الكتاب: تحرير الوسيلة
المؤلف: السيد الخميني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤٠٩
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٩٠
المطبعة: مطبعة الآداب - النجف الأشرف
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات: مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان - قم - إيران

تحرير الوسيلة
لسماحة حجة الاسلام والمسلمين العلماء والمجتهدين رئيس
الملة والدين آية الله العظمى ومولانا الأعظم
الحاج سيد روح الله الموسوي الخميني
متع الله المسلمين بطول وجوده الشريف
1

الطبعة الثانية
مطبعة الآداب - النجف الأشرف
1390
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الرهن
وهو عقد شرع لاستيثاق على الدين، ويقال للعين: الرهن والمرهون
ولدافعها: الراهن، ولآخذها: المرتهن، ويحتاج إلى الايجاب من الراهن،
وهو كل لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة كقوله: " رهنتك "
أو " أرهنتك " أو " هذا وثيقة عندك على مالك " ونحو ذلك، والقبول من
المرتهن وهو كل لفظ دال على الرضا بالايجاب، ولا يعتبر فيه العربية،
بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة.
(مسألة 1): يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد -
والاختيار، وفي خصوص الأول عدم الحجر بالسفه والفلس، ويجوز
لولي الطفل والمجنون رهن مالها مع المصلحة والغبطة والارتهان لهما كذلك.
(مسألة 2): يشترط في صحة الرهن القبض من المرتهن باقباض من
الرهن أو بإذن منه، ولو كان في شئ وديعة أو عارية بل ولو غصبا
فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، ولا يحتاج إلى قبض جديد، ولو رهن المشاع
3

لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلا برضا شريكه، ولكن لو سلمه إليه فالظاهر
كفايته في تحقق القبض الذي هو شرط لصحته وإن تحقق العدوان بالنسبة
إلى حصة شريكه.
(مسألة 3): إنما يعتبر القبض في الابتداء، ولا يعتبر استدامته،
فلو قبضه المرتهن ثم صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه
لم يضر ولم يطرأه البطلان، نعم للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه
تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه.
(مسألة 4): يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يصح بيعه
ويمكن قبضه، فلا يصح رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان
للصحة وجه، وقبضه بقبض مصداقه، ولا رهن المنفعة ولا الحر ولا الخمر
والخنزير ولا مال الغير إلا بإذنه أو إجازته، ولا الأرض الخراجية
ما كانت مفتوحة عنوة، وما صولح عليها على أن تكون ملكا للمسلمين،
ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عود، ولا الوقف
ولو كان خاصا.
(مسألة 5): لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صح في
ملكه، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه.
(مسألة 6): لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال
في صحة رهن ما فيها مستقلا، وأما رهنها مع أرضاه بعنوان التبعية ففيه
إشكال، بل المنع لا يخلو من قرب، كما لا يصح رهن أرضها مستقلا
على الأقوى، نعم لا يبعد جواز رهن الحق المتعلق بها على إشكال.
(مسألة 7): لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين، فيجوز
لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرعا ولو من غير إذنه، بل ولو
مع نهية، وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه ولو رهنه
4

وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع، ويبيع المرتهن كما يبيع ما كان ملكا
للمديون، ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة
أو بالأكثر وبقيمة تامة لو بيع بأقل منها، ولو عين له أن يرهنه على حق
مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معين
لم يجز له مخالفته، ولو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع وتخير.
(مسألة 8): لو كان الرهن على الدين المؤجل وكان مما يسرع إليه
الفساد قبل الأجل فإن شرط بيعه صريحا قبل أن يطرأ عليه الفساد صح
الرهن، ويبيعه الراهن أو يوكل المرتهن فيه بيعه، وإن امتنع أجبره الحاكم
فإن تعذر باعه الحاكم، ومع فقده باعه المرتهن، فإذا بيع يجعل ثمنه في
الرهن، وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة كما لو جعل العين
بماليتها رهنا، فيصح وتباع ويجعل ثمنها في الرهن، ولو اشترط عدم
البيع إلا بعد الأجل بطل الرهن، وكذا لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه
ولم يستفد الاشتراط بقرينة على الأقرب، ولو رهن ما لا يتسارع إليه
الفساد فعرض ما صيره عرضة له كالحنطة لو ابتلت لم ينفسخ، بل يباع
ويجعل ثمنه رهنا.
(مسألة 9): لا إشكال في أنه يعتبر في المرهون كونه معينه، فلا يصح
رهن المبهم كأحد هذين، نعم صحة رهن الكلي من غير فرق بين الكلي
في المعين كصاع من صبرة معلومة وشاة من القطيع المعلوم وغيره كصاع
من الحنطة لا تخلوا من وجه، وقبضه في الأول إما بقبض الجميع أو بقبض
ما عينه الراهن، وفي الثاني بقبض مصداقه، فإذا قبضه المرتهن صح
ولزم، والأحوط عدم إيقاعه على الكلي، ولا يصح رهن المجهول من
جميع الوجوه حتى كونه مما يتمول، وأما مع علمه بذلك وجهله بعنوان
العين فالأحوط ذلك وإن كان الجواز لا يخلو من وجه، فإذا رهن ما في
5

الصندوق المقفل وكان ما فيه حتى ماليته بطل، ولو علم ماليته
فقط لا يبعد الصحة كما أن الظاهر صحة رهن معلوم الجنس والنوع مع
كونه مجهول المقدار.
(مسألة 10): يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة
لتحقق موجبه من اقتراض أو إتلاف مال أو شراء أو استئجار عين
بالذمة وغير ذلك حالا كان الدين أو مؤجلا، فلا يصح الرهن على
ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض
ثم اقترض لم يصر بذلك رهنا، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقق
الموت وإن علم أن الجناية تؤدي إليه، ولا على مال الجعالة قبل
تمام العمل.
(مسألة 11): كما يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة
التي في ذمة المستأجر كذلك يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل
الثابت في ذمة المؤجر.
(مسألة 12): الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة
والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها، وأما عهدة الثمن أو المبيع
أو الأجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقة للغير فالأقوى
عدم صحته عليها.
(مسألة 13): لو اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا
على الثمن.
(مسألة 14): لو رهن على دينه رهنا ثم استدان مالا آخر من
المرتهن جاز جعل ذلك الرهن على الثاني أيضا، وكان رهنا عليهما
معا، سواء كان الثاني مساويا للأول في الجنس والقدر أو مخالفا،
وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء، وكذا إذا رهن
6

شيئا على دين جاز أن يرهن شيئا آخر على ذلك الدين وكانا جميعا رهنا عليه.
(مسألة 15): لو رهن شيئا عند زيد ثم رهنه عند آخر أيضا باتفاق
من المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول
وكونه رهنا على خصوص الثاني.
(مسألة 16): لو استدل اثنان من واحد كل منهما دينا ثم رهنا
عنده مالا مشتركا بينهما ولو بعقد واحد ثم قضى أحدهما دينه انفكت
حصته عن الرهانة، ولو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا بأن كان
عليه دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد فكل منهما مرتهن للنصف
مع تساوي الدين، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقهما، ع
فإن قضي دين أحدهما انفك عن الرهانة ما يقابل حقه، هذا كله في التعدد
ابتداء، وأما التعدد الطاري فالظاهر أنه لا عبرة به، فلو مات الراهن
عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين، كما أنه لو مات
المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفك بمقداره من
الرهن.
(مسألة 17): لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ولا الثمر
في رهن الشجر إلا إذا كان تعارف يوجب الدخول أو اشترط ذلك،
وكذا لا يدخل ما يتجدد إلا مع الشرط، نعم الظاهر دخول الصوف
والشعر والوبر في رهن الحيوان، وكذا الأوراق والأغصان حتى اليابسة
في رهن الشجر، وأما اللبن في الضرع ومغرس الشجر وأس الجدار
أعني موضوع الأساس من الأرض ففي دخولها تأمل وإشكال، ولا يبعد
عدم الدخول وإن كان الأحوط التصالح والتراضي.
(مسألة 18): الرهن لازم من جهة الراهن، وجائز من طرف
7

المرتهن فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلا أن يسقط حقه من الارتهان
أو ينفك الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين، ولو برأت ذمته من بعضه
فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي إلا إذا اشترط التوزيع، فينفك منه
على مقدار ما برأ منه، ويبقى رهنا على على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه
رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفك الجميع بالبراءة من بعضه.
(مسألة 19): لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن،
سواء كان ناقلا للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة أو مجرد الانتفاع به وإن
لم يضر به كالركوب والسكنى ونحوها، نعم لا يبعد الجواز فيما هو بنفع
الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله، كسقي الأشجار وعلف الدابة
ومداواتها ونحو ذلك، فإن تصرف فيما لا يجوز بغير الناقل أثم، ولم يترتب
عليه شئ إلا إذا كان بالاتلاف، فيلزم قيمته وتكون رهنا، وإن كان
بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن، ففي
مثل الإجارة تصح بالإجازة، وبقيت الرهانة على حالها بخلافها في البيع،
فإنه يصح بها وتبطل الرهانة، كما أنها تبطل بالبيع إذا كان تتعن إذن سابق
من المرتهن.
(مسألة 20): لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن،
فلو تصرف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده
للتعدي، ولزمه أجرة المثل لما استوفاه من المنفعة، ولو كان ببيع ونحوه
أو بإجارة ونحوها وقع فضوليا، فإن أجازه الراهن صح، وكان الثمن
والأجرة المسماة له، وكان الثمن رهنا في البيع لم يجز لكل منهما التصرف
فيه إلا بإذن الآخر، وبقي العين رهنا في الإجارة، وإن لم يجز كان فاسدا.
(مسألة 21): منافع الرهن كالسكنى والركوب وكذا نماءاته المنفصلة
كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر والمتصلة كالسمن والزيادة
8

في الطول والعرض كلها للراهن، سواء كانت موجودة حال الارتهان أو
وجدت بعده، ولا يتبعه في الرهانة إلا نماءاته المتصلة، وكذا ما تعارف
دخوله فيه بنحو يوجب التقييد.
(مسألة 22): لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صح،
فلو كان الدين مؤجلا وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل فإن كانت تجفف
ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جففت وبقيت على الرهن، وإلا بيعت، وكان
الثمن رهنا إذا استفيد من شرط أو قرينة أنها رهن بماليتها.
(مسألة 23): لو كان الدين حالا أو حل وأراد المرتهن استيفاء حقه
فإن كان وكيلا عن الران في بيع الرهن واستيفاء دينه منه فله ذلك من
دون مراجعة إليه، وإلا ليس له أن يبيعه، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء
ولو ببيع الرهن أو توكيله فيه، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه
بالوفاء أو البيع، فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل
الغير، وإن لم يمكن ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه للبيع،
ومع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن واستوفى حقه من
ثمنه إن ساواه أو بعضه إن كان أقل، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعية
يوصله إلى صاحبه.
(مسألة 24): لو لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة لاثبات دينه وخاف
من أنه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين فأخذ منه الرهن
بموجب اعترافه وطولب منه البينة على حقه جاز له بيع الرهن من دون
مراجعة إلى الحاكم، وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
(مسألة 25): لو وفى بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط
لو لم يكن الأقوى، وبقي الباقي أمانة عنده إلا إذا لم يمكن التبعيض
ولو من جهة عدم الراغب أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكل.
9

(مسألة 26): لو كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابة
ركوبه جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون، لكن الأولى
الأحوط عدم إخراجه من ظل رأسه.
(مسألة 27): لو كان الراهن مفلسا أو مات وعليه ديون للناس كان
المرتهن أحق من باقي الغرماء باستيفاء حقه من الرهن، فإن فضل شئ
يوزع على الباقين بالحصص، ولو نقص الرهن عن حقه استوفى ما يمكن
منه ويضرب بما بقي من الغرماء في سائر أموال الراهن.
(مسألة 28): الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب
من دون تعد وتفريط، نعم لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو
عارية مضمونة مثلا ثم ارتهن عنده لم يزل الضمان إلا إذا أذن له المالك
في بقائه تحت يد فيرتفع الضمان على الأقوى، وكذا لو استفيد الإذن
في بقائه في المورد من ارتهانه كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال، وإذا
انفك الرهن بسبب الأداء أو الابراء أو نحو ذلك يبقى أمانة مالكية في يده
لا يجب تسليمه إلى المالك إلا مع المطالبة.
(مسألة 29): لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن فينتقل
الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورثهم وينتقل إلى ورثة المرتهن
حق الرهانة، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك، فإن اتفقوا على
أمين وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين.
(مسألة 30): لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية
بالرهن وتعيين المرهون والراهن والاشهاد كسائر الودائع، ولو لم يفعل
كان مفرطا وعليه ضمانه.
(مسألة 31): لو كان عنده رهن قبل موته ثم مات ولم يعلم بوجوده
في تركته لا تفصيلا ولا إجمالا ولم يعلم كونه تالفا بتفريط منه لم يحكم به
10

في ذمته ولا بكون موجودا في تركته، بل يحكم بكونها لورثته، بل وكذلك
على الأقوى لو علم أنه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته
ولم يعلم أنه باق فيها أم لا، كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في
الأموال التي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ولم يعلم أنه قد أخرجه وأوصله
إلى مالكه أو باعه واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا.
(مسألة 32): لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن ودينارا آخر
منه بلا رهن ثم دفع إليه دينارا بنية الوفاء فإن نوى كونه عن ذي الرهن
سقط وانفك رهنه، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفك وبقي دينه، وإن
لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن
أو غيره فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن أو لذي الرهن
فينفك أو يوزع عليهما فيبقى الرهن أو ينفك بمقداره؟ وجوه، أوجهها
بقاء الرهن إلى الفك اليقيني.
11

كتاب الحجر
وهو في الأصل بمعنى المنع. وشرعا كون الشخص ممنوعا في الشرع
عن التصرف في ماله بسبب من الأسباب، وهي كثيرة نذكر منها ما هو
العمدة، وهي الصغر والسفه والفلس ومرض الموت.
القول في الصغر
(مسألة 1): الصغير وهو الذي لم يبلغ حد البلوغ محجور عليه شرعا
لا تنفذ تصرفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإبداع وإعارة
وغيرها إلا ما استثني - كالوصية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وكالبيع
في الأشياء غير الخطيرة كما مر - وإن كان في كمال التميز والرشد وكان
التصرف في غاية الغبطة والصلاح، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي
سابقا ولا إجازته لاحقا عند المشهور، وهو الأقوى.
(مسألة 2): كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور
عليه بالنسبة إلى ذمته، فلا يصح منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمة
12

بالسلم والنسيئة وإن كانت مدة الأداء مصادفة لزمان بلوغه، وكذلك بالنسبة
إلى نفسه، فلا ينفذ منه التزويج، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ
عشرا، وعلى الأحوط فيمن بلغه، ولو طلق يتخلص بالاحتياط، وكذلك
لا يجوز إجارة نفسه، ولا جعل نفسه عاملا في المضاربة وغير ذلك، نعم
لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما يملكها بالنية، بل وكذا
يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليه فيهما.
(مسألة 3): يعرف البلوغ في الذكر والأنثى بأحد أمور ثلاثة: الأول
نبات الشعر الخشن على الغانة، ولا اعتبار بالزغب والشعر الضعيف، الثاني
خروج المني يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو غيرهما، الثالث السن،
وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة، وفي الأنثى إكمال تسع سنين.
(مسألة 4): لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد
معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبينه.
(مسألة 5): ولاية التصرف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه
لأبيه وجده لأبيه، ومع فقدهما للقيم من أحدهما، وهو الذي أوصى أحدهما
بأن يكون ناضرا في أمره، ومع فقده للحاكم الشرعي، وأما الأم والجد
للأم والأخ فضلا عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه، نعم الظاهر
ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط.
(مسألة 6): الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجد،
فلا ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر
منهما على المولى عليه عزلهما ومنعهما من التصرف في أمواله، ولا يجب
عليه الفحص عن عملهما وتتبع سلوكهما.
(مسألة 7): الأب والجد مستقلان في الولاية، فينفذ تصرف السابق
منهما ولغا اللاحق، ولو اقترنا ففي تقديم الجد أو الأب أو عدم الترجيح
13

وبطلان تصرف كليهما وجوه بل أقوال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 8): الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب والبعيد، فلو كان
له أب وجد وأب الجد الجد فلكل منهم الولاية.
(مسألة 9): يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة واقتضاء المصلحة
فإن كان البائع هو الأب والجد جاز للحاكم تسجيله وإن لم يثبت عنده أنه
مصلحة، وأما غيرهما كالوصي فلا يسجله إلا بعد ثبوتها عنده على الأحوط
وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده.
(مسألة 10): يجوز للولي المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة
العامل وأمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
(مسألة 11): يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة، أو
إلى من يعلمه القراءة والخط والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم
النافعة لدينه ودنياه، ويلزم عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما
يضر بعقائده.
(مسألة 12): يجوز لولي اليتيم إفراده بالمأكول والملموس من ماله
وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم فيوزع المصارف عليهم على الرؤوس في
المأكول والمشروف، وأما الكسوة فيحسب على كل حدة، وكذا
الحال في اليتامى المتعددين، فيجوز لمن يتولى الانفاق عليهم إفراد كل
واختلاطهم في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم دون الملبوس.
(مسألة 13): لو كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه
عنه ببعضه مع المصلحة، لكن لا يحل على المتصالح باقي المال، وليس
للولي إسقاطه بحال.
(مسألة 14): المجنون كالصغير في جميع ما ذكر، نعم لو تجدد جنونه
بعد بلوغه ورشده فالأقرب أن الولاية عليه للحاكم دون الأب والجد ووصيهما
14

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معا.
(مسألة 15): ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالاسراف ولا بالتقتير
ملاحظا له عادته ونظراءه، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه.
(مسألة 16): لو ادعى الولي الانفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه
بالمقدار اللائق وأنكر بعد البلوغ أصل الانفاق أو كيفية فالقول قول الولي
مع اليمين، وعلى الصبي البينة.
القول في السفه
السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله،
يصرفه في غير موقعه، ويتلفه بغير محله، وليست معاملاته مبنية على
المكايسة والتحفظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف
والعقلاء بوجدانهم إذا وجوده خارجا عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى
أمواله تحصيلا وصرفا، وهو محجور شرعا لا ينفذ تصرفاته في ماله
ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وعارية وغيرها من غير توقف على حجر
الحاكم إذا كان سفه متصلا بزمان صغره، وأما لو تجدد بعد البلوغ
والرشد فيتوقف على حجر الحاكم، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره
ولو عاد فله أن يحجره.
مسألة 1 - الولاية على السفيه للأب والجد ووصيهما إذا بلغ سفيها،
وفيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي.
مسألة 2 - كما أن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمته بأن
يتعهد مالا أو عملا، فلا يصح اقتراضه وضمانه، ولا بيعه وشراؤه بالذمة
ولا إجازة نفسه، ولا جعل نفسه عاملا للمضاربة ونحوها.
15

مسألة 3 - معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو كان
بإذن الولي أو إجازته صح ونفذ، نعم فيما لا يجري فيه الفضولية يشكل
صحته بالإجازة اللاحقة من الولي، ولو أوقع معاملة في حال سفه ثم
حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الولي.
مسألة 4 - لا يصح زواج السفيه بدون إن الولي أو إجازته،
لكن يصح طلاقه وظهاره وخلعه، ويقبل إقراره إن لم يتعلق بالمال حتى
بما يوجب القصاص ونحو ذلك، ولو أقر بالنسب يقبل في غير لوازمه
المالية كالنفقة، وأما فيها فلا يخلو من إشكال وإن كان الثبوت لا يخلو
من قرب، ولو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال.
مسألة 5 - لو وكله غيره في بيع أو هبة أو إجازة مثلا جاز
ولو كان وكيلا في أصل المعاملة لا مجرد إجراء الصيغة.
مسألة 6 - لو حلف السفيه أو نذر على فعل شئ أو تركه مما لا يتعلق
بماله انعقد، ولو حنث كفر كسائر ما يوجب الكفارة، كقتل الخطأ
والافطار في شهر رمضان، وهل يتعين عليه الصوم لو تمكن منه أو يتخير
بينه وبين الكفارة المالية كغيره؟ وجهان، أحوطهما الأول، نعم لو لم يتمكن
من الصوم تعين غيره، كما إذا فعل ما يوجب الكفارة المالية على التعيين،
كما في كفارات الاحرام كلها أو جلها.
مسألة 7 - لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه بخلاف
الدية وأرش الجناية.
مسألة 8 - لو اطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه ولم ير
المصلحة في إجازته فإن لم يقع إلا مجرد العقد ألغاه، وإن وقع تسليم وتسلم
للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده ويحفظه، وما تسلمه وكان
موجودا يرده إلى مالكه، وإن كان تالفا ضمنه السفيه، فعليه مثله أو
16

قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه، وإن كان بإذن منه لم يضمنه إلا في
صورة الاتلاف منه، فإنه لا يبعد فيها الضمان، كما أن الأقوى الضمان
لو كان المالك الذي سلمه الثمن أو المبيع جاهلا بحاله أو بحكم الواقعة خصوصا
إذا كان التلف باتلاف منه، وكذا الحال لو اقترض السفيه وأتلفه المال.
مسألة 9 - لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على
الأقوى سواء علم المودع بحاله أولا، ولو تلفت عنده لم يضمنها إلا مع
تفريطه في حفظها على الأشبه.
مسألة 10 - لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده، وإذا اشتبه
حاله يختبر، بأن يفوض إليه مدة معتدا بها بعض الأمور مما يناسب شأنه
كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الأمور، والرتق
والفتق في بعض الأمور، مثل مباشرة الانفاق في مصالحه ومصالح الولي
ونحو ذلك فيمن يناسبه ذلك، وفي السفيهة يفوض يفوض إليها ما يناسب النساء
من إدارة بعض مصالح البيت والمعاملة مع النساء من الإجارة والاستئجار
للخياطة أو الغزل أو النساجة وأمثال ذلك، فإن آنس منه الرشد بأن رأى
منه المداقة والمكايسة والتحفظ عن المغبنة في معاملاته وصيانة المال من
التضييع وصرفه في موضعه وجريه مجرى العقلاء دفع إليه ماله وإلا فلا.
مسألة 11 - لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب اختياره
قبله ليسلم إليه ماله بمجرد بلوغه لو آنس منه الرشد، وإلا ففي كل زمان
احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده، وأما غيره فإن ادعى حصول الرشد له
واحتمله الولي يجب اختباره، وإن لم يدع حصوله ففي وجوب الاختبار
بمجرد الاحتمال إشكال لا يخلو عدمه من قوة.
17

القول في الفلس
المفلس من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه.
مسألة 1 - من كثرت عليه الديوان ولو كانت أضعاف أمواله يجوز
له التصرف فيها بأنواعه، ونفذ أمره فيها بأصنافه ولو باخراجها جميعا عن
ملكه مجانا أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي، نعم لو كان صلحه
عنها أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحة خصوصا
فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه.
مسألة 2 - لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة: الأول -
أن تكون ديونه ثابتة شرعا، الثاني - أن تكون أمواله من عروض ونقود
ومنافع وديون على الناس - ما عدا مستثنيات الدين - قاصرة عن ديونه، الثالث -
أن تكون الدين حالة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة وإن لم يف
ماله بها لو حلت، ولو كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا فإن قصر ماله
عن الحالة يحجر عليه وإلا فلا. الرابع - أن يرجع الغرماء كلهم أو
بعضهم إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر.
مسألة 3 - بعد ما تمت الشرائط وحجر عليه الحاكم وحكم به تعلق
حق الغرماء بأمواله، ولا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع والإجارة
وبغيره كالوقف والهبة إلا بإذنهم أو إجازتهم، وإنما يمنع عن التصرفات
الابتدائية، فلو اشترى شيئا سابقا بخيار ثم حجر عليه فالخيار باق، وله
فسخ البيع وإجازته، نعم لو كان له حق مالي سابقا على الغير ليس له
اسقاطه وابراؤه كلا أو بعضا.
18

مسألة 4 - إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر
عليه، وأما الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره
كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصية والهبة ونحو ذلك ففي شمول الحجر
لها بل في نفوذه على فرض شموله إشكال، نعم لا اشكال في جواز الحجر
عليها أيضا.
مسألة 5 - لو أقر بعد الحجر بدين صح ونفذ، لكن لا يشارك
المقر له مع الغرماء على الأقوى، سواء كان الاقرار بدين سابق أو بدين
لاحق، وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الاتلاف
والجناية ونحوهما أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك كالاقتراض والشراء
بما في الذمة ونحو ذلك.
مسألة 6 - لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال
في نفوذ اقراره في حقه، فلو سقط حق الغرماء وانفك الحجر لزمه تسليمها
إلى المقر له أخذا باقراره، وأما نفوذه في حق الغرماء بحيث تدفع إلى
المقر له في الحال ففيه إشكال، والأقوى عدمه.
مسألة 7 - بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلس ومنعه عن التصرف في
أمواله يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم
مستثنيا منها مستثنيات الدين، وقد مرت في كتاب الدين، وكذا أمواله
المرهونة عند الديان، فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من الرهن الذي عنده
ولا يحاصه فيه سائر الغرماء، كما مر في كتاب الرهن.
مسألة 8 - إن كان من جملة مال المفلس عين اشتراها وكان ثمنها
فذي ذمته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وبين
الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها.
مسألة 9 - الظاهر أن هذا الخيار ليس على الفور، فلو أن لا يبادر
19

بالفسخ والرجوع بالعين، نعم ليس له الافراد في تأخير الاختيار بحيث
تعطل أمر التقسيم على الغرماء ولو وقع منه ذلك خيره الحاكم بين الأمرين
فإن امتنع ضربه مع الغرماء.
مسألة 10 - يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين، فلا رجوع
مع تأجيله، نعم لو حل المؤجل قبل فك الحجر فالأصح الرجوع بها.
مسألة 11 - لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن
يرجع إليها على الأظهر.
مسألة 12 - المقرض في أن له الرجوع في العين المقترضة
لو وجدها عند المقترض، فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر
قبل استيفاء المنفعة كلا أو بعضا بالنسبة إلى ما بقي من المدة؟ فيه إشكال،
والأحوط التخلص بالصلح.
مسألة 13 - لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة
كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصة من الدين والضرب بالباقي مع الغرماء،
كما أن لهما الضرب بتمام الدين معهم.
مسألة 14 - لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متصلة
كالسمن تتبع الأصل، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي، وأما الزيادة
المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر فهي المشتري والمقترض.
مسألة 15 - لو تعيبت العين عن المشتري مثلا فإن كان بآفة سماوية
أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يضرب بالثمن
مع الغرماء، وإن كان بفعل الأجنبي فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء
بتمام الثمن وبين أن يأخذ العين معيبا، وحينئذ يحتمل أن يضارب الغرماء
في جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، ويحتمل أن
يضاربهم في تمام الأرش، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش
20

النقصان أربعة القيمة فعلى الأول يضاربهم في اثنين، وعلى الثاني
في أربعة، ولو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة وكان
الأرش اثنين خمس العشرة فالأمر بالعكس، يضاربهم في أربعة على الأول.
وفي اثنين على الثاني، ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي، والضرب بالثمن
كالتلف السماوي، ولو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أنه كفعل الأجنبي
ويكون ما في عهدته من ضمان المبيع المعيب جزء أموال المفلس، والمسألة
مشكلة، فالأحوط التخلص بالصلح.
مسألة 16 - لو اشترى أرضا فأحدث بناء أو غرسا ثم فلس
كان للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء والغرس للمشتري، ولى له
حق البقاء ولو بالأجرة، فإن تراضيا مجانا أو بالأجرة، وإلا فللبائع إلزامه
بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أن للمشتري القلع لكن مع طم الحفر،
والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالأجرة إذا أراده
المشتري، وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير أجرة.
مسألة 17 - لو خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله خلطا رافعا للتميز
فالأقرب بطلان حق البائع، فليس له الرجوع إليه، سواء اختلط بغير
جنسه أو بجنسه، وسواء خلط بالمساوي أو الأردأ أو الأجود.
مسألة 18 - لو اشتري غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره
أو صبغه لم يبطل حق البائع من العين على إشكال في الأولين.
مسألة 19 - غريم الميت كغريم المفلس، فإذا وجد عين ماله في
تركته كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين
الغرماء، وإلا فليس له ذلك، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم
وإن كانت الميت قد مات محجورا عليه.
مسألة 20 - يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته
21

ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته، ولو مات
قدم كفنه بل وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك
على حقوق الغرماء، ويقتصر على الواجب على الأحوط، وإن كان القول
باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة خصوصا في الكفن.
مسألة 21 - لو قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء ثم ظهر غريم
آخر فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس، فيصير المال للغرماء أجمع
بالنسبة.
القول في المرض
المريض إن لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف في ماله
بما شاء وكيف شاء، وينفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه إلا إذا أوصى
بشئ من ماله بعد موته، فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته، كما أن
الصحيح أيضا كذلك، ويأتي تفصيله في محله إن شاء الله تعالى، وأما إذا
اتصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيته بما زاد على الثلث
كغيره، كما أنه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلقة بماله كالبيع
بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل ونحو ذلك، وكذا لا إشكال في جواز
انتفاعه بماله كالأكل والشرب والانفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على
أضيافه، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك، وبالجملة كل صرف
فيه غرض عقلائي مما لا يعد سرفا ولا تبذيرا أي مقدار كان، وإنما
الاشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والابراء والصلح بغير
عوض ونحو ذلك من التصرفات التبرعية في ماله مما لا يقابل بالعوض ويكون
فيه إضرار بالورثة، وهي المعبر عنها بالمنجزات. وأنها هل هي نافذة
22

من الأصل بمعنى نفوذها وصحتها مطلقا وإن زادت على ثلث ماله بل
وإن تعلقت بجميعه بحيث لم يبق شئ للورثة أو هي بمقدار الثلث
فإن زادت تتوقف صحتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ والأقوى
هو الأول.
مسألة 1 - لا إشكال ولا خلاف في أن الواجبات المالية التي يؤديها
المريض في مرض موته كالخمس والزكاة والكفارات تخرج من الأصل.
مسألة 2 - لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث
أو جنبي فإن كان مأمونا غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقر به وإن
كان زائدا على ثلث ماله بل وإن استوعبه، وإلا فلا ينفذ فيما زاد على
ثلثه، والمراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها بكذبه، كأن يكون
بينه وبين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له
حب شديد بالنسبة إلى المقر له يظن معه بأنه يريد بذلك نفعه.
مسألة 3 - لو لم يعلم حال المقر وأنه كان متهما أو مأمونا فالأقوى
عدم نفوذه إقراره في الزائد على الثلث، وإن كان الأحوط التصالح بين
الورثة والمقر له.
مسألة 4 - إنما يحسب الثلث في الاقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع
ما يتركه في زمان موته من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو حقا ماليا
يبذل بإزائه المال كحق التحجير، وهل تحسب الدية من التركة وتضم
إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان بل قولان لا يخلو
أولهما من رجحان.
مسألة 5 - ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية
ونحوها إنما هو مع عدم إجازة الورثة، وإلا نفذت بلا إشكال،
ولو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصته، ولو أجازوا بعضا من الزائد على
23

الثلث نفذت بمقدار.
مسألة 6 - لا إشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورث،
وهل تصح منه في حال حياته تلزم عليه ولا يجوز له الرد بعد ذلك
أم لا؟ قولان، أقواهما الأول خصوصا في الوصية، ولو رد في حال
الحياة يمكن أن تلحقها الإجازة بعد ذلك على الأقوى.
24

كتاب الضمان
وهو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر. وهو عقد يحتاج إلى
إيجاب من الضمن بلك لفظ دال عرفا ولو بقرينة على التعهد المزبور،
مثل ضمنت أو تعهدت لك الدين الذي لك على فلان ونحوه ذلك، وقبول
من المضمون له بما دل على الرضا بذلك، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه.
مسألة 1 - يشترط في كل من الضامن والمضمون له أن يكون بالغا
عاقلا رشيدا مختارا، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور
عليه لفلس.
مسألة 2 - يشترط في كل صحته الضمان أمور:
منها - التنجيز على الأحوط، فلو علق على أمر كأن يقول: أنا ضامن
إن أذن أبي أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذ أو إن لم يف
أصلا بطل.
ومنها - كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه، سواء
كان مستقرا كالقرض والثمن والمثمن في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلا
كأحد العوضين في البيع الخياري والمهر قبل الدخول ونحو ذلك، فلو قال
25

أفرض فلانا أو بعه نسيئة وأنا ضامن لم يصحل.
ومنها - تميز الدين والمضمون له والمضمون عنه بمعنى عدم الابهام
والترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص
معين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معين أو على واحد معين،
نعم لو كان الدين معينا في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره أو كان المضمون له
أو المضمون عنه متعينا في الواقع ولم يعلم شخصه صح على الأقوى
خصوصا في الأخيرين، فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان ولم يعلم
أنه درهم أو دينار أو أنه دينار أو ديناران صح على الأصح، وكذا
لو قال: ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ويعلم
بأن واحدا منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثم قبل المطالب أو قال: ضمنت
ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه صح الضمان
على الأقوى.
مسألة 3 - إذا تحقق الضمان الجام للشرائط انتقل الحق من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وبرأت ذمته، فإذا أبرأ المضمون له ذمة
الضامن برأت الذمتان إحداهما بالضمان والأخرى بالابراء، ولو أبرأ ذمة
المضمون عنه كان لغوا.
مسألة 4 - الضمان لازم من طرف الضامن، فليس له فسخه بعد
وقوعه مطلقا، وكذا من طرف المضمون له إلا إذا كان الضامن معسرا
وهو جاهل باعساره، فله فسخه والرجوع بحقه على المضمون عنه،
والمدار إعساره حال الضمان، فلو أعسر بعده فلا خيار، كما أنه لو كان
معسرا حاله ثم أيسر لم يزل الخيار.
مسألة 5 - يجوز اشتراط الخيار لكل من الضامن والمضمون له
على الأقوى.
26

مسألة 6 - يجوز ضمان الدين الحال ومؤجلا، وكذا ضمان
المؤجل وحالا، وكذا يجوز ضمان المؤجل بأزيد أو أنقص من أجله.
مسألة 7 - لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع
عليه وإن كان بإذنه فله ذلك لكن بعد أداء الدين لا بمجرد الضمان،
وإنما يرجع إليه بمقدار ما أداه، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين
ببعضه أو أبرأه من بعضه لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمته بهما.
مسألة 8 - لو كان الضمان بإذن المضمون عنه فإنما يرجع عليه بالأداء
فيما إذا حل أجل الدين الذي كان على المضمون عنه، وإلا فليس له
الرجوع عليه إلا بعد حلول أجله، فلو ضمن الدين المؤجل حالا أو المؤجل
بأقل من أجله فأداه ليس له الرجوع عليه إلا بعد حلول الأجل، نعم
لو أذن له صريحا بضمانه حالا أو بأقل من الأجل فالأقرب جواز الرجوع
عليه مع أدائه، وأما لو كان بالعكس بأن ضمن الحال مؤجلا أو المؤجل
بأكثر من أجله برضا المضمون عنه قبل حلول أجله جاز له الرجوع عليه
بمجرد الأداء في الحال، وبحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء
وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل فحل الدين بموته وأداء الورثة من تركته
كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
مسألة 9 - لو ضمن بالإذن الدين المؤجل مؤجلا قبل انقضاء
الأجلين وحل ما عليه فأخذ من تركته ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه
إلا بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه، ولا يحل الدين بالنسبة إلى
المضمون عنه بموت الضامن، وإنما يحل بالنسبة إليه.
مسألة 10 - لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون
إذن الضامن برأت ذمته، وليس له الرجوع عليه.
مسألة 11 - يجوز الترامي في الضمان بأن يضمن مثلا زيد عن عمرو
27

ثم يضمن بكر عن زيد ثم يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمة الجميع
ويستقر الدين على الضامن الأخير، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من
المضمون عنه لم يرجع أحد منهم على سابقة لو أدي الدين الضامن الأخير
وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه وهو على سابقه إلى أن
ينتهي إلى المديون الأصلي، وإن كان بعضها بالإذن دون بعض فإن كان
الأخير بدونه كان كالأول لم يرجع واحد منهم على سابقه، وإن كان
بالإذن رجع هو على سابقه، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن، وإلا
لم يرجع وانقطع الرجوع عليه، وبالجملة كل ضامن كان ضمانه بإذن من
ضمن عنه يرجع عنه عليه بما أداه.
المسألة 12 - لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك
بأن يكون على كل منهما بعض الدين فتشتغل ذمة كل بمقدار ما عيناه
ولو بالتفاوت، ولو أطلق يقسط عليهما بالتساوي، فبالنصف لو كانا اثنين
وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا، ولكل منهما أداء ما عليه، وتبرأ ذمته،
ولا يتوقف على أداء الآخر ما عليه، وللمضمون له مطالبة كل منهما بحصته
أو أحدهما أو ابراؤه دون الآخر، ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون
الآخر رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر، والظاهر أنه لا فرق
في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين بأن ضمن أحدهما عن نصفه
ثم ضمن الآخر عن نصفه الآخر أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما
في ذلك فقبل المضمون له، هذا كله في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك،
وأما ضمانهما عنه بالاستقلال فلا اشكال في عدم وقوعه لكل منهما كذلك
على ما يقتضي مذهبنا في الضمان، فهل يقع باطلا أو يقسط عليهما
بالاشتراك؟ وجهان أقربهما الأول.
المسألة 13 - لو تم عقد الضمان على تمام الدين فلا يمكن أن يتعقبه
28

آخر ولو ببعضه، ولو تم على بعضه لا يمكن أن يتعقبه على التمام أو على
ذلك المضمون.
المسألة 14 - يجوز الضمان بغير جنس الدين، لكن إذا كان الضمان
بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلا بجنسه.
المسألة 15 - كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز عن
المنافع والأعمال المستقرة عليهما، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه
من الأجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل، نعم
لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصح ضمانه.
المسألة 16 - لو ادعى شخص على آخر دينا فقال ثالث للمدعي:
علي ما عليه فرضي صح الضمان، بمعنى ثبوت الدين في ذمته على تقدير
ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرفها، فلو أقام
المدعي البينة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، وكذا لو ثبت إقرار
المضمون عنه قبل الضمان بالدين، وأما إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شئ
لا على المقر ولا على الضامن.
المسألة 17 - الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب
والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمن كانت هي بيده.
المسألة 18 - لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن
البائع لو ظهر المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من
شروط صحته إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده، وأما مع بقائه
في يده فمحل تردد، والأقوى عدم صحة ضمان درك ما يحدثه المشتري
- من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقة للغير وقلعه
المالك - المشتري عن البائع.
29

المسألة 19 - لو كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفك
بالضمان، شرط الضامن انفكاكه أم لا.
المسألة 20 - لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه فأداه
بلا ضمان عنه للدائن جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرع.
30

كتاب الحوالة والكفالة
أما الحوالة فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، وهي
متقومة بأشخاص ثلاثة: المحيل وهو المديون، والمحتال وهو الدائن، والمحال
عليه، ويعتبر فيهم البلوغ والعقل والرشد والاختيار، وفي المحتال عدم
الحجر للفلس، وكذا في المحيل إلا على البرئ، وهي عقد يحتاج إلى
إيجاب من المحيل وقبول من المحتال، وأما المحال عليه فليس طرفا للعقد
وإن قلنا باعتبار قبوله، ويكفي في الايجاب كل لفظ يدل على التحويل
المزبور مثل أحلتك بما في ذمتي من الدين على فلان وما يفيد معناه، وفي
القبول ما يدل على الرضا بذلك، ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود
ومنها التنجيز على الأحوط.
المسألة 1 - يشترط في صحة الحوالة مضافا إلى ما تقدم أمور: منها -
أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل، فلا تصح في غيره، وإن وجد
سببه كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما لا يوجد كالحوالة بما سيستقرضه
فيما بعد، ومنها - تعيين المال المحال به بمعنى عدم البهام والترديد، وأما
معلومية مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها،
31

فلو كان مجهولا عندهما ومعلوما معينا واقعا لا بأس به خصوصا مع فرض
إمكان ارتفاع الجهالة، ومنها - رضا المحال عليه وقبوله على الأحوط فيما إذا
اشتغلت ذمته للمحيل بمثل ما أحال عليه، وعلى الأقوى في الحوالة على
البرئ أو بغير جنس ما على المحال عليه.
المسألة 2 - لا يعتبر في صحة الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بالدين
للمحيل، فتصح الحوالة على البرئ على الأقوى.
المسألة 3 - لا فرق في المحال به بين كونه عينا ثابتا في ذمة المحيل
وبين كونه منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصح إحالة مشغول الذمة
بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن ونحو ذلك على برئ
أو على من اشتغلت ذمته له بمثل ذلك، وكذا لا فرق بين كونه مثليا
كالحنطة والشعير ذمته بشاة موصوفة مثلا بسبب كالسلم جاز له إحالتها على
من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئا.
المسألة 4 - لا إشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال به
مع الدين الذي على المحال عليه جنسا ونوعا، وأما مع الاختلاف بأن كان
عليه لرجل مثلا دراهم وله على آخر دنانير فيحيل الأول على الثاني فهو
على أنحاء: فتارة يحيل الأول بدراهمه على الثاني بالدنانير بأن يأخذ منه
ويستحق عليه بدل الدراهم الدنانير، وأخرى يحيله عليه بالدراهم بأن يأخذ
منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم، وثالثة
يحيله عليه بالدراهم بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها، لا إشكال
في صحة النحو الأول، وكذا الثالث، ويكون هو كالحوالة على البرئ،
وأما الثاني ففيه إشكال، فالأحوط فيما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير التي
على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أولا ثم يحال عليه الدراهم، وإن كان
32

الأقوى صحته مع التراضي.
المسألة 5 - إذا تحققت الحوالة جامعة للشروط برأت ذمة المحيل عن
الدين وإن لم يبرأه المحتال واشتغلت ذمة المحال عليه للمحتال بما أحيل عليه،
هذا حال المحيل مع المحتال والمحتال مع المحال عليه، وأما حال المحال عليه
مع المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برأت ذمته مما له عليه، وكذا
إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأول والثاني مع التراضي، وأما
إن وقعت على النحو الأخير أو كانت الحوالة على البرئ اشتغلت ذمة
المحيل للمحال عليه أحال عليه، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله.
المسألة 6 - لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غني
غير مماطل، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدوم مع علمه بحاله،
ولو كان جاهلا فبان إعساره وفقره وقت الحوالة فله الفسخ والعود على
المحيل، ولا فسخ مع الفقر الطارئ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ.
المسألة 7 - الحوالة لازمة بالنسبة إلى كل من الثلاثة إلا على المحتال
مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال كما أشرنا إليه، والمراد بالاعسار أن
لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائدا على مستثنياته، ويجوز اشتراط
خيار الفسخ لكل منهم.
المسألة 8 - يجوز الترامي في الحوالة بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال
كما لو أحال المديون زيدا على عمرو ثم أحاله عمرو على بكر وهو على
خالد وهكذا، أو بتعدد المحتال مع اتحاد المحال عليه كما لو أحال المحتال
من له عليه دين على المحال عليه ثم أحال هو من عليه دين على ذلك المحال
عليه وهكذا.
المسألة 9 - لو قضى المحيل الدين بعد الحوالة برأت ذمة المحال عليه
فإن كان ذلك بمسألة رجع المحيل عليه، وإن تبرع لم يرجع.
33

المسألة 10 - لو أحال على برئ وقبل المحال عليه هل له الرجوع
على المحيل بمجرده أو ليس له إلا بعد أداء الدين للمحتال؟ الأقرب الثاني.
المسألة 11 - لو أحال البائع مع له عليه دين على المشتري أو أحال
المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ثم تبين بطلان البيع بطلت الحوالة
بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة، فإنه تبقى الحوالة ولم تتبع
البيع فيه.
المسألة 12 - إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال
دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال وجب عليه دفعه إليه، ولو لم يدفع فله
الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته.
القول في الكفالة
وهي التعهد والالتزام لشخص باحضار نفس له عليها حق، وهي
عقد واقع بين الكفيل والمكفول له، وهو صاحب الحق، والايجاب من
الأول، ويكفي فيه كل لفظ دال على المقصود نحو كفلت لك نفس فلان
أو أنا كفيل لك باحضاره ونحوه ذلك، والقبول من الثاني بما دل على
الرضا بذلك.
المسألة 1 - يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكن من
الاحضار، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل، فيصح الكفالة
للصبي والمجنون إذا قبلها الولي.
المسألة 2 - لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له، والأقوى
عدم اعتبار رضا المكفول، وعدم كونه طرفا للعقد، نعم مع رضاه يلحق
بها بعض الأحكام زائدا على المجردة منه، والأحوط اعتبار رضاه وأن
34

يكون طرفا للعقد بأن يكون عقدها مركبا من ايجاب وقبولين من المكفول له
والمكفول.
المسألة 3 - كل من عليه حق مالي صحت الكفالة ببدنة، ولا يشترط
العلم بمبلغ ذلك المال، نعم يشترط أن يكون المال ثابتا في الذمة بحيث
يصح ضمانه، فلو تكفل باحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه كمن جعل
الجعالة قبل أن يعمل العامل لم تصح، وكذا تصح كفالة كل من يستحق
على الحضور إلى مجلس الشرع بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم
البينة عليه بالحق، وكذا تصح كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق
كعقوبة القصاص دون من عليه عقوبة من حقوق الله تعالى كالحد والتعزير
فإنها لا تصح.
المسألة 4 - يصح إيقاع الكفالة حالة لو كان الحق ثابتا على المكفول
كذلك ومؤجلة، ومع الاطلاق تكون حالة مع ثبوت الحق كذلك،
ولو كانت مؤجلة تلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة ونقصا.
المسألة 5 - عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلا بالإقالة، ويجوز
جعل الخيار فيه لكل من الكفيل والمكفول له مدة معينة.
المسألة 6 - إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جاز مطالبة المكفول له
الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة مطلقة على ما مر أو معجلة
وبعد الأجل إذا كانت مؤجلة، فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل
تسليمه إلى المكفول له، فإن سلمه له بحيث يتمكن منه فقد برأ مما عليه،
وإن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم، فيحبه حتى يحضره أو يؤدي
ما عليه في مثل الدين، وأما في مثل حق القصاص والكفالة عن الزوجة
فيلزم بالاحضار، ويحبس حتى يحضره ويسلمه، وإن كان غائبا فإن علم
موضعه ويمكن للكفيل إحضاره أمهل بقدر ذهابه ومجيئه، فإذا مضى
35

ولم يأت به من غير عذر حبس كما مر، وإن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف
موضعه وانقطع خبره فمن رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلف
باحضاره وحبسه لذلك خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه، وأما إلزامه
بأداء الدين في هذه الصورة فمحل تأمل، نعم لو أدى تخلصا من الحبس
يطلق، ومع عدم الرجاء لم يكلف باحضاره، والأقرب إلزامه بأداء الدين
خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه، بأن طالبه المكفول له وكان متمكنا
منه ولم يحضره حتى هرب، نعم لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب
العادة حال عقد الكفالة يشكل صحتها، وأما لو عرض ذلك فالظاهر
عدم عروض البطلان خصوصا إذا كان بتفريط من الكفيل، فلا يبعد
حينئذ إلزامه بالأداء أو حبسه حتى يتخلص به خصوصا في هذه الصورة.
المسألة 7 - لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال فإن لم يأذن له
المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أداه، وإن
أذن له في الأداء كان له الرجوع سواء أذن له في الكفالة أيضا أم لا
وإن أذن له في الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا؟ لا يبعد أن
يفصل بين ما إذا أمكن له إرجاعه وإحضاره فالثاني وما إذا تعذر فالأول.
المسألة 8 - لو عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين، فلا يجب
عليه تسليمه في غيره ولو طلب ذلك المكفول له، كما أنه لو سلمه في غيره
لم يجب على المكفول له تسلمه، ولو أطلق ولم يعين مكانه فإن أوقعا العقد
في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه، وإن أوقعاه في برية أو
بلد غربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه فإن كانت قرينة على
التعيين فهو، وإلا بطلت الكفالة من أصلها وإن كان في إطلاقه إشكال.
المسألة 9 - يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لاحضار
المكفول حتى أنه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر لم تكن فيها مفسدة
36

أو مضرة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوبها، ولو كان غائبا واحتاج حمله
إلى مؤونة فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه، ولو صرفها الكفيل
لا بعنوان التبرع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها وإن لم تكن
بإذنه فعلى الكفيل.
المسألة 10 - تبرأ ذمة الكفيل باحضار المكفول أو حضوره وتسليمه
نفسه تاما عن قبل الكفيل، وأما حضوره وتسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر
عدم براءة ذمته، وكذا لو أخذه المكفول له طوعا أو كرها بحيث تمكن
من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم، نعم لو أبرئ المكفول عن
الحق الذي عليه أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمته.
المسألة 11 - لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى
غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة.
المسألة 12 - لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف
ما لو مات المكفول له، فإن حقه منها ينتقل إلى ورثته.
المسألة 13 - من خلى غريما من يد صاحبه قهرا وإجبارا ضمن
إحضاره، ولو أدى ما عليه سقط ضمانه، هذا في مثل الدين، وأما في
مثل حق القصاص فيضمن إحضاره، ومع تعذره فمحل إشكال، ولو خلى
قاتلا من يد ولي الدم ضمن إحضاره، ومع تعذره فمحل إشكال، ولو خلى
قاتلا من يد ولي الدم ضمن إحضاره، ومع تعذره بموت ونحوه تؤخذ
منه الدية، هذا في القتل العمدي، وأما ما يوجب الدية فلا يبعد جريان
حكم الدين عليه من ضمان إحضاره، ولو أدى ما عليه سقط ضمانه.
المسألة 14 - يجوز ترامي الكفالات بأن يكفل الكفيل آخر ويكفل
هذا آخر وهكذا، وحيث أن الكل فروع الكفالة الأولى وكل لاحق فرع.
سابقه فلو أبرأ المستحق الكفيل الأول أو أحضر الأول المكفول الأول أو
37

مات أحدهما برأوا أجمع، ولو أبرأ المستحق بعض من توسط برأ هو ومن
بعده دون من قبله، وكذا لو مات برأ من كان فرعا له.
المسألة 15 - يكره التعرض للكفالات، فعن الصادق عليه السلام
" الكفالة خسارة غرامة ندامة ".
38

كتاب الوكالة
وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته، أو إرجاع تمشية
أمر من الأمور إليه له حالها، وهي عقد يحتاج إلى إيجاب بكل ما دل
على هذا المقصود، كقوله وكلتك أو أنت وكيلي في كذا أو فوضته
إليك ونحوها، بل الظاهر كفاية قوله: بع داري قاصدا به التفويض
المذكور فيه، وقبول بكل ما دل على الرضا به، بل الظاهر أنه يكفي
فيه فعل ما وكل فيه بعد الايجاب، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة بأن سلم
إليه متاعا ليبيعه فتسلمه لذلك، بل لا يبعد تحققها بالكتابة من طرف
الموكل والرضا بما فيها من طرف الوكيل وإن تأخر وصولها إليه مدة،
فلا يعتبر فيها الموالاة بين ايجابها وقبولها، وبالجملة يتسع الأمر فيها بما
لا يتسع في غيرها، حتى أنه لو قال الوكيل: " أنا وكيلك في بيع دارك " مستفهما
فقال: " نعم " صح وتم وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود.
المسألة 1 - يشترط فيها على الأحوط التنجيز بمعنى عدم تعليق أصل
الوكالة على شئ كقوله مثلا إذا قدم زيد أو هل هلال الشهر وكلتك في
كذا، نعم لا بأس بتعليق متعلقها كقوله أنت وكيلي في أن تبيع داري
39

إذا قدم زيد أو وكلتك في شراء كذا في وقت كذا.
المسألة 2 - يشترط في كل من الموكل والوكيل البلوغ والعقل والقصد
والاختيار، فلا يصح التوكيل ولا التوكيل من الصبي والمجنون والمكره،
نعم لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرد إجراء العقد على الأقرب،
فيصح توكيله فيه إذا كان مميزا مراعيا للشرائط، ويشترط في الموكل كونه
جائز التصرف فيما وكل فيه، فلا يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فليس
فيما حجر عليهما فيه دون غيره كالطلاق، أن يكون إيقاعه جائزا له
ولو بالتسبيب، فلا يصح منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد
إن كان محرما، وفي الوكيل كونه متمكنا عقلا وشرعا من مباشرة ما تكول
فيه، فلا تصح وكالة المحرم فيما لا يجوز له كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع
عقد النكاح.
المسألة 3 - لا يشترط في الوكيل الاسلام، فتصح وكالة الكافر
- بل والمرتد وإن كان عن فطرة - عن المسلم والكافر، إلا فيما لا يصح
وقوعه من الكافر كابتياع المصحف لكافر وكاستيفاء حق من المسلم أو
مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم.
المسألة 4 - تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممن
لا حجر عليه.
المسألة 5 - لو جوزنا للصبي بعض التصرفات في ماله كالوصية
بالمعروف لمن بلغ عشر سنين جاز له التوكيل فيما جاز له.
المسألة 6 - ما كان شرطا في الموكل والوكيل ابتداء شرط فيهما
استدامة، فلو جنا أو أغمي عليهما أو حجر على الموكل فيما وكل فيه
بطلت الوكالة على الأحوط، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل
جديد.
40

المسألة 7 - يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه وأن يكون
للموكل سلطنة شرعا على إيقاعه، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة
والقمار ونحوها، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه، ولا تعتبر
القدرة عليه خارجا مع كونه مما يصح وقوعه منه شرعا، فيجوز لمن
لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكل فيه من يقدر عليه.
المسألة 8 - لو لم يتمكن شرعا أو عقلا من إيقاع أمر إلا بعد
حصول أمر غير حاصل حين التوكيل كتطليق امرأة لم تكن في حبالته
وتزويج من كانت مزوجة أو معتدة ونحو ذلك فلا إشكال في جواز التوكيل
فيه تبعا لما تمكن منه، بأن يوكله في ايقاع المرتب عليه ثم إيقاع ما رتب
عليه، بأن يوكله مثلا في تزويج امرأة له ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه
ونحو ذلك، كما أن الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلي يكون هو
من مصاديقه، كما لو وكله على جميع أموره فيكون وكيلا في المتجدد في
ملكه بهبة أو إرث بيعا ورهنا وغيرهما، وأما التوكيل استقلالا في خصوصه
من دون التوكيل في المرتب عليه ففيه إشكال، بل الظاهر عدم الصحة
من غير فرق بين ما كان المرتب عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدة
أو قابلا، فلا يجوز أن يوكل في تزويج المعتدة بعد انقضاء عدتها والمزوجة
بعد طلاقها، وكذا في طلاق زوجة سينكحها أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك.
مسألة 9 - يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا لتفويض إلى الغير
بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكل، فلو تقبل عملا بقيد المباشرة لا يصح
التوكيل فيه، وأما العبادات البدنية كالصلاة والصيام والحج وغيرها
فلا يصح فيها التوكيل وإن فرض صحة النيابة فيها عن الحي كالحج عن
العاجز أو عن الميت كالصلاة وغيرها، فإن النيابة غير الوكالة اعتبارا،
نعم تصح الوكالة في العبادات المالية كالزكاة والخمس والكفارات إخراجا
41

وإيصالا إلى المستحق.
مسألة 10 - يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة
والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن
والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح إيجابا وقبولا في الجميع
وكذا في الوصية والوقف والطلاق والابراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها وفسخ
العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه، والظاهر صحته في الرجوع إلى
المطلقة الرجعية إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسكا بالزوجية
حتى يرتفع به متعلق الوكالة، ولا يبعد صحته في النذر والعهد والظهار،
ولا يصح في اليمين واللعان والايلاء والشهادة والاقرار على إشكال في الأخير.
مسألة 11 - يصح التوكيل في القبض والاقباض في موارد لزومهما
كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين، والسلم بالنسبة إلى
الثمن، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها.
مسألة 12 - يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا،
بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها أو بأن توكل الغير عن
الزوج أو عن نفسها.
مسألة 13 - تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب
وغيرهما، فإذا وكل شخصا فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكا له.
مسألة 14 - يشترط في الموكل فيه التعيين بأن لا يكون مجهولا أو
مبهما، فلو قال:: " وكل تك على أمر من الأمور " لم يصح، نعم لا بأس
بالتعميم والاطلاق كما يأتي.
مسألة 15 - الوكالة إما خاصة وإما عامة وإما مطلقة، فالأولى
ما تعلقت بتصرف معين في شئ معين، كما إذا وكله في شراء بيت معين،
وهذا مما لا إشكال في صحته، والثانية إما عامة من جهة التصرف وخاصة
42

من جهة، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره المعينة
وإما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه، وإما عامة من الجهتين
كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع
ما كان له فيما يتعلق به بجميع أنواعه بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته
وكذا الثالثة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقة،
كما لو قال: " أنت وكيلي في أمر داري " وكذا لو قال: " أنت وكيلي في
بيع داري " مقابل المقيد بثمن معين أو شخص معين، وقد يكون بالعكس
كما لو قال: أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي أو في بيع ملكي، وقد تكون
مطلقة من الجهتين، كما لو قال: " أنت وكيلي في التصرف في مالي، وربما
يكون التوكيل بنحو التخيير بين أمور: إما في التصرف دون المتعلق،
كما لو قال: أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها "
وإما في المتعلق فقط، كما لو قال: " أنت وكيلي في بيع هذه الدار أو هذه
الدابة أو هذه الفرش " مثلا، والظاهر صحة الجميع.
مسألة 16 - لا بد أن يقتصر الوكيل في التصرف في الموكل فيه على
ما شمله عقد الوكالة صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة قرائن حالية أو مقالية
ولو كانت هي العادة الجارية على أن التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر
آخر، كما لو سلم إليه المبيع ووكله في بيعه أو سلم إليه الثمن ووكله في
الشراء. وبالجملة لا بد في صحة التصرف من شمول الوكالة له.
مسألة 17 - لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد
الوكالة فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على إجازة
الموكل، ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة كما إذا وكله في بيع
داره فآجرها أو ببعض الخصوصيات كما إذا وكله في بيعها نقدا فباع نسيئة
أو بخيار فباع بدونه، نعم لو علم شموله لفاقد الخصوصية أيضا صح في
43

الظاهر، كما إذا وكله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين، فإن الظاهر
بل المعلوم من حال الموكل أن تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة، ومن
هذا القبيل ما إذا وكله في البيع في سوق معين بثمن معين فباعها في غيره
بذلك الثمن، فإن الظاهر أن مراده تحصيل الثمن، هذا بحسب الظاهر،
وأما الصحة الواقعية فتابعة للواقع، ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائي
في التحديد لم يجز التعدي، ومعه فضولي في الظاهر والواقع تابع للواقع.
مسألة 18 - يجوز للولي كالأب والجد للصغير أن يوكل غيره فيما
يتعلق بالمولى عليه مما له الولاية عليه.
مسألة 19 - لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في إيقاع ما توكل فيه
لا عن نفسه ولا عن الموكل إلا بإذنه، ومع يجوز بكلا النحوين، فإن
عين أحدهما فهو المتبع، ولا يجوز التعدي عنه، ولو قال مثلا: " وكلتك
في أن توكل غيرك " فهو إذن في توكيل الغير عن الموكل، والظاهر أنه
كذلك لو قال: " وكل غيرك " وإن لا يخلو من تأمل.
مسألة 20 - لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل كان في عرض
الأول، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات يبقى الثاني
على وكالته، ولو كان وكيلا عنه كان له عزله، وكانت وكالته تبعا
لوكالته، فينعزل بانعزاله أو موته، ولا يبعد أن يكون للموكل عزله من
دون عزل الوكيل الأول.
مسألة 21 - يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد،
فإن صرح الموكل بانفرادهما أو كان لكلامه ظاهر متبع في ذلك جاز لكل
منهما الاستقلال في التصرف من دون مراجعة الآخر، وإلا لم يجز الانفراد
لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرح بالانضمام والاجتماع
أو أطلق بأن قال مثلا وكلتكما أو أنتما وكيلاي ونحو ذلك، ولو مات
44

أحدهما بطلت الوكالة رأسا مع شرط الاجتماع أو الاطلاق المنزل منزلة
وبقيت وكالة الباقي لو وكل بالانفراد.
مسألة 22 - الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل
نفسه مع حضور الموكل وغيبته، وكذا للموكل أن يعز له، لكن انعزاله
بعزله مشروط ببلوغه إياه، فلو أنشأ عز له ولم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل
فلو أمضى أمرا قبل أن يبلغه ولو باخبار ثقة كان نافذا.
مسألة 23 - تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكل وإن
لم يعلم الوكيل بموته، وبعروض الجنون على كل منهما على الأقوى في
الاطباقي، وعلى الأحوط في غيره، وباغماء كل منهما على الأحوط، وبتلف
ما تعلقت به الوكالة، وبفعل الموكل - ولو بالتسبيب - ما تعلقت به، كما
لو وكله في بيع سلعة ثم باعها، أو فعل ما ينافيه كما وكله في بيع شئ
ثم أوقفه.
مسألة 24 - يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكل من المدعي
والمدعي عليه، بل يكره لذوي المروءات من أهل الشرف والمناصب الجليلة
أن يتولوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم خصوصا إذا كان الطرف بذي اللسان،
ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
مسألة 25 - وكيل المدعي وظيفته بث الدعوى على المدعى عليه عند
الحاكم، وإقامة البينة وتعديلها، وتحليف المنكر، وطلب الحكم على الخصم
وبالجملة كل ما هو وسيلة إلى الاثبات، ووكيل المدعى عليه وظيفته
الانكار، والطعن على الشهود، وإقامة بينة الجرح، ومطالبة الحاكم بسماعها
والحكم بها، وبالجملة عليه السعي في الدفع ما أمكن.
مسألة 26 - لو ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مدافعة وكيله عنه
الأداء أو الابراء انقلب مدعيا وصارت وظيفة وكيله إقامة البينة على هذه
45

الدعوى وغيرها مما هو وظيفة المدعي، وصارت وظيفة خصمه الانكار
وغيره من وظائف المدعى عليه.
مسألة 27 - لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله، فلو أقر
وكيل المدعي القبض أو الابراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأن الحق
مؤجل أو أن البينة فسقة أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل،
وبقيت الخصومة على حالها سواء أقر في مجلس الحكم أو غيره، وينعزل بذلك
وتبطل وكالته، لأنه بعد الاقرار ظالم في الخصومة بزعمه.
مسألة 28 - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن عن الحق أو الابراء
منه إلا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص.
مسألة 29 - يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الأمور
فإن لم يصرح باستقلال كل منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقل بها
أحدهما، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كل منهما صاحبه ويعينه على
ما فوض إليهما.
مسألة 30 - لو وكل رجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته
واستيفاء حقوقه مطلقا أو في خصومة شخصية ثم قدم الوكيل خصما لموكله
وأقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادعى عند الحاكم
وكالته في الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادعى عند الحاكم
وكالته في الدعوى وأقام البينة عنده عليهما، وأما إذا ادعاها من دون بينة
فإن لم يحضر خصما عنده أو أحضر ولم يصدقه في وكالته لم يسمع دعواه
ولو صدقه فيها فالظاهر أنه يسمع دعواه لكن لم تثبت بذلك وكالته عن
موكله بحيث تكون حجة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقية المدعي
يلزم المدعى عليه بالحق، ولو قضت بحقية المدعى عليه فالمدعي على حجته
فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها، وللمدعى عليه أو وكيل المدعي
إقامة البينة على ثبوت الوكالة، ومع ثبوتها بها تثبت حقية المدعى عليه
46

في مهية الدعوى
مسألة 31 - لو وكله في الدعوى وتثبت حقه على خصمه لم يكن
له بعد الاثبات قبض الحق، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت
عليه إلى الوكيل.
مسألة 32 - لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه
الحق لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحق عليه ما لم يكن
وكيلا في الخصومة.
مسألة 33 - يجوز التوكيل بجعل وبغيره، وإنما يستحق الجعل في
الأول بتسليم العمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له
جعلا فله المطالبة به بمجرد إتمام المعاملة وإن لم يتسلم الموكل الثمن أو المثمن
وكذا لو وكله في المرافعة وتثبيت الحق استحقه بمجرد إثباته وإن يتسلمه
الموكل.
مسألة 34 - لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء
لم يكن له مطالبة وارثه إلا أن تشملها الوكالة.
مسألة 35 - لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة
فقال زيد: خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان - أي موكله - فأخذها
صار وكيل زيد في قضاء دينه، وكانت الدراهم باقية على ماله زيد
ما لم يقبضها صاحب الدين، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون
ما لم يقبضها صاحب الدين، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون
بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء إلا أن يكون توكيل المديون بنحو
لا يشمل قبض الوكيل، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقق
القبض من الدائن بنحو مما ذكر، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله،
ولو قال: خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضا للموكل
وبرأت ذمة زيد، وليس له الاسترداد.
47

مسألة 36 - الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلا مع
التفريط أو التعدي، كما إذا لبس ثوبا أو حمل على دابة كان وكيلا في
بيعهما لكن لا تبطل بذلك وكالته، فلو باع الثوب بعد لبسه صح بيعه،
وإن كان ضامنا له لو تلف قبل أن يبيعه، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن
ضمانه، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع.
مسألة 37 - لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي
لم يضمنه الوكيل إلا إذا وكله في أن يودعه مع الاشهاد فخالف، وكذا
لحال لو وكله في قضاء دينه فأداه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
مسألة 38 - لو وكله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرح بكون
البيع أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا إشكال، وإن أطلق وقال:
أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فهل يعم
نفسي الوكيل فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه
أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الأول وأحوطهما الثاني.
مسألة 39 - لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره، ولو اختلفا
في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل، ولو اختلفا في دفع
المال إلى الموكل فالظاهر أن القول قول الموكل خصوصا إذا كانت الوكالة
بجعل، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصي والموصى له في دفع المال
الموصى به إليه، والأولياء حتى الأب والجد إذا اختلفوا مع المولى عليه
بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه، فإن القول قول المنكر في جميع
ذلك، نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الانفاق عليهم أو على
ما يتعلق بهم في زمان ولايتهم فالظاهر أن القول قول الأولياء بيمينهم.
48

كتاب الاقرار
الذي هو الاخبار الجازم بحق لازم على المخبر أو بما يستتبع حقا أو
حكما عليه، أو بنفي حق له أو ما يستتبعه كقوله: له أو لك علي كذا،
أو عندي أو في ذمتي كذا، أو هذا الذي في يدي لفلان، أو أني جنيت
على فلان بكذا، أو سرقت أو زنيت ونحو ذلك مما يستتبع القصاص أو
الحد الشرعي، أو ليس لي على فلان حق، أو أن ما أتلفه فلان ليس
مني وما أشبه ذلك بأي لغة كان، بل يصح إقرار العربي بالعجمي وبالعكس،
والهندي بالتركي وبالعكس إذا كان عالما بمعنى ما تلفظ به في تلك اللغة،
والمعتبر فيه الجزم بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به، فلو قال:
أظن أو أحتمل أن لك علي كذا ليس إقرار.
مسألة 1 - يعتبر في صحة الاقرار بل في حقيقته وأخذ المقر باقراره
كونه دالا على الاخبار المزبور بالصراحة أو الظهور، فإن احتمل إرادة
غيره احتمالا يخل بظهوره عند أهل المحاورة لم يصح، وتشخيص ذلك
راجع إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلمات العادية، فكل كلام
ولو لخصوصية مقام يفهم منه أهل اللسان أنه قد أخبر بثبوت حق عليه
49

أو سلب حق عن نفسه من غير ترديد كان إقرارا، وإن لم يفهم منه ذلك
من جهة تطرق الاحتمال الموجب للترديد والاجمال لم يكن إقرارا.
مسألة 2 - لا يعتبر في الاقرار صدوره من المقر ابتداء أو كونه
مقصودا بالإفادة، بل يكفي كونه مستفادا من تصديقه لكلام آخر واستفادته
من كلامه بنوع من الاستفادة، كقوله: " نعم " في جواب من قال: " لي عليك
كذا " أو " أنت جنيت على فلان " وكقوله في جواب من قال: " استقرضت
مني ألفا " أو " لي عليك ألف ": رددته " أو " أديته " فإنه إقرار بأصل ثبوت
الحق ألفا " أو " لي عليك ألف ": " رددته " أو " أديته " فإنه إقرار بأصل ثبوت
الحق عليه ودعوى الدار التي تسكنها لي ": " اشتريتها منك " فإن الاخبار بالاشتراء
اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه، نعم قد توجد قرائن
على أن تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقيا فلم يتحقق الاقرار، بل دخل
في عنوان الانكار، كما إذا قال في جواب من قال: " لي عليك ألف دينار ":
" نعم " أو " صدقت " مع صدور حركات منه دلت على أنه في مقام
الاستهزاء والتهكم وشدة التعجب والانكار.
مسألة 3 - يشترط في المقر به أن يكون أمرا لو كان المقر صادقا
في إخباره كان للمقر له حق الالزام عليه ومطالبته به، بأن يكون مالا
في ذمته عينا أو منفعة أو عملا أو ملكا تحت يده أو حقا يجوز مطالبته،
كحق الشفعة والخيار والقصاص، وحق الاستطراق في درب مثلا،
وإجراء الماء في نهر، ونصب الميزاب في ملك، ووضع الجذوع على حائط
أو يكون نسبا أوجب نقصا في الميراث أو حرمانا في حق المقر وغير ذلك
أو كان للمقر به حكم وأثر كالاقرار بما يوجب الحد.
مسألة 4 - إنما ينفذ الاقرار بالنسبة إلى المقر، ويمضي عليه فيما
يكون ضررا عليه، لا بالنسبة إلى غيره ولا فيما يكون فيه نفع له، فإن
50

أقر بأبوة شخص له ولم يصدقه ولم ينكره يمضي إقراره في وجوب النفقة
عليه لا في نفقة على المقر أو في توريثه.
مسألة 5 - يصح الاقرار بالمجهول والمبهم، ويقبل من المقر ويلزم
ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الابهام، ويقبل منه ما فسره به، ويلزم به
لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون
مرادا منه، فلو قال: " لك عندي شئ " ألزم بالتفسير فإن فسره بأي
شئ صح كونه عنده يقبل منه وإن لم يكن متمولا كهرة مثلا أو نعل
خلق لا يتمول، وأما لو قال: " لك عندي مال " لم يقبل منه إلا إذا كان
ما فسره من الأموال عرفا وإن كانت ماليته قليلة جدا.
مسألة 6 - لو قال: " لك أحد هذين " مما كان تحت يده أو " لك علي
إما وزنة من حنطة أو شعير " ألزم بالتفسير وكشف الابهام، فإن عين
ألزم به لا بغيره، فإن لم يصدقه المقر له وقال: " ليس لي ما عينت " فإن
كان المقر به في الذمة سقط حقه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الاخبار
عن الواقع لا إنشاء الاسقاط لو جوزناه بمثله، وإن كان عينا كان بينهما
مسلوبا بحسب الظاهر عن كل منهما، فيبقى إلى أن يتضح الحال، ولو برجوع
المقر عن إقراره أو المنكر عن إنكاره، ولو ادعى عدم المعرفة حتى يفسره
فإن صدقه المقر له وقال: أنا أيضا لا أدري فالأقوى القرعة وإن كان
الأحوط التصالح، وإن ادعى المعرفة وعين أحدهما فإن صدقه المقر فذاك
وإلا فله أن يطالبه بالبينة، ومع عدمها فله أن يحلفه، وإن نكل أو
لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا، فلا محيص عن التخلص
بما ذكر فيه.
مسألة 7 - كما لا يضر الابهام والجهالة في المقر به لا يضران في
المقر له، فلو قال: " هذه الدار التي يبدي لأحد هذين يقبل " ويلزم بالتعيين
51

فمن عينه يقبل، ويكون هو المقر له، فإن صدقه الآخر فهو، وإلا تقع
المخاصمة بينه وبين من عينه المقر، ولو ادعى عدم المعرفة وصدقاه فيه
سقط عنه الالزام بالتعيين، ولو ادعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول
قوله بيمينه.
مسألة 8 - يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا اعتبار
باقرار الصبي والمجنون والسكران، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره،
نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إن تعليق بما له أن يفعله، كالوصية بالمعروف
ممن له عشر سنين.
مسألة 9 - إن أقر السفيه المحجور عليه بمال في ذمته أو تحت يده
لم يقبل، ويقبل فيما عدا المال كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء،
وكذا في كل ما أقر به وهو يشتمل على مال وغيره لم يقبل بالنسبة إلى
المال كالسرقة، فيحد إن أقر بها، ولا يلزم بأداء المال.
مسألة 10 - يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا ولاحقا، لكن
لم يشارك المقر له مع الغرماء بتفصيل مر في كتاب الحجر، كما مر
الكلام في إقرار المريض بمرض الموت، وأنه نافذ إلا مع التهمة فينفذ
بمقدار الثلث.
مسألة 11 - لو ادعى الصبي البلوغ فإن ادعاه بالانبات اختبر،
ولا يثبت بمجرد دعواه، وكذا إن ادعاه بالسن، فإنه يطالب بالبينة،
وأما لو ادعاه بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين
بل معها محل تأمل وإشكال.
مسألة 12 - يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق،
فلو أقر لدابة بالدين لغا، وكذا لو أقر لها بملك، وأما لو أقر لها
باختصاصها بجل ونحوه كأن يقول: " هذا الجل مختص بهذا الفرس " أو لهذا
52

مريدا به ذلك فالظاهر أنه يقبل ويحكم بمالكية مالكها، كما أنه يقبل لو أقر
لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال خارجي أو
دين، حيث إن المقصود منه في التعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها
من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.
مسألة 13 - لو كذب المقر له المقر في إقراره فإن كان المقر به
دينا أو حقا لم يطالب به المقر، وفرغت ذمته في الظاهر، وإن كان عينا
كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر، فتبقى في يد المقر أو الحاكم إلى أن
يتبين مالكها، هذا بحسب الظاهر، وأما بحسب الواقع فعلى المقر بينه وبين
الله تعالى تفريغ ذمته من الدين، وتخليص نفسه من العين بالايصال إلى
المالك وإن كان بدسه في أمواله، ولو رجع المقر له عن إنكاره يلزم المقر
بالدفع مع بقائه على إقراره، وإلا ففيه تأمل.
مسألة 14 - لو أقر بشئ ثم عقبه بما يضاده وينافيه يؤخذ باقراره
ويلغى ما ينافيه، فلو قال: " له علي عشرة لا بل تسعة " يلزم بالعشرة،
ولو قال: " له علي كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار " يلزم بالمال
ولا يسمع منه ما عقبه، وكذا لو قال: " عندي وديعة وقد هلكت " فإن
إخباره بتلفها ينافي قوله: " عندي " الظاهر في وجودها عنده، نعم لو قال:
" كانت له عندي وديعة وقد هلكت " فلا تنافي بينهما، وهو دعوى لا بد
من فصلها على الموازين الشرعية.
مسألة 15 - ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقر به
ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت ونفس المستثني إن كان من المنفى،
فلو قال: " هذه الدار التي بيدي لزيد إلا القبة الفلانية " كان إقرارا بما عداها
ولو قال: " ليس له من هذه الدار إلا القبة الفلانية " كان إقرارا بها، هذا
إذا كان الاخبار متعلقا بحق الغير عليه، وأما لو كان متعلقا بحقه على الغير
53

كان الأمر بالعكس، فلو قال: " لي هذه الدار إلا القبة الفلانية " كان إقرارا
بالنسبة إلى نفي حقه عن القبة، فلو ادعى بعده استحقاق تمام الدار لم يسمع
منه، ولو قال: " ليس لي من هذه الدار إلا القبة الفلانية " كان إقرارا بعدم
استحقاق ما عدا القبة.
مسألة 16 - لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر كما إذا
قال: " هذه الدار لزيد " ثم قال: " لعمرو " حكم بكونها للأول
وأعطيت له، وأغرم للثاني بقيمتها.
مسألة 17 - من الأقارير النافذة الاقرار بالنسب كالبنوة والأخوة
ونحوها، والمراد بنفوذه إلزام المقر وأخذه باقراره بالنسبة إلى ما عليه من
وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك
وأما ثبوت النسب بينهما بحيث يترتب جميع آثاره ففيه تفصيل، وهو أنه
إن كان الاقرار بالولد وكان صغيرا غير بالغ يثبت به ذلك إن لم يكذبه
الحس والعادة - كالاقرار ببنوة من يقاربه في السن بما لم يجر العادة بتولده
من مثله - ولا الشرع - كاقراره ببنوة من كان ملتحقا بغيره من جهة الفراش
ونحوه - ولم ينازعه فيه منازع فينفذ إقراره، ويترتب عليه جميع آثاره،
ويتعدى إلى أنسابهما، فيثبت به كون ولد المقر به حفيدا للمقر، وولد المقر
أخا للمقر به، وأبيه جده، ويقع التوارث بينهما، وكذا بين أنسابهما بعضهم
مع بعض، وكذا الحال لو كان كبيرا وصدق المقر مع الشروط المزبورة،
وإن كان الاقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد فإن كان المقر به كبيرا
وصدقه أو صغيرا وصدقه بعد بلوغه مع إمكان صدقه عقلا وشرعا يتوارثان
إن لم يكن لهما وارث معلوم محقق، ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما من
أنسابهما حتى أولادهما، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقق غير
مصدق له لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلا بالبينة.
54

مسألة 18 - لو أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت
إلى إنكاره.
مسألة 19 - لو أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له وأنكر الآخر
لم يثبت نسب المقر به، فيأخذ المنكر نصف التركة، والمقر ثلثها بمقتضى
إقراره، والمقر به سدسها، وهو تكملة نصيب المقر وقد تنتقص بسبب اقراره.
مسألة 20 - لو كان للميت إخوة وزوجة فأقرت بولد له كان لها
الثمن والباقي للولد إن صدقها الإخوة، وإن أنكروه كان لهم ثلاثة أرباع،
وللزوجة الثمن، وباقي حصتها للولد.
مسألة 21 - لو مات صبي مجهول النسب فأقر شخص ببنوته فمع امكانه
وعدم منازع له يثبت نسبه وكان ميراثه له.
مسألة 22 - لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت أو بشئ من ماله
للغير كان مقبولا، ولو أقر بعضهم وأنكر بعض فإن أقر اثنان وكانا
عدلين ثبت الدين على الميت، وكذا العين للمقر له بشهادتهما، وإن
لم يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ اقرار المقر في حق نفسه خاصة،
ويؤخذ منه من الدين الذي أقر به مثلا بنسبة نصيبه من التركة، فإذا
كانت التركة مأة ونصيب كل من الوارثين خمسين فأقر أحدهما لأجنبي
بخمسين وكذبه الآخر أخذ المقر له من نصيب المقر خمسة وعشرين، وكذا
الحال فيما إذا أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى لأجنبي بشئ وأنكر الآخر
فإنه نافذ بالنسبة إليه لا غيره.
55

كتاب الهبة
وهي تمليك عين مجانا ومن غير عوض، وهذا هو المعنى الأعم منهما
وأما المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة، والأمر سهل.
وقد يعبر عنها بالعطية والنحلة، وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكل لفظ دل
على المقصد مثل " وهبتك " أو " ملكتك " أو " هذا لك " ونحو ذلك،
وقبول بما دل على الرضا، ولا يعتبر فيه العربية، والأقوى وقوعها بالمعاطاة
بتسليم العين وتسلمها بعنوانها.
مسألة 1 - يشترط في كل من الواهب والموهوب له القابل البلوغ
والعقل والقصد والاختيار، نعم يصح قبول الولي عن المولى عليه الموهوب له،
وفي الموهوب له أن يكون قابلا لتملك العين الموهوبة، فلا تصح هبة
المصحف للكافر، وفي الواهب كونه مالكا لها فلا تصح هبة مال الغير
إلا بإذنه أو إجازته، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس، وتصح من المريض
بمرض الموت وإن زاد على الثلث.
مسألة 2 - يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصح هبة المنافع
وأما الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحت بلا إشكال، ويعتبر فيها القبول
56

على الأقوى، وأفادت فائدة الابراء وليست به فإنها تمليك يحتاج إلى
القبول ويترتب عليها السقوط وهو إسقاط لما في الذمة، وإن كانت لغير
من عليه الحق فالأقوى صحتها أيضا، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه.
مسألة 3 - يشتري في صحة الهبة الموهوب له ولو في غير مجلس
العقد، ويشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط، نعم
لو وهب ما كان في يد الموهوب له صح، ولا يحتاج إلى قبض جديد
ولا مضي زمان يمكن فيه القبض، وكذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له
كالأب والجد للولد الصغير وقد وهبه ما في يده صح، وإن كان
الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة، ولو وهبه غير الولي فلا بد من
القبض، ويتولاه الولي.
مسألة 4 - القبض في الهبة كالقبض في البيع، وهو في غير المنقول
كالدار والبستان التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يصير تحت
استيلائه، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته
كوضعه في حجره مثلا.
مسألة 5 - يجوز هبة المشاع لامكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن
الشريك أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل الظاهر
تحقق القبض الذي هو شرط الصحة في المشاع باستيلاء المتهب عليه من
دون إذن الشريك أيضا، ويترتب عليه الأثر وإن كان تعديا بالنسبة إليه
في بعض الصور.
مسألة 6 - لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد،
فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان ولو بزمان كثير، ولو تراخى يحصل الانتقال
من حينه، فالنماء السابق على القبض للواهب.
مسألة 7 - لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد
57

وانتقل الموهوب إلى ورثته، ولا يقومون مقامه في الاقباض، وكذا لو مات
الموهوب له بطل، ولا يقومون ورثته مقامه في القبض.
مسألة 8 - إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت الذي رحم أبا كان أو كان أو
أما أو ولدا أو غيرهم لم يكن للواهب الرجوع في هبته، وإن كانت لأجنبي
كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية، فإن تلفت كلا أو بعضا بحيث
يصدق مع عدم قيام العين بعينها عرفا فلا رجوع، والأقوى أن الزوج
والزوجة بحكم الأجنبي، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر، وكذا
لا رجوع إن عوض المتهب عنها ولو كان يسيرا، من غير فرق بين ما كان
إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره، بأن أطلق العقد لكن
المتهب أثاب الواهب وأعطاه العوض، وكذا لا رجوع فيها لو قصد
الواهب فيها القربة إلى الله تعالى.
مسألة 9 - يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع والهبة، أو المغير
للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها والدقيق
يخبزه والثوب يفصله أو يصبغه ونحوها، دون غير المغير، كالثوب يلبسه
والفراش يفرشه والدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها، ومن الأول
على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز، ومن الثاني قصارة الثوب.
مسألة 10 - فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل
والبعض، فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما
بل لو وهبه شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو مفروزا.
مسألة 11 - الهبة إما معوضة أو غير معوضة، فالمراد بالأولى ما شرط
فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض أو عوض عنها وإن لم يشترط
فيها العوض.
مسألة 12 - لو وهب وأطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب
58

والعوض، سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي
وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاؤه، ولو أعطى العوض
لم يجب على الواهب قبوله، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد
منهما الرجوع فيما أعطاه.
مسألة 13 - لو اشترط الواهب في هبته على المتهب إعطاء العوض
بأن يهبه شيئا مكافأة وثوابا لهبته ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض
الموهوب يتخير بين رد الهبة ودفع العوض، والأحوط دفعه، فإن دفع
لزمت الهبة الأولى على الواهب، وإلا فله الرجوع فيها.
مسألة 14 - لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين،
ويلزم على المتهب على فرض عدم رد أصل الهبة بذل ما عين، ولو أطلق
بأن شرط عليه أن يثبت ويعوض ولم يعين العوض فإن اتفقا على قدر فذاك
وإلا فالأحوط أن يعوض مقدار الموهوب مثلا أو قيمة، وأحوط منه
تعويضه بأكثر خصوصا إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له.
مسألة 15 - الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن
يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا،
بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شئ بأن يشترط عليه أن يصالحه
عن مال أو حق، فإذا صالحه عنه وتحقق منه القبول فقد عوضه، ولم يكن له
الرجوع في هبته، وكذا يجوز أن يكون إبراء من حق أو إيقاع عمل له
كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحوه ذلك، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوضه.
مسألة 16 - لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له وكان في الموهوب
نماء منفصل حديث بعد العقد والقبض كالثمرة والحمل والولد واللبن في
الضرع كان من مال المتهب، ولا يرجع إلى الواهب، بخلاف المتصل
كالسمن، فإنه يرجع إليه، ويحتمل أن يكون ذلك مانعا عن الرجوع،
59

لعدم كون الموهوب معه قائما بعينه، بل لا يخلو من قوة، بل الظاهر
أن حصول الثمرة والحمل والولد أيضا من ذلك، فلا يجوز معها الرجوع،
نعم الدين في الضرع وأجرة البيت والحمام سيما أجرة المثل لو غصبهما غاصب
ليست منه فتكون بعد الرجوع للمتهب.
مسألة 17 - لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن
كانت لأجنبي ولم تكن معوضة، وليس لورثته الرجوع، وكذلك لو مات
الموهوب له فينتقل الموهب إلى ورثته انتقالا لازما.
مسألة 18 - لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة
بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة أو خرجت العين عن
كونها قائمة بعينها يقع البيع فضوليا، فإن أجاز المتهب صح، وإن كانت
غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه من الواهب وكان رجوعا في الهبة،
هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، وإلا ففي كونه رجوعا قهرا تأمل وإشكال
فلا يترك الاحتياط.
مسألة 19 - الرجوع إما بالقول كان يقول: " رجعت " وما يفيد
معناه، وإما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتهب، ومن ذلك
بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع.
مسألة 20 - لا يشترط في الرجوع اطلاع المتهب، فلو أنشأه من
غير اطلاعه صح.
مسألة 21 - يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيدا
بصلتهم ونهى شديدا عن قطيعتهم، فعن مولانا الباقر عليه السلام قال:
" في كتاب علي عليه السلام ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى
يرى وبالهن: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن
أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون
60

فتنمى أموالهم ويثرون، وإن اليمين الكاذبة وقطعية الرحم ليذران الديار
بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم، وإن نقل الرحم انقطاع النسل " وأولى
بذلك الوالدان اللذان أمر الله تعالى ببرهما، فعن أبي عبد الله عليه السلام
" إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: أوصني، قال: لا تشرك
بالله شيئا وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان، ووالديك
فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، إن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك
فافعل، فإن ذلك من الايمان " وأولى من الكل الأم التي يتأكد برها
وصلتها أزيد من الأب، فعن الصادق عليه السلام " جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال:
ثم إلى من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟
قال: أباك " والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانها.
مسألة 22 - يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية على
كراهية، وربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية
إلى الفساد، كما أنه ربما يرجح فيما إذا يؤمن من الفساد ويكون لبعضهم
خصوصية موجبة لأولوية رعايته.
61

كتاب الوقف وأخواته
وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة، وفيه فضل كثير وثواب جزيل،
ففي الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ليس يتبع الرجل بعد
موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري
بعد موته، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح
يدعو له " وبمضمونه روايات.
مسألة 1 - يعتبر في الوقف الصيغة، وهي كل ما دل على إنشاء
المعنى المذكور مثل " وقفت " و " حبست " و " سبلت "، بل و " تصدقت " إذا اقترن به
ما يدل على إرادته، كقوله: " صدقة مؤبدة لا تباع ولا توهب " ونحو ذلك،
وكذا مثل " جعلت أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة على كذا " ولا يعتبر
فيه العربية ولا الماضوية، بل يكفي الجملة الاسمية، مثل هذا وقت أو هذه
محبسة أو مسبلة.
مسألة 2 - لا بد في وقف المسجد من قصد عنوان المسجدية، فلو وقف
مكانا على صلاة المصلين وعبادة المسلمين صح لكن لم يصر به مسجدا
ما لم يكن المقصود عنوانه، والظاهر كفاية قوله: جعلته مسجدا " وإن لم يذكر
62

ما يدل على وقفه وحبسه، والأحوط أن يقول: وقفته مسجدا أو على
أن يكون مسجدا.
مسألة 3 - الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد والمقابر والطرق
والشوارع والقناطر والرباطات المعدة لنزول المسافرين والأشجار المغروسة
لانتفاع المارة بظلها أو ثمرها، بل ومثل البواري للمساجد والقناديل للمشاهد
وأشباه ذلك، وبالجملة ما كان محبسا على مصلحة عامة، فلو بنى بناء
بعنوان المسجدية وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلى فيه بعض الناس كفى
في وقفه وصيرورته مسجدا، وكذا لو عين قطعة من الأرض لأن تكون
مقبرة للمسلمين وخلى بينها وبينهم وأذن إذنا عاما للدفن فيها فدفنوا فيها
بعض الأموات، أو بنى قنطرة وخلتي بينها وبين العابرين فشرعوا في
العبور عليها، وهكذا.
مسألة 4 - ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنما هو فيما إذا
كان أصل البناء بقصد المسجدية بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجدا
خصوصا إذا حاز أرضا مباحة لأجل المسجد وبني فيها بتلك النية، وأما
إذا كان له بناء مملوك كدار أو خان فنوى أن يكون مسجدا وصرف الناس
بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه يشكل الاكتفاء به، وكذا الحال
في مثل الرباط والقنطرة.
مسألة 5 - لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف، وفي جريان
الفضولية فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه، لكن الأحوط خلافه.
مسألة 6 - الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة
كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها، وكذا الوقف على العناوين الكية
كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوهما، وأما الوقف الخاص كالوقف على
الذرية فالأحوط اعتباره فيه، فيقبله الموقوف عليهم، ويكفي قبول
63

الموجودين، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده، وإن كان
الموجودين صغارا أول فيهم صغار قام به وليهم، لكن الأقوى عدم اعتبار
القبول في الوقف الخاص أيضا، كما أن الأحوط رعاية القبول في الوقف
العام أيضا، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله.
مسألة 7 - الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتى في الوقف العام
وإن كان الأحوط اعتباره مطلقا.
مسألة 8 - يشترط في صحة الوقف القبض، ويعتبر فيه أن يكون
بإذن الواقف، ففي الوقف الخاص يعتبر قبض الموقوف عليهم، ويكفي
قبض الطبقة الأولى عن بقية الطبقات، بل يكفي قبض الموجودين من
الطبقة الأولى عمن سيوجد، ولو كان فيهم قاصر قام وليه مقامه، ولو قبض
بعض الموجودين دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض دون غيره، وأما
الوقف على الجهات العامة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها فإن جعل
الواقف له قيما ومتوليا اعتبر قبضه أو قبض الحاكم، والأحوط عدم
الاكتفاء بالثاني مع وجود الأول، ومع عدم القيم تعين الحاكم، وكذا
الحال في الوقف على العناوين الكلية كالفقراء والطلبة، وهل يكفي قبض
بعض أفراد ذلك العنوان بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلا؟
لعل الأقوى ذلك فيما إذا سلم الوقف إلى المستحق لاستيفاء ما يستحق،
كما إذا سلم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها، أو الدابة
الموقوفة على الزوار والحجاج للركوب إلى زائر وحاج فركبها، نعم لا يكفي
مجرد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين، فإذا وقف بستانا
على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شئ من ثمرته لبعض الفقراء مع كون
البستان تحت يده، بل لا يكفي ذلك في الاعطاء لولي العالم أو الخاص أيضا.
مسألة 9 - لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في القبض صلاة واحدة
64

فيه أو دفن ميت واحد فيها بإذن الواقف وبعنوان التسليم والقبض
مسألة 10 - لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده
وكذا كل ولي إذا وقف على المولى عليه ما كان تحت يده لم يحتج إلى
قبض حادث جديد، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه، بل لا يخلو
من وجه.
مسألة 11 - لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف
بعنوان الوديعة أو العارية مثلا لم يحتج إلى قبض جديد بأن يستردها ثم
يقبضها، نعم لا بد أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف. والأحوط
بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية.
مسألة 12 - فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولي كالوقف على الجهات
العامة لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر، ويكفي ما هو
حاصل والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنه متولي الوقف.
مسألة 13 - لا يشترط في في القبض الفورية، فلو وقف عينا في زمان
ثم أقبضها في زمان متأخر كفى، وتم الوقف من حين القبض.
مسألة 14 - لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف وكان ميراثا.
مسألة 15 - يشترط في الوقف الدوام بمعنى عدم توقيته بمدة،
فلو قال: " وقفت هذا البستان على الفقراء إلى سنة " بطل وقفا، وفي صحته
حبسا أو بطلانه كذلك أيضا وجهان، نعم لو قصد به الحبس صح.
مسألة 16 - لو وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده
واقتصر على بطن أو بطون ممن ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف بعد
انقراضهم ففي صحته وقفا أو حبسا أو بطلانه رأسا أقول، والأقوى هو
الأول، فيصح الوقف المنقطع الآخر بأن يكون وقفا حقيقة إلى زمان
الانقراض والانقطاع، وينقضي بعد ذلك ويرجع إلى الواقف أو ورثته،
65

بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محل منع.
مسألة 17 - الظاهر أن الوقف المؤبد يوجب زوال ملك الواقف،
وأما الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محل تأمل، بخلاف الحبس فإنه
باق معه على ملك الحابس ويورث، ويجوز له التصرفات غير المنافية
لاستيفاء المحبس عليه المنفعة إلا التصرفات الناقلة فإنها لا تجوز، بل الظاهر
عدم جواز رهنه أيضا، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور
محل منع.
مسألة 18 - لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف فهل
يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان، أظهرهما الأول
وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ثم مات الواقف
عن ولدين ومات بعده أحد الوالدين عن ولد قبل الانقراض ثم انقرض،
فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي، وعلى الأول يشاركه ابن أخيه.
مسألة 19 - من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيا على
الدوام لكن كان على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره، كما إذا
وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلا، فيصح
بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه دون غيره.
مسألة 20 - الوقف المنقطع الأول إن كان بجعل الواقف كما إذا
وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه، فإذا جاء رأس الشهر
المزبور فالأحوط تجديد الصيغة، ولا يترك هذا الاحتياط، وإن كان بحكم
الشرع بأن وقف أولا على ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره فالظاهر
صحته بالنسبة إلى من يصح، وكذا في المقطع الوسط كما إذا كان الموقوف
عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه بخلافه في الأول والآخر، فيصح
على الظاهر في الطرفين والأحوط تجديده عند انقراض الأول في الأول
66

والوسط في الثاني.
مسألة 21 - لو وقوف على جهة أو غيرها وشرط عوده إليه عند
حاجته صح على الأقوى، ومرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم يحتج إليه ويدخل
في منقطع الآخر، وإذا مات الواقف فإن كان بعد طرو الحاجة كان
ميراثا، وإلا بقي على وقفيته.
مسألة 22 - يشترط في صحة الوقف التنجيز على الأحوط، فلو
علقه على شرط متوقف الحصول كمجئ زيد أو على غير حاصل يقيني
الحصول فيما بعد كما إذا قال: " وقفت إذا جاء رأس الشهر " بطل على
الأحوط، نعم لا بأس بالتعليق على شئ حاصل سواء علم بحصوله أم لا،
كما إذا قال: " وقفت إن كان اليوم جمعة " وكان كذلك.
مسألة 23 - لو قال: " هو وقف بعد موتي " فإن فهم منه أنه وصية
بالوقف صح، وإلا بطل.
مسألة 24 - من شرائط صحة الوقف إخراج نفسه عنه، فلو وقف
على نفسه لم يصح، ولو وقف على نفسه وغيره فإن كان بنحو التشريك بطل
بالنسبة إلى نفسه دون غيره، وإن كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه
ثم على غيره فمن منقطع الأول، وإن كان بالعكس فمنقطع الآخر، وإن
كان على غيره ثم نفسه ثم غيره فنقطع الوسط، وقد مر حكم الصور.
مسألة 25 - لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا وشرط
أن يقضي ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة والخمس أو
ينفق عليه من غلة الوقف لم يصح، وبطل الوقف من غير فرق بين ما لو
أطلق الدين أو عين، وكذا بين أن يكون الشرط الانفاق عليه وإدرار
مؤونته إلى آخر عمره أو إلى مدة معينة، وكذا بين تعيين المؤونة وعدمه،
هذا كله إن رجع الشرط إلى الوقف لنفسه، وأما إن رجع إلى الشرط
67

على الموقوف عليهم بأن يؤدوا ما عليه أو ينفقوا عليه من منافع الوقف
التي صارت ملكا لهم فالأقوى صحته، كم أن الأقوى صحة استثناء مقدار
ما عليه من منافع الوقف، ثم إن في صورة بطلان الشرط تختلف الصور،
ففي بعضها يمكن أن يقال بالصحة بالنسبة إلى ما يصح كما لو شرك نفسه
مع غيره، وفي بعضها يصير من قبيل منقطع الأول، فيصح على الظاهر
فيما بعده، لكن الاحتياط باجراء الصيغة في مواردها لا ينبغي تركه.
مسألة 26 - لو شرط أكل أضيافه ومن يمر عليه من ثمرة الوقف
جاز، وكذا لو شرط إدرار مؤونة أهله وعياله وإن كان ممن يجب نفقته
عليه حتى الزوجة الدائمة إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتى تسقط
عنه وإلا رجع إلى الوقف على النفس.
مسألة 27 - لو آجر عينا ثم وقفها صح الوقف، وبقيت الإجارة
على حالها، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدة الإجارة، فإن انفسخت
بالفسخ أو الإقالة بعد تمامية الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر دون
الموقف عليهم.
مسألة 28 - لا إشكال في جواز انتفاع الواقف بالأوقاف على
الجهات العامة، كالمساجد والمدارس والقناطر والخانات المعدة لنزول المسافرين
ونحوها، وأما الوقف على العناوين العامة كفقراء المحل مثلا إذا كان الواقف
داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه فيما بعد فإن كان المراد
التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذ حصته من المنافع، بل يلزم
أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه ويقصد خروجه
عنه، ومن ذلك ما لو وقف شيئا على ذرية أبيه أو جده إن كان المقصود
البسط والتوزيع كما هو الشائع المتعارف فيه، وإن كان المراد بيان المصرف
كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء والزوار والحجاج ونحوهم،
فلا إشكال في خروجه وعدم جواز الانتفاع به إذا قصد خروجه، وأما
68

لو قصد الاطلاق والعموم بحيث يشمل نفسه فالأقوى جواز الانتفاع،
والأحوط خلافه، بل يكفي في جوازه عدم قصد الخروج، وهو أولى به
ممن قصد الدخول.
مسألة 29 - يعتبر في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر
لفلس أو سفه، فلا يصح وقف الصبي وإن بلغ عشرا على الأقوى، نعم
حيث إن الأقوى صحة وصية من بلغه كما يأتي فإن أوصى به صح وقف
الوصي عنه.
مسألة 30 - لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما، فيصح وقف الكافر
فيما يصح من المسلم على الأقوى، وفيما يصح منه على مذهبه إقرارا له
على مذهبه.
مسألة 31 - يعتبر في الموقوف أن يكون عينا مملوكة يصح الانتفاع به
منفعة محللة مع بقاء عينه بقاء معتدا به غير متعلق لحق الغير المانع من
التصرف ويمكن قبضه، فلا يصح وقف المنافع، ولا الديون، ولا ما لا يملك
مطلقا كالحر، أو لا يملكه المسلم كالخنزير، ولا ما لا انتفاع به إلا باتلافه
كالأطعمة والفواكه، ولا ما انحصر انتفاعه المقصود في المحرم كآلات اللهو
والقمار، ويلحق به ما كانت المنفعة المقصودة من الوقف محرمة، كما إذا
وقف الدابة لحمل الخمر أو الدكان لحرزها أو بيعها، وكذا لا يصح وقف
ريحانة للشم على الأصح، لعدم الاعتداد ببقائها، ولا العين المرهونة،
ولا ما له يمكن قبضه كالدابة الشاردة، ويصح وقف كل ما صح الانتفاع به
مع بقاء عينه بالشرائط، كالأراضي والدور والعقار والثياب والسلاح
والآلات المباحة والأشجار والمصاحف والكتب والحلي وصنوف الحيوان
حتى الكلب المملوك والسنور ونحوها.
مسألة 32 - لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا،
69

بل يكفي كونها معرضا للانتفاع ولو بعد مدة، فيصح وقف الدابة الصغيرة
والأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد سنين.
مسألة 33 - المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة
في العارية والإجارة، فتشمل النماءات والثمرات، فيصح وقف الأشجار
لثمرها والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها.
مسألة 34 - ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه على قسمين:
الوقف الخاص، وهو ما كان وقفا على شخص أو أشخاص، كالوقف
على أولاده وذريته أو على زيد وذريته، والوقف العام، وهو ما كان على
جهة ومصلحة عامة كالمساجد والقناطر والخانات أو على عنوان عام كالفقراء
والأيتام ونحوهما.
مسألة 35 - يعتبر في الوقف الخاص وجود الموقوف عليه حين
الوقف، فلا يصح الوقف ابتداء على المعدوم، ومن سيوجد بعد، وكذا
الحمل قبل أن يولد، والمراد بكونه ابتداء أن يكون هو الطبقة الأولى من
دون مشاركة موجود في تلك الطبقة، فلو وقف على المعدوم أو الحمل
تبعا للموجود بأن يجعل طبقة ثانية أو مساويا للموجود في الطبقة بحيث
شاركه عند وجوده صح بلا إشكال، كما إذا وقف على أولاده الموجودين
ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب، بل لا يلزم أن يكون في كل
زمان وجود الموقوف عليه وولادته، فلو وقف على ولده الموجود وعلى
ولد ولده بعده ومات الولد قبل ولادة ولده فالظاهر صحته، ويكون
الموقوف عليه بعد موته الحمل، فما لا يصل الوقف عليه هو المعدوم
أو الحمل ابتداء بنحو الاستقلال لا التبعية.
مسألة 36 - لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجود مصداقه
في كل زمان، بل يكفي إمكان وجوده مع وجوده فعلا في بعض الأزمان
70

فلو وقف بستانا مثلا على فقراء البلد ولم يكن في زمان الوقف فقير فيه
لكن سيوجد صح الوقف، ولم يكن من منقطع الأول، كما أنه مع فقده
بعد وجوده لم يكن منقطع الوسط بل هو باق على وقفيته، فيحفظ غلته
إلى أن يوجد.
مسألة 37 - يشترط في الموقوف عليه التعيين، فلو وقف على أحد
الشخصين أو أحد المسجدين لم يصح.
مسألة 38 - الظاهر صحة الوقف على الذمي والمرتد لا عن فطرة
سيما إذا كان رحما، وأما الكافر الحربي والمرتد عن فطرة فمحل تأمل.
مسألة 39 - لا يصح الوقف على الجهات المحرمة وما فيه إعانة على
المعصية، كمعونة الزنا وقطع الطريق وكتابة كتب الضلال، وكالوقف
على البيع والكنائس وبيوت النيران لجهة عمارتها وخدمتها وفرشها ومعلقاتها
وغيرها، نعم يصح وقف الكافر عليها.
مسألة 40 - لو وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد انصرف
إلى فقراء المسلمين، بل الظاهر أنه لو كان الواقف شيعيا انصرف إلى
فقراء الشيعة، ولو وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته،
فاليهود إلى اليهود، والنصارى إلى النصارى وهكذا، بل الظاهر أنه
لو كان الواقف مخالفا انصرف إلى فقراء أهل السنة، نعم الظاهر أنه
لا يختص بمن يوافقه في المذهب، فلا انصراف لو وقف الحنفي إلى الحنفي
والشافعي إلى الشافعي وهكذا.
مسألة 41 - لو كان أفراد عنوان الموقوف عليه منحصرة في أفراد
محصورة معدودة، كما لو وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة توزع منافع
الوقف على الجميع، وأن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب، لكن
لا يترك الاحتياط بمراعاة الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة، فتوزع على
71

جماعة معتد بها بحسب مقدار المنفعة.
مسألة 42 - لو وقف على فقراء قبيلة كبني فلان وكانوا متفرقين
لم يقتصر على الحاضرين، بل يجب تتبع الغائبين وحفظ حصتهم للايصال
إليهم، ولو صعب إحصاؤهم يجب الاستقصاء بمقدار الامكان وعدم الحرج
على الأحوط، نعم لو كان عدد فقراء القبيلة غير محصور كبني هاشم جاز
الاقتصار على الحاضرين، كما أن الوقف لو كان على الجهة جاز اختصاص
الحاضرين به، ولا يجب الاستقصاء.
مسألة 43 - لو وقف على المسلمين كان لمن أقر بالشهادتين إذا كان
الواقف ممن يرى أن غير أهل مذهبه أيضا من المسلمين، ولو وقف
الإمامي على المؤمنين اختص بالاثني عشرية، وكذا لو وقف على الشيعة.
مسألة 44 - لو وقف في سبيل الله يصرف في كل ما يكون وصلة
إلى الثواب، وكذلك لو وقف في وجوه البر.
مسألة 45 - لو وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف،
ولو وقف على الأقرب فالأقرب كان ترتيبا على كيفية طبقات الإرث.
مسألة 46 - لو وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى
ويقيم بينهم على السواء، ولو وقف على أولاده عم أولاده البنين.
والبنات ذكورهم وإناثهم بالسوية.
مسألة 47 - لو قال: " وقفت على ذريتي " عم البينات والبنات وأولادهم
بلا واسطة ومعا ذكروا وإناثا، وتشارك الطبقات اللاحقة مع السابقة،
ويكون على الرؤوس بالسوية، وكذا لو قال: " وقفت على أولادي
وأولاد أولادي " فإن الظاهر منهما التعميم لجميع الطبقات أيضا، نعم
لو قال: " وقفت على أولادي ثم على الفقراء " أو قال: " وقفت على أولادي
وأولاد أولادي ثم على الفقراء " فلا يبعد أن يختص بالبطن الأول في الأول
72

وبالبطنين في الثاني خصوصا في الصورة الأولى.
مسألة 48 - لو قال: " وقفت على أولادي نسلا بعد نسل وبطنا
بعد بطن " فالظاهر المتبادر منه عرفا أنه وقف ترتيب، فلا يشارك الولد
أباه ولا ابن الأخ عمه.
مسألة 49 - لو علم من الخارج وقفية شئ على الذرية ولم يعلم أنه
وقف تشريك أو ترتيب فالظاهر فيما عدا قسمة الطبقة الأولى الرجوع
إلى القرعة.
مسألة 50 - لو قال: " وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل "
يختص بالذكور من الذكور في جميع الطبقات، ولا يشمل الذكور من
الإناث.
مسألة 51 - لو كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف
فتارة جعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعى الأقرب فالأقرب
إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه، ولا ابن الأخ عمه وعمته، ولا ابن
الأخت خاله وخالته، وأخرى جعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل
طبقة وأبنائهم، فإذا كانت إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شئ
ما دام حياة الآباء، فإذا توفي الآباء شارك الأولاد أعمامهم، وله أن
يجعل الترتيب على أي نحو شاء ويتبع.
مسألة 52 - لو قال: " وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة " فإذا مات
أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده، ولو مات أحدهم وله ولد يكون
نصيبه له، ولو تعدد الولد يقسم نصيبه بينهم على الرؤوس، وإذا مات
من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته، ولا يشاركهم الولد الذي أخذ
نصيب والده.
مسألة 53 - لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة،
73

فلا يشمل غيرهم كعلماء الطب والنجوم والحكمة.
مسألة 54 - لو وقف على أهل مشهد كالنجف مثلا اختص بالمتوطنين
والمجاورين، ولا يشمل الزوار والمترددين.
مسألة 55 - لو قوف على المشتغلين في النجف مثلا من أهل بلد
كطهران أو غيره اختص بمن هاجر من بلده إليه للاشتغال، ولا يشمل
من جعله وطنا له معرضا عن بلده.
مسألة 56 - لو وقفت على مسجد فمع الاطلاق صرفت منافعه في
تعميره وضوئه وفرشه وخادمه، ولو زاد شئ يعطي لإمامه.
مسألة 57 - لو قوف على مشهد يصرف في تعميره وضوئه وخدامه
المواظبين لبعض الاشتغال اللازمة المتعلقة به.
مسألة 58 - لو وقفت على سيد الشهداء عليه السلام يصرف في إقامة
تعزيته من أجرة القارئ وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين وغيرهم.
مسألة 59 - لا إشكال في أنه بعد تمامية الوقف ليس للواقف التغيير
في الموقوف على باخراج بعض من كان داخلا أو إدخال من كان خارجا
إذا لم يشترط ذلك في ضمن عقد الوقف، وهل يصح ذلك إذا شرطه،
لا يبعد عدم الجواز مطلقا لا إدخالا ولا إخراجا، فلو شرط ذلك بطل
شرطه بل الوقف على إشكال، ومثل ذلك لو شرط نقل الوقف من
الموقوف عليهم إلى من سيوجد، نعم لو وقف على جماعة إلى أن يوجد
من سيوجد وبعد ذلك كان الوقف على من سيوجد صح بلا إشكال.
مسألة 60 - لو علم وقفية شئ ولم يعلم مصرفه ولو من جهة نسيانه
فإن كانت المحتملات متصادقة غير متباينة يصرف في المتيقن، كما إذا لم يدر
أنه وقف على الفقراء أو الفقهاء فيقتصر على مورد تصادق العنوانين وإن
كانت متباينة فإن كان الاحتمال بين أمور محصورة كما إذا لم يدر أنه وقف
74

على المسجد الفلاني أو المشهد الفلاني أو فقراء هذا البلد أو ذاك يقرع
ويعمل بها، وإن كان بين أمور غير محصورة فإن كان بين عناوين وأشخاص
غير محصورة كما علم أنه وقف على ذرية أحد أفراد المملكة الفلانية ولا طريق
إلى معرفته كانت منافعه بحكم مجهول المالك، فيتصدق بها بإذن الحاكم على
الأحوط، والأولى أن لا يخرج التصدق عن المحتملات مع كونها موردا له
وإن كان مرددا بين الجهات غير المحصورة كما علم أنه وقف على جهة من
الجهات ولم يعلم أنها مسجد أو مشهد أو قنطرة أو تعزية سيد الشهداء
عليه السلام أو إعانة الزوار وهكذا تصرف المنافع في وجوه البر بشرط
عدم الخروج عن مورد المحتملات.
مسألة 61 - لو كان للعين الموقوفة منافع متجددة وثمرات متنوعة
يملك الموقوف عليهم جميعا مع إطلاق الوقف، ففي الشاة الموقوفة يملكون
صوفها المتجددة ولبنها ونتاجها وغيرها، وفي الشجر والنخل ثمرهما ومنفعة
الاستظلال بهما والسعف والأغصان والأوراق اليابسة، بل وغيرها مما قطعت
للاصلاح، وكذا فروخهما وغير ذلك، وهل يجوز في الوقف التخصيص
ببعض المنافع حتى يكون للموقوف عليهم بعض المنافع دون بعض؟
الأقوى ذلك.
مسألة 62 - لو وقفت على مصلحة فبطل رسمها كما إذا وقف على
مسجد أو مدرسة أو قنطرة فخربت ولم يمكن تعميرها أو لم تحتج إلى
مصرف لانتفاع من يصلي في المسجد والطلبة والمارة ولم يرج العود صرف
الوقف في وجوه البر، والأحوط صرفه في مصلحة أخرى من جنس تلك
المصلحة ومع التعذر يراعى الأقرب فالأقرب منها.
مسألة 63 - إذا خرب المسجد لم تخرج عرصته عن المسجدية،
فتجرى عليها أحكامها إلا في بعض الفروض، وكذا لو خربت القرية
75

التي هو فيها بقي المسجد على صفة المسجدية.
مسألة 64 - لو وقفت دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم فإن
أطلق فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خانا ونحوها
يملكون منافعها، فلهم استنماؤها، فيقسمون بينهم ما حصل منها بإجارة
وغيرها على حسب ما قرره الواقف من الكمية والكيفية، وإن لم يقرر
كيفية في القسمة يقسمونه بينهم بالسوية، وإن وقفها عليهم لسكناهم فهو
وقف انتفاع، ويتعين لهم ذلك، وليس لهم إجارتها، وحينئذ إن كفت
لسكني الجميع فلهم أن يسكنوها، وليس لبعضهم أن يستقل به ويمنع
غيره، وإن وقع بينهم تشاح في اختيار الحج فإن جعل الواقف متوليا
يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن كان نظره وتعيينه هو المتبع،
ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع، ولو سكن بعضهم ولم يسكنها
بعض فليس له مطالبة الساكن بأجرة حصته إن لم يكن مانعا عنه، بل
هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي، وإن لم تكف لسكني الجميع
فإن تسالموا على المهاياة أو غيرها فهو، وإلا كان المتبع نظر المتولي من
قبل الواقف لتعيين الساكن، ومع فقده فالمرجع القرعة، فمن خرج اسمه
يسكن، وليس لمن لم يسكن مطالبته بأجرة حصته.
مسألة 65 - الثمر الموجود حال الوقف على النحل والشجر لا يكون
للموقوف عليهم، بل هو باق على ملك الواقف، وكذلك الحمل الموجود
حال وقف الحامل، نعم في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال
فلا يترك الاحتياط.
مسألة 66 - لو قال: " وقفت على أولادي وأولاد أولادي " شمل جميع
البطون كما مر، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل
أو الذكورة أو الأنوثة أو غير ذلك يكون هو المتبع، ولو أطلق فمقتضاه
76

التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل، ولو قال:
" وقفت على أولادي ثم على أولادي " أفاد الترتيب بين الأولاد وأولاد
الأولاد قطعا، وأما بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على
الترتيب، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم إلا إذا قامت القرينة على
أن حكمهم كحكمهم مع الأولاد وأن ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد
الأولاد من باب المثال والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد وأن الوقف
للأقرب فالأقرب إلى الواقف.
مسألة 67 - لا ينبغي الاشكال في أن الوقف بعد تماميته يوجب زوال
ملك الواقف عن العين الموقوفة إلا في منقطع الآخر الذي مر التأمل في
بعض أقسامه، كما لا ينبغي الريب في أن الوقف على الجهات العامة كالمساجد
والمشاهد والقناطر والخانات والمقابر والمدارس وكذا أوقاف المساجد والمشاهد
وأشباه ذلك لا يملكها أحد، بل هو فك الملك وتسبيل المنافع على جهات
معينة، وأما الوقف الخاص كالوقف على الأولاد والوقف العام على العناوين
العامة كالفقراء والعلماء ونحوهما فل يكون كالوقف على الجهات العامة
لا يملك الرقبة أحد، سواء كان وقف منفعة بأن وقف ليكون منافع الوقف
لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك، أو وقف
انتفاع كما إذا وقف الدار لسكني ذريته أو الخان لسكني الفقراء، أو يملك
الموقوف عليهم رقبته ملكا غير طلق مطلقا، أو تفصيل بين وقف المنفعة
ووقف الانتفاع، فالثاني كالوقف على الجهات العامة دون الأول، أو بين
الوقف الخاص فيملك الموقوف عليه ملكا غير طلق، والوقف العام فكالوقف
على الجهات؟ وجوه، لا يبعد أن يكون اعتبار الوقف في جميع أقسامه
إيقاف العين لدر المنفعة على الموقوف عليه، فلا تصير العين ملكا لهم،
وتخرج عن ملك الواقف إلا في بعض صور المنقطع الآخر كما مر.
77

مسألة 68 - لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو
إلى عنوان آخر كجعل الدار خانا أو دكانا أو بالعكس، نعم لو كان
الوقف وقف منفعة وصار بعنوانه الفعلي مسلوب المنفعة أو قليلها في الغاية
لا يبعد جواز تبديله إلى عنوانه آخر ذي منفعة، كما إذا ثار البستان من
جهة انقطاع الماء عنه أو لعارض آخر لم ينتفع به، بخلاف ما إذا جعل
دارا أو خانا.
مسألة 69 - لو خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه كالبستان انقلعت
أو يبست أشجاره، والدار تهدمت حيطانها وعفت آثارها فإن أمكن
تعميره وإعادة عنوانه ولو بصرف حاصله الحاصل بالإجارة ونحوها لزم،
وتعين على الأحوط، وإلا ففي خروج العرض عن الوقفية وعدمه فيستنمى
منها بوجه آخر ولو بزرع ونحوه وجهان بل قولان، أقواهما الثاني،
والأحوط أن تجعل وقف ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأول.
مسألة 70 - إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم وإصلاح
لبقائها والاستنماء منها فإن عين الواقف لها ما يصرف فيها فهو، وإلا يصرف
فيها من نمائها على الأحوط مقدما على حق الموقوف عليهم، والأحوط
لهم الرضا بذلك، ولو توقف بقاؤها على بيع بعضها جاز.
مسألة 71 - الأوقاف على الجهات العامة التي مر أنها لا يملكها
أحد المساجد والمشاهد والمقابر والقناطر ونحوها لا يجوز بيعها
بلا إشكال في مثل الأولين، وعلى الأحوط في غيره وإن آل إلى ما آل
حتى عند خرابها واندراسها بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة
أصلا بل تبقى على حالها، هذا بالنسبة إلى أعيانها، وأما ما يتعلق بها
من الآلات والفرش وثياب الضرائح وأشباه ذلك فما دام يمكن الانتفاع
بها باقية على حالها لا يجوز بيعها، وإن أمكن الانتفاع بها في المحل الذي
78

أعدت له بغير ذلك الانتفاع الذي أعدت له بقيت على حالها أيضا،
فالفرش المتعلقة بمسجد أو مشهد إذا أمكن الافتراش بها في ذلك المحل
بقيت على حالها فيه، ولو فرض استغناؤه عن الافتراش بالمرة لكن يحتاج
إلى ستر يقي أهله من الحر أو البرد مثلا تجعل سترا لذلك المحل،
ولو فرض استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا يترتب على إمساكها وإبقائها
فيه إلا الضياع والضرر والتلف تجعل في محل آخر مماثل له، بأن تجعل
ما للمسجد لمسجد آخر، وما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يكن المماثل
أو استغنى عنها بالمرة جعلت في المصالح العامة، هذا إذا أمكن الانتفاع
بها باقية على حالها، وأما لو فرض أنه لا يمكن الانتفاع بها إلا ببيعها
وكانت بحيث لو بقيت على حالها ضاعت وتلفت بيعت، وصرف ثمنها
في ذلك المحل إن احتاج إليه، وإلا ففي المماثل ثم المصالح حسب ما مر.
مسألة 72 - كما لا يجوز بيع تلك الأوقاف أنه لا يجوز
إجارته، ولو غصبها غاصب واستوفى منها غير تلك المنافع المقصودة منها
كما إذا جعل المسجد أو المدرسة بيت المسكن فلا يبعد أن تكون عليه أجرة
المثل في مثل المدارس والخانات والحمامات دون المساجد والمشاهد والمقابر
والقناطر ونحوها ولو أتلف أعيانها متلف فالظاهر ضمانه، فيؤخذ منه
القيمة، وتصرف في بدل التالف ومثله.
مسألة 73 - الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد والأوقاف العامة
التي كانت على العناوين العامة كالفقراء لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل
إلا لعروض بعض العوارض وطرو بعض الطوارئ، وهي أمور:
الأول - ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الأولى
ولا الانتفاع بها إلا بيعها والانتفاع بثمنها كالحيوان المذبوح والجذع البالي
والحصير الخلق فتباع ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم، والأحوط
79

لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.
الثاني - أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به،
بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة بشرط أن
لا يرجى العود كما مر، كما إذا انهدمت الدار واندرس البستان فصار عرصة
لا يمكن الانتفاع بها إلا بمقدار جزئي جدا يكون بحكم العدم بالنسبة إليها،
لكن لو بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار أو بستان آخر أو ملك آخر
تساوي منفعته منفعة الدار أو البستان أو تقرب منها أو تكون معتدا بها،
ولو فرض أنه على تقدير بيعها لا يشترى بثمنها إلا ما يكون منفعتها
باقية على حالها أو قريب منها لم يجز بيعها، وتبقى على حالها.
الثالث - ما إذا اشتراط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر
مثل قلة المنفعة، أو كثرة الخراج أو المخارج، أو وقوع الخلاف بين أربابه،
أو حصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك، فلا مانع من بيعه عند
حدوث ذلك الأمر على الأقوى.
الرابع - ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن
معه من تلف الأموال والنفوس ولا ينحسم ذلك إلا ببيعه، فيباع ويقسم
ثمنه بينهم، نعم لو فرض أنه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء
عين أخرى أو تبديل العين الموقوفة بالأخرى تعين ذلك، فتشتري بالثمن
عين أخرى أو يبدل بآخر فيجعل وقفا ويبقى لسائر البطون، والمتولي للبيع
في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين أخرى هو الحاكم أو المنصوب
من قبله إن لم يكن متول منصوب من قبل الواقف.
مسألة 74 - لا إشكال في جواز إجازة ما وقف وقف منفعة،
سواء كان وقف خاصا أو عاما على العناوين أو على الجهات والمصالح العامة،
80

حيث أن المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف
عليهم، بخلاف ما كان وقف انتفاع كالدار الموقوفة على سكنى الذرية
وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارة، فإن الظاهر
عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال.
مسألة 75 - لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه
الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من
منافعه فالأحوط تعميره منها، وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل
الموقوفة، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف
الثمن في التعمير المحتاج إليه، وأما جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير
المنفعة فبعيد، نعم لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في
التعمير ولو للتوفير.
مسألة 76 - لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما
إذا كانت العين مشتركة بينهما، فيتصديه مالك الطلق مع متولي الوقف أو
الموقوف عليهم، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضا لو تعدد الواقف
والموقوف عليه، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما
حصته المشاعة على أولاده، بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدد الوقف
والموقوف عليه مع اتحاد الواقف، كما إذا وقف نصف داره مشاعا على
مسجد والنصف الآخر على مشهد، ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتحد
الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطونا متلاحقة أيضا، ولو وقع
النزاع بين أربابه بما جاز معه بيه الوقف ولا ينحسم إلا بالقسمة جازت،
لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة، ولعلها ترجع إلى قسمة
المنافع، والظاهر جوازها مطلقا، وأما قسمة العين بحيث تكون نافذة
بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقا.
81

مسألة 77 - لو آجر الوقف البطن الأول وانقرضوا قبل انقضاء
مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إلا أن يجيز البطن اللاحق فتصح
على الأقوى، ولو آجرة المتولي فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحت
ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو
كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف، ولا تحتاج إلى إجازتهم.
مسألة 78 - يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه
دائما أو إلى مدة مستقلا ومشتركا مع غيره، وكذا يجوز جعلها للغير
كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص، فيكون المتولي
من يعينه ذلك الشخص، بل يجوز جعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين
المتولي بعده بيده، وهكذا يقرر أن كل متول يعين المتولي بعده.
مسألة 79 - إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين
إيقاع الوقف وفي ضمن عقده، وأما بعد تماميته فهو أجنبي عن الوقف،
فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متوليا إلا إذا اشترط في ضمن
عقد لنفسه ذلك، بأن جعل التولية لشخص وشرط أنه متى أراد أن
يعزله عزله.
مسألة 80 - لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية
والنظر لنفسه، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضا، نعم يعتبر
فيه الأمانة والكفاية، فلا يجوز جعلها خصوصا في الجهات والمصالح العامة
لمن كان خائنا غير موثوق به، وكذا من ليس له الكفاية في تولية أمور
الوقف، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتى المميز إن أريد
عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة، وأما إذا جعل التولية له
حتى يقوم القيم بأمرها ما دام قاصرا فالظاهر جوازه ولو كان غير مميز، بل
لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقع برؤه ويقوم الولي مقامه إلى أن يفيق
82

مسألة 81 - لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء
كان حاضرا في مجلس العقد أو غائبا بلغ إليه الخير ولو بعد وفاة الواقف
ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول على
من بعده، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متول منصوب، ولو قبل
التولية فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل أم لا؟ قولان لا يترك الاحتياط
بعدم العزل، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه.
مسألة 82 - لو جعل التولية لاثنين فإن جعل لكل منهما مستقلا
استقل، ولا يلزم عليه مراجعة الآخر، وإذا مات أحدهما أو خرج عن
الأهلية انفرد الآخر، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال،
وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال، فحينئذ
لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا آخر
على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
مسألة 83 - لو عين الواقف وظيفة المتولي وشغله فهو المتبع، ولو
أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف وإجارته وتحصيل
أجرته وقسمتها على أربابه وأداء خراجه ونحو ذلك، كل ذلك على وجه
الاحتياط ومراعاة الصلاح، وليس لأحد مزاحمته فيه حتى الموقوف عليهم،
ويجوز أن يجعل الواقف تولية بعض الأمور لشخص وبعضها لآخر، فجعل
أمر التعمير وتحصيل المنافع مثلا لأحد وأمر حفظها وقسمتها على أربابها
لآخر أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه وللآخر التصرفات
ولو فوض إلى واحد أمرا كالتعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من
الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متول
منصوب، فيجري عليه حكمه الآتي.
مسألة 84 - لو عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين، وكان
83

ذلك أجرة عمله ليس له أزيد منه وإن كان أقل من أجرة مثله، ولو لم يعين
شيئا فالأقرب أن له أجرة المثل.
مسألة 85 - ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن
التصدي إلا إذا جعل الواقف له ذل عند جعله متوليا، نعم يجوز له
التوكيل في بعض ما كان تصديه وظيفته إن لم يشترط عليه المباشرة.
مسألة 86 - يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي، فإن أحرز
أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته
ولا يعتبر إذن الناظر في صحتها ونفوذها، وإنما اللازم عليه اطلاعه، وإن
كان المقصود إعمال نظره وتصويبه لم يجز له التصرف إلا بإذنه وتصويبه،
ولو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين.
مسألة 87 - لو لم يعين الواقف متوليا أصلا ففي الأوقاف العامة
يكون الحاكم أو المنصوب من قبله متوليا على الأقوى، وكذا في الخاصة
فيما يرجع إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون من تعميره وحفظ الأصول
وإجارته للبطون اللاحقة، وأما بالنسبة إلى تنميته وإصلاحاته الجزئية
المتوقف عليها حصول النماء الفعلي كتنقية أنهاره وكريه وحرثه وجمع حاصله
وتقسيمه وأمثال ذلك فأمرها راجع إلى الموقوف عليهم الموجودين.
مسألة 88 - في الأوقاف التي توليتها للحاكم ومنصوبه، مع فقدهما وعدم
الوصول إليهما توليتها لعدول المؤمنين.
مسألة 89 - لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم بين ما إذا
لم يعين الواقف متوليا وبين ما إذا عين ولم يكن أهلا لها أو خرج عن الأهلية،
فإذا جعل للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان كأن
لم ينصب متوليا.
مسألة 90 - لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا ولم يكن فيهم
84

إلا عدل واحد ضم الحاكم إليه عدلا آخر، وأما لو لم يكن فيهم عدل
أصلا فهل اللازم عليه نصب عدلين أو يكفي نصب واحد أمين؟ أحوطهما
الأول، وأقواهما الثاني.
مسألة 91 - لو احتاج الوقف إلى التعمير ولم يكن ما يصرف فيه
يجوز للمتولي أن يقترض له قاصدا أداء ما في ذمته بعد ذلك مما يرجع إليه
كمنافعه أو منافع موقوفاته، فيقترض متولي البستان مثلا لتعميره بقصد أن
يؤدي دينه من عائداته، ومتولي المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد
أن يؤديه من عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله
بقصد الاستيفاء مما ذكر، ولو اقترض له وصرفه لا بقصد الأداء منه أو
صرف ماله لا بقصد الاستيفاء منه لم يكن له ذلك بعده.
مسألة 92 - تثبت الوقفية بالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، وباقرار
ذي اليد أو ورثته بعد موته، وبكونه في تصرف الوقف بأن يعامل المتصرفون
فيه معاملة الوقف بلا معارض، وبالبينة الشرعية.
مسألة 93 - لو أقر بالوقف ثم ادعى أن إقراره كان لمصلحة يسمع
منه لكن يحتاج إلى الاثبات لو نازعة منازع صالح، بخلاف ما إذا أوقع العقد
وحصل القبض ثم ادعى أنه لم يكن قاصدا، فإنه لا يسمع منه أصلا،
كما هو الحال في جميع العقود والايقاعات.
مسألة 94 - كما أن عمل المتصرفين معاملة الوقفية دليل على أصل
الوقفية ما لم يثبت خلافها كذلك كيفية عملهم من الترتيب والتشريك والمصرف
وغير ذلك دليل على كيفية، فيتبع ما لم يعلم خلافها.
مسألة 95 - لو كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية
لكن علم أنه قد كان في السابق وقفا لم ينتزع من يده بمجرد ذلك ما
لم يثبت وقفيته فعلا، وكذا لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا
85

بعد نسل وأثبت ذلك من دون أن يثبت كونه وقفا فعلا، نعم لو أقر
ذو اليد في مقابل دعوى خصمه بأنه كان وقفا إلا أنه قد حصل
مسوغ البيع وقد اشتراه سقط حكم يده وينتزع منه، ويلزم باثبات وجود
المسوغ ووقوع الشراء.
مسألة 96 - لو كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص وهو
يدعي ملكيته وكان مكتوبا عليه أنه وقف لم يحكم بوقفيته بمجرده، فيجوز
الشراء منه، نعم الظاهر أن وجود مثل ذلك عيب ونقص في العين، فلو
خفي على المشتري حال البيع كان له الخيار.
مسألة 97 - لو ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني
وقت وأنه وقع القبض والاقباض لم يحكم بوقفيته بمجرده ما لم يحصل العلم
أو الاطمئنان به، لاحتمال أنه كتب ليجعله وقف كما يتفق ذلك كثيرا.
مسألة 98 - إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالأنعام
الثلاثة لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصة كل منهم النصاب،
وأما لو كانت نماؤها منها كالعنب والتمر ففي الوقف الخاص وجبت الزكاة
على كل من بلغت حصته النصاب من الموقوف عليهم، لأنها ملك طلق
لهم بخلاف الوقف العام حتى مثل الوقف على الفقراء، لعدم كونه ملكا لواحد
منهم إلا بعد قبضه، نعم لو أعطي الفقير مثلا حصة من الحاصل على
الشجر قبل وقت تعلق الزكاة بتفصيل مر في كتاب الزكاة وجبت عليه
لو بلغت النصاب.
مسألة 99 - الوقف المتداول بين بعض الطوائف - يعمدون إلى نعجة
أو بقرة ويتكلمون بألفاظ متعارفة بينهم ويكون المقصود أن تبقى وتذبح
أولادها الذكور وتبقي الإناث وهكذا - الظاهر بطلانه لعدم تحقق شرائط
صحته.
86

خاتمة:
تشتمل على أمرين: أحدهما في الحبس وما يلحق به، ثانيهما
في الصدقة.
القول في الحبس وأخواته
مسألة 1 - يجوز للشخص أن يحبس ملكه على كل ما يصح الوقف
عليه، بأن تصرف منافعه فيما عينه على ما عينه، فلو حبسه على سبيل من
سبل الخير ومحال العبادات مثل الكعبة المعظمة والمساجد والمشاهد المشرفة
فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ولا يعود إلى ملك
المالك ولا يورث، وإن كان إلى مدة لا رجوع إلى انقضائها، وبعده
يرجع إلى المالك أو وارثه، ولو حبسه على شخص فإن عين مدة أو مدة
حياته لزم الحبس في تلك المدة، ولو مات الحابس قبل انقضائها يبقي
على حاله إلى أن تنقضي، وإن أطلق ولم يعين وقتا لزم ما دام حياة
الحابس، فإن مات كان ميراثا، وهكذا الحال لو حبس على عنوان عام
كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه، وإن لم يوقف لزم ما دام
حياة الحابس.
مسألة 2 - لو جعل لأحد سكنى داره مثلا بأن سلطه على إسكانها
مع بقائها على ملكه يقال له: السكنى، سواء أطلق ولم يعين مدة كأن يقول:
" أسكنتك داري " أو " لك سكناها " أو قد ره بعمر أحدهما كما إذا قال: " لك
سكنى داري مدة حياتك " أو مدة حياتي، أو قد ره بالزمان كسنة وسنتين
87

مثلا، نعم لكل من الأخيرين اسم يختص به، وهو العمرى في أولهما
والرقبى في الثاني.
مسألة 3 - يحتاج كل من الثلاثة إلى عقد مشتمل على إيجاب من
المالك وقبول من الساكن، فالايجاب كل ما أفاد التسليط المزبور عرفا كأن
يقول في السكنى: " أسكنتك هذه الدار " أو " لك سكناها " وما أفاد معناهما
بأي لغة كان، وفي العمرى بإضافة مدة حياتي أو حياتك، وفي الرقبى
بإضافة سنة أو سنتين مثلا، وللعمرى والرقبى لفظان آخران، فللأولى
أعمرتك هذه الدار عمرك أو عمري أو ما بقيت أو بقيت أو ما عشت
أو عشت ونحوها، وللثانية أرقبتك مدة كذا، والقبول كل ما دل على
الرضا بالايجاب.
مسألة 4 - يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن، وهل هو شرط
الصحة أو اللزوم؟ وجهان لا يبعد أولهما، فلو لم يقبض حتى مات
المالك
بطلت كالوقف على الأظهر.
مسألة 5 - هذه العقود الثلاثة لازمة يجب العمل بمقتضاها، وليس
للمالك الرجوع وإخراج الساكن، ففي السكنى المطلقة حيث إن الساكن
استحق مسمى الاسكان ولو يوما لزم العقد في هذا المقدار، وليس
للمالك منعه عنه، ولو الرجوع في الزائد متى شاء، وفي العمرى والرقبى
لزم بمقدار التقدير، وليس له إخراجه قبل انقضائه.
مسألة 6 - لو جعل داره سكنى أو عمرى أو رقبى لشخص لم تخرج
عن ملكه، وجاز بيعها، ولم تبطل العقود الثلاثة، بل يستحق الساكن
السكنى على النحو الذي جعلت له، وكذا ليس للمشتري إبطالها، ولو كان
جاهلا فله الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن، نعم في السكنى
المطلقة بعد مقدار المسمى يبطل العقد وينفسخ إذا أريد بالبيع فسخ وتسليط
88

المشتري على المنافع، فحينئذ ليس للمشتري الخيار
مسألة 7 - لو جعلت المدة في العمرى طول حياة المالك ومات
الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، ولو جعلت طول
حياة الساكن ومات المالك قبله ليس إخراج الساكن طول حياته،
ولو مات الساكن ليس لورثته السكنى إلا إذا جعل له السكنى مدة حياته
ولعقبه بعد وفاته فلهم ذلك، فإذا انقرضوا رجعت إلى المالك أو ورثته.
مسألة 8 - هل مقتضى العقود الثلاثة تمليك سكنى الدار، فيرجع
إيل تمليك المنفعة الخاصة، فله استيفاؤها مع الطلاق بأي نحو شاء من نفسه
وغيره مطلقا ولو أجنبيا، وله إجارتها وإعارتها، وتورث لو كانت المدة
عمر المالك ومات دون المالك، أو مقتضاها الالتزام بسكونة الساكن
على أن يكون له الانتفاع والسكنى من غير أن تنتقل إليه المنافع، ولازمه
عند الاطلاق جواز إشكال من جرت العادة بالسكنى مع كأهله وأولاده
وخادمه وخادمته ومرضعة ولده وضيوفه، بل وكذا دوابه إن كان الموضع
معدا لمثلها، ولا يجوز أن يسكن غيرهم إلا أن يشترط ذلك أو رضي
المالك ولا يجوز أن يؤخر المسكن ويعيره، ويورث هذا الحق بموت
الساكن، أو مقتضاها نحو إباحة لازمة، ولازمه كالاحتمال الثاني إلا في
التوريث، فإن لازمه عدمه؟ ولعل الأول أقرب خصوصا في مثل " لك
سكنى الدار " وكذا في العمرى والرقبى، ومع ذلك لا تخلو المسألة
من إشكال.
مسألة 9 - كل ما صح وقفه صح إعماره من العقار والحيوان
والأثاث وغيرها، والظاهر أن الرقبى بحكم العمرى، فتصح فيما يصح الوقف
وأما السكنى فيختص بالمساكن.
89

القول في الصدقة
قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحث عليها خصوصا في
أوقات مخصوصة، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وعلى طوائف مخصوصة
كالجيران والأرحام حتى ورد في الخبر " لا صدقة وذو رحم محتاج " وعن
رسول الله صلى الله عليه وآله " إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء
والدبيلة والحرقة والغرق والهدم والجنون - وعد سبعين بابا من السوء -... "
وقد ورد " أن الافتتاح بها في اليوم يدفع نحس يومه وفي الليلة يدفع نحسها "
و " أن صدقة الليل تطفي غضب الرب وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب
وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في العمر " و " ليس شئ أثقل على الشيطان
من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع
في يد العبد " وعن علي بن الحسين عليه السلام " كان يقبل يده عند الصدقة
فقيل له في ذلك، فقال: إنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل "
ونحوه عن غيره عليه السلام، وعن النبي صلى الله عليه وآله " كل معروف
صدقة إلى غني أو فقير فتصدقوا ولو بشق التمرة، واتقوا النار ولو بشق
التمرة، فإن الله يربيها لصاحبها كما بربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يوفيه
إياها يوم القيامة وحتى يكون أعظم من الجبل العظيم " إلى غير ذلك.
مسألة 1 - يعتبر في الصدقة قصد القربة، ولا يعتبر فيها العقد
المشتمل على الايجاب والقبول على الأقوى، بل يكفي المعاطاة، فتتحقق
بكل لفظ أو فعل من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجانا مع نية القربة،
ويشترط فيها الاقباض والقبض.
مسألة 2 - لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على
90

أجنبي على الأصح.
مسألة 3 - تحل صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقا حتى الزكاة المفروضة
والفطرة، وأما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة وتحرم في الزكاة
المفروضة والفطرة، وأما غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفارات ونحوهما
فالظاهر أنها كالمندوبة وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزههم عنها.
مسألة 4 - يعتبر في المتصدق البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس
أو سفه، فلا تصح صدقة الصبي حتى من بلغ عشرا.
مسألة 5 - لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر
ولا الايمان ولا الاسلام، فتجوز على الغني وعلى الذمي والمخالف وإن كانا
أجنبيين، نعم لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين.
مسألة 6 - الصدقة سرا أفضل، فقد ورد " أن صدقة السر تطفئ
غضب الرب وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وتدفع سبعين بابا من
البلاء " نعم لو اتهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو قصد
اقتداء غيره به لا بأس بالاجهار بها ولم يتأكد إخفاؤها، هذا في المندوبة،
وأما الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا.
مسألة 7 - يستحب المساعدة والتوسط في إيصال الصدقة، فعن
النبي صلى الله عليه وآله في خطبة له " ومن تصدق بصدقة عن رجل إلى
مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف انسان ثم وصلت إلى
المسكين كان لهم أجر كامل، وما عند الله خير وأبقي للذين اتقوا وأحسنوا
لو كنتم تعلمون ".
مسألة 8 - يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به
بشراء أو اتهاب أو بسبب آخر بل قيل بحرمته، نعم لا بأس بأن يرجع
إليه بالميراث.
91

مسألة 9 - يكره رد السائل ولو ظن غناه، بل يعطى ولو شيئا يسيرا.
مسألة 10 - يكره كراهة شديدة ولا ينبغي ترك الاحتياط، وقد ورد فيه
الازعاج الأكيد، ففي الخبر " من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام
لقي الله يوم القيامة وليس على وجهه لحم ".
92

كتاب الوصية
وهي إما تمليكية كأن يوصي بشئ من تركته لزيد، ويلحق بها
الايصاء بالتسليط على حق، وإما عهدية كأن يوصي بما يتعلق بتجهيزه
أو باستيجار الحج أو الصلاة أو نحوهما له، وإما فكية تتعلق بفك ملك
كالايصاء بالتحرير.
مسألة 1 - إذا ظهرت للانسان أمارات الموت يجب عليه إيصال
ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها، وكذا
أداء ما عليه خالقيا كقضاء الصلوات والصيام والكفارات وغيرها، أو خلقيا
إلا الديون المؤجلة، ولو لم يتمكن من الايصال والآتيان بنفسه يجب عليه
أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، والاشهاد عليها خصوصا
إذا خفيت على الورثة، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية خلقيا
كالديون والضمانات والديات وأروش الجنايات أو خالقيا كالخمس والزكاة
والكفارات ونحوها، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من
الواجبات البدنية مما يصح فيها الاستيناب والاستئجار كقضاء الصلاة والصوم
إن لم يكن له ولي يقضيها عنه، بل ولو كان له ولي لا يصح منه العمل
93

أو كان ممن لا يوثق باتيانه أو يرى عدم صحة عمله.
مسألة 2 - إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق وواجبات
لكن يعلم أو يطمئن بأن أخلاقه يوصلون الأموال ويؤدون الحقوق والواجبات
لم يجب عليه الايصال والايصاء وإن كان أحوط وأولى.
مسألة 3 - يكفي في الوصية كل ما دل عليها من الألفاظ من أي
لغة كان، ولا يعتبر فيها لفظ خاص، ففي التمليكية يقول: " أوصيت لفلان
بكذا " أو أعطوا فلانا أو ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا
ونحوها بأي نحو يفيد ذلك، وفي العهدية افعلوا بعد موتي كذا وكذا،
والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتى مع القدرة على النطق خصوصا في الوصية
المعنى المقصود، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطه وإمضائه أو خاتمة
إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصية، فيجب تنفيذها، بل
الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتى مع القدرة على النطق أو الكتابة لا يخلو من
قوة وإن كان الأحوط عدم الايصاء بها اختيارا.
مسألة 4 - للوصية التمليكية أركان ثلاثة: الموصي والموصى به
والموصى له، وقوام العهدية بأمرين: الموصي والموصى به، نعم إذا عين
الموصى شخصا لتنفيذها تقوم حينئذ بأمور ثلاثة: هما والموصى إليه،
وهو الذي يطلق عليه الوصي.
مسألة 5 - لا إشكال في أن الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول، نعم
لو عين وصيا لتنفيذها لا بد من قبوله لكن في وصايته لا في أصل الوصية
وأما الوصية التمليكية فإن كانت تمليكا للنوع كالوصية للفقراء والسادة فهي
كالعهدية لا يعتبر فيها القبول، وإن كانت تمليكا للشخص فالمشهور على
أنه يعتبر فيها القبول من الموصى له، والظاهر أن تحقق الوصية وترتب
94

أحكامها من حرمة التبديل ونحوها لا يتوقف على القبول، لكن تملك الموصى له
متوقف عليه، فلا يتملك قهرا، فالوصية من الايقاعات لكنها جزء
سبب للملكية في الفرض.
مسألة 6 - يكفي في القبول كل ما دل على الرضا قولا أو فعلا
كأخذ الموصى به والتصرف فيه بقصد القبول.
مسألة 7 - لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته
كما لا فرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلا به أول متأخرا
عنه مدة.
مسألة 8 - لو رد بعضا وقبل بعضا صح فيما قبله وبطل فيما رده على
الأقوى إلا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع.
مسألة 9 - لو مات الموصى له في حياة الموصى أو بعد موته قبل
أن يصدر منه رد أو قبول قام ورثته مقامه في الرد والقبول فيملكون
الموصى به بقبولهم كمورثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيته.
مسألة 10 - الظاهر أن الوارث يتلقى المال من الموصي ابتداء، لا أنه
ينتقل إلى الموصى له أولا ثم إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع
التعدد على حسب قسمة المواريث، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون
الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه.
مسألة 11 - إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم صحت الوصية فيمن
قبل وبطلت فيمن رد بالنسبة.
مسألة 12 - يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد،
فلا تصح وصية الصبي، نعم الأقوى صحة وصية البالغ عشرا إذا كانت
في البر والمعروف كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرات، وكذا
لا تصح وصية المجنون ولو أدواريا في دور جنونه، ولا السكران ولا المكره
95

ولا المحجور عليه إذا كانت متعلقة بالمال المحجور فيه.
مسألة 13 - يعتبر في الموصي مضافا إلى ما ذكر أن لا يكون قاتل
نفسه متعمدا، فمن أوقع على نفسه جرحا أو شرب سما أو ألقى نفسه من
شاهق ونحو ذلك مما يقطع أو يظن كونه مؤديا إلى الهلاك لم تصح وصيته
المتعلقة بأمواله، وإن كان إيقاع ما ذكر خطأ أو كان مع ظن السلامة
فاتفق موته به نفذت وصيته، ولو أوصى ثم أحدث في نفسه ما يؤدي
إلى هلاكه لم تبطل وصيته وإن كان حين الوصية بانيا على أن يحدث
ذلك بعدها.
مسألة 14 - لا تبطل الوصية بعروض الاغماء والجنون للموصي وإن
بقيا إلى حين الممات.
مسألة 15 - يشترط في الموصى له الوجود حين الوصية، فلا تصح
للمعدوم كالميت أو لما تحمله المرأة في المستقبل ولمن سيوجد من أولاد فلان
وتصح للحمل بشرط وجوده حين الوصية وإن لم تلجه الروح، وانفصاله
حيا، فلو انفصل ميتا بطلت ورجع المال ميراثا لورثة الموصي.
مسألة 16 - تصح الوصية للذمي وكذا للمرتد الملي إن لم يكن المال
مما لا يملكه الكافر كالمصحف، وفي عدم صحتها للحربي والمرتد الفطري تأمل.
مسألة 17 - يشترط في الموصى به في الوصية التمليكية أن أن يكون مالا
أو حقا قابلا للنقل كحقي التحجير والاختصاص، من غير فرق في المال
بين كونه عينا أو دينا في ذمة الغير أو منفعة، وفي العين بين كونها موجودة
فعلا أو مما ستوجد، فتصح الوصية بما تحمله الدابة أو يثمر الشجر في المستقبل.
مسألة 18 - لا بد وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محللة
مقصودة حتى تكون مالا شرعا، فلا تصح الوصية بالخمر غير المتخذة
للتخيل والخنزير وآلات اللهو والقمار، ولا بالحشرات وكلب الهراش
96

ونحوها، وأن تكون المنفعة الموصى بها محللة مقصودة، فلا تصح الوصية
بمنفعة المغنية وآلات اللهو، وكذا منفعة القردة ونحوها.
مسألة 19 - لا تصح الوصية بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان
الايصاء به عن نفسه بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، وأما
عن الغير بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحته ونفوذه بالإجازة.
مسألة 20 - يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا
سائغا تعلق به أغراض العقلاء، فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة
الظلمة وقطاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها، وكذا
بصرف المال فيما يكون سفها وعبثا.
مسألة 21 - لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهادا أو تقليدا وغير
سائغ عند الوصي كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصي
لم يجز له تنفيذها، ولو انعكس الأمر انعكس.
مسألة 22 - لو أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزه كتغسيله والصلاة
عليه مع وجود الولي ففي نفوذها وتقديمه على الولي وعدمه وجهان بل
قولان، ولا يترك الوصي الاحتياط بالاستئذان من الولي، والولي بالإذن له
مسألة 23 - يشترط في نفوذ الوصية في الجملة أن لا تكون في الزائد
على الثلث، وتفصيله أن الوصية إن كانت بواجب مالي كأداء ديونه
وأداء ما عليه من الحقوق كالخمس والزكاة والمظالم والكفارات يخرج من
أصل المال بلغ ما بلغ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة
ويلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني كالحج ولو كان منذورا على
الأقوى، وإن كانت تمليكية أو عهدية تبرعية كما إذا أوصى باطعام الفقراء
أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك نفذت بمقدار الثلث، وفي الزائد
صحت إن أجاز الورثة، وإلا بطلت من غير فرق بين وقوعها في حال
97

الصحة أو المرض، وكذلك إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى،
كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمته بهما.
مسألة 24 - لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصية بكسر مشاع
أو بمال معين أو بمقدار من المال، فكما أنه لو أوصى بالثلث نفذت ولو
أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلا إذا أجاز الورثة كذلك لو أوصى بمال
معين كبستانه أو بمقدار معين كألف دينار، فإنه ينسب إلى مجموع التركة
فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت، وإلا تحتاج إلى إذن الورثة.
مسألة 25 - لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت
الموصي نفذت بلا إشكال وإن ردها قبل موته، وكذا لو أجازها قبل
الموت ولم يردها بعده، وأما لو ردها بعده، فهل تنفذ الإجازة السابقة
ولا أثر للرد بعدها أم لا؟ قولان، أقواهما الأول.
مسألة 26 - لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار
ما أجاز، وبطلت في الزائد عليه.
مسألة 27 - لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حق
المجيز في الزائد، وبطلت في حق غيره، فإذا كان للموصي ابن
وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها
وهو ستة، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت، فإن
أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد، وإن أمضت
البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين.
مسألة 28 - لو أوصى بعين معينة أو مقدار كلي من المال كمأة دينار
يلاحط في كونه بمقدار الثلث أو أقل أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت
لا حين الوصية، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصية
وصارت لجهة بمقدار الثلث مما ترك حين الوفاة نفذت في الكل، ولو انعكس
98

نفذت في مقدار الثلث مما ترك، وبطلت في الزائد وهذا مما لا إشكال فيه،
وإنما الاشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع كما إذا قال: " ثلث مالي لزيد بعد
وفاتي " ثم تجدد له بعد الوصية أموال وأنه هل تشتمل الوصية الزيادات
المتجددة بعدها أم لا؟ سيما إذا لم تكن متوقعة الحصول والظاهر نظرا
إلى شاهد الحال أن المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه
للورثة، وهو ما كان له عند الوفاة، نعم لو كانت قرينة تدل على أن
مراده الأموال الموجودة حال الوصية اقتصر عليها.
مسألة 29 - الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ، فلا يكفي فيها مجرد
الرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلان على الامضاء.
مسألة 30 - لا تعتبر في الإجازة الفورية.
مسألة 31 - يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية، وكذا
ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميت سببه قبل موته مثل ما يقع في الشبكة
التي نصبها الميت في زمان حياته، فيخرج منه دين الميت ووصاياه، نعم
بعض صورها محل تأمل.
مسألة 32 - للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة،
وله تفويض التعيين إلى الوصي، فيتعين فيما عينه، ومع الاطلاق كما لو قال
ثلث مالي لفلان يصير شريكا مع الورثة بالإشاعة فلا بد وأن يكون
الافراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة.
مسألة 33 - إنما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين
والواجبات المالية، فإن بقي بعد ذلك شئ يخرج ثلثه.
مسألة 34 - لو أوصى بوصايا متعددة غير متضادة وكانت من نوع
واحد فإن كانت جميعا واجبة مالية ينفذ الجميع من الأصل، وإن كانت واجبة
بدنية أو كانت تبرعية تنفذ من الثلث، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه
99

وأجاز الورثة تنفذ في الجميع، وإن لم يجيزوا فإن لم يكن بين الوصايا
ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر بل كانت مجتمعة كما إذا قال: " اقضوا
عشرين سنة واجباتي البدنية " أو " اقضوا عشرين سنة صلواتي وصيامي " أو قال:
" أعطوا زيدا وعمرا وخالدا كلا منهم مأة دينار " كانت بمنزلة وصية واحدة،
فيوزع النقص على الجميع بالنسبة، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار
من الصلاة ولم يف الثلث بهما، وكانت أجرة الصلاة ضعف أجرة الصوم
ينتقص من وصية الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم، كما إذا كانت
التركة ثمانية عشر وأوصى بستة لاستئجار الصلاة وثلاثة لاستئجار الصوم
ولم يجز الورثة بطلتا في الثلاثة، وتوزع النقص عليهما بالنسبة، فينتقص
عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة، وعن الصوم واحد ويصرف فيه
اثنان، وكذا الحال في التبرعية، وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير
في الذكر بأن كانت الثانية بعد تمامية الأولى والثالثة بعد تمامية الثانية
وهكذا وكان المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة يبدأ بالأول فالأول
إلى أن يكمل الثلث ولغت البقية.
مسألة 35 - لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع كما إذا أوصى بأن يعطى
مقدار معين خمسا وزكاة، ومقدار صوما وصلاة، ومقدار لاطعام
الفقراء فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل
فإن بقي شئ يعين ثلثه ويخرج منه البدني والتبرعي، فإن وفي بهما أو
لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما، وإن لم يف ولم يجيزوا يقدم
الواجب البدني ويرد النقص على التبرعي، وإن ذكر المخرج وأوصى بأن
تخرج من الثلث تقدم الواجبات مالية كانت أو بدنية على التبرعي على الأقوى
وأما الواجبات فلا يقدم بعضها على بعض، بل الظاهر أنه لو أوصى مرتبا
يقدم المقدم فالمقدم إلى أن يفنى الثلث، فإن بقي من الواجب المالي شئ
100

يخرج من الأصل، وإن بقي من البدني يلغى، وإن لم يكن بينها ترتيب
يوزع الثلث عليها ويتم الواجب المالي من الأصل دون البدني
مسألة 36 - لو أوصى بوصايا متضادة بأن كانت المتأخرة منافية
للمتقدمة كما لو أوصى بعين شخصية لواحد ثم أوصى بها لآخر أو أوصى
بثلثه لشخص ثم أوصى به لآخر كانت اللاحقة عدولا عن السابقة فيعمل
باللاحقة، ولو أوصى بعين شخصية لشخص ثم أوصى بنصفها مثلا لشخص
آخر فالظاهر كون الثانية عدولا بالنسبة إلى النصف لا التمام فيبقى النصف
الآخر للأول.
مسألة 37 - متعلق الوصية إن كان كسرا مشاعا من التركة كالثلث
أو الربع ملكه الموصى له بالموت والقبول، وله من كل شئ ثلثه أو ربعه
وشارك الورثة فيها من حين ما ملكه، هذا في الوصية التمليكية، وأما في
العهدية كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات
كان الموصى به فيها باقيا على حكم مال الميت، فهو يشارك الورثة حين
ما ملكوا بالإرث، فكان للميت من كل شئ ثلثه أو ربعه والباقي للورثة،
وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ولم تقع القسمة بينهم
وبين الموصى له، فلو حصل نماء متصل أو منفصل قبل القسمة كان
بينهما، ولو تلف شئ من التركة كان منهما، وإن كان ما أوصى به مالا
معينا يساوي الثلث أو دونه اختص بالموصى له، ولا اعتراض فيه للورثة،
ولا حاجة إلى إجازتهم، لكن إنما يستقر ملكية الموصى له أو الميت في تمام
الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإذا كان له
مال عند الورثة بهذا المقدار استقرت ملكية تمام المال المعين، فللموصى له
أو الوصي التصرف فيه أنحاء التصرفات، وإن كان ما عدا ما عين غائبا
توقف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة، نعم للموصى له أو الوصي
101

التصرف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث
حتى يتصرفا فيه كيف شاءا وإن لم يكن للورثة التصرف في الثلثين بوجه
من الوجوه، ولو لم يحصل بيد الورثة شئ منه شاركوا الموصى له في
المال المعين أثلاثا: ثلث للموصى له وثلثان للورثة.
مسألة 38 - يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنجيز وصاياه وتنفيذها
فيتعين، ويقال له: الموصى إليه والوصي، ويشترط فيه البلوغ والعقل
والاسلام، فلا تصح وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم وإن
كان ذميا قريبا، وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني
وإن كان الأحوط الأول.
مسألة 39 - إنما لا تصح وصاية الصغير منفردا، وأما منضما إلى
الكامل فلا بأس به، فيستقل الكامل بالتصرف إلى زمان بلوغه، فإذا بلغ
شاركه من حينه، وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان
على خلاف ما أوصى به الميت، فيرده إلى ما أوصى به، ولو مات الصغير
أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية.
مسألة 40 - لو طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصى فهل
تبطل الوصاية أم لا؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرفاته، فلو
أفاق جازت التصرفات، لكن الأحوط نصب الحاكم إياه، نعم لو كان
جنونه بحيث لا يرجى زواله فالظاهر بطلانها.
مسألة 41 - الأحوط أن لا يرد الابن وصية والده، ولا يجب على
غيره قبول الوصاية، وله أن يردها ما دام الموصى حيا بشرط أن يبلغه الرد
وإن كان الأحوط الأولى أن لا يرد فيما إذا لم يتمكن الموصي من الايصاء
إلى غيره، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبله ولكن لم يبلغه حتى
مات كانت الوصاية لازمة على الوصي وليس له الرد، بل لو لم يبلغه أنه
102

قد أوصى إليه وجعله وصيا إلا بعد موت الموصي لزمته الوصايا وليس
له ردها.
مسألة 42 - يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق، فإن
نص على الاستقلال والانفراد لكل منهما أو كان لكلامه ظهور فيه ولو بقرينة
حال أو مقال فيتبع، وإلا فليس لكل منهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع
ما أوصى به ولا في بعضه، وليس لهما أن يقسما الثلث وينفرد كل منهما
في نصفه، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق،
ولو تشاحا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر استبدل بهما،
هذا إذا لم يكن التشاح لاختلاف اجتهادهما ونظرهما، وإلا فألزمهما على
نظر ثالث إذا كان في إنظارهما تعطيل العمل بالوصاية، فإن امتنعا استبدل
بهما، وإن امتنع أحدهما استبدل به.
مسألة 43 - لو مات أحد الوصيين أو طرأ عليه الجنون أو غيره
مما يوجب ارتفاع وصايته فالأحوط مع عدم استقلال كل منهما ضم الحاكم
شخصا إليه، بل اللزوم لا يخلو من قوة، ولو ماتا معا احتاج إلى النصب
من قبله،، فهل اللازم نصب اثنين أو يجوز نصب واحد إذا كان كافيا؟
وجهان، أحوطهما الأول وأقواهما الثاني.
مسألة 44 - يجوز أن يوصي إلى واحد في شئ وإلى آخر في غيره
ولا يشارك أحدهما الآخر.
مسألة 45 - لو قال: " أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو " صح
ويكون وصيا بعد موته، وكذا لو قال: " أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني
أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيي " فإنه يصح، وتنتهي وصاية
زيد بحصول ما ذكر.
مسألة 46 - لو ظهرت خيانة الوصي فعلي الحاكم عزله ونصب
103

شخص آخر مكانه أو ضم أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة ولو
ظهر منه العجز عن الاستقلال ضم إليه من يساعده، وأما إن عجز عن
التدبير والعمل مطلقا بحيث لا يرجى زواله كالهرم الخرف فالظاهر انعزاله،
وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه.
مسألة 47 - لو لم ينجز الوصي ما أوصي إليه في حياته ليس له أن
يجعل وصيا لتنجيزه بعد موته إلا إذا كان مأذونا من الموصي في الايصاء.
مسألة 48 - الوصي أمين، فلا يضمن ما كان في يده إلا مع التعدي
أو التفريط ولو بمخالفة الوصية، فيضمن لو تلف.
مسألة 49 - لو أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية
خاصة اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره، وأما لو أطلق بأن قال: " أنت
وصيي " من دون ذكر المتعلق فالأقرب وقوعه لغوا إلا إذا كان هناك عرف
خاص وتعارف يدل على المراد، فيتبع كما في عرف بعض الطوائف،
حيث إن مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون،
واستيفاء ماله على الناس، ورد الأمانات والبضائع إلى أهلها، وإخراج
ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم من استئجار العبادات وأداء الحقوق
الواجبة والمظالم ونحوها، نعم في شموله بمجرده للقيمومة على الأطفال تأمل
وإشكال، فالأحوط أن يكون تصديه لأمورهم بإذن من الحاكم، وبالجملة
المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده، فيختلف باختلاف
الأعصار والأمصار.
مسألة 50 - ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي
ولا أن يفوض أمر الوصية إلى غيره، نعم له التوكيل في بعض الأمور
المتعلقة بها مما لم يتعلق الغرض إلا بوقوعها من أي مباشر كان خصوصا
إذا كان مما لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصي ولم يشترط عليه
104

المباشرة.
مسألة 51 - لو نسي الوصي مصرف الوصية مطلقا فإن تردد بين
أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى، أو جهات محصورة يقسط
بينها، وتحتمل القرعة، ويحتمل التخيير في صرفه في أي الجهات شاء منها
ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب، وإن تردد بين أشخاص
أو جهات غير محصورة يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأول، والأولى
عدم الخروج عن طرف الشبهة، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم
الخروج عن أطراف الشبهة.
مسألة 52 - لو أوصى الميت وصية عهدية ولم يعين وصيا أو بطل
وصاية من عينه بموت أو جنون أو غير ذلك تولى الحاكم أمرها أو عين من
يتولاه، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبة تولاه من المؤمنين من يوثق به.
مسألة 53 - يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي، ووظيفته
تابعة لجعله، فتارة من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به يجعل الناظر
رقيبا على الوصي بأن يكون أعماله باطلاعه حتى أنه لو رأى منه خلاف
ما قرره الموصي لاعترض عليه، وأخرى من جهة عدم الاطمئنان بأنظار
الوصي والاطمئنان بأنظار الناظر يجعل على الوصي أن يكون أعماله على
طبق نظره ولا يعمل إلا ما رآه صلاحا، فالوصي وإن كان وليا مستقلا
في التصرف لكنه غير مستقل في الرأي والنظر، فلا يمضى من أعماله إلا
ما وافق نظر الناظر، فلو استبد الوصي بالعمل على نظره من دون مراجعة
الناظر واطلاعه وكان عمله على طبق ما قرره الموصي فالظاهر صحته ونفوذه
على الأول بخلافه على الثاني، ولعل الغالب المتعارف في جعل الناظر
في الوصايا هو النحو الأول.
مسألة 54 - يجوز للأب مع عدم الجد وللجد للأب مع فقد الأب
105

جعل القيم على الصغار، ومعه لا ولاية للحاكم، وليس لغيرهما أن ينصب
القيم عليهم حتى الأم.
مسألة 55 - يشترط في القيم على الأطفال ما اشتراط في الوصي على
المال، والأحوط اعتبار العدالة، وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود
المصلحة ليس ببعيد.
مسألة 56 - لو عين الموصي على القيم تولي جهة خاصة وتصرفا
مخصوصا اقتصر عليه، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من
قبله، فلو جعله قيما في حفظ ماله وما يتعلق بانفاقه مثلا ليس له الولاية
على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما وعلى نفسه بالإجارة ونحوها وعلى ديونه
بالوفاء والاستيفاء، ولو أطلق وقال: " فلان قيم على أولادي " مثلا كان
وليا على جميع ما يتعلق بهم مما كان للموصي الولاية عليه، فله الانفاق
عليهم بالمعروف والانفاق على من عليهم نفقته، وحفظ أموالهم واستنماؤها
واستيفاء ديونهم، وإيفاء ما عليهم، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس،
وكذا إخراج الحقوق المتعلقة بأموالهم كالخمس وغير ذلك، وفي ولايته
على تزويجهم كلام يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
مسألة 57 - يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد
بالاستقلال والاشتراك وجعل الناظر على الوصي كالوصية بالمال.
مسألة 58 - ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف ولا تقتير،
فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، ولو بلغ
فأنكر أصل الانفاق أو ادعى عليه الاسراف فالقول قول الوصي بيمينه،
وكذا لو ادعى عليه أنه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة، نعم لو اختلفا
في دفع المال إليه البلوغ فادعاه الوصي وأنكره الصبي قدم قول الصبي
والبينة على الوصي.
106

مسألة 59 - يجوز للقيم الذي يتولى أمور اليتيم أن يأخذ من ماله
أجرة مثل عمله سواء كان غنيا أو فقيرا، وإن كان الأحوط الأولى للأول
التجنب، وأما الوصي على الأموال فإن عين الموصي مقدار المال
الموصى به وطبقه على مصرفه المعين بحيث لم يبق شيئا لأجرة الوصي واستلزم
أخذها إما الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف
لم يجز له أن يأخذ الأجرة لنفسه، وإن عين المال والمصرف على نحو
قابل للزيادة والنقصان كان حاله حال متولي الوقف في أنه لو لم يعين له
جعلا معينا جاز له أن يأخذ أجرة مثل عمله، كما إذا أوصى بأن يصرف
ثلثه أو مقدارا معينا من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد.
مسألة 60 - الوصية جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عنها
ما دام فيه الروح وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفياتها
ومتعلقاتها، فله تبديل الموصى به كلا أو بعضا وتغيير الوصي والموصي له
وغير ذلك، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله، فلو أوصى
بصرف ثلثه، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله، فلو أوصى
بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل
عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصية بحاله، وكذلك إذا أوصى
بصرف ثلثه في مصارف معينة على يد زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك
المصارف إلى أخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها وهكذا، وكما له
الرجوع في الوصية المتعلقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصية بالولاية
على الأطفال.
مسألة 61 - يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول، وهو كل لفظ
دال عليه عرفا بأي لغة كان، نحو رجعت عن وصيتي أو أبطلتها أو عدلت
عنها أو نقضتها ونحوها، وبالفعل، وهو إما باعدام موضوعها كاتلاف
الموصى به، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة
107

مع القبض، وإما بما يعد عند العرف رجوعا وإن بقي الموصى به بحاله
وفي ملكه، كما إذا وكل شخصا على بيعه.
مسألة 62 - الوصية بعد ما وقعت تبقى على حالها ويعمل بها لو
لم يرجع الموصي وإن طالت المدة، ولو شك في الرجوع ولو للشك في
كون لفظ أو فعل رجوعا يحكم ببقائها وعدم الرجوع، هذا إذا كانت
الوصية مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصية والعمل بها
بعد موته في أي زمان قضى الله عليه، وأما لو كانت مقيدة بموته في سفر
كذا أو عن مرض كذا ولم يتفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض
بطلت تلك الوصية، ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما
وقامت قرائن حالية أو مقالية على عدم الاطلاق وأن نظره مقصور على موته
في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها، وإلا فالأقرب الأخذ بها والعمل
عليها ولو مع طول المدة إلا إذا نسخها، سيما إذا ظهر من حاله أن عدم
الايصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصية السابقة كما إذا شوهد منه المحافظة
على ورقة الوصية مثلا.
مسألة 63 - لا تثبت الوصية بالولاية سواء كانت على المال أو على
الأطفال إلا بشهادة عدلين من الرجال، ولا تقبل فيها شهادة النساء
لا منفردات ولا منضمات بالرجال، وأما الوصية بالمال فهي كسائر
الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين وشاهد ويمين وشهادة رجل
عدل وامرأتين عادلتين، وتمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين أحدهما - أنها
تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضم اليمين
، فتثبت ربعها بواحدة عادلة، ونصفها باثنتين، وثلاثة أرباعها بثلاث،
وتمامها بأربع، ثانيهما - أنها تثبت بشهادة رجلين ذميين عدلين في دينهما
عند الضرورة وعدم المسلمين، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمة
108

من الكفار.
مسألة 64 - لو كانت الورثة كبارا وأقروا كلهم بالوصية بالثلث
وما دونه لوارث أو أجنبي أو بأن يصرف في مصرف تثبت في تمام الموصى به،
ويلزمون بالعمل بها أخذا باقرارهم، ولا يحتاج إلى بينة، وإن أقر بها
بعضهم دون بعض فإن كان المقر اثنين عدلين تثبت أيضا في التمام، لكونه
إقرارا بالنسبة إلى المقر وشهادة بالنسبة إلى غيره، فلا يحتاج إلى بينة أخرى
وإلا تثبت بالنسبة إلى حصة المقر، ويحتاج إلى البينة في الباقين، نعم لو كان
المقر عدلا واحدا وكانت الوصية بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضم يمين
المقر له باقرار المقر في ثبوت التمام، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت
في ربيع حصة الباقين على حذو ما تقدم في المسألة السابقة، وبالجملة المقر
من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبي، فيثبت به ما يثبت به.
مسألة 65 - لو أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي، فليس له
إنكار وصاية من يدعيها، ولا يسمع منه كغيره، نعم لو كانت الوصية
متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد
أو الميت نفسه كاستئجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك كان لكل من يعلم
كذب مدعي الوصاية خصوصا إذا رأى منه الخيانة الانكار عليه والترافع
معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكن الوارث والأجنبي في ذلك سيان
إلا فيما تعلقت بأمور الميت، فإنه لا يبعد أولوية الوارث من غيره،
واختصاص حق الدعوى به مقدما على غيره.
مسألة 66 - قد مر في كتاب الحجر أن الوصية نافذة في الثلث،
وفي الزائد يتوقف على إمضاء الوارث، والمنجزات نافذة في الأصل حتى
من المريض في مرض موته، وحتى المجانية والمحاباتية على الأقوى.
109

مسألة 67 - لو جمع في مرض الموت بين عطية منجزة ومعلقة على
الموت فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تلقتا به، وإن
لم يف بهما يبدأ بالمنجزة، فتخرج من الأصل، وتخرج المعلقة من ثلث
ما بقي مع عدم إذن الورثة.
110

كتاب الأيمان والنذور
القول في اليمين
ويطلق عليها الحلف والقسم، وهي ثلاثة أقسام:
الأول - ما يقع تأكيدا وتحقيقا للأخبار بوقوع شئ ماضيا أو حالا
أو استقبالا.
الثاني - يمين المناشدة، وهي ما يقرن به الطب والسؤال يقصد بها
حث المسؤول على إنجاح المقصود كقول السائل " أسأل بالله أن تفعل كذا ".
الثالث - يمين العقد وهي ما يقع تأكيدا وتحقيقا لما بني عليه والتزم به من
إيقاع أمر أو تركه في الآتي، كقوله والله لأصومن أو لأتركن شرب الدخان مثلا
لا إشكال في أنه لا ينعقد القسم الأول، ولا يترتب عليه شئ سوى الإثم فيما كان
كاذبا في إخباره عن عمد، وكذا لا ينعقد القسم الثاني، ولا يترتب عليه
شئ من إثم أو كفارة لا على الحالف في إحلافه، ولا على المحلوف عليه
في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله، وأما القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند
اجتماع الشرائط الآتية، ويجب بره والوفاء به، ويحرم حنثه، ويترتب
على حنثه الكفارة.
111

مسألة 1 - لا تنعقد اليمين إلا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة
الأخرس، ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى، والظاهر أنه لا يعتبر فيها العربية
خصوصا في متعلقاتها.
مسألة 2 - لا تنعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو الله جل شأنه
إما بذكر اسمه العلمي المختص به كلفظ الجلالة، ويلحق به ما لا يطلق
على غيره كالرحمان، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصة به التي لا يشاركه
فيها غيره كقوله: ومقلب القلوب والأبصار، والذي نفسي بيده، والذي
فلق الحبة وبرأ النسمة وأشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة
التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره لكن الغالب إطلاقها عليه بحيث ينصرف
عند الاطلاق إليه تعالى كالرب والخالق والبارئ والرازق والرحيم، ولا تنعقد
بما لا ينصرف إليه كالموجود والحي والسميع والبصير والقادر إن نوى بها
الحلف بذاته المقدسة على إشكال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 3 - المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالى لا بغيره
فكل ما صدق عرفا أنه حلف به تعالى انعقدت اليمين به، والظاهر صدق
ذلك بأن يقول: " وحق الله " و " بجلال الله " و " بعظمة الله "
و " بكبرياء الله " و " لعمر الله " وفي انعقادها بقوله: " بقدرة الله "
و " بعلم الله " تأمل وإن لا يخلو من قرب.
مسألة 4 - لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه بأن
يقول: والله أو بالله أو تالله لأفعلن كذا، بل لو أنشأه بصيغتي القسم
والحلف كقوله: أقسمت بالله أو حلفت بالله انعقدت أيضا، نعم لا يكفي لفظا
أقسمت وحلفت بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
مسألة 5 - لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام وسائر النفوس المقدسة المعظمة، ولا بالقرآن الكريم ولا بالكعبة
112

المشرفة وسائر الأمكنة المحترمة.
مسألة 6 - لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه بأن يقول: زوجتي طالق
إن فعلت كذا أو إن لم أفعل، فلا يؤثر مثل هذه اليمين لا في حصول
الطلاق ونحوه بالحنث ولا في ترتب إثم أو كفارة عليه، وكذا اليمين
بالبراءة من الله تعالى أو من رسول (ص) أو من دينه أو من الأئمة عليهم السلام
بأن يقول مثلا: برأت من الله أو من دين الاسلام إن فعلت كذا أو
لم أفعل كذا، فلا يؤثر في ترتب الإثم أو الكفارة على حنثه، نعم هذا
الحلف بنفسه حرام، ويأثم حالفه من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث
وعدمه، بل الأحوط تكفير الحالف باطعام عشرة مساكين لكل مسكين
مد، ويستغفر الله تعالى شأنه، وكذا لا تنعقد بأن يقول إن لم أفعل كذا
فأنا يهودي أو نصراني مثلا.
مسألة 7 - لو علق اليمين على مشية الله تعالى بأن قال: " والله
لأفعلن كذا إن شاء الله " وكان المقصود التعليق على مشيته تعالى لا مجرد
التبرك بهذه الكلمة لا تنعقد حتى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك
حرام بخلاف ما إذا علق على مشية غيره بأن قال: " والله لأفعلن كذا
إن شاء زيد " مثلا، فإنه تنعقد على تقدير مشيته، فإن قال زيد: " أنا
شئت أن تفعل كذا " انعقدت ويتحقق الحنث بتركه، وإن قال: " لم أشأ "
لم تنعقد، ولو لم يعلم أنه شاء أولا لا يترتب عليه أثر وحنث، وكذا الحال
لو علق على شئ آخر غير المشية، فإنه تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه،
فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير.
مسألة 8 - يعتبر في الحالف البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء
الحجر في متعلقه، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقا أو أدوارا حال
دوره ولا المكره ولا السكران، بل ولا الغضبان في شدة الغضب السالب
113

للقصد ولا المحجور عليه فيما حجر عليه.
مسألة 9 - لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع
منع الزوج إلا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام وكان المنع
متوجها إليه، وأما إذا كان متوجها إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده،
ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حل اليمين وارتفع أثرها،
فلا حنث ولا كفارة عليه، وهل يشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما حتى أنه
لو لم يطلعا على حلفهما أو لم يحلا مع علمهما لم تنعقد أصلا أولا بل كان
منعهما مانعا عن انعقادها وحلهما رافعا لاستمرارها فتصح وتنعقد في الصورتين
المزبورتين؟ قولان، أولهما لا يخلو من رجحان، فحينئذ لا يبعد عدم الانعقاد
بدون إذنهما حتى في فعل واجب أو ترك حرام، لكن لا يترك الاحتياط
خصوصا فيهما.
مسألة 10 - لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلقت بفعل واجب
أو مستحب أو بترك حرام أو مكروه وفي عدم انعقادها لو تعلقت بفعل
حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحب، وأما المباح المتساوي الطرفين
في نظر الشرع فإن ترجح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية
الدنيوية أو العكس فلا إشكال في انعقادها إذا تعلقت بطرفه الراجح، وعدم
انعقادها لو تعلقت بطرفه المرجوح، ولو ساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضا
فهل تنعقد إن تعلقت به فعلا أو تركا؟ قولان، أشهرهما وأحوطهما أولهما،
بل لا يخلو من قوة.
مسألة 11 - كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحا تنحل إن
تعلقت براجح ثم صار مرجوحا، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد
انحلالها على الأقوى.
مسألة 12 - إنما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره، ولو كان
114

مقدورا ثم طرأ عليه العجز بعدها انحلت إذا كان عجزه في تمام الوقت
المضروب للمحلوف عليه أو أبدا إذا كان الحلف مطلقا، وكذا الحال في
العسر والحرج الرافعين للتكليف.
مسألة 13 - إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها، وحرمت
عليه مخالفتها، ووجبت الكفارة بحنثها، والحنث الموجب للكفارة هي
المخالفة عمدا، فلو كانت جهلا أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها فلا حنث
ولا كفارة.
مسألة 14 - لو كان متعلق اليمين فعلا كالصلاة والصوم فإن عين
له وقتا تعين، وكان الوفاء بها بالاتيان به في وقته، وحنثها بعدم الاتيان
فيه وإن أتى به في وقت آخر، وإن أطلق كان الوفاء بها بايجاده في أي
وقت كان ولو مرة واحدة، وحنثها بتركه بالمرة، ولا يجب التكرار
ولا الفور والبدار، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظن الفوت لظن
طرو العجز أو عروض الموت، وإن كان متعلقها الترك كما إذا حلف أن
لا يشرب الدخان مثلا فإن قيده بزمان كان حنثها بايجاده ولو مرة في ذلك
الزمان، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر، فلو أتى به مدته ولو
مرة تحقق الحنث.
مسألة 15 - لو كان المحلوف عليه الاتيان بعمل كصوم يوم سواء
كان مقيدا بزمان كصوم يوم من شعبان أو مطلقا لم يكن له إلا حنث
واحد بتركه في الوقف المضروب أو مطلقا، وكذلك إذا كان ترك عمل
على الاطلاق سواء قيده بزمان أم لا، فالوفاء بها بتركه في الوقف المضروب
أو مطلقا، وحنثا بايقاعه ولو مرة واحدة، فلو أتى به حنث وانحلت
اليمين، فلو أتى به مرارا لم يحنث إلا مرة واحدة، فلو تكرر الكفارة،
والأقوى أن الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كل خميس، أو حلف
115

أن لا يشرب الدخان كل جمعة، فلا يتكرر الحنث والكفارة لو ترك الصوم
في أكثر من يوم، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة، وتنحل اليمين
بالمخالفة الأولى، والاحتياط حسن.
مسألة 16 - كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين
أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وسيجئ تفصيلها في الكفارات
إن شاء الله تعالى.
مسألة 17 - الأيمان الصادقة كلها مكروهة، سواء كانت على الماضي
أو المستقبل، نعم لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه
جاز بلا كراهة ولو كذبا، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن
نفسه أو عرضه أو عن نفسه مؤمن أو عرضه، والأقوى عدم وجوب
التورية وإن أحسنها.
مسألة 18 - الأقوى جواز الحلف بغير الله في الماضي والمستقبل وإن
لم يترتب على مخالفة أثم ولا كفارة، كما أنه ليس قسما فاصلا في الدعاوي
والمرافعات.
القول في النذر
مسألة 1 - النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى على نحو مخصوص،
ولا ينعقد بمجرد النية، بل لا بد من الصيغة، وهي ما كان مفادها جعل
فعل أو ترك على ذمته لله تعالى، بأن يقول: لله علي أن أصوم أو أن أترك
شرب الخمر مثلا، وهل يعتبر في الصيغة قول: " لله " بالخصوص
أو يجزي غير هذه اللفظة من أسماء المختصة كما تقدم في اليمين؟ الظاهر
هو الثاني، ولا يبعد انعقاده بما يرادف القول المزبور من كل لغة خصوصا
116

لمن لا يحسن العربية، ولو اقتصر على قوله: " علي كذا " لم ينعقد وإن نوى
في ضميره معنى " لله " ولو قال: " نذرت لله أن أصوم " مثلا أو " لله علي
نذر صوم يوم " مثلا لم ينعقد على إشكال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 2 - يشترط في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء
الحجر في متعلق نذره، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مميزا وبلغ عشرا
ولا المجنون ولو أدواريا حال دوره، ولا المكره، ولا السكران، بل
ولا الغضبان غضبا رافعا للقصد، ولا السفيه المجور عليه إن كان المنذور
مالا ولو في ذمته، ولا المفلس المحجور عليه إن كان المنذور من المال
الذي حجر عليه وتعلق به حق الغرماء.
مسألة 3 - لا يصح نذر الزوجة مع نع الزوج وإن كان متعلقا بمالها
ولم يكن العمل به مانعا عن حقه، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه،
ولو أذن لها فنذرت انعقد، وليس له بعد ذلك حله ولا المنع عن الوفاء به،
ولا يشترط نذر الولد بإذن والده على الأظهر، وليس له حله ولا منعه
عن الوفاء به.
مسألة 4 - النذر إما نذر بر ويقال له: نذر المجازاة، وهو ما علق
على أمر إما شكرا لنعمة دنيوية أو أخروية كأن يقول: " إن رزقت ولدا
فلله علي كذا " أو " إن وفقت لزيارة بيت الله فلله علي كذا " وإما
استدفاعا لبلية كأن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا " وإما نذر
زجر، وهو ما علق على فعل حرام أو مكروه زجرا للنفس عن ارتكابهما
مثل أن يقول: " إن تعمدت الكذب أو بلت في الماء فلله علي كذا "
أو على ترك واجب أو مستحب زجرا لها عن تركهما، وإما نذر تبرع، وهو
ما كان مطلقا ولم يعلق على شئ، كأن يقول: " لله علي أن أصوم غدا ".
لا إشكال ولا خلاف في انعقاد الأولين، وفي انعقاد الأخير قولان، أقواهما.
117

الانعقاد.
مسألة 5 - يشترط في متعلق النذر مطلقا أن يكون مقدورا للناذر
وأن يكون طاعة لله تعالى صلاة أو صوما أو حجا ونحوها مما يعتبر في
صحتها القربة، أو أمرا ندب إليه الشرع ويصح التقرب به كزيارة المؤمنين
وتشييع الجنازة وعيادة المرضى وغيرها، فينعقد في كل واجب أو مندوب
ولو كفائيا إذا تعلق بفعله، وفي كل حرام أو مكروه إذا تعلق بتركه،
وأما المباح كما إذا نذر أكل طعام أو تركه فإن قصد به معنى راجحا كما
لو قصد بأكله التقوى على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة
فلا إشكال في انعقاده، كما لا إشكال في عدم الانعقاد فيما إذا صار متعلقة
فعلا أو تركا بسبب اقترانه ببعض العوارض مرجوحا ولو دنيويا، وأما
إذا لم يقصد به معنى راجحا ولو يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو مرجوحيته.
فالظاهر عدم انعقاده، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.
مسألة 6 - قد عرفت أن النذر إما معلق على أمر أو لا، والأول
على قسمين: نذر شكر ونذر زجر، فليعم أن المعلق عليه في نذر الشكر
إما من فعل الناذر أو من فعل غيره أو من فعل الله تعالى، ولا بد في الجميع
من أن يكون أمرا صالحا لأن يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاة له،
فإن كان من فعل الناذر فلا بد أن يكون طاعة لله تعالى من فعل واجب
أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه، فيلتزم بالمنذور شكرا لله تعالى
حيث وفقه عليها، فلو علقه شكرا على ترك واجب أو مندوب أو فعل
حرام أو مكروه لم ينعقد، وإن كان من فعل غيره فلا بد أن يكون فيه
منفعة دينية أو دنيوية للناذر صالحة للشكر عليها شرعا أو عرفا، ولا ينعقد
في عكسه، مثل أن يقول: " إن شاع بين الناس المنكرات فلله علي
كذا " وإن كان من فعل الله تعالى لزم أن يكون أمرا يسو تمنيه، ويحسن
118

طلبه منه تعالى كشفاء مريض أو هلاك عدو ديني أو أمن في البلاد ونحوها
فلا ينعقد في عكسه، كما إذا قال: إن أهلك الله هذا المؤمن الصالح
أو قال: إن وقع القحط في البلاد فكذا، وأما نذر الزجر فلا بد وأن
يكون الشرط والمعلق عليه فعلا أو تركا اختيارا للناذر، وكان صالحا
لأن يزجر عنه حتى يقع النذر زاجرا عنه، كفعل حرام أو مكروه أو ترك
واجب أو مندوب.
مسألة 7 - إن كان الشرط فعلا اختياريا للناذر فالنذر المعلق عليه
قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر، والمائز هو القصد،
مثلا لو قال: " إن شربت الخمر فلله علي كذا " وكان في مقام زجر النفس
وصرفها عن الشرب وإنما أوجب على نفسه شيئا على تقدير شربه ليكون
زاجرا عنه، فهو نذر زجر فينعقد، وإن كان في مقام تنشيط النفس
وترغيبها وقد جعل المنذور جزاء لصدوره منه وتهيؤ أسبابه له كان نذر
شكر، فلا ينعقد.
مسألة 8 - لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معين تعين،
فلو أتى بها في غيره لم يجز، وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان،
فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل، ولو نذرها في مكان ليس فيه
رجحان ففي انعقاده وتعينه وجهان بل قولان، أقواهما الانعقاد، نعم لو نذر
إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة كصلاة الليل أو صوم شهر
رمضان مثلا في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلق النذر بأصل
الصلاة والصيام بل بايقاعهما في المكان الخاص فالظاهر عدم انعقاده، هذا
إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح مثل كونه أفرغ للعبادة أو أبعد عن الرياء
ونحو ذلك، وإلا فلا إشكال في الانعقاد.
مسألة 9 - لو نذر صوما ولم يعين العدد كفى صوم يوم، ولو نذر
119

صلاة ولم يعين الكيفية والكمية فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر إلا أن يكون
قصده غير الرواتب، فعلا يجزي إلا الاتيان بركعتين، ولو نذر صدقة ولم يعين
جنسها ومقدارها كفى أقل ما يتناوله الاسم، ولو نذر أن يأتي بفعل قربي
يكفي كل ما هو كذلك ولو تسبيحة واحدة أو الصلاة على النبي وآله
صلوات الله عليهم أو التصدق بشئ إلى غير ذلك.
مسألة 10 - لو نذر صوم عشرة أيام مثلا فإن قيد بالتتابع أو التفريق
تعين، وإلا تخير بينهما، وكذا لو نذر صيام سنة فإن الظاهر مع الاطلاق
كفاية اثنا عشر شهرا ولو متفرقا، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي
ظاهرا صيام ثلاثين يوما ولو متفرقا، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من
شهر ولو ناقصا، وله أن يأتي بالشهر ملفقا، فيشرع في أثناء شهر ويكمل
من الثاني مقدار ما مضى من الشهر الأول، نعم لو أتى به متفرقا لا يجوز
الاكتفاء بمقدار الشهر الناقص.
مسألة 11 - لو نذر صيام سنة معينة استثني منها العيدان، فيفطر
فيهما ولا قضاء عليه، وكذا يفطر في الأيام التي عرض فيها ما لا يجوز
مع الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، لكن يجب القضاء
على الأقوى.
مسألة 12 - لو نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد
العيدين أو أحد العوارض المبيحة للافطار من مرض أو حيض أو نفاس
أو سفر أفطر، ويجب عليه القضاء على الأقوى في غير العيدين والسفر،
وعلى الأحوط فيهما وإن لا يخلو من قوة بالنسبة إلى العيدين.
مسألة 13 - لو نذر صوم يوم معين فأفطره عمدا يجب قضاؤه
مع الكفارة.
مسألة 14 - لو نذر صوم يوم معين جاز له السفر وإن كان غير
120

ضروري، ويفطر ثم يقضيه ولا كفارة عليه.
مسألة 15 - لو نذر زيارة أحد الأئمة عليهم السلام أو بعض الصالحين
لزم، ويكفي الحضور والسلام على المزور، والظاهر عدم وجوب غسل
الزيارة وصلاتها مع عدم ذكرهما فيه، وإن عين إماما لم يجز غيره وإن
كانت زيارته أفضل، كما أنه لو عجز عن زيارة من عينه لم يجب زيارة
غيره بدلا عنه، وإن عين للزيارة زمانا تعين، فلو تركها في وقتها عامدا
حنث وتجب الكفارة، والأقوى عدم وجوب القضاء.
مسألة 16 - لو نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السلام ماشيا انعقد
مع القدرة وعدم الضرر، فلو حج أو زار راكبا مع القدرة على المشي فإن
كان النذر مطلقا ولم يعين الوقت أعاد ماشيا، وإن عين وقتا وفات عمدا
حنث وعليه الكفارة، والأقوى عدم وجوب القضاء، وكذلك الحال
لو ركب في بعض الطريق ومشى في بعضه.
مسألة 17 - ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر
أو يسلك طريقا يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من
الشط ونحوه، ولو انحصر الطريق في البحر فإن كان كذلك من أول الأمر
لم ينعقد إلا إذا كان مراده فيما يمكن المشي، فيجب في سائر الطريق،
البر
والمشي منه فيما بعد انتظر، وإن كان معينا وطرأ ذلك في الوقت أو مطلقا
ولم يتمكن مطلقا سقط عنه ولا شئ عليه.
مسألة 18 - لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون
بعض فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في
البعض، والأحوط الأولى سياق بدنة في نذر الحج، ولو اضطر إلى ركوب
السفينة فالأحوط أن يقوم فيها بقدر الامكان.
121

مسألة 19 - لو نذر التصدق بعين شخصية تعينت، ولا يجزي مثلها
أو قيمتها مع وجودها، ومع التلف فإن كان لا باتلاف منه أتحل النذر
ولا شئ عليه، وإن كان باتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة على الأحوط
فيتصدق بالبدل، ويكفر أيضا على الأقوى إن كان الاتلاف اختياريا عمديا.
مسألة 20 - لو نذر الصدقة على شخص معين لزم، ولا يملك
المنذور له الابراء منه، فلا يسقط عن الناذر بابرائه، ولا يلزم على
المنذور له القبول، فإن امتنع عنه لا يبعد عدم انحلال النذر إلا إذا امتنع
في تمام الوقت المضروب له في الموقت ومطلقا في غيره، فلو رجع عن
امتناعه في الموقت قبل خروج وقته وفي غيره يجب التصدق عليه، نعم
لو كان نذره الصدقة بعين معينة فامتنع عن قبولها جاز له إتلافها،
ولا ضمان عليه لو رجع ولا كفارة، ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر
يخرج من أصل تركته، وكذا كل نذر تعلق بالمال كسائر الواجبات المالية
ولو مات المنذور له قبل أن يتصدق عليه قام وارثه مقامه على احتمال
مطابق للاحتياط سيما إذا كان متعلق النذر إعطاء شئ معين فمات
قبل قبضه.
مسألة 21 - لو نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة صرفه في مصالحه
كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه، والأحوط عدم التجاوز عن نحو تلك
المصالح، ولو نذر شيئا للإمام عليه السلام أو بعض أولاده فالظاهر جواز
صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إلى المنذور له، من غير فرق بين
الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين وغيرهما من وجوه الخير كبناء
المسجد والقنطرة ونحو ذلك، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة
زوارهم وصلة من يلوذ بهم من المجاورين المحتاجين والصلحاء من الخدام
المواظبين بشؤون مشاهدهم وإقامة مجالس تعزيتهم، هذا إذا لم يكن
122

في قصد الناذر جهة خاصة أو انصراف إلى جهة خاصة، وإلا اقتصر عليها
مسألة 22 - لو عين شاة للصدقة أو لأحد الأئمة عليهم السلام
أو لمشهد من الشاهد ونحو ذلك يتبعها نماؤها المتصل كالسمن، وأما المنفصل
فلا يترك الاحتياط في الحمل واللبن، بل لا يخلو من وجه، وأما النتاج
الموجود قبل النذر واللبن المحلوب كذلك فلمالكه.
مسألة 23 - لو نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم، فإن شق عليه
قوم الجميع بقيمة عادلة على ذمة وتصرف في أمواله بما يشاء وكيف شاء
ثم يتصدق عما في ذمته شيئا ويحسب إلى أن يوفي التمام، فإن بقي
منه شئ أوصى بأن يؤدى مما تركه بعد موته.
مسألة 24 - لو عجز الناذر في وقته إن كان موقتا ومطلقا
إن كان مطلقا انحل نذره وسقط عنه ولا شئ عليه، نعم لو نذر صوما
فعجز عنه تصدق عن كل يوم بمد من طعام على الأقوى، والأحوط مدان
مسألة 25 - النذر كاليمين في أنه إذا تعلق بايجاد عمل من صوم
أو صلاة أو صدقة أو غيرها فإن عين له وقتا تعين، ويتحقق الحنث،
وتجب الكفارة بتركه فيه، فإن كان صوما يجب قضاؤه على الأقوى،
وإن كان صلاة يقضيها على الأحوط، وأما غيرهما فالظاهر عدم وجوبه،
وإن كان مطلقا كان وقته العمر، وجاز له التأخير إلى أن يظن بالوفاة
فيتضيق، ويتحقق الحنث بتركه مدة الحياة، هذا إذا كان المنذور فعل
شئ، وإن كان ترك شئ ففي الموقت حنثه بايجاده فيه ولو مرة، وفي
المطلق بايجاده مدة حياته ولو مرة، ولو أتى به تحقق الحنث وانحل النذر
كما مر في اليمين.
مسألة 26 - إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا
فلو أتى بشئ تعلق النذر بتركه نسيانا أو جهلا أو اضطرارا أو إكراها
123

لم يترتب عليه شئ، بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد
ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقا أو موقتا وقد بقي الوقت.
مسألة 27 - لو نذر إن برأ مريضه أو قدم مسافره صام يوما مثلا
فبان أن المريض برأ والمسافر قدم قبل النذر لم يلزم.
مسألة 28 - كفارة حنث النذر ككفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان على الأقوى.
القول في العهد
لا ينعقد العهد بمجرد النية، بل يحتاج إلى الصيغة على الأقوى،
وصورتها عاهدت الله أو علي عهد الله، ويقع مطلقا ومعلقا على شرط
كالنذر، والظاهر أنه يعتبر في المعلق عليه إن كان مشروطا ما اعتبر فيه
في النذر المشروط، وأما ما عاهد عليه فهو بالنسبة إليه كاليمين يعتبر فيه
أن لا يكون مرجوحا دينا أو دنيا، ولا يعتبر فيه الرجحان فضلا عن
كونه طاعة، فلو عاهد على فعل مباح لزم، ولو عاهد على فعل كان تركه
أرجح أو على ترك أمر كان فعله أولى ولو من جهة الدنيا لم ينعقد،
ولو لم يكن كذلك حين العهد ثم طرأ عليه ذلك انحل.
مسألة 29 - مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفارة، والأظهر أن
كفارتها كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.
124

كتاب الكفارات
القول في أقسامها
وهي على أربعة أقسام: مرتبة، ومخيرة، وما اجتمع فيه الأمران،
وكفارة الجمع، أما المرتبة فهي ثلاث: كفارة الظهار، وكفارة قتل
الخطأ، يجب فيهما العتق فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فاطعام
ستين مسكينا، وكفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال،
وهي إطعام عشرة مساكين فإن عجز فصيام ثلاثة أيام، والأحوط كونها
متتابعات.
وأما المخيرة فهي كفارة من أفي في شهر رمضان بأحد الأسباب
الموجبة لها، وكفارة حنث النذر، وكفارة حنث العهد، وكفارة جز
المرأة شعرها في المصاب، وهي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا مخيرا بينها على الأظهر.
وما اجتمع فيه الأمران كفارة حنث اليمين، وكفارة نتف المرأة
125

شعرها وخدش وجهها في المصاب، وشق الرجل ثوبه في موت ولده أو
زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم
مخيرا بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.
وأما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا وظلما، وكفارة
الافطار في شهر رمضان بالمحرم على الأحوط، وهي عتق رقبة مع صيام.
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
مسألة 1 - لا فرق في جزء المرأة شعرها بين جز تمام شعر رأسها
أو جز بعضه بما يصدق عرفا أنها جزت شعرها، كما لا فرق بين كونه
في مصاب زوجها ومصاب غيره، وبين القريب والبعيد، والأقوى عدم
إلحاق الحلق والاحراق به وإن كان أحوط سيما في الأول.
مسألة 2 - لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه، بل يكفي مسمه
نعم الظاهر أنه يعتبر فيه الادماء، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الادماء،
ولا بشق ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل
وجهه ولا بجز شعره ولا بشق ثوبه على غير ولده وزوجته، نعم لا فرق
في الولد بين الذكر والأنثى، وفي شموله لولد الولد تأمل، والأحوط
ذلك في ولد الابن، والظاهر عدم الشمول لولد البنت وإن كان أحوط،
ولا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة سيما إذا كانت مدتها طويلة.
القول في أحكام الكفارات
مسألة 1 - لا يجزي عتق الكافر في الكفارات مطلقا، فيشترط فيه
الاسلام، ويستوي في الأجزاء الذكر والأنثى والكبير والصغير الذي هو
بحكم المسلم بأن كان أحد أبويه مسلما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في
126

كفارة القتل بعتق البالغ، ويشترط أيضا أن يكون سالما من العيوب التي
توجب الانعتاق قهرا كالعمي والجذام والاقعاد والتنكيل، ولا بأس بسائر
العيوب، فيجزي عتق الأصم والأخرس وغيرهما، ويجزي عتق الآبق
وإن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته.
مسألة 2 - يعتبر في الخصال الثلاث أي العتق والصيام والاطعام النية
المشتملة على قصد العمل وقصد القربة وقصد كونه عن الكفارة، وتعيين
نوعها لو كان عليه أنواع متعددة، فلو كانت عليه كفارة ظهار ويمين
وإفطار فأعتق عبدا ونوى التكفير لم يجز عن واحد منها، وفي المتعدد من
نوع واحد يكفي قصد النوع، ولا يحتاج إلى تعيين آخر، فلو أفطر أياما
من شهر رمضان من سنة أو ستين فأعتق عبدا لكفارة الافطار كفى وإن
لم يعين اليوم الذي أفطر فيه، وكذلك بالنسبة إلى الصيام والاطعام،
ولم كان عليه كفارة ولا يدري نوعها مع علمه باشتراكها في الخصال مثلا
كفى الاتيان بإحداها ناويا عما في ذمته، بل لو علم أن عليه إعتاق عبد مثلا
ولا يدري أنه منذور أو عن كفارة كفى إعتاق عبد بقصد ما في ذمته.
مسألة 3 - يتحقق العجز عن العتق الموجب للانتقال إلى غيره في
المرتبة بعدم الرقبة أو عدم التمكن من شرائه أو غير ذلك مما هو مذكور
في الفقه، ويتحقق العجز عن الصيام الموجب لتعين الاطعام بالمرض المانع منه
أو خوف زيادته بل حدوثه إن كان لمنشأ عقلائي، وبكونه شاقا عليه
بما لا يتحمل، وهل يكفي وجود المرض أو خوف حدوثه أو زيادته في
الحال ولو مع رجاء البرء وتبدل الأحوال أو يعتبر اليأس؟ وجهان بل قولان
لا يخلو أولهما من رجحان، نعم لو رجا البرء بعد زمان قصير يشكل الانتقال
إلى الاطعام، ولو أخر الاطعام إلى أن برأ من المرض وتمكن من الصوم
تعين ولم يجز الاطعام.
127

مسألة 4 - ليس طرو الحيض والنفاس موجبا للعجز عن الصيام
والانتقال إلى الاطعام، وكذا طرو الاضطرار على السفر الموجب للافطار
لعدم انقطاع التتابع بطرو ذلك.
مسألة 5 - المعتبر في العجز والقدرة هو حال الأداء لا حال الوجوب
فلو كان حال حدوث موجب الكفارة قادرا على العتق عاجزا عن الصيام
فلم يعتق حتى انعكس صار فرضا الصيام، وسقط عنه وجوب العتق.
مسألة 6 - لو عجز عن العتق في المرتبة فشرع في الصوم ولو ساعة
من النهار ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق، فله إتمام الصيام ويجزي،
وفي جواز رفع اليد عن الصوم واختيار العتق وجه، بل الظاهر أنه أفضل،
ولو عرض ما يوجب استئنافه بأن عرض في أثنائه ما أبطل التتابع تعين
عليه العتق مع بقاء القدرة عليه، وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام
فدخل في الاطعام ثم زال العجز.
مسألة 7 - يجب التتابع في الصيام في جميع الكفارات، والحكم في
بعضها مبني على الاحتياط، فلا يجوز تخلل الافطار ولا صوم آخر بين أيامها
وإن كان لكفارة أخرى، من غير فرق بين ما وجب فيه شهران مرتبا
على غيره أو مخيرا أو جمعا، وكذا بين ما وجب فيه شهران أو ثلاثة أيام
ككفارة اليمين، ومتى أخل بالتتابع وجب الاستئناف، ويتفرع على وجوبه
أنه لا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بتخلل صوم آخر واجب في
زمان معين بين أيامه، فلو شرع في صيام ثلاثة أيام قبل شهر رمضان أو
قبل خميس معين مثلا نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز ووجب استئنافه.
مسألة 8 - إنما يضر بالتتابع ما إذا وقع الافطار في البين باختيار،
فلو وقع لعذر كالاكراه أو الاضطرار أو المرض أو الحيض أو النفاس
لم يضر به، ومنه وقوع السفر في الأثناء إن كان ضروريا دون غيره،
128

وكذا منه ما إذا نسي النية حتى فات وقتها بأن تذكر بعد الزوال، وكذا
الحال فيما إذا كان تخلل صوم آخر لا بالاختيار كما إذا نسي فنوى صوما
آخر ولم يتذكر إلا بعد الزوال، ومنه ما إذا نذر صوم كل خميس مثلا
ثم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، فلا يضر تخلل المنذور، ولا يتعين
عليه البدل في المخيرة، ولا ينتقل إلى الاطعام في المرتبة، نعم في صوم
ثلاثة أيام يخل تخلله في المفروض، فيلزم الشروع فيها من زمان لم يتخلل
المنذور بينها، نعم لو كان المنذور على وجه لا يمكن معه تحصيل التتابع
كما إذا نذر الصيام يوما ويوما لا فلا يضر التخلل به.
مسألة 9 - يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة مرتبة كانت أو مخيرة
صيام شهر ويوم متتابعا، ويجوز التفريق في البقية ولو اختيارا لا لعذر
فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفارة يجوز له الشروع فيه قبل شعبان
بيوم، ولا يجوز له الاقتصار على شعبان، وكذا يجوز الشروع قبل
الأضحى بواحد وثلاثين يوما، ولا يجوز قبله بثلاثين.
مسألة 10 - من وجب عليه صيام شهرين فإن شرع فيه من أول
الشهر يجزي هلاليان وإن كانا ناقصين، وإن شرع في أثنائه ففيه وجوه
بل أقوال، أوجهها تكسير الشهرين وتتميم ما نقص، فلو شرع فيه عاشر
شوال يتم بصيام تاسع ذي الحجة من غير فرق بين نقص الشهرين أو تمامهما
أو اختلافهما، والأحوط صيام ستين يوما، ولو وقع التفريق بين الأيام
بتخلل ما لا يضر بالتتابع شرعا يتعين ذلك ويجب الستين.
مسألة 11 - يتخير في الاطعام الواجب في الكفارات بين إشباع
المساكين والتسليم إليهم، ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر، ولا يتقدر
الاشباع بمقدار، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قل أو كثر،
وأما في التسليم فلا بد من مد لا أقل، والأفضل بل الأحوط مدان،
129

ولا بد في كل من النحوين كمال العدد من ستين أو عشرة، فلا يجزي إشباع
ثلاثين أو خمسة مرتين أو تسليم كل واحد منهم مدين، ولا يجب الاجتماع
لا في التسليم ولا في الاشباع، فلو أطعم ستين مسكينا في أوقات متفرقة
من بلاد مختلفة ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة أخرى لأجزأ وكفي.
مسألة 12 - الواجب في الاشباع إشباع كل واحد من العدد مرة،
وإن كان الأفضل إشباعه في يومه وليله غداة وعشاءا.
مسألة 13 - يجزي في الاشباع كل ما يتعارف التغذي والتقوت به
لغالب الناس من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة، ومن الخبز من
أي جنس كان مما يتعارف تخبيزه من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن وغيرها
وإن كان بلا إدام، نعم الأحوط في كفارة اليمين وما كانت كفارته
كفارتها عدم كون الاطعام بل والتسليم أدون مما يطعمون أهليهم، وإن
كان الاجزاء بما ذكر فيها أيضا لا يخلو من قوة، والأفضل أن مائعا وإن
كان خلا أو ملحا أو بصلا، وكل ما كان أفضل كان أفضل، وفي
التسليم بذل ما يسمى طعاما من ني ومطبوخ من الحنطة والشعير ودقيقهما
وخبزهما والأرز وغير ذلك، والأحوط الحنطة أو دقيقها، ويجزي التمر
والزبيب تسليمها وإشباعا.
مسألة 14 - التسليم إلى المسكين تمليك له، فيملك ما قبضه ويفعل
به ما شاء، ولا يتعين عليه صرفه في الأكل.
مسألة 15 - يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم،
فيعطى الصغير مدا من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم
إلى وليه، وكذلك إن كان بنحو الاشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار،
فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستينا
130

وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد، بل الأحوط
احتسابهم كذلك مطلقا، والظاهر أنه لا يعتبر في إشباعهم إذن الولي
مسألة 16 - لا إشكال في جواز إعطاء كل مسكين أزيد من مد
من كفارات متعددة ولو مع الاختيار من غير فرق بين الاشباع والتسليم،
فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستين شخصا معينين في ثلاثين
يوما، أو تسليم ثلاثين مدا من طعام لكل واحد منهم وإن وجد غيرهم.
مسألة 17 - لو تعذر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، وإن
تعذر انتظر، ولو وجد بعض العدد كرر على الموجود حتى يستوفي المقدار
ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين، فلو تمكن من عشرة كرر عليهم
ست مرات، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتا عشرة مرة، والأحوط
عند تعذر العدد الاقتصار على الاشباع دون التسليم، وأن يكون في أيام
متعددة.
مسألة 18 - المراد بالمسكين الذي هو مصرف الكفارة هو الفقير
الذي يستحق الزكاة، وهو من لم يملك قوت سنته لا فعلا ولا قوة،
ويشترط فيه الاسلام بل الايمان على الأحوط، وإن كان جواز إعطاء
المستضعف من الناس غير الناصب لا يخلو من قوة، وأن لا يكون ممن
تجب نفقته على الدافع كالوالدين والأولاد والزوجة الدائمة دون المنقطعة
ودون سائر الأقارب والأرحام حتى الإخوة والأخوات، ولا يشترط فيه
العدالة ولا عدم الفسق، نعم لا يعطى المتجاهر بالفسق الذي ألقى جلباب
الحياء، وفي جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان، لا يخلو الجواز
من رجحان، وإن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار والاحتياج
التام الذي يحل معه أخذ الزكاة.
مسألة 19 - يعتبر في الكسوة في الكفارة أن يكون ما بعد لباسا
131

عرفا من غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن منخرقا أو منسحقا وباليا
بحيث ينخرق بالاستعمال، فلا يكتفي بالعمامة والقلنسوة والحزام والخف
والجورب، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد خصوصا بمثل السراويل
أو القصيص القصير، فلا يكون أقل من قميص مع سراويل وإن كان الأقوى
جواز الاكتفاء به، والأحوط أن يكون مما يواري عورته، ويعتبر فيها
العدد كالاطعام، فلو كرر على واحد بأن كساه عشر مرات لم تحسب
إلا واحد، ولا فرق في المكسو بين الصغير والكبير والذكر والأنثى
نعم في الاكتفاء بكسوة الصغير في أوائل عمره كابن شهر أو شهرين إشكال
اعتبار كونه مخيطا فيما كان المتعارف فيه
المخيطية دون ما لا يحتاج إلى الخياطة، فلو سلم إليه الثوب غير مخيط
في الفرض لم يجز، نعم الظاهر أنه لا بأس بأن يدفع أجرة الخياطة معه
ليخيطه ويلبسه، ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس،
ولا إعطاء لباس الصغير للكبير، ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف
أو قطن أو كتان أو غيرها، وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال
إلا إذا جاز لهم اللبس لضرورة أو غيرها، ولو تعذر تمام العدد كسا
الموجود وانتظر الباقي، والأحوط التكرار على الموجود، فإذا وجد الباقي كساه.
مسألة 20 - لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الاطعام، ولا في الكسوة
بل لا بد في الاطعام من بذل الطعام إشباعا أو تمليكا، وكذا في الكسوة
لا بد من إعطائها، نعم لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحق إذا كان
ثقة، ويؤكله في أن يشتري بها طعاما فيأكله أو يتملكه أو كسوة
ليلبسها.
مسألة 21 - إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لم يجز أن يكفر بجنسين
بأن يصوم شهرا ويطعم ثلاثين في كفارة شهر رمضان مثلا، أو يطعم
132

خمسة ويكسو خمسة مثلا في كفارة اليمين، نعم لا بأس باختلاف أفراد
الصنف الواحد منها كما لو أطعم بعض العدد طعاما خاصا وبعضه غيره،
أو كسا بعضهم ثوبا من جنس وبعضهم من آخر، بل يجوز في الاطعام
أن يشبع بعضا ويسلم إلى بعض كما مر.
مسألة 22 - لا بدل للعتق في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة أو
كفارة الجمع، فيسقط بالتعذر، وأما صيام شهرين متتابعين والاطعام
لو تعذرا ففي كفارة شهر رمضان مع تعذر جميع الخصال يتصدق بما يطيق
ومع عدم التمكن يستغفر الله، ويكفي مرة، والأحوط في هذه الصورة
التكفير إن تمكن بعد ذلك، وفي غيرها مع تعذرها صام ثمانية عشر يوما
على الأقوى في الظهار، وعلى الأحوط في غيره، والأحوط التتابع فيها،
وإن عجز عن ذلك أيضا صام ما استطاع أو تصدق بما وجد على الأحوط
في شقي التخيير، ومع العجز عنهما بالمرة استغفر الله تعالى ولو مرة.
مسألة 23 - الظاهر أن وجوب الكفارات موسع، فلا تجب المبادرة
إليها، ويجوز التأخير ما لم يؤد إلى حد التهاون.
مسألة 24 - يجوز التوكيل في إخراج الكفارات المالية وأدائها،
ويتولى الوكيل النية إن كان وكيلا في إخراجها، وإن كان وكيلا
في الايصال إلى الفقير ينوي الموكل حين دفع الوكيل إلى الفقير، ويكفي
أن يكون من نيته أن ما يدفع وكيله إلى الفقير كفارة، ولا يلزم العلم
بوقت الأداء تفصيلا، وأما الكفارات البدنية فلا يجزي فيها التوكيل،
ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى إلا عن الميت.
مسألة 25 - الكفارات المالية بحكم الديون، فلو مات من وجبت عليه
تخرج من أصل المال، وأما البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا إخراجها
من التركة ما لم يوص بها الميت، فتخرج من ثلثه، نعم في وجوبها على
133

الولي وهو الولد الأكبر احتمال قوي فيما إذا تعين على الميت الصيام، وأما
لو تعين عليه غيره بأن كانت مرتبة وتعين عليه الاطعام فلا يجب على الولي،
ولو كانت مخيرة وكان متمكنا من الصيام والاطعام فلو أمكن الاخراج
من التركة تخرج منها، وإلا فالأحوط على الولي الصيام لو تلفت التركة
أو أبي الورثة عن الاطعام.
134

كتاب الصيد والذباحة
القول في الصيد
كما يذكى الحيوان ويحل لحم ما حل أكله بالذبح الواقع على النحو
المعتبر شرعا يذكى أيضا بالصيد على النحو المعتبر، وهو إما بالحيوان أو
بغيره، وبعبارة أخرى الآلة التي يصاد بها إما حيوانية أو جمادية، ويتم
الكلام في القسمين في ضمن مسائل
مسألة 1 - لا يحل من صيد الحيوان ومقتوله إلا ما كان بالكلب
المعلم سواء كان سلوقيا أو غيره، فلا يحل
صيد غيره من جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما وجوارح الطير كالبازي
والعقاب والباشق وغيرها وإن كانت معلمة، فما يأخذه الكلب المعلم ويقتله
بعقره وجرحه مذكى حلال أكله من غير ذبح، فيكون عضه وجرحه على
أي موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.
مسألة 2 - يعتبر في حلية صيد الكلب أن يكون معلما للاصطياد،
135

وعلامة كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته المانع أن يسترسل
ويهيج إلى الصيد لو أرسله صاحبه وأغراه به، وأن ينزجر ويقف عن
الذهاب والهياج إذا زجره، نعم لا يضر إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد
وقربه منه، والأحوط أن يكون من عادته التي لا تتخلف إلا نادرا أن
يمسك الصيد ولا يأكل منه شيئا حتى يصل صاحبه.
مسألة 3 - يشترط في حلية صيد الكلب المعلم أمور:
الأول - أن يكون ذلك بارساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من
دون إرسال لم يحل مقتوله وإن أغراه صاحبه بعده حتى فيما أثر إغراؤه
فيه بأن زاد في عدوه بسببه على الأحوط، وكذا الحال لو أرسله
لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدو أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف
غزالا فصاده، والمعتبر قصد الجنس لا الشخص، فلو أرسله إلى صيد
غزال فصادف غزلا آخر فأخذه وقتله كفى في حله، وكذا لو أرسله
إلى صيد فصاده مع غيره حلا معا.
الثاني - أن يكون المرسل مسلما أو بحكمه كالصبي الملحق به بشرط
كونه مميزا، فلو أرسله كافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب
لعنهم الله لم يحل أكل ما قتله.
الثالث - أن يسمى بأن يذكر اسم الله عند إرساله، فلو تركه عمدا
لم يحل مقتوله، ولا يضر لو كان نسيانا، والأحوط أن تكون التسمية
عند الارسال، فلا يكتفى بها قبل الإصابة.
الرابع - أن يكون موت الحيوان مستندا إلى جرحه وعقره، فلو
كان بسبب آخر كصدمه أو خنقه أو إتعابه أو ذهاب مرارته من الخوف
أو إلقائه من شاهق أو غير ذلك لم يحل.
الخامس - عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيا مع تمكنه من تذكيته
136

بأن أدركه ميتا أو أدركه حيا لكن لم يسع الزمان لذبحه، وبالجملة إذا
أرسل كلبه إلى الصيد فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع
فوجده ميتا كان ذكيا وحل أكله، وكذا إن وجده حيا ولم يتسع الزمان
لذبحه فتركه حتى مات، وأما إن اتسع لذبحه لا يحل إلا بالذبح
فلو تركه حتى مات كان ميتة، وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف
عينيه أو تركض رجله أو يحرك ذنبه أو يده، فإن وجده كذلك واتسع
الزمان لذبحه لم يحل أكله إلا بالذبح، وكذلك الحال لو وجده بعد عقر
الكلب عليه ممتنعا جعل يعدو خلفه فوقف، فإن بقي من حياته زمانا
يتسع لذبحه لم يحل إلا به، وإن لم يتسع حل بدونه، ويلح بعدم اتساعه
ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه، كما إذا اشتغل بأخذ
الآلة وسل السكين مع المسارعة العرفية وكون الآلات على النحو المتعارف
فلو كان السكين في غمد ضيق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سله منه
لم يحل، وكذل لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه، ومن عدم التقصير
ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقية قوة ونحو ذلك فمات قبل
أن يمكنه الذبح، نعم لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى
فلو وجده حيا واتسع الزمان لذبحه إلا أنه لم يكن عنده السكين فلم يذبحه
لذلك حتى مات لم يحل أكله.
مسألة 4 - هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة والمبادرة إلى
الصيد من حين الارسال أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان
بعد امتناعه أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع أو لا تجب أصلا؟
الظاهر وجوبها من حين الايقاف، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفية حتى
أنه لو أدركه حيا ذبحه، فلو لم يتسارع ثم وجده ميتا لم يحل أكله، وأما
قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، هذا
137

إذا احتمل ترتب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد بأن احتمل أنه يدركه
حيا ويقدر على ذبحه من جهة اتساع الزمان ووجود الآلة، وأما مع عدم
احتماله ولو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها، فلو خلاه
حينئذ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حل أكله، نعم
لو توقف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع
إليه وتعرف حاله لزم لأجل ذلك.
مسألة 5 - لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب
فلو أرسل جماعة كلبا واحدا أو أرسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت
صيدا حل أكله، نعم يعتبر في المتعدد صائدا وآلة أن يكون الجميع واجدا
للأمور المعتبرة شرعا، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر أو لم يسم أحدهما
أو أرسل كلبان أحدهما معلم والآخر غير معلم فقتلاه لم يحل.
مسألة 6 - لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلا ما قتله السيف
أو السكين أو الخنجر ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدها أو الرمح والسهم
والنشاب مما يشاك بحده حتى العصا التي في طرفه بحدها أو الرمح والسهم
والنشاب مما يشاك بحده حتى العصا التي في طرفها حديدة محددة، من غير
فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش أو صنع قاطعا
أو شائكا بنفس، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد، فيكفي بعد
كونه سلاحا قاطعا أو شائكا كونه من أي فلز كان حتى الصفر والذهب
والفضة، والأحوط اعتباره، ويعتبر كونه مستعملا سلاحا في العادة على
الأحوط، فلا يشمل المخيط والشوك والسفود ونحوها، والظاهر أنه لا يعتبر
الخرق والجرح في الآلة المذكورة أعني ذات الحديد المحددة، فلو رمى
الصيد بسهم أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن من دون أن يكون فيه أثر
السهم والرمح حل أكله، ويلحق بالآلة الحديدية المعراض الذي هو كما
قيل خشبة لا نصل فيها إلا أنها محددة الطرفين ثقيلة الوسط أو السهم الحاد
138

الرأس الذي لا نصل فيه أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه
دون حده، وكيف كان إنما يحل مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها
إياه وشوكها فيه ولو يسيرا، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحل،
والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحددة غير الحديد.
مسألة 7 - كل آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محددة ولا محددة غير
الحديدية قتلت بخرقها من المثقلات كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة
لا يحل مقتولها كالمقتول بالحبائل والشبكة والشرك ونحوها، نعم لا بأس
بالاصطياد بها، وكذا بالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي وغيرها
بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها، ولكنه لا يحل ما يصطاد بها
إلا إذا أدركه وذكاه.
مسألة 8 - لا يبعد حلية ما قتل بالآلة المعروفة المسماة بالبندقية
مع اجتماع الشرائط بشرط أن تكون البندقة محددة نافذة بحدته على الأحوط،
فيجتنب مما قتل بالبندق الذي ليس كذلك وإن جرح وخرق بقوته، والبندقة
التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدتها.
مسألة 9 - لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد
ولا وحدة الآلة، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسميا معا
فقتلا صيدا حل إذا اجتمع الشرائط فيهما، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى
صيد ورماه آخر بسهم فقتل بهما حل.
مسألة 10 - يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في
الصيد بالآلة الحيوانية، فيشترط كون الصائد مسلما والتسمية عند استعمال
الآلة وأن يكون استعمالها للاصطياد، فلو رمى إلى هدف أو إلى عدو أو
إلى خنزير فأصاب غزالا فقتله لم يحل وإن سمى عند الرمي لغرض من
الأغراض، وكذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله، وأن لا يدركه حيا
139

زمانا اتسع للذبح، فلو أدركه كذلك لم يحل إلا بالذبح، والكلام في وجوب
المسارعة وعدمه كما مر، وأن يستقل الآلة المحللة في قتل الصيد، فلو شاركها
فيه غيرها لم يحل، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل أو وقع في الماء
واستند موته إليهما بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته لم يحل، وكذا
لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما.
مسألة 11 - لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة، فيحل الصيد
بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراما، وعليه الأجرة، ويملكه
الصائد دون صاحب الآلة.
مسألة 12 - الحيوان الذي يحل مقتوله بالكلب والآلة مع اجتماع
الشرائط كل حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره، سواء كان كذلك
بالأصل كالحمام والظبي والبقر الوحشي أو كان أنسيا فتوحش أو استعصى
كالبقر المستعصي والبعير كذلك، وكذلك الصائف من البهائم كالجاموس
الصائل ونحوه، وبالجملة كل ما لا يجئ تحت اليد ولا يقدر عليه غالبا
إلا بالعلاج، فلا تقع التذكية الصيدية على الحيوان الأهلي المستأنس سواء
كان استئناسه أصليا كالدجاج والشاة والبعير والبقر أو عارضيا كالظبي
والطير المستأنسين، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو وفرخ
الطير قبل نهوضه للطيران، فلو رمى طائرا وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما
حل الطائر دون الفرخ.
مسألة 13 - الظاهر أنه كما تقع التذكية الصيدية على الحيوان المأكول
اللحم فيحل بها أكله ويطهر جلده تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية
أيضا، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به، هذا إذا كانت بالآلة الجمادية
وأما الحيوانية ففيها تأمل وإشكال.
مسألة 14 - لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان فإن كانت الآلة غير
140

محللة كالشبكة والحبالة مثلا يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحال
التذكية، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرة على الأحوط
بأن تكون حركته حركة المذبوح، وإن بقيت حياته المستقرة يحل بالتذكية
وإن كانت الآلة محللة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط فإن زالت
الحياة المستقرة عن الجزءين بهذا القطع حلا مع،، وإن بقيت الحياة المستقرة
حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحال التذكية ويكون ميتة، سواء اتسع
الزمان للتذكية أم لا، وأما الجزء الآخر فحلال مع عدم اتساع الزمان للتذكية
ولو اتسع لها لا يحل إلا بالذبح.
مسألة 15 - يملك الحيوان الوحشي سواء كان من الطيور أو غيره
بأحد أمور ثلاثة: أحدها - أخذه حقيقة بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه
أو شده بحبل ونحوه بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملك، وأما مع عدم
القصد ففيه إشكال، كما أنه مع قصد الخلاف لا يملك، ثانيها - وقوعه في
آلة معتادة للاصطياد بها كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك
ثالثها - أن يصيره غير ممتنع بآلة كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو
أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران، سواء كانت الآلة من الآلات المحللة
للصيد كالسهم والكلب المعلم أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز
والشاهين وغيرها، ويعتبر في هذا أيضا أن يكون إعمال الآلة بقصد
الاصطياد والتملك، فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه،
فلو أخذه شخص آخر بقصد التملك ملكه.
مسألة 16 - الظاهر أنه يلحق بآلة الاصطياد كل ما جعل وسيلة
لاثبات الحيوان وزول امتناعه ولو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع،
أو باتخاذ أرض وإجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحل فيها فتوحل، أو
فتح باب شئ ضيق وإلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فأغلق عليها
141

وزوال امتناعها، وأما لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها على
امتناعها في البيت فالظاهر عدم تملكه به مع إغلاق الباب، كما أنه لو عشش
الطير في داره لم يملكه بمجرده، وكذا لو توحل حيوان في أرضه الموحلة
ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد، فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه
وإن عصى لو دخل داره أو أرضه بغير إذنه.
مسألة 17 - لو سعى خلف حيوان حتى أعياه ووقف عن العدو
لم بملكه ما لم يأخذه، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه.
مسألة 18 - لو وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد ولم تمسكه
الشبكة لضعفها وقوته فانفلت منها لم يملكه ناصبها، وكذا إن أخذ الشبكة
وانفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع، فإن صاده غيره ملكه ورد
الشبكة إلى صاحبها، نعم لو أمسكته الشبكة وأثبتته ثم انفلت منها بسبب
من الأسباب الخارجية لم يخرج بذلك عن ملكه، كما لو أمسكه بيده ثم
انفلت منها، وكذا لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فإنه
لناصبها، فلو أخذه غيره يجب أن يرده إليه.
مسألة 19 - لو رماه فخرجه لكن لم يخرج عن الامتناع فدخل دارا
فأخذه صاحبها ملكه بأخذه لا بدخول الدار، كما أن لو رماه ولم يثبته
فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني.
مسألة 20 - لو أطلق الصائد صيده فإن لم يقصد الاعراض عنه
لم يخرج عن ملكه ولا يملكه غيره باصطياد، وإن قصد الاعراض وزوال
ملكه عنه فالظاهر أنه يصير كالمباح، جاز اصطياد لغيره ويملكه، وليس
للأول الرجوع إليه بعد تملكه على الأقوى.
مسألة 21 - إنما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا
للغير ولو من جهة آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه كما إذا كان طوق.
142

في عنقه أو قرط في أذنه أو شد حبل في أحد قوائمه، ولو علم ذلك لم يملكه
الصائد بل يرد إلى صاحبه إن عرفه، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة،
وأما الطير فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أن له مالكا فيرد
إلى صاحبه إن عرف، وإن لم يعرف كان لقطة، وأما إن ملك جناحيه
يتملك بالاصطياد إلا إذا كان له مالك معلوم فيجب رده إليه، والأحوط
فيما إذا علم أن له مالكا ولو من جهة وجود آثار اليد فيه ولم يعرفه أن
يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير.
مسألة 22 - لو صنع برجا لتعشيش الحمام فعشش فيه لم يملكه
خصوصا لو كان الغرض حيازة زرقه مثلا، فيجوز لغيره صيده، ويملك
ما صاده، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها وإن أثم من جهة الدخول
فيه بغير إذن صاحبه، وكلك لو عشش في بئر مملوكة ونحوها فإنه
لا يملكه مالكها.
مسألة 23 - الظاهر أنه يكفي في تملك النحل غير المملوكة أخذ
أميرها، فمن أخذه من الجبال مثلا واستولى عليه يملكه كل ما تتبعه
من النحل مما تسير بسيره وتقف بوقوفه وتدخل الكن وتخرج منه بدخوله
وخروجه.
مسألة 24 - ذكاة السمك إما باخراجه من الماء حيا أو بأخذه بعد
خروجه منه قبل موته سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها،
فلو وثب على الجد أو نبذه البحر إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه
حل لو أخذه شخص قبل أن يموت، وحرم لو مات قبل أخذه وإن
أدركه حيا ناظرا إليه على الأقوى.
مسألة 25 - لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو
أخذه بعد خروجه التسمية، كما أنه لا يعتبر في صائد الاسلام،
143

فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حل، سواء كان كتابيا أو غيره،
نعم لو وجده في يده ميتا لم يحل أكله ما لم يعلم أنه قد مات خارج الماء
بعد إخراجه أو أخذه بعد خروجه وقبل موته، ولا يحرز ذلك بكونه في
يده، ولا بقوله لو أخبر به بخلاف ما إذا كان في يد المسلم، فإنه يحكم
بتذكيته حتى يعلم خلافها.
مسألة 26 - لو وثب من الماء سمكة إلى السفينة لم يحل ما لم يؤخذ
باليد، ولم يملكه السفان ولا صاحب السفينة، بل كل من أخذه بقصد
التملك ملكه، نعم لو قصد صاحب السفينة الصيد بها بأن يجعل فيها ضوء
بالليل ودق بشئ كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها فالوجه أنه يملكها
ويكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيا فيكون به تذكيتها.
مسألة 27 - لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك
فكل ما وقع واحتبس فيهما ملكه، فإن أخرج ما فيهما من الماء حيا حل
بلا إشكال، وكذا لو نضب الماء وغار ولو بسبب جزره فمات فيهما بعد
نضوبه، وأما لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان أشهرهما
وأحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوة هو حلال أو لا؟ قولان أشهرهما
وأحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوة، ولو أخرج الشبكة من الماء فوجد
بعض ما فيها أو كله ميتا ولم يدرك أنه قد مات في الماء أو بعد خروجه
فالأحوط الاجتناب عنه.
مسألة 28 - لو أخرج السمك من الماء حيا ثم أعاده إليه مربوطا
أو غير مربوط فمات فيه حرم.
مسألة 29 - لو طفا السمك على الماء وزال امتناع بسبب - مثل أن
ضرب بمضراب أو بلع ما يسمى بالزهر في لسان بعض الناس أو غير ذلك -
فإن أدركه شخص وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت حل، وإن
مات على الماء حرم وإن ألقى الزهر أحد فبلعه السمك وصار على وجه
144

الماء وزال امتناعه فإن لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه، فلو أخذه غيره
ملكه، من غير فرق بين ما إذا قصد سمكا معينا أو لا، وإن كان بقصد
الاصطياد والتملك فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملكا له، فلا يملكه
غيره بالأخذ، وكذا الحال إذا كان إزالة امتناعه بشئ آخر كاستعمال آلة
كما إذا رماه بالرصاص فطفا على الماء، وبالجملة لا يبعد أن تكون إزالة
امتناعه بقصد الاصطياد والتملك مطلقا موجبة للملكية كالحيازة.
مسألة 30 - لا يعتبر في حلية السمك بعد ما أخر من الماء حيا
أو أخذ حيا بعد خروجه أن يموت خارج الماء بنفسه، فلو قطعه قبل أن
يموت ومات بالتقطيع أو غيره حل أكله، بل لا يعتبر في حله الموت
رأسا، فيحل بعله حيا، بل لو قطع منه قطعة وأعيد الباقي إلى الماء حل
ما قطعه سواء مات الباقي في الماء أم لا، نعم لو قطع منه قطعة وهو في
الماء حي أو ميت لم يحل ما قطعه.
مسألة 31 - ذكاة الجراد أخذه حيا سواء كان باليد أو بالآلة،
فلو مات قبل أخذه حرم، ولا يعتبر فيه التسمية ولا الاسلام كما مر في
السمك، نعم لو وجده ميتا في سد الكافر لم يحل ما لم يعلم بأخذه حيا،
ولا تجدي يده ولا إخباره في إحرازه.
مسألة 32 - لو وقعت نار في أجمة ونحوها فأحرقت ما فيها من
الجراد لم يحل وإن قصده المحرق،، نعم لو مات بعد أخذه بأي نحو كان
حل، كما أنه لو فرض كون النار آلة صيد الجرد بأنه لو أججها
اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فيها فأججت لذلك فاجتمعت واحترقت
بها لا يبعها حليتها.
مسألة 33 - لا يحل من الجراد ما لم يستقل بالطيران، وهو المسمى
بالدبى على وزن " عصا " وهو الجراد إذا تحرك ولم تنبت بعد أجنحته.
145

القول في الذباحة
والكلام في الذابح وآلة الذبح والكيفية وبعض الأحكام المتعلقة به في
طي مسائل:
مسألة 1 - يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو بحكمه كالمتولد منه
فلا تحل ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتى الكتابي على الأقوى،
ولا يشترط فيه الايمان، فتحل ذبيحة جميع فرق الاسلام عدا الناصب وإن
أظهر الاسلام.
مسألة 2 - لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك، فتحل
ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثى، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل
إذا كان مميزا والأعمى والأغلف وولد الزنا.
مسألة 3 - لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره
مع التمكن منه لم يحل وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس
والذهب والفضة وغيرها، نعم لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة
بتأخير ذبحها أو اضطر إليه جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح، ولو كان
قصبا أو ليطة أو حجارة حادة أو زجاجة أو غيرها، نعم في وقوع الذكاة
بالسن والظفر مع الضرورة إشكال وإن كان عدم الوقوع بهما في حال
اتصالهما بالمحل لا يخلو من رجحان، والأحوط الاجتناب مع الانفصال
أيضا وإن كان الوقوع لا يخلو من قرب.
مسألة 4 - الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة: الحلقوم،
وهو مجرى النفس دخولا وخروجا، والمرئ، وهو مجرى الطعام والشراب
ومحله تحت الحلقوم، والودجان، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم
146

أو المرئ، وربما يطلق على هذه الأربعة الأوداج الأربعة، واللازم قطعها
وفصلها، فلا يكفي شقها من دون القطع والفصل.
مسألة 5 - محل الذبح في الحلق تحت الحيين على نحو يقطع به
الأوداج الأربعة، واللازم وقوعه تحت العقد المسماة في لسان أهل هذا
الزمان بالجوزة، وجعلها في الرأس دون الجثة والبدن بناء على ما يدعى
من تعلق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم تبق في
الرأس بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها، وهذا
أمر يعرفه أهل الخبرة، فإن كان الأمر كذلك أو لم يحصل العلم بقطعها
بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته، كما أنه يلزم أن يكون شئ من كل من
الأوداج الأربعة على الرأس حتى يعلم أنها انقطعت وانفصلت عما يلي الرأس.
مسألة 6 - يشترط أن يكون الذبح من القدام، فلو ذبح من القفا
وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت،
نعم لو قطعها من القدام لكن لا من الفوق بأن أدخل السكين تحت
الأعضاء وقطعها إلى الفوق لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروها على الأوجه،
والأحوط ترك هذا النحو.
مسألة 7 - يجب التتابع في الذبح بأن يستوفى قطع الأعضاء قبل
زهوق الروح، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتى انتهت إلى الموت ثم
قطع الباقي حرمت، بل لا يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينهما بما يخرج
عن المتعارف المعتاد ولا يعد معه عملا واحدا عرفا بل يعد عملين وإن استوفى
التمام قبل خروج الروح منها.
مسألة 8 - لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة
فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة ولو يسيرة بعد الذبح وقطع الأوداج
حلت، وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذبحت، فإن خرج
147

مع ذلك الدم المعتدل حلت، وإلا فإن لم تتحرك حتى يسيرا قبل الذبح
حرمت وإن تحركت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحل إشكال.
مسألة 9 - لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء
الأربعة فإن لم تبق لها الحياة حرمت، وإن بقيت يمكن أن يتدارك بأن
يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء وحلت، واستكشاف
الحياة كما مر.
مسألة 10 - لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان وأدركه حيا فإن
أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها بحيث لم يبق شئ منها ولا منها شئ
فهو غير قابل للتذكية وحرمت، وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت
وبقي مقدار من الجميع معلقة بالرأس أو متصلة بالبدن على الأحوط،
فلا يحل بقطع ما بقي منها، وكذلك لو أكل بعضها تماما وأبقي بعضها
كذلك كما إذا أكل الحلقوم بالتمام وأبقي الباقي كذلك، فلو قطع الباقي
مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 11 - يشترط في التذكية الذبيحة مضافا إلى ما مر أمور:
أحدها - الاستقبال بالذبيحة حال الذبح بأن يوجه مذبحها ومقاديم
بدنها إلى القبلة، فإن أخل به فإن كان عامدا عالما حرمت، وإن
كان
ناسيا أو جاهلا أو مخطئا في القبلة أو في العمل لم تحرم، ولو لم يعلم
جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط، ولا يشترط
استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى.
ثانيها - التسمية من الذابح بأن يذكر اسم الله عليها حينما يتشاغل
بالذبح أ متصلا به عرفا أو قبيلة المتصل به، فلو أخل بها فإن كان عمدا
حرمت، وإن كان نسيانا لم تحرم، وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو
العمد قولان، أظهرهما الثاني، والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد أعني
148

بعنوان كونها على الذبيحة، ولا تجزي التسمية الاتفاقية الصادرة لغرض آخر.
ثالثها - صدور حركة منها بعد تمامية الذبح كي تدل على وقوعه على
الحي ولو كانت يسيرة مثل أن تطرف عينها أو تحرك أذنها أو ذنبها أو
تركض برجلها ونحوها، ولا يحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل،
فلو تحرك ولم يخرج الدم أو خرج متثاقلا ومتقاطرا لا سائلا معتدلا كفى
في التذكية، وفي الاكتفاء به أيضا حتى يكون المعتبر أحد الأمرين من
الحركة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور بين المتأخرين، ولا يخلو من
وجه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، هذا إلا لم يعلم حياته، وأما إذا علم
حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال.
مسألة 12 - لا يعتبر كيفية خاصة في وضع الذبيحة على الأرض
حال الذبح، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن كهيئة الميت حال
الدفن وأن يضعها على الأيسر.
مسألة 13 - لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة وأن تكون في ضمن
البسملة، بل المدار صدق ذكر اسم الله عليها، فيكفي أن يقول: " بسم الله "
أو " الله أكبر " أو " الحمد لله " أو " لا إله إلا الله " ونحوها، وفي الاكتفاء
بلفظ " الله " من دون أن يقرن بما يصير به كلاما تاما دالا على صفة كما
أو ثناء أو تمجيد إشكال، نعم التعدي من لفظ " الله " سائر أسمائه الحسن
كالرحمان والباري والخالق وغيرها من أسمائه الخاصة غير بعيد، لكن لا يترك
الاحتياط فيه، كما أن التعدي إلى ما يرادف لفظ الجلالة في لغة أخرى
كلفظة " يزدان في الفارسية وغيرها في غيرها لا يخلو من وجه وقوة، لكن
لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربية.
مسألة 14 - الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلية الذبيحة
بالمعنى الذي فسروه، وهو أن لا تكون مشرفة على الموت بحيث لا يمكن
149

أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته
والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط من شاهق ونحوها، بل المعتبر
أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج، فإن علم ذلك فهو، وإلا
يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة كما تقدم.
مسألة 15 - لا يشترط في حلية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيا
أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليها الذبح الشرعي
ثم وقعت في نار أو ما أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك حلت
على الأقوى.
مسألة 16 - يختص الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر، كما
أن غيرها يختص بالذبح، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة، نعم
لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد
ما نحر أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح ووقعت عليه التذكية.
مسألة 17 - كيفية النحر ومحلله أن يدخل سكينا أو رمحا ونحوهما
من الآلات الحادة الحديدية في لبته، وهي المحل المنخفض الواقع بين أصل
العنق والصدر، ويشترط فيه كل ما اشترط في التذكية الذبحية، فيشترط
في الناحر ما اشترط في الذابح، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح،
وتجب التسمية عنده كما تجب عند الذبح، ويجب الاستقبال بالمنحور،
وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مر في الذبيحة.
مسألة 18 - يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة بل
يجوز نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة
وإن كان الأفضل كونها قائمة.
مسألة 19 - كل ما يتعذر ذبحه ونحره إما لاستعصائه أو لوقوعه
في موضع لا يتمكن الانسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره
150

كما لو تردى في البئر أو وقع في مكان ضيق وخيف موته جاز أن يعقره
بسيف أو سكين أو رمح أو غيرها مما يجرحه ويقتله، ويحل أكله وإن
لم يصادف العقر موضع التذكية، وسقطت شرطية الذبح وانحر، وكذلك
الاستقبال، نعم سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب
مراعاتها، وأما الآلة فيعتبر فيها ما مر في آلة الصيد الجمادية، وفي الاجتزاء
هنا بعقر الكلب وجهان، أقواهما ذلك في المستعصي، ومنه الصائل المستعصي
دون غيره كالمتردي.
مسألة 20 - للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبة ومكروهة:
فمنها - على ما حكي الفتوى به عن جماعة أن يربط يدي الغنم مع إحدى
رجليه ويطلق الأخرى، ويمسك صوفه وشعره بيده حتى تبرد، وفي البقر
أن يعقل قوائمه الأربع، ويطلق ذنبه، وفي الإبل أن تكون قائمة ويربط
يديها ما بين الخفين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق رجليها، وفي الطير
أن يرسله بعد الذبح حتى يرفرف، ومنها - أن يكون الذابح والناحر
مستقبل القبلة، ومنها - أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر، ومنها -
أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدماتها ما هو الأسهل والأروح
وأبعد من التعذيب والايذاء له بأن يساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه
برفق، وأن يحدد الشفرة، وتواري وتستر عنه حتى لا يراها، وأن يسرع
في العمل ويمر السكين في المذبح بقوة.
وأما المكروهة فمنها - أن يسلخ جلده قبل خروج الروح، وقيل
بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة، وهو أحوط. ومنها - أن يقلب السكين
ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق، ومنها - أن يذبح حيوان وحيوان
آخر مجانس له ينظر إليه، وأما غيره ففيها تأمل وإن لا تخلو من وجه،
ومنها - أن يذبح ليلا وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة إلا مع الضرورة،
151

ومنها - أن يذبح بيده ما رباه من النعم، وأما إبانة الرأس قبل خروج
الروح منه فالأحوط تركها، بل الحرمة لا تخلو من وجه، نعم لا تحرم
الذبيحة بفعلها على الأقوى، هذا مع التعمد، وأما مع الغفلة أو سبق
السكين فلا حرمة ولا كراهة لا في الأكل ولا في الإبانة بلا إشكال،
والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة بمعنى إصابة السكين إلى نخاعها، وهو
الخيط الأبيض وسط القفار الممتد من الرقبة إلى عجز الذنب.
مسألة 21 - لو خرج جنين أو أخرج من بطن أمه فمع حياة الأم
أو موتها بدون التذكية لم يحل أكله إلا إذا كان حيا ووقعت عليه التذكية
وكذا إن خرج أو أخرج حيا من بطن أمه المذكاة، فإنه لا يحل إلا بالتذكية
فلو لم يذلك لم يحل وإن كان عدمها من جهة عدم اتساع الزمان لها على
الأقوى، وأما لو خرج أو أخرج ميتا من بطن أمه المذكاة حل أكله
وكانت تذكيته بتذكية أمه، لكن بشرط كونه تام الخلقة وقد أشعر أو أوبر
وإلا فميتة، وإلا فرق في حليته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح
وبين ما ولجته ومات في بطن أمه على الأقوى.
مسألة 22 - لو كان الجنين حيا حال إيقاع الذبح أو النحر على
أمه ومات بعده قبل أن يشق بطنها ويستخرج منها حل على الأقوى لو بادر
على شق بطنها ولم يدرك حياته، بل ولو لم يبادر ولم يؤخر زائدا على
القدر المتعارف في شق بطون الذبائح بعد الذبح، ولم يؤخر زائدا على
القدر المتعارف في شق بطون الذبائح بعد الذبح، وإن كان الأحوط
المبادرة وعدم التأخير حتى بالقدر المتعارف، ولو أخر زائدا عن المتعارف
ومات قبل أن يشق البطن فالأحوط الاجتناب عنه.
مسألة 23 - لا إشكال في وقوع التذكية على كل حيوان حل أكله
ذاتا وإن حرم بالعارض كالجلال والموطوء بحريا كان أو بريا، وحشيا كان
أو أنسيا، طيرا كان أو غيره وإن اختلف في كيفية التذكية على ما مر،
152

وأثر التذكية فيها طهارة لحمها وجلدها وحلية لحمها لو لم يحرم بالعارض
وأما غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه
لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلية، لأنه طاهر ومحرم أكله على كل
حال، وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين كالكلب، والخنزير
فليس قابلا للتذكية، وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدب والقرد
ونحوها، وكذا الحشرات، وهي الدواب الصغار التي تسكن باطن
الأرض كالفأرة وابن عرس والضب ونحوها على الأحوط الذي لا يترك
فيهما وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه، وأما السباع وهي ما تفترس
الحيوان وتأكل اللحم سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد
والثعلب وابن آوى وغيرها أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها
فالأقوى قبولها للتذكية، وبها تطهر لحومها وجلودها، فيحل الانتفاع بها
بأن تلبس في غير الصلاة ويفترش بها، بل بأن تجعل وعاء للمائعات كأن
تجعل قربة ماء أو عكة سمن أو دبة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى،
وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.
مسألة 24 - الظاهر أن جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل مما كانت له
نفس سائلة غير ما ذكر آنفا تقع عليها التذكية، فتطهر بها لحومها وجلودها.
مسألة 25 - تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحلل، وكذا
بالاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع منها كالمحلل، وفي تذكيتها
بالاصطياد بالكلب المعلم تردد وإشكال.
مسألة 26 - ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم يعلم
كونها من غير المذكي يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكى بشرط تصرف
ذي اليد فيه تصرفا مشروطا بالتذكية على الأحوط، فحينئذ يجوز بيعه
153

وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقفة على التذكية
ولا يجب عليه الفحص والسؤال، بل ولا يستحب بل نهي عنه، وكذلك
ما يباع منا في سوق المسلمين سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال،
بل وكذا ما كان مطروحا في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال كما إذا كان
اللحم مطبوخا والجلد مخيطا أو مدبوغا، وكذا إذا أخذ من الكافر وعلم
كونه مسبوقا بيد المسلم على الأقوى بشرط مراعاة الاحتياط المتقدم، وأما
ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقا بيد المسلم
وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في أرضهم
ولم يعلم أنه مسبوق بيد المسلم واستعماله يعامل معه معاملة غير المذكى، وهو
بحكم الميتة، والمدار في كون البلد أو الأرض منسوبا إلى المسلمين غلبة
السكان والقاطنين بحيث ينسب عرفا إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفار،
كما أن هذا هو المدار في بلد الكفار، ولو تساوت النسبة من جهة عدم
الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار.
مسألة 27 - لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا
أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ويستحل ذبائح أهل الكتاب
ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية، وكذا لا فرق بين كون الأخذ
موافقا مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهادا أو تقليدا أو مخالفا معه
فيها إذا احتمل الأخذ تذكيته على وفق مذهبه كما إذا اعتقد الأخذ لزوم
التسمية بالعربية دون المأخوذ منه إذا احتمل أن ما بيده قد روعي فيه ذلك
وإن لم يلزم رعايته عنده، والله العالم.
154

كتاب الأطعمة والأشربة
والمقصود من هذا الكتاب بيان المحلل والمحرم من الحيوان وغير الحيوان.
القول في الحيوان
مسألة 1 - لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك والطير في الجملة،
فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتى ما يؤكل مثله في البر كبقره على الأقوى.
مسألة 2 - لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس وقشور بالأصل
وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت، فإنه على ما ورد فيه حوت سيئة
الخلق تحتك بكل شئ فيذهب فلسها، ولذا لو نظرت إلى أصل أذنها
وجدته فيه، ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور، فيحل جميعها صغيرها
وكبيرها من البز والبني والشبوط والقطان والطيرامي والابلامي وغيرها،
ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل كالجري والزمار والزهو
والمار ما هي وغيرها.
مسألة 3 - الأربيان المسمى في لسان أهل هذا الزمان بالروبيان من
155

جنس السمك الذي له فلس، فيجوز أكله.
مسألة 4 - بيض السمك يتبعه، فبيض المحلل حلال وإن كان أملس
وبيض المحرم حرام وإن كان خشنا، والأحوط في حال الاشتباه عدم أكل
ما كان أملس، نعم لو كان مشتبها في أنه من المحلل والمحرم وكان خشنا
أو اشتبه ذلك أيضا حل أكله.
مسألة 5 - البهائم البرية من الحيوان صنفات أنسية ووحشية، أما
الأنسية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل، ويكره الخيل والبغال
والحمير، وأخفها كراهة الأول، وتحرم منها غير ذلك كالكلب والسنور
وغيرهما، وأما الوحشية فتحل منها الظبي والغزلان والبقر والكباش الجبلية
واليحمور والحمير الوحشية، وتحرم منها السباع وهي ما كان مفترسا
وله ظفر وناب قويا كان كالأسد والنمر والفهد والذئب أو ضعيفا كالثعلب
والضبع وابن آوى، وكذا يحرم الأرنب وإن لم يكن من السباع، وكذا
تحرم الحشرات كلها كالحية والفأرة والضب واليربوع والقنفذ والصراصر
والجعل والبراغيت والقمل وغيرها مما لا تحصى، وكذا تحرم المسوخ كالفيل
والقردة والدب وغيرها.
مسألة 6 - يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه كالقماري وهو الأزرق
والدباسي وهو الأحمر، والورشان وهو الأبيض، والدراج والقبج والقطا
والطيهوج والبط والكروان والحباري والكركي والدجاج بجميع أقسامه،
والعصفور بجميع أنواعه، ومنه البلبل والزرزور والقبرة وهي التي على
رأسها القزعة، ويكره منه الهدهد والخطاف وهو الذي يأوى البيوت
وآنس الطيور بالناس والصرد، وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد
العصافير أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض، والصوام وهو صائر أغبر اللون
طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل، والشقراق وهو طائر أخضر مليح
156

بقدر الحمام، خضرته حسنة مشبعة، في أجنحته سواد، ويكون مخططا
بحمرة وخضرة وسواد، ولا يحرم شئ منها حتى الخطاف على الأقوى،
ويحرم منه الخفاش والطاووس وكل ذي مخلب، سواء كان قويا يقوى به
على افتراس الطير كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق أو ضعيفا
لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث.
مسألة 7 - الأحوط التنزه والاجتناب عن الغراب بجميع أقسامه حتى
الزاغ، وهو غراب الزرع، والغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون
كالرماد، ويتأكد الاحتياط في الأبقع الذي فيه سواد وبياض، ويقال له:
العقعق، والأسود الكبير الذي يسكن الجبال، وهما يأكلان الجيف
ويحتمل قويا كونهما من سباع الطير، فتقوى فيهما الحرمة، بل الحرمة
في مطلق الغراب لا تخلو من قرب.
مسألة 8 - يميز محلل الطير عن محرمة بأمرين، جعل كل منهما في
الشرع علامة للحل والحرمة فيما لم ينص على حليته ولا على حرمته دون
ما نص فيه على حكمه من حيث الحل والحرمة كالأنواع المتقدمة، أحدهما
الصفيف والدفيف، فكل ما كان صفيفه - وهو بسط جناحيه عند الطيران -
أكثر من دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام، وما كان بالعكس
بأن كان دفيفه - وهو تحريكهما عنده - فهو حرام، وما كان بالعكس
بأن كان دفيفه أكثر فهو حلال، ثانيهما الحوصلة والقانصة والصيصية،
فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال، وما لم يكن فيه شئ منها فهو
حرام، والحوصلة ما يجتمع فيه الحب وغيره من المأكول عند الحلق،
والقانصة قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير،
والصيصية هي الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب، ويتساوى
طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين، فما كان دفيفه أكثر من صفيفه
أو كان فيه أحد الثلاثة فهو حلال وإن كان يأكل السمك، وما كان
157

صفيفه أكثر من دفيفه أو لم يوجد فيه شئ من الثلاثة فهو حرام.
مسألة 9 - لو تعارضت العلامتان كما إذا كان ما صفيفه أكثر من
دفيفه ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية أو كان ما دفيفه أكثر من صفيفه
فاقدا لثلاثة فالظاهر أن الاعتبار بالصفيف والدفيف، فيحرم الأول ويحل
اللاتي على إشكال في الثاني، فلا يترك الاحتياط وإن كان الحل أقرب،
لكن ربما قيل بالتلازم بين العلامتين وعدم وقوع التعارض بينهما، فلا إشكال.
مسألة 10 - لو رأى طيرا يطير وله صفيف ودفيف ولم يتبين أيهما
أكثر تعين له الرجوع إلى العلامة الثانية، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمها
وكذا إلا وجد طيرا مذبوحا لم يعرف حاله، ولو لم يعرف حاله مطلقا
فالأقرب الحل.
مسألة 11 - لو فرض تساوي الصفيف والدفيف فالأحوط أن يرجع
إلى العلامة الثانية، ومع عدم معرفة الثانية فالأقرب الحل.
مسألة 12 - بيض الطيور تابع لها في الحل والحرمة، فبيض المحلل
حلال والمحرم حرام، وما اشتبه أنه من أيهما يؤكل ما اختلف طرفاه وتميز
رأسه من تحته مثل بيض الدجاج دون ما اتفق وتساوى طرفاه.
مسألة 13 - النعامة من الطيور، وهي حلال لحما وبيضا على
الأقوى.
مسألة 14 - اللقلق لم ينص على حرمته ولا على حليته، فليرجع
إلى العلامات، والظاهر أن صفيفه أكثر، فهو حرام، ومن لم يحرز له
ذلك يرجع إلى العلامة الثانية.
مسألة 15 - تعرض الحرمة على الحيوان المحلل بالأصل من أمور:
منها - الجلل، وهو أن يتغذى الحيوان عذرة الانسان بحيث يصدق عرفا
أنها غذاؤه، ولا يلحق بها عذرة غيره ولا سائر النجاسات، ويتحقق
158

صدق المزبور بانحصار غذائه بها، فلو كان يتغذى بها مع غيرها لم يتحقق
الصدق، فلم يحرم إلا أن يكون تغذيه بغيرها نادرا جدا بحيث يكون بأنظار
العرف بحكم العدم، وبأن يكون تغذيه بها مدة معتدا بها، والظاهر عدم
كفاية يوم وليلة، بل يشك صدقه بأقل من يومين بل ثلاثة.
مسألة 16 - يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير والسمك.
مسألة 17 - كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه ويحلان
بما يحل به لحمه، وبالجملة هذا الحيوان بالعارض كالحيوان المحرم
بالأصل في جميع الأحكام قبل أن يستبرأ ويزول حكمه، نعم الحكم في بعض
أفراد الكلية مبني على الاحتياط.
مسألة 18 - الظاهر أن الجلل ليس مانعا عن التذكية، فيذكى الجلال
بما يذكى به غيره، ويترتب عليها طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوانات
المحرمة بالأصل القابلة للتذكية.
مسألة 19 - تزول حرمة الجلال بالاستبراء بترك التغذي بالعذرة
والتغذي بغيرها حتى يزول عنه اسم الجلل، ولا يترك الاحتياط مع زوال
الاسم بمضي المدة المنصوصة في كل حيوان، وهي في الإبل أربعون يوما،
وفي البقر عشرون يوما، والأحوط ثلاثون، وفي الغنم عشرة أيام، وفي
البطة خمسة أيام، وفي الدجاجة ثلاثة أيام، وفي السمك يوم وليلة، وفي
غير ما ذكر المدار هو زوال اسم الجلل بحيث لم يتصدق أنه يتغذى
بالعذرة، بل صدق أن غذاءه غيرها.
مسألة 20 - كيفية الاستبراء أن يمنع الحيوان بربط أو حبس عن
التغذي بالعذرة في المدة المقررة، ويعلف في تلك المدة علفا طاهرا على
الأحوط وإن كان الاكتفاء بغير ما أوجب الجلل مطلقا وإن كان متنجسا
أو نجسا لا يخلو من قوة، خصوصا في المتنجس.
مسألة 21 - يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما ثم ذبحها
159

وإن لم يعلم جللها.
مسألة 22 - مما يوجب حرمة الحيوان المحلل بالأصل أن يطأه
الانسان قبلا أو دبراء وإن لم ينزل، صغيرا كان الواطئ أو كبيرا، عالما
كان أو جاهلا، مختارا كان أو مكرها، فحلا كان الموطوء أو أنثى،
فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله التجدد بعد الوطء على الأقوى في نسل الأنثى
وعلى الأحوط في نسل الذكر، وكذا لبنهما وصوفهما وشعرهما، والظاهر
أن الحكم مختص بالبهيمة ولا يجري في وطء سائر الحيوانات لا فيها
ولا في نسلها.
مسألة 23 - الحيوان الموطوء إن كان مما يراد أكله كالشاة والبقرة
والناقلة يجب أن يذبح ثم يحرق ويغرم الوطئ قيمته لمالكه إن كان غير
المالك، وإن كان مما يراد ظهره حملا أو ركوبا وليس يعتاد أكله كالحمار
والبلغ والفرس أخرج من المحل الذي فعل به إلى بلد آخر فيباع فيه،
فيعطى ثمنه للواطئ، ويغرم قيمته إن كان غير المالك.
مسألة 24 - مما يوجب عروض الحرمة على الحيوان المحلل بالأصل
أن يرضع حمل أو جدي أو عجل من لبن خنزيرة حتى قوي ونبت لحمه
واشتد عظمه، فيحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما، ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة
ولا الكافرة، وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما كبر
وفطم إشكال وإن كان أحوط، وإن لم يشتد كره لحمه، وتزول الكراهة
بالاستبراء سبعة أيام بأن يمنع عن التغذي بلبن الخنزيرة ويعلف إن استغنى
عن اللبن، وإن لم يستغن عنه يلقى على ضرع شاة مثلا في تلك المدة.
مسألة 25 - لو شرب الحيوان المحلل الخمر حتى سكر وذبح في تلك
الحالة يؤكل لحمه لكن بعد غسله على الأحوط، ولا يؤكل ما في جوفه
من الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل، ولو شرب بولا
160

ثم ذبح عقيق الشرب حل لحمه بلا غسل، ويؤكل ما في جوفه بعد ما يغسل.
مسألة 26 - لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى
فطم وكبر لم يحرم لحمه لكنه مكروه.
مسألة 27 - يحرم من الحيوان المحلل أربعة عشر شيئا: الدم والروث
والطحال والقضيب والفرج ظاهره وباطنه، والأنثيان والمثانة والمرارة
والنخاع وهو خيط أبيض كالمخ في وسط قفار الظهر، والغدد، وهي كل
عقدة في الجسد مدورة يشبه البندق في الأغلب، والمشية، وهي موضع
الولد، ويجب الاحتياط عن قرينة الذي يخرج معه، والعلباوان، وهما
عصبتان عريضتان صفراوان ممتدتان على الظهر من الرقبة إلى الذنب،
وخرزة الدماغ، وهي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة
في الجملة يخالف لونها لون المخ الذي في الجمجمة والحدقة، وهي الحبة
الناظرة من العين لا جسم العين كله.
مسألة 28 - تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة،
فلا يحرم من السمك والجراد شئ منها ما عدا الرجيع والدم على
إشكال فيهما.
مسألة 29 - لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن كل ما وجد من
المذكورات في الطيور، كما لا إشكال في حرمة الرجيع والدم منها.
مسألة 30 - يؤكل من الذبيحة غير ما مر، فيؤكل القلب والكبد
والكرش والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها، نعم يكره الكليتان
وأذنا القلب والعروق خصوصا الأوداج، وهل يؤكل منها الجلد والعظم
مع عدم الضرر أم لا؟ أظهرهما الأول وأحوطهما الثاني، نعم لا إشكال
في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور، وكذا في عظم صغار
الطيور كالعصفور.
161

مسألة 31 - يجوز أكل لحم ما حل أكله نيا ومطبوخا، بل ومحروقا
إذا لم يكن مضرا، نعم يكره أكله غريضا أي كونه طريا لم يتغير
بالشمس ولا النار ولا بذر الملح عليه وتجفيفه في الظل وجعله قديدا.
مسألة 32 - اختلفوا في حلية بول ما يؤكل لحمه كالغنم والبقر
عند عدم الضرورة وعدمها، والأول هو الأقوى، كما لا إشكال في حلية
بول الإبل للاستشفاء.
مسألة 33 - يحرم رجيع كل حيوان ولو كان مما حل أكله، نعم
الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان الملتصقة بأجواف الفواكه والبطائخ ونحوها
وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا أكل معهما.
مسألة 34 - يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتى العلقة عدا
ما يتخلف في الذبيحة على إشكال فيما يجتمع منه في القلب والكبد، وأما
الدم من غير ذي النفس فما كان مما حرم أكله كالوزغ والضفدع فلا إشكال
في حرمته، وما كان مما حل أكل كالسمك الحلال ففيه خلاف، والظاهر
حليته إذا أكل مع السمك بدمه، وأما إذا أكل منفردا
ففيه إشكال، والأحوط الاجتناب من الدم في البيضة وإن كان طاهرا.
مسألة 35 - قد مر في كتاب الطهارة طهارة ما لا تحله الحياة من
الميتة حتى اللبن والبيضة إذا اكتست جلدها الأعلى الصلب والإنفحة، وهي
كما أنها طاهرة حلال أيضا.
مسألة 36 - لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة
من كل حيوان، وأما البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حليتهما
خصوصا الأول، وخصوصا إذا كان من الانسان أو مما يؤكل لحمه
من الحيوان.
162

القول في غير الحيوان
مسألة 1 - يحرم تناول الأعيان النجسة، وكذا المتنجسة ما دامت
باقية على النجاسة، مائعة كانت أو جامدة.
مسألة 2 - يحرم تناول كل ما يضر بالبدن، سواء كان موجبا
للهلاك كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين،
أو سببا لانحراف المزاج، أو لتعطيل بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة،
أو لفقد بعض القوى، كالرجل يشرب ما يقطع به قوة الباه والتناسل، أو المرأة
تشرب ما به تصير عقيما لا تلد.
مسألة 3 - لا فرق في حرمة تناول المضر على الأقوى فيما يوجب
التهلكة وعلى الأحوط في غيره بين معلوم الضرر ومظنونه، بل ومحتمله
أيضا إذا كان احتماله معتدا به عند العقلاء بحيث أوجب الخوف عندهم.
وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه عاجلا أو بعد مدة.
مسألة 4 - يجوز التداوي والمعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويؤدي إليه
أحيانا إذا كان النفع المترتب عليه حسب ما ساعدت عليه التجربة وحكم به
الحذاق وأهل الخبرة غالبيا، بل يجوز المعالجة بالمضر العاجل الفعلي المقطوع به
إذا يدفع به ما هو أعظم ضررا وأشد خطرا، ومن هذا القبيل قطع
بعض الأعضاء دفعا للسراية المؤدية إلى الهلاك وبط الجرح، والكي بالنار،
وبعض العمليات المعمولة في هذه الأعصار بشرط أن يكون الاقدام على
ذلك جاريا مجرى العقلاء، بأن يكون المباشر للعمل حاذقا محتاطا مباليا
غير مسامح ولا متهور.
مسألة 5 - ما كان يضر كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون
163

قليله غير المضر، ولو فرض العكس كان بالعكس، وكذا ما يضر منفردا
لا منضما مع غيره يحرم منفردا، وما كان بالعكس كان بالعكس.
مسألة 6 - ما لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا لكن يضر إدمانه
وزيادة تكريره والتعود به يحرم تكريره المضر خاصة.
مسألة 7 - يحرم أكل الطين، وهو التراب المختلط بالماء حال بلته،
وكذا المدر، وهو الطين اليابس، ويلحق بهما التراب على الأحوط وإن
كان عدم الالحاق لا يخلو من قوة إلا مع إضراره، ولا بأس بما يختلط به
الحنطة أو الشعير مثلا من التراب والمدر وصارا دقيقا واستهلك فيه،
وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار، وكذا
الطين الممتزج بالماء - المتوحل - الباقي على إطلاقه، نعم لو أحس ذائقته
الأجزاء الطينية حين الشرب فالأحوط الاجتناب إلى أن يصفو وإن كان
الأقرب جواز شربه مع الاستهلاك.
مسألة 8 - الظاهر أنه لا يلحق بالطين الرمل والأحجار وأنواع
المعادن فهي حلال كلها مع عدم الضرر.
مسألة 9 - يستثنى من الطين طين قبر سيدنا أبي عبد الله الحسين
عليه السلام للاستشفاء، ولا يجوز أكله لغيره، ولا أكل ما زاد عن
قدر الحمصة المتوسطة، ولا يلحق به طين غير قبره حتى قبر النبي صلى
الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على الأقوى، نعم لا بأس بأن يمزج
بماء أو شربه ويستهلك فيه والتبرك والاستشفاء بذلك الماء وتلك الشربة.
مسألة 10 - ذكر لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب
وأدعية، لكن الظاهر أنها شروط كمال لسرعة الإجابة، لا شرط لجواز تناولها.
مسألة 11 - القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف
وما يلحق به عرفا، والأحوط الاقتصار عليه، وأحوط منه استعمال الترب
164

التي في هذه الأعصار ممزوجا بالماء أو غيره على نحو الاستهلاك، بل لا يترك
هذا الاحتياط إذا كان المأخوذ طينا أو مدرا، نعم بناء على ما قدمناه
من عدم حرمة التراب مطلقا لا بأس بأخذه للاستشفاء من الحائر وغيره
إلى رأس ميل، بل أزيد مما اشتملت عليه الأخبار بقصد الرجاء،
ولا يحرم تناوله، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.
مسألة 12 - تناول التربة المقدسة للاستشفاء إما بازدرادها وابتلاعها
وإما بحلها في الماء وشربه أو بأن يمزجها بشربة ويشربها بقصد الشفاء.
مسألة 13 - لو أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأن هذا الطين
من تلك التربة المقدسة فلا إشكال، وكذا إذا قامت على ذلك البينة،
بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة، وفي كفاية قول ذي
اليد إشكال، والأحوط في غير صورة العلم وقيام البينة تناولها بالامتزاج
بما أو شربه بعد استهلاكها.
مسألة 14 - لا يبعد جواز تناول طين الأرمني للتداوي، ولكن
الأحوط عدم تناوله إلا عند انحصار العلاج أو ممزوجا بماء ونحوه بحيث
لا يصدق معه أكل الطين.
مسألة 15 - يحرم الخمر بالضرورة من الدين بحيث يكون مستحلها
في زمرة الكافرين مع الالتفات إلى لازمه أي تكذيب النبي صلى الله عليه وآله
والعياذ بالله، وقد ورد في الأخبار التشديد العظيم في تركها، والتوعيد
الشديد في ارتكابها، وعن الصادق عليه السلام " أن الخمر أم الخبائث
ورأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك
معصية إلا ركبها، ولا يترك حرمة إلا انتهكها، ولا رحما ماسة إلا قطعها،
ولا فاحشة إلا أتاها " وقد ورد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن
فيها عشرة: غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول
165

إلى وبائعه ومشتريها وآكل ثمنها " بل نص في بعض الأخبار أنه أكبر
الكبائر وفي أخبار كثيرة أن " مدمن الخمر كعابد وثن " وقد فسر المدمن
في بعض الأخبار بأنه ليس الذي يشربها كل يوم ولكنه الموطن نفسه أنه
إذا وجدا شربها، هذا مع كثرة المضار في شربها التي اكتشفها حذاق
الأطباء في هذه الأزمنة وأذعن بها المنصفون من ملتنا.
مسألة 16 - يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر جامدا كان
أو مائعا، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره، ولو فرض
عدم إسكارها في بعض الطباع أو بعض الأصقاع أو مع العادة لا يوجب
ذلك عدم حرمتها.
مسألة 17 - لو انقلبت الخمر خلا حلت سواء كان بنفسها أو
بعلاج، بدون مزج شئ بها أو معه، سواء استهلك الخليط فيها قبل أن
تنقلب خلا كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخل فاستهلكا فيها ثم انقلبت
خلا أو لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب لكن بشرط أن يكون
الخلط للعلاج وبمقدار متعارف، وأما مع الزيادة عنه فمحل إشكال،
بل مع الغلبة فالأقوى حرمتها ونجاستها، ويطهر الممتزج المتعارف الباقي
بالتبعية كما يطهر بها الإناء.
مسألة 18 - ومن المحرمات المائعية الفقاع إذا صار فيه نشيش وغليان
وإن لم يسكر، وهو شراب معروف كان في الصدر الأول يتخذ من الشعير
في الأغلب، وليس منه ما ء الشعير المعمول بين الأطباء.
مسألة 19 - يحرم عصير العنب إذا نش وغلى بنفسه أو غلى بالنار،
وأما العصير الزبيبي والتمري فيحلان إن غليا بالنار، وكذا إن غليا بنفسهما
إلا إذا ثبت إسكارهما، والظاهر أن الغليان بالشمس كالغليان بالنار، فله
حكمه.
166

مسألة 20 - الظاهر أن الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم عصيره،
فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يحرز غليانه،
فلو وقعت حبة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغلي
فلا تحرم ما لم يعلم بغليانه، ومجرد ما ذكر لا يوجب غليان جوفها.
مسألة 21 - من المعلوم أن الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمراد
بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة، إما بأن يدق ويخلط بالماء وإما بأن ينقع
في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث صار في الحلاوة بمثابة عصير
العنب، وإما بأن يمرس ويعصر بعد النقع فيستخرج عصارته، وأما إذا
كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فالظاهر أن ما فيه ليس من
عصيره، فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغلي، فلا إشكال فيما
وضع في طبيخ أو كبة أو محشي ونحوها وإن ورد فيه ماء وغلى فضلا عما
إذا شك فيه.
مسألة 22 - الظاهر أن ما غلى بنفسه من أقسام العصير الذي قلنا
بحرمته لا تزول حرمته إلا بالتخليل كالخمر، حيث إنها لا تحل إلا بانقلابها
خلا، ولا أثر فيه لذهاب الثلثين، وأما ما غلى بالنار ونحوها فتزول
حرمته بذهاب ثلثيه، والأحوط أن يكون ذلك بالنار أو بما يغليه، لا بالهواء
وطول المكث، نعم لا يلزم أن يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه،
بل يكفي ذلك إذا كان مستندا إلى النار ولو بضميمة ما ينقص منه بعد
غليانه قبل أن يبرد، فلو كان العصير في القدر على النار وقد غلى حتى
ذهب نصفه ثلاثة أسداسه ثم وضع القدر على الأرض فنقص منه قبل أن
يبرد بسبب صعود البخار سدس آخر كفى في الحلية.
مسألة 23 - إذا صار العصير المغلى دبسا قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفي
في حليته على الأحوط.
167

مسألة 24 - إذا اختلط العصير بالماء ثم غلى فذهب ثلثا المجموع ففي
الحلية إشكال إلا إذا علم بذهاب ثلثي العصير.
مسألة 25 - لو صب على العصير المغلى قبل أن يذهب ثلثاه مقدار
من العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأول مع ما صب
ثانيا، ولا يحسب ما ذهب من الأول أولا، فإذا كان في القدر تسعة
أرطال من العصير فغلى حتى ذهب منه ثلاثة وبقي ستة ثم صب عليه تسعة
أرطال أخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلى حتى يذهب عشرة ويبقى خمسة،
ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستة، لكن أصل هذا العمل خلاف الاحتياط،
فالأحوط أن يطبخ كل على حدة وإن كان لما ذكرنا وجه.
مسألة 26 - لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل
اليقطين والسفرجل والتفاح وغيرها ويطبخ فيه حتى يذهب ثلثاه فإذا حل
حل ما طبخ فيه، لكن إذا كان المطروح مما يجذب العصير إلى جوفه فلا بد
في حليته من ذهاب ثلثي ما في جوفه أيضا.
مسألة 27 - يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم وبالبينة
وبأخبار ذي اليد المسلم، بل وبالأخذ منه إذا كان ممن يعتقد حرمة
ما لم يذهب ثلثاه، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضا، نعم إذا علم إنه ممن
يستحل العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مثل أن يعتقد أنه يكفي في حليته
صيرورته دبسا أو اعتقد أن ذهاب الثلثين لا يلزم أن يكون بالنار بل يكفي
بالهواء وطول المكث أيضا ففي جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول
التثليث خلاف وإشكال، وأولى بالاشكال جواز الأخذ منه والبناء على
أنه طبخ على الثلث إذا احتمل ذلك من دون تفحص عن حاله، فالأحوط
الاجتناب عنه وعدم الاعتماد بقوله وعدم البناء على تثليث ما أخذ منه،
بل لا يخلو من قوة.
168

مسألة 28 - يحرم تناول مال الغير وإن كان كافرا محترم المال بدون
إذنه ورضاه، ولا بد من إحراز ذلك بعلم ونحوه، وقد ورد " من أكل
من طعام لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من النار ".
مسألة 29 - يجوز أن يأكل الانسان ولو مع عدم الضرورة من
بيوت الآباء والأمهات والأولاد والإخوان والأخوات والأعمام والعمات
والأخوال والخالات والأصدقاء، وكذا الزوجة من بيت زوجها، وكذا
يجوز لمن كان وكيلا على بيت أحد مفوضا إليه أموره وحفظه بما فيه أن
يأكل من بيت موكله، وإنما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم
كراهة صاحب البيت، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقف جواز
الأكل منها على إحراز الرضا والإذن من صاحبها، فيجوز مع الشك بل
مع الظن بالعدم أيضا على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط خصوصا
مع غلبته، والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام
والفواكه ونحوها دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا لمواقع الحاجة
وللأضياف ذوي الشرف والعزة، والظاهر التعدية إلى غير المأكول من
المشروبات العادية كاللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها، ولا يتعدى إلى
بيوت غيرهم ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنه يقتصر
على ما في البيت من المأكول، فلا يتعدى إلى ما يشترى من الخارج بثمن
يؤخذ من البيت.
مسألة 30 - تباح جميع المحرمات المزبورة حال الضرورة إما لتوقف
حفظ نفسه وسد رمقه على تناوله، أو لعروض المرض الشديد الذي
لا يتحمل عادة بتركه، أو لأداء تركه إلى لحوق الضعف المفرط المؤدي
إلى المرض الذي لا يتحمل عادة أو إلى التلف أو المؤدي إلى التخلف عن
الرفقة مع ظهور أمارة العطب، ومنها - ما إذا أدى تركه إلى الجوع
169

والعطش اللذين لا يتحملان عادة، ومنها - ما إذا خيف بتركه على نفس
أخرى محترمة، كالحامل تخاف على جنينها والمرضعة على طفلها، بل ومنها
خوف طول المرض الذي لا يتحمل عادة أو عسر علاجه بترك التناول،
والمدار في الكل هو الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب، بل
الاحتمال الذي يكون له منشأ عقلائي لا مجرد الوهم والاحتمال.
مسألة 31 - ومن الضرورات المبيحة للمحرمات الاكراه والتقية
عمن يخاف منه على نفسه أو نفس محترمة أو على عرضه أ وعرض محترم
أو مال محترم منه معتد به مما يكون تحمله حرجيا أو من غيره كذلك.
مسألة 32 - في كل مورد يتوقف حفظ النفس على ارتكاب محرم
يجب الارتكاب، فلا يجوز التنزه والحال هذه، ولا فرق بين الخمر
والطين وبين سائر المحرمات، فإذا أصابه عطش حتى خاف على نفسه
جاز شرب الخمر بل وجب، وكذا إذا اضطر إلى غيرها من المحرمات.
مسألة 33 - لو اضطر إلى محرم فليقتصر على مقدار الضرورة، ولا يجوز
له الزيادة، فإذا اقتضت الضرورة أن يشرب الخمر أو يأكل الميتة لدفع
الخوف على نفسه فليقتصر على ذلك، ولا يجوز له الزيادة.
مسألة 34 - يجوز التداوي لمعالجة الأمراض بكل محرم إذا انحصر به
العلاج ولو بحكم الحذاق من الأطباء الثقات، والمدار هو انحصاره بحسب
تشخيصهم مما بين أيدي الناس مما يعالج به لا الواقع الذي لا يحيط به
إدراك البشر.
مسألة 35 - المشهور على ما حكي عدم جواز التداوي بالخمر بل
بكل مسكر حتى مع الانحصار، لكن الجواز لا يخلو من قوة بشرط العلم
بكون المرض قابلا للعلاج، والعلم بأن تركه يؤدي إلى الهلاك أو إلى
ما يدانيه، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنى الذي ذكرناه، ولا يخفى شدة
170

أمر الخمر، فلا يبادر إلى تناولها والمعالجة بها إلا إذا رأى من نفسه
الهلاك أو نحوه لو ترك التداوي بها ولو بسبب توافق جماعة من الحذاق
وأولي الديانة والدراية من الأطباء، وإلا فليصطبر على المشقة، فلعل البارئ
تعالى شأنه يعافيه، لما رأى منه التحفظ على دينه أو يعطيه الثواب الجزيل
على صبره.
مسألة 36 - لو اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه وكان المالك
حاضرا فإن كان هو أيضا مضطرا لم يجب عليه بذله، وهل لا يجوز له
ذلك؟ فيه تأمل، ولا يجوز للمضطر قهره، وإن لم يكن مضطرا يجب
عليه بذله للمضطر، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره بل مقاتلته والأخذ
منه قهرا، ولا يتعين على المالك بذله مجانا، فله أن لا يبذله إلا بالعوض،
وليس للمضطر قهره بدونه، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدره
بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله إن كان قيميا أو مثله إن كان مثليا،
وإن قدره لم يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل، بل له أن يقدره بأزيد
منه ما لم ينته إلى الحرج، وإلا فليس له، فبعد التقدير إن كان المضطر
قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إن طالبه به، وإن كان عاجزا يكون
في ذمته، هذا إذا كان المالك حاضرا، ولو كان غائبا فله الأكل منه
بقدر سد رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمته، ولا يكون أقل من ثمن
المثل، والأحوط المراجعة إلى الحاكم لو وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
مسألة 37 - يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من الخمر
بل وغيرها من المسكرات، وكذا الفقاع، ثم إن للأكل والشرب آدابا
مندوبة ومكروهة مذكورة في المفصلات فليراجع إليها.
171

كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حق عدوانا، وقد تطابق
العقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا على حرمته، وهو من أفحش الظلم
الذي قد استقل العقل بقبحه، وفي النبوي " من غصب شبرا من الأرض
طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة " وفي نبوي آخر " من خان جاره
شبرا من الأرض جعله الله طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى
يلقى الله يوم القيامة مطوقا إلا أن يتوب ويرجع " وفي آخر " من أخذ
أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر " ومن كلام أمير المؤمنين
عليه السلام " الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها ".
مسألة 1 - المغصوب إما عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين
وإما عين بلا منفعة، وإما منفعة مجردة، وإما حق مالي متعلق بعين،
فالأول كغصب الدار من مالكها وكغصب العين المستأجرة من المؤجر
والمستأجر، والثاني كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في
مدة الإجارة، والثالث كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة وانتزعها من
يد المستأجر واستولى على منفعتها مدة الإجارة، والرابع كما إذا استولى
172

على أرض محجرة أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق
الرهانة، ومن ذه غصب المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والطرق
والشوارع العامة، وكذا غصب المكان الذي سبق إليه أحد من المساجد
والمشاهد على احتمال موافق للاحتياط.
مسألة 2 - المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان
والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق لهم، وقد يكون النوع أو الجهة
كغصب الرباط المعد لنزول القوافل والمدرسة المعدة لسكني الطلبة إذا
غصب أصل المدرسة ومنع عن سكنى الطلبة، وكغصب الخمس والزكاة
قبل دفعها إلى المستحق، وكغصب ما يتعلق بالمشاهد والمساجد ونحوهما.
مسألة 3 - للغصب حكمان تكليفان: وهما الحرمة ووجوب الرد
إلى المغصوب منه أو وليه، وكم وضعي، وهو الضمان بمعنى كون
المغصوب على عهدة الغاصب، وكون تلفه وخسارته عليه، وأنه إذا
تلف يجب عليه دفع بدله، ويقال لهذا الضمان: اليد.
مسألة 4 - يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب،
فالغاصب آثم فيها ويجب عليه الرد، وأما الحكم الوضعي وهو الضمان
فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا كان أو منفعة، فليس
في غصب الحقوق ضمان اليد.
مسألة 5 - لو استولى على حر فحبسه لم يتحقق الغصب لا بالنسبة
إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته، وإن أثم بذلك وظلمه سواء كان كبيرا
أو صغيرا، فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه
حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن،
وكذا لا يضمن منافعه، كما إذا كان صانعا ولم يشتغل بصنعته في تلك
المدة فلا يضمن أجرته، نعم لو استوفى منه منفعة كما إذا استخدمه لزمه
173

أجرته وكذا لو تلف بتسبيب منه مثل ما إذا حبسه في دار فيها حية فلدغته
أو في محل السباع فافترسته ضمنه من جهة سببيته للتلف لا لأجل الغصب واليد.
مسألة 6 - لو منع غيره عن إمساك دابته المرسلة أو من القعود على
فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصبا وإن كان
عاصيا وظالما له من جهة منعه، فلو هلكت الدابة وتلف الفراش أو انهدمت
الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان اليد، وهل
عليه ضمان من جهة أخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير، وهو ما إذا
نقصت القيمة، وأما في غيره فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند
إلى منعه بأن كانت بآفة سماوية وسبب قهري لا يتفاوت في ترتبها بين
ممنوعية المالك وعدمها لم يكن عليه ضمان، وأما إذا كان مستندا إليه كما
إذا كانت الدابة ضعيفة أو في موضوع السباع وكان المالك يحفظها فلها منعه
المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ففي الضمان تأمل، لكنه أحوط.
مسألة 7 - استيلاء الغاصب على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفا
يختلف باختلاف المغصوبات، والميزان صيرورة الشئ كذلك عدوانا، ففي
المنقول غير الحيوان يتحقق بأخذه بيده أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكانه
أو أنباره وغيرها مما يكون محرزا لأمواله ولو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره
فلو نقل حمال بأمره كان الأمر غاصبا وكفى في الضمان، بل ولو كان المنقول
في بيته أو دكانه مثلا وطالب المالك ولم يؤده إليه وكان مستوليا على البيت
والدكان يكفي في الضمان، بل لو استولى على الفراش مثلا ولو بقعوده عليه
كفى، ولا يكفي مجرد القعود وقصد الاستيلاء ما لم يتحقق ذلك عرفا،
وهو مختلف في الموارد، كما أن في الحيوان أيضا هو الميزان، ويكفي
الركوب عليه لو أخذ مقوده وزمانه أو سوقه بعد طرد المالك ودفعه أو عدم
حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقادا له، فلو كانت قطيع غنم
174

في الصحراء ومعها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها
وجعل يسقوها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرق فالظاهر كفايته
في تحقق الغصب لصدق الاستيلاء عرفا، وأما غير المنقول فيكفي في غصب
الدار ونحوها كالدكان والخان أن يسكنها أو يسكن غيره ممن يأتمر بأمره
فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها، وكذا لو أخذ مفاتيحها
من صاحبها قهرا وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردد فيها، وأما البستان
فكذلك لو كان له باب وحيطان، وإلا فيكفي دخوله والتردد فيه بعد طرد
المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرفات فيه، وكذلك الحال في غصب القرية
والمزرعة، هذا كله في غصب الأعيان، وأما غصب المنافع فإنما هو بانتزاع
العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده بنحو ما تقدم، كما في
العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر واستولى عليها في
مدة الإجارة، سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا.
مسألة 8 - لو دخل الدار وسكنها مع مالكها فإن كان المالك ضعيفا
غير قادر على مدافعته هو إخراجه فإن اختص استيلاؤه وتصرفه بطرف معين
منها اختص الغصب والضمان بذلك الطرف دون غيره، وإن كان استيلاؤه
وتصرفاته وتقلباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة وتساوي يد الساكن
مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصبا للنصف، فيكون ضامنا له خاصة
بمعنى أنه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها، ولو انهدم بعضها ضمن
نصف ذلك البعض، وكذا يضمن نصف منافعها، ولو فرض أن المالك
الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض، فإن
كانا اثنين ضمن الثلث، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا، ولو كان
الساكن ضعيفا بمعنى أنه لا يقدر على مقاومة المالك وأنه كلما أراد أن
يخرجه من داره أخرجه فالظاهر عدم تحقق الغصب ولا اليد ولا الاستيلاء،
175

فليس عليه ضمان اليد، نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام
كونه فيها.
مسألة 9 - لو أخذ بمقود الدابة فقادها وكان المالك راكبا عليها
فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصبا
لها بتمامها، ويتبعه الضمان، ولو كان بالعكس بأن كان المالك الراكب
قويا قادرا على مقاومته ومدافعته فالظاهر عدم تحقق الغصب أصلا،
فلا ضمان عليه لو تلفت الدابة في تلك الحال، نعم لا إشكال في ضمانه لها
لو اتفق تلفها بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح
فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع مثلا فتلفت أو عيبت.
مسألة 10 - لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كل منهما للبعض بنسبة
الاستيلاء، إن نصفا فنصف وهكذا، سواء كان كل واحد منها قويا
قادرا على الاستيلاء على العين ودفع المالك والقهر عليه أم لا، بل كان
كل ضعيفا بانفراده وإنما استيلاؤهما عليها ودفع المالك كان بالتعاضد والتعاون،
وسواء كان المالك حاضرا أو غائبا.
مسألة 11 - غصب الأوقات العامة كالمساجد والمقابر والمدارس
والقناطر والرباطات المعدة لنزول المسافرين والطرق والشوارع العامة ونحوها
والاستيلاء عليها وإن كان حراما ويجب ردها لكن الظاهر أنه لا يوجب
ضمان اليد لا عينا ولا منفعة، فلو غصب مسجدا أو مدرسة أو رباطا
فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه لم يضمن عينها ولا منفعتها،
نعم الأوقات العامة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها
الضمان عينا ومنفعة، فإذا غصب خانا أو دكانا أو بستانا كانت وقف على
الفقراء مثلا على أن تكون منفعتها ونماؤها لهم ترتب عليه الضمان كغصب
المملوك.
176

مسألة - 12 - لو حبس حرا لم يضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان اليد
حتى فيما إذا كان صانعا، فليس على الحابس أجرة صنعته مدة حبسه،
نعم لو كان أجيرا لغيره في مان فحبسه حتى مضى ضمن منفعته الفائتة
للمستأجر، وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه أجرة عمله،
ولو غصب دابة مثلا ضمن منافعها سواء استوفاها أم لا.
مسألة 13 - لو منع حرا عن عمل له أجرة من غير تصرف واستيفاء
لم يضمن عمله، ولم يكن عليه أجرته.
مسألة 14 - يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضي
الفاسد أو كالمعاوضي مثل المهر، ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة
مما لا يكون عقدا، فالمبيع الذي يأخذه البائع
في البيع الفاسد يكون ضمانهما كالمغصوب، سواء كانا عالمين بالفساد أولا،
وكذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة، وكذا المهر الذي
تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، والجعل الذي يأخذه العالم في الجعالة
الفاسدة 7 وأما المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي وأشباهه فليس فيه
ضمان، فلو قبض المتهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان،
ويلحق بالغصب أيضا المقبوض بالسوم، والمراد به ما يأخذه الشخص
لينظر فيه أو يضع عنده ليطلع على خصوصياته لكي يشتريه إذا وافق
نظره، فهو في ضمان آخذه، فلو تلف عنده ضمنه.
مسألة 15 - يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا وإن كان في
رده مؤونة بل وإن استلزم رده الضرر عليه، حتى أنه لو أدخل الخشبة
المغصوبة في بناء لزم عليه إخراجها وردها لو أرادها المالك وإن أدى إلى
خراب البناء، وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه
ورده إلا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال.
177

محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب، وإلا ففيه تفصيل، وهكذا الحال
فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبه، فإن للمالك إلزامه بردها، ويجب عليه
ذلك وإن أدى إلى فساد ثوبه، وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أن
الخيط بسبب إخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه، هذا إذا يبقى
للمخرج والمنزوع قيمة بعد ذلك، وإلا فالظاهر أنه بحكم التالف فيلزم
الغاصب بدفع البدل، وليس للمالك مطالبة العين.
مسألة 16 - لو مزج المغصوب بما يمكن تميزه ولكن مع المشقة كما
إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة يجب عليه أن يميزه ويرده.
مسألة 17 - يجب على الغاصب مع رد العين بدل ما كان لها من
المنفعة في تلك المدة إن كانت لها منفعة، سواء استوفاها كالدار سكنها
والدابة ركبها أم لا وجعلها معطلة.
مسألة 18 - لو كانت للعين منافع متعددة وكانت معطلة فالمدار
المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض
منافع أخر، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلة
في نفسها بأن تجعل محرزا أو مسكنا لبعض الدواب وغير ذلك، ومنفعة
بعض الدواب كالفرس بحسب المتعارف الركوب ومنفعة بعضها الحمل وإن
كانت قابلة في نفسا لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضا،
فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها، ولو فرض تعدد
المتعارف منها على نحو التبادل كبعض الدواب التي تعارف استعمالها في
الحمل والركوب معا فإن لم يتفاوت أجرة تلك المنافع ضمن تلك الأجرة
وإن كانت أجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى، فلو فرض أن أجرة
الحمل
في كل يوم درهمان وأجرة الركوب درهم كان عليه درهمان، والظاهر
178

أن الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا، فمنع تساوي المنافع في الأجرة كان
عليه أجرة ما استوفاه، ومع التفاوت كان عليه أجرة الأعلى، سواء استوفى
الأعلى أو الأدنى.
مسألة 19 - إن كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى
وكيله إن كان كاملا، وإلى وليه إن كان قاصرا قاصرا كما إذا كان صبيا أو مجنونا،
فلو رد في الثاني إلى نفسه المال لم يرتفع منه الضمان، وإن كان المغصوب منه
هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفا على الفقراء وقف منفعة فإن
كان له متول خاص يرده إليه، وإلا فيرده إلى الولي العام، وهو الحاكم،
وليس له أن يرده إلى بعض أفراد النوع، بأن يسلمه في المثال المذكور إلى
أحد الفقراء، نعم في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرباطات إذا
غصبها يكفي في ردها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها، بل يحتمل أن
يكون الأمر كذلك في المدارس، فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها رفع
اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة، والأحوط الرد إلى الناظر الخاص
لو كان، وإلا فإلى الحاكم، هذا إلا غصبا ولم يكن فيها ساكن، وإلا
فلا يبعد وجوب الرد إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب إن لم يعرضوا
عن حقهم.
مسألة 20 - إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب
فلا إشكال. وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب،
فإنه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك، وأما إذا كان
المالك في غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين:
إما بتسليمه له في ذلك البلد، وإما بنقله إلى بلد الغصب، وأما إن كان
في بلد آخر فلا إشكال في أن له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب،
وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؟ الظاهر أنه
179

ليس له ذلك.
مسألة 21 - لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب
أرش النقصان، وهو التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا ورد المعيوب
إلى مالكه، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة، ولا فرق
على الظاهر بين ما كان العيب مستقرا وبين ما كان مما يسري ويتزايد شيئا
فشيئا حتى يتلف المال بالمرة.
مسألة 22 - لو كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية رده
ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
مسألة 23 - لو تلف المغصوب باقيا أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد
والمقبوض بالسوم قبل رده إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن
كان قيميا، وتعيين المثلي والعقيمي موكول إلى العرف، والظاهر أن
المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليات أو بحكمها، كما أن الحبوبات
والأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها مثليات، وأنواع الحيوان وكذا الجواهر
ونحوها قيميات.
مسألة 24 - إنما يكون مثل الحنطة مثليا إذا لو حظ أشخاص كل
صنف منها على حدة ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر
منها مبائن له في كثير من الصفات والخصوصيات، فإذا تلف عنده مقدار
من صنف خاص من الحنطة يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف
لا صنف آخر، نعم التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه
وكذلك الأرز، فإن فيه أصنافا متفاوتة جدا، فأين العنبر من الحويزاوي.
أو غيره؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه
لا من غيره، وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك
مما لا يحصي.
180

مسألة 25 - لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته، وإن تفاوت
القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة وفي
وقت تلف العين قيمة ويوم التعذر قيمة واليوم الذي يدفع القيمة إلى
المغضوب منه قيمة فالمدار هو الأخير، فيجب عليه دفع تلك القيمة،
فلو غصب منا من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة
موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ثم تعذرت وكانت قيمتها أربعة دراهم
ثم مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمته وكانت قيمة
الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب دفع هذه القيمة.
مسألة 26 - يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في
البلد وما حوله مما ينقل منه إليه عادة.
مسألة 27 - لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء
ودفعه إلى المالك ما لم يؤد إلى الحرج.
مسألة 28 - لو وجد المثل ولكن تنزلت قيمته لم يكن على الغاصب
إلا إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت، فلو غصب منا
من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم وأتلفها ولم يدفع مثلها
قصورا أو تقصيرا إلى زمان قد تنزلت قيمتها وصارت خمسة دراهم لم يكن
عليه إلا إعطاء من من الحنطة، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة
خمسة دراهم مع من من الحنطة، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلا
وإبقاؤها في ذمة الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء
وتفريغ ذمته فعلا.
مسألة 29 - لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو
المكان فالظاهر أنه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي
دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك،
181

فلو غصب ثلجا في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء
أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشط ليس له ذلك
وللمالك الامتناع، فله أن يصبر وينتظر زمانا أو مكانا آخر فيطالبها بالمثل
الذي له القيمة، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلا كما في صورة
تعذر المثل وحينئذ فهل يراعى قيمته في زمان الغصب ومكانه؟ المسألة
مشكلة، فالأحوط التخلص بالتصالح.
مسألة 30 - لو تلف المغصوب وكان قيميا كالدواب والثياب ضمن
قيمته، فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان
تلفه فلا إشكال، وإن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من
قيمه يوم التلف أو العكس فهل يراعى الأول أو الثاني؟ فيه قولان
مشهوران، وهنا وجه آخر، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع، والأحوط
التراضي فيما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع، هذا إلا كان
تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس، وأما إن كان من
جهة زيادة ونقصان في العين كالسمن والهزال فلا إشكال في أنه يراعى
أعلى القيم وأحسن الأحوال، بل لو فرض أنه لم يتفاوت قيمة زماني
الغصب والتلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثم زال
ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحل، ع مثل ما لو كان الحيوان هازلا
حين الغصب ثم سمن ثم عاد إلى الهزال وتلف، فإنه يضمن قيمته
حال سمنه.
مسألة 31 - لو اختلف القيمة باختلاف المكان كما إذا كان المغصوب
في بلد الغصب بعشرة وفي بلد التلف بعشرين وفي بلد الأداء بثلاثين
فلا يترك الاحتياط المتقدم في المسألة السابقة.
مسألة 32 - كما أنه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله.
182

إلى المالك مثلا أو قيمة ك ذلك فيما إذا تعذر على الغاصب عادة تسليمه،
كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه، أو أبق العبد أو
شردت الدابة ونحو ذلك، فإنه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام
كذلك، ويسمى ذلك البدل بدل الحيلولة، ويملك المالك البدل مع بقاء
المغصوب في ملكه، وإذا أمكن تسليم المغصوب ورده يسترجع البدل.
مسألة 33 - لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدة كان للمغصوب منه،
نعم نماؤه المتصل كالسمن يتبع العين، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها
بنمائها، وأما المبدل فلما كان باقيا على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له، لكن
الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.
مسألة 34 - القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات
عند تعذر المثل هو نقده البلد من الذهب والفضة المضروبين بسكة المعاملة
وغيرهما مما هو نقد البلد كالأوراق النقدية، وهذا هو الذي يستحقه
المغصوب منه، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات، فليس للضامن
دفع غيره إلا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيسا إلى نقد البلد.
مسألة 35 - الظاهر أن الفلزات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص
والنحاس كلها مثلية حتى الذهب والفضة مضروبين أو غير مضروبين
وحينئذ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذر بالقيمة كسائر المثليات
المتعذر المثل، نعم في خصوص الذهب والفضة تفصيل، وهو أنه إذا
قوم بغير الجنس كما إذا قوم الذهب بالدرهم أو قوم الفضة بالدرهم أو قوم الذهب
بالدينار فإن تساوى القيمة والمقوم وزنا كما إذا كانت الفضة المضمونة
المقومة عشرة مثاقيل فقومت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضا عشرة مثاقيل
فلا إشكال أيضا، وإن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضة المقومة عشرة
183

مثاقيل مثلا وقد قومت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها
غرامة عن الفضة، لاحتمال كونه داخلا في الربا فيحرم، كما أفتى به
جماعة، فالأحوط أن يقوم بغير الجنس بأن يقوم الفضة بالدينار والذهب
بالدرهم حتى يسلم من شبهة الربا.
مسألة 36 - لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثم تلفت بأن
غصبها شخص من مالكها ثم غصبها من الغاصب شخص آخر ثم غصبها
من الثاني شخص ثالث وهكذا ثم تلفت ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع
ببدل ماله من المثل أو القيمة على كل واحد منهم، وعلى أكثر من واحد
بالتوزيع متساويا أو متفاوتا، حتى أنه لو كانوا عشرة مثلا له أن يرجع
على الجميع ويأخذ من كل منهم عشر ما يستحقه من البدل، وله أن يأخذ
من واحد منهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع متساويا أو بالتفاوت،
هذا حكم المالك معهم، وأما حكم بعضهم مع بعض فعلى الغاصب الأخير
الذي تلف المال عنده قرار الضمان، بمعنى أنه لو رجع عليه المالك، وغرمه
لم يرجع هو على غيره بما غرمه، بخلاف غيره من الأيادي السابقة، فإن
المالك لم رجع على واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال
عنده، كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن
ينتهي إلى الأخير.
مسألة 37 - لو غصب شيئا مثليا فيه صنعة محللة كالحلي من الذهب
والفضة وكالآنية من النحاس وشبهه فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادته بالمثل
وصنعته بالقيمة، فلو غصب قرطا من ذهب كان وزنه مثقالين وقيمة
صنعته وصياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادته وعشرة
دراهم قيمة صنعته، ويحتمل قريبا صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض
عليه الصنعة قيميا، فيقوم القرط مثلا بمادته وصنعته، ويعطي قيمته السوقية
184

والأحوط التصالح، وأما احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته فبعيد جدا
نعم لا يبعد ذلك بل قريب جدا في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة،
كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذا الأعصار من أنواع الظروف
والأدوات والأثواب وغيرها، فتضمن كلها بالمثل من مراعاة صنفها.
مسألة 38 - لو غصب المصنوع وتلفت عنه الهيئة والصنعة فقط دون
المادة رد العين وعليه قيمة الصنعة، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة،
كما أنه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال: إني أصنعه كما كان
سابقا.
مسألة 39 - لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة
كما في آلات القمار والملاهي ونحوها لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصة
أو مع ذيها، فيرد المادة لو بقيت وعوضها لو تلفت، وليس عليه شئ
لأجل الهيئة والصنعة.
مسألة 40 - إن تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش
النقصان، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان، نعم اختص
العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام.
مسألة 41 - لو غصب شيئين تنقص قيمة كل واحد منهما منفردا
عنها فيما إذا كانا مجتمعين كمصراعي الباب والخفين فتلف أحدهما أو أتلفه
ضمن قيمة التالف مجتمعا، ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده
فلو غصب خفين كان قيمتهما مجتمعين عشرة وكان قيمة كل منهما منفردا
ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا وهي خمسة، ورد
الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي للمالك
سبعة مع أحد الخفين، ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمة
مجتمعا وهي خمسة في الفرض المذكور، وهل يضمن النقص الوارد على
185

الثاني وهو اثنان حتى تكون عليه سبعة أم لا؟ فيه وجهان بل قولان،
لا يخلو أولهما من رجحان.
مسألة 42 - لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي
على أقسام ثلاثة: أحدها - أن تكون أثرا محضا كخياطة الثوب بخيوط المالك
وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضة ونحو ذلك، ثانيها -
أن تكون عينية محضة كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو
ذلك، ثالثها - أن تكون أثرا مشوبا بالعينية كصبغ الثوب ونحوه.
مسألة 43 - لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثرا محضا ردها
كما هي، ولا شئ له لأجل تلك الزيادة ولا من جهة أجرة العمل، وليس له
إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك حيث أنه تصرف
في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن
لم يرد نقص على العين، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الأولى
للعين إذا كان فيه غرض عقلائي، ولا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة
نعم لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان.
مسألة 44 - لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس
ونماؤهما للغاصب، وعليه أجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة،
ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرر بذلك، وعليه أيضا طم الحفر
وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع إلا أن يرضى المالك
بالبقاء مجانا أو بالأجرة، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع
لم يجب على الغاصب إجابته، وكذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو
قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله، ولو حفر الغاصب في الأرض
بئرا كان عليه طمها مع طالب المالك، وليس له طمها مع عدم الطلب
فضلا عما لو منعه، ولو بنى في الأرض المغصوبة بناء فهو كما لو غرس
186

فيها، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له، وللمالك إلزامه بالقلع
فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر.
مسألة 45 - لو غرس أو بني في أرض غصبها وكان الغراس وأجزاء
البناء لصاحب الأرض كان الكل له، وليس للغاصب قلعها أو مطالبة
الأجرة، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك،
وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطم حفرها.
مسألة 46 - لو غصب ثوبا وصبغه بصبغه فإن أمكن إزالته مع بقاء
مالية له كان له ذلك، وليس لمالك الثوب منعه، كما أن للمالك إلزامه به،
ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب
مالك الثوب من الغاصب أن يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته
كالعكس بأن يطلب الغاصب منه أن يملكه الثوب، هذا إذا أمكن إزالة
الصبغ، وأما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه وكان للصبغ عين
متمولة اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة، فلو كانت قيمة الثوب
قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ كانت بينهما نصفين، وإن تفاوتت كان
التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ، هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما
عليها إلى ما بعد الصبغ، وإلا فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ
لأجله فالزيادة لصاحب الثوب، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص
الثوب، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ وبقيت قيمة الصبغ على ما هو
عليه كانت الزيادة لصاحب الثوب ولو انعكس فالزيادة للغاصب.
مسألة 47 - لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب وكانت
للصبغ
بعده عين متمولة بقيت كل منهما في ملك صاحبه، وحصلت الشركة
لو بيعا بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما، ولا غرامة على الغاصب إن لم يرد
نقص عليهما، وإن ورد ضمنه لمن ورد عليه.
187

مسألة 48 - لو مزج الغاصب المغضوب بغيره أو امتزج في يده بغير
اختياره مزجا رافعا للتميز بينهما فإن كان بجنسه وكانا متماثلين ليس أحدهما
أجود من الآخر أو أردى تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما، وليس على
الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة، بل الذي عليه تسليم المال والاقدام على
الافراز والتقسيم بنسبة المالين أو البيع وأخذ كل واحد منهما حصته من
الثمن كسائر الأموال المشتركة، وإن خلط المغصوب بما هو أجود أو
أردى منه تشاركا أيضا بنسبة المالين إلا أن التقسيم وتوزيع الثمن بينهما
بنسبة القيمة، فلو خلط مما من زين قيمته خمسة بمن منه قيمته عشرة كان
لكل منهما نصف المجموع، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم،
ويعطى لصاحب الأول سهم ولصاحب الثاني سهمان، وإذا باعاه يقسم
الثمن بينهما أثلاثا، والأحوط في مثل ذلك أعني اختلاط مختلفي القيمة من
جنس واحد البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها
من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة، هذا إذا مزج المغصوب
بجنسه، وأما إذا اختلط بغير جنسه فإن كان فيما يعد معه تالفا كما إذا اختلط
ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن المثل، وإن لم يكن كذلك كما لو خلط
دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل الخل بالعسل فالظاهر أنه بحكم الخلط
بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين،
ويقسمان العين ويوزعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مر.
مسألة 49 - لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قيمة
المجموع المخلوط أنتقص من قيمة الخليطين منفردين فورد بذلك النقص المالي
على المغصوب ضمنه الغاصب، كما لو غصب منا من زيت جيد قيمته
عشرة وخلطه بمن منه ردي قيمته خمسة وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنين
اثني عشر، فصار حصة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، والحال
188

أن زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة، فورد النقص عليه باثنين، وهذا
النقص يغرمه الغاصب، وإن شئت قلت: يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط
من الثمن، وما بقي يكون للغاصب.
مسألة 50 - فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجددت بعد
الغصب، وهي كلها مضمونة على الغاصب، أعيانا كانت كاللبن والولد
والشعر والثمر، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابة، بل كل صفة
زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثم زالت وتنقصت
بزوالها قيمته ضمنها الغاصب وإن رد العيد كما كانت قبل الغصب،
فلو غصب دابة هازلة ثم سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك ثم هزلت ضمن
الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثم زالت، نعم لو زادت القيمة لزيادة
صفة ثم زالت تلك الصفة ثم عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة
التالفة، لانجبارها بالزيادة العائدة، كما إذا سمنت الدابة في يده فزادت
التالفة، لانجبارها بالزيادة العائدة، كما إذا سمنت الدابة في يده فزادت
قيمتها ثم هزلت ثم سمنت، فإنه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأول
إلا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الأولى بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن
الأول درهمين والحاصلة بالثاني درهما مثلا، فيضمن التفاوت.
مسألة 51 - لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثم زالت فنقصت
ثم حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان زيادة الأولى
ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية، كما إذا سمنت الدابة المغصوبة ثم هزلت
فنقصت قيمتها ثم ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الأولى أو أزيد لم يزل
ضمان الغاصب للزيادة الأولى.
مسألة 52 - إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته
مثلا كان الزرع والفرخ للمغصوب منه، وكذا لو غصب خمرا فصارت
خلا أو غصب عصيرا فصار خمرا عنده ثم صارت خلا فإنه ملك للمغصوب منه
189

لا الغاصب، وأما لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى وأولدها كان الولد
لصاحب الأنثى وإن كان هو الغاصب، وعليه أجرة الضراب.
مسألة 53 - جميع ما مر من الضمان وكيفيته وأحكامه وتفاصيله
جارية في كل يد جارية على مال الغير بغير حق وإن لم تكن عادية وغاصبة
وظالمة إلا في موارد الأمانات، مالكية كانت أو شرعية كما عرفت التفصيل
في كتاب الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة وما وضع
اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه، كما إذا لبس مداس غيره أو ثوبه اشتباها
أو أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله، وغير ذلك مما لا يحصى.
مسألة 54 - كما أن اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو
المسمى بضمان اليد، وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان
سببان آخران: الاتلاف والتسبيب، وبعبارة أخرى له سبب آخر وهو
الاتلاف، سواء كان بالمباشرة أو التسبيب.
مسألة 55 - الاتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه، كما إذا
ذبح حيوانا أو رماه بسهم فقتله، أو ضرب على إناء فكسره، أو رمى
شيئا في النار فأحرقته وغير ذلك مما لا يحصى، وأما الاتلاف بالتسبيب
فهو إيجاد شئ يترتب عليه الاتلاف بسبب وقوع شئ، كما لو حفر بئرا
في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان، أو طرح المعاثر والمزالق كقشر
البطيخ والرقي في المسالك أو أوتد وتدا في الطريق فأصاب به عطب أو جناية
على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئا على الطريق فتمر به الدابة فتنفر
بصاحبها فتعقره، أو أخرج ميزابا على الطريق فأضر بالمارة، أو ألقى صببا
أو حيوانا يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع، ومن ذلك ما لو فك
القيد عن الدابة فشردت، أو فتح قفصا عن طائر فطار مبادرا أو بعد
مكث وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا، ويكون عليه
190

غرامة التالف وبدله، إن كان مثليا فبالمثل، وإن كان قيميا فبالقيمة،
وإن صار سببا لتعيب المال كان عليه الأرش كما مر في ضمان اليد.
مسألة 56 - لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا أو حبس
مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب
لا إذا انحصر غذاء الولد بارتفاع من أمه وكانت الماشية في محال السباع
ومظان الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها، فعليه الضمان حينئذ على الأحوط.
مسألة 57 - ومن التسبيب الموجب للضمان ما لو فك وكاء ظرف
فيه مائع فسال ما فيه، وأما لو فتح رأس الضرف ثم اتفق أنه قلبته الريح
الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه مثلا فسال ما فيه ففي الضمان تردد
وإشكال، نعم يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصمة
أو في مجتمع الطيور ومظان وقوعها عليه.
مسألة 58 - ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح بابا على
مال فسرق أو دل سارقا عليه فسرقه، فلا ضمان عليه.
مسألة 59 - لو وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال
أو نفس لم يضمن صاحبه إلا إذا بناه مائلا إلى الطريق أو مال إليه بعد
ما كان مستويا وقد تمكن صاحبه من الإزالة ولم يزله، فعليه الضمان في
الصورتين على الأقوى.
مسألة 60 - لو وضع شربة أو كوزا مثلا على حائطه فسقط وتلف به
مال أو نفس لم يضمن إلا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه على
وجه يسقط مثله.
مسألة 61 - ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا في ملكه
وداره فتعدت وأحرقت دار جاره مثلا فيما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم
أو يظن تعديها لعصف الهواء مثلا، بل الظاهر كفاية الثاني فيضمن مع العلم
191

أو الظن بالتعدي ولو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد
عدم كونها متعدية فتبين خلافه، كما إذا كانت ريح حين اشتغال النار
وهو قد اعتقد أن بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبين خلافه،
نعم لو كان الهواء ساكنا بحيث يؤمن معه من التعدي فاتفق عصف الهواء
بغتة فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان.
مسألة 62 - إذا أرسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضربه
ضمن ولو مع اعتقاده عدم التعدي، نعم ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره
في صورة اعتقاده عدم التعدي محل إشكال، والأحوط الضمان، ولو كان
طريقه إلى ملك الغير مسدودا حين إرسال الماء فدفع بغير فعله فلا ضمان عليه.
مسألة 63 - لو تعب حمال الخشبة فإسناده إلى جدار الغير ليستريح
بدون إذن صاحب الجدار فوقع باسناده إليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه،
عليه، ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا ضمنه سواء وقعت في الحال أو بعد
إذا كان مستندا إليه.
مسألة 64 - لو فتح قفصا لو فتح قفصا عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة
شخص مثلا ضمنها على الأحوط، وكذا لو كان القفص ضيقا مثلا
فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر.
مسألة 65 - إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته فإن كان
معها صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته، وإن
لم يكن معها بأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره ضمن ما أتلفته
إن كان ذلك ليلا، نعم ضمانه فيما إذا خرجت من اختياره محل إشكال،
والأحوط الضمان، وليس عليه ضمان إن كان نهارا.
مسألة 66 - لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابة في
يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعا أو غيره كان الضمان على الراعي
192

والمستأجر والمستعير لا على المالك والمعير
مسألة 67 - لو اجتمع سببان للاتلاف بفعل شخصين فإن لم يكن
أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، وإلا كان الضمان على المتقدم
في التأثير، فلو حفر شخص بئرا في الطريق ووضع شخص آخر حجرا
بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر
دون حافر البئر، ويحتمل قويا اشتراكهما في الضمان مطلقا.
مسألة 68 - لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر
دون فاعل السبب، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع غيره فيها إنسانا
أو حيوانا كان الضمان على الدافع دون الحافر، نعم لو كان السبب أقوى
من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو وضع قارورة تحت رجل
شخص نائم فمد رجله فكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
مسألة 69 - لو أكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من
أكره، وليس عليه ضمان، لكون السبب أقوى من المباشر، هذا إذا لم يكن
المال مضمونا في يده، بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده أو على
إتلاف الوديعة التي عنده مثلا، وأما إذا كان المال مضمونا في يده كما
إذا غصب مالا فأكرهه شخص على إتلافه فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك
الرجوع على أيهما شاء، فإن رجع على المكره بالكسر لم يرجع على المكره
بالفتح، بخلاف العكس، هذا إذا أكره على إتلاف المال، وأما لو أكره
على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على
المكره وإن كان عليه عقوبة، فإنه لا إكراه في الدماء.
مسألة 70 - لو غصب مأكولا مثلا فأطعمه المالك مع جهله بأنه
ماله بأن قال له: " هذا ملكي وطعامي " أو قدمه إليه ضيافة مثلا أو غصب
شاة واستدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهلة بأنه شاته ضمن الغاصب
193

وإن كان المالك هو المباشر للاتلاف، نعم لو دخل المالك دار الغصب
مثلا ورأى طعاما فأكله على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعام الأكل
فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد برأ من ضمان الطعام.
مسألة 71 - لو غصب طعاما من شخص وأطعمه غير المالك على
أنه ماله مع جهل الأكل بأنه مال غيره كما إذا قدمه إليه بعنوان الضيافة
مثلا ضمن كلاهما، فللمالك أن يغرم أيهما شاء، فإن أغرم الغاصب لم يرجع
على الأكل، وإن أغرم الأكل رجع على الغاصب لأنه قد غره.
مسألة 72 - إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده بحق
أو بغير حق فأخذ الظالم منه مالا بغير حق لم يضمن الساعي والمشتكي
ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق، وإنما الضمان
على من أخذ المال.
مسألة 73 - إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة
ولم تكن بينة ففي أن القول الغاصب أو المالك تردد ناش من التردد
في معنى " على اليد ما أخذت... " الخ، واحتمال أن يكون نفس المأخوذ
على عهدته حتى بعد التلف ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له، فيكون
القول قول المالك بيمينه، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة، فيكون
القول قول الغاصب بيمينه، ولا يخلو هذا من قوة، ولو تنازعا في صفة
تزيد بها الثمن بأن ادعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها
بعده وإن زالت فيما بعد وأنكره الغاصب ولم يكن بينة فالقول قول الغاصب
بيمينه بلا إشكال.
مسألة 74 - إن كان على الدابة المغصوبة رحل أو علق بها حبل
واختلفا فيما عليها فقال المغصوب منه: " هو لي " وقال الغاصب: " هو لي
ولم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه لكونه ذا يد فعلية عليه.
194

كتاب إحياء الموات والمشتركات
القول في إحياء الموات
الموات هي الأرض العطلة لا ينتفع بها إما لانتفاع الماء عنها
أو لاستيلاء المياه أو الرمال أو السبخ أو الأحجار عليها، أو لاستئجامها
والتفات القصب والأشجار بها أو لغير ذلك، وهو على قسمين:
الأول - الموات بالأصل، وهو ما لا يكون مسبوقا بالملك والاحياء
وإن كان إحراز ذلك غالبا بل مطلقا مشكلا بل ممنوعا، ويلحق به ما لم يعلم
مسبوقيته بهما.
الثاني - الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان
بعد الحياة والعمران، كالأرض الدراسة التي بها آثار الأنهار ونحوها
والقرى الخربة التي بقيت منها رسوم العمارة.
مسألة 1 - الموات بالأصل وإن كان للإمام عليه السلام حيث أنه
من الأنفال كما مر في كتاب الخمس، لكن يجوز في زمان الغيبة لكل أحد
إيحاؤه مع الشروط الآتية والقيام بعمارته، ويملكه المحيي على الأقوى سواء
195

كان في دار الاسلام أو في دار الكفر، وسواء كان في أرض الخراج
كأرض العراق أو في غيرها، وسواء كان المحيى مسلما أو كافرا.
مسألة 2 - الموات بالعارض الذي كان مسبوقا بالملك والاحياء إذا
لم يكن له مالك معروف على قسمين: الأول - ما باد أهلها وصارت بسبب
مرور الزمان وتقادم الأيام بلا مالك، وذلك كالأراضي الدارسة والقرى
والبلاد الخربة والقنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضين الذين لم يبق
منهم اسم ولا رسم، أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم
إلا الاسم، الثاني - ما لم تكن كذلك ولم تكن بحيث عدت بلا مالك،
بل كانت لمالك موجود ولو يعرف شخصه، ويقال لها: مجهولة المال، فأما
القسم الأول فهو بحكم الموات بالأصل في كونه من الأنفال وأنه يجوز إحياؤه
ويملكه المحيي، فيجوز إحياء الأراضي الدارسة التي بقيت فيها آثار الأنهار
والسواقي والمروز، وتنقية القنوان والآبار المطمومة وتعمير الخربة من القرى
والبلاد القديمة التي بقيت بلا مالك، ولا يعامل معها معاملة مجهول المالك
ولا يحتاج إلى الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه، بل يملكها المحيي
والمعمر بنفس الاحياء والتعمير، وأما القسم الثاني فالأحوط الاستئذان فيه
من الحاكم في الاحياء والقيام بتعميره والتصرف فيه، كما أن الأحوط معاملة
مجهول المالك معه بأن يتفحص عن صاحبه وبعد اليأس يشتري عينها من
حاكم الشرع ويصرف ثمنها على الفقراء، وإما أن يستأجرها منه بأجرة معينة
أو يقدر ما هو أجرة مثلها لو أنتفع بها ويتصدق بها على الفقراء، والأحوط
الاستئذان منه، نعم لو علم أن مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها
أهلها وتركوها لقوم آخرين جاز إحياؤها وتملكها بلا إشكال.
مسألة 3 - إن كان ما طرأ عليه الخراب لمالك معلوم فإن أعرض
عنه مالكه كان لكل أحد إحياؤه وتملكه، وإن لم يعرض عنه فإن أبقاه
196

مواتا للانتفاع به في تلك الحال من جهة تعليف دوابه أو بيع حشيشه أو
قصبه ونحو ذلك - فربما ينتفع منه مواتا أكثر مما ينتفع منه محياة -
فلا إشكال في أنه لا يجوز لأحد إحياؤه والتصرف فيه بدون إذن مالكه،
وكذا فيما إذا كان مهتما باحيائه عازما عليه وإنما أخر الاشتغال به لجمع
الآلات وتهيئة الأسباب المتوقعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له، وأما
لو ترك تعمير الأرض وإصلاحها وأبقاها إلى الخراب من جهة عدم الاعتناء
بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمتها وعدم عزمه على إحيائها إما لعدم
حاجته إليها أو لاشتغاله بتعمير غيرها فبقيت مهجورة مدة معتدا بها حتى
آلت إلى الخراب فإن كان سبب ملك المالك غير الاحياء مثل أنه ملكها
بالإرث أو الشراء فليس لأحد وضع إلى عليها وإحياؤها والتصرف فيها
إلا بإذن مالكها، ولو أحياها أحد وتصرف فيها وانتفع بها بزرع أو غيره
فعليه أجرتها لمالكها، وإن كان سبب ملكه الاحياء بأن كانت أرضا مواتا
بالأصل فأحياها وملكها ثم بعد ذلك عطلها وترك تعميرها حتى آلت إلى
الخراب فجوز إحياءها لغيره بعضهم، وهو في غاية الاشكال، بل عدمه
لا يخلو من قوة.
مسألة 4 - كما يجوز إحياء القرى الدارسة والبلاد القديمة التي باد
أهلها وصارت بلا مالك بجعلها مزرعا أو مسكنا أو غيرهما كذا يجوز حيازة
أجزائها الباقية من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها، ويملكها الحائز إذا
أخذها بقصد التملك.
مسألة 5 - لو كانت الأرض موقوفة وطرأ عليها الموتان والخراب فإن
كانت من الموقوفات القديمة الدارسة التي لم يعلم كيفية وقفها وأنها خاص
أو عام أو وقف على الجمات ولم يعلم من الاستفاضة والشهرة غير كونها
وقفا على أقوام ماضين لم يبق منهم اسم ولا رسم أو قبيلة لم يعرف منهم
197

إلا الاسم فالظاهر أنها من الأنفال، فيجوز إحياؤها، كما إذا كان الموات
المسبوق بالملك على هذا الحال، وإن علم أنها وقف على الجهات ولم تتعين
بأن علم أنها وقف إما على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غيرها
ولم يعلمها بعينها أو علم أنها وقف على أشخاص لم يعرفهم بأشخاصهم
وأعيانهم كما إذا علم أن مالكها قد وقفها على ذريته ولم يعلم من الواقف
ومن الذرية فالظاهر أن ذلك بحكم الموات المجهول المالك الذي نسب إلى
المشهور القول بأنه من الأنفال، وقد مر ما فيه من الاشكال بل القول به
هنا أشكل، والأحوط الاستئذان من الحاكم لمن أراد إحياؤها وتعميرها
والانتفاع بها بزرع أو غيره، وأن يصرف أجرة مثلها في الأول في وجوه
البر، وفي الثاني على الفقراء، بل الأحوط خصوصا في الأول مراجعة
حاكم الشرع، وأما لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف
عليهم فلا ينبغي الاشكال في أنه لو أحياه أحد وعمره وجب عليه صرف
منفعته في مصرفه المعلوم في الأول، ودفعها وايصالها إلى الموقوف عليهم
المعلومين في الثاني وإن كان المتولي أو الموقوف عليهم تاركين إصلاحه
وتعميره ومرمته إلى أن آل إلى الخراب، لكن ليس لأحد الاحياء والتصرف
فيه مع وجود المتولي المعلوم إلا بإذنه أو الاستئذان من الحاكم مع عدمه في
الأول، ومن المتولي أو الموقوف عليهم إن كان خاصا أو الحاكم إن كان
عاما في الثاني.
مسألة 6 - إذا كان الموات بالأصل حريما لعامر مملوك لا يجوز لغير
مالكه إحياؤه، وإن أحياه لم يملكه، وتوضيح ذلك أن من أحيا مواتا
لاحداث شئ من دار أو بستان أو مزرع أو غيرها تبع ذلك الشئ الذي
أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة من ذلك الشئ الحادث مما يحتاج
إليه لتمام الانتفاع به ويتعلق بمصالحه عادة، ويسمى ذلك المقدار التابع
198

حريما لذلك المتبوع، ويختلف مقدار الحريم زيادة ونقيصة باختلاف
ذي الحريم، وذلك من جهة تفاوت الأشياء في المصالح والمرافق المحتاج
إليها، فما يحتاج إليه الدار من المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر
والنهر مثلا، وهكذا باقي الأشياء، بل يختلف ذلك باختلاف البلاد والعادات
أيضا، فإذا أراد شخص إحياء حوالي ما له الحريم لا يجوز له إحياء مقدار
الحريم بدون إذن المالك ورضاه، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصبا.
مسألة 7 - حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ومصب مائها
ومطرح ثلوجها ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه
الباب، فلو بني دارا في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من
حواليهما، فليس لأحد أن يحيى هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار،
وليس المراد من استحقاق الممر في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى
امتداد الموات، بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج
بنفسه وعياله وأضيافه وما تعلق به من دواه وأحماله وأثقاله بدون مشقة
بأي نحو كان، فيجوز لغيره إحياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له
الممر ولو بانعطاف وانحراف، وحريم الحائط لو لم يكن جزء من الدار
بأن كان مثلا جدار حصار أو بستان أو غير ذلك مقدار ما يحتاج إليه
لطرح التراب والآلات وبل الطين لو انتقض واحتاج إلى البناء والترميم،
وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التنقية والمجاز على
حافتيه للمواظبة عليه ولا صلاحه على قدر ما يحتاج إليه، وحريم البئر
ما تحتاج إليه الأجل السقي منها والانتفاع بها من الموضع الذي يقف فيه
النازح إن كان الاستقاء منها باليد، وموضع الدولاب ومتردد البهيمة
إن كان الاستقاء بهما، ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو
الزرع من حوض ونحوه، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين
199

وغيره لو اتفق الاحتياط إليه، وحريم العين ما تحتاج إليه لأجل الانتفاع
بها أو إصلاحها وحفظها على قياس غيرها.
مسألة 8 - لكل من البئر والعين والقناة أعني بئرها الأخيرة التي هي
منبع الماء ويقال لها: بئر العين وأم الآبار وكذا غيرها إذا كان منشأ للماء
حريم آخر بمعنى آخر، وهو المقدار الذي ليس لأحد أن يحدث بئرا أو
قناة أخرى فيما دون ذلك المقدار بدون إذن صاحبهما، بل الأحوط لحافظ
الحريم كذلك بين القناتين مطلقا وإن كان الجواز في غير ما ذكر أشبه،
وهو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية من الإبل
ونحوها منها، وستون ذراعا إذا كان لأجل الزرع وغيره، فلو أحدث
شخص بئرا في موات من الأرض لم يكن لشخص آخر إحداث بئر أخرى
في جنبها بدون إذنه، بل ما لم يكن الفصل بينهما أربعين ذراعا أو ستين
فما زاد على ما فصل، وفي العين والقناة خمسمأة ذراع في الأرض الصلبة
وألف ذراع في الأرض الرخوة، فإذا اسنتبط إنسان عينا أو قناة في أرض
موات صلبة وأراد غيره حفر أخرى تباعد عنه بخمسمائة ذراع، وإن كانت
رخوة تباعد بألف ذراع، ولو فرض أن الثانية يضر بالأولى وتنقض ماءها
مع البعد المزبور فالأحوط لو لم يكن الأقوى زيادة البعد بما يندفع به الضرر
أو التراضي مع صاحب الأولى.
مسألة 9 - اعتبار البعد المزبور في القناة إنما هو في إحداث قناة أخرى
كما أشرنا إليه آنفا، وأما إحياء الموات الذي في حواليهما لزرع أو بناء أو
غيرهما فلا مانع منه إذا بقي من جوانبها مقدار تحتاج للنزح أو الاستقاء أو
الاصلاح والتنقية وغيرها مما ذكر في مطلق البئر، بل لا مانع من إحياء
الموات الذي فوق الآبار وما بينها إذا أبقى من أطراف حلقها مقدار ما تحتاج
إليه لمالحها، فليس لصاحب القناة المنع عن الاحياء للزرع وغيره فوقها
200

إذا لم يضر بها.
مسألة 10 - قد مر أن التباعد المزبور في القناة إنما يلاحظ بالنسبة
إلى البئر التي تكون منبع الماء أو منشأه، وأما الآبار الأخر التي هي مجري
الماء فلا يراعي الفصل المذكور بينها، فلو أحدث الثاني قناة في أرض
صلبة وكان منبعها بعيدا عن منبع الأولى بخمسمائة ذراع ثم تقارب في الآبار
الآخر التي هي مجري الماء إلى الآبار الآخر للأخرى إلى أن صار بينها
وبينها عشرة أذرع مثلا لم يكن لصاحب الأولى منعه، نعم لو فرض أن
قرب تلك الآبار أضر بتلك الآبار من جهة جذبها للماء الجاري فيها أو
من جهة أخرى تباعد بما يندفع به الضرر.
مسألة 11 - القرية المبنية في الموات لها حريم لأحد إحياؤه.
ولو أحياه لم يملكه، وهو ما يتعلق بمصالحها ومصالح أهليها من طرقها
المسلوكة منها وإليها ومسيل مائها ومجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها
ورمادها ومشرعها ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى عادتهم ومدفن
موتاهم ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك، والمراد بالقرية البيوت
والمساكن المجتمعة المسكونة، فلم يثبت هذا الحريم للضيعة والمزرعة ذات
المزارع والبساتين المتصلة الخالية من البيوت والمساكن والسكنة، فلو أحدث
شخص قناة في فلاة وأحياء أرضا بسيطة بمقدار ما يكفيه ماء القناة وزرع
فيها وغرس فيها النخيل والأشجار لم يكن الموات المجاور لتلك المحياة حريما
لها، فضا عن التلال والجبال القريبة منها، بل لو أحدث بعد ذلك في
تلك المحياة دورا ومساكن حتى صارت قرية كبيرة يشكل ثبوت الحريم لها،
نعم لو أحدثها في جنب المزرعة والبساتين في أراضي الموات فالظاهر ثبوته
لها، بل لا يبعد ثبوت بعض الحريم من قبيل مرعى الماشية لها مطلقا،
كما أن للمزرعة بنفسها أيضا حريما، وهو ما تحتاج إليه في مصالحها ويكون
201

من مرافقها من مسالك الدخول والخروج ومحل بيادرها وحظائرها ومجمع
سمادها وترابها وغيرها.
مسألة 12 - حد المرعى الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة
أهاليها بحسب العادة بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في
الضيق والحرج، ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلتهم وكثرة المواشي والدواب
وقلتها، وبذلك يتفاوت المقدار سعة وضيقا طولا وعرضا.
مسألة 13 - إن كان موات بقرب العامر ولم يكن من حريمه ومرافقه
جاز لكل أحد إحياؤه، ولم يختص بمالك ذلك العامر ولا أولوية له، فإذا
طلع شاطئ من الشط بقرب أرض محياة أو بستان مثلا كان كسائر
الموات، فمن سبق إلى إحيائه وحيازته كان له، وليس لصاحب الأرض
أو البستان منعه.
مسألة 14 - لا إشكال في أن حريم القناة المقدر بخمسمائة ذراع أو
ألف ذراع ليس ملكا لصاحب القناة ولا متعلقا لحقه المانع عن سائر تصرفات
غيره بدون إذنه، بل ليس له إلا حق المنع عن إحداث قناة أخرى كما
مر، والظاهر أن حريم القرية أيضا ليس ملكا لسكانها وأهليها بل إنما لهم
حق الأولوية، وأما حريم النهر والدار فهو ملك لصاحب ذي الحريم على
تردد وإن لا يخلو من وجه، فيجوز له بيعه منفردا كسائر الأملاك.
مسألة 15 - ما مر من الحريم لبعض الأملاك إنما هو فيما إذا ابتكرت
في أرض موات، وأما في الأملاك المجاورة فلا حريم لها، فلو أحدث
المالكان المجاوران حائطا في البيت لم يكن له حريم من الجانبين، ولو أحدث
أحدهما في آخر حدود ملكه حائطا أو نهرا لم يكن لهما حريم في ملك الآخر
وكذا لو حفر أحدهما قناة في ملكه كان للآخر إحداث قناة أخرى في ملكه
وإن لم يكن بينهما الحد.
202

مسألة 16 - ذكر جماعة أنه يجوز لكل من المالكين المتجاوزين
التصرف في ملكه بما شاء وحيث شاء وإن استلزم ضررا على الجار، لكنه
مشكل على إطلاقه، والأحوط عدم جواز ما يكون سببا لعروض الفساد
في ملك الجار، بل لا يخلو من قرب إلا إذا كان في تركه حرج أو ضرر
عليه، فحينئذ يجوز له التصرف، كم إذا دق دقا عنيفا انزعج منه حيطان
داره بما أوجب خللا فيها، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنشر منه النداوة
في حائطه، أو أحدث بالوعة أو كنيفا بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها
بل وكذا لو حفر بئرا بقرب بئره بقرب بئره إذا أوجب نقص مائها وكان ذلك من
جهة جذب الثانية ماء الأولى، وأما إذا كان من جهة أن الثانية لكونها
أعمق ووقوعها في سمت مجرى المياه ينحدر فيها الماء من عروق الأرض قبل
أن يصل إلى الأول فالظاهر أنه لا مانع منه، والمائر بين الصورتين يدركه
أولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة، وكذا لا مانع من إطالة البناء وإن
كان مانعا من الشمس والقمر والهواء، أو جعل داره مدبغة أو مخبزة مثلا
وإن تأذى الجار من الريح والدخان إذا لم يكن بقصد الايذاء، وكذا
إحداث ثقبة في جداره إلى دار جاره موجبة للاشراف أو لانجذاب الهواء
فإن المحرم هو التطلع على دار الجار لا مجرد ثقب الجدار.
مسألة 17 - لا يخفى أن أمر الجار شديد، وحث الشرع الأقدس
على رعايته أكيد، والأخبار في وجوب كف الأذى عن الجار وفي الحث
على حسن الجوار كثيرة لا تحصى، فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " وفي حديث آخر
" أنه صلى الله عليه وآله أمر عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر - قال الراوي:
ونسيت آخر وأظنه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنه لا إيمان
لمن لم يأمن جاره بواثقه، فنادوا بها ثلاثا " وفي الكافي عن الصادق عن
203

أبيه عليهما السلام قال: " قرأت في كتاب علي عليه السلام أن رسول الله
صلى الله عليه وآله كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل
يثرب أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار كحرمة أمة "
وروى الصدوق باسناده عن الصادق عن علي عليهما السلام عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: " من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة
ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيع جاره فليس مني " وعن الرضا
عليه السلام " ليس منا من لم يأمن جاره بوائقه " وعن الصادق عليه السلام
أنه قال والبيت غاص بأهله: " إعلموا أنه ليس منا من لم يحسن مجاورة
من جاوره " وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" حسن الجوار يعمر الديار وينسئ في الأعمار " فاللازم على كل من يؤمن
بالله ورسوله (ص) واليوم الآخر الاجتناب عن كل ما يؤذي الجار وإن
لم يكن مما يوجب فسادا أو ضررا في ملكه إلا أن يكون في تركه ضرر
فاحش على نفسه، ولا ريب أن مثل ثقب الجدار الموجب للاشراف على
دار الجار إيذاء عليه، وأي إيذاء، وكذا إحداث ما يتأذى من ربحه أو
دخانه أو صوته أو ما يمنع عن وصول الهواء إليه أو عن إشراق الشمس
عليه وغير ذلك.
مسألة 18 - يشترط في التملك بالاحياء أن لا يسق إلى سابق
بالتحجير، فإن التحجير يفيد أولوية للمحجر، فهو أولى بالاحياء والتملك
من غيره، فله منعه، ولو أحياه قهرا على المحجور لم يملكه، والمراد
بالتحجير أن يحدث ما يدل على إرادة الاحياء كوضع أحجار أو جمع تراب
أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه
أو يشرع في إحياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئرا من آبار القناة الدارسة
التي يريد إحياءها تحجير بالنسبة الس سائر آبار القناة، بل وبالنسبة
204

إلى أراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانها، فليس لأحد إحياء تلك
القناة ولا إحياء تلك الأراضي، وكذا إذا أراد إحياء أجمة فيها الماء والقصب
فعمد على قطع مائها فقط فهو تحجير لها، فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها.
مسألة 19 - لا بد من أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على أصل
الاحياء دالا على مقدار ما يريد إحياءه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار
أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب مثلا لا بد أن يكون ذلك في جميع
الجوانب حتى يدل على أن جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحياءه، نعم
في مثل إحياء القناة البائرة يكفي الشروع في حفر إحدى آبارها كما أشرنا
إليه آنفا، فإنه دليل بحسب العرف على كونه بصدد إحياء جميع القناة،
بل الأراضي المتعلقة بها أيضا. بل إذا حفر بئرا في أرض موات بالأصل
لأجل إحداث قناة يمكن أن يقال: إنه يكون تحجيرا بالنسبة إلى أصل القناة
وإلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد تمامها وجريان مائها، فليس
لأحد إحياء تلك الجوانب حتى يتم القناة ويعين ما تحتاج إليه من الأراضي
نعم الأرض الموات التي ليست من حريم القناة ومما على أنه لا يصل إليها
ماؤها بعد جريانها لا بأس باحيائها.
مسألة 20 - التحجير كما أشرنا إليه يفيد حق الأولوية ولا يفيد
الملكية، فلا يصح بيعه على الأحوط وإن لا يبعد الجواز، نعم يصح الصلح
عنه، ويورث ويقع ثمنا في البيع، لأنه حق قابل للنقل والانتقال.
مسألة 21 - يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجر متمكنا من
القيام بتعميره ولو بعد زمان طويل بشرط أن لا يوجب تعطيل الموات،
فلو حجر من لم يقدر على إحياء ما حجره إما لفقره أو لعجزه عن تهيئة
أسبابه فلا أثر لتحجيره، وجاز لغيره إحياؤه، وكذا لو حجر زائدا على
مقدار تمكنه من الاحياء لا أثر لتحجيره إلا في مقدار ما تمكن من تعميره
205

وأما في الزائد فليس له منع الغير عن إحيائه، فعلى هذا ليس لمن عجز
عن إحياء الموات تحجيره ثم نقل ما حجره إلى غيره بصلح أو غيره مجانا
أو بالعوض، لأنه لم يحصل له حق حتى ينقله إلى غيره.
مسألة 22 - لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن
يكون بتوكيل الغير أو استئجاره، فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكل
والمستأجر لا للوكيل والأجير، وأما كفاية وقوعه عن شخص نيابة عن
غيره ثم أجاز ذلك الغير في ثبوته للمنوب عنه فبعيد.
مسألة 23 - لو انمحت آثار التحجير بنفسها قبل أن يقوم المحجر
بالتعمير بطل حقه وعاد الموات إلى ما كان قبل التحجير، وأما لو كان
بفعل شخص غير المحجر فلا يبعد بقاؤه مع قرب زمان المحو، ومع طول
المدة فالظاهر بطلانه مطلقا، بل لا يبعد بقاء مع المحو بنفسها إذا
لم يكن ذلك لطول مدة التعطيل، كما لو حصل بالسيل أو الريح مثلا.
مسألة 24 - ليس للمحجر تعطيل الموات المحجر عليه والاهمال في
التعمير، بل اللازم أن يشغل بالعمارة عقيب التحجير، فإن أهمل وطالت
المدة وأراد شخص آخر إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع
وجوده وبسط يده، فيلزم المحجر بأحد أمرين: إما العمارة أو رفع يده عنه
ليعمره غيره، إلا أن يبدي عذرا موجها مثل انتظار وقت صالح له
أو إصلاح آلاته أو حضور العملة، فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر،
وليس من العذر عدم التمكن من تهيئة الأسباب لفقره منتظرا للغنى والتمكن
إلا إذا كان متوقعا بحصول أسبابه، فإذا مضت المدة في الفرض
المتقدم ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه وجاز لغيره القيام بالعمارة، وإذا
لم يكن حاكم يقوم بهذه الشؤون فالظاهر أنه يسقط حقه أيضا لو أهمل في
التعمير وطال الاهمال مدة طويلة يعد مثله في العرف تعطيلا، فجاز لغيره
206

احياؤه وليس له منعه، والأحوط مراعاة حقه ما لم تمض مدة تعطيله واهماله
ثلاث سنين.
مسألة 25 - الظاهر أنه يشترط في التملك بالاحياء قصد التملك
كالتملك بالحيازة مثل الاصطياد والاحتياط والاحتشاش ونحوها، فلو حفر
بئرا في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته ما دام باقيا لم يملكه، بل لم يكن
له إلا حق الأولوية ما دام مقيما، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت
مباحا للجميع.
مسألة 26 - الاحياء المفيد للملك عبارة عن جعل الأرض حية بعد
الموتان وإخراجها عن صفة الخراب إلى العمران، ومن المعلوم أن عمارة
الأرض إما بكونها مزرعا أو بستانا، وإما بكونها مسكنا ودارا، وإما
حظيرة للأغنام والمواشي، أو لحوائج أخر كتجفيف الثمار أو جمع الحطب
أو غير ذلك، فلا بد في صدق إحياء الموات من العمل فيه وانهائه إلى حد
صدق عليه أحد العناوين العامرة بأن صدق عليه المزرع أو الدار مثلا أو
غيرهما عند العرف، ويكفي تحقق أول مراتب وجودها، ولا يعتبر انهاؤها
إلى حد كمالها، وقبل أن يبلغ إلى ذلك الحد وإن صنع فيه ما صنع لم يكن
احياء بل يكون تحجيرا، وقد مر أنه لا يفيد الملك بل لا يفيد إلا الأولوية.
تكملة:
يختلف ما اعتبر في الاحياء باختلاف العمارة التي يقصدها المحيي،
فما اعتبر في احياء الموات مزرعا أو بستانا غير ما اعتبر في احيائه مسكنا
ودارا، وما اعتبر في احيائه قناة أو بئرا غير ما اعتبر في احيائه نهرا وهكذا
ويشترط في الكل إزالة الأمور المانعة عن التعمير كالمياه الغالبة أو الرمال
207

والأحجار أو القصب والأشجار لو كانت متأجمة وغير ذلك، ويختص
كل منها ببعض الأمور، ونحن نبينها في ضمن مسائل.
مسألة 1 - يعتبر في إحياء الموات دارا أو مسكنا بعد إزالة الموانع
لو كانت أن يدار عليه حائطا بما يعتاد في تلك البلاد ولو كان بخشب
أو قصب أو حديد أو غيره، ويسقف ولو بعضه مما يمكن أن يسكن فيه،
ولا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب، ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف،
نعم يكفي ذلك في إحيائه حظيرة للغنم وغيره، أو لأن يجفف فيه الثمار
أو يجمع فيه الحشيش والحطب، ولو بنى حائطا في الموات بقصد بناء الدار
وقبل أن يسقف عليه بدا له وقصد كونه حظيرة ملكه كما لو قصد ذلك
من أول الأمر، وكذلك ملكه في العكس بأن حوطه بقصد كونه حظيرة
فبدا له أن يسقفه ويجعله دارا.
مسألة 2 - يعتبر في إحياء الموات مزرعا بعد إزالة الموانع تسوية
الأرض لو كانت فيها حفر وتلال مانعة عن قابليتها للزرع وترتيب مائها
إما بشق ساقية من نهر أو حفر قناة لها أو بئر، وبذلك يتم احياؤها ويملكها
المحيي، ولا يعتبر في احيائها حرثا فضلا عن زرعها، وإن كانت الأرض
مما لا تحتاج في زراعتها إلى ترتيب ماء لأنه يكفيها ماء السماء كفي في احيائها
أعمال الأمور الأخر عدا ترتيب الماء، وإن كانت مهيأة للزرع بنفسها بأن
لم يكن فيها مانع عنه مما ذكر ولم تحتج إلا إلى سوق الماء كفى في احيائها
إدارة التراب حولها مع سوق الماء إليها، وإن لم تحتج إلى سوق الماء أيضا
من جهة أنه يكفيها ماء السماء كبعض الأراضي السهلة والتلال التي لا تحتاج
في زرعها إلى علاج وقابلة لأن نزرع ديميا فالظاهر أن احياءها المفيد لتملكها
إنما هو بادرة المرز حولها مع حرثها وزرعها، بل لا يبعد الاكتفاء بالحرث
في تملكها، وأما الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه اشكال،
208

نعم لا إشكال في كونه تحجيرا مفيدا للأولوية.
مسألة 3 - يعتبر في إحياء البستان كل ما اعتبر في إحياء الزرع بزيادة
غرس النخيل أو الأشجار القابلة للنمو، ولا يعتبر التحويط حتى في البلاد
التي جرت عادتهم عليه على الأقوى، بل الظاهر عدم اعتبار السقي أيضا،
فمجرد غرس الأشجار القابلة للنمو كاف فيه.
مسألة 4 - يحصل إحياء البئر في الموات بأن يحفرها إلى أن يصل
إلى الماء، فيملكها بذلك، وقبل ذلك يكون تحجيرا لا إحياء، واحياء
القناة بأن يحفر الآبار إلى أن يجري ماؤها على الأرض، واحياء النهر بحفره
وانهائه إلى الماء المباح كالشط ونحوه بحيث كان الفاصل بينهما يسيرا كالمرز
والمسناة الصغيرة. وبذلك يتم إحياء النهر فيملكه الحافر، ولا يعتبر فيه
جريان الماء فيه فعلا وإن اعتبر ذلك في تملك المياه.
القول في المشتركات
وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والرباطات والمياه والمعادن.
مسألة 1 - الطريق نوعان نافذ وغير نافذ، فالأول - وهو المسمى
بالشارع العام - محبوس على كافة الأنام، والناس فيه شرع سواء،
وليس لأحد إحياؤه والاختصاص به، ولا التصرف في أرضه ببناء دكة
أو حائط أو حفر بئر أو غرس شجر أو غير ذلك، نعم لا يبعد جواز غرس
الأشجار واحداث النهر لمصلحة المارة لو كان الطريق واسعا جدا كالشوارع
الوسيعة المستحدثة في هذه الأعصار، كما، كما أن الظاهر أنه يجوز أن يحفر فيه
بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره لكونها من مصالحه ومرافقه، لكن
مع سدها في غير أوقات الحاجة حفظا للمستطرقين والمارة، بل الظاهر
209

جواز حفر سرداب تحته إذا أحكم الأساس والسقف بحيث يؤمن معه من
النقض والخسف، وأما التصرف في فضائه باخراج روشن أو جناح أو بناء
ساباط أو فتح باب أو نصب ميزاب ونحو ذلك فلا إشكال في جوازه إذا
لم يضر بالمارة، وليس لأحد منعه حتى من يقابل داره داره، كما مر في.
كتاب الصلح.
وأما الثاني - أعني الطريق غير النافذ المسمى بالسكة المرفوعة، وقد
يطلق، عليه الدريبة وهو الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو مباح بل أحيط
بثلاث جوانبه الدور والحيطان والجدران - فهو ملك لأرباب الدور التي أبوابها
مفتوحة إليه دون من كان حائط داره إليه من غير أن يكون بابها إليه،
فيكون هو كسائر الأملاك المشتركة يجوز لأربابه سده وتقسيمه بينهم وإدخال
كل منهم حصته في داره، ولا يجوز لأحد من غيرهم بل ولا منهم أن
يتصرف فيه ولا في فضائه إلا بإذن من يعتبر إذنه كما يأتي في المسألة الآتية.
مسألة 2 - لا يبعد في الدريبة أن يشارك الداخل للأدخل إلى قبالة
بابه مما هو ممره مع ما يتعارف من المرافق المحتاج إليها نوعا، ولا يبعد أن
يشارك الداخل إلى منتهى جدار داره وينفرد الأدخل بما بعده، ومع تعدد
الشركاء يشارك الأدخل من الجميع معهم، وينفرد بما يكون طريقه الخاص،
فيشترك الجميع من أول الدريبة إلى الباب الأول أو منتهى الجدار ثم يشترك
فيما عداه ما عدا صاحب الباب الأول، وهكذا تقل الشركاء إلى آخر الزقاق
ولا يبعد اختصاص الآخر بالفضة التي في آخر الزقاق، فيجوز لمن هو
أدخل من الجميع أي تصرف شاء فيما ينفرد به، بل وفي الفضلة المذكورة
ولا يجوز لغيره التصرف كاخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر
بالوعة أو سرداب أو نصب ميزاب وغير ذلك إلا بإذن شركائه، نعم
لكل منهم حق الاستطراق إلى داره من أي موضع من جداره، فلكل
210

منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأول أو أسبق مع سد الباب الأول
وعدمه.
مسألة 3 - ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها إلا
بإذن أربابها، نعم له فتح ثقبة وشباك إليها، وليس لهم منعه، لكونه تصرفا
في جداره لا في ملكهم، وهل له فتح باب إليها لا للاستطراق بل لمجرد
الاستضاءة ودخول الهواء؟ الأقرب جوازه، ولصاحب الدريبة تحكيم سند
المالكية لدفع الشبهة.
مسألة 4 - يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق
والتردد منها إلى داره بنفسه وما يتعلق به من عياله ودوابه وأضيافه وعائديه
وزائريه، وكذا وضع الحطب ونحوه فيها لادخاله في الدار، ووضع الأحمال
والأثقال عند إدخالها واخراجها من دون الشركاء، بل وإن كان فيهم
القصر والمولى عليهم من دون رعاية المساواة مع الباقين.
مسألة 5 - الشوارع والطرق العامة وإن كانت معدة لاستطراق عامة
الناس ومنفعتها الأصلية التردد فيها بالذهاب والإياب إلا أنه يجوز لكل
أحد الانتفاع بها بغير ذلك من جلوس أو نوم أو صلاد وغيرها بشرط أن
لا يتضرر بها أحد على الأحوط، ولم يزاحم المستطرقين ولم يتضيق على المارة.
مسألة 6 - لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو
النزهة وبين ما كان للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع المتسعة
لئلا يتضيق على المارة، فلو جلس فيها بأي غرض من الأغراض لم يكن
لأحد إزعاجه.
مسألة 7 - لو جلس في موضع من الطريق ثم قام عنه فإن كان
جلوس استراحة ونحوها بطل حقه، فجاز لغيره الجلوس فيه، وكذا إن
كان لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود، فلو عاد إليه
211

بعد أن جلس في مجلسه غيره لم يكن له دفعه، ولو قام قبل استيفاء غرضه
ناويا للعود ففي ثبوت حق له فيه إشكال، نعم لا يجوز التصرف في بساطه
فلو قام ولو بنية العود ورفع فالظاهر جواز جلوس غيره مكانه،
والاحتياط حسن.
مسألة 8 - ثبوت الحق للجالس للمعاملات ونحوها مشكل، بل
الظاهر عدمه، لكن لا يجوز إزعاجه ما دام فيه ولا التصرف في بساطه،
ولا مانع من إشغال ما حوله ولو احتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين
معه، وكذا يجوز له القعود بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين
إليه، وليس له منعه، لكن الاحتياط حس، ومراعاة المؤمن مطلوب.
مسألة 9 - يجوز للجالس للمعاملة أن يظلل على موضع جلوسه
بما لا يضر بالمارة بثوب أو بارية ونحوهما، وليس له بناء دكة ونحوها فيه.
مسألة 10 - إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه
في يوم آخر شخص آخر وأخذه مكانه فليس للأول إزعاجه ومزاحمته.
مسألة 11 - إنما يصير الموضع شارعا عاما بأمور: الأول - بكثرة
التردد والاستطراق ومرور القوافل ونحوها في الأرض الموات كالجواد
الحاصلة في البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد، الثاني - أن
يجعل إنسان، فإنه يصير بذلك طريقا عاما، ولم يكن للمسبل الرجوع بعد
ذلك، الثالث - أن يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا
نافذا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الأبواب، والمراد بكونه نافذا أن
يكون له مدخل ومخرج يدخل الناس من جانب ويخرجون من جانب
آخ إلى جادة عامة أو إلى أرض موات.
مسألة 12 - لا حريم للشارع العام لو وقع بين الأملاك، فلو كانت
212

بين الأملاك قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا واستطرقها
الناس حتى صارت جادة لم يجب على الملاك توسيعها وإن تضيقت على المارة
وكذا لو سبل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره
ثلاثة أو أربعة أذرع مثلا للشارع، وأما لو كان الشارع محدودا بالموات
بطرفيه أو أحد طرفيه فكان له الحريم، وهو المقدار الذي يوجب إحياؤه
نقص الشارع من سبعة أذرع على الأحوط، فلو حدث بسبب الاستطراق
شارع في وسط الموات جاز إحياء طرفيه إلى حد يبقى له سبعة أذرع
ولا يتجاوز عن هذا الحد، وكذا لو كان لأحد في وسط المباح ملك عرضه
أربعة أذرع مثلا فسبله شارعا لا يجوز إحياء طرفيه بما لم يبق للطريق سبعة
أذرع، ولو كان في أحد طرفي الشارع أرض مملوكة وفي الطرف الآخر
أرض موات كان الحريم من طرف الموات، بل لو كان طريق بين الموات
وسبق شخص وأحيا أحد طرفيه إلى حد الطريق اختص الحريم بالطرف
الآخر، فلا يجوز للآخر الاحياء إلى حد لا يبقى للطريق سبعة أذرع، فلو
بنى بناء مجاوزا لذلك الحد ألزم هو بهدمه وتبعيده دون المحيي الأول.
مسألة 13 - إذا استؤجم الطريق أو انقطعت عنه المارة زال حكمه
بل ارتفع موضوعه وعنوانه، فجاز لكل أحد إحياؤه كالموات، من غير
فرق في صورة انقطاع المارة بين أن يكون ذلك لعدم وجودهم أو بمنع
قاهر إياهم أو لهجرهم إياه واستطراقهم غيره أو بسبب آخر، نعم في المسبل
لا يخلو جواز الاحياء من إشكال.
مسألة 14 - لو زاد عرض الطريق المسلوك عن سبعة أذرع ففي
المسبل لا يجوز لأحد أخذ ما زاد عليها واحياؤه وتملكه قطعا، وأما غيره
ففي جواز إحياء الزائد وعدمه وجهان، أوجههما العدم إلا إذا كان الزائد
معرضا عنه.
213

مسألة 15 - ومن المشتركات المسجد، وهو من مرافق المسلمين
يشترك فيه عامتهم، وهم شرع سواء الانتفاع به إلا بما لا يناسبه ونهى
الشارع عنه كمكث الجنب فيه ونحوه، فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو
عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها ليس
لأحد إزعاجه، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه،
فليس لأحد بأي غرض كان مزاحمة من سبق إلى مكان منه بأي غرض
كان، نعم لا يبعد تقدم الصلاة جماعة أو فرادي على غيرها من الأغراض،
فلو كان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدريس وأراد أحد
أن يصلي في ذلك المكان جماعة أو فرادى يجب عليه تخلية المكان له، نعم
ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن اختيار مريد الصلاة في ذلك المكان لمجرد
الاقتراح، بل كان إما لانحصار محل الصلاة فيه أو لغرض راجح ديني
كالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه، هذا ولكن أصل المسألة لا تخلو من
إشكال فيما إذا كان جلوس السابق لغرض العبادة كالدعاء والقراءة لا لمجرد
النزهة والاستراحة، فلا ينبغي فيه ترك الاحتياط للمسبوق بعدم المزاحمة،
وللسابق بتخلية المكان له، والظاهر تسوية الصلاة فرادى مع الصلاة جماعة
فلا أولوية للثانية على الأولى، فمن سبق إلى مكان للصلاة منفردا فليس
لمريد الصلاة جماعة إزعاجه لها وإن كان الأولى له تخلية المكان له إذا وجد
مكان آخر له، ولا يكون مناعا للخير عن أخيه.
مسألة 16 - لو قام الجالس السابق وفارق المكان رافعا يده منه
معرضا عنه بطل حقه على فرض ثبوت حق له وإن بقي رحله، فلو عاد
إليه وقد أخذه غيره ليس له إزعاجه، نعم لا يجوز التصرف في بساطه
ورحله، وإن كان ناويا للعود، فإن كان رحله باقيا بقي حقه لو قلنا بثبوت
حق له، ولكن لا يجوز التصرف في رحله على أي حال، وإلا فالظاهر
214

سقوط حقه على فرض ثبوته، لكن ثبوت حق في أمثال ذلك مطلقا لا يخلو
من تأمل وإن يظهر منهم التسالم عليه في خصوص المسجد، والأحوط
عدم إشغاله خصوصا إذا كان خروجه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة
نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها.
مسألة 1 - الظاهر أن وضع الرحل مقدمة للجلوس كالجلوس في
إفادة الأولوية، لكن إن كان ذلك بمثل فرش سجادة ونحوها مما يشغل مقدار
مكان الصلاة أو معظمه لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواك وشبهها.
مسألة 18 - يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه طول زمان
بحيث استلزم تعطيل المكان، وإلا لم يفد حقا، فجاز لغيره أخذ المكان قبل
مجيئه ورفع رحله والصلاة مكانه إذا شغل المحل بحيث لا يمكن الصلاة فيه
إلا برفعه، والظاهر أنه يضمنه الرافع إلى إن يوصله إلى صاحبه، وكذا
الحال فيما لو فرق المكان معرضا عنه مع بقاء رحله فيه.
مسألة 19 - المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام، فإن
المسلمين فيها شرع سواء، سواء العاكف فيها والباد والمجاور هلا والمتحمل
إليها من بعد البلاد، ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء
أو قراءة ليس لأحد إزعاجه، وهل للزيارة أولوية على غيرها كالصلاة في
المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها؟ لا يخلو من وجه، لكنه غير
وجيه كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى المجاورين وإن
كان ينبغي لهم مراعاتهم، وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل وبقائه كما
سبق في المساجد.
مسألة 20 - ومن المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم أو
الطائفة الخاصة منهم إذا خصها الواقف بصنف خاص، كما إذا خصها
بصنف العرب أو العجم أو طالب العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا
215

فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحق بها ما لم يفارقها معرضا عنها وإن
طالت مدة السكنى، إلا إذا اشترط الواقف له مدة معينة كثلاث سنين
مثلا، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم يؤمر به، أو شرط
اتصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه مشغولا بالتحصيل
أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك.
مسألة 21 - لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء
مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعا وإن لم يترك رحله، ولا يلزم
تخليف أحد مكانه، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة، كالرواح للزيارة أو
لتحصيل المعاش أو للمعالجة مع نية العود وبقاء متاعه ورحله ما لم تطل المدة
إلى حد لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفا، ولم يوجب تعطيل المحل
زائدا على المتعارف، ولم يشترط الواقف لذلك مدة معينة، كما إذا شرط
أن لا يكون خروجه أزيد من شهر أو شهرين مثلا، فيبطل حقه لو تعدى
زمن خروجه عن تلك المدة.
مسألة 22 - من أقام في حجرة منها ممن يستحق السكنى بها له أن
يمنع من أن يشاركه غيره إذا كان المسكن معدا لواحد إما بحسب قابلية
المحل أو بسبب شرط الواقف، ولو أعد لما فوقه لم يكن له منع غيره إلا
إذا بلغ العدد الذي أعد له، فللسكنة منع الزائد.
مسألة 23 - يلحق بالمدارس الرباطات، وهي المواضع المبنية لسكني
الفقراء، والملحوظ فيها غالبا للغرباء، فمن سبق منهم إلى إقامة بيت منها
كان أحق به، وليس لأحد إزعاجه، والكلام في مقدار حقه وما به يبطل
حقه وجواز منع الشريك وعدمه فيها كما سبق في المدارس.
مسألة 24 - ومن المشتركات المياه، والمراد بها مياه الشطوط والأنهار
الكبار كدجلة والفرات والنيل أو الصغار التي لم يجرها أحد، بل جرت
216

بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج، وكذلك العيون المنفجرة
من الجبال أو في أراضي الموات، والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول
الأمطار، فإن الناس في جميع ذلك شرع سواء، ومن جاز منها شيئا بآنية
أو مصنع أو حوض ونحوها ملكه، وجرى عليه أحكام الملك من غير فرق
بين المسلم والكافر، وأما مياه العيون والآبار والقنوات التي حفرها أحد في
ملكه أو في الموات بقصد تملك مائها فهي ملك للحافر كسائر الأملاك،
لا يجوز لأحد أخذها والتصرف فيها إلا بإذن المالك عدا بعض التصرفات
التي مر بيانها في كتاب الطهارة، وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية قهرية
كانت كالإرث أو اختيارية كالبيع والصلح والهبة وغيرها.
مسألة 25 - إذا شق نهرا من ماء مباح كالشط ونحوه ملك ما يدخل
فيه من الماء ويجري عليه أحكام الملك كالماء المحوز في آنية ونحوها، وتتبع
ملكية الماء ملكية النهر، فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام، وإن
كان لجماعة ملك كل منهم من الماء بمقدار حصته من ذلك النهر، فإن كان
لواح نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملكوا الماء بتلك النسبة وهكذا،
ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضي التي تسقى منه، فلو كان النهر
مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكل منهم ثلث الماء، وإن
كانت الأراضي التي تسقى منه لأحدهم ألف جريب ولآخر جريبا ولآخر
نصف جريب فيصرفان ما زاد على احتياج أرضهما فيما شاءا، بل لو كان
لأحدهما رحى يدور به ولم يكن له إرض أصلا يساوي مع كل من شريكيه
في استحقاق الماء.
مسألة 26 - إنما يملك النهر المتصل بالمباح بحفره في الموات بقصد
إحيائه نهرا مع نية تملكه إلى أن يوصله بالمباح كما مر في إحياء الموات،
فإن كان الحافر واحدا ملكه بالتمام، وإن كان جماعة كان بينهم على قدر
217

ما عملوا، فمع التساوي بالتساوي، ومع التفاوت بالتفاوت.
مسألة 27 - لما كان الماء الذي يفيضه النهر المشترك بين جماعة
مشتركا بينهم كان حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد
منهم التصرف فيه، وأخذه والساقية به إلا بإذن باقي الشركاء، فإن لم يكن
بينهم تعاسر ويبيح كل منهم سائر شركائه أن يقضي منه حاجته في كل
وقت وزمان فلا بحث، وإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب
والمهاياة بحسب الساعات أو الأيام أو الأسابيع مثلا فهو، وإلا فلا محيص
من تقسيمه بينهم بالأجزاء بأن توضع على فم النهر خشبة أو صخرة أو
حديدة ذات ثقب متساوية السعة حتى يتساوى الماء الجاري فيها، ويجعل
لكل منهم من الثقب بمقدار حصته، ويجري كل منهم ما يجري في الثقبة
المختصة به في ساقية تختص به، فإذا كان بين ثلاثة وسهامهم متساوية فإن
كانت الثقب ثلاثا متساوية جعلت لكل منهم ثقبة، وإن كانت ستا جعلت
لكل منهم ثقبتان، وإن كانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب على أقلهم
سهما، فإذا كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقب
ستا، ثلاث منها لذي النصف، واثنتان لذي الثلث، وواحدة لذي
السدس وهكذا، وبعد ما أفرزت حصة كل منهم من الماء يصنع بمائه ما شاء.
مسألة 28 - الظاهر أن القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار، فإذا
طلبها أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها، وهي لازمة ليس لأحدهم
الرجوع عنها بعد وقوعها، وأما المهاياة فهي موقوفة على التراضي وليست
بلازمة، فلبعضهم الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف
الآخر نوبته وإن ضمن حينئذ مقدار ما استوفاه بالمثل مع إمكانه، وإلا
فبالقيمة.
مسألة 29 - إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو واد أو
218

نهر ونحوها بأن أحياها أشخاص عليه ليستقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي
أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار كان للجميع حق السقي
منه، فليس لأحد أن يشق نهرا فوقها يقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار
احتياج تلك الأملاك، وحينئذ فإن وفي الماء لسقي الجميع من دون مزاحمة
في البين فهو، وإن لم يف ووقع بين أربابها في التقدم والتأخر التشاح
والتعاسر يقدم الأسبق فالأسبق في الاحياء إن علم السابق، وإلا يقدم الأعلى
فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله، فيقضي الأعلى حاجته
ثم يرسله إلى ما يليه وهكذا، لكن لا يزيد للنحل عن الكعب أي قبة القدم
على الأحوط وإن كان الجواز إلى أول الساق لا يخلو من قوة، وللشجر
عن القدم، وللزرع عن الشراك.
مسألة 30 - الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط ونحوها إذا وقع
التعاسر بين أربابها بأن كان الشط لا يفي في زمان واحد باملاء جميع تلك
الأنهار كان حالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح المتقدم في المسألة
السابقة، فالأحق ما كان شقه أسبق ثم الأسبق، وإن لم يعلم الأسبق فالمدار
هو الأعلى فالأعلى، فيقبض الأعلى ما يسعه ثم ما يليه وهكذا.
مسألة 31 - لو احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو
حفر أو إصلاح أو سد خرق ونحو ذلك فإن أقدم الجميع على ذلك كانت
المؤونة على الجميع بنسبة ملكهم للنهر، سواء كان إقدامهم بالاختيار أو
بالاجبار من حاكم قاهر جائر أو بالزام من الشرع، كما إذا كان مشتركا
بين المولى عليهم ورأى الولي المصلحة الملزمة في تعميره مثلا، وإن لم يقدم
إلا البعض لم يجبر الممتنع، وليس للمقدمين مطالبته بحصته من المؤونة
ما لم يكن إقدامهم بالتماس منه وتعهده ببذل حصته، نعم لو كان النهر
مشتركا بين القاصر وغيره وكان إقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة
219

القاصر إما لعدم اقتداره بدونه أو لغير وجب على ولي القاصر مراعاة
لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل المؤونة من مال بمقدار حصته.
مسألة 32 - ومن المشتركات المعادن، وهي إما ظاهرة، وهي
ما لا تحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤونة كالملح والقير
والكبريت والموميا والكحل والنفط إذا لم يحتج كل منها إلى الحفر والعمل
المعتد به، وأما باطنة، وهي ما لا تظهر إلا بالعمل والعلاج كالذهب
والفضة والنحاس والرصاص وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر
آبار كما هو المعمول غالبا في هذه الأعصار، فأما الظاهرة فهي تملك بالحيازة
لا بالاحياء، فمن أخذ منها شيئا ملك ما أخذه قليلا كان أو كثيرا وإن
كان زائدا على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار حاجته، ويبقى الباقي مما لم يأخذه
على الاشتراك ولا يختص بالسابق في الأخذ، وليس له على الأحوط أن
يحوز مقدارا يوجب الضيق والمضارة على الناس، وأما الباطنة فهي تملك
بالاحياء بأن ينهي العمل والنقب والحفر إلى أن يبلغ نيلها، فيكون حالها
حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، وقد مر أنها تملك
بحفرها حتى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء، ولو عمل فيها عملا لم يبلغ به
نيلها كان تحجيرا أفاد الأحقية والأولوية دون الملكية.
مسألة 33 - إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله وعطله أجبر على
إتمام العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدأ عذرا أنظر بمقدار زوال عذره
ثم ألزم على أحد الأمرين كما سبق ذلك كله في إحياء الموات.
مسألة 34 - لو أحيا أرضا مزرعا أو مسكنا مثلا فظهر فيها معدن
ملكه تبعا لها، سواء كان عالما به حين إحيائها أم لا.
مسألة 35 - لو قال رب المعدن لآخر: " اعمل فيه ولك نصف الخارج "
مثلا بطل إن كان بعنوان الإجارة، وصح لو كان بعنوان الجعالة.
220

كتاب اللقطة
وهي بمعناها الأعم كل مال ضائع عن مالكه ولم يكن يد عليه،
وهي إما حيوان أو غير حيوان.
القول في لقطة الحيوان
وهي المسماة بالضالة:
مسألة 1 - إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد
عليه أي حيوان كان، فمن أخذه ضمنه ويجب عليه حفظه من التلف
والانفاق عليه بما يلزم، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق، نعم
إن كان شاة حبسها ثلاثة أيام فإن لم يأت صاحبها باعها وتصدق بثمنها،
والظاهر ضمانها لو جاء صاحبها ولم يرض بالتصدق، ولا يبعد جواز حفظها
لصاحبها أو دفعها إلى الحاكم أيضا، ولو كان الحيوان في معرض الخطر
لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان، ويجب عليه الانفاق عليه،
وجاز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع
221

عليه، وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل عليه أو لبن ونحوه جاز له
استيفاؤها واحتسابها بإزاء ما أنفق، ويرجع إلى صاحبه إن كانت النفقة
أكثر، ويؤد إليه الزيادة إن زادت المنفعة عنها.
مسألة 2 - بعد ما أخذ الحيوان في العمران وصار تحت يده يجب
على الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه، فإذا بئس من
صاحبه تصدق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك.
مسألة 3 - ما يدخل في دار الانسان من الحيوان كالدجاج والحمام
مما لم يعرف صاحبه الظاهر خروجه عن عنوان اللقطة، بل هو داخل في
عنوان مجهول المالك، فيتفحص عن صاحبه وعند اليأس منه يتصدق به،
والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك بأن يسأل من الجيران والقريبة
من الدور والعمران، ويجوز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعلم أن
له صاحبا ولا يجب الفحص، والأحوط فيما إذا علم أن له مالكا ولو من
جهة آثار اليد أن يعامل معه معاملة المالك.
مسألة 4 - ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق والشوارع
والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها إن كان مما يحفظ
نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعالب وابن آوى والذئب والضبع
ونحوها - إما لكبر جثته كالبعير أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال أو لقوته
وبطشه كالجاموس والثور - لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان في كلا
وماء، أو كان صحيحا يقدر على تحصيل الماء والكلاء، وإن كان مما تغلب
عليه صغار السباع كالشاة وأطفال البعير والدواب جاز أخذه، فإذا أخذه
عرفه على الأحوط في المكان الذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد
فإن عرف صاحبه رده إليه، وإلا كان له تملكه وبيعه وأكله مع الضمان
لمالكه لو وجد، كما أن له إبقاءه وحفظه لمالكه، ولا ضمان عليه.
222

مسألة 5 - لو أخذه البعير ونحوه في صورة لا يجوز له أخذه ضمنه،
ويجب عليه الانفاق عليه، وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان
من قصده الرجوع عليه كما مر فيما يؤخذ من العمران.
مسألة 6 - إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق أو الصحاري
والبراري فإن كان بقصد الاعراض عنه جاز لكل أحد أخذه وتملكه
كما هو الحال في كل مال أعرض عنه صاحبه، وإن لم يكن بقصد الاعراض
بل كان من جهة العجز عن إنفاقه أو من جهة جهد الحيوان وكلاله كما
يتفق كثيرا أن الانسان إذا كلت دابته في الطرق والمفارز ولم يتمكن من
الوقوف عندها يأخذ رحلها أو سرجها ويسرحها ويذهب، فإن تركه في
كلا وماء وأمن ليس لأحد أن يأخذه، فلو أخذه كان غاصبا ضامنا له،
وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من الضمان، وفي وجوب حفظه والانفاق
عليه وعدم الرجوع على صاحبه ما مر فيما يؤخذ في العمران، وإن تركه
في خوف وعلى غير ماء وكلا جاز أخذه، وهو للآخذ إذا تملكه.
مسألة 7 - إذا أصاب دابة وعلم بالقرائن أن صاحبها قد تركها
ولم يدر أنه قد تركها بقصد الاعراض أو بسبب آخر كانت بحكم الثاني،
فليس له أخذها وتملكها إلا إذا كانت في مكان خوف بلا ماء ولا كلا.
مسألة 8 - إذا أصاب حيوانا في غير العمران ولم يدر أن صاحبه
قد تركه بأحد النحوين أم لم يتركه بل ضاعه أو شرد عنه كان بحكم
الثاني
من التفصيل المتقدم، فإن كان مثل البعير لم يجز أخذه وتملكه إلا إذا كان
غير صحيح ولم يكن في ماء وكلا، وإن كان مثل الشاة جاز أخذه مطلقا.
القول في لقطة غير الحيوان
وهي التي يطلق عليها اللقطة عند الاطلاق واللقطة بالمعنى الأخص، ويعتبر
223

فيها عدم معرفة المالك، فهي قسم من مجهول المالك، لها أحكام خاصة.
مسألة 1 - يعتبر فيها الضياع عن المالك، فما يؤخذ من يد الغاصب
والسارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه، بل لا بد في ترتيب
أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال، فالمداس المتبدل بمداسه
في المساجد ونحوها يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه، وكذا الثوب المتبدل
بثوبه في الحمام ونحوه، لاحتمال تعمد في التبديل، ومعه يكون من
مجهول المالك لا من اللقطة.
مسألة 2 - يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط
فلو رأى غيره شيئا وأخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي
وإن تسبب منه، بل لو قال ناولنيه فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو
الملتقط دون الآمر، ولو أخذه لا لنفسه وناوله إياه ففي كون الآمر ملتقطا
إشكال فضلا عن أخذه بأمره ونيابته من دون أن يناوله إياه.
مسألة 3 - لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فأخذه بطن أنه ماله
فتبين أنه ضائع عن غيره صار بذلك لقطة وعليه حكمها، وكذا لو رأى
مالا ضائعا فنحاه بعد أخذه من جانب إلى آخر، نعم لو دفعه برجله
أو بيده من غير أخذ ليتعرفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطا، بل
ولا ضامنا لعدم صدق اليد والأخذ.
مسألة 4 - المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع
اليد عليه، فإن أخذه كان غاصبا ضامنا إلا إذا كان في معرض
التلف
فيجوز بقصده الحفظ، ويكون حينئذ ي يده أمانة شرعية، ولا يضمن
إلا بالتعدي أو التفريط، وعلى كل من تقديري جواز الأخذ وعدمه لو أخذه
يجب عليه الفحص عن ماله إلى أن يئس من الظفر به، وعند ذلك
يجب عليه أن يتصدق به أو بثمنه، ولو كان مما يعرض عليه الفساد
224

ولا يبقى بنفسه يبيعه أو يقومه ويصرفه والأحوط أن يكون البيع بإذن
الحاكم مع الامكان، ثم بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدق بالثمن.
مسألة 5 - كل مال غير الحيوان أحرز ضياعه عن ماله المجهول
ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه اللقطة كما مر - يجوز أخذه والتقاطه
على كراهة، وإن كان المال الضائع في الحرم أي حرم مكة زادها الله
شرفا وتعظيما اشتدت كراهة التقاطه، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه.
مسألة 6 - اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها في الحال
من دون تعريف وفحص عن مالكها، ولا يملكها قهرا بدون قصد التملك
على الأقوى، فإن جاء مالكها بعدما التقطها دفعها إليه مع بقائها وإن
تملكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط،
وليس عليه عوضها إن كان بعد التملك، وكذا قبله إن تلفت من غير
تفريط منه، وإن كانت قيمتها درهما أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص
عن صاحبها، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم تخير بين أمرين:
التصدق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم أو ابقاؤها وحفظها لمالكها
فلا ضمان عليه، وليس له تملكها، وإن كانت لقطة غير الحرم تخير بين
أمور ثلاثة: تملكها والتصدق بها مع الضمان فيهما وابقاؤها أمانة بيده
من غير ضمان.
مسألة 7 - الدرهم هو الفضة المسكوكة الرائجة في المعاملة، وهو
وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة إلا أن المراد هنا ما كان على
وزن اثنتا عشرة حمصة ونصف حمصة وعشرها، وبعبارة أخرى نصف
مثقال وربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي الذي يساوي أربع وعشرين
حمصة معتدلة، فالدرهم يقارب نصف ريال عجمي، وكذا ربع روپية انگليزية.
مسألة 8 - المدار في القيمة مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة
225

وفي الدرهم، فإن وجد شيئا في بلاد العجم مثلا وكان قيمته في بلد
الالتقاط وزمانه أقل من نصف ريال أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها
الروپية وكان قيمته أقل من ربعها جاز تملكه في الحال ولا يجب تعريفه.
مسألة 9 - يجب التعريف فيما لم يكن أقل من الدرهم فورا على
الأحوط، نعم لا يجوز التسامح والاهمال والتساهل فيه، فلو أخره كذلك
عصى إلا مع العذر، وعلى أي حال لم يسقط التعريف.
مسألة 10 - قيل: لا يجب التعريف إلا إذا كان ناويا للتملك بعده،
والأقوى وجوبه مطلقا وإن كان من نيته ذلك أو التصدق أو الحفظ لمالكها
أو غير ناو لشئ أصلا.
مسألة 11 - مدة التعريف الواجب سنة كاملة، ولا يشترط فيها
التوالي، فإن عرفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف إنه
عرفها في تلك المدة ثم ترك التعريف بالمرة ثم عرفها في سنة أخرى ثلاثة
شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات أخرى ثلاثة
شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات مثلا كفى في
تحقق التعريف الذي هو شرط لجواز التملك والتصدق، وسقط عنه ما وجب
عليه وإن كان عاصيا في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر.
مسألة 12 - لا يعتبر في التعريف مباشرة الملتقط، بل يجوز استتابة
الغير مجانا أو بالأجرة مع الاطمئنان بايقاعه، والظاهر أن أجرة التعريف
على الملتقط إلا إذا كان من قصده أن يبقى بيده ويحفظها لمالكه، فإن
في كون الأجرة على المالك أو عليه ترددا، والأحوط التصالح.
مسألة 13 - لو علم بأن التعريف لا فائدة فيه أو حصل له اليأس
من وجدان مالكها قبل تمام السنة سقط وتخير بين الأمرين في لقطة الحرم
والأحوط ذلك في لقطة غيره أيضا.
مسألة 14 - لو تعذر التعريف في إثناء السنة انتظر رفع العذر،
226

وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة، بل يكفي تتميمها.
مسألة 15 - لو علم بعد تعريف سنة أنه لو زاد عليها عثر على صاحبه
فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا؟ وجهان، أحوطهما الأول
خصوصا إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة.
مسألة 16 - لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر
لم يجب عليه التعريف، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأول، نعم
لو لم يعرفه وجب عليه التعريف سنة طالبا به المالك أو الملتقط الأول، فأيا
منهما عثر عليه يجب دفعها إليه من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط
قبل تعريفه سنة أو بعده.
مسألة 17 - إذا كانت اللقطة مما لا تبقى لسند كالطبيخ والبطيخ واللحم
والفواكه والخضروات جاز أن يقومها على نفسه ويأكلها ويتصرف فيها
أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها، والأحوط أن يكون بيعها بإذن
الحاكم مع الامكان وإن كان الأقوى عدم اعتباره، والأحوط حفظها إلى
آخر زمان الخوف من الفساد، بل وجوبه لا يخلو من قوة، وكيف كان
لا يسقط التعريف، فيحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها
ثم يعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه، وإن أكلها
غرمها بقيمتها، وإن لم يجئ فلا شئ عليه.
مسألة 18 - يتحقق تعريف سنة بأن يكون في مدة سنة متوالية أو
غير متوالية مشغولا بالتعريف بحيث لم يعد في العرف متسامحا متساهلا
في الفحص عن مالكه، بل عدوه فاحصا عنه في هذه المدة، ولا يتقدر
ذلك بمقدار معين، بل هو أمر عرفي، وقد نسب إلى المشهور تحديده بأن
يعرف في الأسبوع الأول في كل يوم مرة، ثم في بقية الشهر في كل
أسبوع مرة، وبعد ذلك في كل شهر مرة، والظاهر أن المراد بيان أقل
227

ما يصدق عليه تعريف سنة عرفا، ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرة
بهذه الكيفية، وفيه إشكال من جهة الاشكال في كفاية كل شهر مرة في
غير الشهر الأول، والظاهر كفاية كل أسبوع مرة إلى تمام الحول والأحوط
أن يكون في الأسبوع الأول كل يوم مرة.
مسألة 19 - محل التعريف مجامع الناس كالأسواق والمشاهد ومحل
إقامة الجماعات ومجالس التعازي وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن
كره ذلك فيها، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها
أو خروجهم عنها.
مسألة 20 - يجب أن يعرف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال
وجود صاحبها فيه إن وجدها في محل متأهل من بلد أو قرية ونحوهما،
ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها بل استناب شخصا أمينا ثقة ليعرفها،
وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرفها لمن يجده
فيها، حتى أنه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرفها فيهم، فإن لم يجد المالك
فيها أتم التعريف في غيرها من البلاد أي بلد شاء مما احتمل وجود صاحبها
فيه، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الامكان.
مسألة 21 - كيفية التعريف أن يقول المنادي: من ضاع له ذهب
أو فضة أو ثوب؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب، ويجوز
أن يقول: من ضاع له شئ أو مال؟ بل ربما قيل: إن ذلك أحوط وأولى،
فإذا ادعى أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته من وعائه
وخيطه وصنعته وأمور يبعد اطلاع غير المالك عليه من عدده وزمان ضياعه
ومكانه وغير ذلك، فإذا توافقت الصفات والخصوصيات التي ذكرها مع
الخصوصيات الموجودة في ذلك المال فقد تم التعريف، ولا يضر جهله
ببعض الخصوصيات التي لا يطلع عليها المالك غالبا ولا يلتفت إليها إلا نادرا
228

ألا ترى أن الكتاب الذي يملكه الانسان ويقرأه ويطالعه مدة طويلة من الزمان
لا يطلع غالبا على عدد أوراقه وصفحاته؟ فلو لم يعرف مثل ذلك لكن وصفه
بصفات وعلامات أخر لا تخفى على المالك كفى في تعريفه وتوصيفه.
مسألة 22 - إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف بأن لم تكن لها علامة
وخصوصيات ممتازة عن غيرها حتى يصف بها من يدعيها ويسأل عنها الملتقط
كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرورة ولا مكسور سقط التعريف،
وحينئذ هل يتخير بين الأمور الثلاثة المتقدمة من دون تعريف أو يعامل معه
معاملة مجهول المالك، فيتعين التصدق به؟ وجهان، أحوطهما الثاني.
مسألة 23 - إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن كانت دون درهم
جاز لهما تملكها في الحال من دون تعريف وكان بينهما بالتساوي، وإن
كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفهما وإن كانت حصة كل
منهما أقل من درهم، ويجوز أن يتصدى للتعريف كلاهما أو أحدهما أو
يوزع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل، فإن توافقا على أحد الأنحاء
فقد تأدى ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما، وإن تعاسرا يوزع الحول
عليهما بالتساوي، وهكذا بالنسبة إلى أجرة التعريف - لو كانت - عليهما،
وبعد ما تم حول التعريف يجوز اتفاقهما على التملك أو التصدق أو الابقاء أمانة،
ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر بأن يختار أحدهما التملك والآخر
التصدق مثلا بنصفه، ثم إن تصدى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف وترك
الآخر عصيانا أو لعذر فالظاهر عدم جواز تملك التارك حصته، وأما
المتصدي فيجوز له تملك حصته إن عرفها سنة، والأحوط لهما في صورة
التوافق على التوزيع أن ينوي كل منهما التعريف عنه وعن صاحبه، وإلا
فيشكل تملكها، وكذا في صورة التوافق على تصدي أحدهما أن ينوي عن
نفسه وعن صاحبه.
229

مسألة 24 - إذا التقط الصبي أو المجنون فما كان دون درهم ملكاه
إن قصد وليهما تملكها، وأما تأثير قصدهما في ذلك فمحل اشكال بل منع،
وما كان مقدار درهم فما زاد يعرف، وكان التعريف على وليهما، وبعد
تمام الحول يختار ما هو الأصلح لهما من التملك لهما والتصدق والابقاء أمانة.
مسألة 25 - اللقطة في مدة التعريف أمانة لا يضمنها الملتقط إلا مع
التعدي أو التفريط، وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة
لمالكها، وأما إن اختار التملك أو التصدق فإنها تصير في ضمانه كما تعرفه.
مسألة 26 - إن وجد المالك وقد تملكها الملتقط بعد التعريف فإن
كانت العين باقية أخذها وليس له الزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو
القيمة، وكذا ليس له الزام المالك بأخذ البدل. وإن كانت تالفة أو منتقلة
إلى الغير ببيع ونحوه أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة، وإن وجد
بعد ما تصدق بها فليس له أن يرجع العين وإن كانت موجودة عند
المتصدق له، وإنما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض
بالتصدق، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه، وكان أجر الصدقة له
هذا إذا وجد المالك، وأما إذا لم يوجد فلا شئ عليه في الصورتين.
مسألة 27 - لو وجد المالك وقد حصل للقطة نماء متصل يتبع العين
فيأخذها بنمائها سواء حصل قبل تمام التعريف وبعده، بل إن اختار التصدق بها
بعد التعريف كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدق بها.
مسألة 28 - لو وجد المالك وقد حصل للقطة نماء متصل يتبع العين
فيأخذها بنمائها سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده، وسواء حصل قبل
التملك أو بعده، وأما النماء المنفصل فإن حصل بعد التملك كان للملتقط،
فإذا كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك دون نمائها، وإن حصل في
زمن التعريف أو بعده قبل التملك كان للمالك.
230

مسألة 29 - لو حصل لما نماء منفصل بعد الالتقاط فعرف العين
حولا ولم يجد المالك فهل له تملكه النماء بتبع العين أم لا؟ وجهات، أحوطهما
الثاني بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك، فيتصدق به بعد اليأس عن المالك
مسألة 30 - ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي
المفاوز وكل أرض لا رب لها فهو لواجده من دون تعريف، وعليه الخمس
مع صدق الكنز عليه كما مر في كتابه، وكذا لواجده ما كان مطروحا
وعلم أو ظن بشهادة بعض العلائم والخصوصيات أنه ليس لأهل زمن الواجد
وأما ما علم أنه لأهل زمانه فهو لقطة، فيجب تعريف إن كان بمقدار الدرهم
فما زاد، وقد مر أنه يعرف في أي بلد شاء.
مسألة 31 - لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده لكن لم يمكن
الايصال إليه ولا إلى وارثه ففي إجراء حكم اللقطة عليه من التخيير بين
الأمور الثلاثة أو اجراء حكم مجهول المالك عليه وتعين التصدق به وجهان،
والأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم.
مسألة 32 - لو مات الملتقط فإن كان بعد التعريف والتملك ينتقل
إلى وارثه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملك يتخير وارثه بين الأمور
الثلاثة، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه، فلا يبعد جريان حكم مجهول
المالك عليه.
مسألة 33 - لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير سواء كانت
ملكا له أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرفه الساكن، فإن ادعى
ملكيته فهو له، فليدفع إليه بلا بينة، ولو قال: " لا أدري " ففي جريان هذا
الحكم إشكال، ولو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه،
وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك، فيتصدق به بعد اليأس عن المالك.
مسألة 34 - لو وجد شيئا في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره
231

فإن كان غير السمك كالغنم والبقر عرفه صاحبه السابق، فإن ادعاه دفعه
إليه، وكذا إن قال: " لا أدري " على الأحوط وإن كان الأقوى أنه لواجده
وإن أنكره كان للواجد، وإن وجد شيئا لؤلؤ أو غيرها في جوف سمكة
اشتراها فهو له، والظاهر أن الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير
السمك بحكم السمك، كما إذا اصطاد غزلا فوجد في جوفه شيئا وإن كان
الأحوط اجراء حكم اللقطة أو مجهول المالك عليه.
مسألة 35 - لو وجد في داره التي يسكنها شيئا ولم يعلم أنه ماله
أو مال غيره فإن لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق
كالدخلانية المعدة لأهله وعياله فهو له، وإن كانت مما يتردد فيها الناس
كالبرانية المعدة للأضياف والواردين والعائدين والمضاف ونحوها فهو لقطة
يجري عليه حكمها، وإن وجد في صندوقه شيئا ولم يعلم أنه ماله أو مال
غيره فهو له إلا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرفه
ذلك الغير، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير، وإن ادعاه دفعه إليه،
وإن قال: " لا أدري " فالأحوط التصالح.
مسألة 36 - لو أخذ من شخص مالا ثم عيل أنه لغيره قد أخذ منه
بغير وجه شرعي وعدوانا ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك
لا اللقطة، لما مر من أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك، ولا ضياع في
هذا الفرض، نعم في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثم تبين أنه
مال غيره ولم يعرفه يجب عليه أن يمسكه ولا يرده إلى السارق مع الامكان
ثم هو بحكم اللقطة فيعرفه حولا، فإن أصاب صاحبه رده عليه، وإلا
تصدق به، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار
الأجر فله، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له، وليس له على
الأحوط أن يتملكه بعد التعريف، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة.
232

مسألة 37 - لو التقط شيئا فبعد ما صار في يده ادعاه شخص حاضر
وقال: " إنه مالي " يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة إلا
إذا كان بحيث يصدق عرفا أنه في يده، أو ادعاه قبل أن يلتقطه، فيحكم
بكونه ملكا للمدعي، ولا يجوز له أن يلتقطه.
مسألة 38 - لا يجب دع اللقطة إلى من يدعيها إلا مع العلم أو البينة
وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد
القطع بكونه المالك، نعم نسب إلى الأكثر أنه أن أفاد الظن جاز دفعها
إليه، فإن تبرع بالدفع لم يمنع، وإن امتنع لم يجبر، وهو الأقوى وإن كان
الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البينة.
مسألة 39 - لو تبدل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره أو تبدل
ثيابه في حمام أو غيره بثياب آخر فإن علم أن الموجود لمن أخذ ماله جاز
أن يتصرف فيه بل يتملكه بعنوان التقاص عن ماله إذا علم أن صاحبه
قد بدله متعمدا، وجريان الحكم في غير ذلك محل إشكال وإن لا يخلو من
قرب لكن بعد الفحص عن صاحبه واليأس منه، وكذا يجب الفحص
في صورة تعمده، نعم لو كان الموجود أجود مما أخذه يلاحظ التفاوت
فيقومان معا ويتصدق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك، وإن
لم يعلم بأن المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره يعامل معه معاملة مجهول المالك،
فيتفحص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدق به، بل الأحوط ذلك أيضا
فيما لو علم أن الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنه قد بدل متعمدا.
إذا وجد صبيا ضائعا لا كافل له ولا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه
والدفع عما يضره ويهلكه - ويقال له: اللقيط - يجوز بل يستحب التقاطه وأخذه
233

بل يجب مقدمة إن توقف حفظه عليه لو كان في معرض التلف، سواء
كان منبوذا قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما عجزا عن النفقة
أو خوفا من التهمة أو غيره، بل وإن كان مميزا بعد صدق كونه صائغا
تائها لا كافل له، وبعد ما أخذ اللقيط والتقطه يجب عليه حضانته وحفظه
والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره، وهو أحق به من غيره إلى أن يبلغ
فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدى حضانته غير من له حق الحضانة
شرعا بحق النسب كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب، أو بحق الوصايا
كوصي الأب أو الجد إذا وجد أحد هؤلاء، فيخرج بذلك عن عنوان
اللقيط، لوجود الكافل له حينئذ، واللقيط من لا كافل له، وكما لهؤلاء
حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا
أجبروا عليه.
مسألة 1 - إذا كان للقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار
حاجته أو غير ذلك جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو وكيله،
ومع تعذرهما وتعذر عدول المؤمنين على الأحوط جاز له ذلك بنفسه،
ولا ضمان عليه، وإن لم يكن له مال فإن وجد من ينفق عليه من حاكم
بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها
أو متبرع كان له الاستعانة بهم في إنفاقه أو الانفاق عليه من ماله، وليس
له حينئذ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع
عليه، وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعين عليه وكان له
الرجوع عليه مع قصده الرجوع لا بدونه.
مسألة 2 - يشترط في الملتقط البلوغ والعقل والحرية، وكذا الاسلام
إن كان اللقيط محكوما بالاسلام.
مسألة 3 - لقيط دار الاسلام محكوم بالاسلام، وكذا لقيط دار
234

الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل اللقيط منه، وإن كان في دار الكفر
ولم يكن فيها مسلم أو كان ولم يحتمل كونه منه يحكم بكفره، وفيما كان
محكوما بالاسلام لو أعرب عن نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره، لكن
لا يجري عليه حكم المرتد الفطري على الأقوى.
235

كتاب النكاح
وهو من المستحبات الأكيدة، وما ورد في الحث عليه والذم على
تركه مما لا يحصى كثرة، فعن مولانا الباقر عليه السلام قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام أحب إلى الله عز وجل من
التزويج " وعن مولانا الصادق عليه السلام " ركعتان يصليهما المتزوج أفضل
من سبعين ركعة يصليهما عزب " وعن عليه السلام قال: " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: رذال موتاكم العزاب " وفي خبر آخر عنه صلى الله
عليه وآله " أكثر أهل النار العزاب " ولا ينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة
بعد ما وعد الله عز وجل بالاغناء والسعة بقوله عز من قائل " إن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله: فعن النبي صلى الله عليه وآله " من ترك التزويج
مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله عز وجل " هذا.
ومما يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب أمور: بعضا متعلق بمن
ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي، وبضعها في آداب العقد، وبعضها
في آداب الخلوة مع الزوجة، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام،
وهي تذكر في ضمن مسائل.
236

مسألة 1 - مما ينبغي أن يهتم به الانسان النظر في صفات من يريد
تزويجها، فعن النبي صلى الله عليه وآله " اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد
الضجيعين " وفي خبر آخر " تخيروا لنطفكم فإن الأبناء تشبه الإخوان " وعن
مولانا الصادق عليه السلام لبعض أصحابه حين قال: قد هممت أن أتزوج:
" انظر أين تضع نفسه ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك،
فإن كنا لا بد فاعلا فبكرا تنسب إلى الخير وحسن الخلق " الخبر، وعنه
عليه السلام " إنما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلد، وليس للمرأة خطر
لا لصالحتهن ولا لطالحتهن، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة
هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب
خير منها " وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج كذلك ينبغي
ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل، فعن مولانا الرضا عن آبائه
عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " النكاح رق،
فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته ".
مسألة 2 - ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصورا على
الجمال والمال، فعن النبي صلى الله عليه وآله " من تزوج امرأة لا يتزوجها
إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزويجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله
إلى، فعليكم بذات الدين " بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة
صالحة قد وردت في مدحها الأخبار فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمها
الآثار، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها
المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره
- إلى أن قال - ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع
بعلها العقيم الحقود التي لا تتورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها
237

الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها
بعلها تمنع منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه
له ذنبا " وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله " إياكم وخضراء الدمن،
قيل يا رسول الله: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت
السوء ".
مسألة 3 - يكره تزويج الزانية والمتولدة من الزنا وأن يتزوج الشخص
قابلته أو ابنتها.
مسألة 4 - لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجا سئ الخلق والمخنث
والفاسق وشارب الخمر.
مسألة 5 - يستحب الاشهاد في العقد والاعلان به والخطبة أمامه،
أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة المعصومين (ع) والشهادتين والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين
ويجزي الحمد لله والصلاة على محمد آله، بل يجزي التحميد فقط وإيقاعه
ليلا، ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب وإيقاعه في محاق الشهر وفي
أحد الأيام المنحوسة في كل شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر، وهي
سبعة: الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون
والرابع والعشرون والخامس والعشرون.
مسألة 6 - يستحب أن يكون الزفاف ليلا والوليمة في ليله أو نهاره
فإنها من سنن المرسلين وعن النبي صلى الله عليه وآله " لا وليمة إلى في خمس
في عرس أو خرس أو عذرا أو وكار أو ركاز " يعني للتزويج أو ولادة الولد
أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكة وإنما تستحب يوما أو يومين
لا أزيد للنبوي " الوليمة في الأول حق، ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة "
وينبغي أن يدعى لها المؤمنون، ويستحب لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعو
238

صائما نفلا، وينبغي أن يعم صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء، وأن لا يخصها
بالأغنياء، فعن النبي صلى الله عليه وآله " شر الولائم أن يدعى لها الأغنياء
ويترك الفقراء ".
مسألة 7 - يستحب لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه
إي يصلي ركعتين ثم يدعو بعدهما بالمأثور، وأن يكونا على طهر، وأن يضع
يدعه على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: " اللهم على كتابك تزويجها، وفي
أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا
فاجعله مسلما سويا، ولا تجعله شرك شيطان ".
مسألة 8 - للخلوة بالمرأة مطلقا ولو في غير الزفاف آداب، وهي
بين مستحب ومكروه.
أما المستحبة فمنها - أن يسمي عند الاجماع، فإنه وقاية عن شرك
الشيطان، فعن الصادق عليه السلام " إنه إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله،
فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان " وفي معناه أخبار كثيرة.
ومنها - أن يسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا تقيا مباركا زكيا
ذكرا سويا.
ومنها - أن يكون على وضوء سيما إذا كانت المرأة حاملا.
وأما المكروهة فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس،
ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة، وعند غروب الشمس حتى
يذهب الشفق وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المحاق، وفي
أول ليلة من كل شهر ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من كل شهر
وليلة الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر، ويستحب ليلة الاثنين والثلاثاء
والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة بعد العصر،
ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع وهو عريان
239

وعقيب الاحتلام قبل الغسل، نعم لا بأس بأن يجامع مرات من غير تخلل الغسل
بينها ويكون غسله أخيرا، لكن يستحب غسل الفرج والوضوء عند كل مرة
وأن يجامع وعند من ينظر إليه حتى الصبي والصبية، والجماع مستقبل القبلة
ومستدبرها، وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله، والجماع
وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام، فعن الصادق
عليه السلام " ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن، دخول الحمام على البطنة،
والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز " ويكره الجماع قائما، وتحت
السماء وتحت الشجرة المثمرة، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة
واحدة، بل يكون له خرقة ولها خرقة، ولا يمسحا بخرقة واحدة فتقع
الشهوة على الشهوة، ففي الخبر " إن ذلك يعقب بينهما العداوة ".
مسألة 9 - يستحب التعجيل في تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند
بلوغها، فعن الصادق عليه السلام " من سعادة المرء أن أن لا تطمث ابنته في
بيته " وفي الخبر " " إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها
فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك
النساء فليس لهن دواء إلا البعولة " وأن لا يرد الخاطب إذا كان من يرضي
خلقه ودينه وأمانته، وكان عفيفا صاحب يسار، ولا ينظر إلى شرافة
الحسب وعلو النسب، فعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله
" إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، قلت: يا رسول الله وإن
كان دنيا في نسبه، قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ".
مسألة 10 - يستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطريق
فعن الصادق عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل
الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما " وعن الكاظم
240

عليه السلام قال: " ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل
إلا ظله: رجل زوج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سرا " وعن النبي صلى
الله عليه وآله " من عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما زوجة الله
ألف امرأة من الحور العين كل امرأة في قصر من در وياقوت، وكان له
بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قام ليلها
وصام نهارها، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب الله
ولعنته في الدنيا والآخرة، وكان حقا على الله أن يرضخه بألف صخرة
من نار، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرق كان في سخط الله عز وجل
ولعنته في الدنيا والآخرة، وحرم عليه النظر إلى وجهه ".
مسألة 11 - المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبرا على كراهية
شديدة، والأحوط تركه خصوصا مع عدم رضاها.
مسألة 12 - لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان
النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ
فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها لم يترتب
عليه شئ غير الإثم على الأقوى، وإن أفضاها بأن جعل مسلكي البول
والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا
لكن على الأحوط، في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيته
على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة
أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن طلقها بل وإن
تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية
الافضاء، وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا
إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال
التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها
241

ما دامت حية وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
مسألة 13 - لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر إلا بإذنها
حتى المنقطعة على الأقوى، ويختص الحكم بصورة عدم العذر، وأما معه
فيجوز الترك مطلقا ما دام وجود العذر، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها
ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو، وهل يختص الحكم بالحاضر
فلا بأس على المسافر وإن طال سفره أو يعمهما فلا يجوز للمسافر إطالة سفره
أزيد من أربعة أشهر بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لابقاء حق
زوجته؟ قولان، أظهرهما الأول، لكن بشرط كون السفر ضروريا ولو عرفا
كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك دون ما كان لمجرد الميل
والأنس والتفرج ونحو ذلك على الأحوط.
مسألة 14 - لا إشكال في جواز العزل، وهو إخراج الآلة عند
الانزال وإفراغ المني إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرة، وكذا فيها
مع إذنها، وأما فيها بدون إذنها ففيه قولان، أشهرهما الجواز مع الكراهة
وهو الأقوى، بل لا يبعد عدم الكراهة في التي علم أنها لا تلد، وفي المسنة
والسليطة والبذية والتي لا ترضع ولدها، كما أن الأقوى عدم وجوب دية
النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة، وقيل بوجوبها عليه للزوجة، وهي عشرة
دنانير، وهو ضعيف في الغاية.
مسألة 15 - يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر
ظاهره وباطنه حتى العورة، وكذا مس كل منهما بكل عضو منه كل عضو
من الآخر مع التلذذ وبدونه.
مسألة 16 - لا إشكال في جواز نظر الرجال إلى ما عدا العورة من
مماثله شيخا كان المنظور إليه أو شابا حسن الصورة أو قبيحها ما لم يكن
بتلذذ وريبة، والعروة فهي القبل والدبر والبيضتان، وكذا لا إشكال في
242

جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها، وأما عورتها فيحرم أن تنظر
إليها كالرجل.
مسألة 17 - يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة
إذا لم يكن مع تلذذ وريبة، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن من
جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة، وكذا يجوز لهن النظر إلى ما عدا العورة
من جسده بدون تلذذ وريبة.
مسألة 18 - لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه
والكفين من المرأة الأجنبية من شعرها وسائر جسدها، سواء كان فيه تلذذ
وريبة أم لا، وكذا الوجه والكفان إذا كان بتلذذ وريبة، وأما بدونها
ففيه قولان بل أقوال: الجواز مطلقا، وعدمه مطلقا، والتفصيل بين نظرة
واحدة فالأول، وتكرار النظر فالثاني، وأحوط الأقوال أوسطها.
مسألة 19 - لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي كالعكس، والأقرب
استثناء الوجه والكفين.
مسألة 20 - كل من يحرم النظر إليه يحرم مسه، فلا يجوز مس
الأجنبي الأجنبية وبالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفين
من الأجنبية لم نقل بجواز مسهما منها، فلا يجوز للرجل مصافحتها، نعم
لا بأس بها من وراء الثوب لكن لا يغمز كفها احتياطا.
مسألة 21 - لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي والأجنبية،
والأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل، نعم الظاهر أنه لا بأس بالنظر إلى
السن والظفر المنفصلين.
مسألة 22 - يستثنى من حرمة النظر واللمس في الأجنبي والأجنبية
مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة
وغيرها، والقصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة، كما إذا
243

توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس، وإذا اقتضت
الضرورة أو توقف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على
ما اضطر إليه، وفيما يضطر إليه اقتصر على مقدار الضرورة، فلا يجوز
الآخر ولا التعدي.
مسألة 23 - كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها
التستر من الجانب، ولا يجب على الرجال التستر وإن كان يحرم على النساء
النظر إلى عدا ما استثني، وإذا علموا بأن النساء يتعمدن النظر إليهم
فالأحوط التستر منهن وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
مسألة 24 - لا إشكال في أن غير المميز من الصبي والصبية خارج
عن أحكام النظر واللمس بغير شهوة، لا معها لو فرض ثورانها.
مسألة 25 - يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبية ما لم تبلغ إذا لم يكن
فيه تلذذ وشهوة. نعم الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجر العادة
على سترها بالألبسة المتعارفة مثل الوجه والكفين وشعر الرأس والذراعين
والقدمين لا مثل الفخذين والأليين والأظهر والصدر والثديين، ولا ينبغي
ترك الاحتياط فيها، والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا
بلغت ست سنين.
مسألة 26 - يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميز ما لم يبلغ، ولا يجب
عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغا يترتب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة
على الأقوى في الترتب الفعلي وعلى الأحوط في غيره.
مسألة 27 - يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة بل مطلق الكفار مع
عدم التلذذ والريبة أعني خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار على
المواضع التي جرت عادتهن على عدم التستر عنها، وقد تلحق بهن نساء
أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم اللاتي جرت عادتهن على عدم
244

التستر وإذا نهين لا ينتهين، وهو مشكل، نعم الظاهر أنه يجوز التردد
في القرى والأسواق ومواقع تردد تلك النسوة ومجامعهن ومحال معاملتهن
مع العم عادة بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض البصر في تلك المحال،
إذا لم يكن خوف افتتان.
مسألة 28 - يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها بشرط أن
لا يكون بقصد التلذذ وإن علم أنه يحصل بسبب النظر قهرا، وبشرط أن
يحتمل حصول زيادة بصيرة بها، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلا لا مثل
ذات البعل والعدة، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون
من علم أنها ترد خطبتها، والأحوط الاقتصار على وجهها وكفيها وشعرها
ومحاسنها وإن كان الأقوى جواز التعدي إلى المعالم بل وسائر الجسد ما عدا
العورة، والأحوط أن يكون من وراء الثوب الرقيق، كما أن الأحوط
لو لم يكن الأقوى الاقتصار على ما إذا كان قاصدا لتزويج المنظورة بالخصوص
فلا يعم الحكم ما إذا كان قاصدا لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة
بهذا الاختيار، ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة الأولى.
مسألة 29 - الأقوى جواز سماع صوت الأجنبية ما لم يكن تلذذ
وريبة، وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة وإن
كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة خصوصا في الشابة، وذهب
جماعة إلى حرمة السماع والاسماع، وهو ضعيف، نعم يحرم عليها المكالمة
مع الرجال بكيفية مهيجة بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت
فيطمع الذي في قلبه مرض.
245

فصل في عقد النكاح وأحكامه
النكاح على قسمين: دائم ومنقطع، وكل منهما يحتاج إلى عقد مشتمل
على إيجاب وقبول لفظيين دالين على إنشاء المعنى المقصود والرضا به دلالة
معتبرة عند أهل المحاورة، فلا يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين
ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة، وكذا الإشارة المفهمة في
غير الأخرس، والأحوط لزوما كونه فيهما باللفظ العربي، فلا يجزي غيره
من سائر اللغات إلا مع العجز عنه ولو بتوكيل الغير، وإن كان الأقوى
عدم وجوب التوكيل، ويجوز بغير العربي مع العجز عنه، وعند ذلك
لا بأس بايقاعه بغيره لكن بعبارة يكون مفادها اللفظ العربي بحيث
تعد ترجمته.
مسألة 1 - الأحوط لو لم يكن الأقوى أن يكون الايجاب من طرف
الزوجة والقبول من طرف الزوج، فلا يجزي أن يقول الزوج: " زوجتك
نفسي " فتقول الزوجة: " قبلت " على الأحوط، وكذا الأحوط تقديم الأول على
الثاني وإن كان الأظهر جواز العكس إذا لم يكن القبول بلفظ " قبلت " وأشباهه.
مسألة 2 - الأحوط أن يكون الايجاب في النكاح الدائم بلفظي
" أنكحت " أو " زوجت " فلا يوقع بلفظ " متعت " على الأحوط وإن
كان الأقوى وقوعه به مع الاتيان بما يجعله ظاهرا في الدوام، ولا يوقع
بمثل " بعت " أو " وهبت " أو " ملكت " أو " آجرت " وأن يكون
القبول بلفظ " قبلت " أو " رضيت " ويجوز الاقتصار في القبول بذكر
" قبلت " فقط بعد الايجاب من دون ذكر المتعلقات التي ذكرت فيه،
فلو قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج: " أنكحتك موكلتي فلانة
246

على المهر الفلاني " فقال الزوج: " قبلت " من دون أن يقول: " قبلت
النكاح لنفسي على المهر الفلاني " صح.
مسألة 3 - يتعدى كل من الانكاح والتزويج إلى مفعولين، والأولى
أن يجعل الزوج مفعولا أولا والزوجة ثانيا، ويجوز العكس، ويشتركان
في أن كلا منهما يتعديا إلى المفعول الثاني بنفسه تارة وبواسطة " من "
أخرى فيقال: أنكحت أو زوجت زيدا هندا أو أنكحت هندا من زيد،
وباللام أيضا، هذا بحسب المشهور والمأنوس، وربما يستعملان على غير
ذلك، وهو ليس بمشهور ومأنوس.
مسألة 4 - عقد النكاح قد يقع بين الزوج والزوجة وبمباشرتهما،
فبعد التقاول والتواطؤ وتعيين المهر تقول الزوجة مخاطبة للزوج: " أنكحتك
نفسي أو أنكحت نفسي منك - أو لك - على المهر المعلوم " فيقول الزوج
بغير فصل متعد به: " قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم - أو هكذا - "
أو تقول: " زوجتك نفسي - أو زوجت نفسي منك أو لك - على المهر
المعلوم " فيقول: قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم - أو هكذا - "
وقد يقع بين وكيليهما، فبعد التقاول وتعيين الموكلين والمهر يقول وكيل
الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج: " أنكحت موكلك فلانا موكلتي فلانة
- أو من موكلك أو لموكلك فلان - على المهر المعلوم " فيقول وكيل
الزوج: " قبلت النكاح لموكلي على المهر المعلوم - أو هكذا - " أو
يقول وكيلها: " زوجت موكلتي موكلك - أو من موكلك أو لموكلك
فلان - على المهر المعلوم " فيقول وكيله: " قبلت التزويج لموكلي على
المهر المعلوم - أو هكذا - " وقد يقع بين ولييهما كالأب والجد، فبعد
التقاول وتعيين المولى عليهما والمهر يقول ولي الزوجة: " أنكحت ابنتي
أو ابنة ابني فلانة مثلا ابنك أو ابن ابنك فلانا أو من ابنك أو ابن ابنك
247

أو لابنتك أو لابن ابنك على المهر المعلوم " أو يقول: " زوجت بنتي
ابنك مثلا أو من ابنك أو لابنك " فيقول ولي الزج: " قبلت النكاح
أو التزويج لابني أو لابن ابني على المهر المعلوم " وقد يكون بالاختلاف
بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس، أو بينها وبين ولي الزوج
وبالعكس أو بين وكيل الزوجة وولي الزوج وبالعكس، ويعرف كيفية
إيقاع العقد في هذه الصور مما فصلناه في الصور المتقدمة، والأولى تقديم
الزوج على الزوجة في جميع الموارد كما مر.
مسألة 5 - لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب، بل
يصح الايجاب بلفظ والقبو بلفظ آخر، فلو قال: " زوجتك " فقال:
" قبلت النكاح " أو قال: أنكحتك " فقال: " قبلت التزويج "
صح وإن كان الأحوط المطابقة.
مسألة 6 - إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيرا للمعنى بحيث يعد
اللفظ عبارة لمعنى آخر غير ما هو المقصود لم يكف، وإن لم يكن مغيرا
بل كان بحيث يفهم منه المعنى المقصود ويعد لفظا لهذا المعنى إلا أنه يقال
له لفظ ملحون وعبارة ملحونة من حيث المادة أو من جهة الاعراب
والحركات فالاكتفاء به لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط خلافه، وأولى
بالاكتفاء اللغات المحرفة عن اللغة العربية الأصلية، كلغة سواد العراق في
هذا الزمان إذا كان المباشر للعقد من أهالي تلك اللغة، لكن بشرط أن
لا يكون مغيرا للمعنى مثل جوزت بدل زوجت إلا إذا فرض صيرورته
في لغتهم كالمنقول.
مسألة 7 - يعتبر في العقد القصد إلى مضمونه، وهو متوقف على
فهم معنى لفظي " أنكحت " و " زوجت " ولو بنحو الاجمال حتى لا يكون مجرد
لقلقلة لسان، نعم لا يعتبر العلم بالقواعد العربية ولا العلم والإحاطة بخصوصيات
248

معنى اللفظين على التفصيل، بل يكفي علمه إجمالا، فإذا كان الموجب
بقوله " أنكحت " أو " زوجت " قاصدا لايقاع العلقة الخاصة المعروفة المرتكزة في
الأذهان التي يطلق عليها النكاح والزواج في لغة العرب ويعبر عنها في
لغات أخر بعبارات أخر وكان القابل قابلا لهذا المعنى كفى إلا إذا كان
جاهلا باللغات بحيث لا يفهم أن العلقة واقعة بلفظ " زوجت " أو بلفظ " موكلي "
فحينئذ صحته مشكلة وإن علم أن هذه الجملة لهذا المعنى.
مسألة 8 - يعتبر في العقد قصد الانشاء بأن يكون الموجب في قوله:
" أنكحت أو " زوجت " قاصدا إيقاع النكاح والزواج وإيجاد ما لم يكن لا الاخبار
والحكاية عن وقوع شئ في الخارج، والقابل بقوله: " قبلت " منشئا لقبول
ما أوقعه الموجب.
مسألة 9 - تعتبر الموالاة وعدم الفصل المعتد به بين الايجاب والقبول.
مسألة 10 - يشترط في صحته العقد التنجيز، فلو علقه على شرط
ومجئ زمان بطل، نعم لو علقه على أمر محقق الحصول كما إذا قال في
يوم الجمعة " أنكحت إن كان اليوم يوم الجمعة " لم يبعد الصحة.
مسألة 11 - يشترط في العاقد المجري للصيغة البلوغ والعقل،
فلا اعتبار بعقد الصبي والمجنون ولو أدواريا خال جنونه، سواء عقدا لنفسهما
أو لغيرهما، والأحوط البناء على سقوط عبارة الصبي، لكن لو قصد
المميز المعنى وعقد لغيره وكالة أو فضولا وأجاز أو عقد لنفيه مع إذن
الولي أو إجازته أو أجاز هو بعد البلوغ يتخلص بالاحتياط، وكذا يعتبر
فيه القصد، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران وأشباههم، نعم
في خصوص عقد السكري إذا عقبه الإجازة بعد إفاقتها لا يترك الاحتياط
بتجديد العقد أو الطلاق.
مسألة 12 - يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه يمتازان
249

عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك، فلو قال: زوجتك
إحدى بناتي أو قال: زوجت بنتي فلانة من أحد بنيك أو من أحد هذين
بطل، نعم يشكل فيما لو كانا معينين بحسب قصد المتعاقدين ومتميزين في
ذهنهما لكل لم يعيناهما عند إجراء الصيغة ولم يكن ما يدل عليه من لفظ أو
فعل أو قرينة، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من
ابنه الكبير ولكن في مقام إجراء الصيغة قال: " زوجت إحدى بناتي من
أحد بنيك " وقبل الآخر، نعم لو تقاولا وتعاهدا على واحدة فعقدا مبنيا
عليه فالظاهر الصحة، كما إذا قال بعد التقاول: " زوجت ابنتي منك "
دون أن يقول: " زوجتك إحدى بناتي ".
مسألة 13 - لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلافا أو أحدهما مع
الإشارة يتبع العقد لما هو المقصود ويلغى ما وقع غلطا وخطأ، فإذا كان
المقصود تزويج البنت الكبرى وتخيل أن اسمها فاطمة وكانت المسماة بفاطمة
هي الصغرى وكانت الكبرى مسماة بخديجة وقال: " زوجتك الكبرى من
بناتي فاطمة " وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة ويلغى تسميتها بفاطمة
وإن كان المقصود تزويج فاطمة وتخييل أنها كبرى فتبين أنها صغرى وقع
العقد على المسماة بفاطمة وألغي وصفها بأنها الكبرى، وكذا لو كان
المقصود تزويج المرأة الحاضرة وتخيل أنها كبرى واسمها فاطمة فقال:
" زوجتك هذه وهي فاطمة وهي الكبرى من بناتي " فتبين أنها الصغرى
واسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها ويلغى الاسم والوصف، ولو كان
المقصود العقد على الكبرى فلما تخيل أن هذه المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى
قال: " زوجتك هذه وهي الكبرى " لا يقع العقد على الكبرى بلا إشكال،
وفي وقوعه على المشار إليها وجه لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد
أو الطلاق.
250

مسألة 14 - لا إشكال في صحة التوكيل في النكاح من طرف واحد
أو من طرفين بتوكيل الزوج أو الزوجية إن كانا كاملين أو بتوكيل وليهما
إن كانا قاصرين، ويجب على الوكيل أن لا يتعدى عما عينه الموكل من
حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات، فإن تعدى كان فضوليا موقوفا
على الإجازة، وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكل، فإن تعدى وأتى
بما هو خلاف المصلحة كان فضوليا، نعم لو عين خصوصية تعينت ونفذه
عمل الوكيل وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الوكل.
مسألة 15 - لو وكلت المرأة رجلا في تزويجها ليس له أن يزوجها
من نفسه إلا إذا صرحت بالتعميم أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف
ظاهرا في العوم بحيث يشمل نفسه.
مسألة 16 - الأقوى جواز تولي شخص واحد طرفي العقد بأن
يكون موجبا وقابلا من الطرفين أصالة من طرف ووكالة من آخر،
أو ولاية من الطرفين أو وكالة عنهما أو بالاختلاف وإن كان الأحوط الأولى
مع الامكان تول الاثنين وعدم تولي شخص واحد للطرفين خصوصا في
تولي الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه ووكالة عن الزوجية في عقد الانقطاع
فإنه لا يخلو من إشكال غير معتد به لكن لا ينبغي فيه ترك الاحتياط.
مسألة 17 - إذا وكلا وكيلا في العقد في زمان معين لا يجوز لهما
المقاربة بعد ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بايقاعه ولا يكفي الظن، نعم
لو أخبر الوكيل بالايقاع كفى، لأن قوله حجة فيما وكل فيه.
مسألة 18 - لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح دواما أو انقطاعا
لا للزوج ولا للزوجة، فلو شرطاه بطل الشرط، بل المشهور على بطلان
العقد أيضا، وقيل ببطلان الشرط دون العقد، ولا يخلو من قوة، ويجوز
اشتراط الخيار في المهر مع تعيين المدة، فلو فسخ ذو الخيار سقط المهر
251

المسمى، فيكون كالعقد بلا ذكر المهر، فيرجع إلى مهر المثل، هذا في
العقد الدائم الذي لا يعتبر فيه ذكر المهر، وأما المتعة التي لا تصح بلا مهر
فهل يصح فيها اشتراط الخيار في المهر؟ فيه إشكال.
مسألة 19 - إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت امرأة
زوجية رجل فصدقها حكم لهما بذلك مع احتمال الصدق، وليس لأحد
الاعتراض عليهما من غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين،
وأما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فالبينة على المدعي واليمين على
من أنكر، فإن كان للمدعي بينة حكم له، وإلا فتوجه اليمين إلى المنكر
فإن حلف سقطت دعوى المدعي، وإن نكل يرد الحاكم اليمين على المدعي،
فإن حلف ثبت الحق، وإن نكل سقط، وكذا لو رده المنكر على المدعي
وحلف ثبت، وإن نكل سقط، هذا بحسب موازين القضاء وقواعد الدعوى
وأما بحسب الواقع فيجب على كل منهما العمل على ما هو تكليفه بينه وبين
الله تعالى.
مسألة 20 - إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الاقرار يسمع منه
ويحكم بالزوجية بينهما وإن كان ذلك بعد الحلف على الأقوى.
مسألة 21 - إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت فهل لها أن
تتزوج من غيره وللغير أن يتزوجها قبل فصل الدعوى والحكم ببطلان دعوى
المدعي أم لا؟ وجهان، أقواهما الأول خصوصا فيما لو تراخى المدعي في
الدعوى أو سكت عنها حتى طال الأمر عليها، وحينئذ إن أقام المدعي بعد
العقد عليها بينة حكم له بها وبفساد العقد عليها، وإن لم تكن بينة تتوجه
اليمين إلى المعقود عليها، فإن حلفت بقيت على زوجيتها وسقطت دعوى
المدعي، وكذا لو ردت اليمين على المدعي ونكل عن اليمين، وإنما الاشكال
فيما إذا نكلت عن اليمين أو ردت اليمين على المدعي وحلف، فهل يحكم
252

بسببها بفساد العقد عليها فيفرق بينها وبين زوجها أم لا؟ وجهان أوجههما
الثاني، لكن إذا طلقها الذي عقد عليها أو مات عنها زال المانع فترد إلى
المدعي بسبب حلفه المردود عليه من الحاكم أو المنكر.
مسألة 22 - يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من الزوج مع احتمال
صدقها من غير فحص حتى فيما إذا كانت ذات بعل سابقا فادعت طلاقها
أو موته، نعم لو كانت متهمة في دعواها فالأحوط الأولى الفحص عن حالها
فمن غاب غيبة منقطعة لم يعلم موته وحياته إذا ادعت زوجته حصول العلم
لها بموته من الأمارات والقرائن وإخبار المخبرين جاز تزويجها وإن لم يحصل
العلم بقولها، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها إذا لم يعلم كذبها في دعوى
العلم، ولكن الأحوط الترك خصوصا إذا كانت متهمة.
مسألة 23 - إذا تزوج بامرأة تدع أنها خلية عن الزوج فادعى رجل
آخر زوجيتها فهذه الدعوى متوجهة إلى كل من الزوج والزوجة، فإن
أقام المدعي بينة شرعية حكم له عليهما وفرق بينهما وسلمت إليه، ومع عدم
البينة توجه اليمين إليهما، فإن حلفا معا على عدم زوجيته سقطت دعواه
عليهما، وإن نكلا عن اليمين فردها الحاكم عليه أو رداها عليه وحلف ثبت
مدعاه، وإن حلف أحدهما دون الآخر بأن نكل عن اليمين فردها الحاكم
عليه أو رد هو عليه فحلف سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف، وأما بالنسبة
إلى الآخر وإن ثبتت دعوى المدعي بالنسبة إليه لكن ليس لهذا الثبوت أثر
بالنسبة إلى من حلف، فإن كان الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة
ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج، إلا أنه لو طلقها أو مات عنها ردت
إلى المدعي، وإن كان الحالف هي الزوجة والناكل هو الزوج سقطت دعوى
المدعي بالنسبة إليها وليس له سبيل إليها على كل حال.
مسألة 24 - إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ثم ادعت
253

بعد ذلك أنها كانت ذات بعل لم تسمع دعواها، نعم لو أقامت البينة على
ذلك فرق بينهما، ويكفي في ذلك بأن تشهد بأنها كانت ذات بعل فتزوجت
حين كونها كذلك من الثاني من غير لزوم تعيين زوج معين.
مسألة 25 - يشترط في صحة العقد الاختيار أعني اختيار أعني اختيار الزوجين
فلو أكرها أو أكره أحدهما على الزواج لم يصح، نعم لو لحقه الرضا صح
على الأقوى.
فصل في أولياء العقد
مسألة 1 - للأب والجد من طرف الأب بمعنى أب الأب فصاعدا
ولاية على الصغير والصغيرة والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ، وكذا المنفصل
عنه على الظاهر، ولا ولاية للأم عليهم وللجد من طرف الأم ولو من
قبل أم الأب بأن كان أبا لأم الأب مثلا، ولا للأخ والعم والخال
وأولادهم.
مسألة 2 - ليس للأب والجد للأب ولاية على البالغ الرشيد، ولا
على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة، وأما إذا كانت بكرا ففيه أقوال:
استقلالها وعدم الولاية لهما عليها لا مستقلا ولا منضما، واستقلالهما وعدم
سلطنة وولاية لها كذلك، والتشريك بمعنى اعتبار إذن الولي وإذنها معا،
والتفصيل بين الدوام والانقطاع إما باستقلالها في الأول دون الثاني أو العكس
والأحوط الاستئذان منها، نعم لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها
من التزويج بمن هو كفو لها شرعا وعرفا مع ميلها، وكذا إذا كانا غائبين
بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزويج.
مسألة 3 - ولاية الجد ليست منوطة بحياة الأب ولا موته، فعند
254

وجودها استقل كل منهما بالولاية، وإذا مات أحدهما اختصت بالآخر،
وأيهما سبق في تزويج المولى عليه عند وجودهما لم يبق محل للآخر، ولو زوج
كل منهما من شخص فإن علم السابق منهما فهو المقدم ولغا الآخر، وإن
علم التقارن قدم عقد الجد ولغا عقد الأب، وإن جهل تاريخهما فلا يعلم
السبق واللحوق والتقارن لزم إجراء حكم العلم الاجمالي بكونها زوجة لأحدهما
وإن علم تاريخ أحدهما دون الآخر فإن كان المعلوم تاريخ عقد الجد قدم
على عقد الأب، وإن كان عقد الأب قدم على عقد الجد، لكن لا ينبغي
ترك الاحتياط في هذه الصورة.
مسألة 4 - يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم المفسدة
وإلا يكون العقد فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على إجازة الصغير بعد
البلوغ بل الأحوط مراعاة المصلحة.
مسألة 5 - إذا وقع العقد من الأب أو الجد عن الصغير أو الصغيرة
مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغها بل هو لازم عليهما.
مسألة 6 - لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل أو زوج الصغير
بأزيد منه فإن كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر ولزم،
وإن كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر فالأقوى صحة العقد ولزومه
وبطلان المهر بمعنى عدم نفوذه، وتوقفه على الإجازة بعد البلوغ، فإن أجاز
استقر، وإلا رجع إلى مهر المثل.
مسألة 7 - السفيه المبذر المتصل سفهه بزمان صغره أو حجر عليه
للتبذير لا يصح نكاحه إلا بإذن أبيه أو جده أو الحاكم مع فقدهما، وتعيين
المهر والمرأة إلى الولي، ولو تزوج بدون الإذن وقف على الإجازة، فإن
رأى المصلحة وأجاز جاز ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة.
مسألة 8 - إذا زوج الولي المولى عليه بمن له عيب لم يصح ولم ينفذ
255

سواء كان من العيوب الموجبة للخيار أو غيرها ككونه منهمكا في المعاصي
وكونه شارب الخمر أو بذي اللسان شئ الخلق وأمثال ذلك، إلا إذا
كانت مصلحة ملزمة في تزويجه، وحينئذ لم يكن خيار الفسخ لا له
ولا للمولى عليه إذا لم يكن العيب من العيوب المجوزة للفسخ، وإن كان
منها فالظاهر ثبوت الخيار للمولى عليه بعد بلوغه، هذا كله مع علم الولي
بالعيب، وإلا ففيه تأمل وتردد وإن لا تبعد الصحة مع اعمال جهده في
احراز المصلحة، وعلى الصحة له الخيار في العيوب الموجبة للفسخ،
كما أن للمولى عليه ذلك بعد رفعه الحجر عنه، وفي غيرها لا خيار له
ولا للولي على الأقوى.
مسألة 9 - ينبغي بل يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها
أوجدها وإن لم يكونا فأخاها، وإن تعدد الأخ قدمت الأكبر.
مسألة 10 - هل للوصي أي القيم من قبل الأب أو الجد ولاية على
الصغير والصغيرة في النكاح؟ فيه إشكال لا يترك الاحتياط.
مسألة 11 - ليس للحاكم ولاية في النكاح على الصغير ذكرا كان أو
أنثى مع فقد الأب والجد، ولو اقتضت الحاجة والضرورة والمصلحة اللازمة
المراعاة النكاح بحيث ترتب على تركه مفسدة يلزم التحرز عنها قام
الحاكم به، ولا يترك الاحتياط بضم إجازة الوصي للأب أو الجد مع وجوده
وكذا فيمن بلغ فاسد العقل أو تجدد فساد عقله إذا كان البلوغ والتجدد
في زمان حياة الأب أو الجد.
مسألة 12 - يشترط في ولاية الأولياء البلوغ والعقل والحرية والاسلام
إذا كان المولى عليه مسلما، فلا ولاية للصغير والصغيرة على أحد، بل
الولاية في موردها لوليهما، وكذا لا ولاية للأب والجد إذا جنتا، وإن
جن أحدهما يختص الولاية بالآخر، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده
256

المسلم، فتكون للجد إذا كان مسلما، والظاهر ثبوت ولايته على ولده
الكافر إذا لم يكن له جد مسلم، وإلا فلا يبعد ثبوتها له دون الكافر.
مسألة 13 - العقد الصادر من غير الوكيل والولي المسمى بالفضولي
يصح مع الإجازة، سواء كان فضوليا من الطرفين أو من أحدهما، وسواء
كان المعقود عليه صغيرا أو كبيرا، وسواء كان العاقد قريبا للمعقود عليه
كالأخ والعم والخال أو أجنبيا، ومنه العقد الصادر من الولي أو الوكيل
على غير الوجه المأذون فيه بأن أوقع الولي على خلاف المصلحة أو الوكيل
على خلاف ما عينه الموكل.
مسألة 14 - إن كان المعقود له ممن يصح منه العقد لنفسه بأن كان
بالغا عاقلا فإنما يصح العقد الصادر من الفضولي بإجازته، وإن كان ممن
لا يصح منه العقد وكان مولى عليه بأن كان صغيرا أو مجنونا فإنما يصح
إما بإجازة وليه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله، فلو أوقع
الأجنبي عقدا على الصغير أو الصغيرة وقفت صحة عقده على إجازتهما له
بعد بلوغهما ورشدهما إن لم يجز أبوها أو جدهما في حال صغرهما، فأي
من الإجازتين حصلت كفت، نعم يعتبر في صحة إجازة الولي ما اعتبر في
صحة عقده، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته
وانحصر الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده.
مسألة 15 - ليست الإجازة على الفور، فلو تأخرت عن العقد
بزمن طويل صحت سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه أو لأجل
التروي أو للاستشارة أو غير ذلك.
مسألة 16 - لا أثر للإجازة بعد الرد، وكذا لا أثر للرد بعد الإجازة
فبها يلزم العقد وبه ينفسخ، سواء كان السابق من الرد أو الإجازة واقعا
من المعقود له أو وليه، فلو أجاز أو رد ولي الصغيرين العقد الواقع
257

عليهما فضولا ليس لهما بعد البلوغ رد في الأول ولا إجازة في الثاني.
مسألة 17 - إذا كان أحد الزوجين كارها حال العقد لكن لم يصدر
منه رد له فالظاهر أنه يصح لو أجاز بعد ذلك، بل الأقوى صحته بها
حتى لو استؤذن فنهى ولم يأذن ومع ذلك أوقع الفضولي العقد.
مسألة 18 - يكفي في الإجازة المصححة لعقد الفضولي كل ما دل
على إنشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدال عليه.
مسألة 19 - لا يكفي الرضا القلبي في صحة العقد وخروجه عن
الفضولية وعدم الاحتياج إلى الإجازة، فلو كان حاضرا حال العقد راضيا
به إلا أنه لم يصدر منه قوله أو فعل يدل على رضاه فالظاهر أنه من
الفضولي، نعم قد يكون السكوت إجازة، وعليه تحمل الأخبار في
سكوت البكر.
مسألة 20 - لا يعتبر في وقوع العقد فضوليا قصد الفضولية
ولا الالتفات إليها، بل المدار في الفضولية وعدمها هو كون العقد
بحسب الواقع صادرا عن غير من هو مالك للعقد وإن تخيل خلافه، فلو
تخيل كونه وليا أو وكيلا وأوقع العقد فتبين خلافه كان من الفضولي
ويصح بالإجازة، كما أنه لو اعتقد أنه ليس بوكيل ولا ولي فأوقع العقد
بعنوان الفضولية فتبين خلافه صح العقد ولزم بلا توقف على الإجازة
مع فرض مراعاة المصلحة.
مسألة 21 - إن زوج صغيران فضولا فإن أجاز وليهما قبل بلوغهما
أو أجازا بعد بلوغهما أو بالاختلاف بأن أجاز ولي أحدهما قبل بلوغه وأجاز
الآخر بعد بلوغه تثبت الزوجية ويترتب جميع أحكامها، وإن رد وليهما
قبل بلوغهما أو رد ولي أحدهما قبل بلوغه أو ردا بعد بلوغها أو رد
أحدهما بعد بلوغه أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد من أصله
258

بحيث لم يترتب عليه أثر أصلا من توارث وغيره من سائر الآثار، نعم لو بلغ
أحدهما وأجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر وإجازته يعزل من تركته مقدار
ما يرث الآخر على تقدير الزوجية، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه لكن بعد
ما حلف على أنه لم تكن إجازته للطمع في الإرث، وإن لم يجز أو أجاز
ولم يحلف على ذلك لم يدفع إليه بل يرد إلى الورثة، والظاهر أن الحاجة
إلى الحلف إنما هو فيما إذا كان متهما بأن إجازته لأجل الإرث، وأما مع
عدمه كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر أو كان الباقي هو الزوج وكان
المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد مما يرث يدفع إليه بدون الحلف.
مسألة 22 - كما يترتب الإرث على تقدير الإجازة والحلف يترتب
الآثار الآخر المترتبة على الزوجية أيضا من المهر وحرمة الأم والبنت وحرمتها
على أب الزوج وابنه إن كانت الزوجية هي الباقية وغير ذلك، فيترتب
جميع الآثار على الحلف في الظاهر على الأقوى.
مسألة 23 - الظاهر جريان هذا الحكم في كل مورد مات من لزم
العقد من طرفه وبقي من يتوقف زوجيته على إجازته، كما إذا زوج أحد
الصغيرين الولي وزوج الآخر الفضولي فمات الأول قبل بلوغ الثاني وإجازته
بل لا يبعد جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل موت
الثاني وإجازته، لكن الحلف مبني على الاحتياط كالحلف في بعض الصور الأخر.
مسألة 24 - إذا كان العقد فضوليا من أحد الطرفين كان لازما
من طرف الأصيل، فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوج بالغير قبل
أن يرد الآخر العقد ويفسخه، وهل يثبت في حقه تحريم المصاهرة قبل
إجازة الآخر ورده، فلو كان زوجا حرم عليه نكاح أم المرأة وبنتها وأختها
والخامسة إن كانت هي الرابعة؟ الأحوط ذلك وإن كان الأقوى خلافه.
259

مسألة 25 - إن رد المعقود له أو المعقود لها العقد الواقع فضولا
صار العقد كأنه لم يقع، سواء كان العقد فضوليا من الطرفين ورداء معا
أو رده أحدهما، بل ولو أجاز أحدهما ورد الآخر، أو من طرف واحد
ورد ذلك الطرف فتحل المعقود لها على أب المعقود له وابنه وتحل بنتها
وأمها على المعقود له.
مسألة 26 - إن زوج الفضولي امرأة برجل من دون اطلاعها
وتزوجت هي برجل آخر صح الثاني ولزم ولم يبق محل لإجازة الأول،
وكذا لو زوج الفضولي رجلا بامرأة من دون اطلاعه وزوج هو بأمها
أو بنتها ثم علم.
مسألة 27 - لو زوج فضوليان امرأة كل منهما برجل كانت بالخيار
في إجازة أيهما شاءت، وإن شاءت ردتهما، سواء تقارن العقدان أو تقدم
أحدهما على الآخر، وكذلك الحال فيما إذا زوج أحد الفضوليين رجلا
بامرأة والآخر بأمها أو بنتها أو أختها فإن له إجازة أيهما شاء.
مسألة 28 - لو وكلت رجلين في تزويجها فزوجها كل منهما برجل
فإن سبق أحدهما صح ولغا الآخر، وإن تقارنا بطلا معا، وإن لم يعلم
الحال فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما
فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا في حق كل من الزوجة والزوجين،
وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالا بصحة أحد العقدين وتكون المرأة زوجة
لأحد الرجلين وأجنبية عن أحدهما، فليس للزوجة أن تتزوج بغيرهما،
ولا للغير أن يتزوج بها، لكونها ذات بعل قطعا، وأما حالها بالنسبة إلى
الزوجين وحالهما بالنسبة إليها فالأولى أن يطلقاها ويجدد النكاح عليها أحدهما
برضاها، وإن تعاسرا وكان في التوقف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج
على الزوجة أو لا يرجى ظهور الحال، فالمتجه تعيين الزوج منهما بالقرعة،
260

فيحكم بزوجية من وقعت عليه.
مسألة 29 - لو ادعى أحد الزوجين سبق عقده فإن صدقه الآخر
وكذا الزوجة أو صدقه أحدهما وقال الآخر: " لا أدري " فالزوجة
لمدعي السبق وإن قال كلاهما: " لا أدري " فوجوب تمكين الزوجة من
المدعي بل جوازه محل تأمل إلا إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة
حين إجراء العقد واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتفاق، وإن
صدقة الآخر ولكن كذبته الزوجة كانت الدعوى بين الزوجة وكلا
الزوجين، فالزوج الأول يدعي زوجيتها وصحة عقده وهي تنكر زوجيته
وتدعي فساد عقده، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني، حيث إنه
يدعي فساد عقده وهي تدعي صحته، ففي الدعوى الأولى تكون هي المدعية
والزوج هو المنكر، وفي الثانية بالعكس، فإن أقامت البينة على فساد
الأول المستلزم لصحة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأول، وإن
أقام الزوج الثاني بينة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوتها للأول
وإن لم تكن بينة يتوجه الحلف إلى الزوج الأول في الدعوى الأولى وإلى
الزوجة في الدعوى الثانية، فإن حلف الزوج الأول ونكلت الزوجة
تثبت زوجيتها للأول، وإن كان العكس بأن حلفت هي دونه حكم بزوجيتها
للثاني، وإن حلفا معا فالمرجع هي القرعة، هذا إذا كان مصب الدعوى
صحة العقد وفساده لا السبق وعدمه أو السبق واللحوق أو الزوجية وعدمها
وبالجملة الميزان في تشخيص المدعي والمنكر غالبا مصب الدعوى، وإن
ادعى كل من الزوجين سبق عقده فإن قالت الزوجة: " لا أدري " تكون
الدعوى بين الزوجين، فإن أقام أحدهما بينة دون الآخر حكم له وكانت
الزوجة له، وإن أقام كل منهما بينة تعارضت البينتان، فيرجع إلى القرعة
فيحكم بزوجية من وقعت عليه، وإن لم تكن بينة يتوجه الحلف إليهما،
261

فإن حلف أحدهما حكم له، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة، وإن
صدقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدقه الزوجة،
والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة، فمع إقامة البينة من أحد
الطرفين أو من كليهما الحكم كما مر، وأما مع عدمها وانتهاء الأمر إلى
الحلف فإن حلف من لم تصدقه الزوجة يحكم له على كل من الزوجة والزوج
الآخر، وأما مع حلف من صدقته فلا يترتب على حلفه رفع دعوى الزوج
الآخر على الزوجة، بل لا بد من حلفها أيضا.
مسألة 30 - لو زوج أحد الوكيلين عن الرجل له امرأة والآخر
بنتها صح السابق ولغا اللاحق، ومع التقارن بطلا معا، وإن لم يعلم السابق
فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما
فإن احتمل تقارنهما يحكم ببطلان كليهما، وإن علم بعدم التقارن فقد علم
بصحة أحد العقدين وبطلان أحدهما، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما
، كما أنه لا يجوز لهما التمكين منه، نعم يجوز له النظر إلى الأم، ولا يجب
عليها التستر عنه، للعلم بأنه إما زوجها أو زوج بنتها، وأم البنت فحيث
إنه لم يحرز زوجيتها وبنت الزوجة إنما يحل النظر إليها، إن دخل بالأم
والمفروض عدمه فلم يحرز ما هو سبب الحلية النظر إليها، ويجب عليها
التستر عنه، نعم لو فرض الدخول بالأم ولو بالشبهة كان حالها حال الأم
فصل في أسباب التحريم
أعني ما بسببه يحرم ولا يصح تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج
بينهما، وهي أمور: " النسب والرضاع والمصاهرة وما يلحق بها والكفار وعدم
الكفاءة واستيفاء العدد والاعتقاد والاحرام.
262

القول في النسب
يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال:
الأم بما شملت الجدات عاليات وسافلات، لأب كن أو لأم،
فتحرم المرأة على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها وعلى ابن بنتها وابن
بنت بنتها وابن بنت ابنها وهكذا، وبالجملة تحرم على كل ذكر ينتمي إليها
بالولادة، سواء كان بلا واسطة أو وسائط، وسواء كانت
الوسائط ذكورا أو إناثا أو بالاختلاف.
والبنت بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط، فتحرم هي على
أبيها بما شمل الجد لأب كان أو لأم، فتحرم على الرجل بنته، وبنته ابنه
وبنته ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت، بنت بنته، وبنت ابن بنته، وبالجملة
أنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط ذكورا كانوا أو إناثا أو
بالاختلاف.
والأخت لأب كانت أو لأم أو لهما.
وبنت الأخ سواء كان لأب أو لأم أولهما، وهي كل مرأة تنتمي
بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت، سواء كان الانتماء إليه
بالآباء أو الأمهات أو بالاختلاف، فتحرم عليه بنت أخيه، وبنت ابنه
وبنت ابن ابنه، وبنت بنته وبنته بنت بنته، وبنت ابن بنته وهكذا
وبنت الأخت، وهي كل أنثى تنتمي إلى أخته بالولادة على النحو
الذي ذكر في بنت الأخ.
والعمة، وهي أخت أبيه لأب أو لأم أو لهما، والمراد بها ما تشتمل
العاليات أعني عمة الأب: أخت الجد للأب لأب أو لأم أو لهما، وعمة الأم:
263

أخت أبيها لأب أو لأم أو لهما، وعمة الجد للأب والجد للأم والجدة
كذلك، فمراتب العمات مراتب الآباء، فهي كل أنثى تكون أختا لذكر ينتمي
إليك بالولادة من طرف أبيك أو أمك.
والخالة، والمراد بها أيضا ما تشمل العاليات، فهي كالعمة إلا أنها
أخت إحدى أمهاتك ولو من طرف أبيك، والعمة أخت أحد آبائك ولو
من طرف أمك، فأخت جدتك للأب خالتك حيث أنها خالة أبيك،
وأخت جدك للأم عمتك حيث أنها عمة أمك.
مسألة 1 - لا تحرم عمة العمة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنوان
العمة والخالة ولو بالواسطة، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان، كما إذا
كانت عمتك أختا لأبيك لأب وأم أ لأب، ولأبي أبيك أخت لأب
أو أم أولهما فهذه عمة لعمتك بلا واسطة، وعمة لك معها، وكما إذا كانت
خالتك أختا لأمك لأمها أو لأمها وأبيها وكانت لأم أمك أخت فهي خالة لخالتك
بلا واسطة، وخالة لك معها، وقد لا تدخلان فيهما فد تحرمان، كما إذا
كانت عمتك أختا لأبيك لأمه لا لأبيه وكان لأبي الأخت أخت فالأخت
الثانية عمة لعمتك وليس بينك وبينها نسب أصلا وكما إذا كانت خالتك
أختا لأمك لأبيها لا لأمها وكانت لأم الأخت أخت فهي خالة لخالتك
وليست خالتك ولو مع الوسطة، وكذلك أخت الأخ أو الأخت إنما
تحرم إذا كانت أختا لا مطلقا، فلو كان لك أخ أو أخت لبيك وكانت
لأمها بنت من زوج آخر فهي أخت لأخيك أو أختك وليست أختا لك
لا من طرف أبيك ولا من طرف أمك، فلا تحرم عليك.
مسألة 2 - النسب إما شرعي، وهو ما كان بسبب وطء حلال ذاتا
بسبب شرعي من نكاح أو ملك يمين أو تحليل وإن حرم لعارض من حيض
أو صيام أو اعتكاف أو احرام ونحوها، ويلحق به وطء الشبهة، وإما
264

غير شرعي، وهو ما حصل بالسفاح والزنا، والأحكام المترتبة على النسب
الثابتة في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصت بالأول، لكن الظاهر بل
المقطوع أن موضوع حرمة النكاح أعم، فيعم غير الشرعي، فلو زنا
بامرأة فولدت منه ذكرا وأنثى حرمت المزاوجة بينهما، وكذا بين كل
منهما وبين أولاد الزاني والزانية الحاصلين بالنكاح الصحيح أو بالزنا بامرأة
أخرى، وكذا حرمت الزانية وأمها وأم الزاني وأختهن على الذكر، وحرمت
الأنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه.
مسألة 3 - المراد بوطء الشبهة الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم
العلم بالتحريم، كما إذا وطأ أجنبية باعتقاد أنها زوجته، أو مع عدم الطريق
المعتبر عليه بل أو الأصل كذلك، ومع ذلك فالمسألة محل إشكال
ويلحق به وطء المجنون والنائم وشبههما دون السكران إذا كان سكره بشرب
المسكر عن عمد وعصيان.
القول في الرضاع
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط: الأول - أن يكون اللبن
حاصلا من وطء جائز شرعا بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل وما بحكمه
كسبق الماء إلى فرج حليلته من غير وطء، ويلحق به وطء الشبهة على
الأقوى، فلو در اللبن من الامرأة من دون نكاح وما يلحق به لم ينشر
الحرمة، وكذا لو كان من دون وطء وما يلحق به ولو مع النكاح،
وكذا لو كان اللبن من الزنا، بل الظاهر اعتبار كون الدر بعد الولادة،
فلو در من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى.
مسألة 1 - لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل، فلو
265

طلقها الزوج أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضعة فأرضعت ولدا نشر
الحرمة، وإن تزوجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه أو حملت منه وكان
اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة، بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأول.
اثني - أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي فلو وجر
في حلقه اللبن أو شرب المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة، الثالث - أن
تكون المرضعة حية، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها
ولو رضعة لمن ينشر الحرمة، الرابع - أن يكون المرتضع في أثناء الحولين
وقبل استكمالها، فلا عبرة برضاعه بعدهما، ولا يعتبر الحولان في ولد
المرضعة على الأقوى، فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه نشر الحرمة إذا
كان قبل حولي المرتضع.
مسألة 2 - المراد بالحيوان أربع وعشرون شهرا هلاليا من حين
الولادة، ولو وقعت في أثناء الشهر يكمل من الشهر الخامس والعشرين،
ما مضي من الشهر الأول على الأظهر فلو تولد في العاشر من شهر تكمل
حولاه في العاشر من الخامس والعشرين.
الشرط الخامس - الكمية، وهي بلوغه حدا معينا، فلا يكفي مسمى
الرضاع ولا رضعة كاملة، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة: الأثر والزمان
والعدد، وأي منها حصل كفى في نشر الحرمة، ولا يبعد كون الأثر هو
الصهل والباقيان أمارتان عليه، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول
أحدهما دونه، فأما الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشد العظم،
وأما الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوما وليلة مع اتصالهما بأن يكون
غذاؤه في هذه المدة منحصرا بلبن المرأة، وأما العدد فهو أن يرتضع منها
خمس عشرة رضعة كاملة.
مسألة 3 - المعتبر في إنبات اللحم وشد العظم استقلال الرضاع في
266

حصولها على وجه ينسبان إليه، فلو فرض ضم السكر ونحوه إليه على نحو
ينسبان إليهما أشكل ثبوت التحريم، كما أن المدار هو الانبات والشد المعتد به
منهما على نحو مبان يصدقان عرفا، ولا يكفي حصولهما بالدقة العقلية،
وإذا شك في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما يرجع
إلى التقديرين الآخرين.
مسألة 4 - يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة
منحصرا باللبن، ولا يقدح شرب الماء للعطش ولا ما يأكل أو يشرب دواء
إن لم يخرج ذلك عن المتعارف، والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان
لو ابتداء بالرضاع في أثناء الليل أو النهار
مسألة 5 - يعتبر في التقدير بالعدد أمور: منها - كمال الرضعة بأن
يروي الصبي ويصدر من قبل نفسه، ولا تحسب الرضعة الناقصة ولا تضم
الناقصات بعضها ببعض بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات
ناقصات مثلا واحدة، نعم لو التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد
الاعراض بأن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي
إلى آخر أو غير ذلك كان الكل رضعة واحدة.
ومنها - توالي الرضعات بأن لا يفصل بينهما رضاع امرأة أخرى
رضاعا تاما كاملا على الأقوى ومطلقا على الأحوط، نعم لا يقدح القليل
جدا، ولا يقدح في التوالي تخلل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن
تغذي به.
ومنها - أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة، فلو ارتضع بعض
الرضعات من امرأة وأكملها من امرأة أخرى لم ينشر الحرمة وأن اتحد
الفحل، فلا تكون واحدة من المرضعتين أما للمرتضع ولا الفحل أبا له.
ومنها - اتحاد الفحل بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد،
267

ولا يكفي اتحاد المرضعة، فلو أرضعت امرأة من لبن لحف ثمان رضعات
ثم طلقها الفحل وتزوجت بآخر وحملت منه ثم أرضعت ذلك الطفل من
لبن الفحل الثاني تكملة العدد من دون تخلل رضاع امرأة أخرى في البن
بأن يتغذى الولد في هذه المدة المتخللة بالمأكول والمشروب لم ينشر الحرمة.
مسألة 6 - ما ذكرناه من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة،
فلو انتفى بعضها لا أثر له وليس بناشر لها أصلا حتى بين الفحل والمرتضعة
وكذا بين المرتضع والمرضعة فضلا عن الأصول والفروع والحواشي، وفي
الرضاع شرط آخر زائد على ما مر اختص بنشر الحرمة، بين المرتضعين
وبين أحدهما وفروع الآخر، وبعبارة أخرى شرط لتحقق الأخوة الرضاعية
بين المرتضعين، وهو اتحاد الفحل الذي ارتضع المرتضعان من لبنه،
فلو ارتضع صبي من امرأة من لبن شخص رضاعا كاملا وارتضعت صبية
من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك بأن طلقها الأول وزوجها الثاني
وصارت ذات لبن منه فأرضعتها رضاعا كاملا لم تحرم الصبية على ذلك
الصبي ولا فروع أحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب
اللبن واحدا وتعدد المرضعة، كما إذا كانت لشخص نسوة متعددة
وأرضعت كل واحدة منهن من لبنه طفلا رضاعا كاملا فإنه يحرم بعضهم
على بعض وعلى فروعه، لحصول الأخوة الرضاعية بينهم.
مسألة 7 - إذا تحقق الرضاع الجامع للشرائط صار الفحل والمرضعة
أما وأما للمرتضع، وأصولهما أجدادا وجدات وفروعهما إخوة وأولاد إخوة له.
ومن في حاشيتهما وفي حاشية أصولهما أعماما أو عمات وأخوالا أو خالات له،
وصار هو أعني المرتضع ابنا أو بنتا لهما، وفروعه أحفادا لهما، وإذا
تبين ذلك فكل عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة المتقدمة إذا تحقق مثله
في الرضاع يكون محرما، فالأم الرضاعية كالأم النسبية والبنت الرضاعية
268

كالبنت النسبية وهكذا، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل طفلا حرمت
المرضعة وأمها وأم الفحل على المرتضع للأمومة، والمرتضعة وبناتها وبنات
المرتضع على الفحل وعلى أبيه وأبي المرضعة للبنتية، وحرمت أخت الفحل
وأخت المرضعة على المرتضع لكونهما عمة وخالة له، والمرتضعة على أخي
الفحل وأخي المرضعة لكونها بنت أخ أو بنت أخت لهما، وحرمت بنات
الفحل على المرتضع والمرتضعة على أبنائه نسبيين كانوا أم رضاعيين، وكذا
بنات المرضعة على المرتضع والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيين للأخوة
وأما أولاد المرضعة الرضاعيون ممن أرضعتهم بلبن فحل آخر غير الفحل
الذي ارتضع المرتضع بلبنه فلم يحرموا على المرتضع لما مر من اشتراط اتحاد
الفحل في نشر الحرمة بين المرتضعين.
مسألة 8 - تكفي في حصول العلاقة الرضاعية المحرمة دخالة الرضاع
فيه في الجملة، فقد تحصل من دون دخالة غيره فيها كعلاقة الأبوة
والأمومة والأبنية والبنتية الحاصلة بين الفحل والمرضعة وبين المرتضع،
وكذا الحاصلة بينه وبين أصولهما الرضاعيين، كما إذا كان لهما أب أو أم
من الرضاعة حيث إنهما جد وجدة للمرتضع من جهة الرضاع محضا،
وقد تحصل به مع دخالة النسب في حصولها كعلاقة الأخوة الحاصلة بين
المرتضع وأولاد الفحل والمرضعة النسبيين، فإنهم وإن كانوا منسوبين إليهما
بالولادة إلا أن أخوتهم للمرتضع حصلت بسبب الرضاع، فهن إخوة
أو أخوات له من الرضاعة، توضيح ذلك: أن النسبة بين شخصين قد
تحصل بعلاقة واحدة كالنسبة بين الولد ووالده ووالدته، وقد تحصل بعلاقتين
كالنسبة بين الأخوين، فإنها تحصل بعلاقة كل منهما مع الأب أو الأم أو
كليهما، وكالنسبة بين الشخص وجده الأدنى، فإنها تحصل بعلاقة بينه
وبين أبيه مثلا وعلاقة بين أبيه وبين جده، وقد تحصل بعلاقات ثلاث
269

كالنسبة بين الشخص وبين جده الثاني، وكالنسبة بينه وبين عمه الأدنى،
فإنه تحصل بعلاقة بينك وبين أبيك وبعلاقة كل من أبيك وأخيه مع أبيها
مثلا، وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب وتنشعب بقلة العلاقات وكثرتها
حتى أنه قد تتوقف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقل أو أكثر
وإذا تبين ذلك فإن كانت تلك العلائق كلها حاصلة بالولادة كانت العلاقة
نسبية، وإن حصلت كلها أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع كانت
العلاقة رضاعية.
مسألة 9 - لما كانت المصاهرة - التي هي أحد أسباب تحريم النكاح
كما يأتي - علاقة بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر فهي تتوقف على
أمرين: مزاوجة وقرابة، والرضاع إنما يقوم مقام الثاني دون الأول،
فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتى تحرم أمها عليك، لكن
الأم والبنت الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالأم والبنت النسبيين لها،
فتحرمان عليك، وكذلك حليلة الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي
وحليلة الأب الرضاعي كحليلة الأب النسبي، تحرم الأولى على أبيه
الرضاعي، والثانية على ابنه الرضاعي.
مسألة 10 - قد تبين مما سبق أن العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل
برضاع واحد كالحاصلة بين المرتضع وبين المرضعة وصاحب اللبن، وقد
تحصل برضاعين كالحاصلة بين المرتضع وبين أبوي الفعل والمرضعة
الرضاعيين، وقد تحصل برضاعات متعددة، فإذا كان لصاحب اللبن مثلا
أب من جهة الرضاع وكان لذلك الأب الرضاعي أيضا أب من الرضاع
وكان للأخير أيضا أب من الرضاع وهكذا إلى عشرة آباء مثلا كان الجميع
أجدادا رضاعيين للمرتضع الأخير، وجميع المرضعات جدات له، فإن
كانت أنثى حرمت على جميع الأجداد، وإن كان ذكرا حرمت عليه جميع
270

الجدات، بل لو كانت للجد الرضاعي الأعلى أخت رضاعية حرمت على
المرتضع الأخير، لكونها عمته العليا من الرضاع، ولو كانت للمرضعة
الأبعد التي هي الجدة العليا للمرتضع أخت حرمت عليه لكونها خالته العليا
من الرضاع.
مسألة 11 - قد عرفت فيما سبق أنه يشترط في حصول الأخوة
الرضاعية بين المرتضعين اتحاد الفحل، ويتفرع على ذلك مراعاة هذا
الشرط في العمومة والخؤولة الحاصلتين بالرضاع أيضا، لأن العم والعمة
أخ وأخت للأب، والخال والخالة أخ وأخت للأم، فلو تراضع أبوك
أو أمك مع صبية من امرأة فإن اتحد الفحل كانت الصبية عمتك أو خالتك
من الرضاعة بخلاف ما إذا لم يتحد، فحيث لم تحصل الأخوة الرضاعية
بين أبيك أو أمك مع الصبية لم تكن هي عمتك أو خالتك، فلم تحرم
عليك.
مسألة 12 - لا يجوز أن ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن
ولادة بل ورضاعا على الأحوط، وكذا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا،
وأما أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد
صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم وإن كان الاحتياط
لا ينبغي تركه.
مسألة 13 - إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن فحلها تم أرضعت
بنت شخص آخر من لبن ذلك الفحل فتك البنت وإن حرمت على ذلك
الابن لكن تحل أخوات كل منهما لإخوة الآخر.
مسألة 14 - الرضاع المحرم كما يمنع من النكاح لو كان سابقا يبطله
لو حصل لاحقا، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أمه أو أخته
أو بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه بلبنه رضاعا كاملا بطل نكاحها
271

وحرمت عليه لصيرورتها بالرضاع بنتا أو أختا أو بنت أخ أو بنت
أخت له، فحرمت عليه لاحقا كما كانت تحرم عليه سابقا، وكذا لو كانت
له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت عليه الكبيرة،
لأنها صارت أم زوجته، وكذلك الصغيرة إن كانت رضاعها من لبنه أو
دخل بالكبيرة لكونها بنتا له في الأول وبنت زوجته المدخول بها في الثاني
نعم ينفسخ عقدها وإن لم يكن الرضاع من لبنه ولم يدخل بالكبيرة وإن
لم تحرم عليه.
تنبيه:
إذا كان أخوان في بيت واحد مثلا وكانت زوجة كل منهما أجنبية
عن الآخر وأرادا أن تصير زوجة ك ل منهما من محارم الآخر حتى يحل
له النظر إليها يمكن لهما الاحتيال بأن يتزوج كل منهما بصبية وترضع
زوجة كل منهما زوجة الآخر رضاعا كاملا، فتصير زوجة كل منهما أما
لزوجة الآخر، فتصير من محارمه، وحل نظره إليها، وبطل نكاح كلتا
الصبيتين لصيرورة كل منهما بالرضاع بنت أخي زوجها.
مسألة 1 - إذا أرضعت امرأة ولد بنتها وبعبارة أخرى أرضعت
الولد جدته من طرفه الأم حرمت بنتها أم الولد على زوجها، وبطل
نكاحها، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أو بلبن غيره، وذلك لأن زوج
البنت أب للمرتضع، وزوجته بنت للمرضعة جدة الولد، وقد مر أنه
يحرم على أبي المرتضع نكاح أولاد المرضعة، فإذا منع منه سابقا أبطله
لاحقا، وكذا إذا أرضعت زوجة أبي البنت من لبنه ولد البنت بطل نكاح
البنت، لما مر من أنه يحرم نكاح أبي المرتضع في ألاد صاحب اللبن،
272

وأما الجدة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتب عليه شئ،
كما أنه لو كان رضاع الجدة من طرف الأم ولد بنتها بعد وفاة بنتها
أو طلاقها أو وفاة زوجها لم يترتب عليه شئ، فلا مانع منه وإن يترتب عليه
حرمة نكاح المطلقة وأختها وكذا أخت المتوفاة.
مسألة 2 - لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت
جدتهما من طرف الأب أو الأم أحدهما وذلك فيما إذا تزوج الأخوان
الأختين انفسخ نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فإن أرضعته
جدته من طرف الأب صار عما لزوجته، وإن أرضعته جدته من طرف
الأم صار خالا لزوجته، وإن كان هو الأنثى صارت هي عمة لزوجها
على الأول وخالة له على الثاني، فبطل النكاح على أي حال.
مسألة 3 - إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح فإما أن يبطل
نكاح المرضعة بارضاعها كما في إرضاع الزوجة الكبيرة لشخص زوجته
الصغيرة بالنسبة إلى نكاحها، وإما أن يبطل نكاح المرتضعة كالمثال بالنسبة
إلى نكاح الصغيرة، وإما أن يبطل نكاح غيرهما كما في إرضاع الجدة من
طرف الأم ولد بنتها، والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع
إلا في الصورة الأولى فيما إذا كان الارضاع وانفساخ العقد قبل الدخول،
فإن فيها تأملا، فالأحوط الاستحاق أقرب، وهل تضمن المرضعة ما يغرمه الزوج
من المهر قبل الدخول فيما إذا كان إرضاعها مبطلا لنكاح غيرها؟ قولان،
أقواهما العدم، والأحوط التصالح.
مسألة 4 - قد سبق أن العناوين المحرمة من جهة الولادة والنسب
سبعة: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات
الأخت، فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرما كالحاصل
273

بالولادة، وقد عرفت فيما سبق كيفية حصولها بالرضاع مفصلا، وأما
لو لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة لكن حصل عنوان خاص
لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما ومتحدا مع أحد تلك العناوين السبعة
- كما لو أرضعت امرأة ولد بنتها فصارت أم ولد بنتها، وأم ولد البنت
ليست من تلك السبع، لكن لو كانت أموته ولد البنت بالولادة كانت بنتا له،
والبنت من المحرمات السبعة - فهل مثل هذا الرضاع أيضا محرم فتكون
مرضعة ولد البنت كالبنت أم لا؟ الحق هو الثاني، وقيل بالأول، وهذا
هو الذي اشتهر في الألسنة بعموم المنزلة الذي ذهب إليه بعض الأجلة،
ولنذكر لذلك أمثلة:
أحدها: زوجتك أرضعت بلبنك أخاها فصار ولدك. وزوجتك
أخت له، فهل تحرم عليك من جهة أن أخت ولدك إما بنتك أو ربيتك،
وهما محرمتان عليك، وزوجتك بمنزلتهما أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة
يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
ثانيها: - زوجتك أرضعك بلبنك ابن أخيها فصار ولدك، وهي
عمته، وعمة ولدك حرام عليك لأنها أختك، فهل تحرم من الرضاع أم لا
فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
ثالثها: زوجتك أرضعك عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها فصارت
أمهم، وأم عم وأم عمة زوجتك حرام عليك حيث إنها جدتها من الأب،
وكذا أم خال وأم خالة زوجتك حرام عليك، حيث إنها جدتها من الأم،
فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة
يقول: نعم، ومن قال بالدم يقول: لا.
رابعها: - زوجتك أرضعت بلبنك ولد عمها أو ولد خالها فصرت
أبا ابن عمها أو أبا ابن خالها، وهي تحرم على أبي ابن عمها وابن ابن
274

خالها، لكونهما عمها وخالها، فهل تحرم عليك من جهة الرضاع أم لا؟
فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
خامسها: - امرأة أرضعت أخاك أم أختك لأبويك فصارت أما
لهما، وهي محرمة في النسب لأنها أم لك، فهل تحرم عليك من جهة
الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجتك أم لا؟ فمن قال بعموم
المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا
سادسها: - امرأة أرضعت ولد بنتك فصارت أما له، فهل تحرم
عليك لكونها بمنزلة بنتك، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها
أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا،
سابعها - امرأة أرضعت ولد أختك فصارت أما له، فهل تحرم عليك من
جهة أن أم ولد الأخت حرام عليك، لأنها أختك، وإن كانت المرضعة
زوجتك بطل نكاحها أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول: نعم، ومن
قال بالعدم يقول: لا.
ثامنها - امرأة أرضعت عمك أو عمتك أو خالك أو خالتك فصارت
أمهم، وأم عمك وعمتك نبأ تحرم عليك، لأنها جدتك من طرف أبيك،
وكذا أم خالك وخالتك، لأنها جدتك من طرف الأم، فهل تحرم عليك
بسبب الرضاع، وإن كانت المرضعة زوجتك بطل نكاحها أم لا؟ فمن
قال بعوم المنزلة يقول: نعم، ومن قال بالعدم يقول: لا.
مسألة 5 - لو شك في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه
من الكمية أو الكيفية بنى على العدم، نعم يشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع
بشروطه ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما وعلم تاريخ الرضاع وجهل
تاريخ ولادة المرتضع، فحينئذ لا يترك الاحتياط.
مسألة 6 - لا تقبل الشهادة على الرضاع إلا مفصلة بأن يشهد الشهود
275

على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة متواليات
مثلا إلى آخر ما مر من الشروط، ولا يكفي الشهادة المطلقة والمجملة بأن
يشهد على وقوع الرضاع المحرم، أو يشهد مثلا على أن فلانا ولد فلانة
أو فلانة بنت فلان من الرضاع، بل يسأل منه التفصيل، نعم لو علم
عرفانهما شرائط الرضاع وأنها موافقان معه في الرأي اجتهادا أو تقليدا تكفي.
مسألة 7 - الأقوى أنه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع
مستقلات بأن تشهد به أربع نسوة، ومنضمات بأن تشهد به امرأتان
مع رجل واحد.
مسألة 8 - يستحب أن يختار لرضاع الأولاد المسلمة العاقلة العفيفة
الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة، فإن للبن تأثيرا تاما في المرتضع كما يشهد به
الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار، فعن الباقر عليه السلام قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء فإن اللبن
يعدي " وعن أمير المؤمنين عليه السلام " لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن
يغلب الطباع " وعن عليه السلام " انظروا من ترضع أولادكم فإن الولد
يشب عليه " إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات
الصفات الحميدة خلقا وخلقا، ومرجوحية اختيار أضدادهن وكراهته،
لا سيما الكافرة، وإن اضطر إلى استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية
على المشركة والمجوسية، ومع ذلك لا يسلم الطفل إليهن، ولا يذهبن بالولد
إلى بيوتهن، ويمنعها عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ومثل الكافرة
أو أشد كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من الزنا والمرأة المتولدة
من زنا، فعن الباقر عليه السلام " لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية
أحب إلي من ولد الزنا " وعن الكاظم عليه السلام " سئل عن امرأة زنت
هل يصلح أن تسترضع؟ قال: لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت
276

من الزنا ".
القول في المصاهرة وما يلحق بها
المصاهرة هي علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر موجبة لحرمة
النكاح عينا أو جمعا على تفصيل يأتي.
مسألة 1 - تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس فصاعدا في الأول
ونازلا في الثاني حرمة دائمية، سواء كان العقد دائميا أو انقطاعيا،
وسواء دخل العاقد بالمعقودة أم لا، وسواء كان الأب والابن نسبيين أو
رضاعيين.
مسألة 2 - لو عقد على امرأة حرمت عليها أمها وإن علت نسبا أو
رضاعا، سواء دخل بها أم لا، وسواء كان العقد دواما أو انقطاعا،
وسواء كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة نعم الأحوط في العقد على الصغيرة
انقطاعا أن تكون بالغة إلى حد تقبل للاستمتاع والتلذذ بها ولو بغير الوطء
بأن كانت بالغة ست سنين فما فوق مثلا، أو يدخل في المدة بلوغها إلى
هذا الحد، فما تعارف من إيقاع عقد الانقطاع ساعة أو ساعتين على
الصغيرة الرضعية أو من يقاربها مريدين بذلك محرمية أمها على المعقود له
لا يخلو من إشكال من جهة الاشكال في صحة مثل هذا العقد حتى يترتب
عليه حرمة أم المعقود عليها، وإن لا يخلو من قرب أيضا لكن لو عقد
كذلك أي الساعة أو الساعتين عليها فلا ينبغي ترك الاحتياط بترتب آثار
المصاهرة وعدم المحرمية لو قصد تحقق الزوجية ولو بداعي بعض الآثار كالمحرمية.
مسألة 3 - لو عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا دخل
بالأم ولو دبرا، وأما إذا لم يدخل بها لم تحرم عليه بنتها عينا، وإنما تحرم
277

عليه جمعا بمعنى أنها تحرم عليه ما دامت الأم في حباله، فإذا خرجت بموت
أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها.
مسألة 4 - لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون موجودة
في زمان زوجية الأم أو تولدت بعد خروجها عن الزوجية، فلو عقد على
امرأة ودخل بها ثم طلقها ثم تزوجت وولدت من الزوج الثاني بنتا تحرم
هذه البنت على الزوج الأول.
مسألة 5 - لا إشكال في ترتب الحرمات الأربع على النكاح والوطء
الصحيحين، وهل تترتب على الزنا ووطء الشبهة أم لا؟ قولان، أحوطهما
وأشهرهما أولهما، فلو زنى بامرأة حرمت على أبي الزاني وحرمت على الزاني
أم المزني بها وبنتها وكذلك الموطوءة بالشبهة، نعم الزنا الطارئ على التزويج
لا يوجب الحرمة سواء كان بعد الوطء أو قبلة، فلو تزويج بامرأة ثم زنى
بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن
لم تحرم على الابن، أو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه.
مسألة 6 - لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر وكذا في الشبهة.
مسألة 7 - إذا علم بالزنا وشك في كونه سابقا على العقد أو طارئا
بنى على صحته.
مسألة 8 - لو لمس امرأة أجنبية أو نظر إليها بشهوة لم تحرم الملموسة
والمنظورة على أبي اللامس والناظر وابنهما، ولا تحرم أم المنظورة والملموسة
على الناظر واللامس، نعم لو كانت للأب جارية ملموسة بشهوة أو منظورة
إلى ما لا يحل النظر إليه لغيره إن كان نظره بشهوة أو نظر إلى فرجها
ولو بغير شهوة حرمت على ابنه، وكذا العكس على الأقوى.
مسألة 9 - لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة وبنت الأخت على
278

الخالة إلا بإذنهما، من غير فرق بنى كون النكاحين دائمين أو منقطعين
أو مختلفين، ولا بين علم العمة والخالة حال العقد وجهلهما، ولا بين
اطلاعهما على ذلك وعدمه أبدا، فلو تزوجهما عليهما بدون إذنهما كان العقد
الطارئ كالفضولي على الأقوى تتوقف صحته على إجازتهما، فإن أجازتا
جاز، وإلا بطل، ويجوز نكاح العمة والخالة بنتي الأخ والأخت
وإن كانت العمة والخالة جاهلتين، وليس لهما الخيار لا في فسخ عقد
أنفسهما ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والأخت على الأقوى.
مسألة 10 - الظاهر أنه لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما
والعليا، كما أنه لا فرق بين نسبيتين منهما والرضاعيتين.
مسألة 11 - إذا أذنتا ثم رجعتا عن الإذن فإن كان الرجوع بعد
العقد لم يؤثر في البطان، وإن كان قبله بطل الإذن السابق، فلو لم يبلغه
الرجوع وتزوج توقف صحته على الإجازة اللاحقة.
مسألة 12 - الظاهر أن اعتبار إذنهما ليس حقا لهما كالخيار حتى يسقط
بالاسقاط، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثر
شيئا، ولو اشتراط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الأخت
فالظاهر كون قبول هذا الشرط إذنا، نعم لو رجع عنه قبل العقد لم يصح
العقد، ولو شرط أن له ذلك ولو مع الرجوع بحيث يرجع إلى إسقاط
إذنه فالظاهر بطلان الشرط.
مسألة 13 - لو تزوج بالعمة وابنة الأخ والخالة وبنت الأخت وشك
في السابق منهما حكم بصحة العقدين، وكذلك فيما إذا تزوج ببنت الأخ
أو الأخت وشك في أنه كان عن إذن من العمة أو الخالة أم لا حكم بالصحة
مسألة 14 - لو طلق العمة أو الخالة فإن كان بائنا صح العقد على
بنتي الأخ والأخت بمجرد الطلاق، وإن كان رجعيا لم يجز بلا إذن منهما
279

إلا بعد انقضاء العدة.
مسألة 15 - لا يجوز الجمع في النكاح بين الأختين نسبيتين أو
رضاعيتين دواما أو انقطاعا أو بالاختلاف، فلو تزوج بإحدى الأختين ثم
تزويج بأخرى بطل العقد الثاني دون الأول، سواء دخل بالأولى أولا،
ولو اقترن عقدهما بأن تزويجهما بعقد واحد أو في زمان واحد بطلا معا.
مسألة 16 - لو تزوج بالأختين ولم يعلم السابق واللاحق فإن علم
تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما فإن احتمل
تقارنهما حكم ببطلانهما معا، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالا بصحة
أحدهما وبطلان الآخر، فلا يجوز له عمل الزوجية بالنسبة إليهما أو إلى
إحداهما ما دام الاشتباه، والأقوى تعيين السابق بالقرعة، لكن الأحوط
أن يطلقهما أو يطلق الزوجة الواقعية منهما ثم يزوج من شاء منهما، وله أن
يطلق إحداهما ويجدد العقد على الأخرى بعد انقضاء بعد انقضاء عدة الأولى إن كانت
مدخولا بها.
مسألة 17 - لو طلقهما والحال هذه فإن كان قبل الدخول فعليه
للزوجة الواقعية نصف مهرها، وإن كان بعد الدخول فلها عليه تمام مهرها تمام مهرها
فإن كان المهران مثليين واتفقا جنسا وقدرا فقد علم من عليه الحق ومقدار
الحق، وإنما الاشتباه فيمن له الحق، وفي غير ذلك يكون الاشتباه في
الحق أيضا، فإن اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو، وإلا فلا محيص إلا عن
القرعة، فمن خرجت عليها من الأختين كان لها نصف مهرها المسمى
أو تمامه ولم تستحق الأخرى شيئا، نعم مع الدخول بها تفصيل لا يسعه
هذا المختصر.
مسألة 18 - الظاهر جريان حكم تحريم الجمع فيما إذا كانت الأختان
كلتاهما أو إحداهما من زنا.
280

مسألة 19 - لو طلق زوجته فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز
ولا يصح نكاح أختها ما لم تنقض عدتها، وإن كان بائنا جاز له نكاح
أختها في الحال نعم لو كانت متمتعا بها وانقضت مدتها أو وهبها لا يجوز
على الأحوط لو لم يكن الأقوى نكاح أختها قبل انقضاء العدة وإن
كانت بائنة.
مسألة 20 - ذهب بعض الأخباريين إلى حرمة الجمع بين الفاطميتين
في النكاح، والحق جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى.
مسألة 21 - لو زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، ولا يجب
على زوجها أن يطلقها وإن كانت مصرة على ذلك.
مسألة 22 - من زنى بذات بعل دواما أو متعة حرمت عليه أبدا،
سواء كانت مسلمة أم لا، مدخولا بها كانت من زوجه أم لا، فلا يجوز
نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق ونحوه، ولا فرق على
الظاهر بين أن يكون الزاني عالما بأنها ذات بعل أو لا، ولو كان مكرها
على الزنا ففي لحوق الحكم إشكال.
مسألة 23 - لو زنى بامرأة في العدة الرجعية حرمت أبدا كذات
البعل دون البائنة ومن في عدة الوفاة، ولو علم بأنها كانت في العدة
ولم يعلم بأنها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة، نعم لو علم بكونها في عدة
رجعية وشك في انقضائها فالظاهر الحرمة.
مسألة 24 - من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة حرمت عليه
أبدا أم الغلام وإن علت وبنته وإن نزلت وأخته، من غير فرق بين كونهما
صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، ولا تحرم على المفعول أم الفاعل وبنته
وأخته على الأقوى، والأم والبنت والأخت الرضاعيات للمفعول
كالنسبيات.
281

مسألة 25 - إنما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا كان سابقا
وأما الطارئ على التزويج فلا يوجبها ولا بطلان النكاح، ولا ينبغي ترك
الاحتياط.
مسألة 26 - لو شك في تحقق الايقاب حينما عبث بالغلام أو بعده
بنى على العدم.
القول في النكاح في العدة وتكميل العدد.
مسألة 1 - لا يجوز نكاح المرأة لا دائما ولا منقطعا إذا كانت في
عدة الغير،
رجعية كانت أو بائنة، عدة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم
أو منقطع أو من وطء شبهة، ولو تزوجها فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم
بأن علما بكونها في العدة وعلما بأنه لا يجوز النكاح فيها أو كان أحدهما عالما
بهما بطل النكاح وحرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أو لا، وكذا إن جهلا
بهما أو بأحدهما ودخل بها ولو دبرا، وأما لو لم يدخل بها بطل العقد ولكن
لم تحرم عليه أبدا، فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدة التي
كانت فيها.
مسألة 2 - لو وكل أحدا في تزويج امرأة له ولم يعين الزوجة فزوجه
امرأة ذات عدة لم تحرم عليه وإن علم الوكيل بكونها في العدة، وإنما تحرم
عليه مع الدخول، وأما لو عين الزوجة فإن كان الموكل عالما بالحكم
والموضوع حرمت عليه ولو كان الوكيل جاهلا بهما، بخلاف العكس
فالمدار على الموكل وجهله لا الوكيل.
مسألة 3 - لا يلحق بالتزويج في العدة وطء الشبهة أو الزنا بالمعتدة،
فلو وطأ شبهة أو زنى بالمرأة في حال عدتها لم يؤثر في الحرمة الأبدية أية
282

عدة كانت إلا العدة الرجعية إذا زنى بها فيها، فإنه يوجب الحرمة كما مر.
مسألة 4 - لو كانت المرأة في عدة الرجل جاز له العقد عليها في
الحال، ولا ينتظر القضاء العدة إلا في موارد لموانع طارئة كالطلاق الثالث
المحتاج إلى المحلل، والتاسع المحرم أبدا، وفيما إذا كانت معتدة له بالعدة
الرجعية يبطل العقد عليها أيضا، لكونها بمنزلة زوجته، فلو كانت
عنده
متعة وأراد أن يجعل عقدها دواما جاز أن يهب مدتها ويعقد عليها دواما
في الحال، بخلاف ما إذا كانت عند زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة
فطلقها لذلك طلاقها غير بائن، فإنه لا يجوز له ايقاع عقد الانقطاع عليها إلا
بعد خروجها عن العدة.
مسألة 5 - هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط للحرمة الأبدية في
صورة الجهل أن يكون في العدة أو يكفي وقوع العقد فيها وإن كان الدخول
واقعا بعد انقضائها؟ قولان أحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوة.
مسألة 6 - لو شك في أنها معتدة أم لا حكم بالعدم وجاز له تزويجها
ولا يجب عليه الفحص عن حالها، وكذا لو شك في انقضاء عدتها وأخبرت
هي بالانقضاء، فتصدق وجاز تزويجها.
مسألة 7 - لو علم أن التزويج كان في العدة مع الجهل موضوعا أو حكما
ولكن شك في أنه دخل بها حتى تحرم عليه أبدا أو لا بنى على عدمه
فلم تحرم عليه، وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شك في أن أحدهما قد كان
عالما أو لا بنى على عدمه، فلا يحكم بالحرمة الأبدية.
مسألة 8 - يلحق بالتزويج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية
التزويج بذات البعل، فلو تزويجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت عليه
أبدا سواء دخل بها أوم لا، ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم عليه إلا مع
الدخول بها.
283

مسألة 9 - لو تزوج بامرأة عليها عدة ولم تشرع فيها لعدم تحقق
مبدئها كما إذا تزوج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر فإن مبدأ عدتها من
حين بلوغه، فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا؟ قولان، أحوطهما الأول
وأرجحهما الثاني.
مسألة 10 - من كانت عنده أربع زوجات دائميات تحرم عليه
الخامسة دائمة، وأما المنقطعة فيجوز الجمع بما شاء خاصة أو مع دائميات
مسألة 11 - لو كانت عنده أربع فماتت إحداهن يجوز له تزويج
أخرى في الحال، وكذا لو فارق إحداهن بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق
البائن، وأولى بذلك ما إذا لم تكن لها عدة كغير المدخول بها واليائسة،
وأما إذا طلقها بالطلاق الرجعي فلا يجوز له تزويج أخرى إلا بعد انقضاء
عدة الأولى.
مسألة 12 - لو طلق الرجل زوجته الحرة ثلاث طلقات لم يتخلل
بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه، ولا يجوز له نكاحها حتى تنكح
زوجا غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق، ولو طلقها تسعا للعدة
بتخلل محللين في البين بأن نكحت بغير المطلق بعد الثلاثة الأولى والثانية
حرمت عليه أبدا، وكيفية وقوع تسع طلقات للعدة أن يطلقها بالشرائط
ثم يراجعها في العدة ويطأها، ثم يطلقها في طهر آخر ثم يراجعها ثم يطأ
ثم يطلقها الثالثة، ثم ينكحها بعد عدتها زوج آخر ثم يفارقها بعد أن
يطأها، ثم يتزوجها الأول بعد عدتها، ثم يوقع عليها ثلاث طلقات مثل
ما أوقع أولا ثم ينكحها آخر ويطأها ويفارقها ويتزوجها الأول، ويوقع
عليها ثلاث طلقات أخرى مثل السابقات إلى أن يكمل تسعا تخلل بينهما
نكاح رجلين، فتحرم عليه في التاسعة أبدا.
284

القول في الكفر
لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواما وانقطاعا، سواء كان
أصليا حربيا أو كتابيا أو كان مرتدا عن فطرة أو عن ملة، وكذا
لا يجوز للمسلم تزويج غير الكتابية من أصناف الكفار ولا المرتدة عن
فطرة أو عن ملة، وأما الكتابية من اليهودية والنصرانية ففيه أقوال،
أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المنقطع، وقيل بالمنع مطلقا،
وقيل بالجواز كذلك، والأقوى الجواز في المنقطع، وأما في الدائم
فالأحوط المنع.
مسألة 1 - الأقوى حرمة نكاح المجوسية، وأما الصائبة ففيها إشكال
حيث إنه لم يتحقق عندنا إلى الآن حيقيقة دينهم، فإن تحقق أنهم طائفة
من النصارى كما قيل كانوا بحكمهم.
مسألة 2 - العقد الواقع بين الكفار لو وقع صحيحا عندهم وعلى
طبق مذهبهم يترتب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيين
أو وثنيين أو مختلفين، حتى أنه لو أسلما معا دفعة أقرا على نكاحهما الأول
ولم يحتج إلى عقد جديد، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضا في بعض الصور
الآتية، نعم لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي الفساد ابتداء واستدامة
كنكاح إحدى المحرمات عينا أو جمعا جرى عليه بعد الاسلام حكم الاسلام
مسألة 3 - لو أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأول، سواء
كان كتابيا أو وثنيا، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده، وإذا
أسلم زوج الوثنية وثنيا كان أو كتابيا فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح
في الحال، وإن كان بعده يفرق بينهما وينتظر انقضاء العدة، فإن أسلمت
285

الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، وإلا انفسخ النكاح بمعنى أنه يتبين
انفساخه من حين إسلام الزوج.
مسألة 4 - لو أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي وثنية كانت أو كتابية
فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده وقف
على انقضاء العدة لكن يفرق بينهما، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته،
وإلا بان أنها بانت منع حين إسلامها.
مسألة 5 - لو ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا دفعة قبل الدخول
وقع الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، وكذا
بعد الدخول إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة، وأما إن كان
ارتداده عن ملة أو كان الارتداد من الزوجة مطلقا وقف الفسخ على انقضاء
العدة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، وإلا انكشف
إنها بانت منه عند الارتداد.
مسألة 6 - العدة في ارتداد الزوج عن فطرة كالوفاة، وفي غيره
كالطلاق.
مسألة 7 - لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل
البيت عليهم السلام، ولا الغالي المعتقد بألوهيتهم أو نبوتهم، وكذا
لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية، لأنهما بحكم الكفار وإن انتحلا
دين الاسلام.
مسألة 8 - لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة،
وأما نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف، والجواز مع الكراهة
لا يخلو من قوة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن.
مسألة 9 - لا يشترط في صحة النكاح تمكن الزوج من النفقة، نعم
لو زوج الصغيرة وليها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها، فلها الرد،
286

لأن فيه المفسد إلا إذا زوحمت بمصلحة غالبة عليها.
مسألة 10 - لو كان الزوج متمكنا من النفقة حين العقد ثم تجدد
العجز عنها بعد ذلك لم يكن للزوجة المذكورة التسلط على الفسخ لا بنفسها
ولا بوسيلة الحاكم على الأقوى، نعم لو كان ممتنعا عن الانفاق مع اليسار
ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بالانفاق أو الطلاق، فإذا امتنع عنهما
ولم يمكن الانفاق من ماله ولا إجباره بالطلاق فالظاهر أن للحاكم أن يطلقها
إن أرادت الطلاق.
مسألة 11 - لا إشكال في جواز تزويج العربية بالعجمي والهاشمية
بغير الهاشمي وبالعكس، وكذا ذوات البيوتات الشريفة بأرباب الصنائع
الدنية كالكناس والحجام ونحوهما، لأن المسلم كفو المسلم والمؤمن كفو
المؤمنة والمؤمنون بعضهم أكفاء بعض كما في الخبر، نعم يكره التزويج
بالفاسق خصوصا شارب الخمر والزاني كما مر.
مسألة 12 - مما يوجب الحرمة الأبدية التزويج حال الاحرام دواما
أو انقطاعا، سواء كانت المرأة محرمة أو محلة، وسواء كان إيقاع التزويج له
بالمباشرة أو بالتوكيل، محرما كان الوكيل أو محلا، كان الوكيل قبل
الاحرام أو حاله، هذا مع العلم بالحرمة، وأما مع جهله بها وإن بطل
النكاح في جيع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية.
مسألة 13 - لا فرق فيما ذكر من التحريم مع العلم والبطلان مع الجهل
بين أن يكون الاحرام لحج واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة
ولا بين أن يكون حجة وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره.
مسألة 14 - لو كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة وكان الزوج محلا
فهل يوجب نكاحها الحرمة الأبدية بينهما؟ قولان، أحوطهما ذلك،
بل لا يخلو من قوة.
287

مسألة 15 - يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعية من
غير فرق بين المطلقة تبرعا أو المختلعة إذا رجعت في البذل، وكذا يجوز
أن يوكل محلا في أن يزوج له بعد إحلاله، بل وكذا أن يوكل محرما في
أن يزوج له بعد إحلالهما.
مسألة 16 - ومن أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه
بأن يرميها بالزنا ويدعي المشاهدة بلا بينة، أو ينفي ولدها الجامع لشرائط
الالحاق به وتنكر ذلك ورفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة بالكيفية
الخاصة، فإذا تلاعنا سقط عنه القذف وعنها حد الزنا، وانتفى الولد
عنه وحرمت عليه مؤبدا.
مسألة 17 - نكاح الشغار باطل، وهو أن تتزوج امرأتان برجلين
على أن يكون مهر كل واحد منهما نكاح الأخرى، ولا يكون بينهما مهر
غير النكاحين، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: زوجتك بنتي أو أختي
على أن تزوجني بنتك أو أختك، ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى،
ويقول الآخر: قبلت وزوجتك بنتي أو أختي هكذا، وأما لو زوج
إحداهما الآخر بمهر معلوم وشرط عليه أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم فيصح
العقدان وكذا لو شرط أن يزوجه الأخرى ولم يذكر المهر أصلا مثل أن
يقول: " زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك " فقال: " قبلك وزوجتك بنتي " فإنه
يصح العقدان ويستحق كل منهما مهر المثل.
القول في النكاح المنقطع
ويقال له: المتعة والنكاح المؤجل.
مسألة 1 - النكاح المنقطع كالدائم في أنه يحتاج إلى عقد مشتمل على
288

إيجاب وقبول لفظيين وأنه لا يكفي فيه مجرد الرضا القلبي من الطرفين
ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة، وفي غير ذلك كما فصل ذلك كله.
مسألة 2 - ألفاظ الايجاب في هذا العقد " متعت " و " زوجت "
و " أنكحت " أيها حصلت وقع الايجاب به، ولا ينعقد بمثل التمليك
والهبة والإجارة، والقبول كل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك كقوله:
" قبلت المتعة " أو "... التزويج " وكفى " قبلت " و " رضيت "
ولو بدأ بالقبول فقال: " تزوجتك " فقال: " زوجتك نفسي " صح.
مسألة 3 - لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، وكذا
لا يجوز تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار ولا بالمرتدة ولا بالناصبة
المعلنة بالعداوة كالخارجية.
مسألة 4 - لا يتمتع على العمة بينت أخيها، ولا على الخالة ببنت
أختها إلا بإذنهما أو إجازتهما، وكذا لا يجمع بين الأختين.
مسألة 5 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو أخل به بطل،
ويعتبر فيه أن يكون مما يتمول، سواء كان عينا خارجيا أو كليا في الذمة
أو منفعة أو عملا صالحا للعوضية أو حقا من الحقوق المالية كحق التحجير
ونحوه، وأن يكون معلوما بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون والعد
في المعدود أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة، ويتقدر بالمراضاة
قل أو كثر.
مسألة 6 - تملك المتمتعة المهر بالعقد، فيلزم على الزوج دفعة إليها
بعده لو طلبته وإن كان استقراره بالتمام مراعى بالدخول ووفائها بالتمكين
في تمام المدة، فلو وهبها المدة فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر
وإن كان بعده لزمه الجميع، وإن مضت من المدة ساعة وبقيت منها شهور
أو أعوام فلا يقسط المهر على ما مضى منها وما بقي، نعم لو لم يهب المدة
289

ولكنها لم تف بها ولم تمكنه من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر
بنسبتها، إن نصفا فنصف، وإن ثلثا فثلث وهكذا ما عدا أيام حيضها،
فلا ينقص لها شئ من المهر، وفي إلحاق سائر الأعذار كالمرض المدنف
ونحوه بها أو عدمه وجهان بل قولان، ولا يترك الاحتياط بالتصالح.
مسألة 7 - لو وقع العقد ولم يدخل بها مع تمكينها حتى انقضت
المدة استقر عليه تمام المهر.
مسألة 8 - لو تبين فساد العقد بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت
زوجته أو أمها مثلا ولم يدخل بها فلا مهر لها، ولو قبضته كان له
استعادته، بل لو تلف كان عليها بدله، وكذا إن دخل بها وكانت عالمة
بالفساد، وأما إن كانت جاهلة فلها مهر المثل، فإن كان ما أخذت أزيد
منه استعاد الزائد، وإن كان أقل أكمله.
مسألة 9 - يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل، فلو لم يذكره
متعمدا أو نسيانا بطل متعة وانعقد دائما، وتقدير الأجل إليهما طال أو
قصر، ولا بد أن يكون معينا بالزمان محروسا من الزيادة والنقصان،
ولو قدره بالمرة أو المرتين من دون أن يقدره بزمان بطل متعة وانعقد دائما
على إشكال، والأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد، وأحوط
منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدة المقدرة بالمرة أو المرتين أو هبتها.
مسألة 10 - لو قالت زوجتك نفسي إلى شهر أو شهرا مثلا وأطلقت
اقتضى الاتصال بالعقد، وهل يجوز أن تجعل المدة منفصلة عنه بأن يعين
المدة شهرا مثلا ويجعل مبدؤه بعد شهر من حين العقد أم لا؟ قولان.
أحوطهما الثاني.
مسألة 11 - لا يصح تجديد العقد عليها دائما أو منقطعا قبل انقضاء
الأجل أو بذل المدة، فلو كانت المدة شهرا وأراد الازدياد لا بد أن يهبها
290

ثم يعقد عليها.
مسألة 12 - يجوز أن يشترط عليها وعليه الاتيان ليلا أو نهارا،
وأن يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان.
مسألة 13 - يجوز العزل من دون إذنهما في المنقطع وإن قلنا بعدم
جوازه في الدائم، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل، لاحتمال
سبق المني من غير تنبه منه، ولو نفاه عن نفسه انتفي ظاهرا ولم يفتقر إلى
اللعان إن لم يعلم أن نفيه كان عن إثم من احتمال كون الولد منه، وعلى
أي حال لا يجوز له النفس بينه وبين الله إلا مع العلم بالانتفاء.
مسألة 14 - لا يقع عليها طلاق، وإنما تبين بانقضاء المدة أو هبتها،
ولا رجوع له بعد ذلك.
مسألة 15 - لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين، فلو شرطا
التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال، فلا يترك الاحتياط بترك
هذا الشرط، ومعه لا يترك بالتصالح.
مسألة 16 - لو انقضى أجلها أو وهب مدتها قبل الدخول فلا عدة
عليها، وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدة، وهي
على الأشهر الأظهر حيضتان، وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض
فعدتها خمسة وأربعون يوما، والظاهر اعتبار حيضتين تامتين، فلو انقضى
الأجل أو وهب المدة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها، بل
لا بد من حيضتين تامتين بعد ذلك، هذا فيما إذا كانت حائلا، ولو كانت
حاملا فعدتها إلى أن تضع حملها كالمطلقة على إشكال، فالأحوط مراعاة
أبعد الأجلين من وضع الحمل ومن انقضاء خمسة وأربعين يوما أو حيضتين
وأما عدتها من الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا وأبعد
الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملا كالدائمة.
291

مسألة 17 - يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة، ولسؤال
عن حالها قبل التزويج وأنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا، وأما بعده
فمكروه، وليس السؤال والفحص عن حالها شرطا في الصحة.
مسألة 18 - يجوز التمتع بالزانية على كراهية خصوصا لو كانت من
العواهر والمشهورات بالزنا، وإن فعل فليمنعها من الفجور.
القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ والتدليس
وهي قسمان: مشترك ومختص، أما المشترك فهو الجنون، وهو
اختلال العقل، وليس منه الاغماء، ومرض الصرع الموجب لعروض
الحالة المعهودة في بعض الأوقات، وللكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون
صاحبه في الرجل مطلقا سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به
أو حدث بعده قبل الوطء أو بعده، نعم في الحادث بعد العقد إذا
لم يبلغ حدا لا يعرف أوقات الصلاة تأمل وإشكال، فلا يترك الاحتياط،
وأما في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل دون ما إذا طرأ
بعده. ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع
العقد حال إفاقته، كما أن الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم
والمنقطع.
وأما المختص فالمختص بالرجل ثلاثة: الخصاء، وهو سل الخصيتين
أو رضهما، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به.
والجب، وهو قطع الذكر بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطء
ولو قدر الحشفة، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقا على العقد، وأما
اللاحق به ففيه تأمل، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقا سواء
292

كان قبل الوطء أو بعده.
والعنن، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز
عن الايلاج، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوطء مطلقا، فلو لم يقدر
على وطئها وقدر على وطء غيرها لا خيار لها، ويثبت به الخيار سواء سبق
العقد أو تجدد بعده، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرة حتى
دبرا، فلو وطأها ثم حدثت به العنة بحيث لم يقدر على الوطء بالمرة
فلا خيار لها.
والمختص بالمرأة ستة: البرص والجذام والافضاء، وقد مر تفسيره
فيما سبق، والقرن، ويقال له العفل، وهو لحم أو غدة أو عظم ينبت
في فم الرحم يمنع عن الوطء، بل ولو لم يمنع إذا كان موجبا للتنفر والانقباض
على الأظهر، والعرج البين وإن لم يبلغ حد الاقعاد، والزمانة على الأظهر
والعمى، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين، ولا اعتبار
بالعور ولا بالعشا، وهي علة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار،
ولا بالعمش، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات.
مسألة 1 - إنما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبين وجودها قبل العقد
، وأما ما يتجدد بعده فلا اعتبار به سواء كان قبل الوطء أو بعده
مسألة 2 - ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار لا من طرف
الرجل ولا من طرف المرأة.
مسألة 3 - ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة
على الأقوى.
مسألة 4 - خيار الفسخ في كل من الرجل والمرأة على الفور، فلو
علم كل منهما بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد، نعم الظاهر أن الجهل
بالخيار بل والفورية عذر، فلا يسقط مع الجهل بأحدهما لو لم يبادر.
293

مسألة 5 - إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن
لم تكن لمدعيه بينة ويثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى، كما أنه
يثبت كل عيب باقرار صاحبه أو البينة على إقراره، وكذا يثبت باليمين
المردودة على المدعي، ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردها ردها الحاكم
على المدعي، فإن حلف يثبت به، وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة
أربع نسوة عادلات كما في نظائرها.
مسألة 6 - لو ثبت عنن الرجل فإن صبرت فلا كلام، وإن لم تصبر
ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجلها سنة كاملة
من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدة فلا خيار
لها، وإلا كان لها الفسخ فورا عرفيا فإن لم تبادر به فإن كان بسبب
جهلها بالخيار أو فوريته لم يضر كما مر، وإلا سقط خيارها، وكذا إن
رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الفسخ بعد ذلك، فإنه ليس لها ذلك.
مسألة 7 - الفسخ بالعيب ليس بطلان، سواء وقع من الزوج
أو الزوجة، فليس له أحكامه إلا تنصيف المهر في الفسخ بالعنن كما
يأتي، ولا يعتبر فيه شروطه، فلا يحسب من الثلاثة المحرمة المحتاجة إلى
المحلل، ولا يعتبر فيه الخلو من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين.
مسألة 8 - يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة من دون إذن الحاكم
وكذا المرأة بعيب الرجل، نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم، لكن من
جهة ضرب الأجل حيث إنه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها، فبعد
ما ضرب الأجل لها كان لها التفرد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطء في
المدة من دون مراجعته.
مسألة 9 - لو فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة فإن كان قبل الدخول
فلا مهر لها، وإن كان بعده استقر عليه المهر المسمى، وكذا الحال فيما
294

إذا فسخت المرأة بعيب الرجل، فتستحق تمم المهر إن كان بعده، وإن
كان قبله لم تستحق شيئا إلا في العنن، فإنها تستحق عليه نصف المهر
المسمى.
مسألة 10 - لو دلست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها
الموجبة للخيار وتبين له بعد الدخول فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر،
وإن اختار الفسخ لم تستحق المهر، وإن دفعة إليها استعادة، وإن كان
المدلس غير الزوجة فلا مهر المسمى وإن استقر على الزوج بالدخول واستحقت
عليه الزوجة إلا أنه بعد ما دفعه إليها يرجع به إلى المدلس ويأخذه منه.
مسألة 11 - يتحقق التدليس بتوصيف المرأة بالصحة عند الزوج
للتزويج بحيث صار ذلك سببا لغروره وانخداعه، فلا يتحقق بالاخبار
لا للتزويج أو لغير الزوج، والظاهر تحققه أيضا بالسكوت عن العيب
مع العلم به وخفائه عن الزوج واعتقاده بالعدم.
مسألة 12 - من يكون تدليسه موجبا للرجوع عليه بالمهر هو الذي
يسند إليه التزويج: من وليها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدها وأمها وأخيها
الكبير وعمها وخالها ممن لا تصدر إلا عن رأيهم ويتصدق تزويجها ويرجع
إليهم فيه في العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب ممن له
شدة علاقة وارتباط بها بحيث لا تصدر إلا عن رأيه، ويكون هو المرجع
في أمورها المهمة ويركن إليه فيما يتعلق بها، بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر
من يراود عند الطرفين ويعالج في إيجاد وسائل الائتلاف في البين.
مسألة 13 - كما يتحقق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون
والعمى وغيرهما كذلك يتحقق في متحقق النقص كالعور ونحوه باخفائه،
وكذا في صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها
بتوصيفها به مع فقدانها، ولا أثر للأول أي التدليس في العيوب الموجبة
295

للخيار إلا رجوع على المدلس بالمهر كما مر، وأما الخيار فإنما هو
بسبب نفس وجود العيب، وأما الثاني وهو التدليس في سائر أنواع النقص
وفي صفة الكمال فهو موجب للخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة
الكمال مذكورين في العقد بنحو الاشتراط، ويلحق به توصيفها به في العقد
وإن لم يكن بعبارة الاشتراط، كما إذا قال: زوجتك هذه الباكرة أو غيره
الثيبة، بل الظاهر أنه إذا وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد
عند الخطبة والمقاولة ثم أوقعه مبنيا على ما ذكر كان بمنزلة الاشتراط،
فيوجب الخيار، وإذا تبين ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع
المهر رجع به على المدلس.
مسألة 14 - ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو وليها
عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة للخيار
وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها.
مسألة 15 - لو تزوجي امرأة على أنها بكر بأحد الوجوه الثلاثة
المتقدمة فوجودها ثيبا لم يكن له الفسخ إلا إذا ثبت بالاقرار أو البينة سبق
ذلك على العقد، فكان له الفسخ، نعم لو تزوجها باعتقاد البكارة
ولم يكن اشتراط ولا توصيف وإخباره وبناء على ثبوتها فبان خلافها ليس له
الفسخ وإن ثبت زوالها قبل العقد.
مسألة 16 - لو فسخ في الفرض المتقدم حيث كان له الفسخ فإن
كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده استقر المهر ورجع به على
المدلس، وإن كانت هي المدلس لم تستحق شيئا، وإن لم يكن تدليس
استقر عليه المهر ولا رجوع له على أحد، وإذا اختار البقاء أو لم يكن له
الفسخ كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط وتوصيف وبناء كان له
أن ينقص من مهرها شيئا، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكرا وثيبا،
296

فإذا كان المهر المسمى مأة وكان مهر مثلها بكرا ثمانين وثيبا ستين ينقص
من المأة ربعها، والأحوط في صورة العلم يتجدد زوالها أو احتماله التصالح
وإن كان التنقيص بما ذكر لا يخلو من وجه.
فصل في المهر
ويقال له: الصداق
مسألة 1 - كل ما يملكه المسلم يصح جعله مهرا عينا كان أو دينا
أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان، ويصح جعله من منفعة
الحر كتعليم صنعة ونحوه من كل عمل محلل، بل الظاهر صحة جعله حقا
ماليا قابلا للنقل والانتقال كحق التحجير ونحوه، ولا يتقدر بقدر،
بل ما تراضي عليه الزوجان كثيرا كان أو قليلا ما لم يخرج بسبب القلة
عن المالية، نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة، وهو
خمسمأة درهم.
مسألة 2 - لو جعل المهر ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير صح
العقد وبطل المهر، فلم تملك شيئا بالعقد، وإنما تستحق مهر المثل بالدخول
نعم فيما إذا كان الزوج غير مسلم تفصيل.
مسألة 3 - لا بد من تعيين المهر بما يخرج عن الابهام، فلو أمهرها
أحد هذين أو خياطة أحد الثوبين مثلا بطل المهر دون العقد، وكان لها
مع الدخول مهر المثل، نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه
مع المعاوضات، فيكفي مشاهدة الحاضر وإن جهل كيله أو وزنه أو عده
أو ذرعه كصبرة من الطعام وقطعة من الذهب وطاقة مشاهدة من الثوب
وصبرة حاضرة من الجوز وأمثال ذلك.
297

مسألة 4 - ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد الدائم، فلو عقد
عليها ولم يذكر لها مهرا أصلا صح العقد، بل لو صرح بعدم المهر
صح، ويقال لذلك أي لايقاع العقد بلا مهر: تفويض البضع، وللمرأة
التي لم يذكر في عقدها مهر: مفوضة البضع.
مسألة 5 - لو وقع العقد بلا مهر لم تستحق المرأة قبل الدخول
شيئا إلا إذا طلقها، فتستحق عليه أن يعطيها شيئا بحسب حاله من الغنى
والفقر واليسار والاعسار من دينار أو درهم أو ثوب أو دابة أو غيرها،
ويقال لذلك الشئ: المتعة، ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق
لم تستحق شيئا، وكذا لو مات أحدهما قبله، وأما لو دخل بها استحقت
عليه بسببه مهر أمثالها.
مسألة 6 - الأحوط في مهر المثل هنا التصالح فيما زاد عن مهر
السنة، وفي غير المورد مما نحكم بمهر المثل ملاحة حال المرأة وصفاتها
من السن والبكارة والنجابة والعفة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال
وأضدادها، بل يلاحظ كل ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر
ونقصانه فتلاحظ أقاربها وعشيرة وبلدها وغير ذلك أيضا.
مسألة 7 - لو أمهر ما لا يملكه أحد كالحر أو ما لا يملكه المسلم
كالخمر والخنزير صح العقد وبطل المهر واستحقت عليه مهر المثل بالدخول
، وكذلك الحال فيما إذا جعل المهر شيئا باعتقاد كونه خلا فبان خمرا أو جعل
ما الغير باعتقاد كونه ماله فبان خلافه.
مسألة 8 - لو شرك أباها في المهر بأن سمى لها مهرا ولأبيها شيئا
معينا يعين ما سمى لها مهرا لها وسقط ما سمى لأبيها، فلا يستحق الأب شيئا.
مسألة 9 - ما تعارف في بعض البلاد من أنه يأخذ بعض أقارب
البنت كأبيها وأمها من الزوج شيئا - وهو المسمى في لسان بعض ب " شير بها "
298

وفي لسان بعض آخر بشئ آخر - ليس بعنوان المهر وجزء منه، بل هو شئ
يؤخذ زائدا على المهر، وحكمه أنه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة
لعمل مباح فلا إشكال في جوازه وحليته، بل وفي استحقاق العامل له وعدم
سلطنة الزوج على استرجاعه بعد إعطائه، وإن لم يكن بعنوان الجعالة فإن
كان إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطرة
وتحبيبه وإرضائه حيث إن رضاه في نفسه مقصود أو من جهة أن رضا
البنت منوط برضاه فبملاحظة هذه الجهات يطيب خاطر الزوج ببذل المال
فالظاهر جواز أخذه، لكن يجوز للزوج استرجاعه ما دام موجودا، وأما
مع عدم الرضاع من الزوج وإنما إعطاء من جهة استخلاص البنت حيث
إن القريب مانع عن تمشية الأمر مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر
فيحرم أخذه وأكله، ويجوز للزوج الرجوع فيه وإن كان تالفا.
مسألة 10 - لو وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعده على شئ
سواء كان بقدر مهر المثل أو أقل منه أو أكثر، ويتعين ذلك مهرا وكان
كالمذكور في العقد.
مسألة 11 - يجوز أن يجعل المهر كله حالا أي بلا أجل - ومؤجلا
وأن يجعل بعضه حالا وبعضه مؤجلا، وللزوجة مطالبة الحال في كل حال
بشرط مقدرة الزوج واليسار، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها
حتى الامتناع فيما لو كان كله أو بعضه موجلا وقد أخذت بعضه الحال.
مسألة 12 - يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ويفوض
تقديره وتعيينه إلى أحد الزوجين بأن تقول الزوجية مثلا: " زوجتك على ما تحكم
- أو أحكم - من المهر " فقال: " قبلت " فإن كان الحاكم الزوج جاز أن يحكم
بما شاء ولم يتقدر في الكثرة والقلة ما دام متمولا، وإن كان الزوجة كان
299

لها الحكم في طرف القلة بما شاءت ما دام متمولا، وأما في طرف الكثرة
فلا يمضي حكمها فيما زاد على مهر السنة، وهو خمسمائة درهم.
مسألة 13 - لو طلق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمى وبقي
نصفه، فإن كان دينا عليه ولم يكن قد دفعه برأت ذمته من النصف
وإن كان عينا صارت مشتركة بينه وبينها، ولو كان دفعه إليها استعاد
نصفه إن كان باقيا، وإن كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا
ونصف قيمته إن كان قيميا، وفي حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم،
ومع النقل الجائز فالأحوط الرجوع ودفع نصف العين إن طالبها الزوج.
مسألة 14 - لو مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى تنصيف
المهر كالطلاق خصوصا في موت المرأة، والأحوط الأولى التصالح خصوصا
في موت الرجل.
مسألة 15 - تملك المرأة الصداق بنفس العقد وتستقر ملكية تمامه بالدخول
فإن طلقها قبله عاد إليه النصف وبقي لها النصف، فلها التصرف فيه بعد
العقد بأنواعه، وبعد ما طلقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه
العقد ولا يستحق من النماء السابق المنفصل شيئا.
مسألة 16 - لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثم طلقها قبل
الدخول رجع بنصفه عليها، وكذا لو كان الصداق عينا فوهبته إياها
رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها.
مسألة 17 - الدخول الذي يستقر به تمام المهر هو مطلق الوطء
ولو دبرا، وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلقها فادعت وقوع المواقعة
وأنكرها فالقول قوله بيمينه، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البينة
على العدم إن أمكن، كما إذا ادعت المواقعة قبلا وكانت بكرا وعنده
بينة على بقاء بكارتها.
300

مسألة 18 - لو اختلفا في أصل الهمر فادعت الزوجة وأنكر الزوج
فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه، وإن كان بعه كلفت بالتعيين
بل لا يبعد عدم سماع الدعوى منها ما لم تفسر، لوا يسمع منها مجرد قولها
لي عليه المهر ما لم تبين المقدار، فإن فسرت وعينت بما لا يزيد على مهر
المثل حكم لها عليه بما تدعيه، ولا يسمع منه إنكار أصل المهر، نعم لو
ادعى سقوطه إما بالأداء أو الابراء يسمع منه، فإن أقام البينة عليه ثبت
مدعاه، وإلا فله عليها اليمين، فإن حلفت على نفي الأداء أو الابراء ثبتت
دعواها وإن ردته على الزوج فحلف سقط دعواها، وإن نكل تثبت،
وإن نكلت رده الحاكم على الزوج، فإن حلف تسقط دعواها، وإن نكل
تثبت، هذا إذا كان ما تدعيه بمقدار مهر المثل أو أقل، وإن كان أكثر
كان عليها الاثبات، وإلا فلها على الزوج اليمين.
مسألة 19 - لو توافقا على أصل المهر واختلفا في مقدار كان القول
قول الزوج بيمينه إلا إذا أثبتت الزوجة بالموازين الشريعة، وكذا إذا
ادعت كون عين من الأعيان كدار أو بستان مهرا لها وأنكر الزوج، فإن
القول قوله بيمينه، وعليها البينة.
مسألة 20 - لو اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت: إنه معجل وقال:
بل مؤجل ولم يكن بينة كان القول قولها بيمينها، وكذا لو اختلفا في
زيادة الأجل كما إذا ادعت أنه سنة وقال: إنه سنتان.
مسألة 21 - وتوافقا على المهر وادعى تسلميه ولا بينة فالقول
قولها بيمينها.
مسألة 22 - لو دفع إليها قدر مهرها ثم اختلفا بعد ذلك فقالت:
دفعته هبة وقال: بل دفعته صداقا فلا يبعد التداعي، وتحتاج المسألة إلى
زيادة تأمل.
301

مسألة 23 - لو زوج ولده الصغير فإن كان للولد مال فالمهر على
الولد، وإن لم يكن له مال فالمهر على عهده الوالد، فلو مات الوالد أخرج
المهر من أصل تركته، سواء بلغ الولد وأيسر أم لا، نعم لو تبرأ من
ضمان العهدة في ضمن العقد برأ منه.
مسألة 24 - لو دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار
الولد ثم بلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر وكان له
دون الوالد.
خاتمة
في الشروط المذكورة في عقد النكاح
مسألة 1 - يجوز أن يشترط في ضمن عقد النكاح كل شرط سائغ،
ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود، لكن تخلفه أو
تعذره لا يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود، نعم لو كان
الشرط الالتزام بوجود صفة في أحد الزوجين مثل كون الزوجة باكرة أو
كون الزوج مؤمنا غير مخالف فتبين خلافه أوجب الخيار كما مرت
الإشارة إليه.
مسألة 2 - إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع مثل أو
لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت وإلى أين شاءت، أولا يعطي
حق ضرتها من المضاجعة ونحوها، وكذا لو شرط أن لا يتزوج عليها أو
لا يتسرى بطل الشرط وصح العقد والمهر وإن قلنا بأن الشرط الفاسد
يفسد العقد.
302

مسألة 3 - لو شرط أن لا يفتضها لزم الشرط، ولو أذنت بعد
ذلك جاز من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع.
مسألة 4 - لو شرط أن لا يخرجها من بلدها أو أن يسكنها في بلد
معلوم أو منزل مخصوص يلزم الشرط.
فصل في القسم والنشوز والشقاق
لكن واحد من الزوجين حق على صاحبه يجب عليه القيام به وإن كان
حق الزوج أعظم، ومن حقه عليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تخرج من
بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها حتى لعيادة والدها أو في عزائه، بل ورد
أن ليس لها أمر مع زوجها في صدقة ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذنه
إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها، وتفصيل ذلك كله
موكول إلى محله، وأما حقها عليه فهو أن يشبعها ويكسوها، وأن يغفر
لها إذا جهلت ولا يقبح لها وجها كما ورد في الأخبار، والتفصيل موكول
إلى محله.
مسألة 1 - من كانت له زوجة واحدة ليس لها عليه حق المبيت
عندها والمضاجعة معها في كل ليلة، بل ولا في كل أربع ليال ليلة على
الأقوى، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلقة لا هي ذات بعل
ولا مطلقة، نعم لها عليه حق المواقعة في كل أربعة أشهر مرة كما مر،
وإن كانت عنده أكثر من واحدة فإن بات عند إحداهن يجب عليه أن
يبيت عند غيرها أيضا، فإن كن أربع وبات عند إحداهن طاف على غيرها
لكل منهن ليلة، ولا يفضل بعضهن على بعض، وإن لم تكن أربع يجوز له
تفضيل بعضهن، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث
303

ليال والأخرى ليلة، وإن تك ثلاث فله أن يأتي إحداهن ليلتين والليلتان
الأخريان للأخريين، والمشهور أنه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها
في كل أربع ليلا ليلة وله ثلاث ليال، وإن كانت عنده زوجات متعددة
يجب عليه القسم بينهم في كل أبع ليلا، فإن كانت عنده أربع كانت
لكل منهم ليلة، فإذا تم الدور يجب عليه الابتداء بإحداهن وإتمام
الدور وهكذا، فليس له ليلة، بل جميع لياليه لزوجاته، وإن كانت له
زوجتان فلهما ليلتان في كل أربع وليلتان له، وإن كانت ثلاث فلهن ثلاث
والفاضل له، والعمل به أحوط خصوصا في أكثر من واحدة، والأقوى
ما تقدم خصوصا في الواحدة.
مسألة 2 - يختص وجوب المبيت والمضاجعة فيما قلنا به بالدائمة
فليس للمتمتع بها هذا الحق واحدة كانت أو متعددة.
مسألة 3 - في كل ليلة كان للمرأة حق المبيت يجوز لها أن ترفع اليد
عنه وتهبه للزوج ليصرف ليله فيما يشاء، وأن تهبه للضرة فيصير الحق لها.
مسألة 4 - تختص البكر أو عرسها بسبع ليال والثيب بثلاث يجوز
تفضيلهما بذلك على غيرهما، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه
القديمة.
مسألة 5 - لا قسمة للصغيرة ولا للمجنونة المطبقة ولا لذات الأدوار
حين دور جنونها ولا للناشزة، وتسقط القسمة وحق المضاجعة بالسفر،
وليس عليه القضاء.
مسألة 6 - لو شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأي منهن
وبعد ذلك بأي من البقية وهكذا وإن كان الأحوط الأولى التعيين بالقرعة
سيما ما عدا الأولى.
مسألة 7 - يستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات
304

إطلاق الوجه والمواقعة، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها،
وأن يأذن لها في حضور موت أبيها وأمها وإن كان له منعها عنه وعن
عيادتهما فضلا عن عيادة غيرهما، وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب.
القول في النشوز
وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها من عدم
تمكين نفسها وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها، بل وترك
التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا خروجها من بيته من دون
إذنه وغير ذلك، ولا يتحقق النشوز بترك طاعته فيما ليس بواجبة عليها،
فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع من الكنس
أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقق
النشوز.
مسألة 2 - لو ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان بسبب تغيير
عادتها معه في القول أو الفعل بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام لين
أو أن تظهر عبوسا وتقطبا في وجهه وتثاقلا ودمدمة بعد أن كانت على
خلاف ذلك وغير ذلك يعضها، فإن لم تسمع يتحقق النشوز بخروجها
عن طاعته فيما يرجع إلى الاستمتاع، فحينئذ جاز له هجرها في المضجع
إما بأن يحول إليها ظهره في الراش أو يعتزل عن فراشها، فإذا هجرها
ولم ترجع وأصرت عليه جاز له ضربها، ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها
فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلا تدرج إلى الأقوى
فالأقوى ما لم يكن مدميا ولا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها أن احمراره،
واللازم أن يكون ذلك بقصد الاصلاح لا التشفي والانتقام، ولو حصل
305

بالضرب جناية وجب الغرم.
مسألة 2 - كما يكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف
الزوج أيضا بتعديه عليها، وعدم القيام بحقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه
النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما فلها المطالبة بها ووعظها إياه،
فإن لم يؤثر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها، وليس لها هجره
ولا ضربه، وإذا اطلع الحاكم على نشوزه وتعديه نهاه عن فعل ما يحرم
عليه وأمره بفعل ما يجب، فإن نفع وإلا عز ره، بما يراه، وله أيضا
الانفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقف عليه.
مسألة 3 - لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة أو هم
بطلاقها لكراهته لها لكبر سنها أو غيره أو هم. بالتزويج عليها فبذلت له
مالا أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استماله له صح وحل له
ذلك، وأما لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم
وغير ذلك فبذلك مالا أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقها
أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها فتخلص من يده حرم عليه ما بذلت
وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى.
مسألة 4 - لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق
بينهما وأنجز أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين حكما من جانبه وحكما من جانبها
للاصطلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب
عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلة لحصول ذلك بينهما
ثم يسعيان في أمرهما، فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين
ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغا، كما لو شرطا على الزوج أن
يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو
لا يسكن معها أمه أو أخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها.
306

ضرتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال
إلى أجل، أو ترد عليه ما قبضته قرضا ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان
غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو نفقة أ و
رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك.
مسألة 5 - لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلا إذا
شرطا عليهما حين بعثهما بأنهم إن شاء جمعا وإن شاءا فرق، وحيث إن
التفريق لا يكون إلا بالطلاق فلا بد من وقوعه عند اجتماع شرائطه.
مسألة 6 - الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطريق
بأن يكون حكم من أهله وحكم من أهلها، فإن لم يكن لهما أهل أو
لم يكن أهلهما أهلا لهذا الأمر تعين من غيرهم، ولا يعتبر أن يكون
من جانب كل منهما حكم واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد تعين.
مسألة 7 - ينبغي للحكمين إخلاص النية وقصد الاصطلاح، فمن حسنت
نيته فيما تحراه أصلح الله مسعاه كما يرشد إلى ذلك قوله جل شأنه في هذا
المقام: " إن يريدا اصطلاحا يوفق الله بينهما ".
فصل في أحكام الأولاد والولادة
مسألة 1 - إنما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها بشروط: الدخول
مع الانزال أو الانزال في الفرج وحواليه، أو دخول منيه فيه بأي نحو
كان، وفي الدخول بلا إنزال إشكال، ومضي ستة أشهر أو أكثر من
حين الوطء إلى زمن الولادة، وأن لا تتجاوز عن أقصى مدة الحمل،
وفي كونه تسعة أشهر إشكال، بل الأرجح بالنظر أن يكون الأقصى
سنة، فلو لم يدخل بها أصلا ولم ينزل في فرجها أو حواليه بحيث يحتمل
307

الجذب ولم يدخل المني فيه بنحو من الأنحاء لم يلحق به قطعا، بل يجب
نفيه عنه، وكذا لو دخل بها وأنزل وجاءت بولد حي كامل لأقل من
ستة أشهر من حين الدخول ونحوه أو جاءت به وقد مضى من حين وطئه
ونحوه أزيد من أقصه الحمل، كما إذا اعتزلها أو غاب عنها أزيد منه
وولدت بعده.
مسألة 2 - إذا تحققت الشروط المتقدمة لحق الولد به، ولا يجوز له
نفيه وإن وطأها واطئ فجورا فضلا عما لو اتهمها به، ولا ينتفي عنه
لو نفاه إن كان العقد دائما إلا باللعان، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعا
وجاءت بولد أمكن إلحاقه به، فإنه وإن لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي
منه ظاهرا من غير لعان، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى
الولد النسب.
مسألة 3 - لا يجوز نفي الولد لأجل العزل، فلو نفاه لم ينتف
إلا باللعان.
مسألة 4 - الموطوءة بشبهة كما إذا وطأ أجنبية بظن أنها زوجته
يلحق ولدها بالوطئ بشرط أن تكون ولادته لستة أشهر من حين الوطء
أو أكثر، وأن لا يتجاوز عن أقصى الحمل، وبشرط أن لا تكون تحت
زوج مع إمكان التولد منه بشروطه.
مسألة 5 - لو اختلفا في الدخول الموجب لالحاق الولد وعدمه فادعته
المرأة ليلحق الولد به وأنكره أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادعى أنها
أتت به من خارج فالقول قوله بيمينه، ولو اتفقا في الدخول والولادة
واختلفا في المدة فادعى ولادتها لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى
الحمل وادعت خلافه فالقول قولها بيمينها، ويلحق الولد به ولا ينتفى عنه
إلا باللعان.
308

مسألة 6 - لو طلق زوجته المدخول بها فاعتدت وتزوجت ثم أتت
بولد فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأول كما إذا ولدته لدون
ستة أشهر من وطء الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من
وطء الأول فهو للأول، وتبين بطلان نكاح الثاني، لتبين وقوعه في العدة
وحرمت عليه مؤبدا لوطئه إياها، وإن انعكس الأمر بأن أمكن لحوقه
بالثاني دون الأول لحق بالثني، بأن ولدته لأزيد من أكثر الحمل من وطء
الأول ولأقل الحمل إلى الأقصى من وطء الثاني، وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما
بأن ولدته لأزيد من أقصى الحمل من وطء الأول ولدون ستة أشهر من
وطء الثاني انتفى منهما، وإن أمكن إلحاقه بهما فهو للثاني.
مسألة 7 - لو طلقها ثم بعد ذلك وطئت بشبهة ثم أتت بولد فهو
كالتزويج بعد العدة، فيجئ فيه الصور الأربعة المتقدمة حتى الصورة
الأخيرة، وهي ما إذا أمكن اللحوق بكل منهما، فإنه يلحق بالأخير
هنا أيضا.
مسألة 8 - لو كانت تحت زوج فوطأها شخص آخر بشبهة فأتت
بولد فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، وإن لم يمكن اللحوق بهما
انتفى عنهما، وإن أمكن لحوقه بكل منهما أقرع بينهما.
القول في أحكام الولادة وما يلحق بها
للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مندوبة نذكر
مهماتها.
مسألة 1 - يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين وضعها دون
الرجال إذا استلزم اطلاعهم على ما يحرم عليهم إلا مع عدم النساء ومست
309

الضرورة بذلك، نعم لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء.
مسألة 2 - يستحب غسل المولود عند وضعه مع الأمن من الضرر
والأذن في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بما الفرات وتربة
سيد الشهداء على السلام، وتسميته بالأسماء المستحسنة، فإن ذلك من حق
الولد على الوالد، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله جل شأنه كعبد الله
وعبد الرحيم وعبد الرحمان ونحوها، ويليها أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام
وأفضلها محمد، بل يكره ترك التسمية به إن ولد له أربعة أولاد، ويكره
أن يكنيه أبا القاسم إن كان اسمه محمد، ويستحب أن يحلق رأس الولد
يوم السابع، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويكره أن يحلق من
رأسه موضع ويترك موضع.
مسألة 3 - تستحب الوليمة عند الولادة، وهي إحدى الخمس التي
سن فيها الوليمة، كما أن إحداها عند الختان، ولا يعتبر إيقاع الأولى
يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل والظاهر أنه إن ختن
في اليوم السابع أو قبله فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدى السنتان.
مسألة 4 - يجب ختان الذكور، ويستحب إيقاعه في اليوم السابع،
ويجوز التأخير عنه، وإن تأخر إلى ما بعد البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه
حتى أن الكافر إذا أسلم غير مختون يجب عليه الختان وإن طعن في السن
ولا يجب على الولي أن يختن إلى زمان بلوغه، فإن بلغ بلا ختان
يجب على نفسه وإن كان الأحوط أن يختنه.
مسألة 5 - الختان واجب لنفسه، وشرط لصحة طوافه في حج أو
عمرة واجبين أو مندوبين، وليس شرطا في صحة الصلاة على الأقوى
فضلا عن سائر العبادات.
مسألة 6 - الأحوط في الختان قطع الغلاف بحيث يظهر تمام الحشفة
310

كما هو المتعارف، بل لا يخلو من قوة.
مسألة 7 - لا بأس بكون الختان كافرا حربيا أو ذميا، فلا يعتبر
فيه الاسلام.
مسألة 8 - لو ولد الصبي مختوما سقط الختان وإن استحب
إمرار
الموسى على المحل لإصابة السنة.
مسألة 9 - من المستحبات الأكيدة العقيقة للذكر والأنثى، ويستحب
أن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى، وأن تكون يوم السابع،
وإن تأخرت عنه لعذر أو لغير عذر لم تسقط، بل لو لم يعق عنه حتى بلغ
عق عن نفسه، بل لو لم يعق عن نفسه حال حياته يستحب أن يعق عنه
بعد موته، ولا بد أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم - ضأنا كان أو
معزا - والبقر والإبل، ولا يجزي عنها التصدق بثمنها، قيل: يستحب
أن تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب لا يكون
سنها أقل من خمس سنين كاملة في الإبل، وأقل من سنتين في البقر،
وأقل من سنة كاملة في المعز، وأقل من سبعة شهور في الضأن، وهو
لا يخلو من إشكال كما أن تعيين السنين بما ذكر لا يخلو بعضها من إشكال
ولا أمر سهل، ويستحب أن تخص القابلة بالرجل والورك والأفضل أن
يخصها بالربع، وإن جمع بين الربع والرجل والورك بأن أعطاها الربع الذي
هما فيه لا يبعد أن يكون عاملا بالاستحبابين، ولو لم تكن قابلة أعطى
الأم تتصدق به.
مسألة 10 - يتخير في العقيقة بين أن يفرقها لحما أو مطبوخا أو
تطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين، ولا أقل من عشرة، وإن زاد
فهو أفضل، ويأكلون منها ويدعون للولد، ولا بأس بطبخها على ما هو
المتعارف وقد يقال: الأفضل طبخها بماء وملح، وهو غير معلوم.
311

مسألة 11 - لا يجب على الأم إرضاع ولدها لا مجانا ولا بالأجرة
مع عدم الانحصار بها بها، بل ومع الانحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه
مع الأمن من الضرر عليه، كما أنه لا يجب عليها إرضاعه مجانا وإن انحصر
بها، بل لها المطالبة بأجرة الارضاع من مال الولد إن كان له مال، ومن
أبيه إن لم يكن له مال وكان الأب موسرا، نعم لو لم يكن للولد مال
ولم يكن الأب والجد وإن علا موسرين تعين على الأم إرضاعه مجانا، إما
بنفسها أو باستئجار مرضعة أخرى، أو بغيره من طرق الحفظ إن لم يكن
مضرا له، وتكن الأجرة أو النفقة عليها.
مسألة 12 - الأم أحق بارضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرعة
أو تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص، وأما لو طلبت زيادة أو أجرة ووجدت
متبرعة فللأب تسليمه إلى غيرها، والأحوط عدم سقوط حق الحضانة الثابت
للأم أيضا، لعدم التنافي بين سقوط حق الارضاع وثبوت حق الحضانة.
مسألة 13 - لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم ولم تكن
البينة على وجودها فالقول قولها بيمينها.
مسألة 14 - يستحب أن يكون رضاع الصبي بلبن أمه، فإنه أبرك
من غيره، إلا إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها من حيث شرافتها
وطيب لبنها وخباثة الأم.
مسألة 15 - كما الرضاع حولان كاملان أربع وعشرون شهرا،
ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور بأن يفطم على أحد وعشرين
شهرا، ولا يجوز أن ينقص عن ذلك مع الامكان ومن غير ضرورة.
مسألة 16 - الأم أحق بحضانة الولد وتربيته وما يتعلق بها من
مصلحة حفظه مدة الرضاع أي الحولين إذا كانت حرة مسلمة عاقلة،
ذكرا كان أو أنثى، سواء أرضعته هي بنفسها أو بغيرها، فلا يجوز للأب
أن يأخذه في هذه المدة منها وإن فطمته على الأحوط، فإذا انقضت مدة
312

الرضاع فالأب أحق بالذكر والأم بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها
ثم يكون الأب أحق بها، وإن فارق الأم بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ
سبع سنين لم يسقط حقها ما لم تتزوج بالغير، فلو تزوجت سقط حقها
عن الذكر والأنثى وكانت الحضانة للأب، ولو فارقها الثاني لا يبعد عود
حقها، والأحوط التصالح والتسالم.
مسألة 17 - لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت
الأم أحق بحضانة الولد - وإن كانت مزوجة ذكرا كان أو أنثى - من وصي
أبيه، وكذا من باقي أقاربه حتى أبي أبيه وأمه فضلا عن غيرهما، كما أنه
لو ماتت الأم في زمن حضانتها فالأب أحق بها من غيره، وإن فقد الأبوان
فهي لأب الأب، وإذا عدم ولم يكن وصي له ولا للأب فلأقارب الولد
على ترتيب مراتب الإرث، الأقرب منهم يمنع الأبعد، ومع التعدد والتساوي
في المرتبة والتشاح أقرح بينهم، وإذا وجد وصي لأحدهما ففي كون الأمر
كذلك أو كونها للوصي ثم إلى الأقارب وجهان لا يترك الاحتياط بالتصالح
والتسالم.
مسألة 18 - تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيدا، فإذا بلغ رشيدا
ليس لأحد حق الحضانة عليه حتى الأبوين، بل هو مالك لنفسه ذكرا
كان أو أنثى.
فصل في النفقات
إنما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية والقرابة والملك.
مسألة 1 - إنما نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة
فلا نفقة للمنقطعة، وأن تكون مطيعة له فيما يجب إطاعتها له، فلا نفقة
313

للناشزة، ولا فرق بين المسلمة والذمية.
مسألة 2 - لو نشزت ثم عادت إلى الطاعة لم تستحق النفقة حتى
تظهرها وعلم بها وانقضى زمان أمكن الوصول إليهما.
مسألة 3 - لو ارتدت سقطت النفقة، وإن عادت في العدة عادت.
مسألة 4 - الظاهر أنه لا نفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع
منها على زوجها، خصوصا إذا كان صغيرا غير قابل للتمتع والتلذذ، وكذا
للزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لأن يستمتع منها، نعم
لو كانت الزوجة مراهقة والزوج مراهقا أو كبيرا أو كان الزوج مراهقا
والزوجة كبيرة لم يبعد استحقاقها لها مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه
من التلذذ والاستمتاع منها.
مسألة 5 - لا تسقط نفقتها بعدم تمكينه من نفسها لعذر شرعي أو
عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك، وكذا
لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح
وكذا لو سافرت في واجب مضيق كالحج بغير إذنه، بل ولو
مع منعه ونهيه، بخلاف ما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح،
فإنه تسقط نفقتها، بل الأمر كذلك لو خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير
سفر فضلا عما كان له، لتحقق النشوز المسقط لها.
مسألة 6 - تثبت النفقة والسكنى لذات العدة الرجعية ما دامت في
العدة كما تثبت للزوجة من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا، ولو كانت
ناشزة وطلقت في خال نشوزها لم تثبت لها كالزوجة الناشزة، وإن رجعت
إلى التمكين وجبت النفقة على الأقرب، وأما ذات العدة البائنة فتسقط
نفقتها وسكناها، سواء كانت عن طلاق أو فسخ إلا إذا كانت عن طلاق
وكانت حاملا، فإنها تستحقهما حتى تضع حملها، ولا تلحق بها المنقطعة
314

الحامل الموهبة أو المنقضية مدتها، وكذا الحامل المتوفى عنها زوجها، فإنه
لا نفقة لها مدة حملها، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها على الأقوى.
مسألة 7 - لو ادعت المطلقة بائنا أنها حامل مستندة إلى وجود
الأمارات التي يستدل بها على الحمل عند النسوان فتصديقها بمجرد دعواها
محل اشكال، نعم لا يبعد قبول قول الثقة الخبيرة من القوابل قبل ظهور
الحمل من غير احتياج إلى شهادة أربع منهن أو اثنين من الرجال المحارم،
فحينئذ أنفق عليها يوما فيوما إلى أن يتبين الحال، فإن تبين الحمل
وإلا استعيدت منها ما صرف عليها، وفي جواز مطالبتها بكفيل قبل تبين
الحال وجهان بل قولان، أرجحهما الثاني إن قلنا بوجوب تصديقها،
وكذلك مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة.
مسألة 8 - لا تقدير للنفقة شرعا، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه
المرأة من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات
تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك.
فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها، وفي جنسه يرجع إلى
ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لزاجها وما تعودت به بحيث
تتضرر بتركه.
وأما الأدام فقدرا وجنسا كالطعام يراعى ما هو المتعارف لأمثالها في
بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتا لها حتى لو كانت عادة أمثالها أو
الموالم لمزاجها دوام اللحم مثلا وجب، وكذا لو اعتادت بشئ خاص
من الأدام بحيث تتضرر بتركه، بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده
لأمثالها من غير الطعام والإدام كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها، وأولى
بذلك المقدار اللازم من الفاكهة الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية
الحارة، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها.
315

وكذلك الحال في الكسوة، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها
وبلد سكناها والفصول التي تحتاج إليها شتاء وصيفا، صرورة شدة
الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك، بل لو كانت من
ذوات التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها.
وهكذا الفراش والغطاء، فإن لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج
إليها للنوم من لحاف ومخدة وما تنام عليها، ويرجع في قدرها وجنسها
ووصفها إلى ما ذكر في غيرها، وتستحق في الاسكان أن يسكنها دارا
تليق بها بحسب عادة أمثالها، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها، ولها
أن تطالبه بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها من دار
أو حجرة منفردة المرافق، إما بعارية أو إجارة أو ملك، ولو كانت من
أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها.
وأما الأخدام فإنما يجب إن كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي
الأخدام، وإلا خدمت نفسها، وإذا وجبت الخدمة فإن كانت من ذوات
الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص لا بد من
اختصاصها به، ولو بلغت حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدد الخادم
فلا يبعد وجوبه.
والأولى إيكال الأمر إلى العرف والعادة في جميع المذكورات، وكذا
في الآلات والأدوات المحتاج إليها، فهي أيضا تلاحظ ما هو المتعارف
لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي تسكن فيها.
مسألة 9 - الظاهر أنه من الانفاق الذي تستحقه الزوجة أجرة الحمام
عند الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها مما لم يتعارف
فيه الغسل والاغتسال في البيت أو يتعذر أو يتعذر أو يتعسر ذلك لها لبرد أو غيره،
ومنه أيضا الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها، وكذا الأدوية
316

المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلما يخلو
الشخص منها في الشهور والأعوام، نعم الظاهر أنه ليس منه الدواء
وما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتفاق
خصوصا إذا احتاج إلى بذل مال خطير، وهل يكون منه أجرة القصد
والحجامة عند الاحتياج إليهما؟ فيه تأمل وإشكال.
مسألة 10 - تملك الزوجية على الزوج نفقة كل يوم من الطعام والإدام
وغيرهما مما يصرف ولا يبقى عينه في صبيحته ملكا متزلزلا مراعى بحصول
تمام التمكين منها، وإلا فبمقداره وتسترد البقية، فلها أن تطالبه بها عنده.
فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرت في ذمته وصارت دينا عليه،
وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيام، فيستقر بمقدار التمكين
على ذمته نفقة تلك المدة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها، وسواء قدرها
الحاكم وحكم بها أم لا، وسواء كان موسرا أو معسرا، ومع الاعسار ينظر
إلى اليسار، وليس لها مطالبة نفقة الأيام الآتية.
مسألة 11 - لو دفعت إليها نفقة أيام كأسبوع أو شهر مثلا وانقضت
المدة ولم تصرفها على نفسها - إما بأن أنفقت من غيرها أو أنفق إليها
شخص - كانت ملكا لها، وليس للزوج استردادها، وكذا لو استفضلت
منا شيئا بالتقتير على نفسها كانت الزيادة ملكا لها، فليس له استردادها،
نعم لو خرج عن الاستحقاق قبل انقضاء المدة بموت أحدهما أو نشوزها
أو طلاقها بائنا يوزع المدفوع على الأيام الماضية والآتية ويسترد منها
بالنسبة إلى ما بقي من المدة. بل الظاهر ذلك أيضا فيما إذا دفع لها نفقة يوم
وعرض أحد تلك العوارض في أثنائه، فيستر الباقي من نفقة اليوم.
مسألة 12 - كيفية الانفاق بالطعام والإدام إما بمؤاكلتها مع الزوج
في بينته على العادة كسائر عياله، وإما بتسليم النفقة لها، وليس له إلزامها
317

بالنحو الأول، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتطالبه يكون نفقتها بيده
تفعل بها ما تشاء، إلا أنه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما عليه
وليس لها أن تطالبه بعده.
مسألة 13 - ما يدفع إليها للطعام والإدام إما عين المأكول كالخبر والتمر
والطبيخ واللحم المطبوخ مما لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة
ومؤونة وكلفة وإما عين تحتاج إلى ذلك كالحب والأرز والدقيق ونحوها،
فإن لم يكن النحوان خلاف المتعارف فالزوج بالخيار بينهما، وليس للزوجة
الامتناع، ولو اختار النحو الثاني واحتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مؤونة
كالحطب وغيره كان عليه، وإن كان أحدهما خلاف المتعارف يتبع ما هو
المتعارف.
مسألة 14 - لو تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلمت
ملكته وسقط ما هو الواجب عليه، وليس لكل منهما إلزام الآخر به.
مسألة 15 - إنما تستحق في الكسوة أن يكسوها بما هو ملكه أو بما
استأجره أو استعاره، ولا تستحق عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك،
ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل
تلك المدة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها، ولو أنقضت
المدة والكسوة باقية على نحو يليق بحالها ليس لها مطالبة كسوة أخرى، ولو
خرجت في أثناء المدة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا
كانت باقية، وكذا الحال في الفراش والغطاء واللحاف والآلات التي دفعها
إليها من جهة الانفاق مما تنتفع بها مع بقاء عينها، فإنها كلها باقية على
ملك الزوج تنتفع بها الزوجة، فله استردادها إذا زال استحقاقها إلا مع
التمليك لها.
مسألة 16 - لو اختلف الزوجان في الانفاق وعدمه مع اتفاقهما على
318

الاستحقاق فإن كان الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلة عنه فالقول قولها
بيمينها، وعليه البينة، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته فالظاهر أن
القول قول الزوج بيمينه وعليها البينة.
مسألة 17 - لو كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طلقت رجعيا
واختلفا في زمان وقوع الطلاق فادعى الزوج أنه قبل الوضع وقد انقضت
عدتها به فلا نفقة لها، وادعت أنه بعده ولم تكن بين فالقول قولها مع
اليمين، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة، لكن يحكم عليه بالبينونة
وعدم جواز الرجوع أخذه باقرار.
مسألة 18 - لو طالبته بالانفاق وادعى الاعسار وعدم الاقتدار
ولم تصدقه وادعت عليه اليسار فالقول قوله بيمينه إن لم يكن لها بينة، إلا
إذا كان مسبوقا باليسار وادعى تلف أمواله وصيرورته معسرا وأنكرته،
فإن القول قولها بيمين وعليه البينة.
مسألة 19 - لا يشترط في استحقاق الزوجية النفقة فقرها واحتياجها،
فلها عليه الانفاق وإن كانت من أغنى الناس.
مسألة 20 - إن لم يكن له مال يقي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه
الواجبي النفقة فهو مقدم على زوجته، وهي على أقاربه، فما فضل من
قوته صرفه عليها، ولا يدفع إلى الأقارب إلا ما يفضل عن نفقتها.
القول في نفقة الأقارب
مسألة 1 - يجب على التفصيل الآتي الانفاق على الأبوين وآبائهما
وأمهاتهما وإن علوا، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا، ذكروا وإناثا
صغيرا أو كبيرا مسلما أو كافرا، ولا يجب على غير العمودين من الأقارب
319

وإن استحب خصوصا الوارث منه.
مسألة 2 - يشترط في وجوب الانفاق على القريب فقره واحتياجه
بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلا، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته
فعلا وإن كان فقيرا لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها،
وأما غير الواجد لها فعلا القادر على تحصيلها فإن كان ذلك بغير الاكتساب
كالاقتراض والاستعطاء والسؤال لم يمنع ذلك عن وجوب الانفاق عليه
بلا إشكال، وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلم
صنعة بها إمرار معاشه وقد ترك التعلم وبقي بلا نفقة فلا إشكال في وجوب
الانفاق عليه، وكذا الحال لو أمكن له التكسب بما يشق عليه تحمله كحمل
الأثقال أو لا يناسب شأنه فترك التكسب بذلك، فإنه يجب عليه الانفاق.
عليه، وإن كان قادرا على التكسب بما يناسب حاله وشأنه وتركه طلبا
للراحة فالظاهر عدم وجوبه عليه، نعم لو فات عنه زمان الاكتساب بحيث
صار فعلا محتاجا بالنسبة إلى يوم أو أيام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب
وإن كان العجز حصل باختياره، كما أنه لو ترك التشاغل به لا لطلب
الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهم كطلب العلم الواجب لم يسقط
بذلك وجوبه.
مسألة 3 - لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائما
أو منقطعا فهل تكون بحكم القادر فلا يجب الانفاق عليها أم لا؟ وجهان،
أوجههما الثاني.
مسألة 4 - يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على
نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة، فلو حصل
عنده قدر كفاية خاصة اقتصر على نفسه، ولو فضل منه شئ وكانت له
زوجة فلزوجته، ولو فضل شئ فللأبوين والأولاد.
320

مسألة 5 - المراد بنفقة نفسه المقدمة على نفقة زوجته مقدار قوت
يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكل ما اضطر إليه من الآلات للطعام
والشراب والفراش والغطاء وغيرها، فإن زاد على ذلك شئ صرفه على
زوجته ثم على قرابته.
مسألة 6 - لو زاد على نفقته شئ ولم تكن عنده زوجته فإن اضطر
إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد أو مظنة فساد ديني
فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شئ، وإن لم يكن كذلك
فالأحوط صرفه في إنفاق القريب، بل لا يخلو وجوبه من قوة.
مسألة 7 - لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسل
إلى تحصيله بأي وسيلة مشروعة حتى الاستعطاء والسؤال فضلا عن الاكتساب
اللائق بحاله، ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه فلا ينبغي
الاشكال في أنه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه، ولا يجب
عليه التوسل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال، نعم لا يبعد وجوب
الاقتراض إذا أمكن من دون مشقة وكان له محل الايفاء فيما بعد، وكذا
الشراء نسيئة بالشرطي المذكورين.
لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب قدر الكفاية
من الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان
والمكان حسب ما مر في نفقة الزوجة.
مسألة 9 - لا يجب إعفاف من وجبت نفقته ولدا كان أو والدا
بتزويج أو إعطاء مهر له وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته
عليه وعلى بذلك الصداق خصوصا في الأب.
مسألة 10 - يجب على الولد نفقة والده دون أولاده لأنهم إخوته،
ودون زوجته، ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده دون زوجته.
321

مسألة 11 - لا تقضي نفقة الأقارب ولا يتداركها لو فاتت في وقتها
وزمانها ولو بتقصير من المنفق، ولا تستقر في ذمته بخلاف الزوجة كما مر
نعم لو لم ينفق عليه لغيبته أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ورفع المنفق عليه
أمر إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه اشتغلت ذمته به،
ووجب عليه قضاؤه.
مسألة 12 - لوجوب الانفاق ترتيب من جهة المنفق ومن جهة
المنفق عليه أما من الجهة الأولى فتجب نفقة الولد ذكرا كان أو أنثى على
أبيه، ومع عدمه أو فقره فعلى جده للأب، ومع عدمه أو إعساره فعلى
جد الأب وهكذا متعاليا الأقرب فالأقرب، ومع عدمهم أو إعسارهم فعلى
أم الولد، ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها وأم أبيها وأبي أمها وأم أمها
وهكذا الأقرب فالأقرب، ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسوية
وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة، وفي حكم آباء الأم وأمهاتها أم الأب،
وكل من تقرب إلى الأب بالأم كأبي أم الأب وأم أمه وأم أبيه وهكذا،
فإنه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه وأمه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى
الولد، فإذا كان له أب وجد موسران فالنفقة على الأب، ولو كان له
أب وأم فعلى الأب، ولو كان جد لأب مع أم فعلى الجد، ومع جد
لأم وأم فعلى الأم، ومع جد وجدة لأم تشاركا بالسوية، ومع جدة لأب
وجده وجدة لأم تشاركوا ثلاثا، هذا في الأصول أعني الآباء والأمهات.
وأما الفروع أعني الأولاد فتجب نفقة الأب والأم عند الاعسار على
الولد مع اليسار ذكرا كان أم أنثى، ومع فقده أو إعساره فعلى ولو الولد
أعني ابن ابن أو بنت، وبنت ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب،
ومع التعدد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسوية، فلو كان له ابن أو
بنت مع ابن ابن مثلا فعلى الابن أو البنت، ولو كان له ابنان أو بنتان
322

أو ابن وبنت اشتركا بالسوية، وإذا اجتمعت الأصول والفروع يراعى الأقرب
فالأقرب، ومع التساوي يتشاركون، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت
تشاركا بالسوية وإن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب،
وإن كان ابن وجد لأب فعلى الابن، وإن كان ابن ابن مع جد لأب
تشاركا بالسوية، وإن كانت له أم مع ابن ابن أو ابن بنت مثلا فعلى
الأم، ويشكل الأمر فيها إذا اجتمعت الأم مع الابن أو البنت، والأحوط
التراضي والتسالم على الاشتراك بالسوية.
وأما الجهة الثانية فإذا كان عنده زائدا على نفقته ونفقة زوجته
ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع، وإذا لم يكف
إلا لانفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم، وإذا كان قريبان
أو أزيد في مرتبة واحدة ولا يكفي ما عنده الجميع فالأقرب أنه يقسم بينهم
بالسوية مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به، وإلا فيقرع بينهم.
مسألة 13 - لو كان له ولدان ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وكان له
أب موسر فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه
كالأقل نفقة اختص به وكان الآخر على الجد، وإن اتفقا في مقدارها
فإن توافق مع الجد في أن يشتركا أو يختص كل بواحد فهو، وإلا رجعا
إلى القرعة.
مسألة 14 - لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجيره الحاكم،
ومع عدمه فعدول المؤمنين، ومع فقدهم ففساقهم، وإن لم يمكن إجباره
فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتص منه مقدارها جاز للزوجة ذلك
دون غيرها إلا بإذن الحاكم، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصا
وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه، مع تعذر الحاكم
يشكل الأمر.
323

مسألة 15 - تجب نفقة المملوك حتى النحل ودود القز على مالكه
ولا تقدير البهيمة مثلا، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل
وسقي ومكان رحل ونحو ذلك، ومالكها بالخيار بين علفها وبين تخليتها
لترعي في خصب الأرض، فإن اجتزأت بالرعي وإلا علفها بمقدار كفايتها.
مسألة 16 - لو امتنع المالك من الاتفاق على البهيمية ولو بتخليتها
للرعي الكافي لها أجبر على بيعها أو الانفاق عليها أو ذبحها إن كانت
مما يقصد اللحم بذبحها.
324

كتاب الطلاق
وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام:
القول في شروطه
مسألة 1 - يشترط في الزوج المطلق البلوغ على الأحوط والعقل.
فلا يصح على الأحوط طلاق الصبي لا بالمباشرة ولا بالتوكيل وإن كان
مميزا وله عشر سنين، ولو طلق من بلغه فلا يترك الاحتياط، ولا طلاق
المجنون مطبقا أو أدوارا حال جنونه، ويلحق به السكران ونحوه ممن
زان عقله.
مسألة 3 - لا يصح طلاق ولي الصبي عنه كأبيه وجده فضلا عن
الوصي والحاكم، نعم لو بلغ فاسدا العقل أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ
طلق عنه وليه مع مراعاة الغبطة والصلاح، فإن لم يكن له أب وجد
فالأمر إلى الحاكم، وإن كان أحدهما معه فالأحوط أن يكون الطلاق منه
مع الحاكم وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلا ضم الحاكم إليه.
325

مسألة 3 - يشترط في الزوج المطلق القصد والاختيار بمعنى عدم
الاكراه والاجبار، فلا يصح طلاق غير كالنائم والساهي والغالط
والهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جدا، بل يتكلم بلفظه هزلا، وكذا
لا يصح طلاق المكره الذي قد ألزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد
على تركه.
مسألة 4 - الاكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع
التوعيد على تركه بايقاع ما يضر بحاله عليه أو على من يجري مجري نفسه
كأبيه ووالده نفسا أو عرضا أو مالا بشرط أن يكون الحامل قادرا على
إيقاع ما توعد به مع العلم أو الظن بايقاعه على تقدير عدم امتثاله، بل
أو الخوف به وإن لم يكن مظنونا، ويلحق به موضوعا أو حكما ما إذا
أمره بايجاد ما يكرهه مع خوف الأمور نم عقوبة والاضرار عليه لو خالفه
وإن لم يقع منه توعيد وتهديد، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخالفة
إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه، فلو تزوج بامرأة
ثم رأى أنه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلقيها
كأبيها وأخيها مثلا فالتجأ إلى طلاقها فطلقها يصح طلاقها.
مسألة 5 - لو قدر على دفع ضرر الأمر ببعض التفصيات مما ليس
فيه ضرر عليه كالفرار والاستغاثة بالغير لم يتحقق الاكراه، فلو أوقع
الطلاق مثلا حينئذ وقع صحيحا، نعم لو قدر على التورية وأوقعه من
دون ذلك فالظاهر وقوعه مكرها عليه وباطلا.
مسألة 6 - لو أكرهه على طلاق إحدى زوجيته فطلق إحداهما المعينة
وقع مكرها عليه، ولو طلقها معا ففي وقوع طلاق إحداهما مكرها عليه
فيعين بالقرعة أو صحة كليهما وجهان لا يخلو أولهما من رجحان، ولو أكرهه
على طلاق كلتيهما فطلق إحداهما فالظاهر أنه وقع مكرها عليه.
326

مسألة 7 - لو أكرهه على أن يطلق ثلاث تطليقات بينهما رجعتان
فطلقها واحدة أو اثنتين ففي وقوع ما أوقعه مكرها عليه إشكال إلا إذا قصد
تحمل ما أوعده عليه في ترك البقية أو كان ذلك بقصد احتمال التخلص عن
المكروه، وأنه لعل المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عما لم يوقعه.
مسألة 8 - لو أوقع الطلاق عن إكراه ثم تعقبه الرضا لم يفد ذلك
في صحته وليس كالعقد.
مسألة 9 - لا يعتبر في الطلاق اطلاع الزوجة عليه فضلا عن رضاها به.
مسألة 10 - يشترط في المطلقة أن تكون زوجة دائمة، فلا يقع
الطلاق على المتمتع بها، وأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس،
فلا يصح طلاق الحائض والنفساء، والمراد بهما ذات الدمين فعلا أو حكما
كالنقاء المتخلل في البين، ولو نقتا من الدمين ولم تغتسلا من الحدث صح
طلاقهما، وأن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها.
مسألة 11 - إنما يشترط خلو المطلقة من الحيض في المدخول بها
الحائل دون غير المدخول بها ودون الحامل بناء على مجامعة الحيض للحمل
كما هو الأقوى، فيصح طلاقها في حال الحيض، وكذا يشترط ذلك فيما
إذا كان الزوج حاضرا بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق، ولو كان
غائبا يصح طلاقها وإن وقع في حال الحيض لكن إذا لم يعلم حالها من
حيث الطهر والحيض وتعذر أو تعسر عليه استعلامها، فلو علم أنها في حال
الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر أو تمكن من استعلامها
وطلقها فتبين وقوعه في حال الحيض بطل.
مسألة 12 - لو غاب الزوج فإن خرج حال حيضها لم يجز طلاقها
إلا بعد مضي مدة قطع بانقطاع ذلك الحيض أو كانت ذات العادة ومضت
327

عادتها، فإن طلقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضا في ذلك الزمان
صح طلاقها وإن تبين وقوعه في حال الحيض، وإن خرج في حال الطهر
الذي لم يواقعها فيه طلقها في أي زمان لم يعلم بكونها حائطا وصح طلاقها
وإن صادف الحيض، نعم لو طلقها في زمان علم بأن عادتها التحيض فيه
بطل إن صادفه، ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضي زمان
انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر، ويكفي تربص شهر
والأحوط أن لا ينتقض عن ذلك، والأولى تربص ثلاثة أشهر، هذا مع
الجهل بعادتها، وإلا فيتبع العادة على الأقوى، ولو وقع الطلاق بعد
التربص المذكور لم يصر مصادفة الحيض في الواقع، بل الظاهر أنه
لا يضر مصادفته للطهر الذي واقعها فيه بأن طلقها بعد شهر مثلا أو بعد
مضي مدة عليم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأول والحيض الذي بعده
ثم تبين الخلاف.
مسألة 13 - الحاضر الذي تعذر أو يتعسر عليه معرفة حال المرأة
من حيث الطهر والحيض كالغائب، كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه
بحالها بسهولة بلا تعسر كالحاضر.
مسألة 14 - يجز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة
والصغيرة والحال والمسترابة، وهي المرأة التي كانت في سن من تحيض
ولا تحيض لخلقه أو عارض، لكن يشترط في الأخيرة مضي ثلاثة أشهر
من زمان المواقعة، فلو طلقها قبلها لم يقع.
مسألة 15 - لا يشترط في تربص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون
اعتزاله لأجل أن يطلقها، فلو لم يتفق مواقعته بسبب إلى مضيها ثم بدا له
طلاقها صح في الحال.
مسألة 16 - لو واقعها في حال الحيض لم يصح طلاقها في الطهر
328

الذي بعد تلك الحيضة، بل لا بد من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر،
فما هو الشرط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا وقوعه في طهر غير
طهر المواقعة.
مسألة 17 - يشترط في صحة الطلاق تعين المطلقة بأن يقول:
" فلانة طالق " أو يشير إليها بما يرفع الابهام والاجمال، فلو كانت له
زوجة واحدة فقال: " زوجتي طالق " صح، بخلاف ما إذا كانت له
زوجتان أو أكثر وقال: " زوجتي طالق " إلا إذا نوى في نفسه معينة،
فهل يقبل تفسيره بمعينة من غير يمين؟ فيه تأمل.
القول في الصيغة
مسألة 1 - لا يقع الطلاق إلا بصيغة خاصة، وهي قوله: " أنت
طالق " أو فلانة أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة،
فلا يقع بمثل " أنت مطلقة " أو " طلقت فلانة " بل ولا " أنت الطالق "
فضلا عن الكناية كأنت خلية أو برية أو " حبلك على غاربك " أو " الحقي
بأهلك " ونحو ذلك. فلا يقع بها وإن نواه حتى قوله: " اعتدي " المنوي به
الطلاق على الأقوى.
مسألة 2 - يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة
فلو قال: " زوجتاي إيقاع طالقان " أو " زوجاتي طوالق " صح طلاق الجميع.
مسألة 3 - لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات
من القدرة، ومع العجز يصح، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع
القدرة على النطق، ومع العجز يصح إيقاعه بهما، والأحوط تقديم الكتابة
لمن يعرفها على الإشارة.
329

مسألة 4 - يجوز أن يوكل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة
أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج حاضرا أو غائبا، بل وكذا له أن
يوكل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم
توكيلها.
مسألة 5 - يجوز أن يوكلها على أنه لو طال سفره أزيد من ثلاثة
شهور مثلا أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر مثلا طلقت نفسها، لكن
بشرط أن يكون الشرط قيدا للموكل فيه لا تعليقا في الوكالة.
مسألة 6 - يشترط في صيغة الطلاق التنجيز، فلو علقه على شرط
بطل سواء كان مما يحتمل وقوعه كما إذا قال: " أنت طالق إن جاء
زيد " أو مما يتيقن حصوله، كما إذا قال: " إن طلعت الشمس " نعم لا يبعد جواز
تعليقه على ما يكون معلقا عليه في الواقع كقوله: " إن كانت فلانة زوجتي
فهي طالق " سواء كان عالما بأنها زوجته أم لا.
مسألة 7 - لو كرر صيغة الطلاق ثلاث فقال: " هي طالق هي
طالق هي طالق " من دون تخلل رجعة في البين قاصدا تعدده تقع واحدة
ولغت الأخريان، ولو قال: " هي طالق ثلاث " لم يقع الثلاث قطعا،
والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة.
مسألة 8 - لو كان الزوج من العامة ممن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث
مرسلة أو مكررة وأوقعه بأحد النحوين ألزم عليه سواء كانت المرأة شيعية
أو مخالفة، وترتب نحن عليها آثار المطلقة ثلاثا، فلو رجع إليها نحكم
ببطلانه إلا إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم، فتزوج بها في
غير ذلك بعد انقضاء عدتها، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها
التزويج بالغير، ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثا وغيره مما هو صحيح
عندهم فاسد عندنا كالطلاق المعلق والحلف به وفي طهر المواقعة والحيض
330

ويغير شاهين فنحكم بصحته إذا وقع من المخالف القائل بالصحة، وهذا
الحكم جار في غير الطلاق أيضا، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث
مثلا مع بطلانها عندنا، والتفصيل لا يسع هذا المختصر.
مسألة 9 - يشترط في صحة الطلاق زائدا على ما مر الاشهاد بمعنى
إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الانشاء، سواء قال: لهما
اشهدا أم لا، ويعتبر اجتماعها حين سماع الانشاء، فلو شهد أحدهما وسمع
في مجلس ثم كرر اللفظ وسمع الآخر بانفراده لم يقع، نعم لو شهدا باقراره
بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما لا في تحمل الشهادة ولا في أدائها، ولا اعتبار
بشهادة النساء وسماعهن لا منفردات ولا منضمات بالرجال.
مسألة 10 - لو طلق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر
في الشاهدين، كما لا يكتفى بالموكل مع عدل آخر.
مسألة 11 - المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره مما
رتب عليه بعض الأحكام كما مر في كتاب الصلاة.
مسألة 12 - لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلق - أصيلا
كان أو كيلا - وفاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن
يطلع على فسقهما، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكل.
فإنه يشكل جواز ترتيب آثار الصحة عليه، بل الأمر فيه أشكل من سابقه.
القول في أقسام الطلاق
الطلاق نوعان: بدعي وسني، فالأول - هو غير الجامع للشرائط
المتقدمة، وهي على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا.
والثاني - ما جمع الشرائط في مذهبنا، وهو قسمان: بائن ورجعي
331

فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدة أم لا،
وهو ستة: الأول - الطلاق قبل الدخول، الثاني - طلاق الصغيرة أي
من لم تبلغ التسع وإن دخل بها، الثالث - طلاق اليائسة، وهذه الثلاث ليست
لها عدة كما يأتي، الرابع والخامس - طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع
الزوجة فيما بذلك، وإلا كانت له الرجعة، السادس - الطلاق الثالث
إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين: بين الأول والثاني وبين الثاني
والثالث ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدة.
مسألة 1 - لو طلقها ثلاثا مع تخلل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد
جديد، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ثم فارقها بموت أو طلاق
وانقضت عدتها وحينئذ جاز نكاحها للأول.
مسألة 2 - كل امرأة حرة إذا استكملت الطلاق ثلاثا مع تخلل
رجعتين في البين حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره، سواء واقعها
بعد كل رجعة وطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال له: طلاق
العدة - أو لم يوافقها، وسواء وقع كل طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر
واحد، فلو طلقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها
في مجلس واحد حرمت عليه فضلا عما إذا طلقها ثم راجعها ثم تركها حتى
حاضت وطهرت ثم طلقها وهكذا.
مسألة 3 - العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلقها ثلاث
بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره سواء لم تكن لها
عدة كما إذا طلقها قبل الدخول، أو كانت ذات عدة وعقد عليها بعد
انقضاء العدة.
مسألة 4 - المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجات آخر وفارقها بموت أو
طلاق حلت للزوج الأول وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدتها من الثاني
332

فإذا طلقها ثلاثا حرمت أيضا حتى تنكح زوجا آخر وإن كان ذلك الزوج
هو الثاني في الثلاثة الأولى، وهكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث، وتحل
بنكاح الغير بعده وإن طلقت مأة مرة، نعم لو طلقت تسعا طلاق العدة
بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبدا، وذلك بأن طلقها ثم راجعها
ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر
آخر، فإذا حلت للمطلق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثم طلقها كالثلاثة
الأولى ثم حلت بمحلل ثم عقد عليها ثم طلقها ثلاث كالأوليين حرمت عليه
أبدا، ويعتبر فيه أمران: أحدهما - تخلل رجعتين، فلا يكفي وقوع عقدين
مستأنفين ولا رجعة وعقد مستأنف في البين، الثاني - وقوع الموافقة بعد كل
رجعة، فطلاق العدة مركبها من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعية
وواحدة بائنة، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه
أبدا، هذا والأحوط الاجتناب عن المطلقة تسعا مطلقا وإن لم تكن الجميع
طلاق عدة.
مسألة 5 - إنما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين
زوجا آخر، وأما إن تزوجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنها غير
مطلقة، ويتوقف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة.
مسألة 6 - قد مر أن المطلقة ثلاثا تحرم حتى تنكح زوجا غيره
، وتعتبر في زوال التحريم به أمور ثلاثة: الأول - أن يكون الزوج المحلل
بالغا، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن وكان مراهقا، الثاني - أن يطأها قبلا
وطأ موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، بل كفاية
المسمى في مقطوعها لا يخلو من قوة، والاحتياط لا ينبغي تركه، وهل يعتبر
الانزال؟ فيه إشكال، والأحوط اعتباره، الثالث - أن يكون العقد دائما
لا متعة.
333

مسألة 7 - لو طلقها ثلاثا وانقضت مدة وادعة أنها تزوجت
وفارقها الزوج الثاني ومضت العدة واحتمل صدقها صدقت ويقبل قولها
بلا يمين، فللزوج الأول أن ينكحها، وليس عليه الفحص، والأحوط
الاقتصار على ما إذا كانت ثقة أمينة.
مسألة 8 - لو دخل المحلل فادعت الدخول ولم يكذبها صدقت وحلت
للزوج الأول، وإن كذبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على
صورة حصول الاطمئنان بصدقها، ولو ادعت الإصابة ثم رجعت عن
قولها فإن كان قبل أن يعقد الأول عليها لم تحل له، وإن كان بعده
لم يقبل رجوعها.
مسألة 9 - لا فرق في الوطء المعتبر في المحلل بين المحرم والمحلل، فلو
وطأها محرما كالوطء في الاحرام أو في الصوم الواجب أن في الحيض
ونحو ذلك كفى في التحليل.
مسألة 10 - لو شكل الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ويحكم
ببقاء علقة النكاح، ولو علم بأصله وشك في عدده بني على الأقل،
سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم بالحرمة في الأول
وبالحرمة الأبدية في الثاني، بل لو شك بين الثلاث والتسع يبني على الأول
وتحل بالمحلل على الأشبه.
القول في العدد
إنما يجب الاعتداد بأمور ثلاثة: الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في
الدائم، وانقضاء المدة أو بذلها في المعتدة، وموت الزوج، ووطء الشبهة.
334

فصل في عدة الفراق طلاقا كان أو غيره
مسألة 1 - لا عدة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة، وهي
من لم تكمل التسع وإن دخل بها، ولا على اليائسة سواء بانت في ذلك كله
بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها.
مسألة 2 - يتحقق الدخول بايلاج تمام الحشفة قبلا أو دبرا وإن
لم ينزل، بل وإن كان مقطوع الأنثيين.
مسألة 3 - يتحقق اليأس ببلوغ ستين في القرشية وخمسين في غير
والأحوط مراعاة الستين مطلقا بالنسبة إلى التزويج بالغير وخمسين كذلك
بالنسبة إلى الرجوع إليها.
مسألة 4 - لو طلقت ذات الأقراء قبل بلوغ سن اليأس ورأت الدم
مرأة أو مرتين ثم يئست أكملت العدة بشهرين أو شهر، وكذلك ذات الشهور
إذا اعتدت شهرا أو شهرين ثم يئست أتمت ثلاثة.
مسألة 5 - المطلقة ومن ألحقت بها إن كانت حاملا فعدتها مدة
حملها، وتنقضي بأن تضع ولو بعد الطلاق بلا فصل، سواء كان تاما أو غيره
ولو كان مضغة أو علقة إن تحقق أنه حمل.
مسألة 6 - إنما تنقضي العدة بالوضع إذا كان الحمل ملحقا بمن له
العدة، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدته، فلو كانت حاملا
من زنا قبل الطلاق أو بعده لم تخرج منها به، بل يكون انقضاؤها بالأقراء
والشهور كغير الحامل، فوضع الحمل لا أثر له أصلا، نعم إذا حملت
335

من وطء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج
فوضعه سبب لانقضاء العدة بالنسبة إليه لا الزوج المطلق.
مسألة 7 - لو كانت حاملا باثنين فالأقوى عدم البينونة إلا بوضعهما
فللزوج الرجوع بعد وضع الأول، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، ولا تنكح
زوجا إلا بعد وضعهما.
مسألة 8 - لو وطئت فحملت وألحق الولد بالواطئ لبعد الزوج
عنها أو لغير ذلك ثم طلقها أو وطئت شبهة بعد الطلاق على نحو ألحق الولد
بالواطئ كانت عليها عدتان: عدة لوطء الشبهة تنقضي بالوضع، وعدة
للطلاق تستأنفها فيما بعده، وكان مدتها بعد انقضاء نفاسها إذا اتصل بالوضع
ولو تأخر دم النفاس يحسب النقاء المتخلل بين الوضع والدم قرء من العدة
الثانية ولو كان بلحظة.
مسألة 9 - لو ادعت المطلقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدتها
وأنكر الزوج أو انعكس فادعى الوضع وانقضاء العدة وأنكرت هي أو ادعت
الحمل وأنكر أو ادعت الحمل والوضع معا وأنكرهما يقدم قولها بيمينها
بالنسبة إلى بقاء العدة والخروج منها لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر
على الظاهر.
مسألة 10 - لو اتفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل
واختلفا في المتقدم والمتأخر فقال الزوج: " وضعت بعد الطلاق فانقضت
عدتك " وقالت: " وضعت قبله وأنا في العدة " أو انعكس لا يبعد تقديم قولها
في بقاء العدة والخروج منها مطلقا من غير فرق بين ما لم يتفقا على زمان
أحدهما أو اتفقا عليه.
مسألة 11 - لو طلقت الحائل أو انفسخ نكاحها فإن كانت مستفيضة
الحيض بأن تحيض في كل شهر مرة كانت عدتها ثلاثة قروء، وكذا إذا
336

تحيض في كل شهر أزيد من مرة أو ترى الدم في كل شهرين مرة،
وبالجملة كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقل من ثلاثة أشهر، وإن كانت
لا تحيض وهي في سن من تحيض - إما لكونها لم تبلغ الحد الذي ترى
الحيض غالب النساء وإما لانقطاعه لمرض أو حمل أو رضاع - كانت عدتها
ثلاثة أشهر، ويلحق بها من تحيض لكن الطهر الفاصل بين حيضتين منها
ثلاثة أشهر أو أزيد.
مسألة 12 - المراد بالقروء الأطهار، ويكفي في الطهر الأول مسماه
ولو قليلا، فلو طلقها وقد بقيت منه لحظة يحسب ذلك طهرا، فإذا رأت
طهرين آخرين تامين بتخلل حيضة بينهما انقضت العدة، فانقضاؤها برؤية
الدم الثالث، نعم لو اتصل آخر صيغة الطلاق بأول زمان الحيض صح
الطلاق، لكن لا بد في انقضاء العدة من أطهار تامة، فتنقضي بروية الدم
الرابع، كما ذلك في الحرة.
مسألة 14 - عدة المتعة في الحامل وضع حملها، وفي الحائل إذا كانت
تحيض قرءان والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى، وإن كانت لا تحيض
وهي في سن من تحيض فخمسة وأربعون يوما، والمراد من الحيضتين
الكاملتان، فلو وهبت مدتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقية
تلك الحيضة من الحيضتين.
مسألة 15 - المدار في الشهور هو الهلالي، فإن وقع الطلاق في
أول رؤية الهلال فلا إشكال، وإن وقع في أثناء الشهر ففيه خلاف
وإشكال، ولعل الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين وإكمال
الأول من الرابع بمقدار ما فات منه.
مسألة 16 - لو اختلفا في انقضاء العدة وعدمه قدم قولها بيمينها،
سواء ادعت الانقضاء أو عدمه، وسواء كانت عدتها بالاقرار أو الأشهر.
337

القول في عدة الوفاة
مسألة 1 - عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا
كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها، مدخولا
بها كانت أم لا، دائمة كانت أو منقطعة، من ذوات الأقراء كانت أولا
وإن كانت حاملا فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدة المزبورة.
مسألة 2 - المراد بالأشهر هي الهلالية، فإن مات عند روية الهلال
اعتدت بأربعة أشهر وضمت إليها من الخامس عشرة أيام، وإن مات
في أثناء الشهر فالأظهر أنها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط وأكملت.
مسألة 3 - لو طلقها ثم مات قبل انقضاء العدة فإن كان رجعيا
بطلت عدة الطلاق، واعتدت من حين موته عدة الوفاة إلا في المسترابة
بالحمل فإن فيها محل تأمل، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدة
الوفاة ووظيفة المسترابة، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر مثلا تعتد
عدة الوفاة وتتم عدة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف، ولو مات
بعد سبعة أشهر اعتدت بأبعدهما من اتضاح الحال وعدة والوفاة، ولو كانت
المرأة حاملا اعتدت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلقة،
وإن كان بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق ولا عدة لها بسبب الوفاة.
مسألة 4 - يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدة
والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيب والخضاب وتحمير
الوجه والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها
338

وبالجملة ترك لك ما يعد زينة تتزين به للزوج وفي الأوقات المناسبة له
في العادة كالأعياد والأعراس ونحوهما، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص
والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين
نعم لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتسريح الشعر، وتقليم الأظفار،
ودخول الحمام، والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزينة
، وتزيين أولادها وخدمها.
مسألة 5 - الأقوى أن الحداد ليس شرطا في صحة العدة، بل هو
تكليف مستقل في زمانها، فلو تركته عصيانا أو جهلا أو نسيانا في تمام
المدة أو بعضها لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدت بدونه.
مسألة 6 - لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمية، كما لا فرق
على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة، نعم لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت
مدة تمتعها كيوم أو يومين، وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا؟
قولان أشهرهما الوجوب بمعنى وجوبه على وليهما، فيجنبهما عن التزيين
ما دامتا في العدة، وفيه تأمل وإن كان أحوط.
مسألة 7 - يجوز للمعتدة بعده الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان
عدتها والتردد في حوائجها خصوصا إذا كانت ضرورية أو كان خروجها
لأمور راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضي وزيارة أرحامها ولا سيما
والديها، نعم ينبغي بل الأحوط أن تبيت إلا في بيتها الذي كانت
تسكنه
في حياة زوجها، أو تنتقل منه إليه للاعتداد بأن تخرج بعد الزوال وترجع
عند العشي أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحا.
مسألة 8 - لا إشكال في أن مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه حاضرا
كان الزوج أو غائبا بلغ الزوجة الخير أم لا، فلو طلقها غائبا
ولم يبلغها إلا بعد مضي مقدار العمدة فقد انقضت عدتها، وليس عليها عدة
339

بعد بلوغ الخير، ومثل عدة الطلاق عدة الفسخ والانفساخ على الظاهر،
وكذا عدة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة
بل هذا الاحتياط لا يترك، وأما عدة الوفاة فإن مات الزوج غائبا فهي
من حين بلوغ الخير إليها، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة
الزوج، بل يعم صورة حضوره إن خفى عليها موته لعلة، فتعتد من حين
إخبارها بموته.
مسألة 9 - لا يعتبر في الاخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه
حجة شرعية كعدلين ولا عدل واحد، نعم لا يجوز لها التزويج بالغير
لا حجة شرعية على موته، فإذا ثبت ذلك بحجة يكفي اعتداده من حين
البلوغ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت.
مسألة 10 - لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب
العدة من ذلك الوقت اعتدت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخره عنه،
والأحوط أن تعتد من حين بلوغ الخبر إليها، بل هذا الاحتياط لا يترك.
مسألة 11 - لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر
ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو
كان لو ولي يتولى أموره ويتصدق لانفاقه أو متبرع للانفاق عليها وجب
عليها الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوج أبدا حتى تعلم بوفاة الزوج
أو طلاقه، وإن لم يكن ذلك فإن صبرت فلها ذلك، وإن لم تصبر وأرادت
الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيؤجلها أربع سنين من حين الرفع
إليه ثم يتفحص عنه في تلك المدة، فإن لم يتبين موته ولا حياته فإن كان
للغائب ولي أعني من كان يتولي أموره بتفويضه أو توكيله يأمره الحاكم
بطلاقها، وإن لم يقدم أجيره عليه، وإن لم يكن له ولي أو لم يقدم
ول يمكن إجباره طلقها الحاكم، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا عدة الوفاة،
340

فإذا تمت هذه الأمور جاز لها التزويج بلا إشكال، وفي اعتبار بعض ما ذكر
تأمل ونظر، إلا أن اعتبار الجميع هو الأحوط.
مسألة 12 - ليس للفحص والطلب كيفية خاصة، بل المدار ما يعد
طلبا وفحصا، ويتحقق ذلك ببعث من يعرف المفقود - رعاية - باسمه وشخصه
أو بحليته إلى مظان وجوده للظفر به وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر
الوسائل المتداولة في كل عصر ليتفقد عنه، وبالالتماس من المسافرين كالزوار
والحجاج والتجار وغيرهم بأن يتفقدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم،
وبالاستخبار منهم حين الرجوع.
مسألة 13 - لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم
من المسافرين العدالة، بل تكفي الوثاقة.
مسألة 14 - لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها
من الحاكم، بل يكفي كونه من كل أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره
بعد رفع الأمر إليه.
مسألة 15 - مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام، ولا يعتبر
فيه الاتصال التام، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي
فيه ما يصدق عرفا أنه قد تفحص عنه في تلك المدة.
مسألة 16 - المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك
وما هو المعتاد، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد، ولا يعتنى بمجرد إمكان
وصوله إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة، بل إنما يتفحص عنه في مضان
وجوده فيه ووصوله إليه وما احتمل فيه احتمالا قريبا.
مسألة 17 - لو علم أنه قد كان في بلد معين في زمان ثم انقطع
أثره يتفحص عنه أولا في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقد عنه في
جوامعه ومجامعه وأسواقه ومتنزهاته ومستشفياته وخاناته المعدة لنزول الغرباء
341

ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال، بل يكفي
الاكتفاء بما هو المعتد به من مشتهراتها، وينبغي ملاحظة زي المفقود وصنعته
وحرفته، فيتفقد عنه في المحال المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته
مثلا، فإذا تم الفحص في ذلك البلد ولم يظهر من أثر ولم يعلم موته
ولا حياته فإن لم يحتمل انتقاله إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص
والسؤال، واكتفي بانقضاء مدة التربص أربع سنين، وإن احتمل الانتقال
فإن تساوت الجهات فيه تفحص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء
التام، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحال المهمة والمشتركة في كل جهة مراعيا
للأقرب ثم الأقرب إلى البلد الأول، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى
جاز جعل محل الفحص ذلك البعض والاكتفاء به، خصوصا إذا بعد احتمال
انتقاله إلى غيره، وإذا علم أنه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثم انقطع
أثره كفى أن يتفحص عنه مدة التربص في بلادها المشهورة التي تشد إليها
الرجال، إن سافر إلى بلد معين من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان
يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس
ذلك البلد، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلا عن البلاد
الواقعة في أطراف المملكة، وإذا خرج من منزلة مريدا للسفر أو هرب
ولا يدري إلى أين توجه وانقطع أثره تفحص عنه مدة التربص في الأطراف
والجوانب مما يحتمل قريبا وصوله إليه، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله.
مسألة 18 - قد عرفت أن الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد
رفع أمرها إلى الحاكم، فلو لم يمكن الوصول إليه فإن كان له وكيل ومأذون
في التصدي للأمور الحسبية فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر، ومع فقده
أيضا فقيام عدول المؤمنين مقامه محل إشكال.
مسألة 19 - إن علم أن الفحص لا ينفع ولا يترتب عليه أثر فالظاهر
342

سقوطه وجوبه، وكذا لو حصل اليأس من الاطلاع عليه في أثنائه المدة،
فيكفي مضي المدة في جواز الطلاق والزواج.
مسألة 20 - يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى
الحاكم قبل أن تطلق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل، ولها أن تعدل عن
اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذ لا يلزم تجديد ضرب الأجل
والفحص.
مسألة 21 - الظاهر أن العدة الواقعة بعد الطلاق عدة طلاق وإن
كانت بقدر عدة الوفاة، ويكون الطلاق رجعيا، فتستحق النفقة في أيامها
وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيا، وإن تبين موته فيها ترثه،
وليس عليها حداد بعد الطلاق.
مسألة 22 - إن تبين موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق
وجب عليها عدة الوفاة، وإن تبين بعد انقضاء العدة اكتفى بها، سواء
كان التبين قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبين وقع قبل العدة
أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج، وأما لو تبين موته في أثناء العدة
فهل يكتفى باتمامها أو تستأنف عدة الوفاة من حين التبين؟ وجهان بل
قولان أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى.
مسألة 23 - لو جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل فإن كان
قبل الطلاق فهي زوجته، وإن كان بعد ما تزوجت بالغير فلا سبيل له
عليها، وإن كان في أثناء العدة فله الرجوع إليها كما أن له إبقاءها على
حالها حتى تنقضي عدتها وتبين عنه، وأما إن كان بعد انقضاء العدة وقبل
التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان، أقواهما الثاني.
مسألة 24 - لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات
العلم بموته جاز لها بينها وبين الله أن تتزوج بعد العدة من دون حاجة إلى
343

مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى
العلم نعم في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها وكذا لمن
يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها إشكال، والأحوط لها أن تتزوج ممن
لم يطلع بالحال ولم يدر أن زوجها قد فقد ولم يكن في البين إلا دعواها
بأن زوجها مات، بل يقدم على تزويجها مستندا إلى دعواها أنها خلية
بلا مانع، وكذا توكل من كان كذلك.
القول في عدة وطء الشبهة
والمراد به وطء الأجنبية بشبهة أنها حليلته إما لشبهة في الموضوع كما
لو وطأ مرأة باعتقاد أنها زوجته أو لشبهة في الحكم كما إذا عقد على أخت
الموطوء معتقدا صحته ودخل بها.
مسألة 1 - لا عدة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على
الأقوى، وأما الموطوءة شبهة فعليها عدة سواء كانت ذات بعل أو خلية،
وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ، بل الأحوط
لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصة.
مسألة 2 - عدة وطء الشبهة كعدة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع
الحمل لو حملت من هذا الوطء على التفصيل المتقدم، ومن لم يكن عليها
عدة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدة أيضا.
مسألة 3 - لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطوءها
في مدة عدتها، وهل يجوز لها سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ أحوطهما
الثاني وأقواهما الأول، والظاهر أنه لا تسقط نفقتها في أيام العدة وإن
قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها.
344

مسألة 4 - إذا كانت خلية يجوز لواطئها أن يتزوج بها في زمن
عدتها بخلاف غيره، فإنه لا يجوز له ذلك على الأقوى.
مسألة 5 - لا فرق في حكم وطء الشبهة من حيث العدة وغيرها بين
أن يكون مجردا عن العقد أو يكون بعده بأن وطئ المعقود عليها بشبهة
صحة العقد مع فساده واقعا.
مسألة 6 - لو أنت معتدة بعدة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو
وطئت ثم طلقها أو مات عنها زوجها فعليها عدتان على الأحوط لو
لم يكن الأقوى، فإن كانت حاملا من أحدهما تقدمت عدة الحمل، فبعد
وضعه تستأنف العدة الأخرى أو تستكمل الأولى، وإن كانت حائلا يقدم
الأسبق منهما، وبعد تمامها استقبلت العدة الأخرى من الآخر.
مسألة 7 - لو طلق زوجته بائنا ثم وطأها شبهة اعتدت عدة أخرى
على الأحوط بالتفصيل المتقدم في المسألة السابقة.
مسألة 8 - الموجب للعدة أمور: الوفاة والطلاق بأقسامه، والفسخ
بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الاسلام أو الرضاع، والوطء بالشبهة
مجردا عن العقد أو معه، وانقضاء المدة أو هبتها في المتعة، ويشترط في
الجميع كونها مدخلا بها إلا الأول.
مسألة 9 - لو طلقها رجعيا بعد الدخول ثم رجع ثم طلقها قبل
الدخول لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدة،
من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعيا أو بائنا، وكذا الحال لو
طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول لا يجري
عليها حكم الطلاق قبل الدخول، وكذا الحال فيما إذا عقد عليها منقطعا
ثم وهب مدتها بعد الدخول ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول، فتوهم جواز الاحتيال
345

بنكاح جماعة في يوم واحد امرأة شابة ذات عدة بما ذكر في غاية الفساد
.
مسألة 10 - المطلقة بالطلاق الرجعي بحكم الزوجة في الأحكام، فما لم يدل
دليل على الاستثناء يترتب عليها حكما ما دامت في العدة من استحقاق.
النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة، ومن التوارث
بينهما، وعدم جواز نكاح أختها والخامسة، وكون كفنها وفطرتها عليه،
وأما البائنة كالمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثا فيا يترتب عليها آثار الزوجية
مطلقا لا في العدة ولا بعدها ولا بعدها، نعم لو كانت حاملا من زوجها استحقت
النفقة والكسوة والسكنى عليه حتى تضع حملها كما مر.
مسألة 11 - لو طلقها مريضا ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة
بمعنى أنه إن مات الزوج بعد ما طلقها في حال المرض بالمرض المزبور
لا بسبب آخر على الأقرب، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو
يوما أو أقل لا ترثه، وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه سواء كان
الطلاق رجعيا أو بائنا، وذلك بشروط ثلاثة: الأول - أن لا تتزوج المرأة،
فلو تزوجت بعد انقضاء عدتها ثم مات الزوج لم ترثه، الثاني - أن لا يبرأ
من المرض الذي طلقها فيه، فلو برأ منه ثم مرض ومات في أثناء السنة
لم ترثه إلا إذا مات في أثناء العدة الرجعية. الثالث - أن لا يكون الطلاق
بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة، لأن الطلاق بالتماسها.
مسألة 12 - لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج المطلقة من بيته حتى
تنقضي عدتها إلا أن تأتي بفاحشة توجب الحد أو تأتي بما يوجب النشوز،
وأما مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها، وأما البذاء باللسان إيذاء
الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففي كونه موجبا له إشكال وتأمل، ولا يبعد
أن يكون ما يوجب الحد موجبا لسقوط حقها مطلقا، وما يوجب النشوز.
346

موجبا لسقوطه ما دام بقائها عليه، وإذا رجعت رجع حقها، وكذا لا يجوز
لها الخروج بدون إذن زوجها إلا لضرورة أو أداء واجب مضيق.
القول في الرجعة
وهي رد المطلقة في زمان عدتها إلى نكاحها السابق، ولا رجعة في
البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدتها.
مسألة 1 - الرجعة إما بالقول، وهو كل لفظ دل على إنشاء
الرجوع كقوله: " راجعتك إلى نكاحي " ونحوه، أو دل على التمسك
بزوجيتها كقوله: " رددتك إلى نكاحي " أو " أمسكتك في نكاحي "
ويجوز في الجميع إسقاط قوله " إلى نكاحي " و " في نكاحي "
ولا يعتبر فيه العربية، بل يقع بكل لغة إذا أفاد المعنى المقصود، وأما
بالفعل بأن يفعل بهل ما لا يحل إلا للزوج بحليلته، كالوطء والتقبيل واللمس
بشهوة أو بدونها.
مسألة 2 - لا تتوقف حلية الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على
سبق الرجوع لفظا ولا على قصد الرجوع به لأن الرجعية بحكم الزوجة،
وهل يعتبر في كونه رجوعا أن يقصد به الرجوع؟ قولان، أقواهما العدم،
ولو قصد عدم الرجوع وعدم التمسك بالزوجية ففي كونه رجوعا تأمل،
نعم في خصوص الغشيان غير بعيد، ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم.
مما لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة كما لو
واقعها باعتقاد أنها غيرها.
مسألة 3 - لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدة كان ذلك رجوعا
وإن علم كذبه.
347

مسألة 4 - لا يعتبر الاشهاد في الرجعة وإن استحب دفعا لوقوع
التخاصم والنزاع، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، فإن راجعها
من دون اطلاع أحد صحت واقعا، لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدة
ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية الأمر له عليها يمين نفي العلم
لو ادعى عليها العلم، كما أنه لو ادعى الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته
كان القول قولها بيمينها لكن على البت لا على نفي العلم.
مسألة 5 - لو اتفقا على الرجوع وانقضاء العدة اختلفا في المقدم
منها فادعى الزوج أن المتقدم الرجوع وادعت هي أنه انقضاؤها فإن تعين
زمان الانقضاء وادعى الزوج أن رجوعه كان قبله وادعت هي أنه بعده
فالأقرب أن القول قولها بيمينها، وإن كان بالعكس بأن تعين زمان
الرجوع دون الانقضاء فالقول قوله بيمينه.
مسألة 6 - لو طلق وراجع فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق لئلا
تكون عليها العدة ولا تكون له الرجعة وادعى الدخول فالقول قولها
بيمينها.
مسألة 7 - الظاهر أن جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم
شرعي غير قابل للاسقاط، وليس حقا قابلا له كالخيار في البيع الخياري
فلو أسقطه لم يسقط، وله الرجوع، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض.
348

كتاب الخلع والمباراة
مسألة 1 - الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها.
فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة، ويزيد عليها بأنه
يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة، فإن كانت الكراهة من الطرفين
فهو مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعا ولا مباراة.
مسألة 2 - الظاهر وقوع الخلع بكل من لفظي الخلع والطلاق مجردا
كل منهما عن الآخر أو منضما، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها
الزوج يجوز أن يقول: " خلعتك على كذا " أو " أنت مختلعة على كذا "
ويكتفي به أو يتبعه بقوله: " فأنت طالق على كذا " أو يقول: " أنت
طالق على كذا " ويكتفي به أو يتبعه بقوله: " فأنت مختلعة على كذا "
لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما بل لا يترك.
مسألة 3 - الخلع من الايقاعات لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى
طرفين وإنشاءين: بذل شئ من طرف الزوجة ليطلقها الزوج وإنشاء
الطلاق من طرفه بما بذلت، ويقع ذلك على نحوين: الأول - أن يقدم
البذل من طرفها على أن يطلقها على ما بذلت، الثاني - أن يبتدئ
349

الزوج بالطلاق مصرحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده، ولا ينبغي
ترك الاحتياط بايقاعه على النحو الأول.
مسألة 4 - يعتبر في صحة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق
بما يخل بالفورية العرفية، فلو أخل بها بطل الخلع ولم يستحق الزوج
العوض، لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو اتبعه بذلك وقع الطلاق رجعيا
مع فرض اجتماع شرائطه، وإلا كان بائنا.
مسألة 5 - يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما
الغير أو بالاختلاف، ويجوز أن يوكلا شخصا واحدا ليبذل عنها ويطلق
عنه، بل الظاهر أنه يجوز لكل منهما أن يوكل الآخر فيما هو من طرفه،
فيكون أصلا فيما يرجع إليه ووكيلا فيما يرجع إلى الطرفا.
مسألة 6 - يصح التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلق به
من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع
ما يتعلق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.
مسألة 7 - لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإما أن يبتدئ الزوجة
وتقول: " بذلت لك لك - أو أعطيتك - ما عليك من المهر - أو الشئ
الفلاني - لتطلقني ". فيقول فورا: " أنت طالق - أو مختلعة بكسر اللام -
على ما بذلت - أو على ما أعطيت - " وإما أن يبتدئ الزوج فيقول:
" أنت طالق - أو مختلعة - بكذا أو على كذا " فتقول فورا: " قبلت "
وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج:: " عن
ليخلعها ويطلقها " فيقول وكيل الزوج فورا: " زوجة موكلي طالق على
ما بذلك " وقس على ما ذكر سائر الصور المتصورة، لكن لا ينبغي ترك
الاحتياط المتقدم أي الجمع بين الصيغتين، بل لا يترك.
350

مسألة 8 - لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم فقالت له:
" طلقتني - أو اخلعني - بكذا " فيقول: " أنت طالق - أو مختلعة - بكذا " ففي
وقوعه إشكال، فالأحوط اتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: " قبلت ".
مسألة 9 - يشترط في تحقيق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق،
ويجوز الفداء بكل متمول من عين أو دين أو منفعة قل أو كثر وإن زاد
على المهر المسمى، فإن كان عينا حاضرة تكفي فيها المشاهدة، وإن كان
كليا في الذمة أو غائبا ذكر جنسه ووصفه وقدره، بل لا يبعد أن يكون
الأمر فيه أوسع من ذلك، فيصح بما يؤول إلى العلم كما لو بذلك ما في
الصندوق مع العلم بكونه متمولا، ويصح بما في ذمة الزوج من المهر
ولو لم يعلما به فعلا، بل في مثله ولو لم يعلما بعد أيضا صح على الأقوى،
ويصح جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدة، ولا تبعد
صحته بمثل قدوم الحاج وبلوع الثمرة، وإن جعل كليا في ذمتها يجوز جعله
حالا ومؤجلا مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر.
مسألة 10 - يصح بذل الفداء منها ومن وكيلها بأن يبذل وكالة
عنها من مالها أو بمال في ذمتها، وهل يصح ممن يضمنه في ذمته بإذنها
فيرجع إليها بعد البذل بأن تقول لشخص: " اطلب من زوجي أن يطلقني
بألف درهم مثلا عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع علي " ففعل ذلك وطلقها
الزوج على ذلك؟ وجهان بل قولان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، كما أنه
لا يصح من المتبرع الذي لا يرجع عليها، فلو قالت الزوجة لزوجها:
طلقني على دار زيد أو ألف في ذمته فطلقها على ذلك وقد أذن زيد أو
أجاز بعده لم يصح الخلع ولا الطلاق الرجعي ولا غيره إلا إذا أوقع بلفظ
الطلاق أو اتبعه بصيغته.
مسألة 11 - لو قال أبوها: " طلقها وأنت برئ من صداقها " وكانت
351

بالغة رشيدة فطلقها صح الطلاق وكان رجعيا بشرائطه والشرط المتقدم في
المسألة السابقة، ولم تبرأ ذمته بذلك ما لم تبرأ، ولم يلزم عليها الابراء
ولا يضمنه الأب.
مسألة 12 - لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر
مع العلم بذلك بطل البذل فبطل الخلع وصار الطلاق رجعيا بالشرط المتقدم
ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال فالمشهور صحة الخلع وضمانها للمثل
أو القيمة، وفيه تأمل.
مسألة 13 - يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة
شديدة بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة
والدخول في المعصية.
مسألة 14 - الظاهر أنه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في
الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره
وغير ذلك وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض مثل وجوده الضرة
وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبة، نعم إن كانت الكراهة
وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسب والشتم والضرب ونحوها
فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئا ليطلقها فطلقها لم يتحقق الخلع،
وحرم عليه ما أخذه منها، ولكن الطلاق صح رجعيا بالشرط المتقدم.
مسألة 15 - لو طلقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق
ملتئمة لم يصح الخلع ولم يملك العوض ولكن صح الطلاق بالشرط المتقدم،
فإن كان مورده الرجعي كان رجعيا وإلا بائنا.
مسألة 16 - طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة
فيما بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدة، فإذا رجعت كان له
الرجوع إليها.
352

مسألة 17 - الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بامكان رجوعه
بعد رجوعها، فلو لم يمكن كالمطلقة ثلاثا وكما إذا كانت ممن ليست لها
عدة كاليائسة وغير المدخول بها لم يكن لها الرجوع في البذل، بل لا يبعد
عدم صحة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محل رجوعه
فلو رجعت عند نفسها ولم يطلق عليه الزوج حتى انقضت العدة فلا أثر
لرجوعها.
مسألة 18 - المباراة قسم من الطلاق، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة
ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق
بعوض ما تبذله المرأة، وتقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج بعد ما بذلك
له شيئا ليطلقها: " أنت طالق على ما بذلت " ولو قرنه بلفظ " بارأتك "
كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ " بارأتك " ولا يقع بقوله
" بارأتك " مجردا.
مسألة 19 - تفارق المباراة الخلع بأمور: أحدها - أنها تترب على
كراهة كل من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنه يترتب على كراهة
الزوجة خاصة، ثانيها - أنه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها
بل الأحوط أن يكون أقل منه بخلاف الخلع، فإنه فيه على ما تراضيا،
ثالثها - أنها لا تقع بلفظ " بارأتك " ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق
يكون الفراق بالطلاق وحده، بخلاف الخلع فإن الأحوط وقوعه بلفظ
الخلع والطلاق جمعا كما مر.
مسألة 20 - طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلا أن ترجع
الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدة، فله الرجوع إليها حينئذ.
353

كتاب الظهار
الذي كان طلاقا في الجاهلية وموجبا للحرمة الأبدية، وقد غير شرع
الاسلام حكمه وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفارة بالعود
كما ستعرف تفصيله.
مسألة 1 - صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطبا للزوجة: " أنت علي
كظهر أمي " أو يقول بدل أنت " هذه " مشير إليها أو " زوجتي " أو " فلانة "
ويجوز تبديل " علي " بقول: " مني " أو " عندي " أو لدي " بل الظاهر عدم اعتبار
ذكر لفظة " علي " وأشباهه أصلا بأن يقول " أنت كظهر أمي " ولو شبهها
بجزء آخر من أجزاء الأم غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع
الظهار قولان، أحوطهما ذلك، ولو قال: أنت كأمي أو أمي قاصدا به
التحريم لا علو المنزلة والتعظيم أو كبر السن وغير ذلك لم يقع وإن كان
الأحوط وقوعه، بل لا يترك الاحتياط.
مسألة 2 - لو شبهها بإحدى المحارم النسيبة غير الأم كالبنت والأخت
فمع ذكر الظهر بأن يقول مثلا: أنت علي كظهر أختي " يقع الظهار على
الأقوى، وبدونه كما إذا قال: كأختي أو كرأس أختي لم يقع على إشكال.
354

مسألة 3 - الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو قالت
المرأة: أنت علي كظهر أبي أو أخي لم يؤثر شيئا.
مسألة 4 - يشترط في الظهار البلوغ وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول
المظاهر كالطلاق، وفي المظاهر البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع
من الصبي ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران، ولا مع
الغضب سواء كان سالبا للقصد أم لا على الأقوى، وفي المظاهرة خلوها
عن الحيض والنفاس، وكونها مدخولا بها قولان، أصحهما ذلك.
مسألة 5 - الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية بل يقع على المتمتع بها.
مسألة 6 - الظهار على قسمين: مشروط ومطلق، فالأول ما علق
علي شئ دون الثاني، ويجوز التعليق على الوطء بأن يقول: " أنت علي
كظهر أمي إن واقعتك ".
مسألة 7 - إن تحقق الظهار بشرائطه فإن كان مطلقا حرم على المظاهر
وطء المظاهرة، ولا يحل له حتى يكفر، فإذا كفر حل له وطؤها،
ولا يلزم كفارة أخرى بعد وطئها، ولو وطأها قبل أن يكفر فعليه كفارتان
والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير، وإن كان مشروطا
حرم عليه الوطء بعد حصول شرطه، فلو علقه على الوطء لم يحرم عليه
الوطء المعلق عليه، ولا تتعلق به الكفارة.
مسألة 8 - إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم يحل له وطؤها حتى يكفر
بخلاف ما إذا تزوجها بعد انقضاء عدتها أو كان بائنا، ولو تزويجها في العدة
يسقط حكم الظهار.
مسألة 9 - كفارة الظهار أحد أمور ثلاثة مرتبة: عتق رقبة، فإن
عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه فطعام ستين مسكينا.
355

مسألة 10 - لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض، وإن
لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيحضره ويخيره بين الرجعة بعد
التكفير وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما وإلا أنظره ثلاثة أشهر من حين
المرافعة، فإن انقضت المدة ولم يختر أحدهما حبسه وضيق عليه في المأكل
والمشرب حتى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلق عنه.
356

كتاب الايلاء
وهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مدة
تزيد على أربعة أشهر للاضرار بها، فلا يتحقق بغير القيود المذكورة وإن
انعقد اليمين مع فقدها، ويترتب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه.
مسألة 1 - لا ينعقد الايلاء كمطلق اليمين إلا باسم الله تعالى المختص
به أو الغالب إطلاقه عليه، ولا يعتبر فيه العربية، ولا الفظ الصريح في
كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل، بل المعتبر صدق كونه حالفا على
ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه، فيكفي قوله: " لا أطأك " أو " لا أجامعك ".
أو " لا أمسك "، بل وقوله: " لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدة " إذا
قصد به ترك الجماع.
مسألة 2 - لو تم الايلاء بشرائطه فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن
المواقعة فلا كلام، وإلا فلها الرفع إلى الحاكم فيحضره وينظره أربعة أشهر
فإن رجع وواقعها في هذه المدة فهو، وإلا أجبره على أحد الأمرين:
إما الرجوع أو الطلاق، فإن فعل أحدهما وإلا حبسه وضيق عليه في المأكل
والمشرب حتى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معينا.
357

مسألة 3 - الأقوى أن الأشهر الأربعة التي ينظر فيها ثم يجبر على أحد
الأمرين بعدها هي من حين الرفع إلى الحاكم.
مسألة 4 - يزول حكم الايلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدة
بخلاف الرجعي فإنه وإن خرج بذلك من حقها فليست لها المطالبة والترافع
إلى الحاكم لكن لا يزول حكم الايلاء إلا بانقضاء عدتها، فلو راجعها في
العدة عاد إلى الحكم الأول، فلها المطالبة بحقها والمرافعة.
مسألة 5 - متى وطأها الزوج بعد الايلاء لزمته الكفارة سواء كان
في مدة التربص أو بعدها أو قبلها، لأنه قد حنث اليمين على كل حال
وإن جاز له هذا الحنث، بل وجب بعد انقضاء المدة ومطالبتها وأمر الحاكم به
تخييرا، وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان، كما أنه يمتاز عن
غيره بأنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلقة مباحا تساوى طرفاه
أو كان راجحا دينا أو دنيا.
358

كتاب اللعان
وهي مباهلة خاصة بين الزوجين، أثرها دفع الحد أو نفي الولد
مسألة 1 - إنما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما - فيما إذا رمى الزوج
زوجته بالزنا، ثانيهما - فيما إذا نفى ولديه من ولد في فراشه مع إمكان
لحوقه به.
مسألة 2 - لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب، ولا مع
غلبة الظن ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ولا باخبار ثقة، نعم
يجوز مع اليقين، لكن لا يصدق إذا لم تعرف به الزوجة ولم تكن بينة، بل
يحد حد القذف مع مطالبتها إلا إذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية.
فيدرأ عنه الحد.
مسألة 3 - يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدعي المشاهدة،
فلا لعان فيمن لم يدعها ومن لم يتمكن منه كالأعمى، فيحدان مع عدم
البينة، وأن لا تكون له بينة، فإن كانت تتعين إقامتها لنفي الحد ولا لعان.
مسألة 4 - يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة
فلا لعان في قذف الأجنبية، بل يحد القاذف مع عدم البينة، وكذا في
359

المنقطعة على الأقوى، وأن تكون مدخولا بها، وإلا فلا لعان، وأن
تكون غير مشهورة بالزنا، وإلا فلا لعان، بل ولا حد حتى يدفع باللعان
بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبينة، نعم لو كانت متجاهرة بالزنا
لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضا، ويشترط في اللعان أيضا أن تكون كاملة
سالمة عن الصمم والخرس.
مسألة 5 - لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولد في فراشه
مع إمكان لحوقه به بأن دخل بأمه أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث أمكن
جذب الرحمن إياه، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعدا
ولم يتجاوز عن أقصى مدة الحمل، حتى فيما إذا فجر أحد بها فضلا عما
إذا اتهما، بل يجب الاقرار بولديته، نعم يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان
مع علمه بعدم تكونه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا
كان بحسب ظاهر الشرع ملحقا به لولا نفيه لئلا يلحق بنسبه من ليس منه
فيترتب عليه حكم الولد في ميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك.
مسألة 6 - لو نفى ولدية من ولد في فراشه فإن علم أنه دخل بأمه
دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو أقر بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه
ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره، وأما لو لم يعلم ذلك ولم يقر به وقد
نفاه إما مجردا عن ذكر السبب بأن قال: " هذا ليس ولدي " أو مع ذكره بأن
قال: " لأني لم أدخل بأمه أصلا " أو أنكر دخولا يمكن تكونه منه فحينئذ
وإن لم ينتف عنه بمجرد نفيه لكن باللعان ينتفى عنه بشرط ثبوت الدخول،
ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقا.
مسألة 7 - إنما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة
بالعقد الدائم، وأما ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان وإن لم يجز له
نفيه مع عدم علمه بالانتفاء، ولو علم أنه دخل بها أو أمنى في فرجها أو
360

حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه أو أقر بذلك ومع ذلك قد نفاه
لم ينتف عنه بنفيه، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة.
مسألة 8 - لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملا
أو منفصلا.
مسألة 9 - من المعلوم أن انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من
زنا، لاحتمال تكونه من وطء الشبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق
الولد به وأن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه لكن لا يجوز له أن
يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه من زنا.
مسألة 10 - لو أقر بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك، سواء
كان إقراره صريحا أو كناية مثل أن يبشر به ويقال له: " بارك الله لك في
مولودك " فيقول: " آمين " أو " ن شاء الله تعالى " بل قيل: إنه إذا كان الزوج
حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره
بعده، بل نسب ذلك إلى المشهور لكن الأقوى خلافه.
مسألة 11 - لا يقع اللعان إلا عند الحاكم الشرعي، والأحوط أن
لا يقع حتى عند المنصوب من قبله ذلك، وصورته أن يبدأ الرجل ويقول
بعد ما قذفها أو نفى ولدها: " أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها
- أو نفي ولدها - " أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها
- أو نفي ولدها - " يقول ذلك أربع مرات، ثم يقول مرة واحدة: " لعنة الله
علي إن كنت من الكاذبين " ثم تقول المرأة بعد ذلك أربع مرات " أشهد بالله
أنه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا - أو نفي الولد - " ثم تقول مرة
واحدة: " أن غضب الله علي إن كان من الصادقين ".
مسألة 12 - يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور،
فلو قال أو قالت: أحلف أو أقسم أو شهدت أو أنا شاهد أو أبدلا لفظ الجلالة
بغيره كالرحمان وخالق البشر ونحوهما أو قال الرجل: إني صادق أو لصادق
361

أو من الصادقين بغير ذكر اللام أو قالت المرأة: إنه لكاذب أو كاذب أو
من الكاذبين لم يقع، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة بالعكس.
مسألة 13 - يجب أن يكون إتيان كل منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم
إياه عليه، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.
مسألة 14 - يجب أن تكون الصيغة بالعربية الصحيحة مع القدرة
عليها، وإلا أتى بالميسور منها ومع التعذر أتى بغيرها.
مسألة 15 - يجب أن يكونا قائمين عند التلفظ بألفاظهما الخمسة،
وهل يعتبر أن يكونا قائمين معا عند تلفظ كل منهما أو يكفي قيام كل عند
تلفظه بما يخصه؟ أحوطهما الأول، بل لا يخلو من قوة.
مسألة 16 - إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه أحكام
أربعة: الأول - انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما، الثاني - الحرمة الأبدية،
فلا تحل له أبدا ولو بعقد جديد، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان،
سواء كان للقذف أو لنفي الولد، الثالث - سقوط حد القذف عن الزوج
بلعانه، وسقوط حد الزنا عن الزوجة بلعانها، فلو قذفها ثم لا عن نكلت
هي عن اللعان تخلص الرجل عن حد القذف، وتحد المرأة حد الزانية،
لأن لعانه بمنزلة البينة في إثبات الزنا، الرابع - انتفاء الولد عن الرجل دون
المرأة إن تلاعنا لنفيه، بمعنى أنه لو نفاه وادعت كونه له فتلاعنا لم يكن
توارث بين الرجل والولد، وكذا بين الولد وكل من انتسب إليه بالأبوة
كالجد والجدة والأخ والأخت للأب وكذا الأعمام والعمات، بخلاف الأم
ومن انتسب إليه بها، حتى أن الإخوة للأب والأم بحكم الإخوة للأم.
مسألة 17 - لو كذب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد لحق به الولد
فيما عليه لا فيما له، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به ولا يرث
الولد أقارب أبيه باقراره.
362

كتاب المواريث
وفيه مقدمات ومقصدان ولواحق، أما المقدمات فأمور:
الأول في موجبات الإرث
وهي نسب وسبب، فالأول ثلاث مراتب: الأولى - الأبوان والأولاد
وإن نزلوا، والثانية - الأجداد والجداد وإن علوا والإخوة والأخوات
وأولادهم وإن نزلوا، الثالثة - الأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا
وأولادهم وإن نزلوا بشرط الصدق عرفا، والثاني قسمان: الزوجية والولاء
وهو ثلاث مراتب: ولاء العتق ثم ولاء ضمان الجريرة ثم ولاء الإمامة.
الأمر الثاني في موانع الإرث
وهي كثيرة، منها ما يمنع عن أصله، وهو حجب الحرمان، ومنها
ما يمنع عن بعضه، وهو حجب النقصان، فما يمنع عن أصله أمور.
363

الأول: الكفر بأصنافه
أصليا كان أو عن ارتداد، فلا يرث الكافر من المسلم وإن كان
قريبا، ويختص إرثه بالمسلم وإن كان بعيدا، فلو كان له ابن كافر لا يرثه
ولو لم يكن له قرابة نسبا وسببا إلا الإمام عليه السلام، فيختص إرثه به
دون ابنه الكافر.
مسألة 1 - لو مات الكافر أصليا أو مرتدا عن فطرة أو ملة وله
وارث مسلم وكافر ورثه المسلم كما مر، وإن لم يكن له وارث مسلم بل
كان جميع وراثه كفارا يرثونه على قواعد الإرث إلا إذا كان مرتدا فطريا
أو مليا فإن ميراثه للإمام عليه السلام دون وراثه الكفار.
مسألة 2 - لو كان الميت مسلما أو مرتدا فطريا أو مليا ولم يكن له
وارث إلا الزوج والإمام عليه السلام كان إرثه للزوج لا الإمام عليه السلام
ولو كان وارثه منحصرا بالزوجة والإمام عليه السلام يكون ربع تركته
للزوجة والبقية للإمام عليه السلام.
مسألة 3 - لو مات مسلم أو كافر وكان وارث كافر ووارث مسلم
غير الإمام عليه السلام وأسلم وارثه الكافر بعد موته فإن كان وارثه المسلم
واحدا اختص بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه، نعم لو كان الواحد
زوجة ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينها وبين الإمام عليه السلام
أو نائبه، ولو كان وارثه المسلم متعددا فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة
الإرث لم ينفع إسلامه، وأما لو كان قبلها فيشاركهم فيه إن ساواهم في
المرتبة، واختص به وحجبهم إن تقدم عليهم كما إذا كان ابنا للميت وهم
إخوة.
364

مسألة 4 - لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض
فالأحوط التصالح.
مسألة 5 - لو مات مسلم عن ورثة كفار ليس بينهم مسلم فأسلم
بعضهم بعد موته اختص هو بالإرث ولا يرثه الباقون ولا الإمام عليه السلام
وكذا الحال لو مات مرتد وخلف ورثة كفارا وأسلم بعضهم بعد موته
مسألة 6 - لو مات كافر أصلي وخلف ورثة كفارا ليس بينهم مسلم
فأسلم بعضهم بعد موته فالظاهر أنه لا أثر لاسلامه، وكان الحكم كما قبل
إسلامه، فيختص بالإرث مع تقدم طبقته، ويختص غيره به مع تأخرها،
وشاركهم مع المساواة، ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة
الأخيرة فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم، وأما
إذا كان قبلها اختص بالإرث. وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة
الثانية إنما هو فيما إذا كان من في الطبقة السابقة واحدا أو متعددا وكان
إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم، وأما إذا كان إسلامه قبلها اختص
الإرث به.
مسألة 7 - المراد بالمسلم والكافر وارثا ومورثا وحاجبا ومحجوبا أعم
منهما حقيقة ومستقلا أو حكما وتبعا، فكل طفل كان أحد أبويه مسلما
حال انعقاد نطفته فهو مسلم حكما وتبعا، فيلحقه حكمه، وإن ارتد بعد
ذلك المتبوع فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ، نعم يتبعه في الاسلام
لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته، وكل
طفل كان أبواه معا كافرين أصليين أو مرتدين أو مختلفين حين انعقاد نطفته
فهو بحكم الكافر حتى أسلم أحدهما قبل بلوغه أو أظهر الاسلام هو بعده،
فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفار وأطفال أخ مسلم أو أخت مسلمة
ترثه تلك الأطفال دون الأولاد، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم
365

يرثه هو دون ابنه، ولو مات مسلم وله طفل ثم مات الطفل ولم يكن له
وارث مسلم في جميع الطبقات كان وارثه الإمام عليه السلام كما هو الحال
في الميت المسلم، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلهم
كفارا ورثه الكفار على ما فرض الله دون الإمام عليه السلام، هذا إذا
كان أبواه كافرين أصليين، وأما إذا كانا مرتدين فهل لهذا الطفل حكم الكفر
الارتدادي حتى يكون وارثه الإمام عليه السلام أو حكم الكافر الأصلي حتى
ترثه ورثته الكفار؟ وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة، وفي جريان حكم التبعية
فيما تقدم في الجدة تأمل، وكذا في الجد مع وجود الأب الكافر وإن كان
جريانه فيه مطلقا لا يخلو من وجه.
مسألة 8 - المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والأصول
والعقائد، فيرث المحق منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم،
نعم الغلاة المحكومون بالكفر والخوارج والنواصب ومن أنكر ضروريا من
ضروريات الدين مع الالتفات والالتزام بلازمه كفار أو بحكمهم، فيرث
المسلم منهم وهم لا يرثون منه.
مسألة 9 - الكفار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل، فيرث
النصراني من اليهودي وبالعكس، بل يرث الحربي من الذمي وبالعكس
لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم كما مر.
مسألة 10 - المرتد وهو من خرج عن الاسلام واختار الكفر على
قسمين: فطري وملي، والأول من كان أحد أبويه مسلما حال انعقاد نطفته
ثم أظهر الاسلام بعد بلوغه ثم خرج عنه، والثاني من كان أبواه كافرين
حال انعقاد نطفته ثم أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافرا أصليا ثم أسلم ثم
عاد إلى الكفر كنصراني بالأصل أسلم ثم عاد إلى نصرانية مثلا.
فالفطري إن كان رجلا تبين منه زوجته، وينفسخ نكاحها بغير.
366

طلاق، وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج إن أرادت، وتقسم أمواله التي كانت
له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميت، ولا ينتظر موته ولا
تفيد توبته ورجوعه إلى الاسلام في رجوع زوجته وماله إليه، نعم تقبل
توبته باطنا وظاهرا أيضا بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه وتصح
عباداته ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة،
والقهرية كالإرث، ويجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على
زوجته السابقة، وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها، ولا تنتقل إلى
ورثتها إلا بموتها، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت
غير مدخول بها، ومع الدخول بها فإن تابت قبل تمام العدة وهي عدة
الطلاق بقيت الزوجية، وإلا انكشف عن الانفساخ والبينونة من أول زمن
الارتداد.
وأما الملي سواء كان رجلا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلا
بالموت، وينفسخ النكاح بين المرتد وزوجته المسلمة، وكذا بين المرتدة
وزوجها المسلم بمجرد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، ومعه وقف
الفسخ على انقضاء العدة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته
وإلا انكشف أنها بانت عنه عند الارتداد، ثم إن هنا أقسامها أخر في
إلحاقها بالفطري أو الملي خلاف موكول إلى محله.
الثاني: القتل
مسألة 1 - لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمدا وظلما،
ويرث منه إن قتله بحق كما إذا كان قصاصا أو حدا أو دفاعا عن نفسه
أو عرضه أو ماله، وكذا إذا كان خطأ محضا كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ
367

وأصاب قريبة فإنه يرثه، نعم لا يرث من ديته التي تتحملها العاقلة على
الأقوى، وأما شبه العمد وهو ما إذا كان قاصدا لايقاع الفعل على المقتول
غير قاصد للقتل وكان الفعل مما لا يترتب عليه القتل في العادة، كما إذا
ضربه ضربا خفيفا للتأديب فأدى إلى قتله، ففي كونه كالعمد المحض مانعا
عن الإرث أو كالخطأ المحض قولان، أقواهما ثانيهما.
مسألة 2 - لا فرق في القتل العمدي ظلما في مانعيته من الإرث بين
ما كان بالمباشرة كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص وبين ما كان بالتسبيب كما
إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع أو حبسه في مكان زمانا طويلا بلا قوت
فمات جوعا أو عطشا أو أحضر عنده طعاما مسموما بدون علم منه فأكله
إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبب، نعم
بعض التسبيبات التي قد يترتب عليها التلف مما لا ينسب ولا يستند إلى
المسبب كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك
وإن أوجب الضمان والدية على مسببها إلا أنها غير مانعة من الإرث، فيرث
حافر البئر في الطريق عن قريبة الذي وقع فيها ومات.
مسألة 3 - كما أن القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول كذلك لا يكون
حاجبا عمن دونه في الدرجة ومتأخر عنه في الطبقة، فوجوده كعدمه
فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل يرث
ابن القاتل عن جده، وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل وله
إخوة كان ميراثه لهم دون ابنه، بل لو لم يكن له وارث إلا الإمام
عليه السلام ورثه دون ابنه.
مسألة 4 - لا فرق في مانعية القتل بين أن يكون القاتل واحدا أو
متعددا، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثا أو بعضهم دون بعض.
مسألة 5 - الدية في حكم مال المقتول يقتضي منها ديونه، ويخرج
368

منها وصايا أولا قبل الإرث ثم يورث الباقي كسائر الأموال، سواء
كان القتل عمدا وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأ،
وسواء كان في مورد الصلح ما يأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساويا
وسواء كان المأخوذ من جنس الدية أم لا، ويرث الدية كل من يتقرب
إليه بالنسب والسبب حتى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حق
القصاص، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية ورثا نصيبهما منهما، نعم
لا يرث المتقرب بالأم وحدها من الدية شيئا كالأخ والأخت للأم، بل
سائر من يتقرب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها وإن كان الأحوط في
غير الأخ والأخت التصالح.
الثالث من الموانع: الرق على ما فصل في المفصلات
الرابع: التولد من الزنا
مسألة 1 - إن كان الزنا من الأبوين لا يكون التوارث بين الطفل
وبينهما ولا بينه وبين المنتسبين إليهما، وإن كان من أحدهما دون الآخر
كما كان الفعل من أحدهما شبهة لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ولا
بينه وبين المنتسبين إليه.
مسألة 2 - لا مانع من التوارث بين المتولد من الزنا وأقربائه من
غير الزنا كولده وزوجته ونحوهما، وكذا بينه وبين أحد الأبوين الذي
لا يكون زانيا وبينه وبين المنتسبين إليه.
مسألة 3 - المتولد من الشبهة كالمتولد من الحلال يكون التوارث
بينه وبين أقاربه أبا كان أو أما أو غيرهما من الطبقات والدرجات.
369

مسألة 4 - لا يمنع من التوارث التولد من الوطء الحرام غير الزنا
كالوطء حال الحيض وفي شهر رمضان ونحوهما.
مسألة 5 - نكاح سائر المذاهب والملل لا يمنع من التوارث لو كان
موافقا لمذهبهم وإن كان مخالفا لشرع الاسلام حتى لو كان التولد من نكاح
بعض المحارم لو فرض جوازه في بعض النحل.
مسألة 6 - نكاح سائر المذاهب غير الاثني عشري لا يمنع من التوارث
لو وقع على وفق مذهبهم وإن كان باطلا بحسب مذهبنا، كما لو كانت
المنكوحة مطلقة بالطلاق البدعي.
الخامس: اللعان
مسألة 1 - يمنع اللعان عن التوارث بين الولد ووالده وكذا بينه
وبين أقاربه من قبل الوالد، وأما بين الولد وأمه وكذا بينه وبين أقاربه
من قبلها فيتحقق التوارث ولا يمنع اللعان عنه.
مسألة 2 - لو كان بعض الأقارب من الأبوين وبعضهم من الأم
فقط يرثون بالسوية للانتساب إلى الأم، ولا أثر للانتساب إلى الأب،.
فالأخ للأب والأم بحكم الأخ للأم.
مسألة 3 - لو اعترف الرجل بعد اللعان بأن الولد له لحق به فيما
عليه لا فيما له، فيرثه الولد ولا يرث الأب إياه ولا من يتقرب به، بل
لا يرث الولد أقارب أبيه باقرار.
مسألة 4 - لا أثر لاقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوارث بعد
اللعان، بل ما يؤثر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه.
370

وهنا أمور عدت من الموانع، وفيه تسامح.
الأول الحمل ما دام حملا لا يرث وإن علم حياته في بطن أمه
ولكن يحجب من كان متأخرا عنه في المرتبة أو في الطبقة، فلو كان للميت
حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث ولم يعطوا شيئا حتى تبين الحال
فإن سقط حيا اختص به، وإن سقط ميتا يرثوا.
مسألة 1 - لو كان للميت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته كما
إذا كان له أولاد يعزل للحمل نصيب ذكرين ويعطى الباقي للباقين ثم بعد
تبين الحال إن سقط ميتا يعطى ما عزله للوارث الآخر، ولو تعدد وزع
بينهم على ما فرض الله.
مسألة 2 - لو كان للوارث الموجود فرض لا يتغير بوجوده الحمل
وعدمه كنصيب أحد الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه
ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقل ما يصيبه على تقدير ولادته
على وجه تقتضيه كالأبوين لو لم يكن هناك ولد غيره.
مسألة 3 - لو علم بالآلات المستحدثة حال الطفل يعزل مقدار نصيبه
فلو علم أنه واحد وذكر يعزل نصيب ذكر واحد، أو أنثى واحدة يعزل
نصيبها، ولو علم أن الحمل أكثر من اثنين يعزل نصيبهم.
مسألة 4 - لو عزل نصيب اثنين وقسمت بقيد التركة فتولد أكثر
استرجعت التركة بمقدار نصيب الزائد.
مسألة 5 - الحمل يرث ويورث لو انفصل حيا وإن مات من ساعته
فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث ويورث، ولا يعتبر في ذلك
الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيا بالحركة البينة وغيرهما.
مسألة 6 - لا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورث، بل يكفي
انعقاد نطفته حينه، فإذا مات شخص وتبين الحمل في زوجته بعد موته
وكان بحيث يلحق به شرعا يرثه لو انفصل حيا.
371

الثاني - وجود طبقة مقدمة، فإنها مانعة عن الطبعة المؤخرة إلا
أن تكون ممنوعة بجهة عن الإرث.
الثالث - وجود درجة مقدمة في الطبقات، فإنها مع عدم ممنوعيتها
عن الإرث مانعة عن الدرجة المتأخرة كالولد عن ولد الولد وكالأخ عن
ولد الأخ.
وأما حجب النقصان أي ما يمنع عن بعض الإرث فأمور:
الأول - قتل الخطأ وشبه العمد، فإنه يمنع القاتل عن إرث خصوص
الدية دون غيرها من التركة.
الثاني - أكبر الأولاد الذكور، فإنه يمنع باقي الورثة عن خصوص
الحبوة ولو كان الولد الذكر واحدا يكون مانعا عنها أيضا.
الثالث - الولد مطلقا ذكرا كان أو أنثى منفردا أو متعددا بلا واسطة
أو معها، فإنه يمنع أحد الزوجين عن النصيب الأعلى أي النصف والربع.
الرابع - الوارث مطلقا النسبي والسببي ذكرا كان أو أنثى متحدا
أو متعددا، فإنه يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما أي النصف
أو الربع أو الثمن، فمنع زيادة التركة عن الفريضة تردد إلى غيرهما، نعم
لو كان الوارث منحصرا بالزوج والإمام عليه السلام يرث الزوج النصف
فريضة ويرد عليه النصف الآخر، بخلاف ما لو كان منحصرا بالزوجة
والإمام عليه السلام، فإن الربع لها والبقية له عليه السلام.
الخامس - نقص التركة عن السهام المفروضة، فإنه يمنع البنت
الواحدة والأخت الواحدة للأب والأم أو للأب عن فريضتهما، وهي
النصف، وكذا يمنع البنات المتعددة والأخوات المتعددة من الأب والأم
أو من الأب عن فريضتهم، وهي الثلثان، فلو كان للميت بنت واحدة
وأبوان وزوج أو بنات متعددة وأبوان وزوج يرد النقص على البنت
372

أو البنات، وكذا في سائر الفروض.
السادس - الأخت من الأبوين أو الأب، فإنها تمنع الإخوة من
الأم عن رد ما زاد على فريضتهم، وكذا الأخوات المتعددة من الأبوين
أو الأب فإنها تمنع الأخ الواحد الأمي أو الأخت كذلك عن رد ما زاد
على فريضتهما وكذا أحد الجدودة من قبل الأب، فإنه يمنع الإخوة من
قبل الأم عما زاد عليها.
السابع - الولد وإن نزل واحدا كان أو متعددا، فإنه يمنع الأبوين
عما زاد على السدس فريضة لا رداء.
الثامن - الإخوة والأخوات لا أولادهم، فإنهم يمنعون الأم عن
الزيادة على السدس فريضة ورداء بشروط: أولها - أن لا يكون الأخ أقل
من اثنين أو الأخت أقل من أربع، ويكفي الأخ الواحد والأختان.
ثانيها - أن تكون الإخوة حيا في الدنيا حين فوت المورث، فلا يكون
الميت والحمل حاجبا، ثالثها - أن تكون الإخوة مع الميت من الأب والأم
أو من الأب، فلا يحجب الأمي فقط،، رابعها - أن يكون أب الميت
حيا حين موته، خامسها - أن لا يكون الإخوة والأب ممنوعين من الإرث
بكفر ورقية وتولده الإخوة الحاجبين من الزنا وكون الأب قاتلا للمورث
ولو كان الإخوة الحاجبين قاتلين للمورث ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط
سادسها - أن يكون بين الحاجب والمحجوب مغائرة، ويتصور عدمها في
الوطء بالشبهة.
الأمر الثالث في السهام
الوارث إما يرث بالفرض أو بالقرابة، والمراد بالفرض هو السهم
373

المقدر والكسر المعين الذي سماه الله تعالى في كتابه الكريم، والفروض
ستة، وأربابها ثلاثة عشر.
الأول - النصف، وهو لبنت واحدة إذا لم يكن معها ولد غير
ممنوع عن الإرث، ويعتبر هذا القيد في جميع الطبقات والدرجات الآتية
ولأخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك، وللزوج إن
لم يكن للزوجة ولد وإن نزل.
الثاني - الربع، وهو للزوج إن كان للزوجة ولد وإن نزل،
وللزوجة إن لم يكن للزوج ولد وإن نزل.
الثالث - الثمن، وهو للزوجة إن كان للزوج ولد وإن نزل.
الرابع - الثلث، وهو للأم بشرط أن لا يكون للميت ولد مطلقا
وإن نزل، وأن لا يكون له إخوة متعددة كما تقدم بشرائطه، وللأخ والأخت
من الأم مع التعدد.
الخامس - الثلثان، وهو للبنتين فصاعدا مع عدم وجود الابن للميت،
وللأختين فصاعدا لأبوين مع عدم وجود الأخ لأبوين، أو لأب مع عدم
وجود الأخ لأب.
السادس - السدس، وهو للأب مع وجود الولد مطلقا، وللأم
مع وجود الحاجب عن الثلث أي الولد والإخوة على ما مر، وللأخ أو
الأخت للأم مع عدم التعدد من قبلها، فالفروض نصف ونصفه ونصف
نصفه وثلثان ونصفهما ونصف نصفهما.
مسألة 1 - قد ظهر مما ذكر أن أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب
لا فرض لهم ويرثون بالقرابة فقط، وأن الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقا
إلا في صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالإمام عليه السلام والزوج،
وأما الطبقة الأولى والثانية فبعضهم لا فرض له أصلا كالابن والأخ لأبوين
374

أو لأب، وبعضهم ذو فرض مطلقا كالأم، وبعضهم ذو فرض على حال
دون حال كالأب، فإنه ذو فرض مع وجود الولد للميت، وليس له
فرض مع عدمه، وكذا الأخت والأختان لأب وأبوين، فإن لهن فرضا
إن لم يكن معهن ذكر، وليس لهن فرض إن كان.
مسألة 2 - ظهر مما ذكر أن من كان له فرض على قسمين: أحدهما
من ليس له إلا فرض واحد، ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبديل الأحوال
كالأب، فإنه ذو فرض في صورة وجود الولد، وهو ليس إلا السدس مطلقا
وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعدا مع عدم الابن، وكذا الأخت
والأختان لأب أو لأبوين مع عدم الأخ، فإن فرضهن النصف أو الثلثان
مطلقا، وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض على حال دون حال إلا أن
فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدل الأحوال، وقد يكون من له فرض على
كل حال لا يتغير فرضه بتبدل الأحوال، وذلك كالأخ للأم أو الأخت
كذلك، فمع الوحدة فرضه السدس، ومع التعدد الثلث لا يزيد ولا ينقص
في جميع الأحوال، الثاني من كان فرضه يتغير بتبدل الأحوال كالأم،
فإن لها الثلث تارة والسدس أخرى، وكذا الزوجان، فإن لهما نصفان وربعها
مع عدم الولد، وربعا وثمنا معه.
مسألة 3 - غير ما ذكر من أصناف ذوي الفروض وارث بالقرابة.
مسألة 4 - لو اجتمع جد وجدة من قبل الأم كلاهما أو أحدهما
مع المنتسبين من قبل الأب كالإخوة والأخوات من الأب والأم أو من
الأب وكالجد والجدة من قبل الأب يكون حقه ثلث مجموع التركة وإن
ورد النقص على ذي الفرض، فإن كان الوارث زوجا وجدا أو جدة من
الأم وأختا من الأب والأم فالنصف للزوج، والثلث للجد من قبل الأم
واحدا أو متعددا، والباقي وهو السدس للأخت الواحدة من قبل الأب
375

مع أن فريضتها النصف، ومع ذلك إرث الجدودة بالقرابة لا الفرض
مسألة 5 - الفروض الستة مع ملاحظة اجتماعها والصور المتصورة
منه ستة وثلاثون حاصلة من ضرب الستة في مثلها، وإذا سقطت الصور
المتكررة وهي خمس عشرة بقيت إحدى وعشرون صورة.
مسألة 6 - الصور المتقدمة غير المتكررة منها ما يصح اجتماعها،
ومنها ما يمنع ما يمتنع ولو لبطلان العول، فالممتنع ثمانية، وهي اجتماع النصف
مع الثلثين، والربع مع مثله، ومع الثمن، والثمن مع مثله، ومع الثلث،
والثلثين، مع مثلهما، والثلث مع مثله، ومع السدس، والصحيح هو البقية،
فإن النصف يجتمع مع مثله كزوج وأخت واحدة لأب أو لأبوين،
ومع الربع كبنت واحدة والزوج، ومع الثمن كبنت واحدة مع الزوجة،
ومع الثلث كالزوج والأم مع عدم الحاجب، ومع السدس كالزوج وواحد
من كلالة الأم، فالنصف يجتمع من الفرائض الستة إلا واحدة منها لبطلان
العول، فالأختان لو اجتمعتا مع الزوج ترثان بالقرابة لا بالفرض، ويكون
النقص واردا عليهما والربع يجتمع مع الثلثين كزوج وابنتين، ومع الثلث
كزوجة والمتعدد من كلالة الأم، ومع السدس كالزوجة والمتحدة من كلالة
الأم، والثمن يجتمع مع الثلثين كالزوجة وابنتين، ومع السدس كزوجة
وأحد الأبوين مع وجود الولد، والثلثان يجتمع مع الثلث كأختين فصاعدا
لأب وإخوة من الأم، ومع السدس كبنتين وأحد الأبوين، والسدس
يجتمع مع مثله كالأبوين مع وجود الولد.
376

تنبيه:
التعصيب والعول باطلان
مسألة 1 - الوارث الموجودون للميت إن كانوا وراثا بالفرض فهو
على صور:
الولي - ما إذا كانت تركة الميت بقدر السهام المفروضة بلا زيادة
ونقيصة كما إذا كان الوارث أبوين وبنات متعددة، فالثلثان للبنات والثلث
للأبوين، لكل سدس.
الثانية - ما لو كانت التركة أزيد من السهام فترد الزيادة على أرباب
الفروض ولا تعطى لعصبة الميت، وهي كل ذكر ينتسب إليه بلا وسط
أو بواسطة الذكور، فلو كان الوارث منحصرا ببنت واحدة وأم يعطى
النصف البنت فرضا والسدس الأم فرضا، ويرد الثلث الباقي عليهما أرباعا
على نسبة سهمهما، ولو انحصر ببنات متعددة وأم يعطى الثلثان البنات فرضا
والسدس الأم فرضا، والسدس الباقي يرد عليهما أخماسا على نسبة السهام،
والعصبة في فيها التراب.
الثالثة - ما إذا كانت التركة أقل من السهام، وذلك بدخول بنت
أو بنتين فصاعدا، أو أخت من قبل الأبوين أو الأب، أو أختين كذلك
فصاعدا في الورث، فيرد النقص عليهن ولا يعول بوروده على الجميع
بالنسبة، فلو كان الوارث بنتا وزوجا وأبوين يرد فرض الزوج والأبوين،
ويرد النقص - وهو نصف السدس - على البنت ولو كانت في الفرض بنات
متعددة يرد النقص - وهو الرابع - عليهم، وكذا في الأمثلة الأخر.
377

مسألة 2 - لا ترد الزيادة على طوائف من أرباب الفروض: منها -
الزوجة مطلقا، فتعطى فرضها ويرد الباقي على غيرها من الطبقات حتى
الإمام عليه السلام، ومنها - الزوج، فيعطى فرضه ويرد الباقي على غيره
إلا مع انحصار الوارث به وبالإمام عليه السلام، فيرد عليه النصف مضافا
إلى فرضه، ومنها - الأم مع وجود الحاجب من الرد كما تقدم، ومنها -
الإخوة من الأم مطلقا مع وجود واحد من الجدودة من قبل الأب أو
واحد من الإخوة من قبل الأبوين أو الأب كما تقدم.
مسألة 3 - الذكور من الأولاد وكذا الإناث مع وجود الذكور
يرثون بالقرابة، وكذا الأب بشرط عدم وجود الولد للميت، وكذا
الجدودة مطلقا والإخوة من قبل الأبوين أو الأب بشرط وجود ذكور فيهم،
وكذا جميع أصناف الطبقة الثالثة من العمومة والخؤولة وأولادهم، فهؤلاء
يرثون بالقرابة لا بالفرض.
مسألة 4 - لو اجتمع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة بالفرض
للوارث بالفرض والباقي للوارث بالقرابة، فلو اجتمع الأبوان مع أولاد
الذكور والإناث يعطى فرض الأبوين وهو السدسان والباقي للأولاد بالقرابة
ولو كان الوارث الأبوين فللأم السدس مع وجود الحاجب والثلث مع
عدمه فرضا والباقي للأب قرابة، ولو اجتمعت الأخت أو الأخوات من
الأبوين مع الجدودة من قبل الأم فالفرض للأخت أو الأخوات والباقي
للجدودة بالقرابة، وهكذا غير ما ذكر.
المقصد الأول في ميراث الأنساب
وهم ثلاث مراتب: الأولى - الأبوان بلا واسطة والأولاد وإن نزلوا
378

الأقرب فالأقرب.
مسألة 1 - لو أنفرد الأب فالمال له قرابة، أو الأم فلها الثلث فرضا
والباقي يرد عليها، ولو اجتمعا فللأم الثلث فرضا والباقي للأب إن لم يكن
للأم حاجب، وإلا فلها السدس والباقي للأب، ولا ترث الإخوة في الفرض
شيئا وإن حجبوا.
مسألة 2 - لو أنفرد الابن فالمال له قرابة، ولو كان أكثر فهم سواء
ولو انفردت البنت فلها النصف فرضا والباقي ردا، والعصبة لا نصيب لها
وفي فيها التراب، ولو كانت بنتان فصاعدا فلهما أو لهن الثلثان فرضا والباقي
ردا، ولو اجتمع الذكور والإناث فالمال لهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 3 - لو اجتمع الأولاد مع أحد الأبوين السدس فرضا والباقي
يرد عليهما أرباعا، ولو كان بنتين فصاعدا يرد على البنت أربعة أخماس
فرضا وردا وعلى أحد الأبوين الخمس فرضا وردا، ولو كان ذكرا سواء
كان واحدا أو متعددا فلأحد الأبوين السدس فرضا والباقي للولد.
مسألة 4 - لو اجتمع الأولاد مع الأبوين فإن كان الولد بنتا واحدة
ولم يكن للأم حاجب من الرد فثلاثة أخماس للبنت فرضا وردا وخمسان
للأبوين بالمناصفة فرضا وردا، وإن كان للأم حاجب من الرد فالسدس
لها والبقية تقسم بين البنت والأب أرباعا فرضا وردا، وإن كان أنثى
متعددة أو ذكرا واحدا أو متعددا أو إناثا وذكرانا فالسدسان للأبوين والبقية
للأولاد تقسم بينهم بالسوية مع وحدة الجنس، وللذكر ضعف الأنثى
مع الاختلاف.
مسألة 5 - لو اجتمع أحد الأبوين وأحد الزوجين فلأحد الزوجين
نصيبه الأعلى والباقي لأحد الأبوين، للأب قرابة، وللأم فرضا وردا.
379

مسألة 6 - لو اجتمع الأبوان وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه
الأعلى وللأم الثلث من مجموع التركة مع عدم الحاجب، والسدس معه
فرضا، والباقي للأب قرابة.
مسألة 7 - لو اجتمع الأولاد مع أحد الزوجين فلأحد هما نصيبه
إلا دين والباقي للأولاد متحدا أو متعددا للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 8 - لو اجتمع أحد الأبوين والأولاد وأحد الزوجين فلو كان
الولد بنتا واحدة فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والباقي يقسم بين الباقي
أرباعا: ربع لأحد الأبوين والباقي للبنت، ولو كان بنتين فصاعدا فإن كان
أحد الزوجين هي الزوجة فلها نصيبها الأدنى والباقي يقسم بين الباقي أخماسا وإن كان
هو الزوج فله نصيبه الأدنى ولأحد الأبوين السدس والبقية للبنتين فصاعدا،
وإن كان ذكرا واحدا أو متعددا أو ذكورا وإناثا فلأحدهما نصيبه الأدنى،
والسدس من أصل التركة لأحد البوين، والباقي للباقي، ومع الاختلاف
فللذكر مثل حط الأنثيين.
مسألة 9 - لو اجتمع الأبوين والأولاد وأحد الزوجين فإن كان الولد
بنتا واحدة فللزوج نصيبه الأدنى وللأبوين سدسان من التركة، والباقي
للبنت، والنقص يرد عليها، وللزوجة نصيبها الأدنى، وتقسم البقية بين
الباقي أخماسا إن لم يكن للأم حاجب عن الرد، وإلا فلها السدس،
والباقي يقسم بين الأب والبنت أرباعا، ولو كان الولد بنتين فصاعدا
فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والسدسان من أصل التركة للأبوين، والباقي
للبنات فيرد النقص عليهن، ولو كان ذكرا واحدا أو متعددا أو ذكورا
وإناثا فالأحد الزوجين نصيبه الأدنى، وللأبوين سدسان من الأصل،
والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
380

وهاهنا أمور:
الأول - أولاد الأولاد وإن نزلوا يقومون مقام الأولاد في مقاسمة
الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع من عداهم من
الأقارب، سواء كان والدا الميت موجودين أم لا، ويتقدم كل بطن على
البطن المتأخر.
الثاني - يرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به، فيرث ولد
البنت نصيب أمه ذكرا كان أو أنثى، وهو النصف مع انفراده أو كان
مع الأبوين، ويرد عليه وإن كان ذكرا كما يرد على أمه لو كانت موجودة
ويرث ولد الابن نصيب أبيه ذكرا كان أو أنثى، فإن انفرد فله جميع
المال، ولو كان معه ذو فريضة فله ما فضل عن حصص الفريضة.
الثالث. لو اجتمع أولاد الابن وأولاد البنت فلأولاد الابن الثلثان
نصيب أبيهم، ولأولاد البنت الثلث نصيب أمهم، ومع وجود أحد
الزوجين فله نصيبه الأدنى، والباقي للمذكورين، الثلثان لأولاد الابن
والثلث لأولاد البنت.
الرابع - أولاد البنت كأولاد الابن لو كانوا من جنس واحد
يقتسمون بالسوية، ومع الاختلاف للذكر مثل حظ الأنثيين.
الخامس - يحيى الولد الأكبر من تركة أبيه بدنه وخاتمة
مسألة 1 - تختص الحبوة بالأكبر من الذكور بأن لا يكون ذكر
أكبر منه، ولو تعدد الأكبر بأن يكونا بسن واحد ولا يكون ذكر ذكر
منها تقسم الحبورة بينهما بالسوية، وكذا لو كان أكثر من اثنين، ولو كان
381

الذكر واحدا يحيى به، وكذا لو كان معه أنثى وإن كانت أكبر منه.
مسألة 2 - لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملة أو مخيطة
للبس وإن لم يستعملها، ولا بين الواحد والمتعدد، كما لا فرق بين الواحد
والمتعدد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملة أو معدة للاستعمال.
مسألة 3 - الأقوى عدم كون السلاح غير السيف والرحل والراحلة
من الحبوة، والاحتياط بالتصالح مطلوب جدا.
مسألة 4 - لو لم تكن الحبوة أو بعضها فيما تركه لا يعطى قيمتها.
مسألة 5 - لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض التركة، فلو كانت
التركة منحصرة بها يحبى الولد الأكبر على الأقوى، والاحتياط حسن.
مسألة 6 - لا يعتبر بلوغ الولد، ولا كونه منفصلا حيا حين موت
الأب على الأقوى، فتعزل الحبوة له، كما يعزل نصيبه من الإرث،
فلو انفصل بعد موت الأب حيا يحبى، ولو كان الحمل أنثى أو كان ذكرا
ومات قبل الانفصال فالظاهر أن الحبوة لأكبر الموجودين من الذكر.
مسألة 7 - الأقوى عدم اشتراط كون الولد عاقلا رشيدا، وفي
اشتراط كونه غير المخالف من سائر فرق المسلمين تأمل وأن لا يبعد إلزامه
بمعتقده إن اعتقد عدم الحبوة.
مسألة 8 - يقدم تجهيز الميت وديونه على الحبوة مع تزاحمها بأن
لا تكون له إلا الحبوة، أو نقص ما تركه غير الحبوة عن مصرف التجهيز
والدين، ومع عدم التزاحم بأن يكون ما تركه غيرها كافيا فالأحوط للولد
الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة.
مسألة 9 - لو أوصى بعين من التركة فإن كان ما أوصى هي الحبوة
فالوصية نافذة إلا أن تكون زائدة على الثلث، فيحتاج إلى إجازة الولد
الأكبر، وليس له شئ من التركة في قبال الحبوة، ولو أوصى مطلقا
382

أو بالحبوة وغيرها فلو كانت الوصية غير زائدة على الثلث تنفذ، وفي صورة
الاطلاق يحسب من جميع التركة حتى الحبوة، وفي الصورة الثانية يحسب
منها ومن غيرها حسب الوصية، ولو زادت على الثلث تحتاج في الحبوة
إلى إذن صاحبها، وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة، ولو أوصى بمقدار
معلوم كألف أو كسر مشاع فكذلك.
السادس - لا يرث الجد ولا الجدة لأب أو لأم مع أحد الأبوين
لكن يستحب أن يطعم كل من الأبوين أبويه سدس أصل التركة لو زاد
نصيبه من السدس، فلو خلف أبويه وجدا وجدة لأب أو لأم يستحب
للأم أن تطعم أباها وأمها السدس بالسوية، وهو نصف نصيبها، وللأب
أن يطعم أباه وأمه سدس أصل التركة، وهو ربع نصيبه، ولو كان
الموجود واحدا منهما كان السدس له.
المرتبة الثانية - الإخوة وأولادهم المسمون بالكلالة والأجداد مطلقا
ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة.
مسألة 1 - لو أنفرد الأخ لأب وأم فالمال له قرابة، ولو كان معه
أخ أو إخوة كذلك فهو بينهم بالسوية، ولو كان معهم إناث أو أنثى
كذلك فللذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 2 - لو انفردت الأخت لأب وأم كان لها النصف فرضا
والباقي يرد عليها قرابة، ولو تعددت كان لها الثلثان فرضا والباقي يرد
عليها قرابة.
مسألة 3 - يقوم كلالة الأب مقام كلالة الأب والأم مع عدمهم،
فيكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالتهما، فلو أنفرد الأخ فالمال
له، ولو تعدد فهو لهم بالسوية، ولو كان فيهم أنثى فللذكر ضعفها،
ولو انفردت الأخت كان لها النصف فرضا والباقي ردا، ولو تعددت فلهما
383

أو لهن الثلثان فرضا والباقي ردا.
مسألة 4 - لا يرث أخ وأخت لأب مع أحد من الإخوة للأب
والأم.
مسألة 5 - لو أنفرد الواحد من ولد الأم خاصة عمن يرث معه
كان له السدس فرضا والباقي ردا قرابة ذكرا كان أو أنثى، ولو تعدد
الولد اثنين فصاعدا فلهما أولهم الثلث فرضا والباقي قرابة، ويقسم بينهم
بالسوية وإن اختلف الجنسان.
مسألة 6 - لو كان الإخوة متفرقين فبعضهم للأم وبعضهم للأب
والأم كان لمن يتقرب بالأم السدس فرضا مع وحدته، والثلث كذلك
مع التعدد، يقسم بالسوية ولو مع الاختلاف، ولمن يتقرب بالأب والأم
البقية خمسة أسداس أو الثلثان يقسم بينهم، ومع الاختلاف للذكر
ضعف الأنثى.
مسألة 7 - مع فقد الإخوة من الأب والأم واجتماع الإخوة من الأب
مع الإخوة من الأم كان الحكم كما ذكر في المسألة السابقة، فيقومون
مقامهم.
مسألة 8 - لو أنفرد الجد فالمال له لأب كان أو لأم أولهما، ولو
انفردت الجدة فكذلك.
مسألة 9 - لو اجتمع الجد أو الجدة أو هما لأم مع جد أو جدة أو
هما لأب فللمتقرب بالأم منهم الثلث بالسوية وللمتقرب بالأب الثلثان لذلك
مثل حظ الأنثيين.
مسألة 10 - لو اجتمع جد وجدة أو أحدهما من قبل الأم مع الإخوة
من قبلها كان الجد كالأخ منها والجدة كالأخت مها، ويقسم بينهم
بالسوية مطلقا.
384

مسألة 11 - لو اجتمع جد وجدة أو أحدهما من قبل الأب والأم
أو الأب مع الإخوة من قبله فالجد بمنزلة الأخ من قبله والجدة بمنزلة
الأخت من قبله، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 12 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأب والأم أو من قبل الأب
مع الجد أو الجدة أو هما من قبل الأم فالثلث من التركة للجد، ومع
التعدد يقسم بالسوية مطلقا، والثلثان للإخوة، ومع التعدد والاختلاف
للذكر ضعف الأنثى.
نعم لو كانت أخت واحدة مع الجدودة من الأم فالنصف للأخت
فرضا والثلث للجدودة، وفي السدس إشكال من حيث إنه هل يرد على الأخت
أو عليها وعلى الجدودة؟ فلا يترك الاحتياط وإن كان الأرجح أن للأخت
الثلثين وللجدودة الثلث كسائر الفروض.
مسألة 13 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الإخوة من قبل
الأم فمع وحدة الأخ أو الأخت فالسدس له أولها، ومع التعدد فالثلث
لهم بالسوية ولو مع الاختلاف، والباقي في الفرضين للجدودة للذكر مثل
حض الأنثيين.
مسألة 14 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع عدم
الإخوة من قبلهما والأجداد من قبل الأب والإخوة من قبل الأم فالسدس
مع الاتحاد والثلث مع التعدد للإخوة من قبل الأم بالسوية، والباقي
للإخوة من قبلهما أو قبله والجدودة، ومع الاختلاف في الجنس للذكر
ضعف الأنثى.
مسألة 15 - لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة
من قبل الأب والجدودة من قبل الأم فالثلث للجدودة من قبل الأم،
ومع التعدد يقسم بالسوية، والثلثان للباقي للذكر مثل حظ الأنثيين ونصيب
385

الجد كالأخ والجدة كالأخت.
مسألة 16 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأم والإخوة من قبل
الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الأم فالثلث للمتقرب بالأم بالسوية،
والثلثان للمتقرب بالأب للذكر الضعف.
مسألة 17 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل
الأم والإخوة من قبل الأم فالثلث للمتقرب بالأم بالسوية، والثلثان للمتقرب
بالأب للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 18 - لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من
قبل الأم والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الأم فالثلث
للمتقرب بالأم بالسوية، والثلثان للمتقرب بالأب للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 19 - لو اجتمع أحد الزوجين مع الإخوة من قبل الأبوين
أو الأب أو مع الجدودة من قبل الأب فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى،
والباقي للباقي في الصورتين للذكر ضعف الأنثى، ولو اجتمع أحدهما مع
إحدى الطائفتين من قبل الأم فلأحدهما نصيبه الأعلى، والباقي للباقي في
الصورتين بالسوية مطلقا.
مسألة 20 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب
والإخوة من الأم أو مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الأم
فلأحدهما نصيبه الأعلى، وللمتقرب بالأم السدس من التركة مع الانفراد
والثلث مع التعدد بالسوية مطلقا، وللمتقرب بالأب أو الأبوين الباقي
للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 21 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب
والجدودة من قبل الأم أو مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل
الأم فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من مجموع التركة للمتقرب بالأم
386

يقسم بالسوية مع التعدد مطلقا، والباقي للمتقرب بالأب أو الأبوين للذكر
ضعف الأنثى.
مسألة 22 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب
والإخوة من قبل الأم والجدودة من قبلها فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث
مع مجموع التركة للمتقرب بالأم يقسم بالسوية، والباقي للإخوة من قبل
الأبوين أو الأب للذكر الضعف، وكذا الحال لو اجتمع أحدهما مع الجدودة
من قبل الأب والإخوة من قبل الأم والجدودة من قبلها.
مسألة 23 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب والأم أو
الأب والجدودة من قبل الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى. والباقي للباقي
للذكر ضعف الأنثى، ولو كان الإخوة من قبل الأم وكذا الجدودة فالباقي
لهم بالسوية.
مسألة 24 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب أو الأبوين
والجدودة من قبل الأب والإخوة من الأم فلأحدهما نصيبه الأعلى، والسدس
من التركة للإخوة من قبلها مع الانفراد، والثلث مع التعدد بالسوية مطلقا،
والباقي للباقي للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 25 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب
والجدودة من الأب والجدودة من الأم فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث
من التركة للجدودة من الأم بالسوية مطلقا، والباقي للباقي للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 26 - لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب
والإخوة من قبل الأم والجدودة من قبلها والجدودة من الأب فلأحدهما
نصيبه الأعلى، والثلث للمتقرب بالأم بالسوية مطلقا، والباقي للباقي للذكر
ضعف الأنثى.
387

هاهنا أمور:
الأول - أولاد الإخوة بحكم أولاد الأولاد في أنه مع وجود أحد من
الإخوة من الأب أو الأم ولو كان أنثى لا يرث أولاد الإخوة ولو كانوا
من الأب والأم.
الثاني - يرث أولاد الإخوة إرث من يتقربون به، فلو خلف أحد
الإخوة من الأم وارثا فالمال له فرضا ورداء مع الوحدة، ومع التعدد يقسم
بالسوية، ولو كان من أحد الإخوة من الأب فله المال مع الانفراد
ومع التعدد يقسم بينهم للذكر ضعف الأنثى، ولو كان الأولاد من الإخوة
المتعددة من الأم فلا بد من فرض حياة الوسائط والتقسيم بينهم بالسوية،
ثم يقسم قسمة كل بين أولادهم بالسوية، ولو كان الأولاد من الأختين
أو الزيادة للأب والأم أو للأب مع فقد الأبويني فكالفرض السابق لكن
للذكر ضعف الأنثى، ولو كان الأولاد من الذكر الأبويني أو الأبي أو
كانوا من الذكور والإناث من الأب والأم أو من الأب فلا بد من فرض
الوسائط حيا والقسمة بينهم للذكر ضعف الأنثى، ثم قسمة نصيب كل
منهم بين أولاده للذكر ضعف الأنثى.
الثلث - الكلام في الأولاد مع الوسائط المتعددة كالكلام في المسألة
السابقة في إرث من يتقربون به وكيفية التقسيم.
الرابع - لا يرث أولاد الإخوة من الأب فقط مع وجوده أولاد
الإخوة للأب والأم في جميع الوسائط بشرط أن يكونا في درجة واحدة.
الخامس - لا يرث الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من الجدودة
بلا واسطة، ولو كان واحد من الجدودة الأربعة بلا وسط موجودا لا يرث
388

الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من ذي وسط واحد لا يرث
ذو وسائط متعددة، وهكذا كل أقرب مقدم على الأبعد.
السادس - الجد الأعلى بأي واسطة كان يرث مع الإخوة إذا لم يكن
في صنفه أقرب منه، كما أن الإخوة وأولادهم مع أي واسطة يرثون مع الجد
بشرط أن لا يكون في صنفهم أقرب منهم، فلو اجتمع جد الجد وإن
علا مع الأخ يرث فضلا عما إذا كان مع ولده، وكذا لو اجتمع ولد
الإخوة وإن دنى مع الجد بلا وسط يرث فضلا عن كونه مع الوسط
وبالجملة الأقرب من كل صنف مقدم على الأبعد من هذا الصنف
لا الصنف الآخر.
السابع - لو اجتمع الأجداد الثمانية أي الأبوين من أب الأب وأب
الأم وأم الأب وأم الأم فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي سواء كان
معهم غيرهم أم لا.
المرتبة الثالثة - الأعمام والأخوال، ولا يرث واحد منهم مع وجود
واحد من الطبقة السابقة.
مسألة 1 - لو كان الوارث منحصرا بالعمومة من قبل الأب والأم
أو من قبل الأب فالتركة لهم، ومع اختلاف الجنس للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 2 - لو كان الوارث منحصرا بالعمومة من قبل الأم فالتركة
لهم، ومع التعدد واتحاد الجنس يقسم بالسوية، ومع الاختلاف لا يترك
الاحتياط بالتصالح والتراضي.
مسألة 3 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو من قبل الأب
مع العمومة من قبل الأم فالسدس لعمومة الأم مع الانفراد، والثلث
مع التعدد يقسم بالسوية مع وحدة الجنس، ويحتاط بالصلح مع الاختلاف،
والباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب للذكر ضعف الأنثى مع الاختلاف.
389

مسألة 4 - لو كان الوارث منحصرا بالخؤولة من قبل الأبوين أو
الأب فالتركة لهم، ومع التعدد تقسم بينهم بالسوية مطلقا، وكذا الحال
في الخؤولة من قبل الأم.
مسألة 5 - لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب والأم أو الأب مع الخؤولة
من قبل الأم فالسدس للأمي مع الانفراد، والثلث مع التعدد يقسم بالسوية
مطلقا، والباقي للخؤولة من قبل الأب والأم، ومع فقدهم للخؤولة من
قبل الأب، ومع التعدد يقسم بالسوية مطلقا.
مسألة 6 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة
من قبل الأبوين أو الأب فالثلث للخؤولة، ومع التعدد يقسم بالسوية،
والثلثان للعمومة للذكر ضعف الأنثى مع التعدد والاختلاف.
مسألة 7 - لو اجتمع العمومة من قبل الأم والخؤولة كذلك فالثلث
للخؤولة، وفي صورة التعدد يقسم بالسوية مطلقا، والثلثان للعمومة،
ومع التعدد يقسم بالسوية مع عدم الاختلاف، ومع يحتاط بالتصالح.
مسألة 8 - لو اجتمع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك
والعمومة من قبل الأم فالثلث للخؤولة بالسوية مع التعدد مطلقا، والسدس
من الثلثين للعمومة من قبل الأم مع الاتحاد، والثلث مع التعدد بالسوية،
ومع اختلاف الجنس يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل
الأبوين أو الأب، ومع التعدد والاختلاف للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 9 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة
والخؤولة من قبل الأم فالثلث للخؤولة من قبل الأم يقسم مع التعدد بالسوية
مطلقا، والسدس من الثلثين في صورة الاتحاد والثلث في صورة التعدد
للعمومة من قبل الأم، ويحتاط في صورة التعدد والاختلاف، والباقي للباقي
للذكر ضعف الأنثى مع التعدد والاختلاف.
390

مسألة 10 - لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة
كذلك والخؤولة من قبل الأم فالثلث للخؤولة مطلقا، والسدس من الثلث
مع الاتحاد والثلث منه مع التعدد للأمي منهم يقسم بينهم بالسوية مطلقا،
وبقيته للخؤولة من الأب أو الأبوين بالسوية مطلقا، والثلثان من التركة
للعمومة، ومع التعدد والاختلاف للذكر مثل حط الأنثيين.
مسألة 11 - لو اجتمع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة
والخؤولة من قبل الأم فالثلث للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد
وثلثه مع التعدد للخؤولة من قبل الأم بالسوية مطلقا، والباقي من الثلث
للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب يقسم بالسوية مطلقا، والثلثان من التركة
للعمومة من قبل الأم، ومع التعدد والاختلاف يحتاط بالتصالح.
مسألة 12 - لو اجتمع الأصناف الأربعة فالثلث للخؤولة، وسدس
هذا الثلث مع الاتحاد وثلثه مع التعدد للخؤولة من قبل الأم بالسوية مطلقا
والباقي من هذا الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسوية أيضا،
والسدس من ثلثي التركة مع الاتحاد والثلث مع التعدد للعمومة من قبل
الأم، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من
قبل الأب أو الأبوين للذكر ضعف الأنثى مع التعدد والاختلاف.
مسألة 13 - لو كان أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو
الأب فله نصيبه الأعلى، والباقي للباقي للذكر ضعف الأنثى، ولو كان
مع الخؤولة من قبلهما أو قبله فكذلك إلا أنه يقسم الباقي بين الباقي بالسوية
مطلقا، وكذا لو كان مع الخؤولة من قبل الأم، ولو كان مع العمومة
من قبلها فكذلك إلا مع الاختلاف في الجنس، فلا يترك الاحتياط بالتصالح.
مسألة 14 - لو كان أحدهما مع العمومات من قبل الأبوين أو الأب
والعمومة من قبل الأم فله نصيبه الأعلى. وللعمومة من قبل الأم السدس
391

من البقية مع الانفراد والثلث مع التعدد يقسم بالسوية مع وحدة الجنس،
ويحتاط مع الاختلاف، والباقي للعمومة من قبل الأب أو الأبوين للذكر
مثل حظ الأنثيين، ولو كان مع الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة
من الأم فله نصيبه الأعلى، والسدس من البقية مع الانفراد والثلث منها
مع التعدد للخؤولة من الأم يقسم بالسوية مطلقا، والباقي للباقي بالسوية كذلك.
مسألة 15 - لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب
والخؤولة كذلك فله نصيبه الأعلى، وثلث مجموع التركة للخؤولة يقسم
بالسوية مطلقا، والباقي للباقي للذكر ضعف الأنثى، ولو كان في الفرض
الخؤولة من قبل الأم لا الأب أو الأبوين فله نصيبه الأعلى، والثلث من
التركة للخؤولة بالسوية، والباقي للباقي للذكر مثل حظ الأنثيين.
مسألة 16 - لو كان مع أحدهما العمومة من الأم والخؤولة من
الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى، والثلث من المجموع للخؤولة يقسم
بالسوية مطلقا، والباقي للباقي، ويحتاط مع الاختلاف، ولو كان في
الفرض الخؤولة من الأم لا الأبوين أو الأب فالحال كما تقدم في التقسيم
والاحتياط في العمومة.
مسألة 17 - لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب
والخؤولة كذلك كذلك والعومة من الأم فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة
للخؤولة بالسوية مطلقا، والسدس من الباقي مع الانفراد والثلث مع التعدد
للعمومة من قبل الأم يقسم بالسوية، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح،
والباقي للباقي للذكر ضعف الأنثى، ولو كان مع أحدهما العمومة من
الأبوين أو الأب والعمومة من الأم والخؤولة من الأم فله نصيبه الأعلى،
والثلث من التركة للخؤولة من الأم يقسم بالسوية مطلقا، والسدس من
البقية من الانفراد والثلث مع التعدد للعمومة من قبل الأم يقسم بالسوية
392

إلا مع الاختلاف في الجنس، فيحتاط كما تقدم، والباقي للباقي للذكر
مثل حظ الأنثيين.
مسألة 18 - لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة
كذلك والخؤولة من الأم فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة،
وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدد للخؤولة من قبل الأم
بالسوية مطلقا، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسوية
مطلقا، والباقي من التركة للعمومة للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 19 - لو كان مع أحدهما الخؤولة من الأبوين أو الأب
والخؤولة من الأم والعمومة منها فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة
للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدد للخؤولة من الأم
بالسوية مطلقا، وباقي الثلث لسائر الخؤولة بالسوية مطلقا، والباقي من
التركة للعمومة يقسم بالسوية إلا مع الاختلاف، فيجب الاحتياط بالتصالح.
مسألة 20 - لو كان أحدهما مع العمومة من الأبوين أو الأب ومن
الأم والخؤولة من من الأبوين أو الأب ومن الأم فله نصيبه الأعلى، والثلث
من التركة للخؤولة، والسدس من هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدد
للخؤولة من الأم يقسم بالسوية، وباقي الثلث الخؤولة من الأبوين أو الأب
يقسم بالسوية مطلقا، والباقي للعمومة، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدد
للعمومة من الأم يقسم بالسوية إلا من الاختلاف فيجب الاحتياط المذكور
والباقي للعمومة من الأبوين أو الأب للذكر ضعف الأنثى.
مسألة 21 - لا يرث العمومة من قبل الأب مع وجودها من قبل
الأبوين، وكذا الحال في الخؤولة.
393

وهاهنا أمور:
الأول - لا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد
من العمومة أو الخؤولة، فمع وجود خالة من قبل الأم مثلا لا يرث
أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مطلقا إلا في مورد واحد، وهو ما إذا
كان عم من قبل الأب وابن عم من قبل الأبوين فيقدم الثاني على الأول
بشرط أن لا يكون معهما عم من قبل الأبوين ولا فرق بين كون العم من الأب
واحدا أو متعددا، وكذا بين كون ابن العم من قبل الأبوين واحد أو
متعددا، فحينئذ يكون الإرث لابن العم لا العم ولا أبناء الأعمام والعمات
والأخوال والخالات، ولا فرق في ذلك بين وجود أحد الزوجين وعدمه،
ولا يجري الحكم المذكور في تغير ذلك، نعم مع كون الوارث العمة من
قبل الأب وابن العم من قبل الأبوين فالاحتياط بالتصالح مطلوب.
الثاني - أولاد العمومة والخؤولة يقومون عند عدمهم وعدم
من هو في درجتهم، وأن الأقرب مقدم وإن اتحد سببه على الأبعد وإن
تقرب بسببين إلا في مورد واحدا تقدم آنفا، ويرث أولاد العمومة
والخؤولة إرث من يتقربون به.
الثالث - المنتسبون بأم الميت في هذه الطبقة سواء كان الخال أو
الخالة أو أولادهما وسواء كانوا من قبل الأبوين أو الأب يرثون بالسوية
مطلقا، والمنتسبون بأبيه أي العمومة وأولادهم يرثون بالتفاوت للذكر
مثل حط الأنثيين، نعم في العمومة من قبل الأم وأولادهم لا بد من
الاحتياط بالتصالح.
394

الرابع - مع وجود أولاد العمومة من الأبوين لا يرث أولادهم من
الأب فقط، وكذا في أولاد الخؤولة، لكن مع وجود أولاد العمومة
من قبل الأبوين يرث أولاد الخؤولة من قبل الأب مع عدم أولاد الخؤولة
من قبل الأبوين، وكذا مع أولاد الخؤولة من قبل الأبوين يرث أولاد
العمومة من قبل الأب مع فقد أولادهم من الأبوين.
الخامس - قد مر أن أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم، وإذا
كانوا من العمومة المتعددة والخؤولة كذلك لا بد في كيفية التقسيم من فرض
حياة الوسائط والتقسيم بالسوية في المنتسبين بالأم، وللذكر مثل حظ
الأنثيين في المنتسبين بالأب. ثم تقسيم نصيب كل بين أولادهم كالتقسيم
بين الوسائط، ويحتاط في أولاد الأعمام من قبل الأم بالتصالح كما مر،
وهكذا الكلام في الوسائط المتعددة.
السادس - ترتب الأرحام الذين هم من حواشي نسب الميت،
فأعمامه وعماته وأولادهم وإن نزلوا مع الصدق العرفي وكذا أخواله وخالاته
أحق بالميراث من أعمام الأب والأم وعماتها وأخوالهما وخالاتهما، نعم مع
فقد الطائفة الأولى تقوم الثانية مقامهم مرتبين الأقرب منهم مقدم على
الأبد ومع فقدهم عمومة جد الميت وخؤولتهما وأولادهم مرتبون
بحسب القرب والبعد.
السابع - لو اجتمع لوارث موجبان للإرث أو الزيادة يرث بجميعها
إن لم يكن بعضها مانعا عن الآخر ككون أحدهما مثلا أقرب من الآخر
وإلا يرث من جهة المانع دون الممنوع مثل ابن عم هو أخ لأم، ولا فرق
بين كون الموجب نسبا أو سببا، فلو اجتمع السببان أو نسب وسبب فإن
كان أحدهما مانعا يرث به دون الآخر كالمعتق وضامن الجريرة، وإلا بهما
كالزوج وابن العم مثلا، وكيفية الإرث عند الاجتماع كالكيفية عند الانفراد،
395

والاحتياط المتقدم في الأعمام من قبل الأم جار في المقام.
المقصد الثاني في الميراث بسبب الزوجية
مسألة 1 - لا يرث أحد الزوجين جميع المال بسبب الزوجية إلا في
صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام عليه السلام، فيرث
الزوج جميع المال فرضا وردا كما تقدم، وقد ظهر مما مر أن فرض الزوج
نصف تارة وربع أخرى، وفرض الزوجة ربع تارة وثمن أخرى،
ولا يزيد نصيبهما ولا ينقص مع اجتماعهما بأي طبقة أو درجة إلا في الفرض
المتقدم آنفا.
مسألة 2 - يشترط في التوارث بالزوجية أن يكون العقد دائما،
فلا توارث في الانقطاع لا من جانب الزوج ولا الزوجية بلا اشتراط
بلا إشكال، ومع من جانب أو جانبين في غاية الاشكال،
فلا يترك الاحتياط بترك الشرط، ومعه لا يترك بالتصالح، وأن
تكون الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها، فيتوارثان ولو مع عدم
الدخول، والمطلقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدة بخلاف البائنة
فلو مات أحدهما في زمان العدة الرجعية يرثه الآخر بخلاف ما لو مات في
العدة البائنة، نعم لو طلقها في حال المرض ولو بائنا ومات بهذا المرض
ترثه إلى سنة من حيث الطلاق بشرط أن لا يكون الطلاق بالتماس منها،
فلا ترث المختلعة والمباراة، وأن لا تتزوج، فلو طلقها حال المرض
وتزوجت بعد انقضاء عدتها ثم مات الزوج قبل انقضاء السنة لم ترث،
وأن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلقها فيه، فلو برأ منه ثم مرض
ولو بمثل هذا المرض لم ترثه، ولو ماتت هي في مرضه قبل تمام السنة
396

لا يرثها إلا في العدة الرجعية.
مسألة 3 - لو نكح المريض في مرضه فإن دخل بها أو برأ من ذلك
المرض يتوارثان، وإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد ولا مهر لها
ولا ميراث، وكذا لو ماتت في مرضه ذلك المتصل بالموت قبل الدخول
لا يرثها، ولو تزوجت وهي مريضة لا الزوج فمات أو ماتت يتوارثان،
ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر، كما أن الظاهر أن المعتبر موته في
هذا المرض قبل البرء لا بهذا، فلو مات فيه بعلة أخرى لا يتوارثان
أيضا، والظاهر عدم الفرج بين طول المرض وقصره، ولو كان المرض
شبه الأدوار بحيث يقال بعدم برئه في دور الوقوف فالظاهر عدم التوارث
لو مات فيه والأحوط التصالح.
مسألة 4 - إن تعددت الزوجات فالربع مع وجود الولد والثمن
مع عدمه يقسم بينهن بالسوية، فلهن الربع أو الثمن من التركة، ولا فرق
في منع الولد عن نصيبها الأعلى بين كونه منها أو من غيرها، أو كان
من دائمة أو منقطعة، ولا بين كونه بلا واسطة أو معها، والزوجة
المطلقة حال مرض الموت شريكة في الربع أو الثمن مع الشرائط المتقدمة.
مسألة 5 - يرث الزوج من جميع تركة زوجته من منقول وغيره،
وترث الزوجة من المقولات مطلقا، ولا ترث من الأراضي مطلقا لا عينا
ولا قيمة سواء كانت مشغولة بالزرع والشجر والبناء وغيرها أم لا، وترث
القيمة خاصة من آلات البناء كالجذوع والخشب والطوب ونحوها، وكذا
قيمة الشجر والنخل من غير فرق بين أقسام البناء كالرحى والحمام والدكان
والاصطبل وغيرها، وفي الأشجار بين الصغيرة والكبيرة واليابسة التي معدة
للقطع ولم تقطع والأغصان اليابسة، والسعف كذلك مع اتصالها بالشجر.
مسألة 6 - المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة
397

حال الموت، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين
القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة.
مسألة 7 - المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة
على القيمة حي الموت ترث منها، ولو نقصت من نصيبها، نعم
الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح.
مسألة 8 - طريق التقويم أن تقوم الآلات والشجر والنخل باقية في
الأرض مجانا إلى أن تفنى وتعطى حصتها من ذلك، فلو زادت قيمتها مثبتة
إلى أن تفنى عنها غير مثبتة فلها الزيادة.
مسألة 9 - المدار كون الآلات مثبتة حين الموت، فلو خربت البناء
وقطعت الأشجار قبل الموت وبقيت بتلك الحالة إلى حين الموت ترث من
أعيانها كسائر المنقولات، ومن المنقول الثمر على الشجر والزرع والبذر
المزروع، وكذا القدر المثبت في الدكان ليطبخ فيه، فإن الظاهر أنه
من المنقول، كما أن الظاهر أن الدولاب والعريش الذي يكون عليه أغصان
الكرم من غير المنقول.
مسألة 10 - الأقوى أن الزوجة تستحق القيمة، ويجوز لها أن لا تقبل
نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان.
مسألة 11 - لا يجوز للزوجة التصرف في الأعيان التي تستحق قيمتها
بلا رضا سائر الورثة، والأحوط لسائر الورثة عدم التصرف فيها قبل
أداء قيمتها بغير إذنها.
مسألة 12 - لو زرع الصغيرة أبوها أو جدها لأبيها بالكفو بمهر
المثل أو الأكثر يرثها الزوج وترثه، وكذا لو زوج الصغيرين أبوهما و
جدهما لأبيها، بل لو كان التزويج بالكفو بدون مهر المثل مع عدم المفسدة
فضلاء عما كان فيه الصلاح، وكذا لو زوج الحاكم في مورد جاز له التزويج
398

وقد مر بعض ما يناسب المقام في النكاح.
مسألة 13 - الإرث بسبب الولاء غير مبتلى به إلا بسبب الإمامة
فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدمة ولا بولاء العتق وضمان
الجريرة ولم يكن له زوج يرثه الإمام عليه السلام، ولو كان الوارث الزوجة
فقط فالبقية بعد الربع له عليه السلام، وأمره في عصر غيبة ولي الأمر
عجل الله تعالى فرجه كسائر ما للإمام عليه السلام بيد الفقيه الجامع للشرائط.
وأما اللواحق ففيها فصول:
الأول
في ميراث الخنثى.
مسألة 1 - لو كان بعض الوراث خنثى بأن كان له فرج الرجال
والنساء فإن أمكن تعيين كونه رجلا أو امرأة بإحدى المرجحات المنصوصة
أو غير المنصوصة فهو غير مشكل، ويعمل على طبقها، وإلا فهو مشكل.
مسألة 2 - المرجحات المنصوصة أمور: الأول - أن يبول من أحد
الفرجين دائما أو غالبا بحيث يكون البول من غيره نادرا كالمعدوم.
وإلا فمحل إشكال، فيرث على الفرج الذي يبول منه، فإن بال من فرج
الرجال يرث ميراث الذكر، وإن بال من فرج النساء يرث ميراث الأنثى،
الثاني - سبق البول من أحد الفرجين دائما أو غالبا بنحو عد ما عداه
كالمعدوم لو بال منهما، فإن سبق مما للرجال يرث ميراث الذكر، وإن
سبق مما للنساء يرث ميراث الأنثى، الثالث - قيل تأخر الانقطاع من أحد
399

الفرجين دائما أو غالبا مع فقد الأمارة الثانية، وفيه إشكال لا يترك
الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات، الربع - عد الأضلاع، فإن
كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال ويرث إرث
الذكر، وإن كانتا متساويتين يرث إرث الأنثى.
مسألة 3 - لو فقدت العلائم المنصوصة فإن كانت فيه علائم خاصة
بالنساء كروية الدم حسب ما ترى النساء أو خاصة بالرجال كانبات اللحية
مثلا فإن حصل منها الاطمئنان يحكم بحسبه، وإلا فهو من المشكل.
مسألة 4 - الخنثى المشكل أي الذي لا تكون فيه المرجحات المنصوصة
ولا العلائم الموجبة للاطمئنان يرث نصف نصيب الرجال ونصف نصيب النساء.
مسألة 5 - لو لم يكن لشخص فرج الرجال ولا النساء وخرج بوله
من محل آخر كدبره فالأقوى العمل بالقرعة.
مسألة 6 - لو كان لشخص رأسان على صدر واحد أو بدنان على
حقو واحد فطريق الاستعلام أن يوقظ أحدهما فإن انتبه دون الآخر فهما
اثنان يورثان ميراث الاثنين، وإن انتبها يورث إرث الواحد، ثم إن لهذا
الموضوع فروعا كثيرة جدا سيالة في أبواب الفقه مذكور بعضها في المفصلات.
الفصل الثاني
في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم
مسألة 1 - لو مات اثنان بينهما توارث في آن واحد بحيث يعلم تقارن
موتهما فلا يكون بينهما توارث، سواء ماتا أحدهما حتف أنف
أو بسبب، كان السبب أو لكل، فيرث من كل منهما الحي
400

من وراثه حال موته، وكذا الحال في موت الأكثر من اثنين.
مسألة 2 - لو مات اثنان حتف أنف أو بسبب وشك في التقارن
وعدمه أو علم عدم التقارن وشك في المتقدم والمتأخر فإن علم تاريخ أحدهما
المعين يرث الآخر أي مجهول التاريخ منه دون العكس، وكذا في أكثر
من واحد، ولا فرق في الأسباب كما تقدم.
مسألة 3 - لو مات اثنان وشك في التقارن والتقدم والتأخر ولم يعلم
التاريخ فإن كان سبب موتهما الغرق أو الهدم فلا إشكال في إرث كل منهما
من الآخر، وإن كان السبب غيرهما أي بسبب كان أو كان الموت حتف
أنف أو اختلفا في الأسباب فهل يحكم بالقرعة أو التصالح أو كان حكمه
حكم الغرقى والمهدوم عليهم؟ وجوه، أقواها الأخير وإن كان الاحتياط
بالتصالح مطلوبا سيما فيما كان موتهما أو موت أحدهما حتف أنف، ويجري
الحكم في موت الأكثر من اثنين.
مسألة 4 - لو ماتا وعلم تقدم أحدهما على الآخر وشك في المتقدم
وجهل تاريخها فالأقوى الرجوع إلى القرعة سواء كان السبب الغرق أو
الهدم أو غيرهما أو ماتا أو أحدهما حتف أنف.
مسألة 5 - طريق التوريث من الطرفين أن يفرض حياة كل واحد
منهما حين موت الآخر ويرث من تركته حال الموت ثم يرث وارثه الحي
ما ورثه، نعم لا يرث واحد منهما مما ورث الآخر منه، فلو مات ابن
وأب ولم يعلم التقدم والتأخر والتقارن وكان للأب غير الابن الذي مات
معه ابنة وكان ما تركه تسعمأة وكان للابن الميت ابن وما تركه ستمائة
فيفرض أولا موت الأب وحياة الابن فيرث من أبيه ستمأة ثلثي التركة،
وهي حق ابنه أي ابن ابن الميت، والباقي حق أخته، ثم يفرض موت
الابن وحياة الأب منه مأة سدس تركته، ويؤتى ابنته، والباقي
401

حق ابن ابنه.
مسألة 6 - يشترط في التوريث من الطرفين عدم الحاجب من الإرث
في كل منهما، ولو كان أحدهما محجوبا يرث منه صاحبه، كما أنه لو لم يكن
لأحدهما ما ترك من مال أو حق يرث ممن له ذلك، فلا يشترط في إرثه
منه إرث الطرف منه.
الفصل الثالث
في ميراث المجوس وغيرهم من الكفار
مسألة 1 - المجوس وغيرهم من فرق الكفار قد ينكحون المحرمات
عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل، وقد ينكحون المحللات عندنا، فلهم
نسب وسبب صحيحان وفاسدان.
مسألة 2 - لا يرث مجوسي ولا غيره ممن لا يكون بينه وبينه نسب
أو سبب صحيح في مذهبه.
مسألة 3 - لو كان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا
كما لو نكح أحدهم بأمه أو بنته وأولدها فهل لا يكون بين الولد وبينهما
وكذا بين الزوج والزوجة توارث مطلقا، وإنما التوارث بالنسب والسبب
الصحيحين عندنا، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسدا وبالسبب
الصحيح دون الفاسد، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما؟ وجوه
وأقوال أقواها الأخير.
مسألة 4 - لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع
مثل أم هي زوجته، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب
402

الأمومة، ولو ماتت فله نصيب الزوج والابن.
مسألة 5 - لو اجتمع سببان وكان أحدهما مانعا من الآخر ورث
من جهة المانع فقط مثل بنت هي أخت من أم، فلها نصيب البنت
لا الأخت، وبنت هي بنت بنت، فلها نصيب البنت فقط.
مسألة 6 - لو كان لامرأة زوجان أو أكثر وصح في مذهبهم فماتت
فالظاهر أن إرث الزوج أي النصف أو الربع يسم بينهم بالسوية كارث
الزوجات منه، ولو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو
الثمن، ولو ماتا فلها من كل منهما نصيبها من الربع أو الثمن.
مسألة 7 - لو تزوجوا بالسبب الفاسد عندهم والصحيح عندنا
فلا يبعد جريان حكم الصحيح عليه، ولكن ألزموا فيما عليهم بما أنزلوا به
أنفسهم.
مسألة 8 - المسلم لا يرث بالسبب الفاسد، فلو تزوج أحد محارمه
لم يتوارثا بهذا التزويج وإن فرض كونه عن شبهة، فلو تزوج أمه من
الرضا أو من الزنا فلا يتوارثان به.
مسألة 9 - المسلم يرث بالنسب الصحيح وكذا الفاسد لو كان عن
شبهة، فلو اعتقد أن أمه أجنبية فتزوجها وأولد منها يرث الولد منهما وهما
منه، فيأتي في المسلم مع الشبهة الفروع التي تتصور في المجوس، ولا فرق
في الشبهة بين الموضوعية والحكمية.
مسألة 10 - لو اختلف اجتهاد فقيهين في صحة تزويج وفساده
كتزويج أم المزني بها أو المختلفة من ماء الزاني فتزوج القائل بالصحة أو
مقلده ليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحة عليه، فلا توارث بينهما
عند المبطل.
403

كتاب القضاء
وهو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الآتية، ومنصب
القضاء من المناصب الجليلة الثابتة من قبل الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله
ومن قبله للأئمة المعصومين عليهم السلام، ومن قبلهم للفقيه الجامع للشرائط
الآتية، ولا يخفى أن خطره عظيم، وقد ورد " أن القاضي على شفير
جهنم " وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " يا شريح قد جلست
مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي " وعن أبي عبد الله عليه السلام
" اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في
المسلمين لنبي أو وصي نبي " وفي رواية " من حكم في درهمين بغير ما
أنزل الله عز وجل فقد كفر " وفي أخرى " لسان القاضي بين جمرتين
من نار حتى يقضي بين الناس فإما في الجنة وإما في النار " وعن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في
الجنة، رجل قضى يجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى يجور وهو
لا يعلم فهو في النار. ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار،
ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة " ولو كان موقوفا على الفتوى
404

يلحقه خطر الفتوى أيضا، ففي الصحيح قال أبو جعفر عليه السلام:
" من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنه ملائكة الرحمة وملائكة
العذاب. ولحقه وزر من عمل بفتياه ".
مسألة 1 - يحرم القضاء بين الناس ولو في الأشياء الحقيرة إذا
لم يكن من أهله، فلو لم ير نفسه مجتهدا عادلا جامعا لشرائط الفتيا
والحكم حرم عليه تصديه وإن اعتقد الناس أهليته، ويجب كفاية على أهله،
وقد يتعين إذا لم يكن في البلد أو ما يقرب منه مما لا يتعسر الرفع إليه
من به الكفاية.
مسألة 2 - لا يتعين القضاء على الفقيه إذا كان من به الكفاية ولو
اختاره المترافعان أو الناس.
مسألة 3 - يستحب تصدي القضاء لمن يثق بنفسه القيام بوظائفه،
والأولى تركه مع وجود من به الكفاية، لما فيه من الخطر والتهمة.
مسألة 4 - يحرم الترافع إلى قضاء الجور: أي من لم يجتمع فيهم
شرائط القضاء، فلو ترافع إليهم كان عاصيا، وما أخذ بحكمهم حرام
إذا كان دينا، وفي العين إشكال إلا إذا توقف استيفاء حقه على الترافع
إليهم، فلا يبعد جوازه سيما إذا كان في تركه حرج عليه، وكذا لو توقف
ذلك على الحلف كاذبا جاز.
مسألة 5 - يجوز لمن لم يتعين القضاء الارتزاق من بيت المال
ولو كان غنيا، وإن كان الأولى الترك مع الغني، ويجوز مع تعينه عليه
إذا كان محتاجا، ومع كونه غنيا لا يخلو من إشكال وإن كان الأقوى
جوازه، وأما أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما فالأحوط الترك حتى
مع عدم التعين عليه، ولو كان محتاجا يأخذ الجعل أو الأجر على بعض
المقدمات.
405

مسألة 6 - أخذ الرشوة وإعطاؤها حرام توصل بها إلى الحكم له
بالباطل، نعم لو توقف التوصل إلى حقه عليها جاز للدافع وإن حرم على
الأخذ، وهل يجوز الدفع إذا كان محقا ولم يتوقف التوصل إليه عليها؟
قيل: نعم، والأحوط الترك، بل لا يخلو من قوة، ويجب على المرتشي
إعادتها إلى صاحبها من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون الرشاء بعنوانه
أو بعنوان الهبة أو الهدية أو البيع المحاباتي ونحو ذلك.
مسألة 7 - قيل من لا يقبل شهادته لشخص أو عليه لا ينفذ حكمه
كذلك كشهادة الولد على والده والخصم على خصمه، والأقوى نفوذه وإن
قلنا بعدم قبول شهادته.
مسألة 8 - لو رفع المتداعيان اختصامهما إلى فقيه جامع للشرائط
فنظر في الواقعة وحكم على موازين القضاء لا يجوز لهما الرفع إلى حاكم آخر،
وليس للحاكم الثاني النظر ونقضه، بل لو تراضى الخصمان على ذلك
فالمتجه عدم الجواز، نعم لو ادعى أحد الخصمين بأن الحاكم الأول لم يكن
جامعا للشرائط - كأن ادعى عدم اجتهاده أو عدالته حال القضاء - كانت
مسموعة يجوز للحاكم الثاني النظر فيها، فإذا ثبت عدم صلوحه للقضاء نقض حكمه
كما يجوز النقض لو كان مخالفا لضروري الفقه بحيث لو تنبه الأول يرجع
بمجرده لظهور غفلته، وأما النقض فيما يكون نظريا اجتهاديا فلا يجوز،
ولا تسمع دعوى المدعي ولو ادعى خطأه في اجتهاده.
مسألة 9 - لو افتقر الحاكم إلى مترجم لسماع الدعوى أو جواب
المدعى عليه أو الشهادة يعتبر أن يكون شاهدين عدلين.
406

القول في صفات القاضي
وما يناسب ذلك
مسألة 1 - يشترط في القاضي البلوغ والعقل والايمان والعدالة
والاجتهاد المطلق والذكورة وطهارة المولد والأعلمية ممن في البلد أو ما يقربه
على الأحوط، والأحوط أن يكون ضابطا غير غالب عليه النسيان،
بل لو كان نسيانه سلب منه الاطمئنان فالأقوى عدم جواز قضائه،
وأما الكتابة ففي اعتبارها نظر، والأحوط اعتبار البصر وإن كان عدمه
لا يخلو من وجه.
مسألة 2 - تثبت الصفات المعتبرة في القاضي بالوجدان والشياع
المفيد للعلم أو الاطمئنان والبينة العادلة، والشاهد على الاجتهاد أو الأعلمية
لا بد وأن يكون من أهل الخبرة.
مسألة 3 - لا بد من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كل من
المترافعين، ولا يكفي الثبوت عند أحدهما.
مسألة 4 - يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر، فلا بد له
من الحكم على طبق رأيه لا رأي غيره ولو كان أعلم.
مسألة 5 - لو اختار كل من المدعي والمنكر حاكما لرفع الخصومة
فلا يبعد تقديم اختيار المدعي لو كان القاضيان متساويين في العلم، وإلا
فالأحوط اختيار الأعلم، ولو كان كل منهما مدعيا من جهة ومنكرا من جهة
أخرى فالظاهر في صورة التساوي الرجوع إلى القرعة.
مسألة 6 - إذا كان لأحد من الرعية دعوى على القاضي فرفع إلى قاض
آخر تسمع دعواه وأحضره، ويجب على القاضي، إجابته، ويعمل معه
407

الحاكم في القضية معاملته مع مدعيه من التساوي في الآداب الآتية.
مسألة 7 - يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر من القاضي، بل
قد يجب، نعم لو شك في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لا يجوز
إلا بعد الاحراز، كما لا يجوز نقض حكمه مع الشك واحتمال صدور حكمه
صحيحا، ومع علمه بعدم أهليته ينقض حكمه.
مسألة 8 - يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه من دون بينة أو إقرار أو حلف
في حقوق الناس، وكذا في حقوق الله تعالى، بل لا يجوز له الحكم بالبينة
إذا كانت مخالفة لعلمه، أو إحلاف من يكون كاذبا في نظره، نعم يجوز
له عدم التصدي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعين عليه.
مسألة 9 - لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقا يجوز أن يحكم
بها على طبقه فعلا إذا تذكر حكمه وإن لم يتذكر مستنده، وإن لم يتذكر
الحكم فقامت البينة عليه جاز له الحكم، وكذا لو رأي خطه وخاتمة وحصل
منهما القطع أو الاطمئنان به، ولو تبدل رأيه فعلا مع رأي سابقه الذي
حكم به جاز تنفيذ حكمه إلا مع العلم بخلافه، بأن يكون حكمه مخالفا لحكم
ضروري أو إجماع قطعي، فيجب عليه نقضه.
مسألة 10 - يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهلية القضاء من غير
الفحص عن مستنده، ولا يجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته
لرأيه، وهل له الحكم مع العلم به؟
الظاهر أنه لا أثر لحكمه بعد حكم
القاضي الأول بحسب الواقعة، وإن كان قد يؤثر في إجراء الحكم كالتنفيذ
فإنه أيضا غير مؤثر في الواقعة وإن يؤثر في الاجراء أحيانا، ولا فرق في جواز
التنفيذ بين كونه حيا أو ميتا، ولا بين كونه باقيا على الأهلية أم لا بشرط
أن لا يكون إمضاؤه موجبا لاغراء الغير بأنه أهل فعلا.
مسألة 11 - لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل سواء كان
408

غير مجتهد أو غير عادل ونحو ذلك وإن علم بكونه موافقا للقواعد، بل يجب
نقضه مع الرفع إليه أو مطلقا.
مسألة 12 - إنما يجوز إمضاء حكم القاضي الأول إذا علم بصدور
الحكم منه إما بنحو المشافهة أو التواتر ونحو ذلك، وفي جوازه باقرار
المحكوم عليه إشكال، ولا يكفي مشاهدة خطه وإمضائه، ولا قيام البينة
على ذلك، نعم لو قامت على أنه حكم بذلك فالظاهر جوازه.
القول في وظائف القاضي
وهي أمور: الأول - يجب التسوية بين الخصوم - وإن تفاوتا في الشرف
والضعة - في السلام والرد والاجلاس والنظر والكلام والانصاف وطلاقة
الوجه وسائر الآداب وأنواع الاكرام، والعدل في الحكم، وأما التسوية
في الميل بالقلب فلا يجب، هذا إذا كانا مسلمين، وأما إذا كان أحدهما
غير مسلم يجوز تكريم المسلم زائدا على خصمه، وأما العدل في الحكم فيجب
على أي حال.
الثاني - لا يجوز للقاضي أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهر به
على خصمه كأن يدعي بنحو الاحتمال فيلقنه أن يدعى جزما حتى تسمع
دعواه أو يدعي أداء الأمانة أو الدين فيلقنه الانكار، وكذا لا يجوز أن
يعلمه كيفية الاحتجاج وطريق الغلبة، هذا إذا لم يعلم أن الحق معه وإلا جاز
كما جاز له الحكم بعلمه، وأما غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحة
دعواه، ولا يجوز مع علمه بعدمها، ومع جهله فالأحوط الترك.
الثالث - لو ورد الخصوم مترتبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأول
فالأول إلا إذا رضي المتقدم تأخيره، من غير فرق بين الشريف والوضيع
409

والذكر والأنثى، وإن وردوا معا أو لم يعلم كيفية ورودهم ولم يكن طريق
لاثباته يقرع بينهم مع التشاح.
الرابع - لو قطع المدعى عليه دعوى المدعي بدعوى لم يسمعها حتى
يجب عن دعوى صاحبه، وتنتهي الحكومة ثم يستأنف هو دعواه إلا مع رضا
المدعي الأول بالتقديم.
الخامس - إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى، ولم ابتدرا
معا يسمع من الذي على يمين صاحبه، ولو اتفق مسافر وحاضر فهما سواء
ما لم يستضر أحدهما بالتأخير، فيقدم دفعا للضرر، وفيه تردد.
القول في شروط سماع الدعوى
وليعلم أن تشخيص المدعي والمنكر عرفي كسائر الموضوعات العرفية،
وليس للشارع الأقدس اصطلاح خاص فيهما، وقد عرف بتعاريف متقاربة
والتعاريف جلها مربوطة بتشخيص المورد، كقولهم: إنه من لم ترك ترك
أو يدعي خلاف الأصل، أو من يكون في مقام إثبات أمر على غيره،
والأولى الايكال إلى العرف، وقد يختلف المدعي والمنكر عرفا بحسب طرح
الدعوى ومصبها، وقد يكون من قبيل التداعي بحسب المصب.
مسألة 1 - يشترط في سماع دعوى المدعي أمور بعضها مربوط بالمدعي،
وبعضها بالدعوى، وبعضها بالمدعى عليه، وبعضها بالمدعى به.
الأول - البلوغ، فلا تسمع من الطفل ولو كان مراهقا، نعم لو رفع
الطفل المميز ظلامته إلى القاضي فإن كان له ولي أحضره لطرح الدعوى،
وإلا فأحضر المدعى عليه ولاية، أو نصب قيما له أو وكل وكيلا
في الدعوى أو تكفل بنفسه وأحلف المنكر لو لم تكن بينة، ولو رد الحلف
410

فلا أثر لحلف الصغير، ولو علم الوكيل أو الولي صحة دعواه جاز
لهما الخلف.
الثاني - العقل، فلا تسمع من المجنون ولو كان أدواريا إذا رفع
حال جنونه.
الثالث - عدم الحجر لسفه إذ استلزم منها التصرف المالي، وأما
السفيه قبل الحجر فتسمع دعواه مطلقا.
الرابع - أن لا يكون أجنبيا عن الدعوى، فلو ادعى بدين شخص
أجنبي على الآخر لم تسمع، فلا بد فيه من نحو تعلق به كالولاية والوكالة
أو كان المورد متعلق حق له.
الخامس - أن يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها، فلو ادعى
أن الأرض متحركة وأنكرها الآخر لم تسمع، ومن هذا الباب ما لو ادعى
الوقف عليه أو الهبة مع التسالم على عدم القبض، أو الاختلاف في البيع
وعدمه مع التسالم على بطلانه على فرض الوقوع، كمن ادعى أنه باع ربويا
وأنكر الآخر أصل الوقوع، ومن ذلك ما لو ادعى أمرا محالا،
أو ادعى أن هذا العنب الذي عند فلان من بستاني وليس لي إلا هذه
الدعوى لم تسمع، لأنه بعد ثبوته بالبينة لا يؤخذ من الغير لعدم ثبوت
كون له، ومن هذا الباب لو ادعى مالا يصح تملكه، كما لو ادعى أن
هذا الخنزير أو الخمر لي، فإنه بعد الثبوت لا يحكم برده إليه إلا فيما يكون
له الأولوية فيه، ومن ذلك الدعوى على غير محصور كمن ادعى أن لي
علي واحد من أهل هذا البلد دينا.
السادس - أن يكون المدعى به معلوما بوجه، فلا تسمع دعوى
المجهول المطلق كأن ادعى أن لي عنده شيئا، لتردد بين كونه مما تسمع فيه
الدعوى أم لا، وأما لو قال: " إن لي عنده فرسا أو دابة أو ثوبا " فالظاهر
411

أنه تسمع، فبعد الحكم بثبوتها يطالب المدعى عليه بالتفسير، فإن فسر
ولم يصدقه المدعي فهو دعوى أخرى، وإن لم يفسر لجهالته مثلا فإن كان
المدعى به بين أشياء محدودة يقرع على الأقوى، وأن أقر بالتلف ولم ينازعه
الطرف فإن اتفقا في القيمة وإلا ففي الزيادة دعوى أخرى مسموعة.
السابع - أن يكون للمدعي طرف يدعى عليه، فلو ادعى أمرا
من دون أن تكون على شخص ينازعه فعلا لم تسمل، كما لو أراد إصدار
حكم من فقيه يكون قاطعا للدعوى المحتملة، فإن هذه الدعوى غير مسموعة
ولو حكم الحاكم بعد سماعها فإن كان حكمه من قبيل الفتوى كأن حكم
بصحة الوقف الكذائي أو البيع الكذائي فلا أثر له في قطع المنازعة لو فرض
وقوعها، وإن كان من قبيل أن لفلان على فلان دينا بعد عدم النزاع بينهما
فهذا ليس حكما يترتب عليه الفصل وحرمة النقض، بل من قبيل النزاع الشهادة،
فإن رفع الأمر إلى قاض آخر يسمع دعواه، ويكون ذلك الحاكم من قبيل
أحد الشهود، ولو رفع الأمر إليه وبقي على علمه بالواقعة له الحكم
على طبق علمه.
الثامن - الجزم في الدعوى في الجملة، والتفصيل أنه لا إشكال
في سماع الدعوى إذا أوردها جزما، وأما لو ادعى ظنا أو احتمالا ففي سماعها
مطلقا أو عدمه مطلقا أو التفضيل بين موارد التهمة وعدمها بالسماع في الأول
أو التفصيل بين ما يتعسر الاطلاع عليه كالسرقة وغيره فتسمع في الأول
أو التفصيل بين ما يتعارف الخصومة به - كما لو وجد الوصي أو الوارث سندا
أو دفترا فيه ذلك أو شهد به من لا يوثق به - وبين غيره فتسمع في الأول
أو التفصيل بين موارد التهمة وما يتعارف الخصومة به وبين غيرهما فتسمع
فيهما وجوه، الأوجه الأخير، فيحنئذ لو أقر المدعى عليه أو قامت البينة
فهو، وإن حلف المدعى عليه سقطت الدعوى، ولو رد اليمين لا يجوز
412

للمدعي الحلف، فتتوقف الدعوى، فلو ادعى بعده جزما أو عثر على بينة
ورجع إلى الدعوى تسمع منه.
التاسع - تعيين المدعى عليه، فلو ادعى على أحد الشخصين
أو الأشخاص المحصورين لم تسمع على قول، والظاهر سماعها، لعدم
خلوها عن الفائدة، لامكان إقرار أحدهما لدى المخاصمة، بل لو أقيمت
البينة على كون أحدهما مديونا مثلا فحكم بأن الدين على أحدهما
فثبت بعد براءة أحدهما يحكم بمديونية الآخر، بل لا يبعد بعد الحكم الرجوع
إلى القرعة، فيفرق بين ما علما أو علم أحدهما باشتغال ذمة أحدهما فلا تأثير
فيه، وبين حكم الحكم لفصل الخصومة فيقال بالاقتراع.
مسألة 2 - لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاقه، فتكفي
الدعوى بنحو الاطلاق من غير ذكر السبب، سواء كان المدعى به عينا
أو دينا أو عقدا من العقود، نعم في دعوى القتل اشتراط بعض لزوم
بيان أنه عن عمد أو خطأ، بمباشرة أو تسبيب، كان هو قاتلا أو مع الشركة.
مسألة 3 - لو لم يكن جازما فأراد الدعوى على الغير لا بد أن يبرزها
بنحو ما يكون من الظن أو الاحتمال، ولا يجوز إبرازها بنحو الجزم ليقبل
دعواه بناء على عدم السماع من غير الجازم.
مسألة 4 - لو ادعى اثنان مثلا بأن لأحدهما على أحد كذا تسمع،
وبعد الاثبات على وجه الترديد بينهما.
مسألة 5 - لا يشترط في سماع الدعوى حضور المدعى عليه في بلد
الدعوى، فلو ادعى على الغائب من البلد سواء كان مسافرا أو كان من بلد
آخر - قريبا كان أو بعيدا، تسمع، فإذا أقام البينة حكم القاضي على الغائب
ويرد عليه ما ادعى إذا كان عينا، ويباع من مال الغائب ويؤدى دينه
إذا كان دينا، ولا يدفع إليه إلا مع الأمن من تضرر المدعى عليه لو حضر
413

وقضي له بأن يكون المدعي مليا أو كان له كفيل، وهل يجوز الحكم لو كان
غائبا وأمكن إحضاره بسهولة أو كان في البلد وتعذر حضوره بدون إعلامه؟
فيه تأمل، ولا فرق في سماع الدعوى على الغائب بين أن يدعي المدعي
جحود المدعى عليه وعدمه، نعم لو قال: " إنه مقر ولا مخاصمة بيننا "
فالظاهر عدم سماع دعواه، وعدم الحكم، والأحوط عدم الحكم على الغائب
إلا بضم اليمين، ثم إن الغائب على حجته، فإذا حضر وأراد جرح الشهود
أو إقامة بينة معارضة يقبل منه لو قلنا بسماع بينته.
مسألة 6 - الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس
فلا يجوز الحكم عليه في حقوق الله تعالى مثل الزنا، ولو كان في جناية
حقوق الناس وحقوق الله كما في السرقة فإن فيها القطع وهو من حقوق الله
وأخذ المال ورده إلى صاحبه وهو من حقوق الناس جاز الحكم في حقوق
الناس دون حقوق الله، فلو أقام المدعي البينة حكم الحاكم، ويؤخذ المال
على ما تقدم.
مسألة 7 - لو تمت الدعوى من المدعي فإن التمس من الحاكم إحضار
المدعى عليه أحضره، ولا يجوز التأخير غير المتعارف، ومع عدم التماسه
وعدم قرينة على إرادته فالظاهر توقفها إلى أن يطلبه.
فصل في جواب المدعى عليه
المدعى عليه إما أن يسكت عن الجواب أو يقر أو ينكر أو يقول:
" لا أدري " أو يقول: " أديت " ونحو ذلك مما هو تكذيب للمدعي.
414

القول في الجواب بالاقرار
مسألة 1 - إذا أقر المدعى عليه بالحق عينا أو دينا وكان جامعا
لشرائط الاقرار وحكم الحاكم ألزمه به، وانفصلت الخصومة، ويترتب
عليه لوازم الحكم كعدم جواز نقضه وعدم جواز رفعه إلى حاكم آخر وعدم
جواز سماع الحاكم دعواه وغير ذلك، ولو أقر ولم يحكم فهو مأخوذ باقرار
فلا يجوز لأحد التصرف فيما عند إذا أقر به إلا بإذن المقر له، وجاز
لغيره إلزامه، بل وجب من باب الأمر بالمعروف، وكذا الحال لو قامت
البينة على حقه من جواز ترتيب الأثر على البينة، وعدم جواز التصرف
إلا بإذن من قامت على حقه، نعم في جواز إلزامه أو وجوبه مع قيام
البينة من باب الأمر بالمعروف إشكال، لاحتمال أن لا يكون الحق عنده
ثابتا ولم تكن البينة عنده عادلة، ومعه لا يجوز أمره ونهيه، بخلاف
الثبوت بالاقرار.
مسألة 2 - بعد إقرار المدعى عليه ليس للحاكم على الظاهر الحكم إلا بعد
طلب المدعي، فإذا طلب منه يجب عليه الحكم فيما يتوقف استيفاء حقه
عليه على الأقوى، ومع عدم التوقف على الأحوط بل لا يخلو من وجه،
وإذا لم يطلب منه الحكم أو طلب عدمه فحكم الحاكم ففي فصل الخصومة
به تردد.
مسألة 3 - الحكم إنشاء ثبوت شئ أو ثبوت شئ على ذمة شخص
أو الالزام بشئ ونحو ذلك، ولا يعتبر فيه لفظ خاص، بل اللازم الانشاء
دين فلان أو هذا الشئ لفلان وأمثال ذلك من كل لغة كان إذا أريد
415

الانشاء ودل اللفظ بظاهره عليه ولو مع القرينة.
مسألة 4 - لو التمس المدعي أن يكتب له صرورة الحكم أو إقرار
المقر فالظاهر عدم وجوبه إلا إذا توقف عليه استنقاذ حقه، وحينئذ هل
يجوز له مطالبة الأجر أم لا؟ الأحوط ذلك وإن لا يبعد الجواز، كما لا إشكال
في جواز مطالبة قيمة القرطاس والمداد، وأما مع عدم التوقف فلا شبهة
في شئ منها، ثم إنه لم يكتب حتى يعلم اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه
يخرج عن الاشتراك والابهام، ولو لم يعلم لم يكتب إلا مع قيام شهادة
عدلين بذلك، ويكتب مع المشخصات النافية للايهام والتدليس، ولو لم يحتج
إلى ذكر النسب وكفى ذكر مشخصاته اكتفى به.
مسألة 5 - لو كان المقر واجدا ألزم بالتأدية، ولو امتنع أجبره
الحاكم وإن ماطل وأصر على المماطلة جازت عقوبته بالتغليظ بالقول حسب
مراتب الأمر بالمعروف، بل مثل ذلك جائز لسائر الناس، ولو ما طل حبسه
الحاكم حتى يؤدي ما عليه، وله أن يبيع ماله إن لم يمكن إلزامه ببيعه،
ولو كان المقر به عينا يأخذها الحاكم بل وغيره من باب الأمر بالمعروف،
ولو كان دينا أخذ الحاكم مثله في المثليات وقيمته في القيميات بعد مراعاة
مستثنيات الدين، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكر.
مسألة 6 - لو ادعى المقر الاعسار وأنكره المدعي فإن كان مسبوقا
باليسار فادعى عروض الاعسار فالقول قول منكر العسر، وإن كان مسبوقا
بالعسر فالقول قوله، فإن جهل الأمر ففي كونه من التداعي أو تقديم
قول مدعي العسر تردد وإن لا يبعد تقديم قوله.
مسألة 7 - لو ثبت عسره فإن لم يكن له صنعة أو قوة على العمل
فلا إشكال في إنظاره إلى يساره، وإن كان له نحو ذلك فهل يسلمه الحاكم
إلى غريمه ليستعمله أو يؤاجره أو أنظر وألزمه بالكسب لتأدية ما عليه ويجب
416

عليه الكسب لذلك أو أنظر ولم يلزمه بالكسب ولم يجب عليه الكسب
لذلك بل لو حصل له مال يجب أداء ما عليه؟ وجوه، لعل الأوجه
أوسطها، نعم لو توقف إلزامه بالكسب على تسليمه إلى غريمه يسلمه
إليه ليستعمله.
مسألة 8 - إذا شك في إعساره وإيساره وطلب المدعي حسبه إلى أن
يتبين الحال حبسه الحاكم، وإذا تبين إعساره خلى سبيله وعمل معه كما
تقدم، ولا فرق في ذلك وغيره بين الرجل والمرأة، فالمرأة المماطلة يعمل
معها نحو الرجل المماطل ويحبسها الحاكم كما يحبس الرجل إلى تبين الحال.
مسألة 9 - لو كان المديون مريضا يضره الحبس أو كان أجيرا للغير
قبل حكم الحبس عليه فالظاهر عدم جواز حبسه.
مسألة 10 - ما قلنا من إلزام المعسر بالكسب مع قدرته عليه
إنما هو فيما إذا لم يكن الكسب بنفسه حرجا عليه أو منافيا لشأنه أو الكسب
الذي أمكنه لا يليق بشأنه بحيث كان تحمله حرجا عليه.
مسألة 11 - لا يجب على المرأة التزويج لأخذ المهر وأداء دينها، ولا على
الرجل طلاق زوجته لدفع نفقتها لأداء الدين، ولو وهبه ولم يكن في قبولها
مهانة وحرج عليه يجب القبول لأداء دينه.
القول في الجواب بالانكار
مسألة 1 - لو أجاب المدعى عليه بالانكار فأنكر ما ادعى المدعي
فإن لم يعلم أن عليه البينة أو علم وظن أن لا تجوز إقامتها إلا مع مطالبة
الحاكم وجب على الحاكم أن يعرفه ذلك بأن يقول ألك بينة؟ فإن لم تكن
له بينة ولم يعلم أن له حق إحلاف المنكر يجب على الحاكم إعلامه بذلك.
417

مسألة 2 - ليس للحاكم إحلاف المنكر إلا بالتماس المدعي، وليس
للمنكر التبرع بالحلف قبل التماسه، فلو تبرع هو أو الحاكم يعتد بتلك
اليمين، ولا بد من الإعادة بعد السؤال، وكذا ليس للمدعي إحلافه بدون
إذن الحاكم، فلو أحلفه لم يعتد به.
مسألة 3 - لو لم يكن للمدعي بينة واستحلف المنكر فحلف سقطت
دعوى المدعي في ظاهر الشرع، فليس له بعد الحلف مطالبة حقه،
ولا مقاصته، ولا رفع الدعوى إلى الحاكم، ولا تسمع دعواه، نعم لا تبرأ
ذمة المدعى عليه، ولا تصير العين الخارجية بالحلف خارجا عن ملك مالكها
فيجب عليه ردها وإفراغ ذمته وإن لم يجز للمالك أخذها ولا التقاص منه،
ولا يجوز بيعها وهبتها وسائر التصرفات فيها، نعم يجوز إبراء المديون
من دينه على تأمل فيه، فلو أقام المدعي البينة بعد حلف المنكر لم تسمع، ولو غفل
الحاكم أو رفع الأمر إلى حاكم آخر فحكم ببينة المدعي لم يعتد بحكمه.
مسألة 4 - لو تبين للحاكم بعد حكمه كون الحلف كذبا يجوز بل يجب
عليه نقض حكمه، فحينئذ يجوز للمدعي المطالبة والمقاصد وسائر ما هو آثار
كونه محقا، ولو أقر المدعى عليه بأن المال للمدعي جاز له التصرف والمقاصة
ونحوهما، سواء تاب وأقر أم لا.
مسألة 5 - هل الحلف بمجرده موجب لسقوط حق المدعي مطلقا
أو بعد إذن الحاكم أو إذا تعقبه حكم الحاكم أو حكمه موجب له إذا استند إلى
الحلف؟ الظاهر أن الحلف بنفسه لا يوجبه ولو كان بإذن الحاكم، بل بعد
حكم الحاكم يسقط الحق، بمعنى أن الحلف بشرط حصول الحاكم موجب للسقوط
بنحو الشرط المقارن.
مسألة 6 - للمنكر أن يرد اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت دعواه
وإلا سقطت، والكلام في السقوط بمجرد عدم الحلف والنكول أو بحكم
418

الحاكم كالمسألة السابقة، وبعد سقوط دعواه ليس له طرح الدعوى ولو في
مجلس آخر، كانت له بينة أو لا، ولو ادعى بعد الرد عليه بأن لي بينة
يسمع منه الحاكم، وكذا لو استمهل في الحلف لم يسقط حقه، وليس
للمدعي بعد الرد عليه أن يرد على المنكر، بل عليه إما الحلف أو النكول،
وللمنكر أن يرجع عن رده قبل أن يحلف المدعي، وكذا للمدعي أن يرجع
عنه لو طلبه من المنكر قبل حلفه.
مسألة 7 - لو نكل المنكر فلم يحلف ولم يرد فهل يحكم عليه بمجرد
النكول أو يرد الحاكم اليمين على المدعي فإن حلف ثبت دعواه، وإلا سقطت؟
قولان، والأشبه الثاني.
مسألة 8 - لو رجع المنكر الناكل عن نكوله فإن كان بعد حكم الحاكم
عليه أو بعد حلف المدعي المردود عليه الحلف لا يلتفت إليه، ويثبت الحق
عليه في الفرض الأول، ولزم الحكم عليه في الثاني من غير فرق بين علمه
بحكم النكول أو لا.
مسألة 9 - لو استمهل المنكر في الحلف والرد ليلا حظ ما فيه صلاحه
جاز إمهاله بمقدار لا يضر بالمدعي ولا يوجب تعطيل الحق والتأخير الفاحش
نعم لو أجاز المدعي جاز مطلقا بمقدار إجازته.
مسألة 10 - لو قال المدعي لي بينة لا يجوز للحاكم إلزامه باحضارها،
فله أن يحضرها أو مطالبة اليمين أو ترك الدعوى، نعم يجوز له إرشاده
بذلك أو بيان الحكم، من غير فرق في الموضعين بين علمه وجهله.
مسألة 11 - مع وجود البينة للمدعي يجوز له عدم إقامتها ولو كانت
حاضرة وإحلاف المنكر، فلا يتعين عليه إقامتها، ولو علم أنها مقبولة
عند الحاكم فهو مخير بين إقامتها وإحلاف المنكر، ويستمر التخيير إلى يمين
المنكر فيسقط حينئذ حق إقامة البينة ولو لم يحكم الحاكم، ولو أقام البينة
419

المعتبرة وقبل الحاكم فهل يسقط التخيير أو يجوز العدول إلى الحلف؟ وجهان،
أوجههما سقوطه.
مسألة 12 - لو أحضر البينة فإن علم أو شهدت القرائن بأن المدعي
بعد حضورها لم يرد إقامتها فليس للحاكم أن يسألها، وإن علم أو شهدت
الأحوال بإرادة إقامتها فله أن يسألها، ولو لم يعلم الحال وشك في ذلك
فليس للحاكم سؤال الشهود، نعم له السؤال من المدعي بأنه أراد الإقامة أولا.
مسألة 13 - إذا شهدت البينة فإن عرفهما الحاكم بالفسق طرح شهادتهما
وكذا لو عرف بفقدهما بعض شرائط الشهادة ولو عرفهما بالعدالة وجامعيتها
الشرائط قبل شهادتهما، وإن جهل حالهما توقف واستكشف من حالهما،
وعمل بما يقتضيه.
مسألة 14 - إذا عرفهما بالفسق أو عدم جامعيتهما للشرائط طرحهما
من غير انتظار التزكية، لكن لو ادعى المدعي خطأ الحاكم في اعتقاده تسمع
منه، فإن أثبت دعواه وإلا فعلى الحاكم طرح شهادتهما، وكذا لو ثبت
عدالتهما وجامعيتهما للشرائط لم يحتج إلى التزكية ويعمل بعلمه، ولو ادعى
المنكر جرحهما أو جرح أحدهما تقبل، فإن أثبت دعواه أسقطهما وإلا حكم
ويجوز للحاكم التعويل على الاستصحاب في العدالة والفسق.
مسألة 15 - إذا جهل الحاكم حالهما وجب عليه أن يبين للمدعي أن له
تزكيتهما بالشهود مع جهله به، فإن زكاهما بالبينة المقبولة وجب أن يبين
للمدعى عليه أن له الجرح إن كان جاهلا به، فإن اعترف بعدم الجارح
حكم عليه، وإن أقام البينة على الجرح سقطت بينة المدعي.
مسألة 16 - في صورة جهل الحاكم وطلبه التزكية من المدعي لو قال:
" لا طريق لي " أو قال: " لا أفعل " أو " يعسر علي " وطلب من الحاكم
الفحص لا يجب عليه ذلك وإن كان له ذلك، بل هو راجح، ولو طلب
420

الجرح في البينة المقبولة من المدعى عليه ولم يفعل وقال: " لا طريق لي " أو " يعسر
علي " لا يجب عليه الفحص، ويحكم على طبق البينة، ولو استمهله لاحضار
الجارح فهل يجب الامهال ثلاثة أيام أو بمقدار مدة أمكنة فيها ذلك أو لا يجب
وله الحكم أو وجب عليه الحكم فإن أتى بالجارح ينقضه؟ وجوه، لا يبعد
وجوب الامهال بالمقدار المتعارف، ولو ادعى الاحضار في مدة طويلة يحكم
على طبق البينة.
مسألة 17 - لو أقام البينة على حقه ولم يعرفهما الحاكم بالعدالة فالتمس
المدعي أن يحبس المدعى عليه حتى يثبت عدالتهما قيل: يجوز حبسه،
والأقوى عدم الجواز، بل لا يجوز مطالبة الكفيل منه ولا تأميل المدعى به
أو الرهن في مقابل المدعى به.
مسألة 18 - لو تبين فسق الشاهدين أو أحدهما حال الشهادة انتقض
الحكم، وإن كان طارئا بعد الحكم لم ينتقض، وكذا لو تبين فسقهما بعد
الشهادة وقبل الحكم على الأشبه.
مسألة 19 - الظاهر كفاية الطلاق في الجرح والتعديل، ولا يعتبر
ذكر السبب فيهما مع العلم بالأسباب وموافقة مذهبه لمذهب الحاكم، بل
لا يبعد الكفاية إلا مع العلم باختلاف مذهبهما، ويكفي فيها كل لفظ دال
وعلى الشهادة بهما، ولا يشترط ضم مثل أنه مقبول الشهادة أو مقبولها لي
وعلي ونحو ذلك في التعديل ولا مقابلاته في الجرح.
مسألة 20 - لو تعارضت بينة الجرح والتعديل بأن قالت إحداهما: " إنه
عادل " وقالت الأخرى: " إنه فاسق " أو قالت إحداهما: " كان يوم كذا يشرب
الخمر في مكان كذا " وقالت الأخرى: " إنه كان في يوم كذا في غير هذا
المكان " سقطتا، فعلى المنكر اليمين، نعم لو كان له حالة سابقة من العدالة
أو الفسق يؤخذ بها، فإن كانت عدالة حكم على طبق الشهادة، وإن كانت
421

فسقا تطرح وعلى المنكر اليمين.
مسألة 21 - يعتبر في الشهادة بالعدالة العلم بها إما بالشياع أو بمعاشرة
باطنة متقادمة، ولا يكفي في الشهادة حسن الظاهر ولو أفاد الظن، ولا الاعتماد
على البينة أو الاستصحاب، وكذا في الشهادة بالجرح لا بد من العلم بفسقه،
ولا يجوز الشهادة اعتمادا على البينة أو الاستصحاب، نعم يكفي الثبوت
التعبدي كالثبوت بالبينة أو الاستصحاب أو حسن الظاهر لترتيب الآثار،
فيجوز للحاكم الحكم اعتمادا على شهادة من ثبتت عدالته بالاستصحاب أو حسن
الظاهر الكاشف تعبدا أو البينة.
مسألة 22 - لو شهد الشاهدان بحس ظاهره فالظاهر جواز الحكم
بشهادته بعد كون حسن الظاهر كاشفا تعبدا عن العدالة.
مسألة 23 - لا يجوز الشهادة بالجرح بمجرد مشاهدة ارتكاب كبيرة
ما لم يعلم أنه على وجه المعصية ولا يجوز له عذر، فلو احتمل أن ارتكابه
لعذر لا يجوز جرحه ولو حصل له ظن بذلك بقرائن مفيدة له.
مسألة 24 - لو رضي المدعى عليه بشهادة الفاسقين أو عدل واحد
لا يجوز للحاكم الحكم، ولو حكم لا يترتب عليه الأثر.
مسألة 25 - لا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدين لم يحرز عدالتهما
عنده ولو اعترف المدعى عليه بعدالتهما لكن أخطأهما في الشهادة.
مسألة 26 - لو تعارض الجارح والمعدل سقطا وإن كان شهود أحدهما
اثنين والآخر أربعة، من غير فرق بين أن يشهد اثنان بالجرح وأربعة بالتعديل
معا أو اثنان بالتعديل ثم بعد ذلك شهد اثنان آخران به، ومن غير فرق
بين زيادة شهود الجرح أو التعديل.
مسألة 27 - لا يشترط في قبول شهادة الشاهدين علم الحاكم باسمهما
ونسبهما بعد إحراز مقبولية شهادتهما، كما أنه لم شهد جماعة يعلم الحاكم
422

أن فيهم عدلين كفى في الحكم، ولا يعتبر تشخيصهما بعينهما.
مسألة 28 - لا يشترط في الحكم بالبينة ضم يمين المدعي، نعم يستثنى
منه الدعوى على الميت، فيعتبر قيام البينة الشرعية مع اليمين الاستظهاري
فإن أقام البينة ولم يحلف سقط حقه، والأقوى عدم إلحاق الطفل والمجنون
والغائب وأشباههم ممن له نحو شباهة بالميت في عدم إمكان الدفاع لهم به،
فتثبت الدعوى عليهم بالبينة من دون ضم يمين، وهل ضم اليمين اليمين بالبينة
منحصر بالدين أو يشمل غيره كالعين والمنفعة والحق؟ وجهان لا يخلو ثانيهما
عن قرب، نعم لا إشكال في لحوق العين المضمونة على الميت إذا تلفت
مضمونة عليه.
فروع: الأول - لو كان المدعي على الميت وارث صاحب الحق فالظاهر
أن ثبوت الحق إلى ضم اليمين إلى البينة، ومع عدم الحلف يسقط الحق
وإن كان الوارث متعددا لا بد من حلف كل واحد منهم على مقدار حقه،
ولو حلف بعض ونكل بعض ثبت حق الحالف وسقط حق الناكل.
الثاني - لو شهدت البينة باقراره قبل موته بمدة لا يمكن فيها
الاستيفاء عادة فهل يجب ضم اليمين أو لا؟ وجهان أوجههما وجوبه،
وكذا كل مورد يعلم أنه على فرض ثبوت الدين سابقا لم يحصل الوفاء
من الميت.
الثالث - لو تعددت ورثة الميت فادعى شخص عليه وأقام البينة
تكفي يمين واحدة بخلاف تعدد ورثة المدعي كما مر.
الرابع - اليمين للاستظهار لا بد وأن تكون عند الحاكم، فإذا قامت
423

البينة عنده وأحلفه ثبت حقه، ولا أثر لحلفه بنفسه أو عند الوارث.
الخامس - اليمين للاستظهار غير قابلة للاسقاط، فلو أسقطها وارث
الميت لم تسقط، ولم يثبت حق المدعي بالبينة بلا ضم الحلف.
القول في الشاهد واليمين
مسألة 1 - لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد
ويمين المدعي، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق الله تعالى
كثبوت الهلال وحدود الله، وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلهما
حتى مثل النسب والولاية والوكالة أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال
كالغصب والقرض والوديعة وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها؟ وجوه
أشبهها الاختصاص بالديون، ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين
مع يمين المدعي.
مسألة 2 - المراد بالدين كل حق مالي في الذمة بأي سبب كان،
فيشمل ما استقرضه، وثمن المبيع، ومال الإجارة، ودية الجنايات، ومهر
الزوجة إذا تعلق بالعهدة، ونفقتها، والضمان بالاتلاف والتلف إلى غير
ذلك، فإذا تعلقت الدعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها
ذلك فهي من الدين، وإن تعلقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها
لا تكون من دعوى الدين.
مسألة 3 - الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثم اليمين، فإن قدم
اليمين ثم أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته وإن كان عدم اشتراط التقديم
لا يخلو من قوة.
مسألة 4 - إذا كان المال المدعى به مشتركا بين جماعة بسبب واحد
424

كارث ونحوه فأقام بعضهم شاهدا على الدعوى وحلف لا يثبت به إلا حصته
وثبوت سائر الحصص موقوف على حلف صاحب الحق، فكل من حلف
ثبت حقه مع الشاهد الواحد.
مسألة 5 - ثبوت الحق بشاهد ويمين إنما هو فيما لا يمكن إثباته بالبينة
ومع إمكانه بها لا يثبت بهما على الأحوط.
مسألة 6 - إذا شهد الشاهد وحلف المدعي وحكم الحاكم بهما ثم
رجع الشاهد ضمن نصف المال.
القول في السكوت
أو الجواب بقوله: " لا أدري " أو " ليس لي " أو غير ذلك
مسألة 1 - إن سكت المدعى عليه بعد طلب الجواب عنه فإن كان
لعذر كصمم أو خرس أو عدم فهم اللغة أو لدهشة ووحشة إزالة الحاكم
بما يناسب ذلك وإن كان السكوت لا لعذر بل سكت تعنتا ولجاجا أمره
الحاكم بالجواب باللطف والرفق ثم بالغلظة والشدة، فإن أصر عليه فالأحوط
أن يقول الحاكم له أجب وإلا جعلتك ناكلا، والأولى التكرار ثلاثا،
فإن أصر رد الحاكم اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت حقه.
مسألة 2 - لو سكت لعذر من صمم أو خرس أو جهل باللسان
توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة أو المترجم، ولا بد من كونه اثنين
عدلين، ولا يكفي العدل الواحد.
مسألة 3 - إذا ادعى العذر واستمهل في التأخير أمهله الحاكم بما يراه
مصلحة.
425

مسألة 4 - لو أجاب المدعى عليه بقوله: " لا أدري " فإن صدقه المدعي
فهل تسقط دعواه مع عدم البينة عليها، أو يكلف المدعي عليه برد الحلف
على المدعي، أو يرد الحاكم الحلف على المدعي، فإن حلف ثبت حقه،
وإن نكل سقط، أو توقفت الدعوى والمدعي على إدعائه إلى أن يقيم البينة
أو أنكر دعوى المدعى عليه؟ وجوه، أوجهها الأخير، وإن لم يصدقه
المدعي في الفرض وادعى أنه عالم بأني ذو حق فله عليه الحلف، فإن
حلفت سقطت دعواه بأنه عالم، وإن رد على المدعي فحلف ثبت حقه.
مسألة 5 - حلف المدعى عليه بأنه لا يدري يسقط دعوى الدراية،
فلا تسمع دعوى المدعي ولا البينة منه عليها، وأما حقه الواقعي فلا يسقط به،
ولو أراد إقامة البينة عليه تقبل منه، بل له المقاصة بمقدار حقه، نعم
لو كانت الدعوى متعلقة بعين في يده منتقلة إليه من ذي يد وقلنا يجوز له
الحلف استنادا إلى اليد على الواقع فحلف عليه سقطت الدعوى وذهب الحلف
بحقه، ولا تسمع بينة منه، ولا يجوز له المقاصة.
مسألة 6 - لو أجاب المدعى عليه بقوله: " ليس لي وهو لغيرك "
فإن أقر لحاضر وصدقه الحاضر كان هو المدعى عليه، فحينئذ له إقامة
الدعوى على المقر له، فإن تمت وصار ماله إليه فهو، وإلا له الدعوى
على المقر بأنه صار سببا للغرامة، وله البدأة بالدعوى على المقر، فإن ثبت
حقه أخذ الغرامة منه، وله حينئذ الدعوى على المقر له لأخذ عين ماله،
فإن ثبتت دعواه عليه رد غرامة المقر، وإن أقر لغائب يلحقه حكم الدعوى
على الغائب، وإن قال: " إنه مجهول المالك وأمره إلى الحاكم " فإن قلنا
إن دعوى مدعي الملكية تقبل إذ لا معارض له يرد إليه، وإلا فعليه
البينة، ومع عدمها لا يبعد إرجاع الحاكم الحلف عليه، وإن قال: " إنه
ليس لك بل وقف " فإن ادعى التولية ترتفع الخصومة بالنسبة إلى نفسه
426

وتتوجه إليه لكونه مدعي التولية. فإن توجه الحلف إليه وقلنا بجواز حلف
المتولي فحلف سقطت الدعوى، وإن نفى عن نفسه التولية فأمره إلى الحاكم،
وكذا لو قال المدعى عليه: " إنه لصبي أو مجنون " ونفى الولاية عن نفسه.
مسألة 7 - لو أجاب المدعى عليه بأن المدعي أبرأ ذمتي أو أخذ
المدعى به مني أو وهبني أو باعني أو صالحني ونحو ذلك انقلبت الدعوى
وصار المدعي عليه مدعيا والمدعي منكرا، والكلام في هذه الدعوى على
ما تقدم.
القول في أحكام الحلف
مسألة 1 - لا يصح الحلف ولا يترتب عليه أثر من إسقاط حق أو
إثباته إلا أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصة به تعالى كالرحمان والقديم
والأول الذي ليس قبله شئ، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه
تعالى كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضم إليها ما يجعلها
مختصة به، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء
بغير الجلالة ولا يصح بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة
والأماكن المقدسة كالكعبة وغيرها.
مسألة 2 - لا فرق في لزوم الحلف بالله بين أن يكون الحالف
والمستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل ولا بين كون الكافر ممن
يعتقد بالله أو يجحده، ولا يجب في إحلاف المجوس ضم قوله: " خالق النور
والظلمة " إلى " الله " ولو رأي الحاكم أن إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع
هل يجوز الاكتفاء به كالاحلاف بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام،
قيل: نعم، والأشبه عدم الصح، ولا بأس بضم ما ذكر الله إلى اسم الله
427

إذا لم يكن أمرا باطلا.
مسألة 3 - لا يترتب أثر على الحلف بغير الله تعالى وإن رضي
الخصمان الحلف بغيره، كما أنه لا أثر لضم غير اسم الله تعالى إليه، فإذا
حلف بالله كفى، ضم إليه سائر الصفات أو لا، كما يكفي الواحد من
الأسماء الخاصة، ضم إليه شئ آخر أو لا.
مسألة 4 - لا إشكال في عدم ترتب أثر على الحلف بغير الله تعالى،
فهل الحلف بغيره محرم تكليفا في إثبات أمر أو إبطاله مثلا كما هو المتعارف
بين الناس؟ الأقوى عدم الحرمة، نعم هو مكروه سيما إذا صار ذلك
سببا لترك الحلف بالله تعالى، وأما مثل قوله سألتك بالقرآن أو بالنبي
صلى الله عليه وآله أن تفعل كذا فلا إشكال في عدم حرمته.
مسألة 5 - حلف الأخرس بالإشارة المفهمة، ولا بأس بأن تكتب
اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه، فإن شرب كان حالفا،
وإلا ألزم بالحق، ولعل بعد الاعلام كان ذلك نحو إشارة، والأحوط
الجمع بينهما.
مسألة 6 - لا يشترط في الحلف العربية، بل يكفي بأي لغة إذا
كان باسم الله أوص فاته المختصة به.
مسألة 7 - لا إشكال في تحقق الحلف إن اقتصر على اسم الله كقوله:
" والله ليس لفلان علي كذا " ولا يجب التغليظ بالقول مثل أن يقول:
" والله الغالب القاهر المهلك " ولا بالزمان كيوم الجمعة والعيد،
ولا بالمكان كالأمكنة المشرفة، ولا بالأفعال كالقيام مستقبل القبلة آخذا
المصحف، الشريف بيده، والمعروف أن التغليظ مستحب للحاكم، وله وجه.
مسألة 8 - لا يجب على الحالف قبول التغليظ، ولا يجوز إجباره
عليه، ولو امتنع عنه لم يكن ناكلا، بل لا يبعد أن يكون الأرجح له.
428

ترك التغليظ، وإن استحب للحاكم التغليظ احتياطا على أموال الناس،
ويستحب التغليظ في جميع الحقوق إلا الأموال فإنه لا يغلظ فيها بما
دون نصاب القطع.
مسألة 9 - لا يجوز التوكيل في الحلف ولا النيابة فيه، فلو وكل
غيره وحلف عنه بوكالته أو نيابته لم يترتب عليه أثر، ولا يفصل به خصومة.
مسألة 10 - لا بد وأن يكون الحلف في مجلس القضاء، وليس للحاكم
الاستنابة فيه إلا لعذر كمرض أو حيض والمجلس في المسجد، أو كون المرأة
مخدرة حضورها في المجلس نقص عليها أو غير ذلك، فيجوز الاستنابة.
بل الظاهر عدم جواز الاستنابة في مجلس القضاء وبحضور الحاكم، فما يترتب
عليه الأثر في غير مورد العذر أن يكون الحلف بأمر الحاكم واستحلافه.
مسألة 11 - يجب أن يكون الحلف على البت سواء كان في فعل
نفسه أو فعل غيره، وسواء كان في نفي أو إثبات، فمع علمه بالواقعة
يجوز الحلف، ومع عدم علمه لا يجوز إلا على عدم العلم.
مسألة 12 - لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقه إثباتا أو إسقاطا
إذا كان أجنبيا عن الدعوى، كما لو حلف زيد على براءة عمرو، وفي
مثل الولي الاجباري أو القيم على الصغير أو المتولي للوقف تردد، والأشبه
عدم الجواز.
مسألة 13 - تثبت اليمين في الدعاوي المالية كالنكاح والطلاق
والقتل، ولا تثبت في الحدود فإنها لا تثبت إلا بالاقرار أو البينة بالشرائط
المقررة في محلها، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد
من حق الله محضا كالزنا أو مشتركا بينه وبين حق الناس كالقذف، فإذا
ادعى عليه أنه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجه عليه يمين، ولو حلف المدعي
لم يثبت عليه حد القذف، نعم لو كانت الدعوى مركبة من حق وحق
429

الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حق الناس تثبت اليمين، دون القطع الذي هو
حق الله تعالى.
مسألة 14 - يستحب للقاضي وعظ الحالف قبله، وترغيبه في ترك
اليمين إجلالا لله تعالى ولو كان صادقا، وأخافه من عذاب الله تعالى إن
حلف كاذبا، وقد روي أنه " من حلف بالله كاذبا كفر " وفي بعض الروايات
" من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله " و " أن اليمين
الكاذبة تدع الديار بلاقع من أهلها ".
القول في أحكام اليد
مسألة 1 - كل ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من
الأنحاء فهو محكوم بملكيته وأنه له، سواء كان من الأعيان أو المنافع أو
الحقوق أو غيرها، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدعي أنه المتولي يحكم
بكونه كذلك، ولا يشترط في دلالته اليد على الملكية ونحوها التصرفات
الموقوفة على الملك - - فلو كان شئ في يده يحكم بأنه ملكه، ولو لم يتصرف
فيه فعلا - ولا دعوى ذي اليد الملكية، ولو كان في يده شئ فمات
ولم يعلم أنه له ولم يسمع منه دعوى الملكية يحكم بأنه له وهو لوارثه نعم
يشترط عدم اعترافه بعدمها، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم
أنه له، فإن اعترف بأني لا أعلم أن ما في يدي لي أم لا يحكم بكونه له
بالنسبة إلى نفسه وغيره.
مسألة 2 - لو كان شئ تحت يد وكيله أو أمينه أو مستأجره فهو
محكوم بملكيته، فيدهم يده، وأما لو كان شئ بيد غاصب معترف بغصبيته
من زيد فهل هو محكوم بكونه تحت يد زيد أو لا؟ فلو ادعى أحد ملكيته
430

وأكذب الغاصب في اعترافه يحكم بأنه لمن يعترف الغاصب أنه له أم يحكم
بعدم يده عليه فتكون الدعوى من الموارد التي لا يد لأحدهما عليه؟ فيه
إشكال وتأمل وإن لا يخلو الأول من قوة، نعم الظاهر فيما إذا لم يعترف
بالغصبية أو لم تكن يده غصبا واعترف بأنه لزيد يصير بحكم ثبوت يده عليه.
مسألة 3 - لو كان شئ تحت يد اثنين فيد كل منهما على نصفه،
فهو محكوم بمملوكيته لهما، وقيل: يمكن أن تكون يد كل منهما على تمامه
بل يمكن أن يكون شئ واحد لمالكين على نحو الاستقلال، وهو ضعيف.
مسألة 4 - لو تنازعا في عين مثلا فإن كانت تحت يد أحدهما فالقول
قوله بيمينه، وعلى غير ذي اليد البينة، وإن كانت تحت يدهما فكل
بالنسبة إلى النصف مدع ومنكر حيث إن يد كل منهما على النصف، فإن
ادعى كل منهما تمامها يطالب بالبينة بالنسبة إلى نصفها، والقول قوله
بيمينه بالنسبة إلى النصف، وإن كانت بيد ثالث فإن صدق أحدهما المعين
يصير بمنزلة ذي اليد، فيكون منكرا والآخر مدعيا، ولو صدقهما ورجع
تصديقه بأن تمام العين لكل منهما يلغى تصديقه ويكون المورد مما لا يد لهما.
وإن رجع إلى أنها لهما بمعنى اشتراكهما فيها يكون بمنزلة ما تكون في يدهما،
وإن صدق أحدهما لا بعينه لا تبعد القرعة، فمن خرجت له حلف،
وإن كذبهما وقال: هي لي تبقى في يده ولكل منهما عليه اليمين، ولو لم تكن
في يدهما ولا يد غيرهما ولم تكن بينة فالأقرب الاقتراع بينهما.
مسألة 5 - إذا ادعى شخص عينا في يد آخر وأقام بينة وانتزعها
منه بحكم الحاكم ثم أقام المدعى عليه بينة على أنها له فإن ادعى أنها فعلا له
وأقام البينة عليه تنتزع العين وترد إلى المدعي الثاني، وإن ادعى أنها له
حين الدعوى وأقام البينة على ذلك فهل ينتقض الحكم وترد العين إليه
أو لا؟ قولان، ولا يبعد عدم النقض.
431

مسألة 6 - لو تنازع الزوجان في متاع البيت سواء حال زوجيتهما
أو بعدها ففيه أقوال، أرجحها أن ما يكون من المتاع للرجال فهو للرجل
كالسيف والسلاح وألبسة الرجال، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء
ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك، وما يكون للرجال والنساء
فهو بينهما، فإن ادعى الرجل ما يكون للنساء كانت المرأة مدعى عليها،
وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بينة، وإن ادعت المرأة ما للرجال فهي
مدعية، عليها البينة وعلى الرجل الحلف، وما بينهما فمع عدم البينة وحلفهما
يقسم بينهما، هذا إذا لم يتبين كون الأمتعة تحت يد أحدهما، وإلا فلو
فرض أن المتاع الخاص بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس
يحكم بملكية ذي اليد، وعلى غيره البينة، ولا يعتبر في ما للرجال أو ما للنساء
العلم بأن كلا منهما استعمل ماله أو انتفع به، ولا إحراز أن يكون لكل
منهما يد مختصة بالنسبة إلى مختصات الطائفتين، وهل يجري الحكم بالنسبة
إلى شريكين في دار أحدهما من أهل العلم والفقه والثاني من أهل التجارة
والكسب فيحكم بأن ما للعلماء للعالم وما للتجار للتاجر فيستكشف المدعي من
المدعى عليه؟ وجهان، لا يبعد الالحاق.
مسألة 7 - لو تعارضت اليد الحالية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة
تقدم اليد الحالية، فلو كان شئ في يد زيد فعلا وكان هذا الشئ تحت
يد عمرو سابقا أو كان ملكا له يحكم بأنه لزيد، وعلى عمرو إقامة البينة،
ومع عدمها فله الحلف على زيد، نعم لو أقر زيد بأن ما في يده كان
لعمرو وانتقل إليه بناقل انقلبت الدعوى وصار زيد مدعيا، والقول قول
عمر وبيمينه، وكذا لو أقر بأنه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال
إليه، فإن لازم ذلك دعوى الانتقال، وفي مثله يشكل جعله منكرا لأجل
يده، وأما لو قامت البينة على أنه كان لعمرو سابقا أو علم الحاكم بذلك
432

فاليد محكمة، ويكونان ذو اليد منكرا والقول قوله، نعم لو قامت البينة
بأن يد زيد على هذا الشئ كان غصبا من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها
فالظاهر سقوط يده، والقول قول ذي البينة
مسألة 8 - لو تعارضت البينات في شئ فإن كان في يد أحد الطرفين
فمقتضى القاعدة تقديم بينة الخارج ورفض بينة الداخل وإن كانت أكثر
أو أعدل وأرجح، وإن كان في يدهما فيحكم بالتنصيف بمقتضى بينة الخارج
وعدم اعتبار الداخل، وإن كان في يد ثالث أو لا يد لأحد عليه فالظاهر
سقوط البينتين والرجوع إلى الحلف أو إلى التنصيف أو القرعة، لكن المسألة
بشقوقها في غاية الاشكال من حيث الأخبار والأقوال، وترجيح أحد
الأقوال مشكل وإن لا يبعد في الصورة الأولى ما ذكرناه.
خاتمة فيها فصلان:
الأول في كتاب قاض إلى قاض
مسألة 1 - لا ينفذ الحكم ولا تفصل الخصومة إلا بالانشاء لفظا،
ولا عبرة بالانشاء كتبا، فلو كتب قاض إلى قاض آخر بالحكم وأراد
الانشاء بالكتابة لا يجوز للثاني إنفاذه وإن علم بأن الكتابة له وعلم بقصده.
مسألة 2 - إنهاء حكم الحاكم بعد فرض الانشاء لفظا إلى حاكم آخر
إما بالكتابة أو القول أو الشهادة، فإن كان بالكتابة بأن يكتب إلى حاكم
آخر بحكمه فلا عبرة بها حتى مع العلم بأنها له وأراد مفادها، وأما القول
مشافهة فإن كان شهادة على إنشاء السابق فلا يقبل إلا مع شهادة عادل
آخر، وأولى بذلك ما إذا قال: ثبت عندي كذا، وإن كان الانشاء بحضور
433

الثاني بأن كان الثاني حاضرا في مجلس الحكم فقضى الأول فهو خارج عن
محط البحث لكن يجب إنفاذه، وأما شهادة البينة على حكمه فمقبولة يجب الانفاذ
على حاكم آخر، وكذا لو علم حكم الحاكم بالتواتر أو قرائن قطعية أو إقرار
المتخاصمين.
مسألة 3 - الظاهر أن إنفاذ حكم الحاكم أجنبي عن حكم الحاكم الثاني
في الواقعة، لأن قطع الخصومة حصل بحكم الأول وإنما أنفذه وأمضاه
الحاكم الآخر ليجريه الولاة والأمراء، ولا أثر له بحسب الواقعة، فإن
إنفاذه وعدم إنفاذه بعد تمامية موازين القضاء في الأول سواء، وليس له
الحكم في الواقعة لعدم علمه وعدم تحقق موازين القضاء عنده.
مسألة 4 - لا فرق فيما ذكرناه بين حقوق الله تعالى وحقوق الناس
إلا في الثبوت بالبينة، فإن الانفاذ بها فيها محل إشكال والأشبه عدمه.
مسألة 5 - لا يعتبر في جواز شهادة البينة ولا في قبولها هنا غير
ما يعتبر فيهما في سائر المقامات، فلا يعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في
التحمل، وكذا لا يعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم ولا حضورهما
في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود، بل المعتبر شهودهما أن الحاكم
حكم بذلك، بل يكفي علمهما بذلك.
مسألة 6 - قيل إن لم يحضر الشاهدان الخصومة فحكى الحاكم لهما
الواقعة وصورة الحكم وسمى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما وأشهدهما
على الحكم فالأولى القبول، لأن إخباره كحكمه ماض، والأشبه عدم
القبول إلا بضم عادل آخر، بل لو أنشأ الحكم بعد الانشاء في مجلس الخصومة
فجواز الشهادة بالحكم بنحو الاطلاق مشكل بل ممنوع، والشهادة بنحو
التقييد بأنه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها جائزة،
لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع.
434

مسألة 7 - لا فرق في جميع ما مر بين أن يكون حكم الحاكم بين
المتخاصمين مع حضورهما وبين حكمه على الغالب بعد إقامة المدعي البينة،
فالتحمل فيهما والشهادة وشرائط القبول واحد، ولا بد للشاهدين من حفظ
جميع خصوصيات المدعي والمدعى عليه بما يخرجهما عن الابهام، وحفظ
المدعى به بخصوصياته المخرجة عن الابهام، وحفظ الشاهدين وخصوصياتهما
كذلك فيما يحتاج إليه، كالحكم على الغائب وأنه على حجته.
مسألة 8 - لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني لعدم ضبط الشهود. له
ما يرفع به الابهام أوقف الحكم حتى يتضح الأمر بتذكرهما أو بشهادة غيرهما.
مسألة 9 - لو تغيرت حال الحاكم الأول بعد حكمه بموت أو جنون
لم يقدح ذلك في العمل بحكمه وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر لو توقف
استيفاء الحق عليه، ولو تغيرت بفسق فقد يقال: لم يعمل بحكمه أو يفصل
بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل، والأشبه العمل
مطلقا كسائر العوارض وجواز إنفاذه أو وجوبه.
مسألة 10 - لو أقر المدعى عليه عند الحاكم الثاني بأنه المحكوم عليه
وهو المشهود عليه الزامه الحاكم، ولو أنكر فإن كانت شهادة الشهود على
عينه لم يسمع منه وألزم، وكذا لو كانت علني وصف لا ينطبق إلا عليه،
وكذا فيما ينطبق عليه إلا نادرا بحيث لا يعتني باحتماله العقلاء وكان الانطباق
عليه مما يطمأن به، وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره
وعليه فالقول قوله بيمينه، وعلى المدعي إقامة البينة بأنه هو، ويحتمل في
هذه الصورة عدم صحة الحكم لكونه من قبيل القضاء بالمبهم، وفيه تأمل.
435

الفصل الثاني في المقاصة
مسألة 1 - لا إشكال في عدم جواز المقاصة مع عدم جحود الطرف
ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته، كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حق
على غيره من عين أو دين أو منفعة أو حق وكان جاحدا أو مماطلا، وأما
إذا كان منكرا لاعتقاد المحقية أو كان لا يدري محقية المدعي ففي جواز
المقاصة إشكال، بل الأشبه عدم الجواز، ولو كان غاصبا وأنكر لنسيانه
فالظاهر جواز المقاصة.
مسألة 2 - إذا كان له عين عند غيره فإن كان يمكن أخذها بلا مشقة
ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصة من ماله، وإن لم يمكن أخذها منه
أصلا جاز المقاصة من ماله الآخر، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ
بمقدار، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته، وإن لم يمكن إلا ببيعه جاز
بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله ورد الزائد.
مسألة 3 - لو كان المطلوب مثليا وأمكن له المقاصة من ماله المثلي
وغيره فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصا بقدر قيمة ماله أو يجب الأخذ
من المثلي، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثلي آخر بمقدار
قيمته، مثلا لو كان المطلوب حنطة وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته
وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز
الأخذ من العدس؟ لا يبعد جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع
مال الغاصب وأخذ القيمة، ومع لزومه وإمكان التقاص بشئ لم يلزم منه
ذلك فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك، بل الأحوط الاقتصار على أخذ
جنسه مع الامكان بلا مشقة ومحذور.
436

مسألة 4 - لو أمكن أخذ ماله بمشقة فالظاهر جواز التقاص،
ولو أمكن ذلك مع محذور كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك
ففي جواز المقاصة إشكال، هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله
ولو أضر ذلك بالغاصب، وأما مع عدم جوازه كما لو كان المطلوب منه
غير غاصب وأنكر المال بعذر فالظاهر جواز التقاص من ماله إن قلنا بجواز
المقاصة في صورة الانكار لعذر.
مسألة 5 - لو كان الحق دينا وكان المديون جاحدا أو مماطلا جازت
المقاصة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم.
مسألة 6 - لو توقف أخذ حقه على التصرف في الأزيد جاز، والزائد
يرد إلى المقتص منه، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراد وتفريط
ولا تأخير في رده لم يضمن.
مسألة 7 - لو توقف أخذ حقه على بيع مال المقتص منه جاز بيعه
وصح، ويجب رد الزائد من حقه، وأما لو لم يتوقف على البيع بأن كان
قيمة المال بمقدار حقه فلا إشكال في جواز أخذه مقاصة، وأما في جواز
بيعه وأخذ قيمته مقاصة أو جواز بيعه واشتراء شئ من جنس ماله ثم أخذه
مقاصة إشكال والأشبه عدم الجواز.
مسألة 8 - لا إشكال في أن ما إذا كان حقه دينا على عهدة المماطل
فاقتص منه بمقدار برأت ذمته سيما إذا كان المأخوذ مثل ما عهد عهدته،
كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصا، وكذا في ضمان
القيميات إذا اقتص القيمة بمقدارها، وأما إذا كان عينا فإن كانت مثلية
واقتص مثلها فلا يبعد حصول المعاوضة قهرا على تأمل، وأما إذا كانت
من القيميات كفرس مثلا واقتص بمقدار قيمتها فهل كان الحكم كما ذكر
من المعاوضة القهرية أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة، فإذا تمكن
437

من العين جاز أخذها بل وجب، ويجب عليه رد ما أخذ، وكذا يجب
على الغاصب ردها بعد الاقتصاص وأخذ ماله؟ فيه إشكال وتردد وإن
لا يبعد جريان حكم بدل الحيولة فيه.
مسألة 9 - الأقوى جواز المقاصة من المال الذي جعل عنده وديعة
على كراهية، والأحوط عدمه.
مسألة 10 - جواز المقاصة في صورة عدم علمه بالحق مشكل،
فلو كان عليه دين واحتمل أداءه يشكل المقاصة، فالأحوط رفعه إلى الحاكم
كما أنه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن، بل ممنوع كما مر، فلا بد
من الرفع إلى الحاكم.
مسألة 11 - لا يجوز التقاص من المال المشترك بين المديون وغيره
إلا بإذن شريكه، لكن لو أخذ وقع التقاص وإن أثم، فإذا اقتص من
المال المشاع صار شريكا لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقه أو أنقص
منه، وإلا صار شريكا مع المديون وشريكه، فهل يجوز له أخذ حقه
وإفرازه بغير إذن المديون؟ الظاهر جوازه مع رضا الشريك.
مسألة 12 - لو كان له حق ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من
المطالبة فلا يجوز له التقاص، وكذا لو شك في أن الغريم جاحد أو مماطل
لا يجوز التقاص.
مسألة 13 - لا يجوز التقاص من مال تعلق به حق الغير كحق
الرهانة وحق الغرماء في مال المحجور عليه وفي مال الميت الذي لا تفي
تركته بديونه.
مسألة 14 - لا يجوز ذي الحق التقاص إلا إذا كان وليا أو
وكيلا عن ذي الحق، فللأب التقاص لولده الصغير أو المجنون أو السفيه
في مورد له الولاية، وللحاكم أيضا ذلك في مورد ولايته.
438

مسألة 15 - إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين جاز احتسابه
عوضا عما عليه مقاصة إذا كان بقدره أو أقل، وإلا فبقدره وتبرأ ذمته
بمقدار.
مسألة 16 - ليس للفقراء والسادة المقاصة من مال من عليه الزكاة
أو الخمس أو في ماله إلا بإذن الحاكم الشرعي، وللحاكم التقاص ممن عليه
أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل، وكذا لو كان شئ وقفا على الجهات
العامة أو العناوين الكلية وليس لها متول لا يجوز التقاص لغير الحاكم،
وأما الحاكم فلا إشكال في جواز مقاصته منافع الوقف، وهل يجوز المقاصة
بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاهلا أو مماطلا لا يمكن أخذها منه وجعل
المأخوذ وقفا على تلك العناوين؟ وجهان، وعلى الجواز لو رجع عن الجحود
والمماطلة فهل ترجع العين وقفا وترد ما جعله وقفا إلى صاحبه أو بقي ذلك
على الوقفية وصار الوقف ملكا للغاصب؟ الأقوى هو الأول، والظاهر
أن الواقف من منقطع الآخر، فيصح إلى زمان الرجوع.
مسألة 17 - لا تتحقق المقاصة بمجرد النية بدون الأخذ والتسلط على
مال الغريم، نعم يجوز احتساب الدين تقاصا كما مر، فلو كان مال الغريم
في يده أو يد غيره فنوى الغارم تملكه تقاصا لا يصير ملكا له، وكذا
لا يجوز بيع ما بيد الغير منه بعنوان التقاص من الغريم.
مسألة 18 - الظاهر أن التقاص لا يتوقف على إذن الحاكم، وكذا
لو توقف على بيعه أو إفرازه يجوز كل ذلك بلا إذن الحاكم.
مسألة 19 - لو تبين بعد المقاصة خطأوه في دعواه يجب عليه رد
ما أخذه أو رد عوضه مثلا أو قيمة لو تلف، وعليه غرامة ما أضره،
من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع، ولو تبين أن ما أخذه كان
ملكا لغير الغريم يجب رده أو رد عوضه لو تلف.
439

مسألة 20 - يجوز المقاصة من العين أو المنفعة أو الحق في مقابل
حقه من أي نوع كان، فلو كان المطلوب عينا يجوز التقاص من المنفعة
إذا عثر عليها أو الحق كذلك وبالعكس.
مسألة 21 - إنما يجوز التقاص إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلفه،
وإلا فلا يجوز بعد الحلف، ولو اقتص منه بعده لم يملكه.
مسألة 22 - يستحب أن يقول عند التقاص: " اللهم إني آخذ هذا
المال مكان مالي الذي أخذه مني، وإني لم آخذ الذي أخذته خيانة ولا ظلما "
وقيل يجب، وهو أحوط.
مسألة 23 - لو غصب عينا مشتركا بين شريكين فلكل منهما التقاص
منه بمقدار حصته، وكذا إذا كان دين مشتركا بينهما، من غير فرق بين
التقاص بجنسه أو بغير جنسه، فإذا كان عليه ألفان من زيد فمات وورثه
ابنان فإن جحد حق أحدهما دون الآخر فلا إشكال في أن له التقاص
بمقدار حقه، وإن جحد حقهما فالظاهر أنه كذلك، فلكل منهما التقاص
بمقدار حقه، ومع الأخذ لا يكون الآخر شريكا، بل لا يجوز لكل
المقاصة لحق شريكه.
مسألة 24 - لا فرق في جواز التقاص بين أقسام الحقوق المالية،
فلو كان عنده وثيقة لدينه فغصبها جاز له أخذ عين له وثيقة لدينه وبيعها
لأخذ حقه في مورده، وكذا لا فرق بين الديون الحاصلة من الاقتراض
أو الضمانات أو الديات فيجوز المقاصة في كلها.
440

كتاب الشهادات
القول في صفات الشهود
وهي أمور: الأول - البلوغ، فلا اعتبار بشهادة الصبي غير المميز
مطلقا ولا بشهادة المميز في غير القتل والجرح، ولا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ
العشر، وأما لو بلغ عشرا وشهد بالجراح والقتل ففيه تردد، نعم لا إشكال
في عدم اعتبار شهادة الصبية مطلقا.
الثاني - العقل، فلا تقبل شهادة المجنون حتى الأدواري منه حال
جنونه وأما حال عقله وسلامته فتقبل منه إذا علم الحاكم بالابتلاء والامتحان
حضور ذهنه وكمال فطنته، وإلا لم تقبل، ويلحق به في عدم القبول من
غلب عليه السهو أو النسيان أو الغفلة أو كان به البله، وفي مثل ذلك يجب
الاستظهار على الحاكم حتى يستثبت ما يشهدون به، فاللازم الاعراض عن
شهادتهم إلا في الأمور الجلية التي يعلم بعدم سهوهم ونسيانهم وغلطهم في
التحمل والنقل.
441

الثالث - الايمان، فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلا عن غير المسلم
مطلقا على مؤمن أو غيره أو لهما، نعم تقبل شهادة الذمي العدل في دينه
في الوصية بالمال إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها، ولا يعتبر
كون الموصي في غربة، فلو كان في وطنه ولم يوجد عدول المسلمين تقبل
شهادة الذمي فيها، ولا يلحق بالذمي الفاسق من أهل الايمان، وهل يلحق به
المسلم غير المؤمن إذا كان عدلا في مذهبه، لا يبعد ذلك، وتقبل شهادة
المؤمن الجامع للشرائط على جميع الناس من جميع الملل، ولا تقبل شهادة
الحربي مطلقا، وهل تقبل شهادة كل ملة على ملتهم؟ به رواية، وعمل بها
الشيخ قدس سره.
الرابع - العدالة، وهي الملكة الرادعة عن معصية الله تعالى،
فلا تقبل شهادة الفاسق، وهو المرتكب للكبيرة أو المصر على الصغيرة،
بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى، فلا تقبل شهادة
مرتكب الصغيرة إلا مع التوبة وظهور العدالة.
مسألة 1 - لا تقبل شهادة كل مخالف في شئ من أصول العقائد،
بل لا تقبل شهادة من أنكر ضروريا من الاسلام، كمن أنكر الصلاة أو
الحج أو نحوهما وإن قلنا بعدم كفره إن كان لشبهة، وتقبل شهادة المخالف
في الفروع وإن خالف الاجماع لشبهة.
مسألة 2 - لا تقبل شهادة القاذف فمع عدم اللعان أو البينة أو إقرار
المقذوف إلا إذا تاب، وحد توبته أن يكذب نفسه عند من قذف عنده
أو عند جمع من المسلمين أو عندهما، وإن كان صادقا واقعا يوري في
تكذيبه نفسه، فإذا كذب نفسه وتاب تقبل شهادته إذا صلح.
مسألة 3 - اتخاذ الحمام للأنس وإنفاذ الكتب والاستفراخ والتطيير
واللعب ليس بحرام، نعم اللعب بها مكروه، فتقبل شهادة المتخذ واللاعب
442

بها، وأما اللعب بالرهان فهو قمار حرام لا تقبل شهادة من فعل ذلك.
مسألة 4 - لا ترد شهادة أرباب الصنائع المكروهة، كبيع الصرف
وبيع الأكفان وصنعة الحجامة والحياكة ونحوها، ولا شهادة ذوي العاهات
الخبيثة كالأجذم والأبرص.
الخامس - طيب الموالد، فلا تقبل شهادة ولد الزنا وإن أظهر الاسلام
وكان عادلا، وهل تقبل شهادته في الأشياء اليسيرة؟ قيل: نعم،
والأشبه لا، وأما لو جهلت حاله فإن كان ملحقا بفراش تقبل شهادته
وإن أنالته الألسن، وإن جهلت مطلقا ولم يعلم له فراش ففي قبولها إشكال.
السادس - ارتفاع التهمة لا مطلقا بل الحاصلة من أسباب خاصة،
وهي أمور:
منها - أن يجر بشهادته نفعا له عينا أو منفعة أو حقا كالشريك فيما
هو شريك فيه، وأما في غيره فتقبل شهادته، وصاحب الدين إذا شهد
للمحجور عليه بمال يتعلق دينه به، بخلاف غير المحجور عليه، وبخلاف
مال لم يتعلق حجره به، والوصي والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة
المال، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدعيين بحق ولايتهما،
وأما عدم القبول مطلقا منهما ففيه تأمل، وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي
فيه له الشفعة، إلى غير ذلك من موارد جر النفع.
ومنها - إذا دفع بشهادته ضررا عنه، كشهادة العاقلة بجرح شهود
الجناية خطأ، وشهادة الوكيل والوصي بجرح الشهود على الموكل والموصي
في مثل الموردين المتقدمين.
ومنها - أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوه، وتقبل شهادته له
إذا لم تستلزم العداوة الفسق، وأما ذو العداوة الدينية فلا ترد شهادته له
أو عليه حتى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك.
ومنها - السؤال بكفه، والمراد منه من يكون سائلا في السوق
443

وأبواب الدور وكان السؤال حرفة وديدنا له، وأما السؤال أحيانا عند
الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته.
ومنها - التبرع بالشهادة في حقوق الناس، فإنه يمنع عن القبول في
قول معروف، وفيه تردد، وأما في حقوق الله كشرب الخمر والزنا
وللمصالح العامة فالأشبه القبول.
مسألة 5 - النسب لا يمنع عن قبول الشهادة، كالأب لولده وعليه،
والولد لوالده. والأخ لأخيه وعليه، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه،
وهل تقبل شهادة الولد على والده؟ فيه تردد، وكذا تقبل شهادة الزوج
لزوجتها وعليها وشهادة الزوجة لزوجها وعليه، ولا يعتبر في شهادة الزوج
الضميمة، وفي اعتبارها في الزوجة وجه، والأوجه عدمه، وتظهر الفائدة
فيما إذا شهدت لزوجها في الوصية، فعلي القول بالاعتبار لا تثبت، وعلى
عدمه يثبت الربع.
مسألة 6 - تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له، وإن كانت
الصداقة بينهما أكيدة والموادة شديدة، وتقبل شهادة الضيف وإن كان له
ميل إلى المشهود له، وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره؟ قولان أقربهما
المنع، ولو تحمل حال الإجارة وأداها بعدها تقبل.
مسألة 7 - من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر إذا عرف
شيئا في تلك الحال ثم زال المانع واستكمل الشروط فأقام تلك الشهادة
تقبل، وكذا لو أقامها في حال المانع فردت ثم أعادها بعد زواله، من
غير فرق بين الفسق والكفر الظاهرين وغيرهما.
مسألة 8 - إذا سمع الاقرار مثلا صار شاهدا وإن لم يستدعه المشهود له
أول عليه، فلا يتوقف كونه شاهدا على الاشهاد والاستدعاء، فحينئذ إن
لم يتوقف أخذ الحق على شهادته فهو بالخيار بين الشهادة والسكوت، وإن
444

توقف وجبت عليه الشهادة بالحق، وكذا لو سمع اثنين يوقعان عقدا
كالبيع ونحوه أو شاهد غصبا أو جناية، ولو قال له الغريمان أو أحدهما:
لا تشهد علينا فسمع ما يوجب حكما ففي جميع تلك الموارد يصير شاهدا.
مسألة 9 - المشهور بالفسق إن تاب لتقبل شهادته لا تقبل حتى
يستبان منه الاستمرار على الصلاح وحصول الملكة الرادعة، وكذا الحال
في كل مرتكب للكبيرة بل الصغيرة، فميزان قبول الشهادة هو العدالة المحرزة
بظهور الصلاح، فإن تاب وظهر منه الصلاح يحكم بعدالته وتقبل شهادته.
القول فيما به يصير الشاهد شاهدا
مسألة 1 - الضابط في ذلك العلم القطعي واليقين، فهل يجب أن
يكون العلم مستندا إلى الحواس الظاهرة فيما يمكن كالبصر في المبصرات
والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا، فإذا حصل العلم القطعي
بشئ من غير المبادي الحسية حتى في المبصرات من السماع المفيد للعلم
القطعي لم يجز الشهادة أم يكفي العلم القطعي بأي سبب كالعلم الحاصل
من التواتر والاشتهار؟ وجهان، الأشبه الثاني، نعم يشكل جواز الشهادة
فيما إذا حصل العلم من الأمور غير العادية كالجفر والرمل وإن كان حجة للعالم.
مسألة 2 - التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم يجوز الشهادة بهما
لا لمجرد الاستفاضة بل لحصول العلم. وحينئذ لا ينحصر في أمور خاصة
كالوقف والزوجية والنسب والولاء والولاية ونحوها، بل تجوز في المبصرات
والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعي، وإن لم يفدا علما وإنما أفادا
ظنا ولو متاخما للعلم لا يجوز الشهادة بالمسبب، نعم يجوز الشهادة بالسبب
بأن يقول: إن هذا مشهور مستفيض، أو إني أظن ذلك أو من الاستفاضة.
445

مسألة 3 - هل يجوز الشهادة بمقتضى اليد والبينة والاستصحاب
ونحوها من الأمارات والأصول الشرعية، فكما يجوز شراء ما في يده
أو ما قامت البينة على ملكه أو الاستصحاب كذلك تجوز الشهادة على الملكية
وبالجملة يجوز الاتكال على ما هو حجة شرعية على الملك ظاهرا فيشهد
بأنه ملك مريدا به الملكية في ظاهر الشرع؟ وجهان، أوجههما عدم الجواز
إلا مع قيام قرائن قطعية توجب القطع، نعم تجوز الشهادة بالملكية الظاهرية
مع التصريح به، بأن يقول: هو ملك له بمقتضى يده أو بمقتضى الاستصحاب
لا بنحو الاطلاق، ووردت رواية بجواز الشهادة مستندا إلى اليد وكذا
الاستصحاب.
مسألة 4 - يجوز للأعمى والأصم تحمل الشهادة وأداؤها إذا عرفا
الواقعة، وتقبل منها، فلو شاهد الأصم الأفعال جازت شهادته فيها،
وفي رواية " يؤخذ بشهادته في القتل بأول قوله لا الثاني " وهي مطروحة
ولو سمع الأعمى وعرف صاحب الصوت علما جازت شهادته، وكذا يصح
للأخرس تحمل الشهادة وأداؤها، فإن عرف الحاكم إشارته يحكم، وإن
جهلها اعتمد فيها على مترجمين عدلين، وتكون شهادته أصلا، ويحكم بشهادته.
القول في أقسام الحقوق
مسألة 1 - الحقوق على كثرتها قسمان: حقوق الله تعالى وحقوق
الآدميين، أما حقوق الله تعالى فقد ذكرنا في كتاب الحدود أن منها
ما يثبت بأربعة رجال أو يثبت بثلاثة رجال وامرأتين، ومنهما برجلين وأربع
نساء، ومنها ما يثبت بشاهدين فليراجع إليه.
مسألة 2 - حق الآدمي على أقسام: منها - ما يشترط في إثباته الذكورة
446

فلا يثبت إلا بشاهدين ذكرين كالطلاق، فلا يقبل فيه شهادة النساء لا منفردات
ولا منضمات، وهل يعم الحكم أقسامه كالخلع والمباراة؟ الأقرب نعم
إذا كان الاختلاف في الطلاق، وأما الاختلاف في مقدار البذل فلا،
ولا فرق في الخلع والمباراة بين كون المرأة مدعية أو الرجل على إشكال
في الثاني.
مسألة 3 - قيل ما يكون من حقوق الآدمي غير المالية ولم يقصد منه
المال لا تقبل شهادة النساء فيها لا منفردات ولا منضمات، ومثل لذلك
بالاسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص والوكالة
والوصايا والرجعة وعيوب النساء والنسب والهلال، وألحق بعضهم الخمس
والزكاة والنذر والكفارة، والضابط المذكور لا يخلو من وجه وإن كان
دخول بعض الأمثلة فيها محل تأمل، وتقبل شهادتهن على الرضاع
على الأقرب.
مسألة 4 - من حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين، وبشاهد وامرأتين
وبشاهد ويمين المدعي، وبامرأتين ويمين المدعي، وهو كل ما كان مالا
أو المقصود منه المال كالديون بالمعنى الأعم، فيدخل فيها القرض وثمن
المبيع والسلف وغيرها مما في الذمة، وكالغصب وعقود المعاوضات مطلقا
والوصية له، والجناية التي توجب الدية كالخطأ وشبه العمد وقتل الأب ولده والمسلم
الذمي والمأمومة والجائفة وكسر العظام وغير ذلك مما كان متعلق الدعوى
فيها مالا أو مقصودا منها المال، فجميع ذلك تثبت بما ذكر حتى بشهادة
المرأتين واليمين على الأظهر، وتقبل شهادتهن في النكاح إذا كان
معهن الرجل.
مسألة 5 - في قبول شهادتهن في الوقف وجه لا يخلو عن إشكال،
وتقبل شهادتهن في حقوق الأموال كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد
447

المتعلق بالأموال ونحو ذلك مما هي حقوق آدمي، ولا تقبل شهادتهن فيما
يوجب القصاص.
مسألة 6 - من حقوق الآدمي ما يثبت بالرجال والنساء منفردات
ومنضمات، وضابطه كل ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة والعذرة
والحيض وعيوب النساء الباطنة كالقرن والرتق والقرحة في الفرج دون
الظاهرة كالعرج والعمى.
مسألة 7 - كل موضع تقبل شهادة النساء منفردات لا يثبت بأقل
من أربع، نعم تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهل
وربع الوصية، والاثنتين في النصف، والثلاث في ثلاثة أرباع، والأربع
في الجميع، ولا يلحق بها رجل واحد، ولا يثبت به أصلا.
فروع:
الأول - الشهادة ليست شرطا في شئ من العقود والايقاعات
إلا الطلاق والظهار.
الثاني - حكم الحاكم تبع للشهادة، فإن كانت محققة نفذ الحكم
ظاهرا وواقعا، وإلا نفذ ظاهرا لا واقعا، ولا يباح للمشهود له ما حكم
الحاكم له مع علمه ببطلان الشهادة، سواء كان الشاهدان عالمين ببطلان
شهادتهما أو معتقدين بصحتها.
الثالث - الأحوط وجوب تحمل الشهادة إذا دعي إليه من له أهلية
لذلك، والوجوب على فرضه كفائي لا يتعين عليه إلا مع عدم غيره ممن
يقوم بالتحمل، ولا إشكال في وجوب أداء الشهادة إذا طلبت منه،
والوجوب هاهنا أيضا كفائي.
448

القول في الشهادة على الشهادة
مسألة 1 - تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت
كالقصاص أو غيرها كالطلاق والنسب، وكذا في الأموال كالدين والقرض
والغصب وعقود المعاوضات. وكذا ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب
النساء الباطنة والولادة والاستهلال، وغير ذلك مما هو حق آدمي.
مسألة 2 - لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود، ويلحق بها
التعزيرات على الأحوط لو لم يكن الأقوى، ولو شهد شاهدان بشهادة
شاهدين على السرقة لا تقطع، ولا بد في الحدود من شهادة الأصل سواء
كانت حق الله محضا كحد الزنا واللواط أو مشتركة بينه تعالى وبين الآدمي
كحد القذف والسرقة.
مسألة 3 - إنما لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود لاجراء
الحد وأما في سائر الآثار فتقبل، فإذا شهد الفرع بشهادة الأصل بالسرقة
لا تقطع لكن يؤخذ المال منه، وكذا يثبت بها نشر الحرمة بأم الموطوء
وأخته وبنته، وكذا سائر ما يترتب على الواقع المشهود به غير الحد.
مسألة 4 - تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق الله غير الحد،
كالزكاة والخمس وأوقاف المساجد والجهات العامة بل والأهلة أيضا.
مسألة 5 - لا تقبل شهادة فرع الفرع كالشهادة على الشهادة على الشهادة وهكذا.
مسألة 6 - يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل
من العدد والأوصاف، فلا تثبت بشهادة الواحد، فلو شهد على كل واحد
اثنان أو شهد اثنان على شهادة كل واحد تقبل، وكذا لو شهد شاهد
449

أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر، وكذا لو شهد شاهدان على
شهادة المرأة فيما جازت شهادتها.
مسألة 7 - لا تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما لا تقبل فيها
شهادتهن منفردات أو منضمات، فهل تقبل فيما تقبل شهادتهن كذلك؟
فيه قولان أشبهها المنع.
مسألة 8 - الأقوى عدم قبول شهادة الفرع إلا لعذر يمنع حضور
شاهد الأصل لإقامتها لمرض أو مشقة يسقط بهما وجوب حضوره، أو لغيبة
كان الحضور معها حرجا ومشقة، ومن المنع الحبس المانع عن الحضور.
مسألة 9 - لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل
فإن كان بعد حكم الحاكم يلتفت إلى الانكار، وإن كان قبله فهل تطرح
بينة الفرع أو يعمل بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة؟ وجهان.
القول في اللواحق
مسألة 1 - يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما علي الشئ
الواحد، فإن اتفقا حكم بهما، والميزان اتحاد المعنى لا اللفظ، فإن شهد
أحدهما بأنه غصب والآخر بأنه انتزع منه قهرا، أو قال أحدهما: باع
والآخر ملكه بعوض تقبل، ولو اختلفا في المعنى لم تقبل فإن شهد أحدهما
بالبيع والآخر باقراره بالبيع وكذا لو شهد أحدهما بأنه غصبه من زيد
والآخر بأن هذا ملك زيد لم تردا على معنى واحد، لأن الغصب منه أعم
من كونه ملكا له.
مسألة 2 - لو شهد أحدهما بشئ وشهد الآخر بغيره فإن تكاذبا
سقطت الشهادتان، فلا مجال لضم يمين المدعي، وإن لم يتكاذبا فإن حلف
450

مع كل واحد يثبت المدعي، وقيل يصح الحلف مع أحدهما في صورة
التكاذب أيضا، والأشبه ما ذكرناه.
مسألة 3 - لو شهد أحدهما بأنه سرق نصابا غدوة والآخر بأنه سرق
نصابا عشية لم يقطع ولم يحكم برد المال، وكذا لو قال الآخر سرق هذا
النصاب بعينه عشية.
مسألة 4 - لو اتفق الشاهدان في فعل واختلفا في زمانه أو مكانه أو
وصفه بما يوجب تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما، كما لو قال أحدهما:
سرق ثوبا في السوق والآخر سرق ثوبا في البيت، أو قال أحدهما: سرق دينارا
عراقيا وقال الآخر: سرق دينارا كويتيا، أو قال أحدهما: سرق دينارا غدوة
والآخر عشية، فإنه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلا إذا حلف المدعي مع كل
واحد فإنه يغرم الجميع، فلو تعارض شهادتهما تسقط، ولا يثبت بهما شئ
ولو مع الحلف بأنه سرق هذا الثوب أول زوال يوم الجمعة في النجف وشهدت
الأخرى بأنه سرق هذا الثوب بعينه أول زوال هذا اليوم بعينه في بغداد،
ولا يثبت بشئ منها القطع ولا الغرم.
مسألة 5 - لو شهد أحدهما أنه باع هذا الثوب أول الزوال في هذا
اليوم بدينار وشهد آخر أنه باعه أول الزوال بدينارين لم يثبت وسقطتا،
وقيل كان له المطالبة بأيهما شاء مع اليمين، وفيه ضعف، ولو شهد له
مع كل واحد شاهد آخر قيل ثبت الديناران، والأشبه سقوطهما، وكذا
لو شهد واحد بالاقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا، وقيل
يثبت بهما الألف والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني، وهو ضعيف، فالضابط
أن كل مورد وقع التعارض سقط المتعارضان بينة كانا أو شهادة واحدة،
ومع عدم التعارض عمل بالبينة وتثبت مع الواحد ويمين المدعي الدعوى.
451

مسألة 6 - لو شهداء عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنا أو أغمي
عليهما حكم بشهادتهما، وكذا لو شهداء ثم زكيا بعد عروض تلك العوارض
حكم بهما بعد التزكية، وكذا لو شهداء ثم فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم
بهما، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا
ثم
فسق ثم شهد الفرع، ولا فرق في حدود الله تعالى وحقوق الناس في غير
الفسق والكفر، وأما فيهما فلا يثبت الحد في حقوق الله محضا كحد الزنا
واللواط وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردد، والأشبه
عدم الحد، وأما في القصاص فالظاهر ثبوته.
مسألة 7 - قالوا: لو شهداء لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به
إليها لم يحكم به لهما بشهادتهما، وفيه تردد وإشكال، وأشكل منه ما قيل:
إنه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الإرث، والوجه في ذلك ثبوت حصة
الشريك.
مسألة 8 - لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم
وبعد الإقامة لم يحكم بها ولا غرم، فإن اعترفا بالتعمد بالكذب فسقا،
وإلا فلا فسق، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل
شهادتهما؟ فيه إشكال، فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمد
حدوا للقذف، ولو قالوا: أو همنا فلا حد على الأقوى.
مسألة 9 - لو رجعها بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقص
الحكم، وعليهما الغرم، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء فإن كان من
حدود الله تعالى نقض الحكم، وكذا ما كان مشتركا نحو حد القذف وحد
السرقة، والأشبه عدم النقص بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحد كحرمة
أم الموطوء وأخته وبنته، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة، وقسمة مال
المحكوم بالرد، واعتداد زوجته، ولا ينقض الحكم على الأقوى في ما عدا
452

ما تقدم من الحقوق، ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض
الحكم وإن كانت العين باقية على الأقوى.
مسألة 10 - إن كان المشهود به قتلا أو جرحا موجبا للقصاص
واستوفي ثم رجعوا فإن قالوا: تعمدنا اقتص منهم، وإن قالوا: أخطأنا كان
عليهم الدية في أموالهم، وإن قال بعضهم: تعمدنا وبعضهم: أخطأنا فعلى
المقر بالتعمد القصاص وعلى المقر بالخطأ الدية بمقدار نصيبه، ولولي الدم
قتل المقرين بالعمد أجمع ورد الفاضل عن دية صاحبه، وله قتل بعضهم
ويرد الباقون قدر جنايتهم.
مسألة 11 - لو كان المشهود به ما يوجب الحد برجم أو قتل فإن
استوفي ثم قال أحد الشهود بعد الرجم مثلا: كذبت متعمدا وصدقه
الباقون وقالوا: تعمدنا كان لولي الدم قتلهم بعد رد ما فضل من دية المرجوم
وإن شاء قتل واحد وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب
المقتول، وإن شاء قتل أكثر من واحد ورد الأولياء ما فضل من دية
صاحبهم، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل، وإن
لم يصدقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب، فللولي قتله بعد رد
فاضل الدية عليه، وله أخذ الدية منه بحصته.
مسألة 12 - لو ثبت أنهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال
إن أمكن، وإلا يضمن الشهود، ولو كان المشهود به قتلا ثبت عليهم
القصاص، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقروا بالتعمد، ولو باشر
الولي القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه لا الشهود ولو أقر
الشهود أيضا بالتزوير، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم
جميعا، والأول أشبه.
مسألة 13 - لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثم ثبت
453

تزويرهما فللولي القصاص منهما بعد رد نصف الدية إليهما، ومن واحد
منهما ويرد الآخر ربع الدية إلى صاحبه، ولو رجعا في الفرض فإن قالا:
تعمدنا فمثل التزوير، وإن قالا: أوهمنا وكان السارق فلانا غيره أغر ما
دية اليد، ولم يقبل شهادتهما على الآخر.
مسألة 14 - لو شهدا بالطلاق ثم رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض
حكمه، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئا، وإن كان
قبله ضمنا نصف مهر المسمى، وفي هذا تردد.
مسألة 15 - يجب أن يشهر شهود الزور في بلدهم أو حيهم لتجتنب
شهادتهم ويرتدع غيرهم، ويعزرهم الحاكم بما يراه، ولا تقبل شهادتهم
إلا أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم، ولا يجري الحكم فيمن تبين
غلطه أو ردت شهادته لمعارضة بينة أخرى أو ظهور فسق بغير الزور.
454

كتاب الحدود
وفيه فصول:
الأول في حد الزنا
والنظر فيه في الموجب وما يثبت به والحد واللواحق.
القول في الموجب
مسألة 1 - يتحقق الزنا الموجب للحد بادخال الانسان ذكره الأصلي
في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقد نكاح دائما أو منقطعا ولا ملك
من الفاعل للقابلة ولا تحليل ولا شبهة مع شرائط يأتي بيانها.
مسألة 2 - لا يتحقق الزنا بدخول الخنثى ذكره الغير الأصلي،
ولا بالدخول المحرم غير الأصلي، كالدخول حال الحيض والصوم والاعتكاف
ولا مع الشبهة موضوعا أو حكما.
455

مسألة 3 - يتحقق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا، وفي عادم
الحشفة يكفي صدق الدخول عرفا ولو لم يكن بمقدار الحشفة، والأحوط
في إجراء الحد حصوله بمقدارها، بل يدرأ بما دونها.
مسألة 4 - يشترط في ثبوت الحد على كل من الزاني والزانية البلوغ
فلا حد على الصغير والصغيرة، والعقل، فلا حد على المجنونة بلا شبهة،
ولا على المجنون على الأصح، والعلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهادا
أو تقليدا، فلا حد على الجاهل بالتحريم، ولو نسي الحكم يدرأ عنه الحد،
وكذا لو غفل عنه حال العمل، والاختيار، فلا حد على المكره والمكرهة
ولا شبهة في تحقق الاكراه في طرف الرجل كما يتحقق في طرف المرأة.
مسألة 5 - لو تزوج امرأة محرمة عليه كالأم والمرضعة وذات البعل
وزوجة الأب والابن فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حد عليه، وكذا لا حد
مع الشبهة بأن اعتقد فاعله الجواز ولم يكن كذلك، أو جهل بالواقع
جهالة مغتفرة كما لو أخبرت المرأة بكونها خلية وكانت ذات بعل، أو قامت
البينة على موت الزوج أو طلاقه، أو شك في حصول الرضاع المحرم وكان
حاصلا، ويشكل حصول الشبهة مع الظن غير المعتبر فضلا عن مجرد
الاحتمال فلو جهل الحكم ولكن كان ملتفتا واحتمل الحرمة ولم يسأل فالظاهر
عدم كونه شبهة، نعم لو كان جاهلا قاصرا أو مقصرا غير ملتفت إلى الحكم
والسؤال فالظاهر كونه شبهة دارئة.
مسألة 6 - لو عقد على محرمة عليه كالمحارم ونحوها مع علمه بالحرمة
لم يسقط الحد، وكذا لو استأجرها للوطء مع علمه بعدم الصحة، فالحد
ثابت خلافا للمحكي عن بعض أهل الخلاف، وكذا لا يشترط في الحد
كون المسألة إجماعية، فلو كانت اختلافية لكن أدى اجتهاده أو تقليده
إلى الحرمة ثبت الحد، ولو خالف اجتهاد الوالي لاجتهاد المرتكب وقال
456

الوالي بعدم الحرمة فهل له إجراء الحد أم لا؟ الأشبه الثاني، كما أنه
لو كان بالعكس لا حد عليه.
مسألة 7 - يسقط الحد في كل موضع يتوهم الحل كمن وجد
على فراشه امرأة فتوهم أنها زوجته فوطأها، فلو تشبهت امرأة نفسها
بالزوجة فوطأها فعليها الحد دون واطئها، وفي رواية يقام عليها الحد
جهرا وعليه سرا، وهي ضعيفة غير معول عليها.
مسألة 8 - يسقط الحد بدعوى كل ما يصطلح أن يكون شبهة بالنظر
إلى المدعي لها، فلو ادعى الشبهة أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلا بالنسبة
إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه، ويسقط بدعوى الزوجية ما لم يعلم
كذبه ولا يكلف اليمين ولا البينة.
مسألة 9 - يتحقق الاحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أمور:
الأول - الوطء بأهله في القبل، وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط،
فلو عقد وخلا بها خلوة تامة أو جامعها فيما بين الفخذين أو بما دون الحشفة
أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشك في حصول الدخول لم يكن محصنا
ولا المرأة محصنة، والظاهر عدم اشتراط الانزال، فلو التقى الختانان تحقق
ولا يشترط سلامة الخصيتين.
الثاني - أن يكون الواطئ بأهله بالغا على الأحوط، فلا إحصان
مع إيلاج الطفل وإن كان مراهقا، كما لا تحصن المرأة بذلك، فلو وطأها
وهو غير بالغ ثم زنى بالغا لم يكن محصنا على الأحوط ولو كانت الزوجية
باقية مستمرة.
الثالث - أن يكون عاقلا حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه،
فلو تزوج في حال صحته ولم يدخل بها حتى جن ثم وطأها حال الجنون
لم يتحقق الاحصان على الأحوط.
457

الرابع - أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح
أو ملك اليمين، فلا يتحقق الاحصان بوطء الزنا ولا الشبهة، وكذا لا يتحقق
بالمتعة، فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصنا.
الخامس - أن يكون متمكنا من وطء الفرج يغدو عليه ويروح إذا
شاء فلو كان بعيدا وغائبا لا يتمكن من وطئها فهو غير محصن، وكذا
لو كان حاضرا لكن غير قادر لمانع من حبسه أو حبس زوجته أو كونها مريضة
لا يمكن له وطؤها أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ليس محصنا.
السادس - أن يكون حرا.
مسألة 10 - يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل،
فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها ويروح، ولا ترجم غير المدخول بها
ولا غير البالغة ولا المجنونة ولا المتعة.
مسألة 11 - الطلاق الرجعي لا يوجب الخروج عن الاحصان، فلو زنى
أو زنت في الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم، ولو تزوجت عالمة كان
عليها الرجم، وكذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم والعدة، ولو جهل
بالحكم أو بالموضوع فلا حد، ولو علم أحدهما فعليه الرجم دون الجاهل،
ولو ادعى أحدهما الجهل بالحكم قبل منه إن أمكن الجهل في حقه، ولو ادعى
الجهل بالموضوع قبل كذلك.
مسألة 12 - يخرج المرء وكذا المرأة عن الاحصان بالطلاق البائن
كالخلع والمباراة، ولو راجع المخالع ليس عليه الرجم إلا بعد الدخول.
مسألة 13 - لا يشترط في الاحصان الاسلام في أحد منهما، فيحصن
النصراني النصرانية وبالعكس، والنصراني اليهودية وبالعكس، فلو وطأ غير
مسلم زوجته الدائمة ثم زنى يرجم، ولا يشترط صحة عقدهم إلا عندهم،
فلو صح عندهم وبطل عندنا كفي في الحكم بالرجم.
458

مسألة 14 - لو ارتد المحصن عن فطرة خرج عن الاحصان، لبينونة
زوجته منه. ولو ارتد عن ملة فإن زنى بعد عدة زوجتها ليس محصنا،
وإلا فهو محصن.
مسألة 15 - يثبت الحد رجما أو جلدا على الأعمى، ولو ادعى الشبهة
مع احتمالها في حقه فالأقوى القبول، وقيل لا تقبل منه أو لا تقبل إلا أن
يكون عدلا أو لا تقبل إلا مع شهادة الحال بما ادعاه، والكل ضعيف.
مسألة 16 - في التقبيل والمضاجعة والمعانقة وغير ذلك من الاستمتاعات
دون الفرج تعزير ولا حد لها، كما لا تحديد في التعزير، بل هو منوط بنظر
الحاكم على الأشبه.
القول في ما يثبت به
مسألة 1 - يثبت الزنا بالاقرار، ويشترط فيه بلوغ المقر وعقله
واختياره وقصده، فلا عبرة باقرار الصبي وإن كان مراهقا، ولا باقرار
المجنون حال جنونه، ولا باقرار المكره، ولا باقرار السكران والساهي
والغافل والنائم والهازل ونحوهم.
مسألة 2 - لا بد وأن يكون الاقرار صريحا أو ظاهرا لا يقبل معه
الاحتمال العقلائي، ولا بد من تكراره أربعا، وهل يعتبر أن يكون الأربع
في أربعة مجالس أو يكفي الأربع ولو كان في مجلس واحد؟ فيه خلاف،
أقربه الثبوت، والأحوط اعتبار أربعة مجالس، ولو أقر دون الأربعة
لا يثبت الحد، والظاهر أن للحاكم تعزيره، ويستوي في كل ما ذكر الرجل
والمرأة، وإشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق، ولو احتاجت
إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان.
459

مسألة 3 - لو قال: " زنيت بفلانة العفيفة " لم يثبت الزنا الموجب للحد
في طرفه إلا إذا كررها أربعا، وهل يثبت القذف بذلك للمرأة؟ فيه
تردد والأشبه العدم، نعم لو قال: " زنيت بها وهي أيضا زانية بزنائي "
فعليه حد القذف.
مسألة 4 - من أقر على نفسه بما يوجب الحد ولم يعين لا يكلف
بالبيان، بل يجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه، به وردت رواية
صحيحة، ولا بأس بالعمل بها، وقيده قول بأن لا يزيد على المأة، وبعض
بأن لا ينقص عن ثمانين.
مسألة 5 - لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم، ولو أقر
بما لا يوجبه لم يسقط بالانكار، والأحوط إلحاق القتل بالرجم، فلو أقر
بما يوجب القتل ثم أنكر لم يحكم بالقتل.
مسألة 6 - لو أقر بما يوجب الحد ثم تاب كان للإمام عليه السلام
عفوه أو إقامة الحد عليه رجما كان أو غيره، ولا يبعد ثبوت التخيير لغير
إمام الأصل من نوابه.
مسألة 7 - لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحد إلا مع الاقرار
بالزنا أربعا أو تقوم البينة على ذلك، وليس على أحد سؤالها ولا التفتيش
عن الواقعة.
مسألة 8 - لو أقر أربعا أنه زنى بامرأة حد دونها وإن صرح بأنها
طاوعته على الزنا، وكذا لو أقرت أربعا بأنه زنى بي وأنا طاوعته حدت
دونه، ولو ادعى أربعا أنه وطأ امرأة ولم يعترف بالزنا لا يثبت عليه حد
وإن ثبت أن المرأة لم تكن زوجته، ولو ادعى في الفرض أنها زوجته
وأنكرت هي الوطء والزوجية لم يثبت عليه حد ولا مهر، ولو ادعت أنه
أكرهها على الزنا أو تشبه عليها فلا حد على أحد منهما.
460

مسألة 9 - يثبت الزنا بالبينة، ويعتبر أن لا تكون أقل من أربعة
رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين. ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا شهادة
رجل وست نساء فيه، ولا شهادة رجلين وأربع نساء في الرجم، ويثبت
بها الحد دون الرجل على الأقوى، ولو شهد ما دون الأربعة وما في حكمها
لم يثبت الحد رجما ولا جلدا، بل حدوا للفرية.
مسألة 10 - لا بد في شهادة الشهود على الزنا من التصريح أو نحوه
على مشاهدة الولوج في الفرج كالميل في المكحلة أو الاخراج منه من غير
عقد ولا ملك ولا شبهة ولا إكراه. وهل يكفي أن يقولوا لا نعلم بينهما
سببا للتحليل؟ قيل: نعم، والأشبه لا، وفي كفاية الشهادة مع اليقين
وإن لم يبصر به وجه لا يخلو من شبهة في المقام.
مسألة 11 - تكفي الشهادة على نحو الاطلاق بأن يشهد الشهود أنه
زنى وأولج كالميل في المكحلة من غير ذكر زمان أو مكان أو غيرهما، لكن
لو ذكروا الخصوصيات واختلف شهادتهم فيها كأن شهد أحدهم بأنه زنى
يوم الجمعة والآخر بأنه يوم السبت أو شهد بعضهم أنه زنى في مكان كذا
والآخر في مكان غيره أو بفلانة والآخر بغيرها لم تسمع شهادتهم ولا يحد
ويحد الشهود للقذف، ولو ذكر بعضهم خصوصية وأطلق بعضهم فهل
يكفي ذلك أو لا بد مع ذكر أحدهم الخصوصية أن يذكرها الباقون؟ فيه إشكال
والأحوط لزومه.
مسألة 12 - لو حضر بعض الشهود وشهد بالزنا في غيبة بعض آخر
حد من شهد للفرية، ولم ينتظر مجئ البقية لا تمام البينة، فلو شهد ثلاثة
منهم على الزنا وقالوا: لنا رابع سيجئ حدوا، نعم لا يجب أن يكونوا
حاضرين دفعة، فلو شهد واحد وجاء الآخر بلا فصل فشهد وهكذا ثبت
الزنا ولا حد على الشهود، ولا يعتبر تواطؤهم على الشهادة، فلو شهد
461

الأربعة بلا علم منهم بشهادة السائرين تم النصاب وثبت الزنا، ولو شهد
بعضهم بعد حضورهم جميعا للشهادة ونكل بعض يحد من شهد للفرية.
مسألة 13 - لو شهد أربعة بالزنا وكانوا غير مرضيين كلهم أو بعضهم
كالفساق حدوا للقذف، وقيل: إن كان رد الشهادة لأمر ظاهر كالعمى
والفسق الظاهر حدوا، وإن كان الرد لأمر خفي كالفسق الخفي لا يحد
إلا المردود، ولو كان الشهود مستورين ولم يثبت عدالتهم ولا فسقهم
فلا حد عليهم للشبهة.
مسألة 14 - تقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد، فلو قالوا:
إن فلانا وفلانا زنيا قبل منهم وجرى عليهما الحد.
مسألة 15 - إذا كملت الشهادة ثبت الحد، ولا يسقط بتصديق
المشهود عليه مرة أو مرات دون الأربع، خلافا لبعض أهل الخلاف،
وكذا لا يسقط بتكذيبه.
مسألة 16 - يسقط الحد لو تاب قبل قيال البينة رجما كان أو جلدا
ولا يسقط لو تاب بعده، وليس للإمام عليه السلام أن يعفو بعد قيام البينة،
وله العفو بعد الاقرار كما مر، ولو تاب قبل الاقرار سقط الحد.
القول في الحد
وفيه مقامان:
الأول في أقسامه
للحد أقسام: الأول - القتل، فيجب على من زنى بذات محرم
462

للنسب كالأم والبنت والأخت وشبهها، ولا يلحق ذات محرم للرضاع بالنسب
على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وهل تلحق الأم والبنت ونحوهما من الزنا
بالشرعي منها؟ فيه تردد، والأحوط عدم الالحاق، والأحوط عدم إلحاق
المحارم السببية كبنت الزوجة وأمها بالنسبية، نعم الأقوى إلحاق امرأة
الأب بها، فيقتل بالزنا بها، ويقتل الذمي إذا زنى بمسلمة مطاوعة
أو مكرهة سواء كان على شرائط الذمة أم لا، والظاهر جريان الحكم
في مطلق الكفار فلو أسلم هل يسقط عنه الحد أم لا؟
فيه إشكال وأن لا يبعد
عدم السقوط وكذا يقتل من زني بامرأة مكرها لها.
مسألة 1 - لا يعتبر في المواضع المتقدمة الاحصان، بل يقتل محصنا
كان أو غير محصن، ويتساوي الشيخ والشاب والمسلم والكافر والحر والعبد
وهل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدمة ثم يقتل فيجمع فيها بين
الجلد والقتل؟ الأوجه عدم الجمع وإن كان في النفس تردد في بعض الصور.
الثاني - الرجم فقط، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة،
وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابين، وفي قول معروف يجمع
في الشاب والشابة بين الجلد والرجم، والأقرب الرجم فقط.
مسألة 2 - لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل
عليه الرجم أو الحد دون الرجم؟ وجهان، لا يبعد ثبوت الرجم عليه،
ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة فعليها الحد كاملة من رجم
أو جلد، وليس على المجنون حد على الأقوى.
الثالث - الجلد خاصة، وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا
لم يملك أي لم يزوج، وعلى المرأة غير غير المحصنة إذا زنت.
الرابع - الجلد والرجم معا، وهما حد الشيخ والشيخة إذا كانا
463

محصنين فيجلدان أولا ثم يرجمان.
الخامس - الجلد والتغريب والجز، وهي حد البكر، وهو الذي
تزوج ولم يدخل بها على الأقرب.
مسألة 3 - الجز حلق الرأس، ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبة
والظاهر لزوم حلق جميع رأسه، ولا يكفي حلق شعر الناصية.
مسألة 4 - حد النفي سنة من البلدة التي جلد فيها، وتعيين البلد
مع الحاكم. ولو كانت بلدة الحد غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه،
بل لا بد من أن يكون إلى غير وطنه، ولو حده في فلاة لا يسقط النفي،
فينفيه إلى غير وطنه، ولا فرق في البلد بين كونه مصرا أو قرية.
مسألة 5 - في تكرر الزنا مرتين أو مرات في يوم واحد أو أيام
متعددة بامرأة واحدة أو متعددة حد واحد مع عدم إقامة الحد في خلالها
هذا إذا اقتضى الزنا المتكرر نوعا واحد من الحد كالجلد مثلا، وأما
إن اقتضى حدودا مختلفة كأن يقتضي بعضه الجلد خاصة وبعضه الجلد
والرجم أو الرجم فالظاهر تكراره بتكرار سببه.
مسألة 6 - لو تكرر من الحر غير المحصن ولو كان امرأة فأقيم عليه
الحد ثلاث مرات قتل في الرابعة، وقيل قتل في الثالثة بعد إقامة الحد
مرتين، وهو غير مرضي.
مسألة 7 - قالوا: الحاكم بالخيار في الذمي بين إقامة الحد عليه
وتسليمه إلى أهل نحلته وملته ليقيموا الحد على معتقدهم، والأحوط إجراء
الحد عليه، هذا إذا زنى بالذمية أو الكافرة، وإلا فيجري عليه الحد
بلا إشكال.
مسألة 8 - لا يقام الحد رجما ولا جلدا على الحامل ولو كان حمله
من الزنا حتى تضع حملها وتخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر
464

على ولدها، وحتى ترضع ولدها إن لم يكن له مرضعة - ولو كان جلدا -
إن خيف الاضرار برضاعها، ولو وجد له كافل يجب عليها الحد مع عدم
الخوف عليه.
مسألة 9 - يجب الحد على المريض ونحوه كصاحب القروح والمستحاضة
إذا كان رجما أو قتلا: ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم
خوفا من السراية، وينتظر البرء ولو لم يتوقع البرء أو رأي الحاكم
المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ
ونحوهما، ولا يعتبر وصول كل سوط أو شمراخ إلى جسده، فيكفي التأثير
بالاجتماع وصدق مسمى الضرب بالشماريخ مجتمعا، ولو برأ قبل الضرب
يالضغث حد كالصحيح، وأما لو برأ بعده لم يعد، ولا يؤخر حد الحائض،
والأحوط التأخير في النفساء.
مسألة 10 - لا يسقط الحد باعتراض الجنون أو الارتداد، فإن أوجب
على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل ثم جن أقيم عليه
الحد رجما أو جلدا، ولو ارتكب المجنون الأدواري ما يوجبه في دور إفاقته
وصحته أقيم عليه الحد ولو في دور جنونه، ولا ينتظر به الإفاقة، ولا فرق
بين أن يحس بالألم حال الجنون أو لا.
مسألة 11 - لا يقام الحد إذا كان جلدا في الحر الشديد ولا البرد
الشديد، فيتوخى به في الشتاء وسط النهار، وفي الصيف في ساعة برده
خوفا من الهلاك أو الضرر زائدا على ما هو لازم الحد، ولا يقام في أرض
العدو ولا في الحرم على من التجأ إليه، لكن يضيق عليه في المطعم والمشرب
ليخرج، ولو أحدث موجب الحد في الحرم يقام عليه فيه.
465

المقام الثاني في كيفية إيقاعه
مسألة 1 - إذا اجتمع على شخص حدود بدي بما لا يفوت معه
الآخر فلو اجتمع الجلد والرجم عليه جلد أولا ثم رجم، ولو كان عليه
حد البكر والمحصن فالظاهر وجوب كون الرجم بعد التغريب على إشكال،
ولا يجب توقع برء جلده فيما اجتمع الجلد والرجم، بل الأحوط عدم التأخير.
مسألة 2 - يدفن الرجل للرجم إلى حقويه لا أزيد، والمرأة إلى وسطها
فوق الحقوة تحت الصدر، فإن فر أو فرت من الحفيرة ردا إن ثبت الزنا
بالبينة، وإن ثبت بالاقرار فإن فرا بعد إصابة الحجر ولو واحدا لم يردا،
وإلا ردا، وفي قول مشهور إن ثبت بالاقرار لا يرد مطلقا، وهو أحوط،
هذا في الرجم، وأما في الجلد فالفرار غير نافع فيه، بل يرد ويحد مطلقا.
مسألة 3 - إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام عليه السلام
ثم الناس، وإذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام عليه السلام
ثم الناس.
مسألة 4 - يجلد الرجل الزاني قائما مجردا من ثيابه إلا ساتر عورته
ويضرب أشد الضرب، ويفرق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه، ولكن
يتقى رأسه ووجهه وفرجه، وتضرب المرأة جالسة، وتربط عليها ثيابها،
ولو قتله أو قتلها الحد فلا ضمان.
مسألة 5 - ينبغي للحاكم إذا أراد إجراء الحد أن يعلم الناس ليجتمعوا
على حضوره، بل ينبغي أن يأمرهم بالخروج لحضور الحد، والأحوط
حضور طائفة من المؤمنين ثلاثة أو أكثر، وينبغي أن يكون الأحجار
صغارا، يل هو الأحوط، ولا يجوز بما لا يصدق عليه الحجر كالحصى،
466

ولا بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنين، والأحوط أن لا يقيم عليه الحد
من كان على عنقه حد سيما إذا كان ذنبه مثل ذنبه، ولو تاب عنه بينه
وبين الله جاز إقامته، وإن كان الأقوى الكراهة مطلقا، ولا فرق في ذلك
بين ثبوت الزنا بالاقرار أو البينة.
مسألة 6 - إذا أريد رجمه يأمره الإمام عليه السلام أو الحاكم أن يغتسل
غسل الميت بماء السدر ثم ماء الكافور ثم القراح، ثم يكفن كتكفين الميت
يلبس جميع قطعه ويحنط قبل قتله كحنوط الميت، ثم يرجم فيصلى عليه
ويدفن بلا تغسيل في قبور المسلمين، ولا يلزم غسل الدم من كفنه،
ولو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل، ونية الغسل من المأمور،
والأحوط نية الآمر أيضا.
القول في اللواحق
وفيها مسائل:
مسألة 1 - إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلا
فادعت أنها بكر وشهد أربع نساء عدول بذلك يقبل شهادتهن ويدرأ عنها
الحد، بل الظاهر أنه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل ولا الدبر فشهدت
النساء بكونها بكرا يدرأ الحد عنها، فهل تحد الشهود للفرية أم لا؟ الأشبه
الثاني، وكذا يسقط الحد عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة
سواء شهدوا بالزنا قبلا أو أطلقوا فشهدت النساء بكونها بكرا، نعم
لو شهدوا بزناه دبرا الحد، ولا يسقط بشهادة كونها بكرا، ولو ثبت
علما بالتواتر ونحوه كونها بكرا وقد شهد الشهود بزناها قبلا أو زناه
467

معها كذلك فالظاهر ثبوت حد الفرية إلا مع احتمال تجديد البكارة وإمكانه
ولو ثبت جب الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجب
بعده درئ عنه الحد وعن المرأة التي شهدوا أنه زنى بها، وحد الشهود
للفرية إن ثبت الجب علماء، وإلا فلا يحد.
مسألة 2 - لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد رجما أو جلدا،
فلا يسقط الحد لو ماتوا أو غابوا، نعم لو فروا لا يبعد السقوط للشبهة
الدارئة، ويجب عقلا على الشهود عند إقامة الحد رجما أو جلدا،
فلا يسقط الحد لو ماتوا أو غابوا، نعم لو فروا لا يبعد السقوط للشبهة
الدارئة، ويجب عقلا على الشهود حضورهم موضع الرجم مقدمة لوجوب
بدئهم بالرجم، كما يجب على الإمام عليه السلام أو الحاكم الحضور ليبدأ
بالرجم إذا ثبت بالاقرار ويأتي به بعد الشهود إذا ثبت بالبينة.
مسألة 3 - إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا فهل تقبل وترجم
المرأة أو يلاعن الزوج ويجلد الآخرون للفرية؟ قولان وروايتان، لا يبعد
ترجيح الثاني على إشكال.
مسألة 4 - للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق الله وحقوق الناس، فيجب
عليه إقامة حدود الله تعالى لو علم بالسبب، فيحد الزاني كما يجب عليه
مع قيام البينة والاقرار، ولا يتوقف على مطالبة أحد، وأما حقوق الناس
فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيرا، فمع المطالبة له العمل بعلمه.
مسألة 5 - من افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر نسائها، ويعزره
الحاكم بما رأي.
مسألة 6 - من زنى في زمان شريف كشهر رمضان والجمع والأعياد.
أو مكان شريف كالمسجد والحرم والمشاهد المشرفة عوقب زيادة على الحد،
وهو بنظر الحاكم، وتلاحظ الخصوصيات في الأزمنة والأمكنة أو اجتماع
زمان شريف مع مكان شريف، كمن ارتكب والعياذ بالله في ليلة القدر
المصادفة في المسجد، أو عند الضرائح المعظمة من المشاهد المشرفة.
468

مسألة 7 - لا كفالة في حد ولا تأخير فيه مع عدم عذر كحبل
أو مرض، ولا شفاعة في إسقاطه.
الفصل الثاني في اللواط والسحق والقيادة
مسألة 1 - اللواط وطء الذكران من الآدمي بايقاب وغيره، وهو
لا يثبت إلا باقرار الفاعل أو المفعول أربع مرات، أو شهادة أربعة رجال
بالمعاينة مع جامعيتهم لشرائط القبول.
مسألة 2 - يشترط في المقر فاعلا كان أو مفعولا البلوغ وكمال
العقل والحرية والاختيار والقصد، فلا عبرة باقرار الصبي والمجنون والعبد
والمكره والهازل.
مسألة 3 - لو أقر دون الأربع لم يحد، وللحاكم تعزيره بما يرى،
ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت، بل كان عليهم الحد للفرية،
ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمات، والحاكم يحكم بعلمه إماما
كان أو غيره.
مسألة 4 - لو وطأ فأوقب ثبت عليه القتل وعلى المفعول إذا كان
كل منهما بالغا عاقلا مختارا، ويستوي فيه المسلم والكافر والمحصن وغيره
ولو لاط البالغ العاقل بالصبي موقبا قتل البالغ وأدب الصبي، وكذا لو لاط
البالغ العاقل موقبا بالمجنون، ومع شعور المجنون أدبه الحاكم بما يراه، ولو لاط
الصبي بالصبي أدبا معا، ولو لاط مجنون بعاقل حد العاقل دون المجنون،
ولو لاط صبي ببالغ حد البالغ وأدب الصبي، ولو لاط الذمي بمسلم قتل
وإن لم يوقب، ولا لاط ذمي بذمي قيل كان الإمام عليه السلام مخيرا
بين إقامة الحد وبين دفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه حدهم، والأحوط
469

لو لم يكن الأقوى إجراء الحد عليه.
مسألة 5 - الحاكم مخير في القتل بين ضرب عنقه بالسيف أو إلقائه
من شاهق كجبل ونحوه مشدود اليدين والرجلين أو إحراقه بالنار أو رجمه
وعلى قول أو إلقاء جدار عليه فاعلا كان أو مفعولا، ويجوز الجمع بين
سائر العقوبات والاحراق بأن يقتل ثم يحرق.
مسألة 6 - إذا لم يكن الاتيان إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده
مأة جلدة، من غير فرق بين المحصن وغيره والكافر والمسلم إذا لم يكن
الفاعل كافرا والمفعول مسلما، وإلا قتل كما مر، ولو تكرر منه الفعل
وتخلله الحد قتل في الرابعة، وقيل في الثالثة، والأول أشبه.
مسألة 7 - المجتمعان تحت إزار واحد يعزران إذا كانا مجردين ولم يكن
بينهما رحم ولا تقتضي ذلك ضرورة، والتعزير بنظر الحاكم، والأحوط
في المقام الحد إلا سوطا، وكذا يعزر من قبل غلاما بشهوة، بل أو رجلا
أو امرأة صغيرة أو كبيرة.
مسألة 8 - لو تاب اللائط إيقابا أو غيره قبل قيام البينة سقط الحد
ولو تاب بعده لم يسقط، ولو كان الثبوت باقراره فتاب فللإمام عليه السلام
العفو والاجراء، وكذا لنائبه على الظاهر.
مسألة 9 - يثبت السحق وهو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط،
وحده مأة جلدة بشرط البلوغ والعقل والاختيار محصنة كانت أم لا، وقيل
في المحصنة الرجم، والأشبه الأول، ولا فرق بين الفاعلة والمفعولة،
ولا الكافرة والمسلمة.
مسألة 10 - إذا تكررت المساحقة مع تخللها الحد قتلت في الرابعة
ويسقط الحد بالتوبة قبل قيام البينة، ولا يسقط بعده، ولو ثبتت بالاقرار
فتابت يكون الإمام عليه السلام مخيرا كما في اللواط، والظاهر أن نائبه
470

مخير أيضا.
مسألة 11 - الأجنبيتان إذا وجدنا تحت إزار واحد مجردتين عزرت
كل واحدة دون الحد، والأحوط مأة إلا سوطا.
مسألة 12 - إن تكرر الفعل منهما والتعزير مرتين أقيم عليهما الحد،
ولو عادتا بعد الحد فالأحوط التعزير مرتين والحد في الثالثة، وقيل تقتلان،
وقيل تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر، والأشبه ما تقدم.
مسألة 13 - لو وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت البكر فالولد
للواطئ صاحب الماء، وعلى الصبية الجلد مأة بعد وضعها إن كانت مطاوعة
والولد يلحق بها أيضا، ولها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها، وأما المرأة
فقد ورد أن عليها الرجم، وفيه تأمل، والأحوط الأشبه فيها الجلد مأة.
مسألة 14 - تثبت القيادة وهي الجمع بين الرجل والمرأة أو الصبية
للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبي للواط بالاقرار مرتين، وقيل مرة،
والأول أشبه، ويعتبر في الاقرار بلوغ المقر وعقله واختياره وقصده، فلا عبرة
باقرار الصبي والمجنون والمكره والهازل ونحوه، وتثبت أيضا بشهادة
شاهدين عدلين.
مسألة 15 - يحد القواد خمس وسبعون جلدا ثلاثة أرباع حد الزاني
وينفى من البلد إلى غيره، والأحوط أن يكون النفي في المرة الثانية، وعلى قول
مشهور يحلق رأسه ويشهر، ويستوي فيه المسلم والكافر والرجل والمرأة
إلا أنه ليس في المرأة إلا الجلد، فلا حلق ولا نفي ولا شهرة عليها، ولا يبعد
أن يكون حد النفي بنظر الحاكم.
471

الفصل الثالث في حد القذف
والنظر فيه في الموجب والقاذف والمقذوف والأحكام.
القول في الموجب
مسألة 1 - موجب الحد الرمي بالزنا أو اللواط، وأما الرمي بالسحق
وسائر الفواحش فلا يوجب حد القذف، نعم للإمام عليه السلام
تعزير الرامي.
مسألة 2 - يعتبر في الذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد
عليه كقوله: " أنت زنيت " أو "... لطت " أو " أنت زان " أو " لائط "
أو " ليط بك " أو " أنت منكوح في دبرك " يا زاني " " يا لاطئ "
ونحو ذلك مما يؤدي المعنى صريحا أو ظاهرا معتمدا عليه، وأن يكون القائل
عارفا بما وضع له اللفظ ومفاده في اللغة التي يتكلم بها، فلو قال عجمي
أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفا، ولا حد عليه
ولو علم المخاطب، وعلى العكس لو قاله العارف باللغة لمن لم يكن عارفا
فهو قاذف وعليه الحد.
مسألة 3 - لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده باقرار منه أو بوجه
شرعي: " لست بولدي " فعليه الحد، وكذا لو قال لغيره الذي ثبت
بوجه شرعي أنه ولد زيد: " لست بولد زيد " أو " أنت ولد عمرو "
نعم لو كان في أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف ولو للتعارف
فليس عليه الحد، فلو قال: " أنت لست بولدي " مريدا به ليس فيك
472

ما يتوقع منك أو " أنت لست يا بن عمرو " مريدا به ليس فيك شجاعته
مثلا فلا حد عليه ولا يكون قذفا.
مسألة 4 - لو قال: " يا زوج الزانية " أو " يا أخت الزانية "
أو " يا بن الزانية " أو " زنت أمك " وأمثال ذلك فالقذف ليس للمخاطب،
بل لمن نسب إليه الزنا، وكذا لو قال: " يا بن اللاطئ " أو " يا بن
الملوط " أو " يا أخ اللاطئ " أو " يا أخ الملوط " مثلا فالقذف لمن نسب
إليه الفاحشة لا للمخاطب، نعم عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب
وهتكه فيما لا يجوز له ذلك.
مسألة 5 - لو قال: " ولدتك أمك من الزنا " فالظاهر عدم ثبوت
الجد، فإن المواجه لم يكن مقذوفا، ويحتمل انفراد الأب بالزنا أو الأم
بذلك، فلا يكون القذف لمعين، ففي مثله تحصل الشبهة الدارئة، ويحتمل
ثبوت الحد مع مطالبة الأبوين، وكذا لو قال: " أحدكما زان " فإنه يحتمل
الدرء ويحتمل الحد بمطالبتهما.
مسألة 6 - لو قال: " زنيت أنت بفلانة " أو " لطت بفلان "
فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه، وقيل: عليه حدان
مسألة 7 - لو قال لابن الملاعنة: " يا بن الزانية " أو لها " يا زانية
فعليه الحد لها ولو قال لامرأة: " زنيت أنا بفلانة " أو " زنيت بك "
فالأشبه عدم الحد لها، ولو أقر بذلك أربع مرات يحد حد الزاني.
مسألة 8 - كل فحش نحو " يا ديوث " أو تعريض بما يكرهه المواجه
ولم يفد القذف في عرفه ولغته يثبت به التعزير لا الحد، كقوله: " أنت
ولد حرام " أو " يا ولد الحرام " أو " يا ولد الحيض " أو يقول لزوجته:
" ما وجدتك عذراء " أو يقول: " يا فاسق " " يا فاجر " " يا شارب الخمر "
وأمثال ذلك مما يوجب الاستخفاف بالغير ولم يكن الطرف مستحقا ففيه
473

التعزير لا الحد، ولو كان مستحقا فلا يوجب شيئا.
القول في القاذف والمقذوف
مسألة 1 - يعتبر في القاذف البلوغ والعقل، فلو قذف الصبي لم يحد
وإن قذف المسلم البالغ، نعم لو كان مميزا يؤثر فيه التأديب أدب
على حسب رأي الحاكم، وكذا المجنون، وكذا يعتبر فيه الاختيار،
فلو قذف مكرها لا شئ عليه، والقصد، فلو قذف ساهيا أو غافلا
أو هزلا لم يجد.
مسألة 2 - لو قذف العاقل أو المجنون أدوارا في دور عقله ثم جن
العاقل وعاد دور جنون الأدواري ثبت عليه الحد ولم يسقط، ويحد
حال جنونه.
مسألة 3 - يشترط في المقذوف الاحصان، وهو في المقام عبارة
عن البلوغ والعقل والحرية والاسلام والعفة، فمن استكملها وجب الحد
يقذفه، ومن فقدها أو فقد بعضها فلا حد على قاذفه، وعليه التعزير،
فلو قذف سببا أو صبية أو مملوكا أو كافرا يعزر، وأما غير العفيف
فإن كان متظاهرا بهما فقذفه يوجب الحد، ولو كان متظاهرا بأحدهما
ففيما يتظاهر لا حد ولا تعزير، وفي غيره الحد على الأقوى، ولو كان
متظاهرا بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحد.
مسألة 4 - لو قال للمسلم: " يا بن الزانية " أو " أمك زانية "
وكانت أمه كافرة ففي رواية يضرب القاذف حدا، لأن المسلم حصنها،
والأحوط التعزير دون الحد.
474

مسألة 5 - لو قذف الأب ولده بما يوجب الحد لم يحد، بل عليه
التعزير للحرمة لا للولد، وكذا لا يحد لو قذف زوجته الميتة ولا وارث لها
إلا ولده، ولو كان لها ولد من غيره كان له الحد، وكذا لو كان لها
وارث آخر غيره، والظاهر أن الجد والد، فلا يحد بقذف ابن ابنه، ويحد
الولد لو قذف أباه وإن علا، وتحد الأم لو قذفت ابنها، والأقارب
لو قذفوا بعضهم بعضا.
مسألة 6 - إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد فلكل واحد حد، سواء
جاؤوا لطلبه مجتمعين أو متفرقين ولو قذفهم بلفظ واحد بأن يقول:
" هؤلاء زناة " فإن افترقوا في المطالبة فلكل واحد حد، وإن اجتمعوا بها
فللكل حد واحد، ولو قال: " زيد وعمرو وبكر - مثلا - زناة "
فالظاهر أنه قذف بلفظ واحد، وكذا لو قال: " زيد زان وعمرو وبكر "
وأما لو قال: " زيد زان وعمرو زان وبكر زان " فلكل واحد حد
اجتمعوا في المطالبة أم لا، ولو قال: " يا بن الزانيين " فالحد لهما،
والقذف بلفظ واحد فيحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة، وحدين
مع التعاقب.
القول في الأحكام
مسألة 1 - يثبت القذف بالاقرار، ويعتبر على الأحوط أن يكون
مرتين، بل لا يخلو من وجه، ويشترط في المقر البلوغ والعقل والاختيار
والقصد، ويثبت أيضا بشهادة شاهدين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء
منفردات ولا منضمات.
مسألة 2 - الحد في القذف ثمانون جلدة ذكرا كان المفتري أو أنثى
475

ويضرب ضربا متوسطا في الشدة لا يبلغ به الضرب في الزنا، ويضرب
فوق ثيابه المعتادة، ولا يجرد، ويضرب جسده كله إلا الرأس والوجه
والمذاكير، وعلى رأي يشهر القاذف حتى تجتنب شهادته.
مسألة 3 - لو تكرر الحد بتكرر القذف فالأحوط أن يقتل في الرابعة
ولو قذف فحد فقال: " إن الذي قلت حق " وجب في الثاني التعزير ولو قذف
شخص بسبب واحد عشر مرات بأن قال: " أنت زان " وكرره ليس
عليه إلا حد واحد، ولو تعدد المقذوف يتعدد الحد، ولو تعدد المقذوف به
بأن قال: " أنت زان وأنت لائط " ففي تكرر الحد إشكال، والأقرب التكرر.
مسألة 4 - إذا ثبت الحد على القذف لا يسقط عنه إلا بتصديق
المقذوف ولو مرد، وبالبينة التي يثبت بها الزنا، وبالعفو، ولو عفا ثم
رجع عنه لا أثر لرجوعه، وفي قذف الزوجة يسقط باللعان أيضا.
مسألة 5 - إذا تقاذف اثنان سقط الحد وعزرا، سواء كان قذف
كل بما يقذف به الآخر كما لو قذف كل صاحبه باللواط فاعلا أو مفعولا
أو اختلف كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا وقذف الآخر إياه باللواط.
مسألة 6 - حد القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف ولم يعف عنه
ويرثه من يرث المال ذكورا وإناثا إلا الزوج والزوجة، لكن لا يورث
- كما يورث المال - من التوزيع، بل لكل واحد من الورثة المطالبة به تاما
وإن عفا الآخر.
فروع:
الأول - من سب النبي صلى الله عليه وآله والعياذ بالله وجب على سامعه
قتله ما لم يخف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن أو عرضه، ومعه
476

لا يجوز، ولو خاف على ماله المعتد به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله،
ولا يتوقف ذلك على إذن من الإمام عليه السلام أو نائبه، وكذا الحال
لو سب بعض الأئمة عليهم السلام، وفي إلحاق الصديقة الطاهرة سلام الله
عليها بهم وجه، بل لو رجع إلى سب النبي (ص) يقتل بلا إشكال.
الثاني - من ادعى النبوة يجب قتله، ودما مباح لمن سمعها منه
إلا مع الخوف كما تقدم، ومن كان على ظاهر الاسلام وقال: " لا أدري
أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله صادق أو لا " يقتل.
الثالث - من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما، ويؤدب إن كان
كافرا ويثبت ذلك بالاقرار، والأحوط الاقرار مرتين، وبالبينة، ولو تعلم
السحر لابطال مدعي النبوة فلا بأس به بل ربما يجب.
الرابع - كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه وتعالى يثبت
بالاقرار والأحوط الأولى أن يكون مرتين، وبشاهدين عدلين.
الخامس - كل من ترك واجبا أو ارتكب حراما فللإمام عليه السلام
ونائبه تعزيره بشرط أن يكون من الكبائر، والتعزير دون الحد، وحده
بنظر الحاكم، والأحوط له فيما لم يدل دليل على التقدير عدم التجاوز
عن أقل الحدود.
السادس - قيل: إنه يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة
أسواط، والظاهر أن تأديبه بحسب نظر المؤدب والولي، فربما تقتضي المصلحة
أقل وربما تقتضي الأكثر، ولا يجوز التجاوز، بل ولا التجاوز عن تعزير
البالغ بل الأحوط دون تعزيره، وأحوط منه الاكتفاء بستة أو خمسة.
477

الفصل الرابع في حد المسكر
والنظر في موجبه وكيفيته وأحكامه.
القول في موجبه وكيفيته
مسألة 1 - وجب الحد على من تناول المسكر أو الفقاع وإن لم يكن
مسكرا بشرط أن يكون التناول بالغا عاقلا مختارا عالما بالحكم والموضوع
فلا حد على الصبي والمجنون والمكره والجاهل بالحكم والموضوع أو أحدهما
إذا أمكن الجهل بالحكم في حقه.
مسألة 2 - لا فرق في المسكر بين أنواعه كالمتخذ من العنب: وهو
الخمر، أو التمر: وهو النبيذ، أو الزبيب: وهو النقيع، أو العسل:
وهو البتع، أو الشعير، وهو المزر، أو الحنطة أو الذرة أو غيرها، ويلحق
بالمسكر الفقاع وإن فرض أنه غير مسكر، ولو عمل المسكر من شيئين
فما زاد ففي شربه حد.
مسألة 3 - لا إشكال في حرمة العصير العنبي سواء غلى بنفسه أو بالنار
أو بالشمس إلا إذا ذهب ثلثاه أو ينقلب خلا، لكن لم يثبت إسكاره،
وفي إلحاقه بالمسكر في ثبوت الحد ولو لم يكن مسكرا إشكال، بل منع سيما
إذا غلى بالنار أو بالشمس، والعصير الزبيبي والتمري لا يلحق بالمسكر
حرمة ولا حدا.
مسألة 4 - لا إشكال في أن المسكر قليله وكثيره سواء في ثبوت
الحد بتناوله ولو كان قطرة منه ولم يكن مسكرا فعلا، فما كان كثيره
478

مسكرا يكون في قليله حد، كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا صدق اسمه
عليه وكان غيره مستهلكا فيه، كما لا إشكال في الممتزج بغيره إذا كان
مسكرا ولم يخرج بامتزاجه عن الاسكار، ففي كل ذلك حد، وأما إذا
امتزج بغيره كالأغذية والأدوية بنحو استهلك فيه لم يصدق اسمه ولم يكن
الممتزج، مسكرا ففي ثبوت الحد به إشكال، وإن كان حراما لأجل نجاسته
الممتزج، فلو استهلك قطرة منه في مائع فلا شبهة في نجاسة الممتزج،
ولكن ثبوت حد المسكر عليه محل تأمل وإشكال، لكن الحكم بالحد معروف
بين أصحابنا.
مسألة 5 - لو اضطر إلى شرب المسكر لحفظ نفسه عن الهلاك أو
من المرض الشديد فشرب ليس عليه الحد.
مسألة 6 - لو شرب المسكر مع علمه بالحرمة وجب الحد ولو جهل
أنه موجب للحد، ولو شرب مائعا بتخيل أنه محرم غير مسكر فاتضح أنه
مسكر لم يثبت الحد عليه، ولو علم أنه مسكر وتخيل أن الموجب للحد،
ما أسكر بالفعل فشرب قليله فالظاهر وجوب الحد.
مسألة 7 - يثبت شرب المسكر بالاقرار مرتين، ويشترط في المقر
البلوغ والعقل والحرية والاختيار والقصد، ويعتبر في الاقرار أن لا يقرن
بشئ يحتمل معه جواز شربه كقوله: شربت للتداوي أو مكرها، ولو أقر
بنحو الاطلاق وقامت قرينة على أنه شربه معذورا لم يثبت الحد، ولو أقر
بنحو الاطلاق ثم ادعى عذرا قبل منه، ويدرأ عنه الحد لو احتمل في
حقه ذلك، ولا يكفي في ثبوته الرائحة والنكهة مع احتمال العذر.
مسألة 8 - ويثبت بشاهدين عادلين، ولا تقبل شهادة النساء منفردات
ولا منضمات، ولو شهد العدلان بنحو الاطلاق كفى في الثبوت، ولو اختلفا
في الخصوصيات كأن يقول أحدهما: " إنه شرب الفقاع " والآخر " إنه
479

شرب الخمر " أو قال أحدهما: " إنه شرب في السوق " والآخر: " إنه
شرب في البيت " لم يثبت الشرب، فلا حد، وكذا لو شهد أحدهما بأنه
شرب عالما بالحكم والآخر بأنه شرب جاهلا وغيره من الاختلافات،
ولو أطلق أحدهما وقال: " شرب المسكر " وقيد الثاني وقال: " شرب
الخمر " فالظاهر ثبوت الحد.
مسألة 9 - الحد في الشرب ثمانون جلدة كان الشارب رجلا أو امرأة
والكافر إذا تظاهر بشربه يحد، وإذا استتر لم يحد، وإذا شرب في
كنائسهم وبيعهم لم يحد.
مسألة 10 - يضرب الشارب على ظهره وكتفيه وسائر جسده،
ويتقى وجهه ورأسه وفرجه، والرجل يضرب عريانا ما عدا العورة قائما،
والمرأة تضرب قاعدة مربوطة في ثيابها، ولا يقام عليهما الحد حتى يفيقا.
مسألة 11 - لا يسقط الحد بعروض الجنون ولا بالارتداد، فيحد
حال جنونه وارتداده.
مسألة 12 - لو شرب كرارا ولم يحد خلالها كفى عن الجميع حد
واحد، ولو شرب فحد قتل في الثالثة، وقيل في الرابعة.
القول في أحكامه وبعض اللواحق
مسألة 1 - لو شهد عدل بشربه وآخر بقيئه وجب الحد، سواء
شهد من غير تاريخ أو بتاريخ يمكن الاتحاد، ومع عدم إمكانه لا يحد،
وهل يحد إذا شهداء بقيئه؟ فيه إشكال.
مسألة 2 - من شرب الخمر مستحلا لشربها أصلا وهو مسلم استتيب
فإن تاب أقيم عليه الحد، وإن لم يتب ورجع إنكاره إلى تكذيب النبي
480

صلى الله عليه وآله قتل، من غير فرق بين كونه مليا أو فطريا، وقيل
حكمه حكم المرتد لا يستتاب إذا ولد على الفطرة، بل يقتل من غير استتابة
والأول أشبه، ولا يقتل مستحل شرب غير الخمر من المسكرات مطلقا،
بل يحد بشربه خاصة مستحلا كان له أو محرما، وبائع الخمر يستتاب
مطلقا، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب ورجع استحلاله إلى تكذيب
النبي صلى الله عليه وآله قتل، وبائع ما سواها لا يقتل وإن باعه مستحلا
ولم يتب.
مسألة 3 - لو تاب الشارب عنه قبل قيام البينة عليه بشربه سقط
عنه الحد، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط وعليه الحد، ولو تاب بعد الاقرار
فلا يبعد تخيير الإمام عليه الاسلام في الإقامة والعفو، والأحوط له الإقامة.
مسألة 4 - من استحل شيئا من المحرمات المجمع على تحريمها بين
المسلمين كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع
إنكاره إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله أو إنكار الشرع، وإلا فيعزر،
ولو كان إنكاره لشبهة ممن صحت في حقه فلا يعزر، نعم لو رفعت شبهته
فأصر على الاستحلال قتل لرجوعه إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله،
ولو ارتكب شيئا من المحرمات غير ما قرر الشارع فيه حدا عالما بتحريمها
لا مستحلا عزر، سواء كانت المحرمات من الكبائر أو الصغائر.
مسألة 5 - من قتله الحد أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه.
مسألة 6 - لو أقام الحاكم الحد بالقتل فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين
أو الشهود كانت الدية في بيت المال، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته،
ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحد عليها أو ذكرت بما يوجب الحد
فأحضرها للتحقيق فخافت فسقط حملها فالأقوى أن دية الجنين على بيت المال.
481

الفصل الخامس في حد السرقة
والنظر فيه في السارق والمسروق وما يثبت به والحد واللواحق.
القول في السارق
مسألة 1 - يشترط في وجوب الحد عليه أمور:
الأول - البلوغ، فلو سرق الطفل لم يحد، ويؤدب بما يراه الحاكم
ولو تكررت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق، وقيل يعفى عنه أولا فإن
عاد أدب فبان عاد حكت أنامله حتى تدمي، فإن عاد قطعت أنامله فإن
عاد قطع كما يقطع الرجل، وفي سرقته روايات، وفيها " لم يصنعه إلا رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنا " أي أمير المؤمنين عليه السلام، فالأشبه ما ذكرنا.
الثاني - العقل، فلا يقطع المجنون ولو أدوارا إذا سرق حال إدواره
وإن تكررت منه، ويؤدب إذا استشعر بالتأديب وأمكن التأثير فيه.
الثالث - الاختيار، فلا يقطع المكره.
الرابع - عدم الاضطرار، فلا يقطع المضطر إذا سرق لدفع اضطراره.
الخامس - أن يكون السارق هاتكا للحرز منفردا أو مشاركا، فلو هتك
غير السارق وسرق هو من غير حرز لا يقطع واحد منهما وإن جاءا معا
للسرقة والتعاون فيها، ويضمن الهاتك ما أتلفه والسارق ما سرقه.
السادس - أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره،
ويتحقق الاخراج بالمباشرة كما لو جعله على عاتقه وأخرجه، وبالتسبيب
كما لو شهد بحبل ثم يجذبه من خارج الحرز، أو يضعه على دابة من الحرز
482

ويخرجها، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه، أو أمر مجنونا أو صبيا
غير مميز بالاخراج، وأما إن كان مميزا ففي القطع إشكال بل منع.
السابع - أن لا يكون السارق والد المسروق منه، فلا يقطع الولد
لمال ولده، ويقطع الولد إن سرق من والده، والأم إن سرقت من ولدها،
والأقرباء إن سرق بعضهم من بعض.
الثامن - أن يأخذ سرا، فلو هتك الحرز قهرا ظاهرا وأخذ لا يقطع،
بل لو هتك سرا وأخذ ظاهرا قهرا فكذلك.
مسألة 2 - لو اشتركا في الهتك وانفرد أحدهما بالسرقة يقطع
السارق دون الهاتك، ولو أنفرد أحدهما بالهتك واشتركا في السرقة قطع
الهاتك السارق، ولو اشتركا فيهما قطعا مع تحقق سائر الشرائط.
مسألة 3 - يعتبر في السرقة وغيرها مما فيه حد ارتفاع الشبهة حكما
وموضوعا، فلو أخذ الشريك المال المشترك بظن جواز ذلك بدون إذن
الشريك لا قطع فيه ولو زاد ما أأخذ على نصيبه بما يبلغ نصاب القطع،
وكذا لو أخذ مع علمه بالحرمة لكن لا للسرقة بل للتقسيم والإذن بعده
لم يقطع، نعم لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع، وكذا لا يقطع
لو أخذ مال الغير بتوهم ماله، فإنه لا يكون سرقة، ولو سرق من المال
المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع، وإن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع.
مسألة 4 - في السرقة من المغنم روايتان إحداهما لا يقطع، والأخرى
يقطع إن زاد ما سرقة على نصيبه بقدر نصاب القطع.
مسألة 5 - لا فرق بين الذكر والأنثى، فتقطع الأنثى فيما يقطع
الذكر، وكذا المسلم والذمي فيقطع المسلم وإن سرق من الذمي، والذمي
كذلك سرق من المسلم أو الذمي.
مسألة 6 - لو خان الأمين لم يقطع ولو يكن سارقا، ولو سرق
483

الراهن الرهن لم يقطع، وكذا لو سرق المؤجر عين المستأجرة.
مسألة 7 - إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه
فلا يقطع، وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع، وكذا
يقطع كل من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا أحرز عنه، ومع عدم
الاحراز فلا، نعم إذا أخذ الزوجة من مال الرجل سرقة عوضا من النفقة
الواجبة التي منعها عنها فلا قطع عليها إذا لم يزد على النفقة بمقدار
النصاب، وكذا الضيف يقطع إن أرز المال عنه وإلا لا يقطع.
مسألة 8 - لو أخرج متاعا من حرز وادعى صاحب الحرز أنه سرقه
وقال المخرج: " وهبني " أو " أذن لي في إخراجه " سقط الحد إلا أن تقوم البينة
بالسرقة، وكذا لو قال: " المال لي " وأنكر صاحب المنزل فالقول وإن كان
قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين لكن لا بقطع.
القول في المسروق
مسألة 1 - نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا عليه
السكة أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائي من الألبسة والمعادن والفواكه
والأطعمة رطبة كانت أولا، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا، كان
مما يسرع إليه الفساد كالخضروات والفواكه الرطبة ونحوها أولا، وبالجملة
كل ما يملكه المسل إذا بلغ الحد ففيه القطع حتى الطير وحجارة الرخام.
مسألة 2 - لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره، فلو بلغ الذهب
غير المسكوك قيمة دينار مسكوك قطع، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار
مسكوك لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع لم يقطع، ولو انعكس وبلغ قيمته
قيمته وكان وزنه أقل يقطع.
484

مسألة 3 - لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكتين وكانت قيمتها
مختلفة لا لأجل النقص أو الغش في أحدهما بل لأجل السكة فالأحوط عدم
القطع إلا ببلوغه ربع قيمة الأكثر، وإن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقل.
مسألة 4 - المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج، فلو فرض وجود
مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته، فلو بلغ ربع قيمته ولم يكن
قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج لم يقطع.
مسألة 5 - لو سرق شيئا وتخيل عدم وصوله إلى حد النصاب كأن
سرق دينارا بتخيل أنه درهم فالظاهر القطع، ولو انعكس وسرق ما دون
النصاب بتخيل النصاب لم يقطع.
مسألة 6 - ربع الدينارين أو ما بلغ قيمة الربع هو أقل ما يقطع به،
فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعه بالربع بلغ ما بلغ، وليس في الزيادة
شئ غير القطع.
مسألة 7 - يشترط في المسروق أن يكون في حرز ككونه في مكان
مقفل أو مغلق، أو كان مدفونا أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش
أو جوف كتاب أو نحو ذلك مما يعد عرفا محرزا، وما لا يكون كذلك
لا يقطع به وإن لا يجوز الدخول إلا بإذن مالكه، فلو سرق شيئا عن الأشياء
الظاهرة في دكان مفتوح لم يقطع وإن لا يجوز دخوله فيه إلا بإذنه.
مسألة 8 - لما كان الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس فلو كان
موضع حرزا لشئ من الأشياء فهل يكون حرزا لكل شئ - فلو سقط
من جيب المالك دينارا في الإصطبل والسارق كسر القفل ودخل لسرقة
الفرس مثلا فعثر على الدينار فسرقه كفي في لزوم القطع أو لا لعدم إخراجه
من حرزه -؟ الأشبه والأحوط هو الثاني، نعم لو أخفى المال ديناره
في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع.
485

مسألة 9 - ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه كالسرقة من الخانات
والحمامات والبيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العوم أو على طائفة،
ونحو المساجد والمدارس والمشاهد المشرفة والمؤسسات العامد، وبالجملة كل
موضع أذن للعموم أو لطائفة، وهل مراعاة المالك ونحوه ومراقبته للمال
حرز فلو كانت دابته في الصحراء وكان لها مراعيا يقطع بسرقته أو لا؟
الأقوى الثاني، وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قيل: نعم، والأقوى
عدمه، وكذا سارق ما في المشاهد المشرفة من الحرم المطهر أو الرواق
والصحن.
مسألة 10 - لو سرق من جيب إنسان فإن كان المسروق محرزا كأن
كان في الجيب الذي تحت الثوب أو كان على درب جيبه آلة كالآلات
الحديثة تحرزه فالظاهر ثبوت القطع، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه
لا يقطع، ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع، فالميزان
صدق الحرز.
مسألة 11 - لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها
وحرزها ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار
محرزة، وأما إذا كانت محرزة كأن كانت في بستان مقفل فهل يقطع
بسرقة ثمرتها أو لا؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع.
مسألة 12 - لا قطع على السارق في عام مجاعة إذا كان المسروق
مأكولا ولو بالقوة كالحبوب وكان السارق مضطرا إليه، وفي غير المأكول
وفي المأكول في غير مورد الاضطرار محل إشكال، والأحوط عدم القطع
بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوة.
مسألة 13 - لو سرق حرا كبيرا أو صغيرا ذكرا أو أنثى لم يقطع
حدا، فهل يقطع دفعا للفساد؟ قيل: نعم، وبه رواية، والأحوط ترك
486

القطع وتعزيره بما يراه الحاكم.
مسألة 14 - لو أعار بيتا مثلا فهتك المعير حرزه فسرق منه مالا
للمستعير قطع، ولو آجر بيتا مثلا وسرق منه مالا للمستأجر قطع،
ولو كان الحرز مغصوبا لم يقطع بسرقة مالكه، ولو كان ماله في حرز
فهتكه وأخرج ماله لم يقطع وإن كان ماله مخلوطا بمال الغاصب فأخذ
بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب.
مسألة 15 - لو كان المسروق وقفا يقطع لو قلنا بأنه ملك للواقف
كما في بعض الصور أو للموقوف عليه، ولو قلنا إنه فك ملك لدر المنفعة
على الموقوف عليه لم يقطع، ولو سرق ما يكون مصرفه أشخاص كالزكاة
بناء على عدم الملك لأحد لم يقطع ولو سرق مالا يكون للإمام عليه السلام
كنصف الخمس بناء على كونه ملكا له عليه السلام فهل يقطع بمطالبة
الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ فيه تردد، وبناء على عدم الملك وكونه
عليه السلام ولي الأمر لا يقطع على الأحوط.
مسألة 16 - باب الحرز وكذا ما بني على الباب والجدار من الخارج
ليس محرزا، فلا قطع بها، نعم الظاهر كون الباب الداخل وراء باب
الحرز محرزا بباب الحرز فيقطع به، وكذا ما على الجدار داخلا، فإذا
كسر الباب ودخل الحرز وأخرج شيئا من أجزاء الجدار الداخل يقطع.
مسألة 17 - يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر وسرقه ولو بعض
أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حد النصاب، ولو نبش ولم يسرق الكفن
لم يقطع ويعزر، وليس القبر حرزا لغير الكفن، فلو جعل مع الميت شئ
في القبر فنبش وأخرجه لم يقطع به على الأحوط، ولو تكرر منه النبش
من غير أخذ الكفن وهرب من السلطان قيل يقتل، وفيه تردد.
487

القول فيما يثبت به
مسألة 1 - يثبت الحد بالاقرار بموجبه مرتين وبشهادة عدلين،
ولو أقر مرة واحدة لا يقطع، ولكن يؤخذ المال منه، ولا يقطع بشهادة
النساء منضمات ولا منفردات، ولا بشاهد ويمين.
مسألة 2 - يعتبر في المقر البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقطع
باقرار الصبي حتى مع القول بقطعه بالسرقة، ولا باقرار المجنون ولو أدوارا
دور جنونه، ولا بالمكره ولا بالهازل والغافل والنائم والساهي والمغمى
عليه، فلو أقر مكرها أو بلا قصد لم يقطع، ولم يثبت المال.
مسألة 3 - لو أكرهه على الاقرار بضرب ونحوه فأقر ثم أتى بالمال
بعينه لم يثبت القطع إلا مع قيام قرائن قطعية على سرقته بما يوجب القطع.
مسألة 4 - لو أقر مرتين ثم أنكر فهل يقطع أو لا؟ الأحوط
الثاني، والأرجح الأول، ولو أنكر بعد الاقرار مرة يؤخذ منه المال
ولا يقطع، ولو تاب أو أنكر بعد قيام البينة يقطع، ولو تاب قبل قيام
البينة وقبل الاقرار سقط عنه الحد، ولو تاب بعد الاقرار يتحتم القطع
وقيل: يتخير الإمام عليه السلام بين العفو والقطع.
القول في الحد
مسألة 1 - حد السارق في المرة الأولى قطع الأصابع الأربع من
مفصل أصولها من اليد اليميني، ويترك له الراحة والابهام، ولو سرق
ثانيا قطعت رجله اليسرى من تحت قبة القدم حتى يبقى له النصف من
488

القدم ومقدار قليل من محل المسح، وإن سرق ثالثا حبس دائما حتى
يموت، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيرا، وإن عاد وسرق رابعا
ولو في السجن قتل.
مسألة 2 - لو تكررت منه السرقة ولم يتخلل الحد كفى حد والحد،
فلو تكررت منه السرقة بعد الحد قطعت رجله ثم لو تكررت منه حبس ثم
لو تكررت قتل.
مسألة 3 - لا تقطع اليسار مع وجود اليمين سواء كانت اليمين
شلاء واليسار صحيحة أو العكس أو هما شلاء نعم لو خيف الموت
بقطع الشلاء لاحتمال عقلائي له منشأ عقلائي كاخبار الطبيب بذلك لم تقطع
احتياطا على حياة السارق، فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض
أو اليسار الشلاء مع الخوف في اليمين دون اليسار؟ الأشبه عدم القطع.
مسألة 4 - لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور،
وفي رواية صحيحة لا تقطع، والعمل على المشهور، ولو كان له يمين
حيث ثبوت السرقة فذهبت بعده لم تقطع اليسار.
مسألة 5 - من سرق وليس له اليمنى قيل فإن كانت مقطوعة في
القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه، فإن لم تكن له
أيضا اليسرى قطعت رجله اليسرى، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه
أكثر من الحبس، والأشبه في جميع ذلك سقوط الحد والانتقال إلى التعزير.
مسألة 6 - لو قطع الحداد يساره مع العلم حكما وموضوعا فعليه
القصاص، ولا يسقط قطع اليمنى بالسرقة، ولو قطع اليسرى لاشتباه في
الحكم أو الموضوع فعليه الدية، فهل يسقط قطع اليمين بها؟ الأقوى ذلك.
مسألة 7 - سراية الحد ليست مضمونة لا على الحاكم ولا على الحداد
489

وإن أقيم في حر أو برد، نعم يستحب إقامته في الصيف في أطراف النهار
وفي الشتاء في وسطه لتوقي شدة الحر والبرد.
القول في اللواحق
مسألة 1 - لو سرق اثنان نصابا أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كل منهما
نصابا فهل يقطع كل واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما؟ الأشبه الثاني.
مسألة 2 - لو سرق ولم يقدر عليه ثم سرق ثانية فأخذ وأقيمت
عليه البينة بهما جميعا معا دفعة واحدة أو أقر بهما جميعا كذلك قطع بالأولى
يده، ولم تقطع بالثانية رجله، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرق
الشهود فشهد اثنان بالسرقة الأولى ثم شهد اثنان بالسرقة الثانية قبل قيام
الحد، أو أقر مرتين دفعة بالسرقة الأولى ومرتين دفعة أخرى بالسرقة
الثانية قبل قيام الحد، ولو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت حتى أقيم الحد
وقطع يمينه ثم قامت الأخرى قطعت رجله.
مسألة 3 - لو أقيمت البينة عند الحاكم أو أقر بالسرقة عنده أو علم
ذلك لم يقطع حتى يطالبه المسروق منه، فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه
ولو عفا عنه قبل الرفع سقط الحد، وكذا لو وهبه المال قبل الرفع،
ولو رفعه إليه لم يسقط الحد، وكذا لو وهبه بعد الرفع، ولو سرق
مالا فملكه بشراء ونحوه قبل الرفع إلى الحاكم وثبوته سقط الحد، ولو كان
ذلك بعده لم يسقط.
مسألة 4 - لو أخرج السارق المال من حرزه ثم أعاده إليه فإن وقع
تحت يد المالك ولو في جملة أمواله لم يقطع، ولو أرجعه إلى حرزة ولم يقع
تحت يده كما لو تلف قبل وقوعه تحت يده فهل يقطع بذلك؟ الأشبه ذلك،
490

وإن لا يخلو من إشكال.
مسألة 5 - لو هتك الحرز جماعة فأخرج المال منه أحدهم فالقطع
عليه خاصة، ولو قربه أحدهم من الباب وأخرجه الآخر من الحرز فالقطع
على المخرج له، ولو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه الآخر الخارج
فالظاهر أن القطع على الداخل، ولكن لو وضعه بين الباب الذي هو
حرز للبيت بحيث لم يكن الموضوع داخلا ولا خارجا عرفا فالظاهر عدم
القطع على واحد منهما، نعم لو وضعه بنحو كان نصفه في الخارج ونصفه
في الداخل فإن بلغ كل من النصفين النصاب يقطع كل منهما، وإن بلغ
الخارج النصاب يقطع الداخل، وإن بلغ الداخل ذلك يقطع الخارج.
مسألة 6 - لو أخرج النصاب دفعات متعددة فإن عدت سرقة واحدة
كما لو كان شيئا ثقيلا ذا أجزاء فأخرجه جزءا فجزءا بلا فصل طويل
يخرجه عن اسم الدفعة عرفا يقطع، وأما لو سرق جزءا منه في ليلة وجزءا
منه في ليلة أخرى فصار المجموع نصابا فلا يقطع، ولو سرق نصف النصاب
من حرز ونصفه من حرز آخر فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم القطع.
مسألة 7 - لو دخل الحرز فأخذ النصاب وقبل الاخراج منه أخذ
لم يقطع، ولو أحدث في الشئ الذي قدر النصاب داخل الحرز ما أخرجه
عن النصاب ثم أخرجه لم يقطع، كما لو ذبح الشاة أو خرق الثوب
داخل الحرز.
مسألة 8 - لو ابتلع النصاب داخل الحرز فإن استهلك في الجوف
كالطعام لم يقطع، وإن لم يستهلك لكن تعذر إخراجه فلا قطع ولا سرقة
ولو لم يتعذر إخراجه من الجوف ولو بالنظر إلى عادته فخرج وهو في جوفه
ففي القطع وعدمه وجهان، أشبههما القطع إذا كان للسرقة بهذا النحو،
وإلا فلا قطع.
491

الفصل السادس في حد المحارب
مسألة 1 - المحارب هو كل من جرد سلاحه أو جهزه لا خلافة الناس
وإرادة الافساد في الأرض، في بر كان أو في بحر، في مصر أو غيره
ليلا أو نهارا، ولا يشترط كونه من أهل الريبة مع تحقق ما ذكر، ويستوي
فيه الذكر والأنثى، وفي ثبوته للمجرد سلاحه بالقصد المزبور مع كونه
ضعيفا لا يتحقق من إخافته خوف لأحد إشكال بل منع، نعم لو كان
ضعيفا لكن لا بحد لا يتحقق الخوف من إخافته بل يتحقق في بعض الأحيان
والأشخاص فالظاهر كونه داخلا فيه.
مسألة 2 - لا يثبت الحكم للطبع وهو المراقب للقوافل ونحوها
ليخبر رفقاءه من قطاع الطريق، ولا للردء وهو المعين لضبط الأموال،
ولا لمن شهر سيفه أو جهزه سلاحه لإخافة المحارب ولدفع فساد أو لدفع
من يقصده بسوء ونحو ذلك مما هو قطع الفساد لا الفساد، ولا للصغير
والمجنون، ولا للملاعب.
مسألة 3 - لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله
جاز، بل وجب الدفاع في الثاني لو أنجز إلى قتله، لكن لا يثبت له
حكم المحارب ولو أخاف الناس بالسوط والعصا والحجر ففي ثبوت الحكم
إشكال، بل عدمه أقرب في الأولين.
مسألة 4 - يثبت المحاربة بالاقرار مرة، والأحوط مرتين، وبشهادة
عدلين " ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمات، ولا تقبل شهادة
اللصوص والمحاربين بعضهم على بعض، ولا شهادة المأخوذ منهم بعضهم
لبعض بأن قالوا جميعا: تعرضوا لنا وأخذوا منا، وأما لو شهد بعضهم
492

لبعض وقال: " عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء لا منا " قبل على الأشبه.
مسألة 5 - الأقوى في الحد تخيير الحاكم بين القتل والصلب والقطع
مخالفا والنفي، ولا يبعد أن يكون الأولى له أن يلاحظ الجناية ويختار
ما يناسبها، فلو قتل اختار القتل أو الصلب، ولو أخذ المال اختار القطع
ولو شهر السيف وأخاف فقط اختار النفي، وقد اضطربت كلمات الفقهاء
والروايات، والأولى ما ذكرنا.
مسألة 6 - ما ذكرنا في المسألة السابقة حد المحارب سواء قتل شخصا
أو لا، وسواء رفع ولي الدم أمره إلى الحاكم أو لا، نعم مع الرفع يقتل
قصاصا مع كون المقتول كفوا، ومع عفوه فالحاكم مختار بين الأمور
الأربعة، سواء كان قتله طالبا للمال أو لا، وكذا لو جرح ولم يقتل كان
القصاص إلى الولي، فلو اقتص كان الحاكم مختارا بين الأمور المتقدمة حدا
وكذا لو عفا عنه.
مسألة 7 - لو تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط الحد دون حقوق
الناس من القتل والجرح والمال، ولو تاب بعد الظفر عليه لم يسقط
الحد أيضا.
مسألة 8 - اللص إذا صدق عليه عنوان المحارب كان حكمه ما تقدم
وإلا فله أحكام تقدمت في ذيل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مسألة 9 - يصلب المحارب حيا، ولا يجوز الابقاء مصلوبا أكثر.
من ثلاثة أيام، ثم ينزل فإن كان ميتا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن،
وإن كان حيا قيل يجهز عليه، وهو مشكل، نعم يمكن القول بجواز الصلب
على نحو يموت به، وهو أيضا لا يخلو من إشكال.
مسألة 10 - إذا نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر يكتب الوالي
إلى كل بلد يأوى إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته
493

ومشاورته، والأحوط أن لا يكون أقل من سنة وإن تاب، ولو لم يتب
استمر النفي إلى أن يتوب، ولو أراد بلاد الشرك يمنع منها، قالوا:
وإن مكنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه.
مسألة 11 - لا يعتبر في قطع المحارب السرقة فضلا عن اعتبار
النصاب أو الحرز، بل الإمام عليه السلام مخير بمجرد دق المحارب،
ولو قطع فالأحوط البدأة بقطع اليد اليمنى ثم يقطع الرجل اليسرى، والأولى
الصبر بعد قطع اليمنى حتى تحسم، ولو فقدت اليمنى أو فقد العضوان
يختار الإمام عليه السلام غير القطع.
مسألة 12 - لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها، كما
لو أخذ المال وهرب، أو أخذ قهرا من غير إشهار سلاح، أو احتال
في أخذ الأموال بوسائل كتزوير الاسناد أو الرسائل ونحو ذلك، ففيها
لا يجري حد المحارب ولا حد السارق، ولكن عليه العزير حسب
ما يراه الحاكم.
خاتمة في سائر العقوبات
القول في الارتداد
مسألة 1 - ذكرنا في الميراث المرتد بقسميه وبعض أحكامه، فالفطري
لا يقبل إسلامه ظاهرا، يقتل إن كان رجلا، ولا تقتل المرأة المرتدة
ولو عن فطرة، بل تحبس دائما وتضرب في أوقات الصلوات، ويضيق
عليها في المعيشة، وتقبل توبتها، فإن تابت أخرجت عن الحبس والمرتد
الملي يستتاب، فإن الممتنع قتل والأحوط استتابته ثلاثة أيام، وقتل
494

في اليوم الرابع.
مسألة 2 - يعتبر في الحكم بالارتداد البلوغ والعقل والاختيار والقصد
فلا عبرة بردة الصبي وإن كان مراهقا، ولا المجنون وإن كان أدواريا دور
جنونه. ولا المكره، ولا بما يقع بلا قصد كالهازل والساهي والغافل والمغمى عليه،
ولو صدر منه حال غضب غالب لا يملك معه نفسه لم يحكم بالارتداد.
مسألة 3 - لو ظهر منه ما يوجب الارتداد فادعى الاكراه مع احتمال
أو عدم القصد وسبق اللسان مع احتماله قبل منه، ولو قامت البينة على صدور
كلام منه موجب للارتداد فادعى ما ذكر قبل منه.
مسألة 4 - ولد المرتد الملي قبل ارتداده بحكم المسلم، فلو بلغ واختار
الكفر استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وكذا ولد المرتد الفطري قبل ارتداده
بحكم المسلم، فإذا بلغ واختار الكفر وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر
قبل إظهار الاسلام فالظاهر عدم إجراء حكم المرتد فطريا عليهما، بل
يستتابان، وإلا فيقتلان.
مسألة 5 - إذا تكرر الارتداد من الملي قيل: يقتل في الثالثة، وقيل
يقتل في الرابعة، وهو أحوط.
مسألة 6 - لو جن المرتد الملي بعد ردته وقبل استتابه لم يقتل،
ولو طرأ الجنون بعد استتابه وامتناعه المبيح لقتله يقتل، كما يقتل الفطري
إذا عرضه الجنون بعد ردته.
مسألة 7 - لو تاب المرتد عن ملة فقتله من يعتقد بقاءه على الردة
قيل عليه القود، والأقوى عدمه، نعم عليه الدية في ماله.
مسألة 8 - لو قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قودا، وهو مقدم
على قتله بالردة، لو عفا الولي أو صالحه على مال قتل بالردة.
495

مسألة 9 - يثبت الارتداد بشهادة عدلين وبالاقرار، والأحوط إقراره
مرتين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
القول في وطء البهيمة والميت
مسألة 1 - في وطء البهيمة تعزير، وهو منوط بنظر الحاكم، ويشترط
فيه البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة مع إمكانها، فلا تعزير على الصبي
وإن كان مميزا يؤثر فيه التأديب أدبه الحاكم بما يراه، ولا على المجنون
ولو أدوارا إذا فعل في دور جنونه، ولا على المكره ولا على المشتبه مع
إمكان الشبهة في حقه حكما أو موضوعا.
مسألة 2 - يثبت ذلك بشهادة عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء
لا منفردات ولا منضمات، وبالاقرار إن كانت البهيمة له، وإلا يثبت
التعزير باقراره ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلا أن يصدقه المالك
مسألة 3 - لو تكرر منه الفعل فإن لم يتخلله التعزير فليس عليه
إلا التعزير ولو تخلله فالأحوط قتله في الرابعة.
مسألة 4 - الحد في وطء المرأة الميتة كالحد في الحية رجما مع
الاحصان وحدا مع عدمه بتفصيل مر في حد الزنا، والإثم والجناية هنا
أفحش وأعظم، وعليه تعزير زائدا على الحد بحسب نظر الحاكم على تأمل
فيه، ولو وطأ امرأته الميتة فعليه التعزير دون الحد وفي اللواط بالميت
حد اللواط بالحي ويعزر تغليظا على تأمل.
مسألة 5 - يعتبر في ثبوت الحد في الوطء بالميت ما يعتبر في الحي
من البلوغ والعقل والاختيار وعدم الشبهة.
مسألة 6 - يثبت الزنا بالميتة واللواط بالميت بشهادة أربعة رجال،
496

وقيل يثبت عدلين، والأول أشبه، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات
ولا منضمات حتى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وطء الميتة،
وعلى الأقوى في الميت، وبالاقرار أربع مرات.
فرع: من استعملني بيده أو بغيرها من أعضائه عزر، ويقدر بنظر
الحاكم ويثبت ذلك بشهادة عدلين والاقرار، ولا يثبت بشهادة النساء منضمات
ولا منفردات.
وأما العقوبة دفاعا فقد ذكرنا مسائلها في ذيل كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
تتمة فيها أحكام أهل الذمة
القول فيمن تؤخذ منه الجزية
مسألة 1 - تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى من أهل الكتاب وممن
له شبهة كتاب، وهم المجوس، من من غير فرق بين المذاهب المختلفة فيهم
كالكاثوليكية والبروتستانية وغيرهما وإن اختلفوا في الفروع وبعض الأصول
بعد أن كانوا من إحدى الفرق.
مسألة 2 - لا تقبل الجزية من غيرهم من أصناف الكفار والمشركين
كعباد الأصنام والكواكب وغيرهما، عربيا كانوا أو عجميا، من غير فرق
بين من كان منتسبا إلى من كان له كتاب كإبراهيم وداود وغيرهما عليهم السلام
وبين غيره، فلا يقبل من غير الطوائف الثلاث. إلا الاسلام أو القتل، وكذا
لا تقبل ممن تنصر أو تهود أو تمجس بعد نسخ كتبهم بالاسلام، فمن دخل
في الطوائف حربي سواء كان مشركا أو من سائر الفر الباطلة.
497

مسألة 3 - الفرق الثلاث إذا التزموا بشرائط الذمة الآتية أقروا على
دينهم سواء كانوا عربا أو عجما، وكذلك من كان من نسلهم، فإنه يقر
على دينه بشرائطها، وتقبل منهم الجزية.
مسألة 4 - من انتقل من دينه من غير الفرق الثلاث إلى إحدى
الطوائف فإن كان قبل نسخ شرائعهم أقروا عليه، وإن كان بعده لم يقروا
ولم تقبل منهم الجزية، فحكمهم حكم الكفار غير أهل الكتاب، ولو أنتقل
مسلم إلى غير الاسلام فهو مرتد ذكرنا حكمه في بابه.
مسألة 5 - لو أحاط المسلمون بقوم من المشركين فادعوا أنهم أهل
الكتاب من الثلاث يقبل منهم إذا بذلوا الجزية، ويقروا على ما ادعوا،
ولم يكلفوا البينة، ولو ادعى بعض أنه أهل الكتاب وأنكر بعض يقر
المدعي ولا يقبل قول غيره عليه، ولو ثبت بعد عقد الجزية باقرار منهم
أو بينة أو غير ذلك أنهم ليسوا أهل الكتاب انتقض العهد.
مسألة 6 - لا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء وهل تسقط
عن الشيخ الفاني والمقعد والأعمى والمعتوه؟ فيه تردد، والأشبه عدم السقوط
وتؤخذ ممن عدا ما استثني ولو كانوا رهبانا أو فقراء لكن ينتظر حتى
يوسر الفقير.
مسألة 7 - لا يجوز في عقد الذمة اشتراط كون الجزية أو بعضها
على النساء، فلو اشترط بطل الشرط، ولو حاصر المسلمون حصنا من
أهل الكتاب فقتلوا الرجال قبل العقد فسألت النساء إقرارهن ببذل الجزية
لا يصح وكذا لو كان سؤال الاقرار بعد العقد.
مسألة 8 - لا جزية على المجنون مطبقا، فلو أفاق حولا وجبت
عليه ولو أفاق وقتا وجن وقتا قيل بالأغلب، وفيه إشكال، وفي
ثبوتها عليه إشكال وتردد.
498

مسألة 9 - كل من بلغ من صبيانهم يؤمر بالاسلام أو الجزية، فإن
امتنع صار حربيا، ولا بد في الصبيان بعد البلوغ من العقد معهم، ولا يكفي
العقد الذي مع آبائهم عنهم، فلو عقدوا أخذت الجزية منهم بحلول الحول
ولا يدخل حولهم في حول آبائهم، ولو بلغوا سفيها فالظاهر أن العقد
موقوف على إذن أوليائهم.
مسألة 10 - إذا اختار الحرب وامتنع عن الاسلام والجزية رد إلى
مأمنه، ولا يجوز اغتياله، فإنه داخل في أمان أبيه.
القول في كمية الجزية
مسألة 1 - لا تقدير خاص في الجزية ولا حد لها، بل تقديرها إلى
الوالي بحسب ما يراه من المصالح في الأمكنة والأزمنة ومقتضيات الحال.
والأولى أن لا يقدرها في عقد الذمة ويجعلها على نظر الإمام عليه السلام
تحقيقا للصغار والذل.
مسألة 2 - يجوز للوالي وضعها على الرؤوس أو على الأراضي أو عليهما
معا، بل له أن يضعها على المواشي والأشجار والمستغلات بما يراه مصلحة.
مسألة 3 - لو عين في عقد الذمة الجزية على الرؤوس لا يجوز بعده
أخذ شئ من أراضيهم وغيرها، ولو وضع على الأراضي لا يجوز بعده
الوضع على الرؤوس، ولو جعل عليهما لا يجوز النقل إلى إحداهما، وبالجملة
لا بد من العمل على طبق الشرط.
مسألة 4 - لو وضع مقدارا على الرؤوس أو الأراضي أو غيرهما
في سنة جاز له تغييره في السنين الأخر بالزيادة والنقيصة أو الموضع على
إحداهما دون الأخرى أو على الجميع.
499

مسألة 5 - لو طرح التقدير وجعل على نظر الإمام عليه السلام
فله الوضع أي نحو وبأي مقدار وبأي شئ شاء.
مسألة 6 - يجوز أن يشترط عليهم زائدا على الجزية ضيافة مارة
المسلمين عسكرا كانوا أن لا، والظاهر لزوم تعيين زمان الضيافة كيوم
أو ثلاثة أيام، ويجوز إيكال كيفية الضيافة إلى العرف والعادة من ضيافة
أهل نحلة غير أهلها ممن يرى نجاستهم.
مسألة 7 - الجزية كالزكاة والخراج تؤخذ كل حول، والظاهر جواز
اشتراط الأداء عليهم أول الحول أو آخره أو وسطه، ولو أطلق فالظاهر
أنها تجب في آخر الحول، فحينئذ إن أسلم الذمي قبل الحول أو بعده
قبل الأداء أو قبل الأداء إذا شرط عليه أو الحول سقطت عنه.
مسألة 8 - الظاهر سقوطها بالاسلام سواء كان إسلامه لداعي سقوطها
أو لا، والقول بعدمه في الأول ضعيف.
مسألة 9 - لو مات الذمي بعد الحول لم تسقط وأخذت من تركته
ولو مات في أثنائه فإن شرط عليه الأداء أو الحول فكذلك، وإن شرط
في أثنائه ومات بعد تحقق الشرط فكذلك أيضا، وإن وزعت على الشهور
فتؤخذ بمقداره، وإن وضعت عليه آخر الحول بمعنى أن يكون حصول
الدين في آخره فمات قبله لم تؤخذ شيئا، وإن وضعت عليه وشرط التأخير
إلى آخره تؤخذ، فهل لوارثه التأخير إلى آخره أو لا؟ فيه تأمل، وإن
لا يبعد تعجيلها كسائر الديون.
مسألة 10 - يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرمات كالخمر والخنزير
والميتة ونحوها، سواء أدوها أو أحالوا إلى المشتري منهم إذا كان منهم،
ولا يجوز أخذ أعيان المحرمات جزية.
مسألة 11 - الظاهر أن مصرف الجزية الآن هو مصرف خراج
500

الأراضي ولا يبعد أن يكون مصرفها وكذا مصرف الخراج وسائر الماليات
مصالح الاسلام والمسلمين وإن عين مصرف بعض الأصناف في بعض
الأموال.
مسألة 12 - عقد الذمة من الإمام عليه السلام وفي غيبته من نائبه
مع بسط يده، وفي الحال لو عقد الجائر كان لنا ترتيب آثار الصحة وأخذ
الجزية منه، كأخذ الجوائز والأخرجة، وخرجوا بالعقد معه عن الحربي.
مسألة 13 - المال الذي يجعل عليه عقد الجزية يكون بحسب ما يراه
الحاكم من النقود أو العروض كالحلي والأحشام وغيرهما.
القول في شرائط الذمة
الأول - قبول الجزية بما يراه الإمام عليه السلام أو والي المسلمين
على الرؤوس أو الأراضي أو هما أو غيرهما أو جميعها.
الثاني - أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان مثل العزم على حرب المسلمين
وإمداد المشركين.
مسألة 1 - مخالفة هذين الشرطين مستلزمه للخروج عن الذمة، بل
الأول منهما من مقومات عقد الجزية والثاني منهما من مقتضيات الآمال،
ولو لم يعدا شرطا كان حسنا، ولو فعلوا ما ينافي الأمان كانوا ناقضين
للعهد وخارجين عن الذمة، اشترط عليهم أم لم يشترط.
الثالث - أن لا يتظاهروا بالمنكرات عندنا كشرب الخمر والزنا وأكل
لحم الخنزير ونكاح المحرمات.
الرابع - قبول أن تجري عليهم أحكام المسلمين من أداء حق أو ترك
محرم أو إجراء حدود الله تعالى ونحوها، والأحوط اشتراط ذلك عليهم.
501

مسألة 2 - لو شرط هذان القسمان في عقد الجزية فخالفوا نقض
العهد وخرجوا عن الذمة، بل يحتمل أن يكون مخالفة هذين أيضا موجبة
لنقض العقد مطلقا، فيخرجوا عنها بالامتناع والمخالفة وإن لم يشترطا عليهم.
الخامس - أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بأبنائهم والسرقة
لأموالهم وإيواء عين المشركين والتجسس لهم، ولا يبعد أن يكون الأخيران
سيما الثاني منهما من منافيات الأمان ولزوم تركهما من مقتضياته.
السادس - أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يطيلوا بناء،
ولو خالفا عزروا.
مسألة 3 - هذان الشرطان أيضا كالثالث والرابع يحتمل أن يكون
مخالفتهم فيهما ناقضا للعهد مطلقا، ويحتمل أن يكون ناقضا مع الاشتراط.
واحتمل بعضهم أن يكون النقض فيما إذا اشترط بنحو تعليق الأمان لا الشرط
في ضمن عقده، ولا شبهة في النقض على هذا الفرض.
مسألة 4 - لو ارتكبوا جناية توجب الحد أو التعزير فعل بهم
ما يقتضيه، ولو سبوا النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام
أو فاطمة الزهراء سلام الله عليها على احتمال غير بعيد قتل الساب كغيرهم
من المكلفين، ولو نالوهم بما دون السب عزروا، ولو اشترط في العقد
الكف عنه نقض العهد على قول. ولو علق الأمان على الكف نقض
العهد بالمخالفة.
مسألة 5 - لو نسي في عقد الذمة ذكر الجزية بطل العقد، وأما رابع
المذكورات ففي بطلانه بعدم ذكره وعدمه تردد، ولو قيل بعدم البطلان
كان حسنا، ولزم عليهم مع عدم الشرط الالتزام بأحكام الاسلام ومع
الامتناع نقض العهد على احتمال، والثاني من مقتضيات الأمان كما مر
ولا يبطل العهد بعدم ذكره، وغير ما ذكر أيضا لا يوجب عدم ذكرها
502

بطلان العقد.
مسألة 6 - كل مورد يوجب الامتناع والمخالفة الخروج من الذمة
مطلقا - شرط عليهم أم لا - لو خالف أهل الذمة الآن وامتنع منه يصير
حربيا ويخرج عن الذمة، وكل مورد قلنا بأن الخروج عن الذمة موقوف
على الاشتراط والمخالفة يشكل الحكم بانتقاض العهد وخروجهم عن الذمة
لو خالفوا، ولو قلنا بأن جميع المذكورات من شرائط الذمة - شرط
في العقد أم لا - يخرج المخالف في واحد منها عنها ويصير حربيا.
مسألة 7 - ينبغي أن يشترط في عقد الذمة كل ما فيه نفع ورفعة
للمسلمين وضعة لهم وما يقتضي دخولهم في الاسلام من جهته رغبة أو رهبة،
ومن ذلك اشتراط التميز عن المسلمين في اللباس والشعر والركوب والكنى
بما هو مذكور في المفصلات.
مسألة 8 - إذا خرقوا الذمة في دار الاسلام وخالفوا في موارد قلنا
ينتقض عهدهم فيها فلو إلي المسلمين ردهم إلى مأمنهم، فهل له الخيار بين
قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ الظاهر ذلك على إشكال. وهل أموالهم بعد
خرق الذمة في أمان يرد إليهم مع ردهم إلى مأمنهم أم لا؟ الأشبه الأمان.
مسألة 9 - إن أسلم الذمي بعد الاسترقاق أو المفاداة لخرقه الذمة
لم يرتفع ذلك عنه، وبقي على الرق ولم يرد إليه الفداء، وإن أسلم قبلهما
وقبل القتل سقط عنه الجميع وغيرها مما عليه حال الكفر عدا الديون والقود
لو أتى بموجبه، ويؤخذ منه أموال الغير إذا كان عنده غصبا مثلا، وأما
الحدود فقد قال الشيخ في المبسوط: إن أصحابنا رووا أن إسلامه لا يسقط
عنه الحد.
مسألة 10 - يكره السلام على الذمي ابتداء، وقيل يحرم، وهو
أحوط، ولو بدأ الذمي بالسلام ينبغي أن يقتصر في الجواب على قوله
503

" عليك " ويكره إتمامه ظاهرا، ولو اضطر المسلم إلى أن يسلم عليه أو يتم
جوابه جاز بلا كراهية، وأما غير الذمي فالأحوط ترك السلام عليه
إلا مع الاضطرار وإن كان الأوجه الجواز على كراهية، وينبغي أن يقول
عند ملاقاتهم: السلام على من اتبع الهدى، ويستحب أن يضطرهم إلى
أضيق الطرق.
القول في أحكام الأبنية
مسألة 1 - لا يجوز إحداث أهل الكتاب ومن في حكمهم المعابد في بلاد
الاسلام كالبيع والكنائس والصوامع وبيوت النيران وغيرها، ولو أحدثوها
وجبت إزالتها على والي المسلمين.
مسألة 2 - لا فرق في ما ذكر من عدم جواز الاحداث ووجوب
الإزالة بين ما كان البلد مما أحدثه المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد
وطهران، وجملة من بلاد إيران مما مصرها المسلمون أو فتحها المسلمون
عنوة ككثير من بلاد إيران وتركيا والعراق وغيرها أو صلحا على أن تكون
الأرض للمسلمين، ففي جميع ذلك يجب إزالة ما أحدثوه، ويحرم إبقاؤها
كما يحرم الاحداث، وعلى الولاة - ولو كانوا جائزين - معهم عن الاحداث،
وإزالة ما أحدثوه، سيما مع ما نرى من المفاسد العظيمة الدينية والسياسة
والخطر العظيم على شبان المسلمين وبلادهم.
مسألة 3 - لو فتحت أرض صلحا على أن تكون الأرض لواحد
من أهل الذمة ولم يشتر عليهم عدم إحداث المعابد جاز لهم إحداثها فيها،
ولو انهدمت جاز لهم تعميرها وتجديدها، والمعابد التي أكنت لهم قبل
الفتح ولم يهدمها المسلمون جاز إقرارهم عليها على تأمل وإشكال.
504

مسألة 4 - كل بناء يستجده ويحدثه الذمي لا يجوز أن يعلو به
على المسلمين من مجاوريه، وهل يجوز مساواته؟ فيه تأمل وإن لا يبعد،
ولو ابتاع من مسلم ما هو مرتفع على ارتفاعه وعلوه جاز ولم يؤمر بهدمه،
ولو انهدم المرتفع من أصله أو خصوص ما علا به لم يجز بناؤه كالأول،
فلم يعل به على المسلم، فيقتصر على ما دونه على الأحوط، وإن لا يبعد
جواز المساواة.
مسألة 5 - لو انشعب شئ من المبتاع من المسلم أو مال ولم ينهدم
جاز رمه وإصلاحه.
مسألة 6 - لو بنى مسلم ما هو أخفض من مسكن ذمي لم يؤمر
الذمي بهدمه وجعله مساويا، وكذا لو اشترى من ذمي ما هو أخفض منه.
مسألة 7 - لو كانت دار المسلم في أرض منخفضة هل يجوز للذمي
أن يبني في أرض مرتفعة إذا كان جداره مساويا لجدار المسلم أو أدون؟
وجهان، لا يبعد عدم الجواز، ولو انعكس ففيه أيضا وجهان، ولا يبعد
جواز كون جدار الذمي أطول إذا لم يعل على جدار المسلم بملاحظة كونه
في محل منخفض.
مسألة 8 - الظاهر أن عدم جواز العلو من أحكام الاسلام، فلا دخل
لرضا الجار وعدمه فيه، كما أنه ليس من أحكام عقد الذمة، بل من أحكام
الذمي والمسلم، فلا يكون المدار اشتراطه وعدمه.
مسألة 9 - لا يجوز دخول الكفار المسجد الحرام بلا إشكال سواء
كانوا من أهل الذمة أم لا، ولا سائر المساجد إذا كان في دخولهم هتك،
بل مطلقا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وليس للمسلمين إذنهم فيه،
ولو أذنوا لم يصح.
مسألة 10 - لا يجوز مكثهم في المساجد ولا اجتيازهم ولا دخولهم
505

لجلب طعام أو شئ آخر، وهل يجوز دخولهم في الحرم مكثا أو اجتيازا
أو امتيازا؟ قالوا: لا يجوز. لأن المراد من المسجد الحرام في الأيد
الكريمة هو الحرم، وفيه أيضا رواية، والأحوط ذلك، واحتمل بعضهم
إلحاق حرم الأئمة عليهم السلام والصحن الشريف بالمساجد، وهو كذلك
مع الهتك، والأحوط عدم الدخول مطلقا.
مسألة 11 - لا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور، وادعى
شيخ الطائفة الاجماع عليه، وبه وردت الرواية من الفريقين، ولا بأس
بالعمل بها، والحجاز هو ما يسمى الآن به، ولا يختص بمكة والمدينة،
والأقوى جواز الاجتياز والامتيار منه.
وتلحق بالمقام فروع:
الأول - كل ذمي انتقل عن دينه إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقبل
منه البقاء عليه ولا يقر عليه، كالنصراني يصير وثنيا، واليهودي يصير بهائيا
فلا يقبل منه إلا الاسلام أو القتل، ولو رجع إلى دينه الأول فهل يقبل
منه ويقر عليه أم لا؟ فيه إشكال وإن لا يبعد القبول، ولو أنتقل من دينه
إلى دين يقر أهله عليه كاليهودي يصير نصرانيا أو العكس فهل يقبل منه
ويقر عليه أم لا؟ لا يبعد القبول والاقرار، وقيل لا يقبل منه إلا الاسلام
أو القتل.
الثاني - لو ارتكب أهل الذمة ما هو سائغ في شرعهم وليس بسائغ
في شرع الاسلام لم يعترضوا ما لم يتجاهروا به، ولو تجاهروا به عمل بهم
ما يقتضي الجناية بموجب شرع السلام من الحد أو التعزير، ولو فعلوا
ما ليس بسائغ في شرعهم يفعل بهم ما هو مقتضى الجناية في شرع الاسلام
506

قيل وإن شاء الحاكم دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحد عليه بمقتضى شرعهم
والأحوط إجراء الحد عليه حسب شرعنا، ولا فرق في هذا القسم بين
المتجاهر وغيره.
الثالث - لو أوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيعة أو بيت نار معبدا
لهم ومحلا لعباداتهم الباطلة ورجع الأمر إلينا لم يجز لنا إنفاذها، وكذا
لو أوصى بصرف شئ في كتابه التوراة والإنجيل وسائر الكتب الضالة
المحرفة وطبعها ونشرها، وكذا لو وقفت شيئا على شئ مما ذكر، ولو
لم يرجع الأمر إلينا فإن كان البناء مما لا يجوز إحداثها أو تعميرها يجب المنع
عنه، وإلا ليس لأن الاعتراض إلا إذا أرادوا بذلك تبليغ مذاهبهم الباطلة
بين المسلمين وإضلال أبنائهم، فإنه يجب منعهم ودفعهم بأية وسيلة مناسبة.
الرابع - ليس للكفار ذميا كانوا أولا تبليغ مذاهبهم الفاسدة في بلاد
المسلمين، ونشر كتبهم الضالة فيها، ودعوة المسلمين وأبنائهم إلى مذاهبهم
الباطلة، ويجب تعزيرهم، وعلى أولياء الدول الاسلامية أن يمنعهم عن ذلك
بأية وسيلة مناسبة، ويجب على المسلمين أن يحترزوا عن كتبهم ومجالسهم
ويمنعوا أبناءهم عن ذلك، ولو وصل إليهم من كتبهم والأوراق الضالة
منهم شيئا يجب محوها، فإن كتبهم ليست إلا محرفة غير محترمة، عصم الله
تعالى المسلمين من شرور الأجانب وكيدهم وأعلى الله تعالى كلمة الاسلام.
507

كتاب القصاص
وهو إما في النفس وإما فيما دونها.
القسم الأول في قصاص النفس
والنظر فيه في الموجب، والشرائط المعتبرة فيه، وما يثبت به،
وكيفية الاستيفاء.
القول في الموجب
وهو إزهاق النفس المعصومة عمدا مع الشرائط الآتية:
مسألة 1 - يتحقق العمد محضا بقصد القتل بما يقتل ولو نادرا،
وبقصد فعل يقتل به غالبا، وإن لم يقصد القتل به، وقد ذكرنا تفصيل
الأقسام في كتاب الديات.
508

مسألة 2 - العمد قد يكون مباشرة كالذبح والخنق باليد والضرب
بالسيف والسكين والحجر الغامز والجرح في المقتل ونحوها مما يصدر بفعله
المباشري عرفا ففيه القود، وقد يكون بالتسبيب بنحو، وفيه صور نذكرها
في ضمن المسائل الآتية.
مسألة 3 - لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد عليه القود
ولو لم يقصد القتل به، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتى مات،
أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتى مات أو جعل رأسه في جراب
النورة حتى مات، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب
المتلف، فهي من العمد.
مسألة 4 - في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس أو غير
منقطع لكن متردد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القود.
مسألة 5 - لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالبا لمثله
ثم أرسله فمات بسببه فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص،
وإلا فالدية، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالبا أو عصر خصيته
فمات أو أرسله منقطع القوة فمات.
مسألة 6 - لو كان الطرف ضعيفا لمرض أو صغر أو كبر ونحوها
ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أن فيه القصاص ولو لم يقصد
القتل مع علمه بضعفه، وإلا ففيه التفصيل المتقدم.
مسألة 7 - لو ضربه بعصا مثلا فلم يقلع عنه حتى مات أو ضربه
مكررا ما لا يتحمله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفا أو صغيرا أو بالنسبة
إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويا أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة
الشديدة مثلا فمات فهو عمد.
مسألة 8 - لو ضربه بما لا يوجب القتل فأعقبه مرضا بسببه ومات به
509

فالظاهر أنه مع عدم قصد القتل لا يكون عمدا ولا قود، ومع قصده
عليه القود.
مسألة 9 - لو منعه عن الطعام أو الشراب مدة لا يتحمل لمثله البقاء
فهو عمد وإن لم يقصد القتل، وإن كان مدة يتحمل مثله عادة ولا يموت به
لكن اتفق الموت أو أعقبه بسببه مرض فمات ففيه التفصيل بين كون
القتل مقصودا ولو رجاء أو لا.
مسألة 10 - لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتى مات أو منعه
عنه حتى مات قتل به، ولو لم يخرج منها عمدا وتخاذلا فلا قود ولا دية
قتل، وعليه دية جناية الالقاء في النار، ولو لم يظهر الحال واحتمل
الأمر لا يثبت قود ولا دية.
مسألة 11 - لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتى مات
أو منعه عنه حتى مات قتل به، ومع عدم خروج عمدا وتخاذلا أو الشك
في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة، ولو اعتقد أنه قادر على الخروج لكونه
من أهل فن السباحة فألقاه ثم تبين الخلاف ولم يقدر الملقى على نجاته
لم يكن عمدا.
مسألة 12 - لو فصده ومنعه عن شدة فنزف الدم ومات فعليه القود
ولو فصد وتركه فإن كان قادرا على الشك فتركه تعمدا وتخاذلا حتى مات
فلا قود ولا دية النفس، وعليه دية الفصد، ولو لم يكن قادرا فإن علم
الجاني ذلك فعليه القود، ولو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل لو رجاء
فمات فعليه القود ظاهرا، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شده فليس عليه
القود، وعليه دية شبه العمد.
مسألة 13 - لو ألقى نفسه من علو إنسان عمدا فإن كان ذلك
مما يقتل به غالبا ولو لضعف الملقى عليه لكبر أو صغر أو مرض فعليه القود
510

وإلا فإن قصد القتل به ولو رجاء فكذلك هو عمد عليه القود، وإن
لم يقصد فهو شبه عمد، وفي جميع التقادير دم الجاني هدر، ولو عثر فوقع
على غيره فمات فلا شئ عليه لا دية ولا قودا، وكذا لا شئ على الذي
وقع عليه.
مسألة 14 - لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له فهو عمد إن أراد
بذلك قتله، وإلا فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأن
للسحر واقعية أو لا، ولو كان مثلا هذا السحر قاتلا نوعا يكون عمدا
ولو لم يقصد القتل به.
مسألة 15 - لو جنى عليه عمدا فسرت فمات فإن كانت الجناية
مما تسري غالبا فهو عمدا، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك، وأما
لو كانت مما تسري ولا تقتل غالبا ولو يقصد الجاني القتل ففيه إشكال،
بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد.
مسألة 16 - لو قدم له طعاما مسموعا بما يقتل مثله غالبا أو قصد
قتله به فلو لم يعلم الحال فأكل ومات فعليه القود، ولا أثر لمباشرة المجني
عليه، وكذا الحال لو كان المجني عليه غير مميز، سواء خلطه بطعام نفسه
وقدم إليه أو أهداه أو خلطه بطعام الأكل.
مسألة 17 - لو قدم إليه طعاما مسموما مع علم الآكل بأن فيه سما
قاتلا فأكل متعمدا وعن اختيار فلا قود ولا دية، ولو قال كذبا أن فيه
سما غير قاتل وفيه علاج لكذا فأكله فمات فعليه القود، ولو قال فيه سم
وأطلق فأكله فلا قود ولا دية.
مسألة 18 - لو قدم إليه طعاما فيه سم غير قاتل غالبا فإن قصد
قتله ولو رجاء فهو عمد لو جهل الآكل، ولو لم يقصد القتل فلا قود.
مسألة 19 - لو قدم إليه المسموم بتخيل أنه مهدور الدم فبان الخلاف
511

لم يكن قتل عمد ولا قود فيه.
مسألة 20 - لو جعل السم في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب
المنزل من غير علم به فمات فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب
المنزل، وأما لو جعله بقصد قتل كلب مثلا فأكله صاحب المنزل فلا قود
بل الظاهر أنه لا دية أيضا، ولو علم أن صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر
أن عليه القود.
مسألة 21 - لو كان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه
فأكل ومات فلا قود ولا دية، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله
بلا إذن منه وعدوانا فلا قود.
مسألة 22 - لو حفر بئرا مما يقتل بوقوعه فيها ودعا غيره الذي
جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه فجاء فسقط ومات فعليه القود، ولو كانت البئر
في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها فذهب الجائي على غير الطريق
فوقع فيها لا قود ولا دية.
مسألة 23 - لو جرج ه فداوى نفسه بدواء سمي مجهز بحيث يستند
القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس، وفي الجرح قصاص إن كان
مما يوجبه، وإلا فأرش الجناية، ولو لم يكن مجهزا لكن اتفق القتل به
وبالجرح معا سقط ما قابل فعل المجروح، فللولي قتل الجارح بعد رد
نصف ديته.
مسألة 24 - لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع فهو
قتل عمد عليه القود، وكذا لو ألقاه إلى أسد ضار فافترسه إذا لم يمكنه
الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلا وتعمد
لا قود ولا دية، ولو لم يكن الأسد ضاريا فألقاه لا بقصد القتل فاتفق
أنه قتله لم يكن من العمد، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد عليه
512

القود، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله،
بل الظاهر ذلك لو لم يقصده.
مسألة 25 - لو ألقاه في أرض مسبعة متكتفا فمع علمه بتردد السباع
عنده فهو قتل عمد بلا إشكال، بلهو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه
بقصد الافتراس ولو رجاء، نعم مع علمه أو اطمئنانه بأنه لا يتردد
السباع فاتفق ذلك لا يكون من العمد، والظاهر ثبوت الدية.
مسألة 26 - لو ألقاه عند السبع فعضه بما لا يقتل به لكن سرى
فمات فهو عمد عليه القود.
مسألة 27 - لو أنهشه حية لها سم قاتل بأن أخذها وألقمها شيئا
من بدنه فهو قتل عمد عليه القود، وكذا لو طرح عليه حية قاتلة فنهشته
فهلك، وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار أو جمع بينها
وبين من لا يقدر عليه لضعفت كمرض أو صغر أو كبر فإن في جميعها
وكذا في نظائرها قودا.
مسألة 28 - لو أغرى به كلبا عقورا قاتلا غالبا فقتله فعليه القود،
وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلا غالبا أو لم يعلم حاله وقصد
ولو رجاء القتل فهو عمد.
مسألة 29 - لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود، ولو ألقاه
في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر فعليه القود وإن
لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت بل كان قصده الغرق، ولو ألقاه
في البحر وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل فعليه الدية،
ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أن عليه القود.
مسألة 30 - لو جرحه ثم عضه سبع وسرتا فعليه القود لكن مع رد
نصف الدية، ولو صالح الولي على الدية فعليه نصفها إلا أن يكون سبب
513

عض السبع هو الجارح فعليه القود، ومع العفو على الدية عليه تمام الدية.
مسألة 31 - لو جرحه ثم عضه سبع ثم نهشته حية فعليه القود مع رد
ثلثي الدية، ولو صالح بها فعليه ثلثها وهكذا، ومما ذكر يظهر الحال في
جميع موارد اشتراك الحيوان مع الانسان في القتل.
مسألة 32 - لو حفر بئرا ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع
لا الحافر، وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر
بالسيف مثلا فقده نصفين أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته
مع بقاء حياته المستقرة قتله آخر، فإن القاتل هو المضارب لا الملقي.
مسألة 33 - لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عينا لهم
فالقود على القاتل لا الممسك، لكن الممسك يحبس أبدا حتى يموت في الحبس
والربيئة تسمل عيناه بميل محمى ونحوه.
مسألة 34 - لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغا
عاقلا دون المكره وإن أوعده على القتل، ويحبس الآمر به أبدا حتى
يموت، ولو كان المكره مجنونا أو طفلا غير مميز فالقصاص على المكره
الآمر، ولو أمر شخص طفلا مميزا بالقتل فقتله ليس على واحد منهما
القود، والدية على عاقلة الطفل، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل
المكره القود أو الحبس أبدا؟ الأحوط الثاني.
مسألة 35 - لو قال بالغ عاقل لآخر: " اقتلني وإلا قتلتك " لا يجوز له
القتل، ولا ترفع الحرمة، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز
قتله دفاعا بل وجب، ولا شئ عليه، ولو قتله بمجرد الايعاد كان آثما،
وهل عليه القود؟ فيه إشكال وإن الأرجح عدمه، كما لا يبعد عدم
الدية أيضا.
مسألة 36 - لو قال: " اقتل نفسك " فإن كان المأمور عاقلا مميزا فلا شئ
514

على الآمر، بل الظاهر أنه لو أكرهه على ذلك فكذلك، ويحتمل الحبس
أبدا لاكراهه فيما صدق الاكراه، كما لو قال: " اقتل نفسك وإلا قتلتك
شر قتلة ".
مسألة 37 - يصح الاكراه بما دون النفس، فلو قال له: " اقطع يد
هذا وإلا قتلتك " كان له قطعها وليس عليه قصاص، بل القصاص على المكره
ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر، ولو أكرهه
على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما أو قطع يد أحد الرجلين فاختار
أحدهما فليس عليه شئ، وإنما القصاص على المكره الآمر.
مسألة 38 - لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات
فالظاهر أن عليه الدية لا القصاص، بل الظاهر أن الأمر كذلك لو كان
مثل الصعود موجبا للسقوط غالبا على إشكال.
مسألة 39 - لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالارتداد مثلا أو شهد
أربعة بما يوجب رجما كالزنا ثم ثبت أنهم شهدوا زورا بعد إجراء الحد
أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحد، وكان القود
على الشهود زورا مع رد الدية على حساب الشهود، ولو طلب الولي القصاص
كذبا وشهد الشهود زورا فهل القود عليهم جميعا أو على الولي أو على الشهود؟
وجوه، أقربها الأخير.
مسألة 40 - لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له
حياة مستقرة فذبحه آخر فالقود على الأول، وهو القاتل عمدا، وعلى الثاني
دية الجناية على الميت، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرة فذبحه آخر
فالقود على الثاني، وعلى الأول حكم الجرح قصاصا أو أرشا، سواء كان
الجرح مما لا يقتل مثله أو يقتل غالبا.
مسألة 41 - لو جرحه اثنان فاندمل جراحة أحدهما وسرت الأخرى
515

فمات فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها، وعلى الثاني القود
فهل يقتل بعد رد دية الجرح المندمل أم يقتل بلا رد؟ فيه إشكال وإن كان
الأقرب عدم الرد.
مسألة 42 - لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات
فإن كان قطع الأول بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني كما لو كانت الآلة
مسمومة وسرى السم في الدم وهلك به وبالقطع الثاني كان القود عليهما،
كما أنه لو كان القتل مستندا إلى السم القاتل في القطع ولم يكن في القطع
سراية كان الأول قاتلا، فالقود عليه، وإذا كان سراية القطع الأول انقطع
بقطع الثاني كان الثاني قاتلا.
مسألة 43 - لو كان الجاني في الفرض المتقدم واحدا دخل دية الطرف
في دية النفس على التأمل في بعض الفروض، وهل يدخل قصاص الطرف
في قصاص النفس مطلقا أو لا مطلقا أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات
بضربة واحدة، فلو ضربه ففقئت عيناه وشج رأسه فمات دخل قصاص
الطرف في قصاص النفس، وأما إذا كانت الجنايات بضربات عديدة
لم يدخل في قصاصها، أو يفرق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية
كمن أخذ سيفا وقطع الرجل إربا إربا حتى مات، فيدخل قصاصها
في قصاص النفس، وبين ما إذا كانت متفرقة كمن قطع يده في يوم وقطع
رجله في يوم آخر وهكذا إلى أن مات، فلم يدخل قصاصها في قصاصها؟
وجوه، لا يبعد أوجهية الأخير، والمسألة بعد مشكلة، نعم لا إشكال
في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات، فمن قطع
يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ثم قطع رجله فاندملت ثم قتله يقتص
منه ثم يقتل.
مسألة 44 - لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتص منهم إذا
516

أراد الولي، فيرد عليهم ما فضل من دية المقتول، فيأخذ كل واحد ما فضل
عن ديته، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدي لكل منهما نصف دية
القتل، ولو كانوا ثلاثة فلكل ثلثا ديته وهكذا، وللولي أن يقض من بعضهم
ويرد الباقون المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتص منه، ثم لو فضل
للمقتول أو المقتولين فضل عما رده شركاؤهم قام الولي به، ويرده إليهم
كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتص من اثنين، فيرد المتروك دية جنايته، وهي
الثلث إليهما، ويرد الولي البقية إليهما، وهي دية كاملة، فيكون لكل واحد
ثلثا الدية.
مسألة 45 - تتحق الشركة في القتل بأن يفعل كل منهم ما يقتل
لو أنفرد كأن أخذوه جميعا فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق، أو جرحوه
بجراحات كل واحدة منها قاتلة لو انفردت، وكذا تتحقق بما يكون له
الشركة في السراية مع قصد الجناية، فلو اجتمع عليه عدة فجرحه كل
واحد بما لا يقتل منفردا لكن سرت الجميع فمات فعليهم القود بنحو ما مر
ولا يعتبر التساوي في عدد الجناية، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات
والثالث أكثر وهكذا فمات بالجميع فالقصاص عليهم بالسواء، والدية
عليهم سواء، وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية، فلو جرحه أحدهما
جائفة والآخر موضحة مثلا أو جرحه أحدهما وضربه الآخر يقتض منهما
سواء، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما.
مسألة 46 - لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف يقتص
منهم كما يقتص في النفس، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل فإن أحب
أن يقطعهما أدى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما، وإن أحب أخذ منهما
دية يد، وإن قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده
ربع الدية، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة.
517

مسألة 47 - الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضى
للقطع بأن يكرهوا شخصا على قطع اليد أو يضعوا خنجرا على يده واعتمدوا
عليه أجمع حتى تقطع، وأما لو أنفرد كل على قطع جزء من يده فلا قطع
في يدهما، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها فقطع كل
جزء منها حتى وصل الأليتان وقطعت اليد فلا شركة ولا قطع، بل كل
جنى جناية منفردة، وعليها القصاص أو الدية في جنايته الخاصة.
مسألة 48 - لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير رد
شئ، ولو كن أكثر فللولي قتلهن ورد فاضل ديته يقسم عليهم بالسوية
فإن كن ثلاثا وأراد قتلهن رد عليهم دية امرأة، وهي بينهم بالسوية،
وإن كن أربعا فدية امرأتين كذلك وهكذا، وإن قتل بعضهن رد البعض
الآخر ما فضل من جنايتها، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردت المتروكة ثلث
ديته على المقتولين بالسوية، ولو اختار قتل واحدة ردت المتروكتان
على المقتولة ثلث ديتها وعلى الولي نصف دية الرجل.
مسألة 49 - لو اشترك في قتل رجل وامرأة فعلي كل منهما
نصف الدية، فلو قتلهما الولي فعليه رد نصف الدية على الرجل، ولا رد
على المرأة، ولو قتل المرأة فلا رد، وعلى الرجل نصف الدية، ولو قتل
الرجل ردت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها.
مسألة 50 - قالوا: كل موضع يوجب الرد يجب أولا الرد ثم
يستوفى وله وجه، ثم إن المفروض في المسائل المتقدمة هو الرجل السمل
الحر والمرأة كذلك.
518

القول في الشرائط المعتبرة في القصاص
وهي أمور:
الأول - التساوي في الحرية والرقية، فيقتل الحر بالحر وبالحرة
لكن مع رد فاضل الدية، وهو نصف دية الرجل الحر، وكذا تقتل
الحرة بالحرة وبالحر لكن لا يؤخذ من وليها أو تركتها فاضل دية الرجل،
مسألة 1 - لو امتنع ولي دم المرأة عن تأدية فاضل الدية أو كان
فقيرا ولم يرض القاتل بالدية أو كان فقيرا يؤخر القصاص إلى وقت
الأداء والميسرة.
مسألة 2 - يقتص للرجل من المرأة في الأطراف، وكذا يقتص
للمرأة من الرجل فيها من غير رد، وتتساوى ديتهما في الأطراف ما لم يبلغ
جراحة المرأة ثلث دية الحر، فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فيهما،
فحينئذ لا يقتص من الرجل لها إلا مع رد التفاوت.
الثاني - التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده
قتل الكفار.
مسألة 1 - لا فرق بين أصناف الكفار من الذمي والحربي والمستأمن
وغيره، ولو كان الكافر محرم القتل كالذمي والمعاهد يعزر لقتله، ويغرم
المسلم دية الذمي لهم.
مسألة 2 - لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص منه بعد
رد فاضل ديته، وقيل إن ذلك حد لا قصاص، وهو ضعيف.
مسألة 3 - يقتل الذمي بالذمي وبالذمية مع رد فاضل الدية، والذمية
519

بالذمية وبالذمي من غير رد الفضل كالمسلمين، من غير فرق بين وحدة
ملتهما واختلافهما، فيقتل اليهودي بالنصراني وبالعكس والمجوسي بهما
وبالعكس.
مسألة 4 - لو قتل ذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول
وهم مخيرون بين قتله واسترقاقه، من غير فرق بين كون المال عينا أو دينا
منقولا أو لا، ولا بين كونه مساويا لفاضل دية المسلم أو زائدا عليه
أو مساويا للدية أو زائدا عليها.
مسألة 5 - أولاد الذمي القاتل أحراز لا يسترق واحد منهم لقتل
والدهم، ولو أسلم الذمي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول
غير قتله.
مسألة 6 - لو قتل الكافر كافرا وأسلم لم يقتل به، بل عليه الدية
إن كان المقتول ذا دية.
مسألة 7 - يقتل ولد الرشدة بولد الزنية بعد وصفه الاسلام حين
تميزه ولو لم يبلغ، وأما في حال صغره قبل التميز أو بعده وقبل إسلامه
ففي قتله به وعدمه تأمل وإشكال.
ومن لواحق هذا الباب فروع:
منها - لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم وسرت إلى نفسه فلا قصاص
في الطرف ولا قود في النفس، وعليه دية النفس كاملة، وكذا لو قطع
صبي يد بالغ فبلغ ثم سرت جنايته لا قصاص في الطرف ولا قود في النفس
وعلى عاقلته دية النفس.
ومنها - لو قطع يد حربي أو مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود، ولا دية
520

على الأقوى، وقيل بالدية اعتبارا بحال الاستقرار، والأول أقوى، ولو رماه
فأصابه بعد إسلامه فلا قود ولكن عليه الدية، وربما يحتمل العدم اعتبارا
بحال الرمي، وهو ضعيف، وكذا الحال لو رمى ذميا فأسلم ثم أصابه
فلا قود، وعليه الدية.
ومنها - لو قتل مرتد ذميا يقتل به، وإن قتله ورجع إلى الاسلام
فلا قود وعليه دية الذمي، ولو قتل ذمي مرتدا ولو عن فطرة قتل به،
ولو قتله مسلم فلا قود، والظاهر عدم الدية على وللإمام عليه السلام
تعزيره.
ومنها - لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود
ولو وجب قتله بالزنا أو اللواط فقتله غير الإمام عليه السلام قيل لا قود
عليه ولا ديد، وفيه تردد.
الشرط الثالث - انتفاء الأبوة، فلا يقتل أب بقتل ابنه، والظاهر
أن لا يقتل أب الأب وهكذا.
مسألة 1 - لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية، فيؤدي
الدية إلى غيره من الوارث، ولا يرث هو منها.
مسألة 2 - لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئا، فلا يقتل
الأب الكافر بقتل ابنه المسلم.
مسألة 3 - يقتل الولد بقتل أبيه، وكذا الأم وإن علت بقتل
ولدها، والولد بقتل أمه، وكذا الأقارب كالأجداد والجدات من قبل
الأم، والإخوة من الطرفين، والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
مسألة 4 - لو ادعى اثنان ولدا مجهولا فن قتله أحدهما قبل القرعة
فلا قود، ولو قتلاه معا فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كل
منهما أو يرجع إلى القرعة؟ الأقوى هو الثاني، ولو ادعياه ثم رجع أحدهما
521

وقتلاه توجه القصاص على الراجع بع رد ما يفضل عن جنايته، وعلى الآخر
نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه، ولو قتله الراجع خاصة اختص
بالقصاص، ولو قتله الآخر لا يقتص منه، ولو رجعا معا فللوارث
أن يقتص منهما بعد رد دية نفس عليهما، وكذا الحال لو رجعا أو رجع
أحدهما بعد القتل، بل الظاهر أنه لو رجع مع أخرجته القرعة كان الأمر
كذلك بقي الآخر على الدعوى أم لا.
مسألة 5 - لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه
على الأصح، وقيل لا يملك أن يقتص من والده وهو غير وجيه.
الشرط الرابع والخامس - العقل والبلوغ، فلا يقتل المجنون سواء
قتل عاقلا أو مجنونا، نعم تثبت الدية على عاقلته، ولا يقتل الصبي بصبي
ولا ببالغ وإن بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار، فعمده خطأ حتى يبلغ حد
الرجال في السن أو سائر الأمارات، والدية على عاقلته.
مسألة 1 - لو قتل عاقل ثم خولط وذهب عقله لم يسقط عنه القود
سواء ثبت القتل بالبينة أو باقراره حال صحته.
مسألة 2 - لا يشترط الرشد بالمعنى المعهود في القصاص، فلو قتل
بالغ غير رشيد فعليه القود.
مسألة 3 - لو اختلفت الولي والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال
الولي: قتلته حال بلوغك أو عقلك فأنكره الجاني فالقول قول الجاني بيمينه،
ولكن تثبت الدية في مالها باقرارهما لا العاقلة، من غير فرق بين الجهل
بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما دون الآخر، هذا في فرض الاختلاف في البلوغ
وأما في الاختلاف في عروض الجنون فيمكن الفرق بين ما إذا كان القتل
معلوم التاريخ وشك في تاريخ عروض الجنون فالقول قول الولي، وبين
سائر الصور فالقول قول الجاني، ولو لم يعهد للقاتل حال جنون فالظاهر
522

أن القول قول الولي أيضا
مسألة 4 - لو ادعى الجاني صغره فعلا وكان ممكنا في حقه فإن أمكن
إثبات بلوغه فهو، وإلا فالقول قوله بلا يمين، ولا أثر لاقراره بالقتل
إلا بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الاقرار به.
مسألة 5 - لو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه وإن كان الاحتياط
أن لا يختار ولي المقتول قتله، بل يصالح عنه بالدية، ولا يقتل العاقل
بالمجنون وإن كان أدواريا مع كون القتل حال جنونه، ويثبت الدية على
القاتل إن كان عمدا أو شبهه، وعلى العاقلة إن كان خطأ محضا، ولو كان
المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شئ عليه من قود ولا دية، ويعطي
ورثته الدية من بيت مال المسلمين.
مسألة 6 - في ثبوت القود على السكران الآثم في شرب المسكر إن
خرج به عن العمد والاختيار تردد، والأقرب الأحوط عدم القود، نعم
لو شك في زوال العمد والاختيار منه يلحق بالعامد، وكذا الحال في كل
ما يسلب العمد والاختيار، فلو فرض أن في البنج وشرب المرقد حصول
ذلك يلحق بالسكران، ومع الشك يعمل معه معاملة العمد، ولو كان السكر
ونحوه من غير إثم فلا شبهة في عدم القود، ولا قود على النائم والمغمى
عليه، وفي الأعمي تردد.
الشرط السادس - أن يكون المقتول محقون الدم، فلو قتل من كان
مهدور الدم كالساب للنبي صلى الله عليه وآله فليس عليه القود، وكذا
لا قود على من قتله بحق كالقصاص والقتل دفاعا، وفي القود على قتل من
وجب قتله حدا كاللائط والزاني والمرتد فطرة بعد التوبة تأمل وإشكال،
ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحد.
523

القول فيما يثبت به القود
وهو أمور:
الأول الاقرار بالقتل:
ويكفي فيه مرة واحدة، ومنهم من يشترط مرتين، وهو غير وجيه.
مسألة 1 - يعتبر في المقر البلوغ والعقل والاختيار والقصد والحرية،
فلا عبرة باقرار الصبي وإن كان مراهقا، ولا المجنون، ولا المكره،
ولا الساهي والنائم والغافل والسكران الذي ذهب عقله واختياره.
مسألة 2 - يقبل إقرار المحجور عليه لسفه أو فلس بالقتل العمدي،
فيؤخذ باقراره، ويقتص منه في الحال من غير انتظار لفك حجره.
مسألة 3 - لو أقر شخص بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ كان للولي
الأخذ بقول صاحب العمد، فيقتص منه، والأخذ بقول صاحب الخطأ
فيلزمه بالدية، وليس له الأخذ بقولهما.
مسألة 4 - لو اتهم رجل بقتل وأقر المتهم بقتله عمدا فجاء آخر
وأقر أنه هو الذي قتله ورجع المقر الأول عن إقراره درئ عنهما القصاص
والدية ويؤدى دية المقتول من بيت المال على رواية عمل بها الأصحاب،
ولا بأس به، لكن يقتصر على موردها والمتيقن من مورد فتوى الأصحاب،
فلو لم يرجع الأول عن إقراره عمل على القواعد، ولو لم يكن بيت مال
للمسلمين فلا يبعد إلزامهما أو إلزام أحدهما بالدية، ولو لم يكن لهما مال
ففي القود إشكال.
524

الثاني البينة:
لا يثبت ما يوجب القصاص سواء كان في النفس أو الطرف إلا
بشاهدين عدلين، ولا اعتبار بشهادة النساء فيه منفردات ولا منضمات إلى
الرجل، ولا توجب بشهادتهن الدية فيما يوجب القصاص، نعم تجوز
شهادتهن فيما يوجب الدية كالقتل خطأ أو شبه عمد، وفي الجراحات التي
لا توجب القصاص كالهاشمة وما فوقها، ولا يثبت ما يوجب القصاص
بشهادة شاهد ويمين المدعي على قول مشهور.
مسألة 1 - يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة
أو كالصريحة نحو قوله " قتله بالسيف " أو " ضربه به فمات " أو " أراق دمه فمات
منه " ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل، نعم الظاهر عدم الاعتبار
بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفا، مثل أن يقال
في قوله: " ضربه بالسيف فمات ": يحتلم أن يكون الموت بغير الضرب،
بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلل فيه
الاحتمال عقلا.
مسألة 2 - يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع
واحد ووصف واحد، فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر عشية أو
شهد أحدهما أنه قتله بالسم والآخر أنه بالسيف أو قال أحدهما: أنه قتله في
السوق وقال الآخر في المسجد لم يقبل قولهما، والظاهر أنه ليس من اللوث
أيضا، نعم لو شهد أحدهما بأنه أقر بالقتل والآخر بمشاهدته لم يقل شهادتهما،
ولكنه من اللوث.
مسألة 3 - لو شهد أحد الشاهدين بالاقرار بالقتل مطلقا وشهد
525

الآخر بالاقرار عمدا ثبت أصل القتل الذي اتفقا عليه، فحينئذ يكلف
المدعى عليه بالبيان، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه، وإن أقر بالعمد
قبل منه، وإن أنكر العمد وادعاه الولي قيل يقبل قوله الجاني مع يمينه،
إن ادعى الخطأ وأنكر الولي قيل يقبل قول الجاني بيمينه، وفيه إشكال،
بل الظاهر أن القول قول الولي، ولو ادعى الجاني الخطأ وادعى الولي العمد
فالظاهر هو التداعي.
مسألة 4 - لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمدا والآخر بالقتل المطلق
وأنكر القاتل العمد وادعاه الولي كان شهادة الواحد لوثا، فإن أراد الولي
إثبات دعواه فلا بد من القسامة.
مسألة 5 - لو شهد اثنان بأن القاتل زيد مثلا وآخران بأنه عمرو
دونه قيل: يسقط القصاص، ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به
عمدا أو شبيها به، وعلى عاقلتهما لو أن خطأ، وقيل إن الولي مخبر في
تصديق أيهما شاء، كما لو أقر اثنان كل واحد بقتله منفردا، والوجه سقوط
القود والدية جميعا.
مسألة 6 - لو شهداء بأنه قتل عمدا فأقر آخر أنه هو القاتل وأن
المشهود عليه برئ من قتله ففي رواية صحيحة معمول بها إن أراد أولياء
المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الآخر،
ثم لا سبيل لورثه الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، وإن
أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه، ولا سبيل لهم على الذي أقر،
ثم ليؤد الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية شهد
عليه نصف الدية خاصا دون صاحبه ثم يقتلوهما، وإن أرادوا أن يأخذوا.
الدية فهي بينهما نصفان، والمسألة مشكلة جدا يجب الاحتياط فيها وعدم.
526

التهجم على قتلهما.
مسألة 7 - لو فرض في المسألة المتقدمة أن أولياء الميت ادعوا على
أحدهما دون الآخر سقط الآخر، فإن ادعوا على المشهود عليه سقط إقرار
المقر، وإن ادعوا على المقر سقطت البينة.
الثالث القسامة:
والبحث فيها في مقاصد:
الأول في اللوث
والمراد به أمارة ظنية قامت عند الحاكم على صدق المدعي كالشاهد
الواحد أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول، وكذا لو وجد
متشحطا بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم أو وجد كذلك في دار قوم أو
في محلة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها أو في صف قتال مقابل
الخصم بعد المراماة، وبالجملة كل أمارة ظنية عند الحاكم توجب اللوث، من
غير فرق بين الأسباب المفيدة للظن، فيحصل اللوث باخبار الصبي المميز
المعتمد عليه، والفاسق الموثوق به في إخباره، والكافر كذلك، والمرأة ونحوهم.
مسألة 1 - لو وجد في قرية مطروقة فيها الآيات والذهاب أو محلة
منفردة كانت مطروقة فلا لوث إلا إذا كانت هناك عداوة فيثبت اللوث.
مسألة 2 - لو وجد قتيل بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه
ومع التساوي فهما سواء في اللوث، نعم لو كان في إحداهما عداوة فاللوث
فيها وإن كانت أبعد.
527

مسألة 3 - لو لم يحصل اللوث فالحكم فيه كغيره من الدعاوي،
فلا قسامة ولا تغليظ، والبينة على المدعي واليمين على المدعي عليه، فللولي
مع عدم البينة إحلاف المنكر يمينا واحدا.
مسألة 4 - لو قتل شخص في زحام الناس ليوم جمعة أو عيد أو
وجد في فلاة أو سوق أو على جسر ولم يعلم من قتله فديته من بيت مال
المسلمين، نعم لو كان في الموارد المذكورة أمارة ظنية على كون القتل بفعل
شخص معين مثلا حصل اللوث.
مسألة 5 - لو تعارض الأمارات الظنية بطل اللوث كما لو وجد
بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطخ بالدم وسبع من شأنه قتل الانسان
ولم تكن أمارة لحصول القتل بأيهما وفي كل طرف شكل محض، فلا بد في
مثله فصل الخصومة بالطرق المعهودة غير القسامة.
مسألة 6 - لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد
قيام الأمارة الظنية على أصل القتل، ولا يشترط في القسامة حضور المدعى
عليه كما في سائر المقامات على الأصح.
مسألة 7 - لو ادعى الولي أن فلانا من أهل الدار قتله بعد أن وجد
مقتولا فيها حصل اللوث، وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدعى
عليه في الدار حين القتل، وإلا فلا لوث بالنسبة إليه، فلو أنكر كونه
فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه.
المقصد الثاني في كمية القسامة
وهي في العمد خمسون يمينا، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون
على الأصح.
528

مسألة 1 - إن كان له قوم بلغ مقدار القسامة حلف كل واحد يمينا
وإن نقصوا عنه كررت عليهم الأيمان حتى يكلموا القسامة، ولو كان القوم
أكثر فهم مختارون في تعيين خمسين منهم في العمد وخمسة وعشرين في غيره.
مسألة 2 - لو لم يكن للمدعي قسامة أو كان ولكن امتنعوا كلا
أو بعضا حلف المدعي ومن يوافقه إن كان، وكرر عليهم حتى تتم القسامة،
ولو لم يوافقه أحد كرر عليه حتى يأتي بتمام العدد.
مسألة 3 - لو كان العدد ناقصا فهل يجب التوزيع عليهم بالسوية
فإن كان عددهم عشرة يحلف كل واحد خمسة، أو يحلف كل مرة ويتم
ولي الدم النقيصة، أولهم الخيرة بعد يمين كل واحد، فلهم التوزيع بينهم
بأي نحو شاؤوا؟ لا يبعد الأخير وإن كان الأولى التوزيع بالسوية، نعم
لو كان في التوزيع كسر كما إذا كان عددهم سبعة فبعد التوزيع بقي الكسر
واحدا فلهم الخيرة، والأولى حلف ولي الدم في المفروض، بل لو قيل
إن النقيصة مطلقا على ولي الدم أو أوليائه فليس ببعيد، فإذا كان العدد
تسعة فالباقي خمسة يحلفها الولي أو الأولياء، فإن كان في التوزيع بين
الأولياء كسر فهم بالخيار، ولو وقع فيهم تشاح فلا يبعد الرجوع إلى
القرعة، وليس هذا نكولا.
مسألة 4 - هل يعتبر في القسامة أن تكون من الوراث فعلا
أو في طبقات الإرث ولو لم تكن وارثا فعلا أو يكفي كونها من قبيلة المدعي
وعشيرته عرفا وإن لم تكن من أقربائه؟ الظاهر عدم اعتبار الوراثة فعلا،
نعم الظاهر اعتبار ذلك في المدعي، وأما سائر الأفراد فالاكتفاء بكونهم
من القبيلة والعشيرة غير بعيد، لكن الأظهر أن يكونوا من أهل الرجل
وأقربائه، والظاهر اعتبار الرجولية في القسامة، وأما في المدعي فلا تعتبر
فيه وإن كانت أحد المدعين، ومع عدم العدد من الرجال ففي كفاية حلف
529

النساء تأمل وإشكال، فلا بد من التكرير بين الرجال، ومع الفقد يحلف
المدعي تمام العدد ولو كان من النساء.
مسألة 5 - لو كان المدعي أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين
قسام، وأما لو كان المدعى عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامة وعدمها
إشكال، والأوجه تعدد القسامة حسب تعدد المدعى عليه - فلو كان اثنين
يحلف كل منهما مع قومه خمسين قسامة على رد دعوى - وإن كان
الاكتفاء بالخمسين لا يخلو من وجه لكن الأول أوجه.
مسألة 6 - لو لم يحلف المدعي أو هو وعشيرته فله أن يرد الحلف
على المدعى عليه فعليه أيضا خمسون قسامة، فليحضر من قومه خمسين يشهدون
ببراءته، وحلف كل واحد ببراءته، ولو كانوا أقل من الخمسين كررت
عليهم الأيمان حتى يكلموا العدد، وحكم ببراءته قصاصا ودية، وإن لم يكن
له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يمينا، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصا
ودية. وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين ألزم بالغرامة، ولا يرد
في المقام اليمين على الطرف.
مسألة 7 - تثبت القسامة في الأعضاء مع اللوث، وهل القسامة فيها
خمسون في العمد وخمس وعشرون في غيره فيما بلغت الجناية الدية كالأنف
والذكر وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا في العمد وخمس وعشرين في الخطأ
وشبهه أو ستة أيمان فيما فيه دية النفس وبحسابه من الست فيما فيه دون الدية؟
الأحوط هو الأول، والأشبه هو الثاني، وعليه ففي اليد الواحدة أو الرجل
الواحدة وكل ما فيه نصف الدية ثلاث أيمان، وفيما فيه ثلثها اثنتان وهكذا
وإن كان كسر في اليمين أكمل بيمين. إذ لا تكسر اليمين، فحينئذ
في الإصبع الواحدة يمين واحدة، وكذا في الأنملة الواحدة، وكذا الكلام
في الجرح، فيجزي الست بحسب النسبة وفي الكسر يكمل بيمين.
530

مسألة 8 - يشترط في القسامة عليم الحالف، ويكون حلفه عن جزم
وعلم، ولا يكفي الظن.
مسألة 9 - هل تقبل قسامة الكافر على دعواه على المسلم في العمد
والخطأ في النفس وغيرها؟ فيه خلاف، والوجه عدم القبول.
مسألة 10 - لا بد في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد
الحلف عن الابهام والاحتمال من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما
بما يزل الابهام والاحتمال، وذكر نوع القتل من كونه عمدا أو خطأ
أو شبه عمد، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود.
المقصد الثالث في أحكامها
مسألة 1 - يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد، والدية على القاتل
في الخطأ شبيه العمد، وعلى العاقلة في الخطأ المحض، وقيل: تثبت
في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة، وهو غير مرضي.
مسألة 2 - لو ادعى على اثنين وله على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي
اللوث كان الحكم كما تقدم من إثباته بخمسين قسامة، وبالنسبة إلى غيره
كانت الدعوى كسائر الدعاوي، اليمين على المدعى عليه ولا قسامة،
فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه، وإن رد اليمين على المدعي حلف،
وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين، بل لا بد في اللوث من خمسين غير هذا
الحلف على الأقوى.
مسألة 3 - لو أراد قتل ذي اللوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يرد
عليه نصف ديته، وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله
يرد عليه نصف الدية.
531

مسألة 4 - لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدعوى
إلى الحاكم تسمع دعواه، ويطالبه خمسين قسامة، ومع الفقد يحلفه خمسين
يمينا في العمد، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت، ويثبت حقه، ولم يجب
انتظار سائر الأولياء، وله الاستيفاء ولو قودا، ثم لو حضر الغائب وأراد
استيفاء حقه قالوا حلف بقدر نصيبه، فإذا كان واحدا ففي العمد خمس
وعشرون، وإن كان اثنين فلكل ثلث وهكذا، وفي الكسور يجبر بواحدة
ويحتمل ثبوت حق الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه، ويحتمل التفصيل بين
قسامة الحاضر فيقال بثبوت حق الغائب بها ويمينه خمسين يمينا مع فقد القسامة
فيقال بعدم ثبوته بها، ويحتمل ثبوت حق الغائب بضم يمين واحدة إلى عدد
القسامة، ومع فقدها ويمين الحاضر ضم حصته من الأيمان، ويحتمل عدم
ثبوت دعوى الغائب إلا بخمسين قسامة، ومع فقدها يحلف خمسين يمينا
كالحاضر، ولو كان الغائب أزيد من واحد وادعى الجميع كفاهم خمسين
قسامة أو خمسين يمينا من جميعهم، أقوى الاحتمالات الأخير سيما إذا
ثبت حقه بخمسين يمينا منه، ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء.
مسألة 5 - لو كذب أحد الوليين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا
كانت أمارات على القتل، نعم لا يبعد القدح إذا كان اللوث بشاهد واحد
مثلا، والمقامات مختلفة.
مسألة 6 - لو مات الولي قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه قام وارثه
مقامه في الدعوى، فعليه إذا أراد إثبات حقه القسامة، ومع فقدها خمسون
أو خمس وعشرون يمينا، وإن مات الولي في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم
استئناف الأيمان، ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقه من غير يمين.
مسألة 7 - لو حلف المدعي مع اللوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان
أنه كان غائبا غيبة لا يقدر معها على القتل أو محبوسا كذلك فهل تبطل
532

القسامة بذلك واستعيدت الدية أم لا مجال للبينة بعد فصل الخصومة باليمين؟ فيه
تردد، والأرجح الثاني، نعم لو علم ذلك وجدانا بطلت القسامة واستعيدت
الدية، ولو اقتص بالقسامة أو الحلف أخذت منه الدية لو لم يعترف بتعمد
الكذب، وإلا اقتص منه.
مسألة 8 - لو استوفى حقه بالقسامة فقال آخر: " أنا قتلته منفردا " فإن كان
المدعي حلف وحده أو مع القسامة فليس له الرجوع إلى المقر إلا إذا كذب
نفسه وصدق المقر، وحينئذ ليس له العمل بمقتضى القسامة، ولا بد من رد
ما استوفاه، وإن لم يحلف وقلنا بعدم لزوم حلفه وكفى حلف قومه فإذا
ادعى جزما فكذلك ليس له الرجوع إلى المقر إلا مع تكذيب نفسه،
وإن ادعى ظنا وقلنا بسماع دعواه كذلك جاز له الرجوع إلى المقر وجاز
العمل بمقتضى القسامة، والظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذب نفسه ورجع
عن جزمه إلى الترديد أو الظن.
مسألة 9 - لو اتهم رجل بالقتل والتمس الولي من الحاكم حبسه
حتى يحضر البينة فالظاهر جواز إجابته إلا إذا كان الرجل ممن يوثق بعدم
فراره، ولو أخر المدعي إقامة البينة إلى ستة أيام يخلى سبيله.
القول في كيفية الاستيفاء
مسألة 1 - قتل العمد يوجب القصاص عينا، ولا يوجب الدية
لا عينا ولا تخييرا، فلو عفا الولي القود يسقط وليس له مطالبة الدية،
ولو بذل الجاني نفسه ليس للولي غيرها، ولو عفا الولي بشرط الدية
فللجاني القبول وعدمه، ولا تثبت الدية إلا برضاه، فلو رضي بها يسقط
القود وتثبت الدية، ولو عفا بشرط الدية صح على الأصح، ولو كان
533

بنحو التعليق فإذا قبل سقط القود، ولو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط
القود إلا باعطائه، ولا يجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه، وقيل
يجب لوجوب حفظها.
مسألة 2 - يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقض،
فلو لم يرض الولي إلا بأضعاف الدية جاز، وللجاني القبول، فإذا قبل
صح، ويجب عليه الوفاء.
مسألة 3 - لا يجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أن التلف
كان بالجناية، فإن اشتبه عنده ولم يقم بينة على ذلك ولم يثبت باقرار
الجاني اقتصر على القصاص أو الأرش في الجناية لا النفس، فإذا قطع يد
شخص ولم يعلم ولو بالبينة أو الاقرار أن القتل حصل بالجناية لا يجوز القتل.
مسألة 4 - يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة فإنهما
لا يستحقان قصاصا، ومنهم من قال: لا يرث القصاص الإخوة والأخوات
من الأم ومن يتقرب بها، وقيل ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقربن
بالأب، والأول أشبه.
مسألة 5 - يرث الدية من يرث المال حتى الزوج والزوجية، نعم
لا يرث منها الإخوة والأخوات من قبل الأم، بل مطلق من يتقرب بها
على الأقوى، لكن الاحتياط في غير الإخوة والأخوات حسن.
مسألة 6 - الأحوط عدم جواز المبادرة للولي إذا كان منفردا
إلى القصاص سيما في الطرف إلا مع إذن والي المسلمين، بل لا يخلو من قوة
ولو بادر فللوالي تعزيره، ولكن لا قصاص عليه ولا دية.
مسألة 7 - لو كان أولياء الدم أكثر من واحد فالأقوى عدم جواز
الاستيفاء إلا باجتماع الجميع وإن الولي، لا بمعنى ضرب كل واحد إياه،
بل بمعنى إذنهم لأحد منهم أو توكيلهم أحدا، وعن أنه يجوز لكل
534

منهم المبادرة، ولا يتوقف إذن الآخر، لكن يضمن حصص من
لم يأذن، والأول أقوى، نعم لو بادر واستبد فلا قود، بل عليه حصص
البقية مع عدم الإذن، وللإمام عليه السلام تعزيره.
مسألة 8 - لو تشاح الأولياء في مباشرة القتل وتحصيل الإذن يقرع
بينهم، ولو كان بينهم من لا يقدر على المباشرة لكن أراد الدخول في القرعة
ليوكل قادرا في الاستيفاء يجب إدخاله فيها.
مسألة 9 - ينبغي لوالي المسلمين أو نائبه أن يحضر عند الاستيفاء
شاهدين عدلين فطنين عارفين بمواقعه وشرائطه احتياطا، ولإقامة الشهادة
إن حصلت منازعة بين المقتص وأولياء المقتص منه، وإن يعتبر الآلة لئلا تكون
مسموعة موجبة لفساد البدن وتقطعه وهتكه عند الغسل أو الدفن، فلو علم
مسموميتها بما يوجب الهتك لا يجوز استعمالها في قصاص المؤمن، ويعزر فاعله.
مسألة 10 - لا يجوز في قصاص الطرف استعمال الآلة المسموعة التي
توجب السراية فإن استعملها الولي المباشر ضمن، فلو علم بذلك ويكون
السم مما يقتل به غالبا أو أراد القتل ولو لم يكن قاتلا غالبا يقتص منه
بعد رد نصف ديته إن مات بهما، فلو كان القتل لا عن عمد يرد نصف دية
المقتول، ولو سرى السم إلى عضو آخر ولم يؤد إلى الموت فإنه يضمن
ما جنى دية وقصاصا مع الشرائط.
مسألة 11 - لا يجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكلالة
وما يوجب تعذيبا زائدا على ما ضرب بالسيف، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه
ولو فعل أثم وعزر لكن لا شئ عليه، ولا يقتص إلا بالسيف ونحوه،
ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخ بل وبالاتصال
بالقوة الكهربائية، ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ولو كانت
جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة، ولا يجوز
535

التمثيل به.
مسألة 12 - أجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال، وأجرة
المقتص على ولي الدم لو كان الاقتصاص في النفس، وعلى المجني عليه.
لو كان في الطرف، ومع إعسارهما استدين عليهما، ومع عدم الامكان
فمن بيت المال، ويحتمل أن تكون ابتداء على بيت المال، ومع فقده
أو كان هناك ما هو أهم فعلى الولي أو المجني عليه، وقيل هي على الجاني.
مسألة 13 - لا يضمن المقتص في الطرف سراية القصاص سراية القصاص إلا مع
التعدي في اقتصاصه، فلو كان متعمدا اقتص منه في الزائد إن أمكن،
ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش، ولو ادعى المقتص منه تعمد المقتص
وأنكره فالقول قول المقتص بيمينه، بل لو ادعى الخطأ وأنكر المقتص
منه فالظاهر أن القول قول المقتص بيمينه على وجه، ولو ادعى حصول
الزيادة باضطراب المقتص منه أو بشئ من جهته فالقول قول المقتص منه.
مسألة 14 - كل من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف
ومن لا يقتص له في النفس لا يقتص له في الطرف، فلا يقطع يد والد
لقطع يد ولده، ولا يد مسلم لقطع يد كافر.
مسألة 15 - إذا كان له أولياء شركاء في القصاص فإن حضر بعض
وغاب بعض فمن الشيخ (قده) للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص
الباقين من الدية، والأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجئ
الغائب، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار.
ولو كان غير منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي، فيعمل بما هو
مصلحة عنده أو مصلحة الغائب، ولو كان بعضهم مجنونا فأمره إلى وليه،
ولو كان صغيرا ففي رواية انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا، فإذا بلغو
خيروا، فإن أحبوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا.
536

مسألة 16 - لو اختار بعض الأولياء الدية عن القود فدفعها القاتل
لم يسقط القود لو أراد غيره ذلك، فللآخرين القصاص بعد أن يردوا
على الجاني نصيب من فأداه من الدية، من غير فرق بين كون ما دفعه
أو صالح عليه بمقدار الدية أو أقل أو أكثر، ففي جميع الصور يرد إليه
مقدار نصيبه فلو كان نصيبه الثلث يرد إليه الثلث ولو دفع الجاني أقل
أو أكثر، ولو عف أو صالح بمقدار وامتنع الجاني من البدل جاز لمن أراد
القود أن يقتص بعد رد نصيب شريكه، نعم لو اقتصر على مطالبة الدية
وامتنع الجاني لا يجوز الاقتصاص إلا بإذن الجميع، ولو عفا بعض مجانا
لم يسقط القصاص فللباقين القصاص بعد رد نصيب من عفا على الجاني.
مسألة 17 - إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده أو المسلم والذمي
في قتل ذمي فعلى الشريك القود، لكن يرد الشريك الآخر عليه نصف
ديته أو يرد الولي نصفها ويطالب الآخر به، ولو كان أحدهما عامدا
والآخر خاطئا فالقود على العامد بعد رد نصف الدية على المقتص منه،
فإن كان القتل خطأ محضا فالنصف على العاقلة، وإن كان شبه عمد كان
الرد من الجاني، ولو شارك العامد سبع ونحوه يقتص منه بعد رد
نصف ديته.
مسألة 18 - لا يمنع الحجر لفلس أو سفه من استيفاء القصاص،
فللمحجور عليه الاقتصاص، ولو عفا المحجور عليه لفلس على مال ورضي
به القاتل قسمه على الغرماء كغيره من الأموال المكتسبة بعد حجر الحاكم
جديدا عنه، والحجر السابق لا يكفي في ذلك، وللمحجور عليه الغفو
مجانا وبأقل من الدية.
مسألة 19 - لو قتل شخص وعليه دين فإن أخذ الورثة ديته صرفت
في ديون المقتول ووصاياه كباقي أمواله، ولا فرق في ذلك بين دية القتل
537

خطأ أو شبه عمد أو ما صولح عليه في العمد، كان بمقدار ديته أو أقل
أو أكثر، بجنس ديته أو غيره.
مسألة 20 - هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون
ضمان الدية للغرماء؟ فيه قولان، والأحوط عدم الاستيفاء إلا بعد الضمان
بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء.
مسألة 21 - لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمدا على التعاقب أو معا
قتل بهم، ولا سبيل لهم على ماله، فلو عفا أولياء بعض لا على مال كان
للباقين القصاص من دون رد شئ، وإن تراضي الأولياء مع الجاني بالدية
فلكل منهم دية كاملة، فهل لكل واحد منهم الاستبداد بقتله من غير
رضا الباقين أو لا، أو يجوز مع كون قتل الجميع معا وأما مع التعاقب
فيقدم حق السابق فالسابق، فلو قتل عشرة متعاقبا يقدم حق ولي الأول
فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم، فلو عفا فالحق للمتأخر منه وهكذا؟
وجوه، لعل أوجهها عدم جواز الاستبداد ولزوم الإذن من الجميع، لكن
لو قتله ليس عليه إلا الإثم، وللحاكم تعزيره ولا شئ عليه ولا على الجاني
في ماله، ولو اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع فيه فالمراجع القرعة
فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حق الباقين.
مسألة 22 - يجوز التوكيل في استيفاء القصاص، فلو عزله قبل
استيفائه فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص، وإن لم يعلم فلا قصاص
ولا دية، ولو عفا الموكل عن القصاص قبل الاستيفاء فإن علم الوكيل
واستوفاه فعليه القصاص، وإن لم يعلم فعليه الدية، ويرجع فيها بعد الأداء
على الموكل.
مسألة 23 - لا يقتص من الحامل حتى تضع حملها ولو تجدد الحمل
بعد الجناية، بل ولو كان الحمل من زنا، ولو ادعت الحمل وشهدت لها
538

أربع قوابل ثبت حملها، وإن تجردت دعواه فالأحوط التأخير إلى اتضاح
الحال، ولو وضعت حملها فلا يجوز قتلها إذا توقف حياة الصبي عليها،
بل لو خيف موت الولد لا يجوز ويجب التأخير، ولو وجد ما يعيش به
الولد فالظاهر أن له القصاص، ولو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا
فالدية على الولي القاتل.
مسألة 24 - لو قطع يد رجل وقتل رجلا آخر تقطع يده أولا ثم
يقتل، من غير فرق بين كون القطع أولا أو القتل، ولو قتله ولي المقتول
قبل القطع أثم، وللوالي تعزيره، ولا ضمان عليه، ولو سرى القطع في
المجني عليه قبل القصاص يستحق وليه وولي المقتول القصاص، ولو سرى
بعد القصاص فالظاهر عدم وجوب شئ في تركة الجاني، ولو قطع فاقتص
منه ثم سرت جراحة المجني عليه فلوليه القصاص في النفس.
مسألة 25 - لو هلك قاتل العمد سقط القصاص بل والدية، نعم
لو هرب فلم يقدر عليه حتى مات ففي رواية معمول بها إن كان له مال
أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب، ولا بأس به لكن يقتصر
على موردها.
مسألة 26 - لو ضرب الولي القاتل وتركه ظنا منه أنه مات فبرأ
فالأشبه أن يعتبر الضرب، فإن كان ضربه مما يسوغ له القتل والقصاص به
لم يقتص من الولي، بل جاز له قتله قصاصا، وإن كان ضربه مما لا يسوغ
القصاص به كأن ضربه بالحجر ونحوه كان للجاني الاقتصاص، ثم للولي
أن يقتله قصاصا أو يتتاركان.
مسألة 27 - لو قطع يده فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي
القصاص في النفس، وهل هو بعد رد دية اليد أم يقتص بلا رد؟ الأشبه
الثاني، وكذا لو قتل رجل صحيح رجلا مقطوع اليد قتل به، وفي رواية
539

إن قطعت في جناية جناها أو قطع يده وأخذه ديتها يرد عليها دية يده،
ويقتلوه، ولو قطعت من غير جنايته ولا أخذ لها دية قتلوه بلا غرم،
والمسألة مورد إشكال وتردد، والأحوط العمل بها، وكذا الحال في مسألة
أخرى بها رواية، وهي لو قطع كفا بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية
الأصابع، فإنها مشكلة أيضا.
القسم الثاني في قصاص ما دون النفس
مسألة 1 - الموجب له هاهنا كالموجب في قتل النفس، وهو الجناية
العمدية مباشرة أو تسبيبا حسب ما عرفت، فلو جنى بما يتلف العضو
غالبا فهو عمد، قصد الاتلاف به أو لا، ولو جنى بما لا يتلف به غالبا
فهو عمد مع قصد الاتلاف ولو رجاء.
مسألة 2 - يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص
في النفس من التساوي في الاسلام والحرية وانتفاء الأبوة وكون الجاني
عاقلا بالغا، فلا يقتص في الطرف لمن لا يقتص له في النفس.
مسألة 3 - لا يشترط التساوي في الذكورة والأنوثة فيقتص فيه
للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل، ويقتص للمرأة من
المرأة ومن الرجل لكن بعد رد التفاوت فيما بلغ الثلث كما مر.
مسألة 4 - يشترط في المقام زائدا على ما تقدم التساوي في السلامة
من الشلل ونحوه على ما يجئ أو كون المقتص منه أخفض، والتساوي في
الأصالة والزيادة، وكذا في المحل على ما يأتي الكلام فيه، فلا تقطع اليد
الصحيحة مثلا بالشلاء ولو بذلها، وتقطع الشلاء بالصحيحة، نعم
لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية.
540

مسألة 5 - المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة
ولم تعمل عملها ولو بقي فيها حس وحرمة غير اختيارية، والتشخيص
موكول إلى العرف كسائر الموضوعات، ولو قطع يدا بعض أصابعها شلاء
ففي قصاص اليد الصحيحة تردد، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه، فيقطع
اليد القوية بالضعيفة، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة.
مسألة 6 - يعتبر التساوي في المحل مع وجوده، فتقطع اليمين باليمين
واليسار باليسار، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره، ولو
لم يكن له يد أصلا قطعت رجله على رواية معمول بها، ولا بأس به،
وهل تقدم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد
اليسرى أو هما سواء؟ وجهان، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى
فالظاهر قطع اليمنى على إشكال، ومع عدمهما قطع الرجل، ولو قطع
الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لا يخلو من
إشكال، والتعدي إلى مطلق الأعضاء كالعين والأذن والحاجب وغيرها
مشكل، والتعدي إلى مطلق الأعضاء كالعين والأذن والحاجب وغيرها
مشكل، وإن لا يخلو من وجه سيما اليسرى من كل باليمنى.
مسألة 7 - لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه
بالأول فالأول، وعليه للباقين الدية، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد
شخص أو رجله فعليه الدية.
مسألة 8 - يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولا وعرضا، قالوا
ولا يعتبر عمقا ونزولا، بل يعتبر حصول اسم الشجة، وفيه تأمل وإشكال
والوجه التساوي مع الامكان، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش،
ولو لم يمكن إلا بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمل، هذا
في الحارصة والدامية والمتلاحمة، وأما في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم
اعتبار التساوي في العمق، فيقتص المهزول من السمين إلى تحقق
541

السمحاق والموضحة.
مسألة 9 - لا يثبت القصاص فيما فيه تعرير بنفس أو طرف، وكذا
فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ونقيصة كالجائفة والمأمومة، ويثبت في كل
جرح لا تغرير في أخذه بالنفس وبالطرف وكانت السلامة معه غالبة فيثبت
في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة
ولا لكسر شئ من العظام، وفي رواية صحيحة إثبات القود في السن
والذراع إذا كسرا عمدا، والعامل بها قليل.
مسألة 10 - هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا
لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس، والأشبه الجواز
وفي رواية لا يقضى في شئ من الجراحات حتى تبرأ، وفي دلالتها نظر،
والأحوط الصبر سيما فيما لا يؤمن من السراية، فلو قطع عدة من أعضائه
خطأ هو يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على
مقدار دية النفس حتى يتضح الحال فإن اندملت أخذ الباقي وإلا فيكون له
ما أخذ لدخول الطرف في النفس؟ الأقوى جواز ووجوب الاعطاء
نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس.
مسألة 11 - إذا أريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحل إن كان يمنع
عن سهولة الاستيفاء أو الاستيفاء بحده، وربط الجاني على خشبة أو نحوها
بحيث لا يتمكن من الاضطراب، ثم يقاس بخيط ونحوه ويعلم طرفاه في
محل الاقتصاص، ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى، ولو
كان
جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضا، وإذا شق على الجاني الاستيفاء
دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات، وهل يجوز ذلك حتى مع عدم رضا المجني
عليه؟ فيه تأمل.
مسألة 12 - لو اضطراب الجاني فزاد المقتص في جرحه لذلك فلا شئ
542

عليه، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك فإن كان عن عمد
يقتص منه، وإلا فعليه الدية أو الأرش، ولو ادعى الجاني العمد وأنكره
المباشر فالقول قوله، ولو ادعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني قالوا: القول
قول المباشر، وفيه تأمل.
مسألة 13 - يؤخر القصاص في الطرف عن شدة الحر والبرد وجوبا
إذا خيف من السراية، وإرفاقا بالجاني في غير ذلك، ولو لم يرض في هذا
الفرض المجني عليه ففي جواز التأخير نظر.
مسألة 14 - لا يقتص إلا بحديدة حادة غير مسمومة ولا كآلة مناسبة
لاقتصاص مثله، ولا يجوز تعذيبه أكثر مما عذبه، فلو قلع عينه بآلة كانت
سهلة في القلع لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيبا، وجاز القلع باليد إذا
قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل، والأولى للمجني عليه مراعاة
السهولة، وجاز له المماثلة، ولو تجاوز واقتص بما هو موجب للتعذيب
وكان أصعب مما فعل به فللوالي تعزيره، ولا شئ عليه، ولو جاوز
بما يوجب القصاص اقتص منه، أو بما يوجب الأرش أو الدية أخذ منه.
مسألة 15 - لو كان الجرح يستوعب عضو الجاني مع كونه أقل في
المجني عليه لكبر رأسه مثلا كأن يكون رأس الجاني شبرا ورأس المجني عليه
شبرين وجنى عليه بشير يقتص الشبر وإن استوعبه، وإن زاد على العضو
كأن جنى عليه في الفرض بشبرين لا يتجاوز عن عضو بعضو آخر،
فلا يقتص من الرقبة أو الوجه، بل يقتص بقدر شبر في الفرض، ويؤخذ
للباقي بنسبة المساحة أن كان للعضو مقدر وإلا فالحكومة، وكذا لا يجوز
تتميم الناقص بموضع آخر من العضو، ولو انعكس وكان عضو المجني
عليه صغير فجنى عليه بمقدار شبر وهو مستوعب لرأسه مثلا لا يستوعب
في القصاص رأس الجاني، بل يقتص بمقدار شبر وإن كان الشبر نصف
543

مساحة رأسه.
مسألة 16 - لو أوضح جميع رأسه بأن سلخ الجلد واللحم من جملة
الرأس فللمجني عليه ذلك مع مساواة رأسهما في المساحة، وله الخيار في
الابتداء بأي جهة، وكذا لو كان رأس المجني عليه أصغر، لكن له الغرامة
في المقدار الزائد بالتقسيط على مساحة الموضحة، ولو كان أكبر يقتص من
الجاني بمقدار مساحة جنايته، ولأي سلخ جميع رأسه، ولو شجه فأوضح في
بعضها فله دية موضحة، ولو أراد القصاص استوفى في الموضحة والباقي.
مسألة 17 - في الاقتصاص في الأعضاء غير ما مر كل عضو ينقسم
إلى يمين وشمال كالعينين والأذنين والأنثيين والمنخرين ونحوها لا يقتص
إحداهما بالأخرى، فلو فقئ عينه اليمنى لا يقتص عينه اليسرى، وكذا
في غيرهما، وكل يكون فيه الأعلى والأسفل يراعى في القصاص المحل،
فلا يقتص الأسفل بالأعلى كالجفنين والشفتين.
مسألة 18 - في الأذن قصاص يقتص اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى
وتستوي أذن الصغير والكبير، والمثقوبة والصحيحة إذا كان الثقب على
المتعارف، والصغيرة والكبيرة والصماء والسامعة، والسمينة والهزيلة،
وهل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة وكذا الصحيحة بالمثقوبة على غير المتعارف بحيث
تعد عيبا أو يقتص إلى حد الخرم والثقب والحكومة فيما بقي أو يقتص مع رد
دية الخرم؟ وجوه لا يبعد الأخير، ولو قطع بعضها جاز القصاص.
مسألة 19 - لو قطع أذنه فألصقها المجني عليه والتصقت فالظاهر
عدم سقوط القصاص، ولو اقتص من الجاني فألصق الجاني أذنه والتصقت
ففي رواية قطعت ثانية لبقاء الشين، وقيل يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة
والنجس، وفي الرواية ضعف، ولو صارت بالالصاق حية كسائر الأعضاء
لم تكن ميتة ويصح الصلاة، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها،
544

بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم، وإلا فالدية
ولو قطع بعض الأذن ولم بينها فإن أمكنت المماثلة في القصاص ثبت وإلا
فلا، وله القصاص ولو مع إلصاقها.
مسألة 20 - لو قطع أذنه فأزال سمعه فهما جنايتان، ولو قطع أذنا
مستحشفة شلا ففي القصاص إشكال، بل لا يبعد ثبوت ثلث الدية.
مسألة 21 - يثبت القصاص في العين، وتقتص مع مساواة المحل.
فلا تقلع اليمنى باليسرى ولا بالعكس، ولو كان الجاني أعور اقتص منه
وإن عمي، فإن الحق أعماه، ولا يرد شئ إليه ولو كان ديتها دية النفس
إذا كان العور خلقه أو بآفة من الله تعالى، ولا فرق بين كونه أعور خلقة
أو بجناية أو آفة أو قصاص، ولو قطع أعور العين الصحيحة من أعور
يقتص منه.
مسألة 22 - لو قلع ذو عينين عين أعور اقتص له بعين واحدة.
فهل له مع ذلك الرد بنصف الدية؟ قيل لا، والأقوى ثبوته. والظاهر
تخيير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة وبين الاقتصاص وأخذ نصفها، كما
أن الظاهر أن الحكم ثابت فيما تكون لعين الأعور دية كاملة، كما كان خلقه
أو بآفة من الله، لا في غيره مثل ما إذا قلع عينه قصاصا.
مسألة 23 - لو قلع عيناه عمياء قائمة فلا يقتص منه، وعليه ثلث الدية.
مسألة 24 - لو أذهب الضوء دون الحدقة اقتص منه بالمماثل بما أمكن
إذهاب الضوء مع بقاء الحدقة، فيرجع إلى حذاق الأطباء ليفعلوا به ما ذكر
وقيل في طريقه يطرح على أجفانه قطن مبلول ثم تحمى المرآة وتقابل بالشمس
ثم يفتح عيناه ويكلف بالنظر إليها حتى يذهب النظر وتبقى الحدقة ولو لم يكن
إذهاب الضوء إلا بايقاع جناية أخرى كالتسميل ونحوه سقط القصاص
وعليه الدية.
545

مسألة 25 - يقتص العين بالعمشاء والحولاء والخفشاء
والجهراء والعشياء.
مسألة 26 - في ثبوت القصاص لشعر الحاجر والرأس واللحية
والأهداب ونحوها تأمل وإن لا يخلو من وجه، نعم لو جني على المحل
بجرح ونحوه يقتص منه مع الامكان.
مسألة 27 - يثبت القصاص في الأجفان مع التساوي في المحلل
ولو خلت أجفان المجني عليه عن الأهداب ففي القصاص وجهان، لا يبعد
عدم ثبوته، فعليه الدية.
مسألة 28 - في الأنف قصاص، ويقتص الأنف الشام بعادمه،
والصحيح بالمجذوم ما لم يتناثر منه شئ، وإلا فيقتص بمقدار غير المتناثر،
والصغير والكبير والأفطس والأشم والأقنى سواء، والظاهر عدم اقتصاص
الصحيح بالمستحشف الذي هو كالشلل، ويقتص بقطع المارن وبقطع بعضه
والمارن هو ما لان من الأنف، ولو قطع المارن مع بعض القصبة فهل يقتص
المجموع أو يقتص المارن وفي القصبة حكومة؟
وجهان، وهن وجه آخر،
وهو القصاص ما لم يصل القصبة إلى العظم، فيقتص الغضروف مع المارن،
ولا يقتص العظم.
مسألة 29 - يقتص المنخر بالمنخر مع تساوي المحل فتقتص اليمنى
باليمنى واليسرى باليسرى، وكذا يقتص الحاجز بالحاجز، ولو قطع بعض
الأنف قيس المقطوع إلى أصله واقتص من الجاني بحسابه، فلو قطع بعض
المارن قيس إلى تمامه فإن كان نصفا يقطع من الجاني النصف أو ثلثا
فالثلث، وما ينظر إلى عظم المارن وصغره، أو قيس إلى تمام الأنف
فيقطع بحسابه لئلا يستوعب أنف الجاني إن كان صغيرا.
مسألة 30 - يقتص الشفة بالشفة مع تساوي المحل، فالشفة العليا
546

بالعليا والسفلى، وتستوي الطويلة والقصيرة، والكبيرة والصغيرة
والصحيحة والمريضة ما لم يصل إلى الشلل، والغليظة والرقيقة، ولو قطع
بعضها فبحساب المساحة كما مر، وقد ذكرنا حد الشفة في كتاب الديات.
مسألة 31 - يثبت القصاص في اللسان وبعضه ببعضه بشرط التساوي
في النطق، فلا يقطع الناطق بالأخرس، ويقطع الأخرس بالناطق وبالأخرس،
والفصيح بغيره، والخفيف بالثقيل، ولو قطع لسان طفل يقتص به إلا
مع إثبات خرسه، ولو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية.
مسألة 32 - في ثدي المرأة وحلمته قصاص، فلو قطعت امرأة ثدي
أخرى أو حلمة ثديها يقتص منها، وكذا في حلمة الرجل القصاص،
فلو قطع حلمته يقتص منه مع تساوي المحل، فاليمنى واليسرى
باليسرى، ولو قطع الرجل حلمه ثدي المرأة فلها القصاص من غير رد.
مسألة 33 - في السن قصاص بشرط تساوي المحل، فلا يقلع ما في
الفلك الأعلى بما فس الأسفل ولا العكس، ولا ما في اليمين باليسار وبالعكس
ولا يقلع الثنية بالرباعية أو الطاحن أو الناب أو الضاحك وبالعكس،
ولا تقلع الأصلية بالزائدة، ولا الزائدة بالأصلية، ولا الزائدة بالزائدة
مع اختلاف المحلل.
مسألة 34 - لو كانت المقلوعة سن مثغر أي أصلي نبت بعد سقوط
أسنان الرضاع ففيها القصاص، وهل في كسرها القصاص كسرها بما يحصل به
المماثلة كالآلات الحديثة، ولا يضرب بما يكسرها لعدم حصولها نوعا.
مسألة 35 - لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص
أم لا؟ الأشبه الثاني، والمشهور الأول، ولا محيص عن الاحتياط بعدم
القصاص، فحينئذ لو كان العائدة ناقصة متغيرة ففيها الحكومة، وإن عادت
547

كما كانت، فلا شئ غير التعزير إلا مع حصول نقص، ففيه الأرش.
مسألة 36 - لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناء على
سقوط القصاص إلا مع عود سن الجاني أيضا، وتستعاد الدية لو أخذها
صلحا 7 ولو اقتص وعادت سن الجاني ليس للمجني عليه إزالتها،
ولو عادت سن المجني عليه ليس للجاني إزالتها.
مسألة 37 - لو قلع سن الصبي ينتظر به مدة جردت العادة بالانبات
فيها، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف، ولا يبعد أن يكون
في كل سن منه بعير، وإن لم تعد ففيها القصاص.
مسألة 38 - يثبت القصاص في قطع الذكر، ويتساوي في ذلك
الصغير ولو رضيعا والكبير بلغ كبره، ما بلغ، والفحل والذي سلت خصيتاه
إذا لم يؤد إلى شلل فيه، والأغلف والمختون، ولا يقطع الصحيح بذكر
العنين ومن في ذكره شلل، ويقطع ذكر العنين بالصحيح والمشلول به،
وكذا يثبت في قطع الحشفة، فتقطع الحشفة بالحشفة، وفي بعضها أو الزائد
عليها استوفى بالقياس إلى الأصل، إن نصفا فنصفا وإن ثلثا فثلثا وهكذا.
مسألة 39 - في الخصيتين قصاص، وكذا في إحداهما مع التساوي
في المح، فتقتص اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى، ولو خشي ذهاب منفعة
الأخرى تؤخذ الدية، ولا يجوز القصاص إلا أن يكون في عمل الجاني ذهاب
المنفعة فيقتص، فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الأخرى مع ذهابها بفعل
الجاني فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص، وإلا فعليه الدية،
ولو قطع الذكر والخصيتين اقتص منه، سواء قطعهما على التعاقب أو لا.
مسألة 40 - في الشفرين القصاص، والمراد بهما اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم، وكذا في إحداهما، وتتساوى فيه البكر والثيب،
والصغيرة والكبيرة، والصحيح والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها،
548

والمفضاة والسليمة، نعم لا يقتص الصحيحة بالشاء، والقصاص في الشفرين
إنما هو فيم جنت عليها المرأة، ولو كان الجاني عليها رجلا فلا قصاص
عليه، وعليه الدية، وفي رواية غير معتمد عليها إن لم يؤد إليها الدية قطع
له فرجه، وكذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها،
وعليه الدية.
مسألة 41 - لو أزالت بكر بكارة أخرى فالظاهر القصاص،
وقيل بالدية، وهو وجيه مع عدم إمكان المساواة، وكذا تثبت الدية في
كل مورد تعذر المماثلة والمساواة.
وهنا فروع
الأول - لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يدا كاملة صحيحة
فللمجني عليه القصاص، فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد
لا جاني؟ قيل: لا، وقيل: نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها
أو استحقها، وأما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحق المقتص
شيئا، والأشبه أن لا الدية مطلقا، ولو قطع الصحيح الناقص عكس
ما تقدم فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجني عليه أو
لا يقتص وعليه الدية أو يقتص ما وجد وفي الباقي الحكومة؟ وجوه،
والمسألة مشكلة مر نظيرها.
الثاني - لو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفه بحيث قطعت ثم اندملت
ثبت القصاص فيهما، فتقطع كفه من المفصل، ولو قطع يده من مفصل
الكوع ثبت القصاص، ولو قطع معها بعض الذراع اقتص من مفصل
الكوع، وفي الزائد يحتمل الحكومة ويحتمل الحساب بالمسافة، ولو قطعها
549

من المرفق فالقصاص وفي الزيادة ما مر، وحكم الرجل حكم اليد، ففي
القطع من المفصل قصاص، وفي الزيادة ما مر.
الثالث - يشترط في القصاص التساوي في الأصالة والزيادة، فلا تقطع
أصلية بزائدة ولو مع اتحاد المحل، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحل،
وتقطع الأصلية بالأصلية مع اتحاد المحل، والزائدة بالزائدة كذلك، وكذا
الزائدة بالأصلية مع اتحاد المحل وفقدان الأصلية، ولا تقطع اليد الزائدة
اليمنى بالزائدة اليسرى وبالعكس، ولا الزائدة اليمنى بالأصلية اليسرى،
وكذا العكس.
الرابع - لو قطع كفه فإن كان للجاني والمجني عليه إصبعا زائدة في
محل واحد كالابهام الزائدة في يمينهما وقطع اليمين من الكف اقتص منه،
ولو كانت الزائدة في الجاني خاصة فإن كانت خارجة عن الكف يقتص منه
وتبقي الزائدة، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة فهل يقطع الكف
ويؤتى دية الزائدة أو يقتص الأصابع الخمس دون الزائدة ودون الكف
وفي الكف الحكومة؟ وجهان، أقربهما الثاني، ولو كانت الزائدة في المجني
عليه خاصة فله القصاص في الكف، وله دية الإصبع الزائدة، وهي
ثلث دية الأصلية، ولو صالح بالدية مطلقا كان له دية الكف ودية الزائدة،
ولو كان للمجني عليه أربع أصابع أصليه وخامسة غير أصلية لم تقطع يد
الجاني السالمة، وللمجني على القصاص في أربع ودية الخامسة وأرش الكف.
الخامس - لو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى فإن
طالب صاحب العليا يقتص منه، وللآخر اقتصاص الوسطى، وإن طالب
صاحب الوسطى بالقصاص سابقا على صاحب العليا أخر حقه إلى اتضاح
حال الآخر، فإن اقتص صاحب العليا اقتص لصاحب الوسطى، وإن
عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد رد دية العيا أو
550

ليس له القصاص بل لا بد من الدية؟ وجهان، أوجهها الثاني، ولو بادر
صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء، وعليه دية الزائدة
على حقه، وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا.
السادس - لو قطع يمينا مثلا فبذل شمالا للقصاص فقطعها المجني
عليه من غير علم بأنها الشمال فهل يسقط القود أو يكون القصاص في
اليمنى باقيا؟ الأقوى هو الثاني، ولو خيف من السراية يؤخر القصاص
حتى يندمل اليسار، ولا دية لو بذل الجاني عالما بالحكم والموضوع عامدا،
بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلا بالموضوع أو الحكم، ولو قطعها المجني
عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني، بل عليه القود،
وأما مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم، لكن في القود والدية إشكال.
السابع - لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلا ثم اليد اليمنى من
آخر اقتص للأول، فيقطع إصبعه ثم يقطع يده للآخر، ورجع الثاني بدية
إصبع على الجاني، ولو قطع اليد اليمنى من شخص ثم قطع إصبعا من اليد
اليمنى لآخر اقتص للأول، فيقطع يده، وعليه دية إصبع الآخر.
الثامن - إذا قطع إصبع رجل فعفا عن القطع قبل الاندمال فإن
اندملت فلا قصاص في عمده، ولا دية في خطئه وشبه عمده، ولو قال:
عفوت عن الجناية فكذلك، ولو قال في مورد العمد: عفوت عن الدية
لا أثر له، ولو قال: عفوت عن القصاص سقط القصاص ولم يثبت الدية
وليس له مطالبتها، ولو قال: عفوت عن القطع أو عن الجناية ثم سرت
إلى الكف خاصة سقط القصاص في الإصبع، وهل له القصاص في الكف
مع رد دية الإصبع المعفو عنها أو لا بد من الرجوع إلى دية الكف، الأشبه
الثاني مع أنه أحوط، ولو قال: عفوت عن القصاص ثم سرت إلى النفس
فللولي القصاص في النفس، وهل عليه رد دية الإصبع المعفو عنها؟
551

فيه إشكال بل منع وإن كان أحوط، ولو قال: عفوت عن الجناية ثم سرت
إلى النفس فكذلك، ولو قال: عفوت عنها وعن سرايتها فلا شبهة في
صحته فيما كان ثابتا، وأما فيما لم يثبت ففيه خلاف، والأوجه صحته.
التاسع - لو عفا الوارث الواحد أو المتعدد عن القصاص سقط بلا بدل
فلا يستحق واحد منهم الدية رضي الجاني أو لا، ولو قال: عفوت إلى
شهر أو إلى سنة لم يسقط القصاص وكان له بعد ذلك القصاص، ولو قال:
عفوت عن نصفك أو عن رجلك فإن كنى عن العفو عن النفس صح وسقط
القصاص، وإلا ففي سقوطه إشكال بل منع، ولو قال: عفوت عن جميع
أعضائك إلا رجل مثلا لا يجوز له قطع الرجل، ولا يصح الاسقاط.
العاشر - لو قال: عفوت بشرط الدية ورضي الجاني وجبت دية المقتول
لا دية القاتل.
552

كتاب الديات
وهي جمع الدية بتخفيف الياء وهي المال الواجب بالجناية على الحر
في النفس أو ما دونها، سواء كان مقدرا أولا، وربما يسمى غير المقدر
بالأرش والحكومة والمقدر بالدية، والنظر فيه في أقسام القتل ومقادير
الديات وموجبات الضمان والجناية على الأطراف واللواحق.
القول في أقسام القتل.
مسألة 1 - القتل إما عمد محض أو شبيه عمد أو خطأ محض.
مسألة 2 - يتحقق العمد بلا إشكال بقصد القتل بفعل يقتل بمثله
نوعا، وكذا بقصد فعل يقتل به نوعا وإن لم يقصد القتل، بل الظاهر
تحققه بفعل لا يقتل به غالبا رجاء تحقق القتل كمن ضربه بالعصا برجاء
القتل فاتفق ذلك.
مسألة 3 - إذا قصد فعلا لا يحصل به الموت غالبا ولم يقصد به
القتل كما لو ضربه بسوط خفيف أو حصاة ونحوهما فاتفق القتل فهل هو
553

عمد أو لا؟ فيه قولان، أشبههما الثاني.
مسألة 4 - لو ضربه بعصا ولم يقلع عنه حتى مات فهو عمد وإن
لم يقصد به القتل، وكذا لو منعه من الطعام أو الشراب في مدة لا يحتمل
فيها البقاء، ولو رماه فقتله فهو عمد وإن لم يقصد.
مسألة 5 - شبيه العمد ما يكون قاصدا للفعل الذي لا يقتل به غالبا
غير قاصد للقتل، كما ضربه تأديبا بسوط ونحوه فاتفق القتل، ومنه علاج
الطبيب إذا اتفق منه القتل مع مباشرته العلاج، ومنه الختان إذا تجاوز الحد
ومنه الضرب عدوانا بما لا يقتل به غالبا من دون قصد القتل.
مسألة 6 - يلحق بشبيه العمد لو قتل شخصا باعتقاد كونه مهدور
الدم أو باعتقاد القصاص فبان الخلاف أو بظن أنه صيد فبان إنسانا.
مسألة 7 - الخطأ المحض المعبر عنه بالخطأ الذي لا شبهة فيه هو أن
لا يقصد الفعل ولا القتل كمن رمى صيدا أو ألقى حجرا فأصاب إنسانا
فقتله، ومنه ما لو رمى إنسانا مهدور الدم فأصاب إنسانا آخر فقتله.
مسألة 8 - يلحق بالخطأ محضا فعل الصبي والمجنون شرعا.
مسألة 9 - تجري الأقسام الثلاثة في الجناية على الأطراف أيضا،
فمنها عمد، ومنها شبه عمد، ومنها خطأ محض.
القول في مقادير الديات
مسألة 1 - في قتل العمد حيث يتعين الدية أو يصالح عليها مطلقا
مأة إبل أو مأتا بقرة أو ألف شاة أو مأتا حلة أو ألف دينار أو عشرة
آلاف درهم.
مسألة 2 - يعتبر في الإبل أن تكون مسنة، وهي التي كملت الخامسة
554

ودخلت في السادسة، وأما البقرة فلا يعتبر فيها السن ولا الذكورة
والأنوثة وكذا الشاة، فيكفي فيهما ما يسمى البقرة أو الشاة، والأحوط
اعتبار الفحولة في الإبل وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من قوة.
مسألة 3 - الحلة ثوبان، والأحوط أن تكون من برود اليمنى،
والدينار والدرهم هما المسكوكان، ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة
آلاف مثقال فضة غير مسكوكين.
مسألة 4 - الظاهر أن الستة على سبيل التخيير، والجاني مخير بينها،
وليس للولي الامتناع عن قبول بذله، لا التنويع بأن يجب على أهل الإبل
الإبل وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا، فلأهل البوادي أداء أي فرد منها،
وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع.
مسألة 5 - الظاهر أن الستة أصول في نفسها، وليس بعضها بدلا
عن بعض ولا بعضها مشروطا بعدم بعض، ولا يعتبر التساوي في القيمة
ولا التراضي، فالجاني مخير في بذل أيها شاء.
مسألة 6 - يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ
المحض السلامة من العيب والصحة من المرض، ولا يعتبر فيها السمن،
نعم الأحوط أن لا تكون مهزولة جدا وعلى خلاف المتعارف، بل لا يخلو
ذلك من قوة، وفي الثلاثة الأخر السلامة من العيب، فلا تجزي الحلة
المعيوبة، ولا الدينار والدراهم المغشوشان أو المكسوران، ويعتبر في الحلة
أن لا تقصر عن الثوب، فلا تجزي الناقصة عنه بأن يكون كل من جزئيها
بمقدار ستر العورة، فإنه لا يكفي.
مسألة 7 - تستأدى دية العمد في سنة واحدة، ولا يجوز له التأخير
إلا مع التراضي، وله الأداء في خلال السنة أو آخرها، وليس للولي
عدم القبول في خلالها، فدية العمد مغلظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطأ
555

المحض في السن في الإبل والاستيفاء كما يأتي الكلام فيهما.
مسألة 8 - للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها، أو يبذل من
إبله أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحة والسلامة والسن
فليس للولي مطالبة الأعلى أو مطالبة الإبل المملوك له فعلا.
مسألة 9 - لا يجب على الولي قبول القيمة السوقية عن الأصناف
لو بذلها الجاني مع وجود الأصول، ولا على الجاني أداؤها لو طالبها الولي
مع وجودها، نعم لو تعذر جميع الأصناف وطالب الولي القيمة تجب أداء قيمة
واحدة منها، والجاني مخير في ذلك، وليس للولي مطالبة قيمة أحدها المعين.
مسألة 10 - الظاهر عدم إجزاء التلفيق بأن يؤدي مثلا نصف المقدر
دينارا ونصفه درهما، أو النصف من الإبل والنصف من غيرها.
مسألة 11 - الظاهر جواز النقل إلى القيمة مع تراضيهما، كما أن
الظاهر جواز التلفيق بأن يؤدي نصف المدر أصلا وعن نصفه الآخر من
المقدر الآخر قيمة عنه لا أصلا.
مسألة 12 - هذه الدية على الجاني، لا على العاقلة ولا على بيت المال
سواء تصالحا على الدية وتراضيا بها أو وجبت ابتداء كما في قتل الوالد
ولده ونحوه مما تعينت الدية.
مسألة 13 - دية شبيه العمد هي الأصناف المتقدمة، وكذا دية
الخطأ، ويختص العمد بالتغليظ في السن في الإبل والاستيفاء كما تقدم.
مسألة 14 - اختلفت الأخبار والآراء في دية شبيه العمد، ففي رواية
أربعون خلقة أي الحامل، وثنية، وهي الداخلة في السنة السادسة،
وثلاثون حقة، وهي الداخلة في السنة الرابعة، وثلاثون بنت لبون، وهي
الداخلة في السنة الثالثة، وفي أخرى ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون
جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة،
556

أي البالغة ضراب الفحل أو ما طرقها الفحل فحملت، وفي ثالثة بدل
كلها طروقة كلها خلقة، وفي رابعة جمع بينهما فقال كلها خلقة من طروقة
الفحل إلى غير ذلك، فالقول بالتخيير للجاني بينها غير بعيد، لكن لا يحلو
من إشكال، فالأحوط التصالح، وللجاني الأخذ بأحوطها.
مسألة 15 - هذه الدية أيضا م نمال الجاني لا العاقلة، فلو لم يكن له
مال استسعى أو أمهل إلى الميسرة كما في سائر الديون، ولو لم يقدر عليها
ففي كونها على بيت المال احتمال.
مسألة 16 - الأحوط للجاني أن لا يؤخر هذه الدية عن سنتين،
والأحوط للولي أن يمهله إلى سنتين، وإن لا يبعد أن يقال تستأدى في سنتين.
مسألة 17 - لو قلنا بلزوم إعطاء الحوامل لو اختلف الولي ومن عليه
الدية في الحمل فالمرجع أهل الخبرة، ولا يعتبر فيه العدالة، وتكفي الوثاقة
واعتبار التعدد أحوط وأولى، ولو تبين الخطأ لزم الاستدراك، ولو سقط
الحمل أو وضع الحامل أو تعيب ما يجب أداؤه فإن كان قبل الاقباض يجب
الابدال، وإلا فلا.
مسألة 18 - في دية الخطأ روايتان: أولاهما ثلاثون حقة وثلاثون
بنت لبون وعشرون بنت مخاض - وهي الداخلة في السنة الثانية - وعشرون
ابن لبون، والأخرى خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت
لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة، ولا يبعد ترجيح الأولى
ويحتمل التخيير، والأحوط التصالح.
مسألة 19 - دية الخطأ المحض مخففة عن العمد وشبيهه في سن الإبل
وصفتها لو اعتبرنا الحمل في شبهه، وفي الاستيفاء فإنها تستأدى في ثلاث
سنين في كل سنة ثلثها، وفي غير الإبل من الأصناف الأخر المتقدمة لا فرق
بينها وبين غيرها.
557

مسألة 20 - تستأدى الدية في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين على
اختلاف أقسام القتل، سواء كانت الدية تامة كدية الحر المسلم، أو ناقصة
كدية المرأة والذمي والجنين أو دية الأطراف.
مسألة 21 - قيل: إن كان دية الطرف قدر الثلث أخذ في سنة واحدة
في الخطأ، وإن كان أكثر حل الثلث بانسلاخ الحول، وحل الزائد عند
انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر فما دون، وإن كان أكثر حل الثلث عند
انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث، وفيه تأمل وإشكال، بل الأقرب
التوزيع إلى ثلاث سنين.
مسألة 22 - دية قتل الخطأ على العاقلة بتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى
ولا يضمن الجاني منها شيئا، ولا ترجع العاقلة على القاتل.
مسألة 23 - لو ارتكب القتل في أشهر الحرم: رجب وذي القعدة
وذي الحجة والمحرم فعليه الدية وثلث من أي الأجناس كان تغليظا، وكذا
لو ارتكبه في حرم مكة المعظمة، ولا يلحق بها حرم المدينة المنورة ولا سائر
المشاهدة المشرفة، ولا تغليظ في الأطراف ولا في قتل الأقارب.
مسألة 24 - لو رمى وهو في الحل بسهم ونحوه إلى من هو في الحرم
فقتله فيه لزمه التغليظ، ولو رمى وهو في الحرم إلى من كان في الحل
فقتله في فالظاهر أنه لم يلزمه، وكذا لو رماه في الحل فذهب إلى الحرم.
مسألة 25 - لو قتل خارج الحرم والتجأ إليه لا يقتص منه فيه،
لكن ضيق عليه في المأكول والمشرب إلى أن يخرج منه، فيقاد منه، ولو جنى
في الحرم اقتص منه فيه، ويلحق به المشاهد المشرفة على رأي.
مسألة 26 - ما ذكر من التقادير دية الرجل الحر المسلم، وأما دية
المرأة الحرة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدمة، فمن الإبل
558

خمسون ومن الدنانير خمسمأة، وهكذا
مسألة 27 - تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا ودية حتى
تبلغ ثلث دية لحر، فينتصف بعد ذلك ديتها، فما لم تبلغ الثلث يقتص
كل من الآخر بلا رد، فإذا بلغته يقتص للرجل منها بلا رد، ولها من
الرجل من الرد، ولا يلحق بها الخنث المشكل.
مسألة 28 - جميع فرق المسلمين المحقة والمبطلة متساوية في الدية
إلا المحكوم منهم بالكفر كالنواصب والخوارج والغلاة مع بلوغه غلوهم الكفر.
مسألة 29 - دية ولد الزنا إذا أظهر الاسلام بعد بلوغه بل بعد
بلوغه حد التميز دية سائر المسلمين، وفي ديته قبل ذلك تردد.
مسألة 30 - دية الذمي الحر ثمانمأة درهم يهوديا كان أو نصرانيا أو
مجوسيا، ودية المرأة الحرة منهم نصف دية الرجل، بل الظاهر أن دية
أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته،
كما أن الظاهر أن دية الرجل والمرأة منهم تتساوى حتى تبلغ الثلث مثل
المسلم، بل لا يبعد الحكم بالتغليظ عليهم بما يغلظ به عليه المسلم.
مسألة 31 - لا دية لغير أهل الذمة من الكفار، سواء كانوا ذوي
عهد أم لا، وسواء بلغتهم الدعوة أم لا، بل الظاهر أن لا دية للذمي
لو خرج عن الذمة، وكذا لا دية له لو ارتد عن دينه إلى غير أهل الذمة،
ولو خرج ذمي من دينه إلى دين ذمي آخر ففي ثبوتها إشكال وإن لا يبعد ذلك.
559

القول في موجبات الضمان
وفيه مباحث:
المبحث الأول في المباشر
مسألة 1 - المراد بالمباشرة أعم من أن يصدر الفعل منه بلا آلة
كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به أو بآلة بسهم ونحوه
أو ذبحه بمدينة أو كان القتل منسوبا إليه بلا تأول عرفا كالقائه في النار أو
غرقه في البحر أو إلقائه من شاهق إلى غير ذلك من الوسائط التي معها
تصدق نسبة القتل إليه.
مسألة 2 - لو وقع القتل عمدا يثبت فيه القصاص، والكلام هاهنا
فيما لا يقع عمدا، نحو أن يرمي غرضا فأصاب إنسانا أو ضربه تأديبا فاتفق
الموت وأشباه ذلك مما مر الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض.
مسألة 3 - لو ضرب تأديبا فاتفق القتل فهو ضامن، زوجا كان
الضارب أو وليا للطفل أو وصيا للولي أو معلما للصبيان، والضمان في ذلك
في ماله.
مسألة 4 - الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا في العلم
أو العمل ولو كان مأذونا، أو عالج قاصرا بدون إذن وليه أو بالغا
بلا إذنه وإن كان عالما متقنا في العمل، ولو أذن المريض أو وليه الحاذق
في العلم والعمل قيل: لا يضمن، والأقوى ضمانه في ماله، وكذا البيطار
هذه كله مع مباشرة العلاج بنفسه، وأما لو وصف دواء وقال: إنه مفيد
560

للمرض الفلاني أو قال إن دوائك كذا من غير أمر بشربه فالأقوى عدم
الضمان، نعم لا يبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف
مسألة 5 - الختان ضامن إذا تجاوز الحد وإن كان ماهرا، وفي ضمانه
إذا لم يتجاوزه كما إذا أضر الختان بالولد فمات إشكال، والأشبه عدم
الضمان.
مسألة 6 - الظاهر براءة الطبيب ونحوه من البيطار والختان بالابراء
قبل العلاج، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا أن بالغا عاقلا فيما لا ينتهي
إلى القتل، والولي فيما ينتهي إليه، وصاحب المال في البيطار، والولي في
القاصر، ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتى فيما ينتهي إلى
القتل، والأحوط الاستبراء منهما.
مسألة 7 - النائم إذا أتلف نفسا أو طرفا بانقلابه أو سائر حركاته
على وجه يستند الاتلاف إليه فضمانه في مال العاقلة، وفي الظئر إذا انقلبت
فقتلت الطفل رواية بأن عليها الدية كاملة من مالها خاصة إن كانت إنما
ظأرت طلبا للعز والفخر، وإن كانت إنما ظأرت من الفقر فإن الضمان
على عاقلتها، وفي العمل بها تردد، ولو كان ظئرها للفقر والفخر معا
فالظاهر أن الدية على العاقلة، والأم لا تلحق بالظئر.
مسألة 8 - لو أعنف الرجل بزوجته جماعا فماتت يضمن الدية في
ماله، وكذا لو أعنف بها ضمنا، وكذا الزوجة لو أعنفت بالرجل ضما،
وكذا الأجنبي والأجنبية مع عدم قصد القتل.
مسألة 9 - من حمل شيئا فأصاب به إنسانا ضمن جنايته عليه في ماله
مسألة 10 - من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات فلا دية
إلا مع العلم باستناد الموت إليه، فحينئذ إن كان قاصدا لقتله فهو عمد
يقتص منه، وإلا شبيه عمد فالدية من ماله، فلو صاح بطفل أو مريض
561

أو جبان أو غافل فمات فالظاهر ثبوت الدية إلا أن يثبت عدم الاستناد
فمع قصد القتل بفعله فهو عمد، وإلا فشبيهه مع عدم الترتيب نوعا أو
غفلته عنه، ومن هذا الباب كل فعل يستند إليه القتل، ففيه التفصيل
المتقدم، كمن شهر سيفه في وجه إنسان أو أرسل كلبه إليه فأخافه إلى
غير ذلك من أسباب الإخافة.
مسألة 11 - لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات
فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف، وإلا
فلا ضمان، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان.
مسألة 12 - لو وقع من علو على غيره فقتله فمع قصد قتله فهو
عمد وعليه القود، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان مما لا يقتل به غالبا
فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله، وكذا لو وقع إلجاء واضطرارا من قصد
الوقوع، ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه فلا ضمان عليه
ولا على عاقلته، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير.
مسألة 13 - لو دفعه دافع فمات فالقود في فرض العمد والدية في
شبيهه على الدافع، ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقود أو الدية على
الدافع أيضا، وفي رواية صحيحة أنها على الذي وقع على الرجل، فقتله
لأولياء المقتول، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه ويمكن حملها على
أن الدفع اضطره إلى الوقوع بحيث كان الفعل منسوبا إليه بوجه.
مسألة 14 - لو صدمه فمات المصدوم فإن قصد القتل أو كان الفعل
مما يقتل غالبا فهو عمد يقتص منه، وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن
قاتلا غالبا فديته في مال الصادم، ولو مات الصادم فهدر لو كان المصدوم
في ملكه أو محل مباح أو طريق واسع، ولو كان واقفا في شارع ضيق
فصدمه بلا قصد يضمن المصدوم ديته، وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان،
562

نعم لو كان قاصدا لذلك وله مندوحة فدمه هدر، وعليه ضمان المصدوم.
مسألة 15 - إذا اصطدم حران بالغان عاقلان فماتا فإن قصدا القتل
فهو عمد، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل مما يقتل غالبا فهو شبيه
العمد يكون لورثة كل منهما نصف ديته، ويسقط النصف الآخر، ويستوي
فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل، وعلى كل واحد منهما نصف
قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم، من غير فرق بين اتحاد جنس
المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوة والضعف، ومن غير فرق بين شدة
حركة أحدهما دون الآخر أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم، نعم
لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث لا يصدق التصادم بل يقال صدمه الآخر
فلا ضمان على المصدوم، فلو صادمت سيارة صغيرة مع سيارة كبيرة كان
الحكم كما ذكر، فيقع التقاص في الدية والقيمة، ويرجع صاحب الفضل
إن كان على تركة الآخر.
مسألة 16 - لو لم يتعمد الاصطدام بأن كان الطريق مظلما أو كانا
غافلين أو أعميين فنصف دية كل منهما على عاقلة الآخر، وكذا لو كان
المصطدمان صبيين أو مجنونين أو أحدهما صبيا والآخر مجنونا لو كان الركوب
منهما أو من وليها فيما إذا كان سائغا له، ولو أركبهما أجنبي أو الولي في
غير مورد الجواز أي مورد المفسدة فدية كل منهما تماما على الذي ركبهما
، وكذا قيمة دابتهما لو تلفنا.
مسألة 17 - لو اصطدم حران فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد
يضمن الحي نصف دية التالف، وفي رواية يضمن الباقي تمام دية الميت،
وفيها ضعف، ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا سقط نصف دية كل
واحدة منهما وثبت النصف، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون
القتل شبيه العمد، ولو كان خطأ فعلى العاقلة.
563

مسألة 18 - لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن
حتى يرجع إليه، فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته، وإن وجد
مقتولا وادعى على غيره وأقام بينة فقد برئ وإن عدم البينة فعليه الدية
ولا قود عليه على الأصح، وكذا لو لم يقر بقتله ولا ادعاه على غيره،
وإن وجد ميتا فإن علم أنه مات حتف أنفه أو بلدغ حية أو عقرب
ولم يحتمل قتله فلا ضمان، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصح.
المبحث الثاني في الأسباب
والمراد بها هاهنا كل فعل يحصل التلف عنده بعلة غيره بحيث لولاه
لما حصل التلف كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاصر
ونحوها.
مسألة 1 - لو وضع حجرا في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئرا أو
أوتد وتدا أو ألقى معاثر ونحو ذلك لم يضمن دية العاثر، ولو كان في
طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه فعليه الضمان في ماله، ولو حفر
في ملك غيره فرضي به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر، ولو فعل
ذلك لمصلحة المارة فالظاهر عدم الضمان، كمن رش الماء في الطريق لدفع
الحر أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك.
مسألة 2 - لو حفر بئرا مثلا في ملكه ثم دعا من لم يطلع كالأعمى
أو كان الطريق مظلما فالظاهر ضمانه، ولو دخل بلا إذنه أو بإذنه السابق
قبل حفر البئر ولم يطلع الإذن فلا يضمن.
مسألة 3 - لو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكن من
إزالته، ولو رفع الحجر ووضعه في محل آخر نحو المحل الأول أو أضر منه
564

فلا إشكال في الضمان، وأما لو دفعه عن وسط الطريق إلى جانبه لمصلحة
المارة فالظاهر عدم الضمان.
مسألة 4 - لو حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدخل ثالث فيه عدوانا
ووقع في البئر ضمن الحافر.
مسألة 5 - من الاضرار بطريق المسلمين إيقاف الدواب فيه وإلقاء
الأشياء للبيع، وكذا إيقاف السيارات إلا لصلاح المارة بمقدار يتوقف
عليه ركوبهم ونقلهم.
مسألة 6 - ومن الضرار إخراج الميازيب بنحو يضر بالطريق، فإن
الظاهر فيه الضمان، ومع عدم الاضرار لو اتفق إيقاعها على الغير فأهلكه فالظاهر
عدم الضمان، وكذا الكلام في إخراج الرواشن والأجنحة، ولعل الضابط
في الضمان وعدمه إذن الشارع وعدمه، فكل ما هو مأذون فيه شرعا ليس
فيه ضمان ما تلف لأجله، كالخراج الرواشن غير المضرة ونصب الميازيب
كذلك وكل ما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان، كالأضرار بطريق المسلمين
بأي نحو كان، فلو تلف بسببه فالضمان ثابت وإن لا تخلو الكلية في
الموضعين من كلام وإشكال.
مسألة 7 - لو اصطدم سفينتان فهلك ما فيهما من النفس والمال فإن
كان ذلك بتعمد من القيمين لهما فهو عمد، وإن لم يكن عن تعمد وكان
الاصطدام بفعلهما أو بتفريط منهما مع عدم قصد القتل وعدم غلبة التصادم
للتسبب إليه فهو شبيه عمد أو من باب الأسباب الموجبة للضمان، فلكل
منهما على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه، وعلى كل منهما نصف دية صاحبه
لو تلفنا، وعلى كل منهما نصف دية من تلف فيهما، ولو كان القيمان غير
مالكين كالغاصب والأجير ضمن كل نصف السفينتين وما فيهما، فالضمان
في أموالهما نفسا كان التالف أو مالا، ولو كان الاصطدام بغير فعلهما ومن
565

غير تفريط منهما بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان، ولو فرط أحدهما دون الآخر
فالمفرط ضامن، ولو كان إحدى السفينتين واقفة أو كالواقفة ولم يفرط
صاحبهما لا يضمن.
مسألة 8 - لو بنى حائطا في ملكه أو ملك مباح على أساس يثبت
مثله عادة فسقط من دون ميل ولا استهدام بل على خلاف العادة كسقوطه
بزلزلة ونحوها لا يضمن صاحبه ما تلف به وإن سقط في الطريق أو في
ملك الغير، وكذا لو بناه مائلا إلى ملكه، ولو بناه مائلا إلى ملك غيره
أو إلى الشارع ضمن، وكذا لو بناه في غير ملكه بلا إذن من المالك،
ولو بناه في ملكه مستويا فمال إلى غير ملكه فإن سقط قبل تمكنه من
الإزالة فلا ضمان وإن تمكن منها فللضمان وجه، ولو أماله غيره فالضمان
مسألة 9 - لو أجج نارا في ملكه بمقدار حاجته مع عدم احتمال
التعدي لم يضمن لو اتفق التعدي فأتلفت نفسا أو مالا بلا إشكال، كما
لا إشكال في الضمان لو زاد على مقدار حاجته مع علمه بالتعدي، والظاهر
ضمانه مع علمه بالتعدي وإن كان بمقدار الحاجة، بل الظاهر الضمان لو اقتضت
العادة التعدي مع الغفلة العادة عدم التعدي فاتفق بأمر آخر على خلاف العادة
ولم يظن التعدي فالظاهر عدم الضمان، ولو كان التعدي بسبب فعله ضمن
ولو كان التأجيج بقدر الحاجة.
مسألة 10 - لو أججها في ملك غيره بغير إذنه أو في الشارع
لا لمصلحة المارة ضمن ما يتلف بها بوقوعه فيها من النفوس والأموال وإن
566

لم يقصد ذلك، نعم لو ألقى مالا أو شخصا في النار لم يضمن
مؤججها، بل الضمان على الملقى، ولو وقعت الجناية بفعله التوليدي كما
أججها وسرت إلى محل فيه الأنفس والأموال يكون ضامنا للأموال، وأما
الأنفس فمع العمد وتعذر الفرار فعليه القصاص، ومع شبيهه الدية في
ماله، ومع الخطأ المحض فعلى العاقلة، ثم إنه يأتي في فتح المياه ما ذكرنا
في إضرام النار.
مسألة 11 - لو ألقى فضولات منزله المزلقة كقشور البطيخ في
الشارع أو رش الدرب بالماء على خلاف المتعارف لا لمصلحة المارة فزلق به
انسان ضمن، نعم لو وضع المار العاقل متعمدا رجله عليها فالوجه عدم
الضمان، ولو تلف به حيوان أو مجنون أو غير مميز ضمن.
مسألة 12 - لو وضع على حائطه إناءا أو غيره فسقط وتلف به نفس
أو مال لم يضمن إلا أن يضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه بنحو تقتضي
العادة سقوطه على الطريق، فإنه يضمن حينئذ
مسألة 13 - يجب حفظه دابته الصائلة كالبعير المغتلم والفرس العضوض
والكلب العقور لو اقتناه، فلو أهمل حفظها ضمن جنايتها ولو جهل حالها
أو علم ولم يقدر على حفظها ولم يفرط فلا ضمان، ولو صالت على شخص
فدفعها بمقدار يقتضي الدفاع ذلك فماتت أو وردت عليها جنايته لم يضمن
بل لو دفعها عن نفس محترمة أو مال كذلك لم يضمن، فلو أفرط في
الدفاع فجني عليها مع إمكان دفعها بغير ذلك أو جني عليها لغير الدفاع
ضمن، والظاهر جريان الحكم في الطيور الضارية والهرة كذلك حتى في
الضمان مع التعدي عن مقدار الدفاع.
مسألة 14 - لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة فإن كان
بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن، وإن جنت المدخول عليها كان هدرا.
567

مسألة 15 - من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل
بإذنهم، وإلا فلا ضمان، من غير فرق بين كون الكلب حاضرا في الدار
أو دخل بعد دخوله، ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره
وعدمه.
مسألة 16 - راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن
تفريط لا برجليها، ولا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها،
ولو ركبها على عكس المتعارف ففي ضمان ما تجنيه برجليها دون يديها وجه
لا يخلو من إشكال، وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لا يبعد ضمان
جناية يديها، وفي ضمان جناية رجليها تردد، وهل يعتبر في الضمان التفريط؟
فيه وجه لا يخلو من إشكال، نعم لو سلبت الدابة اختياره مع عدم علمه
بالواقعة وعدم كون الدابة شموسا فالوجه عدم الضمان لا برجلها ولا بيدها
ومقاديم بدنها، وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدم أي ضمان ما تجنيه
بيدها ومقاديمها ورجلها، ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها
ورجلها وإن لم يكن عن تفريط، والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيق
والواسع، وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقا، ولو ضربها فجنت لأجله
ضمن مطلقا، وكذا لو ضربها غيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير إلا أن
يكون الضرب دفاعا عن نفسه، فإنه لا يضمن حينئذ الصاحب ولا غيره.
مسألة 17 - لو كان للدابة راكب وسائق وقائد أو اثنان منها فالظاهر
الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد فيما فيه كذلك، من غير فرق بين
المالك وغيره، وقيل لو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب،
وهو كذلك لو كان الراكب قاصرا.
مسألة 18 - لو ركبها رديفان تساويا في الضمان إلا إذا كان أحدهما
ضعيفا لمرض أو صغر، فالضمان على الآخر.
568

المبحث الثالث في تزاحم الموجبات
مسألة 1 - إذا اجتمع السبب والمباشر فمع مساواتهما أو كان المباشر
أقوى ضمن المباشر، كاجتماع الدافع والحافر، واجتماع واضع المعاثر وناصب
السكين والدافع، واجتماع مؤجج النار مع الملقي، واجتماع الباني لحائط مائل
مع مسقطه، ولو كان المباشر ضعيفا والسبب قويا فالضمان على السبب،
كما لو حفر بئرا في الشارع وغطاها فدفع غيره ثالثا مع جهله بالواقعة فسقط
في البئر، فإن الضمان على الحافر.
مسألة 2 - لو اجتمع السببان فالظاهر أن الضمان على السابق تأثيرا
وإن كان حدوثه متأخرا كما لو حفر بئرا في الشارع وجعل آخر حجرا على
جنبها فسقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضح، ولو نصب سكينا
في البئر فسقط في البئر على السكين فالضمان على الحافر، ولو وضع حجرا
ووضع آخر حجرا خلفه فعثر بحجر وسقط على آخر فالضمان على الواضح
الذي عثر بحجره، وهكذا. هذا مع تساويهما في العدوان، ولو كان
أحدهما
عاديا فالضمان عليه خاصة، كما لو وضع حجرا في ملكه وحفر المتعدي بئرا
فعثر بالحجر وسقط في البئر فالضمان على الحافر المتعدي.
مسألة 3 - لو حفر بئرا قليل العمق فعمقها غيره فهل الضمان على
الأول للسبق أو على الثاني أو عليهما؟ احتمالات، أرجحها الأول.
مسألة 4 - لو اشترك اثنان أو أكثر في وضع حجر مثلا فالضمان
على الجميع، والظاهر أنه بالسوية وإن اختلف قواهم.
مسألة 5 - لو سقط اثنان في البئر فهلك كل منهما باصطدام الآخر
فالضمان على الحافر.
569

القول في الجناية على الأطراف
وفيه مقاصد:
المقصد الأول في ديات الأعضاء
إعلم أن كل ما لم تقدير فيه شرعا ففيه الأرش المسمى بالحكومة،
فيفرض الحر عبدا قابلا للتقويم ويقوم صحيحه ومعيبه ويؤخذ الأرش،
ولا بد من ملاحظة خصوصيات الصحيح والمعيب حتى كونه معيبا في أمد
كما في شعر الرأس الذي ينبت في مدة، وأما التقدير ففي موارد:
الأول: الشعر
مسألة 1 - في شعر رأي الذكر صغيرا كان أو كبيرا كثيفا أو خفيفا
الدية كاملة إن لم ينبت، كما لو صب على رأسه ماء حارا فسقط شعره
ولم ينبت أو أذهب شعره بأي وجه كان، وكذا في اللحية إذا حلقت أو
نتفت مثلا ولم تنبت الدية كاملة، وإن نبتا ففي اللحية ثلث الدية على الأقوى
وفي شعر الرأس الأرش، وأما الأنثى ففي شعرها ديتها كاملة إن لم ينبت،
ولو نبت ففيه مهر نسائها، من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة.
مسألة 2 - لو نبت بعضه دون بعض فهل فيه الأرش أو أخذه من
الدية بالحساب فيلاحظ نسبة غير النابت إلى الجميع فيؤخذ نصف الدية إن
كان نصفا وثلثها إن كان ثلثا وهكذا ولا يلاحظ خفة الشعر وكثافته؟
570

الثاني أرجح في غير النابت، وفي النابت لا يسقط الأرش على الظاهر.
مسألة 3 - تشخيص عدم نبات الشعر أبدا موكول إلى أهل الخبرة
فإن حكم أهل الخبرة بعدم النبات تؤخذ الدية، ولو نبت بعد ذلك فالظاهر
رجوع ما فضل من الدية.
مسألة 4 - لو زاد مهر مثل المرأة على مهر السنة يؤخذ مهر المثل،
نعم لو زاد على الدية الكاملة فليس لها إلا الدية، ويحتمل الرجوع إلى الأرش.
مسألة 5 - في شعر الحاجبين معا خمسمأة دينار، وفي كل واحد
نصف ذلك، وفي بعض منه على حساب ذلك، هذا إذا لم ينبت، وإلا
ففيه الأرش، فلو نبت بعض ولم ينبت بعض ففي غير النابت بالحساب،
وفي النابت الأرش ظاهرا.
مسألة 6 - في الأهداب الأربعة أي الشعور النابتة على الأجفان
أقوال أقربها الأرش، وأحوطها الدية كاملة مع النبت.
مسألة 7 - لا تقدير في غير ما تقدم من الشعر، لكن يثبت له
الأرش إن قلع منفردا، ولا شئ فيه لو انضم إلى العضو إذا قطع أو إلى
الجلد إذا كشط، فلا شئ للأهداب إذا قطع الأجفان، ولا في شعر الساعد
أو الساق إذا قطعا زائدا على دية العضو.
مسألة 7 - يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل وكذا في لحية امرأة
لو فرض النقص وفي كل مورد مما لا تقدير فيه، ولو فرض أن إزالة الشعر
في العبد أو الأمة تزيد في القيمة أو لا ينقص منها لا شئ عليه إلا التعزير،
ولو فرض التعييب بذلك وجب الأرش.
571

الثاني: العينان
مسألة 1 - في العينين معا الدية، وفي كل واحدة منهما نصفها،
والأعمش والأحول والأخفش والأعشى والأرمد كالصحيح، ولو كان
على سواد عينه بياض فإن كان الابصار باقيا بأن لا يكون ذلك على الناظر
فالدية تامة، وإلا سقطت بالحساب من الدية لو أمكن التشخيص، وإلا ففيه الأرش.
مسألة 2 - في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور
خلقة أو بآفة من الله تعالى، ولو أعورها جان واستحق ديتها منه كان
في الصحيحة نصف الدية، سواء أخذ ديتها أم لا، وسواء كان قادرا على
الأخذ أم لا، بل وكذا النصف لو كان العور قصاصا.
مسألة 3 - في العين الوراء ثلث الدية إذا خسفها أو قلعها، سواء
كانت عوراء خلقة أو بجناية جان.
مسألة 4 - في الأجفان الدية، وفي تقدير كل جفن خلاف، فمن
قائل في كل واحد ربع الدية، ومن قائل في الأعلى ثلثاها وفي الأسفل
الثلث، ومن قائل في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف، وهذا
لا يخلو من ترجيح، لكن لا يترك الاحتياط بالتصالح.
الثالث: الأنف
مسألة 1 - في الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة، وكذا في
مارنه، وهو ما لان منه ونزل عن قصبته، ولو قطع المارن وبع ض القصبة
572

دفعة فالدية كاملة، ولو قطع المارن ثم بعض القصة فالدية كاملة في المارن
والأرش في القصبة، ولو قطع المارن ثم قطع جميع القصبة ففي المارن
الدية، فهل للقصبة الدية أو الأرش، فيه تأمل، ولو قطع بعض المارن
فبحساب المازن.
مسألة 2 - لو فسد الأنف وذهب بكسر أو إحراق أو نحو ذلك
ففيه الدية كاملة، ولو جبر على غير عيب فمأة دينار على قول مشهور.
مسألة 3 - في شلل الأنف ثلاث ديته صحيحا، وإذا قطع الأشل
فعليه ثلثها.
مسألة 4 - في الروثة نصف الدية إذا قطعت، فهل هي طرف
الأنف أو الحاجز بين المنخرين أو مجمع المارن؟ احتمالات، ويحتمل أن
ترجع الاحتمالات إلى أمر واحد، وهو طرف الأنف الذي يقطر منه الدم
وهو مجمع المارن وهو محل الحاجز فإذا قطع الحاجز من حيث يرى من
الأعلى إلى الأسفل قطع طرف الأنف، وهو مجمع المارن وإن لا يخلو
من تأمل.
مسألة 5 - في أحد المنخرين ثلث الدية، وقيل نصفها، والأول
أرجح، ولو نفذت في الأنف نافذة على وجه لا تفسد كرمح أو سهم
فخرقت المنخرين والحاجز فثلث الدية، وكذا لو ثقبته، فإن جبر وصلح
فخمس الدية على الأحوط.
الرابع: الأذن
مسألة 1 - في الأذنين إذا استوصلا الدية كاملة، وفي استيصال
كل واحدة منهما نصفها، وفي بعضها بحساب ديتها إن كان نصفا فنصف
573

أو ثلاثا فثلث وهكذا.
مسألة 2 - في خصوص شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وفي بعضها
فبحسابها، وفي خرم الأذن ثلث ديتها على الأحوط بل الأظهر.
مسألة 3 - لو ضربها فاستحشفت أي يبست فعليه ثلثا ديتها ولو قطعها
بعد الشلل فثلثها على الأحوط في الموضعين، بل لا يخلو أن من قرب.
مسألة 4 - الأصم فيما مر كالصحيح، ولو قطع الأذن مثلا فسرى
إلى السمع فأبطله أو نقص منه ففيه مضافا إلى دية الأذن دية المنفعة من
غير تداخل، وكذا لو قطعها بنحو أوضح لأعظم وجب مع دية الأذن دية
الموضحة من غير تداخل.
الخامس: الشفتان
مسألة 1 - في الشفتين الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما النصف
على الأقوى، والأحوط في السفلى ستمأة دينار، وفي قطع بعضها بنسبة
مساحتها طولا وعرضا.
مسألة 2 - حد الشفة في العليا ما تجافي عن اللثة متصلة بالمنخرين
والحاجز عرضا، وطولها طول الفم، وحد السفلى ما تجافي عن اللثة عرضا
وطولها طول الفم، وليست حاشية الشدقين منهما.
مسألة 3 - لو جنى عليها حتى تقلصت فلم تنطبق على الأسنان ففيه
الحكومة، ولو استرختا بالجناية فلم تنفصلا عن الأسنان بضحك ونحوه
فثلثا الدية على الأحوط، ولو قطعت بعد الشلل فثلثها.
مسألة 4 - لو شق الشفتين حتى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية،
فإن برأت فخمس الدية، وفي إحداهما ثلث ديتها إن لم تبرأ، وإن برأت
574

فخمس ديتها على قول معروف في الجميع.
السادس: اللسان
مسألة 1 - في لسان الصحيح إذا استوصل الدية كاملة، وفي لسان
الأخرس ثلث الدية مع الاستيصال.
مسألة 2 - لو قطع بعض لسان الأخرس فبحساب المساحة، وأما
الصحيح فيعتبر قطعه بحروف المعجم، وتبسط الدية على الجميع بالسوية
من غير فرق بين خفيفها وثقيلها، والسنية وغيرها، فإن ذهبت أجمع
فالدية كاملة، وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب خاصة.
مسألة 3 - حروف المعجم في العربية ثمانية وعشرون حرفا، فتجعل
الدية موزعة عليها، وأما غير العربية فإن كان موافقا لها فبهذا الحساب،
ولو كان حروفه أقل أو أكثر فالظاهر التقسيط عليها بالسوية كل بحسب لغته.
مسألة 4 - الاعتبار في صحيح اللسان بما يذهب الحروف لا بمساحة
اللسان، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية، ولو قطع ربعه
فذهب نصف الحروف فنصف الدية.
مسألة 5 - لو لم يذهب الحرف بالجناية لكن تغير بما يوجب العيب
فصار ثقيل اللسان أو سريع النطق بما يعد عيبا أو تغير حرف بحرف آخر
ولو كان الثاني صحيحا لكن يعد عيبا فالمرجع الحكومة.
مسألة 6 - لو قطع لسانه جان فأذهب بعض كلامه ثم قطع آخر
بعضه فذهب بعض الباقي أخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأولى إلى ما بقي
بعدها، فلو ذهب بجناية الأول نصف كلامه فعليه نصف الدية، ثم ذهب
بجناية الثاني نصف ما بقي فعليه نصف هذا النصف أي الربع وهكذا.
575

مسألة 7 - لو أعدم شخص كلامه بالضرب على رأسه ونحوه من
دون قطع فعليه الدية، ولو نقص من كلامه فبالنسبة كما مر، ولو قطع
آخر لسانه الذي أخرس بفعل السابق فعليه ثلث الدية وإن بقيت للسان
فائدة الذوق والعون بعمل الطحن، من غير فرق بين قدر المجني عليه على
الحروف الشفوية والحلقية أم لا.
مسألة 8 - لو قطع لسان طفل قبل بلوغه حد النطق فعليه الدية
كاملة، ولو بلغ حده ولم ينطق فبقطعه لا يثبت إلا الثلث، ولو انكشف
الخلاف يؤخذ ما نقص من الجاني.
مسألة 9 - لو جنى بغير قطع فذهب كلامه ثم عاد فالظاهر أنه
تستعاد الدية، وأما لو قلع سنه فعادت فلا تستعاد ديتها.
السابع: الأسنان
مسألة 1 - في الأسنان الدية كاملة، وهي موزعة على ثمان وعشرين
سنا، اثنتا عشرة في مقاديم الفم ثنيتان ورباعيتان ونابان من أعلى ومثلها
من أسفل، ففي كل واحدة منها خمسون دينارا، فالجميع ستمأة دينار،
وست عشرة في مآخر الفم، في كل جانب من الجوانب الأربعة أربعة
ضواحك وأضراس ثلاثة، في كل واحدة منها خمسة وعشرون دينارا،
فالجميع أربعمأة دينار، ولا يلحظ النواجد في الحساب ولا الأسنان الزائدة.
مسألة 2 - لو نقصت الأسنان عن ثمان وعشرين نقص من الدية
بإزائه، كان النقص خلقة أو عارضا.
مسألة 3 - ليس للزائد على ثمان وعشرين دية مقدرة، والظاهر
الرجوع إلى الحكومة، سواء كانت الزيادة من قبيل الواجب التي هي في
576

رديف الأسنان أو نبت الزائد جنبها داخلا أو خارجا، ولو لم يكن في
قلعها نقص أو زاد كمالا فلا شئ وإن كان الفاعل ظالما آثما، وللحاكم تعزيره.
مسألة 4 - لا فرق في الأسنان بين أبيضها وأصفرها وأسودها إذا
كان اللون أصليا لا لعارض وعيب، ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فديتها
ثلثا ديتها صحيحة على الأقوى، ولو قلع السن السوداء بالجناية أو لعارض
فثلث الدية على الأحوط، بل لا يخلو من قرب " وفي الصداع السن
بلا سقوط الحكومة على الأقوى.
مسألة 5 - لو كسر ما برز عن اللثة خاصة وبقي السنخ إي أصله
المدفون فيها فالدية كالسن المقلوعة، ولو كسر شخص ما برز عنها ثم
قلع الآخر السنخ فالحكومة للنسخ، سواء كان الجاني شخصين أو شخصا
واحدا في دفعتين.
مسألة 6 - لو قلع سن الصغير غير المثغر انتظر إلى مضي زمان جرت
العادة بنباتها، فإن نبتت فالأرش على قول، ولا يبعد أن تكون دية كل
سن بعيرا، وإن لم تنبت فديتها كسن البالغ.
مسألة 7 - لو قلعت سن فأثبت في محلها فنبتت كما كانت ففي قلعها
الدية كاملة، ولو جعلت في محلها سن فصارت كالسن الأصلية حية نابتة
فالأحوط في قلعها دية الأصلية كاملة، بل لا يخلو من وجه.
الثامن: العنق
مسألة 1 - في العنق إذ كسر فسار الشخص أصغر - أي مال عنقه
ويثنى في ناحية - الدية كاملة على الأحوط، وكذا لو جنى عليه على وجه
يثنى عنقه وصغر، وكذا لو جنى عليه بما يمنع عن الازدراد وعاش كذلك
577

بايصال الغذاء إليه بطريق آخر، وقيل في الموردين بالحكومة، ولا يبعد
هذا القول.
مسألة 2 - لو زال العيب - أي تمايل العنق وبطلان الازدراد -
فلا دية، وعليه الأرش، وكذا لو صار بنحو يمكنه الازدراد وإقامة
العنق والالتفات بعسر.
التاسع: اللحيان
مسألة 1 - في الحيين إذا قلعا الدية كاملة، وفي كل واحد منهما
نصفها خمسمأة دينار، وهما العظمان اللذان ملتقاهما الذقن، وفي جانب
الأعلى يتصل طرف كل واحد منهما بالأذن من جانبي الوجه، وعليهما نبات
الأسنان السفلى.
مسألة 2 - لو قلع بعض من كل منهما أو من أحدهما فبالحساب
مساحة، ولو قلع واحد منهما وبعض من آخر فنصف الدية للمقلوع،
وبالحساب للبعض الآخر.
مسألة 3 - ما ذكرناه ثابت فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان،
كقلعهما عمن لا سن له، وأما لو قلعا مع الأسنان فتزاد ديد الأسنان
ولا تتداخلان.
مسألة 4 - لو جني عليهما ونقص المضغ أو حصل نقص فيهما
ففيه الحكومة.
العاشر: اليدان
مسألة 1 - في اليدين الدية كاملة، وفي كل واحد نصفها، من غير
578

فرق بين اليمنى واليسرى، ومن كان له يد واحدة خلقة أو لعارض فلها
نصف الدية.
مسألة 2 - حد اليد التي فيها الدية المعصم - أي المفصل الذي بين
الكف والذراع - فلو قطعت إحداهما من المفصل ففيها نصف الدية، وإن
كانت فيها الأصابع فلا دية للأصابع في الفرض، ولو قطعت الأصابع
منفردة ففيها خمسمأة دينار نصف الدية.
مسألة 3 - في قطع الكف من فقد الأصابع الحكومة، سواء كان
بلا أصابع خلقة أم بآفة أم بجناية جان.
مسألة 4 - لو قطعت الكف ذات الأصابع منع زيادة من الزند ففي
اليد خمسمأة دينار، وكذا لو قطعها مع مقدار من الذراع، فهل في الزيادة
حكومة أو الاعتبار بحساب المساحة؟ فيه تردد.
مسألة 5 - في قطع اليد من المرفق خمسمأة دينار كان لها كف أو لا.
ومن المنكب كذلك كان لها مرفق أو لا، ولو قطعت من فوق المرفق
فيحتمل في الزيادة الحكومة ويحتمل الحساب مساحة.
مسألة 6 - لو كان له يدان على زند أو على مرفق أو على منكب
ففي الأصلية دية اليد كاملة وفي الزائدة الحكومة، والتشخيص بينهما عرفي
أو موكول إلى أهل الخبرة، ومع الاشتباه وعدم التميز لو قطعهما معا
شخص واحد فعليه الدية والأرش، ومع تعدد القاطع فالظاهر الحكومة
بالنسبة إلى كل منهما، ولو كان القاطع واحدا لكن قطع الثاني بعد دفع
الحكومة فالظاهر لزوم دية كاملة عليه.
579

الحادي عشر: الأصابع
مسألة 1 - في أصابع اليدين الدية كاملة، وكذا في أصابع
الرجلين
وفي كل واحدة منهما عشر الدية من غير فرق بين الابهام وغيره.
مسألة 2 - دية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد في كل عقدة ثلثها
وفي الابهام مقسومة على اثنتين في كل منهما نصفها.
مسألة 3 - في الإصبع الزائدة إذا قطعت من أصلها ثلث الأصلية،
ولا يبعد جريان الحكم بالنسبة إلى الأنملة الزائدة.
مسألة 4 - لو كان عدد الأصابع الأصلية في بعض الطوائف وكذا
عدد أناملهم الأصلية زائدا على القدر المتعارف لا يبعد أن يكون التقسيط
على حسبها.
مسألة 5 - في شلل كل واحدة من الأصابع ثلثا ديتها، وفي قطعها
بعد الشلل ثلثها.
مسألة 6 - في الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود فاسدا عشرة دنانير
على الأحوط، وإن نبت أبيض فخمسة دنانير.
الثاني عشر: الظهر
مسألة 1 - في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح بالعلاج والجبر
وكذا لو احدودب بالجناية فخرج ظهره وارتفع عن الاستواء أو صار بحيث
لا يقدر على القعود أو المشي.
مسألة 2 - لو عولج وبقي على الاحديداب فالدية كاملة، وكذا
580

لو بقي من آثار الكسر شئ بأن لا يقدر على المشئ إلا بعصا أو ذهب
بذلك جماعة أو ماؤه أو حدث به سلس ونحوه ذلك.
مسألة 3 - لو عولج فصلح ولم يبق من أثر الجناية شئ فمأة دينار.
مسألة 4 - المراد بالظهر هو العظيم الذي ذو فقار ممتد من الكاهل
إلى العجز وهو الصلب، وكسره يوجب الدية.
مسألة 5 - لو كسر فشلت الرجلان فدية لكسر الظهر، وثلثا الدية
لشلل الرجلين.
الثلاث عشر: النخاع
مسألة 1 - في قطع النخاع دية كاملة وفي بعضه الحساب بنسبة
المساحة.
مسألة 2 - لو قطع النخاع فعيب به عضو آخر فإن كان فيه الدية
المقدرة يثبت مضافا إلى دية النخاع دية أخرى، وإن لم تكن فيه الدية
فالحكومة.
مسألة 1 - الثديان من المرأة فيهما ديتها، وفي كل واحدة منهما
نصف ديتها.
مسألة 2 - لو قطعتا أو قطعت واحدة منهما مع شئ من جلد الصدر
ففي الثدي ديتها بما مر، وفي الجلد الحكومة، ولو أجاف الصدر لزم
مع ذلك دية الجائفة.
581

مسألة 3 - لو أصيب الثدي وانقطع لبنها مع بقائها أو تعذر نزول
اللبن مع كونه فيها أو تعذر نزوله في وقته مع عدم كونه فعلا فيها أو قل
لبنها أو عيب كما إذا در مختلطا بالدم أو القيح ففيه الحكومة.
مسألة 4 - لو قطع الحلمتين من المرأة قيل فيه الدية، وفيه إشكال
ويحتمل الحكومة، ويحتمل الحساب بالمساحة، والأخير لا يخلو من رجحان.
مسألة 5 - في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مأة وخمسة وعشرون
دينارا، وفيهما معا الربع، وفي قول إن فيهما الدية، والأول أقوى.
الخامس عشر: الذكر
مسألة 1 - في الحشفة فما زاد الدية كاملة وإن استوصل إذا كان
بقطع واحد، ومن غير فرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبي والخصي
خلقة ومن سلت أو رضت خصيتاه، وغيره إذا لم يكن موجبا للشلل.
مسألة 2 - لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية
من مساحة الحشفة حسب لا جميع الذكر.
مسألة 3 - لو انخرم مجرى البول من دون قطع ففيه الحكومة،
ولو قطع بعض الحشفة وكان القطع ملازما لخرم المجري فلا شئ إلا
ما للحشفة، وإن لم يكن ملازما وكان الخرم جناية زائدة فله الحكومة،
وللحشفة ما تقدم.
مسألة 4 - لو قطع الحشفة وقطع آخر أو هم بقطع آخر ما بقي
فالدية لقطعها والحكومة لقطع الباقي، ولو قطع بعض الحشفة والآخر
ما بقي منها فعلى كل منهما بحساب المساحة.
مسألة 5 - لو قطع بعض الحشفة وقطع آخر الذكر باستيصال ففي
582

قطع بعضها الحساب بالمساحة، وفي قطع الباقي وجوه: الحكومة أو الحساب
بالنسبة إلى الحشفة والحكومة فيما بقي أو الدية كاملة، أوجهها الأول
وأحوطها الأخير.
مسألة 6 - في ذكر العنين ثلث الدية، وكذا في قطع الأشل،
وفي قطع بعضه بحسابه، ولا يبعد أن يكون الحساب بالنسبة إلى المجموع
لا خصوص الحشفة.
مسألة 7 - لو قطع نصف الذكر طولا ولم يحصل في النصف الآخر
خلل من شلل ونحوه فنصف الدية، وإن أحدث في الباقي شللا فنصف
الدية للقطع وثلثا دية النصف الآخر للشلل، فعليه خمسة أسداس.
مسألة 8 - في ذكر الخنثى المشكل أو المعلوم أنوثته الحكومة.
السادس عشر: الخصيتان
مسألة 1 - في الخصيتين الدية كاملة، فهل لكل واحدة نصفها أو
لليسرى ثلثان ولليمنى الثلث؟ الأوجه الثاني، والأحوط الثلثان في اليسرى
والنصف في اليمنى لو قلعتا دفعتين.
مسألة 2 - لا فرق في الحكم بين الصغير والكبير والشيخ والشاب،
ومقطوع الذكر وغيره، وأشله وغيره، والعنين وغيره.
مسألة 3 - في أدرة الخصيتين وهي انتفاخهما أربع مأة دينار فإن
فحج فلم يقدر على مشي ينفعه ففيه ثمانمأة دينار أربعة أخماس دية النفس.
السابع عشر: الفرج
مسألة 1 - في شفري المرأة أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين
583

بالفم ديتها كاملة، وفي إحداهما نصفها، سواء كانت كبيرة أو صغيرة،
ثيبا أو بكرا، مختونة أو غيرها، قرناء أو رتقاء أو سليمة، مفضاة
أو غيرها.
مسألة 2 - لو شلتا بالجناية فالظاهر ثلثا ديتها، ولو قطع ما بهما
الشلل ففيه الثلث.
مسألة 3 - في الركب وهو في المرأة موضع العانة من الرجل الحكومة
مسألة 4 - في إفضاء المرأة ديتها كاملة، وهو أن يجعل مسلكي البول
والحيض واحدا، وكذا لو جعل مسلكي الحيض والغائط واحدا على
الأحوط في هذه الصورة، من غير فرق بين الأجنبي والزوج إلا في صورة
واحدة وهي ما إذا كان ذلك من الزوج بالوطء بعد البلوغ، وأما قبل
البلوغ فعليه ديتها مع مهرها.
مسألة 5 - لو كانت المرأة مكرهة من غير زوجها فلها مهر المثل.
مع الدية، ولو كانت مطاوعة فلها الدية دون المهر، ولو كانت المكرهة
بكرا هل يجب لها أرش البكارة زائدا على المهر والدية؟ فيه تردد.
مسألة 6 - المهر والأرش على القول به في ماله، وكذا الدية.
الثامن عشر: الأليان
مسألة 1 - في الأليين كاملة، وفي كل واحدة منهما نصفها،
وكذا في المرأة ديتها، وفي كل واحدة منهما نصف ديتها، وفي بعض كل
منهما بحساب المساحة.
584

مسألة 2 - الظاهر أن الألية عبارة عن اللحم المرتفع بين الفخذ
والظاهر حتى انتهى إلى العظم، فلو لم يبلغ العظم فالظاهر الحساب بالمساحة،
وإن كان الأحوط الدية في القطع بنحو ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ
وإن لم يصل إلى العظم.
التاسع عشر: الرجلان
مسألة 1 - في الرجلين الدية كاملة، وفي كل منهما نصفها، وحدهما
مفصل الساق.
مسألة 2 - البحث هاهنا كالبحث في اليدين في القطع من مفصل
الركبة أو من أصل الفخذين، وفي كل واحدة منهما، وفي قطع بعض
الساق مع مفصله، وكذا في قطع شخص من مفصل الساق وآخر بعض
الساق، فالكلام فيهما واحد.
مسألة 3 - في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة، وفي كل واحدة
منها عشرها، ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية إلا الابهام
فإنها مقسومة فيها على اثنين.
مسألة 4 - الكلام في الرجل الزائدة كالكلام في اليد الزائدة، وكذا
في الأصابع.
العشرون: الأضلاع
مسألة 1 - عن كتاب ظريف بن ناصح " وفي الأضلاع فيما خالط
القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون دينارا - إلى
585

أن قال -: وفي الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا
كسر " وبمضمونه أفتى الأصحاب، ولا بأس بذلك، لكن لم يظهر المراد
منه، فهل التفصيل بين الجانب الذي يلي القلب والجانب الذي يلي العضد
أو التفصيل بين الضلع الذي يحيط بالقلب وغيره أو التفصيل بين الأضلاع
في جانب الصدر والقدام وغيرها مما يلي العضدين إلى الخلف؟ ويحتمل
التصحيف وكان الأصل " فيما حاط القلب " من حاطه يحوطه: أي حفظه
وحرسه، أو كان الأصل " فيما أحاط بالقلب " فالأقوى في الأضلاع التي
تحيط بالقلب من الجانب الأيسر في كل منها خمسة وعشرون، وأما في
غيرها فالاحتياط بالصلح لا يترك سيما بالنسبة إلى ما يجاور المحيط بالقلب
في جانب الأيمن، وإن كان القول بعدم وجوب الزائد على عشرة دنانير
في غير الضلع المحيط لا يخلو من قرب.
الواحد والعشرون: الترقوة
مسألة 1 - في الترقوتين الدية، وفي كل واحدة منهما إذا كسرت
فجبرت من غير عيب أربعون دينارا.
مسألة 2 - لو كسرت واحدة منهما ولم تبرأ فالظاهر أن فيها نصف
الدية، ولو برأت معيوبا فكذلك على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وقيل
فيهما بالحكومة.
خاتمة وفيها فروع:
الأول - لو كسر بعصوص شخص فلم يملك غائطه ففيه الدية كاملة
586

وهو إما عظم الورك أو العصعص: أي عجب الذنب أو عظيم دقيق حول
الدبر، وإذا ملك غائطه ولم يملك ريحه فالظاهر الحكومة.
الثاني - لو ضرب عجانه فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية كاملة،
والعجان ما بين الخصيتين وحلقة الدبر، ولو ملك أحدهما ولم يملك الآخر
فلا يبعد فيه الدية أيضا ويحتمل الحكومة، والأحوط التصالح، ولو ضرب
غير عجانه فلم يملكها فالظاهر الدية، ولو لم يملك أحدهما فيحتمل الحكومة
والدية، والأحوط التصالح.
الثالث - في كير كل عظم من عضو له مقدر خمس دية ملك
العضو، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته
ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية ذلك العضو إن لم يبرأ، فإن برأ
على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه من العضو بحيث يتعطل
ثلثا دية ذلك العضو، فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه،
كل ذلك على قول مشهور، والأحوط فيها التصالح.
الرابع - من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه حتى يحدث
أو يغرم ثلث الدية، والظاهر أن الحدث بول أو غائط، فلو أحدث بالريح
ففيه الحكومة.
الخامس - من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه
ديتها ومهر مثل نسائها.
المقصد الثاني في الجناية على المنافع
وهي في موارد:
الأول - العقل، وفيه الدية كاملة، وفي نقصانه الأرش، ولا قصاص
587

في ذهابه ولا نقصانه.
مسألة 1 - لا فرق في ذهابه أو نقصانه بين كون السبب فيهما الضرب
على رأسه أو غيره وبين غير ذلك من الأسباب، فلو أفزعه حتى ذهب
عقله فعليه الدية كاملة وكذا لو سحره.
مسألة 2 - لو جنى عليه جناية كما شج رأسه أو قطع يده فذهب
عقله لم تتداخل دية الجنايتين، وفي رواية صحيحة إن كان بضربة واحدة
تداخلتا، لكن أعرض أصحابنا عنها، ومع ذلك فالاحتياط بالتصالح حسن.
مسألة 3 - لو ذهب العقل بالجناية ودفع الدية ثم عاد العقل ففي
ارتجاع الدية تأمل، وإن كان الارتجاع والرجوع ودفع الدية ثم عاد العقل ففي
ارتجاع الدية تأمل، وإن كان الارتجاع والرجوع إلى الحكومة أشبه.
مسألة 4 - لو اختلف الجاني وولي المجني عليه في ذهاب العقل أو
نقصانه فالمرجع أهل الخبرة من الأطباء، ويعتبر التعدد والعدالة على الأحوط
ويمكن اختباره في حال خلواته وغفلته، فإن ثبت اختلاله فهو، وإن
لم يتضح لا من أهل الخبرة لاختلافهم مثلا ولا من الاختبار فالقول قول
الجاني من اليمين.
الثاني - السمع، وفي ذهابه من الأذنين جميعا الدية، وفي سمع
كل
أذن نصف الدية.
مسألة 1 - لا فرق في ثبوت النصف بين كون إحدى الأذنين أحد
من الأخرى أم لا، ولو ذهب سمع إحداهما بسبب من الله تعالى أو بجناية
أو مرض أو غيرها ففي الأخرى النصف.
مسألة 2 - لو عدم عدم عود السمع أو شهد أهل الخبرة بذلك استقر
الدية، وإن أمل أهل الخبرة العود بعد مدة متعارفة يتوقع انقضاؤها فإن
لم يعد استقرت، ولو عاد قبل أخذ الدية فالأرش، وإن عاد بعده فالأقوى
أنه لا يرتجع، ولو مات قبل أخذها فالأقرب الدية.
588

مسألة 3 - لو قطع الأذنين وذهب السمع به فعليه الديتان، ولو جنى
عليه بجناية أخرى فذهب سمعه فعليه دية الجناية والسمع، ولو قطع إحدى
الأذنين فذهب السمع كله من الأذنين فدية ونصف.
مسألة 4 - لو شهد أهل الخبرة بعدم فساد القوة السامعة لكن وقع
في الطريق نقص حججها عن السماع فالظاهر ثبوت الدية لا الحكومة، وإن
ذهب بسمع الصبي فتعطل نطقه فالظاهر بالنسبة إلى تعطل النطق الحكومة
مضافا إلى الدية.
مسألة 5 - لو أنكر الجاني ذهاب سمع المجني عليه أو قال لا أعلم
صدقه اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي وصيح به بعد
استغفاله، فإن تحقق ما ادعاه أعطي الدية، ويمكن الرجوع إلى الحذاق
والمتخصصين في السمع مع الثقة بهم، والأحوط التعدد والعدالة، وإن
لم يظهر الحال أحلف القسامة للوث وحكم له.
مسألة 6 - لو ادعى نقص سمع إحداهما قيس إلى الأخرى، وتلزم
الدية بحساب التفاوت، وطريق المقايسة أن تسد الناقصة سدا شديدا وتطلق
الصحيحة ويضرب له بالجرس مثلا حيال وجهه ويقال له: سمع فإذا خفي
الصوت عليه علم مكانه ثم يضرب به من خلفه حتى يخفى عليه فيعلم مكانه،
فإن تساوى المسافتان فهو صادق وإلا كاذب، والأحوط الأولى تكرار
العمل في اليمين واليسار أيضا، ثم تسد الصحيحة سدا جيدا وتطلق الناقصة
فيضرب بالجرس من قدامه ثم يعلم حيث يخفى الصوت يصنع بها كما صنع
بأذنه الصحيحة أولا، ثم يقاس بين الصحيحة والمعتلة فيعطى الأرش
بحسابه ولا بد في ذلك من توخى سكون الهواء ولا يقاس مع هبوب الرياح،
وكذا يقاس في المواضع المعتدلة.
الثالث - البصر، وفي ذهاب الابصار من العينين الدية كاملة،
589

ومن إحداهما نصفها.
مسألة 1 - لا فرق بين أفراد العين المختلفة حديدها وغيره حتى الحولاء
والعشواء والذي في عينه بياض لا يمنعه عن الابصار والعمشاء بعد كونها
باصرة.
مسألة 2 - لو قلع الحدقة فليس عليه إلا دية واحدة ويكون الابصار
تبعا لها، ولو جنى عليه بغير ذلك كما لو شج رأسه فذهب إبصاره عليه
دية الجناية مع دية الابصار.
مسألة 3 - لو قامت العين بحالها وادعى المجني عليه ذهاب البصر
وأنكر الجاني فالمرجع أهل الخبرة، فإن شهد شاهدان عدلان من أهلها أو
رجل وامرأتان ثبت الدية، فإن قالا لا يرجى عوده استقرت، ولو قالا
يرجى العود من غير تعيين تؤخذ الدية، وإن قالا بعد مدة معينة
متعارفة فانقضت ولم يعد استقرت.
مسألة 4 - لو مات قبل مضي المدة التي أجلت استقرت الدية،
وكذا لو قلع آخر عينه، نعم لو ثبت عوده فقلعت فالظاهر الأرش، كما
أنه لو عاد قبل استيفاء الدية عليه الأرش، وأما بعده فالظاهر عدم الارتجاع.
مسألة 5 - لو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه.
مسألة 6 - لو ادعى ذهاب بصره وعينه قائمة ولم يكن بينة من
أهل الخبرة أحلفه الحاكم القسامة وقضى له.
مسألة 7 - لو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى وأخذت
الدية بالنسبة بعد القسامة استظهار، ولو ادعى نقصانهما قيستا إلى من هو
من أبناء سنه، وألزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالأيمان إلا مع العلم
بالصحة، فيسقط الاستظهار.
مسألة 8 - طريق المقايسة هاهنا كما في السعم، فتشد عينه الصحيحة
590

ويأخذ رجل بيضة مثلا ويبعد حتى يقول المجني عليه ما أبصرها فيعلم عنده
ثم يعتبر في جهة أخرى أو الجهات الأربع فإن تساوت صدق، وإلا كذب،
وفي فرض الصدق تشد المصابة وتطلق الصحيحة فتعتبر بالجهتين أو الجهات
ويؤخذ من الدية بنسبة النقصان، وهذه المقايسة جارية في إصابة العينين
ودعوى نقصانهما، لكن تعتبر مع العين الصحيحة من أبناء سنه.
مسألة 9 - لا بد في المقايسة من ملاحظة الجهات من حيث كثرة
النور وقلته والأراضي من حيث الارتفاع ولا انخفاض، فلا تقاس مع ما يمنع
عن المعرفة، ولا تقاس في يوم غيم.
الرابع - الشم، وفي إذهابه عن المنخرين الدية كاملة، وعن المنخر
الواحد نصفها على إشكال في الثاني، فلا يترك الاحتياط بالتصالح.
مسألة 1 - لو ادعى ذهابه وأنكر الجاني امتحن بالروائح الحادة
والمحرقة في حال غفلته، وفان تحقق الصدق تؤخذ الدية، وإلا فليستظهر
عليه بالقسامة ويقضى له، وإن أمكن الاستكشاف في زماننا بالوسائل
الحديثة يرجع إلى أهل الخبرة مع اعتبار التعدد والعدالة احتياطا، فمع قيام
البينة يعمل بها.
مسألة 2 - لو ادعى نقص الشم فإن أمكن إثباته بالآلات الحديثة
وشهادة العدلين من أهل الخبرة فهو، وإلا فلا يبعد الاستظهار بالأيمان،
ويقضي بما يراه الحاكم من الحكومة أو الأرش.
مسألة 3 - لو أمكن إثبات مقدار النقص بالامتحان والمقايسة بشامة
أبناء سنه كما في البصر والسمع لا يبعد القول به.
مسألة 4 - لو عاد الشم قبل أداء الدية فالحكومة، ولو عاد بعده
ففيه إشكال لا بد من التخلص بالتصالح، ولو مات قبل انقضاء المدة
ولم يعد فالدية ثابتة.
591

مسألة 5 - لو قطع الأنف فذهب الشم فديتان، وكذا لو جنى عليه
جناية ذهب بها الشم فعليه مع دية ذهابه دية الجناية، ولو لم يكن لها دية
مقدرة فالحكومة.
الخامس - الذوق، قيل: فيه الدية، وهو وإن لم يكن ببعيد لكن
الأقرب فيه الحكومة.
مسألة 1 - لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع شاهدين
عدلين من أهل الخبرة، وإلا فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول
قول الجاني، ومع حصوله يستظهر بالأيمان.
مسألة 2 - لو أمكن التشخيص بالوسائل الحديثة يرجع إلى شاهدين
عدلين من أهل الخبرة، وإلا فإن اختلفا ولا أمارة توجب اللوث فالقول
قول الجاني، ومع حصوله يستظهر بالأيمان.
مسألة 3 - لو قطع لسانه فليس إلا الدية للسان، والذوق بيع،
ولو جنى عليه جناية عليه أخرى ذهب بذوقه ففي الذوق ما عرفت وفي الجناية
ديتها، ولو لم يكن دية مقدرة فالحكومة.
مسألة 4 - لو جنى على مغرس لحيته فلم يستطع المضغ فالحكومة،
وقيل بالدية.
مسألة 5 - لو عاد الذوق تستعاد الدية، والأحوط التصالح.
السادس - قيل: لو أصيب بجناية فتعذر عليه الانزال ففيه الدية،
وكذا لو تعذر عليه الاحبال، وكذا لو تعذر عليه الالتذاذ بالجماع، وفي
الجميع إشكال، والأقرب الحكومة، نعم لا يترك الاحتياط في انقطاع
الجماع أي تكون الجناية سببا لانقطاع أصل الجماع وعدم نشر الآلة.
السابع - في سلس البول الدية كاملة إن كان كان دائما على الأقوى،
والأحوط ذلك إن دام تمام اليوم، كما أن الأحوط فيما كان إلى نصف
النهار ثلثا الدية وإلى ارتفاعه ثلثها، وفي سائر أجزاء الزمان الحكومة،
592

والمراد من الدوام أو تمام اليوم أو بعضه هو كونه كذلك في جميع الأيام،
وإن صار كذلك في بعض الأيام وبرأ ففيه الحكومة.
الثامن - في ذهاب الصوت كله الدية كاملة، وإذا ورد نقص
على الصت كما غن أو بح فالظاهر الحكومة، والمراد بذهاب الصوت
أن لا يقدر صاحبه على الجهر، ولا ينافي قدرته على الاخفات.
مسألة 1 - لو جنى عليه فذهب صوته كله ونطقه كله فعليه الديتان.
مسألة 2 - لو ذهب صوته بالنسبة إلى بعض الحروف وبقي بالنسبة
إلى بعض يحتمل فيه الحكومة، ويحتمل التوزيع كما مر في أصل التكلم،
والأحوط التصالح.
مسألة 3 - في ذهاب المنافع التي لم يقدر لها دية الحكومة، كالنوم
واللمس وحصول الخوف والرعشة والعطش والجوع والقشوة وحصول
الأمراض على أصنافها.
مسألة 4 - الأرش والحكومة التي بمعناه إنما يكون في موارد لو قيس
المعيب بالصحيح يكون نقص في القيمة، فمقدار التفاوت هو الأرش
والحكومة التي بمعناه، وأما لو فرض في مورد لا توجب الجناية نقصا
بهذا المعنى ولا تقدير له في الشرع كما لو قطع إصبعه الزائدة أو جنى عليه
ونقص شمنه ولم يكن في التقويم بين مورد الجناية وغيره فرق فلا بد
من الحكومة بمعنى آخر، وهي حكومة القاضي بما يحسم مادة النزاع إما بالأمر
بالتصالح أو تقديره على حسب المصاع أو تعزيره.
المقصد الثالث في الشجاج والجراح
الشجاج بكسر الشين جمع الشجة بفتحها، وهي الجراح المختصة
593

بالرأس وقيل تطلق على جراح الوجه أيضا، ولا ثمرة بعد وحده حكم
الرأس والوه، ووشجاج أقسام.
الأول - الحارثة بالمهملات المعبر عنها في النص بالحرصة، وهي
التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء، وفيها بعير، والأقوى أنها
غير الدامية موضوعا وحكما، والرجل والمرأة سواء فيها وفي أخواتها،
وكذا الصغير والكبير.
الثاني - الدامية، وهي التي تدخل في اللحم يسيرا ويخرج معه الدم،
قليلا كان أم كثيرا بعد كون الدخول في اللحم يسيرا، وفيها بعيران.
الثالث - المتلاحمة، وهي التي تدخل في اللحم كثيرا لكن لم تبلغ المرتبة
المتأخرة، وهي السمحاق، وفيها ثلاثة أبعرة والباضعة هي المتلاحمة.
الرابع - السمحاق، وهي التي تقطع اللحم وتبلغ الجدة الرقيقة
المغشية للعظم، وفيها أربعة أبعرة.
الخامس - الموضحة، وهي التي تكشف عن وضح العظم: أي
بياضه وفيها خمسة أبعرة.
السادس - الهاشمة، وهي التي تهشم العظم وتكسره، والحكم مخصوص
بالكسر وإن لم يكن جرح، وفيها عشرة أبعرة، والأحوط في اعتبار.
الأسنان هاهنا أرباعا في الخطأ وأثلاثا في شبيه العمد، وقد مر اختلاف
الروايات في دية الخطأ وشبيه العمد، واحتملنا التخيير وقلنا بالاحتياط،
فلو قلنا في دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون
بتن لبون وثلاثون حقة فالأحوط هاهنا بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات
لبون وثلاث حقق، ولا بد من الأخذ بهذا الفرض دون الفروض الآخر،
والأحوط في شبيه العمد أربع خلفة ثنية وثلاث حقق وثلاث بنات لبون.
السابع - المنقلة، وهي - على تفسير جماعة - التي تحوج إلى نقل العظام
594

من موضع إلى غيره، وفيها خمسة عشر بعيرا.
الثامن - المأمومة، وهي التي تبلغ أم الرأس أي الخريطة التي تجمع
الدماغ، وفيها ثلث الدية حتى في الإبل على الأحوط، وإن كان الأقوى
الاكتفاء في الإبل بثلاثة وثلاثين بعيرا.
هنا مسائل
مسألة 1 - الدامغة، وهي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ
وتصل إلى الدماغ، فالسلامة معها بعيدة، وعلى تقديرها تزيد على المأمومة
بالحكومة.
مسألة 2 - الجائفة، وهي التي تصل إلى الجوف من أي جهة سواء
كانت بطنا أو صدرا أو ظهرا أو جنبا، فيها الثلث على الأحوط، وقيل
تختص الجائفة بالرأس، فهي من الشجاج، والأظهر خلافه، ولو أجافه
واحد وأدخل آخر سكينه مثلا في الجرح ولم يزد شيئا فعلى الثاني التعزير
حسب، وإن وسعها باطنا أو ظاهرا ففيه الحكومة، وإن وسعها فيهما
بحيث يحدث جائفة فعليه الثلث دية الجائفة، ولو طعنه من جانب وأخرج
من جانب آخر كما طعن في صدره فخرج من ظهره فالأحوط التعدد،
ولا فرق في الجائفة بين الآلات حتى نحو الإبرة الطويلة فضلا عن البندقة.
مسألة 3 - لو نفذت نافدة في شئ من أطراف الرجل كرجله أو
يده ففيها مأة دينار، ويختص الحكم ظاهرا بما كانت ديته أكثر من مأة
دينار، وأما المرأة فالظاهر أن في النافذة في أطرافها الحكومة.
مسألة 4 - في الجناية بلطم ونحوه إذا اسود الوجه بها من غير جرح
ولا كسر أرشها ستة دنانير، وإن اخضر ولم يسود ثلاثة دنانير، وإن
595

احمر دينار ونصف، وفي البدن النصف، ففي اسوداده ثلاثة دنانير وفي
اخضراره دينار ونصف، وفي احمراره ثلاثة أرباع الدينار، ولا فرق في
ذلك بين الرجل والأنثى والصغير والكبير، ولا بين أجزاء البدن كانت لها
دية مقررة أولا، ولا في استيعاب اللون تمام الوجه وعدمه، ولا في بقاء
الأثر مدة وعدمه، نعم إذا كان اللطم في الرأس فالظاهر الحكومة، وإن
أحدث الجناية تورما من غير تغيير لون فالحكومة، ولو أحدثهما فالظاهر
التقدير والحكومة.
مسألة 5 - كل عضو ديته مقدرة ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين
والرجلين، وفي قطعه بعد الشلل ثلث ديته.
مسألة 6 - دية الشجاج في الرأس والوجه سواء كما مر، والمشهور
أن دية شبيهها من الجراح في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه الجراحة
من دية الرأس أي النفس إن كان للعضو دية مقدرة، ففي حارصة اليد
نصف بعير أو خمسة دنانير، وفي حارصة إحدى أنملتي الابهام نصف عشر
بعير أو نصف دينار وهكذا، وإن لم يكن له دية مقدرة فالحكومة.
مسألة 7 - المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراحات حتى
تبلغ ثلث دية الرجل ثم تصير على النصف، سواء كان الجاني رجلا أو
امرأة على الأقوى، ففي قطع الإصبع منها مأة دينار، وفي الاثنتين مأتان،
وفي الثلاث ثلاثمأة، وفي الأربع مأتان، ويقتص من الرجل للمرأة وبالعكس
في الأعضاء والجراح من غير رد حتى تبلغ الثلث، ثم يقتص مع الرد
لو جنت هي عليه لا هو عليها.
مسألة 8 - كل ما فيه دية من أعضاء الرجل كاليدين والرجلين والمنافع
والجراح ففيه من المرأة ديتها، وكذا من الذمي ديته، ومن الذمية ديتها.
مسألة 9 - كل موضع يقال فيه بالأرش أو الحكومة فهما واحد،
596

والمراد أنه يقوم المجروح صحيحا إن كان مملوكا تارة ويقوم مع الجناية أخرى
وينسب إلى القيمة الأولى، ويعرف التفاوت بينهما ويؤخذ من دية النفس
بحسابه، وقد قلنا: إنه لو لم يكن تفاوت بحسب القيمة أو كان مع الجناية
أزيد كما لو قطع إصبعه الزائدة التي هي نقص وبقطعها تزيد القيمة فلا بد
من الحومة بمعنى آخر، وهو حكم القاضي بالتصالح، ومع عدمه بما يراه
من التعزير وغيره حسما للنزاع.
مسألة 10 - من لا ولي له فالحاكم وليه في هذا الزمان، فلو قتل
خطأ أو شبيه عمد فله استيفاؤه، فهل له العفو؟ وجهان، الأحوط عدمه.
القول في اللواحق
وهي أمور: الأول في الجنين
الجنين إذا ولج فيه الروح ففيه الدية كاملة ألف دينار إذا كان بحكم
المسلم الحر وكان ذكرا، وفي الأنثى نصفها، وإذا اكتسى اللحم وتمت
خلقته ففيه مأة دينار ذكرا كان الجنين أو أنثى، ولو لم يكتس اللحم وهو
عظم ففيه ثمانون دينارا، وفي المضغة ستون، وفي العلقة أربعون، وفي
النطفة إذا استقرت في الرحم عشرون، من غير فرق في جميع ذلك بين
الذكر والأنثى.
مسألة 1 - لو كان الجنين ذميا فهل ديته عشر دية أبيه أو عشر دية
أهم؟ فيه تردد، وإن كان الأول أقرب.
597

مسألة 2 - لا كفارة على الجاني في الجنين قبل ولوج الروح،
ولا تجب الدية كاملة ولا الكفارة إلا بعد العلم بالحياة ولو بشهادة عادلين
من أهل الخبرة، ولا اعتبار بالحركة إلا إذا علم أنها اختيارية، ومع العلم
بالحياة تجب مع مباشرة الجناية.
مسألة 3 - الأقوى أنه ليس بين كل مرتبة مما تقدم ذكره والمرتبة
التي بعدها شئ، فما قيل بينهما شئ بحساب ذلك غير مرضي.
مسألة 4 - لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها فديد المرأة كاملة
ودية أخرى لموت ولدها، فإن علم أنه ذكر فديته، أو الأنثى فديتها،
ولو اشتبه فنصف الديتين.
مسألة 5 - لو ألقت المرأة حملها فعليها دية ما ألقته، ولا نصيب لها
من هذه الدية.
مسألة 6 - لو تعدد الولد تعددت الدية، فلو كان ذكرا وأنثى
فدية ذكر وأنثى وهكذا، وفي المراتب المتقدمة كل مورد أحرز التعدد
دية المرتبة متعددة.
مسألة 7 - دية أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديته أي من حساب
المأة، ففي يده خمسون دينارا، وفي يديه مأة، وفي الجراحات والشجاع
على النسبة، هذا فيما لم تلجه الروح، وإلا فكغيره، من الأحياء.
مسألة 8 - من أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير ضياع
النطفة.
مسألة 9 - لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ
نشوء إنسان فإن حصل بسقوطه نقص ففيه الحكومة، ولو وردت على أمها
جناية فديتها.
مسألة 10 - دية الجنين إن كان عمدا أو شبهه في مال الجاني، وإن
598

كان خطأ فعلى العاقلة إذا ولج فيه الروح، وفي غيره تأمل وإن كان
الأقرب أنها على العاقلة.
مسألة 11 - في قطع رأس الميت المسلم الحر مأة دينار، وفي قطع
جوارحه بحساب ديته، وبهذه النسبة في سائر الجنايات عليه، ففي قطع
يده خمسون دينارا، وفي قطع يديه مأة، وفي قطع إصبعه عشرة دنانير،
وكذا الحال في جراحه وشجاجه، وهذه الدية ليست لورثته بل للميت.
الثاني من اللواحق في العاقلة
والكلام فيها في أمرين: الأول - تعيين المحل، وهو العصبة ثم المعتق
ثم ضامن الجريرة ثم الإمام عليه السلام، وضابط العصبة من تقرب بالأبوين
أو الأب كالإخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة وأولادهم كذلك.
مسألة 1 - في دخول الآباء وإن علو والأبناء وإن نزلوا في العصبة
خلاف، والأقوى دخولهما فيها.
مسألة 2 - لا تعقل المرأة بلا إشكال، ولا الصبي ولا المجنون على
الظاهر وإن ورثوا من الدية، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة،
ولا أهل البلد إن لم يكونوا عصبة، ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان
ويعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضي إذا كانوا عصبة.
مسألة 3 - هل يتحمل الفقير حال المطالبة - وهو حول الحول -
شيئا أم لا؟ فيه تأمل وإن كان الأقرب بالاعتبار عدم تحمله.
مسألة 4 - تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد، والأقوى عدم
599

تحملها ما نقص عنها.
مسألة 5 - تضمن العاقلة دية الخطأ، وقد مر أنها تستأدى في ثلاث
سنين كل سنة عند انسلاخها ثلثا، من غير فرق بين دية الرجل والمرأة،
والأقرب أن حكم التوزيع إلى ثلاث سنين جار في مطلق دية الخطأ من
النفوس وجنايات أخر.
مسألة 6 - لا رجوع للعاقلة بما تؤديه على الجاني كما مر، والقول
بالرجوع ضعيف.
مسألة 7 - لا تعقل العاقلة ما يثبت بالاقرار بل لا يبعد من ثبوته
بالبينة فلو ثبت أصل القتل بالبينة وادعى القاتل الخطأ وأنكرت
العاقلة
فالقول قولها بيمين، فمع عدم ثبوت الخطأ بالبينة ففي مال الجاني.
مسألة 8 - لا يعقل العاقلة العمد وشبهه كما مر، ولا ما صولح به
في العمد، وشبهه، ولا سائر الجنايات كالهاشمة والمأمومة إذا وقعت عن عمد
أو شبهه.
مسألة 9 - لو جنى شخص على نفسه خطأ قتلا أو ما دونه كان
هدرا ولا تضمنه العاقلة.
مسألة 10 - ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة
وإنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام
المسلمين إذا أدوا إليه الجزية.
مسألة 11 - لا يعقل إلا من علم كيفية انتسابه إلى القاتل، وثبت
كونه من العصبة، فلا يكفي كونه من قبيلة فلان حتى يعلم أنه عصبته،
ولو ثبت كونه عصبة بالبينة الشرعية لا يسمع إنكار الطرف.
مسألة 12 - لو قتل الأب ولده عمدا أو شبه عمد فالدية عليه،
ولا نصيب له منها، ولو لم يكن له وارث غيره فالدية للإمام عليه السلام،
600

ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة يرثها الوارث، وفي توريث الأب هنا
قولان أقربهما عدمه، فلو لم يكن له وارث غيره يرث الإمام عليه السلام.
مسألة 13 - عمد الصبي والمجنون في حكم الخطأ، فالدية فيه على
العاقلة.
مسألة 14 - لا يضمن العاقلة جناية بهيمة لو جنت بتفريط من المالك
أو بغيره، ولا تضمن إتلاف مال، فلو أتلف مال الغير خطأ أو أتلفه
صغير أو مجنون فلا تضمنه العاقلة، فضمانها مخصوص بالجناية من الآدمي
على الآدمي على نحو ما تقدم، ثم إنه لا ثمرة مهمة في سائر المحال:
أي المعتق وضامن الجريرة والإمام عليه السلام.
الثني - في كيفية التقسيط، وفيها أقوال: منها - على الغني عشرة
قراريط: أي نصف الدينار، وعلى الفقير خمسة قراريط، ومنها، يقسطها
الإمام عليه السلام أو نائبه على ما يراه بحسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف
على أحد منهم، ومنها - أن الفقير والغني سواء في ذلك، فهي عليهما
والأخير أشبه بالقواعد بناء على تحمل الفقير.
مسألة 1 - هل في التوزيع ترتيب حسب ترتيب الإرث فيؤخذ من
الأقرب فالأقرب على حسب طبقات الإرث، فيؤخذ من الآباء والأولاد
ثم الأجداد والإخوة من الأب وأولادهم وإن نزلوا، ثم الأعمام وأولادهم
وإن نزلوا، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات، أو يجمع بين القريب
والبعيد في العقل فيوزع على الأب والابن والجد والإخوة وأولادهم وهكذا
من الموجودين حال الجناية؟ وجهان لا يبعد أن يكون الأول أوجه.
مسألة 2 - هل التوزيع في الطبقات تابع لكيفية الإرث فلو كان
الوارث في الطبقة الأولى مثلا منحصرا بأب وابن يؤخذ من الأب سدس
الدية ومن الابن خمسة أسداس أو يؤخذ منهما على السواء؟ وجهان،
601

ولو كان أخد الوارث ممنوعا من الإرث فهل يؤخذ نمه العقل أم لا؟ وجهان.
مسألة 3 - لو لم يكن في طبقات الإرث أحد ولم يكن ولاء العتق
وضمان الجريرة فالعقل على الإمام عليه السلام من بيت المال، ولو كان
ولم يكن له مال فكذلك، ولو كان له مال ولا يمكن الأخذ منه فهل
هو كذلك؟ فيه تردد.
مسألة 4 - لو كان في إحدى الطبقات وارث وإن كان واحد
لا يؤخذ من الإمام عليه السلام العقل، بل يؤخذ من الوارث.
مسألة 5 - ابتداء زمان التأجيل في دية القتل خطأ من حين الموت
وفي الجناية على الأطراف من حين وقوع الجناية، وفي السراية من حين
انتهاء السراية على الأشبه، ويحتمل أن يكون من حين الاندمال، ولا يقف
ضرب الأجل إلى حكم الحاكم.
مسألة 6 - بعد حلول الحول يطالب الدية ممن تعلقت به، ولو مات
بعد حلوله لم يسقط ما لزمه، وثبت في تركته، ولو مات في أثناء الحول
ففي تعلقه بتركه كمن مات بعد حلوله أو سقوطه عنه وتعلقه بغيره إشكال
وتردد.
مسألة 7 - لو لم تكن له عاقلة غير الإمام عليه السلام أو عجزت
عن الدية تؤخذ من الإمام عليه السلام دون القاتل، وقيل تؤخذ من
القتل ولو لم يكن له مال تؤخذ من الإمام عليه السلام، والأول أظهر.
مسألة 8 - قد مر أن دية العمد وشبه العمد في مال الجاني، لكن
لو هرب فلم يقدر عليه أخذت من ماله إن كان له مال، وإلا فمن
الأقرب إليه فالأقرب، فإن لم تكن له قرابة أداها الإمام عليه السلام،
ولا يبطل دم امرئ مسلم.
602

الثالث من اللواحق في الجناية على الحيوان
وهي باعتبار المجني عليه ثلاثة أقسام:
الأول - ما يؤكل في العادة كالأنعام الثلاثة وغيرها، فمن أتلف منها
شيئا بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيا وذكيا، ولو لم يكن بينهما
تفاوت فلا شئ عليه وإن كان آثما، ولو أتلفه من غير تذكية لزمه قيمة
يوم إتلافه، والأحوط أعلى قيمتي يوم التلف والأداء، ولو بقي فيه ما ينتفع
به كالصوف والوبر وغيرهما مما ينتفع به من الميتة فهو للمالك، ويوضع من
قيمة التالف التي يغرمها.
مسألة 1 - ليس للمالك دفع المذبوح لو ذبح مذكاة ومطالبة المثل أو
القيمة، بل له ما به التفاوت.
مسألة 2 - لو فرض أنه بالذبح خرج عن القيمة فهو مضمون
كالتالف بلا تذكية.
مسألة 3 - لو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئا من عظامه مع
استقرار حياته فللمالك الأرش، ومع عدم الاستقرار فضمان الاتلاف،
لكن الأحوط فيما إذا فقئت عين ذات القوائم الأربع أكثر الأمرين من
الأرش وربع ثمنها يوم فقئت عين ذات القوائم الأربع أكثر الأمرين من
الأرش وربع ثمنها يوم فقئت، كما أن الأحوط في إلقاء جنين البهيمة أكثر
الأمرين من الأرش وعشر ثمن البهيمة يوم ألقت.
الثاني - ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية كالسباع، فإن أتلفه
بالذكاة ضمن الأرش، وكذا لو قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار
حياته، وإن أتلفه بغير ذكاة ضمن قيمته حيا يوم إتلافه، والأحوط أكثر
الأمرين من القيمة يوم إتلافه ويوم أدائها، ويستثنى من القيمة ما ينتفع
603

به من الميتة كعظم الفيل.
مسألة 4 - إن كان المتلف ما يحل أكله لكن لا يؤكل عادة كالخيل
والبغال والحمير الأهلية كان حكمه كغير المأكول، لكن الأحوط في فق ء
عينها ما ذكرنا في المسألة الثالثة.
مسألة 5 - فيما لا يؤكل عادة لو أتلفه بالتذكية لا يعتبر لحمه مما ينتفع به
فلا يستثنى من الغرامة، نعم لو فرض أن له قيمة كسنة المجاعة
تستثنى منها.
الثالث - ما لا يقع عليه الذكاة، ففي كلب الصيد أربعون درهما،
والظاهر عدم الفرق بين السلوقي وغيره، ولا بين كونه معلما وغيره، وفي
كلب الغنم عشرون درهما، وفي رواية كبش، والأحوط الأخذ بأكثرهما،
والأحوط في كلب الحائط عشرون درهما، وفي كلب الزرع قفيز من بر
عند المشهور على ما حكي، وفي رواية جريب من بر، وهو أحوط،
ولا يملك المسلم من الكلاب غير ذلك، فلا ضمان باتلافه.
مسألة 6 - كل ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير لا ضمان فيه
لو أتلفه وما لم يدل دليل على عدم قابليته للملك يتملك لو كان له منفعة
عقلائية، وفي إتلافه ضمان الاتلاف كما في سائر الأموال.
مسألة 7 - ما يملكه الذمي كالخنزير مضمون بقيمته عند مستحليه،
وفي الجناية على أطرافه الأرش.
فروع
الأول - لو أتلف على الذمي خمرا أو آلة من اللهو ونحوه مما يملكه
الذمي في مذهبه ضمنها المتلف ولو كان مسلما، ولكن يشترط في الضمان
604

قيام الذمي بشرائط الذمة، ومنه الاستتار في نحوها، فلو أظهرها ونقض
شرائط الذمة فلا احترام لها، ولو كان شئ من ذلك لمسلم لا يضمنه الجاني
متجاهرا كان أو مستترا.
مسألة 1 - الخمر التي تتخذ للخل محترمة لا يجوز إهراقها، ويضمن
لو أتلفها، وكذا مواد آلات والقمار محترمة، وإنما هيئتها غير محترمة
ولا مضمونة إلا أن يكون إبطال الهيئة ملازما لاتلاف المادة، فلا ضمان
حينئذ.
مسألة 2 - قارورة الخمر وكذا سائر ما فيه الخمر محترمة، ففي
كسرها وإتلافها الضمان، وكذا محال آلات اللهو ومحفظتها.
الثاني - إذا جنت الماشية على الزرع في الليل ضمن صاحبها،
ولو كان نهارا لم يضمن، هذا إذا جنت الماشية بطبعها، وأما لو أرسلها
صاحبها نهارا إلى الزرع فهو ضامن، كما أن الضمان بالليل ثابت في غير
مورد جرى الأمر على خلاف العادة مثل أن تخرب حيطان الربض بزلزلة
وخرجت الماشية أو أخرجها السارق فجنت، فالظاهر في الأمثال والنظائر
لا ضمان على صاحبها.
الثالث - دية الكلاب بما عرفت دية مقدرة شرعية، لا أنها قيم
في زمان التقدير، فحينئذ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر
أو أقل.
مسألة 3 - لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه
إلا الدية المقدرة، واحتمال أن عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقية
غير وجيه، وأما لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقية
لا الدية المقدرة على إشكال، كما أنه لو ورد عليها نقص وعيب فالأرش
على الغاصب.
605

مسألة 4 - لو جنى على كلب له دية مقدرة فالظاهر الضمان، لكن
تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية، فيؤخذ بالنسبة
من الدية، فلو فرض أن قيمته سليما مأة دينار ومعيبا عشرة دنانير يؤخذ
عشر ما هو المقدر.
الرابع من اللواحق في كفارة القتل
مسألة 1 - تجب كفارة الجمع في قتل المؤمن عمدا وظلما، وهي
عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
مسألة 2 - تجب الكفارة المرتبة في قتل الخطأ المحض وقتل الخطأ
شبه العمد، وهي العق، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز
فاطعام ستين مسكينا.
مسألة 3 - إنما تجب الكفارة إذا كان القتل بالمباشرة بحيث ينسب
إليه بلا تأول، لا بالتسبيب كما لو طرح حجرا أو حفر بئرا أو أوتد
وتدا في طريق المسلمين فعثر عاثر فهلك، فإن فيه الضمان كما مر، وليس فيه
الكفارة.
مسألة 4 - تجب الكفارة بقتل المسلم ذكرا كان أو أنثى، صبيا
أو مجنونا محكومين بالاسلام، بل بقتل الجنين إذا ولجته الروح.
مسألة 5 - لا تجب الكفارة بقتل الكافر، حربيا كان أو ذميا أو
معاهدا، عن عمد كان أو لا.
مسألة 6 - لو اشترك جماعة في قتل واحد عمدا أو خطأ فعلى كل
واحد منهم كفارة.
606

مسألة 7 - لو أمر شخص بقتله فقتله فعلى القاتل الكفارة،
ولو أدى العامد الدية أو صالح بأقل أو أكثر أو عفي عنها لم تسقط الكفارة.
مسألة 8 - لو سلم نفسه فقتل قودا فهل تجب في ماله الكفارة؟
وجهان، أوجههما العدم.
وذد ذكرنا في كتاب الكفارات ما يتعلق بالمقام.
607

البحث حول المسائل المستحدثة
منها التأمين
مسألة 1 - التأمين عقد واقع بين المؤمن والمستأمن (المؤمن له)
بأن يلتزم المؤمن جبر خسارة كذائية إذا ورد على المستأمن في مقابل أن
يدفع المؤمن له مبلغا أو يتعهد بدفع مبلغ يتفق عليه الطرفان.
مسألة 2 - يحتاج هذا العقد كسائر العقود إلى إيجاب وقبول،
ويمكن أن يكون الموجب المؤمن والقابل المستأمن، بأن يقول المؤمن:
علي جبر خسارة كذائية في مقابل كذا أو أنا ملتزم بجبر خسارة كذائية
في مقابل كذا فيقبل المستأمن، وبالعكس بأن يقول المستأمن: علي أداء
كذا في مقابل جبر خسارة على كذا فيقبل المؤمن، أو في مقابل عهدتك
جبرها، ويقع بكل لفظ
مسألة 3 - يشترط في الموجب والقابل كل ما يشترط فيهما في سائر
العقود كالبلوغ والعقل وعدم الحجر والاختيار والقصد، فلا يصح من
608

الصغير والمجنون والمحجور عليه والمكره والهازل ونحوه.
مسألة 4 - يشترط في التأمين مضافا إلى ما تقدم أمور:
الأول - تعيين المؤمن عليه من شخص أو مال أو مرض ونحوه ذلك.
الثاني - تعيين طرفي العقد من كونهما شخصا أو شركة أو دولة مثلا.
الثالث - تعيين المبلغ الذي يدفع المؤمن له إلى المؤمن.
الرابع - تعيين الخطر الموجب للخسارة كالحرق والغرق والسرقة
والمرض والوفاة ونحو ذلك.
الخامس - تعيين الأقساط التي يدفعها المؤمن له لو كان الدفع
أقساطا، وكذا تعيين أزمانها.
السادس - تعيين زمان التأمين ابتداء وانتهاء، وأما تعيين مبلغ
التأمين بأن يعين ألف دينار مثلا فغير لازم، فلو عين المؤمن عليه والتزم
المؤمن بأن كل خسارة وردت عليه فعلي أو أنا ملتزم بدفعها كفى.
مسألة 5 - الظاهر صحة التأمين مع الشرائط المتقدمة من غير فرق
بين أنواعه من التأمين على الحياة أو على السيارات والطائرات والسفن
ونحوها، أو على المنقولات برا وجوا وبحرا، بل على عمال شركة أو دولة
أو على أهل بيت أو قرية أو على نفس القرية أو البلد أو أهملهما، وكان
المستأمن حينئذ الشركاء أو رئيس الشركة أو الدولة أو صاحب البيت
أو القرية، بل للدول أن يستأمنوا أهل بلد أو قطر أو مملكة.
مسألة 6 - الظاهر أن التأمين عقد مستقل، وما هو الرائح ليس
صلحا ولا هبة معوضة بلا شبهة، ويحتمل أن يكون ضمانا بعوض،
والأظهر أنه مستقل ليس من باب ضمان العهدة، بل من باب الالتزام
بجبران الخسارة وإن أمكن الايقاع بنحو الصلح والهبة المعوضة والضمان
المعوض، ويصح على جميع التقادير على الأقوى، وعقد التأمين لازم
609

ليس لأحد الطرفين فسخه إلا مع الشرط، ولهما التقايل.
مسألة 7 - الظاهر صحة التأمين بالتقابل، وذلك بأن تتفق جماعة على
تكوين مؤسسة فيها رأس مال مشترك لجبر خسارة ترد على أحدهم، وهذا
أيضا صحيح على الأظهر، وهو معاملة مستقلة أيضا مرجعها الالتزام بجبر
خسارة من المال المشترك في مقابل جبر خسارة كذلك، ويمكن أن يقع
العقد بنحو عقد الضمان، بأن يضمن كل خسارة شركائه بالنسبة في مقابل
ضمان الآخر، إلا أن الأداء من الماء المشترك، ولكن الأظهر فيه الالتزام
بجبر الخسارة في مقابل جبر بنسبة مالهم المشترك من ذلك المال، وهذا
العقد لازم، ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كل في ضمنه خسارة
كل واحد منهم، وحينئذ يكون جائزا لا لازما.
مسألة 8 - الظاهر صحة التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح
التي تحصل للشركة من الاستفادة بالاتجار بتلك المبالغ المجتمعة من المشتركين
سواء كان التأمين على الحياة بأن يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمن عليه
أو عند انتهاء مدة التأمين، وللمؤمن الحق في الاشتراك في الأرباح حسب
القرار، فيضاف نصيب كل من الأرباح إلى مبلغ التأمين، أو على جبر
الخسارة مع الاشتراك في الأرباح كما ذكر، فإن ذلك شركة عقدية مع
شرط أو شرائط سائقة، ولو كان من بعضهم العمل ومن بعضهم النقود
وكان القرار نحو المضاربة صح أيضا عندي، لعدم اعتبار كون المدفوع
في مال المضاربة الذهب والفضة المسكوكين، بل المعتبر كونه من النقود
في مقابل العروض، وهذا العقد لازم إن لم يرجع إلى المضاربة، وإن كان
عقد مضاربة في ضمنه التأمين فجائز من الطرفين.
مسألة 9 - لو التزم المؤمن بدفع إضافة على مبلغ التأمين فالظاهر
أنه لا بأس به، كمن أمن على حياته عند شركة التأمين لمدة معلومة على
610

مبلغ معلوم واستوفت الشركة أقساطا شهرية مقدرة في قبال التأمين وتلزم
الشركة بدفع مبلغ إضافة على مبلغ التأمين ترغيبا لأهل التأمين، فإن تلك
الزيادة ليست من الربا القرضي، لعدم كون أداء الأقساط قرضا، بل
التأمين معاملة مستقلة اشترط في ضمنها ذلك، والشرط سائغ نافذ لازم
العمل.
مسألة 10 - لا بأس بإعادة التأمين بأن طلب بعض شركات التأمين
لدى شركات عظيمة أوسع منها التأمين لشركته التأمينية.
ومنها الكمپيالات (سفته)
وهي على قسمين: أحدهما - ما يعبر عن وجود قرض حقيقي بأن
كان لشخص على آخر دين كمأة دينار على مدة معلومة فيأخذ الدائن من
المديون الورثة.
ثانيهما - ما يعبر عن قرض صوري، ويسمى بالمجاملة، فلا يكون
دين على شخص.
مسألة 1 - في النوع الأول إذا أخذ الورقة لينزلها عند شخص ثالث
بمبلغ أقل بأن يبيع ما في ذمة المدين بأقل منه لا إشكال فيه إذا لم يكن
العوضان من المكيل والموزون كالاسكناس الإيراني والدينار العراقي والدولار
وسائر الأوراق النقدية، فإنها غير مكية ولا موزونة، والاعتبار من الدول
جعلها أثمانا، وليست أمثالها معبرة عن الذهب والفضة، بل قابليتها للتبديل
بها موجبة لاعتبارها
، والمعاملة تقع بنفسها، والكمپيالات معبرة عن الأوراق
النقدية، وبعد المعاملة على ذمة المدين يصير هو مديونا للشخص الثالث،
هذا إذا قصدا بذلك البيع حقيقة لا الفرار من الربا القرضي، ولا يجوز
611

ذلك إذا كانت ربوية وإن قصدا به البيع حقيقة، وأما إذا أخذ الدائن
عن الثالث قرضا وحوله على ذمة المدين أكثر مما أخذ فهو حرام مطلقا
سواء كان من المكيل أو الموزون أولا وإن كان القرض صحيحا.
مسألة 2 - لا تجوز المعاملة بالكمپيالات الصورية المعبر عنها بالمجامعة
(سفتهء دوستانه) إلا أن ترجع إلى أحد الوجوه الآتية:
منها - أن يقال: إن دفع الورقة إلى الآخر لينزلها عند شخص
ثالث ويرجع الثالث في الموعد المقرر إلى المدين الصوري يرجع في الحقيقة
إلى توكيله بأن يوقع المعاوضة مع الثالث في ذمة المدين الصوري، فيصير
المدين الصوري بعد المعاملة بوكالته مديونا حقيقة لثالث، ولما كان المفروض
بيع غير الأجناس الربوبية صحت المبايعة بالأقل والأكثر، وأيضا ذلك
العمل إذن له في اقتراض الدائن الصوري ما يأخذه لنفسه، ولا بد من عدم
اشتراط الربح، ويدفع الزيادة مجانا أو عملا بالاستحباب الشرعي، وللدافع
الرجوع إلى الدائن الصوري للقرار الضمني وعدم كونه متبرعا.
ومنها - أن دفع الورقة إليه لينزلها ويرجع الثالث إليه موجب لأمرين
أحدهما - صيرورة الدائن الصوري ذا اعتبار بمقدار الورقة لدى الثالث
(البنك أو غيره) ولذلك يعامل على ذمة الدائن الصوري فيصير هو مديونا
للشخص الثالث، ثانيهما - التزام من المديون الصوري بأداء المقدار المذكور
لو لم يؤد الدائن الصوري الذي صار مديونا حقيقة للشخص الثالث، وهذا
التزام ضمني لأجل معهودية الرجوع إليه عند عدم دفع المدين، ويجوز
للدافع الرجوع إلى المدفوع عنه لو لم يكن متبرعا وكان ذلك أيضا لازم
المذكور، والظاهر صحة المعاملة بعد عدم كونها ربوبية وصحة
الالتزام المذكور، فإنه من قبيل ضم الذمة إلى الذمة، ويصح بحسب
القواعد وإن لم يرجع الضمان على المذهب الحق.
612

ومنها - الصورة السابقة بحالها إلا أن الدائن الصوري بعمله يصير
ضامنا على فرض عدم أداء صاحبه، بمعنى نقل الذمة إلى الذمة في فرض
عدم الأداء، وهذا أيضا له وجه صحة وإن لا يخلو من إشكال، ثم
لو دفع المدين الصوري إلى الثالث ما التزمه أو ضمنه فله الرجوع إلى
الدائن الصوري وأخذ ما دفعه عنه.
مسألة 3 - بعد ما كان المتعارف في عمل البنوك ونحوها الرجوع
إلى بائع الكمپيالة وإلى كل من كان توقيعه عليها لدى عدم أداء دافعها
لأجل القوانين الجارية عرفا وكان هذا أمرا معهودا عند جميعهم كان ذلك
التزاما ضمنيا منهم بعهدة الأداء عند المطالبة، وهذا أيضا شرط في ضمن
القرار وهو لازم المراعاة، نعم مع عدم العلم بذلك وعدم معهوديته
لم يكن قرارا ولم يلزم بشئ.
مسألة 4 - ما يأخذه البنك أو غيره من المديون عند تأخر الدفع بعد
حلول الأجل وعدم تسليم المبلغ من قبل المديون الصوري حرام لا يجوز
أخذه وإن كان بمراضاة المتعاملين.
مسألة 5 - الكمپيالات وسائر الأوراق التجارية لا مالية لها، وليست
من النقود، والمعاملات الواقعة بها لم تقع بنفسها بل بالنقود وغيرها التي
تلك الأوراق معبرة عنها، ودفعها إلى الدائن لا يسقط ذمة المدين،
ولو تلف شئ منه في يد غاصب ونحوه أو أتلفه شخص لم يضمنه ضمان
التلف أو الاتلاف، وأما الأوراق النقدية كالاسكناس والدينار والدولار
وغيرها فلها مالية اعتبارية، وهي نقود كالدينار والدرهم المسكوكين من
الذهب والفضة، دفعها إلى الدائن مسقط لذمته، وفي تلفها وإتلافها
ضمان كسائر الأموال.
مسألة 6 - قد تقدم أن الأوراق النقدية لا يجري فيها الربا غير
613

القرضي فيجوز تبديل بعضها ببعض بالزيادة والنقيصة، سواء كان المتبادلان
من نقد مملكتين كتبديل الدينار بالاسكناس أولا كتبديل الاسكناس بمثله
والدينار بمثله، من غير فرق بين كون معتمدها (پشتوانه، ذهبا وفضة
أو غيرهما من المعدن كالأحجار الكريمة والنفط، نعم لو فرض في مورد
تكون الأوراق المذكورة كالأحجار الكريمة والنفط، نعم لو فرض في مورد
تكون الأوراق المذكورة كالأوراق التجارية كان حكمها كتلك الأوراق
لكنه مجرد فرض، هذا إذا قصد بذلك البيع دون القرض، وإلا فلا يجوز.
مسألة 7 - الأوراق النقدية لا تتعلق بها الزكاة، ولا يجري فيها
حكم بيع الصرف، نعم الأقوى جواز المضاربة بها.
ومنها السرقفلية
مسألة 1 - استئجار الأعيان المستأجرة دكة كانت أو دارا أو غيرهما
لا يوجب حدوث حق للمستأجر فيها بحيث لا يكون للمؤجر إخراجه بعد
تمام الإجارة، وكذا طول مدة بقائه وتجارته في محل الكسب أو كون
وجاهته وقدرته التجاري الموجبتين لتوجه النفوس إلى مكسبه لا يوجب
شئ منها حدوث حق له على الأعيان، فإذا تمت مدة الإجارة يجب عليه
تخلية المحل وتسليمة إلى صاحبه، فلو بقي في المكان المذكور مع عدم رضا
المالك كان غاصبا عاصيا، وعليه ضمان المكان لو تلف ولو بآفة سماوية،
كما عليه أجرة مثل المكان ما دام كونه تحت يده وعدم تسليمه إلى مالكه.
مسألة 2 - لو آجر هذا الشخص ذلك المكان المغصوب كانت
الإجارة فاسدة، ولو أخذ شيئا بعنوان مال الإجارة فهو حرام، فإن
تلف أو أتلفه كان ضامنا للدافع، كما أن الدافع إذا قبض المحل صار ضامنا
لمالكه وعليه أجرة مثله له.
614

مسألة 3 - السرقفلية التي يأخذها الغاصب في هذه الصورة حرام،
ولو تلف ما أخذه عنده أو أتلفه فهو ضامن لمالكه.
مسألة 4 - لو استأجر محلا للتجارة في مدة طويلة كعشرين سنة مثلا
وكان له حق إيجاره من غيره واتفق ترقي أجرة مثل المحل في أثناء المدة فله
إجارة بالمقدار الذي استأجره وأخذ مقدار بعنوان السرقفلية لأن يؤجره
منه على حسب توافقهما.
مسألة 5 - لو استأجر دكة مثلا وشرط على المؤجر أن لا يزيد على
مبلغ الإجارة إلى مدة طويلة مثلا وشرط أيضا أنه لو حول المحل إلى غيره
وهو إلى غيره وهكذا يعمل المؤجر معه معاملته ثم اتفق أجرته فله
أن يحول المحل إلى غيره ليعمل المؤجر معه معاملته ثم اتفق ارتفاع أجرته فله
أن يحول المحل إلى غيره ليعمل المؤجر معه معاملته معه ويأخذ مقدارا بعنوان
السرقفلية ليحول المحل إليه، ويحل السرقفلية بهذا العنوان.
مسألة 6 - لو شرط على المؤجر في ضمن عقد الإجارة أن لا يزيد
على مبلغ الإجارة ما دام المستأجر فيه ولا يكن له حق إخراجه وعليه
إيجاره كل سنة بالمقدار المذكورة فله أخذ مقدار بعنوان السرقفلية من المؤجر
أو من شخص آخر ليسقط حقه أو لتخلية المحل.
مسألة 7 - لو شرط على المؤجر في ضمن العقد أن لا يؤجر المحل
من غيره، ويؤجره منه سنويا بالإجارة المتعارفة في كل سنة فله أخذ مقدار
بعنوان السرقفلية لاسقاط حقه أو لتخلية المحل.
مسألة 8 - للمالك أن يأخذ أي مقدار شاء بعنوان السرقفلية من شخص
ليؤجر المحل منه، كما أن للمستأجر في أثناء مدة الإجارة أن يأخذ السرقفلية
من ثالث للايجار منه إذا كان له حق الايجار.
615

ومنها أعمال البنوك
مسألة 1 - لا فرق في البنوك وأنواعها من الداخلية والخارجية
والحكومية وغيرها في الأحكام الآتية، ولا في أن ما يؤخذ منها محلل يجوز
التصرف فيها، كسائر ما يؤخذ من ذوي الأيادي من أرباب التجارات
والصناعات وغيرها إلا مع العلم بحرمة ما أخذه أو اشتماله على حرام،
وأما العلم بأن في البنك أو في المؤسسة الكذائية محرمات فلا يؤثر في حرمة
المأخوذ وإن احتمل كونه منها.
مسألة 2 - جميع المعاملات المحللة - التي لو أوقعها مع أحد المسلمين
كانت صحيحة - محكومة بالصحة لو أوقعها مع البنوك مطلقا حكومية كانت
أو لا، خارجية أو داخلية.
مسألة 3 - الأمانات والودائع التي يدفعها أصحابها إلى البنوك إن
كانت بعنوان القرض والتمليك بالضمان لا مانع منه، وجاز للبنك التصرف
فيها، ويحرم قرار النفع والفائدة، كما يحرم إعطاء تلك الفوائد وأخذها،
ومع الاتلاف أو التلف يكون الآخذ ضامنا للفوائد وإن صح القرض.
مسألة 4 - لا فرق في قرار النفع بين التصريح به عند القرض وبين
إيقاعه مبنيا عليه، فلو كان قانون البنك إعطاء النفع في القرض وأقرضه
مبنيا على ذلك كان محرما.
مسألة 5 - لو فرض في مورد لا يكون الاقتراض والقرض بشرط
النفع جاز أخذه الزيادة بلا قرار.
مسألة 6 - لو كان ما يدفعه إلى البنك بعنوان الوديعة والأمانة فإن
616

لم يأذن في التصرف فيها لا يجوز للبنك ذلك، ولو تصرف كان ضامنا
ولو أذن جاز، وكذا لو رضي به، وما يدفعه البنك إليه حلال على
الصورتين إلا أن يرجع الإذن في التصرف الناقل إلى التملك بالضمان، فإن
الزيادة المأخوذة مع قرار حرام وإن كان القرض صحيحا، والظاهر
أن الودائع في البنك من هذا القبيل، فلما يسمى وديعة وأمانة قرض واقعا،
ومع قرار النفع تحرم الفائدة.
مسألة 7 - الجوائز التي يدفع البنك تشويقا للايداع والقرض ونحوهما
إلى من تصيبه القرعة المقررة محللة لا مانع منها، وكذا الجوائز التي تعطيها
المؤسسات بعد إصابة القرعة للتشويق وجلب المشتري، وكذا ما يجعله
صاحب بعض المؤسسات ضمن بعض أمتعته تشويقا وتكثيرا للمشتري، فإن
كل ذلك حلال لا مانع منه.
مسألة 8 - قيل من أعمال البنك الاعتمادات المستندية، والمراد منها
أن يتم عقد بين تاجر وشركة مثلا في خارج البلاد على نوع من البضاعة،
وبعد تمامية المعاملة من الجهات الدخيلة فيها يتقدم التاجر إلى البنك ويطلب
" فتح اعتماد " ويدفع إلى البنك قسما من قيمة البضاعة، ويقوم البنك
بعد ذلك بدفع القيمة تامة إلى الشركة ويتسلم البضاعة، وتسجل باسم البنك
من حين التصدير، وعند وصولها إلى المحل يخبر البنك مالكها بالوصول
وتحول البضاعة من اسم البنك إلى اسم مالكها بعد أن يدفع ما دفعه البنك
إلى الشركة مما بقي من قيمة البضاعة، ويتقاضى البنك عن هذه العملية
عمولة مقطوعة إزاء خدماته وفائدة على المبلغ الباقي طيلة الفترة الواقعة
بين يوم تسليمه إلى الشركة إلى يوم تسلمه من صاحب البضاعة، ثم إن دفع
التاجر ما بقي من القيمة وما يتقاضى البنك يسلمها إياه، وإلا فيتصدى
لبيع البضاعة واستيفاء حقه، فهل ما يأخذه البنك من الزيادة جائز حلال
617

أم لا؟ ما يأخذه بإزاء خدماته من التسجيل والتسلم والتسليم ونحو ذلك
جائز وما أخذه بعنوان الفائدة لتأخير ثمنه حرام؟ الظاهر الأخير إذا كان
ما يدفع البنك إلى الشركة أداء لدين صاحب البضاعة قرضا له، كما أن
الظاهر كذلك في الخارج، وكذا لو كان ما يدفعه البنك أداء لدينه، فيصير
صاحب البضاعة مديونا له ويأخذ مقدارا لأجل تأخير دينه فإنه حرام،
وأما تصدي البنك لبيع البضاعة مع الشرط في ضمن القرار فلا مانع
منه، لرجوع ما ذكر إلى توكيله لذلك، فيجوز الشراء منه.
مسألة 9 - من أعمال البنوك ونحوها الكفالة بأن يتعهد شخص لآخر
بالقيام بعمل كبناء قنطرة مثلا ويتعهد البنك أو غيره للمتعهد له بكفالة
الطرف - أي المتعهد - وضمانه بأن يدفع عنه مبلغا لو فرض عدم قيامه
بما تعهد للمتعهد له، ويتقاضى الكفيل ممن يكفله عمولة بإزاء كفالته،
والظاهر صحة هذه الكفالة الراجعة إلى عهدة الأداء عند عدم قيام المتعهد
بما تعهد، وجواز أخذ العمولة بإزاء كفالته أو بإزاء أعمال أخر من ثبت
الكفالة ونحوها، وإذا كانت الكفالة بإذن المتعهد جاز له الرجوع إليه لأخذ
ما دفعه، وليس للمتعهد أن يمتنع منه.
مسألة 10 - من أعمالها الحوالات، وقد يطلق عليها صرف البرات،
فإن دفع شخص إلى البنك أو التاجر مبلغا معينا في بلد ويحوله البنك
مثلا إلى بنك بلد آخر ويأخذ البنك منعه مبلغا معينا بإزاء تحويله فلا إشكال
فيه بيعا كان أو قرضا، وكذا لو كان الأخذ بعنوان حق العمل، وإن
أراد أن يأخذ من البنك أو نحوه مبلغا معينا ويحوله البنك على تسلم المبلغ
من بنك في بلد آخر ويأخذ البنك منه مبلغا معينا فإن كان ذلك القرار
بيع مبلغ بمبلغ أزيد ليحوله إلى البنك صح، ولا إشكال فيه بشرط أن
لا يكون هذا وسيلة للفرار من الربا القرضي، وكذا إن كان قرضا لكن
618

لم يشترط الزيادة بل أخذها بعنوان حق العمل مع عدم كونه فرارا من
الربا، وأما إن كان قرضا بشرط الزيادة فهو حرام وإن كان القرض
مبنيا على الزيادة وكان الشرط وكان الشرط ارتكازيا غير مصرح به، ولكن القرض
صحيح.
مسألة 11 - الصكوك (چك) البنكية كالأوراق التجارية لا مالية
لها، بل هي معبرة عن مبلغ معين في البنك، ولا يجوز بيعها وشراؤها
في نفسها، نعم الصك الذي يسمى في إيران بالصك التضميني (چك
تضميني) يكون من الأوراق النقدية كالدينار والاسكناس فيصح بيعه
وشراؤه، ومن أتلفه ضمن لماله كسائر الأموال، ويجوز بيعه بالزيادة،
ولا ربا فيه إلا إذا جعل البيع وسيلة للتخلص عن الربا القرضي.
مسألة 12 - أعمال البنوك الرهنية إن كانت إقراضا إلى مدة بالنفع
المعين وأخذ وأخذ الرهن مقابلة وشرط بيع المرهون وأخذ ماله لو لم يدفع
المستقرض في رأس أجله يصح أصل القرض والرهن، ويبطل اشتراط
النفع والزيادة، ولا يجوز أخذها، نعم يجوز الأخذ لو كان بعنوان حق
العمل إذا لم يكن حيلة للتخلص من الربا وإن كانت من قبيل بيع السلف
بأن باع الطالب مأتين سلفا بمأة حالا واشترط المشتري عليه ولو بنحو
الشرط الضمني الارتكازي وثيقة وكونه وكيلا في بيعها عند التخلف وأخذ
مقدار حقه فلا يصح البيع ولا الرهن ولا الوكالة.
ومنها بطاقات اليانصيب (بخت آزمائي)
مسألة 1 - قد شاع في البلاد من قبل بعض الشركات نشر بطاقات
اليانصيب وبيعها بإزاء مبلغ معين ويتعهد صاحب الشركة بأن يقرع فمن
619

أصابت القرعة بطاقته يعطيه مبلغا معينا، وهذا البيع باطل، وأخذ المال
بإزاء البطاقة موجب للضمان، وكذا أخذ المال بعد إصابة القرعة حرام
موجب لضمان الأخذ للمالك الواقعي.
مسألة 2 - لا فرق في حرمة ثمن البطاقة بين أن يدفعه الطالب لاحتمال
إصابة القرعة باسمه من غير بيع وشراء وبين بيعها وشرائها لهذا الغرض،
ففي الصورتين أخذ المال حرام، وأخذ ما يعطي لأجل وشرائها لهذا الغرض.
ففي الصورتين أخذ المال حرام، وأخذ ما يعطي لأجل إصابة القرة حرام.
مسألة 3 - قد بدل أرباب الشركات عنوان اليانصيب بعنوان الإعانة
للمؤسسات الخيرية لاغفال المتدينين والمؤمنين، والعمل خارجا هو العمل
بلا فرق جوهري يوجب الحلية، فالمأخوذ بهذا العنوان أيضا حرام،
وكذا المأخوذ بعد إصابة القرعة.
مسألة 4 - لو فرض بعيدا قيام شركة بنشر بطاقات للإعانة حقيقة
على المؤسسات الخيرية ودفع كل من أخذ بطاقة مالا لذلك المشروع ودفع
أو صرف الشركة ما أخذه فيها وتعطى من مالها مبلغا لمن أصابته القرعة
هبة ومجانا للتشويق فلا إشكال في جواز الأمرين، وكذا لو أعطى الجائزة
من المال المأخوذ ومن الطالبين برضا منهم، لكنه مجرد فرض لا واقعية له
فالأوراق المبتاعة في الفعلي بيعها وشراؤها غير جائز، والمأخوذ
بعنوان إصابة القرعة حرام.
مسألة 5 - لو أصيبت القرعة وأخذ المبلغ فإن عرف صاحب الأموال
يجب الدفع إليه، وإلا فهي من مجهول المالك يجب الصدقة بها عن مالكها
الواقعي، والأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي في الصدقة.
مسألة 6 - لا يجوز على الأحوط لو لم يكن الأقوى لمن أخذ المال
الذي أصابته القرعة صرفه وتملكه صدقة عن مالكه ولو كان فقيرا
بل عليه أن يتصدق به عليه الفقراء.
620

مسألة 7 - إذا أعطى ما أصابته القرعة من المال الكثير فقيرا وشرط
عليه أن يأخذ لنفسه بعضا ويرد الباقي إليه فالظاهر عدم جوازه، وعدم
جوازه للفقير أيضا، نعم لو أعطاء الفقير ما يناسب حاله بلا اشتراط
لا إشكال فيه.
هذه جملة من المعاملات المستحدثة، وأما المسائل المستحدثة الأخر
وما ستستحدثها الأعصار الآتية فكثيرة جدا، وتجري في كثير من أبواب
الفقه، وقد صعب استقصاؤها، ولكن نذكر جملة حادثة منها أو في
أهبة الحدوث.
فمنها التلقيح والتوليد الصناعيان
مسألة 1 - لا إشكال في أن تلقيح ماء الرجل بزوجته جائز وإن
وجب الاحتراز عن حصول مقدمات محرمة ككون الملقح أجنبيا أو التلقيح
مستلزما للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، فلو فرض أن النطفة خرجت
بوجه محلل ولقحها الزوج بزوجته فحصل منها ولد كان ولدهما، كما
لو تولد بالجماع، بل لو وقع التلقيح من ماء الرجل بزوجته بوجه محرم
كما لو لقح الأجنبي أو أخرج المني بوجه محرم كان الولد ولدهما، وأن
أثما بارتكاب الحرام.
مسألة 2 - لا يجوز التلقيح بماء غير الزوج، سواء كانت المرأة
ذات بعل أو لا، رضي الزوج والزوجة بذلك أو لا، كانت المرأة من
محارم صاحب الماء كأمه وأخته أو لا.
مسألة 3 - لو حصل عمل التلقيح بماء غير الزوج وكانت المرأة ذات
بعل وعلم أن الولد من التلقيح فلا إشكال في عدم لحوق الولد بالزوج
621

كما لا إشكال في لحوقه بصاحب الماء إن كان التلقيح شبهة كما في
الوطء شبهة، فلو لقحها بتوهم أنها زوجته وأن الماء له فبان الخلاف
يلحق الولد بصاحب الماء والمرأة، وأما لو كان مع العلم والعمد ففي
الالحاق إشكال، وإن كان الأشبه ذلك، لكن المسألة مشكلة لا بد فيها
من الاحتياط ومسائل الإرث في باب التلقيح شبهة كمسائله في الوطء شبهة،
وفي العمدي المحرم لا بد من الاحتياط.
مسألة 4 - لا يجوز تزويج المولود لو كان أنثى من صاحب الماء،
ولا تزويج الولد أمه أو أخته أو غيرهما من المحارم، وبالجملة لا يجوز
نكاح كل من لا يجوز نكاحه لو كان التوليد بوجه شرعي.
مسألة 5 - الأحوط ترك النظر إلى من جاز النظر إليه لو كان
المولود بطريق شرعي وإن كان الأشبه الجواز، هذا فيما إذا لم يحصل التلقيح
شبهة، وإلا فلا إشكال في الجواز.
مسألة 6 - للتلقيح والتوليد أنواع يمكن تحققها في المستقبل:
منها - أن تؤخذ النطفة التي هي منشأ الولد من الأثمار والحبوب
ونحوهما وبعمل التلقيح بالمرأة تصير منشأ للولد، ومعلوم أنه لا يلحق بغير
أمه، وإلحاقه بها أضعف إشكالا من تلقيح ماء الرجل.
ومنها - أن يؤخذ ماء الرجل ويربى في رحم صناعية كتولية الطيور
صناعيا، فيلحق بالرجل ولا يلحق بغيره.
ومنها - أن تؤخذ النطفة من الأثمار ونحوها فتجعل في رحم صناعية
فيحصل التولية، وهذا القسم لو فرض لا إشكال فيه بوجه، ولا يلحق
بأحد.
مسألة 7 - لو حصل من ماء رجل في رحم صناعية ذكر وأنثى
يكونان أخا وأختا من قبل الأب، ولا أم لهما، فلا يجوز نكاحهما ولا نكاح
622

من حرم نكاحه من قبل الأب لو كان التوليد بوجه عادي، ولو
حصل من نطفة صناعية في رحم امرأة ذكر وأنثى فهما أخ وأخت من قبل
الأم، ولا أب لهما، فلا يجوز تزويجهما ولا تزويج من حرم من قبل الأم.
مسألة 8 - لو تولد الذكر والأنثى من نطفة صناعية ورحم صناعية
فالظاهر أنه لا نسبة بينهما، فجاز تزويج أحدهما بالآخر، ولا توارث بينهما
وإن أخذت النطفة من تفاحة واحدة مثلا.
مسألة 9 - لو تولد الطفل بواسطة العلاج قبل مدة أقل الحمل أكما
لو أسرع عن سيره الطبيعي بواسطة بعض الأشعات أو تولد بعد مدة أكثر
الحمل للمنع عن سيرة الطبيعي والابطاء به يلحق الطفل بأبيه بعد العلم بكونه
من مائه، ولو صار ذلك طبيعيا لأجل ضعف أشعة الشمس وتغير طبيعة
الأرض يلحق الولد بالفراش مع الشك أيضا، وكذا لو كان في بعض
المناطق طبيعي أكثر الحمل أو أقله على خلاف مناطقنا يحكم بالحاق الولد
مع إمكانه، ولا يقاس بمناطقنا.
مسألة 10 - لو أنتقل الحمل في حال كونه علقة أو مضغة أو بعد
ولوج الروح من رحم امرأة إلى رحم امرأة أخرى فنشأ فيها وتولد هل
هو ولد الأولى أو الثانية؟ لا شبهة في أنه من الأولى إذا انتقل بعد تمام
الخلقة وولوج الروح، كما أنه لا إشكال في ذلك إذا أخرج وجعل في رحم
صناعية وربي فيها، وأما لو أخرج قبل ذلك
حال مضغته مثلا ففيه
إشكال نعم لو ثبت أن نطفة الزوجين منشأ للطفل فالظاهر إلحاقه بهما سواء
انتقل إلى رحم المرأة أو رحم صناعية.
623

ومنها التشريح والترقيع
مسألة 1 - لا يجوز تشريح الميت المسلم، فلو فعل ذلك ففي قطع
رأسه وجوارحه دية ذكرناها في الديات، وأما غير المسلم فيجوز ذميا كان
أو غيره، ولا دية ولا أثم فيه.
مسألة 2 - لو أمكن تشريح غير المسلم للتعلمات الطبية لا يجوز تشريح
المسلم وإن توقف حياة مسلم أو جمع من المسلمين عليه، فلو فعل مع إمكان
تشريح غيره أثم، وعليه الدية.
مسألة 3 - لو توقف حفظ حياة المسلم على التشريح ولم يمكن تشريح
غير المسلم فالظاهر جوازه، وأما لمجرد التعليم فلا يجوز ما لم تتوقف حياة
مسلم عليه.
مسألة 4 - لا إشكال في وجوب الدية إذا كان التشريح لمجرد التعلم
وأما في مورد الضرورة والتوقف المتقدم فلا يبعد السقوط على إشكال.
مسألة 5 - لا يجوز قطع عضو من الميت لترفيع عضو الحي إذا كان
الميت مسلما إلا إذا كان حياته متوقفة عليه، وأما إذا كان حياة عضوه
متوقفة عليه فالظاهر عدم الجواز، فلو قطعه أثم، وعليه الدية، هذا
إذا لم يأذن قطعه، وأما إذا أذن في ذلك ففي جوازه إشكال، لكن بعد
الإجازة ليس عليه الدية وإن قلنا بحرمته، ولو لم يأذن الميت فهل لأوليائه
الإذن؟ الظاهر أنه ليس لهم ذلك، فلو قطعه بإذن الأولياء عصى وعليه
الدية.
مسألة 6 - لا مانع من قطع عضو ميت غير مسلم للترقيع، لكن بعده
يقع الاشكال في نجاسته وكونه ميتة لا تصح الصلاة فيه، ويمكن أن يقال
624

فيما إذا حل الحياة فيه خرج عن عضوية الميت وصار عضوا للحي فصار
طاهرا حيا وصحت الصلاة فيه، وكذا لو قطع العضو من حيوان ولو كان
نجس العين ورقع فصار حيا بحياة المسلم.
مسألة 7 - لو قلنا بجواز القطع والترقيع بإذن من صاحب العضو
زمان حياته فالظاهر جواز بيعه لينتفع به بعد موته، ولو قلنا بجواز إذن
أوليائه فلا يبعد أيضا جواز بيعه للانتفاع به، ولا بد من صرف الثمن
للميت إما لأداء دينه أو صرفه للخيرات له، وليس للوارث حق فيه.
فروع
الأول - الأقوى جواز الانتفاع بالدم في غير الأكل وجواز بيعه
لذلك، فلما تعارف من بيع الدم من المرضي وغيرهم لا مانع منه فضلا عما
إذا صالح عليه أو نقل حق الاختصاص، ويجوز نقل الدم من بدن
الانسان إلى آخر وأخذ ثمنه بعد تعيين وزنه بالآلات الحديثة، ومع الجهل
لا مانع من الصلح عليه، والأحوط أخذ المبلغ للتمكين على أخذ دمه مطلقا
لا مقابل الدم، ولا يترك الاحتياط ما أمكن.
الثاني - الأقوى حرمة الذبيحة التي ذبحت بالمكائن الحديثة وإن
اجتمع في الذبح جميع شرائطه فضلا عما إذا كان الذبح من القفا أو غير
مستقبل القبلة، فالذبح بالمكائن ميتة نجسة لا يجوز أكلها ولا شراؤها،
ولا يملك البائع الثمن المأخذ بإزائها، وهو ضامن للمشتري.
الثالث - ما يسمى عند بعض بحق الطبع ليس حقا شرعيا، فلا يجوز
سلب تسلط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط، فمجرد طبع كتاب
والتسجيل فيه بأن حق الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئا،
625

ولا يعد قرارا مع غيره، فجاز لغيره الطبع والتقليد، ولا يجوز لأحد
منعه عن ذلك.
الرابع - ما تعارف من ثبت صنعة لمخترعها ومنع غيره عن التقليد
والتكثير لا أثر له شرعا، ولا يجوز منع الغير عن تقليدها والتجارة بها
وليس لأحد سلب سلطنة غيره عن أمواله ونفسه.
الخامس - ما تعارف من حصر التجارة في شئ أو أشياء بمؤسسة
أو تجار ونحوهما لا أثر له شرعا، ولا يجوز منع الغير عن التجارة والصنعة
المحللتين وحصرها في أشخاص.
السادس - لا يجوز تثبيت سعر الجناس ومنع ملاكها عن البيع
بالزيادة.
السابع - للإمام عليه السلام ووالي المسلمين أن يعمل ما هو صلاح
للمسلمين من تثبيت سعر أو صنعة أو حصر تجارة أو غيرها مما هو دخيل
في النظام وصلاح للجامعة.
ومنها تغيير الجنسية
مسألة 1 - الظاهر عدم حرمة تغيير جنس الرجل بالمرأة بالعمل
وبالعكس، وكذا لا يحرم العمل في الخنثى ليصير ملحقا بأحد الجنسين،
وهل يجب ذلك لو رأت المرأة في نفسها تمائلات من سنخ تمائلات الرجل
أو بعض آثار الرجولية أو رأس المرء في نفسه تمائلات الجنس المخالف
أو بعض آثاره؟ الظاهر عدم وجوبه إذا كان الشخص حقيقة من جنس
ولكن أمكن تغيير جنسيته بما يخالفه.
مسألة 2 - لو فرض العلم بأنه داخل قبل العمل في جنس مخالف
626

والعملية لا تبدل جنسه بآخر بل تكشف عما هو مستور فلا شبهة في وجوب
ترتيب آثار الجنس الواقعي وحرمة آثار الجنس الظاهر، فلو علم بأنه
رجل يجب عليه ما يجب على الرجال ويحرم عليه ما يحرم عليهم
وبالعكس، وأما وجوب تغيير صورته وكشف ما هو باطن فلا يجب
إلا إذا توقف العمل بالتكاليف الشرعية أو بعضها عليه وعدم إمكان
الاحتراز عن المحرمات الإلهية إلا به فيجب.
مسألة 3 - لو تزويج امرأة فتغير جنسها فصارت رجلا بطل التزويج
من حين التغيير وعليه المهر تماما لو دخل بها قبل التغيير، فهل عليه
نصفه مع عدم الدخول أو تمامه؟ فيه إشكال، والأشبه التمام، وكذا
لو تزوجت امرأة برجل فغير جنسه بطل التزويج من حين التغيير، وعليه
المهر مع الدخول، وكذا مع عدمه على الأقوى.
مسألة 4 - لو تغير الزوجان جنسهما إلى المخالف فصار الرجل امرأة
وبالعكس فإن كان التغيير غير مقارن فالحكم كما مر، وإن قارن التغاير
فهل يبطل النكاح أو بقيا على نكاحهما وإن اختلفت الأحكام، فيجب
على الرجل الفعلي النفقة وعلى المرأة الإطاعة؟ الأحوط تجديد النكاح
وعدم زواج المرأة الفعلية بغير الرجل الذي كان زوجته إلا بالطلاق بإذنهما
وإن لا يبعد بقاء نكاحهما.
مسألة 5 - لو تغير جنس المرأة في زمان عدتها سقطت العدة حتى
عدة الوفاة.
مسألة 6 - لو تغيير جنس الرجل إلى المخالف فالظاهر سقوط ولايته
على صغاره، ولو تغيير جنس المرأة لا يثبت لها الولاية على الصغار،
فولايتهم للجد للأب، ومع فقده للحاكم.
مسألة 7 - لو تغير جنس كل من الأخ والأخت بالمخالف لم ينقطع
627

انتسابها، بل يصير الأخ أختا وبالعكس، وكذا في تغيير الأختين أو
الأختين، ولو تغير العم صار عمة وبالعكس، والخال خالة وبالعكس
وهكذا، فلو مات عن ابن جديد وبنت جديدة للذكر الفعلي ضعف الأنثى
الفعلية، وهكذا في سائر طبقات الإرث، لكن يقي الاشكال في إرث
الأب والأم والجد والجدة، فلو تغير جنس الأب إلى المخالف لا يكون فعلا
أبا ولا أما، وكذا في تغيير جنس الأم، فإن الرجل الفعلي لا يكون أما
ولا أبا، فهل يرثان بلحاظ حال التوليد أو لأجل الأقربية والأولوية أو
لا يرثان؟ فيه تردد، والأشبه الإرث والظاهر أن اختلافهما في الإرث
بلحاظ حال انعقاد النطفة، فللأب حال الانقعاد ثلثان، وللأم ثلث،
والأحوط التصالح.
مسألة 8 - لو تغير جنس الأم فهل تكون بعد الرجولية محرما لحلية
ابنها كالأب أم؟ لا يبعد على إشكال، ولا تغير جنس الأب فهل
يكون في حال أنوثيته محرما لابنه وإن لم يكن أما له؟ الظاهر ذلك،
ولو تغيرت زوجة الابن وصارت رجلا فهل هي محرم على أم زوجها
السابق؟ لا يبعد ذلك على إشكال.
مسألة 9 - ما ذكرناه في الأقرباء نسبا يأتي في الأقرباء رضاعا كالأم
والأب الرضاعيين والأخت والأخ وهكذا.
مسألة 10 - يثبت ما ذكرناه فيما إذا غير جنس بجنس واقعا، وأما
لو كان العمل كاشفا عن واقع مستور وأن من صار رجلا بعد العمل كان
رجلا من أول الأمر يستكشف منه أن ما رتب على الرجل الصوري والمرأة
الصورية رتب على غير موضوعه فتحدث مسائل أخر.
628

ومنها الراديو والتلفزيون ونحوهما
مسألة 1 - لهذه الآلات الحديثة منافع محللة عقلائية ومنافع محرمة
غير مشروعة، ولكل حكمه، فجاز الانتفاع المحلل من الأخبار والمواعظ
ونحوهما من الراديو، وإراءة الصور المحللة لتعليم صنعة محللة أو عرض متاع
محلل أو إراءة عجائب الخلقة بحرا وبرا، ولا يجوز الانتفاع المحرم كسماع
الغناء وإذاعته وإذاعة ما هو مخالف للشريعة المطهرة، كالأحكام الصادرة
من المصادر غير الصالحة المخالفة لأحكام الاسلام، وإرادة ما هو مخالف
للشرع ومفسد لعقائد الجامعة وأخلاقها.
مسألة 2 - لما كان أكثر استعمال تلك الآلات في أمور مشروعة
بحيث يعد غير ذلك نادرا في بلادنا لا أجيز بيعها إلا ممن يطمئن بعدم
استعمالها إلا في المحلل ويجتنب عن محرماتها ولا يجعلها في اختيار من يستعملها
في المحرمات، ولا شراءها إلا لمن لم يستعملها إلا في المحلل، ويمنع غيره
عن استمالها في غير المشروع.
مسألة 3 - لا يجب جواب سلام من يسلم بواسطة الإذاعة، ويجب
جواب من سلم تلفونا.
مسألة 4 - لو سمع آية السجدة من مثل الراديو فإن أذيعت قراءة
شخص مستقيمة وجبت السجدة، وإن أذيعت من المسجلات لا تجب.
مسألة 5 - يسقط الأذان والإقامة إذا سمعهما من مثل الراديو بشرط
إذاعتهما مستقيمة، وإن أذيعت من المسجلات لم يسقط بسماعهما، ولا يستحب
حكايتهما في الفرض، ولا يسقط بحكايتهما.
مسألة 6 - يحرم استماع الغناء ونحوه من المحرمات من مثل الراديو،
629

سواء أذيعت مستقيمة أو بعد الضبط في المسجلة.
مسألة 7 - استماع الغيبة إذا أذيعت مستقيمة حرام، وإلا فليس
بمحرم من حيث استماع الغيبة، نعم يمكن التحريم من جهات أخر ككشف
سر المؤمن مثلا وإهانته.
مسألة 8 - الأحوط ترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه في مثل
التلفزيون كبدن الأجنبية وشعرها وعورة الرجل.
مسألة 9 - لا يبعد جواز الطلاق بواسطة الإذاعة والمكبرة إذا سمعه
شاهدان عدلان، ولا يجب حضورهما في مجلس الطلاق، والأحوط خلافه
هذا إذا أجري الطلاق في الإذاعة مستقيما لا بواسطة المسجلة، والحكم في
الظهار كالطلاق.
مسألة 10 - لا إشكال في وجوب ترتيب الآثار على الاقرار بواسطة
التلفون أو المكبرة أو الراديو ونحوها إذا علم بأن الصوت من المقر وكان
ذلك مستقيما لا من المسجلات، سواء كان الاقرار بحق لغيره حتى بما يوجب
القصاص أو بما يوجب حدا من حدود الله، كما لا إشكال في سماع البينة
على حق أو حد إذا أقيمت مستقيمة لا من المسجلة وعلم أن الصوت من
الشاهدين العدلين، وكذا يجب ترتيب الآثار على حكم الحاكم وثبوت ألحق به
وكذا الهلال وغيرهما من موارث الحكم مع الشرط المذكور، والظاهر جواز
استحلاف القاضي من عليه الحلف بواسطة المكبرة أو التلفون وحلفه من
ورائهما بالشرط المذكور، والظاهر جريان الحكم في سائر الموارد التي رتب
فيها الحكم على إنشاء أو إخبار كالقذف واللعان والغيبة والتهمة والفحش
وسائر ما يكون موضوعا للحكم بشرط العلم بكون المتكلم به فلانا أو قامت
البينة على ذلك.
مسألة 11 - هل يترتب الأحكام والآثار على الأقارير وغيرها إذا
630

كانت مضبوطة في المسجلات؟ لا شبهة في أن ما المسجلات لا يترتب
عليها الآثار، فلا يكون نشر ما في المسجلة إقرارا ولا شهادة ولا قذفا
ولا حكما ولا غيرها، لكن لو علم أن ما سجل في المسجلات هو الاقرار
المضبوط من فلان يؤخذ باقراره من باب الحكاية عن إقراره لا من باب
كون هذا إقرارا ومن باب الكشف عن شهادة البينة وحكم الحاكم وقذف
القاذف، وهكذا إذا علم أن ما هو المضبوط ضبط وسجل من الواقع
المحقق ومع احتمال كون هذا الصوت مشابها لما نسب إليه لا يترتب عليه
أثر لا على ما أذبح من المسجلات ولا على ما أذيع مستقيما بغير وسط.
ومنها مسائل الصلاة والصوم وغيرهما
مسألة 1 - يجوز الصلاة في الطائرات مع مراعاة مع مراعاة استقبال القبلة
ولو دخل في الصلاة مستقبلا فانحرفت الطائرة يمينا أو شمالا فحول المصلي
إلى القبلة بعد السكوت عن القراءة والذكر صحت صلاته وإن انجر
التحويل تدريجا إلى مقابل الجهة الأولى، وأما لو استدبر ثم تحول بطلت
صلاته، فلو صلى في طائرة مارة على مكة أو الكعبة المكرمة بطلت لعدم
إمكان حفظ الاستقبال، وأما لو طارت حول مكة وحول المصلى تدريجا
وجهه إلى القبلة صحت.
مسألة 2 - لو ركب طائرة فطارت فراسخ عموديا تقصر صلاته
وصومه، ولو طارت فرسخين مثلا عموديا فألغت جاذبة الأرض بطريق
علمي فدارت الأرض وبقيت الطائرة غير دائرة فرجعت إلى الأرض
بعد نصف دور مثلا لم تقصر صلاته ولا صومه، مثلا لو فرض كون
الطائرة في بغداد فطارت عموديا وبقيت في الفضاء غير دائرة بتبع الأرض
631

وبعد ساعات رجعت وكان المرجع لندن مثلا كانت صلاته تامة ولم يكن
مسافرا.
مسألة 3 - لو فاتت صلاة صبحه في طهران مثلا وركب طائرة
تقطع بين طهران وإسلامبول ساعة ووصل إليه قبل طلوع الشمس بنصف
ساعة كانت صلاته أداء بعد ما صارت قضاء، وهل يجب عليه مع عدم
العسر والحرج أن يسافر لتحصيل الصلاة الأدائية؟ الظاهر ذلك، وهكذا
بالنسبة إلى سائر صلواته، ولو فاتت صلاته في طهران مثلا وسافر مع تلك
الطائرة وشرع في صلاته قضاء ووصل إلى مكان لم يفت فيه الوقت فأدرك منه آخر
صلاته فإن أدرك ركعة فالظاهر أنها تقع أداء، وإن أدرك أقل منها ففيه إشكال
ولو شرع في المغرب قضاء فأدرك الركعة الثانية في الوقت ثم رجعت
الطائرة فخرج الوقت بين صلاته - فيكون وسطها في الوقت وطرفيها
خارجة - صحت، لكن في كونها أداءا أو قضاء تأملا، ولا يبعد مع إدراك
ركعة كونه أداء، ولو ركب طائرة فدخل في قضاء صلاة العصر من
يومه بعد الغروب فصعدت عموديا ورأى الشمس بين صلاته ثم هبطت
وغربت الشمس ثم صعدت فرآها وهكذا صحت صلاته، ولا يبعد كونها
أداء إذا أدرك من الوقت ركعة متصلة، وأما إذا أدرك الأقل أو بمقدارها
لكن لا متصلة ففي كونها أداء أو قضاء تأمل.
مسألة 4 - لو صلى الظهرين أول الوقت في طهران وركب الطائرة
ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم فهل تجب عليه الظهران المأتي بهما
عن الزوال؟ الظاهر عدم الوجوب.
مسألة 5 - لو رئي هلال ليلة الفطر في إسلامبول وسافر إلى طهران
وكان فيه ليلة آخر الصيام فهل يجب عليه الصوم؟ الظاهر ذلك، بل
الظاهر وجوبه ولو صام في إسلامبول ثلاثين يوما، ففرق بين الصوم
632

والصلاة في الحكم، ولو صام في طهران مثلا إلى غروب الشمس ولم يفطر
فسافر إلى اسلامبول ووصل إليه قبل الغروب من هذا اليوم فهل يجب عليه
الامساك إلى الغروب أم لا؟ الظاهر عدم الوجوب، وإن كان أحوط،
ولو صام في إسلامبول وسافر قبل الغروب بساعتين إلى طهران وأدرك
الليل في أثناء الطريق ولم يفطر ورجع إلى إسلامبول قبل غروب الشمس
في هذا اليوم فهل يجب الامساك إلى الغروب؟ الأحوط ذلك، وإن كان
عدم الوجوب أشبه، وكذا لو صام في محل إلى الغروب ثم ركب طائرة
فصعدت عموديا حتى رأى الشمس، ولو سافر بعد الزوال من طهران
بلا نية الصوم ووصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم فالظاهر جواز نية
الصوم لو لم يأت بمفطر، ومراعاة الاحتياط حسن، ولو كان آخر شعبان
في طهران أول رمضان في إسلامبول فبقي في طهران إلى الليل فذهب إلى
إسلامبول ووصل إليه الليلة الثانية من الشهر وكان الشهر في إسلامبول
تسعة وعشرين يوما فصام فيه وكان صومه ثمانية وعشرين يوما فهل يجب
عليه قضاء يوم؟ الأحوط ذلك بل لا يخلو من قرب، ولو سافر مع طائرة
ويكون تمم الشهر ليلا بالنسبة إليه يجب عليه القضاء ظاهرا، وكذا
من كان في القطب وفات منه شهر رمضان على إشكال، ولو أصبح في
طهران صائما فأفطر عمدا ثم سافر إلى إسلامبول فوصل إليه قبل الفجر
فصام اليوم بعينه فهل تجب عليه الكفارة والقضاء؟ لا إشكال في عدم
وجوب القضاء، وفي وجوب الكفارة إشكال، والأحوط ذلك، بل
هو الأقرب.
مسألة 6 - لو صلى صلاة عيد الفطر في إسلامبول وسافر إلى طهران
ووصل إليه قبل الزوال من آخر شهر الصيام وبعد لم يفطر فهل يجب
الصوم عليه كمن وصل إلى وطنه قبل زوال يوم الصوم؟ الظاهر وجوبه
633

وليس صومه مركبا من حرام وواجب كما لو يكن كذلك لو حصر من
السفر مع حرمة الصوم فيه، والأحوط له الافطار قبل الوصول إلى
طهران، وهل يجب عليه قضاء هذا اليوم الذي كان يوم عيد له في
إسلامبول ويوم صوم في طهران؟ فيه إشكال، والأشبه وجوبه إذا حضر
اليوم من أوله بل من قبل الزوال على الأحوط.
مسألة 7 - لو عيد في إسلامبول وأدى زكاة الفطرة ووصل إلى
طهران قبل غروب ليلة الفطر فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانيا بادراك
غروب العيد؟ الظاهر عدم الوجوب وإن كان أحوط، نعم لو لم يؤدها
في إسلامبول يجب أداؤها في طهران، ولو صلى العيد في إسلامبول
فالظاهر عدم وجوبها أو استحبابها ثانيا.
مسألة 8 - لو كان يوم الفطر في إسلامبول يحرم عليه الصوم،
ولو سافر إلى طهران وكان غدا يوم العيد يحرم عليه، وكذا الحال في
الأضحى فكان الصوم المحرم عليه أربعة أيام في السنة.
مسألة 9 - لو سافر مع طائرة تكون حركتها مساوية لحركة الأرض
وكان سيرها مخالفا لسير الأرض من الشرق إلى الغروب فلا محالة لو سافر
أول طلوع الشمس كان سيرها دائميا أول الطلوع ولو سارت ألف ساعة،
فهل يحرم السف معها للزوم ترك الصلاة أو يجوز ولا صلاة عليه أداء
ولا قضاء أو عليه القضاء فقط؟ الظاهر عدم جواز السفر معها، ولو قيل
بجوازه فالظاهر عدم صلاة عليه أداءا ولا قضاء، وكذا لا صوم عليه
أداءا ولا قضاء لو سافر قبل طلوع الفجر، ولو كان بعده فهل يجب
قضاء هذا اليوم فقط؟ فيه إشكال، والأحوط القضاء، لو سافر عند
زوال الشمس معها يجب عليه الظهران وإن وقع جميع الركعات في أول
الزوال، ولو نذر صوم يوم الجمعة مثلا سفرا فنوى الصوم في محل ثم
634

سافر أول طلوع الشمس فكان تمام يومه أول الطلوع ثم أسرعت بسيرها
فلا محالة يدخل فيما بين الطلوعين ثم الليل أي السحر فصام يوم الجمعة
إلى الليل بهذا النحو، فلا يبعد صحته والوفاء بنذره، نعم لو أسرعت
بعد ساعة أو ساعات قبل تمام اليوم بالنسبة إلينا فدخل ليلة الجمع بسيرها
فالظاهر عدم الوفاء بنذره لعدم صوم تمام اليوم.
مسألة 10 - لو سافر مع طائرة تكون سرعتها أكثر من حركة الأرض
وسارت من الشرق إلى الغرب فلا محالة تطلع الشمس عليه من مغرب الأرض
عكس الطلوع لأهل الأرض فهل الاعتبار في الصلوات بالطلوع والغروب
بالنسبة إلى لا إلى أهل الأرض فيصلي الصبح قبل طلوع الشمس من المغرب
الذي هو وقت غروب أهل الأرض مثلا، والعشاءين بعد غروبها
في الأفق الشرقي أو يكون تابعا للأرض فيكون عند طلوع الشمس من
المغرب بمقدار أربع ركعات مختصا بصلاة العصر ثم يشترك بين الظهر
والعصر إلى مقدار أربع ركعات إلى زوالها، فيختص بالظهر ويصلي
الصبح بعد غروب الشمس الذي هو بين الطلوعين بالنسبة إلى أهل الأرض
ثم بعد ذلك يدخل وقت الاختصاصي للعشاء ثم المغرب والعشاء ثم الاختصاصي
للمغرب؟ فيه إشكال وإن لا يبعد لزوم التبعية لأهل الأرض فيصلي في أوقاتها.
مسألة 11 - لو سافر مع قمر الصناعي فوصل إلى خارج الجاذبة
فلا محالة لا وزن له فيه فإن أمكن الوقوف على السطح الداخلي بحيث
تكون رجلاه إلى الأرض صلى مراعايا لجهة القبلة، وإلا صلى معلقا بين
الفضاء، فإن أمكن مع ذلك أن تكون رجلاه إلى الأرض صلى كذلك،
وإلا فبأي وجه أمكنه، ولا تترك الصلاة بحال، وفي الأحوال يراعي
القبلة أو الجهة الأقرب إليها، ومع الجهل بها صلى أربعا على الجهات.
مسألة 12 - لو ركب القمر الصناعي فدار به في اليوم والليل
635

عشر مرات حول الأرض ففي كل دور له ليل ونهار، فهل تجب عليه
الصلوات الخمس في كل دور منه أو لا تجب إلا الخمس في جميع أدواره
التي توافق يوما وليلة من الأرض؟ الظاهر هو الثاني، لكن لا بد من
مراعاة الطلوع والغروب بالنسبة إلى نفسه. فيصلي الصبح قبل أحد
الطلوعات، والظهرين بعد زوال أحد الأيام، والمغربين في إحدى الليالي
وله إتيان الظهر في زوال يوم والعصر في يوم آخر بعد الزوال، والمغرب
في إحدى الليالي والعشاء في الأخرى، فهل له اتيان الظهر عند الزوال
ثم المغرب عند الغروب ثم العصر عند زوال آخر والعشاء في ليلة أخرى
فيتشابك الظهران والعشاءان؟ لا يبعد ذلك، لكن الأحوط ترك هذا
النحو، بل الأحوط الاتيان بالظهرين في يوم والعشاءين في ليلة مع الامكان.
مسألة 13 - لو ركبت المرأة في طائرة تدور مساوية لحركة الأرض
وكان سيرها مخالفا لسير الأرض فرأ الدم واستمر بها بمقدار ثلاثة أيام من
أيامنا لكن كانت تلك المدة بالنسبة إليها أول طلوع الشمس مثلا فالظاهر
أن دمها محكوم بالحيضية، فالميزان استمرار هذه المدة لا بياض الأيام، وكذا
لو كانت المرأة في قطر يكون يومه شهرا مثلا ورأت الدم واستمر بمقدار ثلاثة
أيام من آفاقنا يحكم بكونه حيضا، ولو ركبت قمرا صناعيا وكان النهار
والليل بالنسبة إليها ساعة لا بد من استمرار دمها بمقدار ثلاثة أيام من
آفاقنا لا بالنسبة إليها، ولو أخرج دم الحيض الذي يستمر بطبعه ثلاثة
أيام بآلة في يوم واحد لم يحكم بحيضيته، كما لو أدخل في رحمها
شئ يجذب الدم ثلاثة أيام أو أكثر ولم يخرج إلى الخارج إلا دفعة فلا يحكم
بحيضية الدم.
مسألة 14 - كما أن الميزان في الدم استمراره لا بياض الأيام ولهذا تلفق
الأيام كذلك الميزان ذلك في العدة مطلقا، وقصد الإقامة والبقاء في محل ثلاثون
636

يوما مرددا، وأكثر الحمل وأقله، وكذا الحيض والنفاس، وخيرا الحيوان ثلاثة
أيام، وخيار تأخير الثمن، ولا يوم والليلة في مقدار الرضاع، وسنة تغريب الزاني
وإنظار ثلاثة أشهر في الظهار، والحلف على أزيد من أربعة أشهر في الايلاء
وإنظار أربعة أشهر فيه، والسنة والسنتين والسنين التي تستأدى الديات عند
حلولها، وحد البلوغ واليأس، وتأجيل أربع سينين للمرأة المفقود زوجها وتأجيل
سنة في العنن، وأحداث السنة في باب خيار العيب، وحق الحضانة للأم سنتين
أو سبع سنوات، والسنة المعتبرة في تعريف اللقطة، والأشهر الأربعة التي يحرم
لزوج ترك وطء زوجته أكثر منها، والسنة المعتبرة في إرث الزوجة عن زوجها
لو طلقها في مرضه، والسنة التي تعتبر فيما لا تبقى اللقطة لسنة، والظاهر أن
الأمر كذلك في باب القسم بين النساء، واختصاص البكر أول عرسها
بسبع ليال والثيب بثلاث وأن لا يخلو في باب القسم والاختصاص المذكورين
من اشكال من حيث أخذ الليالي بعناوينها فيهما، والالتزام بكون القسم
حسب ليل القطبين مثلا وكذا السبع في العرس سبع ليال فيهما غير
ممكن، فلا بد إما من القول بسقوط الحكم فيهما وفي مثلهما أو التقدير حسب
الليالي المتعارفة، والأقرب الثاني إلى غير ذلك مما هو من هذا القبيل،
فإن الميزان فيها مضي مقدار الأيام والشهور والسنين بحسب آفاقنا، فلو طلق
زوجته في أحد القطبين تخرج من العدة في ربع يومه وليلته، وأكثر الحمل
بناء على كونه سنة يوم وليلة، ولا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ثلث
يوم وليلة، نعم لو كان أكثر الحمل في القطب بحسب الطبع أكثر من يوم
وليلة يتبع ولا يقاس بآفاقنا.
مسألة 15 - كما يجب على أهل القطب تطبيق مقدار الأيام والأشهر
والسنين على أيامهم في المذكورات لو فرض وجود أهل في بعض السيارات
أو سافر البشر من الأرض إلى بعضها وكانت حركته حول نفسه في مقدار
637

يومنا عشر مرات وكان يومه وليلته عشر يومنا لا بد له من تطبيق أيامه
على مقدار أيامنا، فيكون خيار الحيوان هناك ثلاثين يوما، وأقل الحيض
ثلاثين يوما، وتأجيل المرأة المفقود زوجها أربعين سنة، وهكذا.
مسألة 16 - ما ذكرناه إنما يجري في كل مورد يعتبر فيه المقدار
لا بياض اليوم، ولهذا تلفق الأيام فيها، وأما مثل الصوم المعتبر فيه الامساك
من طلوع الفجر إلى الغروب ولا يأتي فيه التلفيق فلا اعتبار بالمقدار،
وكذا لا يجري ما ذكر في الصلاة، فإن أوقاتها مضبوطة معتبرة، فلا تصح
صلاة الظهرين في الليل وإن انطبق على زوال آفاقنا، ولا يصح الصوم
في بعض اليوم أو الليل وإن كان بمقدار يومنا.
مسألة 17 - لو فرض صيرورة حركة الأرض بطيئة وصار اليوم
ضعيف يومنا لا بد في صحة الصوم من إمساك يوم تام مع الامكان، ومع عدمه
يسقط الوجوب، ولا يجب عليه أكثر من الصلوات الخمس في يوم وليلة
وأما ما يعتبر فيه المقادير لا بياض النهار وسواد الليل فلا بد من مضي مقدار
ما يعتبر في أفق عصرنا، فأقل الحيض في ذلك العصر مقدار ثلاثة أيام
أفقنا المنطبق على يوم وليلتين أو على يومين وليلة إذا كان اليوم ضعفا،
وبهذه النسبة إذا تغيرت الحركة، وكذا الحال لو فرض صيرورتها أسرع
بحيث كان اليوم والليلة نصف هذا العصر، فلا بد في الصوم من إمساك يوم،
وتجب في كل يوم وليلة خمس صلوات.
مسألة 18 - لا اعتبار بروية الهلال بالآلات المستحدثة، فلو رئي
ببعض الآلات المكبرة أو المقربة نحو تلسكوب مثلا ولم يكن الهلال قابلا
للرؤية بلا آلة لم يحكم بأول الشهر، فالميزان هو الرؤية بالبصر من دون
آلة مقربة أو مكبرة، نعم لو رئي بالبصر بلا آلة
بحكم بأول الشهر، وكذا الحال في عدم الاعتبار بالآلات في الخسوف
638

والكسوف، فلو لم يتضح الكسوف إلا بالآلات ولم يره البصر غير المسلح
لم يترتب عليه أثر.
خاتمة:
لو وفق البشر للسفر إلى بعض السيارات والكرات تحدث عند ذلك
مسائل شرعية كثيرة سيأتي الفقهاء أعلى الله كلمتهم بكشف معضلاتها،
ولا بأس بإشارة إجماعية إلى بعض منها.
مسألة 1 - يصح التطهير حدثا وخبثا بمائها وصعيدها بعد صدق الماء
والتراب والحجر ونحوها عليها، وتصح السجدة على أرضها وما ينبت منها.
مسألة 2 - تختلف الأوزان فيها اختلافا فاحشا حسب ضعف الجاذبة
وقوتها، ففي القمر لما كانت الجاذبة أضعف من جاذبة الأرض تكون
الأجسام مع الاتحاد في المساحة مختلفة في الوزن في الكرتين، فالكر بحسب
المساحة يكون في الأرض موافقا للوزن المقدر تقريبا، وفي كرة القمر
تكون تلك المساحة أقل من عشر الوزن المقدر، فلو اعتبرنا في القمر
الوزن تكون مساحته أضعاف المساحة المقدرة، فهناك يكون الاعتبار بالمساحة
لا الوزن، ولو قيس بين المساحة والوزن في كرة تكون جاذبيتها أضعاف
الأرض ربما يكون شبران من الماء بمقدار الوزن المقدر، فالاعتبار بالمساحة
فيها لا الوزن، فينفعل الماء الذي وزنه بمقدار الكر في الأرض، ويمكن
الاعتبار هناك بالوزن، لكن يوزن بالكيلوات الأرضية حسب جاذبة تلك
الكرة، فيوافق مع المساحات تقريبا، وفما يعتبر فيه الوزن فقط كالنصاب
في الغلات الأربع يحتمل أن لا يتغير حكمه ولو تغيرت مساحته، فالحنطة
يلاحظ نصابها المقدر ولو صار كيلها في كرة القمر أضعاف كيلها في الأرض
639

وفي المشتري مثلا عشر كيلها في الأرض، ولو أتى زمان على الأرض
ضعفت جاذبتها فالحاكم كما ذكر، ويحتمل أن يكون الاعتبار بالكيلوات أو
الأمتار الأرضية لكن بجاذبة تلك الكرات أو الأرض بعد ضعف جاذبتها.
مسألة 3 - لو وجد هناك ما تعلقت به الزكاة والخمس كالغلات
الأربع والأنعام الثلاثة والنقدين وكالمعادن والكنوز وأشباههما جرت عليها
الأحكام الشرعية، ولو وجدت معادن وكنوز من غير جنس ما في الأرض
تعلق بها الخمس، وأما لو وجدت حبوب أو أنعام غير ما هاهنا لم تتعلق
بها الزكاة، ولو وجد ما تعلق به الزكاة هناك بغير الطريق
العادي كما لو وجدت الأنعام بطريق الصنعة وكذا الغلات المصنوعيات
والنقدان المصنوعيان تعلق بها الزكاة بعد صدق العناوين.
مسألة 4 - لو وجد هناك إنسان يعامل معه معاملة الانسان في الأرض
ولو كان الموجودات هناك بأشكال أخر لكن كانوا عاقلين مدركين فكذلك
يعامل معهم معاملة الانسان حتى جازت المناكحة معهم، وجرت عليهم جميع
التكاليف الشرعية والأحكام الإلهية، ولو كان أشبارهم على خلاف أشبارنا
يكون الميزان في مساحة الكر أشبارنا، وكذا في الذراع، ومع اختلافهم
في عدد الأيدي والأرجل والأصابع معنا تختلف أحكامهم في أب الوضوء
والديات والقصاص وغيرها.
مسألة 5 - يجب في الصلاة هناك استقبال الأرض، وباستقبالها يحصل
استقبال القبلة، ولما كانت في حركتها الدورية تارة في جانب من الأرض
وأخرى في جانب آخر منها تختلف صلواتهم، فربما تكون صلاة الظهرين
إلى المشرق والمغربين إلى المغرب وبالعكس، وأما كيفية دفعن موتاهم فيمكن
أن يقال بوجوب الاستقبال حدوثا ولو يتبدل في كل يوم، وأما تكليف
الصيام في القمر أو سائر الكرات فمشكل، ولا يبعد وجوبه في كل سنة.
640

شهرا مع الامكان، ولو أمكن انطباق شهرها مع شهر رمضان في الأرض
يجب على الأحوط، ولو انكسفت الشمس بالأرض أو بغيرها وجبت
صلاة الآيات، وهل في انخساف الأرض أيضا صلاد، فيه إشكال،
والظاهر وجوبها للآيات المخوفة حتى الزلزلة، والصلوات اليومية في تلك
الكرات تابعة للزوال والغروب فيها، والصوم من طلوع
الفجر إلى الغروب
مع الامكان.
مسألة 6 - لو بلغ الأطفال هناك حد الرجال في سنة مثلا فإن بلغوا
بالاحتلام أو إنبات الشعر الخشن على العانة فلا إشكال في الحكم بالبلوغ
وترتيب آثاره، وأما سقوط اعتبار السن فمشكل وإن لا يبعد إن علم أنه
بحد الرجال، ولو لم يبلغوا حد الرجال إلا بعد ثلاثين سنة بحيث علم
أنه طفل غير بالغ حد الرجال، فالظاهر عدم الحكم بالبلوغ، وهكذا
لو فرض أن الأطفال المصنوعية كذلك في طرفي القلة والكثرة، وكذا
لو أتى زمان أبطأ السير الطبيعي والرشد والبلوغ بجهات طبيعية كضعف
حرارة الشمس وأشعتها أو أسرع بجهات طبيعية أو صناعية إلى غير ذلك
من الأحكام الكثيرة التي ليست الآن محل ابتلائنا، ولو أتى زمان انهدم
القمر قبل الأرض تحدث مسائل أخر، وكذا لو أبطأت حركة الأرض
فتغير النهار والليل والفصول تحدث مسائل في كثير من أبواب الفقه
ولو صح ما قيل من إمكان مخابرة الأجسام تحدث لأجلها أحكام
أخر أيضا.
641