر بمن يطلب الزيادة. وكذا الحال
في وكيل الموقوف عليهم إذا صارت الولاية لهم.
(مسألة 11): إذا عين الواقف وليا للوقف على أن يقوم بإدارته مجانا
وامتنع الولي المذكور من إدارته إلا بأجرة، فإن وجد الحاكم الشرعي من يقوم
بإدارته مجانا كان عليه كذلك، وإن لم يجده فالأحوط وجوبا ترجيح الولي الذي
عينه الواقف ودفع الأجرة له، إلا أن يطلب أكثر من غيره فيجب اختيار الأقل.
(مسألة 12): مع تعذر الرجوع للحاكم الشرعي يتعين الرجوع لعدول
المؤمنين من أهل المعرفة مع تيسرهم، وإلا تعين الرجوع للأكثر اهتماما
بمصلحة الوقف الأقرب إلى صلاحه.
278

الفصل السابع
في أحكام الوقف
(مسألة 1): إذا تم الوقف لا يجوز للواقف ولا لغيره التبديل والتغيير عما
وقع عليه في كيفية الوقف، أو في الموقوف عليه، أو في كيفية الانتفاع بالوقف.
نعم يجوز للواقف أن يشترط لنفسه أو لغيره التبديل في الموقوف عليهم
بإدخال غيرهم فيهم وإخراج بعضهم منهم، أو في كيفية الانتفاع بالوقف،
وحينئذ يكون العمل على مقتضى الشرط. أما إذا اشترط حق التغيير في كيفية
الوقف ففي صحة الشرط إشكال، كما إذا وقف مسجدا على أن له أن يجعله
حسينية، أو متجرا ينفق وارده في جهة عامة أو خاصة، أو بالعكس.
(مسألة ت 2): إذا احتاج الوقف للتعمير أو الاصلاح لأجل بقائه والانتفاع به
بالوجه الذي تضمنته الوقفية، فإن كان الواقف قد عين ما ينفق عليه وكان
ذلك كافيا فهو، وإن لم يعين أو لم يكن ما عينه كافيا، فإن كان هناك من يتبرع بما
يحتاج إليه عمر به، وإلا فإن كان الوقف من القسم الأول من القسمين المتقدمين
في الفصل الأول فلا مجال لعمارته من الوقف، وإن كان من القسم الثاني منهما
فله صورتان..
الأولى: أن يفهم من الوقف أن ذكر الانتفاع الخاص بالوقف ليس
لخصوصيته، بل للاهتمام بانتفاع الجهة الموقوف عليها، كما هو الظاهر في
الأوقاف التي يصرف ريعها وواردها في الجهات الخاصة أو العامة، كالأولاد
والعشيرة والمساجد والمدارس وطلبة العلم والفقراء وغيرهم، والظاهر حينئذ
لزوم عمارة الوقف من وارده لتوقف انتفاع الجهة الموقوف عليها بالوقف على
العمارة المذكورة، وذلك بإجارته مدة طويلة وإنفاق الأجرة على عمارته، أو
279

بالاتفاق مع المستأجر على أن يقوم بعمارته في مقابل انتفاعه به مدة طويلة، ثم
يعود للجهة الموقوف عليها المعروف في عصورنا بالمساطحة، أو نحو ذلك.
ولا يضر مع ذلك حرمان الطبقات السابقة، لأن الغرض نفع العنوان دون
خصوص الأفراد.
الثانية: أن لا يفهم من الوقف ذلك، بل يعلم أو يحتمل خصوصية الانتفاع
الخاص، وهو انتفاع الموقوف عليهم بالوقف مباشرة، كما هو الحال في مثل
وقف المدارس والحسينيات ومنازل الزوار والمسافرين ومأوى الفقراء
والمنقطعين، بل لعله الظاهر في مثل وقف الدار لسكني الذرية، ووقف الشجرة
لاستظلال المارة بها وأكلهم من ثمرتها، ووقف جهاز التبريد للمسجد أو
الحسينية، أو نحو ذلك. وفي مثل ذلك لا تجب عمارة الوقف من وارده، بل لا
يجوز ما دام الوقف صالحا لأن ينتفع به في الجهة التي وقف عليها نفعها معتدا به،
وإن كان قليلا نسبيا.
أما إذا تعطل الوقف في مثل ذلك أو كان نفعه قليلا غير معتد به بسبب
خرابه فيأتي الكلام في المسألة (5) إن شاء الله تعالى.
(مسألة 3): إذا أمكن تبديل الوقف من حاله الذي وقف عليه إلى حال
آخر - كتبديل البستان بشقق سكنية، وتبديل الدار بمحلات تجارية، وتبديل
المدرسة بمستشفى، وغير ذلك - فالظاهر التفصيل في جوازه بين الصورتين
المتقدمتين، فيجوز في الصورة الأولى مع كونه أنفع للموقوف عليهم أو أصلح
للوقف، بل قد يجب، ولا سيما مع تعذر الانتفاع به على الوجه الأول الذي وقف
عليه لفقده للوازم ذلك، كالبستان ينقطع عنها الماء، والدار في محلة يعرض
الناس عن السكنى فيها، أو لمنع السلطان، أو نحو ذلك. وإن احتاج لبذل مال
حينئذ فإن عين له الواقف أو حصل متبرع به فذاك، وإلا أنفق عليه من ريع
الوقف ووارده، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.
وأما في الصورة الثانية فلا يجوز مع إمكان الانتفاع به على الوجه الذي
وقف عليه، وأما مع تعذره فيأتي الكلام فيه في المسألة (5) إن شاء الله تعالى.
(مسألة 4): إذا احتاج الوقف لصرف مال في عمارته أو في إدارة شؤونه،
280

فإن كان هناك مال معين للصرف - من نفس الوقف أو من التبرعات أو من
الحقوق الشرعية المبذولة للصرف المذكور ممن له حق البذل - فكما يجوز
لمتولي الصرف الانفاق منه بعينه - فيشتري مثلا أو يستأجر به بشخصه - يجوز
له الاقتراض عليه والاقراض بنية الرجوع عليه، وكذا إذا كان هناك منفعة أو نماء
متوقع مخصصان أو مبذولان له، كعقار أو بستان موقوفين أو مبذولين له.
أما مع عدم ذلك فلا يجوز لمتولي الصرف الاقتراض على التبرع المتوقع
أو الحق المتوقع بذله للصرف المذكور ولا الاقراض بنية الرجوع عليه. ولو
اقترض كان القرض في ذمته وعليه وفاؤه من ماله.
ولو أقرض وأنفق لم يتحقق القرض، بل كان ما ينفق تبرعا منه، ولم يجز
له الوفاء ولا الاستيفاء من التبرع أو الحق المبذول بعد ذلك للصرف للصرف المذكور، إلا
أن يكون التبرع أو البذل لخصوص الوفاء أو الاستيفاء المذكورين، أو يعلم
بعمومه له، فلا بأس بالوفاء والاستيفاء منه حينئذ. وهذا أمر قد يغفل عنه
المتولون للصرف، فاللازم التنبه له.
(مسألة 5): قد يتعطل الوقف عن الانتفاع به بالوجه الذي تضمنته الوقفية
لخراب ونحوه، وقد سبق في المسألة (2) أنه يجب عمارته من المال الذي عينه
الواقف أو من التبرع مع وجودهما، ومع عدمهما فيجب عمارته من ريع الوقف
ووارده في الصورة الأولى من الصورتين المتقدمتين دون الثانية.
وحينئذ إذا تعذر تعميره في الصورة الأولى فالظاهر بقاء العين وقفا على
الموقوف عليهم إن كان لها غلة بها، وإلا فهي صدقة عليهم، والأحوط
وجوبا حينئذ استبدالها بما يدر عليهم على نهج الوقف الأول. ومع تعذر شراء
شئ أو خوف الضياع عليه بوجه معتد به فالأحوط وجوبا بذله للموقوف
عليهم وتوزيعه على الموجودين منهم على نحو توزيع وارد الوقف وريعه.
وأما في الصورة الثانية، فإن أمكن تعمير الوقف من وارده أو من غيره
بنحو يحفظ به عنوانه الذي أوقف عليه ويؤدى به الغرض المطلوب منه ولو في
الزمن يحفظ به عنوانه الذي أوقف عليه ويؤدى به الغرض المطلوب منه ولو في
الزمن اللاحق فالأحوط وجوبا القيام بذلك. وأما ما تقدم في المسألة (2) من
عدم جواز تعميره من وارده في الصورة المذكورة فيختص بما إذا كان خرابه
281

بنحو لا يمنع من الانتفاع به فيما أوقف عليه. وإن تعذر ذلك فالظاهر صيرورة
العين صدقة مطلقة يجوز بيعها كما يجوز إبقاؤها والانتفاع بها ولو بعمارتها على
وجه آخر غير ما أوقفت عليه. نعم لا تتعين حينئذ للوجه الآخر، بل تبقى صدقة
مطلقة يجري عليها حكم الصدقات، فيجوز الانتفاع بها بعد خراب العمارة
الثانية على وجه آخر وهكذا مهما تعاقبت عليها العمارات.
هذا، ولا بد في إجراء الأحكام المذكورة من أن يقوم بذلك ولي الوقف
الخاص مع وجوده، وإلا فالحاكم الشرعي، وعليه ملاحظة القرائن العامة
والخاصة في تشخيص الصورة والوجه الذي وقع عليه الوقف. ومع اشتباه
الحال فاللازم الاحتياط.
(مسألة 6): إذا خراب الوقف وتعذرت عمارته من وارده أو من غيره جاز
بيع بعضه لعمارة الباقي من غير فرق بين الصورتين المتقدمتين. وما تقدم من
صيرورة العين صدقة إنما هو مع تعذر ذلك.
(مسألة 7): في حكم تعطيل الوقف لخرابه تعطيله لسبب آخر غير
الخراب، كما لو تعذر السكن في الدار لمنع السلطان، أو لعدم توفر لوازم
السكن، أو غير ذلك، فيجري حينئذ التفصيل المتقدم.
(مسألة 8): قد لا يتعطل الوقف بل يبقى صالحا للانتفاع الذي تضمنته
الوقفية، إلا أنه يتعذر انتفاع الموقوف عليه به واستعماله في الوجه الذي أوقف
عليه. وذلك لأحد أمور:
الأول: ارتفاع موضوعه، كما لو وقف شيئا لعمارة مسجد أو إنارته أو
وقف فراشا أو أثاثا له فخرب ذلك المسجد أو هجر، وكما لو وقف مدرسة في
بلد لطلاب العلم، فترك الناس طلب العلم في ذلك البلد وهاجروا منه، وكما لو
وقف شيئا لمصلحة هيئة أو جمعية معينة فانحلت تلك الهيئة أو الجمعية.
الثاني: الاستغناء عنه، كالاستغناء بالحديث عن القديم في أدوات الإنارة
أو التبريد أو الفرش أو الكتب أو الكتب أو الأبواب أو الأخشاب أو غيرها.
الثالث: تعذر استعماله لمنع سلطان أو نحوه.
الرابع: الخوف على العين الموقوفة من التلف أو السرقة أو نحوهما بنحو
282

خارج عن المتعارف غير متوقع حين الوقف.
وحينئذ إن كان التعذر مؤقتا أو يتوقع زواله قريبا بحيث لا يستلزم تعطيل
الوقف عرفا وجب الانتظار، وحرم الانتفاع بالعين الموقوفة في غير الوجه الذي
وقفت له، وإلا فالأحوط وجوبا أنه إن أمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء
عينها بمثل الانتفاع الذي أخذ في الوقف تعين الانتفاع المذكور بها في مثل
الجهة التي وقفت لها مع حاجتها، فيستعمل ما وقف لمسجد في مسجد، وما
وقف لحسينية في حسينية، وما وقف لمدرسة في مدرسة، وما وقف لجماعة
من طلاب العلم - كالسادة مثلا - في طلاب العلم، مع مراعاة الأقرب فالأقرب
في جميع ذلك. ومع تعذر استعماله في مثل تلك الجهة أو الاستغناء عنه فيها
يستعمل فيما هو الأقرب فالأقرب لها عرفا كاستعمال ما وقف للمسجد في
حسينية مثلا ثم في جهة عامة قربية ثم في جهة خاصة قربية أيضا.
نعم لا يختص الوقف بما يجعل حينئذ، بل يجوز نقله لنظيره اختيارا،
فإذا جعل في مسجد مثلا جاز نقله لمسجد آخر مع حاجته، بل إذا جعل في
الأبعد لفقد الأقرب ثم وجد الأقرب فالأحوط وجوبا نقله إليه مع الحاجة.
أما إذا لم يمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء عينها بمثل الانتفاع الذي
أخذ في الوقف في مثل الجهة التي وقفت لها أو الأقرب إليها - لعدم صلوحها
للاستعمال المذكور كالأخشاب التالفة والفرش المستهلكة، أو للاستغناء عنها
في الأمثال والنظائر - فالظاهر أنها تكون صدقة يجوز بيعها وصرف ثمنها في
مصرف الصدقات.
بقي في المقام أمران:
الأول: أنه يستثنى من ذلك ما إذا دار الأمر بين الانتفاع بالعين الموقوفة
في غير الجهة التي وقفت عليها بنحو الانتفاع بها في الجهة التي وقفت عليها
وبين الانتفاع ببدلها في نفس الجهة التي وقفت عليها، كما إذا هدم المسجد ودار
الأمر بين استعمال آجره وأخشاب بنائه في بناء مسجد آخر وبين بيعها وصرف
ثمنها في بنائه، وكما إذا قصرت أدوات إنارته أو تبريده عن الوفاء بحاجته ودار
الأمر بين الانتفاع بها في مسجد آخر وبين بيعها وصرف ثمنها في إنارة نفس
283

المسجد أو تبريده. فإن الظاهر هنا لزوم اختيار الثاني، لأنه الأقرب عرفا للوقف.
الثاني: أن الأحوط وجوبا مع عدم وجود ولي خاص للوقف مراجعة
الحاكم الشرعي، واستئذانه في التصرف في العين الموقوفة بالوجه المتقدم عند
تعذر الانتفاع بها في الوجه الذي وقفت عليه.
(مسألة 9): إذا جهل مصرف نماء الوقف، فإن أمكن الاحتياط تعين، فإذا
تردد مثلا بين العلماء مطلقا وخصوص الفقراء منهم، صرف في الفقراء منهم،
وكذا إذا تردد بين العلماء مطلقا والفقراء مطلقا، وإن تعذر الاحتياط، فإن كانت
المحتملات محصورة تعين الرجوع للقرعة، كما إذا تردد بين أحد مسجدين أو
بين مساجد معينة، أو تردد بين الدفع للفقراء والصرف لعمارة المسجد، وإن لم
تكن محصورة صرف في وجوه البر، والأحوط وجوبا اختيار ما يحتمل كونه
مصرفا للوقف عند التردد بينه وبين ما يعلم بعدم كونه مصرفا له.
(مسألة 10): إذا آجر الولي العين الموقوفة في الوقف التشريكي أو
الترتيبي مدة معينة - كسنة مثلا - وفي أثنائها مات بعض الموقوف عليهم أو تمام
البطن السابق، أو ولد بعض من يشارك الموقوف عليهم لم تبطل الإجارة
بالإضافة إلى حصته في تلك المدة، غاية الأمر أنه ينكشف بطلان التوزيع
للأجرة، ويتعين توزيع ما يخص المدة الباقية على النحو المناسب للموت
والولاية الحادثين. على أنه لا يبعد أن ينصرف الوقف - تبعا للتعارف - إلى
توزيع أجرة تمام السنة مثلا على الموجودين في رأس تلك السنة.
(مسألة 11): الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما واستطال حتى صار نخلا
مثمرا، أو قلع من موضعه وغرس في موضع آخر فنما حتى صار نخلا مثمرا لا
يكون وقفا، بل هو من نماء الوقف فيجوز بيعه وصرفه في مصارف منفعة
الوقف ونمائه، وكذا الحال في الولد الذي يلده الحيوان الموقوف، إلا أن ينص
الواقف على وقف النماء المذكور تبعا للأصل، فيصح كما تقدم. وكذا إذا نص
واقف البستان مثلا على أن للولي أن يغرس في البستان فسيلا ويجعله وقفا،
ففعل الولي ذلك، فإنه يصير حينئذ وقفا كالنخل الذي أوقفه الواقف بوقفه
للبستان.
284

(مسألة 12): لا يجوز بيع الوقف في القسم الأول من القسمين
المتقدمين في الفصل الأول مطلقا. وكذا في القسم الثاني، إلا أنه يستثنى منه
موردان..
الأول: ما إذا بطلت الوقفية وصارت العين صدقة خاصة أو مطلقة، لتعذر الانتفاع بالوقف على الوجه الذي وقف عليه، على ما تقدم مفصلا في
المسائل (5) و (6) و (7) و (8).
الثاني: ما إذا صرح الواقف في الوقف بالإذن في بيعه عند حدوث أمر
- كاختلاف الموقوف عليهم وحاجتهم - بل مطلقا على الأظهر، وحينئذ يصرف
ثمنه فيما يذكره الواقف أو يفهم منه.
وقد يدعى جواز البيع أيضا فيما إذا احتاج الموقوف عليهم وكان البيع
خيرا لهم وبرضاهم، وفيما إذا وقع الاختلاف بينهم. لكن الأحوط وجوبا عدمه
والاقتصار على ما سبق.
(مسألة 13): المخلوطات الأثرية وإن كانت تبطل وقفيتها إذا سقطت
عن الانتفاع وتكون صدقة مطلقة أو خاصة إلا أن الاحتفاظ بها في المكتبات
العامة الآمنة من أوضح مصارف الصدقات فلا ينبغي تضييعها ببيع أو نحوه.
وكذا الحال في جميع الأمور الأثرية التي يعتز بها ويهتم بحفظها إذا كان في
حفظها إعزاز للدين وأهله.
(مسألة 14): إذا كان مفاد الوقفية تمليك المنفعة أو النماء أو ثمنهما
للموقوف عليهم، فإن كان الموقوف عليهم محصورين يمكن الوصول إليهم
جميعا في العادة كان الظاهر التوزيع بينهم جميعا، ويكون بنحو التساوي ما لم
ينص الواقف على التفاضل، وإن لم يكونوا محصورين ولا يمكن الوصول
إليهم جميعا في العادة - كالفقراء والسادة - فالظاهر التوزيع بينهم في الجملة ولا
يجب الاستيعاب.
(مسألة 15): إذا كان مفاد الوقفية أن للموقوف عليهم الانتفاع بالوقف
بالمباشرة - كالسكنى في الدار والمدرسة، والنزول في منازل المسافرين
والزوار، والصلاة أو الجلوس في الحسينية، والأكل من ثمرة الشجرة - فإن كان
285

هناك قرينة عامة أو خاصة على مقدار الانتفاع المبذول في الوقف كما وكيفا
وزمانا عمل عليها، وإلا انصرف للمقدار المتعارف من الانتفاع، وهو يختلف
باختلاف الأشياء الموقوفة، الانتفاع في دار السكن يختلف مساحة عن الانتفاع
في سكنى المدرسة، وهما يختلفان عن الانتفاع في منزل المسافرين، ولا يجوز
لبعض الموقوف عليهم منع الآخرين.
نعم مع ضيق الوقف عن الاستيعاب وتشاح الموقوف عليهم وعدم
تضمن الوقفية الترجيح بينهم، فإن كان مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل مطلقا
تعين التصالح بينهم في كيفية القسمة بلحاظ الزمان - كشهر فشهر أو سنة فسنة -
أو بلحاظ المقدار بانتفاع كل منهم دون المقدار المجعول في الوقف، أو غير
ذلك، ومع عدم التصالح يتعين الرجوع للحاكم الشرعي لفض النزاع، وإن كان
مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل ما وسعهم الوقف فالترجيح للسابق، ومع عدم
السبق فاللازم التصالح في كيفية القسمة أو الرجوع للحاكم، على النهج
السابق. هذا كله إذا لم تتضمن الوقفية تحكيم الولي في تعيين من له الانتفاع،
وإلا كان هو المرجع مع التشاح.
(مسألة 16): إذا كان مفاد الوقفية أن للموقوف عليهم الانتفاع بالمباشرة
فليس لبعضهم أخذ شئ من المال من الباقين بدلا عن الانتفاع بالمباشرة
فليس لبعضهم أخذ شئ من المال من الباقين بدلا عن الانتفاع المذكور،
ليستقلوا بالانتفاع ولا يشاركهم فيه. نعم له أن يصالحهم على شئ من المال في
مقابل عدم إعمال حقه، فيكون أخذ المال في مقابل ترك إعمال الحق، لا في
مقابل نفس الانتفاع المستحق.
286

الفصل الثامن
فيما يثبت به الوقف
لا إشكال في أن الوقف يحتاج إلى إثبات، وأنه لا يحكم به بمجرد
الاحتمال، بل يحكم بعدمه حينئذ.
كما أنه بعد ثبوته والشك في خصوصياته - من عموم وخصوص
وغيرهما - لا مجال للبناء على خصوصية ما من دون إثبات.
ولو شك المكلف في دخوله في الموقوف عليهم أو في عموم الوقف
لبعض التصرفات لم يحل له التصرف ما لم يحرز عموم الوقف له أو للتصرف
المذكور، فإذا شك مثلا في أن حوض المدرسة أو بئر أو مرافقها وقف على
خصوص طلاب العلم أو على كل وارد لها لم يحل لغيرهم التصرف فيها، وكذا
إذا شك في أن المرافق أو الميضاة الملحقين بالمسجد وقف على خصوص من
يصلي في المسجد أو على ما يعم غيرهم لم يحل لغير من يصلي في المسجد
استعمالها، وهكذا.
(مسألة 1): تثبت الوقفية بالعلم من أي سبب حصل، وبالبينة، وبإخبار
ذي اليد، كما نثبت بها كيفية الوقف من كونه مسجدا أو حسينية أو وقفا تشريكيا
أو ترتيبيا، على نحو تمليك المنفعة أو النماء للموقوف عليهم أو بذلهما للانتفاع
بهما بالمباشرة، إلى غير ذلك من الخصوصيات.
(مسألة 2): إذا كانت العين تحت يد أكثر من واحد، فإن أخبر الكل
بوقفيتها أو بكيفية وقفيتها صدقوا وثبتت وقفيتها، وإن أخبر بعضهم فقط، فإن
كان ظاهر يدهم ملكية العين تثبت الوقفية في حصته بالنسبة ولا تثبت في حصة
287

الآخرين، وإن لم تكن يدهم كذلك - كما لو كانوا مستأجرين للعين، أو كانت
عارية في أيديهم، أو غاصبين لها، أو غير ذلك - ثبتت الوقفية في تمام العين
بإخبار بعضهم بها، إلا أن يكذبه الآخرون، فلا تثبت الوقفية في شئ منها
حينئذ. وإن اتفقوا على الوقفية واختلفوا في كيفيتها لم تثبت إحدى
الكيفيتين.
(مسألة 3): لا فرق في إخبار صاحب اليد بين أن يكون بالقول، وأن
يكون بالكتابة ونحوها من طرق الأخبار. بل يكفي تصرفه في العين ومعاملته لها
معاملة الوقف، أو معاملة وقف خاص، كمسجد أو حسينية أو وقف تشريكي أو
ترتيبي أو غير ذلك من كيفيات الوقف. نعم لا بد من ظهور حاله في التصرف في
بنائه على ما يناسب تصرفه وجزمه به، أما لو احتمل صدور التصرف منه لمجرد
الاحتياط تبعا للاحتمال فلا يترتب عليه شئ.
(مسألة 4): إذا كانت هناك عين صالحة للوقفية قد كتب عليها أنها وقف
واحتمل أنها صادقة وأن العين وقف، فالكتابة المذكورة..
تارة: لا تصدر عادة إلا ممن يضع يده على العين، بحيث تكون العين
حين الكتابة تحت يده وفي سيطرته، كما هو الظاهر في الأشياء الصغيرة كالإناء
والكتاب ونحوهما، وكذا في الأشياء الكبيرة - كالدار والعقار - إذا كانت الكتابة
محتاجة لعناية كالكتابة بالكاشي المثبتة في البناء ونحوها.
وأخرى: لا تكون الكتابة كذلك، كالكتابة على الدار من الخارج بالفحم.
ولا عبرة بالثانية، أما الأولى فالظاهر أنها توجب الحكم بوقفية العين المذكورة.
نعم، إذا كانت العين بيد شخص وادعى ملكيتها، واعتذر عن الكتابة بعذر
مقبول صدق وحكم بملكيته، وترتبت أحكامها. وكذا إذا ادعى أنه قد اشتراه
لتحقق المبرر لبيع الوقف.
(مسألة 5): إذا وجدت ورقة بخط شخص تتضمن أن العين الفلانية
وقف، وكانت العين المذكورة في ملكه أو تحت ولايته بحيث له وقفها، فإن
ظهر من حال الكتابة أنها صادرة بداعي الاخبار بصدور الوقفية أو بداعي إنشائها
ثبتت الوقفية بذلك.
288

وإن لم يظهر ذلك فلا تثبت بها الوقفية، كما إذا احتمل صدورها لمجرد
تعلم الانشاء، أو لكتابة مسودة الوقفية لعرضها على بعض الناس واستشارتهم
فيها، على أن يتم إنشاؤها بعد ذلك عند اتضاح رجحانها أو حصول بعض
التعديلات عليها.
(مسألة 6): المتبع في تعيين نوع الوقف وكيفيته وخصوصياته ظاهر
كلام الواقف المتحصل منه بعد ملاحظة القرائن العامة والخاصة المحيطة به،
وقد تعرض فقهاؤنا رضي الله تعالى عنهم لمفاد جملة من العبارات، وقد
أعرضنا عن ذلك لأن المعيار في مفاد العبارات المذكورة في كلامهم على ما
ذكرنا، وهو أمر لا ينضبط، لعدم انضباط القرائن.
(مسألة 7): تثبت الوقفية بتصرف الناس في العين على أنها وقف لهم،
يستحقون التصرف فيه جيلا بعد جيل من دون مزاحم ومانع ومعارض، كما
يثبت عموم الوقفية وخصوصها وجميع خصوصياتها بذلك أيضا، فالأماكن
العامة التي يتصرف الناس فيها على أنها وقف لهم من دون مزاحم يبنى على
وقفيتها بما يناسب تصرفهم، ولا يحتاج إلى مثبت آخر من بينة أو إقرار أو
غيرهما. ولا ترفع اليد عن ظاهر التصرف المذكور إلا بشواهد وقرائن تكشف
عن عدم وقوعه في محله.
والحمد لله رب العالمين.
289

الفصل التاسع
في الحبس والسكنى
والعمرى والرقبى
وهي تشترك مع الوقف في تحبيس العين من أجل استيفاء المنفعة
تدريجا، إلا أنها تخالفه في عدم ابتنائها على إخراج العين عن ملك مالكها، بل
تبقى في ملكه فتكون موروثة لورثته، وليس لمن حبست له في التصرف بها في
مدة الحبس تصرف المالك بالبيع والشراء ونحوهما.
(مسألة 1): التحبيس عبارة عن التصدق بمنفعة العين وحدها وقصرها
على شخص أو أشخاص محصورين، أو على جهة معينة عامة يصح الوقف
عليها، كالفقراء والعلماء والحجاج والزوار وسبيل الله تعالى وخدمة المسجد
وغيرها.
(مسألة 2): لا بد في التحبيس من إنشاء مضمونه بما يدل عليه من قول
أو فعل، على نحو ما تقدم في الوقف وغيره، كما إذا قال: حبست فرسي على
زيد، أو في سبيل الله تعالى، أو دفع فرسه لزيد بنية تحبيسها عليه، أو نحو ذلك.
(مسألة 3): لا بد في لزوم التحبيس من قصد القربة والقبض، على النهج
المتقدم هناك. وفي اشتراط القبول فيه إشكال.
(مسألة 4): إذا حبس المالك ملكه مدة معينة لزم في المدة المذكورة،
وليس له الرجوع عنه قبل مضيها، وإذا مات قبل مضيها فليس لوارثه الرجوع
فيه، فإذا مضت المدة عادت المنفعة له أو لوارثه.
(مسألة 5): إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقته بمدة معينة وكانت الجهة
التي حبسه لها محدودة لا دوام لها - كشخص معين - لم ينفذ بعد موت الحابس،
290

بل يرجع ميراثا لورثته. والظاهر لزومه عليه في حياته، وليس له الرجوع فيه.
نعم، له الرجوع متى شاء إن اقتصر على بذل ملكه للمنفعة الخاصة، كما
لو أسكن شخصا الدار أو أخدمه عبده أو استخدم سيارته أو دابته في نقل
الحجاج أو الزوار، من دون أن ينشئ التحبيس ويلتزم به.
(مسألة 6): إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقته بمدة معينة ولم تكن
الجهة التي حبسه لها محدودة، بل كان من شأنها الدوام - كالعلماء والفقراء
وخدمة المسجد - فهل يبقى التحبيس مع إطلاقه نافذا ما دامت العين باقية، ولا
يظهر الفرق بينه وبين الوقف عملا إذا سقطت العين عن الانتفاع المقصود،
حيث تبقى صدقة في الوقف وتبقى ملكا لمن حبسها في التحبيس، أو يبطل
التحبيس بموت الحابس كما في الصورة السابقة وجهان أقواهما الثاني. وكذا
الحال إذا صرح الحابس بالدوام والتأبيد.
(مسألة 7): من أفراد الحبس السكنى وهي تختص بالمسكن، وتتضمن
جعل حق السكن لشخص معين، وتجري فيها الأحكام المتقدمة.
(مسألة 8): إذا قيد الحبس - في المسكن وغيره - بمدة معينة - كعشر
سنين مثلا - قيل له أيضا: رقبى، وإذا قيده بعمر الحابس أو عمر المحبس عليه
قيل له: عمري. ويختص الجميع بما إذا كان المحبس عليه شخصا معينا، أما إذا
كان عنوانا عاما فلا يطلق عليه إلا الحبس.
(مسألة 9): حيث سبق عدم خروج العين في الحبس وما الحق به عن
ملك المالك فللمالك بيع العين مسلوبة المنفعة من دون أن يبطل التحبيس أو
ينافيه. أما المحبس عليه فليس له أن يبيع المنفعة، أو يصالح عليها أو على
إسقاطها، لعدم وضوح كونه مالكا لها، بل يشكل جواز المصالحة معه على أن لا
ينتفع بالعين بنحو يكون للمصالح معه الانتفاع بها بدلا عنه، لأن الظاهر أو
المتيقن أن للمحبس عليه الانتفاع بالمباشرة، فمع عدم انتفاعه بنفسه تكون
المنفعة تحت سلطان المالك المحبس تبعا للعين التي هي ملكه.
291

المبحث الثاني
في بقية الصدقات مما لا
يبتني على التحبيس
وهي على قسمين:
القسم الأول: ما يكون صدقة بنفسه من دون أن يضاف إلى متصدق
عليه، ويكون تمليكه للمستحق أو بذله له أو تسليطه على الانتفاع به متأخرا رتبة
وزمانا عن كونه صدقة بنفسه ومتفرعا على ذلك، لا مقوما ومقارنا له. ومنه الزكاة
الواجبة التي جعلها الله تعالى في النصاب المملوك، وزكاة الفطرة التي جعلها في
ذمة المكلف، فإنهما متعينان بأنفسهما، بل يمكن تعيينهما بالعزل خارجا قبل
أخذ المستحق لهما، ومنه الوقف إذا بطلت وقفيته كما تقدم.
(مسألة 1): الظاهر مشروعية التصدق بالنحو المذكور، فهو نحو من
الايقاع ويكفي فيه إخراج المالك المال عنه وتعيينه في جهة قربية، نظير الوقف،
وليس الاختلاف بينهما إلا في ابتناء الوقف على تحبيس العين لاستيفاء النماء
أو المنفعة، وعدم ابتناء التصدق المذكور على ذلك، بل على مجرد جعل العين
صدقة مطلقة أو مقيدة بمصرف خاص من دون تحبيس أو تمليك، فيخرج
المال بذلك عن ملك مالكه ويتعين للجهة التي عين لها، ولا يجوز للمالك
الرجوع فيه بعد تعيينه.
(مسألة 2): من الصدقة المطلقة بالمعنى المذكور ما تعارف في عصورنا
من عزل مقدار من المال بعنوان الخيرات التي تصلح للصرف في جميع وجوه
البر.
(مسألة 3): من الصدقة المقيدة بالمعنى المذكور التبرعات للجهات
292

الخيرية المختلفة، كالمناسبات الحسينية ونحوها مما ينسب للنبي صلى الله عليه وآله
وآله عليهم السلام من إطعام أو مجالس أو مواكب عزاء أفراح، وكذا ما يخصص
لسائر المناسبات الدينية، وكذا التبرع لصنف من المؤمنين - كالعلماء والسادة -
أو لسد حاجة شخص معين، كبناء داره أو زواجه أو علاجه أو نحوها إذا ابتنى
التبرع على تعيين المال للجهة المذكورة من دون تمليك للشخص حينه، وإلا
دخل في القسم الثاني من الصدقة. هذا كله إذا ابتنى التبرع على قطع المالك
علاقته بالمال وإخراجه عن ملكه، وإلا كان وعدا بالبذل عند الحاجة من دون أن
يكون المال صدقة قبل الصرف.
(مسألة 4): من الصدقة المذكورة التبرع للصناديق الخيرية التي تعارف
استحداثها في عصورنا إذا ابتنت على قطع المتبرع علاقته بالمال، أما لو بقي
المال له وكان مبنى الصندوق على بذله للتصرف فيه بالاقراض أو المعاوضة أو
نحوهما فهو خارج عن ذلك، وراجع إلى التوكيل في التصرف الخاص.
(مسألة 5): من الصدقة المذكورة التبرع للجمعيات أو الجهات العامة
الخيرية كالمكتبات والمستشفيات والجامعات ونحوها، فإن الظاهر كون المال
في جميع ذلك صدقة تتعين فيما عينت له.
(مسألة 6): لا بد في لزوم التصدق المذكور من قبض المال الذي تصدق
به من قبل من يتولى صرف الصدقة المذكورة أو جمعها، وإذا كان هو المتصدق
نفسه كفى قبضه المال بما أنه متعين للجهة المتصدق لها وخارج عن ملكه.
(مسألة 7): إذا كانت الصدقة المذكورة مقيدة بمصرف خاص فتعذر أو
ارتفع موضوعه صرف المال في مصارف الصدقات، والأحوط استحبابا حينئذ
تحري الأقرب فالأقرب للمصرف الخاص المقيد به التصدق. وكذا الحال لو
كان التعذر وارتفاع الموضوع من أو الأمر قبل التصدق.
(مسألة 8): إذا جعل المتصدق الصدقة لله تعالى، من دون نظر لمصرف
خاص فالأحوط وجوبا صرف المال في الفقراء والمساكين وابن السبيل.
القسم الثاني: ما يكون صدقة بإضافته لمتصدق عليه وجعله له، نظير
الهبة. وهي بالمعنى المذكور واجبة في موارد كثيرة، كما في الكفارات وفدية
293

الصيام وغيرهما مما يذكر في
في أبواب الفقه المتفرقة، أما في غير ذلك فهي من
المستحبات المؤكدة، وقد تواتر الترغيب فيها والحث عليها في الكتاب المجيد
وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من آله عليهم السلام، وقد ورد أنها جنة من النار، وأن من
ختم له بها دخل الجنة، وأنها تفك من بين لحى سبعين شيطانا - بل سبعمائة -
كلهم يأمر الانسان أن لا يفعل، وأنها تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد
العبد، كما قال عز من قائل: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده
ويأخذ الصدقات) ولعل المراد بذلك أن الله تعالى يحفظها للمتصدق في
خزائن رحمته مباشرة، من دون أن يتوسط في إيصالها ملك يرفعها.
كما ورد أنها دواء للمريض، وبها تدفع ميتة السوء، والداء والدبيلة - وهي
الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالبا - والحرق والغرق
والهدم والجنون... إلى أن عد سبعين بابا من السوء، وأن بها يؤخر الأجل،
ويقضى الدين، وهي تزيد في المال، وتخلف البركة.. إلى غير ذلك مما ورد
فيها وفي الحث عليها.
(مسألة 9): يستحب افتتاح اليوم بالصدقة، ليدفع بها شره ونحسه،
وافتتاح الليل بها، ليدفع شره ونحسه، وفي الحديث: (أن صدقة الليل تطفئ
غصب الرب، وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب، وصدقة النهار تثمر المال
وتزيد في العمر). وأفضلها صدقة السر، فقد ورد أنها تطفئ غضب الرب،
وصاحبها أحد السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
(مسألة 10): الظاهر صحة الصدقة المذكورة من الصبي في ماله إذا بلغ
عشر سنين ووضعها في موضعها، ولا يشترط فيها إذن الولي، وذلك من جملة
المستثنيات من الحجر على الصبي.
(مسألة 11): الصدقة بحسب الأصل من سنخ الهبة مشروطة بالقرية،
فهي من العقود تفتقر إلى الايجاب والقبول، وتقع بكل ما يدل على إنشاء ذلك
والالتزام به من قول أو فعل، نظير ما تقدم في جميع العقود، كما أنها مشروطة
بالقبض كالهبة. ويلحق بها كل إحسان مالي كإبراء المديون من دينه وإعارة
المتاع وبذله لمن يطلبه، وكذا بذل الطعام والشراب ونحوهما وإن لم يكن بنحو
294

التمليك. ولا يلزم فيها حينئذ أن تكون عقدا، بل قد تكون إيقاعا، ولا يجري
عليها حكم الهبة، بل يلحق بالصدقة كل إحسان وإن لم يكن ماليا، فقد ورد أن
كل معروف صدقة، وأن تنحيه الأذى عن الطريق صدقة، وأن صنايع المعروف
تدفع ميتة السوء ومصارع الهوان.
(مسألة 12): يعتبر في الصدقة قصد القربة، بمعنى عدم ترتب أثر
خصوصية الصدقة بدونه، وإن ترتب عليها أثر الهبة حينئذ. نعم ليس كل هبة
بقصد القربة صدقة، بل الصدقة هبة خاصة يعرفها المتشرعة بمرتكزاتهم.
(مسألة 13): تحل صدقة الهاشمي على الهاشمي، مستحبة كانت أو
واجبة، حتى الزكاة المفروضة. ولا تحل زكاة غير الهاشمي على الهاشمي على ما
تقدم في كتاب الزكاة، وتحل غيرها من أنواع الصدقة من غير الهاشمي على
الهاشمي، واجبة كانت - كالكفارات وفدية الصيام - أو مستحبة. نعم ما يتعارف
من دفع المال القليل لدفع البلاء ونحوه، مما كان فيه نحو من الذل والهوان على
الأخذ ففي جوازه إشكال، والأولى دفعه بعنوان الهبة والهدية وإن كانت قربية،
تجنبا لحرمانه وهو أنه.
(مسألة 14): لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت لأجنبي،
حتى قبل التصرف المغير للعين، وبذلك تمتاز عن الهبة.
(مسألة 15): لا تجوز الصدقة التي هي من سنخ الهبة على الغني، وإن
دفعت له بعنوان كونها صدقة لم يملكها، ولم تبرأ بها ذمة الدافع إذا كانت واجبة.
نعم يستحب التصدق على مجهول الحال إذا سأل، احتياطا لاحتمال حاجته،
وإن لم يحل له المال إن كان غنيا.
(مسألة 16): لا تجوز الصدقة على الناصب، وتجوز على غيره من
المخالفين والكفار عند ضرورتهم كسد جوعه وري عطشه، كما تجوز الصدقة
على مجهول الحال، ولا سيما من وقعت له الرحمة في القلب، وعلى
المستضعفين والضعفاء من الشيوخ والنساء والصبيان. والأولى الاقتصار في
الصدقة عليهم على القليل.
(مسألة 17): من تصدق بصدقة على شخص وأوصلها له فلم يقبلها
295

وردها لم يحل للمتصدق أكلها وإرجاعها في ماله، بل عليه أن ينفقها في وجوه
البر، وتكون من القسم الأول من الصدقة.
نعم حيث تقدم هناك توقف لزوم الصدقة على قبضها فيكفي في القبض
هنا قبض الرسول الذي كلف بإيصالها، كما يكفي قبض من تصدق عليه بها فلم
يقبلها وردها.
(مسألة 18): التوسعة على العيال من غير سرف أفضل من الصدقة على
غيرهم، بل يكره لصاحب المال إنفاقه في وجوه البر والمعروف بحيث يبقى هو
وعياله من غير شئ، وفي بعض الروايات أنه حينئذ ممن لا يستجاب له لو دعا
بالرزق.
(مسألة 19): الصدقة على الرحم أفضل من الصدقة على غيره. بل في
بعض الروايات: لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج. وأفضلها الصدقة على
الرحم الكاشح، وهو الذي يضمر لك العداوة، أو الذي يعرض عنك لعداوته،
ولعل الثاني أقرب.
(مسألة 20): يستحب التوسط في إيصال الصدقة للمسكين، ففي الخبر:
(لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من
أجره شيئا).
(مسألة 21): تكره المسألة مع الحاجة. ويظهر من جملة من النصوص
حرمة السؤال مع عدم الحاجة. بل يظهر من بعضها أنه ليس المراد بالحاجة هو
الفقر الشرعي، بل الحاجة العرفية القريبة ففي الحديث: (من سأل الناس وعنده
قوت ثلاثة أيام لقي الله يوم يلقاه وليس على وجهه لحم).
والحمد لله رب العالمين
296

كتاب الوصية
وهي عهد الانسان في حياته بما يريده بعد وفاته، وهي من المستحبات
المؤكدة، وقد ورد أنها حق على كل مسلم، وأنه لا ينبغي أن يبيت إلا ووصيته
عند رأسه. وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا
في مروته وعقله) وعنهم عليهم السلام: (إن الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم تطولت
فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم
تقدم خيرا). وقد تقدم في مقدمة الكلام في غسل الأموات ما ينفع في المقام.
ويقع الكلام فيها في ضمن فصول..
297

الفصل الأول
فيما تتحقق به الوصية
الوصية قسمان..
القسم الأول: الوصية التمليكية، وهي عبارة عن أن يجعل شيئا من تركته
لشخص خاص أو لجهة خاصة، وهي نحو من التمليك أو التخصيص المعلق
على الموت، ويترتب مضمونها بعد الموت بلا حاجة إلى سبب لايقاعه، كما لو
قال: الشئ الفلاني لزيد بعد وفاتي، أو للفقراء أو للمسجد. فإن الشئ المذكور
يتعين فيما عين له بعد الوفاة بلا حاجة إلى جعل من الوصي أو الوارث، بل ليس
وظيفتهما إلا بذله لمن جعل له أو فيما جعل له، لأنه مستحق بعد الموت
بالوصية نفسها.
القسم الثاني: الوصية العهدية، وهي العهد لشخص معين بالولاية على
أطفاله القاصرين أو على ما له الحق فيه من تركته لينفذ فيه عهده، وكذا العهد
بالتصرف في قسم من تركته بما يريده، سواء كان التصرف المذكور خارجيا -
كما لو أوصى بتكفينه بكفن خاص قد أعده - أم اعتباريا، كما لو أوصى بقسم من
تركته أن يعطى لزيد، أو يجعل مسجدا، أو أن يباع ويوزع ثمنه على الفقراء، أو
نحو ذلك. والتصرف الاعتباري في هذا القسم لا ينفذ بنفس الموت بل لا بد من
إيقاعه من الوصي أو غيره ممن له ذلك، ولو لم يوقعه من له إيقاعه لم يقع، غاية
الأمر أن الوصي يكون عاصيا في عدم ايقاعه.
(مسألة 1): تقدم في مباحث تجهيز الميت الاشكال في نفوذ الوصية
بالتجهيز، وأن اللازم معها الجمع بين إذن الولي الشرعي والوصي. نعم إذا أعد
الانسان كفنه وجب تكفينه به.
298

(مسألة 2): يكفي في تحقق الوصية كل ما دل عليها، من لفظ صريح أو
ظاهر أو فعل من إشارة أو كتابة أو غيرهما. وإذا وجدت كتابة بخطه تتضمن
وصية، فإن ظهر منها أنها صادرة بداعي إنشاء الوصية أو الاخبار بها كفى في
ثبوت الوصية، وإلا لم تثبت الوصية بها، نظير ما تقدم في الوقف.
(مسألة 3): لا يعتبر القبول من الموصى له في الوصية التمليكية.
والمشهور بطلانها مع رد الموصى له إذا كان شخصا معينا أو أشخاصا معينين،
وهو لا يخلو عن إشكال، فاللازم الاحتياط، بل لا إشكال في عدم بطلانها برده
لها إذا سبق منه القبول بها في حياة الموصي أو بعد وفاته.
(مسألة 4): لو أوصى له بشيئين فرد أحدهما جرى الاشكال المتقدم فيما
رد، وصح في الآخر. وكذا الحال فيما إذا أوصى له بشئ واحد فرد بعضه.
(مسألة 5): إذا تضمنت الوصية العهدية أمرا متعلقا بالغير لم يجب عليه
تنفيذه
تنفيذه، سواء كان في صالح الموصى له، كما لو أوصى بأن يعطى قسما من تركته
أو يلبس ثيابه، أم لم يكن في صالحه كما لو أوصى بأن يصلي عنه أو يحج عنه.
نعم لو أوصى بأن يصلي عليه أو نحوه من واجبات التجهيز فالأحوط وجوبا
قيامه به بإذن الولي، إلا أن يلزم الحرج عليه.
(مسألة 6): لا يفرق في حكم المسألة السابقة بين الوصي وغيره، وما
يأتي من أن الوصي مكلف بتنفيذ وصايا الميت إنما يراد به وجوب السعي عليه
لتحصيل من يقوم بها، لا أنه ملزم بتحقيقها مطلقا ولو بمباشرته للعمل الموصى
به.
(مسألة 7): قد يجب على الغير تنفيذ ما طلبه الموصي بالمباشرة من
حيثية أخرى غير الوصية، كما لو صالحه في حياته على أن يصلي عنه بعد وفاته
بمال معين، أو شرط عليه ذلك في ضمن عقد لازم، أو كان المكلف قد ألزم
نفسه بالعمل بتنفيذ ما طلب منه بيمين أو نحوه، لكن ذلك خارج عما نحن فيه
من لزوم العمل عليه من حيثية الوصية.
(مسألة 8): إذا قال: ليصل زيد بمائة دينار - مثلا - لم يجب على زيد
الصلاة عنه، كما تقدم، لكن لو صلى عنه استحق المال المجعول لا من حيثية
299

الجعالة، بل من حيثية الوصية، لأن الطلب المذكور يرجع إلى الوصية بدفع ذلك
ا لمال لزيد على تقدير صلاته عنه كأجرة للصلاة، وحينئذ لا بد من تحقق شروط
نفوذ الوصية في الوصية المذكورة، ولذا تخرج من الثلث، لا من أصل التركة
كالدين.
(مسألة 9): لا يتوقف نفوذ وصايا الوصي على قبوله. وإذا رد لم ينفذ رده
ووجب عليه أن يقوم بما أوصي له إلا أن يبلغ الموصي رده في حال يمكنه أن
يوصي إلى غيره.
(مسألة 10): إذا رد الوصي وأبلغ الموصي برده فإن أعرض الموصي عن
وصيته إليه سقطت وصايته، وإن لم يعرض أو أصر على وصيته إليه فالظاهر عدم
سقوط وصايته، غاية الأمر أنه لا يجب عليه القيام بالوصية وله الامتناع من ذلك،
فيكون الحال كما لو تعذر على الوصي تنفيذ الوصية، ولو رضي بعد ذلك بالقيام
بالوصية كان هو المقدم على غيره في تنفيذها.
(مسألة 11): الظاهر ترتب الأثر المتقدم على الرد حتى لو كان قبل
الوصية، فإذا قال زيد لعمرو: لا توص إلي، أو: لا أقبل وصيتك إلي، فلم يعتن
عمرو وأوصى إليه، لم يكن زيد ملزما بالقيام بالوصية من دون حاجة إلى أن
يبلغه برده مرة أخرى بعد الوصية. وأظهر من ذلك ما إذا أوصى إليه فرد وأبلغه
بالرد فلم يعتن وجدد الوصية له.
(مسألة 12): الظاهر أن قبول الوصي للوصية لا يمنعه من ردها فينفذ رده
بالشرط المتقدم.
(مسألة 13): إذا طلب الوالد من ولده قبول وصيته لم يكن للولد الامتناع
والرد. أما إذا أوصى إليه من دون أن يطلب منه القبول فله الرد، على نحو ما تقدم
في غيره.
300

الفصل الثاني
في الموصي
ويعتبر فيه أمور..
الأول: البلوغ، فلا تنفذ وصية غير البالغ على نحو وصية البالغ. نعم تصح
وصية ابن عشر سنين إذا كان قد عقل وكانت وصيته في وجوه الخير
والمعروف. بل الأحوط وجوبا وصيته باليسير في وجوه الخير والمعروف
إذا كان ابن سبع سنين، فعلى الورثة إنفاذ وصيته حينئذ عملا على الاحتياط
المذكور.
الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون والسكران ونحوهما حال فقدهم
للعقل. نعم لا تبطل الوصية بطروء شئ من ذلك بعدها.
(مسألة 1): في اشتراط الرشد المالي في الوصية بالمال إشكال. بل
الظاهر عدم اشتراطه إذا كانت الوصية في وجوه الخير والمعروف. كما أنه لا
يعتبر الرشد المالي في الوصية بغير المال.
الثالث: الاختيار، فلا تصح وصية المكره.
الرابع: الحرية، فلا تصح وصية المملوك إلا بإذن مولاه. ولو أوصى ثم
تحرر لم تنفذ وصيته إلا أن يجيزها، فتكون الإجازة وصية مستأنفة.
الخامس: أن لا يكون قاتل نفسه، فمن أحدث في نفسه حدثا برجاء أن
يترتب عليه الموت وكان عاصيا بذلك ثم أوصى ومات لم تنفذ وصيته في ماله.
وتنفذ فيما عدا ذلك، كما إذا لم يتعمد ما أحدثه في نفسه، أو تعمده لا برجاء
الموت، أو تعمده برجاء الموت بوجه يعذر فيه ولم يكن عاصيا، كما لو توقف
عليه واجب أهم، أو كان عاصيا بذلك لكنه لم يمت به، بل عوفي منه ثم مات
301

بسبب آخر، أو أوصى قبل أن يحدث في نفسه الحدث المذكور ثم أحدثه
ومات به. نعم في نفوذ وصيته بعد الحدث المذكور في غير المال - كالولاية على
أطفاله - إشكال، فاللازم الاحتياط.
(مسألة 2): لا يعتبر في الموصي الايمان، فتصح الوصية من المخالف
والكافر. نعم للمؤمن إلزامهما بمقتضى دينهما في حكم الوصية.
302

الفصل الثالث
في الموصى له
(مسألة 1): لا تصح الوصية التمليكية ولا العهدية للمعدوم إذا استلزمت
تمليكا لمعدوم، كما إذا قال: إذا مت فداري لأولاد زيد لكل منهم ربع منها، أو
قال: إذا مت فأعطوا داري بعد موتي لأولاد زيد لكل منهم ربع منها، وكان ذلك
منه بتخيل أو توقع أن أولاد زيد حين موته أربعة، وكانوا في الواقع ثلاثة. وتصح
فيما عدا ذلك، بأن كان الموصى له معدوما حين الوصية موجودا حين موت
الموصي، كما لو قال: داري لأولاد زيد الموجودين حين موتي، أو: أعطوها لهم،
ولم يكن لزيد أولاد حين الوصية، وإنما وجدوا بعدها، أو كان أولاده حين
الوصية ثلاثة وحين موت الموصي أربعة، فإن الدار تقسم بين الأربعة أرباعا لا
بين الثلاثة الكبار أثلاثا.
ومثل ذلك ما إذا كان الموصى له معدوما حين الوصية وحين موت
الموصي، إلا أنه موجود حين تحقق التمليك الموصى به، كما لو قال: ثمرة
البستان الفلاني في كل عام لمن يوجد في ذلك العام من ذريتي طبقة بعد طبقة،
أو: ادفعوا الثمرة المذكورة لهم، فإن الثمرة المتجددة بعد وفاة الموصي تكون
لمن هو موجود في عام حصولها، وإن لم يكن موجودا حين الوصية أو حين
موت الموصي.
(مسألة 2): إذا أوصى للحمل وصية تمليكية فإن سقط حيا واستهل
صحت الوصية، وإلا فإن لم تحله الحياة بطلت، وإن حلته الحياة ومات قبل أن
يستهل ففي صحتها إشكال، واللازم الاحتياط.
(مسألة 3): تجوز الوصية للوارث، وتستحب الوصية لغيره.
303

(مسألة 4): تجوز الوصية للمخالف والكافر ذميا كان أو حربيا، إلا أن
يكون في الوصية ترويج للباطل وتشجيع عليه، فتبطل.
(مسألة 5): لا تصح الوصية لمملوك غير الموصي، إلا أن يكون قد أعتق
منه شئ فتصح الوصية بنسبة ما أعتق منه، فإن كان هو الربع مثلا صحت الوصية
في ربعها، وهكذا.
(مسألة 6): تصح الوصية لمملوك الموصي على تفصيل غير مهم بعد قلة
الابتلاء بالمسألة أو عدمه.
(مسألة 7): إذا مات الموصى له قبل الموصي، فإن رجع الموصي عن
وصيته سقطت الوصية، ولو لم يرجع - ولو للجهل بموته - انتقل المال الموصى
به لوارثه. ولا أثر لرد الوارث حينئذ، بل هو يملك قهرا على نحو ملكه للميراث.
(مسألة 8): استحقاق وارث الموصى له للوصية على نحو استحقاقه
لميراثه منه، فيقسم بين الورثة على نحو قسمة الميراث، ولا ترث الزوجة منه إن
كان أرضا، وتوفى منه ديون الموصى له للميت، وتنفذ منه وصاياه، وغير ذلك.
(مسألة 9): لا فرق في ذلك بين الوصية التمليكية - كما لو قال: هذا لزيد
بعد وفاتي - والوصية العهدية، كما لو قال: أعطوا هذا لزيد بعد وفاتي.
304

الفصل الرابع
في الوصي
وهو الذي يجعله الموصي متوليا لتنفيذ وصاياه، سواء كان واحدا أم
متعددا. ويعتبر فيه أمور..
الأول: البلوغ، فلا تصح الوصية إلى الصبي منفردا، ولا منضما للغير، إذا
أريد بها تصرفه حال صباه. أما إذا أريد تصرفه بعد البلوغ فالظاهر صحتها. كما
أنه مع إطلاق الوصية له تصح، لكن ليس له التصرف قبل البلوغ.
نعم، التصرفات الفورية - كقضاء الدين وقسمة المال على الورثة، ودفع
الغائلة عن المال لو تعرض للخطر - يقوم بها غيره من الأوصياء لو كان، ومع
عدمه يقوم بها غير الوصي، كما لو لم يكن للميت وصي، أو كان وفقد، أو
تعذرت مراجعته على ما يأتي.
(مسألة 1): إذا أوصي إلى الصبي والبالغ، فإن نص على عدم التصرف إلا
بعد بلوغ الصبي وجب الانتظار، وإن أطلق استقل البالغ بالتصرف، ولا ينتظر
بلوغ الصبي، فإن بلغ الصبي لم يكن له الاعتراض والتبديل فيما أمضاه البالغ، إلا
أن يكون البالغ قد خالف وصية الميت، فإنه يرده إلى ما أوصى به.
(مسألة 2): إذا أوصي إلى الصبي والبالغ فمات الصبي قبل البلوغ أو بلغ
مجنونا، أو نحو ذلك مما يتعذر معه قيامه بالوصية، فإن نص على عدم التصرف
إلا بعد بلوغ الصبي جرى ما يأتي في حكم تعذر قيام حد الوصيين بالوصية،
وإلا استقل البالغ بالتصرف كما يستقل به قبل بلوغ الصبي على ما تقدم.
الثاني: العقل، فلا تصح الوصية للمجنون، على النحو المتقدم في الصبي.
(مسألة 3): إذا أوصى إلى عاقل فجن، فإن ظهر من الموصي الاعراض
305

عن الوصية إليه بطلت وصايته، ولم تعد لو عاد إليه عقله، وإلا بقيت وصايته
وعمل عليها لو عاد إليه عقله. أظهر من ذلك ما لو صرح الموصي ببقائه على
الوصاية إذا عاد إليه عقله.
الثالث: الحرية، فلا تصح الوصية للمملوك إلا بإذن سيده، وإذا أذن كان له
الرجوع عن إذنه ما دام الموصي حيا. والأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك على ما
إذا أبلغ الموصي برجوعه في حال يسعه نصب غيره.
(مسألة 4): المشهور اشتراط الاسلام في الوصي إذا كان الموصي مسلما.
ولا يخلو عن إشكال، خصوصا إذا كانت متمحضة في الماليات الراجعة إليه،
ولم تتضمن ولاية على مسلم ولا على ماله، بل الظاهر حينئذ صحتها.
(مسألة 5): لا تشترط العدالة في الوصي، بل ولا الوثوق، إلا إذا تضمنت
الوصية الولاية على الأطفال، فإنه لا يجوز للموصي جعلها لمن لا يثق به في
مراعاة صلاحهم، ولو فعل كان خارجا عن مقتضى الولاية عليهم، فلا تصح
وصيته له، ويكون كما لو لم يوص بهم. أما إذا أوصى لمن يثق به فإن وصيته
تنفذ، ولا ينعزل إلا بظهور تفريطه، على ما يأتي في حكم تقصير الوصي.
(مسألة 6): تجوز الوصاية للمرأة على كراهية.
(مسألة 7): يجوز للموصى أن يوصي إلى أكثر من واحد بنحو التشريك -
بحيث لا ينفذ التصرف إلا باجتماعهم - أو بنحو الترتيب، أو بنحو يقتضي
استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف، أو عند حضوره، أو غير ذلك، أو بنحو
يقتضي استقلال كل واحد في جهة خاصة أو قسم خاص من التركة. والمتبع في
جميع ذلك تصريح الموصي أو ظهور كلامه، ولو بضميمة القرائن الحالية أو المقالية.
(مسألة 8): إذا أوصى لأكثر من واحد بنحو التشريك فسقط أحدهم عن
مقام الولاية بموت أو مرض أو عجز أو غيرها، فإن استفيد من الوصية له مجرد
تشريفه وتكريمه استقل الباقون بالولاية، وإن استفيد منها الاهتمام بإعمال نظره
توثقا من الوصي لحسن التصرف وعدم اكتفائه برأي الوصي الآخر فالأحوط
وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي لتعيين من يقوم مقامه في ذلك. وكذا الحال لو
306

تردد الأمر بين الوجهين.
(مسألة 9): إذا أوصى لأكثر من واحد بنحو التشريك فتشاح الأوصياء
لاختلاف نظرهم، فإن كان هناك شئ يجتمعون على صحته تعين، كما لو اختار
بعضهم إنفاق المال في وجوه البر على الاطلاق واختار الأخر إنفاقه على
خصوص الفقراء، وإن لم يكن هناك شئ يجتمعون على صحته - كما لو اختار
بعضهم اتفاق المال على الفقراء واختار الآخر إنفاقه على مجالس سيد
الشهداء عليه السلام - فالأحوط وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي. والأحوط وجوبا
للحاكم - حينئذ - محاولة إقناع الأطراف على ما يجتمعون عليه، ومع تعذر ذلك
يكون التصرف له، ولا يخرج عن أحد الوجوه التي اختلف الأوصياء فيها، فإن
اتضح له أولوية بعضها عمل عليه، وإلا فالأحوط وجوبا له الرجوع للقرعة في
تعيين ما يعمل عليه منها.
(مسألة 10): إذا سقط الوصي عن مقام الولاية بموت أو عجز أو نحوهما
فالأحوط وجوبا الاشتراك بين الورثة القابلين للولاية والحاكم الشرعي في تنفيذ
الوصية. ولا يشرع - حينئذ - نصب وصي يستقل بالتصرف نظير الوصي الذي
عينه الموصي، بل لا بد من كون المتصرف وكيلا عنهم.
(مسألة 11): إذا قصر الوصي في تنفيذ الوصية كان لكل أحد ردعه
وخصوصا الورثة، فإن لم يرتدع أو تشاح مع الورثة كان لهم بالاشتراك مع
الحاكم الشرعي الاشراف عليه، ومع تعذر إلزامه بتنفيذ الوصية فالحكم كما في
المسألة السابقة.
(مسألة 12): الوصي أمين لا يضمن إلا بأمرين:
الأول: التعدي عما يجب عليه والخروج عنه، سواء كان ذلك بالخروج
عما أوصي إليه وتبديله - كما لو أوصي بالحج بالمال ففرقه في الفقراء - أم
بالخروج عما يجب عليه بعد تعذر ما أوصي به - كما إذا نسي الوصي الأمر الذي
عينه الموصي - فإنه يتعين عليه إنفاقه في وجوه البر - كما يأتي إن شاء الله تعالى
- فإذا أنفقه في غيرها كان ضامنا.
الثاني: التفريط، سواء كان في الوصية - كما إذا أخر تنفيذها فتلف المال
307

- أم في المال نفسه، كما إذا قصر في حفظه فسرق.
(مسألة 13): إذا عين الموصي للوصي عملا خاصا وجب الاقتصار عليه،
وإن أطلق فإن كان هناك انصراف إلى شئ معين بسبب عرف أو عادة تعين، وإلا
كان التصرف موكولا لنظر الوصي، وكان عليه اختيار ما فيه صلاح الميت، ومع
تعدد وجوه الصلاح يختار ما هو الأصلح له مع تيسر فعله بالنحو المتعارف،
وذلك يختلف باختلاف الأموات والأوقات. نعم لا إشكال في تقديم الواجبات
التي انشغلت بها ذمة الميت على غيرها من وجوه البر.
(مسألة 14): إذا قيد الوصاية بجهة معينة اقتصر الوصي عليها، وإن أطلق
- كما لو اقتصر على قوله: فلان وصيي - كان ظاهره في عرفنا قيام الوصي
بإخراج الثلث، وصرفه في مصلحة الموصي، وأداء الحقوق التي عليه،
والأمانات المودعة عنده، ونحو ذلك. وفي شموله للقيومة على القاصرين من
أولاده إشكال، والأحوط وجوبا لمن يدير شؤونهم الاستئذان منه.
(مسألة 15): لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلى غيره، بأن ينعزل هو
عن الوصاية ويكون ذلك الغير هو الوصي مستقلا بالسلطنة، حتى لو كان ذلك
الغير أعرف منه بنظره.
نعم لو تفويض الأمر في الوصية إلى الغير ممن يراه مثله أو أعرف منه في
تنفيذها أو تنفيذ بعض فقراتها، لكن مع بقائه هو على الوصاية، ويكون ذلك
الغير وكيلا عنه في إنفاذ الوصية مستمدا سلطنته من سلطنته.
ويترتب على ذلك أن تسقط سلطنة المفوض المذكور بموت الوصي أو
نحوه مما يوجب بطلان توكيله، وحينئذ يجري ما تقدم في المسألة (10) من
حكم موت الوصي.
نعم، إذا كان مراد الموصي من إيكال الأمر للوصي ليس خصوص تنفيذه،
بل ما يعم تعيين من يتولى تنفيذه لم تسقط سلطنة الشخص المذكور بموت
الوصي، لأنه ليس وكيلا محضا، بل متوليا من قبل الموصي بتوسط جعل الوصي.
وقد يفهم ذلك من الوصي بقرائن الأحوال، كما لعله كذلك في عصورنا حيث
يتعارف عدم معرفة الوصي بمواقع الصرف وعدم توليه ذلك بنفسه، بل يتعارف
308

إيكاله لمن يثق به من أهل العلم والمعرفة، فيكون قد أدى وظيفته بذلك وحمل
الشخص الموكل إليه المسؤولية، فإن التعارف المذكور قد يكون قرينة على
عموم وصايته للتفويض بالنحو المذكور.
وكذا الحال إذا توفي الشخص الذي يوكل إليه الأمر، فإنه لو كان وكيلا
محضا على تفريغ ذمة الميت لزم بطلان وكالته بموته، فيلزم مراجعة دافع المال
له، وصايا كان عن الميت أو متبرعا بتفريغ ذمته أو بدفع الخيرات عنه، إلا أن يفهم
من دفع المال له تفويض الأمر إليه، بحيث له أن يوصي بتنفيذ ما كلف به، كما
لعله كذلك في عصورنا، حيث تعارف تكدس الأموال عندما رجع الدين
ونحوهم ممن يتصدى للأمور العامة من أهل العلم، وبنحو يتوقع موتهم قبل
تهيؤ صرف الأموال في مصارفها، مع بناء الدافع على قطع علاقته بالمال عند
دفعه، فإن ذلك قد يكون قرينة عامة على عموم التفويض للايصاء بالمال، وإن
كان الأمر لا يخلو بعد عن الاشكال، فاللازم الاحتياط مهما أمكن.
(مسألة 16): تعارف في عصورنا أن يجعل الموصي ناظرا على الوصي،
فإن رجع ذلك إلى الوصية إليهما معا بحيث يوكل إليهما معا أمر تنفيذ الوصية مع
تقديم أحدهما على الآخر عند الاختلاف فالظاهر نفوذه، وإن رجع إلى قصر
الوصاية على أحدهما بحيث يكون هو المتولي لتنفيذ الوصية، وليس للآخر إلا
إعمال نظره ففي نفوذه إشكال، بل منع. نعم يمكن للموصي تكليف الوصي
باستشارة شخص ما والعمل برأيه في تنفيذ الوصية، لكن لا يجب على
الشخص المذكور إبداء نظره حينئذ.
هذا، ولو مات المستشار في هذا الفرض أو تعذر الرجوع إليه فإن استفيد
من الأمر باستشارته مجرد الاهتمام بتكريمه استقل الوصي بالوصية، وإن استفيد
منه الاهتمام برأيه توثقا لحسن التصرف وعدم الاكتفاء برأي الوصي فالأحوط
وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي، لتعيين من يقوم مقامه في ذلك، وكذا الحال مع
التردد بين الوجهين. ويجري ذلك في صورة اشراكه في الوصية، على ما يظهر
مما تقدم في المسألة (8).
(مسألة 17): إذا تضمنت الوصية أن للوصي أخذ أجرة المثل في مقابل
309

قيامه بتنفيذ الوصية فذاك، أما إذا ابتنت على المجانية، أو تضمنت تعيين ما دون
أجرة المثل فلذلك صورتان..
الأولى: أن يكون ذلك مجحفا بالوصي، لعدم كون تنفيذ الوصية مقابلا
بالمال، أو كان مقابلا بمال لا يكون عدم أخذه مجحفا به، وحينئذ يجب على
الوصي تنفيذ الوصية مجانا.
الثانية: أن يكون ذلك مجحفا بالوصي ومنشأ للحرج المعتد به عليه،
لكثرة المال بنحو معتد به، أو لكون الوصي محتاجا للتفرغ لسد حاجاته
المعاشية.
وحينئذ إن كان قد قبل بالوصية ملتفتا لذلك مقدما عليه كان عليه تنفيذ
الوصية مجانا أيضا، وإن لم يكن قد قبل بالوصية أو كان قد قبل بها بتخيل عدم
لزوم الاجحاف والحرج منها كان له الامتناع عن تنفيذ الوصية، وحينئذ فالأحوط
وجوبا الرجوع للورثة والحاكم الشرعي معا من أجل تنفيذ الوصية، فإن وسعهم
تنفيذها مجانا أو بأجرة دون أجرة المثل فذاك، وإلا كان عليهم بذل أجرة المثل
للوصي، فيجب على الوصي حينئذ تنفيذ الوصية.
310

الفصل الخامس
في الموصى به
تقدم في الفصل الأول أن الوصية تمليكية وعهدية. والموصى به في
الوصية التمليكية هو كل مال له نفع محلل معتد به، سواء كان عينا موجودة أو
معدومة متوقعة الحصول - كحمل الدابة وثمرة الشجرة - أم كان منفعة لعين
موجودة أو معدومة متوقعة الوجود، أم كان حقا من الحقوق القابلة للنقل، كحق
التحجير، دون ما لا يقبله، كحق الشفعة.
أما في الوصية العهدية فالموصى به في التركة كل تصرف محلل، سواء
كان خارجيا - كما لو أوصى بعلف حمام الحرم من حب مملوك له - أم اعتباريا،
كما لو أوصى بالصدقة بماله، أو باستئجار من يصلي عنه أو يحج عنه، أو غير
ذلك من التصرفات الصحيحة شرعا. أما في غير التركة فقد سبق في أوائل
الفصل الأول صحة الوصية بالولاية على أطفال القاصرين، والاشكال في صحة
الوصية بتجهيزه.
(مسألة 1): يصح لكل من الأب والجد للأب الوصية بالولاية على أولاده
القاصرين، ولا يصح من غيرهم الوصية بها.
(مسألة 2): لا يصح لكل من الأب والجد الوصية بالولاية على القاصرين
مع وجود الآخر بنحو يساويه في الولاية ويزاحمه فيها. أما مع عدم المزاحمة
كما لو أوصاه بالولاية عليهم على تقدير عجز الآخر أو موته فالظاهر جوازه،
خصوصا إذا كانت من الأب، وكذا إذا كانت الوصية من أحدهما حال عجز
الآخر، لغيبة أو مرض أو نحوهما. وقد تقدم في كتاب المبيع ما ينفع في المقام.
(مسألة 3): لا تجوز ولا تنفذ الوصية بما تكون منفعته المقصودة منه
311

نوعا محرمة، كالخمر ونحوها، وكذا إذا لزم منها الحرام كترويج الباطل
والتشجيع على المنكر.
نعم، لا بأس بالوصية بالخمر القابلة للتخليل، والتي لها منفعة مقصودة
نوعا غير الشرب محللة، وكذا الحال في غيرها من المحرمات. ولا فرق في
جميع ذلك بين الوصية التمليكية والعهدية.
(مسألة 4): ما كان المقصود منه نوعا محرما بهيئته، كآلات القمار
والموسيقى وهياكل العبادة المبتدعة، إذا كان لمادته منفعة مقصودة محللة تجوز
الوصية به بلحاظ مادته، لكنها لا تقتضي احترام هيئته فيجوز تغييرها، بل قد
يجب.
(مسألة 5): لا تصح الوصية بالمعصية، كترويج الباطل ومعونة الظالمين
ومجالس الغناء وغير ذلك.
(مسألة 6): ليس للميت من تركته إلا الثلث، فله أن يوصي فيه بما شاء،
وصية تمليكية أو عهدية. والأفضل الاقتصار على الربع، وأفضل منه الاقتصار
على الخمس.
(مسألة 7): إذا لم يكن للميت وارث من طبقات الميراث غير الإمام
فأوصى بماله كله في وجوه الخير نفذ في الثلث، والأحوط وجوبا في الثلثين
الباقيين الجمع في مصرفهما بين ما أوصى به ومصرف ميراث من لا وارث له.
(مسألة 8): لا فرق في نفوذ الوصية من الثلث بين الوصية بحصة مشاعة
من التركة والوصية بعين خاصة، كالدار والفرس، والوصية بكلي كمائة دينار.
(مسألة 9): لا يعتبر في نفوذ الوصية قصد الموصي أنها من الثلث الذي له
الوصية به، فإذا غفل عن الثلث، أو جهل نفوذ الوصية فيه دون غيره فأوصى
بشئ فصادف عدم تجاوزه الثلث نفذت الوصية به.
(مسألة 10): المعيار في الثلث على الثلث حين وفاة الموصي، فإذا
أوصى بشئ زائد على الثلث حين الوصية نفذ إذا صار ذلك الشئ حين
الموت بقدر الثلث أو دونه، إما لنزول قيمته، أو لارتفاع قيمة بقية أموال
الموصي، أو لزيادة أمواله. وإذا أوصى بشئ لا يزيد على الثلث حين الوصية إلا
312

أنه تجاوزه حين الموت لارتفاع سعره مثلا لم تنفذ الوصية في الزائد على
الثلث.
(مسألة 11): إذا تجدد بعد الموت مال تابع لعمل الميت لحقه حكم مال
الميت، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد
بعد موته، أو فتح طريقا للماء ليحوزه فصار الماء في حوزته بعد موته، فإن
الصيد والماء المذكورين يكونان بحكم ماله.
(مسألة 12): إذا قتل الموصي خطأ كانت ديته بحكم ماله، فتنفذ الوصية
من ثلث المجموع، وكذا إذا قتل عمدا فصالح أولياؤه على الدية. وأما ديات
الجروح ونحوها، فإن كانت قبل موته كانت له في حياته كسائر تركته، وإن كانت
بعد موته فليست بحكم ماله في الميراث ونحوه، بل تنفق عنه في وجوه البر،
وتوفى منها ديونه لأنه أفضل البر له، ولا تخرج منها وصاياه إلا أن تكون من
وجوه البر فيجوز إنفاذها منه، بل هو الأحوط وحوبا.
(مسألة 13): إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من أصل التركة،
من مؤمن التجهيز الواجب - على التفصيل المذكور في محله - والديون المالية،
وما ألحق بها.
(مسألة 14): إذا كان على الموصي دين فأبرأه الدائن بعد وفاته، أو تبرع
شخص بأدائه لم يكن مستثنى من التركة وكان بمنزلة عدمه، وكذا إذا تبرع متبرع
بمؤن التجهيز.
(مسألة 15): إذا كان بعض التركة ضائعا أو مغصوبا أو نحو ذلك مما لا
يسلم للوارث كان المدار في الثلث على الباقي، لا بمعنى عدم تعلق الوصية بما
لا يسلم للوارث، بل بمعنى عدم تنفيذ الوصية فعلا إلا في ثلث ما يسلم للوارث،
فإذا كانت التركة بمجموعها عشرة آلاف دينار - مثلا - قد غصب منها أربعة آلاف
وكان قد أوصى بما يساوي ثلاثة آلاف دينار وجب تنفيذ الوصية فعلا في ألفي
دينار، وبقي ألف منها معلقة في المغصوب، فإذا استوفى الورثة بعد ذلك ثلاثة
آلاف من المغصوب وجب تنفيذ الوصية في ألف منها.
(مسألة 16): إذا سلمت التركة للوارث بحيث صارت في قبضته، ثم طرأ
313

عليها قبل القسمة وتنفيذ الوصية تلف أو سرقة أو نحوهما، فإن كانت الوصية
في عين خارجية شخصية لا تزيد على ثلث المجموع فالتلف يختص بمورده،
فإن كان مورده العين المذكورة لم يلحق الميراث نقص، وإن كان مورده غيرها
لم يلحق الوصية نقص، بل تنفذ في تمام العين، وإن كانت الوصية في حصة
مشاعة - كالثلث والربع - نقص من الوصية بنسبة التالف للتركة، فإن كان التالف
ربع التركة نقص من الوصية الربع، وإن كان نصف التركة نقص من الوصية
النصف، وهكذا. نعم إذا كان التالف مضمونا كان الضمان مشتركا بين الوصية
وحصة الورثة. وإن كان الوارث مفرطا في عدم نفيذ الوصية كان ضامنا للتلف
الوارد عليها.
وهكذا الحال إذا كانت الوصية كليا في التركة - كألف دينار - وهي لا تزيد
على الثلث، فإنها وإن نفذت بموت الوصي إلا أن النقص يلحقها كما يلحق
حصة الوارث، ويتعلق بالتالف، فإن كان التالف مضمونا لحق الوصية نصيبها من
الضمان.
(مسألة 17): إذا أوصى بثلث ماله أو ربعه أو نصفه أو نحوها فالظاهر منه
إرادة التركة التي تنفذ منها الوصية، وهي التي سبق تحديدها، إلا أن تقوم
القرينة على إرادة معنى آخر، كالمال الموجود حال الوصية، أو النقود، أو ما
يقابل الدين الذي له على الناس، أو مجموع التركة من غير إخراج المستثنيات
المتقدمة، أو غير ذلك، وحينئذ لا تنفذ الوصية المذكورة إلا في في مقدار ثلث التركة
بالمعنى الذي سبق تحديده.
(مسألة 18): الواجبات المالية التي تخرج من الأصل هي الأموال التي
اشتغلت بها الذمة، كالمال المقترض، والمبيع الذي باعه سلفا، وثمن ما اشتراه
نسيئة، وعوض المضمونات، وأروش الجنايات، والعمل الذي اشتغلت به ذمته
بإجارة أو نحوها، والشرط الذي جعل عليه في ضمن العقد إذا لم تعتبر فيه
ما بشرته بنفسه.
(مسألة 19): من جملة الواجبات المالية الحقوق الشرعية التي في ذمته،
كالزكاة والخمس، إلا أن الظاهر عدم وجوب أداء الخمس من تركته إذا لم يكن
314

بانيا على أدائه، سواء كان متعلقا بعين التركة، أم لم يكن بل انشغلت ذمته به.
نعم، يبقى مطالبا به في الآخرة، فإذا أراد الوارث تفريغ ذمته وتفريج كربته
والتخفيف عنه أداء. كما أنه إذا كان قد أوصى بمال يصرف في مصالحه على
نحو الاطلاق كان إخراج الخمس من أظهر مصاديق ذلك.
أما إذا كان بانيا على أدائه فالأحوط وجوبا إخراجه من أصل التركة، على
ما تقدم في كتاب الخمس. وحينئذ يلزم مراعاة الاحتياط في حق القاصرين،
فيخرج الخمس من غير حصتهم. نعم لو تسامح الوارث في أداء الخمس حينئذ
جاز لغيره التصرف بإذنه في عين التركة التي ورثها. والأحوط وجوبا ضمان
الوارث للخمس حينئذ.
(مسألة 20): من جملة الواجبات المالية الديون التي لا يعلم صاحبها ولا
يقدر عليه. وقيل: يجب التصدق بمقدار تلك الديون عن صاحبها، وهو
المعروف في عصورنا برد المظالم، ويترتب على ذلك لزوم إخراجه بعد وفاة
المدين من أصل التركة والتصدق به. لكن الظاهر عدم وجوب التصدق به على
المدين، ولا على وارثه، ولا يجزي ذلك في وفاء الدين. بل يكفي المدين
ووارثه أن يعلم الله تعالى منهما نية الوفاء لو قدر عليه، من دون أن يمنع الوارث
من التصرف في التركة، كما لا يمنع من تنفيذ الوصية منه. نعم يحسن الاحتياط
بالتصدق المذكور لاحتمال تفريغ الذمة به من أموال الورثة أو من الثلث مع
إطلاق مصرفه، فينوي به التصديق عمن انشغلت ذمة الميت له إن كان مجزئا في
تفريغ ذمة الميت من الدين وإلا فعن الميت نفسه برا به.
(مسألة 21): يجب التصدق في كثير من الموارد، كفدية إفطار شهر
رمضان، وجملة من كفارات الاحرام، وغيرها. وفي كونها من الواجبات المالية
التي تخرج من أصل التركة إشكال، والأظهر العدم. وأظهر منها في ذلك
الكفارات المخيرة بين الصدقة وغيرها كالعتق والصيام.
(مسألة 22): في كون النذور التي لم تؤخذ فيها المباشرة من الواجبات
المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، والأظهر العدم. وأما بقية الواجبات
التي تنشغل بها ذمة الميت ويشرع أداؤها عنه - كالصلاة والصيام - فالظاهر عدم
315

إخراجها من الأصل، عدا حجة الاسلام فإنها من الواجبات المالية التي ز تخرج
من أصل التركة، بل هي مقدمة على بقية الديون التي لله تعالى - كالزكاة - والتي
للناس، إلا أن يوصي بإخراجها من الثلث فتخرج منه حينئذ.
(مسألة 23): إذا طرأ على شئ من التركة تلف أو سرقة أو نحوهما لم
يدخل النقص على الواجبات المالية، بل يجب قضاؤها من الباقي، ويقع النقص
على الوصية والميراث.
(مسألة 24): إذا امتنع بعض الورثة من وفاء الواجبات المالية - عصيانا أو
لعدم ثبوت الدين عنده - وجب على الباقين وفاؤها ولا يجوز لهم التصرف في
حصتهم قبل ذلك. وحينئذ إن كان للميت وصي وأمكن استئذانه في الوفاء تعين
استئذانه، ليستحق بذلك المؤدي للدين الرجوع على من لم يؤده من تمام
التركة، ولا يستحق الرجوع عليه مع عدم استئذانه، وإن لم يكن للميت وصي أو
لم يكن استئذانه كان له الاستقلال بالوفاء، ويستحق الرجوع على الورثة في
بقية التركة، إلا أن يؤديه بنية التبرع فلا يستحق حينئذ.
(مسألة 25): إذا أوصى بأكثر من الثلث - بالمعنى المتقدم - نفذت الوصية
في الثلث، وتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الوارث في حياة ء الموصي أو
بعد وفاته. وإذا أجاز بعضهم دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز خاصة،
كما أنهم إذا أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذ ما أجازوه خاصة.
(مسألة 26): لا بد في إجازة الوارث للوصية الزائدة على الثلث من إنشاء
إمضاء الوصية، ولو بفعل ما يظهر في الامضاء كالعمل بالوصية. بل يكفي
السكوت بعد العلم إذا كان ملازما عرفا لاقرار الوصية، كما لو ترك الوصي يعمل
بالوصية وينفذها وهو قادر على الرد. نعم لا يكفي الرضا النفساني المجرد عن
ذلك.
(مسألة 27): ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي ولا
بعد وفاته. كما أن الرد لا يمنع من تعقب الإجازة ونفوذها.
(مسألة 28): إذا تضمنت الوصية حرمان بعض الورثة أو جميعهم من
الميراث فذلك يقع على أحد وجهين..
316

الأول: أن يتمحض في الوصية بحصة ذلك الوارث لغيره لغناه عن المال،
أو لحاجة ذلك الغير، أو لحاجة الموصي للوصية المذكورة، لكونها من وجوه
البر التي تنفعه بعد موته إلى غير ذلك مما لا يرجع إلى حرمان الوارث من
الميراث، بل إلى التعدي على ميراثه. وحينئذ إن أجاز الوارث ذلك نفذت
الوصية بتمامها وإن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.
الثاني: أن يرجع إلى حرمان الوارث من الميراث تشكيكا في نسبه، أو
عقوبة له على سئ فعله معه، أو نحو ذلك. والظاهر هنا عدم صحة الوصية
وعدم نفوذها حتى في الثلث، أجاز ذلك الوارث أم لم يجز. نعم لو أوصى مع
ذلك بحصة ذلك الوارث بجهة خاصة - كما إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا
وادفعوا ميراثه للفقراء - فإن أجاز الوارث نفذت وصيته بتمامها، وإن لم يجز
نفذت في الثلث خاصة.
(مسألة 29): إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا وادفعوا الميراث لباقي الورثة،
أو: لا تورثوا ولدي وادفعوا الميراث لإخوتي، ونحو ذلك مما كان مفاد الوصية
الثانية فيه مطابقا لحرمانه من الميراث، فإن قصد بالوصية الثانية تأكيد حرمانه من
الميراث - كما لعله الظاهر - بطلت الوصية مطلقا، وإن قصد بها أمرا زائدا على
حرمانه من الميراث، وهو الوصية بدفع الحصة المذكورة لبقية الورثة، نظير
وصيته بدفعها للفقراء نفذت بإجازة الوارث أو في الثلث.
(مسألة 30): من زنى بأم ولد أبيه أو امرأة أبيه فأوصى أبوه بإخراجه من
الميراث ففي بطلان الوصية إشكال، واللازم الاحتياط.
(مسألة 31): إذا عين الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعين، وإذا فوض
التعيين إلى الوصي فعينه في عين مخصوصة تعين أيضا بلا حاجة إلى رضا
الوارث. ويكفي في التفويض ظهور حال الموصي في ذلك، كما إذا ابتنت
وصيته في الثلث على عزله وبقائه مدة، مثلما لو أوصى بالاتجار بثلثه مدة من
الزمن وإنفاق ربحه في وجوه البر، فإن الظاهر من إطلاقه ذلك إيكال عزل الثلث
للوصي. أما في غير ذلك - كما إذا أوصى بإنفاق ثلثه - فالظاهر عدم ولاية الوصي
ولا غيره على عزل الثلث وتعيينه في عين مخصوصة، بل يبقى الثلث مشاعا في
317

التركة، فإن زادت في الاستنماء ونحوه زاد الثلث، وإن نقصت لتلف ونحوه
نقص الثلث.
(مسألة 32): إذا أوصى بجزء من ماله أو من ثلثه أو غيرهما، أو بسهم
منه، أو بشئ منه، فإن كان هناك قرينة على إرادة مقدار معين عمل عليها، ومع
عدمها يحمل إطلاق الجزء على العشر، وإطلاق السهم على الثمن، وإطلاق
الشئ على السدس، بمعنى عدم النقص عن هذه المقادير. أما في غير ذلك من
العناوين المطلقة كالقسم والمقدار ونحوهما فالعمل على الاطلاق، فيكفي ما
يصدق عليه عرفا. وحينئذ إن كان موضوع الوصية المذكورة الثلث الموصى به
كان المرجع في تعيين المقدار من له القيام بتنفيذ الوصية من وصي أو وارث أو
غيرهما، وإن كان موضوعها مال الميت لزم الاقتصار على أقل أفراد الاطلاق
العرفية، إلا أن يرضى الوارث بالزيادة.
(مسألة 33): إذا أوصى لجماعة حمل على التوزيع بالسوية. نعم إذا
أوصى بمال لأعمامه وأخواله كان لأعمامه الثلثان يوزع عليهم بالسوية ولأخواله
الثلث يوزع عليهم بالسوية.
318

الفصل السادس
في أحكام الوصية
(مسألة 1): للموصي الرجوع عن وصيته ما دام حيا، ويتحقق الرجوع
بكل ما دل عليه من قول أو فعل.
(مسألة 2): يجوز الرجوع عن بعض الوصية، فتبطل في خصوص ذلك
البعض، ويجب العمل عليها في الباقي.
(مسألة 3): إنكار الوصية ليس رجوعا عنها، سواء كان عن نسيان لها، أم
مع الالتفات إليها. نعم إذا ورد لبيان عدم الرضا بالعمل بها كان رجوعا عنها، من
دون فرق أيضا بين نسيانها وعدمه.
(مسألة 4): إذا أوصى بوصية ثم أوصى بما يضادها كان ذلك رجوعا عن
الأولى وعملا بالثانية، كما إذا أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو. ولو كان
التضاد في بعض الأولى كان رجوعا في ذلك البعض لا غير، كما إذا أوصى بداره
لزيد ثم أوصى بنصفها لعمرو، من دون فرق في جميع ذلك بين نسيان الوصية
الأولى وعدمه.
(مسألة 5): إذا أوصى بوصية ثم أوصى بوصية أخرى لا تضادها، بل
تجتمع معها لم يكن رجوعا عن الأولى، بل يجب العمل بهما معا إذا وسعهما
المال، كما إذا أوصى بحجة ثم أوصى بأن يخرج عنه عشر سنين صلاة. نعم إذا
ظهر منه حين الوصية الثانية أنها هي تمام وصيته التي يعمل عليها كان ذلك
رجوعا عن الأولى ووجب العمل بالثانية لا غير.
(مسألة 6): إذا اختلفت الوصيتان بالاطلاق والتقييد مع اتحاد موضوعهما
كانتا متضادتين، ووجب العمل بالثانية لأنها تكون رجوعا عن الأولى، كما إذا
319

أوصى بصرف ثلثه في الحج والعمرة وأوصى بصرفه في وجوه البر.
(مسألة 7): إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضاد بينها إلا أنها متزاحمة - بأن
لا يسعها المال تنفذ فيه الوصية - وكان فيها واجب قدم الواجب على غيره،
سواء كان الواجب ماليا كالحج أم بدنيا كالصلاة، وسواء كانت الوصية بالكل
دفعة، أم بنحو الترتيب، مع تقدم الواجب في الذكر أو تأخره. نعم لا بد في
الترجيح المذكور من كون الوصية بالواجب لو جوبه ولو ظاهرا، أما إذا كان
لمجرد الاحتياط غير اللازم فلا مجال لترجيحه، بل يكون كالوصايا التبرعية.
(مسألة 8): إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضاد بينها، كلها واجبات، أو ليس
فيها واجب، وكانت متزاحمة - بأن لا يسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية -
فإن كانت الوصية بها جملة واحدة من دون ترتيب بينها دخل النقص على
الجميع بالنسبة، كما إذا قال: أدوا عني ما علي من العبادات الواجبة، وكان عليه
صوم وصلاة، أو قال: زوروا عني الأئمة عليهم السلام في مشاهدهم المشرفة كل إمام
عشر زيارات. وإن كانت الوصية بها على نحو الترتيب بدئ بالأسبق فالأسبق
ووقع النقص على اللاحق، كما إذا قال: أدوا عني ما فاتني من الصوم وما فاتني
من الصلاة، أو قال: زوروا عني أمير المؤمنين عليه السلام مرتين والحسين عليه السلام مرتين
وتصدقوا عني بمائة دينار وادفعوا لزيد مائة وادفعوا لزيد مائة دينار وأخرجوا عني عشر ختمات
للقرآن الكريم.
(مسألة 9): إذا أوصى بإخراج الواجب المالي من الثلث أخرج منه إلا أن
يقصر عنه، فيتمم من أصل التركة. وكذا أوصى بإخراج جملة أمور من ثلثه،
منها واجب مالي، ولم يف الثلث بها جميعا، فوقع النقص عليها جميعا أو على
الواجب المالي، فإن الواجب المالي يتمم من أصل التركة، ويبقى النقص على
غيره بلا تدارك.
(مسألة 10): إذا أوصى بوصايا متعددة لا تضاد بينها إلا أنها متزاحمة
وظهر منه أن بعضها ليس من الثلث الذي له كان النقص على ذلك البعض وإن
كان مقدما في الذكر، كما إذا كان مجموع تركته ثلاثين ألف دينار فقال: ادفعوا
لولدي الصغير مائة دينار وأخرجوا ثلثي وهو عشرة آلاف دينار وأنفقوه في
320

وجوه البر عني، فإن النقص يقع على المائة دينار التي أوصى بها لولده الصغير،
فلا تنفذ الوصية بها إلا بإجازة الورثة. كما أنه لو ظهر منه أن بعض وصاياه يخرج
من أصل التركة فإنه لا ينفذ من تلك الوصية إلا ثلثها، ويحتاج نفوذ باقيها لإذن
الورثة، كما إذا قال: ادفعوا لزيد مائة دينار وأخرجوا ثلثي من الباقي فأنفقوه عني
في وجوه البر.
نعم إذا صادف أن لم يوص بالثلث نفذت الوصية بذلك الشئ ما لم يزد
على الثلث، كما لو قال: ادفعوا الصغير مائة دينار أما ثلثي من الباقي أو من
مجموع التركة فإني سوف أوصي به فيما أريد، وصادف أن مات قبل أن يوصي
بالثلث المذكور، فإن الوصية المذكورة بالمائة دينار تنفذ ما لم تتجاوز ثلث
التركة فيتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة.
(مسألة 11): إذا أوصى بشئ فلم يكف المال الذي تنفذ منه الوصية
لذلك الشئ، فإن كان قابلا للتبعيض تعين، كما إذا أوصى بأن يتصدق بعشرة
دنانير وكان المال خمسة، وإن لم يكن قابلا له تعين صرف المال في وجوه البر،
كما إذا أوصى بأن يحج عنه فلم يكف المال للحج حيت من الميقات، سواء كان
نقص المال عن ذلك الشئ ابتدائيا، أم كان بسبب تزاحم الوصايا ووقوع
النقص على ذلك الأمر الموصى به.
(مسألة 12): حيث تقدم أن مع تعدد الوصايا وتضادها يعمل على
اللاحقة، ومع تزاحمها من دون تضاد يعمل على السابقة، فلو اشتبه السابق
واللاحق في المقامين، فإن كان الاختلاف بينهما بالاطلاق والتقييد وجب العمل
على المقيد، كما إذا أوصى بصرف ثلثه في الصدقة وأوصى أيضا بصرفه في
وجوه البر، وظهر أن ثلث مائة دينار لا غير. أما إذا كان الاختلاف بينهما بالتباين
فاللازم الرجوع للقرعة.
(مسألة 13): إذا نسي الوصي أو غيره ممن يوكل إليه التنفيذ بعض مصارف الوصية، وعجز عن معرفته فإن تردد بين المطلق والمقيد اقتصر على
المقيد، وإن تردد بين أمور متباينة محصورة فالمرجع القرعة، وإن تردد بين أمور
321

غير محصورة تعين صرف المال في وجوه البر.
(مسألة 14): إذا تردد الوصية بين الأقل والأكثر اقتصر على الأقل، كما
لو تردد المال الموصى به بين ألف دينار وألفين. أما إذا كان التردد بين مالين
معينين متباينين أحدهما أقل من الآخر فالمرجع القرعة.
(مسألة 15): حيث تقدم عدم جواز الوصية في وجوه الحرام، فالظاهر أن
الوصية بها لا تبطل رأسا، بحيث يكون المال ميراثا، بل يجب على الوصي أو
غيره ممن يقوم بتنفيذ الوصية صرف المال في سبل الخير.
322

الفصل السابع
فيما تثبت به الوصية
إذا شك في الوصية من دون حجة عليها بني على عدمها، وإذا علم
بالوصية وشك في العدول عنها من حجة عليه بني على عدمه، ووجب
إنفاذ الوصية.
(مسألة 1): تثبت الوصية بالعلم، وبإقرار الموصي، وبالبينة، وهي شهادة
رجلين مؤمنين عادلين. ومع عدمها يكتفي بشهادة رجلين من أهل الكتاب،
وفي اشتراط كونهما ذميين إشكال. وإذا ارتاب بهما الوارث كان له أن يطلب من
الحاكم الشرعي إحلافهما، فيحلفهما بعد الصلاة على صحة شهادتهما.
(مسألة 2): تثبت الوصية التمليكية بشهادة رجل واحد عادل وامرأتين
عادلتين. وكذا تثبت بشهادة رجل واحد عادل أو امرأتين عادلتين، لكن مع يمين
صاحب الحق. ولا تثبت بذلك الوصية العهدية.
(مسألة 3): تثبت الوصية التمليكية بتمامها بشهادة أربع نساء عادلات،
وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث نساء عادلات، ونصفها بشهادة امرأتين عادلتين،
وربعها بشهادة امرأة واحدة عادلة. وكذا الوصية العهدية إذا كانت تقبل التبعيض،
كالوصية بالمال، دون مثل القيمومة على الأطفال القاصرين.
(مسألة 4): تثبت الوصية التمليكية والوصية العهدية بالمال بإقرار الورثة
بأجمعهم إذا كانوا عقلاء بالغين وإن لم يكونوا عدولا، وإذا أقر بعضهم دون
بعض ثبتت بالنسبة إلى حصة المقر دون المنكر. وكما يثبت بإقرارهم أصل
الوصية بالمال يثبت به ولاية الوصي عليه لو أقروا بوصايته أيضا. وإذا كان المقر
منهم عدلا جرى على إقراره حكم الشهادة المتقدم في المسائل السابقة.
323

(مسألة 5): يثبت الرجوع عن الوصية بالعلم، وبإقرار الموصي، وبالبينة،
وهي شهادة رجلين عادلين. كما يثبت الرجوع عن الوصية السابقة بالشهادة على
الوصية اللاحقة بالوجه المتقدم في المسائل السابقة. نعم لا يثبت بإقرار الورثة
أو بعضهم بالوصية اللاحقة إذا لم يكن عدولا. أما إذا كانوا عدولا فيجري على
إقرارهم حكم الشهادة، كما تقدم.
(مسألة 6): إذا دفع إنسان مالا لآخر وأوصاه بإنفاقه في وجه من الوجوه
بعد وفاته وجب على آخذ المال انفاقه فيما أوصاه به إن احتمل صحة الوصية
المذكورة منه، لكون المال دون الثلث، أو لكون الوجه المذكور من الواجبات
المالية التي تخرج من الأصل، أو لعدم ملك الدافع للمال، بل هو مال معين
للمصرف الذي ذكره، أما إذا علم بعدم صحتها فيجب عليه مراجعة الورثة إن
احتمل كونه ملكا للدافع، وإن علم بعدم ملكيته له جرى عليه حكم مجهول
المالك.
خاتمة: في التصرفات المنجزة
للانسان أن يتصرف في ماله ما دام حيا، تصرفا منجزا بما يشاء، سواء
أضر بالورثة - كما في الابراء من الدين، وفي التمليك المجاني، والمعاوضي
المبني على المحاباة، ونحوها - أم لا، وسواء كان مريضا مرض الموت أو غيره
أم صحيحا.
(مسألة 1): لا يكفي في التصرف المنجز التسجيل الرسمي في دائرة
الطابو ونحوها، بل لا بد فيه من تحقق التمليك المعاوضي أو المجاني بشروطه،
بحيث لو أراد الثاني أن يستقل بالمال ويمنع الأول منه لم يكن ظالما له. نعم لو
شك في أن التمليك الرسمي تابع أو مقارن لتمليك شرعي حقيقي أو لا، بل هو
تمليك صوري لزم البناء ظاهرا على تحقق التمليك الحقيقي، ويبقى الحكم
الواقعي فيما بينه وبين الله تعالى تابعا لحصول التمليك واقعا. أما لو علم بأنه
حين وقع لم يكن هناك تمليك حقيقي، لكن احتمل إيقاع التمليك الحقيقي بعد
ذلك فاللازم البناء ظاهرا على عدمه ما لم يثبت بطريق شرعي.
324

(مسألة 2): إذا أقر الانسان بدين أو عين لوارث أو لغيره نفذ عليه في
حياته مطلقا، فللمقر له مطالبته به. كما ينفذ بعد موته في حق وارثه إذا كان المقر
مأمونا مرضيا، وإن لم يكن مأمونا لم ينفذ إلا من الثلث، ويقدم على الوصية. هذا
إذا كان مبنى الاقرار على الوصية بدفع الدين بعد موته، لصدوره حال حضور
الموت أو حال المرض أو في مقام الوصية، أما إذا لم يكن كذلك، بل حصل
اعتباطا فالظاهر نفوذه مطلقا، وإن لم يكن مأمونا.
(مسألة 3): ليس للانسان التصرف في ماله تصرفا معلقا على موته إلا في
الوصية والعتق، وهو المسمى بالتدبير، ولا يصح غير ذلك من التصرفات،
كالوقف والصدقة وإبراء المدين من الدين وغيرها. بل ليس له إلا إيقاعها منجزة
فيكون ملزما بها في حياته، أو الوصية بها فتنفذ بشروط الوصية، فلو أوقع شيئا
من ذلك معلقا على موته بطل، ولم ينفذ حتى من الثلث، كما لا ينفع في نفوذه إجازة الورثة.
نعم، في الابراء إذا رجعت إجازة الورثة إلى إبرائهم المدين بأنفسهم صح
إبراؤهم له، أما إذا لم ترجع لذلك، بل إلى مجرد إمضائهم لابراء مورثهم له فلا
يترتب الأثر على إجازتهم، ولا سيما إذا صدرت منه الإجازة بعد تحقق الوفاء
من المدين، حيث لا موضوع معه لابرائهم له بأنفسهم، وإن كان موضوعه
متحققا حين إبراء مورثهم. والله سبحانه وتعالى العالم.
والحمد لله رب العالمين.
انتهى الكلام في كتاب الوصية ضحى الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر
ربيع الأول عام ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة النبوية على صاحبها وآله
أفضل الصلوات وأزكى التحيات، في النجف الأشرف، ببركة المشهد المشرف
على مشرفه الصلاة والسلام، وبه ختام الجزء الثاني من رسالتنا (منهاج
الصالحين) المشتمل على القسم الأول من أحكام المعاملات. ونسأل الله تعالى
العون والتوفيق والتأييد والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
325