الكتاب: كلمة التقوى
المؤلف: الشيخ محمد أمين زين الدين
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٩
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤١٣
المطبعة: مهر
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: الموزع : السيد جواد الوداعي

كلمة التقوى
الجزء الأول
كتاب الطهارة
فتاوى المرجع الديني
الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله
فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها
وأهلها، وكان الله بكل شئ عليما.
العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأفضل صلواته وتسليماته
على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير.
[الفصل الأول في المياه]
كلمة الماء واضحة الدلالة على معناها عند أهل العرف، فهي لا تفتقر في
إيضاح المراد منها إلى ضم كلمة أو قرينة أخرى، ولكن المتشرعة
يقولون: الماء المطلق، للتفرقة بينه وبين الماء المضاف، نظرا لما بين
الموضوعين من اختلاف في الأحكام.
فالماء المطلق هو ما يفهمه أهل العرف من لفظ (الماء) حين يسمعونه
مجردا، عن أية إضافة أو قرينة تضم إلى هذا اللفظ، نعم، قد
يقولون: ماء البحر، وماء الفرات، وماء البئر، ويقصدون بذلك
تعيين بعض الأفراد الخاصة من هذا المعنى الواحد، كما يقولون: ماء
الكاس مثلا وماء الإبريق.
ويقابل ذلك: الماء المضاف وهو ما يحتاج أهل العرف في إيضاح
معناه إلى ضم كلمة أخرى إلى كلمة الماء تحدد المراد منه، فيقولون: ماء
الورد، وماء العنب، وماء اللحم. من غير فرق بين ما يعتصر من
الأجسام كماء العنب وماء الرمان، وما يؤخذ بالتصعيد كماء الورد
وماء النعناع، وما يتكون بطريقة الامتزاج كماء الصابون وماء الملح.
[المسألة الأولى:]
قد يصعد الماء المطلق أو الماء المضاف وجريان الأحكام عليه تابع
لتسميته عند أهل العرف بعد هذا التصعيد، فالماء الملح حين يصعد
ليكون عذبا فهو ماء مطلق سواء كان في الأصل ماء مطلقا كذلك كماء
البحر، أم مضافا كماء الملح، وماء الورد حين يصعد مرة أخرى لا يزال
ماءا مضافا إذا بقيت الإضافة في اسمه عند أهل العرف بعد التصعيد
ويكون ماءا مطلقا إذا سلبت عنه الإضافة عندهم.
[المسألة الثانية:]
ماء البحر على كونه ملحا أجاجا لا يخرج عن كونه ماء مطلقا تجري
له جميع أحكام الماء، والماء الذي يمزج بالملح بمقادير أكثر من العادة،
يصبح ماء مضافا تجري له جميع أحكام الماء المضاف، والمائز
1

بينهما هو نظر أهل العرف الذي وجه الشارع كلامه على مقتضاه وأرجع
إليه المكلفين في تبيين الموضوعات.
[المسألة الثالثة:]
الأحكام التي تذكر للماء المضاف تعم غيره من المائعات الأخرى غير
الماء المطلق وإن لم تسم ماء كالزيت والدبس والعصير والنفط وأمثالها،
إذا لم تجمد فتكون غليظة.
[المسألة الرابعة:]
الماء المضاف المأخوذ من أصل طاهر إذا لم يلاق نجاسة فهو طاهر في
نفسه ولكن لا تطهر الأجسام المتنجسة إذا غسلت به، ولا يكفي استعماله
في وضوء ولا غسل، وإذا لاقى نجسا أو متنجسا حكم بنجاسته وإن كان
كثيرا، نعم إذا بلغ من الكثرة حدا كبيرا جدا كآبار النفط وما أشبهها
فالظاهر عدم انفعاله بملاقاته النجاسة إذا هو لم يتغير بأوصافها.
[المسألة الخامسة:]
إذا جرى الماء المضاف من العالي إلى السافل لم ينجس عاليه بملاقاة
سافله النجاسة، وإن كان متصلا، وبحكمه المائعات الأخرى، كما إذا
صبت القهوة أو الشاي في الإناء النجس فلا ينجس بذلك ما في الإبريق
ولا ما في العمود، ولا يعتبر في ذلك أن يكون دفعه بقوة، فإذا انحدر
الماء المضاف متثاقلا إلى موضع نجس لم يتنجس عاليه بتنجس سافله،
وكذلك المائعات الأخرى كالدبس والسمن وغيرهما. نعم، يعتبر
الدفع بقوة في ما كان دفعه إلى أعلى كالفوارة فلا ينجس سافل الماء
المضاف بملاقاة عاليه النجاسة إذا كان دفعه إلى أعلى بقوة، بل ولا ينجس
العمود، ومثله الحكم في المادي.
[المسألة السادسة:]
قد يتردد المكلف في مائع خاص إنه ماء مطلق أو مضاف فإن كان
مفهوم ذلك الماء المضاف معينا عند أهل العرف لا تردد فيه، ولكن
عروض بعض الطوارئ أو انتفاء بعض الخصوصيات أوجب الشك
2

في أن ذلك المائع فرد لأي المفهومين المعلومين، وفي هذه الصورة يؤخذ
بالحالة السابقة لذلك المائع إذا علم بها، فتجري عليه أحكام الماء إذا
علم بأنه كان في السابق ماء مطلقا، وتجري عليه أحكام الماء المضاف إذا
علم أنه كان ماءا مضافا، وإذا لم تكن له حالة سابقة أو جهل بها لم
يحكم عليه بأنه ماء مضاف ولا ماء مطلق، فلا يطهر من النجاسة إذا
عسلت به. ولا يكفي استعماله في وضوء ولا غسل، وينجس بملاقاة
النجاسة إذا كان قليلا، والأحوط اجتنابه إذا كان كثيرا.
وإن كان الشك في ذلك المائع إنما هو للشك في مفهومه أشكل الحكم فيه،
فلا يترك فيه الاحتياط.
[المسألة السابعة:]
إذا تنجس الماء المضاف بملاقاة إحدى النجاسات أو المتنجسات أمكن
تطهيره بالتصعيد، فإذا استحال بخارا ثم اجتمع بعد ذلك ماء حكم عليه
بالطهارة سواء أصبح بعد تصعيده ماءا مطلقا أم ماء مضافا كالسابق،
وكذلك الماء المطلق إذا تنجس يمكن تطهيره بالتصعيد، وسيأتي بيانه
إن شاء الله تعالى.
وإذا استهلك الماء المضاف النجس في الماء المطلق الكثير أو الجاري
أو أي ماء معتصم آخر حتى أصبح الجميع ماء مطلقا حكم عليه بالطهارة
وجرت عليه أحكام المطلق الطاهر.
[المسألة الثامنة:]
إذا ألقي المضاف المتنجس أو أي مائع متنجس أخر في الكر الطاهر،
فأصبح الكر بملاقاته ماءا مضافا حكم عليه بالنجاسة، وإن فرض أن
صيرورة الكر مضافا واستهلاك المتنجس فيه قد حصلا دفعة واحدة،
على أن هذا الفرض بعيد التحقق إن لم يكن ممتنعا. وكذلك إذا تغير
بعض الكر بملاقاة المضاف النجس فأصبح ماء مضافا حكم بنجاسته
جميعا.
[المسألة التاسعة:]
قد يختلط الماء بالطين حتى يكون ماء مضافا لا يصح استعماله في
3

وضوء ولا غسل فإذا انحصر الماء فيه وكان وقت الصلاة واسعا وجب
الصبر على المكلف إلى أن يصفو، وينعزل الماء عن الطين فيتوضأ منه أو
يغتسل، وإذا كان وقت الصلاة ضيقا وجب عليه التيمم لها، وكذلك
الحكم في تطهير البدن أو الثوب من النجاسة للصلاة.
[المسألة العاشرة:]
الماء المطلق قسمان: معتصم وغير معتصم.
فالمعتصم: هو ما بلغ مقداره الكر وإن لم تكن له مادة، ويسمى
بالكثير، أو كانت له مادة يتصل بها وإن لم يبلغ في ذاته مقدار الكر،
ومن هذا القسم: الجاري، وماء البئر، وماء المطر، وماء الحمام، وماء
الأنابيب المتعارفة في هذه الأزمنة. ومن الجاري مياه الأنهار، ومياه
العيون، والثمد، ومن الكثير مياه الحياض الكبار التي لا تتصل بمادة،
ومياه الغدران التي تجتمع من السيول والأمطار بعد انقطاعها، ومياه
المجاري التي تتكون من سيلان الثلوج المتجمدة بعد ذوبانها.
وغير المعتصم: هو الماء الذي لم يبلغ مقداره الكر، ولم تكن له
مادة، ويسمى أيضا بالماء القليل وتترتب عليه أحكام الماء القليل إذا
كان أقل من الكر ولو بنصف مثقال مثلا.
[المسألة 11]
الماء المطلق طاهر في نفسه ومطهر لغيره من المتنجسات القابلة
للتطهير سواء كان راكدا أم جاريا أم ذا مادة، وسواء كان قليلا أم
كثيرا.
[المسألة 12]
إذا لقي الماء المطلق نجاسة فتغير بها لون الماء أو طعمه أو رائحته
تنجس الماء بها سواء كان راكدا أم جاريا أم ذا مادة وسواء كان قليلا
أم كثيرا وتلاحظ (المسألة 22) في تنجس الماء القليل.
[المسألة 13]
ويشترط في انفعال الماء المعتصم بالنجاسة أن يكون تغيره بأحد
4

أوصافها الثلاثة فعليا فلا يكفي التغير الفرضي، وعلى هذا فإذا وقعت
فيه نجاسة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، فلم يتغير بها لون الماء ولا
طعمه ولا رائحته لم يتنجس بها وإن كانت النجاسة الواقعة فيه بمقدار
لو كانت لها أوصاف لغيرته.
وإذ وقعت فيه نجاسة تغيره بالفعل ولكن التغير لم يظهر في الماء
لوجود بعض الموانع من ظهوره حكم بنجاسته، ومثال ذلك أن يكون لون
الماء أحمر لبعض العوارض فيه فتكون حمرة الماء مانعة عن ظهور حمرة
الدم الذي يقع فيه، أو تكون للماء بعض الروائح التي تمنع من ظهور
رائحة الجيفة التي تقع فيه، فإذا وقعت فيه مثل هذه النجاسة حكم
بنجاسته.
ويشترط أن يكون بسبب ملاقاة النجاسة نفسها، وعلى هذا
فإذا تغيرت رائحة الماء بسبب مجاورته للجيفة من غير أن تقع فيه
أو يقع فيه جزء منها، لم يحكم على الماء بالنجاسة، بل لا يحكم عليه
بالنجاسة وإن وقع فيه ذنب الميتة أو شعرها وشبههما من الأجزاء التي
لا يستند تغير الماء إليها.
وإذا وقع في الماء المعتصم شئ متنجس فتغير لون الماء أو طعمه أو
رائحته بأوصاف الشئ المتنجس كما إذا تغير لون الماء بلون الصابون
المتنجس أو طعمه لم يحكم عليه بالنجاسة، إلا إذا أصبح بذلك التغير
ماءا مضافا فيحكم بنجاسته من هذه الجهة.
وإذا وقع في الماء المعتصم شئ متنجس يحمل أوصاف النجاسة فغير
الماء بأوصاف النجاسة حكم بنجاسته على الأحوط ومثال ذلك أن يقع دم
في مائع من المائعات فيصطبغ بلونه، ثم يقع هذا المائع المتلون في الماء
المعتصم فيغيره بلون الدم فالأحوط اجتنابه.
ويشترط أن يكون تغير الماء بأحد الأوصاف الثلاثة المذكورة:
اللون والطعم والرائحة، فلا ينجس الماء المعتصم إذا تغير بغير هذه
الثلاثة من أوصاف النجاسة كالثخانة والثقل والحرارة مثلا.
5

[المسألة 14]
يكفي للحكم بنجاسة الماء المعتصم أن تكون ملاقاته للنجاسة سببا
لتغير لونه أو طعمه أو رائحته إلى لون أو طعم أو رائحة أخرى، وإن
كان ذلك مخالفا لوصف النجاسة التي وقعت فيه كما إذا أصفر الماء
بوقوع الدم فيه، وإذا كان للماء لون غير لونه الطبيعي كما إذا غيرته
التربة أو بعض ما يمتزج به من المعادن والأخلاط إلى لون الحمرة أو
الخضرة أو السواد فغيرته النجاسة التي وقعت فيه إلى لون آخر حكم
عليه بالنجاسة. وكذلك إذا غيرت النجاسة طعمه أو رائحته غير
الطبيعية.
[المسألة 15]
لا يحكم بنجاسة الماء المعتصم إلا إذا علم باستناد التغير فيه إلى ملاقاة
النجاسة، فإذا وقعت النجاسة في الماء فلم يتغير بالفعل، وأخرجت منه
ثم تغير بأوصافها بعد مدة، فإن علم بأن هذا التغير يستند إلى ملاقاة
النجاسة حكم على الماء بالنجاسة، وإن علم بعدم استناده إليها أو شك
في ذلك فهو طاهر
[المسألة 16]
إذا وقعت النجاسة في الماء ولم يعلم أنها غيرته بأوصافها أم لم تغيره،
لم يحكم عليه بالنجاسة، وكذلك إذا وجد التغير فيه ولم يعلم أن تغيره
كان لمجاورته للنجاسة أو لوقوعها فيه، وكذلك إذا تغير الماء ولم يعلم
أن تغيره كان بسبب ملاقاة النجس أو بسبب ملاقاة شئ آخر طاهر فلا
يحكم على الماء بالنجاسة في جميع هذه الفروض.
[المسألة 17]
إذا وقع في الماء شيئان أحدهما نجس والثاني طاهر، فتغير لون
الماء أو طعمه أو رائحته بوقوعهما فيه، فإن علم أن ملاقاة النجس
منهما تكفي في حصول التغير في الماء ولو ببعض مراتبه فالظاهر نجاسته،
وإن لم يعلم ذلك فهو طاهر.
6

[المسألة 18]
إذا وقع جزء من الميتة في الماء المعتصم وسائر أجزائها خارجة،
فتغيرت رائحة الماء بسبب مجاورتها وبملاقاة ذلك الجزء منها فالأحوط
اجتناب ذلك الماء.
[المسألة 19]
إذا تغير الماء الراكد بملاقاة النجس حكم عليه جميعا بالنجاسة سواء
كان قليلا أم كثيرا كما تقدم، وكذلك إذا تغير بعض الماء دون بعض
وكان البعض الذي لم يتغير منه لا يبلغ مقدار الكر، وكذلك إذا كان
البعض الذي لم يتغير من الماء يبلغ مقدار الكر لو اجتمع، ولكن المتغير
منه قد فرق بين أطرافه فلم يتصل الكر منه بعضه ببعض فجميع الماء
يكون نجسا في هذه الصور.
وإذا كان البعض الذي لم يتغير من الماء كرا فأكثر، وكان بعضه
متصلا ببعض اختصت النجاسة بالجزء المتغير منه وكان الباقي طاهرا،
فإذا زال التغير حكم بطهارته جميعا.
ويشترط في طهارته بعد زوال التغير منه أن يحصل الامتزاج في
الجملة بالبعض الطاهر منه فلا يكتفي بالاتصال وحده على الأحوط،
وسيأتي بيان مقدار ما يعتبر من الامتزاج في المسألة الآتية.
[المسألة 20]
لا يطهر الماء المتغير بملاقاة النجس بمجرد زوال التغير عنه حتى
يتصل بعد زوال التغير بكر طاهر كما تقدم في المسألة السابقة، أو
يتصل بالجاري، أو بالمادة، أو بماء معتصم آخر، وحتى يمتزج بهذا
الماء المطهر في الجملة على الأحوط، ويكفي من الامتزاج ما يحصل
بتدافع الماء نفسه في ماء النهر الجاري وما المطر، وما يحصل بدفع
المادة في ماء البئر وماء الحمام كما هو مورد أدلة المسألة، وفي التطهير
بالكثير والجاري الضعيف الجريان يكفي أن يحصل الامتزاج بذلك
المقدار، فإذا زال تغير الماء واتصل بالمعتصم وحصل الامتزاج على
7

الأحوط - في هذا - حكم بطهارة الماء، وكذلك الحكم في الماء القليل
إذا تنجس بملاقاة النجس أو المتنجس من غير أن يتغير على الأقوى.
[المسألة 21]
إذا ألقي الكر الطاهر على الماء المتغير بالنجاسة فأزال تغيره من غير
أن يتأثر الكر الطاهر بشئ حكم بطهارة جميع الماء، وإذا تغير بعض
الكر الطاهر أو تفرقت أجزاؤه بأجزاء الماء المتغير فلم يتصل بعض
الكر ببعض حكم عليه بالنجاسة.
[الفصل الثاني]
[في الماء القليل، والماء الكثير]
[المسألة 22]
لا يكون الماء معتصما حتى يبلغ مقداره الكر أو تكون له مادة كما
تقدم بيانه في المسألة العاشرة، فإذا لاقى نجاسة وكان قليلا دون الكر
- ولو بنصف مثقال - ولم تكن له مادة حكم عليه بالنجاسة، سواء تغير
بها أحد أوصافه أم لم يتغير، وسواء ورد على النجاسة أم كانت هي
الواردة عليه، وسواء كان مجتمعا في مكان واحد أم متفرقا في حفر أو
أمكنة متعددة تصل بينها سواقي أو مجاري أو أنابيب، ولكن المجموع
من الماء لا يبلغ الكر.
[المسألة 23]
إذا اختلفت سطوح الماء المتصل بعضه ببعض بحيث كان يجري من
العالي إلى السافل لم يصدق على مجموع ذلك الماء إنه ماء واحد فلا
يعتصم بعضه ببعض وإن بلغ مجموعه كرا، كما إذا كان نصف الكر
في الطرف السافل من المكان ونصفه الآخر في الطرف العالي منه وهو
ينحدر إلى السافل، فإذا لاقت النجاسة أحد الطرفين منه حكم على ذلك
الطرف الملاقي بالنجاسة، وإذا كان المتنجس هو الطرف العالي من الماء
تنجس السافل منه كذلك، وإذا كان الملاقي للنجاسة هو الطرف السافل
منه اختصت النجاسة به ولم يتنجس العالي من الماء.
8

نعم، إذا كان العالي وحده كرا وجرى إلى السافل كان له مادة
واعتصم به، فإذا لاقته النجاسة لم ينفعل بها إلا أن يتغير أحد أوصافه.
والأحوط - بل الأقوى - أن تكون المادة وحدها كرا كاملا زائدا على
ما ينحدر في المجرى إلى الطرف السافل كما سيأتي في ماء الحمام.
[المسألة 24]
الكر من الماء هو ما بلغ وزنه ألفا ومائتي رطل بالأرطال العراقية.
وهذا العدد من الأرطال يساوي واحدا وثمانين ألفا وتسعمائة
مثقال بالمثاقيل الصيرفية المعروفة.
وعلى هذا فالكر يساوي وزنه ثلاثمائة وسبع حقق اسلامبولية وثلاثة
وثلاثين مثقالا صيرفيا على الأحوط، بناء على ما ذكره بعض الثقاة من
أنه ضبط المثاقيل الصيرفية فوزنها بحب القمح المتوسط وطبقها على
الحقة الاسلامبولية المذكورة فوجدها تبلغ مائتين وستة وستين مثقالا
صيرفيا وثلثي المثقال، فالكر يبلغ العدد المذكور.
والكر يبلغ مائتين وأربع (ربعات) بحرانية وثلاثة أرباع الربعة،
ووزن هذه الربعة - وهي المعروفة في البحرين وما والاها - أربعمائة
مثقال صيرفي.
وإن أريد وزن الكر بالكيلو وهو الوحدة الغربية للوزن المشهورة
في البلاد، فالأحوط أن لا يقل عن ثلاثمائة وثمانية وتسعين كيلوا
ونصف، نظرا لعدم ضبط وزن الكيلو بالمثاقيل على وجه التحديد،
وما ذكر في هذا الباب لا يعدو عن التخمين.
[المسألة 25]
الكر بحسب المساحة ما بلغ مكسر أبعاده حين يضرب بعضها ببعض
ستة وثلاثين شبرا على الأقرب، والمراد بالشبر الشبر المتوسط بين أفراد
الناس، والظاهر أنه إذا بلغ مقدار الماء ثلاثمائة وثمانية وتسعين لترا
ونصفا فقد بلغ الحد المذكور فإن اللتر يسع كيلوا من الماء.
9

[المسألة 26]
إذا جرى الماء القليل غير المعتصم من العالي إلى السافل لم يتنجس
عاليه إذا لاقى سافله النجاسة سواء كان انحداره إلى السافل بقوة أم
لا، وكذلك إذا جرى من السافل إلى العالي بدفع وقوة كما في الفوارة،
ولاقى عاليه النجاسة لم يتنجس سافله بل ولا العمود، وكذلك في
المساوي، وقد تقدم نظير هذا الحكم في الماء المضاف.
[المسألة 27]
الماء الجامد لا يكون عاصما لغيره ولا معتصما في نفسه وإن كان
كثيرا، فإذا جمد بعض ماء الحوض الكبير وكان الباقي منه لا يبلغ
كرا فهو من الماء القليل، فإذا هو لقي نجاسة تنجس بها وإن لم يتغير،
وتنجس الجزء الملاقي له من الجامد، فإذا ذاب شيئا فشيئا تنجس جميعا
إلا أن يكون الذوبان من الجانب الطاهر وتكثر حتى يبلغ الكر فيكون
معتصما ثم يطهر القسم المتنجس إذا اتصل به وامتزج.
وكذلك الثلج الكثير إذا ذاب بعضه، فإن كان دون الكر فهو من
القليل، وإن كان كرا اعتصم في ذاته وطهر الباقي إذا لحقته النجاسة ثم
اتصل به وامتزج.
[المسألة 28]
قد يجتمع بعض ماء المطر أو غيره في الأرض ويتسرب في تربتها،
فإذا حفرت في جانبها حفيرة سال بعض الماء إليها، ومثل هذا الماء لا يعد
من الماء الجاري، بل هو من الماء المحقون على الأحوط، فإذا كان دون
الكر كان له حكم القليل، وإذا بلغ مقدار الكر أو زاد عليه كان له
حكم الكثير.
[المسألة 29]
ما يسيل في المنحدرات من مياه الثلوج الذائبة في قمم الجبال وغيرها
لا يعد من الماء الجاري لأنه ليس بنابع، بل هو من الماء الكثير، وإذا
اجتمع منه في القمة ما يكون كرا فأكثر ثم سال الزائد عنه إلى المنحدر
كان من ذي المادة واعتصم بها.
10

[المسألة 30]
إذا تردد المكلف في أن الماء هل يبلغ مقدار الكر أم لا، فإن كان يعلم
أن هذا الماء كان في السابق كرا، وهو يشك في بقاء كريته السابقة
وعدم بقائها حكم ببقاء الكرية ورتب على الماء أحكامها، وإن كان يعلم
أن الماء كان في السابق دون الكر وهو يشك في طروء الكرية عليه بعد
ذلك وعدم طروئها حكم على الماء بعدم الكرية ورتب عليه أحكام ذلك،
وإن كان لا يعلم بكرية الماء سابقا ولا بعدمها حكم عليه بأن الماء دون
الكر ورتب عليه أحكام القليل.
[المسألة 31]
إذا كان الماء قليلا ثم بلغ مقدار الكرية بعد ذلك وعلم المكلف إن
هذا الماء قد لاقى النجاسة إما قبل عروض الكرية له أو بعدها حكم
بطهارة الماء سواء كان جاهلا بزمان بلوغه كرا وزمان ملاقاته النجاسة
أو كان عالما بزمان كرية الماء وجاهلا بوقت ملاقاته النجاسة وإذا كان
عالما بوقت ملاقاة الماء النجاسة وجاهلا بزمان بلوغه مقدار الكرية حكم
بنجاسته، وإذا كان الماء كرا ثم نقص بعد ذلك عن الكرية وعلم المكلف
أن الماء لاقى النجاسة في إحدى الحالتين حكم بطهارة الماء في جميع الصور
المذكورة.
[المسألة 32]
إذا كان الماء قليلا ثم حصلت له الكرية بعد ذلك أو اتصل بمادة
عاصمة ولاقى النجاسة في نفس ذلك الآن الذي اعتصم به حكم بطهارته
وإن كان الأحوط اجتنابه.
[المسألة 33]
إذا كان لدى المكلف ماءان يعلم أن أحدهما يبلغ كرا والآخر
دون ذلك، ولكنه لا يعلم الكر منهما على التعيين ثم وقعت نجاسة في
أحد الماءين لم يحكم بالنجاسة سواء تعين الماء الذي وقعت فيه النجاسة
عند المكلف أم لم يتعين عنده، وسواء كان جاهلا بحالة الماءين قبل ذلك
11

من القلة والكثرة أم علم بأنهما معا كانا في السابق كرين ثم نقص
أحدهما غير المعين عنده عن الكر قبل ملاقاة أحدهما النجاسة.
وإذا علم أنهما معا كانا أقل من الكر ثم طرأت الكرية على أحدهما
غير المعين عند المكلف ثم وقعت النجاسة في أحدهما فالظاهر لزوم
الاجتناب عن الماء الذي وقعت فيه، إذا كان معينا ولزوم الاجتناب عن
الماءين معا إذا وقعت في غير المعين.
[المسألة 34]
إذا كان لدى المكلف ماءان دون الكر، وكان أحد الماءين المعين نجسا
والآخر طاهرا ثم وقعت نجاسة أخرى في أحد الإناءين غير المعين، فإن
كان للنجاسة الحادثة أثر شرعي زائد على النجاسة الأولى وجب اجتناب
الماءين معا، ومثال ذلك أن يقع بول أو دم في أحد الماءين المعين، ثم
يلغ الكلب بعد ذلك في أحد الإناءين، فإن ولوغ الكلب يوجب تعفير
الإناء زائدا على وجوب غسله، ولذلك فيجب الاجتناب عن كلا الماءين.
وإن لم يكن للنجاسة الجديدة أثر زائد على النجاسة الأولى لم يجب
اجتناب الماء الآخر الذي كان طاهرا، ومثال ذلك أن يقع في أحد
الإناءين مثل النجاسة الأولى.
[المسألة 35]
الماء الذي يعلم المكلف أنه يبلغ الكر ولكنه يشك في أنه ماء مطلق
أو ماء مضاف، الظاهر أنه بحكم غير المطلق فيحكم بنجاسته بمجرد
ملاقاته للنجاسة وإن لم يتغير بها أحد أوصافه.
[المسألة 36]
إذا كان لديه كران متميزان يعلم أن أحدهما على التعيين ماء مطلق
والثاني ماء مضاف، فوقعت النجاسة في أحدهما لا على التعيين، فهما
معا طاهران، وكذلك إذا اختلط عليه أمرهما فلم يعلم المطلق منهما
من المضاف، ولم يعلم كذلك حالتهما السابقة هل كانا مطلقين أو
مضافين، أو علم بأنهما معا كانا على وصف الاطلاق ثم صار أحدهما
12

غير المعين مضافا ثم وقعت النجاسة في أحدهما فهما معا محكومان بالطهارة
في هاتين الصورتين.
وإن كانا معا مضافين في السابق ثم صار أحدهما مطلقا لا على
التعيين، فالظاهر التنجس بالملاقاة، فإن كان ما وقعت النجاسة فيه معينا
وجب اجتنابه خاصة، وإن كان غير معين وجب اجتناب الماءين معا.
[المسألة 37]
لا يكون الماء معتصما حتى يعلم أنه كر أو تكون له مادة عاصمة كما
تقدم بيانه، فإذا كان الماء قليلا وشك في أن له مادة أم لا، لم يكن
معتصما، وحكم بتنجسه بمجرد ملاقاته النجاسة، وكذلك إذا لم تكن
له مادة وشك في أنه يبلغ مقدار الكر أم لا، وكذلك إذا شك في كل من
الكرية والمادة فلا يكون الماء معتصما في الصور الثلاث، إلا إذا علم
المكلف أن هذا الماء كان في السابق كرا وهو يشك في بقاء كريته وعدم
بقائها فيرتب عليه أحكام الكر، أو علم بأن الماء كان ذا مادة عاصمة وهو
يشك في وجود ما يمنع من اتصال هذه المادة بالماء فيحكم باتصالها
ويرتب عليه أحكام ذي المادة المتصلة، وإذا كان الشك في المادة من جهة
الشك في مقدار ما فيها من الماء أو قوة الدفع ففيه اشكال، ولا يترك
الاحتياط.
[المسألة 38]
لا يطهر الماء القليل إذا تنجس باتمامه كرا، سواء تمم بماء طاهر
أم بماء نجس.
[الفصل الثالث]
[في الماء الجاري وماء البئر]
[المسألة 39]
الماء الجاري هو الذي ينبع من باطن الأرض ثم يسيل على وجهها
أو تحتها، كالعيون والقنوات التي تتخذ لها مجاري وأخاديد في باطن
13

الأرض تجري فيها، فليس من الماء الجاري ما لا يكون نابعا من الأرض
وإن اتخذ له مجاري على وجه الأرض أو في سفوح الجبال، نعم يكون
من الكثير المعتصم إذا كان أكثر من الكر. وقد يكون من ذي المادة إذا
اجتمع منه في العالي ما يكون له مادة عاصمة ثم انحدر الزائد منه في
المجاري إلى السافل، وقد تقدم بيان ذلك.
وليس من الماء الجاري ما يكون واقفا عن الجريان على وجه الأرض
أو في باطنها وإن كان نابعا كالعيون الواقفة، وإن كان له حكم الماء
الجاري على الأقوى، فيكون ماؤها معتصما إذا كان متصلا بالمنبع وإن
كان أقل من الكر.
[المسألة 40]
الماء الجاري لا ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان متصلا بالمنبع، وإن
كان أقل من الكر، إلا أن يتغير بالنجاسة لونه أو طعمه أو رائحته،
فيحكم بنجاسته حينذاك وإن كان أكثر من الكر، وإذا زال تغيره طهر
بتدافع المنبع عليه وامتزاجه به في الجملة، وكذلك إذا تغير بعض
الجاري وكان الباقي منه كرا أو متصلا بالمنبع وإن كان أقل من الكر.
وإذا كان الماء منفصلا عن المنبع كما إذا كان المنبع يتقاطر من
السقف أو يترشح من صخرة عالية وكان المجرى الذي يسيل فيه الماء
غير متصل به فالظاهر أن ذلك الماء يتنجس بملاقاة النجاسة إذا كان
دون الكر، وإذا لاقت النجاسة موضع نبع الماء أو موضع رشحه لم
ينجس.
[المسألة 41]
يعتبر في الماء الجاري أن يكون متصلا بالمنبع بالفعل، فإذا انقطع
اتصاله بالمنبع لترسب بعض الأوساخ والطين في فم المنبع فمنعه عن النبع
لحق الماء حكم الراكد، وإذا أزيلت الرواسب منه وحصل الاتصال
بالفعل كان له حكم الجاري.
14

[المسألة 42]
أطراف النهر الواقفة عن الجريان لها حكم الجاري إذا كانت متصلة
به وكذلك الحوض أو الغدير من الماء الراكد إذا اتصل بالنهر بساقية
ونحوها يلحقهما حكم الجاري.
[المسألة 43]
العيون التي تنبع في بعض أوقات السنة دون بعض يلحقها حكم
الجاري في أيام نبعها، ويلحقها حكم الراكد أيام انقطاعها عن النبع.
[المسألة 44]
إذا تغير بعض الماء الجاري بأوصاف النجاسة، فإن كان غير المتغير
منه لا يزال بعضه متصلا ببعض ولو في الأعماق اختصت النجاسة بموضع
التغير فحسب، وكان الباقي منه طاهرا، وإذا انفصل بسبب التغير بعض
الماء عن بعض تنجس موضع التغير وتنجس البعض المنفصل به إذا كان
دون الكر، وكان ما يتصل بالمنبع وما يبلغ الكر، وما يتصل بهما
طاهرا، فإذا زال التغير طهر الجميع بتدافع الماء المعتصم عليه وامتزاجه
به على ما تقدم بيانه.
[المسألة 45]
ماء البئر إذا كانت البئر نابعة بمنزلة الجاري فهو معتصم لا ينجس
بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير بها لونه أو طعمه أو رائحته، فإذا تغير بها
أحد أوصافه ثم زال تغيره ولو من قبل نفسه طهر بتدافع ماء المادة فيه
وامتزاجه به كما تقدم في الماء الجاري سواء بسواء، وأما النزح المقدر
لها في الروايات فهو مستحب سواء تغير الماء بأوصاف النجاسة أم لم
يتغير.
[المسألة 46]
البئر غير النابعة لها حكم الماء المحقون فلا تكون معتصمة حتى يبلغ
ماؤها الكر.
15

[الفصل الرابع]
[في ماء المطر وماء الحمام]
[المسألة 47]
ماء المطر حال نزوله من السماء معتصم في نفسه فلا ينجس بملاقاة
النجاسة إلا إذا غيرت لونه أو طعمه أو رائحته، ويعتبر فيه - على الأحوط
- أن يصدق عليه مسمى الجريان على وجه الأرض لو كانت صلبة فلا
يعمه الحكم إذا كان أقل من ذلك.
وكذلك ما يجتمع من ماء المطر على الأرض أو على غيرها، فهو معتصم
ما دام المطر ينزل عليه على الوجه المتقدم، بل وكذلك ما ينزل أو
يسيل من ذلك الماء المجتمع على موضع مسقوف لا يباشره قطر السماء
فهو معتصم إذا كان الماء المجتمع الذي ينزل منه ذلك الماء لا يزال متصلا
بالمطر، فماء الميزاب الذي ينزل في موضع مسقوف معتصم إذا كان
يجري من موضع ينزل عليه قطر السماء بالفعل، وإن كان أقل من
الكر، وكذلك ماء المجري الذي يسيل في مكان لا يصله المطر إذا كانت
مادة المجرى متصلة بماء المطر بالفعل.
[المسألة 48]
ماء المطر على الوجه المتقدم بيانه يطهر كل ما يصيبه من المتنجسات
القابلة للتطهير إذا غمر جميع مواضع النجاسة من ذلك الشئ المتنجس،
ولا يحتاج إلى التعدد في التطهير من البول، وفي تطهير الأواني ونحوها
مما يحتاج إلى التعدد إذا غسل بالماء القليل، ولا يحتاج إلى العصر في
الفرش والثياب وشبهها مما يحتاج فيه إلى العصر كذلك، نعم لا بد من
إزالة عين النجاسة قبل التطهير به إذا كانت موجودة، ولا بد من التعفير
بالتراب في ما يفتقر إلى التعفير، فإذا غمره ماء المطر بعد ذلك حكم
بطهارته ولم يحتج إلى التعدد.
[المسألة 49]
يطهر الماء المتنجس إذا أصابه ماء المطر بالمقدار الذي تقدم بيانه
في المسألة السابعة والأربعين ولا بد من أن يمتزج به في الجملة على
16

الأحوط ويكفي من الامتزاج ما يحصل بتدافع ماء المطر فيه بالمقدار
المذكور، وإذا كان متغير بالنجاسة فلا بد من زوال التغير، فإذا زال
تغيره - ولو من قبل نفسه - ولاقى ماء المطر حكم بطهارته.
ويطهر كذلك الإناء الملئ بذلك الماء وتطهر أطرافه وظهره إذا
كانت متنجسة وأصابها قطر السماء أو فيض الماء حال نزول المطر
عليه، وإذا أصاب المطر بعض أطرافه دون بعض طهر ما أصابه منها
فقط.
ويطهر الحوض النجس إذا أصاب المطر جميع أطرافه النجسة ويطهر
كذلك ما فيه من الماء إذا وقع ماء السماء عليه وامتزج به على الوجه
الذي تقدم بيانه، ويطهره كذلك ماء الميزاب الذي يجري فيه ويغمر
أطرافه النجسة إذا كان الميزاب يجري من موضع ينزل فيه قطر السماء
بالفعل وإن كان الحوض نفسه في موضع لا يصيبه المطر كما تقدم في
المسألة السابعة والأربعين.
[المسألة 50]
تطهر الأرض النجسة إذا أصابها ماء المطر على الوجه المتقدم ولو بإعانة
الريح، وتطهر كذلك إذا جرى عليها الماء المجتمع، وكان ماء المطر
ينزل عليه بالفعل، وإن كانت الأرض نفسها لا يصيبها المطر مباشرة،
وتطهر كذلك إذا جرى عليها الميزاب من موضع ينزل عليه قطر
السماء بالفعل، وإن كان المطر لا يصل إليها بنفسها.
ولا يطهرها ما يقع من ماء المطر على أرض أخرى ثم يثب إليها، إلا
أن يجتمع في ذلك الموضع ثم يجري إليها قبل انقطاع المطر عنه كما
تقدم، ولا يطهرها ما يقع على أغصان الشجر الملتف بعضها ببعض ثم
يقع عليها بحيث ينفصل ما يقع على الأرض بذلك عما ينزل من السماء،
وأما إذا كان اتصاله باقيا بما ينزل من السماء لم يضر به وقوعه على
الشجر فهو لا يزال معتصما مطهرا لما يقع عليه.
[المسألة 51]
ما يتقاطر من سقف البيت أو سقف الخيمة وشبهها منفصل في متفاهم
17

العرف عما ينزل من السماء فلا يكون مطهرا لما تحته إذا وقع عليه، وإن
كان المطر لا يزال نازلا على السقف.
[المسألة 52]
يطهر التراب النجس إذا نزل عليه ماء المطر - على الوجه المتقدم -
ونفذ إلى أعماقه حال اتصاله بما ينزل من السماء حتى صار التراب طينا
بذلك.
[المسألة 53]
يطهر الحصير المتنجس والفراش المتنجس المفروش على الأرض إذا
أصابهما ماء المطر حتى نفذ إلى جميع مواضع النجاسة على الوجه المتقدم،
وإذا كانت فيهما عين النجاسة فلا بد من زوالها، وتطهر كذلك الأرض
تحت الحصير المفروش إذا كانت نجسة وغمرها ماء المطر الواقع عليه.
[المسألة 54]
لا ينجس ماء المطر بملاقاة النجاسة حال نزوله من السماء كما تقدم
بيانه، فإذا وقع على عين النجاسة ثم وثب على شئ آخر لم ينجس ذلك
الشئ إلا إذا وثبت معه عين النجاسة أو تغير بها، وإذا وقع على سطح
نجس وتقاطر من السقف أو جرى من الميزاب لم يكن ذلك نجسا وإن مر
على عين النجاسة الموجودة على السطح، إلا إذا كان تقاطر السقف وجريان
الميزاب بعد انقطاع المطر وفرض أنه مر على عين النجاسة بعد الانقطاع
فيحكم بنجاسته.
وإذا شك في أن ما يتقاطر من السقف هل مر على عين النجاسة بعد
انقطاع المطر أو هو من المتخلف في السقف قبل ذلك حكم بطهارته.
[المسألة 55]
لا فرق بين الحمام وغيره في الأحكام المتقدمة للماء، فإذا بلغ الماء
مقدار الكر أو زاد عليه واتصل بعضه ببعض اعتصم عن النجاسة، وكان
مطهرا لما يغسل فيه من النجاسة، وإذا اختلفت سطوحه بحيث كان
يجري من العالي إلى السافل لم يعتصم العالي منه بالسافل ولحقه حكم
18

الماء القليل المختلف السطوح، وإذا بلغ العالي وحده كرا كاملا زائدا
على الماء السافل وعلى ما ينحدر في المجرى إلى أن يصل إليه كان العالي
مادة عاصمة للسافل فلا ينفعل بملاقاة النجاسة حتى يتغير بها.
وعلى هذا فلا تنجس الحياض الصغيرة في الحمام بملاقاة النجاسة إذا
كانت متصلة بالخزانة، وكانت الخزانة وحدها تبلغ مقدار الكر أو
تزيد عليه، وإذا تنجس ماء الحياض الصغيرة أمكن تطهيره باتصاله بماء
الخزانة وامتزاجه به على الوجه الذي تقدم بيانه في المسألة العشرين
بشرط أن يكون ماء الخزانة وحده كرا زائدا على ما في الحياض وما
ينحدر في المجرى إليها أو يزيد على الكر.
[المسألة 56]
إذا كان ماء الخزانة وحدها يبلغ الكر أو يزيد عليه، زائدا على
ما في الحياض الصغيرة وما في المجاري كما تقدم وكان ماء الخزانة يندفع
منها بقوة إلى ما في الحياض كما إذا كان دفعها ببعض الآلات التي تدفع
الماء بقوة كان ما فيها مادة عاصمة لما في الحياض وإن كانت الخزانة
أسفل منها أو مساوية لها.
[المسألة 57]
ماء الأنابيب المعروفة في هذه الأزمان معتصم في نفسه ويجري له
حكم ذي المادة، فإذا فتح الأنبوب في إناء مثلا أو حوض صغير كان ذلك
الماء معتصما فلا ينجس بملاقاة النجاسة ما دام متصلا بماء الأنبوب إلا
أن يتغير بأوصاف النجاسة كالماء ذي المادة سواء بسواء، ويطهر
المتنجسات التي تغسل به بعد زوال عين النجاسة منها إذا كانت موجودة،
ولا يحتاج في التطهير به إلى التعدد في الغسل، من غير فرق بين النجاسات
وبين المتنجسات ولا يحتاج إلى العصر في مثل الثياب والفرش ونحوها
مما ترسب فيه الغسالة.
نعم لا بد من التعفير بالتراب قبل الغسل به من نجاسة الولوغ كما
ذكرنا في الماء ذي المادة ولا بد من الامتزاج في الجملة في تطهير الماء
المتنجس به، فلا يكفي مجرد الاتصال كما ذكرناه أكثر من مرة.
19

[الفصل الخامس]
[في الماء المستعمل]
[المسألة 58]
الماء الذي ينفصل من أعضاء الانسان إذا غسلت في الوضوء أو
الغسل، أو من ماء الاستنجاء أو التطهير من سائر النجاسات، والذي
ينفصل من غسل الأشياء المتنجسة الأخرى يسمى ماءا مستعملا، فإذا
كان قليلا دون الكر ترتبت له أحكامه التي سيأتي بيانها في المسائل
الآتي ذكرها.
وإذا كان الاستعمال في الماء الكثير أو الجاري أو في أي ماء معتصم
أخر كما إذا اغتسل في النهر الجاري أو في الحوض المشتمل على الكر،
أو من ماء الأنبوب المتصل بالمادة، وكما إذا استنجى بالماء المعتصم أو
تطهر به من النجاسات الأخرى لم تترتب عليه الأحكام الآتية، فإن المياه
المذكورة بعد استعمالها لا تزال معتصمة وطاهرة في نفسها ومطهرة
لغيرها ولا ريب في ذلك.
[المسألة 59]
الماء الذي يجتمع من غسالة أعضاء الإنسان في الوضوء طاهر في
نفسه ومطهر لغيره، سواء كان الوضوء واجبا أم مستحبا، فيصح
استعماله في وضوء آخر وفي الأغسال المستحبة وفي الغسل من الأحداث
الكبرى. ويكفي استعماله في الاستنجاء وفي التطهير من النجاسات
الأخرى، وكذلك الماء المستعمل في الأغسال المندوبة فهو طاهر ومطهر
في جميع ذلك.
[المسألة 60]
الماء المستعمل في الغسل من الأحداث الكبرى إذا كان البدن طاهرا
محكوم بالطهارة فيجوز شربه، ويكفي استعماله في الاستنجاء مثلا،
وفي تطهير البدن والثياب وغيرها من النجاسات، والأحوط أن لا يستعمل
في الوضوء ولا في الغسل من الأحداث مع وجود ماء غيره، وإذا انحصر
الماء به فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة منه والتيمم.
20

[المسألة 61]
لا يضر وقوع القطرات من ماء الغسل في الإناء عند الاغتسال منه إذا
كان البدن طاهرا من النجاسة.
[المسألة 62]
الماء المستعمل في الاستنجاء من البول والغائط إذا اجتمعت فيه
الشروط الآتي ذكرها، طاهر، فلا يجب الاجتناب عنه ولا عن ملاقيه،
ويجوز استعماله في الاستنجاء وفي تطهير البدن والثياب وغيرها من
النجاسات. والأحوط أن لا يتوضأ منه ولا يغتسل به مع وجود ماء
غيره، وإذا انحصر الماء به فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة
منه والتيمم.
[المسألة 63]
لا يكون ماء الاستنجاء طاهرا حتى يستجمع شروطا خمسة.
الأول: أن لا يتغير بالنجاسة لونه أو طعمه أو رائحته.
الثاني: أن لا يكون البول أو الغائط الذي يستنجى منه متعديا عن
موضع الاستنجاء تعديا فاحشا والمعيار في التعدي الفاحش أن لا يصدق
على غسله أنه استنجاء عرفا.
الثالث: أن لا يلاقي ماء الاستنجاء نجاسة أو متنجسا من خارج ولو
من نفس البول أو الغائط الذي خرج من الانسان.
الرابع: أن لا يخرج مع البول والغائط اللذين يستنجى منهما
نجاسة أخرى من داخل كالدم والمني.
الخامس: أن لا يكون مع ماء الاستنجاء أجزاء متميزة من الغائط.
[المسألة 64]
ماء الاستنجاء إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدم ذكرها محكوم
بالطهارة، سواء سبقت اليد على الماء في الوصول إلى موضع الاستنجاء
أم سبق الماء على اليد أم اتفقا معا، وسواء كان من الغسلة الأولى في
التطهير من البول أم من الغسلة الثانية.
21

[المسألة 65]
إذا وضع يده على موضع النجاسة لا بقصد الاستنجاء تنجست اليد،
فإذا استنجى بها من غير أن يطهرها كان لليد وللموضع حكم سائر
النجاسات، وكان الماء المستعمل في تطهيرهما نجسا، وكذلك إذا سبق
بيده بقصد الاستنجاء ثم بدا له ولم يعد إلى الاستنجاء إلا بعد برهة.
وإذا سبق بيده إلى الموضع بقصد الاستنجاء ثم بدا له ثم عاد إلى
الاستنجاء من فوره، أو بعد مدة قليلة يصدق معها أن يده تنجست
بالاستنجاء، فماء الاستنجاء طاهر وطهرت به اليد والموضع.
[المسألة 66]
إذا شك في أن ماء الاستنجاء هل لاقى نجاسة أو متنجسا من الخارج
بنى على عدم الملاقاة وحكم بطهارة الماء، وكذلك إذا شك في أنه هل
خرجت مع الغائط أو البول نجاسة أخرى من الداخل بنى على عدمها
وحكم بطهارة الماء.
[المسألة 67]
الماء المستعمل في تطهير النجاسات غير ماء الاستنجاء نجس على الأقوى،
ولا فرق في ذلك بين الغسلة المزيلة لعين النجاسة والغسلة غير المزيلة،
ولا فرق بين ما يحتاج في التطهير إلى التعدد كالأواني وتطهير الثوب
والبدن من البول، وما لا يحتاج.
[المسألة 68]
لا تخرج الغسلة مهما طال صب الماء فيها على المحل عن كونها غسلة
واحدة، ومن أجل ذلك يشكل الحكم بطهارة المقدار الزائد من ماء
الغسلة الواحدة إذا طال فيها الصب أكثر مما يحتاج إليه في طهارة
المحل النجس، فالاحتياط باجتنابه متعين من غير فرق بين ما يحتاج إلى
التعدد فيه وما لا يحتاج.
[المسألة 69]
ما يبقى من الماء في الثوب والفراش بعد عصرهما في سائر النجاسات
22

بالمقدار المتعارف طاهر لا يلحقه حكم الماء المستعمل، وكذلك ما يبقى
فيهما بعد العصرة الأخيرة في نجاسة البول، وكذلك ما يتخلف في الإناء
بعد افراغه من ماء الغسلة الأخيرة.
[المسألة 70]
لا يترك الاحتياط في غسالة ما يحتاج في تطهيره إلى تعدد الغسل
كالبول، فإذا لاقت غسالته شيئا فالأحوط التعدد في غسل ذلك الشئ
سواء كانت من الغسلة الأولى أو الثانية وكذلك غسالة الإناء إذا لاقت
إناءا آخر.
[الفصل السادس]
[في الماء المشكوك]
[المسألة 71]
إذا شك المكلف في ماء أنه نجس أم طاهر، فهو محكوم بالطهارة حتى
يعلم بنجاسته أو تقوم عليها حجة شرعية وإذا علم أن الماء كان في
السابق نجسا وشك في تجدد الطهارة له فهو محكوم بالنجاسة حتى يعلم
بطهارته أو تقوم عليها حجة شرعية، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في
(المسألة 142) ذكر ما تثبت به الطهارة والنجاسة.
وإذا شك في ماء أنه مباح أو مغصوب، فهو محكوم بالإباحة حتى
يثبت أنه مغصوب، وإذا علم أنه كان في السابق ملكا للغير أو ملكا
لنفسه حكم بأنه لا يزال باقيا على الملك السابق حتى يثبت خلاف ذلك،
وإذا تردد في أن الماء ملكه أو ملك زيد مثلا فلا بد من الاحتياط
بالاستئذان من ذلك الشخص.
[المسألة 72]
إذا علم المكلف بوقوع النجاسة في أحد الماءين أو المياه الموجودة عنده
ولم يعلم بأن النجس أيها على وجه التعيين، وجب عليه اجتناب الجميع،
فلا يجوز له أن يتطهر بشئ منها من خبث ولا من حدث، فإذا لم يكن
23

لديه ماء طاهر آخر وجب عليه التيمم للصلاة. وإذا أريق أحد الإناءين
لم يجز له الوضوء بالآخر، وكذلك الحكم إذا علم بأن أحد المياه
مغصوب ولم يعلم به على وجه التعيين، فيجب عليه اجتناب الجميع وإذا
انحصر الماء بها وجب عليه التيمم للصلاة، وإذا أريق أحد الإناءين لم
يجز له الوضوء أو الغسل بالآخر.
وإذا كانت الشبهة في الماء النجس أو الماء المغصوب بين أطراف غير
محصورة سقط التكليف فيها، ولم يجب اجتناب شئ من الأطراف.
والمعيار في كون الشبهة غير محصورة هو أن تكثر أطراف الشبهة حتى
توجب كثرة أطرافها سقوط التكليف بسبب عروض أحد الموانع في
بعض الأطراف من عسر أو اضطرار أو خروج عن محل الابتلاء فلا
يكون العلم الاجمالي في الشبهة منجزا
[المسألة 73]
إذا علم المكلف بأن أحد الماءين أو المياه الموجودة عنده ماء مضاف
ولم يعلم بأن الماء المضاف أيها على وجه التعيين، جاز له أن يتوضأ أو
يغتسل بكل واحد من الماءين فيحصل له العلم بأنه قد تطهر من الحدث
بماء مطلق فتصح طهارته وتصح صلاته، كما يجوز له أن يتطهر بكل
واحد من الماءين من النجاسة إذا كان ثوبه أو بدنه نجسا فيعلم بذلك
أنه قد تطهر من الخبث بماء مطلق كذلك، فإذا لم يكن لديه غير ذلك
الماء المشتبه تعين عليه أن يفعل كذلك تحصيلا لشرط الطهارة الواجبة
في الصلاة، وإذا أريق أحد الإناءين جمع بين الوضوء من الآخر والتيمم
على الأحوط.
وإذا تكثرت أطراف الشبهة في المياه المعلوم إضافة بعضها كفاه أن
يكرر الطهارة بمقدار يعلم بوقوع طهارة واحدة في ماء مطلق منها.
وكذلك الحكم إذا كانت الشبهة في الماء المضاف بين أطراف غير
محصورة، ولنفرض في مثال ذلك أنه علم بأن واحدا من ألف إناء ماء
ماء مضاف، والباقي منها ماء مطلق، فيجوز له أن يتوضأ بإناءين منها
أو يغتسل بهما إذا كان حكمه الغسل، فيعلم بذلك صحة طهارته وصحة
24

صلاته. كما يجوز له أن يتطهر بهما من النجاسة، فيعلم بأنه قد تطهر
من الخبث بماء مطلق، فإذا لم يكن لديه غير ذلك الماء المشتبه بالمضاف
تعين عليه أن يفعل كذلك تحصيلا لشرط الطهارة الواجبة في الصلاة،
ولا ينافي ذلك عدم وجوب الاحتياط من جهة العلم الاجمالي، لأن الشبهة
غير محصورة.
[المسألة 74]
إذا شك المكلف في ماء أنه مطلق أو مضاف، فإن علم بأنه كان في
السابق ماءا مطلقا وشك في عروض الإضافة عليه بنى على أنه لا يزال
ماءا مطلقا وصح له أن يتطهر به من الحدث والخبث، وإن علم بأنه
كان في السابق ماءا مضافا وشك في عروض الاطلاق عليه بنى على أنه
لا يزال ماءا مضافا، ولم تصح له الطهارة به، وإن هو لم يعلم بحالته
السابقة فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة منه والتيمم.
[المسألة 75]
إذا علم بأن أحد الماءين الموجودين عنده نجس ولم يعلم بأن النجس
أيهما على وجه التعيين وجب عليه اجتناب الطرفين معا، كما ذكرنا في
المسألة الثانية والسبعين، فإذا لاقى أحد الماءين المشتبهين شيئا كما
إذا أصاب بعض ذلك الماء ثوبا مثلا فلا يترك الاحتياط باجتناب هذا
الملاقي أيضا وخصوصا إذا كان الماءان كلاهما نجسين سابقا ثم علم
بطهارة أحدهما لا على التعيين.
[المسألة 76]
السؤر هو ما يفضل من شراب الانسان أو الحيوان إذا باشر الإناء
بفمه، وقد يطلق على الماء الذي يباشره ببعض أعضائه، وإن لم يشرب
منه كبقية ماء الغسل، ويلحق بالماء غيره من المائعات، فإذا شرب
الانسان أو الحيوان منه بفمه فهو سؤر.
ولا تطلق كلمة السؤر على ما يفضل من شراب الانسان إذا لم يباشره
بفمه ولا بشئ من أعضائه كما إذا ملأ الكأس من الإناء الكبير فشربه
فلا يكون باقي الماء الموجود في الإناء سؤرا. ولا تطلق كلمة السؤر
25

على بقية الماء إذا كان كرا أو جاريا وإن شرب منه الانسان أو الحيوان
بفمه كما إذا كرع من النهر أو الحوض الكبير أو شرب من الأنبوب
المتصل بالمادة.
[المسألة 77]
سؤر الكافر والكلب والخنزير نجس، ويلحق بالكافر في الحكم
ولده، إلا إذا أظهر الاسلام وكان عاقلا مميزا فالظاهر طهارته،
ويشمل الحكم كذلك من حكم بكفره ممن ينتسب إلى فرق المسلمين،
ويلحق بالكلب والخنزير الحيوان المتولد بينهما على الأحوط، وإن لم
يطلق عليه اسم أحدهما.
وسؤر الحيوانات الأخرى كلها طاهرة، وإن كان الحيوان حرام
اللحم، نعم يكره سؤر الحيوان إذا كان محرم اللحم ما عدا الهرة،
ويكره كذلك سؤر المرأة الحائض إذا كانت غير مأمونة بل يكره سؤر
غير المأمون مطلقا.
[المسألة 78]
يستحب التناول من فضل شراب المؤمن، فقد ورد في بعض الأحاديث
إن سؤر المؤمن شفاء.
وفي بعضها: إن في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء.
بل ورد بعضها استحباب التبرك به.
[الفصل السابع]
[في النجاسات]
[المسألة 79]
أنواع النجاسات اثنا عشر:
الأول والثاني منها: البول والغائط، وهما نجسان من كل حيوان
لا يؤكل لحمه إذا لم يكن طائرا، وكانت له نفس سائلة.
26

والمراد بكون الحيوان له نفس سائلة أن يكون له دم يجري حين
الذبح، من غير فرق بين أن يكون الحيوان صغيرا أو كبيرا، وبريا أو
بحريا، ومن غير فرق كذلك بين أن يكون حرام اللحم بالأصالة،
كالانسان والسباع والمسوخ، وأن يكون حرام اللحم بسبب عارض
كالحيوان الجلال، والذي يطأه الانسان، والغنم الذي يشرب لبن
الخنزيرة، حتى يشتد وينمو على ذلك، فالبول والغائط من كل
أولئك نجس.
[المسألة 80]
البول والغائط من كل حيوان يحل أكل لحمه طاهران حتى من الخيل
والبغال والحمير على الأقوى، وهما كذلك طاهران من كل حيوان ليس
له نفس سائلة وإن كان حرام اللحم سواء كان مما لا دم له أصلا كبعض
الحشرات أم كان له دم لا يسيل حين الذبح كالسمك المحرم، وهما كذلك
طاهران من كل طائر وإن كان حرام اللحم كالخفاش وسائر الطيور
المحرمة على الظاهر.
[المسألة 81]
قد يشك الانسان في حكم حيوان معين أنه يجوز أكل لحمه شرعا أو
يحرم، ثم هو مع شكه هذا قد يكون عالما بأن ذلك الحيوان نفسه مما
تقع عليه التذكية شرعا وقد يكون شاكا في هذا أيضا، وشكه في كلتا
الصورتين قد يكون بنحو الشبهة الحكمية لذلك الحيوان، وقد يكون
بنحو الشبهة الموضوعية، فالصور المحتملة في هذه المسألة أربع:
الصورة الأولى: أن يشك الانسان في حكم ذلك الحيوان المعين هل هو
محلل الأكل شرعا أو هو محرم الأكل، ولكنه يعلم أن الحيوان مما تقع
عليه التذكية، وتكون الشبهة حكمية.
ومثال ذلك: أن يتولد حيوان خاص بين حيوانين مختلفين وكلاهما مما
يقبل التذكية شرعا، ولذلك فهو يعلم أن هذا الحيوان المتولد بينهما
مما تقع عليه التذكية، ولكنه يشك في حلية أكله، والأقوى في ذلك
الحيوان أنه محلل الأكل، فبوله وخرؤه طاهران.
27

الصورة الثانية: أن يشك الانسان في حكم ذلك الحيوان المعين هل
هو محلل الأكل شرعا أو هو مما لا يقبل التذكية، فهو يعلم أن الحيوان
محلل الأكل إذا كان مما يقبل التذكية شرعا، وهو محرم الأكل إذا
كان مما لا يقبلها، وشكه في حل الحيوان وحرمته إنما كان من جهة
شكه في أن الحيوان يقبل التذكية شرعا أو لا يقبلها والشبهة حكمية
كذلك.
والظاهر أن الاطلاق المقامي في النصوص الشرعية التي وردت في
التذكية والتي ذكرت لها الآثار وجعلت لها الأحكام يقتضي أن الشارع
قد اعتمد في التذكية وشروطها على ما يعتمده أهل العرف في ذلك،
ونتيجة لذلك فإن بين الشارع للتذكية سببا خاصا أو شرطا أخذ به،
وإن لم يبين شيئا خاصا. كان ذلك دالا على أنه أمضى ما يعتمده أهل
العرف في ذلك.
فإذا شك الانسان في حيوان أنه مما يقبل التذكية شرعا أو مما
لا يقبلها، وكان الحيوان يقبل التذكية في نظر أهل العرف كان ذلك
دالا على أنه يقبل التذكية شرعا، ونتيجة لذلك فالحيوان المعين المشكوك
حكمه في هذه الصورة محلل الأكل، وبوله وخرؤه طاهران.
وإذا شك أهل العرف في أمر ذلك الحيوان، فلم يحكموا بأنه مما
يقبل التذكية أو مما لا يقبلها، كان مقتضى أصالة عدم التذكية أنه
محرم الأكل، والأقوى أن بوله وخرءه طاهران في هذه الصورة أيضا.
الصورة الثالثة: أن يشك الانسان في حكم الحيوان المعين هل هو
محلل الأكل شرعا أو هو محرم الأكل، وهو يعلم أن الحيوان مما تقع
عليه التذكية والشبهة موضوعية.
ومثال ذلك أن يتردد في حيوان خاص بين يديه لسبب من الأسباب
التي توجب التردد هل هو من الغنم فيكون حلال اللحم، أو هو ثعلب
فيكون محرما، والحيوان على أي حال يقبل التذكية شرعا، والأقوى
كونه محلل الأكل كما في الصورة الأولى وأن بوله وخرءه طاهران.
28

الصورة الرابعة: أن يشك الانسان في حكم الحيوان المعين هل هو
محلل الأكل شرعا أو هو مما لا يقبل التذكية كما في الصورة الثانية
التي تقدم ذكرها ولكن الشبهة موضوعية، ومثال ذلك أن يتردد الانسان
في حيوان خاص بين يديه هل هو من الظباء مثلا فيكون حلال اللحم أو
هو متولد بين حيوانين أحدهما لا يقبل التذكية فيكون محرم الأكل
لأصالة عدم التذكية.
والحكم فيه هو ما تقدم في الصورة الثانية فإن كان ذلك الحيوان مما
تقع عليه التذكية في نظر أهل العرف حكم بأنه كذلك شرعا وهو محلل
الأكل، وأن شك في أمره عند العرف كما هو مشكوك شرعا كان مقتضى
أصالة عدم التذكية أنه محرم الأكل ولكن خرءه وبوله طاهران في كلتا
الصورتين.
نعم إذا كان الشاك في الحكم هو العامي وكانت الشبهة حكمية كما
في الصورة الأولى والثانية يكون مخيرا بين أن يحتاط فيجتنب أكل لحم
الحيوان ويجتنب كذلك بوله وخرءه وبين أن يرجع في ذلك إلى رأي
الفقيه.
[المسألة 82]
إذا شك المكلف في أن الحيوان له دم سائل عند الذبح أم لا لم يحكم
على بوله وخرئه بالنجاسة، سواء كانت الشبهة حكمية كما إذا شك في
أن الحية أو التمساح مما له نفس سائلة أم لا، فلا يجب عليه الاجتناب
عن فضلتهما، أم كانت الشبهة موضوعية، كما إذا شك في أن هذا
الشئ الذي لاقاه بعرة فأر أو بعرة خنفساء مثلا وحكم العامي في
الشبهة الحكمية هنا هو ما تقدم في المسألة السابقة.
[المسألة 83]
لا يتنجس الشئ الطاهر بملاقاة النجاسة في الباطن إذا خرج بعد
الملاقاة نقيا من عين النجاسة، سواء كان الشئ الملاقي والنجاسة كلاهما
من الباطن كالدود الذي يخرج من معدة الانسان فلا ينجس بملاقاة
الغائط في الباطن. أم كان الشئ الملاقي من الخارج والنجاسة من
29

الباطن كالنوى الذي قد يبتلعه الانسان مع الأكل فيلاقي الغائط في
الباطن فإذا خرج نقيا من عين النجاسة لم يحكم عليه بالنجاسة أم كان
الملاقي من الباطن والنجاسة من الخارج، فإذا أكل الانسان أو شرب
شيئا نجسا سهوا أو عمدا لم يتنجس ريقه بملاقاة ذلك النجس إذا كان
الريق نقيا من عين النجاسة.
نعم، إذا دخل الشئ الطاهر والشئ النجس المتكونان في الخارج
وتلاقيا في الباطن فالأحوط اجتناب الملاقي وخصوصا إذا كانت الملاقاة
في الفم أو الأنف أو باطن السرة ونحوها.
[المسألة 84]
لا يجوز بيع البول والغائط النجسين على الأحوط فيهما وإن جاز
الانتفاع بهما للتسميد وشبهه.
والظاهر عدم جواز بيع البول الطاهر لعدم وجود منفعة له مقصودة
عند العقلاء توجب كونه مالا في العرف، ويجوز بيع الخرء الطاهر
لوجود مثل هذه المنفعة المقصودة فيه وقد تقدم أن فضلة الطيور المحرمة
طاهرة، فلا مانع من بيعها إذا وجدت لها المنفعة المقصودة كفضلة
الخفاش.
[المسألة 85]
تلحق بالبول في الحكم بالنجاسة وغيرها الرطوبة المشتبهة التي تخرج
من الانسان بعد البول إذا هو لم يستبرئ منه، وإن كان قد استنجى
قبل خروجها فهي نجسة وناقضة للوضوء وسيجئ بيان ذلك في مبحث
الاستبراء.
[المسألة 86]
الثالث من أنواع النجاسات: المني.
وهو نجس من كل حيوان له نفس سائلة سواء كان محرم الأكل أم
محللا، وسواء كان طيرا أم غيره، وسواء كان بريا أم بحريا، وقد
30

تقدم بيان المراد من الحيوان ذي النفس السائلة في المسألة التاسعة
والسبعين، والظاهر طهارة مني الحيوان الذي ليست له نفس سائلة.
[المسألة 87]
يلحق بالمني في النجاسة وفي وجوب الغسل البلل المشتبه الذي يخرج
بعد الجنابة بالانزال إذا هو لم يستبرئ منها بالبول، فيجب عليه
التطهر من هذا البلل وإن كان قد تطهر قبل خروجه، ويجب عليه
الغسل بعده وإن كان قد اغتسل من جنابته قبل ذلك وسيأتي تفصيل
ذلك في مبحث غسل الجنابة.
[المسألة 88]
المذي - وهو الماء الذي يخرج أثناء الملاعبة وفي بعض حالات التحرك
الجنسي - محكوم بالطهارة، وكذلك الودي وهي الرطوبة التي تخرج
بعد البول والاستبراء منه وكذلك الوذي وهو الماء الذي يخرج من
الأدواء التي تكون في الموضع فهي جميعا محكومة بالطهارة، نعم هي
نجسة إذا خرجت من إنسان أو حيوان نجس العين، وكذلك الرطوبات
الأخرى التي تكون في الفرج والدبر.
[المسألة 89]
الرابع من أنواع النجاسات: الميتة.
وهي نجسة من كل حيوان له نفس سائلة على ما تقدم في معنى
الحيوان ذي النفس السائلة، سواء كان حلالا أم حراما وصغيرا أم
كبيرا، والمراد من الميتة هو ما يموت من الحيوان حتف أنفه أو يقتل
أو يذبح على غير الوجه الموجب لتذكيته شرعا.
ولا تنجس ميتة الحيوان الذي ليست له نفس سائلة، وإن كان
كبيرا كالسمك ولا تنجس ميتة ما يشك في كونه ذا نفس سائلة كالحية
والتمساح.
[المسألة 90]
الأجزاء التي تنفصل من الميتة نجسة كالميتة وإن كانت صغارا،
31

ويستثنى من ذلك الأجزاء التي لا تحلها الحياة في حال الحياة، كالقرن
والعظم والسن والظفر والحافر، والظلف، والمخلب، والمنقار،
والشعر، والصوف، والوبر، والريش، والبيضة إذا اكتست قشرها
الأعلى، وإن لم يتصلب فإن هذه الأجزاء طاهرة إذا أخذت من ميتة
حيوان طاهر العين سواء كان الحيوان مما يحل أكل لحمه أم مما يحرم،
نعم لا بد من تطهيرها من النجاسة العرضية إذا أصابتها رطوبة الميتة
بنتفها أو قلعها أو اخراجها منها.
ويستثنى كذلك اللبن في ضرع الميتة فهو طاهر ولا ينجس بملاقاة
الضرع النجس، نعم لا يترك الاحتياط باجتناب لبن الميتة إذا كانت
غير مأكولة اللحم.
وتستثنى كذلك الإنفحة التي تخرج من بطن الجدي أو السخل
الميت، فهي طاهرة، والأحوط أن يقتصر فيها على المادة الصفراء التي
يستحيل إليها اللبن الذي يرتضعه قبل أن يأكل، وهي التي تجعل في
اللبن فيكون جبنا.
والأجزاء المذكورة إنما تستثنى إذا أخذت من ميتة طاهر العين كما
ذكرنا وأما ميتة نجس العين فلا يستثنى منها شئ.
[المسألة 91]
الأجزاء التي تنفصل من الحي نجسة بمنزلة الميتة إذا كانت مما
تحلها الحياة. ويستثنى من ذلك الأجزاء الصغار كالثالول والبثور
والقشور التي تتكون على القروح والجروح. والجلدة التي تنفصل
من بعض الأطراف أو من الشفة وأشباه ذلك فهي طاهرة إذا انفصلت
من الحي.
[المسألة 92]
أثبت العلم الحديث إن وعاء المسك كيس رقيق جاف يتولد تحت
جلد الذكر البالغ من ظباء المسك، وموضع الكيس دون سرة الظبي
وأمام قلفته، وإن المسك مادة خاصة تفرز وتخزن في ذلك الكيس،
32

ويحيط بالكيس منسوج خلوي مملوء بالعروق ويلتصق من الخارج
بجلد الحيوان، وفأرة المسك هي المجموع من الكيس وما يحيط به.
وعلى هذا فلا ريب في طهارة المسك نفسه سواء أخذ من ظبي حي أم
مذكى أم ميت وسواء كان سائلا أم جامدا، ولا ريب في طهارة الكيس
الذي يحتوي على المسك وأما مجموع الفأرة - ومنها المنسوج الخلوي
الذي يحيط بالكيس والجزء من جلد الحيوان الذي يلتصق به وهما
مما تحله الحياة، فإن أخذ من الحيوان المذكى فهو طاهر، وكذلك إذا
أخذ من الظبي الحي وكانت الفأرة مستعدة للانفصال عن الحيوان،
وإن أخذت الفأرة من الظبي الميت أو من الحي وكانت مستعدة للاتصال
فالظاهر نجاستها.
نعم يمكن نزع الجلد والمنسوج الخلوي عن الكيس وهو طاهر كما
قدمنا. ويطهر ظاهره بالغسل عن النجاسة العرضية بسبب ملاقاتهما،
وإذا علم بأن الفأرة قد أخذت من الظبي الميت وشك في تذكيته فهي
محكومة بالنجاسة، إلا إذا أخذها من يد المسلم أو من سوق المسلمين.
أما المسك نفسه والكيس الذي يحتويه فقد تقدم أنهما طاهران في
جميع الصور فيمكن نزع الكيس وتطهيره بالغسل عن النجاسة العرضية
إذا حصلت كما تقدم.
[المسألة 93]
إذا وجد شيئا ولم يدر أنه جزء من أجزاء الحيوان أم لا لم يحكم
بنجاسته، وكذلك إذا علم أنه جزء من حيوان ولم يدر أنه مما له نفس
سائلة أم لا.
[المسألة 94]
اللحوم والجلود والشحوم التي توجد بيد المسلم محكومة بالتذكية
والطهارة إذا كانت يد المسلم مقرونة بتصرفه في ذلك الشئ تصرفا
يناسب الطهارة، كما إذا رآه يبيع ذلك الشئ أو يأكله أو يصلي فيه،
وكذلك الحكم في سوق المسلمين، وكذا ما يوجد مطروحا في أرض
المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية، وإذا لم
33

تقترن يد المسلم أو سوق المسلمين بمثل هذا التصرف الذي يناسب
الطهارة لم تكن أمارة على تذكية الحيوان.
وإذا كانت يد المسلم أو سوق المسلمين مسبوقة بيد الكافر كالجلود
واللحوم المستوردة من بلاد الكفار أشكل الحكم بتذكيتها، بل هو في
غاية الاشكال.
[المسألة 95]
ما يؤخذ من أيدي الكفار من اللحوم والشحوم والجلود محكوم
بالنجاسة، إلا أن يعلم بسبق يد المسلم عليه المقرونة بالتصرف المناسب
للتذكية كما تقدم فيحكم بطهارته وحل أكله، وكذلك ما يوجد في
أرض الكفار.
[المسألة 96]
السقط قبل أن تلج فيه الروح نجس على الأحوط بل لا يخلو ذلك
من قوة، وكذلك حكم الفرخ إذا انكسرت البيضة قبل ولوج الروح فيه.
[المسألة 97]
الأحوط اجتناب السقط إذا كان مضغة، والمشيمة، وقطعة اللحم
التي تصحب الطفل حين ولادته.
[المسألة 98]
ما يؤخذ من أيدي الكفار أو من أسواقهم أو يوجد مطروحا إذا لم
يدر أنه من أجزاء الحيوان أو من غيره فهو محكوم بالطهارة، إلا أن
يعلم بملاقاته النجاسة فيجب اجتنابه.
[المسألة 99]
ما يؤخذ من أيدي الكفار أو من أسواقهم أو يوجد مطروحا من
شحوم أو لحوم أو جلود إذا شك في أنها من حيوان له نفس سائلة أو من
غيره كالسمك ونحوه فهي محكومة بالطهارة ولكن لا يجوز أكلها ولا
الصلاة فيها.
34

[المسألة 100]
إذا خرجت الروح من الحيوان أو الانسان لحقه حكم النجاسة وإن لم
يبرد جسده، نعم، لا يجب على المكلف غسل مس الميت إلا إذا مس
الانسان الميت بعد برده.
[المسألة 101]
لا يجوز بيع الميتة ولا أجزائها النجسة على الأقوى في ما إذا لم تكن
لها منفعة محللة مقصودة تكون بها مالا، وحتى إذا وجدت لها مثل هذه
المنفعة على الأحوط، ويجوز الانتفاع بها وبأجزائها النجسة في ما لا
يشترط فيه الطهارة.
[المسألة 102]
الخامس من أنواع النجاسات: الدم.
وهو نجس من كل حيوان له نفس سائلة على ما تقدم في بيان معناه،
من غير فرق بين دم الانسان وغيره، والصغير والكبير، والدم القليل
والكثير.
ويستثنى من ذلك الدم الذي يتخلف في الحيوان بعد أن يذبح أو
ينحر إذا خرج ما يتعارف خروجه من الدم، فإن المتخلف منه بعد ذلك
طاهر، سواء كان تخلفه في اللحم أم في القلب أم في الكبد أم في
العروق، إلا أن يتنجس بنجاسة خارجية كما إذا لاقى موضع الذبح أو
آلة التذكية أو يد الذابح قبل تطهيرها فيحكم عليه بالنجاسة من أجل
ذلك، وإذا رجع دم المذبح إلى جوف الحيوان لرد نفسه حين الذبح أو
انتكاس جسده عن موضع الرأس كان نجسا.
وإنما يستثنى ذلك في الحيوان الذي يؤكل لحمه فلا يكون الدم
المتخلف طاهرا في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه إذا ذبح، بل ولا يكون
المتخلف طاهرا في الجزء الذي لا يؤكل من الذبيحة على الأحوط كالطحال
ونحوه.
35

[المسألة 103]
يحرم أكل الدم المتخلف في الذبيحة وشربه وإن كان طاهرا كما
ذكرنا، إلا إذا كان في اللحم بحيث يعد جزءا منه.
[المسألة 104]
يجب اجتناب دم الجنين الذي يخرج من بطن أمه بعد ذبحها والذي
تكون ذكاته بذكاة أمه، إلا في الدم الذي يعد جزءا من لحمه، وكذلك
في الصيد الذي يذكى بآلة الصيد على الأحوط، فيلزم اجتناب دمه
إلا ما يعد جزءا من لحمه.
[المسألة 105]
الأحوط لزوم الاجتناب عن العلقة المستحيلة من مني الانسان أو
الحيوان، والعلقة في البيض بل وعن نقطة الدم الموجودة فيه.
[المسألة 106]
دم الحيوان الذي ليست له نفس سائلة طاهر سواء كان صغيرا أم
كبيرا، وكذلك دم ما يشك في أن له نفسا سائلة أم لا، كالحية
والتمساح، فهو محكوم بالطهارة.
[المسألة 107]
إذا أصاب الانسان بعض الدم المتخلف في الذبيحة وشك في أنه مما
يحكم بطهارته منه أو مما يحكم بنجاسته، فإن علم بخروج ما يتعارف
خروجه من الدم فالظاهر الحكم بطهارته، وإن شك في خروج ما يتعارف
خروجه من الدم فالأحوط بل الأقوى الحكم بالنجاسة.
وإذا أصابه دم بعد خروج ما يتعارف خروجه من الذبيحة وشك في
الدم الذي أصابه هل هو من الدم الخارج فيكون نجسا أو من الدم
المتخلف فيكون طاهرا حكم بطهارته على الأقوى.
[المسألة 108]
إذا شك في شئ أصابه أنه دم حيوان أم مائع أحمر حكم بطهارته،
وكذلك إذا لم يدر أنه دم شاة أم دم سمك، أو لم يدر أنه بعض دمه
36

أو دم بق أو برغوث، وكذلك إذا خرج من الجرح أو القرح ماء أصفر
وشك في أنه دم أم لا فإنه يحكم بطهارته.
[المسألة 109]
الدم الذي يخرج من بين الأسنان نجس لا يجوز ابتلاعه ما دام موجودا،
فإذا استهلك في ماء الفم حتى أصبح معدوما فالظاهر طهارة ماء الفم
كله وجواز ابتلاعه، وكذلك الدم الذي يدخل الفم من الخارج حتى
يستهلك، وتنعدم أجزاؤه في ماء الفم.
[المسألة 110]
إذا وقع الدم في قدر المرق حكم بنجاسة المرق وإن كان يغلي، ولا
يطهر باستهلاك الدم فيه وإن كان قليلا، ولا تكون النار مطهرة له.
[المسألة 111]
القيح وهو المادة البيضاء أو الصفراء التي تخرج من الدمل
والقروح طاهر، إلا إذا كان مخلوطا بالدم، فإنه يكون نجسا، وكذلك
الماء الأصفر الذي يتجمد على الجروح والقروح عند برئها فإنه طاهر،
ما لم يعلم كونه دما أو مخلوطا به، وإذا تجمد الدم أو الماء الأصفر
المخلوط بالدم لم يزل على نجاسته حتى يستحيل جلدا، فإذا استحال
حكم بطهارته.
[المسألة 112]
السادس والسابع من أنواع النجاسات: الكلب والخنزير البريان
وأجزاؤهما حتى ما لا تحله الحياة منهما كالشعر والعظم ورطوباتهما.
وأما كلب الماء وخنزير البحر فإنهما طاهران.
[المسألة 113]
إذا تولد هجين بين الكلب والخنزير، فإن تبع أحدهما في الاسم
حكم بنجاسته، وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما فالأحوط لزوم اجتنابه،
وخصوصا إذا كان ملفقا منهما عرفا. وإذا تولد هجين بين أحدهما
وحيوان طاهر، فإن صدق عليه اسم الكلب أو الخنزير وجب اجتنابه
كذلك، والأحوط اجتنابه إذا لم يصدق عليه اسم الحيوان الطاهر.
37

[المسألة 114]
الثامن من أنواع النجاسات: الكافر.
والمراد به من لم يعترف بالألوهية، أو بالتوحيد أو بالرسالة أو
بالمعاد، وإن لم ينكرها ومن الكافر من أنكر ما علم ثبوته بالضرورة
من الدين، وهو عالم بكونه ضروريا بحيث يعود انكاره لذلك الضروري
إلى إنكار الرسالة.
وهو نجس بجميع أقسامه من غير فرق بين الكافر الأصلي والمرتد
وحتى الكتابيين على الأحوط فيهم احتياطا لا يترك.
[المسألة 115]
ولد الكافر يتبعه في النجاسة سواء كان من حلال أم من زنا، نعم
إذا أسلم الولد بعد بلوغه أو قبله وكان عاقلا مميزا حكم بطهارته.
[المسألة 116]
إذا كان أحد الأبوين مسلما تبعه الولد في الطهارة إذا كان من الحلال
بل حتى إذا كان من الزنا ما دام الولد غير مميز، فإذا صار الولد عاقلا
مميزا ولم يعترف بالاسلام فالحكم بطهارته مشكل، ولعل الأقوى
النجاسة، وإن كان كلا الأبوين مسلمين.
[المسألة 117]
الخارجي والناصبي نجسان، وكذلك الغالي إذا رجع غلوه إلى
الشرك بالله أو إلى إنكار ذاته تعالى، أو رجع إلى إنكار أحد ضروريات
الاسلام مع الالتفات إلى كونه ضروريا، ولا يحكم بنجاسة المجسمة،
ولا المجبرة، ولا القائلين بوحدة الوجود إذا هم التزموا بأحكام
الاسلام، ولا بنجاسة سائر فرق المسلمين، ولا سائر فرق الشيعة إلا
إذا ثبت نصبهم وعداؤهم لبعض أئمة أهل البيت (ع).
[المسألة 118]
الانسان الذي يشك في أنه مسلم أو كافر لا يحكم بنجاسته، ولكن لا
تجري عليه سائر أحكام الاسلام.
38

[المسألة 119]
التاسع من أنواع النجاسات، كل مسكر مائع بالأصالة، من غير فرق بين
أصنافه وأنواع ما يتخذ منه، وهو نجس وإن جمد بالعرض، كما إذا جمد
صناعيا وأعد أقراصا أو حبوبا، وأما المسكر الجامد بالأصالة كالحشيشة
وأمثالها فهو طاهر ولكنه حرام.
الكحول نجس إذا تحققت له صفة الاسكار، أو كان مأخوذا من المسكر
بالفعل، على أن يكون أخذه منه بغير التصعيد، فقد تقدم في مبحث الماء
المضاف: أن التصعيد يطهر الماء النجس، ولا يحكم بنجاسة الكحول من حيث
وجود المادة فيه، فإن المادة موجودة في العنب وفي التمر وفي الشعير وأمثالها مما
يتخذ منه المسكر، مع أنها ليست نجسة ولا محرمة - كما هو واضح -، وعلى
هذا فما علم بعدم اسكاره من أفراد الكحول، وما علم بعدم كونه مأخوذا من
المسكر، وما شك في أنه منهما فهو محكوم بالطهارة، وكذلك ما علم بأنه مأخوذ
من المسكر بالفعل وكان أخذه منه بنحو التصعيد فهو محكوم بالطهارة ظاهرا.
إذا لم يكن مسكرا بالفعل، والله العالم.
[المسألة 120]
إذا غلى عصير العنب أو نش بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء فالأحوط
نجاسته، ثم لا يطهر إلا بانقلابه خلا، وإذا غلى بالنار لم يحكم عليه بالنجاسة،
ولكنه يكون بذلك حراما، ويحل بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار كذلك، ولا يكون
حلالا بذهاب الثلثين بالغليان بغير النار كالشمس أو الهواء، بل يكون بذلك
نجسا كما تقدم.
[المسألة 121]
إذا غلى عصير الزبيب أو نش بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء فالأحوط
نجاسته، ثم لا يطهر إلا بانقلابه خلا كما ذكرنا في عصير العنب سواء
بسواء، وإذا غلى بالنار لم ينجس ولم يحرم على الأقوى.
[المسألة 122]
لا يحرم نفس العنب إذا غلى بالنار من غير أن يعصر، وكذلك نفس الزبيب
والكشمش ونفس التمر ودبسه فلا تحرم بالغليان، ويجوز وضعها في الامراق
والمطبوخات ولا تحرم بذلك.
39

[المسألة 123]
العاشر من أنواع النجاسات: الفقاع.
وهو شراب خاص يتخذ من الشعير، وهو نجس وإن لم يسكر غالبا، وليس
منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء القدامى لبعض الأمراض، وإذا اتخذ
الفقاع من غير الشعير لم يحرم ولم ينجس إلا إذا كان مسكرا.
[المسألة 124]
الحادي عشر من أنواع النجاسات: عرق الجنب من الحرام على الأحوط،
ولا تجوز الصلاة فيه في ما إذا كانت الحرمة ذاتية بل مطلقا، والأحوط - كما
قدمنا - اجتنابه في الصلاة وغيرها، سواء كانت الحرمة ذاتية كالزنى، واللواط،
والاستمناء، ووطء البهيمة، أم غير ذاتية كوطء الزوجة الحائض، وجماع
المحرم، والوطء في الصوم الواجب المعين، وسواء كان من الرجل أم المرأة، وما
يخرج حال الجماع وما بعده، بل وما يخرج حين الاغتسال قبل أن يتم، وسواء
كان من عرقه هو أم من عرق غيره فيلزم الاجتناب عن ذلك كله.
[المسألة 125]
إذا لم يستطع الغسل في الماء البارد وخشي من العرق في الماء الحار فليرتمس
في الكر الحار، وينوي الغسل في الآن الثاني من كونه تحت الماء.
[المسألة 126]
إذا أجنب من حرام ثم أجنب من حلال أو بالعكس فلا يترك الاحتياط
باجتناب عرقه في كلتا الصورتين وخصوصا في الصورة الأولى.
[المسألة 127]
إذا تيمم المجنب من الحرام لأنه لا يجد الماء، حكم بطهارته وطهارة عرقه
الذي يخرج منه بعد ذلك، فإذا وجد الماء بطل تيممه، فإذا هو لم يغتسل لحقه
حكم الجنب من الحرام.
[المسألة 128]
الثاني عشر من أنواع النجاسات: عرق الإبل الجلالة، بل الأحوط اجتناب
العرق من كل حيوان جلال.
40

والمراد بالحيوان الجلال: الحيوان المأكول لحمه إذا هو اغتذى بعذرة
الانسان وحدها حتى صدق عليه اسم الجلل عرفا فلا تجري على الحيوان
أحكام الجلل إذا كان غذاؤه مخلوطا من العذرة وغيرها، ولا تجري عليه
الأحكام كذلك إذا لم يصدق عليه اسم الجلال.
[المسألة 129]
إذا اغتذى الحيوان بعذرة الانسان وحدها حتى صدق عليه اسم الجلال
عرفا حرم أكل لحمه وشرب لبنه، وحرم أكل بيضه على الأحوط إذا كان مما
يبيض، وحكم بنجاسة بوله وروثه كما تقدم في المسألة التاسعة والسبعين،
وحكم بنجاسة عرقه إذا كان من الإبل، بل بنجاسة العرق من كل حيوان جلال
على الأحوط كما تقدم في المسألة المتقدمة، ولا ترتفع هذه الأحكام حتى يستبرأ
الحيوان، ويزول عنه اسم الجلال. وسيأتي بيان ذلك في مبحث المطهرات
إن شاء الله تعالى.
[الفصل الثامن]
[كيف تسري النجاسة]
[المسألة 130]
إذا لاقى الماء القليل أو الماء المضاف، أو أحد المائعات الأخرى شيئا نجسا
أو متنجسا حكم بنجاسته جميعا، وقد تقدم بيان ذلك ولتفصيل الحكم فيه.
(تلاحظ المسألة الثالثة. والمسألة الرابعة، والمسألة الخامسة، والمسألة
الثانية والعشرون والمسألة السادسة والعشرون).
[المسألة 131]
إذا لاقى جسم طاهر جامد شيئا نجسا أو متنجسا وكانت في أحد المتلاقيين
أو في كليهما رطوبة مسرية حكم بنجاسة موضع الملاقاة من ذلك الجسم
الطاهر، والمراد بالرطوبة المسرية هي الرطوبة التي تنتقل أجزاؤها من أحد
المتلاقيين إلى الآخر بمجرد الملاقاة، ولا تسري النجاسة إذا كانا معا يابسين
أو كانت الرطوبة بينهما لا تنتقل من أحدهما إلى الآخر بمجرد الملاقاة.
[المسألة 132]
إذا كان الجسم الطاهر رطبا بالرطوبة المسرية، ولاقى الشئ النجس أو
41

المتنجس لم تسر النجاسة إلى غير موضع الملاقاة، فإذا كانت الأرض ممطورة
مثلا وأصابت النجاسة بعض أجزائها لم تنجس بذلك أجزاؤها الأخرى، وإذا
كان الثوب أو البدن مبلولا ولقيت النجاسة بعض نواحيه لم تنجس بذلك
نواحيه الأخرى، وكذلك الفواكه والخضروات الرطبة إذا تنجس بعض أجزائها
لم يتنجس بقية أجزائها.
[المسألة 133]
إذا شك في وجود الرطوبة بين المتلاقيين لم يحكم بالنجاسة وكذلك إذا شك
في كون الرطوبة مسرية أم لا.
[المسألة 134]
وإذا وقع الذباب على النجاسة الرطبة ثم وقع على الثوب أو البدن وهما
مبتلان لم يحكم بنجاستهما إلا إذا وجدت مع الذباب عين النجاسة.
[المسألة 135]
إذا وقعت النجاسة في الدبس الغليظ كفى القاء النجس وما حوله، ولا تسري
النجاسة إلى بقية الأجزاء، وكذا في اللبن الغليظ. والسمن والعسل الغليظين.
وأمثال ذلك من المائعات الغليظة، والفارق بين الرقيق من المائعات والغليظ: إن
الغليظ إذا أخذت منه شيئا بقي مكانه خاليا حين أخذه وإن امتلأ بعد ذلك،
والرقيق إذا أخذت منه شيئا امتلأ مكانه حين أخذه.
[المسألة 136]
قد تكون النخاعة التي تنزل من الرأس أو النخامة التي تخرج من الصدر
غليظة، فيجري فيها الحكم المذكور، فإذا خرجت معها نقطة من الدم لم
يتنجس بها غير موضع الملاقاة.
[المسألة 137]
إذا أصاب الثوب أو الفراش بعض التراب النجس كفى نفضه بمقدار يعلم
بزوال ما تيقن علوقه به من ذلك التراب.
[المسألة 138]
إذا تنجس الشئ ثم أصابته نجاسة أخرى جرى عليه حكم أشد
42

النجاستين، فإذا تنجس الثوب أو البدن بالدم، ثم تنجس بالبول وجب
غسله مرتين إذا كان الغسل بالماء القليل، ووجب عصر الثوب بعد كل
منهما، وإذا ولغ الكلب في إناء فيه ماء نجس وجب تعفير الإناء بالتراب
ثم غسله ثلاثا، إذا كان بالماء القليل.
وكذلك الحكم إذا علم اجمالا بأن الثوب تنجس إما بالدم أو بالبول
وبأن الإناء تنجس إما بالولوغ أو غيره فيجب عليه اجراء حكم أشد
النجاستين.
[المسألة 139]
المتنجس بلا واسطة ينجس ما يلاقيه من الأشياء مع الرطوبة المسرية
على الأقوى من غير فرق بين المائعات والجامدات، وكذلك الحكم في
المتنجس بالوسائط الأولى وخصوصا في الماء القليل والمائعات.
والأحوط التجنب عن ملاقي المتنجس مع تعدد الوسائط أيضا،
وإن كان القول بالطهارة في هذه الصورة لا يخلو عن قوة كما في الواسطة
الرابعة فما فوقها.
[المسألة 140]
المتنجس يوجب نجاسة ما يلاقيه إذا كان متنجسا بلا واسطة أو
بالوسائط الأولى كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ولكنه لا يوجب له حكم
النجاسة التي لاقاها، فالمتنجس بالبول لا يوجب لما يلاقيه من الأشياء
حكم نجاسة البول من وجوب التعدد في غسله بالماء القليل، والإناء
المتنجس بولوغ الكلب فيه لا يوجب لما يلاقيه حكم نجاسة الولوغ من
وجوب التعفير.
نعم إذا كان الملاقي إناء فالأحوط التعدد في غسله، وإذا صب فيه
الماء الذي ولغ فيه الكلب فلا يترك الاحتياط بتعفيره بالتراب بل لا يخلو
عن وجه قوي.
[المسألة 141]
ملاقاة النجاسة في الباطن لا توجب التنجيس، وقد تقدم ذلك في
المسألة الثالثة والثمانين فلتلاحظ.
43

[الفصل التاسع]
[في طرق ثبوت النجاسة والطهارة]
[المسألة 142]
تثبت نجاسة الشئ بالعلم بها، وبشهادة البينة العادلة، وباخبار
صاحب اليد بها، ولا تثبت بالظن. نعم لا يترك الاحتياط إذا كان
الظن اطمئنانيا، وكذلك إذا أخبر العدل الواحد بالنجاسة وأفاد قوله
الاطمئنان فلا يترك الاحتياط، وإذا ثبتت نجاسة الشئ بأحد الوجوه
المتقدم ذكرها حكم ببقاء النجاسة حتى يثبت تطهيره منها، أما بالعلم
بالتطهير منها كذلك، أو بشهادة البينة العادلة، أو بأخبار صاحب اليد
بها، ولا يترك الاحتياط إذا أخبر العدل الواحد بالطهارة وكان قوله
موجبا للاطمئنان، كما تقدم.
[المسألة 143]
إذا علم اجمالا بنجاسة أحد الشيئين وجب عليه اجتنابهما معا إذا
كان كلاهما محلا لابتلائه، فإذا كان أحد الشيئين ليس محلا لابتلائه
سقط عنه التكليف بالاجتناب عما هو محل ابتلائه. والمراد بخروج
الشئ عن محل ابتلائه: أن يخرج عن قدرته أو يصبح الخطاب باجتنابه
مستهجنا فلا يتوجه إليه.
[المسألة 144]
لا يجب على الوسواسي تحصيل العلم بالطهارة، ولا يعتمد على قوله
في النجاسة، بل يرجع إلى المتعارف عند المتشرعة في إزالة النجاسات
والتطهير منها.
[المسألة 145]
لا يشترط في البينة أن يحصل الظن بصدقها، كما لا يشترط أن يذكر
الشاهدان مستند شهادتهما بالنجاسة، إلا إذا كان بينهما وبين من
يشهدان عنده خلاف في سبب النجاسة فلا بد من ذكر المستند.
[المسألة 146]
إذا شهدت البينة بأن هذا الثوب أو هذا الماء قد أصابه عرق الجنب
44

من الحرام، أو عرق الحيوان الجلال، أو أصابه ماء الغسالة، كفى
في ثبوت النجاسة عند من يقول بها وإن كان الشاهدان لا يقولان بذلك.
[المسألة 147]
الشهادة بالاجمال كافية في الاثبات كالشهادة بالتفصيل، فإذا شهدت
البينة بوقوع النجاسة في أحد الإناءين أو على أحد الثوبين، وجب على
المكلف اجتنابهما معا إذا كانا محلا لابتلائه.
[المسألة 148]
صاحب اليد على الشئ هو المستولي عليه بنحو يكون الشئ تابعا
لصاحب اليد ولو في الجملة، سواء كان مالكا للشئ، أم مستأجرا له
أم أمينا عليه.
وعلى هذا فيعتبر خبر الزوجة والخادمة والمملوكة بنجاسة ما في
يدها من أواني البيت وأمتعته وثياب الرجل، ويحكم عليها بالنجاسة،
ويقبل قولها بالتطهير، وكذلك المشرفة على تربية الطفل، وعلى شؤون
المجنون.
ولا يعتبر خبر المولى بنجاسة بدن عبده أو جاريته إذا كان العبد
والجارية مستقلين في الإرادة وكذا في ثوبهما التابع لهما.
[المسألة 149]
لا يشترط في قبول خبر صاحب اليد أن يكون عادلا، نعم يعتبر فيه
أن لا يكون متهما، ولا يبعد قبول خبره إذا كان مراهقا.
[المسألة 150]
لا فرق في خبر صاحب اليد بين أن يكون قبل الاستعمال أو بعده،
فإذا توضأ الانسان بماء، وبعد فراغه أخبره صاحب اليد بأن ذلك
الماء نجس حكم ببطلان وضوئه ونجاسة أعضائه.
[المسألة 151]
إذا تعدد صاحب اليد كفى أن يخبر واحد منهم بنجاسة الشئ فيحكم
45

بها، وإذا أخبر أحد الشريكين بنجاسة الشئ وأخبر الثاني بطهارته
تساقطا، نعم إذا كان أحدهما مستندا في خبره إلى العلم، والآخر إلى
الأصل قدم الأول على الثاني، وكذلك الحكم في البينتين، فإذا شهدت
إحداهما بنجاسة الشئ وشهدت الآخر بطهارته، قدمت البينة التي
تستند في شهادتها إلى العلم على الأخرى التي تستند إلى الأصل، وإذا
استندتا معا إلى العلم أو إلى الأصل تساقطتا معا.
وإذا أخبر صاحب اليد بنجاسة الشئ أو بطهارته، وشهدت البينة
العادلة بخلاف قوله، فإن استندت البينة في شهادتها إلى العلم قدمت على
قول ذي اليد في كلا الفرضين، وإذا استند قول صاحب اليد إلى العلم
واستندت البينة في شهادتها إلى الأصل قدم قوله على شهادتها في كلا
الفرضين.
[المسألة 152]
إذا شهدت البينة بسبب الطهارة كفى ذلك عند من يقول بحصول
الطهارة بذلك السبب، وإن كان الشاهدان لا يقولان بذلك، فإذا
شهدا بأن الثوب المتنجس بالبول قد غسل بالماء الكثير مرة واحدة،
كفت شهادتهما عند من يقول بحصول الطهارة بذلك، وحكم بطهارة
الثوب، وإن كان الشاهدان يقولان بنجاسة الثوب لأنهما يعتبران
التعدد أو الحاجة إلى العصر، أو يعتقدان بأن ذلك الماء لا يبلغ الكر،
والمشهود عنده يعلم بكريته.
[الفصل العاشر]
[في أحكام النجاسة]
[المسألة 153]
الأحكام التي تذكر للنجاسة تثبت كذلك للمتنجس، وللبلل المشتبه
الخارج بعد البول، وقبل الاستبراء منه بالخرطات، وللبلل الخارج
بعد المني وقبل الاستبراء منه بالبول، ولأحد أطراف الشبهة المحصورة
في العلم الاجمالي بالنجاسة أو أحد المذكورات، إذا كان العلم الاجمالي
منجزا.
46

[المسألة 154]
يشترط في صحة الصلاة طهارة بدن المصلي من النجاسة حتى ظفره
وشعره، وطهارة ثيابه الساتر منها وغير الساتر، وطهارة موضع الجبهة
في السجود، من غير فرق بين الصلاة الواجبة والمندوبة، ويشترط
ذلك في صلاة الاحتياط، وقضاء الأجزاء المنسية في الصلاة، بل يشترط
ذلك في سجود السهو - على الأحوط - وفي الإقامة.
ويستثنى من اللباس ما لا تتم به الصلاة كالقلنسوة والجورب،
فتصح الصلاة فيه إذا كان نجسا، ويستثنى أيضا ما يعفى عنه في
الصلاة من النجاسات، وسيأتي بيانها في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.
[المسألة 155]
الطواف الواجب والمندوب بمنزلة الصلاة فيشترط في صحته طهارة
الجسد والثياب، بل يشترط في صحته طهارة بدن الطائف ولباسه عن
كل نجاسة حتى المعفو عنها في الصلاة على الأحوط، وحتى في ما لا تتم
به الصلاة.
[المسألة 156]
الغطاء الذي قد يلتحف به المصلي في أثناء الصلاة إما لعدم الساتر
غيره أو لبعض الطوارئ الأخر، إذا كان ملتفا به على نحو يصدق أنه
قد صلى فيه يلحقه حكم اللباس في الصلاة، فيجب أن يكون طاهرا،
وإن كان متسترا بغيره.
وإذا لم يصدق عليه أنه صلى فيه، وإنما استعمله كالدثار وشبهه
لم تجب فيه الطهارة.
[المسألة 157]
يكفي في موضع الجبهة أن يكون المقدار الواجب منه في السجود
طاهرا، فلا يضر أن تقع الجبهة على موضع بعضه نجس إذا كان البعض
الطاهر الذي وقعت عليه يحصل به مسمى السجود، وكانت نجاسة
الباقي منه غير مسرية، ولا تضر نجاسة باطنه إذا كان سطحه الذي
47

وقعت عليه الجبهة طاهرا ولا تضر نجاسة بعض الجبهة. إذا كانت النجاسة
معفوا عنها في الصلاة كالقليل من الدم وكان الموضع الطاهر من الجبهة
مما يحصل به مسمى السجود، ولا تضر نجاسة مواضع الأعضاء الأخرى
للسجود غير الجبهة إذا كانت نجاستها غير مسرية إلى بدن المصلي أو
ثيابه أو كانت مسرية ولكنها مما يعفى عنها في الصلاة.
[المسألة 158]
إذا صلى في النجاسة متعمدا وهو يعلم بالنجاسة وبحكمها بطلت
صلاته، وكذلك إذا صلى وهو يعلم بوجود النجاسة ويجهل بأن حكمها
هو النجاسة، أو أن الطهارة شرط في صحة الصلاة فتبطل صلاته على
الأقوى.
وإذا صلى في النجاسة وهو لا يعلم بوجودها في ثوبه حتى أتم الصلاة
صحت صلاته ولم يجب عليه قضاؤها ولا إعادتها.
[المسألة 159]
إذا تنجس ثوب المصلي أو بدنه وهو في أثناء صلاته وعلم بحدوث
النجاسة قبل أن يأتي معها بشئ من أفعال الصلاة، فإن استطاع وهو
في الصلاة أن يطهر النجاسة أو يبدل الثوب المنجس أو ينزعه إذا كان
عليه ساتر سواه من غير أن يأتي بما ينافي الصلاة وجب عليه أن يفعل
ذلك ويتم صلاته وكانت صحيحة على الظاهر.
وكذلك إذا علم بحدوث النجاسة في أثناء الصلاة وشك في أنه أتى
بشئ من أفعال الصلاة مع النجاسة أم لا، فعليه أن يتم الصلاة بعد أن
يطهر النجاسة أو يبدل الثوب أو ينزعه كما تقدم.
وإن لم يستطع أن يفعل ذلك، وكان الوقت واسعا وجب عليه أن
يستأنف الصلاة مع الطهارة، وإذا كان الوقت ضيقا وجب عليه أن يتم
الصلاة مع النجاسة، والأحوط له استحبابا أن يقضيها بعد ذلك.
[المسألة 160]
إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه وهو في الصلاة، وعلم أنه أتى ببعض
48

أفعال الصلاة مع النجاسة، فإن كان الجزء الذي أتى به مع النجاسة
مما يمكن تداركه، وكان في استطاعته وهو في الصلاة أن يطهر النجاسة
أو يبدل الثوب النجس بطاهر أو ينزعه إذا كان عليه ساترا آخر من غير
أن يأتي بما ينافي الصلاة، وجب عليه أن يفعل ذلك ويتدارك الجزء
الذي أتى به مع النجاسة ويتم صلاته، وكانت صحيحة على الظاهر.
وإذا كان الجزء مما لا يمكن تداركه، وكان الوقت واسعا بطلت
صلاته فعليه إعادتها.
وإذا كان الوقت ضيقا حتى عن ادراك ركعة، فإن أمكنه تطهير النجاسة
أو تبديل الثوب النجس أو نزعه إذا كان عليه ساتر آخر من غير أن
يأتي بما ينافي الصلاة فعليه أن يفعل ذلك ويتم صلاته وإن لم يمكنه
ذلك لبرد أو لغيره من الضرورات أو لعدم الأمن من الناظر وجب عليه
أن يتم صلاته مع النجاسة وكانت صحيحة، وإن كان الأحوط له
استحبابا أن يقضيها بعد ذلك.
[المسألة 161]
إذا نسي نجاسة ثوبه أو بدنه فصلى فيها بطلت صلاته، سواء تذكرها
في أثناء الصلاة أم بعدها، وسواء أمكن له تطهير النجاسة أو تبديل
الثوب النجس لا، فتجب عليه الإعادة إذا كان في الوقت والقضاء
إذا كان بعده، وكذلك إذا نسي حكم النجاسة أو حكم الصلاة في
النجاسة فصلى فيها فتجب عليه الإعادة أو القضاء.
[المسألة 162]
إذا غسل ثوبه النجس بنحو علم بطهارته وصلى فيه، ثم تبين له بعد
ذلك أن نجاسته لا تزال باقية، فالظاهر صحة صلاته فلا تجب عليه
إعادتها ولا قضاؤها، وكذلك إذا شك في نجاسة الثوب فصلى فيه، ثم
تبين له بعد الصلاة أنه نجس فلا تجب عليه الإعادة إلا إذا كان عالما بأن
حالة الثوب السابقة هي النجاسة، فتجب عليه الإعادة إذا كان في الوقت،
والقضاء إذا كان بعده.
49

[المسألة 163]
إذا نسي نجاسة شئ فلاقاه بالرطوبة في أحد أعضائه وصلى، ثم
تذكر نجاسة الشئ وعلم أن أحد أعضائه قد تنجس بملاقاة ذلك الشئ
فالظاهر صحة صلاته.
نعم، إذا كان ذلك العضو من أعضاء الوضوء أو الغسل، وعلم أنه
توضأ أو اغتسل بعد ملاقاة ذلك العضو للنجاسة حكم ببطلان طهارته
وبطلان صلاته.
[المسألة 164]
إذا اضطر إلى الصلاة مع النجاسة واستمر به العذر إلى آخر الوقت
صحت صلاته معها ولم يجب عليه القضاء بعد الوقت، وإذا يئس من
زوال العذر فصلى مع النجاسة في أول الوقت ثم زال العذر والوقت باق
وجبت عليه إعادة الصلاة، فإن هو لم يعدها وجب عليه القضاء بعد
الوقت، وكذلك إذا اضطر إلى السجود على موضع نجس فتصح صلاته
مع استمرار العذر وإذا زال العذر قبل خروج الوقت أعاد الصلاة.
وإذا لم يجد ساترا غير ثوب نجس وأمكنه نزع الثوب والصلاة
عاريا فالظاهر وجوب الصلاة في الثوب النجس مع استمرار العذر
كما تقدم.
[المسألة 165]
إذا لم يجد ساترا غير ثوبين يعلم بنجاسة أحدهما وجب عليه أن
يصلي في كل واحد منهما، فإن لم يتمكن إلا من صلاة واحدة، صلاها
بأحد الثوبين ثم قضاها بعد الوقت بثوب طاهر.
وإذا كان لديه مع الثوبين المشتبهين المذكورين ثوب طاهر تخير بين
أن يصلي في الثوب الطاهر وأن يكرر الصلاة في الثوبين المشتبهين ولا
يتعين عليه الأول وإن كان أحوط.
[المسألة 166]
إذا تكثرت أطراف الشبهة في الثياب المعلوم نجاسة بعضها كفاه أن
يكرر الصلاة بمقدار يعلم بوقوع صلاة واحدة في ثوب طاهر منها.
50

[المسألة 167]
إذا تنجس بدن المكلف وثوبه، وعنده من الماء ما يكفي لتطهير
أحدهما فقط، فالظاهر لزوم تطهير بدنه، وإذا تنجس موضعان من
بدنه تخير في تطهير أيهما شاء بذلك الماء، إلا إذا كانت النجاسة في
أحدهما أكثر أو أشد فيتعين، وكذلك إذا تنجس موضعان من ثوبه.
[المسألة 168]
إذا تنجس بدن المكلف أو ثوبه، ولديه من الماء ما يكفي لتطهير
النجاسة أو لطهارته من الحدث، فإن استطاع أن يتوضأ أو يغتسل
ويجمع غسالة وضوئه أو غسله في إناء وشبهه فيطهر بها النجاسة تعين
عليه ذلك، وإن لم يمكنه تطهر بالماء من النجاسة، وتيمم بدلا عن
الوضوء أو الغسل والأحوط استحبابا أن يطهر النجاسة أولا ثم يأتي
بالتيمم بعد ذلك.
[المسألة 169]
إذا سجد على الموضع النجس جاهلا أو ناسيا فالأحوط لزوم الإعادة
[المسألة 170]
لا يجوز أكل النجس ولا المتنجس ولا شربهما، ويجوز الانتفاع
بهما فيما لا يشترط فيه الطهارة.
[المسألة 171]
لا يجوز بيع الأعيان النجسة للاستعمال المحرم، وقد تقدم أن
الأحوط المنع من بيع الميتة والعذرات النجسة مطلقا، وأما المتنجسات
فيجوز بيعها إذا وجدت لها منفعة محللة يعتد بها الناس ويبذلون
بإزائها المال.
[المسألة 172]
لا يجوز - على الأحوط - أن يكون الشخص سببا لأكل الآخرين
الشئ النجس أو المتنجس أو شربه، أو يكون سببا لاستعمالهم النجس
أو المتنجس في الأعمال التي تشترط فيها الطهارة، فإذا باع شيئا نجسا
51

أو متنجسا وجب عليه أن يعلم المشتري بالنجاسة على الأحوط، وكذلك
إذا وهبه أو أجره أو أعاره، فإذا أحضر لضيفه أو لأهل بيته أو لغيرهم
طعاما، ثم علم بنجاسته فالأحوط وجوب أعلامهم بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 173]
لا يجب على المكلف أن يعلم الآخرين بالنجاسة إذا رآها في طعامهم
أو شرابهم أو ثيابهم التي يصلون فيها ولم يكن هو السبب الذي أعد لهم
تلك الأشياء النجسة.
[المسألة 174]
لا يجوز له أن يطعم الأطفال الأعيان النجسة أو المتنجسة أو يسقيهم
إياها، ولا يجوز له - على الأحوط - أن يكون سببا لشئ من ذلك،
ولا يجب عليه منعهم منها إذا لم يكن هو السبب لها إلا في المسكرات
وتناول الأعيان النجسة فالظاهر وجوب الردع.
[المسألة 175]
يحرم تنجيس المساجد وتنجيس بنائها وسقفها وأساطينها وأرضها
وبلاطها وآلاتها، وفرشها، ويحرم ادخال النجاسة غير المتعدية إليها
إذا أوجب ذلك هتك حرمة المسجد، ويجوز ادخال النجاسة غير المتعدية
إذا كانت من توابع الداخل، فيجوز للمسلوس والمبطون والمستحاضة
وذي الجروح والقروح أن يدخلوا المسجد إذا كانت النجاسة في أبدانهم
وثيابهم غير متعدية، بل يستحب لهم دخوله للصلاة فيه ونحوها.
[المسألة 176]
يجب تطهير المساجد إذا تنجست أو تنجس شئ من أجزائها وأدواتها
وآلاتها التي أشرنا إليها في المسألة المتقدمة. حتى أطراف جدرانها
الداخل منها والخارج على الأحوط، بل لعله الأقوى إذا كانت أرض
الجدار من المسجد إلا ما كان الواقف قد جعله خارجا عن المسجدية
فلا يجب تطهيره إذا تنجس.
ووجوب تطهير المساجد عن النجاسة فوري فلا يجوز التأخير بما
ينافي الفورية عرفا. ويجب تقديمه على الصلاة إذا وجد النجاسة في
52

المسجد، وقد حضر وقت الصلاة، فإذا ترك إزالة النجاسة وقدم الصلاة
مع سعة وقتها أثم بذلك، وإن كانت صلاته صحيحة على الأقوى،
ولا يخلصه من الإثم أن يصلي في مكان آخر.
وإذا اشتغل أحد بتطهير النجاسة وكان قادرا على ذلك جاز لغيره أن
يبادر إلى الصلاة، وإن لم يتم الأول عمله بل وإن لم يبدأ به ما لم يكن
متراخيا في تأدية الواجب.
وإذا كان وقت الصلاة ضيقا وجب تقديمها.
[المسألة 177]
إذا علم بنجاسة المسجد وهو في أثناء الصلاة وجب عليه اتمامها إذا
كان ذلك لا ينافي الفورية العرفية لإزالة النجاسة، وإلا أبطل صلاته مع
سعة وقتها وبادر إلى إزالة النجاسة، وخصوصا إذا كان عالما بالنجاسة
قبل الصلاة ثم غفل وصلى، ولكنه إذا ترك الإزالة وأتم صلاته كانت
صحيحة على أي حال.
[المسألة 178]
وجوب إزالة النجاسة عن المسجد كفائي يعم من علم بها من المكلفين
القادرين ولا يختص بمن نجسها أو كان سببا لتنجيسها، وإذا توقف
تطهيره من النجاسة على مال وجب بذله إلا إذا أوجب الحرج أو الاضرار
بحاله، ولا يضمنه من كان سببا للتنجيس.
[المسألة 179]
إذا توقف تطهير المسجد من النجاسة على حفر أرضه أو تخريب شئ
منه وجب ذلك إذا كان الحفر أو التخريب يسيرا لا يضر بالمسجد ولا
يمنع من الصلاة فيه، ووجب ذلك أيضا إذا وجد متبرع بطم أرضه
وتعمير خرابه وإن كان كثيرا، وإلا فهو مشكل بل ممنوع.
[المسألة 180]
إذا استلزم تطهير المسجد من النجاسة أن يتنجس بعض المواضع
الطاهرة منه، فلا مانع منه إذا طهر بعد ذلك.
53

[المسألة 181]
لا فرق بين المسجد العامر وغيره في الحكم، فيحرم تنجيسه إذا كان
خرابا ويجب تطهيره إذا تنجس، وإذا غصب المسجد فجعل طريقا أو
دارا أو غير ذلك، ففي عموم الحكم له اشكال ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 182]
إذا علم بنجاسة أحد المسجدين وجب عليه تطهيرهما معا، وكذلك
إذا علم بنجاسة أحد الموضعين من المسجد.
[المسألة 183]
إذا لم يستطع المكلف تطهير المسجد بنفسه وجب عليه أن يعلم غيره
بالنجاسة إذا احتمل حصول التطهير باعلامه.
[المسألة 184]
وبحكم المساجد المشاهد المشرفة فيحرم تنجيس أرضها وبنائها
وبلاطها، ويحرم تنجيس القبور المعظمة وما عليها من صناديق
وأضرحة، وثياب، وما حولها من حرم وأروقة، ويجب تطهيرها من
النجاسة - على الأحوط - وخصوصا إذا استلزم بقاؤها المهانة وإن لم
توجب هتكا لحرمة المشهد.
وكذلك الحكم في المصحف الشريف فيجب تطهير ورقه وخطه إذا
عرضت له النجاسة بل يجب تطهير جلده وغلافه إذا استلزم بقاء النجاسة
مهانة المصحف وهي أعم من الهتك كما ذكرنا.
وتحرم كتابته بالحبر النجس، وإذا كتب به وجب محوه فإذا لم
يمكن محوه وجب تطهير ظاهره.
وكذلك التربة الحسينية وتربة الرسول (ص) وسائر الأئمة (ع)
المأخوذة من قبورهم فيجري فيها حكم المشاهد المتقدم.
54

[المسألة 185]
وجوب تطهير المصحف كفائي يعم من علم من المكلفين القادرين،
ولا يختص بمن نجسه، وإذا استلزم تطهيره صرف مال وجب بذله إلا
إذا أوجب الحرج والاضرار بحاله ولا يضمنه من نجسه كما تقدم في
حكم المسجد.
[الفصل الحادي عشر]
[ما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات]
[المسألة 186]
الأول مما يعفى عنه في الصلاة دم الجروح والقروح حتى تبرأ،
فتصح الصلاة فيه، سواء كان الدم قليلا أم كثيرا، وسواء كان في ثوب
المصلي أم في بدنه، وسواء أمكن للمصلي نفسه أن يتطهر من الدم أو
يبدل الثوب النجس بلا مشقة عليه في ذلك أم لا.
نعم، يشترط في العفو عنه أن يكون التطهر من الدم أو تبديل
الثوب النجس مما يشق على نوع الناس وإن لم يكن شاقا على المكلف
ذاته كما قلنا، فيجب التطهر منه أو تبديل الثوب إذا كان غير شاق
على نوع الناس، إلا إذا لزم منه الحرج على المكلف نفسه فيسقط عنه
ذلك بمقدار ما يرفع الحرج.
وعلى هذا فيكفي في العفو عن دم الجروح والقروح وجود إحدى
المشقتين فيه، أما المشقة على نوع الناس، وإذا تحققت هذه حكم
بالعفو عن الدم مطلقا كما ذكرنا، وأما الحرج والمشقة على المكلف
خاصة، وإذا تحققت هذه حكم بالعفو عن الدم بمقدار ما يرتفع
به الحرج.
[المسألة 187]
لا يجب منع دم الجروح والقروح عن التعدي عن محله، نعم،
الأحوط شد الجرح أو القرح إذا كان شده متعارفا، ويشمل الحكم
بالعفو ما يتعدى من الدم إلى أطراف موضع الجرح أو القرح التي
55

يتعارف تعدى الدم إليها في مثل ذلك الجرح وإلى اللباس المتصل بها،
ولا يشمل ما خرج عن المتعارف سواء تعدى بنفسه أو بالمسح عليه
باليد أو الخرقة الملوثتين.
ولا يعفى عما ينفصل من دم الجرح أو القرح عن البدن أو الثوب،
وإن عاد بعد ذلك إليهما. وإذا نزع الثوب الملوث بالدم ثم لبسه في
وقت آخر فالعفو عن الصلاة فيه لا يزال باقيا ما دام ذلك الجرح باقيا.
[المسألة 188]
يعفى عن القيح المتنجس الذي يخرج مع دم القروح، وعن
الدواء الذي يوضع على الجرح أو القرح فيصيبه الدم، وعن العرق
الذي يخرج من الموضع فيلاقي الدم أو الجرح.
ولا يعفى عن الرطوبات الخارجية التي قد تلاقي الدم أو موضع
الجرح، وتتعدى إلى الأطراف فيجب التطهر منها إلا إذا لزم الحرج
بذلك أو الضرر.
[المسألة 189]
يجب تطهير اليد إذا أصابها دم الجروح أو باشر بها الموضع في مقام
العلاج، ولا يشملها العفو وكذلك يجب تطهير الأطراف إذا نجسها
بالمسح باليد الملوثة وكانت خارجة عن الحدود المتعارفة لذلك الجرح.
[المسألة 190]
لا يعفى عن دم الرعاف، وفي العفو عن دم البواسير نظر، سواء
كانت داخلة أم خارجة، وكذا القروح والجروح الباطنية التي يخرج
دمها إلى الظاهر.
[المسألة 191]
إذا تعددت القروح أو الجروح وتقاربت في الموضع بحيث عدت
قرحا واحدا في نظر أهل العرف لحقها حكم القرح الواحد، فإذا برئ
بعضها لم يجب تطهيره، ولم يزل العفو عنه باقيا حتى يبرأ الجميع.
56

وإذا تباعدت مواضعها بحيث يراها أهل العرف قروحا متعددة،
اختص كل واحد منها بحكم نفسه، فإذا برئ بعضها لزم تطهير موضعه
واختص العفو بالقرح الذي لم يبرأ بعد.
[المسألة 192]
الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الذي يكون أقل من سعة
الدرهم في بدن المصلي أو ثيابه، فتصح الصلاة فيه، سواء كان من
دمه أم من دم غيره من الناس والحيوان، وسواء كان مجتمعا أم متفرقا،
ولا يشمل الحكم دم الميتة، ولا دم نجس العين، ولا دم الحيوان غير مأكول
اللحم، ولا دم الحيض، بل ولا دم الاستحاضة والنفاس على الأحوط،
فلا يعفى عن شئ من ذلك، ولا يعفى عن الدم المتفرق إذا بلغ مجموعه
سعة الدرهم.
والأحوط في تحديد ذلك أن يكون قطره بطول عقد السبابة.
[المسألة 193]
إذا تفشى الدم من أحد وجهي الثوب إلى الوجه الآخر منه، فإن كان
الثوب ذا طبقات فالظاهر تعدد الدم، فإذا بلغ المجموع منه سعة الدرهم
أو زاد عليه لم يعف عنه، وكذلك على الأحوط إذا كان الثوب غليظا،
وإذا كان الثوب رقيقا أو متوسطا فهو دم واحد.
[المسألة 194]
المتنجس بالدم لا يلحقه حكم الدم، فلا يعفى عما دون الدرهم منه
في الصلاة، وكذلك إذا اختلط الدم بغيره من المائعات فلا يعفى عما
دون الدرهم منه.
نعم، إذا كان الدم في الثوب أو البدن أقل من الدرهم، ووقعت
عليه بعض الرطوبات من عرق أو ماء أو غيرهما ولم تتعد النجاسة بذلك
عن محل الدم ثم جفت الرطوبة وذهبت عينها فالظاهر بقاء العفو عنه
في هذه الصورة.
57

[المسألة 195]
إذا كان الدم أقل من سعة الدرهم وشك الانسان في أنه من الدم
الذي يعفى عن مقداره في الصلاة أم هو من المستثنيات التي لا يعفى
عنها بنى على العفو، وكذلك الحكم إذا شك في أن الدم بقدر ما يعفى
عنه في الصلاة أم هو أكثر فالظاهر العفو إلا أن تكون حالة الدم السابقة
هي الكثرة فيستصحب عدم العفو.
[المسألة 196]
إذا زالت عين الدم ولم تطهر نجاسته فالظاهر بقاء حكم العفو عنه
إذا كان دون الدرهم.
[المسألة 197]
لا يرتفع حكم العفو عن الدم إذا وقع عليه دم آخر وكان المجموع
دون سعة الدرهم وإن أصبح الدم غليظا.
[المسألة 198]
لا يعفى عن الدم إذا وقعت عليه نجاسة أخرى وإن لم تتعد عن موضع
الدم، وإن زالت عين النجاسة الثانية، بل وإن فرض عدم وصولها إلى
الثوب كما إذا جمد الدم فكان حائلا عن وصول النجاسة الثانية إلى
الثوب.
[المسألة 199]
الثالث مما يعفى عنه في الصلاة: ما لا تتم الصلاة فيه وحده،
والمراد به ما لا يستر العورتين من الملابس، كالجورب والنعل والتكة
والقلنسوة والخاتم والسوار والخلخال، ومنه العمامة إذا خيطت
بعد لفها فأصبحت كالقلنسوة فتصح الصلاة في هذا كله إذا كان نجسا،
بشرط أن لا يكون متخذا من أجزاء الميتة، ولا من أجزاء نجس العين،
وأن لا تكون النجاسة فيه من غير مأكول اللحم إذا كانت عينية.
[المسألة 200]
الرابع مما يعفى عنه في الصلاة: المحمول المتنجس، سواء كان مما
58

لا تتم الصلاة به منفردا كالساعة والسكين والنقود أم كان مما تتم فيه
الصلاة كما إذا حمل الثوب المتنجس في جيبه فتصح صلاته على الظاهر.
ولا يعفى على الأحوط عن المحمول إذا كان متخذا من الأعيان النجسة
أو مما تحله الحياة من أجزاء الميتة، وكذا إذا كان من أجزاء ما لا يؤكل
لحمه وإن كان طاهرا، فلا يحمل شيئا من ذلك في الصلاة، وإن كان
مما لا تتم فيه الصلاة كحافظة النقود تكون من جلد الميتة أو جلد غير
المأكول.
[المسألة 201]
الخامس مما يعفى عنه في الصلاة ثوب الأم التي تربي طفلها إذا لم
يكن لها ثوب غيره، فيصح لها أن تصلي بثوبها إذا تنجس ببول الطفل،
سواء كان الطفل ذكرا أم أنثى، بشرط أن تغسل الثوب كل يوم مرة
واحدة، وكذلك ذات الثياب المتعددة إذا كانت محتاجة إلى لبس الثياب
جميعا دفعة واحدة لبرد أو لغيره، وليس لهن بديل، فإذا غسلتهن مرة
واحدة في اليوم صح لها أن تصلي فيهن وإن كن نجسات.
ويختص الحكم بالأم، فلا يشمل غيرها من النساء أو الرجال،
ويختص بالعفو عن تنجس ثوبها ببول الطفل فلا يعفى عن تنجس
بدنها بالبول، ولا يعفى عن تنجس ثوبها بغائطه ولا سائر نجاساته.
[المسألة 202]
الأحوط لها أن توقع غسل ثوبها نهارا وتتخير بين ساعاته، وإذا لم
تغسل ثوبها في اليوم مرة فصلاتها فيه مع النجاسة باطلة على الأحوط.
ولا يعفى عن نجاسة ثوب الأم إذا كان بول الطفل متواترا إلا إذا
لزم الحرج أو الضرر.
[المسألة 203]
السادس مما يعفى عنه: كل نجاسة في الثوب أو البدن يكون المكلف
مضطرا إلى الصلاة معها إذا كان اضطراره مستمرا في جميع الوقت.
59

[المسألة 204]
إذا شرب الخمر أو أكل الميتة أو الشئ النجس مضطرا أو عامدا
ولم يمكنه قيئه عفي عن نجاسته في الصلاة لأنه يصبح من البواطن،
وكذلك الدم الذي يدخله في عروقه، والعظم النجس الذي يجبر به
عظمه إذا اكتسى بعد ذلك لحما، والخيط المتنجس الذي يخاط به لحمه
في العمليات الجراحية إذا نبت عليه اللحم أو ستره الجلد يعفى عنها في
الصلاة لأنها من البواطن، بل يعفى عنها قبل ذلك إذا كان مضطرا.
[الفصل الثاني عشر]
[في المطهرات]
[المسألة 205]
وهي أمور:
الأول من المطهرات: الماء.
وهو يطهر كل متنجس يقبل التطهير، إلا الماء المضاف النجس فإنه
لا يطهر به إلا إذا استهلك في الماء المعتصم حتى انعدمت صفة الإضافة
منه وأصبح الجميع ماءا مطلقا، فإنه يحكم عليه بالطهارة، وقد تقدم
بيان ذلك في المسألة السابعة. وكذلك الحكم في سائر المائعات إذا
تنجست، فإن الماء لا يطهرها إلا إذا استهلكت في الماء المعتصم وانعدمت
أوصافها الخاصة وأصبح الجميع ماءا مطلقا.
وقد تقدم في أحكام المياه تفصيل القول في تنجس الماء وكيفية تطهيره
إذا تنجس فلتراجع تلك المباحث، ولتراجع المسألة الثانية عشرة،
والتاسعة عشرة والمسألة العشرون، والثانية والعشرون على الخصوص.
[المسألة 206]
يشترط في حصول التطهير بالماء أن تزول عين النجاسة عن الشئ
المتنجس حتى الأجزاء الصغار منها، ولا يعتبر زوال رائحة النجاسة ولا
لونها ولا سائر أوصافها إذا علم بزوال العين، فلا يضر بقاء لون الدم
60

أو رائحة الغائط مثلا إذا زالت عينهما، إلا أن يشك في زوال العين
فلا تتحقق الطهارة.
ولا يعتبر أن يكون زوال النجاسة بالغسل بالماء، فإذا أزيلت عينها
بمزيل آخر ثم غسل المتنجس بالماء على الوجه المطلوب تحقق التطهير.
[المسألة 207]
يشترط في التطهير بالماء أن يكون الماء طاهرا، ولا يضره أن يحكم
بنجاسته بوصوله إلى الشئ المتنجس إذا كان ماء قليلا فإذا تم غسله به
على الوجه المطلوب حكم بطهارة الشئ وإن أصبح الماء المغسول به
نجسا، فالمراد بالشرط أن يكون الماء طاهرا قبل استعماله في التطهير
وأن لا تطرأ عليه نجاسة أخرى حين الاستعمال، وعلى هذا فلا يصح
التطهير بغسالة سائر النجاسات عدا ماء الاستنجاء كما تقدم بيانه في
الماء المستعمل.
[المسألة 208]
يشترط في حصول التطهير بالماء أن يكون الماء مطلقا، فلا تتحقق
الطهارة بالغسل بالماء المضاف وإن طرأت عليه الإضافة حين الاستعمال،
فإذا تنجس الثوب المصبوغ وأريد تطهيره بالماء القليل اشترط في طهارته
أن يكون الماء مطلقا حتى حال عصر الثوب من الغسالة، ونتيجة ذلك
أن الماء إذا تلون بالصبغ وخرج بذلك عن الاطلاق لم تتحقق الطهارة
للثوب ما دام كذلك إلى أن يخف اللون بتكرر الغسل ويحصل الشرط،
وإن غسل بالماء المعتصم كفى في طهارته أن يستولي الماء على جميع
أجزائه وهو مطلق، ولم يضره أن يصبح الماء مضافا بعد عصره، ولا
يتنجس الماء المضاف بذلك.
[المسألة 209]
يشكل بل يمنع تطهير القند بالماء القليل إذا تنجس ظاهره فضلا
عما إذا تنجس باطنه، وكذلك السكر والملح، وكل شئ لا ينفذ فيه
الماء حتى يكون مضافا، بل يحكم بنجاسة باطنه أيضا بوصول الماء
المضاف المتنجس إليه، ويمنع كذلك تطهيره بالماء المعتصم إذا تنجس
61

باطنه، نعم، إذا تنجس ظاهره فقط وطهر بالماء المعتصم طهر ظاهره
بمجرد استيلاء الماء عليه ولم يضره أن يكون الماء مضافا بعد ذلك وإن
نفذ إلى أعماقه لأنه طاهر كما تقدم.
وإذا تنجس ظاهر النبات (وهو القطع المعروفة التي تعمل من السكر)
فيمكن غسله بالماء القليل إذا علم أن الماء لا يزال مطلقا إلى حين
انفصال الغسالة عنه كما يمكن غسله بالماء المعتصم، وإذا تنجس باطنه
فهو غير قابل للتطهير، وكل مائع يتنجس ثم يجمد فإن باطنه غير
قابل للتطهير.
[المسألة 210]
لا يعتبر ذلك الشئ حين غسله أو فركه باليد إلا إذا توقف على ذلك
زوال عين النجاسة عنه أو زوال بعض الحواجب التي تمنع وصول
الماء إليه أو توقف عليه نفوذ الماء الطاهر في أعماق الشئ المغسول سواء
كان التطهير بالماء المعتصم أم بالماء القليل، وسواء كان الشئ المغسول
من الأواني أم الفرش والثياب أم غيرها.
[المسألة 211]
يشترط في التطهير بالماء القليل ورود الماء على النجاسة على الأحوط،
فلو جعل الماء في طشت ثم وضع فيه الثوب المتنجس في غير الغسلة المزيلة
للنجاسة لم يحكم بطهارة الثوب بغسله به على الأحوط، بل حكم بنجاسة
الماء والطشت بملاقاة الثوب وإذا وضع الثوب النجس في الطشت ثم
صب الماء عليه وغسل به ثم عصر الثوب وأريقت الغسالة طهر الثوب
إذا كان متنجسا بغير البول.
وإن كان متنجسا بالبول غسل مرة ثانية فصب عليه الماء وغسل به
ثم عصر وأخرجت الغسالة فإذا فعل ذلك طهر ذلك الثوب بالعصر وطهر
الإناء بعد اخراج الغسالة بالتبعية، ولا بد من إزالة عين النجاسة قبل
ذلك إذا كانت موجودة.
وإذا كان الإناء نجسا قبل غسل الثوب فيه فلا بد من أن يغسل ثلاثا
على وجه يستولي الماء الطاهر في كل مرة على الثوب النجس وعلى جميع
62

الأطراف النجسة من الإناء، ويعصر الثوب وتراق الغسالة يغسل ذلك
في كل مرة، فإذا تم ذلك طهر الثوب والإناء، وإذا لم يعم الغسل أطراف
الإناء النجسة بقي الموضع الذي لم يتم غسله نجسا، فإذا لاقاه الثوب
بعد اخراجه من الإناء تنجس أيضا.
[المسألة 212]
يشترط في التطهير بالماء القليل أن تنفصل الغسالة عن الشئ المغسول
على الوجه المتعارف، فإذا كان الشئ مما لا ينفذ فيه الماء كجسد الانسان،
فغسالته التي يعتبر انفصالها هي ما كان من الماء في معرض الانفصال
بالفعل عن الشئ المغسول، فبقية الماء التي يتأخر انفصالها عن الجسم
وهي في طريقها إلى الانفصال بالفعل تكون من الغسالة التي لا يتحقق
الطهر إلا بانفصالها، وإن انفصل قبلها غالب الماء.
وإذا كان الشئ مما ينفذ فيه الماء كالثياب والفراش والوسائد
ونحوها، فلا بد من اخراج الغسالة منه على الوجه المتعارف في مثله
بالعصر أو ما يقوم مقامه من الضغط أو التثقيل عليه أو دوسه بالرجل
ونحو ذلك، ولا تكفي - على الأحوط - متابعة صب الماء عليه حتى
يخرج الماء الأول.
وإذا كان الشئ مما يرسب فيه الماء ولا يقبل العصر كالصابون
والطين والخزف والخشب والخبز فالأحوط أن يطهر بالماء المعتصم،
سواء تنجس ظاهره أم باطنه، وإذا وجدت عين النجاسة في باطنه
كأجزاء البول مثلا فلا بد من تجفيفه أولا أو ابقائه في الكثير أو الجاري
مدة حتى يعلم بزوال أجزاء النجاسة وغلبة الماء الطاهر عليها.
ولا يبعد امكان تطهيره بالماء القليل أيضا إذا زالت عنه عين النجاسة
بالتجفيف وغلب الماء الطاهر على جميع أجزائه المتنجسة فأزال قذارتها،
ولكن احراز غلبة الماء الطاهر عليها مشكل فالأحوط الاقتصار في تطهيره
على الماء المعتصم في صورة تنجس باطنه، فضلا عن صورة وجود أجزاء
النجاسة فيه، وكذلك الحكم في الأرز والماش وسائر الحبوب إذا تنجست،
وإذا نفذ فيها الماء النجس، وفي اللحم إذا طبخ بالماء النجس أو تنجس
63

بعد طبخه فالأحوط الاقتصار في تطهيرها جميعها على الماء المعتصم في
صورة تنجس باطنها فضلا عن صورة وجود الماء النجس فيها.
[المسألة 213]
يشترط في تطهير نجاسة البول بالماء القليل تعدد الغسل، من غير
فرق بين الثوب والبدن والفراش والأرض وغيرها، وسواء كان بول
انسان أم حيوان، وسواء كان الانسان مسلما أم كافرا، وسواء كان
الحيوان طاهرا أم نجس العين، فلا بد من غسل المتنجس به مرتين،
ولا تعد الغسلة المزيلة للنجاسة منهما، وإن استمر في الصب بعد زوال
عين النجاسة على الأحوط في هذه الصورة.
ويستثنى من ذلك بول الرضيع غير المتغذي بالطعام إذا كان ذكرا
فيكفي في التطهير منه الصب عليه مرة واحدة على وجه يستولي الماء
الطاهر على جميع أجزاء النجس بحيث يوجب زوال عين النجاسة أو
استهلاكها في الماء الطاهر، ولا يعتبر فيه التعدد ولا يعتبر العصر وإن
كان أحوط.
ولا يعتبر التعدد في تطهير غير البول من النجاسات في ما عدا الأواني
وسيأتي بيان حكمها إن شاء الله تعالى.
[المسألة 214]
المدار في استثناء بول الرضيع من الحكم المذكور أن يكون الطفل
رضيعا ذكرا غير معتاد للتغذي بالطعام، فيكفي الصب مرة في بول
الطفل الرضيع غير المعتاد للطعام وإن تجاوز الحولين ولا ينافي ذلك
أن يتغدى بالطعام نادرا.
ولا يستثنى بول الأنثى على الأحوط ولا بول الرضيع الذكر إذا
اعتاد الغذاء بالطعام وإن كان في الحولين، ولا يستثنى بول الرضيع
إذا كان اللبن الذي يتغذى به لبن كافرة، ولا بول الطفل المتولد من
كافرين، ولا بول الطفل المغتذى بلبن الحيوان أو باللبن الصناعي على
الأحوط في ذلك كله.
64

[المسألة 215]
يشترط تعدد الغسل في الأواني إذا تنجست وأريد تطهيرها بالماء
القليل.
فإذا تنجس الإناء بغير الولوغ وما هو بحكمه وجب غسله ثلاث مرات
بحيث يستولي الماء الطاهر في كل مرة على جميع الأطراف النجسة
من الإناء ثم تراق الغسالة، وهكذا حتى يتم غسله ثلاث مرات، ولا تعد
الغسلة المزيلة للنجاسة كما تقدم في المسألة السابقة وإن استمر الصب
بعد زوال عين النجاسة على الأحوط.
وإذا تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه وهو شربه بلسانه من الماء أو
المائع الموجود فيه، وجب تعفيره بالتراب أولا فيمزج التراب الطاهر
بمقدار من الماء ويغسل به جميع أطراف الإناء النجسة ثم يزال أثره
بالماء ثم يغسل بعد ذلك بالماء مرتين. وكذلك الحكم إذا لطع الإناء
بلسانه من غير شرب أو صب فيه ماء الولوغ أو وقع فيه لعاب فم الكلب
على الأحوط.
وإذا تنجس الإناء بشرب الخنزير فيه وجب غسله سبع مرات،
وكذلك الحكم إذا وجد فيه الجرذ ميتا فيجب غسله سبعا والجرذ هو
الكبير من الفأرة البرية.
[المسألة 216]
إذا تنجس الإناء فيمكن تطهيره بالماء القليل بأن يملأ ماءا ثم يفرغ
منه ثلاث مرات أو يجعل فيه الماء ثم يدار فيه باليد أو بآلة غيرها حتى
يصل إلى جميع أطرافه ثم يخرج منه ماء الغسالة يفعل ذلك ثلاث مرات.
ويمكن أن يصب الماء عليه ويبتدئ بالأعلى مستديرا على جميع
أطرافه إلى أن ينتهي إلى الأسفل أو يبتدئ بالأسفل منه مستديرا
كذلك حتى ينتهي إلى الأعلى ثم تخرج الغسالة، يصنع كذلك ثلاث
مرات.
65

وإذا كان المتنجس حوضا أو من الأواني الكبيرة المثبتة أخرجت
الغسالة منه بنزح ونحوه، والأحوط تطهير آلة اخراج الغسالة كل مرة،
كما أن الأحوط أن يبادر إلى اخراج الغسالة بعد كل غسلة.
ولا يضر وقوع بعض القطرات من ماء الغسالة في الحوض أو الإناء
بسبب النزح كما لا يضر الفصل بين الغسلات الثلاث.
[المسألة 217]
لا تجب الموالاة بين الغسلات في ما يجب فيه تعدد الغسل، فإذا غسل
الثوب المتنجس بالبول مرة في اليوم وغسله مرة أخرى في اليوم الثاني
كفى في طهارته، وكذلك الإناء المتنجس إذا غسله ثلاثا في كل يوم مرة.
وتجب المبادرة العرفية - على الأحوط - في اخراج الغسالة عن الشئ
المغسول بالماء القليل، فإذا غسل الثوب المتنجس بالماء القليل فلا بد من
المبادرة إلى عصره، وإذا غسل الإناء أو الحوض المتنجس بالماء القليل
فلا بد من المبادرة إلى اخراج غسالته بالافراغ أو النزح على الأحوط
كما تقدم.
[المسألة 218]
لا يكفي غير التراب عنه في تطهير الإناء من ولوغ الكلب فيه، فلا
يكفي تعفيره بالرماد أو الأشنان أو نحوهما، وفي تعفيره بالرمل
اشكال.
ولا بد من أن يكون تراب التعفير طاهرا قبل استعماله فلا
يكفي إذا كان نجسا، ولا بد من أن يكون تعفير الإناء بالتراب قبل غسله
بالماء فإذا غسله قبل التعفير لم يطهر.
[المسألة 219]
إذا ولغ الكلب في الإناء أكثر من مرة كفى في تطهيره أن يعفر مرة
واحدة، وكذا إذا ولغ في الإناء، أكثر من كلب واحد.
[المسألة 220]
لا يختص حكم التعفير من ولوغ الكلب بالظروف، بل يعم الأواني
66

وغيرها مما يكون فيه فضل الكلب يعني سؤره الباقي بعد ولوغه - كما
في صحيحة أبي العباس - وهي دليل الحكم في المسألة.
فإذا اجتمع الماء على قطعة حجر أو قطعة حديد أو نحاس ونحوها
فولغ منه الكلب لم يطهر إلا بالتعفير وكذلك إذا ولغ من حوض صغير.
نعم لا يشمل الحكم مثل الأرض والحصر والثياب وشبه ذلك مما لم
تجر العادة بتنظيفه بالتراب، فإذا اجتمع عليها شئ من الماء فولغ منه
الكلب لم يجب تعفيره.
[المسألة 221]
لا يطهر الإناء المتنجس بالولوغ إلا إذا صدق في نظر العرف أنه غسله
بالتراب، فإذا كان الإناء ضيقا فإن صدق ذلك بأن وضع فيه مقدارا
من التراب ومزجه بمقدار من الماء ثم حركه في الإناء حتى وصل إلى
جميع أطرافه ثم أزال أثره بالماء كفى وغسله بعد ذلك بالماء مرتين كما
تقدم، وإذا لم يمكن ذلك بقي الإناء على نجاسته.
[المسألة 222]
ماء الغسالة قبل انفصاله من الشئ المغسول لا ينجس ما يجري عليه
من الموضع الطاهر المتصل بموضع الغسل، فإذا غسل الموضع النجس من
الثوب، لم ينجس الموضع المتصل به من الثوب وإن وصل إليه ماء
الغسالة، وكذلك في البدن وغيرهما، فإذا انفصل ماء الغسالة من الشئ
نجس ما يلاقيه.
[المسألة 223]
إذا طهر الشئ المتنجس بالماء المعتصم لم يجب انفصال ماء الغسالة
عنه، فلا يجب عصره إذا كان مما يعصر كالثياب والفرش والوسائد،
ولا يلزم اخراج الغسالة عنه إذا كان إناءا أو حوضا، ولا يجب فيه
التعدد إذا كان مما يجب تعدد غسله في الماء القليل كالمتنجس بالبول
والأواني المتنجسة، نعم لا بد من تعفيره بالتراب قبل غسله بالماء المعتصم
إذا كان متنجسا بولوغ الكلب وقد تقدم بيان ذلك في المسألة الثامنة
والأربعين والمسألة السابعة والخمسين.
67

وإذا تنجس باطنه كفى في تطهيره أن يبقى في الماء المعتصم حتى
يستولي الماء الطاهر على جميع الأجزاء النجسة منه، وإذا وجدت عين
النجاسة في باطنه كأجزاء البول مثلا فلا بد من تجفيفه أولا أو ابقائه
في الماء المعتصم مدة حتى يعلم بزوال أجزاء النجاسة وغلبة الماء الطاهر
عليها، فإذا شك في زوال أجزاء النجاسة من باطنه بنى على أنها
لا تزال باقية.
وكذلك إذا شك في وصول الماء الطاهر إلى الأجزاء النجسة في الباطن
بنى على عدم وصوله إليها وحكم ببقاء النجاسة.
[المسألة 224]
التنور المتنجس يمكن تطهيره بصب الماء الطاهر على أعلى موضع
النجاسة حتى يعم الموضع كله إلى تحت وتبقى أرض التنور نجسة
باجتماع الغسالة فيها، ويمكن أن يحفر لها قبل ذلك حفرة في أرض
التنور، فإذا اجتمعت الغسالة فيها وجفت طمها بتراب أو طين طاهر،
وإذا تنجس التنور كله صب الماء عليه من الأعلى مستديرا حتى يعم
جميع أجزائه إلى الأسفل وصنع بالغسالة كما تقدم، وإذا تنجس بالبول
غسله كذلك مرتين.
وكذلك الأرض الصلبة إذا تنجست بغير البول وأجري عليها الماء
حتى استولى على موضع النجاسة حكم بطهارتها، وبقي موضع الغسالة
نجسا إذا لم تنفصل إلى بالوعة ونحوها أو يحفر لها حفرة ثم تطم،
وإذا تنجست بالبول أجرى عليها الماء مرتين.
ويكفي في انفصال الغسالة أن ترسب في أعماق الأرض إذا كانت
رخوة بحيث تعد الغسالة غير متصلة بالظاهر عرفا فيطهر الظاهر ويبقى
الباطن نجسا.
وإذا كان التطهير بماء الأنابيب المتعارفة أو بماء معتصم آخر طهر
التنور والأرض باجرائه على موضع النجاسة ولم يحتج إلى تعدد ولم
يحكم بنجاسة الغسالة.
68

[المسألة 225]
إذا تنجست النعل وغسلت بالماء القليل فلا بد من عصرها إذا كان
الجلد أو الخيوط رخوة يرسب فيها الماء، ولا يحتاج إلى ذلك إذا غسلت
بالماء الكثير.
[المسألة 226]
الذهب والفضة وما سواهما من الفلزات إذا أذيبت وصبت في الماء
النجس لم يحكم بنجاسة باطنها حتى يعلم بانتشار أجزائها حين الملاقاة
بل يحكم بنجاسة ظاهرها فحسب، فيلزم تطهير ظاهرها إذا أريد
استعمالهما.
وإذا كان متنجسا فأذيب تنجس ظاهره وباطنه، وكان باطنه غير
قابل للتطهير، فإذا طهر ظاهره صح استعماله حتى في الطبخ إذا كان
من النحاس مثلا. ويجب تطهيره كلما شك في بروز جزء من باطنه
بالاستعمال.
[المسألة 227]
ما يصوغه الكافر من الحلي لا يحكم بنجاسته حتى يعلم بأن الكافر
لاقاه مع الرطوبة المسرية، فإذا علم بذلك وأريد استعماله لزم تطهير
ظاهره.
وإذا كان متنجسا فأذيب حكم بنجاسة باطنه وظاهره وكان باطنه
غير قابل للتطهير كما تقدم، فإذا طهر ظاهره صح استعماله، ولكن يجب
تطهيره كلما شك في صيرورة الباطن ظاهرا بالاستعمال كما تقدم.
[المسألة 228]
اللحوم والشحوم يمكن تطهيرها بالماء الكثير وبالماء القليل إذا أجري
عليها على الوجه المطلوب فاستولى عليها الماء الطاهر ثم أريقت الغسالة،
ولا تمنع دسومتهما من تطهيرهما إلا إذا تكاثفت الدسومة فكانت جرما
حائلا وكذلك اليد الدسمة إذا تنجست.
[المسألة 229]
إذا كثف شعر الرأس أو شعر اللحية وأريد تطهيره بالماء القليل فلا
69

بد من عصره، بل لا بد من عصره مع الشك في انفصال الماء عنه بغير عصر.
[المسألة 230]
إذا طهر الثوب المتنجس ثم وجد فيه بعد غسله بعض الطين أو
الصابون أو دقائق الأشنان لم يضر ذلك في طهارة الثوب، إلا إذا علم
بعدم نفوذ الماء في أعماق الثوب أو شك فيه، كما إذا كان الطين لاصقا
في كلا وجهي الثوب، أما نفس الطين والصابون والأشنان إذا كان
متنجسا فتتوقف طهارته على نفوذ الماء المعتصم فيه كما تقدم وإلا طهر
ظاهره فحسب.
[المسألة 231]
تطهر اليد بالتبع إذا طهر بها الشئ المتنجس، وكذلك الطشت أو
الإناء الذي يغسله فيه وسائر آلات التطهير إذا وجدت، كالخشبة التي
يدق بها الفراش لاخراج غسالته، والحجر الذي يثقله به، فلا تحتاج
إلى غسل آخر، ولا يحتاج الإناء إلى تثليث الغسلات. نعم إذا كان الإناء
نجسا قبل الاستعمال فلا بد من الغسل ثلاث مرات لكل من الظرف
والمظروف المغسول فيه.
[المسألة 232]
الثاني من المطهرات: الأرض.
وهي تطهر باطن القدم، وأسفل النعل من النجاسة التي تعرض لهما
بسبب المشي على الأرض، كما إذا وطأ على أرض متنجسة بالبول أو
الدم، أو وطأ على عذرة أو ميتة ملقاة في الأرض، وكما إذا دميت قدمه
بجرح منها، فإذا مشى بعد ذلك على أرض طاهرة جافة أو مسح قدمه أو
نعله المتنجسة بها حتى زالت عنهما عين النجاسة أو عين المتنجس حكم
بطهارتهما وإذا زالت عنهما العين قبل ذلك أو لم يكن فيهما عين كفى في
طهارتهما مسمى المشي على الأرض أو المسح بها، ويراد بالأرض هنا
مطلق ما يسمى أرضا سواء كانت حجرا أم مدرا أم ترابا أم رملا، بل
تكفي إذا كانت مفروشة بالحجر أو كانت جصا أو نورة غير
مطبوخين.
70

ولا تكفي إذا كانت معبدة بالقير أو الزفت، أو مفروشة بالخشب، ولا
تكفي - على الأحوط - إذا كانت مفروشة بالآجر أو الجص أو النورة
المطبوخين.
ولا يكفي في تطهير القدم أو النعل المتنجسين مجرد مماستهما الأرض
ولا مسح التراب عليهما.
[المسألة 233]
يشترط في تطهير الأرض لأسفل القدم والنعل أن تكون الأرض
طاهرة وجافة، فلا تطهرهما الأرض النجسة وإن كانت جافة. ولا
الرطبة وإن كانت طاهرة، نعم لا تمنع الرطوبة اليسيرة التي لا تنافي
صدق اليبوسة.
والأحوط الاقتصار في الحكم بالتطهير على النجاسة التي تعرض
للقدم أو النعل بسبب المشي على الأرض، فلا تطهرهما من النجاسة التي
تصيبهما بغير ذلك السبب.
[المسألة 234]
يشترط في تطهيرها زوال عين النجاسة أو عين المتنجس التي علقت
بالقدم أو النعل فتنجس بها، فإذا وطأ على عذرة أو دم مثلا فلا بد من
زوال عينهما وكذلك إذا وطأ على طين أو تراب متنجس بالبول،
والمدار أن تزول العين إذا كانت موجودة، ولا يضر بقاء الأثر والأجزاء
الدقيقة التي لا تزول إلا بالماء.
[المسألة 235]
يلحق بباطن القدم وأسفل النعل حواشيهما التي يتعارف وصول
التراب والطين إليها في المشي العادي، فإذا أصابتها نجاسة بسبب
المشي، فمشى على الأرض أو مسحها بها حتى أزال عين النجاسة حكم
بطهارتها.
وكذلك ما بين أصابع القدم فإذا تنجس بسبب المشي، ثم زالت
عين النجاسة عنه بالمشي أو المسح فالظاهر طهارته بذلك.
71

وكذلك أخمص القدم إذا لامس الأرض بالمشي أو المسح، فالمدار
في طهارة أجزاء القدم إذا تنجست على وصولها إلى الأرض بالمشي أو
المسح فيطهر منها ما يصل إلى الأرض حتى تزول منه عين النجاسة
ويبقى الآخر الذي لم يلامسها على نجاسته.
ولا يعم الحكم - على الأحوط - الركبتين واليدين في المقعد الذي
يمشي عليها، ولا يشمل نعل الدابة ولا أسفل عصا الأعرج وخشبة
الأقطع.
ويشكل الحاق ظاهر القدم بباطنه في من كان يمشي عليه لاعوجاج
رجله فلا يترك الاحتياط فيه.
ويشمل الحكم جميع أنواع النعل وأصنافه، سواء اتخذ من الجلد أم
من الخشب أم من القطن أم من المواد الصناعية المتعارفة في هذا الزمان
ويشكل الحكم في الجورب حتى إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل.
[المسألة 236]
إذا شك في طهارة الأرض وهو يعلم أنها كانت طاهرة سابقا بنى
على طهارتها فتكون مطهرة لنجاسة النعل والقدم، وكذلك إذا لم يدر
بأن الأرض كانت نجسة سابقا أو طاهرة، وإذا علم بأنها كانت نجسة
سابقا حكم بنجاستها فلا تكون مطهرة لهما.
[المسألة 237]
إذا علم بوجود النجاسة أو المتنجس في القدم أو في النعل لم يحكم
بطهارتهما حتى يعلم بأن عين النجاسة قد زالت بالمشي أو المسح،
وكذلك إذا شك في وجود العين، فلا بد أن يمشي أو يمسح حتى يعلم
بزوال العين على تقدير وجودها وخصوصا مع احتمال الحيلولة.
[المسألة 238]
لا يحكم بطهارة النعل أو القدم حتى يعلم بأن ما يطأ عليه أرض،
فإذا شك في أنه أرض أو غيرها لوجود ما يمنعه من الرؤية لم يحكم
بطهارتهما بالمشي عليه.
72

[المسألة 239]
إذا وطأ على أرض نجسة فنفذت النجاسة إلى باطن النعل ثم مشى على
أرض طاهرة حكم بطهارة أسفل النعل الملاصق للأرض، ولم يطهر
باطن النعل الذي نفذت فيه النجاسة.
[المسألة 240]
الثالث من المطهرات: الشمس.
وهي تطهر الأرض وإن كانت معبدة بالقير أو الزفت أو مفروشة
بالحجر أو الجص أو غيرهما، وتطهر أجزاء الأرض التابعة لها
كالحصى والرمل والمدر والتراب، ما دامت على الأرض وغير منفصلة
عنها، وتطهر الأشياء غير المنقولة كالأبنية والأشجار والزروع والنبات
وما تشتمل عليه الأبنية من جدران وسطوح، وسقوف وأبواب وأعتاب،
وسلالم وأخشاب وحديد وغيرها وما يتصل بالشجر والزرع والنبات من
أوراق وثمار وحبوب ما دام متصلا بها وإن فات أوان قطع ما يقطع منها
وحصاد ما يحصد، فالشمس تطهر هذه كلها من النجاسات والمتنجسات
كافة على الأقوى.
[المسألة 241]
يشترط في تطهير الشمس للأرض والأشياء غير المنقولة مضافا إلى
زوال عين النجاسة والمتنجس منها، أن تكون هذه الأشياء رطبة رطوبة
متعدية إلى الكف إذا لا مستها، وأن تشرق عليها الشمس حتى تذهب
رطوبتها وتيبس.
فلا يكفي في طهارتها أن تشرق الشمس عليها وهي جافة، ولا يكفي
أن تجف رطوبتها ولا تيبس، ولا يكفي أن تيبس رطوبتها بغير اشراق
الشمس كما إذا يبست بحرارة الهواء أو بشدة الريح أو غير ذلك،
ولا يكفي أن تيبس رطوبتها بحرارة الشمس من غير اشراق عليها أو
بالاشراق عليها من وراء الزجاج أو من وراء الغيم، أو بالتعاكس في
مقابلة مرآة وشبهها، ولا يضر وجود الغيم الرقيق ولا الريح اليسير.
73

[المسألة 242]
إذا تنجست هذه الأشياء وكانت جافة، فيمكن أن يصب عليها ماء
طاهر أو نجس حتى تكون رطبة، فإذا أشرقت عليها الشمس حتى
يبست حكم بطهارتها.
[المسألة 243]
إذا كان كل من ظاهر الأرض وباطنها نجسا بحيث كانت نجاستها
متصلة، وكانا رطبين بحيث كانت رطوبتهما متصلة كذلك، ثم أشرقت
الشمس على الظاهر حتى أيبست كلا من الظاهر والباطن حكم بطهارة
الجميع، من غير فرق بين أن يكون الظاهر والباطن متحدين في النوع
أو مختلفين ما داما يعدان جزءين من الأرض، فإذا كان ظاهر الأرض
حصى أو كانت معبدة بالقير أو مفروشة بالحجر مثلا، وكان الباطن
رملا أو حديدا أو غيرهما، فإن الباطن يطهر بالاشراق على الظاهر مع
الشروط المتقدم ذكرها، وكذلك الحكم في غير الأرض مما لا ينقل.
ولا يطهر الباطن باشراق الشمس على الظاهر إذا كان الباطن وحده
هو النجس أو كانت النجاسة فيهما أو الرطوبة غير متصلة، أو كان
يبس الظاهر في وقت ويبس الباطن في وقت آخر مثلا، ولا يطهر الباطن
باشراق الشمس على الظاهر إذا كانا متعددين متلاصقين، ويشكل
الحكم بطهارة الوجه الداخلي من الجدار بالاشراق على الوجه الخارج
منه، وإن كان الجدار كله نجسا ورطبا وتحقق اليبس في كلا الوجهين
معا.
[المسألة 244]
لا تطهر الشمس الأشياء المنقولة إذا تنجست حتى الحصر والبواري
على الأقوى، نعم، إذا كانت الحصر أو البواري جزءا مما لا ينقل
كالأبنية المتخذة من القصب، وكما إذا اتخذت سقفا لبعض البيوت،
جرى فيها الحكم وطهرتها الشمس إذا اجتمعت فيها الشروط.
[المسألة 245]
يلحق الحصى والمدر والرمل والتراب والأحجار حكم الأرض ما دامت
74

عليها بحيث تعد من أجزائها في نظر العرف كما تقدم، فإذا انفصلت
عنها لحقها حكم المنقول فلا تطهرها الشمس، بل وكذلك إذا جمعت
في موضع من الأرض لتنقل إلى غيره وإن لم تنقل بعد، وكذلك المسمار
والوتد الثابتان في الأرض أو في الجدار، والظروف المثبتة فيها، فإن
الحكم المذكور يلحقها ما دامت ثابتة غير منقولة، فإذا تنجست أمكن
تطهيرها بالشمس، وإذا قلعت من مواضعها لحقها حكم المنقول إلا أن
تثبت مرة أخرى.
[المسألة 246]
لا يحكم بطهارة الأرض أو الشئ المتنجس الآخر حتى يعلم بوجود
الشروط المعتبرة في تطهير الشمس، فإذا شك في زوال عين النجاسة عن
الشئ بعد العلم بوجودها لم يحكم عليه بالطهارة، وكذلك إذا شك في
وجود الرطوبة في الموضع حال يبسه باشراق الشمس عليه، أو شك في
اشراق الشمس على الموضع النجس لعروض بعض الموانع منه، أو شك
في يبس الموضع باشراق الشمس عليه أو شك في أن يبوسة الموضع كانت
بسبب اشراق الشمس عليه أو بسبب آخر فلا يحكم بطهارة الشئ
المتنجس في جميع ذلك.
[المسألة 247]
الرابع من المطهرات: الاستحالة.
وهي أن يتبدل الجسم إلى شئ آخر، فيطهر الجسم النجس أو
المتنجس إذا أحالته النار رمادا أو دخانا أو بخارا، وكذلك ما يستحيل
بخارا بغير النار، بل وما يستحيل رمادا أو دخانا بغيرها كما قد يتفق
ببعض الوسائل الحديثة فتفعل فيه ما تفعله النار.
وكذلك الكلب وغيره من الميتات إذا استحال ملحا، والعذرة النجسة
إذا صارت دودا أو ترابا، والنطفة النجسة إذا أنشئت انسانا أو
حيوانا طاهرا.
[المسألة 248]
من الاستحالة المطهرة أن يشرب الحيوان المأكول اللحم ماء نجسا
75

فيصبح بولا له أو عرقا أو لعابا، ومن الاستحالة المطهرة أن يأكل
الحيوان المأكول اللحم غذاءا نجسا أو متنجسا، فيصير خرءا له أو لبنا،
أو يصبح جزءا من لحمه وشحمه ومن الاستحالة المطهرة أن يسقي
الشجر أو الخضروات أو النباتات ماء نجسا، أو يسمد بالميتة أو العذرة
فتصير جزءا من حاصلاتها وثمارها.
[المسألة 249]
إذا استحال الشئ النجس أو المتنجس بخارا حكم بطهارته كما
تقدم، فإذا استحال البخار عرقا فهو محكوم بالطهارة كذلك، إلا أن
يكون العرق فردا من تلك الحقيقة التي استحال عنها، بحيث تترتب
عليها أثارها وخواصها، فيحكم بنجاسته كما في الخمر فإنه بعد أن
يستحيل بخارا بالتصعيد ثم يصير عرقا يكون مسكرا كأصله.
[المسألة 250]
لا يطهر الطين النجس إذا صيرته النار خزفا أو آجرا، ولا يطهر
ما صيرته جصا أو نورة، وفي طهارة الخشب النجس إذا صيرته النار
فحما اشكال.
[المسألة 251]
الخامس من المطهرات: انقلاب الخمر خلا.
فإنه يوجب طهارتها وحلها، سواء انقلبت خلا بنفسها أم بعلاج
كما إذا ألقي فيها شئ طاهر يوجب انقلابها خلا من غير فرق بين أن
يستهلك ذلك الشئ الذي يلقى فيها أو يبقى على حاله، فتطهر هي ويطهر
الشئ الملقى فيها إذا كان باقيا على حاله.
[المسألة 252]
إذا وقع في الخمر بعض النجاسات الأخرى أو لاقت شيئا منها في حال
كونها خمرا، أو وضعت في إناء تنجس بغيرها، ثم انقلبت خلا لم يحكم
بطهارتها على الأحوط، وخصوصا إذا كانت النجاسة الخارجية التي
وقعت فيها أو التي لاقتها أشد حكما من الخمر كالبول والولوغ، وكذلك
76

العنب والتمر إذا كانا نجسين ثم صارا خمرا، فإن هذه الخمر لا تطهر
بانقلابها خلا على الأحوط.
[المسألة 253]
إذا نش عصير العنب أو غلى بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء
حكم بنجاسته على الأحوط فإذا انقلب بعد ذلك خلا حكم بطهارته،
ولا يطهر بغير ذلك، وكذلك عصير الزبيب إذا نش أو غلى بنفسه أو
بحرارة الشمس أو الهواء كما تقدم بيان ذلك في المسألة المائة
والعشرين وما بعدها.
[المسألة 254]
لا يطهر بالانقلاب شئ من المتنجسات ولا شئ من النجاسات غير الخمر
والعصير كما تقدم، ولا يطهر الخمر ولا العصير بانقلابهما إلى غير
الخل، ويشترط في العصير أن لا يلاقي نجاسة أخرى، فإذا وقعت فيه
نجاسة أو لاقى نجسا غير الخمر، أكان العنب أو الزبيب متنجسا قبل
ذلك لم يطهر العصير بانقلابه خلا، وكذلك التمر المتنجس لا يطهر
عصيره بصيرورته خلا.
[المسألة 255]
لا تطهر الخمر ولا تزول حرمتها إذا زال منها سكرها، بنفسها أو
بالقاء مادة ترفع منها السكر إلا أن تنقلب خلا.
[المسألة 256]
لا ينجس عصير العنب إذا غلى بالنار ولكنه يكون حراما، ويحل
بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار كذلك، ولا يكفي ذهاب ثلثيه بالغليان
بغير النار كما إذا غلى بالشمس أو بحرارة الهواء بل يكون بذلك نجسا
كما تقدم.
أما عصير الزبيب فلا ينجس ولا يحرم إذا غلى بالنار على الأقوى.
وكذلك العنب إذا غلى بالنار من غير أن يعصر، وكذا - نفس الزبيب
والكشمش والتمر ودبسه فلا تحرم بالغليان وقد تقدم بيان ذلك في
المسألة المائة والثانية والعشرين.
77

[المسألة 257]
السادس من المطهرات: انتقال دم الانسان أو الحيوان ذي النفس
السائلة إلى جوف حيوان لا نفس له، بحيث، يصبح الدم مضافا إلى هذا
الحيوان كدم الانسان يمتصه البق أو البرغوث أو القمل فيقال له
بعد ذلك دم البق أو البرغوث.
ولا يكون الانتقال مطهرا حتى تصح هذه الإضافة في نظر أهل
العرف، فإذا علم بأنه لا يزال دم الانسان، أو شك في صيرورته دم ما لا
نفس له سائلة لم يحكم عليه بالطهارة، كالدم الذي يمتصه العلق من
الانسان، وكالدم الذي يمتصه البق فيقتله الانسان قبل أن تعلم إضافة
الدم إليه.
[المسألة 258]
لعل من الانتقال الموجب للطهارة ما يشربه الحيوان المأكول اللحم
من البول أو الماء النجس فيستقر في أمعائه قبل أن يستحيل بولا للحيوان
أو عرقا له أو لعابا، وما تمتصه جذور الشجر والنبات من البول أو
الماء النجس فيجري في عروقه وأصوله قبل أن يستحيل أجزاء له، وعلى
أي حال فلا اشكال في طهارته في كلا الموردين.
[المسألة 259]
السابع من المطهرات الاسلام، وهو يوجب طهارة بدن الكافر الذي
يدخل في الاسلام من نجاسة الكفر، وطهارة ما يتبع بدنه من رطوباته
المتصلة به كالعرق والدمع وفضلات الفم والأنف، والوسخ في بدنه.
ولا تطهر النجاسة الخارجية التي أصابت بدنه حال الكفر وإن زالت
عينها منه قبل اسلامه.
ولا تطهر - على الأحوط - ثيابه التي لاقت بدنه مع الرطوبة المسرية
حال كفره، وخصوصا إذا لاقاها مع الرطوبة كافر آخر، كما إذا غسلها
بيده بعض ذويه من الكفار، ويتبعه في الطهارة ولده غير المميز.
[المسألة 260]
يطهر بالتوبة والرجوع إلى الاسلام بدن المرتد، وإن كان ارتداده
78

عن فطرة على الأقوى، وتقبل عباداته، وإن ثبتت في حقه أحكام المرتد
الفطري ووجب تطبيقها مع الامكان فلا تسقط هذه الأحكام بالتوبة،
فيجب قتله وتبين منه زوجته، وعلى الزوجة أن تعتد منه عدة الوفاة،
وتنتقل أمواله الموجودة حين ردته إلى ورثته.
[المسألة 261]
يقبل اسلام الصبي إذا كان مميزا عاقلا، وتترتب عليه أحكامه،
وإن كان أبواه كافرين حيين، وتراجع المسألة المائة والخامسة عشرة،
والمائة والسادسة عشرة.
[المسألة 262]
إذا أظهر الانسان الشهادتين أجري حكم الاسلام العام عليه وإن علم
بنفاقه إلا أن يظهر ما يخالف الاسلام.
[المسألة 263]
الثامن من المطهرات: التبعية.
وهي أن تثبت الطهارة لبعض الأشياء بتبع غيرها، والثابت من هذا
عدة موارد:
(1): إذا أسلم الكافر حكم بطهارة رطوباته المتصلة به تبعا لطهارة
بدنه، كعرقه وفضلات فمه وأنفه، والوسخ الموجود في بدنه.
(2): إذا أسلم الكافر تبعه في الطهارة ولده غير المميز سواء كان
المسلم هو الأب أو الجد للأب أو الأم، وأما الولد المميز العاقل فإن
أظهر الاسلام حكم باسلامه، وطهارته مستقلا كما تقدم، وإن هو
أظهر الكفر أو لم يعترف بالاسلام فالأقوى فيه النجاسة.
(3): إذا انقلبت الخمر خلا حكم بطهارتها وحكم بطهارة ظرفها
بالتبع، وكذلك عصير العنب والزبيب إذا غلى أو نش بغير النار فإنه
يكون بذلك نجسا على الأحوط كما تقدم في المسألة المائتين والثالثة
والخمسين، فإذا انقلب خلا حكم بطهارته وطهارة الإناء الذي
يحتويه.
79

(4): إذا غسل الميت المسلم على الوجه المطلوب حكم بطهارته،
وحكم بطهارة الثوب الذي يغسل فيه أو الخرقة التي تستر بها عورته،
ويد الغاسل الذي يقلبه ويستظهر بها وصول الماء إلى غوامض بدنه،
والسدة التي يغسل عليها، وإذا كان طول السدة أو عرضها أكثر مما
يتعارف فالأحوط اختصاص الطهارة بموضع تقليب الميت، ومجرى
ماء غسله ولا تعم الأطراف غير المتعارفة.
(5): إذا طهر الشئ النجس بالماء القليل حكم بطهارة يد الغاسل
التي تباشر الغسل والعصر، والإناء الذي يغسل فيه الثوب وشبهه،
والآلة التي قد يحتاج إليها في كبس الفراش أو تثقيله لاخراج غسالته،
وتراجع المسألة المائتين والحادية والثلاثين.
[المسألة 264]
التاسع من المطهرات: زوال عين النجاسة من جسد الحيوان ومن
باطن الانسان، فيحكم بالطهارة بمجرد زوال عين العذرة ورطوبتها
عن منقار الدجاجة وأمثالها، وبمجرد زوال الدم عن منقار طير الصيد
ومخالبه، وعن فم الهرة، ويحكم بالطهارة في ولد الحيوان بمجرد زوال
الدم الذي يتلوث به جسده حين التولد، ويطهر جسد الحيوان بزوال
الدم من الجرح الذي يصيبه أو النجاسة الأخرى التي قد يتلوث بها.
وكذلك تطهر بواطن الانسان من أي نجاسة أو متنجس يلاقيها
بمجرد زوال عين تلك النجاسة أو المتنجس، فيطهر فم الانسان وريقه
وأسنانه ولسانه بمجرد زوال الدم الذي يخرج من فمه، أو النجاسة أو
المتنجس الذي قد يأكله أو يشربه عامدا أو جاهلا، وتطهر عينه بزوال
الدم أو الكحل المتنجس منها، وكذلك الأنف والأذن وغيرهما من البواطن.
بل الأقوى عدم تنجس ما في الباطن إذا لاقى النجاسة فيه، سواء
كانت النجاسة داخلية أم خارجية، فلا يتنجس الريق، ولا الأسنان،
ولا اللسان بملاقاة الدم الذي يخرج من الفم أو يدخل إليه من الخارج
إذا لم يتغير به، ولا يتنجس الطعام في الفم بملاقاة الدم الذي يخرج
من الفم إذا كان الطعام نقيا منه، فإذا استهلك الدم أو زالت عينه
80

جاز ابتلاع الريق وابتلاع الطعام، وإذا أصاب الريق أو الطعام يده
وكان نقيا من الدم لم تتنجس يده وإن كان الدم موجودا في بعض
جوانب الفم.
نعم، إذا كان الشئ الطاهر والشئ النجس كلاهما مما يتكون في
الخارج وتلاقيا في الباطن، فالأحوط الحكم بالنجاسة، وخصوصا إذا
كانت الملاقاة في البواطن غير المحضة كالفم والأذن والأنف وباطن
السرة، وقد تقدم بيان ذلك في المسألة الثالثة والثمانين، وتقدمت الإشارة
إليه في المسألة المائة والحادية والأربعين.
[المسألة 265]
الأحوط في مطبق الشفتين ومطبق الجفنين أن يجريا مجرى الظاهر
في باب الطهارة الخبثية، فلا بد من تطهيرهما مع ملاقاة النجاسة أو
المتنجس وإن زالت عنهما عين النجاسة، وإن كانا من الباطن في الوضوء
والغسل على الأقوى فيجب غسل ما يظهر منهما بعد التطبيق.
[المسألة 266]
ما يشك فيه إنه من الظاهر أو الباطن يحكم فيه بالطهارة إذا لم
تكن فيه عين النجاسة إلا أن تكون له حالة سابقة يعلم بها فيجب الأخذ
بها، وإذا كان الشك من جهة الشبهة المفهومية، فعلى العامي أن يرجع
إلى مقلده أو إلى الاحتياط.
[المسألة 267]
العاشر من المطهرات: استبراء الحيوان الجلال. فإنه يطهره من نجاسة
الجلل، وقد تقدم بيان معنى الجلل وذكر بعض أحكامه في المسألة
المائة والثامنة والعشرين وما بعدها فلتراجع.
واستبراء الحيوان الجلال: هو أن يمنع من أكل العذرة، ويقتصر
في تغذيته على العلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل، وتمضي المدة
المنصوصة في الحيوان على الأحوط، فإذا زال عن الحيوان اسم الجلل
لم تنتف عنه أحكامه حتى تنقضي المدة المنصوصة فيه، وإذا مضت المدة
في الحيوان قبل زوال الاسم لم تنتف عنه أحكام الجلل حتى يزول الاسم.
81

والمدة المنصوصة هي: أربعون يوما في الإبل، وثلاثون يوما في
البقر، وعشرة أيام في الغنم، وخمسة أيام أو سبعة في البطة، وثلاثة
أيام في الدجاجة، وفي غيرها يكفي زوال اسم الجلل عنه.
فإذا تم استبراء الحيوان على الوجه المتقدم ذكره حكم بطهارة بوله
وروثه وعرقه وحل أكل لحمه وشرب لبنه وأكل بيضه إذا كان مما
يبيض.
[المسألة 268]
الحادي عشر من المطهرات: الاستنجاء بالأحجار أو ما يقوم مقامها،
فإنه يطهر موضع النجو من نجاسة الغائط، وسيأتي إن شاء الله تعالى
بيان ذلك وذكر شرائطه في مبحث الاستنجاء.
[المسألة 269]
الثاني عشر من المطهرات: خروج الدم بالمقدار الذي يتعارف
خروجه من الحيوان حين يذبح أو ينحر، فإنه يوجب طهارة ما يبقى
من الدم في ذلك الحيوان، وتراجع المسألة المائة والثانية.
[المسألة 270]
الثالث عشر من المطهرات: غيبة الانسان المسلم.
وهي توجب الحكم ظاهرا بطهارته وطهارة ثيابه وفراشه وأوانيه
وسائر توابعه إذا عرضت النجاسة على بعض هذه الأشياء قبل غيبته.
ويشترط فيه:
1 - أن يكون ذلك الانسان المسلم عالما بنجاسة الشئ قبل غيبته.
2 - وأن يجده المكلف بعد الغيبة يستعمل ذلك الشئ في ما يعلم هو
بأن الطهارة شرط فيه كالصلاة فيه أو الأكل والشرب فيه.
3 - وأن يحتمل أن يكون قد طهر الشئ حال غيبته.
فيحكم المكلف بطهارة ذلك الشئ ظاهرا، فيلاقيه مع الرطوبة
ويستعمله في ما يشترط فيه الطهارة إذا وجدت له بقية الشروط، وإذا
لم تجتمع هذه الشروط الثلاثة لا تكون الغيبة مطهرة.
82

[المسألة 271]
إذا غاب كل من الولي والصبي مع استجماع الشرائط المتقدم
ذكرها، وعلمنا أن الولي - بحسب اجتهاده أو تقليده - لا يعد غيبة
الطفل أمارة على الطهارة، حكم بطهارة الطفل وثيابه وما يتعلق به سواء
كان الطفل مميزا أم غير مميز، بل الظاهر جريان الحكم بالطهارة في
الصبي المميز وحده إذا تمت فيه الشرائط المتقدم ذكرها.
[المسألة 272]
الظاهر أن كل حيوان يكون من ذوات الجلود المعتد بها فهو مما
يقبل التذكية في نظر أهل العرف، وقد تقدم منا في المسألة الحادية
والثمانين إن الاطلاق المقامي في النصوص الشرعية التي وردت في
التذكية والتي ذكرت لها الآثار والأحكام يقتضي أن الشارع قد اعتمد
في بيان قابلية الحيوان للتذكية على ما يعتمده أهل العرف في ذلك، فإن
الشارع نفسه لم يبين لقبول التذكية في الحيوان معيارا خاصا.
وعلى هذا، فكل حيوان تقع عليه التذكية وهو طاهر العين ومن
ذوات الجلود المعتد بها يحكم على لحمه وعلى جلده بالطهارة، ويجوز
استعمال جلده وإن لم يدبغ في كل ما يشترط فيه الطهارة، وكذا
يجوز استعمال سائر أجزائه، نعم لا تجوز الصلاة فيه ولا الطواف
إلا إذا كان مأكول اللحم.
[الفصل الثالث عشر]
[في أحكام الأواني]
[المسألة 273]
الظروف المتخذة من جلود الميتة أو من جلود نجس العين لها حكمهما،
فلا يجوز استعمالها ولا الانتفاع بها في ما يشترط فيه الطهارة
كالأكل والشرب، والوضوء والغسل، ويجوز استعمالها والانتفاع بها
في ما عدا ذلك.
83

[المسألة 274]
أواني الكفار والمشركين إن علم بملاقاتهم إياها مع الرطوبة
المسرية، أو علم بملاقاتها بعض النجاسات الأخرى مع الرطوبة كذلك
فهي متنجسة، وتطهر إذا غسلت بالماء على الوجه المطلوب، وإن لم يعلم
بملاقاتها النجاسة فهي محكومة بالطهارة، ولا يكفي الظن بالملاقاة في
الحكم بالنجاسة إلا إذا كان ظنا اطمئنانيا فلا يترك معه الاحتياط.
وما كان من ظروفهم متخذا من الجلود فهو محكوم بالنجاسة إلا إذا
علم بتذكية الحيوان الذي اتخذ منه أو علم بسبق يد المسلم عليه مع
اقتران يد المسلم بالتصرف المناسب للتذكية.
وكذلك ما بأيديهم من اللحوم والشحوم والأشياء التي تحتاج إلى
التذكية، وما سوى ذلك فهو محكوم بالطهارة إلا أن يعلم بملاقاته
النجاسة كما في الأواني، وكذلك ما لم يعلم أنه من أجزاء الحيوان أو
من غيره.
[المسألة 275]
يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب والتطهير
من الحدث والخبث وحفظ الأشياء فيها وغير ذلك من أنواع الاستعمال
المتعارفة، بل الأحوط لزوما اجتناب مطلق الانتفاع بأواني الذهب
والفضة في الحوائج، وإن لم يكن من أنواع الاستعمال المتعارفة،
واجتناب اقتنائها مع قصد أن يجعلها متاعا معدا للانتفاع وإن لم
يستعملها بالفعل بل جعلها على الرفوف للزينة مثلا، فيجتنب بيعها
وشراؤها لهذه الغاية على الأحوط، وتجتنب الإجارة لصياغتها لهذه
الغاية وأخذ الأجرة عليها.
ويجوز اقتناؤها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصد بذلك
حفظهما أو حفظ ماليتهما بهذه الصورة، فيجوز بيعهما وشراؤهما
لهذه الغاية، كما تجوز الإجارة لصياغتهما لذلك ويجوز أخذ الأجرة
عليها.
84

[المسألة 276]
لا يجوز استعمال الآنية المصنوعة من غير الذهب والفضة إذا كانت
ملبسه بأحدهما، وكان التلبيس على وجه لو انفصل عن الآنية كان إناءا
مستقلا، ويجوز استعمالها إذا كان التلبيس بغير هذه الصورة كما إذا
لبست الآنية بقطع من الذهب أو الفضة منفصل بعضها عن بعض.
ولا يحرم استعمال الآنية المفضضة أو المذهبة أو المموهة بأحدهما
أو المطلية به، نعم يكره استعمال الآنية المفضضة أو المذهبة، ويحرم
الشرب منها إذا وضع فمه على موضع الفضة أو الذهب، وكذلك في
المطلي بأحدهما على الأحوط.
[المسألة 277]
لا يجوز استعمال الآنية الممزوجة من الذهب أو الفضة مع غيرهما
إذا كان المزج قليلا بحيث يصدق على الآنية اسم الذهب أو الفضة عرفا،
ويجوز استعمالها إذا لم يصدق عليها اسم أحدهما، ولا يجوز استعمال
الآنية الممزوجة منهما وإن لم يصدق عليها اسم أحدهما على الأحوط،
وكذلك إذا كانت الآنية مركبة منهما فبعض قطعاتها ذهب والباقي
فضة.
[المسألة 278]
كلمة الآنية تعني صنفا خاصا من الظروف المعدة لبعض الحوائج،
والحكم بتحريم استعمال الظرف إذا كان من الذهب أو الفضة يتوقف
على صدق الإناء عليه في العرف، فلا يحرم استعمال الأشياء التي
لا يصدق اسم الآنية عليها كاللوح من الذهب أو الفضة، والقنديل،
وغلاف السيف، والخنجر، والسكين، وقاب الساعة، ومحل فص
الخاتم وبيت المرآة إذا كان مصوغا من أحدهما.
[المسألة 279]
الظاهر صدق الآنية على الكأس والكوز والقدور والقصاع
والطسوت، والجفان، والصواني، والأقداح والمصافي وأدوات الطبخ
والغسل والعجن وأدوات التوزيع، وأدوات طبخ الشاي والقهوة،
85

وأدوات شربهما، فيحرم استعمالها إذا كانت من الذهب والفضة،
والأحوط اجتناب ملاعق الشاي وظروف الغالية والكحل وما أشبهها إذا
كانت منهما، وكذلك المباخر ونحوها.
وما يشك في صدق الآنية عليه لا يحرم استعماله، إذا كان مصنوعا
منهما، ولا بد من رجوع العامي إلى مقلده أو إلى العمل بالاحتياط فيها
لأنها من الشبهة الحكمية.
[المسألة 280]
الأكل والشرب قد يكون من الآنية مباشرة، كما إذا وضع الآنية
على فمه فشرب منها أو أكل، وقد يكون بأخذ اللقمة من الآنية بيده أو
بملعقة ووضعها في الفم، ولا ريب في حرمة كليهما إذا كانت الآنية
ذهبا أو فضة.
وإذا كانت (الصينية) من الذهب أو الفضة فوضع الظروف فيها
محرم لأنه استعمال لها، وكذلك تناول الطعام الموضوع في الظروف
الموضوعة في الصينية فهو استعمال للصينية أيضا فيكون محرما، وإن
كانت الظروف نفسها ليست ذهبا ولا فضة.
أما أكل الطعام بعد تناوله من الظروف فقد يقال بأنه ليس أكلا
في آنية الذهب والفضة، فلا يكون محرما، ولكن لا يترك الاحتياط فيه
وفي نظائره، كصحون الشاي إذا كانت من الذهب مثلا ووضعت فيها
فناجين الشاي وهي من غيره، فإذا تناول الفنجان وشرب منه لم يكن
شربا في آنية الذهب ولا يترك الاحتياط.
وإذا أفرغ الطعام أو الشراب من آنية الذهب أو الفضة في ظرف
آخر ليس منهما، لم يحرم الأكل من ذلك الظرف، وإن كان افراغ
الطعام فيه من آنية الذهب محرما لأنه استعمال لها، ولا يشترط في
حليته أن يقصد بافراغه التخلص من الحرام.
[المسألة 281]
إذا أكل طعاما محللا في آنية الذهب أو الفضة، أو شرب فيهما
شرابا محللا، فلا ريب في حرمة أكله وشربه كما تقدم، وإن كان
86

التحريم بالعنوان الثانوي، فإذا كان المكلف صائما في شهر رمضان
وجبت عليه كفارة الجمع على الأقوى.
[المسألة 282]
إذا توضأ المكلف أو اغتسل من آنية الذهب أو الفضة مع وجود ماء
آخر لديه، فإن كان وضوؤه أو غسله منهما بنحو الاغتراف التدريجي
أو بالصب على العضو ثم اجراء الماء عليه بمباشرة يده بحيث يعد الصب
مقدمة للغسل، والغسل إنما هو بالمباشرة فالظاهر صحة وضوئه أو
غسله، وإن كان مأثوما بالاغتراف أو بالصب من الآنية.
وإن كان وضوؤه أو غسله بنحو الارتماس في الآنية بطل وضوؤه
وغسله، وكذلك إذا أجرى الماء على العضو من الآنية لا بمباشرة يده.
وإذا جعل آنية الذهب أو الفضة مجمعا لغسالة وضوئه، فالظاهر
الصحة وإن كان مأثوما بصب الماء فيها.
[المسألة 283]
إذا لم يوجد لدى المكلف ما يتوضأ به أو يغتسل إلا الماء الموجود في
آنية الذهب أو الفضة فإن أمكن افراغ الماء إلى إناء آخر على وجه لا يعد
استعمالا للآنية عرفا، أو أمكنه أن يأمر بذلك طفلا أو شخصا آخر
لا يعلم بالحال، وجب عليه ذلك، وصح وضوؤه وغسله من الماء بعد
افراغه على أحد هذه الوجوه، وإن لم يمكنه ذلك سقط وجوب الوضوء
والغسل عنه ووجب عليه التيمم.
وإذا تناول من الآنية مقدار وضوئه أو غسله ووضعه في آنية أخرى
ثم توضأ منه أو اغتسل صح وضوؤه وغسله، وإن كان مأثوما بتناوله
من الآنية.
[المسألة 284]
إذا اضطر إلى استعمال آنية الذهب أو الفضة جاز له ذلك وقدر
ضرورته بقدرها، فإذا اضطر إلى الأكل أو الشرب فيها لم يجز له
87

الوضوء ولا غير ذلك، وإذا اضطر إلى الوضوء أو الغسل منها حل له
ذلك ولم يجز له سواه.
[المسألة 285]
إذا شك في آنية إنها من الذهب أو الفضة أم من غيرهما لم يحرم
عليه استعمالها.
[الفصل الرابع عشر]
[في أحكام التخلي]
[المسألة 286]
يجب على المكلف ستر عورته عن أي ناظر محترم، والمراد بالعورة
في الرجل: القبل والبيضتان والدبر، والأحوط ستر العجان، وهو
ما بين القبل والدبر، والشعر النابت في أطراف العورة
والعورة في المرأة: القبل والدبر، والواجب ستر عين العورة لا اللون
وحده، بل الأحوط لزوما - إن لم يكن هو قوي - ستر الشبح الذي
يعد ستره سترا للعن. نعم لا يجب ستر حجم العورة.
والمراد بالناظر المحترم: كل انسان مبصر، عدا الطفل والمجنون
غير المميزين، وعدا الزوج والزوجة، والمالك والمملوكة على ما يأتي
بيانه والأمة المحللة والمحلل له، سواء كان من المحارم أم غيرهم وسواء
كان رجلا أو أنثى، وسواء كان كافرا أم مسلما.
ويحرم على المكلف أن ينظر إلى عورة الغير حتى الطفل المميز، وحتى
المجنون وإن كان غير مميز.
ويجوز نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر سواء كانت الزوجة
دائمة أم منقطعة.
ويجوز أن ينظر المالك إلى عورة أمته الموطوءة له بالملك وبالعكس،
وأن ينظر الرجل إلى الأمة المحللة له وبالعكس.
88

[المسألة 287]
لا يجوز للمالك أن ينظر إلى عورة مملوكته إذا كانت مزوجة أو محللة
لغيره، أو في العدة منهما، ولا يجوز لها النظر إليه.
ولا يجوز له النظر إلى عورة مملوكته إذا حرم عليه وطؤها كأخت
زوجته أو بنت أمته المدخول بها، وأخت مملوكته الموطوءة بالملك.
وأخت الأمة المحللة له، وبالعكس. ولا يجوز لكل واحد من المالكين أن
ينظر إلى عورة الأمة المشتركة بينهما ولا يجوز لها النظر إلى عورتيهما.
[المسألة 288]
لا يجوز النظر إلى عورة الغير في الماء الصافي ولا في المرآة العاكسة ولا
من وراء الزجاج.
[المسألة 289]
إذا رأى عورة مكشوفة، وشك في أن المرأة ذات العورة زوجته أم
أجنبية حرم عليه النظر إليها ووجب عليه الغض عنها حتى يتحقق له
إنها زوجته أو أمته، وإذا رأى عورة مكشوفة وشك في أنها عورة طفل
مميز أو غير مميز فالأحوط له ترك النظر.
[المسألة 290]
لا يجوز للرجل ولا للمرأة أن ينظر إلى دبر الخنثى، وأما النظر إلى
قبلها، فإن كان الناظر إليها من محارمها حرم عليه أن ينظر إلى كل
من التي الذكورة والأنوثة فيها، وإن كان أجنبيا حرم على الرجل أن
ينظر إلى عورة الرجل فيها وحرم على المرأة أن تنظر إلى عورة الأنثى
فيها، والأحوط الترك في الجميع.
[المسألة 291]
يستحب أن يستر السرة والركبة وما بينهما.
[المسألة 292]
إذا اضطر إلى النظر إلى عورة الغير لعلاج أو غيره جاز له ذلك ووجب
عليه أن يقدر الضرورة بقدرها فلا يحل له أكثر مما تتأدى به الضرورة.
89

[المسألة 293]
يحرم على المتخلي أن يستقبل القبلة ويستدبرها بمقاديم بدنه في
حال التخلي، سواء كان في بناء أم في صحراء أم في غيرهما، ولا يكفي أن
يميل بعورته عن القبلة أو عن دبرها، والأحوط لزوما أن لا يستقبل
ولا يستدبر بعورته، وإن كان غير مستقبل ولا مستدبر بمقاديم بدنه.
والمراد بمقاديم البدن صدره وبطنه، فلا يمنع من إمالة وجهه مثلا
إلى القبلة إذا كان غير مستقبل ولا مستدبر بالصدر والبطن، ولا دخل
للركبتين في استقبال المتخلي واستدباره.
ويحرم عليه كذلك أن يستقبل القبلة أو يستدبرها في حال الاستبراء
والاستنجاء إذا علم أو ظن ظنا اطمئنانيا بخروج شئ من البول أو الغائط
في الاستبراء أو الاستنجاء، وإذا لم يعلم بذلك أو يظن لم يحرم.
وإذا جهل القبلة وترددت بين نقاط معينة انحرف عن تلك النقاط
وإذا جهل القبلة مطلقا عمل بالظن، فإذا لم يحصل له الظن سقط عنه
التكليف وصح له التوجه إلى أي جهة شاء.
[المسألة 294]
من يتواتر بوله أو غائطه يحرم عليه الاستقبال والاستدبار إذا
تخلى على النحو المتعارف، ولا يحرم عليه في غير ذلك، وإن كان الأحوط
مراعاة ذلك بقدر الامكان.
[المسألة 295]
الأحوط للقائم بتربية الطفل أن لا يقعده للتخلي مستقبلا ولا
مستدبرا، ولكن لا يجب منع الطفل ولا المجنون إذا استقبلا القبلة أو
استدبراها عند التخلي.
[المسألة 296]
يحرم التخلي في ملك الغير من غير إذن مالكه إلا أن يعلم بالرضا،
ويحرم على قبور المؤمنين إذا أوجب ذلك هتكا لهم.
90

[الفصل الخامس عشر]
[في الاستبراء والاستنجاء]
[المسألة 297]
يستحب أن يبدأ المتخلي بمخرج الغائط فيطهره، ومن فوائد ذلك
أن لا تتلوث أصابعه بالنجاسة عند الاستبراء، مما يحسن عادة أن
يتنحنح مرتين أو أكثر لانزال ما قد يتبقى في المجرى من قطرات البول.
[المسألة 298]
كيفية الاستبراء: أن يمسح بقوة من مخرج الغائط إلى أصل الذكر
ثلاث مرات، ثم يمسح بقوة من أصل الذكر إلى طرفه ثلاث مرات،
ويغمر في أصل الذكر في كل مرة منها ما بين الأنثيين على الأحوط، ثم
يعصر الحشفة ثلاث مرات وللاستبراء كيفيات أخرى هذه أحوطها
وأولاها.
وليس على المرأة استبراء، وقيل: إنها تصبر قليلا ثم تتنحنح
وتعصر فرجها عرضا.
[المسألة 299]
إذا بال الرجل واستنجى ثم توضأ للصلاة وخرج من ذكره بعد ذلك
بلل مشتبه لا يعلم أنه بول أو رطوبة أخرى، فإن كان قد استبرأ بعد
البول وقبل الاستنجاء بالمسحات المذكورة حكم بصحة وضوئه وبأن
الخارج منه رطوبة من حبائل الذكر لا تنقض الوضوء ولا توجب
النجاسة.
وإن لم يستبرئ بعد البول انتقض وضوؤه بخروج ذلك البلل،
ووجب عليه أن يطهر ما أصابه من البدن والثياب، سواء ترك الاستبراء
عامدا أم ناسيا أم جاهلا، بل حتى إذا كان الاستبراء له غير ممكن.
وإذا بالت المرأة واستنجت ثم توضأت للصلاة وخرج منها بعد ذلك
بلل مشتبه لا تعلم أنه بول أم رطوبة أخرى، حكمت بصحة وضوئها
91

وطهارة تلك الرطوبة المشتبهة إلا أن تعلم أنها بول. سواء استبرأت
بعد البول أم لم تستبرئ.
[المسألة 300]
مقطوع الذكر يستبرئ في ما بقي من عضوه، وتترتب على
استبرائه الفائدة المذكورة.
[المسألة 301]
يكفي في حصول الاستبراء للرجل وفي ترتب فائدته المذكورة أن
يباشر المسحات عليه غيره، فتتولى زوجة الرجل مثلا أو مملوكته
استبراءه.
[المسألة 302]
إذا خرج منه البلل المشتبه وشك في أنه هل استبرأ بعد البول وقبل
الاستنجاء أم لا، بنى على عدمه وحكم بنجاسة البلل الخارج منه وببطلان
وضوئه إذا كان قد توضأ، حتى مع طول المدة، وحتى إذا كان من
عادته الاستبراء.
[المسألة 303]
إذا بال ولم يستبرئ ثم شك في أنه هل خرجت منه رطوبة مشتبهة
أم لا، بنى على عدم خروجها منه، فإذا وجد في ثيابه رطوبة وشك في
أنها قد خرجت منه أم أصابته من خارج، بنى على عدم خروجها منه.
[المسألة 304]
إذا بال ثم خرج منه بلل تردد أمره بين أن يكون بولا أو منيا، فإن
كان لم يتوضأ بعد بوله وقبل خروج البلل منه فهو محدث بالحدث
الأصغر فعليه الوضوء خاصة إذا حضر وقت الصلاة، وإن كان قد
توضأ بعد بوله وقبل خروج البلل منه أو لم يدر أنه هل توضأ بعد
البول أم لا، فإن عليه في كلتا الصورتين أن يجمع بين الغسل والوضوء،
ولا فرق في جميع الصور بين أن يكون قد استبرأ بعد البول أم لم
يستبرئ.
92

[المسألة 305]
يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين على الأحوط بما يسمى غسلا،
ولا يكفي أقل من ذلك، ولا يجزي غير الماء عنه، ويتساوى في ذلك
الذكر والأنثى والخنثى، والكبير والصغير، ولا بد من الفصل بين
الغسلتين، والأحوط - استحبابا - أن تكون المرتان بعد زوال النجاسة،
فلا تعد الغسلة المزيلة، وإذا كان المخرج غير طبيعي تعين ذلك على
الأحوط سواء كان معتادا أم غير معتاد.
ولا يجب ذلك مخرج البول عند الاستنجاء منه، نعم لا بد من الدلك
إذا شك في خروج المذي ونحوه مع البول.
[المسألة 306]
يتعين غسل مخرج الغائط بالماء إذا تعدى الغائط عن المخرج على
وجه لا يصدق على غسله إنه استنجاء أو خرجت مع الغائط نجاسة
أخرى دم أو غيره، أو أصابت المخرج نجاسة أخرى من الخارج فيتعين
الغسل في هذه الصور ولا يكتفي بغير الماء.
وتطهيره في هذه الصور كتطهير غيره من أعضاء البدن المتنجسة، فلا
تعد الغسلة المزيلة، ولا بد من تعدد الغسل إذا كانت النجاسة التي
أصابت الموضع البول وكان التطهير منه بالماء القليل.
[المسألة 307]
يتخير في مخرج الغائط إذا لم يتعد عن المخرج أو تعدى عنه قليلا
لا يضر بصدق اسم الاستنجاء، ولم تخرج مع الغائط نجاسة أخرى،
ولم تصب المخرج نجاسة من الخارج، ولو بملاقاة نفس الغائط بعد
انفصاله عن المخرج، يتخير فيه مع اجتماع هذه الشروط بين أن يطهره
بالماء أو بالمسح بالأحجار.
فإذا طهره بالماء كفاه أن يغسله حتى ينقيه من عين النجاسة وأثرها،
ولو بغسلة واحدة، وإذا طهره بالأحجار وجب أن يمسح الموضع
بالأحجار حتى ينقيه من عين النجاسة، فإذا حصل النقاء بحجر واحد
أو بحجرين، وجب عليه أن يكمل المسح بثلاثة أحجار، ولا يكفي الحجر
93

الواحد والحجران وإن حصل بهما النقاء، وإذا لم يحصل النقاء بثلاثة
أحجار وجب عليه أن يمسح الموضع بأكثر من ذلك حتى يحصل النقاء.
ويكفي المسح بالخرق، ويكفي كل ما يقلع النجاسة، وينقي
الموضع، وإن لم يكن حجرا ولا خرقة، ويتبع فيه ما ذكرناه في المسح
بالأحجار.
وفي كفاية المسح بالأصابع اشكال فلا يترك الاحتياط بتركها.
ولا يكفي الحجر الواحد الكبير ذو الجهات الثلاث، ولا الخرقة
الواحدة الكبيرة ذات ثلاثة أطراف، بل لا بد من المسح بثلاثة أحجار
أو ثلاث خرق أو غيرها منفصلات.
ويشترط في الشئ الذي يمسح به أن يكون طاهرا، فلا يجزي
المسح بالنجس ولا بالمتنجس إلا بعد تطهيره، وإذا مسح بالنجس
أو المتنجس لم يطهر المخرج بالمسح وتعين غسله بالماء، كما تقدم.
[المسألة 308]
لا تحصل الطهارة بالغسل بالماء، حتى يزيل عين النجاسة وأثرها
كما ذكرنا، ويكفي في حصول التطهير بالمسح بالأحجار ونحوها أن
يزيل العين وإن بقي الأثر، والمراد بالأثر الذي تجب إزالته بالغسل
ولا يضر بقاؤه في المسح هو الذي لا يزول عادة إلا بالماء.
ولا بد في المسح من إزالة الرطوبة من المخرج فإذا بقيت الرطوبة
لم يحكم بالطهارة على الأحوط إن لم يكن هو الأقوى، فليست الرطوبة
من الأثر الذي لا يضر بقاؤه.
[المسألة 309]
يشترط في الشئ الذي يمسح به أن لا تكون فيه رطوبة مسرية
كالطين والخرقة المبلولة، ولا تضر النداوة القليلة التي لا تسري.
[المسألة 310]
إذا شك بعد خروجه من بيت الغائط أنه استنجى أم لا، بنى على
عدم الاستنجاء، حتى إذا حصل له ذلك الشك وهو في أثناء الصلاة،
94

فعليه أن يستنجي ويستأنف الصلاة، وإذا شك في ذلك بعد اتمام
الصلاة، بنى على صحة صلاته وعليه الاستنجاء للصلاة الآتية.
[المسألة 311]
لا يجوز الاستنجاء بالأشياء المحترمة في الشريعة، ولا يجوز بالعظم
ولا بالروث على الأحوط في الأخيرين، وإذا استنجى بهما عصى، وفي
حصول الطهارة بالمسح بالعظم والروث، وبما يشك في أنه عظم أو روث
تردد واشكال.
[المسألة 312]
يكره للمتخلي أن يستقبل الشمس والقمر بالبول والغائط وأن
يستقبل الريح وأن يجلس في الشوارع، وموارد الماء، ومنازل النزال،
وهي الافياء التي تقصدها القوافل للنزول فيها وأفنية المساجد،
وأبواب الدور، وتحت الأشجار المثمرة، وأن يبول قائما، وأن يطمح
به في الهواء، وأن يبول في الحمام، وعلى أرض صلبة، وفي ثقوب
الحشرات، وفي الماء جاريا أو راكدا والكراهة في الراكد أشد وأن
يستنجي باليمين.
ويكره له التكلم في غير ضرورة إلا بذكر الله أو قراءة آية الكرسي
أو حكاية الأذان.
[الفصل السادس عشر]
[في موجبات الوضوء ونواقضه]
وهي أمور:
[المسألة 313]
الأول والثاني: خروج البول والغائط من الموضع الطبيعي
لخروجهما، وكذلك خروجهما من غير الموضع الطبيعي إذا اعتاد ذلك،
بل وإن لم يكن معتادا له إذا كان مصداقا لقوله تعالى: (أو جاء
أحد منكم من الغائط)، فالمدار في النقض على تحقق هذا الموضوع.
95

سواء كان الخارج منهما قليلا أم كثيرا حتى القطرة وشبهها، وحتى
ما يلوث رأس الأنملة إذا مسح المخرج بها.
وبحكم البول البلل المشتبه إذا خرج بعد البول وقبل الاستبراء كما
تقدم بيانه في مبحث الاستبراء.
ولا ينقض الوضوء ولا يوجبه سائر الرطوبات التي قد تخرج من
أحد المخرجين غير البول والغائط والمني، حتى القيح والمذي وأمثالهما،
ولا ينقضه خروج الدود والنوى إذا لم يكن ملوثا بالعذرة.
الثالث: خروج الريح من مخرج الغائط إذا تحقق خروجها، ولا
اعتبار بما يشك في خروجه، ولا اعتبار بما يخرج من القبل إذا اتفق.
الرابع: النوم الذي يغلب على سمع المكلف وبصره، بحيث لا يسمع
ما يحدث بقربه من صوت عادي، ولا يبصر ما يكون بجنبه من شئ،
ولا تضره الخفقة والخفقتان من النعاس حتى يتحقق أنه قد نام.
الخامس: كل ما أزال العقل - على الأحوط - من سكر أو جنون أو
اغماء، ولا يضر مجرد حدوث البهتة والغفلة عنده إذا لم يزل العقل.
السادس: الاستحاضة القليلة، أما الاستحاضة الوسطى والكبرى،
وسائر الأحداث الكبرى غير الجنابة فإنها تنقض الوضوء، ولكنها
توجب الغسل بناء على المختار من كفاية الغسل عن الوضوء. وإن كان
الأحوط فيها الوضوء مع الغسل، وأما الجنابة فهي توجب الغسل لا غير.
[المسألة 314]
إذا كان المكلف متطهرا وشك في طروء أحد النواقض عليه بنى على
عدمه، وكذلك إذا خرج منه شئ وشك في أنه بول أو غيره من الرطوبات
التي لا تنقض الوضوء، فعليه أن يبني على بقاء طهارته إلا إذا كان ذلك
قبل الاستبراء من البول، فيكون البلل المشتبه ناقضا كما تقدم في المسألة
المائتين والتاسعة والتسعين.
[المسألة 315]
إذا حدث له أحد الأمور التي لا توجب الوضوء فتوضأ بعده برجاء
96

المطلوبية ثم تذكر بعد ذلك أنه كان محدثا بالأصغر كفاه ذلك الوضوء
الذي أتى به فيصح له الدخول في الصلاة وأمثالها مما تشترط فيه
الطهارة، وكذلك إذا شك في حدوث أحد النواقض عليه فتوضأ احتياطا
لاحتمال حدوث الحدث ثم علم أنه كان محدثا كفاه ذلك الوضوء
الاحتياطي.
[المسألة 316]
قد يكون الوضوء شرطا في صحة فعل من الأفعال كالصلاة والطواف
واجبين كانا أم مندوبين، فإنهما لا يصحان بغير وضوء، وقد يكون
شرطا في كمال الفعل وإن لم يكن شرطا في صحته كقراءة القرآن فإنها
تصح بغير وضوء، ولا تكون كاملة إلا به، وقد يكون شرطا في جواز
الفعل كمس كتابة القرآن فإنها تحرم على المحدث، وقد يكون رافعا
لكراهة الفعل كالأكل والنوم في حال الجنابة.
[المسألة 317]
يجب الوضوء للصلاة الواجبة سواء كانت حاضرة أم فائتة، وسواء
كانت عن نفسه أم عن غيره، ولتوابعها من صلاة الاحتياط والأجزاء
المنسية ولسجدتي السهو على الأحوط.
ويجب للطواف الواجب، سواء كان في حج أم عمرة واجبين أم
مندوبين، ولا يجب للطواف المندوب وهو ما لم يكن جزءا من أحدهما،
نعم، هو شرط في كماله وشرط في صحة صلاته.
وقد يجب الوضوء بالنذر أو العهد أو اليمين في بعض الأوقات أو
لبعض الأعمال حسب تعيين الناذر، ومع اجتماع شرائط النذر واليمين،
وقد يجب الوضوء لمس كتابة القرآن إذا طرأ للمكلف ما يوجب عليه
المس من نذر أو عهد أو يمين مع اجتماع شرائطها أو سبب آخر من
الأسباب، ويلحق به على الأحوط مس أسماء الله وصفاته الخاصة إذا
وجب عليه ذلك.
[المسألة 318]
يستحب الوضوء للمحدث بالأصغر للصلاة المندوبة، وقد تقدم أنه
97

كذلك شرط لصحتها، ويستحب له الوضوء للطواف المندوب، وقد
تقدم أنه شرط لكماله ولصحة صلاته، ويستحب له الوضوء للتهيؤ
لصلاة الفريضة في أول وقتها، ويعتبر على الأحوط أن يكون قريبا من
الوقت، ويستحب له لدخول المساجد، ولمناسك الحج غير الطواف
والصلاة، ويستحب له لزيارة الأئمة (ع)، ولصلاة الأموات، وقراءة
القرآن، ويستحب له للكون على طهارة.
ويستحب الوضوء للمتوضئ قبل ذلك لتجديد طهارته، وإن كرر
ذلك مرات متعددة، فمن جدد وضوءه لغير حدث جدد الله توبته من غير
استغفار كما يقول الإمام الصادق (ع)، بل يستحب التجديد وإن كان
بعد غسل الجنابة، وخصوصا إذا طالت المدة، نعم لا يشرع التجديد
في الغسل بعد الغسل إذا لم يتجدد له سبب آخر.
ويستحب الوضوء للحائض لتذكر الله في مصلاها في أوقات الصلاة،
ويستحب لنوم الجنب وأكله وشربه، ومعاودته الجماع.
[المسألة 319]
إذا توضأ المحدث بالحدث الأصغر لإحدى الغايات المتقدمة، حصلت
له الطهارة وجاز له الدخول في الغايات الأخرى وإن لم يقصدها، ومثله
في الحكم ما يأتي به المتوضئ بقصد التجديد.
وكذلك الوضوء الواجب، فإذا كانت له غايات متعددة، فيصح له
قصد الجميع وقصد البعض، وإذا قصد البعض صح وضوؤه بالنسبة
إلى الجميع، وإذا اجتمعت للوضوء غايات واجبة وغايات مندوبة،
فله أن يقصد الجميع وأن يقصد البعض، وإذا قصد البعض صح وضوؤه
بالنسبة إلى الجميع، وإن كانت الغاية التي قصدها من الغايات المندوبة.
وإذا توضأ المحدث بالحدث الأكبر لبعض الغايات، فالأقرب كذلك
جواز الاكتفاء به للغايات الأخرى التي تشاركه في استحباب الوضوء
لها وإن لم يقصدها بوضوئه، فإذا توضأ المجنب مثلا للنوم جاز له
الاكتفاء به للأكل والشرب ومعاودة الجماع وتغسيل الميت ما لم ينتقض
وضوؤه وهكذا في غيره.
98

[المسألة 320]
إذا توضأ المحدث بالأصغر وقصد بوضوئه امتثال الأمر المتوجه إليه
صح الوضوء وارتفع به جميع الأحداث الصغرى التي عليه وإن قصد
بوضوئه رفع أحدها بل وإن لم يقصد به رفع الحدث.
[الفصل السابع عشر]
[في واجبات الوضوء]
[المسألة 321]
الأول من واجبات الوضوء: غسل الوجه.
وحد الوجه: هو أول منابت شعر الرأس من أعلى الوجه، ومحادر
الذقن من أسفله، وما وصلت إليه الابهام والوسطى عند مدهما في
عرضه، فيجب غسل ما اشتملت عليه هذه الحدود من البشرة والشعر
على ما سيأتي بيانه، ولا يجب غسل ما خرج من ذلك.
ويراعى المتعارف بين الناس من الوجه ومن اليد، فمن انحسرت
منابت شعره أو نزلت أكثر مما يتعارف في الوجوه أو كانت أصابع
كفيه أطول مما يتعارف في الأيدي أو أقصر رجع إلى المتعارف بين الناس
في الوجه والأصابع فغسل ما دخل في الحدود المتعارفة وترك ما زاد.
[المسألة 322]
يجب أن يكون الابتداء بأعلى الوجه وأن يكون الغسل من الأعلى إلى
الأسفل عرفا، ولا يجوز الغسل منكوسا، ويكفي أن يحصل مسمى
الغسل باستيلاء الماء على الأجزاء، فإذا عم الماء على جميع أجزاء الوجه
ولو بمباشرة اليد على الوجه المذكور كفى، ولا يجب غسل ما أحاط
به الشعر من البشرة في اللحية والشارب والحاجبين، بل يغسل ظاهر
الشعر ولا يجب استبطانه، وإن لم يحط الشعر بالبشرة وجب غسل
البشرة الظاهرة خلال الشعر، والأحوط غسل الشعر مع البشرة، وإذا
شك أن الشعر محيط بالبشرة أم لا وجب الاحتياط بغسله مع البشرة.
99

[المسألة 323]
غسل الوجه بحدوده التي تقدم ذكرها يلازم غسل شئ من أطراف
الحد من كل جانب عادة، وغسل شئ من باطن الأنف والفم ليحرز
تمامية الغسل الواجب عليه ولا يجب غسل البواطن كباطن الفم والأنف
والعين، إلا ما يغسل منها لملازمته للغسل الواجب كما ذكرنا، والمدار
في الشفتين على انطباقهما فما يظهر منهما في حال الانطباق فهو من
الظاهر فيجب غسله، وما لا يظهر فهو من الباطن فلا يجب غسله وكذلك
الحال في الجفنين.
[المسألة 324]
لا يجب غسل ما خرج من اللحية عن حدود الوجه المتقدمة كالمسترسل
عن حدود الذقن في الطول، وما خرج عن الابهام والوسطى في العرض،
ويجب غسل الشعر الرقيق من اللحية وغيرها لأنه من البشرة عرفا،
وكذلك يجب غسل الشعور الغليظة التي لا تستر البشرة على الأحوط
كما تقدم، وإذا اتفق وجود لحية عند المرأة أو الخنثى فالحكم فيها كما
في الرجل.
[المسألة 325]
لا يصح الوضوء حتى يعلم أنه قد غسل جميع أجزاء الوجه التي
يجب غسلها، فإذا بقي منها شئ لم يعمه الغسل بطل وضوؤه وإن
كان الشئ المتروك قليلا جدا، ولذلك فلا بد من رفع كل ما يمنع من
وصول الماء من جرم مانع من أوساخ وأصباغ ووسائل زينة وغيرها،
وإذا علم بوجود شئ يشك في مانعيته من وصول الماء، فلا بد من
تحصيل اليقين بزوال ذلك الشئ أو اكثار الماء والمبالغة في مباشرته على
نحو يعلم بحصول الغسل الواجب.
وإذا شك في وجود ما يمنع، وجب عليه الفحص حتى يحصل له
الظن بعدم الحاجب وإن لم يبلغ درجة الاطمئنان، أو يكثر الماء
ومباشرته حتى يعلم بحصول الغسل على تقدير وجود الحاجب.
100

[المسألة 326]
الثاني من واجبات الوضوء: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف
الأصابع، والمرفق هو مجمع العضد والذراع فهو مركب منهما، وهو
أعلى اليد فلا بد من الابتداء بغسله، ولا بد من غسل شئ من العضد
قبله من باب المقدمة، وأن يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا
ولا يجوز منكوسا، ويكفي مسمى الغسل كما سبق في غسل الوجه،
ويجب غسل الشعر والبشرة وإن كان الشعر محيطا بها، وغسل ما دخل
في الحد من لحم زائد وإصبع زائدة ويد زائدة إن اتفق، بل لا يترك
الاحتياط بغسل اليد الزائدة فوق المرفق مع اليد الأصلية إن اتفقت.
[المسألة 327]
تجب إزالة الوسخ الذي يكون تحت الأظفار إذا كان ما تحته معدودا
من الظاهر، سواء كان الوسخ متعارفا أم أكثر، إلا إذا علم بوصول
الماء إلى البشرة تحته، وإذا كان ما تحته معدودا من الباطن لم يجب
غسله ولا إزالة الوسخ عنه، فإذا قلم أظفاره فأصبح ما تحتها معدودا من
الظاهر، وجب غسله وإزالة المانع عن وصول الماء إليه.
[المسألة 328]
إذا قطعت يد الانسان فإن بقي منها شئ مما يجب غسله في الوضوء
وجب غسله، وإن كان بعض المرفق، وإذا لم يبق من المرفق شئ لم
يجب غسل ما بقي من العضد وإن كان غسله أولى.
[المسألة 329]
ما يحدث من الشقوق في ظهر الكف أيام البرد إن كان واسعا بحيث
يرى جوفه يجب ايصال الماء إليه، وإلا لم يجب، ولا يترك الاحتياط
في ما يشك منها.
[المسألة 330]
ما يعلو الجلد من البثور والطفح الجلدي والجدري يكتفي بغسل
ظاهره حتى عند يبسه وانفتاح رؤوسه، وإذا ظهر ما تحت الجلدة
وبقيت الجلدة متصلة وجب غسلها وغسل ما تحتها، وكذلك ما يتجمد
101

على الجرح والدمل عند البرء، ويكون كالجلد يكتفي بغسل ظاهره،
فإذا ظهر ما تحته وجب غسله وغسل ما تحته ما دام متصلا.
[المسألة 331]
البياض الذي يظهر على اليد بعد مباشرة الجص والنورة أو بعض
الصابون عند يبسه، لا يضر وجوده إذا صدق معه غسل البشرة، وكذا
الوسخ الذي يكون على البشرة ولا يكون جرما مرئيا، فإذا تراكم حتى
شك في كونه حاجبا وجبت إزالته، وتراجع المسألة الثلاثمائة والخامسة
والعشرون في أحكام الحاجب، وما يشك في وجوده أو يشك في مانعيته.
[المسألة 332]
يجب غسل ما يشك في أنه من الظاهر أو من الباطن، سواء كان من
الباطن سابقا ثم شك في صيرورته من الظاهر أم كان من الظاهر سابقا
وشك في صيرورته من الباطن أم كان مجهول الحال سابقا ولاحقا.
[المسألة 333]
يصح الوضوء برمس الأعضاء في الماء أو بعضها، مع مراعاة أن
يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا، ولا بد وأن تكون مراعاة ذلك
مراعاة خارجية، فلا بد من تحريك العضو المرموس في الماء حتى تغسل
أجزاؤه من الأعلى إلى الأدنى خارجا، وذلك يكون أما بادخال العضو
في الماء من الجزء الأعلى إلى الأدنى تدريجا، وأما باخراجه كذلك وأما
بتحريكه تحت الماء كذلك بعد غمسه فيه، ولا تكفي نية غسل الأعلى
فالأعلى وحدها دون مراعاة خارجية. ولا يكفي التحريك اليسير تحت
الماء لأنه يقارن ما بين الأجزاء في حدوث الغسل.
ويلزم في اليد اليسرى أن يقصد الغسل حال اخراجها من الماء لئلا
يكون المسح بغير بلة الوضوء.
أما اليد اليمنى فيكفيه أن يغسل بها جزءا من اليد اليسرى لتكون
بلتها من الوضوء، فإذا غسل ذراع اليد اليسرى بيده اليمنى ثم رمس
كف اليسرى ونوى الغسل باخراجها صح وضوؤه ومسحه، وكذلك إذا
رمس ذراع اليد اليسرى وأبقى الكف منها ثم غسلها مرتبا بيده اليمنى.
102

[المسألة 334]
الثالث من واجبات الوضوء: المسح على مقدم الرأس فلا يكفي
المسح على غيره من أجزاء الرأس والأحوط أن يكون على الناصية، وهي
ما بين البياضين في جانبي الرأس فوق الجبهة ويجب أن يكون المسح
بباطن الكف، والأحوط أن يكون باليد اليمنى، ويعتبر أن يكون
المسح على الرأس والقدمين ببلة الوضوء، فلا يجوز بماء جديد، وأن
يكون على وجه يتأثر العضو الممسوح برطوبة الماسح بالمقدار الواجب،
وإذا كانت في العضو الممسوح رطوبة خارجية تمنع من تأثير رطوبة
الماسح فيه أو توجب كون المسح بماء مختلط من ماء الوضوء وغيره،
فلا بد من تجفيفها قبل المسح حتى يحصل اليقين بالتأثير ولا يكفي
الظن به.
والأفضل أن يكون المسح على الرأس بمقدار عرض ثلاث أصابع،
وأن يكون بطول إصبع، والأحوط أن يمسح مقبلا من الأعلى إلى
الأسفل، وإن كان الأقوى كفاية مسمى المسح في كل من الطول والعرض،
فيجزيه أن يمسح بشئ من الطول مما يحصل به المسمى في عرض إصبع
واحدة، ويجزيه أن يكون المسح طولا أو عرضا أو منحرفا بل ومنكوسا.
[المسألة 335]
لا يجب أن يكون المسح على البشرة فيجزيه أن يمسح على الشعر
النابت في مقدم الرأس إذا لم يكن طويلا يخرج بمده عن حد مقدم
الرأس، وإذا كان كذلك لم يكف المسح عليه وإن كان مجتمعا على
نفس المقدم أو على الناصية، بل يمسح على أصوله أو على البشرة إذا
أمكن، ولا يكفي المسح على الشعر النابت في غير المقدم وإن اجتمع على
المقدم، ولا بد من رفع كل ما يمنع من وصول رطوبة المسح إلى الشعر
أو البشرة من دهن أو خضاب أو غيره، ولا يجزي المسح على الحائل من
عمامة أو قناع أو غيرهما إلا إذا كان مضطرا لبرد أو ثلج أو عدو
يخافه ونحو ذلك، أو كان الحائل جبيرة.
103

[المسألة 336]
الرابع من واجبات الوضوء المسح على القدمين من رؤوس أصابعهما
إلى مفصل الساق على الأحوط مع المرور بقبة القدم، ويجب الاستيعاب
في الطول ويكفي المسمى في العرض، فإذا مسح من رؤوس الأصابع إلى
المفصل مارا بقبة القدم بعرض إصبع واحدة كفى.
والأفضل أن يكون بعرض ثلاث أصابع، وأفضل منه أن يضع كفه
على رؤوس الأصابع ثم يمسح ظهر قدمه كله إلى المفصل.
ويجزيه أن يمسح مقبلا ومنكوسا، ولا بد من أن يمسح الرجل
اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى، ويجوز له أن يمسح القدمين
معا أو يقدم اليمنى على اليسرى، ولا يجوز أن يقدم اليسرى على
اليمنى.
ويجب أن يمسح البشرة، وإذا كان على ظهر القدمين شعر جمع
على الأحوط بين المسح عليه والمسح على البشرة.
ولا بد من إزالة ما يمنع من وصول رطوبة المسح إلى البشرة حتى
يحصل اليقين بذلك، ولا يكفي الظن به، وقد ذكرنا ذلك في مسح
الرأس.
[المسألة 337]
يجب أن يكون المسح بالبلة الباقية في الكف من ماء الوضوء، فلا
يجوز بماء جديد، بل الأقوى أن لا يضع يده إذا أتم الغسل على شئ من
أعضاء الوضوء المغسولة فيكون المسح بماء ممتزج من ماء الكف وغيره.
نعم، إذا جف ما في الكف جاز له الأخذ من غيرها ولا يترك الاحتياط
بتقديم اللحية، فإذا جف ماؤها أخذ من الحاجبين وأشفار العينين،
فإذا لم يجد فيها أخذ من سائر الأعضاء، فإذا لم يجد فيها جميعا بطل
وضوؤه.
ولا يأخذ من اللحية مما خرج عن حد الوجه كالمسترسل عن محادر
الذقن، وما خرج عن الابهام والوسطى في العرض.
104

وعلى ما تقدم، فإذا وجد في الكف ما يمسح به الرأس مسحه به ثم
أخذ لمسح الرجلين من أعضاء الوضوء على الترتيب المتقدم.
[المسألة 338]
يجب أن يكون المسح ببشرة الكف أو الأصابع، فلا يصح المسح إذا
كان عليها مانع يحول بينها وبين الممسوح وإن كان رقيقا لا يمنع من
وصول الرطوبة، ويجب أن يكون المسح على العضو الممسوح كما تقدم
في مسح الرأس، فلا يجزي المسح على الحائل كالخف والجورب ونحوهما
إلا في حال الضرورة، أو الخوف من عدو ونحوه، أو تقية لا تتأدى إلا
بالمسح عليهما أو جبيرة ونحوها، وإذا اقتضت الضرورة المسح على
الحائل، وكان الحائل متعددا فالأحوط نزع ما يمكن منه، ولا بد من
اجتماع الشرائط في الماسح من وجود الرطوبة المؤثرة وغيرها كما في
المسح على البشرة.
[المسألة 339]
لا يصح المسح على الحائل للضرورة أو العدو أو الجبيرة إلا إذا
اقتضت الضرورة ذلك في جميع الوقت، فإذا أمكنه أن يأتي بالوضوء
الصحيح ولو في آخر الوقت وجب عليه التأخير ولم يجز له البدار، نعم
لا تجب مراعاة ذلك مع التقية، إلا إذا أمكنه التخلص منها بوجه من
الوجوه، كأن يريهم مثلا أنه يمسح على الخف وهو يمسح على القدم،
أو أمكنته الحيلة في رفعها فيتعين عليه ذلك في المسح على الخف.
[المسألة 340]
إذا ضاق الوقت عن رفع الحائل عن الرأس أو عن القدم توضأ ومسح
على الحائل وضم إليه التيمم.
[المسألة 341]
لا يتعين أن يكون المسح بامرار الماسح على الممسوح، بل المدار على
وصول الأثر المقصود إلى العضو الممسوح، فإذا حرك القدم أو الرأس
تحت كفه أو حرك كلا من الماسح والممسوح صح وضوؤه مع وصول أثر
المسح إلى العضو.
105

[المسألة 342]
إذا كانت الرطوبة على العضو الماسح كثيرة توجب غسل العضو
الممسوح فالأحوط تقليل الرطوبة فلا يصدق الغسل.
[المسألة 343]
إذا مسح على الحائل للضرورة ثم زالت الضرورة التي أوجبت له
ذلك والوقت لا يزال باقيا، وجبت عليه إعادة الوضوء وإعادة الصلاة
التي صلاها بذلك الوضوء.
وإذا فعل ذلك للتقية ثم ارتفعت والوقت لا يزال باقيا، فالأقرب
صحة الوضوء وصحة الصلاة إذا كان صلاها بوضوئه ذلك، والأحوط
الإعادة.
[المسألة 344]
إذا تعذر عليه أن يمسح بباطن الكف أجزأه أن يمسح بظاهرها،
وإذا تعذر عليه أن يمسح بظاهر كفه مسح بذراعه، فإن لم يجد فيهما
رطوبة يمسح بها أخذها من سائر أعضاء الوضوء على الترتيب المتقدم
في المسألة الثلاثمائة والسادسة والثلاثين على الأحوط، فإن لم يجد
فيها جميعا بطل وضوؤه.
[المسألة 345]
إذا تعذر عليه حفظ الرطوبة للمسح الواجب لشدة حر الهواء أو
حرارة البدن بحيث لا يفيد معها اكثار الماء ولا إعادة الوضوء مسح بماء
جديد ثم تيمم بعده على الأحوط.
[المسألة 346]
الواجب في الوجه هو غسله مرة واحدة، سواء حصل ذلك بغرفة
واحدة أم بغرفتين أم بأكثر، ويقصد بمجموع ذلك الغسلة الواحدة
الواجبة، وكذلك في غسل اليد اليمنى واليد اليسرى.
[المسألة 347]
إذا صب الماء على العضو وأمر يده عليه حتى حصل له اليقين بوصول
106

الماء إلى جميع أجزاء العضو، فالأحوط ترك المبالغة أكثر من ذلك
وإن كان فعله بقصد زيادة اليقين، وتشكل زيادة صب الماء على العضو
إذا خرج به عن المتعارف فضلا عما إذا كان عبثا، سواء كان بالاغتراف
مرارا، أم بصب الماء من الإبريق ونحوه حتى خرج عن المتعارف وإن
كان الصب متصلا.
[المسألة 348]
الوسواسي الذي لا يحصل له القطع يرجع إلى المتعارف في مقدار
صب الماء على العضو وفي مقدار امرار يده على العضو ومباشرته، فإذا
زاد في صب الماء على اليد اليسرى أشكل الحكم بصحة وضوئه للزوم
كون مسحه بماء جديد، وكذلك إذا بالغ في امرار يده عليها أكثر من
المتعارف حتى امتزج ماء الكف بماء الذراع.
[المسألة 349]
يستحب غسل الوجه مرتين، فإذا أتم الغسل الواجب بغرفة أو
غرفتين أو أكثر كما تقدم استحب له أن يغسله مرة ثانية وكذلك اليد
اليمنى ثم اليد اليسرى.
[المسألة 350]
يستحب للرجل أن يبدأ بظاهر ذراعيه اليمنى واليسرى في كلتا
الغسلتين الواجبة والمستحبة، ويستحب للمرأة أن تبدأ بباطن ذراعيها
في كلتا الغسلتين.
[المسألة 351]
يستحب الاسباغ في الوضوء بمعنى اكثار الماء حتى يجري على
العضو، ويستحب أن يكون الوضوء بمد من الماء، والمد هو ربع الصاع
الشرعي، فهو عبارة عن مائة وثلاثة وخمسين مثقالا صيرفيا ونصف
وحمصة ونصف، والظاهر أن هذا مقدار مجموع ما يصرف في الوضوء
ومستحباته من غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق، ويكره الاسراف
في ماء الوضوء أكثر من ذلك.
107

[المسألة 352]
يستحب الاستياك قبل الوضوء، والأفضل أن يكون بعود الأراك،
ويجزي بالأصبع وغيرها، وتستحب التسمية قبل الوضوء، وغسل
اليدين مرة واحدة من حدث البول أو النوم ومرتين من حدث الغائط.
وتستحب المضمضة ثلاثا، والاستنشاق ثلاثا، وأن يغترف الماء
بيده اليمنى فإذا كان لغسل اليد اليمنى اغترف باليمنى وأفرغه في
اليسرى ثم غسل به اليمنى.
وتستحب قراءة الأدعية المأثورة عند الاتيان بمستحبات الوضوء
وأفعاله.
[المسألة 353]
ورد في بعض النصوص استحباب قراءة سورة القدر في أثناء الوضوء
وورد استحباب قراءتها بعد إسباغ الوضوء، وورد استحباب قراءة
آية الكرسي على أثر الوضوء، ولا بأس بالاتيان بذلك كله برجاء
المطلوبية.
ومما يستحب أن يفتح المكلف عينيه في حال غسل الوجه، فعن
النبي (ص) أنه قال: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار
جهنم.
[المسألة 354]
تكره الاستعانة بالغير في الوضوء، والمراد بها الاستعانة به في
المقدمات القريبة كصب الماء في يد الرجل ليتوضأ به، إما أن يتولى الغير
غسل أعضائه أو مسحها فلا يجوز لغير الضرورة كما سيأتي في فصل
(شرائط الوضوء).
ويكره الوضوء بماء أسخنته الشمس، وبسؤر الحيوان محرم اللحم
ما عدا الهرة، وبسؤر المرأة الحائض إذا كانت غير مأمونة، بل يكره
سؤر غير المأمون مطلقا، وبالماء الآجن وهو الذي تغير لونه، وطعمه،
وليكن الترك في هذا برجاء المطلوبية.
108

[الفصل الثامن عشر]
[في شرائط الوضوء]
وهي أمور:
[المسألة 355]
الأول: أن يكون الماء مطلقا، فلا يصح الوضوء بالماء المضاف حتى
إذا طرأت عليه الإضافة بنفس الوضوء إذا اتفق ذلك، وتراجع المسألة
الثالثة والسبعون في حكم الماء المشتبه بالمضاف.
[المسألة 356]
الثاني: أن يكون الماء طاهرا، فلا يصح الوضوء بالماء النجس،
وبحكمه الماء المشتبه بالنجس إذا كانت الشبهة محصورة كما تقدم بيانه
في المسألة الثانية والسبعين فلتلاحظ.
[المسألة 357]
الثالث: أن تكون أعضاء الوضوء طاهرة، والمراد أن يكون كل
عضو منها طاهرا حين غسله للوضوء ولا يضره أن يكون نجسا حين غسل
الأعضاء الأخرى، فإذا كانت يده اليسرى نجسة مثلا فغسل وجهه
للوضوء ثم غسل يمينه ارتماسا مثلا ثم طهر يسراه من النجاسة وغسلها
للوضوء صح وضوؤه، وإذا كانت أعضاؤه كلها نجسة فطهر الوجه ثم
غسله للوضوء ثم طهر يده اليمنى وغسلها بعده للوضوء، ثم صنع
كذلك في اليد اليسرى، وطهر الرأس والقدمين قبل المسح عليهما مع
المحافظة على شرائط الوضوء، وعلى رطوبة الكفين التي يمسح بها صح
وضوؤه.
ولا يبطل الوضوء بتنجس العضو بعد غسله للوضوء، فيتم وضوءه
ويطهر العضو المتنجس للصلاة إلا أن يحصل خلل من جهة أخرى من
حيث المسح أو غيره.
109

ولا يكفيه غسل واحد لتطهير العضو والوضوء حتى إذا رمسه بالكر
أو الجاري، ويصح له أن يطهر العضو بغمسه في الكر مثلا، وينوي
الوضوء باخراجه.
[المسألة 358]
إذا توضأ وبعض المواضع من بدنه نجسة غير أعضاء الوضوء لم
يضر ذلك بصحة وضوئه، نعم، الأحوط له أن لا يتوضأ قبل الاستنجاء.
[المسألة 359]
الرابع من شرائط الوضوء أن لا يوجد ما يحول عن وصول الماء إلى
البشرة في الغسل والمسح كما تقدم ذكره في المسألة الثلاثمائة والخامسة
والعشرين وغيرها، فإذا علم بوجوده فلا بد من العلم بزواله، أو العلم
بتحقق غسل البشرة في المغسول ومسحها في الممسوح، وإذا شك في
وجوده فلا بد من الفحص حتى يحصل الظن بعدم الحاجب وإن لم يبلغ
درجة الاطمئنان.
[المسألة 360]
الخامس: أن يكون الماء مباحا فلا يصح الوضوء بالماء المغصوب،
وبحكمه الماء المشتبه بالمغصوب إذا كانت الشبهة محصورة، كما ذكرناه
في المسألة الثانية والسبعين.
[المسألة 361]
لا يصح للمكلف أن يتوضأ في الآنية المغصوبة إذا كان وضوؤه بنحو
الارتماس في الآنية، وإن كان الماء الموجود فيها مباحا، سواء وجد لديه
ماء مباح آخر أم لم يوجد، فإذا توضأ فيها كذلك كان وضوؤه باطلا،
ولا يصح له أن يتوضأ بالاغتراف منها لغسل أعضائه تدريجا، أو بصب
الماء على الأعضاء، إذا لم يوجد لديه ماء مباح آخر، فإذا توضأ منها
كذلك كان عمله باطلا.
وإذا كان لديه ماء مباح آخر صح وضوؤه من الآنية المغصوبة
بالاغتراف التدريجي أو الصب على الأعضاء من الظرف المغصوب إذا
110

كان صبه مقدمة للغسل ثم أجرى الماء على الأعضاء بمباشرة يده، وإن
كان إثما في الاغتراف أو الصب من الآنية لتصرفه في المغصوب.
وتشكل صحة الوضوء إذا أجرى الماء على العضو من الآنية لا بمباشرة
يده بعد الصب.
وإذا أخذ من ذلك الماء ما يكفي لوضوئه فوضعه في إناء مباح ثم
توضأ به صح وضوؤه وإن أثم في المقدمة، وحكم الغسل في جميع ما ذكر
هو حكم الوضوء.
[المسألة 362]
لا يترك الاحتياط في مكان الوضوء أو مصب مائه إذا كانا مغصوبين
ولا سيما في المكان بمعنى الفضاء الذي تتحرك فيه أعضاء الانسان في
الغسل والمسح في وضوئه، والمصب الذي يعد نفس الوضوء صبا للماء
فيه عرفا.
[المسألة 363]
لا يصح الوضوء مع انتفاء أحد الشروط الأربعة الأولى المتقدمة،
فإذا توضأ المكلف بماء مضاف، أو بماء نجس، أو كان بعض أعضاء
وضوئه نجسا، أو مع وجود الحائل بطل وضوؤه سواء كان عالما عامدا
أم جاهلا أم ناسيا.
وإذا توضأ بماء مغصوب وهو عالم بحرمة ذلك بطل وضوؤه، وكذلك
إذا كان جاهلا بحرمة ذلك عليه وكان جهله عن تقصير فلا بد من الإعادة،
ومثله ما إذا كان عالما بالحرمة ولكنه جاهل بالحكم الوضعي، فلا يعلم
ببطلان الوضوء بالماء المغصوب، فيبطل وضوؤه سواء كان مقصرا في
جهله أم قاصرا.
وإذا توضأ بالماء المغصوب وهو جاهل بحرمة ذلك عليه وكان جهله
عن قصور يعذر فيه صح وضوؤه على الظاهر.
وكذلك إذا كان جاهلا بالغصب أو ناسيا له فالظاهر الصحة حتى
في الغاصب نفسه إذا نسي الغصب فتوضأ بالماء وإن كان الأحوط
111

استحبابا الإعادة في هذه الصورة، وإذا كان الغاصب ممن لا يبالي إذا
تذكر أنه غاصب فالظاهر البطلان.
وكذلك الحكم في الوضوء في الظرف المغصوب والمكان والمصب
المغصوبين على التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.
[المسألة 364]
لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن صريح أو فحوى أو شاهد حال
قطعي يدل على الرضا، من غير فرق بين الماء والظرف والمكان وغيرها،
فلا يجوز التصرف مع الشك في رضا مالكه، إلا مع سبق الرضا منه
فيستصحب بقاء رضاه عند
الشك.
[المسألة 365]
يجوز الوضوء والغسل والشرب من الأنهار الكبار وإن لم يعلم برضا
مالكها، بل وإن علم أن في المالكين صغارا ومجانين، ويشكل الجواز مع
العلم أو الظن بكراهة المالكين وعدم رضاهم، ويشكل الجواز إذا غصبها
غاصب من مالكها سواء غير مجرى الأنهار أم لم يغير.
وكذلك الحكم في الأراضي الواسعة، فيجوز الوضوء والغسل فيها
والصلاة والجلوس والنوم وأمثال ذلك من التصرفات ما لم يعلم أو يظن
بكراهة المالك أو تكون مغصوبة.
[المسألة 366]
الحياض والمياه التي تكون في المساجد ولا يعلم أنها خاصة بالمصلين
في ذلك المسجد، أو هي عامة لمن سواهم من المارين والمتوضئين، لا يجوز
لغير من يصلي في المسجد أن يتوضأ منها أو يغتسل بها، إلا إذا علم بعموم
الإذن فيها للجميع أو قيام البينة على ذلك أو اقرار الوقف أو المالك
به، أو شبه ذلك من الأمارات الشرعية التي تثبت ذلك، ولا يكفي مجرد
اعتياد الناس ذلك أو اخبار أحد به، وكذلك الحكم في الحياض والمياه
التي تكون في المدارس والخانات الموقوفة.
112

[المسألة 367]
يصح الوضوء والغسل تحت الخيمة المغصوبة إذا كان الماء والمكان
مباحين، وإن كان مأثوما في الانتفاع بالخيمة.
[المسألة 368]
السادس من شرائط الوضوء: أن لا تكون الآنية التي يتوضأ منها
آنية ذهب أو فضة، وقد تقدم تفصيل القول فيها في المسألة المائتين
والثانية والثمانين وما بعدها.
وإذا توضأ من آنية الذهب أو الفضة ناسيا أو غافلا أو جاهلا بأن
الآنية من الذهب مثلا صح وضوؤه إذا كان معذورا.
ولا يعذر الجاهل بحرمة استعمال آنية الذهب إذا كان مقصرا في
جهله فيبطل وضوؤه ولا يعذر الجاهل ببطلان الوضوء منها، سواء كان
قاصرا أم مقصرا على الأحوط.
[المسألة 369]
تقدم في مبحث الماء المستعمل أن الأحوط اجتناب ماء الاستنجاء مع
وجود ماء غيره، وإذا لم يوجد لدى المكلف ماء آخر جمع بين الطهارة
منه والتيمم.
وأما الماء المستعمل في تطهير سائر النجاسات غير الاستنجاء فهو
نجس لا يصح الوضوء منه، وإذا توضأ منه جاهلا أو ناسيا فلا بد من
تطهير الأعضاء ثم إعادة الوضوء.
وأما الماء المستعمل في الوضوء فلا ريب في جواز الوضوء به، وإن
تكرر ذلك، وكذلك الماء المستعمل في الأغسال المندوبة كغسل الجمعة
والزيارة ونحوهما.
وأما الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر مع طهارة البدن، فالأحوط
اجتناب الوضوء منه مع وجود ماء آخر، فإذا لم يوجد لدى المكلف ماء
غيره جمع بين الطهارة منه والتيمم. وقد تقدم بيان ذلك في المسألة
113

التاسعة والخمسين، وما بعدها من المسائل في مبحث الماء المستعمل
فلتلاحظ.
[المسألة 370]
السابع من الشرائط: أن لا يكون لدى المكلف ما يحظر عليه استعمال
الماء في الوضوء كبعض الأمراض التي تمنعه من ذلك، أو خوف العطش
على نفسه أو على نفس محترمة أخرى إذا هو صرف الماء الموجود لديه في
الوضوء. وأمثال ذلك مما يوجب التيمم، فلا يجوز له الوضوء عند
ذلك ويجب عليه التيمم، وإذا توضأ كان وضوؤه باطلا.
[المسألة 371]:
الثامن: أن يتسع الوقت للوضوء والصلاة، فإذا ضاق الوقت بحيث
يكون الوضوء موجبا لوقوع بعض الصلاة خارج الوقت، تعين عليه
التيمم وإدراك الصلاة، إلا أن يكون الزمان الذي يحتاج إليه في التيمم
مساويا لزمان الوضوء فيتعين عليه الوضوء.
وإذا توضأ في الصورة المتقدمة، فإن قصد بوضوئه امتثال أمر
الصلاة التي تضيق وقتها على نحو التقييد بطل وضوؤه، وإن قصد به
امتثال غاية أخرى أو قصد القربة بقول مطلق، أو قصد امتثال الأمر
المتوجه إليه صح وضوؤه، وكذلك الحكم في الغسل مع تضيق الوقت.
[المسألة 372]
التاسع من الشرائط: أن يباشر المكلف أفعال وضوئه بنفسه من
غسل ومسح، إذا كان قادرا على ذلك - فإذا تولى غيره ذلك مع قدرته
على المباشرة بنفسه بطل وضوؤه، سواء تولى غيره جميع أفعال الوضوء
من غسل ومسح، أم تولى الغير بعضها وباشر المكلف بعضها.
ولا يضر بصحة الوضوء أن يتولى غير المكلف احضار الماء أو تسخينه
وغير ذلك من المقدمات البعيدة، ولا يضر بصحته أن يصب الغير الماء على
يد المكلف ويتولى هو اجراء الماء على أعضائه فيغسل ويمسح بنفسه، نعم
يكره له ذلك كما تقدم في المسألة الأخيرة من فصل واجبات الوضوء. وإذا
114

صب الغير الماء على أعضاء المكلف، وباشر المكلف بنفسه اجراء الماء عليها
فغسل ومسح، فالظاهر صحة الوضوء إذا قصد الوضوء باجراء الماء
بنفسه لا بصب ذلك الغير، والأحوط الإعادة.
[المسألة 373]
يصح الوضوء من ماء الميزاب أو ماء الأنبوب إذا جعل وجهه أو
يديه تحتهما بقصد الوضوء حتى عم الماء على العضو المغسول، وأتم
وضوءه.
[المسألة 374]
إذا عجز الانسان عن مباشرة أفعال الوضوء بنفسه لشلل أو
مرض أو غيرهما، وجب عليه أن يستعين بالغير في ذلك ولو بالأجرة،
فينوي المكلف الوضوء ويجري الغير عليه الغسل، ولا يتعين أن يجري
الغير الماء بيد المكلف نفسه، وإن كان ذلك أحوط. نعم، يجب أن
يكون المسح على مواضع المسح بيد المكلف نفسه فيمسكها الغير بيده
ويمسح بها رأس المكلف وقدميه، فإذا لم يمكن ذلك تولاها الغير بيده
فأخذ الرطوبة من يد المكلف ومسح بها رأسه وقدميه، ويحتاط بالتيمم
في هذا الفرض.
[المسألة 375]
العاشر من الشرائط: الترتيب بين أفعال الوضوء فيبدأ بغسل
الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليد اليسرى، ثم يمسح على الرأس، ثم
يمسح على القدمين، ويجوز له أن يمسح القدمين معا، أو يقدم اليمنى
على اليسرى، ولا يجوز أن يقدم اليسرى على اليمنى كما تقدم في المسألة
الثلاثمائة والسادسة والثلاثين، ويجب في الأعضاء المغسولة أن يكون
الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا، ولا فرق بين الوضوء الترتيبي
والارتماسي في جميع ما ذكر.
وإذا خالف الترتيب جاهلا أو ناسيا، فإن تذكر قبل أن تفوت
الموالاة وجب عليه أن يعيد على ما يحصل به الترتيب بين الأعضاء، فإذا
115

غسل يده اليمنى ثم وجهه صح غسل وجهه ووجب عليه أن يغسل يده
اليمنى ثم اليسرى، وإذا غسل اليسرى قبل الوجه صح غسل وجهه،
ووجب عليه أن يغسل يده اليمنى ثم اليسرى، وإذا غسل وجهه
ثم يده اليسرى ثم اليد اليمنى أعاد على يده اليسرى.
وإذا تذكر أنه خالف الترتيب بعد أن فاتت الموالاة وجفت الأعضاء
بطل وضوؤه.
[المسألة 376]
الحادي عشر من شرائط الوضوء: الموالاة.
وهي - على الأظهر - عدم التراخي الطويل بين الأعضاء الذي
يؤدي بحسب العادة إلى جفاف الماء عن الأعضاء السابقة قبل الاتيان
باللاحقة، فلا بد في الموالاة المعتبرة في الوضوء من اجتماع الأمرين،
فإذا تراخى طويلا حتى جف الماء عن الأعضاء السابقة لطول الفصل
بينها بطل وضوؤه، سواء كان عامدا أم ناسيا أم معتقدا لعدم جفاف
الأعضاء ثم تبين له خلاف ذلك.
ولا يضر التراخي إذا كان لا يؤدي بحسب العادة إلى جفاف الأعضاء
السابقة، ولا يضر الجفاف إذا حصل من غير تراخ يوجب ذلك، بل
حصل لحرارة الهواء أو لحرارة البدن، ولا يضر التراخي إذا أدى إلى
جفاف بعض الأعضاء دون بعض أو أدى إلى جفاف بعض أجزاء العضو
دون بعض.
وإذا حصل التراخي الطويل الذي يؤدي إلى جفاف الأعضاء بحسب
العادة، ولكن الأعضاء لم تجف بالفعل لكثرة الرطوبة في الهواء، فلا
يترك الاحتياط بإعادة الوضوء.
ولا يضر التمشي في أثناء الوضوء أو بعده قبل المسح أو في أثنائه
إذا لم تفت به الموالاة المذكورة.
[المسألة 377]
إذا تذكر بعد أن شرع في صلاته: أنه ترك المسح في وضوئه، فإن
116

فاتت الموالاة، أعاد الوضوء والصلاة، وإن تذكر قبل أن تفوت الموالاة
وتجف الأعضاء بطلت صلاته ومسح بالرطوبة الموجودة في الكف فإن
لم يبق فيها شئ أخذ الرطوبة من اللحية أو الحاجبين أو الأعضاء
الأخرى - على الترتيب المتقدم في المسألة الثلاثمائة والسابعة والثلاثين
- ومسح بها ثم أعاد الصلاة.
[المسألة 378]
إذا حصل التراخي بحيث جفت الأعضاء السابقة، ولكن بقيت
الرطوبة في مسترسل اللحية وما خرج منها عن حد الوجه، ففي كفايتها
في بقاء الموالاة اشكال، ولا يترك الاحتياط باتمام الوضوء ثم الإعادة.
[المسألة 379]
الثاني عشر: النية، وهي أن يقصد الفعل متقربا به إلى الله تعالى،
والأحوط أن يقصد غاية من غايات الوضوء الواجبة أو المندوبة كالكون
على الطهارة، والتقرب إلى الله هو أن يقصد الله سبحانه بفعله امتثالا
لأمره، أو لأنه أهل للطاعة، أو حبا له، أو لدخول الجنة، أو الفرار
من النار أو لغير ذلك من الوجوه الصحيحة التي يتوجه بها العبد إلى ربه
ويقصد امتثال أمره.
ولا يجب التلفظ بالنية ولا أخطارها بالذهن، بل يكفي الداعي
الارتكازي الذي يحرك الانسان حين العمل ويكون ملتفتا إليه على وجه
الاجمال، ويقابل ذلك أن يكون الانسان غافلا حين العمل لا يدري ما هو
صانع، فلا يكون ناويا، ولا يصح عمله.
ويجب استمرار النية حكما إلى آخر العمل، وهو أن يأتي بجميع
أجزاء الواجب عن ذلك القصد الأول.
وإذا تردد في القصد، أو نوى الخلاف أو ذهل عن العمل أصلا وأتى
ببعض الأفعال كذلك بطل عمله، إلا أن يعود إلى نيته الأولى قبل أن
تفوت الموالاة وتجف الأعضاء فيعود إلى العمل ويكون صحيحا، وعليه
أن يعيد الأفعال التي أتى بها في حال التردد أو الذهول.
117

[المسألة 380]
لا تجب نية الوجوب أو الندب في الوضوء، ولا نية وجه الوجوب أو
الندب من المصالح التي اقتضت الأمر به وجوبا أو غير ذلك،
ولا يجب قصد رفع الحدث أو استباحة الصلاة، ولا يجب قصد غاية
معينة وإن كان في وقت وجوب تلك الغاية فكيفية الوضوء لغاية
أخرى، وإن كانت مستحبة، والأحوط أن يقصد امتثال الأمر المتوجه
إليه بالوضوء.
وإذا اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب في وضوئه ثم تبين له أن
الوقت لم يدخل بعد فالظاهر صحة وضوئه إذا كان قاصدا امتثال الأمر
المتوجه إليه بالوضوء وإن تخيل إليه أنه الأمر الوجوبي.
[المسألة 381]
يجب أن تكون العبادة خالصة لله سبحانه نقية من الشوائب كالرياء
والسمعة والعجب.
والرياء: هو أن يأتي الانسان بالعمل لإراءة الناس ذلك واستجلاب
نظرهم إليه، والسمعة: أن يأتي بالعمل لاسماعهم به.
والعجب: أن يدخل في نفسه العجب من عمله والاكبار له. إلى غير
ذلك من الأمور المنقصة للعمل، والموبقة للانسان والموجبة لحبط
الأجر، وقد يأتي في مبحث النية في الصلاة شئ من التفصيل في ذلك.
[المسألة 382]
إذا قصد الرياء في وضوئه كان باطلا، سواء قصد به الرياء خالصا،
أم قصد به القربة والرياء معا، وسواء كانت القربة هي الداعي
المستقل في ايجاد العمل، وكان الرياء داعيا تبعيا غير مستقل، أم كان
الرياء هو الداعي المستقل للعمل والقربة هي التابع، أم كان كل من
القربة والرياء داعيا مستقلا يكفي في ايجاد العمل لو كان منفردا.
وسواء كان الرياء في أصل العمل أم في كيفيته إذا كانت متحدة مع
العمل كما إذا راءى بالوضوء قبل الوقت أو باسباغ الوضوء مثلا، أم كان
118

في أجزاء العمل إذا اكتفى بذلك الجزء ولم يعده قبل فوات الموالاة، حتى
إذا قصد الرياء ثم تاب منه فإن العمل الذي راءى به يقع باطلا لا بد
من تداركه. وكذلك الحكم في السمعة في جميع ما تقدم.
[المسألة 383]
إذا قصد الرياء أو السمعة في كيفية لا تتحد مع العمل كما إذا راءى
أو قصد السمعة في استقباله في الوضوء أو في تحنكه في الصلاة، فالأقرب
عدم البطلان بذلك.
وإذا قصد الرياء أو السمعة في جزء من الوضوء ثم أعاد ذلك الجزء
قبل أن تفوت الموالاة وتجف الأعضاء، فالظاهر صحة الوضوء، وإذا
وقع مثل ذلك في الصلاة بطلت للزوم الزيادة العمدية فيها.
وإذا قصد الرياء أو السمعة في المضمضة أو الاستنشاق أو بعض
المستحبات الأخرى في الوضوء فالظاهر عدم البطلان به.
نعم إذا راءى في الغسلة الثانية المستحبة في الوضوء بطلت الغسلة،
وبطلانها يوجب كون المسح بغير بلة الوضوء فيبطل أيضا.
[المسألة 384]
إذا خطر الرياء في قلبه حين العمل، ولكنه قصد القربة المستقلة ولم
يقصد معها الرياء حتى تبعا كان العمل صحيحا ولم يضره مجرد خطور
الرياء في قلبه وإن فرح برؤية الناس له، وكذلك السمعة.
[المسألة 385]
إذا أتم الانسان عمله متقربا به إلى الله تعالى ثم قصد الرياء أو
السمعة بعد العمل لم يبطل على الظاهر. وكذلك العجب المتأخر عن
العمل.
وإذا حصل له العجب بعمله وهو في أثناء العمل أو مقارنا لنيته
فالظاهر أنه لا يبطل العمل بذلك وإن كان موجبا لحبط الثواب.
119

[المسألة 386]
إذا شك الانسان وهو في العمل في أن الداعي الذي قصده بعمله هو
القربة الخالصة فيكون العمل صحيحا أو هو مركب منها ومن الرياء
أو السمعة مثلا فيكون باطلا، فالعمل باطل، إلا إذا أحرز الخلوص
في أول العمل ثم حصل له الشك في الأثناء فيحكم بالصحة، وإذا شك في
ذلك بعد الفراغ من العمل حكم بصحته.
[المسألة 387]
يجب التنبه لما ذكر ولغيره والحذر منها جهد المستطاع فإنها من
مداخل الشيطان الغرور الموجبة لسقوط المرء في الهاوية وجره إلى
التهلكة (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا
من أصحاب السعير).
[المسألة 388]
إذا قصد الانسان بوضوئه ضميمة أخرى وكانت راجحة كما إذا
توضأ متقربا إلى الله وقصد به تعليم الغير صورة الوضوء، فإذا كانت
القربة هي الداعي المستقل للفعل وكان قصد التعليم داعيا تبعيا لها
حكم بصحة الوضوء، وكذلك إذا كان كل من قصد القربة وتعليم
الغير داعيا مستقلا، يكفي في ايجاد العمل لو كان منفردا.
وإذا كان التعليم هو الداعي المستقل للفعل وكانت القربة مقصودة
تبعا أو كان الداعي للفعل هو المجموع المركب من القصدين فالظاهر
البطلان في هاتين الصورتين.
وكذلك الحكم إذا كانت الضميمة المقصودة مباحة كما إذا توضأ
متقربا به إلى الله تعالى وقصد به التبريد فتجري فيها الفروض السابقة
وتترتب عليها أحكامها جميعا. وإن كان الأحوط إعادة الوضوء في ما
إذا كان كل من القربة والضميمة المباحة داعيا مستقلا.
[المسألة 389]
لا ريب في صحة الوضوء إذا شرع فيه قبل الوقت ودخل عليه الوقت
120

وهو في أثنائه وهذا الوضوء الواحد متصف بالاستحباب قبل الوقت
ومتصف بالوجوب بعد دخول الوقت، فإذا أراد في عمله نية الوجوب
والندب نوى الاستحباب به قبل الوقت ونوى الوجوب بعده ولا منافاة
في ذلك، والأحوط أن يقصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالوضوء.
[الفصل التاسع عشر]
[في أحكام الوضوء]
[المسألة 390]
إذا توضأ ثم شك بعد وضوئه في حصول الحدث بنى على بقاء
وضوئه، إلا إذا بال ولم يستبرئ ثم توضأ وخرجت منه بعد ذلك
رطوبة مشتبهة فإنه يبني على أن الخارج منه بول، فعليه أن يتطهر منه
ويعيد الوضوء، وإذا كان محدثا ثم شك في أنه توضأ بعد الحدث أم
لا، بنى على بقاء الحدث، ولا اعتبار بالظن في كلتا الصورتين، إلا
إذا كان منشأ الظن قيام بينة أو نحوها من الأمارات الشرعية على أنه
محدث أو متوضئ بعد حالته الأولى.
[المسألة 391]
إذا علم بأنه أحدث وتوضأ ولم يعلم أن المتأخر منهما هو الحدث
أو الوضوء، فإن جهل تأريخ كل من حدثه ووضوئه، بنى على أنه
محدث، وكذلك إذا جهل تأريخ وضوئه وعلم تأريخ حدثه، فيبني على
أنه محدث في الصورتين، وإذا علم تأريخ وضوئه وجهل تأريخ حدثه
بنى على بقاء وضوئه.
[المسألة 392]
إذا كان متوضئا ثم جدد وضوءه وصلى، ثم علم ببطلان أحد
الوضوءين صحت الصلاة إذا قصد بوضوئه التجديدي امتثال الأمر
المتوجه إليه بالوضوء.
121

وإذا توضأ وصلى، ثم جدد الوضوء بعدها وصلى صلاة ثانية ثم علم
ببطلان أحد الوضوءين، حكم بصحة الصلاة الثانية، والظاهر صحة
الصلاة الأولى أيضا، والأحوط استحبابا إعادتها.
[المسألة 393]
إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه إما ترك واجبا من واجبات
الوضوء أو مستحبا من مستحباته حكم بصحة وضوئه.
[المسألة 394]
إذا علم أنه ترك أحد واجبات الوضوء أو أحد شرائطه، فإن كان
ذلك بعد فوات الموالاة وجفاف الأعضاء بطل وضوؤه، وإن علم به قبل
أن تفوت الموالاة رجع إلى ذلك الشئ الذي تركه فأتى به وأتى بما
بعده، وصح وضوؤه.
[المسألة 395]
إذا شك في واجب من واجبات الوضوء أو في شرط من شرائطه أنه
أتى به أم لا، فإن كان شكه وهو في أثناء الوضوء، وجب عليه أن
يأتي بذلك الشئ المشكوك وبما بعده، وإن كان قد تجاوز عنه، كما
إذا شك في غسل الوجه أو غسل بعض أجزائه وهو في مسح الرأس أو
مسح القدمين.
وإن كان شكه بعد الفراغ من الوضوء لم يلتفت إلى شكه وبنى على
الصحة، ويكفي الفراغ البنائي فإذا شك في الجزء الأخير من الوضوء
بنى على الصحة كذلك إذا وجد نفسه بانيا على الفراغ من الوضوء، وإن
لم يقم عن مكان الوضوء ولم يمكث طويلا ولم يدخل في عمل آخر.
[المسألة 396]
الأحوط الحاق الغسل والتيمم بالوضوء في الحكم المتقدم، سواء
كان التيمم بدلا عن الغسل أم بدلا عن الوضوء، فإذا شك في شئ منهما
وهو في الأثناء أتى به وبما بعده وإن تجاوز محله، وإذا شك فيه بعد
122

الفراغ من الغسل أو التيمم بنى على الصحة، ويكفي الفراغ البنائي
فيهما كما في الوضوء.
[المسألة 397]
لا حكم لشك كثير الشك في الوضوء ولا في غيره سواء كان شكه في
الأجزاء أم في الشرائط أم في غيرها فيبني على الصحة وإن كان في أثناء
الوضوء بل وإن كان في محل الشئ المشكوك.
[المسألة 398]
إذا شك قبل الشروع في الوضوء في وجود حاجب يمنع من وصول
الماء إلى البشرة أو يشك في وصول الماء تحته، وجب عليه أن يفحص
عنه حتى يحصل الظن بعدمه كما تقدم، وكذلك إذا شك في وجوده وهو
في أثناء الوضوء.
وإذا علم بوجوده سابقا وشك في بقائه، وجب عليه تحصيل العلم
بزواله أو بايصال الماء تحته ولا يكفي الظن.
وإذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود الحاجب حين الوضوء،
بنى على عدمه وصح وضوؤه، وكذلك إذا شك بعد الفراغ في أنه هل
أزال الحاجب الموجود حين الوضوء أو أوصل الماء تحته، بنى على
الصحة.
[المسألة 399]
إذا علم بوجود حائل قد يصل الماء تحته وقد لا يصل كالخاتم في يده
مثلا، وعلم أيضا أنه لم يكن ملتفتا إليه حين الوضوء، وشك بعد
الفراغ من الوضوء في أنه هل وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لم
يصل، أشكل الحكم بصحة الوضوء، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.
[المسألة 400]
إذا علم بوجود حائل يمنع وصول الماء أو يشك في وصول الماء
تحته، وشك في أن هذا الحاجب كان موجودا حين الوضوء أو طرأ
بعده، بنى على الصحة.
123

[المسألة 401]
إذا كان بعض أعضاء وضوئه نجسا ثم توضأ، وشك بعد الفراغ
من الوضوء في أنه هل طهر العضو النجس قبل وضوئه أم لا، بنى على
صحة وضوئه، ويجب عليه تطهير ذلك العضو للصلاة إذا لم يكن صلى،
وإذا حصل له الشك بعد الفراغ من الصلاة بنى على صحة الوضوء
والصلاة، ويجب عليه تطهير العضو للأعمال الآتية.
[المسألة 402]
إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنه هل توضأ لها أم لا، بنى على صحة
صلاته ووجب عليه الوضوء للصلاة الآتية، وإذا حصل له هذا الشك
وهو في أثناء الصلاة وجب عليه الوضوء واستئناف الصلاة، وإذا أتم
الصلاة ثم توضأ وأعادها فهو أحوط.
[المسألة 403]
إذا غسل يده اليسرى ومسح رأسه وقدميه ببلتها، ثم تذكر أنه قد
غسلها قبل ذلك، فإن تذكر أن الغسلة الأخيرة التي مسح بعدها هي
الغسلة الثانية لليد اليسرى، وقد أتى بها امتثالا للأمر المتوجه بها
صح وضوؤه ومسحه، لأن الغسلة الثانية مستحبة وبلتها التي مسح
بها من الوضوء وإن تخيل أنها الأولى الواجبة.
وإن تذكر أنه قد أتم الغسلتين لليسرى قبل ذلك كان وضوؤه باطلا
لأنه مسح بماء جديد.
وإذا شك في أنه أتم الغسلتين قبل ذلك أم لا فالأحوط إعادة
الوضوء.
[الفصل العشرون]
[في أحكام الجبائر]
[المسألة 404]
الجبيرة: هي الشئ الذي يربط على الكسور والرضوض في العظام،
والخرق واللصقات والأدوية التي توضع على الجروح والقروح ونحوها،
124

والظاهر شمولها للأربطة التي يلصق بعضها على بعض بالجبس ونحوه
على الكسور وأمراض العظام واللصقات الطبية التي تجعل على المفاصل
وغيرها لعلاج بعض أمراضها.
[المسألة 405]
إذا كانت الجبيرة في بعض أعضاء الوضوء التي يجب غسلها أو
مسحها، فإن أمكن غسل موضع الجبيرة من غير مشقة ولا ضرر، ولو
بتكرار صب الماء على الجبيرة حتى يصل إلى المحل على وجه يحصل به
الغسل المعتبر شرعا في الوضوء من استيلاء الماء على الموضع، وحصول
الترتيب في العضو من غسله من الأعلى إلى الأسفل عرفا، أو غمسه في
الماء حتى يحصل ذلك وجب على المكلف أن يفعل ذلك.
وإن لم يمكن ذلك تعين نزع الجبيرة مع الامكان وغسل الموضع،
وهذا إذا كانت الجبيرة والموضع طاهرين، فإذا كانا نجسين فلا بد من
تطهيرهما قبل ذلك مع الامكان.
[المسألة 406]
إذا لم يمكن غسل الموضع لكون الماء مضرا، فإن كان جرحا مكشوفا
لا جبيرة عليه، وكان في موضع الغسل، كفى غسل ما حول الجرح، ولا
يحتاج إلى المسح على خرقة توضع عليه على الأقوى، وإذا أمكن المسح
على الجرح من غير وضع خرقة تعين ذلك على الأحوط، وإذا كان في
موضع المسح ولم يمكن المسح عليه، وضع عليه خرقة طاهرة على
الأحوط، ومسح عليها بنداوة الوضوء، وضم إليه التيمم، فإن لم
يمكن ذلك سقط وضم إليه التيمم.
ويتعين في الكسير - إذا كان موضع الكسر مكشوفا ولا يمكن غسله
كما هو المفروض - أن يتيمم، والأحوط له استحبابا أن يجمع بين
الوضوء والتيمم، فيغسل ما حول الموضع ويمسح عليه إذا أمكن له ذلك
ثم يتيمم.
ويجمع في القرح - إذا كان مكشوفا وتعذر غسله - بين الوضوء
كذلك والتيمم.
125

وإذا كان الكسر والقرح في موضع المسح وكان مكشوفا ولا يمكن
المسح عليه صنع كما تقدم في الجرح المكشوف في موضع المسح على
الأحوط.
[المسألة 407]
إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء الوضوء التي يجب غسلها - ولم
يمكن غسل الموضع للتضرر بالماء أو لنجاسة الموضع وعدم امكان
تطهيره، وجب غسل أطراف الموضع مع مراعاة الشرائط، والمسح
على الجبيرة بما يصدق عليه مسمى الغسل ولا يكفي مطلق المسح،
والأحوط أن يكون ذلك بامرار اليد على الجبيرة، وإن كان الأقوى
عدم اعتبار ذلك، ولا بد من استيلاء الماء على جميع ظاهر الجبيرة كما
تقدم. ويكفي صدق الاستيعاب عرفا.
وهذا إذا كانت الجبيرة طاهرة، فإذا كانت نجسة وأمكن تطهيرها
أو تبديلها وجب تطهيرها أو تبديلها أولا ثم توضأ كما تقدم.
وإذا أمكن رفع الجبيرة والمسح على البشرة جمع بين الغسل على
الجبيرة والمسح على المحل بعد رفعها.
[المسألة 408]
إذا كانت الجبيرة نجسة ولم يمكن تطهيرها ولا تبديلها، وضع خرقة
طاهرة عليها على وجه تعد من أجزاء الجبيرة، وأجرى الغسل عليها على
النحو المتقدم، فإن لم يمكن ذلك توضأ واقتصر في وضوئه على غسل
الأطراف ثم تيمم.
[المسألة 409]
إذا كانت الجبيرة على أعضاء الوضوء التي يجب مسحها ولم يمكن
رفع الجبيرة والمسح على البشرة، وجب عليه المسح على الجبيرة وأن
يكون المسح بنداوة الوضوء كما يمسح على البشرة.
[المسألة 410]
تجري أحكام الجبيرة على الجبائر المتعددة سواء كانت في عضو واحد
126

أم أكثر إذا لم تستوعب العضو كله، والظاهر جريان أحكامها في الجبيرة
إذا استوعبت العضو كله فكان الغسل أو المسح في العضو كله على الجبيرة.
وإذا استوعبت الجبائر جميع أعضاء الوضوء أو عمت معظم أعضائه،
فاجراء أحكام الجبيرة فيها مشكل، ولا يترك الاحتياط بالجمع في هاتين
الصورتين بين وضوء الجبيرة والتيمم.
[المسألة 411]
إذا كانت الجبيرة في الكف فأجرى غسل الوضوء عليها وجب أن يكون
المسح على الرأس والقدمين بالرطوبة الموجودة على الجبيرة من الوضوء،
نعم، إذا لم تكن الجبيرة مستوعبة للكف، فالأحوط أن يكون المسح
بالجزء الذي لا جبيرة عليه من الكف، بل هو الأقوى.
[المسألة 412]
إذا كانت الجبيرة غير مستوعبة مقدم الرأس وجب عليه أن يمسح
على الجزء الذي لا جبيرة عليه من المقدم، وإذا استوعبت مقدم الرأس
كله مسح على الجبيرة.
وكذلك في القدم، فإذا كانت الجبيرة لا تستوعب عرض القدم وجب
عليه أن يمسح على الجانب الذي لا جبيرة عليه من رؤوس الأصابع إلى
مفصل الساق على وجه يمر بقبة القدم كما تقدم، وإذا كان الجانب
المكشوف لا يمر بقبة القدم مسح عليه وعلى خط يمر بقبة القدم مما
عليه الجبيرة على الأحوط.
وإذا استوعبت الجبيرة عرض القدم كله أو استوعبت القدم كلها
مسح من رؤوس الأصابع إلى المفصل مارا بقبة القدم، وإن كان بعض
المسح أو كله على الجبيرة.
[المسألة 413]
ما يكون تحت الجبيرة من الأطراف الصحيحة حول الجرح أو القرح
أو الكسر إذا كان بالمقدار الذي يتعارف دخوله تحت الجبيرة عادة تجري
عليه أحكام الجبيرة، فيكفي غسل الجبيرة ومسحها عن غسله ومسحه.
127

وإذا كان أكثر مما يتعارف دخوله فيها، فإن أمكن رفع الجبيرة
وغسل الموضع الصحيح، ثم وضع الجبيرة مكانها واجراء الغسل عليها
وجب أن يفعل كذلك، وإن لم يمكن ذلك، فإن كان غسل ذلك المقدار
الصحيح يضر بالجرح أو القرح أو الكسر لمجاورته إياه جرى عليه حكم
الجبيرة فيكفي غسلها ومسحها عن غسله ومسحه، وإن كان غسل ذلك
المقدار لا يضر بها وجب عليه التيمم.
[المسألة 414]
إذا كان استعمال الماء مضرا بموضع من أعضاء الوضوء ولم يكن
فيه جرح ولا قرح ولا كسر فيجب على المكلف التيمم.
وإذا وضع على ذلك الموضع خرقة على وجه تكون جبيرة وأجرى
عليها وضوء الجبيرة ثم تيمم بعده كان أحوط.
وكذلك الحكم في الرمد إذا كان استعمال الماء معه مضرا ولو بالعين
خاصة.
[المسألة 415]
يستمر حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا، فإذا زال الخوف
قطعا أو ظنا وجب رفع الجبيرة والغسل على الموضع.
[المسألة 416]
الوضوء مع الجبيرة يرفع الحدث على الأقوى وليس مبيحا فقط.
[المسألة 417]
إذا لصق شئ ببعض مواضع الوضوء كالقير وأمثاله ولم تمكن
إزالته، أو كان في إزالته حرج ومشقة لا تتحمل عادة جمع بين الوضوء
عليه - كالجبيرة - والتيمم على الأحوط.
[المسألة 418]
تجري أحكام الجبيرة المتقدم ذكرها في كل من الوضوء الواجب
والمستحب.
128

[المسألة 419]
تجري أحكام الجبيرة في الغسل كما تجري في الوضوء، سواء كان
الغسل واجبا أم مندوبا، وسواء كان ترتيبا أم ارتماسا، إلا إذا كان
العضو تحت الجبيرة نجسا أو كانت الجبيرة نفسها نجسة، وكان ارتماسه
في الماء القليل، فتسري النجاسة إلى سائر الأعضاء، أو كان وصول
الماء إلى الموضع مضرا.
[المسألة 420]
تجري أحكام الجبيرة في التيمم على الأحوط، سواء كانت الجبيرة على
العضو الماسح أم على الممسوح.
[المسألة 421]
لا تجب على المكلف إعادة الصلاة التي صلاها بوضوء الجبيرة إذا
ارتفع عذره بعد خروج الوقت وتجب عليه إعادة الصلاة التي لم يخرج
وقتها إذا ارتفع عذره في الوقت، ولا يكفيه ذلك الوضوء للصلاة
الآتية ولا لغيرها من الغايات.
[المسألة 422]
يجوز لصاحب الجبيرة الوضوء والصلاة في أول الوقت برجاء
استمرار العذر إلى آخره وإن لم يكن يائسا، فإذا ارتفع عذره في
الوقت أعاد الوضوء والصلاة كما قدمناه.
[المسألة 423]
إذا شك في أن وظيفته الوضوء مع الجبيرة، أو التيمم كان عليه
الجمع بينهما.
[الفصل الحادي والعشرون]
[في أحكام دائم الحدث]
[المسألة 424]
المسلوس والمبطون وأمثالهما ممن يكون دائم الحدث إذا كانت له
فترة معينة تسع الطهارة والصلاة، يجب عليه أن يتطهر من النجاسة
129

ومن الحدث وأن يأتي بالصلاة في تلك الفترة، سواء كانت في أول
الوقت أم في آخره أم في وسطه، إذا كانت الفترة تسع الاتيان بواجبات
الصلاة فقط. وجب عليه الاقتصار عليها وترك جميع المستحبات.
وإذا صلى في غير هذه الفترة متقربا، واتفق عدم خروج الحدث منه
إلى آخر الصلاة صحت صلاته، وإذا كانت الفترة في أول الوقت أو في
وسطه فأخر الصلاة عنها عامدا أثم، وكان عليه أن يأتي بصلاة ذي
الفترات كما سيأتي بيانها، إلا إذا اتفق له عدم الحدث حتى أتم صلاته،
ولا تكفيه صلاة ذي الفترات في غير هذه الصورة.
[المسألة 425]
المسلوس الذي يتقاطر بوله إذا كانت له فترات متعددة لا تسع واحدة
منها الطهارة والصلاة، يجب عليه أن يتوضأ ويبدأ بالصلاة بعد
الوضوء بلا مهلة، ويضع الماء إلى جانبه، فإذا تقاطر منه البول توضأ
بلا مهلة وبنى على صلاته، وهكذا حتى يتم صلاته، وعليه أن يأتي
بصلاة أخرى بوضوء واحد على الأحوط، بل الأحوط له أن يقدم
الصلاة بالوضوء الواحد على الصلاة بالوضوءات المتعددة.
وكذلك الحكم في صاحب سلس الريح والنوم، والاغماء وغيرها
إذا كانت لهم مثل هذه الفترات التي لا تسع الطهارة والصلاة.
وأما المبطون الذي له مثل هذه الفترات فيكتفي بالصلاة بوضوءات
متعددة، وليس عليه إعادتها بوضوء واحد.
[المسألة 426]
إذا كثرت الفترات وقصرت في المسلوس أو المبطون أو غيرهما من
المذكورين آنفا، بحيث يلزم الحرج من الوضوء بعد كل حدث يخرج
منه، يجب عليه أن يأتي من الوضوءات المتعددة في الصلاة بالمقدار
الميسور، ويسقط ما زاد على ذلك مما يلزم منه الحرج.
(المسألة 427)
إذا استمر الحدث في المسلوس أو المبطون بلا فترة أصلا اكتفى
130

بوضوء واحد لكل صلاة على الأحوط، وهكذا الحكم في صاحب سلس
الريح والنوم والاغماء وغيرهم، ويجوز للمسلوس في هذا الفرض أن
يجمع بين الظهرين بوضوء واحد وكذا بين العشاءين.
[المسألة 428]
إذا نسي التشهد أو السجدة في الصلاة ووجب عليه قضاؤهما، فإن
كان ممن يجب عليه تجديد الوضوء لسائر أجزاء الصلاة وهو ذو
الفترات التي لا تسع الصلاة وجب عليه تجديد الوضوء لقضائهما،
وبحكمه ذو الفترة التي تسع الطهارة والصلاة، فإذا انتقض وضوؤه
قبل قضائهما وجب عليه تجديد الوضوء لهما.
وإن كان ممن يكتفي بالوضوء الواحد لجميع الصلاة وهو ذو الحدث
المستمر اكتفى بوضوء الصلاة لهما، وإذا وجبت عليه صلاة الاحتياط
توضأ لها على الأحوط ولم يكتف بوضوء الصلاة. بل لا يخلو ذلك
من قوة.
[المسألة 429]
يجب على المسلوس أن يضع ذكره في كيس يجعل فيه قطنا أو غير
الكيس تحفظا عن وصول النجاسة إلى بدنه وثيابه، والأحوط غسل
الحشفة قبل كل صلاة.
ويجب على المبطون كذلك أن يتحفظ عن تعدي النجاسة بما يناسب،
كما أن الأحوط أن يطهر المحل قبل الصلاة إذا أمكن له ذلك من غير
حرج.
[المسألة 430]
المسلوس والمبطون إذا لم يعلما حالهما من وجود الفترة التي تسع
الطهارة والصلاة أو تسع بعض الصلاة مع الطهارة تجوز لهما الصلاة
في أول الوقت بحسب تكليفهما برجاء استمرار العذر كما في صاحب
الجبيرة، فإذا وجد الفترة التي تسع الطهارة والصلاة في آخر الوقت
أعادا الطهارة والصلاة، وكذا إذا وجدا الفترة التي تسع الطهارة
وبعض الصلاة.
131

[المسألة 431]
لا يجب على المسلوس والمبطون وغيرهما من المذكورين في المسائل
المتقدمة قضاء ما صلوا إذا طبقوا الأحكام التي تجب عليهم، نعم تجب
إعادة الصلاة إذا زال العذر عنهم والوقت لا يزال باقيا.
[الفصل الثاني والعشرون]
[في غسل الجنابة]
[المسألة 432]
الواجب من الأغسال سبعة بل ثمانية.
(1) غسل الجنابة. (2) غسل الحيض. (3) غسل النفاس.
(4) غسل الاستحاضة. (5) غسل مس الميت. (6) غسل الأموات.
(7) ما وجب على الانسان بنذر أو عهد أو يمين، كما إذا نذر أحد
الأغسال المستحبة.
ويجب - على الأحوط - الغسل على من فرط في صلاة الكسوفين
فتركها عامدا مع احتراق القرص، بل لا يخلو وجوبه من قوة، كما
سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، وهو الثامن الذي تقدمت
الإشارة إليه.
[المسألة 433]
الأول من الأغسال الواجبة: غسل الجنابة.
والجنابة تحصل بأحد أمرين:
الأول: خروج المني، من غير فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وبين
أن يكون خروجه في النوم أم في اليقظة، وبالوطء أم بغيره، وسواء
كان الخارج منه قليلا أم كثيرا.
وإذا علم بأن الخارج منه مني حكم بالجنابة وإن كان خروجه بغير
شهوة ولا دفق ولم يتعقبه فتور.
132

وبحكم المني خروج الرطوبة المشتبهة من الرجل، إذا أجنب قبل
ذلك بالانزال، واغتسل من جنابته من غير أن يستبرئ بالبول، فإذا
خرجت منه بعد الغسل رطوبة لا يدري أنها مني أم غيره، حكم بأنها
مني فلا بد له من الغسل.
ولا يتعلق هذا الحكم بالرجل إذا أجنب بالوطء، بغير أنزال، ولا
بالمرأة وإن كانت جنابتها بالانزال، فلا حكم للرطوبة التي تخرج منها
إلا إذا علمت اجمالا بأنها بول أو مني وسيأتي حكمها.
[المسألة 434]
لا يكون الانسان جنبا إذا تحرك المني من موضعه ولم يخرج من
البدن، فلا يجب عليه الغسل.
[المسألة 435]
إذا شك في شئ خرج منه أنه مني أم لا، فإن كان خروجه بدفق
وشهوة وتعقبه فتور في الأعضاء، حكم بأن الخارج مني، وكذلك إذا
وجد الشهوة وشك في الدفق، فيحكم بأنه مني، وإذا علم بعدم الدفق
لم يحكم بكونه منيا وإن كان عن شهوة. وهذا كله في الرجل الصحيح.
ويكفي وجود الشهوة وحدها في المرأة وفي الرجل المريض فيحكمان
معها بأن الخارج منهما مني وإن لم يتعقبه فتور.
[المسألة 436]
الأمر الثاني مما تتحقق به الجنابة: الجماع وإن لم يكن معه انزال،
ويحصل بادخال الحشفة في قبل المرأة فتتحقق الجنابة بذلك، ويجب
الغسل على كل من الرجل والمرأة وإن لم ينزلا.
[المسألة 437]
إذا أدخل الحشفة في دبر الأنثى أو دبر الغلام ولم ينزل، فلا يترك
الاحتياط، فإن كان قبل الوطء متطهرا لزمه الغسل، وكذلك إذا كان
جنبا، وهو واضح، وإن كان قبل الوطء محدثا بالحدث الأصغر أو
كان شاكا في حالته السابقة أهي الحدث أم الطهارة، كان عليه الجمع
133

بين الغسل والوضوء، وكذلك الحكم في المرأة الموطوءة والغلام الموطوء
على الأحوط.
ومثله حكم من وطأ البهيمة من غير أن ينزل فيلزمه الاحتياط
المذكور.
[المسألة 438]
إذا أدخل مقطوع الحشفة مقدارها، ولم ينزل لزمه الاحتياط الذي
تقدم ذكره، سواء أدخل في قبل الأنثى أم في دبرها أم في دبر الغلام أم
البهيمة، وكذلك الحكم في المرأة الموطوءة والغلام على الأحوط.
[المسألة 439]
إذا رأى الرجل في ثوبه منيا ولم يعلم أنه منه أو من غيره لم يجب
عليه الغسل، وكذلك إذا علم أن المني منه، ولم يدر أنه من جنابة
سبقت وقد اغتسل منها، أو من جنابة جديدة لم يغتسل منها، فلا يجب
عليه الغسل، وإن كان الغسل أحوط، وإذا اغتسل في الصورتين
للاحتياط لم يكفه غسله عن الوضوء إذا كان محدثا بالحدث الأصغر
فلا بد له من الوضوء.
وإذا علم بأن الجنابة منه وأنه لم يغتسل بعدها، وجب عليه أن
يغتسل، وأن يقضي من الصلوات ما يتيقن أنه صلاها بعد الجنابة وقبل
الغسل، فإذا تردد عدد الصلوات بين الأقل والأكثر وجب عليه
قضاء
الأقل.
[المسألة 440]
إذا علم الانسان بحدوث جنابة منه وغسل ولم يدر أن المتأخر منهما
هو الجنابة أو الغسل، فإن جهل تأريخ كل من الجنابة والغسل، أو علم
تأريخ الجنابة وجهل تأريخ الغسل، وجب عليه الغسل، وإن علم تأريخ
الغسل وجهل تأريخ الجنابة لم يجب عليه الغسل وإن كان الاتيان به
أحوط.
134

[المسألة 441]
إذا علم شخصان بجنابة أحدهما لا على التعيين لم يجب الغسل على
واحد منهما، إلا إذا كانت جنابة أحدهما موضوعا لحكم فعلي يتوجه
على الآخر كعدم جواز استئجاره للصلاة عن ميت مثلا ونحو ذلك، فيجب
عليه الغسل حين ذاك وكذلك الآخر.
[المسألة 442]
يجوز للانسان أن يجامع اختيارا حتى بعد دخول وقت الصلاة وهو
يعلم أنه غير قادر على الغسل، وعليه التيمم للصلاة.
نعم، يشكل جواز ذلك لمن كان متطهرا ودخل عليه الوقت وأراد
الجماع، وهو يعلم أنه غير قادر على الغسل، فلا يترك الاحتياط،
ولا يعم الحكم من يجد من الماء ما يكفيه للوضوء، ولا يكفي للغسل،
ولا يعم من جاز له التيمم للمسوغات الأخرى غير فقد الماء فالاحتياط
في هذه الموارد كلها لا يترك.
وإذا كان غير قادر على الغسل والتيمم معا وقادرا على الوضوء لم
يجز له اجناب نفسه بعد دخول وقت الصلاة، سواء كان محدثا أم
متطهرا.
ولا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت أن يحدث بالحدث الأصغر
اختيارا وهو يعلم أنه غير قادر على الوضوء، وإن كان قادرا على التيمم.
[المسألة 443]
لا يجب على الانسان الغسل حتى يعلم بتحقق الجنابة منه إما بالدخول
على الوجه المتقدم أو بالانزال.
[المسألة 444]
إذا لزمه الاحتياط بالجمع بين الغسل والوضوء، أو استحب له
ذلك، أمكن له أن ينقض غسله بحدث أصغر ثم يتوضأ بعده، ويكفيه
أن يأتي بالوضوء بعد الغسل برجاء المطلوبية.
135

[الفصل الثالث والعشرون]
[في أحكام الجنب]
[المسألة 445]
إذا كان الانسان جنبا لم تصح منه الأعمال الآتي ذكرها إلا بعد
الغسل من الجنابة، فالغسل شرط في صحتها.
الأول: الصلاة، سواء كانت واجبة أم مندوبة، ويومية أم غيرها،
وحاضرة أم فائتة حتى صلاة الاحتياط وقضاء الأجزاء المنسية، وكذا
سجدتا السهو على الأحوط، وتستثنى من ذلك صلاة الأموات، فتصح
من الجنب، وإن لم يغتسل.
[المسألة 446]
الثاني من الأعمال التي تتوقف صحتها على غسل الجنابة: الطواف
الواجب، وقد تقدم أن المراد به ما كان جزءا من الحج أو العمرة سواء
كانا واجبين أم مندوبين، وسواء كانا عن نفسه أم بالنيابة عن غيره،
ولا يشترط الغسل في صحة الطواف المندوب، فلو دخل الجنب المسجد
الحرام ناسيا لجنابته وطاف طوافا مندوبا صح طوافه، وإن صلى صلاة
ذك الطواف كانت باطلة لعدم الغسل.
[المسألة 447]
الثالث: صوم شهر رمضان، فلا يصح صوم الانسان إذا أصبح
متعمدا للبقاء على الجنابة، أو ناسيا للجنابة، وكذلك صوم قضاء
شهر رمضان مع التعمد، ومع نسيان الجنابة أيضا على احتياط
لا يترك فيه.
وكذا لا يصح الصوم في قضاء شهر رمضان إذا أصبح جنبا من غير
تعمد، وإذا تضيق وقته فالأحوط صيام ذلك اليوم وصيام يوم آخر
بدلا عنه بعد شهر رمضان.
ولا يصح - على الأحوط - تعمد الاصباح جنبا في مطلق الصوم
الواجب سواء كان معينا أم غير معين.
136

ويبطل الصوم بتعمد الجنابة في أثناء النهار من غير فرق بين أقسام
الصيام، ولا يبطل بالاحتلام في النهار من غير فرق كذلك.
[المسألة 448]
تحرم على الجنب الأعمال الآتي ذكرها:
الأول: أن يمس خط المصحف سواء كان مكتوبا بالخطوط المتعارفة
أم بالخطوط المهجورة، وسواء رسم بالقلم أم بالطبع أم بالتصوير،
وبالحروف المألوفة أم بالحروف البارزة أم بالحفر أم بغيرها حتى إذا
كتبت ألفاظ القرآن بحروف غير عربية، وسواء كتب على ورق أم على
لوح أم على جدار أم على غيرها، بل وإن حفرت الآية حروفا ذات أبعاد
منفصلة عن قاعدة.
ولا يحرم على المحدث مس ورق القرآن في المواضع الفارغة من الكتابة
حتى ما بين السطور، ولا مس الجلد والغلاف. ولا يحرم عليه مس
ترجمة القرآن.
[المسألة 449]
يحرم عليه - على الأحوط - أن يمس اسم الله تعالى وسائر أسمائه
وصفاته المختصة، ويحرم عليه مس اسم الله تعالى في أي لغة من اللغات.
ويحرم - على الأحوط - مس أسماء الأنبياء والأئمة (ع).
[المسألة 450]
الثاني يحرم على الجنب أن يدخل المسجد الحرام ومسجد الرسول
(ص) وإن كان دخوله فيهما على سبيل المرور، فيدخل من باب ويخرج
من باب آخر من غير مكث ولا تردد.
[المسألة 451]
إذا احتلم المكلف في أحد المسجدين وجب عليه أن يتيمم للخروج من
المسجد فورا إلا أن يكون زمان خروجه أقصر من الوقت الذي يبقى
فيه للتيمم، فيجب عليه الخروج من غير تيمم، أو يكون مساويا له،
فيكون حينئذ مخيرا بينهما، وإذا أمكن له الجمع بين التيمم والخروج
في وقت واحد تعين.
137

وإذا استطاع الغسل في المسجد وكان زمانه مساويا أو أقل من زمان
التيمم، ومساويا أو أقل من زمان الخروج، وجب عليه الغسل بشرط
أن يمكنه التطهر من النجاسة بدون تلويث للمسجد.
وكذلك الحكم إذا أجنب في المسجدين جاهلا أو ناسيا أو عامدا، أو
أجنب في خارج المسجد ثم دخله بإحدى الصور المتقدمة، فالحكم فيه
هو ما تقدم.
ومثله حكم المرأة الحائض والنفساء إذا انقطع الدم عنهما ودخلتا
المسجد في صورة من الصور المتقدم ذكرها، أما إذا كان الدم مستمرا،
فلا تيمم لهما، وعليهما أن يبادرا بالخروج.
[المسألة 452]
الثالث: يحرم على الجنب أن يمكث في سائر المساجد، بل يحرم
عليه الدخول فيها إذا لم يكن دخوله على سبيل المرور والاجتياز،
ويجوز له المرور فيدخل من باب ويخرج من باب آخر من غير تردد
ولا بقاء، ويجوز له الدخول في المسجد لأخذ شئ منه، ويحرم عليه
الدخول لوضع شئ في المسجد.
ويجوز له - على الأقوى - أن يضع في المسجد بعض الأشياء وهو في
الخارج أو في حال العبور وإن كان الترك أحوط.
والمشاهد المشرفة والرواقات فيها بحكم المساجد في ذلك على الأحوط.
[المسألة 453]
لا فرق في الحكم المذكور للجنب بين أن يكون المسجد عامرا أو خرابا،
وإن هجرت الصلاة فيه وزالت آثار المسجدية، حتى مساجد الأراضي
المفتوحة عنوة، فلا تخرج عن المسجدية.
[المسألة 454]
ما يشك في أنه جزء من المسجد أم لا، من صحنه وبعض المواضع فيه
لا يجري فيه الحكم المتقدم إلا إذا دلت القرائن أو الأمارات الشرعية
على أنه جزء من المسجد.
138

[المسألة 455]
لا يلحق بالمسجد في الحكم المذكور المكان الذي يعينه الانسان في بيته
للصلاة فيه، سواء كان خاصا به أم عاما له ولأهل بيته وضيوفه
وأصدقائه مثلا.
[المسألة 456]
الرابع: تحرم على الجنب قراءة آيات السجود من سور العزائم الأربع
على الأقوى، وسور العزائم هي سورة: آلم السجدة، وحم فصلت،
والنجم، والعلق، فلا يشمل التحريم غير آيات السجود منها، وإن كان
الأحوط الامتناع عن قراءة مجموع السورة.
[المسألة 457]
يجوز للجنب أن يدخل المسجد لأخذ الماء منه للاغتسال به خارج
المسجد، وإذا كان أخذ الماء من المسجد محتاجا إلى المكث، أو كان الدخول
في المسجد بقصد الاغتسال، وجب عليه التيمم لدخول المسجد حين ذاك،
ولا يبيح له هذا التيمم إلا الدخول في المسجد والمكث بمقدار الحاجة.
[المسألة 458]
يكره الأكل والشرب في حال الجنابة، وترتفع الكراهة بالوضوء،
وبغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق، وبغسل اليدين والمضمضة،
وبغسل اليدين فقط، فالوضوء أتمها في رفع الكراهة وغسل اليدين
وحدهما أدناها ثم ما كان أشمل يكون أثره في رفع الكراهة أشد.
[المسألة 459]
تكره للجنب قراءة ما عدا آيات العزائم من القرآن حتى ما دون سبع
آيات على الأقوى، وكلما زادت القراءة اشتدت الكراهة، وقراءة ما زاد
على السبعين آية أشد كراهة، ويكره تعليق المصحف، ومس جلده
وأوراقه، وحواشيه وما بين سطوره.
[المسألة 460]
يكره النوم في حال الجنابة إلا أن يتوضأ الجنب أو يتيمم إن لم يتمكن
139

من الغسل، فيتخير في هذه الحال بين الوضوء والتيمم بدلا عن الغسل،
وإذا لم يتمكن من الوضوء أيضا، تخير بين التيمم بدلا عن الغسل،
والتيمم بدلا عن الوضوء وتيممه بدلا عن الغسل أفضل.
[المسألة 461]
يكره للرجل وللمرأة أن يختضبا في حال الجنابة، ويكره للمختضب
أن يجنب اختيارا قبل أن يأخذ اللون.
[المسألة 462]
يكره لمن أجنب بالاحتلام أن يجامع قبل أن يغتسل من جنابته.
[الفصل الرابع والعشرون]
[في كيفية الغسل]
[المسألة 463]
غسل الجنابة يكون واجبا غيريا عند حضور إحدى الغايات الواجبة،
كالصلاة والطواف الواجبين، ويكون مستحبا غيريا للغايات المستحبة
كالطواف المندوب، ومنها الغسل للكون على طهارة.
ويراعى في نية الغسل ما تقدم في نية الوضوء، فلا بد فيها من قصد
القربة والاخلاص على النحو الذي ذكرناه هناك، ولا بد من استدامة
النية حكما إلى آخر الغسل على الوجه المتقدم في الوضوء.
ولا يجب في نيته قصد الوجوب أو الندب، بل يقصد الأمر المتوجه
إليه بالغسل على الأحوط. وإذا اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب
وكان قبل الوقت، أو اعتقد عدم دخول الوقت فنوى الندب وهو في
الوقت فالغسل صحيح إذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالغسل، وإن
تخيل أنه الأمر الوجوبي أو الأمر الندبي.
[المسألة 464]
يجب في غسل الجنابة غسل ظاهر البدن كله، ولا يجب غسل البواطن،
فلا يجب غسل باطن العين والأذن والأنف والفم وأمثالها إلا ما يغسل
140

منها لملازمته لغسل الظاهر كله، وقد تقدم نظيره في الوضوء، ويجب
غسل البشرة والشعر كليهما من غير فرق بين شعر الرأس واللحية
والحاجبين والبدن والشعور الرقاق، وما أحاط بالبشرة منه، وما لم
يحط.
[المسألة 465]
للغسل كيفيتان.
الكيفية الأولى: الترتيب: فيغسل رأسه ورقبته أولا حتى يعم جميع
أجزائهما وشعرهما وبشرتهما بالماء كما تقدم بيانه، وغسل الرقبة
على هذا الوجه يلازم غسل شئ من أعلى البدن مما يحيط بها.
ثم يغسل الجانب الأيمن من البدن، وهو يشمل اليد اليمنى والكتف
الأيمن، ونصف الصدر والبطن، ومنتصف ما بين الكتفين، ونصف
الظهر من الجهة اليمنى، وما تحت ذلك إلى الفخذ الأيمن والساق الأيمن
والقدم اليمنى فيغسل ذلك حتى يعم جميع أجزائه كما تقدم، وغسل
هذا الجانب كله يلازم غسل شئ من حد الجانب الأيسر يحرز به
تمامية الغسل.
ثم يغسل الجانب الأيسر من البدن وهو يشمل ما ذكر من الجهة
اليسرى فيغسله كما تقدم في الجانب الأيمن.
والسرة والعورة - قبلا ودبرا - يغسل نصفهما الأيمن مع الجانب
الأيمن، ونصفهما الأيسر مع الجانب الأيسر، والأحوط أن يغسل
جميعهما مع الأيمن ثم يغسلهما مع الأيسر.
[المسألة 466]
لا يجب الترتيب بين أجزاء العضو الواحد من الأعضاء الثلاثة،
فيجوز له أن يبدأ بغسل الأسفل من العضو قبل الأعلى، وأن يغسل
العضو كيف اتفق، كما إذا رمسه بالماء دفعة واحدة بقصد غسله، أو
غسله منكوسا، وإن كان الأحوط تركه.
141

ولا تجب الموالاة بين الأعضاء، فيصح الغسل وإن فصل بين الأعضاء
بمدة طويلة حتى جف ماء الأعضاء السابقة.
ولا تجب الموالاة كذلك بين أجزاء العضو الواحد، فيصح أن يغسل
بعض أجزاء الجانب الأيمن مثلا، ويتم غسله بعد مدة طويلة وإن جف
الماء من الأجزاء الأولى.
[المسألة 467]
يجب الترتيب كما ذكرنا بين الأعضاء الثلاثة، فإذا خالف الترتيب
بينها عامدا أو جاهلا أو ناسيا وجب عليه أن يعيد الغسل على ما يحصل
معه الترتيب، فإذا غسل الجانب الأيمن ثم الرأس، صح غسل الرأس
وأعاد على الجانب الأيمن، وإذا غسل الرأس ثم غسل الجانب الأيسر
ثم الأيمن صح غسل الرأس والجانب الأيمن وأعاد على الأيسر،
وهكذا.
وإذا ترك جزءا من أحد الأعضاء فلم يغسله، وجب عليه أن
يغسل ذلك الجزء، فإذا كان الجزء من العضو الأخير صح غسله بذلك،
وإن كان من الرأس أو من الجانب الأيمن وجب عليه أن يعيد غسل
ما بعده من الأعضاء حتى يحصل الترتيب.
[المسألة 468]
إذا علم بأنه ترك جزءا من العضو، ولم يعلم أن المتروك أي
الأجزاء، وجب عليه أن يغسل جميع الأجزاء التي يحتمل أنه تركها
من ذلك العضو، ثم يعيد غسل الأعضاء التي بعده إذا كان هو غير
العضو الأخير حتى يحصل الترتيب، وإذا علم بأنه ترك جزءا من أحد
الأعضاء ونسي أن العضو الذي ترك منه ذلك الجزء هو أي الأعضاء،
وجب عليه أن يغسل ذلك الجزء من الرأس، وأن يعيد غسل الجانب
الأيمن ثم الجانب الأيسر بقصد ما في الذمة من غسل جميع العضو
أو جزئه.
[المسألة 469]
إذا علم بوجود شئ يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو الشعر،
142

وجب رفع ذلك الحاجب حتى الدهن الذي قد يجعل في الشعر والأصباغ
التي قد توضع على البشرة والأظفار حتى يحصل العلم بزواله، أو
بوصول الماء إلى البشرة والشعر، والظفر الموجود تحته، وإذا شك في
وجود الحاجب قبل الغسل أو في أثنائه وجب عليه أن يفحص عنه حتى
يحصل له الظن بعدمه، وإن لم يكن الظن اطمئنانيا، ويجب تخليل
الشعر وتحريك الخاتم ونحوهما إذا شك في وصول الماء إلى البشرة
تحتهما.
[المسألة 470]
ذكرنا في المسألة الأربعمائة والسادسة والستين أنه لا تجب الموالاة في
الغسل الترتيبي، وهذا الحكم إنما هو في غير غسل المستحاضة وغسل
المسلوس والمبطون وأمثالهما من مستمري الحدث، وفي هؤلاء تجب
المبادرة إلى اتمام الغسل وإلى الصلاة بعده بلا مهلة على الأقوى، في ما
إذا كانت لهم فترة تسع الغسل والصلاة أو بعضها، وعلى الأحوط
في ما عدا ذلك.
[المسألة 471]
الكيفية الثانية للغسل: الارتماس.
وهو تغطية جميع البدن بالماء، وأما غمس أعضاء البدن في الماء
فإنما هو مقدمة للارتماس وليس نفسه، سواء حصل دفعة واحدة أم
بالتدريج، وسواء كان جميع بدنه قبل ذلك خارج الماء أم كان بعضه
أو معظمه في الماء، ومتى استولى الماء على جميع البدن في هذه التغطية
الواحدة صح الغسل.
وإذا احتاج فيها إلى تخليل شعر أو رفع قدم أو إزالة حائل أو
تحريك خاتم ونحوه صنع ذلك في حال التغطية وصح غسله، والأحوط
أن يقع ذلك في زمان واحد عرفا وإن استغرق آنات متعددة.
[المسألة 472]
يصح له أن ينوي الغسل الارتماسي وجميع بدنه تحت الماء،
والأحوط له في هذه الصورة أن يحرك بدنه تحت الماء بعد نية الغسل.
143

ولا بد من تخليل الشعر ونحوه إذا شك في وصول الماء إلى باطنه وإلى
البشرة تحته كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.
[المسألة 473]
إذا علم بعد غسله ارتماسا أن جزءا من بدنه لم يصل إليه الماء في
ارتماسه وجبت عليه إعادة الغسل كله ترتيبا أو ارتماسا ولا يكفيه
غسل ذلك الجزء وحده.
[المسألة 474]
تجري الكيفيتان المذكورتان للغسل من الترتيب والارتماس في جميع
الأغسال الواجبة والمندوبة، نعم، يشكل أجزاء الارتماس في غسل
الأموات.
[المسألة 475]
تقدم أن الارتماس إنما هو تغطية جميع البدن بالماء وإن ما يسبقه
من غمس الأعضاء دفعة أو على سبيل التدريج إنما هو مقدمة للارتماس،
فلا يكفي أن يقصد الغسل بأول جزء من بدنه يدخل في الماء إلى آخر
جزء منه، نعم، يكون غسله صحيحا إذا نوى الغسل الواجب عليه
واستمر في نيته إلى أن حصلت التغطية لجميع البدن بالماء.
[المسألة 476]
يحصل الغسل الترتيبي بأن يغمس الرأس والرقبة في الحوض
مثلا، ثم، يرمس الجانب الأيمن من بدنه كذلك، ثم يرمس الجانب
الأيسر، كما يحصل بالارتماس فيه ثلاث مرات ويقصد في كل
واحدة غسل عضو منه على الترتيب.
وكذا إذا قصد في أول ارتماسه في الحوض غسل الرأس والرقبة،
وبحركته تحت الماء غسل الجانب الأيمن وبخروجه من الماء غسل
الأيسر، وهكذا بكل ما يحصل به ذلك مع القصد، واستيلاء الماء على
جميع العضو وحصول الترتيب.
144

بل يصح غسل بعض العضو الواحد بالرمس وبعضه بامرار اليد،
أو اجراء الماء عليه بإبريق أو أنبوب.
[المسألة 477]
يصح الغسل بماء المطر، وتحت الميزاب، وبماء (الرشاش) المعروف
ويكون بنحو الترتيب، ولا يصح ارتماسا وإن كثر الماء، نعم لا يبعد
جواز الارتماس (بالشلال) ونحوه من مجاري العيون والمياه الكثيرة
التي تجري من الأعلى إلى الأسفل بكثرة وقوة إذا تحققت - بالوقوف
تحتها - تغطية جميع البدن بالماء عرفا.
[المسألة 478]
إذا شك في شئ من البدن أنه من الظاهر أو من الباطن، وجب
غسله تحصيلا لليقين، سواء كان من الباطن سابقا وشك في صيرورته
من الظاهر، أم كان بعكس ذلك أم كان مجهول الحال سابقا ولاحقا،
وقد تقدم نظيره في الوضوء.
[المسألة 479]
يجوز لمن شرع في الغسل على إحدى الكيفيتين الترتيب أو الارتماس:
أن يرفع اليد عنها قبل أن يتم عمله ويستأنف الغسل على الكيفية
الأخرى.
[المسألة 480]
إذا ارتمس في حوض أو إناء لا يبلغ ماؤه كرا، وكان البدن طاهرا
صح غسله، وكان الماء بذلك مستعملا في الغسل من الحدث الأكبر وقد
تقدم أن الأحوط لزوم التجنب عنه مع وجود غيره، وإذا انحصر الماء
به جمع بين الطهارة منه والتيمم.
وإذا بلغ الماء كرا وارتمس فيه، فلا مانع من الاغتسال به بعد ذلك
والوضوء منه، وإن تكرر استعماله، إلا إذا نقص بذلك عن الكر.
145

[المسألة 481]
يستحب للجنب أن يستبرئ بالبول قبل الغسل إذا كانت جنابته
بالانزال، ويختص ذلك بالرجل على الأقوى فلا يشمل المرأة.
ويستحب للجنب - قبل الغسل - رجلا كان أم امرأة أن يغسل يديه
ثلاثا إلى الزندين، وأفضل منه أن يغسلهما ثلاثا إلى نصف الذراع،
وأفضل من جميع ذلك أن يغسلهما ثلاثا إلى المرفقين، وأن يتمضمض
ويستنشق بعد غسل اليدين ولو مرة، وورد في بعض الروايات ثلاثا،
وليؤت به برجاء المطلوبية.
وينبغي التسمية، وأن يقول في أثناء كل غسل: (اللهم طهر قلبي
واشرح لي صدري، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك، اللهم
اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنك على كل شئ قدير).
وأن يقول بعد الفراغ من الغسل: (اللهم طهر قلبي، وزك عملي،
وتقبل سعيي، واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين،
واجعلني من المتطهرين). وليؤت بكل ذلك برجاء المطلوبية.
ويستحب في الغسل الترتيبي أن يكون غسله بصاع من الماء وهو
ستمائة وأربعة عشر مثقالا صيرفيا وربع مثقال، وأن يمر يده على
الأعضاء عند غسلها.
[المسألة 482]
يكره له أن يستعين بغيره في مقدمات الغسل القريبة كالصب على يده
ليجري هو هذا الماء على أعضائه.
[الفصل الخامس والعشرون]
[في شرائط الغسل وأحكامه]
[المسألة 483]
يشترط في صحة الغسل جميع الأمور التي تقدم ذكرها في فصل شرائط
الوضوء، ما عدا اشتراط الموالاة بين الأعضاء، فلا يعتبر ذلك في صحة
146

الغسل إلا ما استثني، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المسألة الأربعمائة
والسادسة والستين، والمسألة الأربعمائة والسبعين.
فيعتبر في صحة الغسل أن يكون الماء مطلقا، فلا يصح بالمضاف.
وأن يكون طاهرا، فلا يصح بالماء النجس ولا بالمشتبه بالنجس إذا
كانت الشبهة محصورة.
وأن يكون البدن طاهرا من النجاسة، وأن لا يوجد ما يحول عن
وصول الماء إلى الشعر والبشرة.
وأن يكون ماء الغسل مباحا، وأن يكون ظرف الماء مباحا على ما تقدم
هناك من التفصيل فيه وفي جميع ما تقدم ذكره من الشروط.
ويعتبر في صحة الغسل أن يكون مكان الغسل ومصب الماء فيه مباحا
على الأحوط، وأن لا يكون الظرف من أواني الذهب أو الفضة.
وأن لا يكون ماء الغسل من الماء المستعمل.
وأن لا يكون لدى المكلف ما يحظر عليه استعمال الماء في الغسل.
وأن يتسع الوقت للغسل والصلاة.
وأن يباشر المكلف بنفسه غسل أعضائه مع قدرته على ذلك.
ويعتبر فيه الترتيب في الغسل الترتيبي، وأن لا يكون الارتماس في
الماء محرما عليه لصوم أو احرام، في الغسل الارتماسي.
ولا بد فيه من قصد القربة والاخلاص في العمل، وقد تقدم تفصيل
جميع ذلك في فصل شرائط صحة الوضوء فليراجع.
[المسألة 484]
تقدمت الإشارة منا في فصل شرائط الوضوء إلى الفرق بين هذه
الشروط، فبعضها شرط واقعي مطلقا، فإذا أخل المكلف بالشرط بطل
غسله، سواء كان عامدا أم جاهلا أم ناسيا، وهذا هو الحال في أكثر
الشروط.
147

وبعضها إنما هو شرط في حال العمد فلا يشمل حال النسيان والجهل
بالموضوع، وهذا هو الحال في شرط إباحة الماء والظرف ومكان الغسل
ومصب الماء فيه. وفي شرط أن لا تكون الآنية من الذهب أو الفضة،
وفي شرط عدم حرمة الارتماس وعدم الضرر باستعمال الماء في الجملة.
نعم، لا يترك الاحتياط في الغاصب نفسه إذا اغتسل بالماء المغصوب
أو في المكان أو الظرف أو المصب التي غصبها هو وكان ناسيا للغصبية
حين الغسل، وإن كان الأقوى الصحة كما تقدم نظيره في الوضوء، وإذا
كان الغاصب ممن لا يبالي حتى إذا تذكر فالأقوى البطلان.
[المسألة 485]
يكفي في صحة الغسل وجود الداعي الارتكازي في نفسه للعمل بحيث
لو سئل في حال اشتغاله بالغسل عما يفعل لأجاب بأنه يغتسل من جنابته
وإن لم يكن ملتفتا إلى ذلك تفصيلا، ويقابل ذلك أن يغفل عنه أصلا
بحيث لا يدري ماذا يصنع فيكون غسله باطلا لعدم القصد.
[المسألة 486]
إذا شك في غسل جزء من الأجزاء في الغسل الترتيبي أو في حصول
شرط من شرائطه وهو في أثناء الغسل أعاد على ذلك الشئ المشكوك
وعلى ما بعده حتى يحصل الترتيب، وإن كان شكه بعد الدخول في غيره
من الأجزاء.
وإذا شك في جزء من الأجزاء في الغسل الارتماسي أو في تحقق شرط
من شرائطه وهو في أثناء العمل أعاد الغسل كله ترتيبا أو ارتماسا.
وإذا شك فيه بعد الفراغ من الغسل، بنى على الصحة في كل من
الترتيبي والارتماسي، وكذلك إذا شك في الجزء الأخير من الغسل إذا
كان شكه بعد ما بنى على نفسه فارغا من الغسل.
[المسألة 487]
إذا ذهب إلى الحوض أو إلى الحمام ليغتسل، وشك بعد خروجه أنه
اغتسل أم لم يغتسل بنى على العدم، فعليه أن يغتسل.
148

[المسألة 488]
إذا اعتقد سعة الوقت، فاغتسل، ثم تبين له أن الوقت كان ضيقا
حين غسله وأن حكمه التيمم، فإن كان قد قصد امتثال الأمر المتوجه
إليه بالفعل صح غسله، وإن تخيل إليه أنه الناشئ من الأمر بالمؤقت،
وإن قصد الأمر بالمؤقت على وجه التقييد بطل غسله فعليه الإعادة.
وإذا اعتقد ضيق الوقت فتيمم وصلى، ثم تبين له أن الوقت كان
واسعا، فالظاهر بطلان التيمم والصلاة.
[المسألة 489]
لا يصح الغسل ولا الوضوء في الماء الذي يجعل سبيلا للشرب إلا مع
العلم بإذن المالك في ذلك.
[المسألة 490]
يجب على الزوج ماء غسل زوجته من الجنابة أو الحيض أو النفاس
أو غير ذلك من الأغسال المتعارفة لها، وكذلك ما يصرف على تسخينه
إذا احتاجت إلى ذلك لبرد ونحوه، ومثله أجرة الحمام إذا كان هو
المتعارف لأمثالها.
[المسألة 491]
إذا اغتسل الجنب ولم يستبرئ بالبول وصلى كانت صلاته صحيحة
بذلك الغسل، فإذا خرج منه بعد ذلك مني أو رطوبة مشتبهة لم تبطل
صلاته ووجب عليه الغسل كما سيأتي.
[المسألة 492]
إذا أجنب الرجل بالانزال واغتسل بعد جنابته، ثم خرجت منه
رطوبة تردد أمرها عنده بين أن تكون بولا أو منيا، فإن كان لم يستبرئ
بالبول قبل أن يغتسل حكم بأن هذه الرطوبة مني فيجب عليه الغسل
منها.
وإن كان قد استبرأ بالبول ولم يستبرئ بالخرطات بعد البول حكم
بأن الرطوبة التي خرجت منه بول فيجب عليه الوضوء بعدها.
149

وإن كان لم يبل قبل الغسل ولم يستبرئ بالخرطات، فإن كان قبل
خروج الرطوبة المشتبهة منه متطهرا وجب عليه أن يجمع بين الغسل
والوضوء، وإن كان قبل خروجها محدثا بالحدث الأصغر فعليه الوضوء
خاصة.
وإذا كانت الرطوبة التي خرجت منه بعد الغسل مرددة بين أن
تكون بولا أو منيا أو مذيا، فلا يجب عليه بخروجها منه غسل ولا وضوء.
[المسألة 493]
إذا لم يكن الرجل مجنبا، وخرج منه شئ علم بأنه إما مني أو بول،
فإذا كان قبل خروج هذا الشئ منه متطهرا أو كان جاهلا بحالته السابقة
وجب عليه أن يجمع بين الغسل والوضوء، وإذا كان قبله محدثا بالحدث
الأكبر اكتفى بالغسل وحده، وإذا كان قبله محدثا بالحدث الأصغر
اكتفى بالوضوء وحده.
[المسألة 494]
إذا أمكن له الفحص عن الرطوبة التي خرجت منه لمعرفة حالها أنها
بول أو مني أو غيرهما، فلا بد من الفحص عنها بمقدار تستقر فيه
الشبهة في الرطوبة، فإذا استقرت الشبهة بعد الفحص والاختبار، أو
لعدم امكان الفحص لظلمة أو عمى أو لقلة الرطوبة نفسها أو لغير ذلك،
جرى فيها الحكم الآنف ذكره.
[المسألة 495]
إذا خرجت منه الرطوبة المشتبهة بعد الغسل، وشك في أنه استبرأ
بالبول قبل الغسل أم لا، بنى على عدم الاستبراء، ووجب عليه الغسل.
[المسألة 496]
لا حكم لاستبراء المرأة بالبول ولا بالخرطات بعد البول كما تقدم،
ولا حكم للرطوبة المشتبهة التي تخرج منها بعد الغسل إذا احتملت أنها
مذي أو نحوه من الرطوبات التي لا توجب الوضوء ولا الغسل، وإن
احتملت أيضا أن تكون منيا أو بولا، فلا يجب عليها الغسل ولا الوضوء
ولا تطهير الموضع منها.
150

وإذا علمت أن الرطوبة التي خرجت منها إما بول أو من مني الرجل
فلا غسل عليها ولا وضوء، نعم، يجب عليها أن تطهر الموضع من النجاسة
المعلومة.
وإذا علمت أن الرطوبة إما بول أو مني منها، وجب عليها أن تجمع
بين الوضوء والغسل وإذا كانت قبل خروج الرطوبة محدثة بالحدث
الأصغر اكتفت بالوضوء وحده.
[المسألة 497]
إذا أحدث بالحدث الأصغر في أثناء الغسل الترتيبي فلا يترك
الاحتياط، ويتأدى باستئناف الغسل ثم الوضوء بعده، وحين يستأنف
الغسل يأتي بالأفعال التي جاء بها أولا برجاء المطلوبية.
وكذلك إذا أحدث بالأصغر مقارنا مع الغسل الارتماسي فيعيد
الغسل برجاء المطلوبية ثم يتوضأ، ولا يختص هذا الحكم بالغسل من
الجنابة بل يجري في سائر الأغسال من الأحداث.
[المسألة 498]
الظاهر أن الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة يوجب بطلانها،
وكذلك الأغسال التي تستحب لاتيان فعل كغسل الزيارة، وغسل
الاحرام، وأغسال أفعال الحج إذا أحدث بعدها وقبل الاتيان بالفعل
الذي استحبت له فتستحب إعادتها.
[المسألة 499]
إذا أحدث بالحدث الأكبر في أثناء الغسل منه، فإن كان الحدث
الجديد مماثلا للحدث الأول، كما إذا أجنب في أثناء غسله من الجنابة
أو مس ميتا في أثناء غسله من مس الميت، فالظاهر لزوم استئناف
غسله إن شاء ترتيبا أو ارتماسا.
وإن كان الحدث الجديد مخالفا للأول، فالظاهر عدم بطلان الغسل،
فيجوز له أن يتمه ثم يغتسل بعده للحدث الجديد إن شاء مرتبا وإن شاء
مرتمسا.
151

ويجوز له أن يعدل عن غسله الأول إذا كان مرتبا إلى الارتماس،
فيرتمس بنية الغسلين معا، ولا وضوء عليه إذا كان أحدهما جنابة.
وأما أن يستأنف الغسل للحدثين ترتيبا فلا يخلو من إشكال وإن أمكن
تصحيحه بأن يقصد به رفع الحدث الموجود.
[المسألة 500]
يجب على الصائم إذا أراد الغسل أن يختار الترتيب ولا يجوز له
الارتماس على الأحوط إذا كان الصوم واجبا معينا.
وإذا ارتمس بقصد الاغتسال وهو في شهر رمضان أو في غيره من
الصوم الواجب المعين، فإن كان عامدا بطل صومه وغسله، وإن كان
ناسيا للصوم لم يبطل صومه ولا غسله.
وإذا كان الصوم مستحبا أو واجبا موسعا بطل صومه مع العمد،
وصح صومه وغسله مع النسيان.
[المسألة 501]
إذا شك بعد فراغه من الصلاة أنه هل اغتسل من الجنابة أم لا،
بنى على صحة صلاته، ووجب عليه الغسل للصلاة والأعمال الآتية،
فإذا أحدث بالحدث الأصغر بعد صلاته الأولى وقبل الغسل، وجب عليه
أن يجمع بين الغسل والوضوء وإعادة الصلاة الأولى، وإذا كان شكه في
الغسل في أثناء الصلاة كانت باطلة.
[المسألة 502]
الظاهر صحة غسل الجمعة من الجنب ومن الحائض، بل الظاهر
اجزاؤه عن غسل الجنابة وعن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.
[المسألة 503]
إذا اجتمعت على المكلف أغسال متعددة واجبة أو مندوبة أو مختلفة،
يصح له أن ينوي الجميع بغسل واحد، ويصح له أن يقصد امتثال الأوامر
المتوجهة إليه بالغسل ويصح له أن ينوي بعض الأغسال التي عليه
فيصح ذلك الغسل، ويكفي عن الجميع وإن كان فيها الجنابة على
152

الأقوى، سواء كان ما نواه واجبا أم مستحبا.
وإن كان الأحوط إذا
كان أحد الأغسال التي عليه غسل الجنابة أن يقصده بالنية.
[المسألة 504]
إذا علم أن عليه أغسالا وجهل تعيين بعضها، كفاه أن ينوي جميع
ما في ذمته على وجه الاجمال، وكفاه أن يقصد امتثال الأوامر المتوجهة
إليه بالأغسال، وكفاه أن يقصد البعض الذي يعلمه على التعيين منها
فيصح هو ويجزي عن غيره.
بل يكفي الغسل المعين إذا علم به المكلف وقصده عن غيره من الأغسال
التي نسيها مما هي في ذمته واقعا.
[الفصل السادس والعشرون]
[في الحيض]
[المسألة 505]
الثاني من الأغسال الواجبة: غسل الحيض.
وسببه: خروج الدم المعروف من المرأة كما يأتي بيانه.
والغالب في دم الحيض أن يكون أسود أو أحمر طريا غليظا، يخرج
بلذع ودفع، والمراد بكونه أسود أنه شديد الحمرة يضرب إلى السواد،
والغالب في دم الاستحاضة أن يكون أصفر باردا فاسدا رقيقا يخرج
من غير لذع ولا قوة.
وهذه الصفات غالبية للدمين يرجع إليها عند التردد بين الدمين في
بعض المقامات كما سيأتي.
وكل دم تراه الصبية قبل بلوغها أو تراه المرأة بعد يأسها لا يكون
حيضا وإن كان بصفات الحيض.
وتبلغ الصبية باكمالها تسع سنين منذ ولادتها، وتيأس المرأة
باكمالها ستين سنة إذا كانت قرشية، وباكمالها خمسين سنة إذا كانت
غير قرشية، وفي المنتسبة إلى قريش بالزنا اشكال.
153

والمرأة التي يشك في نسبتها إلى قريش يلحقها حكم غير القرشية،
والصبية التي يشك في اكمالها تسع سنين يلحقها حكم غير البالغة،
والمرأة التي يشك في بلوغها سن اليأس يلحقها حكم غير اليائسة.
[المسألة 506]
قد تقدم إن الدم الذي تراه الصبية قبل بلوغها لا يكون حيضا وإن
كان بصفات الحيض، وهذا مما لا اشكال فيه، ولكن الصبية التي
يشك في بلوغها وعدمه إذا رأت دما بصفات الحيض، يحكم شرعا بأنه
حيض ويكون علامة شرعية على بلوغها.
[المسألة 507]
الأقوى أن الحيض يجتمع مع الحمل، سواء رأته المرأة بعد استبانة
الحمل فيها أم قبلها، وسواء كان ذلك في أيام عادتها أم قبلها أم بعدها،
نعم الأحوط للحامل إذا رأت الدم بعد العادة بعشرين يوما أن تجمع بين
تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
[المسألة 508]
الدم الذي يعلم كونه دم حيض، إذا خرج من مجاريه الخاصة إلى
الخارج ترتبت عليه أحكام الحيض، وإن كان الدم الذي خرج منه
قليلا جدا، وإذا لم يخرج منه شئ وكان بحيث يمكن اخراجه بقطنة
ونحوها، فلا يترك الاحتياط للمرأة بأن تجمع بين أحكام الطاهر
والحائض، ولها أن تتعمد اخراجه بقطنة ونحوها فتجري عليه أحكام
الحيض.
[المسألة 509]
إذا أحست المرأة بخروج شئ منها، وشكت في أن الشئ الخارج منها
دم أو غيره لم تجر عليها أحكام الحيض، وكذلك إذا وجدت في ثيابها
أو على بدنها دما وشكت في أنه قد خرج منها أو أصابها من
موضع آخر، فلا يحكم بأنه حيض، وإذا أمكن أن تستعلم حالها بمثل
أن تمد يدها فتتحسس هل خرج الدم، أو تتبين هل أن الخارج منها دم
أم لا فالظاهر وجوب مثل هذا الاختبار، ولا يعد فحصا في الشبهة
الموضوعية.
154

[المسألة 510]
إذا اشتبه على المرأة أمر الدم الخارج منها بين أن يكون حيضا أو
استحاضة، فإن كان خروجه في أيام العادة حكم بأنه حيض، وكذلك
إذا وجدته بصفات الحيض، وسيأتي التعرض لتفصيل المجمل من ذلك
في المباحث الآتية.
[المسألة 511]
إذا اشتبه على المرأة أمر الدم بين أن يكون حيضا أو دم بكارة،
أدخلت قطنة، وصبرت بمقدار ما ينزل الدم على القطنة، ويكفي
لاستعلام حاله أنه يطوق القطنة أو يغمسها، ثم أخرجت القطنة اخراجا
رقيقا، فإن وجدت الدم قد طوق القطنة ولم ينفذ فيها فهو دم بكارة،
وإن رأته قد غمس القطنة ونفذ فيها فهو دم حيض.
ويجب عليها أن تختبر ذلك قبل أن تصلي، وإذا صلت قبل أن
تختبر الدم ثم تبين أن الدم لم يكن حيضا، فإن حصل منها قصد القربة،
كما إذا كانت جاهلة، أو صلت برجاء المطلوبية صحت صلاتها، وإن
لم يحصل منها قصد القربة كانت الصلاة باطلة.
وإذا تعذر عليها الاختبار، فلا يبعد لزوم مراعاة الاحتياط لها
فتجمع بين وظيفتي الحائض والطاهر.
[المسألة 512]
إذا اشتبه على المرأة أمر الدم بين أن يكون حيضا أو دم قرحة فلا يترك
الاحتياط بالجمع بين أعمال الطاهر والحائض.
وإذا اشتبه بدم آخر، فإن علمت حالتها سابقا من حيض أو طهر
أخذت بها، وإن جهلت حالتها السابقة عليها أن تجمع بين وظيفتي
الحائض والطاهر.
155

[المسألة 513]
أقل الحيض ما يستمر ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، فالدم الذي
تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو تجده بعد العشرة لا يكون حيضا.
ويكفي في الاستمرار الذي اشترطناه في الثلاثة أيام، وجود الدم في
باطن الفرج هذه المدة على النحو العادي المتعارف للنساء، ولا يكفي
وجوده في بعض كل يوم من الأيام الثلاثة.
وتكفي الأيام الملفقة، فإذا رأت الدم من ظهر اليوم الأول مثلا إلى
ظهر اليوم الرابع حكم بأن الدم حيض، وإذا رأته من أول نهار اليوم
الأول إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى في الحكم بحيضيته، ولا يعتبر
وجوده في الليلة الأولى ولا في الليلة الرابعة. نعم تدخل فيه الليلتان
المتوسطتان فيعتبر استمرار الدم فيهما بالمعنى المتقدم.
واعتبر المشهور في الأيام الثلاثة أن تكون متوالية غير متفرقة، فلا
يكفي أن ترى المرأة الدم ثلاثة أيام متفرقة في ضمن العشرة.
وما ذهب إليه المشهور هو الأقوى، ولكن لا يترك الاحتياط في الأيام
الثلاثة إذا كانت متفرقة، فتجمع المرأة بين تروك الحائض وأعمال
المستحاضة في نفس الأيام الثلاثة المتفرقة، وتجمع في ما يتخللها من
النقاء بين أفعال الطاهر وتروك الحائض.
[المسألة 514]
لا يكون الطهر ما بين الحيضتين أقل من عشرة أيام، فإذا طهرت المرأة
من حيضها السابق، ورأت الدم في اليوم العاشر من طهرها أو قبله،
لا يكون هذا الدم الجديد حيضا.
وأما الطهر في أثناء الحيض الواحد فيمكن أن يكون أقل من ذلك،
والمسألة مشكلة فلا يترك الاحتياط بأن تجمع المرأة في أيام النقاء في
الحيض الواحد بين أفعال الطاهر وتروك الحائض.
[المسألة 515]
الحائض قد تكون مبتدأة، وهي التي ترى الدم أول مرة ولم تره
156

قبل ذلك، وقد تكون مضطربة، وهي التي رأت الدم أكثر من مرة غير
أن الدم الذي رأته كان مختلفا في الوقت وفي عدد الأيام. وقد تكون
ذات عادة، وهي التي رأت الدم مرتين أو أكثر، وكان الدم في ما رأته
متفقا في وقت مجيئه من الشهر وفي العدد من الأيام، أو في أحدهما،
فتكون بذلك ذات عادة، وسيأتي بيان ذلك، وقد تكون ناسية، وهي
التي تتحقق لها عادة معينة ثم تنساها.
[المسألة 516]
إذا رأت المرأة الدم مرتين متواليتين وكان في كلتا المرتين متفقا في
وقت مجيئه من الشهر، وفي العدد من الأيام، تحققت بذلك لها العادة،
وكانت عادتها وقتية عددية لانضباط الوقت والعدد فيها، ومثال ذلك
أن ترى الدم في كلتا المرتين في النصف من الشهر إلى مدة سبعة أيام،
والمراد بالمتواليتين: أن لا تفصل بينهما حيضة مخالفة.
وإذا اتفقت المرتان في الوقت ولم تتفقا في العدد كانت عادتها وقتية
فقط، ومثال ذلك: أن ترى الدم في النصف من الشهر سبعة أيام في
المرة الأولى، وخمسة أيام في المرة الثانية.
وإذا اتفقت المرتان في العدد ولم تتفقا في الوقت، كانت عادتها عددية
فقط، ومثاله أن ترى الدم خمسة أيام في النصف من الشهر الأول،
ثم تراه خمسة أيام في العشرين من الشهر الثاني.
[المسألة 517]
يكفي في تحقق العادة الوقتية أن يحصل لها الانضباط في الوقت
بصورة ما من الصور، فإذا رأت الدم الأول في وقت معين، ورأت الدم
الثاني بعده بعشرين يوما مثلا، ورأت الدم الثالث بعده بعشرين يوما
كذلك، تحققت لها بذلك عادة وقتية، ولا سيما إذا تكرر ذلك فإذا
اتفق العدد أيضا كانت العادة وقتية عددية وإن لم يتفق كانت وقتية
فقط.
157

[المسألة 518]
قد تتحقق العادة لمستمرة الدم بسبب رجوعها في تحيضها إلى التمييز
بين صفات دم الحيض، وصفات دم الاستحاضة.
فإذا رأت الدم بصفات الحيض سبعة أيام في أول الشهر مثلا فتحيضت
به، ثم تغير الدم بعده إلى صفات الاستحاضة في بقية الشهر، ورأته
بصفات الحيض سبعة أيام كذلك في أول الشهر الثاني فتحيضت به، ثم
تغير إلى صفات الاستحاضة في بقية الشهر، فإن العادة تتحقق لها بذلك،
وتكون، وقتية عددية لانضباط كل من الوقت والعدد، وإذا اتفق
الدمان في الوقت لا في العدد فرأته في المرة الأولى سبعة أيام، وفي الثانية
خمسة مثلا كانت العادة وقتية فقط، وإذا اتفقا في العدد لا في الوقت
فرأته سبعة أيام في أول الشهر الأول مثلا، وفي العاشر من الشهر الثاني
كانت العادة عددية فقط.
[المسألة 519]
ذات العادة الوقتية من النساء تتحيض بمجرد رؤية الدم في وقتها
المعين، سواء كان الدم الذي رأته بأوصاف دم الحيض أم لا، فيجب
عليها ترك العبادة وترتيب أحكام الحيض برؤيته، وكذلك إذا سبق
الدم وقت العادة بيوم أو يومين أو نحو ذلك مما يصدق معه تقدم العادة
على وقتها وتعجيل الدم.
وإذا تأخر دمها عن العادة، فإن كان الدم بصفات الحيض تحيضت
كذلك بمجرد رؤيته، وإذا كان فاقدا لصفاته فلا يترك الاحتياط بأن
تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام، فإذا أتم
الثلاثة أو زاد جعلته حيضا.
وأما ذات العادة العددية فقط من النساء، والمبتدأة والمضطربة
والناسية، فإن كان الدم بصفات الحيض تحيضت بمجرد رؤيته ورتبت
عليه الأحكام، وإذا كان فاقدا للصفات كان عليها أن تجمع بين تروك
الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام، فإذا بلغ الثلاثة أو زاد
عليها جعلته حيضا.
158

وكذلك الحكم في ذات العادة الوقتية إذا تقدم الدم على العادة كثيرا،
وإذا علمن أن الدم يستمر إلى ثلاثة أيام تركن العبادة وتحيضن بمجرد
رؤية الدم ولم يحتجن إلى الاحتياط المتقدم.
[المسألة 520]
إذا تحيضت المرأة بمجرد رؤية الدم ممن حكمها ذلك على ما تقدم
بيانه في المسألة المتقدمة، فانقطع الدم قبل أن يتم ثلاثة أيام، وجب
عليها أن تقضي العبادات التي تركتها.
[المسألة 521]
إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة وقتا وعددا فرأت الدم بعدد أيامها
قبل الوقت المعين أو بعده، ولم تر في الوقت شيئا جعلت ذلك حيضها، فإذا
كان الدم الذي رأته بصفات الحيض تحيضت بمجرد رؤيته، وإذا كان
فاقدا للصفات جمعت بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة
أيام ثم جعلته حيضا كما تقدم.
[المسألة 522]
إذا رأت الدم في العادة، واستمر إلى ما بعدها، وكان المجموع
لا يتجاوز عشرة أيام، جعلت الجميع حيضا، وكذلك إذا رأت الدم قبل
العادة واستمر إلى آخرها، ولم يتجاوز الجميع العشرة فتجعل الجميع
حيضا، وإنما يكون المتقدم على العادة حيضا في هذه الصورة إذا كان
سبقه بيوم أو يومين أو نحو ذلك مما يصدق معه تقدم العادة وتعجيل
الدم، أو كان الدم بصفات الحيض إذا كان سبقه بأكثر من ذلك، وإذا
انتفى الأمران فلا بد لها من الاحتياط بالجمع، فإذا استمر الدم ثلاثة
أيام جعلته حيضا كما تقدم، وكذلك الحكم إذا رأت الدم قبل العادة
واستمر إلى ما بعدها، ولم يتجاوز الجميع العشرة فتجعل الجميع
حيضا، والحكم في ما يسبق على العادة هو ما ذكرناه في الصورة المتقدمة.
وإذا كان المجموع يتجاوز العشرة فحيضها أيام العادة خاصة، في
الصور الثلاث.
159

[المسألة 523]
إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة وقتا وعددا، وتعارض عندها
الوقت والعدد، بأن رأت دما في وقت العادة، ولكنه أقل أو أكثر من
أيام عادتها، ورأت دما آخر في غير وقت العادة ولكنه بعدد أيامها،
وكان الدمان على نحو لا يمكن جعلهما حيضتين لعدم الفصل بينهما بأقل
الطهر، ولا يمكن جعلهما حيضا واحدا لأن مجموع الدمين وأيام النقاء
بينهما يتجاوز عن العشرة.
فإن حصل لها مثل ذلك جعلت ما في الوقت حيضا، وأتمت عدد عادتها
من أيام الدم الثاني إذا كان متأخرا عن العادة، وكان اتمام العدد منه
ممكنا، وإذا انتفى الأمران بأن كان الدم الثاني متقدما على العادة أو
كان اتمام العدد منه غير ممكن، من حيث إن المجموع من دم العادة،
وما يتم به العدد من الدم الثاني وما بينهما من أيام النقاء يزيد على
العشرة، إذا انتفى الأمران كان حيضها هو ما في العادة.
[المسألة 524]
إذا كانت المرأة ذات عادة عددية أو وقتية، ورأت الدم أكثر من
عددها المعين أو أكثر من وقتها ولكنه لم يتجاوز عشرة أيام جعلت
الجميع حيضا.
[المسألة 525]
إذا كانت المرأة ذات عادة في الشهر مرة، فرأت الدم في شهر مرتين،
وكانا معا بصفة دم الحيض، وفصل ما بينهما بأقل الطهر، تحيضت
بالدمين بمجرد الرؤية وجعلتهما حيضتين مستقلتين، سواء وافق الدمان
عادتها في عدد الأيام أم وافق أحدهما الوقت والآخر العدد أم خالفاهما
فيهما.
وإذا كان أحد الدمين في وقت العادة تحيضت بمجرد رؤيته، وإن
لم يكن بصفات الحيض، وإذا لم يكن أحدهما أو كلاهما في أيام العادة
ولا بصفات الحيض، فإنما تتحيض به إذا استمر ثلاثة أيام، وعليها
160

قبل أن تمضي الثلاثة أن تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال
المستحاضة كما تقدم.
[المسألة 526]
إذا انقطع الدم عن المرأة قبل أن يبلغ عشرة أيام، وعلمت بنقائها
منه حتى في باطن الفرج اغتسلت وصلت، ولم تفتقر إلى الاستبراء،
وإن كانت تحتمل أو تظن عودة الدم قبل أن تتم العشرة.
وإذا علمت بأن الدم سيعود قبل مضي العشرة كان عليها مراعاة
الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال الطاهر.
[المسألة 527]
إذا انقطع الدم عن المرأة قبل أن يبلغ عشرة أيام واحتملت وجود
دم في باطن الفرج، وجب عليها الاستبراء، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
فإذا خرجت قطنة الاستبراء نقية حكمت على نفسها بنقائها من الحيض،
واغتسلت وباشرت عبادتها وأعمالها، وإن خرجت القطنة غير نقية
ولو ببعض الصفرة حكمت بأنها لا تزال حائضا، وصبرت إلى أن يحصل
لها النقاء أو تنقضي للدم عشرة أيام.
وكذلك ذات العادة إذا تجاوزها الدم وعلمت بأنه لا يتجاوز العشرة.
[المسألة 528]
إذا لم ينقطع الدم عن المرأة بعد انتهاء أيامها ولو بوجود صفرة
الدم في قطنة الاستبراء، واحتملت أن الدم سيتجاوز العشرة، وجب
عليها الاستظهار بالتزام أحكام الحائض وترك العبادات حتى تستبين لها
الحال أو تتم العشرة، واستبانة الحال لها إما بانقطاع الدم عنها، أو
بحصول الاطمئنان لها بأن الدم يتجاوز العشرة فيجب عليها الغسل
حينئذ، وسيأتي بيان حكم أيام الاستظهار إذا تجاوز الدم العشرة.
[المسألة 529]
إذا علمت المرأة بعد انتهاء العادة أن الدم سيتجاوز العشرة وجب
عليها أن تعمل أعمال الاستحاضة ولم تفتقر إلى الاستظهار.
161

[المسألة 530]
إذا انقطع دم الحيض عن المرأة واحتملت وجوده في باطن الفرج
وجب عليها الاستبراء، ولا يترك الاحتياط في أن تكون المرأة قائمة في
حال الاستبراء وأن تلصق بطنها في جدار ونحوه، وأن ترفع إحدى
رجليها على الجدار، ثم تدخل قطنة في باطن فرجها، وتصبر مليا،
وهي على تلك الحال، ثم تخرج القطنة، فإن خرجت نقية حكمت بانتهاء
حيضها واغتسلت، وإن خرجت ملوثة ولو بصفرة صبرت إلى أن يحصل
النقاء أو تنقضي عشرة أيام كما تقدم.
[المسألة 531]
لا يجوز للمرأة في الحال المتقدم ذكرها أن تترك الصلاة حتى تعرف
بالاستبراء أن دمها لم ينقطع، وإذا اغتسلت لم يجز لها أن ترتب على
غسلها آثار الطهارة من الحدث حتى تعرف بالاستبراء أن دمها قد انقطع،
ولكن ذلك لا يمنعها من أن تعمل بالاحتياط إذا شاءت، وإذا نسيت
الاستبراء أو غفلت عنه واغتسلت وصلت ثم تبين أنها طاهر كانت
صلاتها صحيحة.
[المسألة 532]
إذا لم يمكن الاستبراء للمرأة، لعمى أو ظلمة أو مانع آخر، فالأحوط
لها أن تجمع بين أحكام الحائض والطاهر، والأحوط تجديد الغسل في
كل وقت تحتمل فيه النقاء.
[المسألة 533]
إذا استظهرت المرأة في ما زاد عن عادتها حتى أتمت العشرة أو حتى
حصل لها الاطمئنان بأن الدم يتجاوز العشرة كما تقدم في المسألة
الخمسمائة والثامنة والعشرين، فإن انقطع الدم على العشرة أو قبلها
جعلت جميع الدم حيضا، وإذا تجاوز الدم العشرة جعلت حيضها أيام
العادة خاصة، ووجب عليها قضاء ما تركته أيام استظهارها من صلاة
وصوم على الأقوى.
162

[الفصل السابع والعشرون]
[في حكم من تجاوز دمها العشرة]
والحكم فيها يشمل من استمر بها الدم شهرا أو أكثر، ومن أنقطع
عنها قبل ذلك.
[المسألة 534]
إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة في الوقت والعدد، واستمر بها
الدم حتى تجاوز العشرة أو الشهر - كما ذكرنا - جعلت أيام عادتها
حيضا، وإن لم يكن الدم فيها بصفات الحيض، وجعلت الباقي
استحاضة، وإن كان بصفة الحيض.
وإذا كانت عادتها حاصلة من التمييز كما ذكرنا في المسألة الخمسمائة
والثامنة عشرة فلا ينبغي لها ترك الاحتياط فتجمع بين تروك الحائض
وأعمال المستحاضة، في كل من أيام العادة إذا كان الدم فيها فاقدا
للصفات، وأيام وجود الصفات خارج العادة.
[المسألة 535]
المبتدئة، وهي التي ترى الحيض أول مرة. والمضطربة، وهي التي
رأت الدم أكثر من مرة ولم تستقر لها عادة، إذا استمر بهما الدم -
كما تقدم - ترجعان إلى التمييز بين صفات الدم إذا كانت موجودة،
فتجعلان الدم الأسود أو الأحمر الغليظ الذي يخرج بحرارة وقوة
حيضا، وتجعلان الدم الأصفر البارد الرقيق الذي لا دفع فيه ولا لذع
استحاضة، بشرط أن يكون الدم الذي فيه صفات الحيض لا يقل عن
ثلاثة، ولا يزيد عن عشرة.
وإذا زاد الدم الذي توجد فيه الصفات على العشرة تحيضت المبتدئة
والمضطربة بأيام أقاربها، فإذا فقدن أو اختلفن رجعت إلى الروايات
على ما سيأتي بيانه وجعلت ذلك في أيام الدم الواجد للصفات على الأحوط
بل لا يخلو ذلك عن قوة.
163

وإذا وجدت المبتدئة أو المضطربة دمين توجد في كل منهما صفات
الحيض ويتحقق شرطه فليس أقل من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة،
ولا يمكن جعل الدمين حيضين لعدم الفصل بينهما بأقل الطهر، ولا يمكن
جعلهما حيضا واحدا لأن مجموع الدمين، وما بينهما من الدم الضعيف
يزيد على عشرة أيام، جعلت حيضها هو الدم الأول منهما.
وإذا رأت دمين بصفة الحيض، ورأت بينهما دما بصفة الاستحاضة
ولم يتجاوز المجموع عشرة أيام تحيضت بالدم الأول على الأحوط،
واحتاطت في أيام الدم الضعيف وفي ما يكمل عادة الأقارب أو العدد
الذي أخذته من الروايات من الدم الثاني بالجمع بين وظيفتي الحائض
وأعمال المستحاضة.
[المسألة 536]
إذا فقد التمييز في الدم، فكان على صفة واحدة، أو كان ما بصفة
الحيض منه أقل من ثلاثة أيام. رجعت المبتدئة والمضطربة إلى أقاربها
في عدد الأيام فأخدت بعادتهن، سواء كانت قرابتهن لها من الأبوين
كليهما أو من جهة أحدهما، وسواء اتحد بلدهن معها أم لا، وسواء كن
أحياء أم أمواتا، ولا يبعد الاكتفاء بالرجوع إلى بعض الأقارب إذا لم
يعلم بالاختلاف بينهن.
فإذا فقدت الأقارب أو لم يعلم حالهن أو اختلفن في عدد العادة رجعت
إلى الروايات فتتخير على الأقوى بين الثلاثة إلى العشرة من كل شهر،
والأحوط أن تختار السبعة.
[المسألة 537]
إذا استمر الدم بالناسية لعادتها في الوقت والعدد، رجعت إلى التمييز
فتحيضت بالدم الذي توجد فيه صفات الحيض على ما تقدم بيانه في
المبتدئة والمضطربة، فإذا فقدت التمييز رجعت إلى الروايات وتخيرت
كالمبتدئة والمضطربة أيضا بين الثلاثة إلى العشرة من كل شهر، والأحوط
أن تختار السبعة.
164

[المسألة 538]
الأحوط بل الأقوى أن تجعل العدد الذي تختاره في أول رؤية الدم
إلا إذا وجد مرجح لغيره، وعليها أن توافق بين الشهور في ما تختاره
فيها من العدد، فإذا اختارت أول الشهر الأول مثلا، فلا بد أن تجعله
كذلك في الشهر الثاني، وهكذا، والمراد من الشهر هنا: المدة ما بين أول
رؤية المرأة للدم إلى ثلاثين يوما ثم يبتدئ بعده الشهر الثاني إلى ثلاثين
يوما، وهكذا.
[المسألة 539]
إذا اختارت عددا وتحيضت به ثم تبين لها أن زمان الحيض غير ما
اختارته من الأيام، وجب عليها قضاء الصلوات التي تركتها في تلك
الأيام، وكذلك إذا تبين لها زيادة العدد الذي اختارته على عدد حيضها
أو اختلافه معه في بعض الأيام.
[المسألة 540]
إذا كانت المرأة صاحبة عادة وقتية فقط، وليس لها عدد معين،
واستمر بها الدم، فعليها أن ترجع إلى التمييز في تعيين العدد، فإذا
وجدت من الدم - في وقت عادتها - ما هو بصفة الحيض وبشرطه،
تحيضت به، وإذا فقدت التمييز في وقت العادة رجعت إلى أقاربها،
فإذا فقدن أو اختلفن تخيرت ما بين الثلاثة أيام إلى العشرة من كل شهر
على ما تقدم في المبتدئة، والأحوط أن تختار السبعة، وعليها أن تجعل
العدد الذي تأخذه من عادة أقاربها أو تختاره من الروايات في وقت
عادتها المعين.
نعم، يشكل الحكم برجوعها إلى الأقارب إذا كانت صاحبة عادة ولكنها
نسيت العدد دون الوقت كما هي إحدى صور المسألة، ولا يترك الاحتياط
في هذه الصورة بأن تختار من العدد ما يوافق عادة الأقارب إذا وجدن
ولم يختلفن.
[المسألة 541]
إذا علمت - على وجه الاجمال - إن عدد أيامها يزيد على ثلاثة أيام
165

فليس لها أن تختار الثلاثة، وإذا علمت أن أيامها في عادتها لا يبلغ
السبعة أو الثمانية مثلا أو العشرة فليس لها أن تختار ذلك العدد،
وهكذا الحكم في المضطربة والناسية.
[المسألة 542]
إذا كانت للمرأة عادة عددية فقط، واستمر بها الدم، رجعت في
تعيين وقتها إلى التمييز، فجعلت الدم الذي توجد فيه صفات الحيض
ويتحقق فيه شرطه وقتا لها، وتحيضت به إذا كان موافقا لعدد أيام
عادتها، وإذا كانت أيام التمييز أقل من عدد أيامها أكملت العدد من
الدم بعده، وإن كان فاقدا للصفات، وإن كانت أيام التمييز أكثر
تحيضت بعدد العادة، وعملت في الباقي أعمال المستحاضة.
وإذا فقدت التمييز تحيضت من أول الدم بعدد أيام عادتها.
[المسألة 543]
لا فرق بين السواد والحمرة في الدم فكلاهما وصف للحيض، فإذا
رأت الدم أسود يوما واحدا ورأته أحمر يومين بعده فقد حصل الشرط
في الدم وأمكن أن تجعله حيضا وإن اختلف لونه، وإذا رأته ثلاثة أيام
أسود، وثلاثة أيام أحمر تحيضت بستة أيام لا بثلاثة، وإذا رأته ستة
أيام أسود، وستة أيام أحمر كانت من فاقدة التمييز لتجاوز الدم عن
العشرة وإن اختلف لون الدم كذلك.
[المسألة 544]
إذا رأت المرأة التي حكمها الرجوع إلى التمييز دما بصفة الحيض
وبشرطه فلم يكن أقل من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة، ثم رأت بعده
دما بصفة الاستحاضة عشرة أيام ثم وجدت دما آخر بصفة الحيض
وشرطه جعلتهما حيضين.
[المسألة 545]
إذا رأت الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام متفرقة في ضمن العشرة،
فهي فاقدة التمييز على الأقوى من اعتبار التوالي في الثلاثة، وحكمها
166

الرجوع إلى عاد الأقارب، فإن فقدن فإلى الروايات. وإذا كانت ناسية
فحكمها الرجوع إلى الروايات، ولا يترك الاحتياط بالجمع بين
الوظيفتين في بقية العشرة بل في جميع العشرة.
[المسألة 546]
لا يحصل التمييز في الدم حتى يكون بعضه متصفا بصفات الحيض،
ويكفي وجود واحدة منها، وبعضه فاقدا لها جميعا، فلا تمييز إذا
وجدت الأوصاف في الدم كله واختلف بعضه عن بعض في الشدة
والضعف أو في كثرة الصفات وقلتها.
[المسألة 547]
يقدم حق الزوج إذا أرادت الزوجة أن تختار بعض الأيام من الشهر
لتتحيض فيها، وكان ذلك منافيا لحقه، ولكنها متى اختارت ولو
عصيانا كانت حائضا وحرم عليه وطؤها. وله أن يمنعها من الاحتياط
الاستحبابي وليس له أن يمنعها من الاحتياط الوجوبي.
[المسألة 548]
إذا أخذت مستمرة الدم بعادتها فتحيضت بأيامها، أو رجعت
إلى التمييز أو إلى الأقارب أو إلى الروايات فأخذت به وعملت، ثم
تبين لها أن أيام حيضها غير تلك الأيام وجب عليها قضاء ما تركته من
الصلوات ووجب عليها الاتيان بالصلاة إذا كان وقتها باقيا.
[الفصل الثامن والعشرون]
[في أحكام الحائض]
[المسألة 549]
يحرم على المرأة الحائض بالحرمة التشريعية كل عبادة تشترط فيها
الطهارة، كالصلاة والطواف والصوم والاعتكاف، وتحرم عليها قراءة
آيات السجدة خاصة من سور العزائم، وإن كان الأحوط الامتناع من
قراءة مجموع السور المذكورة.
167

[المسألة 550]
تبطل صلاة المرأة إذا حاضت في أثنائها، ولو في أثناء التسليم منها،
ولا تبطل صلاتها مع الشك في خروجه في أثنائها، ولا يجب عليها
الفحص، وإذا أتمت صلاتها ثم تبين لها أن الدم قد خرج في أثناء
الصلاة انكشف بطلانها.
[المسألة 551]
تجب على المرأة سجدة التلاوة إذا استمعت إلى قراءة آية السجدة من
سورة العزيمة، أو قرأتها هي غافلة أو ناسية أو جاهلة أو عامدة،
وإن أثمت بالقراءة مع العمد، بل تجب عليها السجدة على الأحوط إذا
سمعت قراءة الآية وإن لم تقصد الاستماع إليها.
[المسألة 552]
تصح منها صلاة الأموات، وتجوز لها سجدة الشكر، وتصح منها
الأغسال المندوبة، بل تستحب لها كغسل الجمعة وغسل الاحرام
وغسل التوبة.
[المسألة 553]
يحرم على الحائض - على الأحوط - أن تمس اسم الله وسائر أسمائه
وصفاته المختصة به، بل وغير المختصة إذا كان هو المقصود بها، وأن
تمس اسم الله تعالى في أي لغة، ويحرم عليها - على الأحوط - أن تمس
أسماء الأنبياء والأئمة (ع).
ويحرم عليها أن تمس خط المصحف على ما تقدم بيانه، في ما يحرم على
الجنب.
[المسألة 554]
يحرم عليها أن تدخل المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص)،
وإن كان دخولها على نحو المرور والاجتياز، على النحو الذي تقدم بيانه
في ما يحرم على الجنب، وإذا طرأ لها الحيض في أحد المسجدين وجبت
عليها المبادرة بالخروج من غير تيمم، وكذلك إذا دخلت أحدهما عامدة
168

أو جاهلة أو ناسية، والدم لا يزال مستمرا، فعليها الخروج فورا من
غير تيمم. وإذا دخلت أحد المسجدين بعد انقطاع الدم عنها وقبل
الاغتسال وجب عليها التيمم للخروج، إلا إذا كان زمان الخروج أقصر
من وقت التيمم، وإذا كان مساويا له تخيرت، وتراجع المسألة الأربعمائة
والحادية والخمسون في تفصيل ذلك وما يتصل به.
[المسألة 555]
يحرم على الحائض أن تمكث في أحد المساجد أو تتردد فيها أو تدخل
فيها لوضع شئ في المسجد، ويجوز لها الدخول على نحو المرور والعبور
بأن تدخل من باب وتخرج من آخر، ولا يجوز لها الدخول لغير الاجتياز،
ولا الدخول والاجتياز إذا استلزم تلويث المسجد وتراجع المسألة
الأربعمائة والثانية والخمسون.
والمشاهد المشرفة والرواقات فيها بحكم المساجد في ذلك على الأحوط.
[المسألة 556]
يحرم وطء الحائض قبلا حتى ببعض الحشفة من غير أنزال على
الأقوى، والحرمة في ذلك شاملة لكل من الرجل والمرأة، وحتى إذا
اتفق خروج حيض المرأة من غير قبلها، فيحرم وطؤها قبلا.
وحكم وطء الحائض في دبرها هو حكم وطء غير الحائض فيه، وقد
تقدم إن الأقوى جوازه على كراهة شديدة.
ويجوز للرجل أن يستمتع بالحائض بغير الوطء كالتقبيل والتفخيذ
وغيرها. نعم يكره للرجل أن يستمتع منها بما بين السرة والركبة
مباشرة، ولا كراهة فيه إذا كان من فوق اللباس.
[المسألة 557]
حرمة وطء الحائض شاملة للزوجة الدائمة والمتمتع بها والمملوكة
والمحللة، بل حتى الأجنبية فتحرم من هذه الجهة أيضا، ولا فرق في
الحرمة بين أن يكون الحيض وجدانيا، أو تعبديا بالرجوع إلى العادة
أو التمييز أو غيره عند استمرار الدم، وكذلك أيام الاستظهار.
169

ولا يجوز للرجل الاستمرار في المقاربة إذا علم بخروج الحيض في
أثناء الجماع.
[المسألة 558]
إذا طهرت المرأة من حيضها جاز للرجل وطؤها وإن لم تغتسل بعد،
نعم يكره له ذلك، والأحوط أن تغسل فرجها قبل الوطء وإن كان
الأقوى عدم وجوب ذلك أيضا.
[المسألة 559]
يسمع قول المرأة إذا أخبرت عن نفسها بأنها حائض أو طاهر فتترتب
عليه الآثار من حرمة وطئها وجوازه، ومن صحة طلاقها وعدمها، نعم
يشكل قبول قولها إذا كانت متهمة.
[المسألة 560]
إذا وطأ الرجل زوجته وهي حائض، وكان عالما عامدا عاقلا
فالمشهور بين المتقدمين - على ما قيل - وجوب الكفارة عليه بدينار إذا
كان الوطء في أول الحيض، وبنصف دينار إذا كان في وسطه، وبربع
دينار إذا كان في آخره، ولكن الأقوى استحباب ذلك.
والدينار مثقال شرعي من الذهب المسكوك ووزنه ثمان عشرة
حمصة.
وقالوا: إذا وطأ المالك مملوكته وهي حائض، فعليه ثلاثة أمداد
من الطعام يتصدق بها على ثلاثة مساكين، والأقوى عدم الوجوب كذلك،
ولا بأس بأن يتصدق بها برجاء المطلوبية.
[المسألة 561]
إذا تكرر منه الوطء في الحيض تكررت الكفارة على الظاهر، سواء
كفر عن الوطء الأول أم لم يكفر، وسواء كان الوطء في وقت واحد
أم كان في أول الحيض ووسطه وآخره، والأمر سهل بعد البناء على
الاستحباب.
170

[المسألة 562]
الظاهر أن عليه دفع الدينار نفسه للمسكين، ولا يكفي دفع القيمة
إلا عند التعذر، وعلية فالمناط أعلى القيم، والأمر سهل كذلك بعد
البناء على الاستحباب.
[المسألة 563]
لا يصح طلاق الزوجة الحائض ولا المظاهرة منها، إذا كانت مدخولا
بها ولو دبرا، ولم تكن حاملا، وكان الزوج حاضرا، أو هو بحكم
الحاضر، وإذا طلقها مع هذه الشرائط كان طلاقها باطلا، وكذلك
الحكم في الظهار.
ويصح الطلاق إذا كانت غير مدخول بها أو كانت حاملا، أو كان
زوجها لا يمكنه استعلام حالها سواء كان حاضرا أم غائبا، فالمناط في عدم
صحة الطلاق هو تمكن الزوج من معرفة حالها سواء كان حاضرا أم
غائبا.
وإذا كان الزوج نفسه لا يستطيع معرفة حالها، ووكل غيره ممن
يمكنه استعلام حالها لم يصح طلاقها وهي حائض.
وإذا طهرت من الحيض ولم تغتسل بعد، صح طلاقها وظهارها.
[المسألة 564]
إذا علمت بنقائها من الحيض أو ثبت ذلك بالاستبراء وجب عليها
الغسل للأعمال الواجبة التي تشترط فيها الطهارة، كالصلاة والصيام
والطواف والاعتكاف الواجب، وأمر به على نحو الشرطية للأعمال غير
الواجبة التي يشترط فيها الطهارة، كالصلاة المندوبة والدخول إلى
المساجد ومس المصحف، واستحب للأعمال المستحبة التي تستحب لها
الطهارة، كالطواف المندوب واستحب للكون على الطهارة وغيره من
الغايات المستحبة
171

[المسألة 565]
كيفية غسل الحيض هي كيفية غسل الجنابة فيجري فيه كل ما تقدم
في غسل الجنابة وتفصيل القول فيه من الترتيب والارتماس وغير ذلك
[المسألة 566]
الأحوط الذي لا ينبغي تركه أن يضم الوضوء إلى الغسل في غسل
الحيض وغيره من الأغسال - غير غسل الجنابة - وإن كان الأقوى عدم
الحاجة إليه، وكفاية الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال
وإذا أريد الوضوء مع غسل الحيض أو غيره فالأفضل أن يكون
الوضوء قبل الغسل
[المسألة 567]
إذا لم تجد الماء للغسل أو تعذر عليها فلا يبطل تيممها وجب عليها التيمم
بدلا عن الغسل، فإذا وجدت الماء بقدر الوضوء ولم يتعذر عليها
كالغسل توضأت على الأحوط ثم تيممت وإن كان الأقوى عدم وجوب
الوضوء كما تقدم، وإذا تعذر الوضوء أيضا تيممت غن الوضوء أيضا
للاحتياط المتقدم.
[المسألة 568]
إذا تيممت لعدم وجود الماء أو لتعذر الغسل عليها، فلا يبطل تيممها
ما دام العذر موجودا، فإذا أحدثت بالحدث الأصغر كان عليها الوضوء
أو التيمم بدلا عن
الغسل حتى تتمكن من الغسل
[المسألة 569]
يجب على المرأة قضاء صيام شهر رمضان إذا أفطرت فيه للحيض
وكذلك غيره من الصوم الواجب المؤقت على الأحوط فيه، وأما الصوم
الواجب بالنذر إذا كان مؤقتا، فالظاهر بطلان النذر إذا اتفق في أيام
الحيض، فلا يجب على المرأة قضاؤه بعد الحيض إلا إذا نذرته على نحو
172

تعدد المطلوب، بحيث يكون الصوم واجبا على كل حال، ويكون وقوعه
في الوقت مطلوبا آخر، فإذا كان نذرها على هذه الوجه وأفطرت فيه
للحيض وجب عليها الاتيان بالصوم بعد الوقت وليس من القضاء
للوقت
[المسألة 570]
يجب على المرأة الصلاة الواجبة غير اليومية إذا فاتتها للحيض
كصلاة الآيات، وصلاة الطواف، ولا يحب عليها قضاء الصلاة اليومية
وأما الصلاة الواجبة بالنذر إذا كانت مؤقتة، كما إذا نذرت صلاة
جعفر في يوم الجمعة أو في شهر رمضان فاتفق ذلك في أيام حيضها،
فالظاهر بطلان النذر كما تقدم في الصوم فلا يجب قضاؤها بعد الطهر
من الحيض إلا إذا كان نذرها على نحو تعدد المطلوب كما قلنا في الصوم
فيجب عليها الاتيان بالصلاة بعد الوقت.
[المسألة 571]
يجب عليها قضاء الصلاة اليومية إذا دخل وقتها قبل طروء الحيض
وتمكنت من تحصيل شرائطها الواجبة عليها ومن أدائها بحسب حالها
من السفر والحضر والصحة والمرض والسرعة والبطء، فإذا هي لم
تصلها وجب عليها قضائها.
بل لا يبعد وجوب القضاء عليها إذا أدركت من الوقت ما يسع الصلاة
تامة وإن لم يسع الطهارة وتحصيل الشرائط معها، إذا كانت متمكنة
من تحصيل الطهارة وبقية شرائط الصلاة قبل الوقت وإن لم تحصلها
بالفعل لصدق فوت الصلاة.
[المسألة 572]
إذا طهرت من الحيض وأدركت من الوقت ما تحرز به شرائط الصلاة
مع الطهارة وادراك ركعة منها، وجب عليها أداء تلك الصلاة، فإذا
تركتها حتى خرج الوقت وجب عليها قضاؤها، بل لا يبعد وجوب القضاء
إذا أدركت من الوقت ركعة مع الطهارة وإن لم تحرز بقية الشرائط
173

الأخرى إذا كانت متمكنة من تحصيل الشرائط قبل طهرها، كما تقدم
في المسألة السابقة.
[المسألة 573]
إذا شكت في أن كانت الباقي يسع صلاة الركعة مع الشرائط وجبت
عليها المبادرة، وإذا تركت الصلاة ثم استبان لها سعة الوقت وجب
عليها القضاء
[المسألة 574]
إذا أدركت من الوقت الظهرين بعد الطهارة مقدار خمس ركعات
وجب عليها أن تصليهما معا، فإذا هي تركت وجب عليها قضاؤهما،
وإذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات صلت العصر وحدها، فإن هي
لم تصلها وجب عليها قضاؤها وكذلك في العشاءين فإذا كانت مسافرة
أدركت صلاة الظهرين بادراك ثلاث ركعات من الوقت، وأدركت
العشاءين بادراك أربع ركعات.
[المسألة 575]
إذا ذكرنا في مباحث الحيض أو الاستحاضة إن المرأة تحتاط بالجمع
بين الوظيفتين أو تجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة، فالمراد
أن على هذه المرأة أن تجتنب كل ما يحرم على الحائض مما قد تقدم ذكره،
وأن تأتي مضافا إلى ذلك بأعمال الاستحاضة التي تجب عليها لو كان
دمها استحاضة من غسل أو وضوء وتبديل خرقة وقطنة وتأتي بالصلاة
بعد ذلك، ولا منافاة في ذلك لأن حرمة الصلاة على الحائض إنما هي
حرمة تشريعية، فلا تنافي أن تأتي بها برجاء المطلوبية وكذلك ما يأتي في
النفاس، وإذا قلنا في أيام النقاء المتخلل في الحيض الواحد إن على المرأة
أن تجمع فيه بين تروك الحائض وأعمال الطاهر، فالمراد كذلك أن
تأتي بما يجب على الطاهر من وضوء وصلاة وغيرهما برجاء المطلوبية
وأن تجتنب ما تجتنبه الحائض من المحرمات.
[المسألة 576]
يستحب للحائض في وقت الصلاة أن تحتشي وتبدل القطنة والخرقة
174

وتتوضأ وتقعد في مصلاها بمقدار الصلاة مستقبلة القبلة، وأن تشتغل
بالذكر والتسبيح والتهليل والتحميد، والصلاة على النبي وآله، وقراءة
القرآن، ولا تكره قراءة الفران لها في هذا الوقت، فإن لم تتمكن من
الوضوء تيممت بدلا عنه، والأولى أن لا تفصل بين الوضوء أو التيمم
والأعمال المذكورة، ولا تختص الأعمال المتقدمة بالصلاة اليومية على
الظاهر فتستحب في وقت صلاة الآيات مثلا.
[المسألة 577]
يكره للحائض أن تختضب وأن تقرأ حتى أقل من سبع آيات
وتشتد الكراهة كلما كثرت القراءة، ويكره لها حمل القرآن، ولمس
هامشه وما بين سطوره
[المسألة 578]
يصح للحائض أن تغتسل الأغسال الواجبة - غير غسل الحيض -
فإذا أجنبت أو مست ميتا وهي حائض صح لها أن تغتسل منهما ويرتفع
به حدثهما وإن كان حدث الحيض لا يزال باقيا.
وإذا فاجأها الحيض وهي تغتسل عن الجنابة أو عن مس الميت صح
لها أن تتم غسلها، وقد تقدم ذلك في المسألة الأربعمائة والثامنة
والتسعين.
وتصح منها الوضوءات المندوبة التي لا ترفع الحدث.
[الفصل التاسع والعشرون]
[في الاستحاضة]
[المسألة 579]
الثالث من الأغسال الواجبة: غسل الاستحاضة.
وسببه هو خروج دم الاستحاضة من المرأة على الوجه المخصوص
وقد تقدم في أول فصل الحيض إن دم الاستحاضة - في الغالب - دم
أصفر بارد رقيق فاسد يخرج بغير قوة ولا حرارة، وقد يكون بصفات
الحيض، ولا حد له في القلة والكثرة.
175

وكل دم المرأة مما حكم بأنه ليس حيضا ولا نفاسا، ولم يكن
دم قرح ولا جرح فهو دم استحاضة والأحوط - استحبابا اجراء أحكام
الاستحاضة في كل دم لم يعلم بالأمارات الشرعية كونه من غيرها وإن
كان مشكوكا.
[المسألة 580]
إذا خرج الدم المذكور من المرأة إلى خارج الفرج ولو قليلا تعلقت
به أحكام الاستحاضة، واستمر الحدث ما دام الدم موجودا ولو في باطن
الفرج، وإذا لم يخرج منه شئ وكان بحيث يمكن اخراجه بقطنة
ونحوها، فلا يترك الاحتياط للمرأة بأن تجمع بين أحكام الطاهر
والمستحاضة، وإذا تعمدت اخراجه بقطنة ونحوها جرت عليه أحكام
الاستحاضة وقد تقدم في دم الحيض.
[المسألة 581]
يجب على المستحاضة أن تختبر حالها لتعلم أن استحاضتها من أي
الأقسام فتعمل بحكمها.
والاختبار: أن تدخل قطنة وتصبر بمقدار يكفي لمعرفة حال الدم،
وأنه يطوق القطنة أو يغمسها أو يزيد على ذلك فيسيل، ثم تخرج
القطنة وتنظرها، فإن وجدت الدم قد لوث القطنة من غير أن يغمسها
أو يغمس بعض أطرافها فالاستحاضة قليلة، وإن رأته قد غمس
القطنة أو غمس بعض أطرافها ولم يسل إلى الخرقة، فالاستحاضة
متوسطة. وإن غمس القطنة وسال إلى الخرقة فالاستحاضة كثيرة.
[المسألة 582]
يجب على المرأة إذا كانت استحاضتها أن تتوضأ لكل صلاة،
فلا تكتفي بوضوء الفريضة الأولى للثانية، ولا بوضوء الفريضة للنافلة،
ولا بوضوء النافلة الأولى للنافلة الثانية، فلكل ركعتين من النافلة
وضوء.
176

والأحوط لها أن تبدل القطنة أو تطهرها لكل صلاة كذلك بل
لا يترك ذلك، نعم لا يجب تبديلها أو تطهيرها إذا اتفق عدم سراية الدم
إليها في بعض الصلوات.
ويجب عليها إذا كانت استحاضتها متوسطة: أن تغتسل قبل صلاة
الصبح، وأن تتوضأ لكل صلاة فريضة أو نافلة - كما تقدم في القليلة
- حتى بعد الغسل لصلاة الغداة على الأحوط، وأن تحتاط بتبديل القطنة
أو تطهيرها كما تقدم، ولا يجب التبديل أو التطهير إذا اتفق عدم سراية الدم.
ويجب عليها إذا كانت الاستحاضة كثيرة: أن تغتسل لصلاة الغداة
- كما ذكرنا في المتوسطة، وأن تغتسل غسلا ثانيا للظهرين تجمع
بينهما، وأن تغتسل غسلا ثالثا للعشاءين تجمع بينهما، وأن تتوضأ
لكل صلاة فريضة أو نافلة كما تقدم في القليلة حتى بعد الأغسال الثلاثة
على الأحوط. وأن تحتاط بتبديل الخرقة والقطنة.
ولا يجب تبديل الخرقة ولا القطنة إذا اتفق عدم سراية الدم إليها
في بعض الصلوات كما تقدم في المتوسطة والصغرى.
ويجوز لها أن تفرق بين الصلوات فتكون الأغسال خمسة بعدد
الفرائض، ولا يجوز لها أن تجمع بين أكثر من فريضتين بغسل واحد،
وتكفي أغسال الفرائض للنوافل، وتأتي لكل ركعتين من النافلة
بوضوء على الأقوى في غير أوقات الأغسال، وعلى الأحوط في أوقات
الأغسال للمتوسطة والكثيرة إذا أتت بالنافلة بعد الغسل للفريضة.
[المسألة 583]
إذا صلت المرأة صلاة الغداة ثم حدثت لها الاستحاضة المتوسطة لم
يجب عليها الغسل للفجر، ووجب لصلاة الظهرين، وإذا رأتها بعد
صلاة الظهرين، وجب عليها الغسل للعشاءين، فإذا استمرت بها إلى
اليوم الثاني وجب عليها الغسل للغداة.
وإذا استحاضت بالمتوسطة قبل الفجر وتركت الغسل للغداة عامدة
أو ناسية وجب عليها الغسل للظهرين وإعادة صلاة الصبح وإن انقطعت
177

استحاضتها قبل وقتهما، وإذا استحاضت بالمتوسطة قبل الفجر وانقطع
قبل صلاته وجب عليها غسل الغداة، فإن لم تفعل وجب للظهرين وعليها إعادة الصبح.
[المسألة 584]
إذا حدثت لها الاستحاضة الكثيرة بعد أن صلت الفجر لم يجب عليها
في ذلك اليوم غسل الفجر ووجب عليها غسل للظهرين وغسل للعشاءين،
وإذا حدثت بعد صلاة الظهرين وجب عليها غسل العشاءين فقط، فإذا
استمرت إلى اليوم الثاني وجبت عليها الأغسال الثلاثة.
[المسألة 585]
إذا حدثت الاستحاضة المتوسطة للمرأة وهي في أثناء صلاة الغداة
وجب عليها الغسل واستئناف الصلاة، وكذلك الحكم في الكثيرة، وإذا
حدثت الاستحاضة القليلة في أثناء الصلاة وجبت عليها إعادة الوضوء
واستئناف الصلاة.
[المسألة 586]
يجب أن يكون غسل الغداة بعد الفجر فلا يكفي أن تغتسل لها قبل
الوقت، نعم، إذا أرادت أن تصلي صلاة الليل قبل الفجر جاز لها أن
تقدم غسل الغداة على الوقت بمقدار الغسل وصلاة الليل لا أكثر
على الأحوط.
ولا يكفي عن غسل الغداة على الأحوط أن تغتسل قبل الفجر لبعض
الغايات الأخرى وإن دخل الوقت بعده بلا فصل، بلا يترك الاحتياط
بإعادة الغسل في الوقت للصلاة.
[المسألة 587]
إذا صلت المستحاضة ولم تختبر حالها أو تعلم أن استحاضتها من
أي الأقسام كانت صلاتها باطلة، إلا إذا طابقت بعملها الواقع وحصل
منها قصد القربة لغفلة ونحوها.
178

وإذا لم تتمكن المستحاضة من اختبار حالها وجب عليها أن تأتي بما
تتيقن معه صحة صلاتها، وإذا كانت لها حالة سابقة من القلة أو
الكثرة أو التوسط في الاستحاضة أخذت به.
[المسألة 588]
لا يكفي الاختيار قبل دخول وقت الصلاة. إلا أن تعلم بأن حالها
لم يتغير، ولا يكفي الاختبار إذا تأخر عنه أداء الوظيفة تأخرا يحتمل
معه تغير حالها وإن كان في الوقت.
[المسألة 589]
لا يجب تجديد الوضوء ولا تبديل القطنة ولا الخرقة أو تطهيرهما إذا
أصابهما الدم، لقضاء الأجزاء المنسية من الصلاة، وسجود السهو إذا
أتى به بلا فصل.
وأما ركعات الاحتياط لبعض الشكوك فلا يترك الاحتياط بالاتيان
بها قبل تجديد الأعمال المذكورة ثم إعادتها بعد التجديد.
وإذا أرادت إعادة الصلاة جماعة أو للاحتياط وجب أن تجدد لها
الأعمال.
[المسألة 590]
إذا انقطع الدم قبل دخول وقت الفريضة لزم تجديد الأعمال المتقدم
ذكرها لتلك الفريضة حتى الغسل إذا كانت مما يجب له الغسل، ثم
لا يجب تجديد الأعمال للفرائض الآتية بعدها إذا كان الدم على انقطاعه،
فإذا كانت الاستحاضة متوسطة وانقطع الدم قبل الفجر وجب الغسل
لصلاة الفجر ولزم تجديد الأعمال على ما تقدم ذكره، وإذا بقي الدم
على انقطاعه إلى صلاة الظهر لم يجب تجديد الأعمال لها حتى الوضوء
إذا لم ينتقض وضوؤها لصلاة الغداة، وهكذا في العصر والعشاءين،
وإذا تجدد الدم بعد انقطاعه بعد أن صلت الظهر وجب تجديد الأعمال
لصلاة العصر ثم للصلوات الآتية ما دام الدم مستمرا، وهكذا إذا كانت
الاستحاضة كثيرة مع ملاحظة الفروق بينها في الأعمال، فلا يجب تجديد
179

الغسل للظهرين وللعشاءين ولا تبديل الخرقة في الصورة الأولى ما دام
الدم على انقطاعه، ويجب تجديدها في الصورة الثانية في ما يجدد من
الأعمال عند تجدد الدم واستمراره.
[المسألة 591]
تجب عليها البادرة إلى الصلاة بعد الغسل والوضوء على الأحوط،
فإذا أخرت صلاتها عن الأعمال مدة لم تصح صلاتها إلا إذا علمت
بانقطاع الدم وعدم تجدد الحدث طيلة هذه المدة.
[المسألة 592]
وجوب المبادرة عليها للصلاة بعد الاتيان بالأعمال لا يمنعها من أن
تأتي بالأذان والإقامة لصلاتها، والأدعية المأثورة أو تأتي بسائر
المستحبات فيها.
[المسألة 593]
يجب عليها التحفظ التام من خروج الدم بعد الوضوء والغسل
بالتحشي بالقطن ونحوه، وشد الموضع أو الاستثفار وغير ذلك مما
يحبس الدم، ويمنع خروجه.
وإذا قصرت في التحفظ فخرج الدم وجب عليها إعادة الصلاة، ولا
يترك الاحتياط بإعادة الغسل. وإذا كان الدم مستمر السيلان فالأحوط
تقديم ذلك على الغسل.
[المسألة 594]
يشترط في صحة صوم المستحاضة أن تأتي بالأغسال النهارية لذلك
اليوم فإذا تركتها جميعا أو تركت بعضها بطل صومها، وكذلك يعتبر
في صحته أن تأتي بغسل العشاءين لليلة الماضية - على الأحوط - فلا
يصح صوم اليوم إذا تركت غسل ليلته السابقة عليه، نعم إذا تركت
غسل العشاءين وقدمت غسل الفجر على الوقت لصلاة الليل صح صومها،
وأما الوضوءات وبقية أعمال المستحاضة فهي شروط لصحة
الصلاة وليست شروطا في صحة الصيام.
180

[المسألة 595]
إذا علمت المستحاضة بأن دمها ينقطع في آخر الوقت انقطاع برء أو
انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها التأخير إلى ذلك الوقت، وكذلك
مع رجاء الانقطاع. وإذا صلت قبل ذلك كانت صلاتها باطلة.
نعم تكون الصلاة صحيحة إذا تأتي منها قصد القربة لغفلة ونحوها
ثم انكشف عدم انقطاع الدم.
[المسألة 596]
إذا انقطع الدم عن المستحاضة انقطاع برء قبل أن تبدأ بالأعمال
وجب عليها أن تغتسل إذا كانت استحاضتها توجب الغسل، وأن تتوضأ
معه على الأحوط، ثم تأتي بالصلاة، وإذا كانت استحاضتها توجب
الوضوء كان عليها الوضوء فقط ثم الصلاة.
وإذا انقطع عنها بعد أن شرعت في الأعمال قبل الفراغ من الصلاة
تركتها واستأنفت على ما تقدم، وإذا انقطع عنها بعد أن أتمت الأعمال
والصلاة أعادت، وإذا علمت أن الدم قد انقطع عنها قبل أن تغتسل وتتوضأ
صحت أعمالها وصلاتها ولم تحتج إلى إعادة.
[المسألة 597]
إذا انقطع الدم عن المستحاضة انقطاع فترة تسع الطهارة والصلاة
لزمها ما ذكرناه في المسألة المتقدمة على الأحوط، وكذلك إذا كانت
الفترة تسع الطهارة وبعض الصلاة على الأحوط أيضا.
وإذا شكت في أن الفترة تسع الصلاة أم لا، أو شكت في أن الانقطاع
انقطاع برء أو انقطاع فترة فالظاهر وجوب الاستئناف إذا كان
الانقطاع في أثناء الأعمال قبل الفراغ من الصلاة، والإعادة إذا كان
بعدها في كلتا الصورتين.
[المسألة 598]
إذا انقطع الدم عن المستحاضة المتوسطة أو الكثيرة انقطاع برء
181

وجب عليها الغسل للانقطاع كما تقدم، وإن علمت بعدم خروج دم منها
بعد غسلها للصلاة السابقة لم يجب عليها الغسل.
[المسألة 599]
إذا انتقلت استحاضتها من القليلة إلى المتوسطة أو الكثيرة، أو من
المتوسطة إلى الكثيرة، فإن كان انتقالها بعد أن أتمت الأعمال والصلاة
صحت أعمالها وصلاتها، ولم تجب عليها الإعادة، وإن كان انتقالها
قبل الشروع في الأعمال وجب عليها أن تعمل عمل الأعلى.
وإن كان انتقالها بعد الشروع في الأعمال وقبل اتمامها فعليها
استئناف الأعمال والعمل على الأعلى، حتى في الانتقال من المتوسطة إلى
الكثيرة. وقد اغتسلت للغداة ولم تصلها أو كانت في أثناء الصلاة،
فإنه يجب عليها استئناف الغسل والعمل مثل أعمال الاستحاضة الكثيرة.
[المسألة 600]
إذا انتقلت استحاضتها من المتوسطة إلى القليلة، أو من الكثيرة إلى
المتوسطة أو القليلة استمرت على عملها الأول لصلاة واحدة بعد
الانتقال، ثم عملت بعد ذلك عمل الأدنى، فإذا تبدلت المتوسطة قليلة
قبل صلاة الغداة، وجب عليها أن تغتسل لصلاة الغداة كما هو حكم
المتوسطة، وأن تتوضأ لكل واحدة من الصلوات الآتية بعد ذلك كما
هو حكم القليلة. فإن هي لم تغتسل وجب عليها الغسل للظهر وإعادة
صلاة الغداة كما هو حكم المتوسطة.
وإذا تبدلت الكثيرة متوسطة قبل صلاة الظهر. وجب عليها أن
تغتسل لصلاة الظهر كما هو حكم الكثيرة، وأن تتوضأ بعد ذلك للعصر
ولكل واحدة من العشاءين كما هو حكم المتوسطة، وإذا هي لم تغتسل
للظهر وجب عليها أن تغتسل للعصر إذا لم يبق إلا وقتها المختص وعليها
أن تقضي صلاة الظهر كما هو حكم الكثيرة.
[المسألة 601]
يجب على المستحاضة القليلة أن تجدد الوضوء لكل عمل تشترط فيه
182

الطهارة كالطواف الواجب وصلاة الطواف بعده ثم طواف النساء
والصلاة بعده، ولا يكفيها وضوء الصلاة اليومية، ولا وضوء واحد
للجميع، حتى في مس كتابة القرآن إذا وجب عليها مرارا، فيجب
عليها الوضوء لكل مرة على الأحوط، ويجوز لها دخول المساجد والمكث
فيها، ولا يجب الوضوء لهما.
[المسألة 602]
إذا أدت المستحاضة المتوسطة أو الكثيرة جميع ما يجب عليها من
الأعمال صحت صلاتها وكانت بحكم الطاهرة، فيجوز لها كل عمل
تشترط فيه الطهارة فلها أن تدخل المساجد وتمكث فيها وأن تقرأ
العزائم وتمس خط القرآن، ويجوز وطؤها.
وإذا أخلت بأغسال الصلاة، فالأقوى جواز دخول المساجد لها والمكث
فيها وقراءة العزائم، وإن كان الأحوط استحبابا أن تغتسل لها، ولا
يجوز وطؤها على الأحوط بل على الأقوى حتى تغتسل.
ولا يجوز لها مس خط المصحف حتى تغتسل،
ويكفيها غسل الصلاة.
والأحوط الوضوء معه، وإذا أرادت تكرار مس خط المصحف، ففي
وجوت تكرار الغسل لذلك تأمل. ولكن فيه احتياطا لا يترك، وأحوط
منه ترك المس مع سعة وقته.
[المسألة 603]
تجب على المستحاضة صلاة الآيات، ويجب أن تعمل لها ما تعمله
للصلاة اليومية، فيجب الغسل لها إذا لم تكن قد اغتسلت لليومية، وإذا
كانت قد اغتسلت لليومية ففي وجوب تكرار الغسل لها تأمل، وخصوصا
في الوقت ولكنه احتياط لا يترك.
[المسألة 604]
يجوز للمستحاضة أن تقضي الفوائت من الصلاة، ويجب عليها أن
تأتي بجميع ما يجب عليها من الأعمال لكل صلاة، ولا يكتفي بغسلها
للصلوات الأدائية على الأحوط.
183

[المسألة 605]
إذا أحدثت بالحدث الأصغر في أثناء غسلها استأنفت الغسل على
الأحوط وتوضأت بعده، وحين تستأنف الغسل تأتي بالأفعال التي أتت
بها أولا برجاء المطلوبية، وإذا كان الغسل ارتماسيا أعادت الغسل برجاء
المطلوبية ثم توضأت، وقد تقدم ذلك في المسألة الأربعمائة والسابعة
والتسعين.
[المسألة 606]
إذا أجنبت أو مست ميتا في أثناء غسلها من الاستحاضة وكان غسلها
مرتبا جاز لها أن تعدل عنه إلى الارتماس فترتمس بنية الغسلين معا،
ولا وضوء عليها بعده إذا كان أحدهما جنابة، ويجوز لها أن تتم غسلها
الأول ثم تغتسل بعده للحدث الجديد ترتيبا أو ارتماسا إذا لم يناف
ذلك المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة وإذا استحاضت بالكبرى
في أثناء الغسل للوسطى استأنفت الغسل والعمل للكبرى.
[المسألة 607]
قد يتفق للمرأة أن تستحاض بالوسطى أو بالكبرى مدة قصيرة ثم
ينقطع دمها انقطاع برء قبل صلاة الفريضة، فيجب عليها الغسل
لتلك الفريضة، فإذا رأت مثل هذه الاستحاضة القصيرة خمس مرات
في اليوم، قبل كل واحدة من الفرائض الخمس مرة، وجب عليها
الغسل في ذلك اليوم خمس مرات بعدد الاستحاضات الخمس التي رأتها.
[الفصل الثلاثون]
[في النفاس]
[المسألة 608]
الرابع من الأغسال الواجبة: غسل النفاس.
وسببه هو خروج دم النفاس من المرأة، وهو دم تقذفه الرحم مع
الولادة أو بعدها، على وجه يعلم استناد خروج الدم إلى الولادة، سواء
كان الجنين تام الخلقة أم لا وإن لم تلج فيه الروح، وفي المضغة والعلقة
184

اشكال، فلا يترك الاحتياط في الدم الذي يخرج معهما بالجمع بين
أعمال المستحاضة والنفساء.
وإذا شك في الولادة لم يحكم على الدم الذي يخرج في تلك الحال
بالنفاس، وإذا علم بالولادة وشك في استناد الدم إليها ففي الحكم بأنه
نفاس اشكال.
[المسألة 609]
ما يخرج من الدم قبل أول جزء من الولد لا يكون نفاسا، فإن استمر
ثلاثة أيام أو أكثر، وفصل بينه وبين النفاس بعشرة أيام حكم بأنه
حيض، وإن لم يفصل بينه وبين النفاس أقل الطهر، فلا يترك الاحتياط
فيه بالجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض وإن كان في أيام
عادة الحيض، أو كان متصلا بالنفاس ولم يزد مجموعهما على عشرة أيام.
وما علم بأنه دم مخاض فهو استحاضة، وإن كان متصلا بدم النفاس
ولم يزد مجموعهما على العشرة.
[المسألة 610]
لا حد للنفاس في القلة، فقد يكون قطرات قليلة من الدم تسقط على
المرأة في أثناء العشرة، وإذا لم تر المرأة دما فلا نفاس لها، وإذا رأت
الدم بعد عشرة أيام من حين الولادة لم يكن نفاسا.
وأكثر النفاس عشرة أيام، وإن كان الأولى للمرأة إذا استمر بها
الدم فتجاوز العشرة أن تحتاط بعد أيام عادتها، أو بعد العشرة إذا
لم تكن ذات عادة إلى ثمانية عشر يوما من الولادة فتجمع بين الوظيفتين.
[المسألة 611]
يبتدئ النفاس عند ظهور أول جزء من الولد، ولكن عشرة النفاس
لا تبتدئ إلا بعد تمام الولادة، فالمدة التي تكون ما بين أول الولادة
وتمامها لا تعد من العشرة وإن طالت وعدت جزءا من النفاس، وإذا
حدثت الولادة ليلا ابتدأ النفاس مع الولادة كما ذكرنا فتكون الليلة
جزءا من النفاس ولا يبتدئ حساب عشرة النفاس إلا من أول النهار،
185

وإذا حصلت الولادة في أثناء النهار ابتدأ حساب العشرة من تمام الولادة،
وأكمل نقصان اليوم الأول من اليوم الحادي عشر، فإذا كانت الولادة
في الساعة السابعة من النهار مثلا لم تتم العشرة إلا في الساعة السابعة
من اليوم الحادي عشر.
[المسألة 612]
إذا انقطع دم النفساء على العشرة أو قبل تمامها فجميع الدم الذي
رأته نفاس، سواء استغرق العشرة كلها أم بعضها، وسواء رأته مجتمعا
في بعض العشرة أم رأته متفرقا فيها، وإن كان يوما ويوما، ولا يترك
الاحتياط في النقاء المتخلل بأن تجمع بين أعمال النفساء والطاهر، وقد
سبق نظير ذلك في الحيض.
ولا فرق في الحكم المذكور بين ذات العادة وغيرها، ومن تكون عادتها
عشرة أيام أو أقل.
وإذا استمر الدم فتجاوز عشرة أيام، فإن كانت المرأة ذات عادة
معلومة في الحيض أخذت بأيام عادتها فجعلتها نفاسا، وجعلت الدم
الباقي استحاضة، والأحوط - كما تقدم - أن تجمع في الباقي بين
الوظيفتين إلى ثمانية عشر يوما من الولادة.
مبتدئة أو مضطربة فنفاسها عشرة أيام، والباقي
استحاضة، والأحوط أن تجمع فيه بين الوظيفتين إلى الثمانية عشر
كما تقدم.
[المسألة 613]
إذا كانت المرأة ذات عادة ولم تر الدم في أيام عادتها بل رأته بعد
انقضائها ثم استمر حتى تجاوز العشرة من حين الولادة، أخذت بمقدار
عادتها من حين رؤية الدم، فإذا زاد ذلك على العشرة من حين الولادة
اقتصرت على اتمام العشرة ومعنى ذلك أنها تأخذ بأقل الأمرين من
العادة واتمام العشرة، فإذا كانت عادتها أربعة أيام ورأت النفاس في
اليوم الخامس تنفست به إلى اليوم الثامن وهي مقدار أيام عادتها.
186

وإذا كانت عادتها ستة أيام، ورأت الدم في اليوم السابع تنفست به
إلى نهاية العشرة ولم تكمل العادة، والأحوط أن تجمع بين الوظيفتين
بعد ذلك إلى الثمانية عشر إذا استمر الدم إليها.
وإذا رأت الدم في أثناء العادة ولم تره في أولها، ثم استمر حتى
تجاوز العشرة، تنفست به من حين رؤيته وأخذت كذلك بأقل الأمرين
من العادة واتمام العشرة، فإذا كانت عادتها سبعة أيام ورأت الدم في
اليوم الثالث من العادة، فنفاسها سبعة أيام إلى اليوم التاسع، وهي أيام
عادتها وإذا رأت الدم في اليوم السادس فنفاسها خمسة أيام إلى اليوم
العاشر، وهي ما تحتمله العشرة من أيام العادة، والاحتياط بالجمع
إلى الثمانية عشر.
[المسألة 614]
الدم المتقدم على النفاس إذا لم ينقص عن ثلاثة أيام وفصل بينه
وبين النفاس عشرة أيام حكم بأنه حيض، وإن لم يفصل بينه وبين
النفاس بعده بأقل الطهر فالحكم فيه مشكل، ولا يترك الاحتياط فيه
بالجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض كما تقدم في المسألة
الستمائة والتاسعة.
وأما الدم المتأخر عن النفاس فالظاهر اعتبار الشرط المذكور فيه
فلا يكون حيضا حتى يفصل بينه وبين النفاس قبله بأقل الطهر، فإذا
رأته المرأة قبل أن تتم العشرة كان استحاضة والاحتياط حسن.
[المسألة 615]
لا يشترط أن يفصل ما بين النفاسين أقل الطهر كما في ولادة التوأمين،
فإذا ولدت أحدهما ورأت الدم بعده عشرة أيام أو بعدد أيام عادتها
إذا كانت ذات عادة أقل من العشرة، ثم ولدت الآخر ورأت الدم بعده
كذلك كان لها نفاسان مستقلان، وإن اتصل الدمان ولم يفصل بينهما
نقاء أصلا فضلا عن أقل الطهر.
وإذا استمر بها الدم فنفاسها للأول بمقدار عادتها، وكذلك نفاسها
للثاني بعده، وإذا لم تكن لها عادة فنفاسها عشرون يوما، لكل واحد
187

منهما عشرة أيام وكان الزائد عليها استحاضة.
وإذا زاد الدم ما بين الولادتين على عشرة أيام كان الزائد من هذا
الدم على العادة في ذات العادة، والزائد على العشرة منه في غير ذات العادة
استحاضة كذلك.
وإذا ولدت الثاني قبل أن تتم العادة من النفاس الأول أو قبل أن
تتم العشرة لغير ذات العادة وكان الدم مستمرا تداخل النفاسان في
بعض الأيام.
وإذا فصل ما بين النفاسين أقل الطهر، أو فصل بينهما نقاء بعد أن
أتمت العادة من النفاس الأول أو بعد العشرة لغير ذات العادة وجب أن
تعمل فيه أعمال الطاهر.
وإذا حصل النقاء في أثناء العادة أو في أثناء العشرة لغير ذات العادة
احتاطت في ذلك النقاء بالجمع بين أعمال النفساء والطاهر كما تقدم.
[المسألة 616]
إذا استمر الدم بعد الولادة مدة طويلة، فالنفاس منه هو أيام العادة
لذات العادة، والعشرة الأولى لغيرها، وما زاد على ذلك فهو استحاضة،
ولا يكون حيضا وإن اتفق في أيام العادة في الحيض أو كان بصفته.
وإذا حصل أقل الطهر بعد انتهاء أيام النفاس والدم لا يزال مستمرا،
فإن اتفق الزائد عليه مع أيام العادة في الحيض حكم بحيضيته، وإن
لم يكن فيها أو لم تكن ذات عادة رجعت المبتدئة والمضطربة والناسية
إلى التفاصيل التي ذكرناها في مستمرة الدم.
[المسألة 617]
إذا انقطع دم النفساء ظاهرا واحتملت وجوده في الباطن وجب عليها
في الأحوط اختبار حالها بادخال القطنة ونحوها وتركها هنيهة ثم
اخراجها وملاحظتها على نحو ما تقدم في الاستبراء من الحيض.
[المسألة 618]
إذا استمر الدم بالنفساء إلى ما بعد العادة في الحيض، واحتملت أنه
188

يتجاوز العشرة وجب عليها الاستظهار بترك العبادة إلى أن يستبين لها
الحال أو تتم العشرة، فإذا تجاوز الدم العشرة وجب عليها قضاء
الصلاة والصوم كما تقدم في الحيض.
[المسألة 619]
تشترك النفساء مع الحائض في عامة أحكامها فتحرم عليها العبادات
المشروطة بالطهارة، ويحرم عليها مس كتابة القرآن. ويحرم عليها
مس اسم الله وقراءة العزائم وأبعاضها حتى البسملة بقصدها ودخول
المساجد والمكث فيها على الأحوط في مس اسم الله وما بعده جميعا،
ويحرم وطؤها وطلاقها، ويكره وطؤها بعد انقطاع الدم عنها وقبل
الغسل ويجب عليها الغسل بعد انقطاع النفاس، أو انتهاء العادة أو
العشرة في غير ذات العادة، إذا علمت بتجاوز الدم العشرة، ويجب عليها
قضاء الصوم والصلاة الواجبين غير اليومية.
ويستحب لها الوضوء في أوقات الصلاة وأن تقعد في مصلاها مستقبلة
القبلة، وتشتغل بذكر الله بقدر الصلاة.
[المسألة 620]
غسل النفاس كغسل الجنابة في كيفيته ترتيبا أو ارتماسا، والأحوط
الذي لا ينبغي تركه أن يضم الوضوء إليه، وإن كان الأقوى كفاية
الغسل عن الوضوء فيه وفي جميع الأغسال، وقد تقدم ذكر ذلك.
[الفصل الحادي والثلاثون]
[في غسل مس الميت]
[المسألة 621]
الخامس من الأغسال الواجبة: غسل مس الميت.
وسببه أن يمس الانسان انسانا ميتا بعد برد جميع جسده بالموت،
وقبل اتمام غسله، فلا يجب الغسل بمس ميت غير الانسان، ولا يجب
بمس ميت الانسان قبل أن يبرد جميع جسده وإن برد بعضه، أو برد
189

جميع جسده بسبب غير الموت، ولا يجب الغسل إذا مسه بعد أن يتم
غسله.
ولا يسقط وجوب الغسل إذا مسه قبل أن تتم أغساله الثلاثة لجميع
الأعضاء، وإن كان العضو الذي مسه مما كمل تغسيله، وإذا غسل
الميت غسلا اضطراريا، كما إذا غسل بالماء القراح لعدم السدر أو
الكافور، وكما إذا غسله الكافر لفقد المماثل المسلم، ففي سقوط
غسل المس بعده اشكال، وكذلك إذا يمم الميت لبعض الأعذار، فلا
يترك الاحتياط بغسل من مسه، وبتطهير ملاقي بعض أعضائه مع
الرطوبة المسرية.
ولا فرق في وجوب الغسل بين أن يكن الميت مسلما أو كافرا،
ومماثلا للماس أو غير مماثل، وصغيرا أو كبيرا، حتى الجنين الذي
تم له أربعة أشهر، ولا فرق فيه بين أن يكون الجزء الذي مسه من الميت
مما تحله الحياة أو لا إذا كان متصلا به كعظمه وظفره وشعره إذا كان
قصيرا، بل وإن مسه بجزء لا تحله الحياة من الماس نفسه كعظمه وظفره
وشعره إذا كان قصيرا يصدق معه أنه مس الميت، أما إذا كان الشعر
من الميت أو من الماس طويلا، فالظاهر عدم صدق مس الميت بمجرد
تلاقيهما أو ملاقاة أحدهما لجسد الآخر.
[المسألة 622]
إذا مس قطعة مبانة من الميت أو مبانة من الحي وكانت مشتملة على
العظم وجب عليه الغسل، ولا يجب إذا كانت القطعة مجردة عن العظم،
ولا يجب عليه الغسل إذا مس العظم المجرد من الحي أو من الميت، أو
مس السن المنفصل عن الميت، وإذا كان مع السن لحم معتد به وجب
الغسل بمسه، سواء كان من الميت أم الحي، ولا اعتناء باللحم القليل،
ولا يجب الغسل بمس سرة الطفل بعد قطعها.
[المسألة 623]
لا يجب الغسل حتى يتحقق أنه قد مس الميت الانسان بعد برده
بالموت، فإذا شك في تحقق المس منه، أو شك في أن الذي مسه كان
190

ميتا أم حيا، أو أن المس كان قبل برده بالموت أم بعده، أو شك في أن
الذي مسه كان انسانا أم حيوانا، أو أنه مس جسد الميت أم ثيابه لم
يجب عليه الغسل فجميع ذلك.
وإذا علم أنه مس الميت وشك في أن الميت قد غسل أم لا، وجب
عليه الغسل.
وإذا علم بأنه مس الميت، وبأن الميت قد غسل، وشك في أنه مس
الميت قبل الغسل أم بعده، فإن علم تأريخ المس فالأحوط له الغسل،
وإن جهل التأريخين معا، أو علم تأريخ الغسل لم يجب عليه الغسل
بمسه.
[المسألة 624]
إذا مس الهيكل العظمي للانسان المجرد عن اللحم وكان قبل تغسيله
وجب عليه الغسل، وكذلك إذا شك في أنه قد غسل أم لا.
[المسألة 625]
إذا وجد ميتا في مقبرة المسلمين وشك في تغسيل ذلك وعدمه
لم يبعد وجوب الغسل بمسه.
[المسألة 626]
لا فرق في وجوب الغسل بين أن يكون مختار في مس الميت أو مضطرا
إليه، ولا بين أن يكون مكلفا حال المس أو غير مكلف، فإذا مس الميت
في حال النوم أو الغفلة أو النسيان أو كان الماس صغيرا أو مجنونا وجب
الغسل على المكلف إذا علم به بعد اليقظة والتذكر، ويجب الغسل على
الطفل بعد البلوغ ويصح منه قبل البلوغ إذا كان مميزا، ويجب على
المجنون بعد الإفاقة.
[المسألة 627]
إذا مس الانسان قطعة مبانة منه نفسه مشتملة على العظم وجب
الغسل عليه بمسها كما يجب على الغير، والأحوط إن مس القطعة المبانة
من الحي يوجب الغسل وإن كان المس قبل بردها.
191

[المسألة 628]
لا يترك الاحتياط بغسل المرأة إذا تولد منها طفل ميت فحصلت
المماسة في باطن فرجها، ولا يترك الاحتياط كذلك في الطفل إذا تولد
من أمه بعد موتها، فعليه أن يغتسل غسل المس بعد بلوغه، أو بعد
أن يكون مميزا.
[المسألة 629]
من وجب قتله شرعا لقصاص أو حد إذا أمر فاغتسل قبل قتله غسل
الأموات ثم قتل، لا يكون مسه بعد برده موجبا للغسل، وكذلك الشهيد
الذي لا يجب تغسيله، فلا يجب الغسل بمسه، وسيأتي بيان حكمه في
المسألة الستمائة والرابعة والخمسين.
[المسألة 630]
غسل مس الميت، كغسل الجنابة في الكيفية، ولا يجب الوضوء معه
على الأقوى كما لا يجب مع سائر الأغسال، وإن كان الأحوط أن لا يترك
الوضوء معه.
[المسألة 631]
لا يحرم على من مس الميت أن يدخل المساجد والمشاهد وأن يمكث
فيها، ولا تحرم عليه قراءة سور العزائم وآياتها، وإذا كان امرأة لم
يحرم وطؤها على زوجها.
[المسألة 632]
مس الميت حدث أصغر ولكنه يوجب الغسل كما ذكرنا، فيجب عليه
الغسل لكل واجب تشترط فيه الطهارة من الحدث الأصغر، ويشترط
في كل عمل تشترط فيه الطهارة وإن لم يكن واجبا.
وإذا تكرر منه المس لم يتكرر عليه وجوب الغسل.
[المسألة 633]
تراجع المسألة الأربعمائة والسابعة والتسعون والمسألة الأربعمائة
192

والتاسعة والتسعون في حكم من أحدث بالحدث الأصغر أو الحدث الأكبر
في أثناء غسله.
[المسألة 634]
إذا مس الميت مع الرطوبة المسرية تنجس العضو الذي لامسه به
ووجب تطهيره، سواء كان ذلك قبل برد الميت أم بعده، وإذا مسه بعد
البرد وجب عليه غسل المس كما تقدم، سواء كان مسه مع الرطوبة أم
بدونها ووجب عليه تطهير العضو اللامس قبل الغسل إذا كان مع
الرطوبة.
[الفصل الثاني والثلاثون]
[في أحكام الأموات]
[المسألة 635]
أهم الواجبات على العبد توبته عن المعاصي، ولا يختص وجوبها
بحال المرض أو عند ظهور أمارات الموت، بل هي واجبة في كل حال،
ولكن العبد قد يتغافل عن هذا الأمر العظيم أو يتساهل فيه، ويكون
تنبهه لضرورته عند المرض أو عند ظهور أمارات الموت أكبر وأكثر،
وعلى أي حال فيجب الحذر من التسويف في التوبة والتغافل عنها، فإنه
يؤدي إلى أمور موبقة، وأدنى ما يؤدى إليه ثقل التبعة عليه بتراكم
الذنوب، وتكثر الحقوق لله وللناس، وضعف النفس وضعف البدن إلى
غير ذلك من اللوازم التي يعسر عدها وقد يتعذر حدها.
[المسألة 636]
قالوا: إن حقيقة التوبة هي ندم العبد على ما فعل من المعاصي،
والظاهر أنه لا يكفي مطلق الندم في تحقق التوبة حتى يشتد ذلك ويبلغ
إلى مرتبة يتراجع معها العبد عما اقترف من الأعمال وتنزجر نفسه عن
فعلها، وهذا هو معنى العزم على ترك العود إلى المعصية.
وأما الاستغفار فهو مظهر من مظاهر التذلل والخضوع الذي يبدو
على العبد المذنب في هذا المجال.
193

[المسألة 637]
إذا ظهرت أمارات الموت على الانسان تعين عليه رد الودائع والحقوق
الفورية إلى أهلها مع الامكان، وكذلك الحقوق والأموال الأخرى، إذا
لم يطمئن من وصيه أو وارثه بأنه يوصلها إلى أهلها، ويتخير في ما
سوى ذلك بين ردها إلى أهلها والوصية المحكمة بها، بحيث لا يطرأ عليها
الخلل بعد موته، والأحوط الرد إلى أهلها مع الامكان مطلقا.
[المسألة 638]
تجب الوصية بما عليه من الواجبات كالصلاة والصيام والحج والحقوق
الشرعية المالية، ويتخير في الواجبات التي يجب على الولي
قضاؤها من بعده بين أن يعلم الولي بها ليقضيها عنه بعد الموت أو
يوصي بالإجارة عليها.
[المسألة 639]
يجب عليه أن ينصب قيما على أطفاله إذا كان في عدم نصب القيم
تضييع لهم أو تضييع لأموالهم، ولا يجب في ما عدا ذلك.
ويجب أن يكون القيم الذي يجعله على الأطفال أمينا،
وكذلك الوصي الذي يعينه على أداء حقوقه الواجبة، بل حتى من يجعله وصيا على
صرف ثلثه أو بعض ماله في الخيرات غير الواجبة، يعتبر فيه أن يكون
أمينا على الأحوط إن لم يكن هو الأقوى.
[المسألة 640]
يجب أن يوجه المحتضر إلى القبلة على الأحوط إذا كان مسلما
أو بحكم المسلم، بأن يجعل مستلقيا على ظهره ويجعل وجهه وباطن قدميه
إلى القبلة، سواء كان ذكرا أم أنثى، وصغيرا أم كبيرا، بل يجب
ذلك على المحتضر نفسه في حال شعوره على الأحوط، وإذا تولى توجيهه غيره
فالأحوط أن يكون بإذن الولي، فإن لم يمكن فالأحوط الاستئذان من
الحاكم الشرعي.
والأحوط أن يستمر الاستقبال به على الوجه المذكور إلى الفراغ
من تغسيله، والأولى بعد ذلك أن يكون الاستقبال به كحال الصلاة
194

والدفن، فيكون رأسه عن يمين المصلي إذا استقبل القبلة للصلاة ورجلاه
إلى يساره
[المسألة 641]
يستحب نقل المحتضر إلى مصلاه إذا اشتد به النزع، إذا لم يوجب
ذلك أذاه، وإلا كان محرما.
ويستحب تلقينه الشهادتين والاقرار بالأئمة الاثني عشر والعقائد
الحقة وافهامه ذلك وتكراره عليه.
ويستحب للمحتضر أن يتابع ذلك بلسانه وقلبه، وأن يلقن كلمات
الفرج وهي: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم،
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن
ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين).
وأن يلقن هذا الدعاء: يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل
مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور، وأن يكرر ما قاله
الإمام زين العابدين (ع) عند موته، اللهم ارحمني فإنك رحيم. فإنه
ردده، حتى توفي صلوات الله عليه.
ويستحب أن يقرأ عنده سورة يس، وسورة الصافات وآية الكرسي،
والآيات الثلاث من آخر سورة البقرة بل مطلق القرآن.
[المسألة 642]
يستحب تغميض عينيه بعد الموت وشد لحييه وأطباق فمه وتغطيته
بثوب ونحوه، واعلام إخوانه المؤمنين ليحضروا جنازته، ومما ينبغي
فعله مد رجليه واسبال يديه إلى جنبيه.
ومما يستحب التعجيل في دفنه إلا إذا شك في موته فيجب الانتظار
حتى يحصل العلم بالموت.
[المسألة 643]
يكره أن يمس المحتضر في حال النزع، بل يظهر من بعض النصوص
195

إن ذلك يوجب أذيته والإعانة عليه، ولذلك فيكون الأحوط تركه،
ويكره أن يحضره عند احتضاره جنب أو حائض، ويكره أن تترك
جنازته وحدها بعد الموت.
وأما البكاء عنده قبل الموت من الرجال أو النساء، فإن أوجب أذاه
أو تعجيل منيته كان محرما، وإلا فلا دليل على كراهته.
[المسألة 644]
تغسيل الميت وتكفينه وسائر الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيزه
كلها من الفروض الكفائية، فهي واجبة على جميع المكلفين ممن بلغهم
أمره، فإذا قام بالعمل بعض المكلفين على الوجه المطلوب سقط وجوبه
عن الآخرين، وإن تركه الكل أثموا جميعا بتركه، ولا يختص الوجوب
بولي الميت على الأقوى، نعم يشترط في صحة الأعمال إذا قام بها غير
الولي أن يكون قيامه بها بإذن الولي فلا تصح إذا قام بها بغير إذنه،
ويكفي أن يعلم إذنه بشاهد الحال القطعي وبالفحوى.
[المسألة 645]
إذا كان ولي الميت غائبا لا يمكن الاستئذان منه أو كان صغيرا أو
مجنونا فلا يترك الاحتياط بالاستئذان من الحاكم الشرعي، ومن المرتبة
المتأخرة عنه من الأولياء، وإذا امتنع الولي من أن يباشر تجهيز الميت
بنفسه وأن يأذن للآخرين به، فإن أمكن للحاكم الشرعي أن يجبره على
أحد الأمرين أجبره على أحدهما، وإن لم يمكن له ذلك استؤذن من
الحاكم الشرعي ومن المرتبة المتأخرة من الأولياء، على الأحوط.
[المسألة 646]
ولي الميت هو وارثه الشرعي من غير فرق بين أن يكون نصيبه في
الميراث كثيرا أو قليلا، ولذلك فتكون طبقات الأولياء مترتبة حسب
طبقات الأرحام في الميراث، فالطبقة الأولى هم الأبوان والأولاد،
والثانية هم الأجداد والإخوان، والثالثة هم الأعمام والأخوال،
وتشترك الإناث في كل طبقة مع الذكور في الولاية، فإذا فقد الأرحام
196

فالولاية للمعتق، ثم لضامن الجريرة ثم للحاكم الشرعي ثم لعدول
المؤمنين على الأحوط في هذين الأخيرين.
[المسألة 647]
إذا اشتملت الطبقة من الأولياء على بالغين وغير بالغين، فالولاية
للبالغين ولا حاجة إلى استئذان ولي الطفل، ومن انتسب إلى الميت
بالأبوين فهو أولى ممن انتسب إليه بأحدهما على الأحوط إن لم يكن
أقوى، ومن انتسب إليه بالأب فهو أولى ممن انتسب إليه بالأم على
الأحوط كذلك.
[المسألة 648]
زوج المرأة الميتة أولى بها حتى من أبيها وولدها، وحتى من مالكها
إذا كانت أمة، سواء كانت الزوجة دائمة أم منقطعة، ومالك العبد
والأمة أولى بهما من جميع أرحامهما وإن كانوا أحرارا.
ويشترك الأب والأم والأولاد في الولاية على الأقوى، ولا يقدم
بعضهم على بعض، سواء كان الأولاد ذكورا أم إناثا، نعم، يقدم
الأولاد على أولاد الأولاد.
وفي تقديم الأجداد على الإخوة في الولاية اشكال، وخصوصا إذا كان
الأجداد للأم، فلا يترك الاحتياط، وتقدم الإخوة على أولاد الإخوة،
ويشترك الأعمام والأخوال، ويقدمون على أولادهم.
[المسألة 649]
إذا تعدد الأولياء وكانوا من أهل مرتبة واحدة، كفى أن يحصل
الإذن من بعضهم إذا لم يمنع الآخرون.
[المسألة 650]
إذا أوصى الانسان إلى أحد غير وليه الشرعي أن يباشر تجهيزه بعد
موته أو يقوم ببعض الأعمال كالصلاة عليه مثلا، لم يجب على ذلك
الشخص القبول، ولكنه إذا قبل صح له أن يقوم بالعمل ولم يحتج إلى
إذن الولي.
197

وإذا أوصى إليه بأن يكون وليا على ذلك كان له رد الوصية في حياة
الموصي بحيث يبلغه الرد، فإذا هو لم يرد في حياة الموصي أورد في
حياته ولم يبلغه الرد حتى مات، وجب عليه القبول، ووجب الاستئذان
منه دون الولي، وإن كان الأحوط الاستئذان منهما معا.
[المسألة 651]
إذا أذن الولي لأحد بتجهيز الميت أو الصلاة عليه مثلا ثم رجع عن
إذنه في أثناء العمل لم يجز للمأذون له أن يتم العمل، وكذلك إذا كان
الولي غائبا فحضر في أثناء العمل، أو كان مجنونا فأفاق، أو كان عاقلا
فجن، أو مات وانتقلت الولاية إلى غيره فلا بد في اتمام العمل من إذن
الولي الجديد أو مباشرته العمل بنفسه. وأما الصلاة فلا بد من إعادتها
وإذا طرأ شئ مما ذكر بعد تمام العمل لم يضر بصحته ولم يحتج إلى
الإعادة.
[المسألة 652]
يجب تغسيل كل ميت مسلم وإن كان مخالفا للمذهب على الأحوط
فيه، وإذا غسل الشيعي ميتا يخالفه في المذهب فلا بد وأن يكون الغسل
على النهج المعتبر عند الشيعة وإذا غسله أهل مذهبه على طريقتهم
اكتفى بذلك وسقط الوجوب.
ولا يجوز تغسيل الكافر وإن كان مرتدا قبل أن يتوب، ولا تغسيل من
حكم بكفره ممن انتسب إلى الاسلام كما تقدم في مبحث النجاسات.
وأطفال المسلمين بحكم المسلمين حتى ولد الزنا منهم على الأحوط،
وأطفال الكافرين بحكمهم حتى ولد الزنا منهم.
[المسألة 653]
إذا تم لجنين المسلم أربعة أشهر ثم سقط ميتا وجب تغسيله وتكفينه
ودفنه، وإذا سقط لأقل من أربعة أشهر لم يجب غسله بل يلف في خرقة
على الأحوط ويدفن.
198

[المسألة 654]
يستثنى من الحكم المتقدم وهو وجوب تغسيل كل ميت مسلم صنفان:
الصنف الأول: الشهيد، وهو من قتل في الجهاد بين يدي المعصوم (ع)
أو نائبه الخاص، أو قتل في الجهاد في حفظ بيضة الاسلام وإن كان
في حال الغيبة، سواء كان المقتول ممن يجب عليه الجهاد أم لا، كالمرأة
والصبي والمجنون إذا قتل في المعركة وخرجت روحه فيها، فلا يجوز
تغسيله، ويشكل الحكم إذا خرجت روحه بعد اخراجه من المعركة أو
خرجت روحه في المعركة بعد انقضاء الحرب.
ولا تنزع ثياب الشهيد عنه، سواء أصابها دم أم لا، فإن كانت ثيابه
كافية لستر بدنه لم يكفن، وصلي عليه ودفن، وإن كان عاريا وجب
تكفينه، وإن كانت ثيابه غير كافية لستره تمم ستره ببعض قطعات
الكفن ثم صلي عليه ودفن.
الصنف الثاني: من وجب قتله شرعا بحد أو قصاص، فيجب عليه
أن يغتسل قبل القتل غسل الميت بالمياه الثلاثة، وأن يلبس الكفن
الواجب على نحو لا يمنع من اجراء الحد أو القصاص عليه، وأن يتحنط
كحنوط الميت، فإذا قتل صلي عليه ودفن من غير تغسيل، فإن كان
يجهل هذا الحكم أمر به.
ولا يجب غسل الكفن من الدم الذي يصيبه بسبب إقامة الحكم عليه،
ولا تجب إعادة الغسل إذا أحدث قبل القتل.
[المسألة 655]
إذا مس أحد جسد الشهيد بعد خروج روحه في المعركة أو مس
المقتول بالحد أو القصاص بعد اجراء الحكم المتقدم عليه لم يجب عليه
غسل مس الميت.
[المسألة 656]
القطعة المنفصلة من جسد الميت قبل تغسيله إذا كانت لا تشتمل على
عظم لا يجب تغسيلها ولا تكفينها ولا غيرهما من أحكام الميت، بل تلف
في خرقة وتدفن على الأحوط فيه، وفي أكثر ما ذكر في هذه المسألة.
199

وإذا كانت مشتملة على عظم، أو كانت عظما مجردا عن اللحم،
وكانت غير الصدر غسلت غسل الميت، ولا يترك الاحتياط بتكفينها
بما يتناولها من القطع الثلاث الواجبة في الكفن فإذا كانت من الأطراف
كالقدم مثلا، كفنت باللفافة، وإذا كانت من الأوساط كالكتف
ونحوها كفنت بالقميص واللفافة، وإذا كانت كالفخذ وأمثالها كفنت
بالمئزر والقميص واللفافة ثم دفنت بعد التكفين.
وإذا كانت مشتملة على الصدر أو كانت هي الصدر كله، أو كانت
بعض الصدر المشتمل على القلب وجب تغسيلها ثم تكفينها بالقميص
واللفافة، وبالمئزر إذا كانت مشتملة على موضعه ثم حنطت إذا كانت
موضعا للحنوط ثم صلي عليها ودفنت.
وكذلك الحكم فيها إذا كانت عظم الصدر مجردة عن اللحم.
[المسألة 657]
تجري الأحكام المتقدمة في المسألة السابقة في القطعة المبانة من جسد
الحي على الأحوط كذلك.
[المسألة 658]
إذا وجد الهيكل العظمي للانسان مجردا عن اللحم جرت عليه أحكام
الميت كلها، وكذلك إذا وجدت العظام كلها مجردة عن اللحم وإن
انفصل بعضها عن بعض.
[المسألة 659]
إذا وجد جسد الميت كله وقد قطعت بعض أعضائه أو جميعها أجريت
عليه أحكام الميت مع الامكان، فيجب تغسيل جميع أوصاله حتى القطع
التي لا عظم فيها، ويجب تكفينها وتحنيطها والصلاة عليها ودفنها، فإن
لم يمكن الغسل يمم الميت بدلا عن الغسل كما سيأتي بيانه، ثم أجريت
عليه بقية الأحكام.
200

[الفصل الثالث والثلاثون]
[في كيفية غسل الميت]
[المسألة 660]
تجب قبل غسل الميت إزالة النجاسات الأخرى عن جسده، والأحوط
أن تكون إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل، بل لا يترك
هذا الاحتياط ما أمكن، والمراد بإزالة النجاسة: تطهير البدن منها على
الوجه الذي تطهر به الأجسام من تلك النجاسة لا مجرد إزالة العين عنه،
وإذا أصابته النجاسة في أثناء الغسل طهر موضع النجاسة وأتم الغسل.
[المسألة 661]
يجب أن يغسل الميت ثلاثة أغسال تامة:
الأول بماء السدر، والثاني بماء الكافور، والثالث بالماء القراح،
ويجب الترتيب بين الأغسال الثلاثة على الوجه المذكور.
ويجب في كل واحد من الأغسال الثلاثة الترتيب بين أجزاء الجسد
على النحو الذي تقدم بيانه في الغسل الترتيبي للجنابة، فيجب غسل
الرأس والرقبة أولا، ثم غسل الجانب الأيمن من الجسد ثانيا ويغسل
معه نصف العورة الأيمن قبلا ودبرا، ونصف السرة كذلك، والأحوط
غسلهما جميعا مع الجانبين كما تقدم، ثم غسل الجانب الأيسر من
الجسد ثالثا، وتراجع المسألة الأربعمائة والسادسة والستون.
[المسألة 662]
إذا خالف الترتيب بين الأغسال الثلاثة، فقدم الكافور على السدر
أو قدم القراح على الكافور أو عليهما، وجبت الإعادة على وجه يحصل
معه الترتيب بينها، فإذا قدم الكافور على السدر أعاد الغسل بالكافور
بعد أن يتم الغسل بالسدر ثم يغسله بالقراح وهكذا إذا قدم القراح
على الكافور أو عليهما.
201

وإذا خالف الترتيب بين أعضاء البدن في أحد الأغسال الثلاثة أعاده
على ما يحصل معه الترتيب بين الأعضاء في ذلك الغسل كما سبق بيانه
في المسألة الأربعمائة والسابعة والستين، ثم أتى ببقية الأغسال على
الترتيب ما بينها.
[المسألة 663]
لا يكفي الغسل الارتماسي في غسل الأموات - على الأحوط - بأن
يرمس الميت ارتماسة واحدة عن كل واحد من أغساله. نعم، يكفي
رمس كل واحد من أعضاء الميت الثلاثة في الماء الكثير بقصد غسل ذلك
العضو مع الترتيب، فيرمس رأس الميت ورقبته أولا بقصد غسلهما،
ثم يرمس الجانب الأيمن منه ثانيا، ثم يرمس الجانب الأيسر ثالثا،
وهو من الترتيب لا من الارتماس.
ويندر تحقق ذلك في الغسل بالسدر وبالكافور لندرة الماء الكثير
مع الخليطين.
[المسألة 664]
يعتبر في الغسل الأول: أن يكون السدر بمقدار يصدق معه أن الميت
غسل بماء وسدر، وأن يكون الكافور في الغسل الثاني بمقدار يصدق
معه أنه غسل بما وكافور، ولا يجزي فيهما ما هو أقل من ذلك، ولا
يصح الغسل إذا كان الخليط من السدر أو الكافور يوجب صيرورة الماء
مضافا لكثرته.
[المسألة 665]
إذا تعذر وجود السدر سقط اعتباره في الغسل، وغسل الميت بالماء
القراح بدلا عنه مع مراعاة الترتيب، فيغسل بالماء القراح أولا بقصد
البدلية عن ماء السدر، ثم يغسل بماء الكافور، ثم بالماء القراح،
وكذلك إذا تعذر وجود الكافور، فيغسل بماء السدر أولا، ثم بالماء
القراح بدلا عن ماء الكافور ثم بالماء القراح أخيرا، وإذا تعذر السدر
والكافور معا غسل بالماء القراح بدلا عن السدر أولا، ثم غسل به
بدلا عن الكافور، ثم بالماء القراح.
202

[المسألة 666]
إذا تعذر وجود الماء أو خشي تمزق جلد الميت أو تناثر لحمه بتغسيله
بالماء سقط وجوب غسله، ويمم ثلاث مرات بدلا عن أغساله الثلاثة
على الترتيب فيها، ولا يترك الاحتياط في أن يأتي بأحد التيممات الثلاثة
بقصد الأمر الفعلي المتوجه إليه بالتيمم.
[المسألة 667]
إذا وجد المكلف من الماء ما يكفي لواحد من الأغسال فقط، فإن فقد
السدر والكافور أيضا فالأحوط أن ييمم الميت بدلا عن السدر، ثم ييممه
بدلا عن الكافور، ويغسله بعد ذلك بالماء بقصد ما في الذمة، ثم ييممه
مرتين، أولاهما عن الكافور، وثانيتهما عن القراح.
وإن وجد الخليطين معا، تخير في صرف الماء الذي عنده بين الأغسال
الثلاثة، والأحوط أن يصرفه في السدر وييمم الميت بعده بدلا عن
الكافور ثم عن القراح.
وإذا وجد السدر وحده، تخير في صرف الماء الموجود في غسل السدر
أو في القراح، والأحوط أن يغسله بالسدر وييممه للآخرين.
وإذا وجد الكافور وحده، يممه بدلا عن السدر، وتخير في صرف
الماء إما في الكافور أو في القراح ويممه للآخر منهما، والأحوط أن
يغسله بالكافور وييممه للقراح.
[المسألة 668]
إذا لم يجد الماء فيمم الميت بدلا عن الأغسال على الوجه المتقدم، ثم
وجد الماء قبل دفن الميت وجب تغسيله وإعادة تجهيزه والصلاة عليه،
وكذلك إذا وجد الماء بعد الدفن إذا اتفق خروج الميت بعد الدفن، بل
يجب نبش الميت لذلك إذا لم يستوجب هتكا لحرمته، وكذلك الحكم إذا لم
يجد الخليطين أو لم يجد أحدهما، فغسل الميت بالماء القراح بدلا عنهما
أو عن أحدهما، ثم وجد الخليط المفقود، فتجب الإعادة في الصورتين.
203

[المسألة 669]
إذا مات المحرم لم يجز أن يغسل بالكافور، بل يغسل بماء السدر
ثم بالماء القراح مرتين، ولم يحنط بالكافور، ولم يقرب إليه أي طيب
آخر، إلا إذا كان موته بعد الطواف والسعي في الحج، أو بعد التقصير
في العمرة. فيكون لحكم سائر الأموات.
[المسألة 670]
قد ذكرت لغسل الميت سنن ينبغي مراعاتها، وإن كان بعضها ضعيف
السند، فيؤتى به برجاء المطلوبية.
فمن السنن أن يجعل الميت - حال تغسيله - على مكان مرتفع كسرير
أو ساجة أو دكة.
وأن يستقبل به القبلة كحالة الاحتضار، بل لا يترك الاحتياط بذلك،
وأن يجعل تحت ظلال من خيمة أو سقف، وأن يحفر لغسالته حفيرة أو
نحوها، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه، ولا
حاجة إلى الاستئذان من الوارث أو وليه - إذا كان قاصرا - وأن يجعل
القميص ساترا لعورته، وأن تستر عورة الميت، وإن كان الغاسل
والحاضر ممن يجوز له النظر إليها، والأفضل تغسيل الميت من وراء
الثياب، وأن تلين أصابعه ومفاصله برفق مع امكان ذلك، وأن تغسل
يداه قبل كل واحد من الأغسال الثلاثة إلى نصف الذراع ثلاث مرات،
وأفضل منه غسلهما إلى المرافق، والأولى أن يكون قبل الغسل الأول
بماء السدر، وقبل الثاني بماء الكافور، وقبل الثالث بالماء القراح.
وأن يغسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي - وليؤت بذلك برجاء
المطلوبية، وأن يغسل فرجه قبل الغسل الأول بماء السدر والأشنان،
وقبل الغسل الثاني بماء الكافور والأشنان، وقبل الثالث بالماء القراح،
ويجب أن يكون ذلك بلا مماسة ولا نظر في غير الزوجين ومالك الأمة،
وأن يمسح بطنه برفق في الغسل الأول والثاني، فإذا خرجت منه نجاسة
طهر بدن الميت منها إلا في المرأة إذا كانت حاملا ومات ولدها في بطنها
فيكره مسح بطنها، وأن يبدأ في غسل الرأس من كل غسل بالشق
204

الأيمن منه، وأن يمسح الغاسل بدن الميت عند التغسيل بيده للاستظهار،
وأن يغسل الغاسل يديه إلى المرفقين، بل إلى المنكبين في كل واحد من
الأغسال الثلاثة ثلاث مرات وأن يغسل كل عضو من أعضاء الميت
ثلاث مرات في كل واحد من الأغسال الثلاثة، وأن يكون ماء غسله ست
قرب، وفي بعض النصوص سبع قرب، وأن ينشف بدن الميت بعد
الفراغ من غسله بثوب نظيف وشبهه، وأن يشتغل الغاسل حال تغسيله
بذكر الله والاستغفار وأن يكرر قوله: رب عفوك عفوك.
[المسألة 671]
يكره اقعاد الميت حال الغسل، وأن يجعله الغاسل بين رجليه وأن
يغسل بالماء الساخن بالنار أو مطلقا إلا مع الضرورة، وأن ترسل غسالة
غسله إلى بيت الخلاء، وأن يتخطى عليه حين تغسيله، وذكروا أنه يكره
حلق رأسه أو عانته، ونتف شعر إبطيه، وقص شاربه وقص
أظفاره وترجيل شعره وتخليل ظفره، ولا يترك الاحتياط بترك هذه الأمور
الستة جميعا، نعم إذا كثر الوسخ تحت الظفر حتى منع من جريان الماء
الواجب وجب تخليله.
[المسألة 672]
ما يسقط من بدن الميت من شعر أو ظفر أو سن أو جلد أو لحم يجب
أن يجعل معه في كفنه ويدفن.
[الفصل الرابع والثلاثون]
[في شرائط غسل الميت]
[المسألة 673]
يشترط في غسل الميت نية القربة، وقد سبق تفصيل الكلام فيها
في مبحث شرائط الوضوء، وتكفي نية واحدة للأغسال الثلاثة،
وخصوصا بناء على المختار فيها من أنها الداعي، والأحوط تجديدها
لكل واحد من الأغسال، ويصح أن يقوم بالغسل أكثر من مغسل واحد،
فيأتي كل واحد منهم بأحد الأغسال، بل يصح أن يقوم واحد بغسل
205

الرأس بماء السدر مثلا، ويأتي الثاني بغسل العضو الثاني من الميت
وهكذا مع، مراعاة الترتيب، وحينئذ فتجب النية على كل واحد من
المغسلين، وإذا كان المغسل واحدا وكان الثاني معينا له وجبت النية
على المغسل والأحوط استحبابا نية المعين.
[المسألة 674]
يشترط في الماء أن يكون مطلقا، فلا يصح بالماء المضاف، ويشترط
أن يكون الماء طاهرا على ما سبق بيانه في مبحث الوضوء والغسل، وأن
يكون الماء مباحا فلا يصح بالمغصوب، وكذلك الظرف والمصب ومكان
الغسل والسدة التي يوضع عليها الميت، والسدر والكافور فلا بد من
إباحتها، ولتفصيل ذلك تراجع المسألة الثلاثمائة والستون. وما بعدها
من فصل شرائط الوضوء.
[المسألة 675]
تشترط إزالة النجاسة عن بدن الميت، وأن تكون قبل الشروع في
غسله على الأحوط احتياطا لا يترك، كما تقدم في المسألة الستمائة
والستين، ولا بد من إزالة كل حاجب أو مانع يمنع من وصول الماء إلى
البشرة أو الشعر، وتخليل الشعر إذا كان مانعا من وصول الماء،
والفحص عن المانع إذا شك في وجوده على ما تقدم بيانه في المسألة
الثلاثمائة والثامنة والخمسين.
[المسألة 676]
يشترط في المغسل أن يكون مسلما عاقلا اثني عشريا، فلا يصح
تغسيل الكافر إلا إذا كان كتابيا وانحصر به المماثل كما سيأتي ذكره،
ولا تغسيل المخالف إلا مع الانحصار في الصورة المذكورة في الكتابي،
ولا تغسيل المجنون إلا إذا كان أدواريا وغسل الميت حال إفاقته.
وأما الصبي فالأقوى صحة تغسيله للميت إذا كان مميزا، وأتى
بالغسل على الوجه الصحيح، كما أن الأقوى صحة صلاته على الميت إذا
كانت جامعة للشرائط، ويسقط بهما الوجوب عن المكلفين.
206

[المسألة 677]
يشترط أن يكون المغسل مماثلا للميت في الذكورة والأنوثة، فلا
يصح تغسيل الذكر للأنثى ولا تغسيل الأنثى للذكر حتى من وراء الثياب
وحتى مع عدم اللمس والنظر.
[المسألة 678]
يستثنى من الحكم بوجوب مماثلة المغسل للميت:
(1): الذكر الذي لا يزيد عمره على ثلاث سنين، فيجوز للمرأة
أن تغسله وإن كان مجردا من الثياب، والأنثى التي لا يزيد عمرها
كذلك على ثلاث سنين، فيجوز للرجل أن يغسلها وإن كانت مجردة،
سواء وجد المماثل للميت أم لا.
(2): الزوجان، فيجوز لأي منهما أن يغسل الآخر، وإن كان
مجردا من الثياب ووجد المماثل، ويجوز له النظر إلى عورته على كراهة،
سواء كانت الزوجة حرة أم أمة، ودائمة أم منقطعة، وبحكمها المطلقة
الرجعية إذ لم تنقض عدتها ولم يوجد المماثل للميت، ولا يترك
الاحتياط في غير ذلك.
(3) المحارم، سواء كانت من النسب أم الرضاع أم المصاهرة،
والأحوط أن يكون ذلك مع فقد المماثل وأن يكون من وراء الثياب،
ويراجع ما ذكرناه في المسألة السابعة والعشرين من كتاب النكاح في
تعيين المراد من محارم الرضاع والمصاهرة.
(4) المولى، فيجوز له مع فقد المماثل أن يغسل أمته غير المزوجة
ولا المبعضة ولا المكاتبة ولا المحللة للغير، ولا التي في عدة من الغير،
والأحوط الترك مع وجود المماثل.
[المسألة 679]
إذا لم يوجد مماثل للميت غير كافر أو كافرة من أهل الكتاب، أمره
المسلم الموجود غير المماثل بأن يغتسل، ثم يغسل الميت بعد اغتساله،
وتكون النية من المغسل وإن كان كافرا، وإن كان الأحوط نية كل من
207

المغسل والآمر، وإن أمكن أن يكون تغسيل الكتابي له من غير مس للماء
أو لبدن الميت أو في ماء معتصم تعين ذلك، ولا يكفي تغسيل غير الكتابي
من الكفار.
وإذا غسله الكتابي على الوجه المتقدم ذكره ثم وجد المماثل المسلم
بعد ذلك وجبت إعادة الغسل، ولا بد من تطهير بدن الميت قبل الإعادة
إذا كان الكتابي قد باشر البدن أو الماء بأعضائه.
وإذا لم يوجد مماثل للميت غير مخالف في المذهب ليس بناصب ولا
خارجي فالحكم كذلك، فيؤمر بالاغتسال على الأحوط ثم التغسيل
ويقدم المخالف المذكور على الكتابي إذا وجدا.
[المسألة 680]
إذا لم يوجد مماثل للميت حتى كتابي أو مخالف سقط وجوب غسله
ولف في كفنه وصلي عليه ودفن.
[المسألة 681]
الخنثى المشكل التي يزيد عمرها على ثلاث سنين يغسلها الرجال أو
النساء المحارم لها على الأقوى، فإن لم يكن رجال ولا نساء محارم،
غسلها النساء الأجانب، والأحوط استحبابا أن تغسل مرتين من وراء
الثياب، مرة من قبل الرجال، ومرة من قبل المحارم،
فإن فقدت المحارم فمن قبل غيرهن من النساء.
وكذلك الحكم في بدن الميت إذا لم يعلم أنه ذكر أو أنثى، وفي العضو
الذي لم يعلم أنه من ذكر أو أنثى.
[المسألة 682]
يصح تغسيل الميت قبل برده، كما يصح تكفينه والصلاة عليه ودفنه
إلا إذا شك في موته فيجب التأخير.
[المسألة 683]
إذا مات المجنب أو الحائض أو غيرهما ممن وجب عليه أحد الأغسال
في حال الحياة لم يجب تغسيله غير غسل الميت.
208

[المسألة 684]
إذا شرع بعض الحاضرين بتغسيل الميت أو بشئ من أعمال تجهيزه
لم تجب على الآخرين المبادرة إلى ذلك العمل، فإذا أتم العمل سقط
الوجوب عن الجميع وإن لم يتمه وجب على الآخرين اتمام العمل إذا
كان هو الغسل أو الكفن أو الحنوط أو الدفن، ووجبت إعادته إذا كان
هو الصلاة.
وإذا شرع البعض في الصلاة على الميت فالأحوط لغيره إذا أراد
الشروع فيها أن يكون بقصد القربة المطلقة، ولا سيما إذا علم بأن الأول
يتم الصلاة قبله.
[المسألة 685]
إذا دفن الميت من غير غسل أو ترك بعض أغساله الواجبة سهوا أو
عمدا، أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها، وجب نبشه لغسله أو تيممه
إذا لم يوجب ذلك هتكا لحرمة الميت ولم يوجب حرجا، وكذلك إذا دفن
من غير تكفين، وإذا لم يصل عليه لم يجز نبشه لذلك وصلي على قبره.
[المسألة 686]
لا يبطل غسل الميت بخروج النجاسة منه، وإن كانت بولا أو غائطا
أو منيا، سواء خرجت بعد تمام الغسل أم في أثنائه، نعم يجب تطهير
البدن منها، وإذا كانت في أثناء الغسل طهر البدن منها ثم أتم الغسل،
وكذلك إذا أصابته نجاسة خارجية، فيجب تطهير البدن منها وإذا كانت
في الأثناء طهر البدن منها ثم أتم الغسل، بل يجب تطهير الميت من
النجاسة حتى بعد وضعه في القبر إذا لم يوجب مشقة ولا هتكا للميت.
[المسألة 687]
إذا تم غسل الميت طهرت معه الدكة أو السرير اللذين غسل عليهما،
والثوب الذي يكون على الميت حال تغسيله أو الخرقة التي تستر بها
عورته ويد الغاسل، نعم إذا كانت الدكة واسعة أكثر مما يتعارف طهر
موضع تقليبه منها، ومجرى ماء غسالته ولم تطهر الأطراف غير المتعارفة
على الأحوط.
209

[المسألة 688]
لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت، ويبطل الغسل إذا كان الداعي
لتغسيله هو أخذ الأجرة، بل يبطل إذا كان ذلك بنحو الداعي للداعي،
كما إذا كان الداعي للتغسيل هو قصد القربة وكان أخذ الأجرة هو
الداعي لهذا الداعي.
نعم يجوز أخذ الأجرة على المقدمات غير الواجبة والأعمال الأخرى
التي تقارن الغسل أو تتقدم عليه.
[الفصل الخامس والثلاثون]
[في تكفين الميت وتحنيطه]
[المسألة 689]
يجب تكفين الميت بعد تغسيله أو تيميمه، سواء كان ذكرا أو أنثى
أم خنثى، وكبيرا أم صغيرا، وقد تقدم حكم الشهيد.
والواجب من الكفن ثلاث قطع:
(1): المئزر، والقدر الواجب منه ما صدق عليه اسم المئزر عرفا،
ويستحب أن يكون من سرة الميت إلى ركبته وأفضل منه ما يكون من
صدره إلى قدمه.
(2): القميص، والواجب منه - كما في المئزر - ما صدق عليه
اسم القميص عرفا، ويستحب أن يكون من منكبي الميت إلى نصف ساقه،
وأفضل منه ما يكون إلى القدم.
(3) الإزار، والواجب منه ما غطى جميع البدن، والأحوط أن
يكون في طوله بحيث يمكن شد طرفيه فوق الرأس وتحت القدم، وفي
عرضه بحيث يوضع أحد الجانبين منه على الآخر.
وما زاد على القدر الواجب من قطع الكفن فالأحوط أن لا يحسب
على صغار الورثة، ولا على كبارهم إلا برضاهم، وإذا أوصى الميت به
فالأحوط احتسابه من الثلث.
210

[المسألة 690]
يكفي أن يكون مجموع القطع الثلاث ساترا لبدن الميت، وإن كانت
كل واحدة من القطع تحكي ما تحتها، وإن كان الأحوط أن تكون كل
واحدة منها ساترة لما تحتها.
[المسألة 691]
لا يجوز التكفين بالمغصوب حتى في حال الاضطرار، وإذا كفن
به وجب نزعه، وسيأتي بيان حكم نبش القبر إذا دفن الميت في الكفن
المغصوب، ولا يجوز التكفين بالنجس، وإن كانت النجاسة مما يعفى
عنه في الصلاة، ولا بالحرير الخالص، ويجوز بغير الخالص إذا كان
الخليط فيه أكثر من الحرير على الأحوط.
[المسألة 692]
إذا تنجس الكفن وجب تطهيره عن النجاسة، وإن كان تنجسه بعد
وضع الميت في القبر، ولو بقرض موضع النجاسة إذا لم يفسد الكفن،
فإذا لم يمكن وجب تبديله مع الامكان.
[المسألة 693]
لا يجب في تكفين الميت قصد القربة فيصح تكفين الغافل والناسي
والمجنون إذا أتى به على الوجه الصحيح.
[المسألة 694]
يجب على الزوج كفن زوجته وإن كانت موسرة، سواء كانت الزوجة
كبيرة أم صغيرة، وحرة أم أمة، ومدخولا بها أم لا، ودائمة أم منقطعة،
وحتى إذا كانت مطلقة رجعية، وسواء كان الزوج كبيرا أم صغيرا،
وعاقلا أم مجنونا فيجب على وليه دفع الكفن من مال الطفل أو المجنون،
نعم يشكل الحكم في المنقطعة التي تنقضي مدتها قبل التكفين، وفي
المطلقة الرجعية التي تنقضي عدتها قبل التكفين كذلك.
[المسألة 695]
يجب على الزوج بذل كفن زوجته وإن كان معسرا أو محجورا عليه،
بالاستقراض ونحوه، إلا إذا تعذر عليه البذل أو لزم الحرج.
211

وإذا أوصت الزوجة بكفنها من مالها لم يسقط الوجوب عن الزوج
إلا إذا عمل بوصيتها، وإذا تبرع أحد بكفنها لم يسقط الوجوب عن
الزوج إلا إذا كفنت بالفعل
[المسألة 696]
لا يترك الاحتياط في مؤونة تجهيز الزوجة غير الكفن، بل لا يخلو
وجوبها على الزوج من وجه.
[المسألة 697]
لا يجب على الرجل كفن غير الزوجة من أقاربه وإن كان ممن تجب
نفقته عليه، نعم لا يترك الاحتياط في واجب النفقة إذا لم يكن له مال.
[المسألة 698]
يجب كفن المملوك على سيده، وتجب عليه مؤونة تجهيزه، ومنه
الأمة المحللة لغيره فيجب كفنها ومؤونة تجهيزها على السيد لا على من حللت
له، وإذا كانت له أمة مزوجة وجب ذلك على زوجها لا على سيدها.
[المسألة 699]
يخرج الكفن الواجب من أصل تركة الميت، ويقدم على ديونه
ووصاياه، وكذلك الواجب من مؤن تجهيزه كالسدر والكافور، وماء
الغسل، وقيمة الأرض التي يدفن فيها، بل وكذلك ما زاد منها على القدر
الواجب إذا كان متعارفا بالنسبة إلى ذلك الميت، فيخرج من أصل التركة
على الأقوى، ولا يحتاج إلى إجازة الوارث، ولا يختص بحصة كبار
الورثة. ويشكل الحكم في ما يؤخذ على الدفن في الأرض المباحة وأجرة
الحمال والحفار ونحو ذلك فالأحوط أن يخرج من حصة كبار الورثة
برضاهم أو من الثلث.
[المسألة 700]
لا يجب الاقتصار في الكفن ومؤن التجهيز على ما هو أقل قيمة، بل
212

يجوز أخذ ما هو أغلى قيمة إذا كان متعارفا بالنسبة إلى ذلك الميت،
ويخرج من أصل التركة ولا يحتاج إلى إجازة الوارث.
[المسألة 701]
يكفن الميت المحرم كما يكفن غيره من الناس، فلا يحرم تغطية وجهه
ورأسه بالكفن.
[المسألة 702]
إذا كان الميت لا يملك ما يكفن به، لم يجب بذل كفنه على سائر
المسلمين، ويجوز أن يكفن من سهم سبيل الله من الزكاة، بل هو أحوط،
ويجوز أن يعطى ورثته من الزكاة إذا كانوا ممن يستحقها فيصرفوا
ذلك في كفنه، ولا يعتبر حينئذ أن يكون من سهم سبيل الله.
[المسألة 703]
يستحب أن تزاد للرجل على الكفن الواجب عمامة، تدار على رأسه
ويجعل طرفاها تحت حنكه ثم يلقيان على صدره، الطرف الأيمن على
الجانب الأيسر، والأيسر على الأيمن، وأقل من ذلك في الفضل ما يصدق
عليه مسمى العمامة، وأن تزاد للمرأة مقنعة بدل العمامة تلف على
رأسها كما تلف المقنعة، ويكفي فيها المسمى، ولفافة يشد بها ثدياها
إلى ظهرها.
وأن تزاد للرجل والمرأة خرقة تلف على الفخذين، والأفضل أن
يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر إلى شبر ونصف، تشد
على الحقوين وتلف على الحقوين والفخذين لفا شديدا بحيث لا يظهر
منهما شئ إلى الركبتين أو إلى حيث تنتهي، ويخرج رأسها من تحت
رجليه إلى الجانب الأيمن، وتغرز في الموضع الذي لفت فيه الخرقة،
وخرقة أخرى يعصب بها وسط الميت، رجلا كان أم امرأة.
وأن تضاف إلى الكفن لفافة ثانية، تجعل فوق الإزار الواجب يلف
بها الميت، والأفضل أن تكون بردا يمانيا.
ويستحب أن يجعل القطن بين فخذي الميت تستر به عورتاه، وأن
213

يذر على القطن شئ من الحنوط، وأن يجعل في دبر الميت وقبل المرأة
شئ من القطن إذا خيف خروج نجاسة منهما.
[المسألة 704]
تستحب إجادة الكفن، وأن يكون من القطن الأبيض، وأن يكون
من خالص المال النقي من الشبهات، وأن يكون مما أحرم الميت فيه أو
صلى فيه، وأن يلقى على كل ثوب منه شئ من الكافور والذريرة، ولا
بأس بمسحه بالضرائح المقدسة من باب التبرك بها، ويغسل بماء الفرات
أو بماء زمزم برجاء المطلوبية، ويخاط الكفن بخيوطه برجاء المطلوبية
كذلك، ويستحب أن يجعل الطرف الأيسر من اللفافة على الأيمن من
الميت والطرف الأيمن منها على الأيسر.
وإذا كان المباشر للتكفين محدثا بالأصغر أو بالأكبر استحب له
الطهارة منه قبل التكفين من باب المسارعة إلى الخير، وإذا كان هو الغاسل
استحب له قبل التكفين أن يغسل يديه إلى المرفقين بل إلى المنكبين ثلاثا،
وأن يغسل رجليه إلى الركبتين، وأن يطهر كل ما تنجس من بدنه.
[المسألة 705]
يستحب للانسان أن يعد كفنه قبل موته، ففي الحديث: من كان معه
كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين وكان مأجورا كلما نظر إليه.
[المسألة 706]
يستقبل بالميت حال تكفينه كما يستقبل به حال الصلاة عليه،
فيكون رأسه على يمين المصلي ورجلاه إلى يساره.
[المسألة 707]
يكره تكفين الميت بالسواد، وبالكتان، وأن يجمر الكفن أو يطيب
بغير الكافور والذريرة، وأن تجعل لقميص الميت أكمام أو أزرار،
وإذا كفن بقميص ملبوس نزعت منه الأزرار، وتركت في الأكمام،
وأن تكون العمامة بلا حنك، وأن يماكس في شراء الكفن، وأن يكون
وسخا غير نظيف.
214

[المسألة 708]
يجب تحنيط الميت، من غير فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى،
أو خنثى، وكبيرا أو صغيرا، وحرا أو مملوكا، والتحنيط هو جعل
الكافور على مساجد الميت، وهي الأعضاء السبعة التي يجب السجود
عليها في الصلاة: الجبهة، والكفان، والركبتان، وابهاما الرجلين،
ويستحب أن يضاف إليها طرف الأنف، بل الأحوط عدم تركه.
ويعتبر - على الأحوط - أن يكون ذلك بمسح الكافور على المواضع
المذكورة، ولا بد من بقاء شئ منه على العضو الممسوح، ويستحب مسح
إبطي الميت ولبته وجميع مفاصله وعنقه ولحيته وباطن قدميه وظاهر،
كفيه، وكل موضع تكون فيه رائحة كريهة من بدنه، وموضع الشراك
من القدمين، واللبة هي النحر وموضع القلادة، فإذا زاد من الكافور
شئ وضع على صدره.
[المسألة 709]
يشترط في الكافور أن يكون طاهرا أو مباحا، وأن يكون مسحوقا،
وأن يكون جديدا فلا يجزي العتيق، وهو الذي زال ريحه.
[المسألة 710]
يجب أن يكون تحنيط الميت بعد تغسيله أو تيميمه، فلا يكفي قبله،
ويجوز أن يكون قبل التكفين وفي أثنائه، وبعده، والأولى أن يكون قبله.
[المسألة 711]
لا يجوز تحنيط الميت إذا مات وهو محرم بالحج أو العمرة إلا إذا كان
موته بعد الطواف والسعي في احرام الحج، وبعد التقصير في احرام
العمرة كما تقدم في الغسل بالكافور، ولا يسقط وجوب التحنيط عن
المعتكف، وعن المعتدة بعدة الوفاة، وإن حرم عليهما تناول الطيب في
حياتهما.
[المسألة 712]
الأحوط أن لا يكون مقدار الكافور في الحنوط أقل من مثقال شرعي،
215

وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي المعروف، ويستحب أن يكون أربعة
دراهم، وأفضل من ذلك أن يكون أربعة مثاقيل شرعية، وأفضل من
جميع ذلك أن يكون مقداره سبعة مثاقيل صيرفية.
[المسألة 713]
لا يجب أن يبدأ في التحنيط بالجبهة، وإن كان هو الأحوط، ويتخير
في ما عدا الجبهة من المساجد بين تقديم ما شاء منها وتأخير ما شاء.
[المسألة 714]
لا يقوم مقام الكافور شئ آخر، فإذا تعذر وجود الكافور سقط
وجوب الحنوط.
[المسألة 715]
يكره أن يدخل الكافور في عين الميت أو أنفه أو أذنه أو يوضع على
وجهه.
[المسألة 716]
يستحب أن يخلط الحنوط بشئ من تربة الحسين (ع) على وجه
لا يخرج به عن اسم الكافور، وينبغي أن يجتنب وضع المخلوط بها على
المواضع التي تنافي الاحترام كابهامي الرجلين وباطن القدمين وظاهرهما
وأمثال ذلك.
[المسألة 717]
يستحب استحبابا مؤكدا وضع جريدتين خضراوتين مع الميت، ولا
يختص استحبابهما بالكبير أو الصغير أو المحسن أو المسئ، ففي الحديث
عن الإمام الصادق (ع) أنها تنفع المؤمن والكافر، وفي الصحيح عن
الإمام الباقر (ع): أنه يتجافى عنه (يعني عن الميت) العذاب والحساب
ما دام العود رطبا.
[المسألة 718]
يتعين أن تكونا من النخل مع الامكان، فإن لم يتيسر ذلك فمن
216

السدر أو الرمان يتخير بينهما، فإن لم يوجد فمن شجر الخلاف، وإلا
فمن أي عود رطب، ولا تكفي الجريدة اليابسة.
[المسألة 719]
يستحب أن يكون طول الجريدة بمقدار ذراع، ودونه في الفضل أن
يكون مقدار عظم الذراع، ودونه بمقدار شبر.
والأولى أن توضع إحداهما في الجانب الأيمن للميت من ترقوته إلى
ما بلغت ملصقة ببدنه، والأخرى في الجانب الأيسر منه، فوق القميص
تحت اللفافة، من الترقوة إلى ما بلغت، وقد نقلت في الأخبار لوضعها
كيفيات أخرى، ولا بأس بالجميع، فإذا نسيت أن توضع مع الميت في
كفنه وضعت معه في القبر فإن تركت لنسيان أو غيره وضعت على القبر.
[الفصل السادس والثلاثون]
[في الصلاة على الميت]
[المسألة 720]
تجب الصلاة على كل ميت مسلم، سواء كان عادلا أم فاسقا، وشهيدا
أم غيره، حتى مرتكب الكبائر وقاتل نفسه، وحتى المخالف في مذهبه
على الأحوط، إذا لم يكن ناصبيا ولا خارجيا أو غاليا، وتجب على
أطفال المسلمين إذا بلغوا ست سنين، ولا تجب على من كان عمره أقل من
ذلك، وفي استحباب الصلاة عليه تأمل، نعم، لا بأس بالاتيان بها
برجاء المطلوبية.
ولا تجوز الصلاة على الكافر بجميع أقسامه حتى المرتد إذا مات بغير
توبة، ومن حكم بكفره من الفرق المنتسبة إلى الاسلام.
[المسألة 721]
يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلي مؤمنا، فلا تصح من غير
المؤمن، نعم إذا صلى على المخالف أهل مذهبه على طريقتهم سقط الوجوب
بذلك عمن حضر من المؤمنين.
217

ويشترط أن تكون بإذن ولي الميت - على ما تقدم ذكره في أحكام
الأموات - فلتراجع المسائل المتعلقة بذلك من فصل أحكام الأموات.
[المسألة 722]
يشترط أن تكون الصلاة بعد اتمام التغسيل والتكفين، فلا تصح
إذا وقعت قبل ذلك، وتجب إعادتها وإن صليت في أثناء التكفين عمدا
أو جهلا أو سهوا.
نعم لا تسقط الصلاة على الميت الذي تعذر تغسيله وتيميمه، أو تعذر
تكفينه، أو تعذر كلاهما، فيصلى عليه، وإذا كان عاريا وجب ستر
عورته قبل الصلاة ولو بالحشيش والمدر والتراب، فإن لم يمكن ذلك
خارج القبر، وضع في القبر كما يوضع خارج القبر للصلاة، وسترت
عورته بالتراب ونحوه وصلي عليه، فإذا تمت الصلاة جعل على هيئة
الدفن ودفن.
[المسألة 723]
الميت الذي يتعذر فيه بعض الواجبات لا تسقط فيه الواجبات
الممكنة حسب المستطاع، فإذا أمكنت الصلاة عليه من غير دفن صلي عليه وترك،
وإذا أمكن دفنه بغير غسل أو بغير كفن، أو بغيرهما معا، صنع
به ما يستطاع.
[المسألة 724]
يجب أن تكون الصلاة على الميت قبل دفنه، فلا يجوز تأخيرها اختيارا،
وإذا لم يصل على الميت حتى دفن، أو علم بعد دفنه ببطلان الصلاة عليه،
وجب أن يصلى على قبره، ولم يجز نبشه لذلك، وإذا صلي على قبر
الميت لأحد الوجهين المذكورين، ثم اتفق إن نبش القبر وأخرج الميت
منه لبعض الأسباب، فالأحوط إعادة الصلاة عليه قبل الدفن.
[المسألة 725]
يصح أن تصلى على الميت صلوات متعددة دفعة واحدة، مع مراعاة
الشرائط والواجبات، فيقوم على الجنازة أشخاص متعددون، ويصلون
218

عليه فرادى في وقت واحد، وينوون الوجوب، بل يقوم على الجنازة
أئمة متعددون، ومع كل واحد منهم جماعة تقتدي به، فتصلى على
الميت أكثر من جماعة في وقت واحد، نعم تشكل نية الوجوب لمن علم
أو اطمأن بأنه لا يفرغ من الصلاة قبل الآخرين، والأحوط - في هذه
الصورة - أن ينوى القربة، بل الأحوط ذلك مع الشك أيضا.
[المسألة 726]
يجوز لولي الميت أن يصلي على ميته من غير أن يستأذن من الأولياء
الآخرين إذا كانوا من أهل مرتبة واحدة، ويجوز أن يقتدى به في
الصلاة من غير إذن كذلك إذا كان موضعا للقدوة.
ويجوز للولي أن يباشر تغسيل ميته أو تكفينه أو بعض الأعمال
الأخرى من تجهيزه أو جميعها من غير أذن الأولياء الآخرين.
[المسألة 727]
يجوز للمرأة أن تصلي على الميت إذا كانت ولية له أو أذن لها ولي
الميت بذلك، سواء كان الميت رجلا أم امرأة، كما يصح لها أن تغسل
الميت في الصورتين مع وجود الشرائط.
[المسألة 728]
تستحب الصلاة على الميت جماعة، ولا بد في الإمام من اجتماع
شرائط الإمامة في الصلاة اليومية، فيجب أن يكون بالغا عاقلا طاهر
المولد، مؤمنا، عدلا، وأن يكون رجلا إذا كان المأمومون رجالا.
ولا بد من اجتماع شرائط الجماعة، فيجب أن ألا يكون حائل يمنع
المشاهدة بين الإمام والمأمومين، ولا بين المأموم والمأمومين الآخرين
الذين يكونون واسطة في اتصاله بالإمام، وأن لا يكون مكان الإمام أعلى
من المأمومين، وأن لا يكون الإمام قاعدا مع قيام المأمومين، وأن لا يكون
بعد ينافي وحدة الجماعة واتصالها بين الإمام والمأمومين أو بين المأمومين
بعضهم مع بعض، وأن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف، وسيجئ
تفصيل جميع ذلك في شرائط صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
219

[المسألة 729]
إذا علم المأموم أو اطمأن بأنه لا يفرغ من الصلاة قبل إمامه أو شك
في ذلك فالأحوط له أن ينوى القربة في صلاته، ولا يقصد الوجوب.
[المسألة 730]
يتأخر المأموم عن الإمام في الموقف وإن كان واحدا، ويكره له أن
يقف إلى جنبه.
[المسألة 731]
لا يتحمل الإمام شيئا عن المأمومين في الصلاة على الجنازة فعليهم أن
يأتوا بجميع التكبيرات والأذكار.
[المسألة 732]
يصح للمرأة أن تؤم النساء إذا توفرت فيها شرائط الإمامة، وتقوم
في صفهن على الأحوط ولا تتقدم عليهن.
[المسألة 733]
تقف المرأة إذا اقتدت بالرجل خلف الرجال، ويستحب أن تقف
الحائض بين النساء في صف وحدها.
[المسألة 734]
إذا كبر المأموم قبل الإمام في التكبير الأول، جاز له أن يقطع صلاته
ويجدد التكبير مع الإمام، ويجوز له أن يتم صلاته منفردا إذا تمت
شروط الانفراد.
وإذا كبر قبل الإمام في غير التكبير الأول جاز له أن يصبر حتى يكبر
الإمام فيقرأ معه الدعاء ولا يعيد التكبير، ويجوز له أن يتم صلاته
منفردا، وإنما يصح له الانفراد في هذه الصورة وفي سابقتها إذا كان
محاذيا للجنازة ولم يكن بينه وبينها حائل ولا بعد مانع.
[المسألة 735]
يجوز للمأموم أن يدخل في أثناء صلاة الإمام، فيكبر ويأتي بالشهادتين
220

ثم يكبر مع الإمام، ويأتي بالصلاة على النبي وآله، وهكذا على الترتيب
فإذا فرغ الإمام من صلاته أتى هو بباقي تكبيراته وأدعيتها حتى يتم
صلاته، فإن لم يمهلوه جاز له أن يأتي بالتكبير ولاءا، والأفضل أن
يأتي بالدعاء ولو مخففا.
[الفصل السابع والثلاثون]
[في كيفية الصلاة على الميت]
[المسألة 736]
كيفية الصلاة على الميت أن يكبر عليه خمس تكبيرات، يتشهد
الشهادتين بعد التكبيرة الأولى، ويصلي على النبي وآله (ص) بعد
الثانية، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات بالغفران بعد الثالثة، ويدعو
للميت بعد الرابعة، وينصرف بعد الخامسة.
وقد وردت في النصوص
صيغ كثيرة للأدعية المذكورة، ولا يلزم
الاتيان ببعض ما ورد، بل يجوز للمصلي أن يأتي بأي دعاء شاء إذا كان
يشتمل على ما ذكر، فيجزيه أن يقول بعد النية والتكبيرة الأولى: (أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، ويقول بعد التكبيرة الثانية:
(اللهم صل على محمد وآل محمد)، ويقول بعد التكبيرة الثالثة: (اللهم
اغفر للمؤمنين والمؤمنات)، ويقول بعد التكبيرة الرابعة: (اللهم اغفر
لهذا الميت)، وينصرف بعد التكبيرة الخامسة.
[المسألة 737]
الأولى أن يكبر التكبيرة الأولى ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له إلها واحدا، أحدا، صمدا فردا، حيا، قيوما، دائما، أبدا لم يتخذ
صاحبة ولا ولدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.
ثم يكبر الثانية، ويقول بعدها: (اللهم صل على محمد وآل محمد،
وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت
221

وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وصل
على جميع الأنبياء والمرسلين).
ثم يكبر الثالثة ويقول بعدها: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابع اللهم بيننا وبينهم
بالخيرات إنك على كل شئ قدير).
ثم يكبر الرابعة ويقول بعدها: (اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك
وابن عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنك
قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه،
اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا
فزد في احسانه، وإن كان مسيئا، فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله
اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه، وأبعده ممن يتبرأ منه ويبغضه
اللهم ألحقه بنبيك وعرف بينه وبينه، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله
العالمين، اللهم اكتبه عندك في أعلى عليين، واخلف على عقبه في الغابرين،
واجعله من رفقاء محمد وآله الطاهرين وارحمه وإيانا برحمتك يا أرحم الراحمين).
فإذا فرغ من الصلاة قال: (ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار).
فإذا كانت الميت امرأة قال: (اللهم إن هذه المسجاة قدامنا أمتك وابنة
عبدك) وأتى بضمائرها مؤنثة.
وإذا كان الميت مستضعفا، قال بعد التكبيرة، الرابعة: (اللهم اغفر
للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات
عدن التي وعدتهم، ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك
أنت العزيز الحكيم).
وإذا كان مجهول الحال قال بعد الرابعة وبعد ذكر الميت: اللهم إن
كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه.
وإذا كان طفلا قال: اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفنا وفرطا وأجرا.
222

[المسألة 738]
إذا ترك بعض التكبيرات عامدا بطلت صلاته ووجبت الإعادة،
وكذلك إذا تركها ساهيا ولم يتذكر إلا بعد فوات الموالاة، وإذا تركها
ساهيا وتذكر قبل فوات الموالاة وجب عليه الاتمام، ولا يكفي أقل من
خمس تكبيرات إلا للتقية أو يكون الميت منافقا فيكبر أربعا.
[المسألة 739]
يجوز أن يقرأ القرآن وبعض الأدعية الأخرى في الصلاة إلا إذا محيت
بها صورة الصلاة.
[المسألة 740]
ليس في صلاة الجنازة أذان ولا إقامة ولا تكبيرات افتتاح، ولا قراءة
فاتحة، ولا ركوع ولا سجود، ولا تشهد ولا تسليم، وتبطل الصلاة إذا
أتى بشئ من ذلك بقصد الجزئية للصلاة، وتبطل به إذا كان ماحيا
لصورة الصلاة.
[المسألة 741]
إذا شك في عدد التكبير بنى على الأقل، حتى إذا كان مشغولا بدعاء
التكبيرة الثانية أو الثالثة مثلا وشك في ما قبلها على الأحوط.
[المسألة 742]
يجب في صلاة الميت قصد القربة على نحو ما تقدم في مبحث النية في
الوضوء وغيره، وأن يعين فيها الميت، ويكفي أن يكون على وجه
الاجمال، وأن يكون المكان مباحا، وأن يوضع الميت مستلقيا على قفاه،
وأن يكون رأسه إلى يمين المصلي ورجلاه إلى يساره، وأن يكون الميت
حاضرا، فلا تصح الصلاة على الغائب وإن كان في البلد، وأن يكون
المصلي خلف الميت ومحاذيا له، إلا إذا طال صف المأمومين فخرج بذلك
عن محاذاة الميت، وأن لا يكون بينه وبين الميت حائل من ستر أو جدار
ونحو ذلك، وليس من الحائل أن يكون الميت في تابوت وشبهه، أو
توضع عليه بعض الستائر، وأن لا يكون بعيدا عن الميت بحيث لا يصدق
223

معه الوقوف عند الميت إلا مع اتصال الصفوف في الجماعة وإن تكثرت،
وإلا في المصلي مع تعدد الجنائز كما يأتي بيانه، وأن لا يكون أحدهما
أعلى من الآخر علوا مفرطا، وأن تكون الصلاة بإذن الولي، وأن تكون
بعد التغسيل والتكفين والتحنيط، وأن يكون الميت مستور العورة إذا
لم مكفنا، وأن يكون المصلي مستقبلا للقبلة، وأن يكون قائما
مع القدرة، ومستقرا في قيامه، ومستقلا فيه كما في القيام في الصلوات
الواجبة الأخرى على الأحوط في كثير مما ذكرنا في المسألة.
[المسألة 743]
لا يترك الاحتياط في اعتبار أن يكون المصلي مباح اللباس مستور
العورة حال الصلاة، وأن يترك التكلم والسكوت الطويل ونحوهما مما
يعد ماحيا لصورة الصلاة في نظر المتشرعة، بل الأقرب البطلان في
ما يعد ماحيا لها.
[المسألة 744]
لا يشترط في صلاة الميت أن يكون المصلي متطهرا من الحدث والخبث،
فتصح صلاته وإن كان محدثا بالحدث الأكبر أو كان ثوبه أو بدنه نجسا.
[المسألة 745]
لا تكفي الصلاة على الميت جالسا مع وجود من يقدر على الصلاة قائما،
وإن كان الذي صلى عليه عاجزا عن القيام، بل الأقوى عدم صحتها،
وكذلك إذا صلى عليه قائما ثم طرأ له العجز فأتم صلاته جالسا.
وإذا لم يجد من يقدر على القيام أو اعتقد بذلك فصلى جالسا ثم
حضر من يمكنه القيام وجبت الإعادة، وكذلك إذا صلى العاجز ثم
تجددت له القدرة على القيام قبل دفن الميت، فتجب الإعادة في جميع هذه الفروض.
[المسألة 746]
تصح الصلاة إذا كان المصلي في مكان مباح وإن كان مكان الميت مغصوبا.
224

[المسألة 747]
يجوز التيمم لصلاة الميت وإن كان الماء موجودا إذا خاف فوت
الصلاة عليه إن هو توضأ أو اغتسل، وإذا كان الماء موجودا، وأمكن
له ادراك الصلاة، وأراد التيمم أتى به برجاء المطلوبية.
[المسألة 748]
لا يسقط عن المكلف وجوب الصلاة إذا شك في أن غيره صلى على
الجنازة أم لا، وإذا علم بصلاة غيره عليها سقط عنه الوجوب، وإن
شك في صحة تلك الصلاة بنى على صحتها، وإذا علم بفساد الصلاة
وجبت عليه إعادتها وإن كان المصلي قاطعا بالصحة.
[المسألة 749]
يجوز تكرار الصلاة على الميت ولا كراهة في ذلك إذا كان الميت من
أهل العلم والشرف في الدين، ويكره في ما سوى ذلك.
[المسألة 750]
إذا حضرت الجنازة في وقت الفريضة الحاضرة، فالأفضل تقديم
الفريضة الحاضرة وإن لم تكن في وقت الفضيلة، وإذا خيف على الميت
من الفساد بتأخير صلاته قدمت الصلاة عليه وإن كانت في وقت فضيلة الحاضرة.
[المسألة 751]
إذا حضرت جنازتان جاز للمكلف أن يصلي على كل واحدة منهما
صلاة منفردة، ويصح له أن يجمعهما في صلاة واحدة، ويأتي بالوظائف
المشتركة، فإذا كبر التكبيرة الرابعة، قال: (اللهم إن هذين الميتين
عبداك وابنا عبديك وابنا أمتيك...) وأكمل الدعاء مع تثنية
الضمائر.
[المسألة 752]
إذا اجتمعت جنائز متعددة، فالأولى أن يصلي على كل واحدة منها
صلاة منفردة، وإذا أراد أن يجمعها في صلاة واحدة جاز له أن يضع
225

الجميع أمامه بعضها إلى جنب بعض ووقف محاذيا للجميع، والأولى أن
يجعل الذكر أقرب إلى المصلي من الأنثى وإن كان صبيا أو مملوكا،
والحر أقرب إليه من العبد.
ويجوز له أن يجعل الجنائز صفا واحدا مدرجا، فيجعل رأس كل
ميت عند ألية الآخر ويقف المصلي في وسط الصف، وإذا كبر الرابعة
أتى بالدعاء لهم جميعا، فيثني الضمير أو يجمعه، ويذكره أو يؤنثه
حسب ما يناسب المقام.
وقد تؤدي هذه الكيفية - إذا تكثرت الجنائز - إلى أن يكون بعضها
خلف المصلي، فالأحوط في هذه الصورة ترك هذه الكيفية.
[المسألة 753]
يستحب أن يكون المصلي على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر بأن
يتوضأ أو يغتسل، وقد تقدم جواز التيمم لهذه الصلاة وإن كان الماء
موجودا، إذا خاف المكلف فوت الصلاة إن هو توضأ أو اغتسل، وإذا
أراد التيمم مع وجود الماء وامكان ادراك الصلاة أتى به برجاء المطلوبية.
ويستحب أن يقف المصلي إذا كان إماما أو منفردا عند وسط الرجل،
وعند صدر المرأة، ولا يبعد الحاق الصبي بالرجل والصبية بالمرأة في
ذلك، وأن يخلع المصلي حذاءه، وأن يرفع يديه بالتكبير، من غير فرق
بين التكبيرة الأولى وغيرها، وأن تكون الصلاة جماعة، وأن يجتهد
المصلي في الدعاء للميت بل للمؤمنين.
[المسألة 754]
ذكر الفقهاء للصلاة على الميت آدابا أخرى، منها: أن يكون المصلي
قريبا من الجنازة بحيث لو هبت الريح وصل ثوبه إليها.
ومنها أن يختار الموضع المعتاد للصلاة، فإنه مظنة اجتماع الناس
وكثرة المصلين.
ومنها أن يرفع الإمام صوته بالتكبير والأدعية وأن يسر المأموم.
226

ومنها أن يرفع المصلي يديه عند الدعاء للميت، ولا بأس بالاتيان
بما ذكروه رجاءا، لا بقصد الخصوصية والورود.
[الفصل الثامن والثلاثون]
[في التشييع]
[المسألة 755]
يستحب لذوي الميت وقرابته أن يعلموا المؤمنين بموت أخيهم ليشهدوا
جنازته ويصلوا عليه ويستغفروا له، ويستحب للمؤمنين الحضور
لتشييعه، وقد وردت في فضله والحث عليه الأخبار الكثيرة.
فعن الرسول (ص): أول تحفة المؤمن أن يغفر له ولمن تبع جنازته.
وعن الإمام الباقر (ع): إذا دخل المؤمن قبره، نودي: إلا أن أول
حبائك الجنة، ألا وأول حباء من تبعك المغفرة.
وعنه (ع): من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات،
ولم يقل شيئا إلا قال الملك ولك مثل ذلك.
وعن الإمام الصادق (ع): من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره
وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج
من قبره إلى الموقف.
وليس للتشييع حد، فعن أبي جعفر (ع) إنما هو فضل وأجر،
فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر للذي يتبعها.
[المسألة 756]
يستحب لمن استقبل جنازة أو رآها أن يقول: الله أكبر، هذا ما وعدنا
الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا ايمانا وتسليما. الحمد
لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت. وأن يقول: الحمد لله الذي
لم يجعلني من السواد المخترم.
ويستحب أن يحمل الجنازة على الكتف، وأن يقول إذا حمل الجنازة:
بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.
227

ويستحب أن يكون المشيع ماشيا، ويكره له الركوب، ويستحب أن
يكون خاشع القلب، وأن يحضر في قلبه ذكر الموت والتفكر في مآله.
ولا كراهة في المشي أمام جنازة المؤمن بل يستحب، وإن كان
المشي معها أفضل منه، والمشي خلفها أفضل من الجميع.
ويستحب أن يحمل الجنازة من جوانبها الأربعة، فيبدأ بالمقدم من
يمين الميت فيحمله على عاتقه الأيمن، ثم ينتقل إلى المؤخر منه فيحمله على
عاتقه الأيمن، ثم ينتقل إلى المؤخر من يسار الميت فيحمله على عاتقه
الأيسر، ثم إلى المقدم منه فيحمله على عاتقه الأيسر، وأن يقتصد في
المشي بدون اسراع ولا ابطاء.
[المسألة 757]
يكره الضحك واللعب واللهو لمن تبع الجنازة، وأن يضع غير صاحب
المصيبة رداءه، وأن يضرب المصاب أو غيره بيده على فخذه أو يضرب
يدا على الأخرى، وأن يقول: ارفقوا به، أو استغفروا له، أو ترحموا
عليه وأن تشيع النساء الجنازة وإن كان الميت امرأة، وأن تتبع الجنازة
بمجمرة أو نار، وإذا مات ليلا فلا بأس بالمصابيح، ويكره القيام إذا
مرت به الجنازة وهو جالس.
[الفصل التاسع والثلاثون]
[في دفن الميت]
[المسألة 758]
تجب مواراة الميت في الأرض بمقدار يؤمن معه على جسد الميت من
وصول السباع والكلاب إليه، ويمنع من انتشار رائحته، ولا يكفي
وضعه في بناء أو نحوه مع التمكن من دفنه في الأرض وإن حصل به
المقصود، ولا تكفي المواراة التي لا تمنع من ذلك مع الامكان، وإن لم
يكن في الأرض سباع أو كلاب يخاف منها، أو انسان يشم الرائحة،
أو كانت الأرض لشدة حرارتها تجفف رطوبات الميت بسرعة فلا تنتشر
له رائحة.
228

[المسألة 759]
يجب أن يدفن الميت على جنبه الأيمن، وأن تستقبل القبلة بوجهه
ومقاديم بدنه، وكذلك الحكم في الجسد إذا دفن من غير رأس، وفي
الرأس وحده، والصدر وحده، بل في كل عضو من الميت يمكن فيه
الاستقبال على الأحوط.
[المسألة 760]
إذا تعذرت مواراة الميت في الأرض لصلابتها أو نحو ذلك وجب نقله
إلى حيث يمكن دفنه فإن تعذر ذلك، وجبت مواراته في بناء أو تابوت
محكم، مما تحصل معه فائدة الدفن.
وإذا مات راكب البحر وتعذر أو تعسر نقله إلى الأرض ليدفن فيها،
غسل وكفن وحنط وصلي عليه ثم وضع في خابية ونحوها مما يحفظ
جسده، وأوكئ عليه رأسها وألقي في البحر، فإن لم توجد الخابية
وشبهها ثقل الميت بحجر أو حديد أو نحوه يوضع في رجله ثم ألقي في
البحر، والأحوط - لزوما مع التمكن أن يختار الموضع المأمون على
الميت من سباع البحر وحيواناته أن تأكله أو تبتلعه بمجرد الالقاء.
[المسألة 761]
يجب أحكام القبر بما يوجب حفظ جسد الميت إذا خيف عليه من
نبش السباع ونحوها مع الدفن المجرد في الأرض، فيحكم قبره بالبناء
والقير ونحوهما مما يوجب له الصيانة والحفظ، وتخرج مؤونة ذلك
مع الحاجة إليه، من أصل تركة الميت وكذلك مؤنة ما يحتاج إليه في
القائه في البحر.
[المسألة 762]
إذا ماتت المرأة الكافرة، ومات في بطنها طفل من مسلم، وجب أن
تدفن على جانبها الأيسر مستدبرة القبلة ليكون الولد في بطنها مستقبلا،
سواء كان الولد بنكاح أم شبهة أم ملك يمين، بل وإن كان من الزنا
على الأحوط،
وكذلك إذا كان ما في بطنها جنينا لم تلجه الروح.
229

[المسألة 763]
تجري أحكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا إذا كان أبواه مسلمين
أو كان أحدهما مسلما على الأحوط.
[المسألة 764]
يصح الدفن إذا أوقع على الوجه المعتبر وإن لم تقصد به القربة أو
كان المباشر للدفن مجنونا أو صبيا أو كافرا.
[المسألة 765]
يشترط في الدفن إذن ولي الميت كسائر أعمال التجهيز الأخرى.
[المسألة 766]
لا يجوز أن يدفن المسلم في مقبرة الكفار أو يدفن الكافر في مقبرة
المسلمين، وإذا مات مسلم وكافر واشتبه أحدهما بالآخر، فالأحوط
- مع الامكان دفنهما منفردين عن مقبرة المسلمين ومقبرة الكفار،
ومنفردين أحدهما عن الآخر، وإن لم يمكن ذلك دفنا في مقبرة المسلمين.
[المسألة 767]
لا يجوز دفن المسلم في مواضع توجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة،
ومواضع القاء النجاسات، وأسمدة الحيوانات وأمثال ذلك.
[المسألة 768]
لا يجوز الدفن في المكان المغصوب، ولا في الأمكنة الموقوفة لغير الدفن
كالمساجد والمدارس والحسينيات، والخانات الموقوفة لسكني الزائرين
أو الفقراء.
[المسألة 769]
يجب دفن كل جزء ينفصل من جسد الميت حتى الشعر والظفر
والسن إذا انفصل منه بعد موته، بل يجب دفنه مع الميت ويجعل معه
في كفنه على الأحوط إذا لم يستلزم نبش الميت.
[المسألة 770]
إذا مات الجنين في بطن أمه وهي حية، وجب التوصل إلى اخراجه
230

بالوسائل الطبية المعدة لذلك، أو غيرها مما يوجب اخراج الطفل وسلامة
الأم، ولو بالرجوع إلى حذق الأطباء المختصين بذلك عند اقتضاء
الضرورة، وكذلك إذا ماتت الأم والحمل حي في بطنها.
[المسألة 771]
لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه وصيرورة الميت الأول رميما،
وإنما يحرم الدفن فيه لحرمة نبشه، فإذا كان منبوشا، وكانت الأرض
مباحة أو موقوفة للدفن جاز دفنه فيه وإن كره.
[المسألة 772]
يستحب أن يكون عمق القبر إلى الترقوة، وأن يحفر له لحد من
جانب القبلة بمقدار يسع الميت في طوله وعرضه إذا أضجع فيه على
جنبه، وبمقدار يمكن أن يجلس الرجل فيه في عمقه، أو يشق له وسط
القبر شق يسعه كذلك ثم يسقف عليه بعد وضعه فيه.
ويستحب أن توضع الجنازة قبل شفير القبر بأذرع، ويتعوذ حاملها
بالله من هول المطلع، ويصبر هنيئة ثم تنقل قليلا وتوضع، ويصبر
هنيئة ثم تنقل في الثانية بترسل ورفق إلى القبر، وأن يقول عند النظر
إلى القبر: (اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من
حفر النار)، فإذا كان الميت رجلا وضع في المرة الأخيرة مما يلي الرجلين،
ثم يسل من نعشه سلا ويدلى في قبره سابقا برأسه، وإذا كانت امرأة
وضعت في المرة الأخيرة في جانب القبلة ثم أنزلت إلى القبر عرضا، وأن
يغطى القبر بثوب عند ادخال المرأة فيه.
ويستحب أن يقول عند سله من النعش: (بسم الله وبالله وعلى ملة
رسول الله (ص) اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك، اللهم افسح له في
قبره، ولقنه حجته وثبته بالقول الثابت، وقنا وإياه عذاب القبر).
وأن يقول إذا أدخله القبر: (اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصاعد
عمله ولقه منه رضوانا).
231

وأن يقول إذا وضعه في اللحد: (بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة
رسول الله (ص)، ثم يقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين، والتوحيد،
وآية الكرسي، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأن يحل عقد الكفن بعد وضعه في اللحد، ويبدأ من عند رأسه،
وأن يحسر عن خد الميت ويلصقه بالأرض، ويجعل له وسادة من تراب،
ويسند ظهره بمدره ونحوها لئلا يستلقي. وأن يوضع معه شئ من
تربة الحسين (ع)، وتجعل في موضع لا تصيبها النجاسة إذا انفجر الميت.
وأن يقول عند اشراج اللبن: (اللهم صل وحدته وآنس وحشته،
واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك)، وأن
يقول عند الخروج من قبره: (إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب
العالمين، اللهم ارفع درجته في أعلى عليين، واخلف على عقبه في الغابرين
وعندك نحتسبه يا رب العالمين).
وأن يقول عند إهالة التراب عليه: (ايمانا بك وتصديقا ببعثك،
هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا ايمانا
وتسليما)، وأن يحثي الحاضرون التراب عليه بظهور الأكف ثلاثا،
ويكره لذي الرحم أن يهيل التراب على ميته.
ويستحب أن يسد اللحد باللبن ونحوه.
ويستحب لمن ينزل في القبر لانزال الميت أو لغير ذلك أن يكون
مكشوف الرأس محلول الأزرار بلا رداء ولا قلنسوة ولا حذاء،
وأن يخرج من قبل الرجلين، وقد ورد أنه باب القبر، وأن يكون المتولي
لانزال المرأة واضجاعها في قبرها هو زوجها أو بعض محارمها، ففي
الحديث: مضت السنة من رسول الله (ص) أن المرأة لا يدخل قبرها إلا
من كان يراها في حياتها. يعني من كان يجوز له النظر إليها.
[المسألة 773]
يستحب تلقين الميت بعد وضعه في اللحد وقبل اشراج اللبن، بل
ورد في بعض الروايات استحباب أن يضع الملقن يده اليسرى على عضد
الميت الأيسر ويحركه تحريكا شديدا ثم يقول: يا فلان بن فلان.
232

وليس في التلقين لفظ مخصوص، بل المقصود أن يلقنه الشهادتين
وأسماء الأئمة (ع) واحدا بعد واحد إلى آخرهم (ع)، وأن يذكره
العقائد الحقة، فيصح أن يلقنه بما يحسن مما يفيد ذلك.
ويحسن أن يلقنه بما ذكره العلماء في كتبهم المعدة لذلك، ومنه
ما ذكره العلامة المجلسي قده في زاد المعاد أو ما ذكره السيد الطباطبائي
اليزدي (قده) في العروة الوثقى.
[المسألة 774]
يستحب أن يرفع القبر عن الأرض أربع أصابع مضمومة أو مفرجة
وأن يربع القبر وأن يجعل مسطحا، بل الأحوط ترك تسنيمه.
وأن يرش عليه الماء فيبتدئ بالرش من الرأس إلى الرجل وهو
مستقبل القبلة ثم يدور على القبر إلى أن يعود إلى الرأس ثم يرش
الباقي في وسط القبر، وأن يضع الحاضرون أصابعهم على القبر بعد
الرش مفرجات، ويغمزوها عليه حتى يستبين أثرها، ويتأكد ذلك في
الهاشمي فيغمزون أصابعهم أكثر.
وأن يقرأ سورة القدر سبع مرات، ويستغفر له، ويقول: (اللهم
ارحم غربته وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته وأفض عليه
من رحمتك وأسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك
ما يستغني به عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه) وورد أنه
يستحب قراءة ذلك كلما زار قبره.
[المسألة 775]
يستحب للولي أو من يأذن له أن يلقن الميت بعد الدفن ورجوع
المشيعين عن القبر، فيضع فمه عند رأس الميت، وفي بعض النصوص
أن يقبض على التراب بكفه ويناديه: يا فلان بن فلان، ويلقنه على
نحو ما تقدم في التلقين السابق، فقد ورد أن أحد الملكين يقول للآخر:
انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته، وينصرفان عنه.
233

[المسألة 776]
يستحب تعزية المصاب، وهي حمله على التصبر والسلو - قبل
الدفن وبعده، وهي بعده أفضل، ويكفي منها أن يراه صاحب المصيبة
وإن لم يقل شيئا، وإن كانت بالقول الموجب للتسلي أفضل.
ولا حد لمدتها ما دام يصدق عليها اسم التعزية عرفا، والأولى تركها
إذا أدت إلى تجديد حزن المصاب بعد أن نسيه.
[المسألة 777]
يستحب لجيران أهل الميت وأقربائهم أن يصنعوا لهم الطعام ويرسلوه
إليهم ثلاثة أيام، ويكره الأكل عندهم، وقد ورد أنه من عمل أهل
الجاهلية.
[المسألة 778]
يستحب للمصاب أن يصبر على ما نزل به ويحتسب الله، ويتأسى
بالأنبياء والأولياء، في ما نزل بهم، وأن يتذكر موت الرسول (ص)
فإنه من أعظم المصائب، وأن يكثر من قول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)
كلما تذكر مصيبته.
[المسألة 779]
يستحب أن تصلى له صلاة الهدية ليلة الدفن، وهي ركعتان يقرأ
في الأولى منهما بعد الفاتحة آية الكرسي، وفي الثانية بعد الفاتحة سورة
القدر عشر مرات، ويقول بعد التسليم: (اللهم صل على محمد وآل
محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان، والأحوط قراءة آية الكرسي إلى
قوله تعالى: هم فيها خالدون، وإن كان الأقوى أن آخرها قوله تعالى
(وهو العلي العظيم).
ووقتها تمام الليل من ليلة الدفن، وإن كان الأولى أن يؤتى بها بعد
العشاء، ويكفي أن يأتي بها شخص واحد مرة واحدة، وإذا أتى بها
أربعون رجلا فهو أولى، ولكن لا بقصد الورود والخصوصية.
234

وإذا أخل بها فقدم وآخر في القراءة أو ترك بعض الآيات منها سهوا
أعادها، وإن كانت صحيحة.
[المسألة 780]
إذا أخذ الأجرة على صلاة الهدية ونسي أن يصليها ليلة الدفن أو
أخل بها ولم يعدها، وجب عليه رد الأجرة إلى صاحبها، فإن لم يعرفه
تصدق بها عن صاحبها.
[المسألة 781]
إذا تأخر الدفن مدة أخرت صلاة الهدية إلى ليلة الدفن.
[المسألة 782]
يكره دفن ميتين في قبر واحد، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما
إذا تكثرت الموتى وتعسر الحفر لكل واحد منفردا، ومنه ما ورد في شهداء
أحد وغيرهم، وقد تقدم في المسألة السبعمائة والثانية والسبعين حكم
دفن الميت في قبر ميت آخر، ويكره حمل رجل وامرأة على سرير واحد.
[المسألة 783]
يكره أن ينزل الوالد في قبر ولده، ويكره نزول أولي الأرحام في
قبر قريبهم إذا خيف عليهم الجزع وحبط الأجر، وأن يهيلوا عليه
التراب، وأن يجعل على القبر تراب من غير ترابه، أو يطين به، ويكره
أن يجصص القبر أو يطين لغير ضرورة أو يكون الميت من الأولياء الذين
يتبرك بزيارتهم، ويكره تجديد القبر بعد اندراسه ما عدا قبور الأنبياء
والأوصياء والأولياء الذين تستنزل البركات بزيارتهم كما تقدم ويكره
البناء عليه عدا من ذكر، وأن يجلس أو يتكأ أو يمشي عليه، ويكره
الضحك بين القبور والتخلي بينها وتنجيسها، بل يشكل جوازه إذا
أوجب الهتك.
[المسألة 784]
يكره أن ينقل الميت من موضع موته إلى بلد آخر ليدفن فيه، إلا
إلى الأماكن المحترمة والمشاهد المقدسة، كالميت يموت بعرفات وشبهها
235

فينقل إلى مكة، وقد نقل بعض العلماء ورود الأخبار الصحيحة الدالة
على أن الدفن في الغري يدفع عذاب القبر وسؤال الملكين، بل الظاهر
جواز النقل إلى مقابر الأولياء والصلحاء ممن يتقرب إلى الله بقربهم،
ويستدفع البلاء بجوارهم، ولا يبعد استحباب نقل الميت من أحد المشاهد
المشرفة إلى آخر لوجود بعض المرجحات الشرعية.
وإنما يجوز النقل إلى المشاهد أو غيرها إذا لم يوجب ذلك هتكا لحرمة
الميت أو أذية المسلمين بانفجار الميت أو انتشار الرائحة منه، فإذا
أوجبت ذلك فالظاهر المنع، من غير فرق في ذلك بين أن يكون قبل
الدفن أو بعده.
[المسألة 785]
يجوز البكاء على الميت - حتى مع الصوت - إذا لم يشتمل على ما ينافي
الرضا بقضاء الله، سواء كان الميت قريبا أم بعيدا، ويستحب البكاء
على المؤمن وإن لم يكن رحما، ويكره إذا اقترن ذلك بالجزع وعدم
الصبر، بل ورد في بعض الأخبار إن ذلك يوجب حبط الأجر، ولكنه
لا يكون محرما إلا إذا اشتمل على ما ينافي الرضا بقضاء الله.
وتجوز النياحة على الميت نظما ونثرا إذا لم تتضمن كذبا، أو تشتمل
على شئ من المحرمات الأخرى، أو تقترن بالويل والثبور، ويجوز أخذ
الأجرة عليها، والأحوط للنائحة أن لا تشارط، وتكره في الليل،
وتحرم النياحة إذا اشتملت على شئ مما تقدم، ويحرم أخذ الأجرة
عليها.
[المسألة 786]
لا يجوز اللطم والخدش إذا بلغا إلى حد الجزع الممقوت شرعا أو أديا
إلى ضرر معتد به، والأحوط تركهما مطلقا، والأحوط ترك شق الثوب
على غير الأب والأخ، والصراخ الخارج عن الاعتدال.
[المسألة 787]
إذا جزت المرأة شعرها في مصيبة وجبت عليها كفارة افطار شهر
236

رمضان، وإذا نتفته أو خدشت وجهها أو شق الرجل ثوبه لموت زوجته
أو ولده وجبت في ذلك كفارة يمين، وهي اطعام عشرة مساكين أو
كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام.
[المسألة 788]
يحرم نبش قبر المؤمن، بل قبر كل مسلم تجب مواراته على الأحوط،
إلا إذا علم باندراس الميت وصيرورته رميما، فلا يجوز نبشه إذا بقي
عظما بل الأحوط عدم الجواز إذا بقي صورة مجردة تصير ترابا بالحركة
واللمس، ولا يكفي الظن بذلك.
ولا يجوز نبش قبور الصلحاء والأولياء والشهداء وإن طالت المدة
وعلم بالاندراس
والمناط في صدق النبش أن يحفر القبر بمقدار يتحقق معه هتك
حرمة الميت، فإذا استوجب الهتك كان محرما وإن لم يظهر جسد الميت،
والظاهر أنه لا يصدق النبش إذا كان الميت مدفونا في سرداب وفتح بابه
لدفن ميت آخر فيه، أو لاصلاح بعض نواحيه الأخرى، إذا لم يظهر
جسد الميت الأول، فإذا ظهر جسده ففي جواز ذلك إشكال.
[المسألة 789]
يستثنى من حرمة نبش القبر موارد.
(1): أن يدفن الميت في مكان مغصوب عمدا أو جهلا أو نسيانا،
فيجوز نبشه لاخراجه من ذلك المكان إذا أوجب تركه ضررا على المالك،
وكذلك إذا كفن بكفن مغصوب أو دفن معه مال مغصوب أو دفن معه
مال لورثته أو لغيرهم.
وإذا كان الميت قد أوصى بدفن قرآن أو خاتم معه أو غيرهما، وكانت
وصيته جامعة للشرائط وجب العمل بها ولم يجز نبش القبر
لاخراج ذلك الشئ من القبر بل لا يجوز أخذه إذا ظهر بسبب آخر.
(2) أن يدفن الميت في موضع لا يناسب كرامته كالمزبلة والبالوعة
أو موضع لتجميع الأسمدة أو النجاسة أو في مقبرة الكفار، أو دفن مع
237

كافر وإن كانت زوجته أو رحمه.
(3): أن يدفن بغير غسل أو بغير كفن، أو يتبين بعد الدفن بطلان
غسله، أو أنه كفن على غير الوجه الشرعي، أو يعلم بأنه قد وضع في
القبر إلى غير القبلة فيجب نبشه لتدارك الواجب، إلا إذا كان ذلك
موجبا لهتك حرمته فيسقط وجوبه. وقد تقدم في المسألة الستمائة
والسادسة والثمانين حكم ما إذا دفن بغير صلاة.
(4): أن يتوقف اثبات حق من الحقوق على رؤية جسد الميت، إذا
كان ذلك الحق أهم من حرمة النبش أو لزم الضرر من ترك النبش على
صاحب الحق ويشكل في ما عدا ذلك.
(5): إذا وجدت بعض أجزاء الميت المنفصلة من جسده بعد موته،
والأحوط لزوما أن ينبش القبر لدفنها مع الميت على وجه لا يظهر الجسد.
(6): إذا خيف عليه في ذلك المكان من عدو، أو من سبع أو سيل،
أو تجمع مياه توجب هتك حرمته، فينبش، ليدفن في مكان غيره.
(7): أن ينبش بعد دفنه على الوجه الشرعي لينقل من موضعه
إلى المشاهد المشرفة، إذا لم يستوجب ذلك هتكا لحرمته، فإذا استوجب
الهتك فالظاهر المنع سواء أوصى الميت بذلك أم لم يوص.
[المسألة 790]
يشكل جواز التوديع المتعارف عند بعض الناس: بأن يوضع الميت
في تابوت ويدفن على غير الوجه الشرعي، أو يوضع في موضع ويبنى
عليه، ثم يخرج بعد مدة لنقله إلى المشاهد المشرفة، بل اللازم مواراته
في الأرض على الوجه الشرعي، فإذا أريد نقله إليها نبش ونقل بإذن
الولي إذا لم يكن ذلك موجبا لهتك الميت أو لأذية المسلمين كما تقدم.
[المسألة 791]
تستحب زيارة قبور المؤمنين والتسليم عليهم وقراءة القرآن عند
قبورهم، وطلب الرحمة والمغفرة لهم، ويتأكد استحبابها في يوم
الخميس ولا سيما في عصره، وفي يوم الاثنين وصبيحة يوم السبت.
238

ويستحب أن يسلم عليهم فيقول: (السلام على أهل الديار، من
المؤمنين والمسلمين رحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء
الله بكم لاحقون).
ويقول: (السلام على أهل لا إله إلا الله من أهل لا إله إلا الله، يا أهل
لا إله إلا الله بحق لا إله إلا الله كيف وجدتم قول لا إله إلا الله من لا إله إلا
الله، يا لا إله إلا الله، بحق لا إله إلا الله، اغفر لمن قال لا إله إلا
الله واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي
الله).
ويستحب فيها قراءة سورة يس، ففي الحديث: (من دخل المقابر
فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات).
ويستحب أن يجلس عند القبر مستقبل القبلة ويضع يده عليه
ويقرأ سورة القدر سبعا، وأن يقرأ كلا من الفاتحة والمعوذتين وآية
الكرسي ثلاثا ثلاثا.
[الفصل الأربعون]
[في غسل من فرط في صلاة الكسوفين]
[المسألة 792]
إذا فرط المكلف في صلاة أحد الكسوفين مع احتراق القرص كله،
فالأحوط وجوب الغسل عليه مع قضاء الصلاة، بل لا يخلو من قوة،
والأحوط أن يأتي بالقضاء بعد الغسل وقبل أن يحدث.
والمراد بالتفريط أن يعلم المكلف بحدوث الكسوف أو الخسوف في
حينه، ويترك الصلاة عامدا حتى ينجلي القرص، سواء علم في حينه
بأن القرص قد احترق كله أم لم يعلم بذلك حتى انجلى، وإذا عزم على
ترك الصلاة عامدا في أول الكسوف حتى أخذ القرص بالانجلاء ثم أتى
بها قبل تمام الانجلاء، لم يجب عليه الغسل ولا يكفي الظن بذلك
ولا قول الرصد والفلك، نعم، إذا حصل له العلم من أقوالهم
239

بالكسوف وبالاحتراق ولم يلاحظ في الوقت، وأصر ترك الصلاة
على كل حال، لزمه الغسل وقضاء الصلاة إذا استبان صدقهم.
وهذا هو الغسل الثامن من الأغسال الواجبة، وقد أشرنا إليه في
أول مباحث الأغسال.
[الفصل الحادي والأربعون]
[في الأغسال المندوبة]
وهي زمانية ومكانية وفعلية
[المسألة 793]
من الأغسال الزمانية: غسل الجمعة.
وهو مستحب استحبابا مؤكدا على الأقوى، وهذا هو المراد من ظواهر
بعض الأخبار التي دلت على الالزام به ووصفته بالوجوب، فلا إثم على
تاركه، ولكن يفوته بتركه خير كثير.
ووقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الزوال، وكلما
قرب من الزوال فهو أفضل، والأحوط لمن يأتي به بعد الزوال إلى
غروب الشمس من يوم الجمعة: أن ينوي به القربة المطلقة ولا يتعرض
لنية الأداء أو القضاء.
وإذا فاته الغسل في يوم الجمعة حتى غربت الشمس، فالأحوط أن
لا يقضيه في ليلة السبت، بل يأتي به قضاء في نهار السبت إلى غروب
الشمس منه، وهو آخر وقت قضائه.
[المسألة 794]
إذا خاف المكلف: اعواز الماء، أو خاف فوت الغسل عليه في يوم
الجمعة لسبب آخر من مرض وغيره، جاز له تقديم غسل الجمعة في يوم
الخميس، ويشكل تقديمه ليلة الخميس أو ليلة الجمعة، ولا بأس به
برجاء المطلوبية.
240

وإذا قدم الغسل يوم الخميس ثم تمكن منه في يوم الجمعة قبل الزوال
استحبت له إعادته، فإن لم يعده استحب له قضاؤه يوم السبت.
وإذا قدمه في الخميس ثم تمكن منه بعد الزوال من يوم الجمعة، لم
تستحب له الإعادة، وإذا دار الأمر بين تقديمه يوم الخميس وقضائه
يوم السبت استحب له اختيار الأول.
[المسألة 795]
يستحب غسل الجمعة مؤكدا لكل من الرجال والنساء والحاضر
والمسافر، ومن يصلي الجمعة أو الظهر، من غير فرق بين الجميع.
نعم هو في السفر على الرجال أأكد منه على النساء.
[المسألة 796]
يظهر من بعض الأخبار كراهة ترك غسل الجمعة، وفي بعضها
(عمن تعمد تركه): فإن هو فعل فليستغفر الله ولا يعود.
[المسألة 797]
روي عن الإمام الصادق (ع): من اغتسل يوم الجمعة للجمعة،
فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين) كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة.
[المسألة 798]
تقدم منا في المسألة الثالثة بعد الخمسمائة: أن الظاهر صحة غسل
الجمعة من الجنب ومن الحائض، بل الظاهر اجزاؤه عن غسل الجنابة،
وعن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.
[المسألة 799]
إذا أتم غسل الجمعة تحققت به الغاية المقصودة منه وهي الاغتسال
في هذا اليوم، فلا يضره وقوع الحدث بعده، سواء كان بالحدث الأصغر
أم الأكبر، فلا يحتاج إلى إعادة الغسل، نعم لا بد من الطهارة للصلاة
أو لغيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة.
241

[المسألة 800]
ومن الأغسال الزمانية: أغسال ليالي شهر رمضان، فيستحب
الغسل في ليالي القدر منه، وهي الليلة التاسعة عشرة، والحادية
والعشرون، والثالثة والعشرون، ولا سيما في الأخيرتين.
وقد ورد الأمر بالغسل في كل ليلة من ليالي الافراد منه، وفي كل
ليلة من العشر الأواخر، وفي ليلة النصف منه والسابعة عشر، كما ورد
الغسل في الليلة الثالثة والعشرين منه مرة أخرى في آخر الليل، وورد
أن يكون الغسل في أول ليلة منه في نهر جار، ويصب على رأسه ثلاثين
كفا من الماء وورد كذلك أن يغتسل في أول يوم منه في ماء جار،
ويصب على رأسه ثلاثين غرفة منه، ولا بأس بالاتيان بجميع ذلك برجاء
المطلوبية.
[المسألة 801]
وقت الغسل في ليالي شهر رمضان هو تمام الليلة، ويتخير بين
ساعاتها، إلا في الغسل الثاني من الليلة الثالثة والعشرين فإنه في آخر
الليل كما تقدم، ويرجع أن يكون غسل الليالي بين العشاءين، وعن
الإمام الباقر (ع): الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله
(أي قبيل الغروب) ثم يصلي ثم يفطر.
[المسألة 802]
ومن الأغسال الزمانية: غسل يومي العيدين: الفطر والأضحى،
ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب على الأقوى، والأولى أن يأتي به
قبل صلاة العيد، ويستحب الغسل أيضا في ليلة الفطر، ويمتد وقته
إلى الفجر، والأحوط أن يؤتى به في أول الليل.
ويستحب الغسل في يوم عرفة، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب،
والأولى أن يأتي به عند الزوال، ولا يختص استحبابه بمن يكون في
عرفات، بل يعم من في سائر الأمصار، ويستحب في يوم التروية وهو
الثامن من ذي الحجة.
242

[المسألة 803]
ورد استحباب الغسل في يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي
الحجة، والأولى - بل الأحوط - أن يأتي بالغسل قبل الزوال، وورد
كذلك في يوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة، وفي
أول شهر رجب ووسطه وآخره، وفي ليلة النصف من شهر شعبان، وفي
السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو يوم المولود، وفي يوم النيروز،
ولا بأس بالغسل في الأيام المذكورة برجاء المطلوبية.
[المسألة 804]
إذا أتم الغسل - في أي واحد من الأغسال الزمانية - في وقته
المخصوص حصلت به الغاية المقصودة منه، فلا يضره وقوع الحدث
بعده كما تقدم في غسل الجمعة، وعليه التطهر من الحدث للأعمال
المشروطة بالطهارة كالصلاة ونحوها.
[المسألة 805]
القسم الثاني من الأقسام المندوبة: الأغسال المكانية.
ولها أفراد كثيرة، فمنها الغسل لدخول حرم مكة، والغسل لدخول
مكة نفسها، ولدخول الكعبة المكرمة، وقد ذكر الفقهاء أيضا الغسل
لدخول المسجد الحرام، ولم نقف على ذكره في النصوص.
ومنها الغسل لدخول حرم المدينة، ولدخول المدينة نفسها ولدخول
مسجد الرسول (ص)، ووقت الغسل للدخول في هذه الأمكنة قبل الدخول
فيها قريبا منه، ويكفيه غسل يومه لليلته، وغسل ليلته ليومه، ما لم
يحدث، وإن استحبت له الإعادة وإن لم يحدث.
ويجوز التداخل إذا أراد الدخول في الحرم والدخول في مكة وفي
الكعبة في يوم واحد، فيغتسل لجميعها غسلا واحدا، ويكفيه ذلك إذا
لم ينتقض.
وكذلك إذا أراد الدخول في حرم المدينة، والدخول في المدينة وفي
المسجد النبوي في يوم واحد.
243

[المسألة 806]
إذا اغتسل للدخول في بعض الأمكنة المتقدم ذكرها ثم أحدث قبل
الدخول في ذلك المكان أعاد الغسل، وإذا اغتسل للدخول في مكانين منها
أو أكثر ودخل في بعضها، ثم أحدث قبل الدخول في الباقي كفاه غسله
لما دخله، وأعاد الغسل للدخول في الباقي فإذا اغتسل لدخول الحرم
ودخول مكة وأحدث بعد الدخول إلى الحرم وقبل دخول مكة كفاه غسله
لدخول الحرم وأعاد الغسل لدخول مكة، وهكذا إذا اغتسل لدخول مكة
والكعبة، أو لدخول المدينة وحرمها ومسجدها.
[المسألة 807]
القسم الثالث من الأغسال المندوبة: الأغسال الفعلية، وهي على
نحوين. الأول: ما يستحب لفعل يريد أن يفعله، أو لأمر
يرغب في وقوعه، وله أفراد كثيرة، فمنها، الغسل للاحرام بالحج أو
بالعمرة، وللوقوف بعرفات، للذبح والنحر، والحلق، ولزيارة أحد
المعصومين (ع) من قريب أو بعيد، ولصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة
على النهج المذكور في نصوصها، ولعمل أم داود الوارد في الأيام البيض
من شهر رجب، ويسمى بعمل الاستفتاح، وللتوبة من الكفر أو
من المعصية، وللاستسقاء.
وقد ذكر الغسل في بعض النصوص لبعض الأعمال الأخرى، ولا بأس
بالاتيان بما في النصوص المذكورة برجاء المطلوبية.
[المسألة 808]
وقت هذه الأغسال قبل الشروع في الفعل الذي يريد ايقاعه كما
تقدم في الأغسال المكانية، ويكفيه أيضا غسل يومه لليلته، وغسل ليلته
ليومه ما لم يحدث، وإذا اغتسل ثم أحدث قبل أن يأتي بالفعل الذي
اغتسل له أعاد الغسل
[المسألة 809]
النحو الثاني من الأغسال الفعلية: ما يستحب لفعل قد صدر منه
244

وله عدة أفراد، فيستحب الغسل إذا قتل الوزغ، ويستحب غسل المولود
بعد ولادته، وظاهر الحديث الوارد فيه أنه كسائر الأغسال المسنونة،
فيعتبر فيه قصد التقرب والترتيب، وليس لمجرد إزالة القذر عن
الطفل.
ويستحب الغسل لمن سعى عامدا لرؤية المصلوب ورآه، سواء كان
ذلك بعد مضي ثلاثة أيام من صلبه أم في أثنائها، وهذا إذا كان المصلوب
مظلوما، وكذلك إذا كانت الرؤية بعد الثلاثة في المصلوب بحق،
فلا غسل على من اتفق أن رأى المصلوب من غير قصد، أو قصده ورأه لغرض
شرعي صحيح كتحمل شهادة أو أدائها، ولا غسل على من قصده
ورأه في أثناء الأيام الثلاثة في المصلوب الشرعي.
وقد ذكر استحباب الغسل لمن مس الميت بعد غسله، وللمرأة إذا
تطيبت لغير زوجها وغير غرض شرعي صحيح، وللمكلف إذا شرب
مسكرا ونام، ولا بأس بالغسل في الموارد المذكورة برجاء المطلوبية.
[المسألة 810]
تقدم في المسألة الخمسمائة والسابعة والستين وغيرها: أن
جميع الأغسال - ومنها الأغسال المندوبة - تكفي عن الوضوء، وإن
كان الأحوط للمكلف أن يأتي معها بالوضوء احتياطا لا ينبغي تركه،
والأفضل أن يكون قبل الغسل.
ولا يجري ذلك في الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية، فلا بد
معها من الوضوء.
[المسألة 811]
يكفي غسل واحد لمن عليه أغسال متعددة إذا نوى الجميع، بل وإن
نوى البعض إذا كان ما نواه معلوم الاستحباب، ولا يكفي إذا كان مما
يؤتى به برجاء المطلوبية.
[المسألة 812]
إذا لم يتمكن من الماء أو من الغسل جاز له التيمم وكفى عنه في
جميع الأقسام المذكورة.
245

[الفصل الثاني والأربعون]
[في مسوغات التيمم]
[المسألة 813]
يصح التيمم للمكلف إذا تحقق أحد الأعذار التي تسقط عنه وجوب
الطهارة المائية، وتسمى مسوغات التيمم، وهي عدة أمور:
(الأول): أن لا يجد المقدار الذي يكفيه من الماء للطهارة الواجبة
عليه من وضوء أو غسل، ولا يسقط الحكم بالتيمم وجود المقدار الذي
لا يكفي من الماء.
وإذا تيقن بعدم وجود الماء في رحله أو في قافلته أو في الموضع الذي
هو فيه، لم يجب عليه الفحص فيه، وإذا احتمل وجوده، وهو في
الحضر وجب عليه أن يفحص عنه إلى أن يحصل له اليأس من وجوده،
وكذلك إذا كان مقيما في البادية أو في برية.
وإذا كان مسافرا كفاه أن يطلب الماء في كل جهة من الجوانب الأربعة
رمية سهم واحد إذا كانت الأرض حزنة، ورمية سهمين إذا كانت سهلة،
والمراد بالحزنة أن تكون الأرض وعرة، وإن كان ذلك لوجود الأشجار
والأشواك فيها.
وإذا علم بعدم وجود الماء في بعض الجهات من الأرض سقط عنه
وجوب الطلب في تلك الجهة، وإذا علم بعدمه في جميع الجهات سقط
عنه وجوب الطلب في الجميع.
وإذا علم بوجوده فوق الغلوة والغلوتين وجب عليه الطلب فيه إذا
كان الوقت باقيا، إلا إذا لزم منه الحرج، وإذا شك في وجوده أو ظن
لم يجب عليه الطلب أكثر من ذلك، نعم إذا اطمأن بوجود الماء فوق
المقدار المذكور، فلا يترك الاحتياط بطلبه حتى يزول الاطمئنان أو
يلزم الحرج، والظاهر أن الأحكام المذكورة تثبت للمسافر العرفي
وإن كان سفره دون السفر الشرعي.
246

[المسألة 814]
إذا شهدت البينة العادلة بعدم الماء في بعض الجوانب لم يجب عليه
الطلب فيه، وإذا شهدت بعدمه في جميع الجوانب لم يجب عليه الطلب
في الجميع، وإذا شهدت بوجود الماء فوق الرمية والرميتين وجب
الطلب إذا كان الوقت باقيا، إلا إذا لزم منه الحرج.
[المسألة 815]
تصح الاستنابة في طلب الماء، ويعتبر في النائب أن يكون أمينا
موثوقا، ولا يشترط أن يكون عادلا، ويكتفي بنائب واحد عن جماعة،
بل يكتفي بطلب الغير إذا أوجب الاطمئنان بعدم الماء، وإن لم يكن
ذلك الغير نائبا.
[المسألة 816]
إذا حضر وقت الصلاة فطلب المكلف الماء على الوجه المتقدم ولم
يجد، ثم حضر وقت صلاة أخرى وهو في الموضع نفسه لم تجب عليه
إعادة الطلب، إلا إذا زالت عنه حالة اليأس من وجود الماء التي
حصلت له بطلبه الأول فيعيد الطلب على الأحوط.
وإذا طلب الماء قبل دخول وقت الصلاة ولم يجد، ثم حضر الوقت
فالأحوط له إعادة الطلب إذا احتمل العثور على الماء، وإذا ارتحل
عن موضعه ثم دخل الوقت، فلا ريب في وجوب الطلب مع احتمال
وجود الماء في هذا الموضع.
[المسألة 817]
إنما يجب طلب الماء إذا كان الوقت متسعا لذلك، فإذا ضاق الوقت
سقط وجوب الطلب وتعين التيمم.
[المسألة 818]
إذا ترك الطلب عامدا حتى ضاق الوقت، تيمم وصحت صلاته،
وإن كان آثما بترك الطلب في ما إذا استبان له أنه لو طلب الماء لعثر
عليه، وفي غير هذه الصورة يكون متجرئا.
247

[المسألة 819]
إذا لم يطلب الماء مع احتمال وجوده، وتيمم وصلى وهو في سعة
الوقت كانت صلاته باطلة، ولكن إذا تحقق منه قصد القربة في صلاته
ثم تبين عدم وجود الماء، فالظاهر صحة الصلاة والأحوط الإعادة.
[المسألة 820]
إذا طلب الماء فلم يجد، وتيمم وصلى، ثم تبين له بعد ذلك وجود
الماء في محل طلبه أو في رحله أو في قافلته، فإن كان الوقت باقيا أعاد
الصلاة على الأحوط وإن كان بعد الوقت فلا قضاء عليه.
[المسألة 821]
إذا اعتقد المكلف بعدم وجود الماء فلم يطلب وتيمم وصلى، ثم
استبان له أن الماء موجود بحيث أنه لو طلبه لعثر عليه، فالظاهر وجوب
الإعادة عليه إذا استبان له ذلك وهو في الوقت، ووجوب القضاء عليه
إذا كان خارج الوقت.
[المسألة 822]
إذا اعتقد أن الوقت ضيق لا يسع الطلب فتيمم وصلى ثم تبين له
بعد الصلاة إن الوقت كان متسعا، فالظاهر صحة تيممه وصلاته، وإن
كان الأحوط الإعادة أو القضاء ولا سيما إذا تبين له وجود الماء في الحد
الذي يجب فيه الطلب
[المسألة 823]
إذا كان عنده من الماء ما يكفيه لوضوئه أو غسله، ودخل عليه وقت
الصلاة لم تجز له إراقة ذلك الماء وهو يعلم بعدم وجود ماء غيره، بل
لا تجوز له إراقة الماء قبل الوقت في مثل هذه الحال، على الأحوط، ولكنه
248

إذا تعمد فأراق الماء وجب عليه التيمم، في الصورتين مع اليأس من الماء
وصحت صلاته وإن أثم بإراقة الماء.
وكذلك الحكم إذا كان على وضوء، ودخل عليه وقت الصلاة فلا يجوز
له نقض وضوئه إذا كان يعلم بعدم وجود الماء، بل ولا قبل الوقت على
الأحوط، وإذا نقض وضوءه وجب عليه التيمم وصحت صلاته في
الصورتين، وإن كان آثما بنقض وضوئه.
[المسألة 824]
لا يجب عليه الطلب إذا خاف معه على نفسه أو على ماله أو على عرضه
من عدو أو سبع أو لص أو ضياع، أو كان فيه حرج ومشقة لا تتحمل.
[المسألة 825]
إذا كان بعض الجوانب من الأرض حزنا وبعضها سهلا لحق كل
جانب حكمه، فيجب الطلب في الحزن غلوة سهم وفي السهل غلوة سهمين،
وإذا كان الجانب الواحد منها بعضه حزنا وبعضه سهلا لحقه حكم السهلة
على الأحوط، فلا بد فيه من الطلب غلوة سهمين.
[المسألة 826]
الثاني من الأعذار التي يسوغ معها التيمم: أن يكون الماء موجودا
ولا يستطيع المكلف الوصول إليه لكبر سن أو مرض أو منع متسلط
أو خوف من سبع أو عدو على نفسه أو عرضه أو ماله، أو لكون الماء
في بئر وشبهه، وليس لديه ما يستقي به من دلو وحبل ونحوهما، أو
المنع شرعي، كما إذا كان الماء في إناء مغصوب أو في أرض مغصوبة
ولم يمكن أخذ الماء منهما بصورة مشروعة، كأن يأمر طفلا أو مكلفا
جاهلا بالغصب بأن ينقل الماء إليه في إناء مباح، وكذلك في آنية الذهب
أو الفضة مع الانحصار بها، وعدم امكان التفريغ، ويراجع الفصل
الثالث عشر في أحكام الأواني.
[المسألة 827]
إذا أمكن الحصول على الماء بشراء أو اقتراض أو اقتراض عوض،
249

أو أمكن شراء الآلة التي يستقي بها من البئر أو استئجارها وجب على
المكلف ذلك وإن كان بأضعاف عوضه، إلا إذا أوجب ذلك له الحرج
فلا يجب.
[المسألة 828]
إذا وهب الماء له واهب أو وهب له عوضه الذي يشتريه به وجب
عليه القبول، إلا إذا كان في ذلك منة أو مهانة توجبان له الحرج،
فلا يجب عليه حين ذاك.
[المسألة 829]
الثالث من مسوغات التيمم أن يخاف على نفسه من استعمال الماء
تهلكة أو حصول ضرر يعسر تحمله كحدوث مرض أو تعيب في جسده
أو في بعض أعضائه، أو اشتداد مرض أو طول مدته أو تعسر علاجه،
حتى الشين - وهي الخشونة التي تكون في البشرة بسبب استعمال الماء
البارد في شدة البرد، التي توجب تشقق الجلد وخروج الدم - إذا
بلغت درجة شاقة لا تتحمل عادة.
والمدار أن يحصل له العلم بحدوث أحد المذكورات من استعمال
الماء، أو الظن به، أو الاحتمال العقلائي الموجب للخوف، وقد يحصل
ذلك من قول طبيب أو اخبار عارف غير متهم، أو تجربة المكلف نفسه
أو غير ذلك، فيجب عليه التيمم، ولا يكفي في ذلك حدوث الضرر القليل
الذي يتحمله العقلاء، ولا الاحتمال الذي لا يوجب الخوف عندهم.
وإذا علم أن السبب في حدوث هذه المحاذير هو استعمال الماء البارد
وأمكن تسخينه وجب عليه ذلك، ولم يجز له التيمم.
[المسألة 830]
إذا خالف المكلف، فتحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل، فللمسألة
صور وأحكامها تختلف باختلاف صورها.
(الصورة الأولى): أن يكون الضرر الذي يعسر تحمله إنما يترتب
250

على المقدمات التي تتقدم على ذيها في الزمان، وليس على نفس استعمال
الماء في الوضوء أو الغسل، كما إذا كان تحصيل الماء موقوفا على سلوك
طريق يوجب الوقوع في الضرر المخوف، فإذا تحمله المكلف وحصل على
الماء وجب عليه الوضوء منه أو الغسل، وكان صحيحا، سواء وقع
في المحذور أم لم يقع.
(الصورة الثانية): أن يكون الضرر مترتبا على المقدمات التي
تقارن ذا المقدمة في الوقت، كما إذا كان الاغتراف من الماء ضرريا،
والحكم بصحة الوضوء أو الغسل في هذه الصورة مشكل فلا بد فيها
من الاحتياط.
(الصورة الثالثة): أن يكون الضرر مترتبا على نفس استعمال
الماء في الوضوء أو الغسل، ثم إنه لا ريب في اختلاف مراتب الضرر
يكون شديدا يوجب تحريم تحمله، وتحريم الفعل الذي يكون سببا
له، فإذا كان استعمال الماء في الوضوء أو الغسل سببا لهذا النوع من
الضرر، فلا ريب في بطلان الوضوء والغسل إذا أتى بهما المكلف وهذه
هي الصورة الثالثة.
(الصورة الرابعة): أن يكون الضرر مترتبا على نفس استعمال
الماء في الوضوء أو الغسل، وتكون مرتبة الضرر أخف منها في الصورة
الثالثة المتقدمة، فهي لا توجب تحريما، وإنما توجب نفي الحكم
الإلزامي الذي يكون سببا للضرر، كما هو مفاد قاعدة لا ضرر ولا ضرار
والأقوى صحة الوضوء أو الغسل إذا كان استعمال الماء يوجب الضرر
بهذا المقدار.
(الصورة الخامسة): أن لا يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل
سببا للضرر وإنما يكون سببا للحرج والمشقة بتحمل ألم البرد مثلا أو
تحمل مشقة الشين، والظاهر صحة الوضوء والغسل في هذه الصورة
أيضا إذا تحمل المكلف الحرج والمشقة، فتوضأ بالماء أو اغتسل ويكفي
المكلف في هذه الصورة وفي الصورة الرابعة المتقدمة من قصد القربة
أن يقصد رجحان الوضوء أو الغسل ومحبوبيتهما عند المولى سبحانه.
251

[المسألة 831]
إذا اعتقد الضرر باستعمال الماء فخاف منه وتيمم وصلى، ثم تبين
له عدم الضرر فيه، فالظاهر صحة تيممه وصلاته، إلا إذا كان تبين
عدم الضرر له قبل الصلاة، فيجب عليه الوضوء أو الغسل.
وإذا اعتقد الضرر به ولم يحصل له الخوف منه، وتيمم وصلى ثم
تبين له عدم الضرر فيه، فلا بد من الإعادة أو القضاء
[المسألة 832]
إذا اعتقد عدم الضرر باستعمال الماء فتوضأ أو اغتسل وصلى، ثم
تبين له وجود الضرر به فلا تترك مراعاة الاحتياط إذا كان الضرر الذي
استبان له وجوده مما يحرم ارتكابه، وخصوصا إذا تبين له ذلك قبل
دخوله في الصلاة، وإذا كان الضرر الذي استبان له مما لا يحرم ارتكابه،
فالظاهر صحة وضوئه أو غسله وصلاته وإن كان الاحتياط بالإعادة.
[المسألة 833]
إذا خاف الضرر باستعمال الماء ومع ذلك توضأ أو اغتسل، فإن كان
الضرر الذي خافه بدرجة يجب معه الاحتياط، فالظاهر بطلان وضوئه
وغسله، وإن تبين له بعد ذلك عدم الضرر، وإن كان الضرر المخوف
مما لا يجب معه الاحتياط فالظاهر صحة الوضوء والغسل.
وإذا اعتقد الضرر باستعمال الماء ولم يحصل له الخوف منه وتوضأ
أو اغتسل، فإن كان الضرر الذي اعتقد به مما يجوز ارتكابه فالظاهر
صحة وضوئه وغسله، سواء انكشف له خلاف اعتقاده بعد ذلك أم لم
ينكشف، وإن كان الضرر الذي اعتقد به مما يحرم ارتكابه، فالظاهر
بطلان وضوئه وغسله إذا لم يتبين له بعد ذلك عدم الضرر فيه.
وإذا تبين له عدم الضرر فيه فالظاهر صحة الوضوء والغسل إذا
حصل منه قصد القربة فيهما.
[المسألة 834]
إذا اعتقد عدم الضرر باستعمال الماء ومع ذلك تيمم، ثم تبين له
252

وجود الضرر، فإن حصل منه - مع ذلك - قصد القربة، صح تيممه،
وإلا كان باطلا.
[المسألة 835]
إذا أجنب الرجل نفسه عامدا مع علمه بأن استعمال الماء مضر،
وجب عليه التيمم ولم يجز له الغسل إذا كان الضرر في استعمال الماء
مما يحرم ارتكابه وإذا كان مما يجوز ارتكابه صح منه التيمم وكفى،
وإذا تحمل الضرر واغتسل صح غسله أيضا وكفى، والأفضل له الغسل
في هذه الصورة.
[المسألة 836]
تقدم منا في المسألة الأربعمائة والثانية والأربعين: أنه يجوز
للانسان أن يجامع اختيارا حتى بعد دخول وقت الصلاة وهو يعلم أنه
غير قادر على الغسل، فيجب عليه التيمم، وذكرنا فيها ما يستثنى من
ذلك فلتراجع.
[المسألة 837]
الرابع من مسوغات التيمم: أن يكون تحصيل الماء أو يكون استعماله
في الوضوء أو الغسل موجبا للحرج الذي لا يتحمل عادة، وإن لم يكن
موجبا للضرر أو خوف الضرر، فيجوز له التيمم كما يجوز له الوضوء
أو الغسل كما تقدم.
[المسألة 838]
الخامس من مسوغات التيمم أن يكون المكلف محتاجا للماء الموجود
لشربه أو شرب أولاده وعياله أو بعض متعلقيه وأصدقائه، بحيث
يخشى عليهم أو على بعضهم التلف من العطش، أو حدوث مرض أو
حرج ومشقة لا تتحمل، سواء كان محتاجا لذلك بالفعل أم في ما يأتي.
ويكفي في تسويغ التيمم أن يحتمل ذلك احتمالا يوجب الخوف
والحذر عند العقلاء، فيجب عليه التيمم وحفظ الماء للحاجة، وكذلك
إذا خاف على دوابه.
253

[المسألة 839]
إذا خاف المكلف على نفس محترمة لا ترتبط به بصداقة أو علاقة
فالظاهر أن مجرد الخوف عليها من العطش لا يوجب عليه حفظ الماء
لها وتسويغ التيمم، إلا أن يسبب ذلك له حرجا لا يتحمل عادة كما في
بعض ذوي النفوس التي يهمها ذلك، أو يسبب له ضررا ماليا.
نعم إذا وقع الشخص المحترم في عطش مهلك بالفعل، وجب على
المكلف دفع الماء إليه لحفظه من الهلاك، ووجب عليه التيمم وكذلك
إذا كان الشخص شديد الاحترام بحيث يجب الاحتياط في حفظه عند
خوف تلفه.
[المسألة 840]
إذا كان لديه ماء طاهر وماء نجس، لم يجز له أن يشرب الماء
النجس أو يسقيه أطفاله أو رفقاءه ليحتفظ بالماء الطاهر لوضوئه وغسله،
بل يجب عليه التيمم وحفظ الماء الطاهر لحاجته وحاجتهم.
[المسألة 841]
السادس من مسوغات التيمم: أن يبتلي المكلف بواجب شرعي آخر
يوجب صرف الماء الموجود لديه في غير الوضوء والغسل، كإزالة النجاسة
بذلك الماء عن المسجد، أو تطهير مصحف متنجس، أو تطهير ثوب المكلف
أو بدنه عن النجاسة فتجب عليه إزالة النجاسة بالماء ويتيمم لصلاته،
وإن طهر ثوبه بالماء أولا ثم تيمم بعد ذلك كان أولى.
[المسألة 842]
السابع من مسوغات التيمم: أن يضيق وقت الصلاة عن طلب الماء
للطهارة لها، أو عن استخراجه، أو عن تسخينه مع الحاجة إليه، أو
عن استعماله، بحيث يلزم من الوضوء أو الغسل وقوع الصلاة أو
بعض أجزائها خارج الوقت، فيجب عليه التيمم وادراك الصلاة في
جميع الفروض المذكورة.
254

[المسألة 843]
إذا شك في سعة الوقت وضيقه، أو علم بضيقه وشك في أن الباقي
منه يكفي لتحصيل الطهارة المائية والصلاة معها أم لا، فإن حصل له
من شكه خوف فوت الوقت مع الوضوء أو الغسل انتقل إلى التيمم، وإن
لم يخف الفوت توضأ أو اغتسل ثم صلى.
[المسألة 844]
إذا كان جاهلا بضيق الوقت وأن وظيفته التيمم فتوضأ أو اغتسل
ثم تبين له ذلك، فإن قصد بوضوئه أو غسله امتثال الأمر المتوجه
إليه من قبل هذه الصلاة صاحبة الوقت كان وضوؤه أو غسله باطلا، وإن
قصد به إحدى الغايات الأخرى كالكون على طهارة أو مجموعها، أو أتى
به بقصد الرجحان والمحبوبية عند المولى فالظاهر صحتهما وصحة
الصلاة بهما.
وكذلك الحكم إذا كان عالما بضيق الوقت وبأن وظيفته التيمم،
ولكنه خالف ذلك وتوضأ أو اغتسل، فيكون وضوؤه أو غسله صحيحا
إذا قصد به الكون على الطهارة أو إحدى الغايات الأخرى أو مجموعها
أو المحبوبية عند الله، ويكون باطلا إذا قصد به امتثال الأمر المتوجه
إليه من الصلاة صاحبة الوقت.
[المسألة 845]
إذا ضاق وقت الصلاة فتيمم المكلف لها أبيح له أن يأتي بتلك الصلاة
التي ضاق وقتها، ولم يجز له أن يصلي بتيممه صلاة أخرى غيرها أو
يستبيح به غاية أخرى، وإذا كان جنبا مثلا فلا تصح له - مع هذا
التيمم - قراءة العزائم.
[المسألة 846]
المدار في ضيق الوقت الموجب للانتقال إلى التيمم هو: أن يضيق
الوقت عن الاتيان بواجبات الصلاة خاصة، مع الوضوء أو الغسل، فإذا
كان الوقت كافيا للاتيان بها، وجب عليه الوضوء أو الغسل والاقتصار
255

عليها، وإن ضاق الوقت عن الاتيان بالمستحبات وعن مثل الإقامة
وقراءة السورة.
[المسألة 847]
تقدم في المسألة الأربعمائة والثامنة والخمسين: أن الجنب يجوز
له أن يدخل المسجد ليأخذ الماء منه ويغتسل به خارج المسجد إذا كان
مجرد الدخول وأخذ الماء لا يستلزم مكثا في المجسد وإذا استلزم ذلك،
أو كان دخوله في المسجد بقصد الاغتسال فيه وجب عليه التيمم لدخول
المسجد، ولا يبيح له هذا التيمم إلا الدخول في المسجد والمكث فيه
بمقدار الحاجة.
[المسألة 848]
تقدم في مبحث الصلاة على الميت: إنه يجوز للمكلف التيمم لها وإن
كان الماء موجودا، إذا خاف فوت الصلاة عليه إن هو توضأ أو اغتسل،
وإذا كان الماء موجودا وأمكن له ادراك الصلاة وأراد التيمم أتى به
برجاء المطلوبية.
[المسألة 849]
يستحب التطهر قبل النوم فقد ورد إن من تطهر ثم أوى إلى فراشه
بات وفراشه كمسجده، فإذا كان محدثا بالأصغر ونسي الوضوء،
وتذكر حين أوى إلى فراشه استحب له أن يتيمم من دثاره، ويشكل
التعدي إلى غيره.
[المسألة 850]
إذا وجد مقدارا من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله، فلا عبرة به
ولا يسقط عنه وجوب التيمم بذلك، فإذا أمكن خلطه بمقدار من
الماء المضاف بحيث يكون كافيا للوضوء أو الغسل، ولا يخرج الماء بذلك عن
الاطلاق فلا يبعد وجوب خلط على النحو المذكور، وإذا خلطه كذلك
فلا ريب في وجوب الوضوء أو الغسل به، ولا يكفيه التيمم.
256

[الفصل الثالث والأربعون]
[في ما يتيمم به]
[المسألة 851]
يصح التيمم بكل ما يسمى أرضا من تراب، أو رمل، أو حجر
أو مدر أو صخر أملس، أو غيرها، من غير فرق بين الأبيض منها
والأسود وغيرهما من الألوان، حتى حجر الجص والنورة قبل احراقهما،
ولا يعتبر علوقه باليد، والأحوط مع وجود التراب أن لا يتعدى منه إلى
غيره، وإن كان ذلك غير لازم المراعاة.
وأما الغبار الذي يكون في الثياب أو اللبد أو في الفراش أو في عرف
الدابة، فإن أمكن تجميعه بالنفض ونحوه حتى يكون ترابا فهو من
القسم المتقدم فيصح التيمم به اختيارا إذا تجمع كذلك، وإذا لم يمكن
ذلك لم يتيمم به إلا إذا فقد جميع ما تقدم من أقسام وجه الأرض،
ويقدم ما غباره أكثر على الأحوط، وإذا كان الغبار في الباطن فالأحوط
- إن لم يكن أقوى - أن يثير الغبار أولا لينتشر على الظاهر ثم يضرب
عليه، وهذا كله إذا كان من غبار الأرض، أما غيره فلا يجوز مطلقا،
كغبار الدقيق والرماد، وكذلك الحكم في الطين، فإن أمكن تجفيفه
حتى يكون مدرا أو ترابا كان من القسم المتقدم، فيصح التيمم منه
اختيارا إذا جفف كذلك، وإذا لم يمكن تجفيفه لم يتيمم به إلا إذا فقد
ما تقدم ذكره وفقد الغبار أيضا فيتيمم به حينئذ على ما سيجئ بيانه.
[المسألة 852]
لا يجوز التيمم بالمعادن التي خرجت عن اسم الأرض، كالملح
والزرنيخ والقير، والذهب، والفضة، والعقيق، والفيروزج، ولا يجوز
التيمم بالرماد والنبات وإن كان هشيما، ولا بالدقيق والنخالة وشبههما.
[المسألة 853]
لا يجوز التيمم - على الأحوط - بالجص والنورة بعد احراقهما مع
وجود غيرهما مما يجوز التيمم به، ولا يجوز بالخزف والآجر وإن كان
257

مسحوقا على الأحوط كذلك، فإذا لم يوجد غير المذكورات مما يجوز
التيمم به، تيمم بأحدها، من الجص أو النورة المحروقين أو الطين
المطبوخ، وصلى ثم أعاد الصلاة أو قضاها على الأحوط، وكذلك الحكم
في الطين الأرمني، فلا يجوز التيمم به مع الاختيار، فإذا لم يجد غيره
تيمم به وصلى ثم قضى الصلاة على الأحوط.
[المسألة 854]
يجوز التيمم اختيارا بحجر الرحى وحجر السن وغيرهما من الصخور
وإن كانت ملساء صلبة، ويجوز التيمم بطين الرأس سواء كان مسحوقا
أم لا، كما يجوز التيمم على الحائط المبني باللبن أو الطين أو المطلي به.
[المسألة 855]
إذا مزج التراب بغيره مما لا يجوز التيمم به، كالتبن والرماد
وغيرهما لم يصح التيمم به، إلا إذا كان الخليط مستهلكا في التراب،
وكذلك الطين إذا مزج بالتبن وشبهه.
[المسألة 856]
يجوز التيمم بالأرض الندية وبالتراب الندي إلا إذا كانت النداوة
كثيرة يصدق معها اسم الطين عرفا، فلا يتيمم به مع وجود اليابس
والندي.
[المسألة 857]
إذا تيمم بالطين فلصق بيده، فالأحوط إزالته من يده بفرك ونحوه
قبل مسح الوجه واليدين به، ولا تجوز إزالته بالغسل، وإذا أمكن فرك
الطين أو الصبر عليه حتى يجف ويكون ترابا ثم يتيمم به
وجب عليه ذلك كما تقدم.
[المسألة 858]
ظهر مما تقدم أن ما يتيمم يكون على ثلاث مراتب.
(الأولى): ما يسمى أرضا بأقسامه التي تقدم ذكرها، ومنه الغبار
258

إذا نفض وتجمع فكان ترابا، ومنه الطين إذا جفف فأصبح مدرا أو
ترابا.
(الثانية): الغبار إذا لم يمكن جمعه، وإنما يصح التيمم به إذا
فقدت المرتبة الأولى، ويختص الجواز بغبار الأرض ولا يجوز بغبار
الدقيق وشبهه.
(الثالثة): الطين إذا لم يمكن تجفيفه، وإنما يجوز التيمم به إذا
فقدت المرتبة الأولى والثانية معا، والمناط في الطين هو صدق اسم
الطين عليه عرفا كما تقدمت الإشارة إليه.
وإذا فقد المكلف المراتب الثلاث كلها وكان غير واجد للماء كان فاقدا
للطهورين وسيأتي بيان حكمه.
[المسألة 859]
إذا وجد المكلف ثلجا أو جمدا وأمكنت له إذابته والوضوء به أو
الغسل وجب عليه ذلك ولم يجز له التيمم، وكذلك إذا استطاع مسح
الأعضاء به حتى يحصل الجريان المعتبر في الوضوء أو الغسل.
وإذا لم تمكن إذابته أو لم يمكن استعماله ولا مسح الأعضاء به على
النحو المتقدم ولم يجد ماءا غيره وجب عليه التيمم إذا وجد ما يتيمم به
من المراتب المتقدمة ولا يجوز له التيمم بالثلج والجمد، وإذا فقد ما يتيمم
به كان من فاقد الطهورين.
[المسألة 860]
فاقد الطهورين لا يجب عليه أداء الصلاة في الوقت، ويجب عليه
قضاؤها إذا وجد الطهور بعد الوقت، وإن كان الأحوط له أداء
الصلاة بدون طهور أيضا، وإنما يكون المكلف فاقدا للطهورين ويترتب
عليه حكمه المذكور إذا فقدهما إلى آخر الوقت، فإذا وجد أحدهما في
آخر الوقت وجب عليه الأداء، وكذلك إذا وجد أحدهما في أثناء الوقت
وعلم بأنه يفقدهما بعد ذلك إلى أخر الوقت.
259

[المسألة 861]
يجب على المكلف تحصيل ما يتيمم به ولو بالشراء ونحوه ما لم يوجب
ذلك له الحرج الذي لا يتحمل عادة، فإذا أوجب ذلك سقط وجوبه.
[المسألة 862]
إذا تيمم بشئ ثم استبان له أنه مما لا يصح التيمم به، وجبت عليه
الإعادة، وإذا صلى بتيممه أعاد الصلاة وقضاها إذا استبان له ذلك بعد
الوقت، وكذلك إذا تيمم بالغبار أو بالطين مع وجود المرتبة الأولى.
[الفصل الرابع والأربعون]
[في شرائط ما يتيمم به]
[المسألة 863]
لا يصح التيمم بالنجس، سواء كانت نجاسته مسرية أم لا، وسواء
كان المكلف عالما بالنجاسة أم جاهلا بها أم ناسيا، فإذا تيمم به كذلك
فلا بد من الإعادة.
وإذا لم يجد شيئا طاهرا يتيمم به من المرتبة الأولى انتقل إلى
الغبار، فإن لم يجد غبارا طاهرا انتقل إلى الطين فإن لم يجد فهو
فاقد الطهورين.
[المسألة 864]
يشترط في ما يتيمم به - ترابا كان أم غيره - أن يكون مباحا،
ويشترط في مكان الشئ الذي يتيمم به أن يكون مباحا أيضا، إذا كان
الضرب عليه يعد تصرفا في مكانه عرفا، وأن يكون الفضاء الذي يتيمم
فيه ويحرك فيه أعضاء التيمم مباحا كذلك، فيبطل التيمم إذا كان أحد
المذكورات مغصوبا إذا كان المكلف عالما وعامدا ولا يبطل إذا كان جاهلا
بالغصبية أو ناسيا لها.
وإذا كان جاهلا بالحكم، فإن كان جهله عن تقصير بطل تيممه
260

ووجبت عليه الإعادة، وإن كان عن قصور يعذر فيه صح تيممه كما
تقدم في الوضوء.
[المسألة 865]
يشترط في ما يتيمم به أن يكون غير ممزوج بما لا يصح التيمم به
إلا إذا كان الشئ الذي مزج معه مستهلكا، وقد تقدم ذلك.
[المسألة 866]
من كانت وظيفته التيمم إذا وجد ترابين أو حجرين مثلا وعلم بنجاسة
أحدهما مع جفافهما وجفاف أعضاء التيمم من الرطوبة المسرية جاز له
أن يتيمم بكل واحد منهما، وعليه أن يزيل ما علق بأعضائه من التيمم
بالأول، قبل التيمم بالثاني، والأحوط أن يزيل ما علق بأعضائه من
التيمم بالثاني قبل الشروع في الصلاة، وإذا لم يجد غيرهما وجب عليه
التيمم بهما كما تقدم.
[المسألة 867]
إذا وجد شيئين وعلم اجمالا بأن أحدهما تراب والآخر رماد مثلا،
ولم يعلم بهما على التعيين، جاز له أن يتيمم بهما معا، فإن لم يجد
غيرهما وجب عليه ذلك.
[المسألة 868]
إذا وجد شيئين مما يتيمم به وعلم أن أحدهما مغصوب وجب عليه
أن يجتنبهما معا، فإن لم يجد غيرهما يتيمم بالغبار، فإن لم يجد
فبالطين كما تقدم.
[المسألة 869]
إذا شك في تراب أو غيره مما يتيمم به أنه نجس أم لا، بنى على
طهارته وتيمم به إلا إذا علم بنجاسته سابقا فيبني على بقائها، ولا
يتيمم به.
[المسألة 870]
يجوز للمكلف المسجون في مكان مغصوب أن يتوضأ في ذلك المكان
261

إذا كان الماء مباحا، وخصوصا إذا كانت غسالة وضوئه لا تقع على
أرض الحبس، بل يجوز له الوضوء إذا كان الماء مغصوبا للحابس،
ولم يكن للمحبوس ماء سواه بحيث كان مضطرا إلى ذلك الماء كاضطراره
إلى ذلك المكان، فيجوز له الوضوء منه وإن ضمن قيمته للمالك، أما
في غير ذلك فلا يجوز له الوضوء وإن كان الماء مما لا قيمة له.
ويجوز له التيمم إذا كان التراب مباحا، ولا يجوز له الضرب على
أرض المحبس، فإن لم يجد التراب المباح كان من فاقد الطهورين.
[المسألة 871]
إذا وجد شيئا وشك في أنه تراب أو غيره مما لا يصح التيمم به، لم
يجز له التيمم به، فإذا هو لم يجد غيره جمع بين التيمم به والصلاة في
الوقت ثم قضاء الصلاة بعد الوقت، وإذا علم أنه كان ترابا في
السابق، وشك في استحالته بنى على أنه لا يزال ترابا وتيمم به.
[المسألة 872]
لا يعتبر في التيمم - على الأقوى - أن يعلق باليد شئ من المتيمم به،
وقد تقدم أنه يصح التيمم بالحجر الصلد والصخور الملساء، كالمرمر
وحجر الرحى ونحوها مما لا يعلق باليد، وسيأتي استحباب نفض
الكفين بعد ضربهما على ما يتيمم به، وإن كان الأولى اعتبار ذلك.
[الفصل الخامس والأربعون]
[في كيفية التيمم]
[المسألة 873]
يجب في التيمم أن يضرب المكلف على الشئ الذي يتيمم به بباطن
كفيه جميعا، وأن يكون الضرب بهما دفعة واحدة على الأحوط،
ثم يمسح بهما جبهته وجبينيه كلها من قصاص الشعر إلى طرف الأنف
الأعلى، وهو المتصل بالجبهة، وإلى الحاجبين، ولا يجب مسح الحاجبين
على الأقوى، نعم يمسح شيئا منهما ومن جميع حدود الجبهة والجبينين
من باب المقدمة.
ثم يمسح جميع ظهر الكف اليمنى بباطن اليسرى، ثم يمسح
262

جميع ظهر الكف اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع،
ويمسح شيئا من حدود الممسوح من باب المقدمة، ولا يجب مسح
ما بين الأصابع.
[المسألة 874]
لا يكفي مجرد وضع اليدين على ما يتيمم به من دون ضرب، وإن
اعتمد على يديه بعد وضعهما، ولا يكفي الضرب بإحدى اليدين وإن
وضع الأخرى، ولا يكفي أن يضرب باليدين على التعاقب - على الأحوط
- ولا يكفي الضرب بظاهر الكفين، وهذا كله في حال الاختيار.
ويكفي وضع اليدين إذا لم يستطع الضرب بهما أو كان فيه حرج
ومشقة عليه، وإذا أمكنه أن يضرب بإحدى اليدين ويضع الأخرى
وجب عليه ذلك، وإذا تعذر عليه وضع باطن اليدين ضرب بظاهرهما
وإذا أمكنه الضرب بباطن إحدى اليدين أو وضعه وبظاهر الأخرى
وجب ذلك، وإذا تعذر عليه أن يضرب بيديه دفعة واحدة ضرب بهما
على التعاقب، وسيأتي حكم نجاسة باطن الكفين.
[المسألة 875]
يجب استيعاب جميع أجزاء الجبهة والجبينين بالمسح، وأن يكون
المسح بمجموع الكفين في الجملة وإن لم يستوعبهما.
[المسألة 876]
الجبين هو الموضع الذي يكون فوق الحاجب إلى قصاص الشعر، وإلى أول
الصدغ من جانبي الوجه، والجبهة هي الموضع المستوي بين الجبينين.
[المسألة 877]
تجب النية في التيمم على الوجه الذي تقدم بيانه في نية الوضوء
والغسل، والأحوط أن يقارن بها الضرب باليدين، ولا يجب فيها أن
يقصد البدلية عن الوضوء أو الغسل، ويكفي أن يقصد امتثال الأمر
المتوجه إليه بالتيمم، نعم إذا تعدد الأمر المتوجه إليه بالتيمم، فلا بد
من التعيين، ولا يجب عليه أن يقصد بتيممه رفع الحدث، وإن كان
الأقوى أنه رافع للحدث ما دام الاضطرار موجودا، ولكن لا تجب نية ذلك.
263

[المسألة 878]
إذا كانت الغاية التي تيمم من أجلها واحدة لم يجب عليه تعيينها في
النية وإذا كانت متعددة جاز له أن يقصد جميع تلك الغايات تفصيلا،
وجاز له أن يقصد جميع ما في الذمة اجمالا، ويصح له أن يقصد غاية
معينة منها ويجزي تيممه عن الجميع، إلا إذا كان مسوغ التيمم مختصا
بتلك الغاية المعينة، فلا يجزي تيممه عن غيرها، كما إذا تضيق وقت
الصلاة الحاضرة فتيمم لادراكها فلا يجزيه تيممه لغير تلك الصلاة،
ولا لغير الصلاة من الغايات، وقد تقدم ذلك في المسألة الثمانمائة
والخامسة والأربعين وقد يأتي أيضا.
[المسألة 879]
إذا تيمم بقصد غاية خاصة، ثم استبان له عدم الأمر بتلك الغاية
كان تيممه باطلا، إذا قصد غاية واستبان له أن الأمر المتوجه
إليه بالتيمم لغيرها فإن كان قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالتيمم ولكنه
توهم أن الأمر متعلق بالغاية التي قصدها كان تيممه صحيحا وهو من
الاشتباه في التطبيق، وإن قصد تلك الغاية على وجه التقييد كان
تيممه باطلا.
[المسألة 880]
إذا تيمم بقصد البدلية عن الوضوء ثم تذكر أنه مأمور بالغسل
لا بالوضوء فالحكم فيها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإن قصد
امتثال الأمر المتوجه إليه بالتيمم ولكنه تخيل أن ذلك الأمر متعلق بما
هو بدل عن الوضوء فقصد اشتباها فالتيمم صحيح، وإن كان على
نحو التقييد فالتيمم باطل.
وكذلك الحكم إذا قصد البدلية عن غسل الجنابة ثم تذكر أن الواجب
عليه هو غسل مس الميت مثلا.
[المسألة 881]
إذا شك في أنه محدث بالحدث الأصغر أو الأكبر، كفاه أن يتيمم
تيمما واحدا بقصد الأمر المتوجه إليه.
264

[المسألة 882]
يجب في التيمم أن يباشر المكلف الضرب والمسح بنفسه، فلا يصح
أن ييممه غيره مع الاختيار، ويصح مع الاضطرار لذلك.
[المسألة 883]
تجب الموالاة ما بين أفعال التيمم، وما بين أجزاء كل واحد من
الأعضاء في المسح، فلا يفصل ما بينها فصلا يخل بهيئة التيمم ويمحو
صورته، وإذا أخل بالموالاة كذلك بطل تيممه، سواء كان ذلك عمدا
أم سهوا أم نسيانا، وسواء كان تيممه بدلا عن الوضوء أم عن الغسل.
[المسألة 884]
يجب الترتيب في التيمم على الوجه المتقدم ذكره، فيضرب باليدين
أولا، ثم يمسح جبهته وجبينيه، ثم يمسح ظهر كفه اليمنى، ثم ظهر
كفه اليسرى، وإذا خالف الترتيب فإن فاتت الموالاة بطل تيممه، وإن
تذكر قبل أن تفوت الموالاة أعاد على ما يحصل معه الترتيب نظير ما تقدم
في الوضوء من غير فرق بين أن يكون ذلك عن عمد أو جهل أو نسيان.
[المسألة 885]
يجب أن يبتدئ - على الأحوط - بأعلى الجبهة والجبينين، ثم يمسح
منه إلى الأسفل، وكذلك في كل واحدة من اليدين.
[المسألة 886]
يعتبر في التيمم - مع الاختيار - أن لا يوجد حائل يمنع وصول
الأثر إلى اليدين في ضربهما على ما يتيمم به، ولا بين الماسح والممسوح،
ومنه الخاتم في الكف فيجب نزعه للتيمم، ومنه الشعر المتدلي من
الرأس على الجبهة أو الجبين، فيجب رفعه حين المسح عليهما، سواء
كان متعارفا أم زائدا على المتعارف.
[المسألة 887]
إذا كان على موضع المسح شعر ولم يكن خارجا عن المتعارف كفاه
أن يمسح عليه كبعض الشعر الذي ينبت على ظاهر الكفين أو على الأصابع
265

أو قد ينبت على الجبهة أو على الجبين، وإذا كان خارجا عن المتعارف
ففيه اشكال، والأحوط لزوم إزالته.
[المسألة 888]
إذا كانت على العضو الماسح أو على العضو الممسوح جبيرة فلا يترك
الاحتياط معها، فإذا كانت الجبيرة في باطن الكف جمع بين التيمم
معها والتيمم مرة ثانية بالضرب بظاهر الكف وإذا كانت الجبيرة في
العضو الممسوح جمع بين أداء الصلاة مع التيمم بها، والقضاء.
[المسألة 889]
الأحوط اعتبار طهارة الماسح والممسوح مع الاختيار، فإذا كان
باطن اليدين نجسا وجب تطهيره مع الامكان، وإن لم يمكن ذلك، ولم
تكن نجاسته مسرية إلى ما يتيمم به، سقط اعتبار طهارته، فيضرب
بباطن يديه ويمسح بهما، وكذلك إذا كانت نجاسة مسرية وأمكن
تجفيفها، فيجفف النجاسة أولا ثم يضرب بباطن اليدين ويمسح بهما.
وإذا كانت نجاسة باطن الكفين مسرية ولم يمكن تجفيفها ضرب
بظاهر الكفين وتيمم. وإذا كانت في باطن الكفين نجاسة لها جرم حائل ولم تمكن إزالتها
فالأحوط أن يتيمم مع الضرب بباطن الكفين ثم يعيد التيمم مع الضرب
بظاهرهما.
[المسألة 890]
إذا بقي شئ من جبهته وجبينيه أو ظاهر كفيه لم يمسح عليه
ولو كان قليلا بطل تيممه، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا أم جاهلا،
وإذا لم تفت الموالاة وجب عليه أن يأتي بالجزء المتروك وببقية العضو
مما هو أسفل منه ليحصل الترتيب في العضو وبذلك يصح تيممه، وإذا
كان الجزء المتروك من الأعضاء المتقدمة أتى بعده بالأعضاء المتأخرة
عنه ليحصل الترتيب بين الأعضاء.
266

[المسألة 891]
إذا لم يتمكن المكلف من مباشرة التيمم بنفسه لشلل أو غير ذلك
يممه غيره، فيضرب النائب بيدي المريض ويمسح بهما جبهته وجبينيه
وظاهر كفيه، وإذا لم يمكن الضرب بهما وضعهما على ما يتيمم به
كما تقدم، وإن لم يمكن ذلك ضرب النائب بيده هو ومسح بهما وجه
المريض ويديه، وكذلك يصنع في تيميم الميت إذا لم يمكن تغسيله.
[المسألة 892]
المدار في صدق المسح على وصول الأثر سواء كان العضو الماسح
متحركا أم ثابتا وكذلك الممسوح فلا يتعين امرار الماسح على الممسوح،
وقد تقدم نظير ذلك في مسح الوضوء.
[المسألة 893]
يجب الاستمرار في مسح العضو في التيمم حتى يكمله، فإذا رفع
يديه في أثناء مسح الوجه ثم وضعهما من غير فصل مخل وأتم المسح
فالظاهر الصحة وكذلك في مسح ظهر الكف اليمنى واليسرى.
[المسألة 894]
يكفي في التيمم - على الأقوى - أن يضرب على الأرض ضربة واحدة
للوجه واليدين، سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أم عن الغسل،
والأحوط استحبابا أن يضرب بيديه مرة ويمسح بها جبهته ويديه، ثم
يضرب بهما مرة أخرى ويمسح بها يديه في كل من التيمم بدل الوضوء
أو الغسل، ولا سيما في الثاني، ولكنه ليس بلازم.
[المسألة 895]
إذا شك في شئ من أجزاء التيمم أو في تحقق شرط من شرائطه وكان
شكه بعد الفراغ من التيمم بنى على الصحة، وكذلك إذا شك في الجزء
الأخير منه بعد ما بنى على نفسه فارغا من التيمم، فيبني على الصحة
أيضا كما في الوضوء والغسل والصلاة.
267

[المسألة 896]
إذا شك في بعض أجزاء التيمم أو شرائطه وكان في أثناء التيمم وجب
عليه أن يأتي بالشئ المشكوك وبما بعده من الأجزاء، سواء كان في
محل الشئ المشكوك أم بعد التجاوز عنه، وسواء كان التيمم بدلا عن
الوضوء أم غيره.
[المسألة 897]
إذا علم بعد الفراغ من التيمم أنه ترك جزءا منه، وتذكر ذلك قبل
أن تفوت الموالاة وجب عليه أن يأتي بالجزء المتروك وبما بعده من
الأجزاء، وإذا تذكره بعد أن فاتت الموالاة وجبت عليه إعادة التيمم،
وإذا تذكر ذلك بعد الصلاة وجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت،
وقضاؤها إذا كان بعد الوقت،
وكذلك الحكم إذا علم أنه ترك شرطا من شروط التيمم.
وقد تقدم في شرط إباحة التراب والمكان أن الاخلال به لا يوجب
الإعادة إلا مع العلم والعمد. فلتراجع المسألة الثمانمائة والرابعة
والستون.
[الفصل السادس والأربعون]
[في أحكام التيمم]
[المسألة 898]
يشكل جواز التيمم للصلاة قبل حلول وقتها، وإن كان المكلف ممن
وظيفته التيمم كما هو المفروض، نعم، إذا علم أنه لا يتمكن من التيمم
للفريضة بعد دخول وقتها، وأنه يكون فاقدا للطهورين، فالأحوط
له أن يتيمم قبل الوقت لغاية أخرى واجبة أو مندوبة كأن يتيمم لصلاة
قضاء أو لصلاة نافلة، أو لغاية أخرى ويبقى على تيممه إلى أن يدخل
الوقت ويصلي الفريضة وتصح صلاته بذلك.
[المسألة 899]
إذا تيمم لفريضة أو نافلة بعد دخول وقتها، ثم دخل عليه وقت
268

صلاة أخرى، صح له أن يصليها بتيممه ما لم ينتقض بحدث أو يرتفع
عذره الذي ساغ له التيمم من أجله، وكذلك إذا تيمم لغاية أخرى من
غايات التيمم غير الصلاة.
[المسألة 900]
يجوز التيمم للصلاة في سعة الوقت إذا علم باستمرار العذر الذي من
أجله ساغ له التيمم إلى آخر الوقت أو يئس من زواله، ولا يجوز
له ذلك إذا علم بأن العذر يزول في أثناء الوقت أو في آخره، وكذلك إذا
احتمل زواله على الأحوط، وخصوصا مع رجاء زواله.
[المسألة 901]
إذا كان المكلف متيمما لوجود بعض المسوغات ودخل عليه وقت
الصلاة فإن علم بأن العذر يستمر به إلى آخر الوقت أو يئس من زوال
العذر فيه جاز له أن يأتي بالصلاة في أول وقتها، وإذا علم بأن العذر
يزول في الوقت لم يجز له ذلك حتى يتضيق الوقت، وإن كان تيممه
صحيحا كما ذكرنا، وكذلك إذا احتمل زوال العذر في آخر الوقت على
الأحوط كما تقدم في غير المتيمم سواء بسواء.
[المسألة 902]
الظاهر أن المراد من آخر الوقت الذي يجب تأخير التيمم أو الصلاة
إليه هو أن يبقى من الوقت مقدار ما يؤدي به المكلف واجبات الصلاة
ومستحباتها المتعارفة بما فيها من أذان وإقامة لا مطلق المستحبات.
[المسألة 903]
إذا اعتقد ضيق الوقت فتيمم وصلى، ثم استبان له سعة الوقت،
فالطاهر بطلان الصلاة إلا إذا استمر العذر إلى آخر الوقت فتكون
الصلاة صحيحة.
وإذا اعتقد بأن العذر يستمر به إلى آخر الوقت أو يئس من زواله
في الوقت فتيمم أو كان متيمما فصلى مع سعة الوقت، ثم زال عذره في
الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة.
269

[المسألة 904]
يشكل جواز التيمم لصلاة القضاء، فالأحوط - إن لم يكن أقوى -
تأخير القضاء إلى زمان ارتفاع العذر، وإذا علم بأن العذر يستمر معه
إلى آخر العمر أو خاف مفاجأة الموت جاز له ذلك.
وإذا أعتقد ذلك فتيمم وأتى بصلاة القضاء ثم زال العذر كانت
عليه إعادتها على الأحوط بل الأقوى.
[المسألة 905]
حكم النوافل المؤقتة هو حكم الفريضة المؤقتة فلا يتيمم لها في أول
وقتها إلا إذا علم باستمرار العذر إلى آخر الوقت أو يئس من زوال
العذر.
وأما النوافل غير المؤقتة فيجوز التيمم لها مع وجود العذر.
[المسألة 906]
إذا تيمم المكلف لوجود بعض الأعذار التي تسوغ له التيمم وصلى،
لم يجب عليه الاتيان بتلك الصلاة بعد ارتفاع العذر خارج الوقت،
وإذا ارتفع عذره في أثناء الوقت وجبت عليه الإعادة كما تقدم.
وقد استثنى بعض الفقهاء من الحكم المذكور عدة موارد فحكم
باستحباب الإعادة فيها:
أحدها: من منعه زحام الجمعة عن الخروج للوضوء وخاف فوت
الصلاة جاز له التيمم لها، ولعل الأقوى وجوب الإعادة، وأما سائر
الموارد التي ذكروها فالظاهر عدم الإعادة فيها.
[المسألة 907]
إذا كان المكلف ممن وظيفته التيمم، وتيمم لبعض الغايات التي
يصح لها التيمم كان متطهرا ما دام عذره الذي جاز له التيمم من أجله
- باقيا، وما لم ينتقض تيممه بحدث، فيجوز له أن يأتي بكل عمل
تشترط فيه الطهارة سواء كانت الغاية التي تيمم لها واجبة أم مندوبة،
فإذا كان جنبا وتيمم لصلاة الليل مثلا صح له أن يصلي بتيممه صلاة
270

الصبح، وصح منه صوم ذلك اليوم، وصح له دخول المسجد والطواف
وغير ذلك من الغايات، وكذلك الحائض والنفساء وماس الميت.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان العذر الذي سوغ له التيمم مختصا
بتلك الغاية، ومثال ذلك التيمم للصلاة إذا ضاق وقتها عن الغسل أو
الوضوء، فإن تيممه لا يجوز له الدخول في غير تلك الصلاة من الصلوات
أو الغايات، وقد تقدم ذكر ذلك في المسألة الثمانمائة والثامنة
والسبعين.
ومنه التيمم لصلاة الجنازة لمن خاف فوت الصلاة عليها إذا هو توضأ
لها أو اغتسل، فإن هذا التيمم لا يبيح له غيرها من الأعمال المشروطة
بالطهارة.
[المسألة 908]
يجب التيمم لكل ما يجب له الوضوء والغسل من الغايات التي تقدم
ذكرها في مبحث غايات الوضوء والغسل، ويستحب لكل ما يستحب له
أحدهما، حتى وضوء الحائض، ووضوء الجنب، والوضوء التجديدي،
والكون على الطهارة، وكل ذلك مع وجود أحد المسوغات للتيمم وتوفر
شرائط صحته الآنف ذكرها.
ويشكل التيمم بدلا عن الوضوء للتهيؤ للصلاة قبل دخول وقتها
وقد تقدمت الإشارة إليه في المسألة الثمانمائة والثامنة والتسعين.
[المسألة 909]
إذا تيمم المكلف بدلا عن الغسل كفاه تيممه عن الوضوء أو التيمم
بدله، كما هو الحال في الغسل نفسه، من غير فرق بين غسل الجنابة
وغيره من الأغسال الواجبة والمندوبة على الأقوى، وإن كان الأحوط
الجمع بينه وبين الوضوء أو التيمم بدله في غير غسل الجنابة.
وهذا في غير الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية، وأما هذه فلا بد
معها من الوضوء أو التيمم بدله.
271

[المسألة 910]
نواقض التيمم هي الأحداث التي ينتقض بها الوضوء والغسل،
وينتقض التيمم أيضا بوجدان الماء لفاقد الماء، وبزوال العذر المسوغ
للتيمم لصاحب العذر.
[المسألة 911]
إذا تيمم المكلف ثم وجد الماء أو زال العذر الذي سوغ له التيمم
قبل أن يصلي، انتقض تيممه كما ذكرنا، فإذا فقد الماء أو تجدد
له العذر قبل أن يصلي وجب عليه أن يتيمم لصلاته، إلا إذا كان الزمان
الذي وجد فيه الماء أو زال فيه العذر قصيرا لا يسع الوضوء أو الغسل،
أو كان وقت الصلاة ضيقا لا يسعهما، فالأقوى عدم انتقاض تيممه
الأول في هاتين الصورتين، إلا إذا كان فقد الماء بتقصير منه فيجدد
التيمم على الأحوط في الصورة الأولى منهما.
[المسألة 912]
إذا وجد الماء وهو في أثناء الصلاة لم يبطل تيممه ولا صلاته، وإن
كان قبل الركوع من الركعة الأولى على الأقوى، ولكن الأفضل استئناف
الصلاة مع الوضوء أو الغسل إذا وجد الماء قبل الركوع، وكذلك الحكم
في النافلة.
[المسألة 913]
لا يلحق بالصلاة غيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة، فإذا وجد
الماء في أثناء العمل بطل التيمم والعمل ووجبت الإعادة وإن كان في
الجزء الأخير منه.
[المسألة 914]
إذا لم يجد الماء لغسل الميت فيممه بدلا عن الغسل وكفنه وصلى
عليه ثم وجد الماء وجب عليه تغسيله وإعادة تكفينه وحنوطه والصلاة
عليه، وكذلك الحكم إذا وجد الماء بعد الدفن فينبش القبر ويغسل
الميت ويعاد تجهيزه إذا لم يستوجب ذلك هتكا لحرمة الميت.
272

[المسألة 915]
إذا تيمم المكلف - لوجود بعض الأعذار التي تسوغ له التيمم مع
وجود الماء - ثم زال عذره في أثناء صلاته، فلا يترك الاحتياط بأن
يتم الصلاة ثم يعيدها مع الوضوء أو الغسل، سواء زال عذره بعد الركوع
من الركعة الأولى أم قبله.
وهذا في ما إذا كان الوقت واسعا، وإذا كان ضيقا أتم الصلاة ولم يعدها،
وكذلك إذا زال العذر في أثناء الصلاة، ثم تجدد عذره مرة
أخرى، وكانت مدة زوال العذر الأول قصيرة لا تسع الوضوء أو الغسل،
فالظاهر أن تيممه لا ينتقض في الصورتين، وقد تقدم نظير قريبا.
[المسألة 916]
إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لم يبطل تيممه كما ذكرناه آنفا، فإذا
فقد الماء وهو في أثناء الصلاة أو بعد الانتهاء منها بلا فصل، وكانت
مدة وجوده قصيرة لا تسع الوضوء أو الغسل، جاز له أن يصلي بتيممه
صلوات أخرى ما لم ينتقض بحدث، وكذلك إذا كانت الفريضة التي
وجد الماء في أثنائها مضيقة الوقت وإن كانت مدة وجود الماء تسع الطهارة،
فلا ينتقض تيممه إذا كان الوضوء أو الغسل يتوقف على ابطال تلك
الصلاة، وفي غير هاتين الصورتين لا يترك الاحتياط بتجديد التيمم
للصلوات الأخرى وإن لم يحدث.
وإذا كانت الصلاة التي وجد الماء في أثنائها نافلة، فالظاهر عدم
الاكتفاء بالتيمم الأول، ولزوم تجديده للصلاة الأخرى بعدها.
[المسألة 917]
إذا كان المكلف متيمما بدلا عن الغسل ثم وجد من الماء ما يكفي
الوضوء فحسب، لم ينتقض تيممه بذلك، وإذا تيمم ماس الميت أو
الحائض مثلا تيممين للاحتياط، بطل بوجدان ذلك الماء ما هو بدل عن
الوضوء، ولم يبطل ما هو بدل عن الغسل، فإذا أراد الاحتياط توضأ
بالماء الموجود، وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
273

وإذا وجد من الماء ما يكفي للغسل أو للوضوء اغتسل به وأغناه
غسله عن الوضوء بل وأغناه تيمم الوضوء الذي أتى به سابقا عن
تجديده للاحتياط.
[المسألة 918]
إذا تيمم المجنب بدلا عن الغسل، ثم أحدث بعده بالحدث الأصغر
لم ينتقض بذلك تيممه عن الجنابة ما دام عذره باقيا، فلا تجب عليه
إعادة التيمم بدلا عن الغسل، بل يجب عليه الوضوء من الحدث الأصغر
إذا وجد من الماء ما يكفيه للوضوء، فإن لم يجد ذلك وجب عليه التيمم
بدلا عن الوضوء، إلى أن يرتفع عذره فيجب عليه الغسل، ويكفيه عن
الوضوء، وكذلك الحكم في الحائض وغيرها ممن عليه أحد الأحداث
الكبرى.
وقد تكرر منا أن الأغسال كلها تغني عن الوضوء، وإن كان الأحوط
الجمع بينها وبين الوضوء في غير غسل الجنابة، فإن لم يجد ماءا كان
التيمم بمنزلة الغسل، فيغني عن تيمم الوضوء والأحوط الجمع، وهذا
في غير الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية.
[المسألة 919]
إذا اجتمعت أسباب عديدة للغسل، ولم يجد المكلف الماء أو كان
معذورا عن استعماله، كفاه تيمم واحد عن الجميع، ولا يترك الاحتياط
في أن يضم إليه تيمما آخر بدلا عن الوضوء إذا لم يكن معها غسل
الجنابة.
[المسألة 920]
إذا تيمم بدلا عن أغسال عديدة، ثم تذكر أن بعض الأغسال التي
نواها لم يكن موجودا، صح تيممه إذا كان بعض الأغسال موجودا وإن
كان واحدا.
[المسألة 921]
إذا نوى التيمم بدلا عن غسل معين، ثم تذكر أن الغسل الذي تعلق
274

به الأمر غيره صح تيممه إذا قصد امتثال الأمر المتوجه بالتيمم وكان
قصد ذلك الغسل من باب الاشتباه في التطبيق، وبطل تيممه إذا قصده
على وجه التقييد، وتراجع المسألة الثمانمائة والثمانون.
[المسألة 922]
إذا اتفق وجود جنب وميت ومحدث بالحدث الأصغر في موضع،
ووجد من الماء ما يكفي لواحد منهم فقط، فإن كان الماء مملوكا لأحدهم
اختص به ولم يجز له أن يتبرع به للآخرين، وكذلك إذا كان الماء
مملوكا لغيرهم، وأذن المالك باستعماله لواحد منهم على الخصوص
فلا يباح لغيره.
وإن كان الماء مباحا، وجب على الثلاثة الاستباق لحيازة الماء، فإذا
سبق إليه أحدهم اختص به، وإذا سبقوا إليه جميعا أو لم يمكنهم
السبق إليه جميعا اختص به الجنب على الأحوط.
وكذلك إذا كان الماء مملوكا لغيرهم وأذن المالك لهم جميعا باستعماله
[المسألة 923]
إذا كان الماء في المسألة المتقدمة ملكا للمحدث بالحدث الأصغر أو
كان هو السابق إليه اختص به كما تقدم، فإذا توضأ بالماء وأمكن
أن تجمع غسالته في إناء طاهر، صح أن يغتسل بها الجنب بعده، كما
يجوز أن يغسل بها الميت إذا كانت كافية بذلك كما تقدم بيانه في
فصل الماء المستعمل، وإذا كان السابق هو الجنب فقد تقدم الاشكال
في غسالته، فإذا انحصر الماء بها جمع بين الطهارة منها والتيمم، وأما
غسالة الميت فهي نجسة فلا يجوز استعمالها.
[المسألة 924]
إذا نذر المكلف صلاة نافلة في وقت معين ولم يجد الماء للطهارة لها،
أو كان معذورا عن استعماله، وجب عليه التيمم لها بدلا عن الوضوء
أو عن الغسل.
275

وإذا نذر صلاة نافلة ولم يعين لها زمانا، وجب عليه الصبر إلى أن
يرتفع عذره فيتوضأ لها أو يغتسل ويصليها، وإذا يئس من زوال
العذر تيمم وصلاها.
[المسألة 925]
لا يصح للوصي أو الولي أن يستأجر للصلاة عن الميت من وظيفته
التيمم مع وجود من يقدر على الطهارة المائية، وإذا استأجر لها شخصا
قادرا على ذلك ثم عجز الأجير عن استعمال الماء لم يكف أن يأتي بالصلاة
مع التيمم مع سعة الوقت بل حتى مع ضيقه.
[المسألة 926]
إذا لم يجد المجنب ماءا فتيمم بدلا عن الغسل، ثم وجد الماء في مسجد
وتوقف الاغتسال به على دخول المسجد والمكث فيه مدة الغسل، جاز له
أن يدخل المسجد بتيممه ذلك، وأن يمكث فيه للغسل، ولم ينتقض
تيممه بالإضافة إلى ذلك، وإن لم يجز له أن يأتي بغيره من الغايات،
فلا يجوز له أن يمس خط المصحف مثلا ولا قراءة العزائم، ولا غيرهما
مما يحرم على الجنب أو تشترط فيه الطهارة، وكذلك الحائض
والنفساء، وقد تقدم نظير ذلك في فصل (مسوغات التيمم) وفي
(أحكام الجنب).
[المسألة 927]
إذا شك في وجود شئ يمنع وصول الأثر في باطن الكفين أو ظاهرهما،
أو في الجبهة أو الجبين، وجب عليه أن يفحص عن الحاجب حتى يحصل
له العلم أو الظن بعدمه كما تقدم في الوضوء والغسل.
[المسألة 928]
إذا نقش اسم الله على بعض أعضاء الانسان أو غيره من أسمائه
الخاصة أو آية من القرآن، فالأحوط محو ذلك النقش عن بدنه، فإن
لم يمكن محوه حرم عليه مسه وهو محدث، وامرار اليد عليه في
276

الوضوء والغسل، فيتوضأ أو يغتسل ارتماسا أو باجراء الماء على
العضو من غير مس.
وإذا لم يمكن ذلك كله تيمم لإحدى الغايات وجاز له مس ذلك
الموضع بتيممه ويتوضأ بعد ذلك أو يغتسل، وإذا كان النقش في أحد
أعضاء التيمم، سقطت عنه حرمة المس وجاز له الوضوء والغسل،
وجاز له التيمم إذا كانت وظيفته التيمم.
والحمد لله رب العالمين.
277

[كلمة التقوى]
[كتاب الصلاة]
طبقا لفتاوى المرجع الديني
الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله
فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها
وأهلها، وكان الله بكل شئ عليما.
العبادات
279

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم وأفضل صلواته وتسليماته
على سيد أنبيائه محمد وآله المطهرين المنتجبين.
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير.
281

بسم الله الرحمن الرحيم
[كتاب الصلاة]
وهي العبادة الكبرى التي أوجب الله المحافظة عليها في صريح كتابه
وجعلها على المؤمنين كتابا موقوتا، ونعتا بأنها تنهي عن الفحشاء
والمنكر، ولذكر الله أكبر.
وهي عمود الدين، وأول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت
نظر في عمله، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله، كما يقول الرسول
الكريم (ص)، والتي يقول (ص) فيها: ليس مني من استخف بصلاته،
ليس مني من شرب مسكرا، لا يرد علي الحوض لا والله، ويقول فيها
أوصياؤه المعصومون من بعده (ع) لا تنال شفاعتنا من استخف بالصلاة.
والتي ورد عنهم (ع) فيها: صلاة فريضة خير من عشرين حجة،
وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى.
وكتاب الصلاة يشتمل على عدة فصول.
283

[الفصل الأول]
[في أعداد الصلاة]
[المسألة الأولى]
الصلوات الواجبة على المكلف سبع
(1): الصلاة اليومية، وصلاة الجمعة، وقد عدها جماعة من
الصلاة اليومية كذلك فهي بديلة عن صلاة الظهر في يوم الجمعة إذا
اجتمعت شرائطها. (2): صلاة الآيات. (3): صلاة الطواف الواجب. (4): صلاة
الأموات. (5): صلاة العيدين عند اجتماع شرائطها. (6): الصلاة
التي يلتزمها الانسان على نفسه بنذر أو بعهد أو بيمين أو بإجازة عن
غيره. (7): الصلاة التي يجب قضاؤها على الولي مما قد فات الميت
أيام حياته.
والصلوات اليومية خمس، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء،
والصبح، ويصلي المكلف كل واحدة من الظهر والعصر والعشاء أربع
ركعات، إذا صلاها في الحضر أو ما هو في حكم الحضر، فإذا كان مسافرا
غير مقيم صلاها ركعتين، ويصلي المغرب ثلاث ركعات، والصبح
ركعتين، سواء كان في سفر أم في حضر، فعدد الفرائض اليومية للحاضر
سبع عشرة ركعة، وللمسافر إحدى عشرة ركعة.
[المسألة الثانية:]
النوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة، ثماني ركعات منها للظهر،
تصلى قبلها، وثماني ركعات للعصر، تصلى قبلها كذلك، وأربع
ركعات للمغرب، تصلى بعدها، وركعتان من جلوس للعشاء، تصليان بعدها،
وهما تعدان بركعة وتسمى بالوتيرة، ويجوز للمكلف أن يصليهما من
قيام، بل هو أفضل، ولكن الجلوس فيهما أحوط، وركعتان للفجر،
تصليان قبل الفريضة.
285

وثماني ركعات بعد منتصف الليل، وتسمى نافلة الليل ثم ركعتا
الشفع، وركعة الوتر، فيكون مجموع نافلة الليل إحدى عشرة ركعة.
وتزاد في يوم الجمعة على نوافل الظهرين أربع ركعات، فيكون
مجموع النافلة في نهار يوم الجمعة عشرين ركعة وسيأتي تفصيلها في
المسألة (6) إن شاء الله تعالى.
وتسقط نافلة كل من الظهر والعصر في السفر، ولا تسقط فيه
نافلة العشاء على الأقوى، والأحوط أن يؤتى بها برجاء المطلوبية.
[المسألة الثالثة:]
يجب في النوافل كلها: أن يصليها الانسان ركعتين ركعتين، فيفرد
كل ركعتين منها بتسليم، إلا الوتر من صلاة الليل، فهي ركعة واحدة،
وإلا صلاة الأعرابي فهي عشر ركعات بثلاثة تسليمات. ويستحب
القنوت في جميع النوافل كما يستحب في الفرائض، وموضعه قبل
الركوع من الركعة الثانية، حتى في صلاة الشفع على الأقوى، وإن
كان الأحوط استحبابا أن يؤتى بالقنوت فيها برجاء المطلوبية، وكذا
يستحب القنوت في صلاة الوتر وإن كانت ركعة واحدة.
[المسألة الرابعة:]
تستحب صلاة الغفيلة بين العشاءين، قبل ذهاب الشفق، وليست
من الرواتب على الأقوى، وهي ركعتان، يقرأ في الركعة الأولى منهما
بعد الفاتحة: قوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر
عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين،
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) ويتم الركعة،
ويقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب
لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها
ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) ثم
يقنت ويقول في قنوته: (اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها
إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي (ويذكر حاجته)،
286

اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق
محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي) ويتم صلاته.
[المسألة الخامسة:]
تستحب بين العشاءين كذلك صلاة الوصية، ويأتي بها قبل ذهاب
الشفق، وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الزلزال
ثلاث عشرة مرة، وفي الثانية بعد الحمد سورة التوحيد خمس عشرة
مرة، ويتم الصلاة.
[المسألة السادسة:]
تقدم أن مجموع النافلة النهارية في يوم الجمعة عشرون ركعة،
وقد ذكرت لها في النصوص عدة كيفيات، فمنها ما روي عن الإمام
الرضا (ع) أنه قال في ذلك: ست ركعات بكرة، وست ركعات بعد
ذلك، وست ركعات بعد ذلك وركعات بعد الزوال، فهذه عشرون
ركعة.
وروي عنه (ع) في حديث آخر أنه قال: ست ركعات في صدر النهار،
وست ركعات قبل الزوال، وركعتان إذا زالت، وست ركعات بعد
الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة.
[المسألة السابعة:]
يجوز للمكلف أن يصلي النافلة جالسا حتى في حال الاختيار، من
غير فرق بين النوافل اليومية الراتبة وغيرها، ويأتي بها أيضا - كما
تقدم - كل ركعتين بسلام، والأفضل مع الاختيار أن يحتسب كل
ركعتين واحدة قائما، فتكون نافلة الظهر ست عشرة ركعة
جالسا وكذلك نافلة العصر، وتكون نافلة المغرب ثماني ركعات،
وتكون نافلة الليل ست عشرة ركعة والشفع أربع ركعات ويأتي بالوتر
مرتين، كل مرة ركعة مفردة، وتكون نافلة الصبح أربع ركعات.
ويجوز له أن يصلي ركعة من النافلة قائما وركعة جالسا، بل ويجوز
له أن يصلي بعض الركعة الواحدة جالسا وبعضها قائما، فيقرأ مثلا
287

وهو جالس ثم يقوم فيأتي بالركوع قائما أو بالعكس، وإذا قرأ وهو
جالس وأبقى من السورة بعض الآيات فقام وأتم السورة قائما ثم ركع
عن قيام احتسب له فضل الصلاة قائما.
[الفصل الثاني]
[في أوقات الفرائض والنوافل]
[المسألة الثامنة:]
لصلاتي الظهر والعصر وقت واحد تشتركان فيه، وهو من زوال
الشمس إلى غروبها، ولا اختصاص لصلاة الظهر بأول الوقت، ولا
لصلاة العصر بأخرة على الأقوى، نعم يجب تقديم صلاة الظهر على
العصر لوجوب الترتيب بين الفريضتين، فإذا قام المكلف للصلاة في
أول الوقت، فلا بد وأن تقع الظهر في أول الوقت، وإذا قدم العصر
عليها عامدا وقعت العصر باطلة لعدم حصول الترتيب بين الفريضتين،
لا لاختصاص الوقت بالظهر.
وإذا أخر المكلف الصلاة عامدا أو معذورا إلى أن بقي من الوقت
مقدار أداء إحدى الفريضتين وجب عليه أن يصلي العصر في ما بقي من
الوقت، ثم يقضي صلاة الظهر بعد الوقت، فإن الذي يظهر من الأدلة
أن صلاة العصر في هذا المورد تكون أهم من صلاة الظهر، فتقديم
العصر في آخر الوقت إنما هو لأهميتها حسب ما يظهر من الأدلة، لا
لاختصاص الوقت بها، وكذلك الأمر في صلاتي المغرب والعشاء، فأدلة
اشتراك الفريضتين في جميع الوقت أقوى وأظهر.
[المسألة التاسعة:]
لصلاتي المغرب والعشاء وقت واحد تشتركان فيه، وهو من المغرب
الشرعي إلى نصف الليل للمختار، ولا اختصاص للمغرب بأول الوقت
ولا للعشاء بأخرة كما قلناه في صلاتي الظهر والعصر سواء بسواء.
ويمتد الوقت لغير المختار من المكلفين كالنائم والناسي والحائض
وأمثالهم من المعذورين إلى طلوع الفجر، والأحوط لمن أخر الفريضتين
288

عن نصف الليل عامدا أن يصليهما قبل الفجر ولا ينوي بهما أداءا ولا قضاءا.
[المسألة العاشرة:]
وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.
ووقت صلاة الجمعة من زوال الشمس يوم الجمعة وينتهي على
الأقوى بمضي زمان يسع خطبتيها، وركعتيها كاملتين مع مستحباتها
وتحصيل شرائطها، وهو معنى كون الجمعة مما ضيق فيه، كما ورد
في بعض الأدلة، وأن وقتها ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة
كما في بعضها الآخر.
[المسألة 11]
يبتدئ وقت فضيلة الظهر من أول زوال الشمس إلى أن يبلغ الظل
الحادث مثل طول الشاخص، سواء كان هذا الظل حادثا بعد انعدام
الظل الأول كما في بعض المناطق، أم كان حادثا بعد انتهاء نقصانه كما
في غالب البلاد.
ويبتدئ وقت فضيلة العصر على الأقرب بعد مضي مقدار أداء الظهر
من الزوال، إلى أن يبلغ طول الظل الحادث مثلي طول الشاخص.
ويبتدئ وقت فضيلة المغرب، من المغرب الشرعي إلى أن يذهب
الشفق، وهو الحمرة التي تكون في المغرب.
ويبتدئ وقت فضيلة العشاء من ذهاب الحمرة المغربية إلى ثلث
الليل، وما قبل ذهاب الحمرة وقت اجزاء لصلاة العشاء، وما بعد
ثلث الليل إلى نصف الليل وقت اجزاء آخر لها.
ويبتدئ وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى أن يسفر
الصبح ويتجلل الأسفار السماء.
[المسألة 12]
يبتدئ وقت نافلة الظهر من حين زوال الشمس، ويمتد إلى آخر
289

وقت الاجزاء لصلاة الظهر على الأقوى، ويبتدئ وقت نافلة العصر من
أول وقت العصر إلى آخر وقت الاجزاء لها كذلك، ويبتدئ وقت نافلة
المغرب بعد الفراغ من فريضة المغرب في أول وقتها، ويمتد إلى أن
يبقى عن نصف الليل مقدار أداء فريضة العشاء، يبتدئ وقت نافلة
العشاء، وهي صلاة الوتيرة من حين الفراغ من صلاة العشاء في أول
وقتها ويمتد بامتداد وقتها، ويبتدئ وقت نافلة الفجر من أول ظهور
الفجر الأول الكاذب، ويمتد إلى طلوع الحمرة في المشرق.
وإذا صلى المكلف صلاة الليل جاز له أن يدخل فيها نافلة الفجر وإن
كان قد أتى بها بعد منتصف الليل أو قدمها عليه لبعض المسوغات كما
سيأتي بيانه في المسألة السابعة والعشرين.
[المسألة 13]
إذا أردت معرفة الزوال في أول حدوثه، فانصب شاخصا معتدلا في
أرض مبسوطة معتدلة، وارصد ظل ذلك الشاخص قبل الزوال، فإنك
تجد الظل يتناقص طوله كل ما ارتفعت الشمس إلى أن يتناهى نقصانه
عند وصول الشمس إلى نصف النهار، وفي بعض البلاد ينعدم الظل في
بعض أيام السنة، لأن الشمس تسامت رؤوس أهل تلك البلد عند حلول
الزوال في تلك الأيام.
فإذا مالت الشمس عن نصف النهار نحو الغرب، أخذ الظل بالزيادة،
وهذا هو أول الزوال وأول وقت فضيلة صلاة الظهر، وأول وقت نافلة
الظهر، فضع فيه علامة، فإذا زاد الظل من ذلك الموضع مقدار سبعين
من طول الشاخص انتهى وقت نافلة الظهر على القول المشهور، وإذا
زاد مقدار أربعة أسباعه انتهى وقت نافلة العصر.
والأقوى أن وقت نافلة الظهر ووقت نافلة العصر لا ينتهيان بذلك
بل يمتدان إلى آخر وقت الأجزاء في الفريضتين كما ذكرنا في المسألة
الثانية عشرة، نعم تقدم فريضة الظهر على نافلتها بعد مضي سبعي
الظل للشاخص، وتقدم فريضة العصر على نافلتها بعد مضي أربعة
290

أسباعه، والأحوط استحبابا أن لا يتعرض في النافلتين إذا أتى بهما
بعد ذلك لنية الأداء أو القضاء.
ثم ارصد ظل الشاخص، فإذا بلغ مجموع زيادة الظل الحادث بعد
الزوال مثل الشاخص في الطول انتهى وقت فضيلة الظهر وإذا بلغ
إلى المثلين انتهى وقت فضيلة العصر.
(فائدة): إذا أردت معرفة أول الزوال بالساعة، (وهي الآلة المعروفة
بين الناس لتحديد الوقت)، فاضبط ساعتك جيدا عند غروب الشمس،
وانظرها عند طلوع الشمس صباحا كم ضبطت من الساعات منذ غروب
الشمس إلى طلوعها، فاقسم ذلك نصفين، فإن ذلك هو الوقت الذي
تزول فيه الشمس ذلك اليوم في الساعة الغروبية.
فإذا وجدت الساعة قد قطعت منذ غروب الشمس إلى طلوعها صباحا
اثنتي عشرة ساعة مثلا، كما في أول أيام الربيع، والخريف، فإن
الزوال يتحقق في ذلك اليوم في الساعة السادسة الغروبية وهي نصف
الاثنتي عشرة التي ضبطتها الساعة.
وإذا وجدتها قد قطعت الاثنتي عشرة ساعة وعشر دقائق فالزوال
يكون في الساعة السادسة وخمس دقائق، وإذا قطعت اثنتي عشرة
ساعة إلا عشر دقائق، فالزوال يتحقق قبل الساعة السادسة بخمس
دقائق، وهكذا.
وإذا وجدتها قد قطعت أربع عشرة ساعة مثلا كما في أول أيام
الشتاء، فإن الزوال يكون في ذلك اليوم في الساعة السابعة في نفس
تلك الساعة، وكذلك تنصف الدقائق إذا زادت على ذلك أو نقصت
فتعرف الزوال بمقدار ما يعينه الحساب من الساعات والدقائق
المضبوطة.
وإذا وجدت الساعة قد قطعت عشر ساعات مثلا كما في أول أيام
الصيف، فالزوال يتحقق في ذلك اليوم في الساعة الخامسة بتلك الساعة
وكذلك الدقائق التي تزيد عليها أو تنقص.
291

والشرط الأساس في هذا الطريق هو الساعة الغروبية التي يكون
ابتداء سيرها من غروب الشمس كل يوم، والشرط الثاني هو ضبط
الآلة في تحديد الوقت والاطمئنان من صحة ضبطها.
[المسألة 14]
إذا غربت الشمس حدثت في المشرق حمرة تسمى الحمرة المشرقية،
ثم تأخذ هذه الحمرة بالارتفاع قليلا قليلا عن الأفق الشرقي كلما ازدادت
الشمس اختفاءا وراء الأفق الغربي، فإذا زالت هذه الحمرة من تمام
ربع الفلك من طرف المشرق كان هذا أول المغرب الشرعي على الأقوى،
ويعرف ذلك بأن يقف الانسان مقابلا للجنوب ثم ينظر جهة المشرق إلى
قمة الرأس، فإذا وجد الظلام قد عم الجهة ولم يبق من الحمر شئ
فهو أول المغرب.
ونصف الليل هو منتصف الزمان ما بين غروب الشمس وطلوع
الفجر على الأصح، وأيسر طريق لمعرفة انتصاف الليل هو الساعة
المضبوطة، فإذا علم الانسان بساعته أن المدة بين الغروب وطلوع
الفجر كذا ساعة وكذا دقيقة، نصف المجموع وكان النصف منه هو
منتصف الليل، فإذا كانت المدة ما بينهما عشر ساعات لا أكثر، فنصف
الليل هو تمام الساعة الخامسة بتلك الساعة وإذا زادت على ذلك بعض
الدقائق أو نقصت، نصف الدقائق الزائدة أو الناقصة كما تقدم في
طريق معرفة الزوال، وهكذا إذا زادت الساعات والدقائق عن ذلك
أو نقصت.
أما انحدار النجوم التي تطلع وقت غروب الشمس عن خط نصف
الليل إلى جهة الغرب وأمثاله فهي علامات تقريبية، ولا تتيسر معرفتها
إلا لبعض الخاصة العارفين بالنجوم وأوقات طلوعها، ولا يحصل العلم
بانتصاف الليل بها إلا بعد مدة يتبين فيها انحدار النجم، على أنها
محتاجة إلى معرفة خط نصف الليل ليعرف انحدار النجم عنه.
[المسألة 15]
الفجر الصادق هو البياض الذي يظهر معترضا في الأفق في ناحية
292

المشرق، وهو لا يحتاج إلى علامة تميزه، فكلما تأمله الناظر ازداد
وضوحا حتى يعم وينتشر، ويظهر قبله الفجر الكاذب، وهو بياض
مستطيل يظهر من الأفق متصاعدا إلى السماء كالعمود، وقد شبه في
الروايات بذنب السرحان، لأن خطوط البياض فيه منتشرة غير متصل
بعضها ببعض فتبدو مع خطوط السواد ما بينها كأنها شعر ذنب السرحان
وهو الذئب.
[المسألة 16]
إذا صلى الانسان صلاة العصر في أول وقت الظهرين ناسيا أو غافلا،
ولم يتذكر حتى أتم العصر صحت صلاته على الأصح من اشتراك
الفريضتين من أول الوقت إلى آخره، ويجب عليه أن يأتي بالظهر
بعدها، وكذلك الحكم في صلاة العشاء إذا أتى بها ناسيا أو غافلا في
أول وقت العشاءين ولم يتذكر حتى أتمها، فتكون صحيحة وعليه أن
يأتي بالمغرب بعدها لعدم الاختصاص في الوقت بناء على ما هو الأقوى.
وإذا أخر صلاة الظهرين عامدا أو ناسيا حتى تضيق الوقت ولم
يبق منه إلا مقدار أداء أربع ركعات فإنه يجب عليه أن يصلي العصر
لأهميتها كما قلنا في المسألة الثامنة، ولكنه إذا نسي فصلى الظهر وتذكر
بعد أن أتم الصلاة كانت صحيحة على الأقوى، ووجب عليه قضاء صلاة
العصر، ومثله الحكم في المغرب والعشاء إذا أخرهما حتى تضيق الوقت
ثم قدم المغرب ناسيا.
[المسألة 17]
إذا قطع المكلف بدخول الوقت أو اعتمد على أذان ثقة عارف أو على
شهادة بينة فصلى الظهر حتى أتمها، ثم تبين له بعد اتمامها أنه قد
صلاها قبل دخول الوقت، فإن كان قد دخل الوقت عليه قبل أن
يتم صلاة الظهر ولو قبل التسليم منها كانت صحيحة، وجاز له أن يأتي
بعدها بالعصر، وإن لم يدخل الوقت حتى أتم الظهر كانت باطلة،
فعليه أن يعيدها ثم يصلي العصر بعدها، ومثله الحكم في المغرب والعشاء
إذا وقع مثل هذا الفرض.
293

[المسألة 18]
يجب الترتيب بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء،
فيأتي بالأولى من الفريضتين قبل الثانية، فإذا قدم العصر عامدا كانت
باطلة، وإذا قدمها ساهيا أو ناسيا ولم يتذكر إلا بعد الفراغ منها
صحت عصرا، سواء كان في أول الوقت أم بعده، وعليه أن يصلي الظهر
بعدها، وكذلك إذا قدم صلاة العشاء على المغرب، وقد تقدم بيان ذلك.
وإذا قدم صلاة العصر على الظهر ناسيا وتذكر في أثناء الصلاة،
وجب عليه أن يعدل بنيته إلى الظهر، فإذا عدل إليها صحت، وعليه أن
يتمها ويصلي العصر بعدها.
وكذلك إذا قدم العشاء على المغرب، وتذكر في موضع يصح
فيه العدول، وجب عليه أن يعدل بنيته إلى المغرب ويسلم على الثالثة، وإذا
تذكر بعد القيام إلى الركعة الرابعة عدل إلى المغرب، وجلس من قيامه
وتشهد وسلم، وصحت صلاته، ثم سجد للسهو عن القيام الزائد إذا
تلبس معه بقراءة أو تسبيح، والأحوط استحبابا السجود له مطلقا، وإذا
تذكر بعد الركوع في الركعة الرابعة فالأحوط أن يتمها عشاءا ثم يأتي
بالمغرب ويعيد العشاء بعدها.
[المسألة 19]
إذا حاضت المرأة بعد أن مضى من وقت الظهر مقدار أربع ركعات
ولم تصلها وجب عليها قضاء صلاة الظهر بعد انتهاء الحيض، والأحوط
لزوما قضاء صلاة العصر أيضا. وإذا طهرت من حيضها وقد بقي من
الوقت مقدار خمس ركعات أو أكثر وجب عليها أن تأتي بصلاة الظهر
والعصر كلتيهما، فإذا لم تصلهما في الوقت وجب عليها قضاؤهما، وإذا
بقي من الوقت مقدار أربع ركعات فقط وجب عليها أن تأتي بالعصر،
فإن هي لم تأت بها في الوقت وجب عليها قضاؤها وكذلك الحكم في
العشاءين.
وإذا كانت مسافرة أدركت صلاة الظهرين بادراك ثلاث ركعات
من الوقت، وأدركت العشاءين بادراك أربع ركعات، فإذا
294

هي لم تصلهما وجب عليها قضاؤهما، وإذا أدركت مقدار ركعتين من
آخر الوقت وجبت عليها الثانية، فإن لم تأت بها في الوقت وجب
قضاؤها، وإذا أدركت مقدار ركعتين من أول وقت الظهر ولم تصلها
قضت صلاة الظهر بعد انتهاء الحيض، والأحوط لزوما قضاء العصر
كما تقدم في الحضر.
[المسألة 20]
إذا شرع المكلف في صلاة فريضة ثم تذكر في أثناء الصلاة أنه قد
صلاها، لم يجز له أن يعدل بالنية إلى الفريضة التي بعدها، بل يجب
عليه أن يقطع هذه الصلاة ويشرع في الفريضة اللاحقة من أولها،
ومثال ذلك أن يبتدئ بصلاة الظهر ويتذكر قبل أن يتمها أنه قد صلى
الظهر من قبل، أو يبتدئ بصلاة المغرب، ويتذكر في أثنائها أنه قد
أتى بها، فعليه أن يقطع الفريضة التي بيده، ويبتدئ الفريضة الثانية
من أولها، وهكذا الحكم في كل فريضة سابقة فلا يجوز العدول منها إلى
اللاحقة بعدها.
وإذا شرع في صلاة العصر ثم ذكر في أثنائها إنه لم يصل الظهر قبلها،
وجب عليه أن يعدل فينوي ما بيده ظهرا ويتمها كذلك، ومثله إذا
شرع في صلاة العشاء وتذكر وهو فيها إنه لم يصل المغرب، وفي كل
صلاة لاحقة في الترتيب إذا ابتدأ بها، ثم تذكر وهو في أثنائها أنه لم
يأت بالصلاة السابقة عليها، فعليه أن يعدل بالنية إلى الصلاة السابقة
ويتمها وتكون صحيحة مجزية، ثم يأتي باللاحقة بعدها.
[المسألة 21]
يستحب التفريق بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء والمراد
بالتفريق المستحب أن يفرق بين الظهرين بأداء النافلة بينهما، وأن
يفرق بين العشاءين بالاتيان بكل واحدة منهما في وقت فضيلتها،
ولا دلالة في النصوص على غير ذلك، وقد تقدم أن فضيلة العصر تبتدئ
بعد أداء الظهر من أول الزوال وتلاحظ المسألة الحادية عشرة.
295

[المسألة 22]
يستحب للمكلف التعجيل في الصلاة سواء أداها في وقت فضيلتها أم
في وقت اجزائها فكلما قرب الأداء من أول الوقت فهو أفضل، وسيأتي
في المسألة الحادية والثلاثين ذكر المستثنيات من ذلك. ويستحب الغلس
بصلاة الصبح، وهو أن يؤتي بها حال ظلمة الوقت وقبل الأسفار.
[المسألة 23]
إذا أدرك المكلف ركعة من الفريضة قبل أن يخرج وقتها كانت أداءا
ووجب عليه الاتيان بها كذلك، ولا يجوز له أن يؤخرها عامدا إلى
ذلك الوقت، وإذ أتى بها كذلك كان عاصيا وآثما بالتأخير وكانت
صلاته أداء وصحيحة.
[المسألة 24]
يجوز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في غير يوم الجمعة،
إذا علم بعدم تمكنه من الاتيان بها في وقتها، وتقديمها من باب التعجيل
فلا يكون أداءا ولا قضاءا، وأما النافلة في يوم الجمعة فقد تقدم ذكرها
في المسألة السادسة.
[المسألة 25]
إذا أتى الانسان بنافلة الفجر ثم نام بعدها استحب له أن يعيدها
سواء كان قد أتى بها في وقتها أم قبله.
[المسألة 26]
يبتدئ وقت نافلة الليل من نصف الليل إلى طلوع الفجر الثاني،
وأفضله وقت السحر، ولعله أقل من ثلث الليل الأخير، وأفضل السحر
ما قرب من الفجر.
[المسألة 27]
يجوز لمن يشق عليه القيام لنافلة الليل في وقتها، لغلبة النوم كالشاب
ونحوه أن يقدم النافلة على نصف الليل، وكذلك ذوو الأعذار الأخرى
كالشيخ، والمريض، والضعيف، ومن يخشى البرد، أو يخشى الاحتلام،
296

والمسافر الذي يخاف فوت النافلة في وقتها لاشتغاله بحركة السفر في
ذلك الوقت، فيجوز لهم تقديم النافلة على منتصف الليل وينوون بها
التعجيل لا الأداء.
[المسألة 28]
إذا صلى أحد ذوي الأعذار المذكورين نافلته قبل نصف الليل ثم
انتبه في وقتها لم تستحب له إعادتها.
[المسألة 29]
يستحب القضاء نافلة بركعة لمن فاتته في وقتها، وإذا تردد أمر صاحب
العذر بين أن يقدم نافلة الليل على وقتها وأن يأتي بها بعد الوقت قضاء
فالقضاء أفضل.
[المسألة 30]
إذا صلى الرجل من نافلة الليل أربع ركعات ثم تخوف أن يفاجئه
طلوع الفجر قبل اتمام النافلة، فالأفضل له أن يقدم صلاة الوتر ثم
ركعتي الفجر، فإذا طلع عليه الفجر صلى الفريضة وقضى باقي الركعات
بعدها، وإن لم يطلع الفجر صلى من النافلة ما وسع الوقت، فإذا بقي
منها شئ أتى به قضاءا بعد الفريضة.
وإذا صلى منها أربع ركعات أو أكثر وطلع الفجر أتم النافلة مخففة
ثم صلى الفريضة،
وإذا ظهر الفجر وقد شرع في النافلة بركعة أو ركعتين أتم ما بيده
منها، وأتى بعده بركعتي الفجر، ثم صلى الفريضة، وقضى بقية
النافلة بعدها.
وإذا طلع الفجر ولم يتلبس من النافلة بشئ صلى نافلة الفجر وصلى
بعدها الفريضة ثم قضى النافلة، وكل ما ذكر إنما هو لتحصيل ما هو
أفضل، وإلا فيجوز له إذا طلع الفجر أن يصلي صلاة الليل والوتر
وركعتي الفجر قبل الفريضة ما لم يخرج وقت فضيلتها ولم يتخذ ذلك
عادة.
297

[المسألة 31]
تقدم في المسألة الثانية والعشرين أنه يستحب للمكلف التعجيل في
الصلاة، سواء أداها في وقت فضيلتها أم في وقت اجزائها، وقد استثني
من ذلك عدة موارد.
(أحدها) من يريد صلاة نافلتي الظهر والعصر قبل الفريضتين، فإنه
يؤخر الفريضتين حتى يصلي النافلة، وكذلك يؤخر صلاة الفجر إلى
أن يصلي نافلتها إذا لم يكن قد صلى النافلة قبل ذلك.
(ثانيها): من كانت عليه فريضة فائتة، فإنه يستحب له أن يصليها
قبل الفريضة الحاضرة إذا كان وقت الحاضرة موسعا.
(ثالثها): من صلى من نافلة الليل أربع ركعات أو أكثر، ثم طلع
عليه الفجر، فإنه يستحب له أن يؤخر الفريضة ويتم النافلة مخففة
كما تقدم في المسألة السابقة.
(رابعها): من كان يدافع الريح أو الغائط أو البول، كرهت له
الصلاة في تلك الحال، فيؤخر صلاته حتى يزيل هذه العوارض.
(خامسها): من لم يكن له توجه إلى الصلاة لبعض الطوارئ،
فيؤخر صلاته حتى يحصل له الاقبال عليها.
(سادسها): من ينتظر صلاة الجماعة، أو ينتظر كثرة المصلين فيها،
فإن الأفضل له التأخير لذلك، سواء كان إماما أم مأموما، وسواء كان
التأخير قليلا أم كثيرا، إلا إذا عد تفريطا وتساهلا، وكذلك من يريد
الصلاة في المسجد فالأفضل له تأخير صلاته حتى يصل إلى المسجد إلا إذا
كان التأخير مفرطا.
(سابعها): المكلف يؤخر صلاة العشاء إلى أن يدخل وقت فضيلتها
وهو ما بعد ذهاب الحمرة في المغرب وأما العصر فقد تقدم إن فضيلتها
تبتدئ بعد أداء صلاة الظهر في أول الزوال، نعم يستحب تأخيرها لمن
يريد صلاة النافلة قبلها وقد تقدم ذكره في المورد الأول.
298

(ثامنها): من يخشى شدة الحر في الظهيرة فإنه يستحب له أن يؤخر
صلاة الظهر ليبرد بها.
(تاسعها): من أفاض من عرفات، فإنه يستحب له أن يؤخر صلاة
المغرب والعشاء إلى أن يصل إلى المشعر الحرام وإن كان التأخير إلى ربع
الليل أو إلى ثلثه.
(عاشرها): من كان صائما وتاقت نفسه إلى الافطار أو كان في
انتظاره أحد ليفطر معه فإنه يؤخر صلاة المغرب إلى ما بعد الافطار.
(حادي عشرها): المستحاضة الكبرى تؤخر المغرب إلى آخر فضيلتها
لتجمع بينها وبين العشاء في أول فضيلتها بغسل واحد، وأما الظهر
والعصر فقد تقدم بيان فضيلة العصر، فلا تحتاج المستحاضة إلى تأخير
الظهر لادراك الفضيلتين.
(ثاني عشرها): المربية للصبي إذا لم يكن لها غير ثوب واحد،
فإنها تغسل ثوبها في اليوم مرة واحدة من بول الصبي، ولذلك فالأحوط
لها أن تؤخر صلاة الظهرين لتجمع ما بينهما وبين العشائين بعد غسل
الثوب.
(ثالث عشرها): من كان حكمه التيمم وهو يحتمل زوال العذر الذي
سوغ له التيمم أو هو يرجو زواله في آخر الوقت فالأحوط له لزوم
التأخير حتى يحصل له اليأس من زوال العذر وخصوصا في الصورة
الثانية، وكذا الحكم في غيره من أهل الأعذار على الأقوى.
(رابع عشرها): ذكر بعض الفقهاء موردا أخر وهو المسافر
المستعجل في سفره، فيجوز له تأخير صلاة المغرب إلى ربع الليل أو إلى
ثلثه كما ذكر في نصوص المورد.
وظاهر النصوص المذكورة إنما هو جواز التأخير، بل يستفاد من
بعضها جواز التأخير في غير ذلك كقول الإمام الصادق (ع): إذا كان
أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى
ربع الليل، وهذا غير رجحان التأخير واستحبابه كما في الموارد المتقدمة.
299

[المسألة 32]
إذا فاتت المكلف بعض الفرائض استحب له أن يعجل في قضائها وأن
يقدمها على الفريضة الحاضرة إذا كان وقتها موسعا كما أشرنا إليه في
المورد الثاني من المسألة المتقدمة، وإذا فاتته بعض النوافل الراتبة
استحب له أن يقضيها وأن يعجل في قضائها، والأفضل أن يقضي النوافل
الليلية ليلا والنوافل النهارية نهارا.
[المسألة 33]
يجب على المسلوس والمبطون وصاحب الجبيرة وغيرهم من أصحاب
الأعذار أن يؤخروا الصلاة الواجبة عن أول وقتها إذا كان العذر الموجود
لديهم مما يرجا أو يحتمل زواله في الوقت، حتى المتيمم على الأحوط
وقد ذكرنا ذلك هنا في المسألة الحادية والثلاثين وفي مبحث التيمم وغيره.
وإذا أتى المعذور بصلاته العذرية في أول وقتها برجاء استمرار العذر
وتحقق منه قصد القربة في صلاته ثم استمر عذره إلى آخر الوقت صحت
صلاته ولم يعدها.
[المسألة 34]
إذا كان المكلف غير متطهر للصلاة أو كان فاقدا لبعض شرائطها
كطهارة البدن أو الستر أو طهارة الثياب، أو غير ذلك من المقدمات
الواجبة في الصلاة وجب عليه تأخير الصلاة عن أول وقتها حتى تحصل
له مقدماتها.
[المسألة 35]
إذا كان المكلف جاهلا بنفس أجزاء الصلاة وشرائطها، ومثال ذلك
أن يكون جاهلا كيف يتوضأ أو كيف يغتسل، أو كيف يركع ويسجد،
أو ماذا يقول في قيامه وركوعه وسجوده وتشهده، وجب عليه أن يؤخر
صلاته عن أول وقتها حتى يتعلم أجزاء الصلاة وشرائطها فإنه لا يتمكن
من أن يأتي بالصلاة الصحيحة قبل ذلك.
وإذا كان عارفا بأجزاء الصلاة وشرائطها ولكنه يجهل أحكامها، فإن
كان ممن يمكنه الاحتياط فيها جاز له التعجيل بالصلاة في أول وقتها،
300

فيأتي فيها بما يوافق الاحتياط ويتقرب بها إلى الله.
وإن لم يمكنه الاحتياط وكان ممن يمكنه أن يشرع في الصلاة بقصد
امتثال الأمر المحتمل، فإذا عرض له شك في صلاته أو سهو أو غيرهما
من الفروض ذوات الأحكام أتى ببعض ما يحتمل من الحكم في ذلك رجاء،
بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الفراغ من الصلاة، فإن وجد ما أتى به
مطابقا للواقع أو لفتوى من يقلده بنى عليه، وإن وجده مخالفا أعاده،
جاز له الدخول في الصلاة كذلك وأتم صلاته واكتفى بها إذا هي وافقت
الواقع أو وافقت فتوى من يقلده، وأعادها إذا خالفت.
وإن لم يمكنه الاحتياط ولم يستطع العمل على الوجه المذكور لم
تصح منه الصلاة ووجب عليه التأخير حتى يتعلم الأحكام، والأحوط
التأخير مطلقا وخصوصا في الأحكام الغالبة الاتفاق.
[المسألة 36]
يجب تأخير الصلاة إذا زاحمها واجب فوري أو أهم مضيق، ومثال
ذلك أن يبتلي المكلف في وقت صلاته بنجاسة تلوث المسجد أو المصحف
فتجب عليه إزالتها وتطهير المسجد أو المصحف منها، أو يبتلي بالخوف
على نفس محترمة من حرق أو تلف، فيجب عليه انقاذها. أو يبتلي
بدين يطالبه الغريم بوفائه وهو قادر على ذلك، فيجب عليه أداؤه أو
نحو ذلك، فيجب عليه تأخير الصلاة إذا كان وقتها موسعا حتى يأتي
بذلك الأمر المزاحم للصلاة.
وإذا ترك المكلف ذلك الواجب وبادر إلى الصلاة كان عاصيا وآثما،
وكانت صلاته صحيحة مجزية.
[المسألة 37]
النافلة أما راتبة وهي النوافل اليومية وقد ذكرناها على وجه الاجمال
وبينا أعدادها وأوقاتها، وأما ذات سبب، وهي التي ثبت استحبابها
بدليل خاص في بعض الأوقات أو لبعض الأفعال أو لغير ذلك، كصلاة
الطواف المندوب وصلاة الزيارة، وتحية المسجد، والصلوات المستحبة
في الليالي والأيام وغير ذلك مما يعسر حصره.
301

وأما مبتدأة وهي التي ثبت استحبابها بالعمومات الدالة على استحباب
مطلق الصلاة، وإنها خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر.
[المسألة 38]
ذكر جماعة من الفقهاء قدس الله أسرارهم، أنه يكره للمكلف أن
يبتدئ النافلة في خمسة أوقات:
(1): بعد أن يصلي المكلف فريضة الصبح حتى تطلع الشمس.
(2): بعد أن يصلي صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
(3): حين تطلع الشمس حتى ينبسط شعاعها ويعم.
(4): حين تكون الشمس في وسط السماء حتى يكون الزوال.
(5): قبيل غروب الشمس.
وإذا كان المكلف قد ابتدأ في النافلة من قبل فدخل عليه أحد هذه
الأوقات وهو في أثنائها، لم يكره له اتمامها، هكذا قالوا رحمهم الله.
والظاهر أنه لا كراهة في النوافل الراتبة (وهي القسم الأول): فيجوز
أن يأتي المكلف بها في أي جزء من أجزاء أوقاتها وإن اتفق في أحد هذه
الأوقات الخمسة، كما إذا أتى بنافلة الظهرين بعد صلاة العصر وقبيل
الغروب، وكما إذا أخر نافلة الصبح عن صلاة الفريضة، وكذلك
إذا فات بعض هذه النوافل فلم يأت به في وقته، فلا كراهة في أن يقضيه
في أي وقت من الأوقات.
وأما النوافل ذوات السبب والنوافل المبتدأة، ففي ثبوت الكراهة
في الاتيان بها في هذه الأوقات اشكال.
[الفصل الثالث]
[في أحكام الأوقات]
[المسألة 39]
لا تجوز للمكلف الصلاة قبل الوقت، فإذا شرع فيها قبل الوقت وقعت
باطلة، سواء أتمها كذلك أم دخل عليه الوقت في أثنائها عدا الفرض الذي
302

تقدم ذكره في المسألة السابعة عشرة وسيأتي بيانه كذلك في المسألة
الثالثة والأربعين.
[المسألة 40]
لا بد من العلم بدخول الوقت، فلا تصح الصلاة لمن يشك في دخول
الوقت، ولا لمن يظن دخوله إذا كان الظن غير معتبر شرعا، كما إذا
اعتمد على بعض القرائن التي أوجبت له الظن أو حصل له ذلك من
قول قائل، وإذا صلى كذلك وقصد بصلاته القربة وأتم الصلاة ثم
انكشف له بعد ذلك أن جميع صلاته قد وقع بعد دخول الوقت كانت
صحيحة، وإذا انكشف له إن بعض صلاته وقع في الوقت أو أن جميع
صلاته وقع قبل الوقت أو لم ينكشف له شئ كانت صلاته باطلة.
[المسألة 41]
يصح الاعتماد على شهادة البينة العادلة بدخول الوقت، وعلى أذان
الثقة العارف بالوقت وإن لم يكن عدلا، ويشكل جواز الاعتماد على
اخبار العدل الواحد بدخوله.
[المسألة 42]
إذا صلى المكلف غافلا عن وجوب تحصيل العلم بالوقت حتى أتم
الصلاة، فإن تبين له أن جميع صلاته أو بعضها قد وقع قبل الوقت
كانت باطلة ووجبت عليه إعادتها، وكذلك إذا لم تتبين له الحال، وإذا
انكشف له أن جميع صلاته وقع بعد دخول الوقت كانت صحيحة.
[المسألة 43]
إذا حصل له العلم بدخول الوقت أو شهدت له البينة بدخوله أو
سمع أذان الثقة العارف بالوقت، فصلى اعتمادا على ذلك ثم انكشف
له أن جميع صلاته قد وقع قبل الوقت وجبت عليه إعادتها وإن
انكشف له أن الوقت قد دخل في أثناء صلاته ولو قبل التسليم منها
كانت صحيحة، سواء انكشف له ذلك بعد فراغه من الصلاة أم في
أثنائها، وإذا علم وهو في الصلاة إن الوقت لم يدخل إلى الآن، ولكنه
سيدخل عليه قبل أن يتم الصلاة كانت صلاته باطلة.
303

[المسألة 44]
لا يكفي الظن بدخول الوقت حتى لذوي الأعذار كالأعمى والمحبوس
وشبههما على الأحوط، وحتى مع وجود مانع من استعلام الوقت كالغيم
والغبار الشديد، فلا بد من تأخير الصلاة حتى يعلم بدخول الوقت
على الأحوط.
[المسألة 45]
إذا علم المكلف بدخول الوقت فصلى، ثم تبدل قطعه بالشك لم تصح
صلاته، سواء تبدل قطعه بالشك في أثناء الصلاة أم حصل له بعد الفراغ
منها فتجب عليه الإعادة إلا إذا علم بدخول الوقت عليه وهو في الصلاة
ولو قبل التسليم كما تقدم، وإذا حصل له الشك في أثناء الصلاة لم
يحكم بصحة صلاته إلا إذا كان علمه بدخول الوقت عليه في الصلاة قد
حصل له مقارنا مع الشك المذكور، وإذا تأخر عنه فلا بد من الإعادة.
[المسألة 46]
يجب تقديم الظهر على العصر وتقديم المغرب على العشاء، فإذا قدم
العصر عامدا وقعت باطلة ووجبت عليه إعادتها بعد الظهر وكذلك إذا
قدم العشاء عامدا على المغرب.
وإذا قدم العصر أو العشاء على سابقتها وهو جاهل بالحكم، فإن كان
حال امتثاله مترددا في الحكم بطلت صلاته ووجبت عليه إعادتها بعد
الاتيان بالسابقة، وإن كان جازما في امتثاله غير متردد فالظاهر
الصحة.
[المسألة 47]
إذا اعتقد أنه قد أتى بالظهر فصلى العصر، ثم تذكر أنه لم يصل
الظهر، فإن تذكر ذلك وهو في أثناء الصلاة عدل بنيته إلى الظهر، فإذا
عدل إليها وأتمها صحت وإن كان في الوقت المختص، وإذا تذكر ذلك
بعد اتمام صلاته صحت عصرا وإن كان في الوقت المختص كذلك.
ومثله الحكم إذا قدم العصر على الظهر غافلا، فيجري فيه التفصيل
المتقدم.
304

وكذلك الحكم في العشاء إذا قدمها غافلا أو معتقدا أنه صلى المغرب
قبلها وتذكر بعد الفراغ منها فتصح العشاء ويجب عليه الاتيان بالمغرب،
وإذا تذكر ذلك وهو في أثناء الصلاة عدل إلى المغرب إذا كان قبل الدخول
في الركوع من الركعة الرابعة وأتمها مغربا، وإذا تذكر بعد الدخول
في ركوع الرابعة أتمها عشاءا ثم صلى المغرب وأعاد بعدها العشاء على
الأحوط وقد تقدم ذلك في المسألة الثامنة عشرة.
[المسألة 48]
إذا ابتدأ المكلف في قضاء فريضة فائتة وتذكر فائتة أخرى قبلها
وجب عليه العدول بنيته إلى السابقة إذا كان الترتيب بين الفائتتين
واجبا كالظهرين والعشاءين من يوم واحد، ثم لا يترك الاحتياط بإعادة
السابقة بعد أن يتمها إذا عدل إليها من اللاحقة، وتلاحظ المسألة
الثلاثمائة والسابعة والستين في ما يتعلق بالفوائت التي لا يجب الترتيب
في أدائها.
[المسألة 49]
إذا شرع المكلف في صلاة احتياطية ثم تذكر سابقة عليها لم يكف
العدول عن تلك الصلاة الاحتياطية في براءة الذمة من السابقة التي
عدل إليها، وإن كانت احتياطية أيضا سواء كان الاحتياط وجوبيا أم
استحبابيا، وسواء كانت الصلاتان حاضرتين أم فائتتين أم مختلفتين
فلا بد من الإعادة على الترتيب إذا كان الترتيب بينهما واجبا.
[المسألة 50]
العدول هو أن ينوي أن الصلاة التي بيده هي الصلاة السابقة بجميع
أجزائها ما مضى منها وما يأتي ثم يرتب على ذلك سائر الآثار من جهر
واخفات وعدد ركعات وغير ذلك من الواجبات في الصلاة المعدول إليها.
[المسألة 51]
لا يصح العدول من فريضة سابقة إلى لاحقة، من غير فرق بين
الحاضرتين والفائتين ولا يصح العدول من الفائتة إلى الحاضرة، كما
305

إذا ابتدأ بقضاء صلاة فائتة ثم تذكر أنه قد صلاها، فليس له أن
يعدل عنها إلى فريضة حاضرة، بل تكون ما بيده باطلة، ولا يصح
العدول من النافلة إلى الفريضة، ولا من الفريضة إلى النافلة، ويستثنى
من ذلك من ابتدأ بصلاة فريضة منفردا ثم حضرت الجماعة، فإنه
يصح له أن يعدل بصلاته إلى نافلة ويتمها ركعتين ليدرك صلاة الجماعة،
بل يستحب له ذلك، وإذا لم يمكنه ادراك الجماعة بعد أن يتم النافلة
قطعها وأدرك الجماعة.
ويستثنى من ذلك أيضا من نسي قراءة سورة الجمعة والمنافقين
في فريضة الظهر يوم الجمعة وقرأ بغيرهما، فإنه يستحب له أن ينويها
نافلة ثم يستأنف الفريضة ويقرأ فيها سورة الجمعة والمنافقين.
ولا يصح العدول من فريضة إلى فريضة إذا لم يكن بينهما ترتيب،
كمن يعدل من صلاة الطواف إلى صلاة الصبح أو بالعكس، ويجوز
العدول من فريضة حاضرة إلى فريضة فائتة إذا كان وقت الحاضرة
متسعا، بل يستحب ذلك.
[المسألة 52]
إذا دخل الوقت على المكلف ومضى منه مقدار ما يؤدي به الفريضة ولم
يصلها ثم طرأ له أحد موانع التكليف كالجنون والاغماء والحيض وجب
عليه قضاء الفريضة بعد ذلك، بل الظاهر وجوب القضاء عليه إذا
عرض له أحد تلك الأعذار بعد أن أدرك من الوقت ما يسع الصلاة تامة
وإن لم يسع معها الطهارة، وأمكن له تحصيل الطهارة وبقية شرائط
الصلاة قبل الوقت وإن لم تحصل له هذه المقدمات بالفعل.
والأحوط لزوما أن يقضي العصر أيضا إذا أدرك من أول الزوال
مقدار أربع ركعات تامة كما تقدم قي المسألة التاسعة عشرة، فلتراجع
فإن لها صلة تامة بهذه المسألة.
وكذلك الحكم إذا أفاق المجنون أو المغمى عليه في أثناء الوقت المشترك
بمقدار يسع أربع ركعات تامة الشرائط ثم جن أو أغمي عليه مرة
أخرى إلى آخر الوقت فإنه يقضي الصلاتين على نهج ما تقدم.
306

وإن لم يدرك المكلف من الوقت مقدار ما يؤدي به الصلاة تامة لم
يجب عليه القضاء.
[المسألة 53]
إذا ارتفع المانع من التكليف في آخر الوقت، فأفاق المجنون مثلا،
وبلغ الصبي وطهرت الحائض، فإن بقي من الوقت ما يسع الصلاتين وجب
عليه أداؤهما معا، فإن هو لم يؤدهما وجب عليه قضاؤهما، وكذلك
إذا بقي من الوقت مقدار خمس ركعات في الحضر، ومقدار ثلاث ركعات
من وقت الظهرين وأربع ركعات من وقت العشاءين في السفر، فيجب
عليه أداء الفريضتين، فإن لم يؤدهما كان عليه قضاؤهما.
وإن بقي من الوقت ما يسع إحدى الصلاتين فقط أو يسع ركعة واحدة
منها فأكثر وجب عليه أداء الفريضة الثانية فإن لم يؤدها في الوقت
وجب عليه قضاؤها وكذلك الحكم في صلاة الفجر.
[المسألة 54]
إذا صلى الصبي ثم أدركه البلوغ في أثناء الوقت أو في أثناء
الصلاة أجزأته تلك الصلاة ولم تجب عليه إعادتها.
[المسألة 55]
إذا تضيق الوقت وجب الاقتصار على أقل ما يتأدى به الواجب إذا
كان الاتيان بالمستحبات يوجب خروج بعض واجبات الصلاة عن الوقت،
وإذا أتى بالمستحبات وهو يعلم بذلك كان آثما وصحت صلاته على
الظاهر إذا أدرك ركعة من الوقت.
وإذا لم يدرك بسبب ذلك ركعة من الوقت، فإن كان قد أتى بالصلاة
بنية الأداء بطلت صلاته، وإن قصد بها امتثال الأمر المتوجه إليه
بالفعل أداءا كان أم قضاءا كانت صلاته صحيحة.
[المسألة 56]
تجب المحافظة على ايقاع الصلاة في الوقت بقدر الامكان، فإذا أدرك
المكلف ركعة من الصلاة أو أكثر في الوقت، لم يجز له أن يأتي بالمستحبات
307

في الركعة التي أدركها، وله أن يأتي بالمستحبات في ما خرج عن الوقت
من الركعات الباقية.
[المسألة 57]
إذا صلى العصر وشك في أثنائها في أنه صلى الظهر فبلها أم لا، بنى
على عدم الاتيان بها على الأحوط، فإذا كان في الوقت المشترك عدل بنيته
إلى الظهر ثم أتى بالعصر بعد اتمامها، وإذا كان في الوقت المختص
بالعصر أتم العصر ثم قضى الظهر بعدها.
[الفصل الرابع]
[في القبلة]
[المسألة 58]
القبلة هي الموضع الذي وقع فيه البيت المعظم، لا خصوص البنية
الموجودة فيه، بل من تخوم الأرض إلى السماء، فيجب استقبال جهته
لكل من صلى، سواء كان في أرض مستوية أم على قمة جبل، أم
في طائرة في الجو، أم في تخوم نفق عميق في الأرض.
ولا يكفي استقبال الحرم ولا المسجد حتى للبعيد، وليس حجر
إسماعيل من البيت فلا يكفي استقباله في الصلاة وإن وجب ادخاله في
الطواف.
والمدار في الاستقبال على المحاذاة العرفية، ومن المعلوم أن محاذاة
الشئ تتسع كلما ازداد بعده، ولا تكفي الجهة المبنية على التسامح والتساهل اختيارا.
[المسألة 59]
لا بد من العلم بمحاذاة القبلة إذا أمكن ذلك، أو البينة العادة
المستندة في شهادتها إلى الحس، فإن لم يحصل ذلك عول المكلف على
الأمارات المفيدة للاطمئنان، فإن لم يحصل ذلك كفى الظن، وإذا
اجتهد في القبلة فكان اجتهاده على خلاف ما شهدت به البينة فإن كانت
308

البينة مستندة في شهادتها إلى الحدس، عول على اجتهاده، وإذا كانت
مستندة في شهادتها إلى الحس فالأحوط تكرار الصلاة. وإن لم يمكن
له تحصيل الظن بالقبلة صلى إلى أربع جهات.
[المسألة 60]
ذكرت لمعرفة القبلة علامات مأخوذة من قواعد على هيئة الأرض
ومن أقوال المحققين فيها، ولا بأس بالعمل عليها إذا أفادت العلم أو
الاطمئنان بالمحاذاة.
فمنها (الجدي) وهو نجم معروف يقع بالقرب من القطب الشمالي،
فيجعل في النجف والكوفة وما قرب منهما من البلاد خلف الكتف الأيمن.
والكتف هو العظم الذي يكون في آخر العاتق مما يلي العضد، ومجمع
عظمي الكتف والعضد هو المنكب، فالكتف بين العاتق والمنكب.
والأحوط أن يجعل الجدي علامة كذلك في غاية ارتفاعه أو
انخفاضه، ويعرف ذلك بارتفاع بنات نعش فوقه أو انخفاضها تحته.
والانحراف في بغداد يكون أقل من ذلك، وفي الموصل وما والاها أقل
من بغداد.
ويجعل الجدي في البصرة وما قاربها من البلاد في ثقب الأذن اليمنى
وفي الشام خلف الكتف الأيسر.
[المسألة 61]
ومن الأمارات التي ذكرت لمعرفة القبلة: المحاريب التي صلى فيها
أحد المعصومين (ع) وهي تفيد العلم بالقبلة إذا علم أن المحراب لم
يتغير اتجاهه ببناء جديد، وأن المعصوم لم يتيامن في صلاته في المحراب
ولم يتياسر، فإن لم يعلم ذلك كان مفيدا للظن.
ومنها قبر المعصوم إذا علم بعدم تغيره في الجهة كما ذكرنا في المحراب،
وعلم أيضا بأن وضع القبر الخارجي مطابق لوضع الجسد الطاهر فيه،
وإن لم يعلم ذلك كان مفيدا للظن.
309

ومنها قبور المسلمين في بلادهم، محاريبهم في مساجدهم إذا لم يعلم
بانحرافها عن المحاذاة الصحيحة.
[المسألة 62]
إذا لم يمكن للمكلف تحصيل العلم بالقبلة، ولم تقم لديه البينة
العادلة المستندة في شهادتها إلى الحس، وجب عليه الاجتهاد في تحصيل
الاطمئنان بها، ولا يكفي الظن مع امكان الاطمئنان، ولا يكتفي بالظن
القوي مع امكان تحصيل ما هو أقوى منه، ولا بالظن الضعيف مع امكان
تحصيل الظن القوي ولا يختص الاجتهاد بأمارات معينة، فقد يحصل
العلم أو الاطمئنان من خرائط علمية دقيقة تبين مواقع البلاد من خطوط
الطول والعرض، وتوضح موضع مكة ومقدار انحراف البلد عنها،
وقد يحصل العلم أو الاطمئنان من (البوصلة) المغناطيسية التي تعين
اتجاه البلاد للقبلة، وإنما يعتمد على هذه الآلة بعد اجراء التجارب
عليها من أهل المعرفة في مواضع مختلفة من البلاد، فإذا اطمئن إلى
صحتها ومطابقتها لقواعد العلم أمكن الاعتماد والإفادة منها.
وقد يحصل العلم أو الاطمئنان من أخبار أهل الخبرة وملاحظاتهم
ودقتهم في ذلك، وقد يحصل ذلك من أخبار فاسق أو كافر لأنه خبير
دقيق في معرفته وفي قوله، ولا يحصل من قول عادل لأنه قليل المعرفة
بذلك وربما غلب عليه حسن الظن فقلد.
[المسألة 63]
يجب الاجتهاد في القبلة على الأعمى إذا كان قادرا على ذلك كما يجب
على البصير، إن احتاج إلى الاستعانة بغيره في استيضاح نتيجة الأمارة
أو في تعيين الاتجاه في الموضع.
[المسألة 64]
لا اعتبار بقول صاحب المنزل ولا أقوال سائر الناس الآخرين،
إلا إذا أوجب العلم بالقبلة أو الاطمئنان بها، وإذا أوجب قوله ظنا
بالقبلة وأمكن للمكلف تحصيل العلم أو الاطمئنان أو الظن الأقوى
وجب عليه ذلك.
310

[المسألة 65]
إذا اجتهد فحصل له العلم أو الاطمئنان أو الظن الأقوى بالقبلة
وجب عليه العمل باجتهاده وإن كان مخالفا لما عليه محاريب المسلمين
في البلد وقبورهم ومذابحهم، وإذا كان الظن الحاصل له من اجتهاده
مساويا للظن الحاصل من محاريب البلد وقبورها جاز له العمل باجتهاده
وإن كان الأحوط استحبابا له تكرار الصلاة إلى الجهتين في هذه الصورة.
[المسألة 66]
إذا علم اجمالا بأن القبلة في إحدى جهتين معينتين، فإن ظن بأن
القبلة في أحدهما على الخصوص وكان احتمال الجهة الثانية ضعيفا
موهوما صلى إلى الجهة المظنونة واكتفى بذلك وإن لم تترجح عنده إحدى
الجهتين وجب عليه أن يصلي إلى كل واحدة من الجهتين.
وإذا ظن بأن القبلة في إحدى جهتين معينتين ولم يعلم بذلك وجب
عليه أن يكرر صلاته أربع مرات كل مرة إلى جهة من الجهات الأربع.
[المسألة 67]
إذا اجتهد وحصل له الظن بالقبلة فصلى الصلاة الحاضرة، ثم حضرت
صلاة أخرى لم يجب عليه تجديد الاجتهاد لهذه الصلاة إذا كان الظن
الأول باقيا، وإذا زال الظن الأول أو احتمل أن يحصل له ظن أقوى
منه وجب عليه الاجتهاد لها.
[المسألة 68]
إذا اجتهد وظن القبلة في جهة فصلى الظهر إليها، ثم تحول ظنه إلى
جهة أخرى فإن كان مقتضى ظنه الثاني أنه قد صلى الظهر مستدبرا
للقبلة أو كانت إلى يمينه أو يساره وجبت عليه إعادة صلاة الظهر أولا،
ثم يصلي العصر، وإن كان مقتضى ظنه الثاني أن صلاة الظهر قد وقعت
ما بين اليمين واليسار صلى العصر وحدها إلى الجهة الثانية ولم تجب
عليه إعادة الظهر.
311

[المسألة 69]
إذا ظن القبلة في جهة فصلى إليها ثم تحول ظنه إلى جهة أخرى وهو
في أثناء صلاته تحول في صلاته إلى الجهة الثانية إذا كان استقباله الأول
لا يبلغ محض اليمين أو اليسار من الجهة الثانية، وإذا كان إلى اليمين
أو اليسار منها أو كان مستدبرا بطلت صلاته ووجبت عليه إعادتها.
[المسألة 70]
إذا اختلف المكلفان في اجتهادهما في القبلة لم يمنع ذلك من اقتداء
أحدهما بالآخر إذا كان الاختلاف بينهما لا يخل بهيئة الجماعة عرفا،
وإذا بلغ
لاختلاف بينهما حد الاستدبار، أو حد اليمين واليسار أو
أخل بهيئة الجماعة عرفا لم يصح لأحدهما أن يقتدي بالآخر.
[المسألة 71]
إذا لم يتمكن المكلف من الاجتهاد في القبلة أو لم يحصل له الظن
بإحدى الجهات وجب على الأحوط أن يكرر صلاته إلى أربع جهات
والأحوط أن تكون على أربعة خطوط متقابلة فإن تضيق الوقت عن
تكرار الصلاة أربع مرات، صلى منها بقدر ما وسع الوقت، فإن لم
يسع إلا واحدة تخير في أن يصليها إلى أي الجهات شاء.
[المسألة 72]
إذا صلى الظهر إلى أربع جهات على الوجه المتقدم ذكره فالأحوط
له أن يصلي العصر بعدها إلى نفس الجهات التي صلى الظهر إليها دون
اختلاف، وكذا من كان حكمه الصلاة إلى جهتين أو ثلاث، ومثله الحكم
في المغرب والعشاء.
[المسألة 73]
إذا كان حكم المكلف أن يصلي إلى أربع جهات، جاز له أن يصلي
الظهر إلى الجهات الأربع كلها، ثم يبتدئ بصلاة العصر بعدها فيصليها
كذلك حتى يتمها، ولا يجب عليه أن يأتي بالعصر على ترتيب الظهر
في الجهات. ويجوز له أن يصلي الظهر إلى جهة منها ثم يصلي العصر
312

إلى تلك الجهة، ثم يأتي بالظهر إلى جهة ثانية ويصلي العصر إليها،
وهكذا إلى أن يتم عدد الصلوات مع الجهات. ويجوز له أن يصلي الظهر
إلى جهتين أو ثلاث ويصلي العصر بعدها إلى تلك الجهات ثم يتم صلاة
الظهر إلى باقي الجهات وبعدها العصر.
ولا يكفي أن يصلي العصر إلى جهة قبل أن يصلي إليها الظهر وكذلك
حكم المغرب والعشاء.
[المسألة 74]
إذا صلى إلى إحدى الجهات، ثم علم أو ظن بعد صلاته إليها بأنها
هي القبلة أجزأته عما في ذمته ولم تجب عليه الصلاة إلى بقية الجهات،
وإذا صلى إلى جهة أو أكثر ثم علم أن ما صلاه لم يكن إلى القبلة، فإن
تعينت جهة القبلة عنده صلى إليها، وإن لم تتعين وجبت عليه الصلاة إلى
بقية الجهات.
[المسألة 75]
تجري جميع الأحكام المتقدم ذكرها في سائر الصلوات الواجبة غير
اليومية كصلاة الآيات، وصلاة الأموات، فإذا لم يمكن للمكلف تحصيل
العلم أو الاطمئنان بالقبلة وجب عليه الاجتهاد وكفى الظن الأقوى فالأقوى،
وإذا لم يحصل الظن وجب تكرار الصلاة إلى أربع جهات.
وتجري كذلك في غير الصلوات مما يمكن في التكرار كقضاء الأجزاء
المنسية وكسجود السهو على الأحوط وأما الأعمال التي يجب فيها
الاستقبال ولا يمكن فيها التكرار، كتوجيه الميت إلى القبلة عند احتضاره
ودفنه، فإذا لم يحصل الظن بالقبلة تخير المكلف في التوجيه إلى أي
الجهات شاء.
وكذلك الأمر في الذبح والنحر إذا وجب على المكلف أو اضطر إليه،
ولم يمكن تأخيره إلى أن تعلم جهة القبلة أو تظن، ويشكل جواز ذلك
في الذبح أو النحر إذا لم يكن واجبا أو مضطرا إليه.
313

[المسألة 76]
إذا صلى إلى جهة من الجهات من غير فحص عن القبلة غافلا أو متسامحا،
وحصل منه قصد القربة في صلاته، صحت صلاته إذا تبين له بعد ذلك
أن صلاته قد وقعت إلى القبلة، وصحت صلاته كذلك في صورة الغفلة
إذا تبين له أنه منحرف عن القبلة بما لا يبلغ حد اليمين أو اليسار،
وبطلت صلاته إذا كان مستدبرا للقبلة أو منحرفا عنها بما يبلغ محض
اليمين أو اليسار، وبطلت صلاته في صورة التسامح حتى إذا كان
منحرفا عن القبلة بما دون اليمين واليسار، وبطلت صلاته إذا لم
يستبن له شئ.
[الفصل الخامس]
[في أحكام الاستقبال، والخلل في القبلة]
[المسألة 77]
يجب الاستقبال في جميع الصلوات الواجبة، سواء كانت يومية أم
غيرها، وسواء كانت أداءا أم قضاءا، حتى في اليومية المعادة جماعة،
والمعادة احتياطا، وإن كان الاحتياط استحبابيا.
ويجب الاستقبال في ما يتبع الصلاة، كصلاة الاحتياط عند حدوث
أحد الشكوك فيها وقضاء ما ينسى من الأجزاء، وسجود السهو على
الأحوط فيه.
ويشترط الاستقبال في صحة صلاة النافلة إذا أتى بها مستقرا على
الأرض وشبهها، ولا يشترط في صحة النافلة إذا أتى بها ماشيا أو
راكبا، وإن كانت واجبة على المكلف بنذر ونحوه.
[المسألة 78]
المدار في الاستقبال في الصلاة على صدق الاستقبال في نظر أهل
العرف سواء صلى قائما أم جالسا، فلا يجب الاستقبال بأصابع رجليه
في حال القيام، ولا بركبتي الجالس ولا بالقدمين إذا جلس عليهما.
314

وإذا صلى مضطجعا استقبل القبلة بوجهه ومقاديم بدنه كهيئة الميت
عند دفنه، ومن صلى مستلقيا استقبل بوجهه وباطن قدميه كهيئة الميت
عند احتضاره.
[المسألة 79]
إذا لم يتوجه المكلف إلى القبلة في صلاته وكان عالما عامدا بطلت
صلاته وإن كان انحرافه عنها لا يبلغ اليمين أو اليسار، وكذلك إذا
كان جاهلا بالحكم سواء كان قاصرا أم مقصرا فتجب عليه إعادة الصلاة
إذا كان الوقت باقيا، ويجب عليه قضاؤها إذا كان الوقت خارجا،
ومثله ناسي الحكم والغافل عنه.
[المسألة 80]
إذا اعتقد أن القبلة في جهة معينة فصلى إليها ثم تبين له خطأ اعتقاده
وكان انحرافه عن القبلة لا يبلغ محض اليمين أو اليسار صحت صلاته
ولم تجب عليه إعادتها، وإذا تبين له ذلك وهو في أثناء صلاته صح
ما مضى منها ووجب عليه أن يتوجه إلى القبلة في باقي صلاته، فإذا
أتمها كذلك أجزأته.
وكذلك الغافل عن القبلة أو الناسي لها إذا صلى إلى إحدى الجهات
ثم تبين أنه منحرف عن القبلة بما لا يبلغ اليمين أو اليسار فصلاته
صحيحة وعليه أن يتوجه إلى القبلة فباقي صلاته إذا تذكر ذلك في
أثناء الصلاة.
[المسألة 81]
إذا اعتقد أن القبلة في جهة خاصة فصلى إليها ثم استبان له خطأ
اعتقاده، وكان انحرافه عن القبلة يبلغ حد اليمين أو اليسار وجبت
عليه إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقيا، سواء تبين ذلك له في أثناء
الصلاة أم بعد الفراغ منها، فإن هو لم يعد الصلاة بعد أن تبين له ذلك
في الوقت وجب عليه قضاؤها بعد الوقت، وإذا تبين له ذلك بعد خروج
الوقت لم يجب عليه القضاء.
315

وإذا كان مستدبرا للقبلة وجبت عليه إعادة الصلاة في الوقت أو
القضاء في خارجه على الأحوط.
وإذا صلى كذلك غافلا عن القبلة أو ناسيا لها ثم تذكر وجبت عليه
إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقيا والقضاء إذا كان خارجا على الأحوط
سواء تبين له أنه مستدبر للقبلة، أم منحرف عنها بما يبلغ اليمين أو اليسار.
[المسألة 82]
إذا صلى الجاهل بالقبلة إلى أربع جهات ثم استبان له أنه قد انحرف
عن القبلة بمقدار ثمن الدائرة صحت صلاته واغتفر له هذا الانحراف،
وإذا صلى إلى إحدى الجهات فاستبان له بعد الصلاة أنه قد انحرف عن
القبلة بمقدار ثمن الدائرة أجزأته صلاته فلا تجب عليه إعادة الصلاة،
وإذا ضاق عليه الوقت فصلى إلى إحدى الجهات صحت صلاته إذا كان
منحرفا عنها بما لا يبلغ اليمين واليسار، وقضاها على الأحوط إذا
استبان له أن انحرافه أكثر من ذلك.
[المسألة 83]
يجب الاستقبال بالميت على الأحوط في حال احتضاره فيجعل وجهه
وباطن قدميه إلى القبلة، وقد تقدم بيانه في المسألة الستمائة والواحدة والأربعين
من كتاب الطهارة والأحوط أن يستمر الاستقبال به كذلك إلى أن يتم
تغسيله.
[المسألة 84]
يجب الاستقبال بالميت حال الصلاة عليه بأن يجعل رأسه إلى يمين
المصلي عليه ورجلاه إلى يساره وقد تقدم ذكر ذلك في المسألة السبعمائة
والثالثة والأربعين من كتاب الطهارة.
[المسألة 85]
يجب الاستقبال بالميت في دفنه فيجعل وجهه ومقاديم بدنه إلى القبلة
كما ذكرناه في المسألة السبعمائة والستين من كتاب الطهارة.
316

[المسألة 86]
إذا دفن الميت إلى غير القبلة وجب نبش قبره للاستقبال به، إلا إذا
أوجب ذلك هتك حرمة الميت أو لزم منه الحرج.
[المسألة 87]
يجب الاستقبال في الذبح والنحر، بأن يجعل مذبح الحيوان أو
منحره ومقاديم بدنه إلى القبلة، والأحوط أن يكون الذابح مستقبلا
كذلك في حال ذبحه أو نحوه وإن كان الأقوى عدم وجوب ذلك.
[المسألة 88]
إذا ذبح الانسان الحيوان أو نحره إلى غير القبلة وكان عالما عامدا
في فعله حرم الحيوان المذبوح أو المنحور، بل كان ميتة نجسة، وإن
كان ناسيا أو جاهلا بالحكم أو اعتقد في جهة أنها القبلة فذبح الحيوان
أو نحره إليها، ثم استبان له خلافها، فلا يحرم الحيوان في جميع ذلك.
وكذلك إذا لم يعرف جهة القبلة وكان الذبح عليه واجبا أو كان
مضطرا إليه فذبحه إلى إحدى الجهات، أو اضطر إلى ذبح الحيوان
إلى غير القبلة كالحيوان المستعصي والواقع في بئر ونحوه
[المسألة 89]
يحرم استقبال القبلة واستدبارها في حال التخلي بالبول أو الغائط،
والأقوى الحرمة أيضا حال الاستبراء والاستنجاء منهما إذا علم أو ظن
ظنا اطمئنانيا بخروج شئ من البول أو الغائط في استبرائه واستنجائه،
وإذا لم يعلم بذلك ولم ظن لم يحرم، وتراجع المسألة المائتان والثالثة
والتسعون من كتاب الطهارة.
[المسألة 90]
يستحب استقبال القبلة في حال الجلوس مطلقا، فقد روي
عنهم (ع) خير المجالس ما استقبل به القبلة، وينبغي المحافظة على ذلك
في حال تأدية العبادات على الخصوص كحال الوضوء والدعاء وقراءة
317

القرآن والتعقيب بعد الصلاة وعند الاشتغال بالذكر وفي سجدة الشكر
وسجود التلاوة
[المسألة 91]
يكره استقبال القبلة واستدبارها حال الجماع وعند لبس السروال
وأمثال ذلك مما ينافي التعظيم.
[الفصل السادس]
[في الستر والساتر]
[المسألة 92]
يجب على المكلف ستر عورته عن كل ناظر محترم، سواء كان المكلف
رجلا أم امرأة، وسواء كان الناظر مماثلا أم غير مماثل، وسواء كان
من المحارم أم من غيرهم، وسواء كان مسلما أم كافرا، حتى عن الطفل
والمجنون إذا كانا مميزين. ويحرم على المكلف أن ينظر إلى عورة الغير
حتى الطفل المميز وحتى المجنون وإن كان غير مميز، وتلاحظ المسألة
المائتان والسادسة والثمانون والمسائل التي بعدها من كتاب الطهارة،
فإنها تتضمن تفصيل الأحكام المتعلقة بذلك.
[المسألة 93]
يجب على المرأة ستر جميع بدنها عن الرجال ما عدا الزوج والمحارم
منهم، وما عدا السيد إذا كانت المرأة مملوكة، ويحرم على الرجل أن
ينظر إلى المرأة الأجنبية عنه وإلى شعرها وإلى شئ من جسدها، والأجنبية
هي غير الزوجة والمملوكة والمحارم من النساء، فلا يجوز للرجل النظر
إلى من عداهن من النساء وإن كانت قريبة منه في النسب كابنة العم
وابنة الخال وقد فصلنا ذلك في مسائل الفصل الأول من كتاب النكاح.
وقد استثنى من ذلك جماعة وجه المرأة الأجنبية وكفيها، فجوزوا
النظر إليها إذا كان بغير ريبة ولا تلذذ محرم، وهذا القول لا يخلو من
قوة، وإن كان الأحوط الاجتناب، فالأحوط للمرأة سترها عن الأجانب
من الرجال.
318

ويحرم على الرجل النظر إذا كان مع الريبة أو التلذذ المحرم وإن
كان المنظور إليه رجلا مثله، شيخا أو شابا أو كانت امرأة من محارمه
وكذلك في المرأة فيحرم عليها النظر بريبة أو تلذذ إلى امرأة مثلها أو
رجل من محارمها.
[المسألة 94]
يحرم النظر إلى شعر المرأة الأجنبية وإن كان مقطوعا منها، فإذا
وصلت المرأة شعرها امرأة أخرى لم يجز لزوجها ومحارمها من
الرجال النظر إليه، ويشكل الحكم بوجوب ستره على المرأة عن نظرهم
ونظر الآخرين، ولكنه أحوط، كما أن الأحوط عدم نظر الأجنبي إلى
القرامل التي توضع في شعر المرأة، وإن لم يظهر الشعر نفسه للرائي،
وإلى الحلي الذي يكون عليها وإن لم تبد مواضع الزينة منها، والأحوط
أيضا لزوم ستر ذلك على المرأة عن الأجانب من الرجال.
[المسألة 95]
الواجب في غير الصلاة هو أن يستر المكلف عورته عن أي ناظر،
وأن تستر المرأة جميع بدنها عن الأجانب من الرجال والمراهقين، بل
وعن الصبيان الذين يكون النظر منهم إلى المرأة أو النظر منها إليهم
مثيرا للشهوة، ولا يعتبر في ذلك ساتر مخصوص ولا كيفية خاصة، بل
المدار أن يتأدى الواجب بأي وجه اتفق
[المسألة 96]
لا يتقيد وجوب الستر في الصلاة بوجود ناظر، بل يجب الستر على
المكلف وإن لم يوجد في المكان أحد ينظر إليه، أو كان الوقت أو المكان
مظلما لا تستبين فيه الأشياء، أو كان الرائي الموجود من يباح له النظر
إلى المصلي كالزوجة للزوج وبالعكس.
[المسألة 97]
يجب على الرجل في صلاته ستر القبل والدبر والبيضتين، والأحوط
لزوما ستر العجان وهو ما بين الدبر وأصل الذكر وستر الشعر النابت
في أطراف العورة.
319

والواجب في ذلك ستر عين العورة، فلا يكفي ستر اللون وحده،
بل يجب ستر الشبح الذي يرى من وراء الثوب والذي تعد حكايته
حكاية العين عرفا، ولا يجب ستر حجم العورة.
[المسألة 98]
يجب على المرأة في صلاتها أن تستر، جميع جسدها ورأسها ورقبتها
وشعرها ما عدا الوجه واليدين والقدمين، ويراد بالوجه ما وجب غسله
في الوضوء، ويراد باليدين الكفين إلى أول الزندين، ويراد بالقدمين
ظاهرهما وباطنهما إلى المفصل بينهما وبين الساق، ولا بد من أن تستر
شيئا من حدود الوجه واليد والقدم ليحصل العلم بتحقق الستر الواجب،
ويجب عليها أن تستر ما تحت الذقن حتى ما يبدو منه بعد أن تلبس
الخمار على الأحوط.
[المسألة 99]
لا يجب على المرأة ستر ما على الوجه أو الكفين من زينة أو حلي،
ولا ستر الشعر والقرامل الموصولة بشعرها إذا كان شعرها جميعه
مستورا، وإذا وجد الناظر الأجنبي سترت ذلك عن الناظر على الأحوط
كما تقدم لا من حيث الصلاة، فإن تعمدت فلم تستره كانت متجرئة
لعدم التستر عن الأجنبي ولم تبطل صلاتها.
[المسألة 100]
لا يجب على الأمة المملوكة في الصلاة ستر رأسها ولا عنقها ولا شعر
رأسها، ويجب عليها ستر جميع ما عدا ذلك من جسدها كله، غير الوجه
والكفين والقدمين كالحرة، سواء كانت قنة أم مدبرة أم مستولدة أم
مكاتبة، وإذا كانت مبعضة وجب عليها ستر الرأس والشعر والعنق
وكان حكمها حكم الحرة.
[المسألة 101]
لا يشترط في صلاة الحرة إذا كانت صغيرة غير بالغة أن تستر رأسها
320

ورقبتها في الصلاة، فإذا صلت وهي مكشوفة الرأس والرقبة كانت
صلاتها صحيحة.
[المسألة 102]
يجب الستر على الوجه المتقدم بيانه في الذكر والأنثى في جميع
الصلوات الواجبة والمندوبة حتى في صلاة الجنازة على الأحوط، ويجب
في قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة وفي سجود السهو، ولا يجب في
سجود التلاوة ولا في سجدة الشكر.
[المسألة 103]
لطواف في البيت بمنزلة الصلاة فيشترط فيه ستر العورة.
[المسألة 104]
إذا أبدت الريح عورة المصلي أو بعضها من غير اختياره أو انكشفت
كذلك غفلة منه لم تبطل صلاته بذلك، فإذا هو لم يعلم بانكشافها حتى
أتم الصلاة أو حتى حصل له الستر اتفاقا أجزأته صلاته ولم تجب عليه
إعادتها. وإذا علم بذلك في أثناء الصلاة، فإن اتفق حصول الستر
له قبل أن يعلم بانكشاف العورة أو مقارنا لحصول العلم صحت صلاته،
وإن لم تنستر عورته إلا بعد العلم بها، فالظاهر بطلان صلاته،
والأحوط له أن يتم الصلاة ثم يعيدها.
[المسألة 105]
إذا نسي المكلف أن يستر عورته وصلى ولم يتذكر حتى أتم الصلاة
أو حتى حصل له الستر اتفاقا صحت صلاته ولم تجب عليه إعادتها.
وإذا تذكر ذلك وهو في أثناء الصلاة فإن اتفق له حصول الستر قبل
أن يتذكر أو مقارنا لتذكره صحت صلاته وإن لم تنستر عورته إلا بعد
التذكر فالظاهر البطلان والأحوط اتمام الصلاة ثم إعادتها.
وكذلك الحكم إذا ترك التستر غافلا وصلى، فيجري فيه التفصيل
المتقدم وإذا ترك التستر جاهلا بالحكم بطلت صلاته.
321

[المسألة 106]
يجب ستر العورة مطلقا فلا يكفي سترها من بعض الجوانب إذا
كانت مكشوفة من جانب آخر ولو من فوق، كما إذا كان الثوب واسع
الجيب بحيث لا يستر العورة إذا نظر الناظر إليه من فوق أو من أمام
في حال الركوع أو من تحت، كما إذا وقف المصلي على شباك أو طرف
سطح وليس له ساتر عمن ينظر إليه من تحته، وإذا وقف على الأرض
لم يجب عليه الستر من تحته.
[المسألة 107]
الأحوط أن يستر عورته حتى عن نفسه، فلا تصح الصلاة إذا كان
يرى عورة نفسه ولو في بعض أحوال الصلاة وإن كانت مستورة عن
الآخرين، ومثال ذلك أن يلبس ثوبا واسع الجيب يكشف له عورته في
بعض حالات الصلاة ولا يراها غيره
[المسألة 108]
يكفي في الستر أن يكون المصلي مستور العورة من أول الصلاة إلى
آخرها وفي جميع حالاتها، وإن كان ساتره في حال القيام مثلا ثوبا
لا يكفي لستره في حال الركوع والسجود ولكنه يضم إليه قبل أن يركع
شيئا آخر يستمر معه الستر ولا تنكشف له عورة، أو يلبس ثوبا مخرقا
فيتستر به في كل حالة من حالات الصلاة على وجه مخصوص بحيث يتأدى
به الواجب.
[المسألة 109]
يكفي في ستر الصلاة أن يتستر المصلي بالورق والحشيش ولو في
حال الاختيار إذا تأدى به المقصود، ويكفي أن يتستر بالقطن أو
الصوف أو الوبر غير المنسوج كذلك. ويكفي في حال الاضطرار
أن يطلي بالطين على وجه يستر عين العورة ولا يكفي مجرد ستر لونها
ولا يكفي ذلك في حال الاختيار.
ولا يكفيه أن يستر عورته بيده أو بيد زوجته حتى في حال الاضطرار.
322

[الفصل السابع]
[في شرائط لباس المصلي]
وهي أمور:
[المسألة 110]
الأول: يشترط في لباس المصلي أن يكون طاهرا، سواء كان ساترا
أم لا، وقد سبق تفصيل ذلك في الفصل العاشر من كتاب الطهارة.
ويستثنى من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكة والجورب
والقلنسوة، وجميع ما يعفى عنه في الصلاة، ويلاحظ الفصل الحادي
عشر من كتاب الطهارة فقد فصلنا الكلام فيه على ذلك.
[المسألة 111]
الثاني: يشترط في لباس المصلي أن يكون مباحا، سواء كان ساترا
أم لا، حتى ما يحمله إذا كان يتحرك بحركات الصلاة، والأحوط
مطلقا، فلا تجوز الصلاة في المغصوب وإن كان خيطا قد خيط به بعض
ملابسه، وتبطل الصلاة إذا كان المصلي عامدا في فعله وعالما بحرمته
وإن كان جاهلا بأنه يبطل صلاته على الأقوى، وتبطل صلاته كذلك
إذا كان جاهلا بالحكم عن تقصير.
ولا تبطل صلاته إذا كان جاهلا قاصرا، ولا تبطل إذا كان جاهلا
بالغصبية أو ناسيا لها، حتى الغاصب نفسه إذا نسي الغصبية فصلى،
نعم تبطل صلاة الغاصب الناسي إذا كان ممن لا يبالي بذلك إذا تذكر
الغصبية.
[المسألة 112]
لا فرق في حرمة الصلاة في المغصوب بين أن يكون مغصوب العين أو
مغصوب المنفعة كما إذا أجر المالك ثوبه للغير ليلبسه مدة معينة، فلا
تصح الصلاة فيه إذا غصب من المستأجر وتبطل الصلاة فيه إذا كان
متعلقا لحق الغير وغصب ذلك الحق، كحق الزكاة وحق الخمس، بل
323

وحق الرهانة على الأحوط، نعم لا تبطل الصلاة إذا كان من الحقوق
التي لا تمنع من ايقاع الصلاة فيه كحق للبائع ونحوه.
[المسألة 113]
إذا صبغ الثوب بصبغ مغصوب فالأحوط اجتناب الصلاة فيه وفي
الخيط المصبوغ بل لا يخلو عن وجه.
نعم إذا أجبر الصباغ على صبغ الثوب وكان الثوب والصبغ مباحين،
أو أجبر الخياط على خياطته وكان الثوب والخيط مباحين، فالظاهر
صحة الصلاة فيه وإن كان آثما باجبار العامل ومشغول الذمة له بأجرة
عمله
[المسألة 114]
إذا طهر الثوب المتنجس أو غسله من وسخه بماء مغصوب فإذا جف
الماء من الثوب صحت الصلاة فيه، والأحوط عدم الصلاة فيه قبل
الجفاف، وعليه قيمة الماء لمالكه.
[المسألة 115]
إذا أذن المالك لأحد في الصلاة في ثوبه المغصوب منه صحت له الصلاة
فيه وإن بقي مغصوبا، سواء كان المأذون له في الصلاة هو الغاصب أم
غيره، وإذا أذن في الصلاة فيه إذنا مطلقا صح للآخرين الصلاة فيه،
وأشكل الجواز في الغاصب نفسه إلا أن يعلم عموم الإذن له ولغيره،
فتصح له الصلاة فيه كما تصح لغيره.
[المسألة 116]
إذا اضطر الانسان إلى لبس الثوب المغصوب لحفظ نفسه جاز له
لبسه إذا كان المضطر غير الغاصب وصحت له الصلاة فيه، وإذا كان
المضطر هو الغاصب فيشكل الحكم بجواز لبسه وصحة الصلاة فيه.
وإذا اضطر إلى لبس الثوب المغصوب لحفظ نفس الثوب لا لحفظ
نفسه أشكل الحكم بالجواز، إلا إذا كان بقصد رد الثوب إلى مالكه،
324

فيجوز له لبس الثوب لهذه الغاية وتصح له الصلاة فيه إذا كان حفظ
الثوب موقوفا على لبسه.
[المسألة 117]
إذا صلى المكلف في الثوب وهو ناس لغصبيته ثم تذكرها في أثناء
صلاته فإن كان عليه ساتر آخر مباح وأمكنه نزع الثوب المغصوب من
غير فعل مناف للصلاة، وجب عليه نزع الثوب المغصوب فورا، ولم
يتشاغل بالصلاة مدة نزعه، فإذا نزعه قبل أن تفوت الموالاة بين أجزاء
الصلاة أتم صلاته وكانت صحيحة مجزية، وإذا فاتت الموالاة أو حصل
له ما ينافي الصلاة أو لم يكن عليه ساتر آخر مباح قطع الصلاة وأعادها
إذا كان الوقت متسعا ولو لادراك ركعة واحدة من الصلاة، وإذا
ضاق الوقت عن ذلك وكان عليه ساتر آخر اشتغل بالصلاة في حال
النزع، وكذلك الحكم إذا صلى في الثوب وهو جاهل بغصبيته ثم علم
بها في أثناء الصلاة.
[المسألة 118]
إذا اشترى الثوب بثمن في الذمة ثم وفاه من مال تعلق به
الخمس أو الزكاة صح البيع وجازت له الصلاة في الثوب، فإن أدى الخمس أو
الزكاة من مال آخر برئت ذمته، وإن لم يؤده جاز للحاكم
الشرعي أن يتتبع المال فيأخذ منه الخمس أو الزكاة، فإذا أخذه منه
رجع البايع بذلك على المشتري.
وإذا اشترى الثوب بعين المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة لم
تصح الصلاة فيه وكان حكمه حكم المغصوب إلا إذا أدى الحق من مال
آخر، أو ضمنه بمراجعة الحاكم الشرعي ضمانا شرعيا. ويصح
البيع إذا أجازه الحاكم بحسب ولايته فيكون ما يقابل مال الزكاة أو
الخمس ملكا للفقراء والسادات على تأمل.
[المسألة 119]
الثالث من شرائط لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء حيوان ميت،
سواء كان الحيوان مما يحل أكله إذا ذكي أم مما يحرم، وسواء كانت
325

ميتته نجسة أم طاهرة، كميتة السمك ونحوه مما لا نفس له سائلة على
الأحوط.
[المسألة 120]
إذا أخذ الانسان جلد الحيوان أو لحمه أو شحمه أو غير ذلك من
أجزائه من يد مسلم، أو اشتراه من سوق المسلمين، أو وجده
في أرضهم، فهو بحكم المذكى، ولا يكفي مجرد ذلك في الحكم عليه
بالتذكية حتى يقترن بتصرف أو أثر يدل على التذكية كبيع المسلم إياه
أو أكله منه، أو الصلاة فيه، وإذا لم تقترن يد المسلم أو سوق
المسلمين بمثل هذا التصرف أو الأثر الدال على التذكية لم تكن أمارة
دالة على تذكيه الحيوان، وكذا ما يوجد مطروحا في أرضهم.
[المسألة 121]
ما يشترى من سوق المسلمين وهو مقترن بأثر أو تصرف يدل على التذكية
فهو بحكم المذكى كما تقدم، سواء اشتراه من مسلم أم من شخص
مجهول الاسلام والكفر، وكذا ما يكون في أرض المسلمين.
[المسألة 122]
يجب اجتناب ما يؤخذ من الكافر من الجلود والشحوم واللحوم سواء
كان في بلاد الكفر أم في بلاد الاسلام، وإن كان في سوق المسلمين، إلا
أن يعلم بسبق يد المسلم عليه المقرونة بالتصرف المناسب للتذكية فيحكم
بطهارته وجواز الصلاة فيه وكذا ما يوجد في أرض الكفار ويجب اجتناب
ما يؤخذ من مجهول الاسلام والكفر إذا كان في بلاد يغلب عليها غير
المسلمين، وكذلك إذا كان في بلاد يغلب عليها المسلمون وكانت السوق
التي أخذ منها لغير المسلمين على الأحوط في هذا الأخير.
[المسألة 123]
إذا كان ما في يد المسلم أو ما في سوق المسلمين مسبوقا بيد الكافر،
كالجلود واللحوم والشحوم التي يستوردها المسلمون من بلاد الكفار،
فإن لم يعلم باشتمال ما في يد الكافر على المذكى وغيره حكم بعدم تذكيته
326

ووجب اجتنابه جميعا، وإن علم اجمالا بأن ما في يد الكافر يشتمل
على المذكى وغيره، فللبناء على الطهارة والإباحة فيه وجه، أما جواز
الصلاة فيه فهو مشكل.
[المسألة 124]
إذا كان المسلم ممن يقول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ، فالأحوط
اجتناب ما في يده من الجلود.
[المسألة 125]
لا يجوز على الأحوط استصحاب شئ من أجزاء الميتة حال الصلاة وإن
لم يكن ملبوسا، وإذا استصحبه بطلت صلاته على الأحوط، وقد ذكرنا
ذلك في فصل ما يعفى عنه في الصلاة.
[المسألة 126]
الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الحيوان لا تنجس بموته إذا كان
طاهر العين في حال حياته كالشعر والصوف والوبر، كما ذكرناه في
مبحث نجاسة الميتة، فإذا كان الحيوان مما يؤكل لحمه جازت الصلاة
في الثوب المتخذ من صوفه أو وبره أو شعره، وإن أخذ منه بعد موته،
وإذا أصابتها رطوبة الميتة حين نتفها أو قلعها فلا بد من تطهيرها من
النجاسة العرضية.
[المسألة 127]
إذا صلى في جلد الميتة أو في شئ من أجزائها ناسيا، وكانت الميتة
مما له نفس سائلة، وجبت عليه إعادة الصلاة إذا تذكر في الوقت ويجب
قضاءها إذا تذكر بعد الوقت، وإذا كانت الميتة مما لا نفس له لم تجب
عليه الإعادة.
[المسألة 128]
إذا صلى في شئ من أجزاء الميتة وهو لا يعلم بأنها ميتة حتى أتم
الصلاة صحت صلاته لم تجب عليه إعادتها، وإذا كان ملتفتا شاكا
327

لم تجز له الصلاة فيه إلا أن تقوم لديه أمارة تدل على التذكية وإذا صلى
كذلك فصلاته باطلة.
[المسألة 129]
إذا شك في شئ أنه جزء من حيوان أم من غيره، حكم بأنه طاهر
وجازت له الصلاة فيه، وكذلك إذا علم بأنه جزء حيوان وشك في أن
ذلك الحيوان مما له نفس سائلة أم لا فتصح له الصلاة فيه.
[المسألة 130]
الرابع من شرائط لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل
لحمه، فلا تصح الصلاة في جلد الحيوان غير المأكول ولا في شعره أو
صوفه أو وبره، ولا في شئ من أجزائه أو شئ من فضلاته، سواء كان
الحيوان مذكى أم حيا أم ميتا، وسواء كان ذا نفس سائلة أم لا إذا
كان ذا لحم، كالسمك المحرم أكله على الأحوط، وسواء كان ما صلى
فيه من الحيوان ملبوسا أم مخلوطا به أم محمولا له، حتى الشعرات
التي تقع على ثياب المصلي منه، وحتى عرقه وريقه وإن كان يابسا إذا
كانت له عين موجودة.
[المسألة 131]
لا فرق في الحكم الآنف ذكره بين أن يكون الحيوان محرم الأكل
الأصالة أم بالعرض على الأحوط كالحيوان الجلال وموطوء الانسان
وشارب لبن الخنزيرة، فلا تصح الصلاة في شئ من أجزائه وفضلاته
على الأحوط، والظاهر أن الحكم لا يعم الحيوان الذي يحرم أكله على
الانسان لكون لحمه مضرا له أو لأنه نذر ترك أكلة أو حلف عليه.
[المسألة 132]
تصح الصلاة في الشمع أو العسل إذا وقع على ثياب الانسان وإن
كانا من فضلات النحل وتصح الصلاة في الحرير كما سيأتي تفصيله وإن
كان فضلة دود القز، وتصح الصلاة في دم البرغوث والبق ونحو ذلك
من الحيوانات التي لا لحم لها، وتصح الصلاة في الصدف للشك في أنه
جزء من الحيوان أم لا.
328

[المسألة 133]
تصح الصلاة في فضلات الانسان الطاهرة إذا وقعت على البدن أو
على الثياب منه أو من غيره، كالعرق والريق واللبن والوسخ والشعر،
فيجوز للمرأة أن تصلي في فضلات الطفل الطاهرة التي تقع على بدنها
أو على ثيابها، وفي بقايا اللبن التي تقع على صدرها أو على ثيابها في
أثناء الرضاع وغيره، وفي الشعر الذي تصل شعرها، سواء كان
شعر رجل أم امرأة.
[المسألة 134]
تجوز الصلاة في اللباس إذا شك في أنه متخذ من الحيوان المأكول أو
من غير المأكول وتجوز الصلاة في الشئ إذا شك فيه أنه من أجزاء
الحيوان أو غير الحيوان.
[المسألة 135]
إذا صلى الانسان في غير المأكول وهو لا يعلم بأنه غير مأكول وكان
جهله بنحو الشبهة الموضوعية، فالظاهر صحة صلاته، وإذا كان جاهلا
بالحكم أو ناسيا للموضوع أو الحكم فالأحوط بل الظاهر بطلان
صلاته.
[المسألة 136]
الخامس من شرائط لباس المصلي أن لا يكون من الذهب إذا كان
المصلي رجلا فلا تجوز الصلاة في الذهب للرجال، ولا يجوز لهم لبس
الذهب حتى في غير الصلاة، وإذا لبس الرجل الذهب في غير الصلاة كان
آثما، وإذا صلى فيه كان آثما وبطلت صلاته، سواء كان الملبوس ذهبا
خالصا أم ممزوجا، إذا صدق معه أنه لبس الذهب وصلى فيه، وسواء
كان مما تتم الصلاة فيه كالثوب المنسوج بالذهب أم كان مما لا تتم
الصلاة به كالخاتم والمنطقة وحمائل السيف.
[المسألة 137]
يجب على الرجل اجتناب المموه بالذهب إذا صدق معه لبس الذهب
329

عرفا، فإذا لم يصدق عليه ذلك لم يحرم، وإن كان الأحوط تركه،
وكذلك الحكم في الملحم به.
[المسألة 138]
يحرم التزين بالذهب على الرجال بمثل الزر والسن ونحوهما وإن
لم يكن لبسا للذهب، فلا تبطل الصلاة إذا صلى الرجل وهو متزين به
على الظاهر، وإن أثم بذلك.
[المسألة 139]
لا تبطل صلاة الرجل بحمل الذهب معه في صلاته، سواء كان المحمول
معه مسكوكا أم غيره، ولا بأس بشد الأسنان به.
[المسألة 140]
لا تحرم تحلية السيف والخنجر بالذهب وإذا حملهما الرجل كذلك
لم يصدق عليه أنه لبس الذهب عرفا فلا مانع من الصلاة فيهما، ولكنه
إذا جعل غمد السيف كله أو أكثره من الذهب أو كان السيف نفسه من
الذهب بحيث يعد في العرف أنه لبس الذهب، فالظاهر حرمة لبسه
وبطلان الصلاة فيه.
[المسألة 141]
يجوز للنساء لبس الذهب وتصح لهن الصلاة فيه، ولا يحرم على
الصبي المميز لبس الذهب، ولا تصح صلاته فيه على الأحوط، بل
لا يخلو عن قوة.
[المسألة 142]
إذا شك الرجل في شئ أنه ذهب أم غيره، جاز له لبسه وصحت له
الصلاة فيه.
[المسألة 143]
يحرم على الرجل لبس الذهب وتبطل الصلاة سواء كان ظاهرا أم
مستورا.
330

[المسألة 144]
يجوز للمكلف حمل الساعة التي يكون قابها من الذهب، وتصح له
الصلاة وهو يحملها وأما زنجير الساعة إذا كان مصوغا من الذهب
فيحرم عليه التزين به ولا تبطل الصلاة فيه، ولا يبعد صدق لبس الذهب
عليه عرفا إذا علقه في رقبته، فتحرم الصلاة فيه.
[المسألة 145]
إذا صلى الرجل في الذهب وهو لا يعلم بأنه ذهب فالظاهر صحة صلاته
فيه، وكذلك الحكم إذا صلى فيه وهو ناس لكونه من الذهب، أو ناس للحكم
بحرمة الصلاة فيه فتصح صلاته وأما الجاهل بالحكم وخصوصا المتردد
فيه حال دخوله في الصلاة فعليه إعادة الصلاة على الأقوى في المتردد وعلى
الأحوط في المتردد وغيره
[المسألة 146]
السادس من شرائط لباس المصلي أن لا يكون حريرا خالصا إذا كان
المصلي رجلا، فلا تجوز الصلاة فيه للرجال، وإذا صلى الرجل فيه كانت
صلاته باطلة، سواء كان مما تتم الصلاة فيه منفردا أم لا كالتكة والقلنسوة
والجورب، ولا يجوز لبسه للرجل في غير الصلاة أيضا، إلا إذا اضطر
إلى لبسه لمرض أو برد بحيث لا تتأدى الضرورة إلا بلبسه، ويجوز
لبسه كذلك في حال الحرب.
وإذا اضطر الرجل إلى لبس الحرير لبعض ما ذكر، فالأحوط له
نزعه حال الصلاة إلا إذا كان مضطرا إلى لبسه حال الصلاة، فتجوز له
الصلاة فيه حين ذاك، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الاضطرار عاما لجميع
الوقت.
[المسألة 147]
يجوز للرجال لبس الحرير إذا كان ممتزجا بقطن أو كتان أو
صوف أو غير ذلك مما ينسج معه فيخرج به عن كونه حريرا خالصا،
وتصح لهم الصلاة فيه، ويجوز أن تكف به ثيابهم وملابسهم المصنوعة
331

من غيره وإن زاد الحرير الذي يكف به على مقدار أربع أصابع، ويجوز
لهم لبس الثياب والملابس من غير الحرير إذا كانت أعلامها وسفائفها
وأزرارها وقياطينها من الحرير وإن كانت كثيرة ويجوز لهم افتراش
الحرير الخالص حتى في حال الصلاة، ويحوز الركوب عليه والتدثر
به إلا إذا صدق عليه اللبس كما قد يتفق في بعض الحالات.
[المسألة 148]
إذا خلط الحرير بشئ لا تصح فيه الصلاة كالصوف والوبر مما
لا يؤكل لحمه، جاز للرجل لبسه ولم تصح له الصلاة فيه، وإذا خلط
بما تصح فيه الصلاة كالقطن والكتان وصوف ووبر ما يؤكل لحمه،
جاز للرجل لبسه وصحت له الصلاة فيه، ويعتبر في الخليط الذي يمتزج
معه أن يكون بمقدار يصدق على الثوب أنه مخلوط وليس حريرا خالصا،
والمدار في ذلك على نظر أهل العرف ولا يكفي الخليط المستهلك.
[المسألة 149]
لا يجوز للرجل أن يلبس ثوبا تكون بطانته من الحرير الخالص وإن
كانت البطانة إلى نصف الثوب، ولا تصح له الصلاة فيه، ولا يجوز له
لبس ثوب يكون أحد نصفيه من الحرير الخالص.
[المسألة 150]
إذا نسج الثوب طرائق بعضها حرير وبعضها غيره: قطن أو صوف
أو نحوهما فلا مانع للرجل من لبسه والصلاة فيه، وإن زاد عرض
الواحدة من الطرائق على مقدار الكف، وكذلك إذا خيط الثوب من
قطع بعضها حرير وبعضها غيره، إذا لم يجتمع من الحرير مقدار كبير
في موضع واحد، كنصف الثوب أو ثلثه مثلا.
[المسألة 151]
تجوز الصلاة للرجل في ثوب له ظهارة وبطانة من غير الحرير،
ويجعل الإبريسم غير المنسوج ما بين الظهارة والبطانة بدلا عن القطن
والصوف الذي يجعل بينهما في بعض الألبسة، وإذا وضعت ما بينهما
332

قطعة من الحرير المنسوج وخيطت كالبطانة بحيث يصدق على لابس
الثوب أنه قد لبس الحرير المحض، فالظاهر حرمة لبسه للرجل وعدم
صحة صلاته فيه.
[المسألة 152]
يجوز للرجل أن يصلي وهو يحمل معه ثوبا أو قطعة من الحرير وإن
كان الثوب المحمول مما تتم الصلاة فيه، ويجوز له أن يصلي في عمامة
طرفها من الحرير وإن زاد على مقدار كف.
[المسألة 153]
يجوز للنساء لبس الحرير الخالص وتصح الصلاة لهن فيه على
الأقوى، ويجوز للصبي لبس الحرير ولا يحرم على وليه أن يلبسه إياه،
ولا تصح صلاة الصبي المميز فيه على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة.
[المسألة 154]
إذا كان الرجل كثير القمل بحيث اضطر لكثرته إلى لبس الحرير
لدفعه عنه، أو لزمه العسر والمشقة الشديدة بدونه، جاز له لبسه،
وإذا كان اضطراره إليه أو لزوم العسر بدونه حتى في حال الصلاة
جازت له الصلاة فيه.
[المسألة 155]
إذا شك المكلف في الثوب أنه حرير خالص أو مخلوط بغيره جازت له
الصلاة فيه، وكذلك إذا علم أن الثوب من الحرير الممتزج وشك في أن
الخليط مما تصح فيه الصلاة أو مما لا تصح.
[المسألة 156]
إذا صلى الرجل في الحرير وهو لا يعلم أنه حريرا وكان ناسيا لذلك
صحت صلاته فيه ولم تجب عليه إعادتها، وإذا صلى فيه وهو جاهل
بالحكم فالأحوط له إعادة الصلاة وخصوصا إذا كان مترددا حال الصلاة.
[المسألة 157]
إذا لم يكن للرجل ساتر في صلاته إلا ثوب الحرير، فإن اضطر إلى
333

لبسه لمرض أو برد، جاز له لبسه للاضطرار وإذا كان الاضطرار إلى
لبسه عاما لجميع الوقت جازت له الصلاة فيه كما تقدم في المسألة المائة
والسادسة والأربعين،
وإن لم يكن مضطرا إلى لبسه نزعه وصلى عاريا.
وكذلك الحكم إذا لم يكن له ساتر إلا المغصوب أو الميتة أو الذهب،
يلبسه ويصلي فيه إذا كان مضطرا إلى لبسه في جميع الوقت، وينزعه
ويصلي عاريا مع عدم الاضطرار.
وإذا لم يكن له ساتر إلا غير مأكول اللحم لبسه وصلى فيه مع الاضطرار
إليه في جميع الوقت كما قلنا في نظائره وإذا لم يكن مضطرا إلى لبسه
احتاط فصلى في الثوب، ثم نزعه وصلى عاريا.
وإذا لم يجد له ساترا غير النجس وكان العذر مستمرا إلى آخر
الوقت، فالظاهر وجوب الصلاة في الثوب النجس سواء كان مضطرا إلى
لبس الثوب أم لا، وقد تقدم هذا في المسألة المائة والرابعة والستين من
كتاب الطهارة، فلتراجع ففيها تفصيل للمورد.
[المسألة 158]
يجب على المكلف تحصيل الساتر للصلاة مع القدرة، ولو بالشراء
أو الاستئجار بأكثر من عوض مثله، ما لم يكن ذلك مضرا بحاله، وتجب
الاستعارة والاستيهاب من الغير إذا أمكن له ذلك ولم يلزم منه الحرج.
[المسألة 159]
يحرم على الانسان لباس الشهرة على الأحوط الذي لا يترك، وهو
أن يلبس الانسان ما يخالف زيه، من حيث جنس الملابس أو لونها،
أو وضعها وتفصيلها غير المناسب لأمثاله، ويحرم على الرجل أن يلبس
ما تختص به النساء تشبها بهن، ويتخذ ذلك زيا له، ويحرم على المرأة
أن تلبس ما يختص به الرجال تشبها بهم وتتخذ ذلك زيا لها.
وإذا لبس الانسان لباس الشهرة وصلى فيه لم تبطل صلاته، وإن
كان آثما في لبسه، وإذا لبس الرجل ما تختص به المرأة كما ذكرنا أو
334

لبست المرأة ما يختص به الرجل وصليا في ذلك اللباس لم تبطل صلاتهما فيه،
وإن كانا آثمين.
[المسألة 160]
إذا لم يكن للمصلي ساتر في صلاته، تستر بورق الشجر والحشيش
وبالقطن، والصوف غير المنسوج، وقد تقدم في المسألة المائة والتاسعة
إن ذلك يكفيه حتى في حال الاختيار، فإن لم يجد ذلك تستر بالطين أو
الوحل أو في حفرة يدخل فيها، أو نحو ذلك مما يواري به عورته،
وصلى قائما وأتى بالركوع والسجود كما يفعل المختار.
وإن لم يجد ما يستر به عورته فإن أمن من المطلع وجب عليه أن
يصلى قائما ويومي إلى الركوع والسجود والأحوط له أن يستر قبله
بيده في حال القيام، والمراد بأمن المطلع أن لا يكون هناك أحد ينظر
إليه، أو يكون الوقت أو المكان مظلما يستره عن الناظر، أو يكون
الحاضر أعمى أو يكون ممن يعلم بعدم نظره، أو يكون ممن يباح له
النظر إلى عورته كالزوجة والأمة.
وإن لم يأمن من الناظر المحترم وجب عليه أن يصلي جالسا، وأن
ينحني للركوع والسجود بمقدار لا تبدو معه عورته، فإن لم يمكنه
ذلك أومأ برأسه للركوع والسجود، وإلا فبعينيه، ويجعل الانحناء
أو الايماء للسجود أكثر منه للركوع على الأحوط، ويرفع ما يسجد عليه
ويضع جبهته عليه على الأحوط كذلك.
[المسألة 161]
يستحب للعراة أن يصلوا جماعة إذا كان معهم من يؤمهم، فيجلسون
صفا، ويجلس الإمام في وسط الصف ويتقدمهم بركبتيه، ويؤمي الإمام
للركوع والسجود على نهج ما سبق ويركع المأمومون ويسجدون مع أمن
المطلع.
وإذا كانوا في ظلمة يأمنون معها من نظر بعضهم إلى بعض صلوا
335

قياما كصلاة المختار، ولا يترك الاحتياط بأن يعيدوا الصلاة بعد ذلك مع الايماء.
[المسألة 162]
إذا لم يجد المكلف ساترا في صلاته واحتمل أن يجده في آخر الوقت
فالأحوط له أن يؤخر صلاته إلى آخر الوقت، وإذا قدمها في سعة الوقت
برجاء استمرار العذر أو كان يائسا من زواله ثم وجد الساتر في
الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة وإذا استمر العذر إلى آخر الوقت
أجزأته صلاته.
[المسألة 163]
إذا وجد المكلف ثوبين وعلم بأن أحدهما مغصوب والآخر مباح ولم
يعلم به على التعيين وجب عليه اجتنابهما، فإذا لم يكن عنده ساتر
سواهما صلى عاريا، وكذلك الحكم إذا علم أن أحد الثوبين حرير ولم
يعلم به على التعيين.
وإذا علم أن أحد الثوبين نجس والأخر طاهر ولم يعلم به على التعيين
وجب عليه أن يصلي في كل واحد من الثوبين على انفراده مرة، وإذا
لم يسع الوقت غير صلاة واحدة صلاها بأحد الثوبين وقضاها بعد الوقت
في الثوب الآخر أو في ثوب معلوم الطهارة، وكذلك الحكم إذا علم أن
أحد الثوبين من جلد مأكول اللحم والآخر من جلد غير المأكول.
[المسألة 164]
إذا صلى الانسان مستلقيا أو مضطجعا وكان الفراش تحته حريرا
أو من أجزاء غير المأكول صحت صلاته عليه، وكذلك إذا كان نجسا
وكانت نجاسته غير متعدية إلى بدن المصلي أو إلى ساتره وإذا كان
ملتحفا به على وجه يصدق عليه أنه صلى فيه أشكل الحكم بصحة صلاته.
[المسألة 165]
تجوز الصلاة في ما يستر ظهر القدم ولا يغطي شيئا من الساق كالجورب
المصنوع كذلك ونحوه.
336

[الفصل الثامن]
[في ما يستحب للمصلي من الثياب وما يكره]
[المسألة 166]
يستحب للمصلي أن يكون تام الستر لجميع جسده، ويتأكد الاستحباب
في ما بين السرة والركبة، وينبغي أن يلبس ثيابا متعددة، فإن كل شئ
يصلي فيه المصلي مما هو عليه يسبح معه كما في الحديث.
ويستحب للرجل أن يضع على عاتقه شيئا إذا صلى وهو مكشوف
الظهر، وأن يلبس العمامة والسراويل، وينبغي له إذا لبس العمامة
أن يكون متحنكا، ويستحب له أن يلبس في صلاته أنظف ثيابه وأجودها،
وأن يكون متطيبا، ففي الحديث ركعتان يصليهما متعطر أفضل من
سبعين ركعة يصليها غير متعطر، وينبغي أن يكون لباسه من القطن أو
الكتان، أن يكون أبيض اللون، ويستحب له في صلاته أن يلبس
خاتما من العقيق أو الفيروزج، وأن يصلي في النعل العربية، ويستحب
للمرأة أن لا تصلي وهي عطلاء من الحلي فتلبس قلادة ونحوها. ويستحب
لإمام الجماعة أن يلبس الرداء في صلاته بل لا ينبغي له ترك ذلك.
[المسألة 167]
تكره الصلاة في اللباس الأسود سواء كان قميصا أم قباءا أم سروالا،
أم غيرها من الملابس حتى القلنسوة، وتستثنى من ذلك العمامة والخف
والكساء، ومنه العباء، والظاهر عموم الكراهة للرجل، والمرأة.
وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع بالصبغ، سواء كان بلون
الحمرة أم الصفرة أم الخضرة أم غيرها من الألوان.
[المسألة 168]
يكره للرجل أن يصلي في ثوب واحد رقيق وإن كان ساترا، أو
يصلي في سروال ليس معه غيره وإن لم يكن رقيقا، وأن تصلي المرأة في
أقل من ثوبين وإن كان الثوب الواحد ساترا لجميع بدنها.
337

[المسألة 169]
يكره للمصلي أن يتزر فوق القميص، وأن يتوشح بالرداء،
والتوشح هو أن يدخل الرداء تحت يده اليمنى ثم يلقيه على منكبه
الأيسر أو بالعكس، فيكون أحد المنكبين مكشوفا، ويكره أن يشتمل
الصماء وهو أو يدخل طرفي الرداء تحت أحد إبطيه ثم يلقيهما على منكب واحد،
وتتأكد كراهة التوشح في إمام الجماعة.
[المسألة 170]
يكره للرجل أن يصلي وهو متلثم، يكره للمرأة أن تصلي وهي
متنقبة، وهذا إذا لم يمنعهما اللثام والنقاب عن القراءة والأذكار
الواجبة، وإلا كان مبطلا للصلاة، ويكره للمكلف أن يصلي وهو
مختضب قبل أن يغسل خضابه سواء كان رجلا أم امرأة، ويكره للرجل
أن يصلي وهو معقوص الشعر.
[المسألة 171]
يكره للمكلف أن يصلي وفي يده خاتم عليه صورة ذي روح، أو
يصلي في ثوب فيه تماثيل لذوات أرواح، أو يصلي ومعه دراهم عليها
صورة، ويكره له أن يصلي ومعه حديد بارز ولا بأس به إذا كان
مستورا كمفتاح أو سكين يحملهما في كيسه، أو سيف يتقلده وهو
في غمده.
[المسألة 172]
يكره للمكلف أن يصلي في ثوب أحد لا يتوقى من النجاسة أو يتهم
بغصب ونحوه.
[المسألة 173]
يكره له أن يصلي في أبوال الخيل والبغال والحمير إذا أصابت ثيابه
أو بدنه حتى يغسلها وإن كانت طاهرة على الأقوى كما تقدم بيانه،
ويكره له أن يصلي في نعل من جلد حمار مذكى، ويكره له أن يدخل
يديه تحت ثوبه وهو في الصلاة فيلصقهما ببدنه.
338

[المسألة 174]
وهنا ألبسة قد ثبت النهي عنها تحريما أو كراهة أو احتياطا على
على وجه العموم فينبغي التنزه عنها في حال الصلاة.
فمنها أن يلبس المكلف لباس الشهرة، أو يلبس الرجل ما تختص به
المرأة أو تلبس المرأة ما يختص به الرجل كما تقدم ذكره في المسألة (159).
ومنها أن يلبس ألبسة الكفار وأعداء الدين.
ومنها الثياب التي توجب التكبر والخيلاء.
ومنها أن يلبس الشيخ ملابس الشباب.
ومنها أن تلبس المرأة خلخالا له صوت.
[الفصل التاسع]
[في مكان المصلي وشرائطه]
وهي عدة أمور:
[المسألة 175]
الأول من شرائط مكان المصلي أن يكون مباحا، فتبطل صلاته إذا
كان سجوده على موضع مغصوب، بل وتبطل صلاته على الأحوط إذا كان
موضع بقية صلاته مغصوبا وإن كان سجوده على موضع مباح.
ومثال ذلك أن تكون الطبقة الأولى من المنزل ملكا له، وتكون الطبقة
الثانية منه ملكا لغيره، فإذا صلى في الطبقة الثانية بدون إذن مالكها
كانت صلاته باطلة وإن كان سجوده على السقف الذي يملكه هو، أو
يكون موقفه في موضع من الأرض يملكه غيره، فإذا صلي فيه بغير إذن
مالكه بطلت صلاته وإن كان سجوده على موضع يملكه هو.
ولا فرق بين أن يكون المكان مغصوب العين أو مغصوب المنفعة، كما
إذا استأجر الدار أو الموضع أحد، فلا تجوز الصلاة فيهما إلا بإذن
339

المستأجر ولا يكفي في الصحة الإذن من المالك، أو يكون المكان متعلقا
لحق شخص آخر، كحق الرهن على الأحوط، وحق غرماء الميت إذا مات
وعليه دين يستوعب التركة أو يزيد عليها. وحق الميت إذا أوصى
بثلث ماله ولم يخرج ثلثه ولم يعزل، وحق السبق لمن سبق إلى مكان
في مسجد أو مشهد، فلا تجوز الصلاة في المكان بغير إذن صاحب الحق.
[المسألة 176]
إذا سبق أحد إلى مكان من المسجد أو المشهد اختص به ولم يجز لغيره
على الأحوط أن يصلي فيه إلا بإذنه، وإذا قام من المكان معرضا عنه
بطل حقه، كذلك إذا قام عنه وهو متردد في العود إليه وعدمه، فلا
يجوز له منع من أخذ المكان بعده، وإذا قام من المكان ناويا العود إليه،
فإن بقي رحله فيه فلا ريب في بقاء حقه، وإن لم يبق رحله فالأحوط
مراعاة حقه.
[المسألة 177]
إذا صلى الانسان في المكان المغصوب وهو عالم بالغصبية وبحرمة
الصلاة فيه وعامد في فعله بطلت صلاة كما تقدم، سواء كان عالما
بفساد الصلاة فيه أم جاهلا بذلك، وكذلك إذا كان جاهلا بالحرمة
وكان جهله عن تقصير فتبطل صلاته فيه كالعامد.
وإذا كان جاهلا بالغصبية أو غافلا أو ناسيا لها صحت صلاته،
وكذلك إذا كان جاهلا بالحرمة وكان جهله عن قصور فيكون معذورا
وإذا نسي الغاصب غصبية المكان فصلى فيه فالظاهر صحة صلاته وإن
كان الأحوط استحبابا له إعادة الصلاة، وإذا كان ممن لا يبالي بذلك
على تقدير تذكره فالأقوى بطلان صلاته.
[المسألة 178]
تبطل الصلاة على الفراش المغصوب وإن كانت الأرض تحته مباحة،
وتبطل على الأرض المغصوبة وإن كان الفراش فوقها مباحا.
340

[المسألة 179]
إذا كان السقف مباحا والأرض التي تحته مغصوبة، فالأحوط
اجتناب الصلاة. على السقف وإذا صلى عليه فالأحوط إعادة الصلاة
بعد اتمامها.
[المسألة 180]
الظاهر صحة الصلاة تحت السقف المغصوب وتحت الخيمة المغصوبة
وفي ظل الجدار المغصوب إذا كانت الأرض التي صلى عليه مباحة، وإن
انتفع بالسقف أو الجدار في حال صلاته فوقاه من مطر أو حر أو برد
مثلا.
[المسألة 181]
تبطل الصلاة على الدابة إذا كانت مغصوبة أو كان رحلها أو سرجها
مغصوبا ولا تبطل الصلاة عليها إذا كان نعل الدابة مغصوبا.
[المسألة 182]
تبطل الصلاة في السفينة المغصوبة، ولا تبطل الصلاة فيها إذا كان
فيها لوح مغصوب أو ما أشبه ذلك، نعم تبطل إذا كانت صلاته على
نفس اللوح المغصوب.
[المسألة 183]
لا تبطل الصلاة في الأرض المباحة إذا كان في بعض طبقاتها البعيدة
عن ظاهرها تراب مغصوب.
[المسألة 184]
إذا اضطر المكلف إلى الصلاة في المكان المغصوب جازت له الصلاة فيه
ومنه المحبوس بغير حق في المكان المغصوب فتصح له الصلاة فيه.
[المسألة 185]
إذا صلى الانسان في مكان وهو يعتقد غصبيته كانت صلاته باطلة
وإن تبين له بعد ذلك أن المكان غير مغصوب، فيجب عليه أن يعيد الصلاة.
341

[المسألة 186]
لا يجوز التصرف في الأرض المغصوبة ولا تحل الصلاة فيها وإن كان
مالكها مجهولا، فيرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي، ولا تجوز الصلاة
ولا غيرها من التصرفات في الأرض أو الدار المجهولة المالك وإن لم تكن
مغصوبة إلا بإذن الحاكم الشرعي.
[المسألة 187]
إذا غصب الانسان أدوات ومواد من آجر وشبهه، وعمر بها دارا
أو عقارا، فالظاهر صحة الصلاة في الدار أو العقار إذا كانت الأرض
مباحة، إلا أن يبلط الأرض بالمواد المغصوبة أو يكون السقف منها فلا
تصح الصلاة عليهما، ويجب الرجوع في أمر الآلات والمواد المغصوبة إلى
مالكها، وإذا كان المالك مجهولا رجع فيها إلى الحاكم الشرعي.
[المسألة 188]
إذا كانت الدار أو الأرض مشتركة بين مالكين لم يجز لأحدهم التصرف
فيها ولا الصلاة فيها إلا بإذن الباقين، ولا تصح الصلاة فيها لغيرهم إلا
بإذنهم جميعا ولا يكفي الإذن من بعضهم إلا إذا علم منه برضا الجميع.
[المسألة 189]
تقدم في المسألة المائة والثامنة عشرة حكم ما إذا اشترى الثوب بمال
تعلق به الخمس أو الزكاة، ويجري نظير ذلك في الدار أو الأرض إذا
اشتراها المكلف بمثل ذلك المال فيأتي فيها التفصيل المتقدم في المسألة
وتترتب الأحكام المذكورة فيها فلتلاحظ.
[المسألة 190]
إذا مات الانسان وعليه حقوق من زكاة أو خمس أو مظالم، فإن كان
الحق متعلقا بالأعيان لم يجز للورثة أن تتصرف في الأعيان التي تعلق
بها الحق قبل أدائه أو ضمانه بمراجعة الحاكم الشرعي، فإذا كانت
الأعيان التي تعلق بها الحق دارا أو أرضا لم تصح الصلاة فيها قبل ذلك
وإن كان الحق ثابتا في ذمة الميت كان حكمه حكم سائر الديون وسيأتي
بيانه في المسألة اللاحقة.
342

[المسألة 191]
إذا مات الانسان وعليه ديون للناس تستوعب ما تركه من الأموال
أو تزيد عليها أو تنقص عنها لم يجز لورثته ولا لغيرهم التصرف في
الأموال المتروكة حتى الصلاة في الأرض والمنازل، قبل وفاء الدين أو
ضمانه، إلا إذا علم برضا الغرماء بالتصرف، والظاهر أن ما يقابل
الدين من التركة لا يزال ملكا للميت، فلا بد من إذن ولي أمر الميت
ومن رضا الغرماء.
وولي أمر الميت هو الوصي الذي عهد إليه بذلك، فإن لم يكن عهد
إلى أحد فالولي هو الحاكم الشرعي، وإذا ضمن الدين ضامن ورضي
الغرماء بضمانه صح كذلك.
وكذلك الحكم إذا كان بعض الورثة قاصرا أو غائبا، وإن لم يكن
على الميت دين، فلا يجوز التصرف في التركة إلا مع رضى الغائب
حصة القاصر أو ضمان حقهما بوجه شرعي.
[المسألة 192]
إذا أذن المالك لأحد في الصلاة في داره المغصوبة منه صحت صلاته
فيها ولم تصح للآخرين الذين لم يأذن لهم، وإذا أذن في الصلاة إذنا
مطلقا صحت الصلاة فيها لكل أحد إلا الغاصب فيشكل جواز صلاته
فيها إلا إذا أذن له بالخصوص أو علم بأن أذن المالك شامل له.
[المسألة 193]
الأذن الذي يسوغ معه الدخول في الملك والصلاة فيه ونحوها من
التصرفات، قد يكون من المالك نفسه، وقد يكون من وكيله المخول في
مثل ذلك، وقد يكون من أحد خاصته وأقربائه الذين يعلم رضى المالك
بفعلهم، فيصح الاعتماد على ذلك فإذا دخل المنزل وصلى صحت صلاته،
والأذن قد يكون بالفعل، ومثال ذلك أن يكون المالك حاضرا ملتفتا
فيأذن للرجل بدخول الدار أو الصلاة فيها، وقد يكون تقديريا، ومثاله
أن يكون المالك غائبا أو غافلا، ولكن المكلف يعلم أنه لو كان حاضرا
أو كان ملتفتا لأذن بذلك، فيصح له الدخول والصلاة.
343

والأذن الفعلي قد يكون بالقول الصريح كما إذا قال له ادخل المنزل
وصل فيه، وقد يكون بالفعل كما إذا أدخله المنزل وفرش له السجادة
أو أمر من يصنع له ذلك، وقد يكون بالفحوى، كما إذا أذن له بالجلوس
أو النوم في بيته والأكل من ماله، فيكون ذلك دالا على إباحة الصلاة
بطريق أولى، ولا بد في أذن الفحوى من القطع أو الاطمئنان بالمراد،
ولا يكتفي بالظن فإن الإذن بالجلوس في بعض المجالس لا يستلزم الإذن
بالصلاة فيها.
وقد يكون بشاهد الحال كما في المضائف والرباع المفتوحة الأبواب
فيكفي ذلك في الدلالة على الإذن، فيجوز للمكلف الدخول والصلاة فيها
وإن لم يحصل القطع بالرضا، وأما في غير ذلك كالحمامات والخانات
ونحوها فلا يجوز الوضوء من مائها والصلاة فيها إلا بإذن المالك أو
المستأجر أو وكيلهما أو يحصل العلم بالرضا.
[المسألة 194]
يجب على المكلف أن يقتصر في التصرف على ما يتناوله الإذن فإذا أذن
له المالك بدخول البيت لم تجز له الصلاة فيه، وإذا أذن له في الصلاة
لم يجز له النوم أو المكث أكثر مما يتعارف لذلك، وإذا أذن له بالدخول
في حجرة لم يجز له الدخول في حجرة أخرى إلا مع العلم بالرضا.
[المسألة 195]
تصح للانسان الصلاة في الأراضي المتسعة إذا كانت لسعتها بحيث
يتعسر على الناس اجتنابها، ويصح الوضوء من مائها، وإن لم يأذن
بذلك ملاكها أو كان فيهم الطفل أو المجنون، ولا تجوز له الصلاة فيها
إذا علم بكراهة المالك للصلاة فيها، إلا إذا لزم الحرج على المكلف
باجتنابها.
[المسألة 196]
تجوز الصلاة من غير إذن في بيت الأب وبيت الأم، وبيت الأخ وبيت
الأخت وبيت العم وبيت العمة وبيت الخال وبيت الخالة، وبيت الموكل
344

الذي فوض إليه الأمر وبيت الصديق، وهذه هي البيوت التي ذكرتها
الآية الحادية والستون من سورة النور، فأجازت للانسان أن يأكل منها
بغير إذن، فتجوز له الصلاة فيها بغير إذن كذلك ما لم يعلم بالكراهة أو
يظن ذلك ظنا اطمئنانيا أو تقوم عليه حجة شرعية كالبينة.
[المسألة 197]
لا يجوز للغاصب الدخول في المكان المغصوب كما لا يجوز له سائر
التصرفات فيه، وإذا دخله وجب عليه الخروج منه، ووجوب الخروج
عليه إنما هو من باب لزوم ارتكاب أقل المحذورين وإلا فهو عاص آثم
في خروجه منه كما هو عاص آثم في بقائه فيه.
وإذا صلى في المكان وهو في سعة الوقت وكان عالما متذكرا كانت
صلاته باطلة كما تقدم، فعليه الخروج، وإذا شرع في الصلاة ناسيا
للغصبية وتذكرها في الأثناء وجب عليه الخروج، فإن كان خروجه
يستلزم وقوع ما ينافي الصلاة منه كانت الصلاة باطلة أيضا لعدم
التمكن من اتمامها، وإذا استطاع الخروج بدون ما ينافي الصلاة ولو
بالايماء وجب عليه اتمام الصلاة ولو بالايماء وهو في حال خروجه ثم
إعادتها بعد ذلك على الأحوط.
وكذلك الحكم في غير الغاصب إذا كان عالما بالغصبية فتجري فيه
الأحكام المذكورة في المسألة، وإذا ضاق عليه الوقت وجب عليه الاتيان
بالصلاة وهو في حال الخروج ويأتي بها مع الايماء، وإذا كان الركوع
لا يوجب زيادة في المكث ركع وهو ماش، وعليه قضاؤها بعد ذلك
على الأحوط.
[المسألة 198]
إذا دخل الرجل المكان المغصوب وهو يجهل غصبيته ثم علم بها بعد
دخوله وجب عليه الخروج منه ولم يجز له الدخول في الصلاة إذا كان
في سعة الوقت حتى يخرج، وإذا لم يعلم بالغصبية حتى دخل في الصلاة
وكان في الوقت وجب عليه قطع الصلاة واستينافها بعد الخروج
345

إذا كان الخروج يستلزم ما ينافي الصلاة، وإلا أتمها في حال خروجه
ولو بالايماء ثم أعادها بعد ذلك على الأحوط.
وإذا ضاق عليه وقت الصلاة أتى بها وهو في حال الخروج، وإذا
كان في أثناء الصلاة أتمها، وهو في حال خروجه كذلك، وإذا كان
الركوع لا يوجب زيادة في المكث ركع وهو ماش وأومأ للسجود وإلا
أومأ لهما كما تقدم، ولا يجب عليه قضاء الصلاة بعد ذلك وإن كان
أحوط.
ويجب عليه في أثناء خروجه أن يسلك أقرب الطرق وأن يستلزم
الاستقبال في صلاته بقدر الامكان وكذلك الحكم إذا دخل المكان وهو
ناس للغصبية ثم تذكرها، أو اعتقد أن المالك أذن له بالدخول فدخل
ثم تبين له خلاف ذلك، أو أذن المالك له بدخول المكان فدخله ثم رجع
المالك عن إذنه فيجري فيهم التفصيل المذكور في المسألة وتترتب عليهم
أحكامه.
[المسألة 199]
المدار في الإذن على دلالته على رضا المالك بالدخول أو التصرف في
في المكان، فإذا أذن المالك بهما ودلت القرائن على عدم رضاه بذلك وأنه
إنما أذن خوفا أو حياءا أو لغيرهما من الدواعي لم يصح الاعتماد عليه.
[المسألة 200]
الثاني من شرائط مكان المصلي أن يكون قارا، فلا تصح الصلاة
اختيارا في المكان الذي لا استقرار فيه للمصلي، كالسيارة والسفينة
السائرتين والأرجوحة المتحركة وعلى ظهر الدابة السائرة وسائر أدوات
النقل في حال مسيرها، وتصح مع الاضطرار إلى ذلك، وإذا اضطر إلى
الصلاة فيه وجب عليه مراعاة الاستقرار والاستقبال بحسب المستطاع،
فيدور وجهه وبدنه إلى القبلة إذا استدارت السفينة أو واسطة النقل
التي هو فيها، ويمسك عن القراءة والذكر حال حركته واستدارته إلى
القبلة، ويقرأ ويذكر حال استقراره ويمسك حال الاضطراب إذا لم
يحصل به فصل طويل يمحو صورة الصلاة، وإذا أمكنه التشاغل بالذكر
346

ما دام الاضطراب، حتى لا تمحى صورة الصلاة بالسكوت الطويل لزمه
ذلك، فإذا استقر عاد إلى قراءته أو ذكره مع المحافظة على الترتيب
والموالاة في القراءة، وإن لم يمكنه ذلك استمر في قراءته أو ذكره وإن
لم يستقر.
[المسألة 201]
تجوز الصلاة اختيارا في السفينة حال وقوفها، بل حتى في وقت
مسيرها إذا أمكنت له المحافظة على الشرائط الواجبة في الصلاة من
استقرار واستقبال وغيرهما، وتجوز الصلاة على الدابة أيضا إذا أمكن
فيها ذلك.
[المسألة 202]
لا تصح الصلاة على الشئ الذي لا يمكن الاستقرار عليه مثل كثيب
الرمل الناعم وصبرة الطعام وبيدر التبن وكدس القطن المندوف
وأمثال ذلك.
[المسألة 203]
الثالث من شرائط مكان المصلي أن لا يتقدم على قبر المعصوم على
الأحوط إذا لم يكن بين المصلي وبين القبر الشريف حائل يكون رافعا
لسوء الأدب، والظاهر جواز الصلاة مع المساواة للقبر ولا يكفي في
الحائل القفص والصندوق والثياب التي تكون حول القبر الشريف.
[المسألة 204]
يكره تقدم المرأة على الرجل ومحاذاتها له إذا صليا في مكان واحد،
سواء سبق أحدهما صاحبه في دخوله في الصلاة أم اقترنا، ولا تختص
الكراهة بأحدهما ولا بمن شرع في الصلاة لاحقا، ولا كراهة مع وجود
حائل بينهما أو بعد أحدهما عن الآخر بعشرة أذرع. وتخف الكراهة
بأن يتقدم الرجل على المرأة بصدره، وتكون أخف من ذلك إذا كان
سجود المرأة مع ركوعه، وتزول الكراهة إذا كان سجودها وراء موقفه،
والأحوط في الحائل بينهما أن يكون مانعا عن المشاهدة، ويكفي الحائط
وإن كان قصير أو كثير النوافذ.
347

[المسألة 205]
لا فرق في الحكم المذكور بين أن تكون المرأة أجنبية عن الرجل أو من
محارمه أو زوجته أو أمته، ولا فرق بين أن تكون صلاتهما فريضة أو
نافلة أو مختلفة. ويختص الحكم بالصلاتين الصحيحتين، فلا كراهة على من كانت
صلاته صحيحة منهما أن يتقدم أو يتأخر على الثاني أو يحاذيه في المكان
إذا كانت صلاته فاسدة
[المسألة 206]
لا كراهة على الرجل أن يصلي وأمامه أو إلى جانبه امرأة غير مشغولة
بالصلاة، ولا كراهة على المرأة أن تصلي وخلفها أو إلى جنبها رجل غير
مشغول بالصلاة وإن كان الجالس مشغولا بعبادة أخرى.
[المسألة 207]
تجوز الصلاة الفريضة في جوف الكعبة، وتجوز كذلك فوق سطحها،
وإذا صلى المكلف على سطحها وجب عليه أن يصلي قائما وأن يجعل أمامه
في جميع حالات صلاته شيئا من فضاء البيت الشريف يستقبله.
[المسألة 208]
تصح الصلاة في المكان النجس إذا كانت نجاسته جافة لا تتعدى إلى
ثياب المصلي أو بدنه نعم تشترط طهارة موضع الجبهة، فلا يصح
السجود على الموضع النجس وإن كانت نجاسته غير متعدية وسيأتي
بيانه في الفصل الآتي.
[المسألة 209]
إذا صلى الانسان في المكان النجس أو المتنجس وتعدت نجاسته إلى بدن
المصلي أو إلى ثيابه بطلت صلاته إذا كانت النجاسة المتعدية مما لا يعفى
عنها في الصلاة، ولا تبطل إذا كانت النجاسة مما يعفى عنها، ومثال
ذلك أن يكون المكان متنجسا بالدم، ويتعدى منه إلى ثياب المصلي أو إلى
بدنه ما لا يبلغ سعة الدرهم.
348

[المسألة 210]
لا تجوز الصلاة اختيارا في مكان لا يستطيع المكلف فيه أن يأتي بأفعال
الصلاة على الوجه الصحيح، ومثال ذلك أن يكون المكان هابط السقف
فلا يستطيع المصلي أن ينتصب في القيام أو يكون ضيقا فلا يقدر فيه
على أن يركع أو يسجد على الوجه الواجب، فلا يصح له ذلك إذا كان
قادرا على أن يأتي بها على النحو المطلوب، وإذا اضطر إلى الصلاة في
ذلك المكان جاز له ذلك ووجب عليه أن يحافظ على الواجبات بقدر
الامكان.
[المسألة 211]
إذا كان الموضع يعرض الانسان لقطع الصلاة وعدم التمكن من
اتمامها كالموضع الذي يشتد فيه الزحام والمكان الذي يشتد فيه المطر
أو الريح فيعترض المكلف من أجل ذلك لابطال الصلاة وعدم التمكن
من اتمامها، فالظاهر أنه لا مانع من الصلاة في ذلك المكان برجاء الاتمام
فإذا أتمها كذلك كانت صحيحة، نعم الأحوط له أن لا يصلي فيه إذا
كان مطمئنا بعدم التمكن من الاتمام.
[الفصل العاشر]
[في موضع الجبهة في السجود]
[المسألة 212]
يشترط في صحة الصلاة طهارة موضع الجبهة في السجود من النجاسة
ومن أي شئ حكم الشارع بنجاسته، كالمتنجس، أو بأن له حكم النجاسة،
كالرطوبة التي تخرج بعد البول أو بعد المني وقبل الاستبراء منهما،
وكأحد أطراف الشبهة المحصورة وقد تقدم ذلك في أول فصل أحكام
النجاسة، وتقدم في المسألة المائة والسابعة والخمسين هناك بعض
التفصيلات الأخرى عن ذلك فلتراجع المسألتان.
[المسألة 213]
يشترط في موضع الجبهة أن يكون من الأرض أو من نباتها غير
349

المأكول ولا الملبوس للانسان عادة، فيجوز السجود على التراب والرمل
والحصى والمدر والحجر وعلى الصخور وإن كانت صلبة ملساء أو مرتفعة
القيمة كالمرمر وحجر الرحى وغيرهما إذا صدق عليها اسم الأرض،
ويجوز على حجر الجص والنورة قبل احراقهما وعلى الطين الأرمني
وطين الرأس، ولا يجوز السجود على الذهب والفضة والعقيق والفيروزج،
والقير والزفت والحديد وسائر المعادن ولا على البلور والزجاج وكل
ما خرج عن اسم الأرض، ولا يجوز على الأحوط على حجر الجص والنورة
بعد الاحراق ولا على الخزف والآجر كذلك.
[المسألة 214]
لا يجوز السجود على ما يأكله الانسان عادة من نبات الأرض كالحنطة
والأرز وسائر الحبوب والبقول والفواكه والثمار المأكولة وإن لم يصل
زمان أكلها أو احتاجت في أكلها إلى طبخ أو طحن وخبز أو عمل آخر
ولا يجوز السجود على الجوز واللوز وأشباههما وإن كان اللب المأكول
منها مستورا بالقشور.
ويجوز السجود على ورق الشجر وعلى خشبه ولحاه، وعلى سعف
النخيل وجذعه وعلى قشور الفواكه والثمار بعد الانفصال إذا كانت
القشور مما لا تؤكل عادة، ويجوز السجود على قشور الأرز ونخالة
الحنطة والشعير، وعلى الحنظل والخرنوب وأمثالهما من الثمار التي
لا تؤكل، وعلى الأزهار والأوراد غير المأكولة، وعلى نوى
التمر ونوى الفواكه والبذور غير المأكولة أو الداخلة في ضمن العقاقير.
[المسألة 215]
لا يجوز السجود على ورق العنب قبل يبسه، ويشكل جواز السجود
عليه بعد يبسه.
[المسألة 216]
يجوز السجود على النبات الذي يأكله الحيوان كالحشائش والتبن
والقصيل وألقت وأنواع المعلوفات، ولا يترك الاحتياط باجتناب السجود
350

على عقاقير الأدوية كعنب الثعلب ولسان الثور والترياك وغيرها،
واجتناب السجود على ورق الشاي والقهوة ويجوز على التتن.
[المسألة 217]
إذا كان النبات مما يؤكل عادة في بعض البلاد دون بعض فالمدار
على الغلبة في نوع البلاد فإن كان الغالب فيها أكله وجب اجتناب السجود
عليه وإن كان الغالب فيها ترك أكله جاز السجود عليه وإن لم تحصل
الغلبة لأحدهم أو لم تعلم فالأحوط الاجتناب.
[المسألة 218]
لا يجوز السجود على النباتات التي تنبت على وجه الماء ولا على الرماد
والفحم مما خرج عن اسم النبات بعد احتراقه.
[المسألة 219]
يجوز السجود على النباتات التي تؤكل عند الضرورة والمخمصة أو
عند بعض الناس.
[المسألة 220]
لا يجوز السجود على ما يلبسه الانسان عادة من نبات الأرض كالقطن
والكتان والقنب، وإن احتاجت إلى غزل ونسج، بل وإن لم تبلغ أوان
ذلك على الأحوط إن لم يكن أقوى، ويجوز السجود على خشبها وورقها
وعلى قشور القطن بعد انفصاله.
[المسألة 221]
يجوز السجود على الخوص والليف وإن لبسا في بعض أوقات الضرورة
أو عند بعض الناس.
[المسألة 222]
يجوز السجود على الخشب وإن اتخذ منه القبقاب ونحوه مما قد
يلبس كالحذاء أو صنع منه غمد السيف والخنجر، فإنها لا تعد من
351

الملابس المتعارفة، بل يجوز السجود على نفس القبقاب والغمد إذا
كان من الخشب.
[المسألة 223]
يجوز السجود على القرطاس إذا علم أنه متخذ من غير المأكول ولا
الملبوس، وإذا علم أنه متخذ من أحدهما أو شك في ذلك فالأحوط
اجتناب السجود عليه.
[المسألة 224]
إذا منعته التقية من أن يسجد على ما يصح السجود عليه، جاز له أن
يسجد على أي شئ تتأدى به التقية، فيصح له السجود على الصوف
والوبر والثياب وغيرها مما لا يصح السجود عليه، ولا تجب عليه
إعادة صلاته وإن أمكن له أن يعيدها في الوقت تامة الشرائط.
[المسألة 225]
إذا لم يجد المصلي ما يصح السجود عليه، أو لم يستطع السجود عليه
لحر الرمضاء أو تراكم الثلج ونحو ذلك، سجد على ثوبه القطن أو
الكتان أو على القير أو القفر مخيرا بينها، ولا يتعدى إلى سائر المعادن،
فإن لم يكن لدية شئ منها سجد على ظهر كفه.
[المسألة 226]
إذا دخل المكلف في الصلاة وفقد في أثنائها ما يصح السجود عليه فإن
استطاع أن يحصل ما يسجد عليه وهو في صلاته ولو بالإشارة المفهمة
لغيره أو الحركة غير المنافية للصلاة لزمه ذلك وأتم صلاته، وإن لم
يمكنه ذلك، فإن كان الوقت واسعا وكان من الممكن له تحصيل ما يسجد
عليه إذا هو قطع صلاته، وجب عليه قطع الصلاة واستينافها بعد
تحصيل ما يسجد عليه وإن كان غير متمكن من تحصيل ذلك في جميع
الوقت أو كان الوقت ضيقا وجب عليه أن يتم الصلاة ويسجد على ثوبه
القطن أو الكتان أو على القير أو القفر كما تقدم في المسألة السابقة فإن
لم يجد شيئا من ذلك سجد على ظهر كفه.
352

[المسألة 227]
إذا اعتقد في شئ أنه مما يصح السجود عليه فسجد عليه في صلاته
ثم علم بخلاف ذلك فإن كان علمه بالخلاف بعد رفع رأسه من السجود،
مضى في صلاته، ووجب عليه اجتناب ذلك الشئ في بقية سجداته،
وإن علم بالخلاف قبل أن يرفع رأسه من السجود، ترك الذكر وجر
جبهته إلى ما يصح السجود عليه إذا أمكن له ذلك، ثم أتى بالذكر وأتم
الصلاة، وإن لم يمكن جرى فيه التفصيل المذكور في المسألة المتقدمة،
فإن كان في سعة الوقت وأمكن له تحصيل ما يسجد عليه في الوقت، قطع
صلاته واستأنفها على ما يصح السجود عليه، وإذا كان الوقت واسعا
ولكنه لا يتمكن من تحصيل ما يسجد عليه في جميع الوقت أو كان الوقت
ضيقا، سجد على ثوبه من القطن أو الكتان أعلى القير أو القفر، فإن
لم يجد ذلك سجد على ظهر كفه.
[المسألة 228]
يشترط في موضع الجبهة أن يكون مما يمكن تمكين الجبهة عليه،
فلا يصح السجود على الوحل أو الرمل الناعم أو التراب الذي لا تتمكن
الجبهة عليه عند السجود، ولا على الطين إذا كان كذلك، وإذا كان
الطين مما يمكن تمكين الجبهة عليه صح السجود عليه، فإذا لصق
بالجبهة شئ منه وجبت إزالته للسجدة الثانية، وكذلك إذا مكن جبهته
على التراب وعلق بالجبهة منه ما يعد حائلا فتجب إزالته للسجود اللاحق.
[المسألة 229]
إذا لم يجد لسجوده إلا الشئ الذي لا يمكن الاعتماد عليه كالوحل
والطين والرمل والتراب الناعمين سجد عليه بأن يضع جبهته ولا يمكنها.
[المسألة 230]
إذا كان المكلف في أرض غمر وجهها الطين لمطر أو غيره، ولم يجد
مكانا جافا للصلاة فيه، فإذا جلس أو سجد عليها تلطخت ثيابه وبدنه
بطينها، صلى قائما وركع ثم أومأ للسجود ايماءا ولم يجلس، وتشهد
وسلم وهو قائم.
353

والأحوط الاقتصار في ذلك على صورة لزوم الحرج أو الضرر من
الجلوس على الطين، فإذا لم يكن حرجيا ولا موجبا للضرر سجد على
الأرض وجلس للتشهد.
وإذا جلس في صلاته وسجد على الطين، وكان الجلوس والسجود عليه
يوجبان الحرج أو الضرر الذي لا يحرم تحمله كانت صلاته صحيحة ولم
تجب عليه إعادتها، وإذا كانا يوجبان الضرر الذي يحرم تحمله ويجب
دفعه كانت صلاته باطلة فتجب عليه إعادتها.
[المسألة 231]
أفضل ما يسجد عليه المكلف هو التربة الحسينية، ففي الحديث عن
الإمام الصادق (ع): إن السجود على تربة أبي عبد الله (ع) يخرق الحجب
السبع، وعنه (ع) السجود على طين قبر الحسين (ع) ينور إلى الأرضين
السبعة.
والسجود على الأرض أفضل من السجود على النبات، ولعل السجود
على تراب الأرض أفضل من السجود على الحجر.
[المسألة 232]
إذا وضعت التربة الحسينية في مسجد أو مشهد أو في محل معد للصلاة
فيه اختصت به فلا يجوز لأحد اخراجها منه إلى مكان آخر وإن كان
مساويا له أو أفضل منه، إلا إذا علم بأنها قد وضعت لمطلق الانتفاع،
وإذا أخرجها أحد من موضعها كانت بحكم المغصوب، فلا تصح الصلاة
عليها لمن يعلم بأمرها ويجب ردها إلى موضعها.
[الفصل الحادي عشر]
[في ما يستحب وما يكره من الأمكنة]
[المسألة 233]
لا يضر بصلاة الانسان أن يمر بين يديه وهو يصلي حيوان أو انسان،
ولا ينقص من فضلها شئ، ولكن يستحب لمن أراد الصلاة في موضع
354

يكون فيه معرضا للمرور بين يديه أن يجعل بين يديه سترة يتقي بها،
ويكفي أن تكون السترة عصى أو سهما أو رمحا أو حجرا أو كومة تراب
أو أي شئ آخر، أو يخط في الأرض بين يديه خطا.
[المسألة 234]
تستحب الصلاة في المسجد وقد ورد الحث في ذلك عن أئمة الهدى (ع)،
واستفاضت أحاديثهم في بيان فضلها، وقد ورد عنهم (ع): إن الصلاة
في المسجد الجامع في البلد تعدل ثواب مائة صلاة في غير المسجد، وإن
الصلاة في مسجد القبيلة تعدل ثواب خمس وعشرين صلاة، وإن الصلاة،
في مسجد السوق تعدل ثواب اثنتي عشرة صلاة.
[المسألة 235]
يستحب للانسان أن يتخذ في بيته مسجدا يعده للصلاة فيه، فيصلي
فيه نوافله وفرائضه حين يعرض له ما يمنعه من الخروج إلى المساجد،
ولا تلحق هذا المصلى أحكام المسجد الخاصة ولا يسقط معه استحباب
الخروج إلى المساجد في الصلاة، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنه
قال لحريز بن عبد الله: اتخذ مسجدا في بيتك فإذا خفت شيئا فالبس
ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك فصل فيهما ثم اجث على ركبتيك
فاصرخ إلى الله وسله الجنة وتعوذ بالله من شر الذي تخافه، وإياك أن
يسمع الله منك كلمة بغي وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك.
ومن خواص هذا المصلى أنه يستحب نقل المحتضر إليه إذا اشتد به
النزع فإنه يوجب التخفيف عنه.
[المسألة 236]
أفضل المساجد هو المسجد الحرام، ثم مسجد الرسول (ص) وقد
ورد في الحديث عن الإمام أبي جعفر (ع): من صلى في المسجد الحرام
صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة،
وكل صلاة يصليها إلى أن يموت، وورد أن الصلاة فيه تعدل مائة ألف
صلاة، وعن الإمام الباقر (ع) صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة
355

ألف صلاة في غيره من المساجد، وورد أن الصلاة في مسجد الرسول (ص)
تعدل عشرة آلاف صلاة في ما سواه من المساجد وأن الصلاة في المسجد
الحرام تعدل ألف صلاة في مسجد الرسول (ص)، وورد غير ذلك، وهذا
الاختلاف منزل على اختلاف المصلين في مراتب اخلاصهم، فكلما كان
العبد أكثر اخلاصا كان عمله أفضل وكان لطف الله به أكبر.
ثم مسجد الكوفة والمسجد الأقصى، والصلاة في كل واحد منهما تعدل ثواب
ألف صلاة.
[المسألة 237]
تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة المعصومين (ع) وخصوصا في مشهد
علي وحائر الحسين (ع)، وقد نقل عنهم (ع): إن الصلاة عند علي
(ع) بمائتي ألف صلاة، وفي حديث زيارة الحسين (ع): من صلى خلفه
صلاة واحدة يريد بها الله لقي الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور
ما يغشى له كل شئ يراه.
[المسألة 238]
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في
مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وعلى هذا فتكون صلاتها في البيت
أفضل من أي مسجد تريد الخروج إلى الصلاة فيه وإن كان هو المسجد
الحرام أو أحد المساجد المعظمة الأخرى، أو أحد مشاهد المعصومين
والمراد من بيتها هو البيت الذي تأوي إليه وإن كانت مسافرة.
[المسألة 239]
يستحب للانسان أن يفرق صلاته في أمكنة متعددة سواء كانت صلاته
في مسجد أم في غيره فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة كما
في الحديث
[المسألة 240]
يكره لمن كان في جوار المسجد أن يصلي في غير المسجد فإذا صلى
في غيره من غير علة كانت صلاته ناقصة الفضل غير كاملة، لا بالإضافة
356

إلى الصلاة في المسجد، بل بالإضافة إلى الصلاة في غير المسجد لغير جاره.
والظاهر أن الحكم لا يشمل من ترك الصلاة في المسجد ليصلي في
مسجد آخر، وخصوصا إذا كانت الصلاة في المسجد الآخر أفضل أو كان
يشتمل على خصوصية أخرى كصلاة الجماعة ونحوها.
[المسألة 241]
يكره هجر المسجد وتعطيله من الصلاة، ففي الحديث عن أبي عبد الله
(ع) ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله
وعالم بين جهال ومصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.
[المسألة 242]
يستحب السعي إلى المساجد وكثرة التردد إليها، فعن النبي (ص)
من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى
منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، وعن
الإمام أبي عبد الله (ع) من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا
يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة،
[المسألة 243]
تكره الصلاة في الحمام حتى المسلخ منه، وتخف الكراهة إذا كان
نظيفا، لا كراهة في الصلاة على سطحه.
[المسألة 244]
تكره الصلاة في المزبلة، وفي بيت الغائط، وعلى السطح الذي يتخذ
مبالا، وفي المجزرة، وهي المكان الذي يتخذ لذبح الحيوانات أو نحوها.
[المسألة 245]
تكره الصلاة في معاطن الإبل وهي مباركها، وفي مرابض البقر،
وتخف الكراهة إذا كنست ورشت قبل الصلاة فيها، وينبغي انتظار
يبس الموضع، ويكره في مرابط الخيل والبغال والحمير.
357

[المسألة 246]
تكره الصلاة في بيت فيه خمر أو مسكر وإن لم يكن البيت معدا
لذلك، أو كان المسكر محصورا في آنية ونحوها.
[المسألة 247]
تكره الصلاة في بيت المجوسي وإن لم يكن ملكا له ولم يكن حاضرا
وقت الصلاة وإذا رش بالماء وجف زالت الكراهة عن الصلاة فيه، وتكره
الصلاة في بيت فيه مجوسي حاضر وإن لم يكن البيت ملكا له.
[المسألة 248]
تكره الصلاة في قرى النمل والمواضع التي تسكنها وإن لم يكن فيها
نمل ظاهر حال الصلاة، وتكره في مجاري الماء وإن لم يجر فيها بالفعل،
ولا تكره الصلاة على سقف أو بناء يجري تحته نهر أو عين أو ساقية.
[المسألة 249]
تكره الصلاة على الأرض السبخة وهي التي يعلو وجه الأرض
ما يشبه الملح، وإنما تكون الصلاة مكروهة عليها إذا كان السبخ الموجود
على وجهها لا يمنع من تمكين الجبهة على الأرض بالمقدار الواجب في
السجود، وإذا كان مانعا من ذلك كانت الصلاة باطلة كما تقدم نظائره
في المسألة المائتين والثامنة والعشرين، وإذا كان السبخ لا يمنع من ذلك
ولكنه يمنع من قرار الجبهة في السجود على الوجه الكامل كانت الصلاة
مكروهة، فإذا سوى المصلي الأرض بيده أو بجبهته حتى استقرت على
الأرض زالت الكراهة.
[المسألة 250]
تكره الصلاة على الثلج والجمد، وهذا إذا لم يكن مانعا من صدق
السجود على الأرض، فإذا كثر الثلج وتراكم حتى أصبح السجود عليه
لا يعد سجودا على الأرض في نظر أهل العرف كانت الصلاة باطلة، وإذا
لم يجد المصلي شيئا مما يصح السجود عليه وجب أن يسجد على ثوبه
358

القطن أو الكتان أو على القير أو القفر، فإن لم يجد ذلك سجد على ظهر
كفه كما ذكرنا في المسألة المائتين والخامسة والعشرين.
[المسألة 251]
تكره الصلاة في الطرق والجواد سواء كانت في البلاد أم في خارجها،
وسواء كانت مشغولة بالمارة حين صلاة الانسان فيها أم لا، وإذا أضرت
الصلاة بالمارة حرمت بل الأحوط إعادتها.
[المسألة 252]
تكره الصلاة وفي قبلة المصلي نار مضرمة أو سراج موقد، ولا كراهة
في أن تكون أمامه مصابيح كهربائية.
وتكره صلاته وأمامه تمثال لذي روح سواء كان التمثال مجسما
أم منقوشا، وتزول الكراهة إذا سترت الصورة بثوب ونحوه، ولا كراهة
إذا كانت الصورة على يمين المصلي أو عن شماله أو من خلفه أو تحت
قدمه. وتكره الصلاة وبين يديه مصحف مفتوح أو
كتاب مفتوح أو نقش ينظر فيه.
[المسألة 253]
تكره الصلاة وأمام المصلي عذرة، أو يكون في قبلته حائط ينز من
كنيف أو من بالوعة يبال فيها، وتزول الكراهة بستر موضع النز.
[المسألة 254]
تكره الصلاة في المقبرة وإن لم يصل على شئ من القبور ولم يكن
أمامه شئ منها، وتكره الصلاة على قبر من غير فرق بين أن يأتي المصلي
بجميع أفعال صلاته على القبر أو ببعضها، كما إذا سجد أو قام في
صلاته على القبر، ولا تشمل ما إذا كان الميت مدفونا في أرض الحجرة
وصلى الانسان على سطحها، وتكره الصلاة وأمام المصلي قبر وترتفع
الكراهة بوجود حائل بين المصلي والقبر كجدار ونحوه، والمدار في
الحائل أن لا يعد المصلي معه مستقبلا للقبر.
359

وتكره الصلاة بين قبرين أو أكثر، وترتفع الكراهة بوجود حائل
بين القبرين، فإذا كان القبران عن يمين المصلي ويساره كفى في رفع
الكراهة أن يجعل حائل بينه وبين أحد القبرين، وإذا كان أحد القبرين
أمامه والآخر خلفه، وضع الحائل أمامه فيكون رافعا لكراهة الصلاة
بين القبرين ولكراهة الصلاة خلف القبر. وإذا كانت القبور التي
يصلي بينها أربعة كفى حائلان يضع أحدهما بين اليمين واليسار
والثاني من أمام كما تقدم.
وترتفع الكراهة أيضا في الصلاة بين القبرين أو أكثر ببعد عشرة أذرع
عن كل قبر منها، فإذا كانا عن يمينه ويساره احتاج إلى بعد عشرة
أذرع من اليمين وعشرة أذرع من اليسار، وكذلك إذا كانا من الإمام
والخلف، وإذا كانت القبور من الجهات الأربع احتاج إلى بعد عشرة
أذرع من كل جهة.
[المسألة 255]
ينبغي التنزه عن بيت فيه كلب غير كلب الصيد أن يصلي فيه، وعن
بيت فيه جنب وأن يصلي وأمامه سيف أو سلاح من حديد، أو يصلي
على بيدر من حنطة أو شعير.
[الفصل الثاني عشر]
[في بعض أحكام المسجد]
[المسألة 256]
يستحب بناء المسجد وقد استفاضت الأحاديث عن المعصومين (ع)
في بيان فضل ذلك والحث عليه، وقد تكرر عنهم (ع) إن من بنى مسجدا
بنى الله له بيتا في الجنة.
[المسألة 257]
يكفي في تحقق المسجدية أن يبني الموضع بقصد كونه مسجدا ثم
يصلي فيه شخص واحد بإذن الباني وبقصد التسلم والقبض، فإذا تم
360

ذلك تحققت وقفيته وجرت له أحكام المسجد وإن كان الأحوط اجراء
صيغة الوقف فيقول مالك الموضع أو وكيله وقفته مسجدا قربة إلى الله تعالى.
[المسألة 258]
يجوز لباني المسجد أو واقفه أن يعمم المسجدية على جميع الموضع
أو يخصصها ببعض أجزائه كما يشاء فله أن يجعل الأرض والبناء
والسطح مسجدا، وله أن يجعل الأرض وحدها مسجدا دون البناء
أو يجعل الأرض والبناء مسجدا دون السطح، أو يجعل السطح مسجدا
دون الأرض والبناء، أو يجعل بعض الغرف دون بعض، وله أن يبني
الموضع طبقتين مثلا ويجعل الجميع مسجدا أو يجعل بعضه دون بعض
حسب ما يعين في جعله وقصده، فإذا جعل ذلك وتم الوقف لم يجز التبديل
والاستثناء بعد ذلك.
[المسألة 259]
يشكل أن يجعل الموضع مسجدا خاصا بطائفة من المسلمين دون
طائفة، بل يمنع ذلك، نعم يصح أن يقف الموضع مصلى لطائفة منهم،
فيختص بتلك الطائفة ولا تجري عليه أحكام المسجد.
[المسألة 260]
يجوز نقض بناء المسجد إذا أشرف على الانهدام وتجديد بنائه،
ويجوز نقض بنائه لتوسعته مع حاجة المصلين إلى ذلك وإن لم يكن خرابا
ولم يشرف على الانهدام، بل يجوز ذلك إذا اقتضته مصلحة معلومة
الأهمية أو دفع مفسدة معلومة الأهمية كذلك ويجوز فتح أبواب ومنافذ
جديدة للمسجد وايصاد أخرى إذا اقتضت المصلحة ذلك.
[المسألة 261]
تحرم زخرفة المسجد على الأحوط وهي تزيينه بالذهب، ويحرم
على الأحوط نقشه بصور ذوات الأرواح، ولا يحرم تزيينه بكتابة
الآيات والأحاديث على جدرانه.
361

[المسألة 262]
لا يخرج الموضع عن المسجدية وإن خربت عمارته وذهبت عنه آثار
المسجدية، ولا تسقط عنه أحكامها، فلا يجوز تنجيسه ويحرم هتكه،
ولا يجوز بيعه ولا ادخاله في الملك أو في الطريق بعوض أو بدون عوض،
ولا يجوز بيع آلاته وأجزائه كأخشابه وحجارته وحديده بل يجب صرف
أعيانها في تعميره إن أمكن، فإن لم يمكن ذلك لكون المسجد غير قابل
للتعمير، أو لكونه معمورا ومستغنيا عنها، وجب صرف أعيانها في
تعمير مسجد آخر، وإن لم يمكن ذلك جاز بيعها وصرف قيمتها في تعمير
المسجد نفسه، فإن لم يمكن ذلك صرفت القيمة في تعمير مسجد آخر.
[المسألة 263]
يحرم تنجيس المسجد وتنجيس شئ من أجزائه أو أدواته، ويجب
تطهيره من النجاسة إذا تنجس بفعله أو بفعل غيره، وقد فصلنا أحكام
ذلك وفروضه في المسألة المائة والخامسة والسبعين من كتاب الطهارة
والمسائل التي بعدها، فلتراجع.
[المسألة 264]
لا يجوز تمكين اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفار من دخول
المساجد وإن لم يتلوث المسجد بنجاستهم.
[المسألة 265]
يجوز أن يجعل موضع الكنيف مسجدا بعد أن تطم نجاسته ورطوباته
بتراب طاهر، وكذلك الأمكنة الأخرى التي تكون فيها النجاسات،
والأحوط استحبابا أن تزال أعيان النجاسة عن الموضع أولا قبل أن
يطم بالتراب، وإذا كان في الموضع ماء نجس تسري نجاسته إلى التراب
الطاهر الذي يوضع عليه فلا بد من نزح الماء أولا أو تجفيفه قبل طعمه
بالتراب.
[المسألة 266]
يحرم اخراج الحصى من المسجد إذا كان من أجزاء المسجد أو من
362

الموقوفات عليه وإذا أخرجه وجب رده إليه مع الامكان، ويجوز اخراجه
إذا كان من القمامة والأوساخ التي تكون فيه، كما إذا كانت الأرض
مفروشة بالكاشاني أو الحجر ووقع فيه بعض الحصى ولا بأس باخراج
التراب الزائد مما يعد من القمامة والكناسة وإن كانت أرض المسجد
من التراب.
[المسألة 267]
يحرم دفن الميت في أرض المسجد وإن علم بأنه لا يلوث أرض المسجد
إذا دفن فيها.
[المسألة 268]
يستحب أن تجعل مواضع التطهير على أبواب المساجد سواء كانت
للتطهير من الحدث أم كانت لقذف النجاسة وللتطهير منها، وإذا كانت
من الثاني فيجب التوقي عن سراية النجاسة إلى جدران المسجد وأرضه.
[المسألة 269]
يستحب كنس المسجد واخراج القمامة منه ويتأكد ذلك في يوم
الخميس وليلة الجمعة، ويستحب الاسراج فيه ليلا، من غير فرق بين
أوقات الصلاة وغيرها ووجود المصلين وعدمهم وحاجة المسجد إلى الإنارة
وعدمها فإن ذلك من تعظيم شعائر الله.
[المسألة 270]
يستحب السبق إلى دخول المسجد وإطالة المكث فيه، ففي الحديث:
أحب البقاع إلى الله عز وحل المساجد، وأحب أهلها إلى الله أولهم دخولا
وأخرهم خروجا منها، ويستحب التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند
التوجه إلى المسجد.
[المسألة 271]
يستحب للانسان أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله المسجد، وأن
يقدم رجله اليسرى عند خروجه منه وأن يصلي على النبي (ص) عند
دخوله، ويقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك،
363

وأن يصلي على النبي (ص) عند خروجه ويقول: اللهم اغفر لي ذنوبي
وافتح لي أبواب فضلك، وأن يتعاهد نعليه قبل دخوله المسجد حذرا
من وجود النجاسة فيهما
[المسألة 272]
يستحب لمن دخل المسجد أن يكون على طهارة وأن يستقبل القبلة
بعد دخوله وأن يبسمل ويحمد الله ويصلي على النبي (ص) ويدعو بما
أحب، وأن يصلي صلاة التحية وهي ركعتان وتتأدى الوظيفة بأن يصلي
صلاة أخرى واجبة أو مندوبة، أدائية أو قضائية.
[المسألة 273]
يكره أن ترفع المنارة أكثر من سطح المسجد، وأن تجعل للمساجد
شرافات ومحاريب والظاهر أن المحاريب التي يكره اتخاذها في المساجد
هي المقاصير التي أحدثها أئمة الجور.
[المسألة 274]
يكره الاستطراق في المساجد، إلا أن يصلي المستطرق فيها ركعتين،
ويكره التنخم والتنخع والبصاق في المسجد، والنوم فيه إلا عند الضرورة،
ويكره الحذف بالحصى، والسؤال عن الضالة وقراءة الشعر إلا إذا كان
في دعاء أو موعظة أو حكمة أو رثاء للمعصومين (ع).
[المسألة 275]
كره رفع الصوت في المساجد إلا في الأذان والصلاة وخطبة الجمعة
وأمثال ذلك من العبادات التي جرت سيرة المتشرعة على الاتيان بها في
المساجد كقراءة القرآن ومراثي أهل البيت (ع) والمواعظ والتدريس.
[المسألة 276]
يكره فيها البيع والشراء وغيرهما من المعاوضات، وعمل الصنائع
والتكلم في أمور الدنيا، ويكره تمكين الصبيان والمجانين من دخولها،
وسل السيف فيها وتعليقه في القبلة وإن لم يكن مسلولا.
364

[المسألة 277]
يكره لمن أكل الثوم أو البصل أو غيرهما مما تكون له رائحة مؤذية
أن يدخل المسجد ما دامت الرائحة موجودة، ويكره أن تكشف فيه العورة
أو السرة أو الفخذ أو الركبة وإن لم يوجد فيها ناظر أو أمن من
اطلاعه.
[المسألة 278]
تقدم في المسألة المائتين والثامنة والثلاثين إن صلاة المرأة في بيتها
أفضل من صلاتها في المسجد الذي تريد الخروج إليه.
[المسألة 279]
المذكور في الأدلة إن الاعلان في الفرائض أفضل من السر فيها، وإن
الاسرار في النوافل أفضل من العلن فيها، وليس معنى ذلك أن صلاة
النوافل في المنازل أفضل من صلاتها في المساجد، فقد يكون السر في
المساجد وقد تكون العلانية في المنزل.
فإذا صلى الانسان الفريضة في المسجد علانية نال كلتا الخصوصيتين
من الفضل في الفريضة، وإذا صلاها في المسجد سرا أو صلاها في المنزل
علانية نال إحدى الخصوصيتين من الفضل، وفاتته الأخرى.
وكذلك إذا صلى النافلة في المسجد سرا نال كلتا الخصوصيتين من
الفضل في نافلته، وإذا صلاها في المسجد علانية أو صلاها في المنزل
سرا نال إحدى الخصوصيتين من الفضل في نافلته وفاتته الأخرى.
[الفصل الثالث عشر]
[في الأذان والإقامة]
[المسألة 280]
يستحب الأذان والإقامة في الفرائض اليومية استحبابا مؤكدا،
سواء كانت الفريضة أداء أم قضاء وجماعة أم فرادى، ومقصورة أم
تامة، وسواء كان المصلي رجلا أم امرأة، وهما في صلاة الجماعة أشد
365

تأكيدا من الفرادى، وفي صلاة المغرب والفجر أشد تأكيدا من غيرهما
من الفرائض، وفي صلاة الحضر أشد تأكيدا من صلاة السفر، وعلى
الرجال أشد تأكيدا من النساء والتأكيد في الإقامة أشد، بل الأحوط
عدم تركها لغير الضرورة، وفي تركها بل وفي ترك الأذان حرمان من
ثواب جزيل.
[المسألة 281]
لا يشرع الأذان ولا الإقامة في غير الفرائض اليومية من الصلوات
سواء كانت واجبة أم مندوبة، نعم يستحب في صلاة العيدين أن يقول
المؤذن: الصلاة، ثلاث مرات، وفي تعديتها إلى غيرها من الفرائض
اشكال.
[المسألة 282]
الأذان على قسمين، الأول: أذان الاعلام بدخول الوقت، وقد تكثرت
الروايات بذكر فضله والحث عليه، فعن الرسول (ص): المؤذنون
أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم، لا يسألون الله
عز وجل شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا، ويعتبر في هذا
القسم أن يكون في أول الوقت.
الثاني: أذان الصلاة، وهو متصل بها وإن أتى المكلف بها في آخر
الوقت، بل وإن أتى بها قضاءا بعد الوقت، وقد ورد عن أبي عبد الله
(ع): إذا أنت أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإن أقمت
إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد، ويعتبر في أذان الصلاة قصد
القربة وكذلك في أذان الاعلام على الأحوط.
[المسألة 283]
الأذان سواء كان للاعلام أم للصلاة، ثمانية عشر فصلا، فيقول
المؤذن: الله أكبر (أربع مرات)، أشهد أن لا إله إلا الله (مرتين)، أشهد
أن محمدا رسول الله (مرتين)، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح
(مرتين) حي على خير العمل (مرتين) الله أكبر (مرتين) لا إله إلا الله
(مرتين).
366

والإقامة سبعة عشر فصلا، فيقول: الله أكبر (مرتين) ويأتي بكل
واحدة من الشهادتين، ومن الحيعلات الثلاث (مرتين، مرتين)، ثم
يقول قد قامت الصلاة (مرتين) الله أكبر (مرتين) لا إله إلا الله (مرة
واحدة).
[المسألة 284]
الشهادة لعلي (ع) بالولاية وبأمرة المؤمنين ليست من فصول الأذان
ولا من فصول الإقامة، ولا بأس بالاتيان بها على وجه الاستحباب العام،
وتستحب الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه الشريف.
[المسألة 285]
يجوز للمسافر أن يأتي بفصول الأذان والإقامة مرة مرة من غير
تكرار، ويجوز للمسافر وللمستعجل وإن لم يكن مسافرا أن يكتفي
بالإقامة وحدها من غير أذان ويأتي بها تامة.
[المسألة 286]
يستحب أن ينطق بفصول الأذان والإقامة ساكنة الأواخر، وأن
يتأنى في الأذان ويطيل الوقوف على فصوله، وأن يسرع في الإقامة مع
الوقف القصير على السكون في آخر الفصل، وعليه أن يلاحظ إن اسراعه
لا يغير حركة ولا يبدل حرفا.
وإذا أتى بأخر الفصل من الأذان أو الإقامة متحركا وجب عليه أن
يراعي قواعد اللغة في النطق بالحركة وفي وصل آخر الفصل بما بعده
فلا يقف على حركة ولا يصل على غير القاعدة.
[الفصل الرابع عشر]
[في شرائط الأذان والإقامة وأحكامهما]
[المسألة 287]
يشترط في الأذان والإقامة عدة أمور.
أحدها: النية كسائر العبادات، فلا بد منها في ابتداء العمل، ولا بد
367

فيها من قصد القربة ولا بد من استدامتها حكما حتى يتم العمل.
والمراد باستدامة النية حكما أن يكون الاتيان بجميع أجزاء العمل
ناشئا عن نيته الأولى للفعل وعن قصد القربة فيه، فلا يصح الأذان
ولا الإقامة إذا أخل بذلك، وكذلك في أذان الاعلام على الأحوط.
[المسألة 288]
إذا قصد التقرب في الأذان ثم أخل به في الأثناء حتى أتمه بطل أذانه،
وإذا رجع إلى قصد القربة فيه، فإن فاتت الموالاة بين الفصول بطل
عمله كذلك وإن لم تفت الموالاة أعاد الفصول التي أتى بها بغير قصد
القربة، فإذا فعل ذلك كان أذانه صحيحا وكذلك الحكم في الإقامة.
[المسألة 289]
يعتبر تعيين الصلاة التي يؤذن لها أو يقيم إذا كانت متعددة، ومثال
ومثال ذلك أن تكون عليه صلاة حاضرة وصلاة فائتة فإذا أراد الأذان أو
الإقامة، فلا بد وأن يعين أن أذانه أو إقامته لأي الصلاتين وإذا لم يعين
صلاته لم يكفه أذانه ولا إقامته لأحدهما.
وإذا قصد بأذانه أو إقامته صلاة معينة ثم أراد أن يصلي بهما صلاة
أخرى لم يكفه ذلك وعليه إعادتهما.
[المسألة 290]
الثاني من شرائط الأذان والإقامة: العقل والايمان، فلا يصح أذان
المجنون ولا إقامته ولا أذان غير المؤمن ولا إقامته، ولا تكفيان لغيرهما
جماعة ولا فرادى، بل ولا تكفيان لصلاتهما، فإذا أفاق المجنون أو
استبصر المخالف بعد الأذان والإقامة فعليهما الاستيناف. ويكفي أذان
الصبي المميز وإقامته لصلاة نفسه، والأحوط عدم الاكتفاء بإقامته
لغيره جماعة ولا فرادى.
[المسألة 291]
يشترط في أذان الاعلام أن يكون المؤذن رجلا فلا يصح أذان المرأة،
ولا يصح كذلك أذان المرأة ولا إقامتها لصلاة الجماعة للرجال إذا كانوا
368

جميعا أو بعضهم أجانب عنها، بل ولا يترك لاحتياط بعدم الاكتفاء
بأذانها وإقامتها لجماعتهم إذا كانوا جميعا من محارمها، ولا يترك
الاحتياط بعدم اكتفاء الرجل بسماع أذانها أو إقامتها، وإن لم يكن
أذانها ولا سماع الرجل لها على الوجه المحرم.
ويكتفي بأذانها وإقامتها لجماعة النساء، وللمرأة الأخرى إذا سمعت
أذانها وإقامتها على ما سيأتي بيانه.
[المسألة 292]
الثالث من شرائط الأذان والإقامة الترتيب بينهما، فيجب تقديم
الأذان بجميع فصوله على الإقامة بجميع فصولها، ويجب الترتيب بين
فصول الأذان على الوجه المتقدم وبين فصول الإقامة كذلك، فإذا قدم
الإقامة على الأذان عامدا أو جاهلا أو ساهيا فعليه إعادتها بعد الأذان.
وإذا خالف الترتيب في فصول الأذان فقدم ما هو متأخر منها، فعليه
أن يرجع إلى الفصل الذي أخره عن موضعه فيأتي به وبما بعده على
الترتيب الصحيح، وإذا كان قد أتى بالفصل متأخرا عن موضعه أتى
بما بعده على ما يوافق الترتيب، وإذا حصل بسبب ذلك فصل طويل
يخل بالموالاة بين الفصول أعاد الأذان كله، سواء كان عامدا أم جاهلا
أم ساهيا وكذلك الحكم في فصول الإقامة.
[المسألة 293]
الرابع من شرائطهما: الموالاة بين الأذان والإقامة، وما بين كل
فصل من الأذان ولاحقه، وما بين كل فصل من الإقامة ولاحقه كذلك،
وما بينهما وبين الصلاة على وجه تحصل لهما الصورة المجعولة لهما في
الشريعة وفي عرف المتشرعة، فإذا وقع ما بينهما فصل طويل يخل بذلك
كان مبطلا.
[المسألة 294]
الخامس من شرائطهما أن ينطق بكل فصل من فصولهما على النهج
العربي الصحيح، فلا يصح الأذان ولا الإقامة إذا أبدل حرفا بحرف،
369

بل ولا حركة بحركة، أو زاد في الكلمة حرفا أو نقص، ولا تكفي
الترجمة إلى لغة أخرى.
[المسألة 295]
السادس من شرائطهما الوقت، فلا يكتفي بالأذان ولا الإقامة قبل
دخول الوقت، سواء كان عامدا أم لا حتى إذا دخل عليه الوقت
وهو في أثنائهما.
نعم يجوز تقديم أذان الاعلام قبل طلوع الفجر إذا كان المقصود
منه الاعلام بقرب طلوع الفجر، ولا يصح إذا كان المقصود الاعلام
بدخول الوقت، والأحوط إعادة الأذان بعد دخوله.
[المسألة 296]
السابع يشترط في الإقامة أن يكون المقيم متطهرا من الحدث، وأن
يكون قائما، بل ويعتبر فيها أن يكون مستقبلا للقبلة على الأحوط، ولا
يشترط شئ من ذلك في الأذان، نعم يستحب أن يكون المؤذن متطهرا
قائما مستقبلا حال أذانه
[المسألة 297]
إذا أحدث في أثناء الأذان لم يبطل أذانه، وتستحب له إعادة الأذان
بعد الطهارة وإذا أحدث في أثناء الإقامة تطهر وأعاد الإقامة.
[المسألة 298]
إذا نام في أثناء أذانه أو جن أو أغمي عليه ثم أفاق، فإن فاتت
الموالاة بين الفصول أعاد الأذان وإن لم تفت الموالاة جاز له أن يتم
الأذان ويكتفي به، وإذا نام في أثناء الإقامة أو جن أو أغمي عليه ثم
أفاق فالأحوط إعادة الإقامة بل يتعين ذلك في النوم.
[المسألة 299]
إذا أذن أو أقام بقصد الصلاة منفردا، ثم حضر معه من يأتم به قبل
دخوله في الصلاة استحب له إعادة الأذان والإقامة، وإذا ائتم به بعد
دخوله في الصلاة أتمها ولا شئ عليه.
370

[المسألة 300]
لا فرق بين أذان الاعلام وغيره في وجوب مراعاة النهج العربي الصحيح
واجتناب اللحن فيه.
[المسألة 301]
إذا ترك الأذان وأقام للصلاة، ثم بدا له أن يؤذن للصلاة فعليه أن
يعيد الإقامة بعد الأذان.
[المسألة 302]
يسقط الأذان عن المكلف في عدة مواضع.
(الأول): إذا صلى المكلف الظهر في الموقف بعرفة، وأراد أن يجمع
بينها وبين العصر سقط عنه أذان العصر والأقرب أن سقوط الأذان
هنا عزيمة، فلا يجوز له أن يؤذن لصلاة العصر، وإذا فرق بين
الفريضتين أذن للعصر.
(الثاني): إذا صلى المغرب ليلة المزدلفة وأراد أن يجمع بينها وبين
العشاء سقط عنه أذان العشاء وسقوطه عزيمة كذلك، فلا يجوز له أن
يأتي بالأذان، وإذا فرق بين الفريضتين أذن للعشاء.
(الثالث): إذا صلى الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة، وأراد أن
يجمع بينها وبين العصر سقط عنه أذان العصر، والأحوط له تركه،
وإذا فرق بين الفريضتين لم يسقط أذان العصر.
(الرابع): إذا صلت المستحاضة صلاة الظهر أو المغرب وكان حكمها
أن تجمع بين الفريضتين سقط عنها الأذان للعصر والعشاء، وسقوطهما
رخصة على الأقوى، فإذا أذنت لصلاة العصر فعليها أن تغتسل لها ولا
تكتفي بغسل واحد للفريضتين، وكذلك في المغرب والعشاء.
(الخامس): المسلوس إذا كان ممن يجوز له أن يجمع بين الظهرين
أو العشاءين بوضوء واحد كما ذكرنا في المسألة الأربعمائة والسابعة
والعشرين من كتاب الطهارة، فإذا جمع بينهما سقط عنه أذان الفريضة
371

الثانية، وسقوطه على سبيل الرخصة، وإذا أذن للفريضة الثانية لم
يكفه وضوء واحد للفريضتين، فلا بد له من الوضوء للفريضة الثانية.
[المسألة 303]
لا يختص سقوط الأذان بهذه المواضع المذكورة، بل يسقط في كل
مورد جمع فيه المكلف بين الفريضتين أو الفرائض، فيؤذن ويقيم
للصلاة الأولى، ثم يقيم للثانية، وهكذا إذا كانت أكثر من ذلك كما
في قضاء الفوائت المتعددة، سواء كان الجمع بين الفريضتين مستحبا أم مباحا.
[المسألة 304]
يحصل التفريق بين الفريضتين بطول الزمان بينهما وإن لم يكن
مشغولا بتعقيب ونحوه، ويحصل بالاتيان بالنافلة بينهما، بل لعله
يحصل بمطلق التطوع بين الفريضتين وإن لم يكن من الرواتب.
[المسألة 305]
يسقط الأذان والإقامة عن المكلف في مواضع:
(الأول): من يريد الدخول في صلاة جماعة قد أذنوا لها وأقاموا،
ولم يسمع هو أذانها ولا إقامتها، فيدخل مع الإمام في الصلاة من غير
أذان ولا إقامة، سواء كان دخوله معه في أول الصلاة أم في أثنائها.
[المسألة 306]
(الثاني): من يدخل المسجد للصلاة فيه، وقد أقيمت في المسجد
صلاة جماعة، سواء دخل المسجد في حال اشتغالهم بالصلاة أم بعد
فراغهم منها وقبل تفرق صفوفهم، فيسقط عنه الأذان والإقامة لصلاته،
سواء أراد الصلاة منفردا أم جماعة، وسواء كان إماما في الجماعة
الجديدة أم مأموما.
والأقوى أن سقوط الأذان والإقامة عنه عزيمة إذا كان الموضع
مسجدا، فلا يجوز له أن يأتي بهما وإنما تترتب هذه الأحكام مع
اجتماع الشرائط التي نذكرها في المسائل الآتية.
372

[المسألة 307]
يشترط في ترتب الأحكام المذكورة في المسألة المتقدمة.
أولا: أن تكون صلاة المكلف وصلاة الجماعة المقامة في المسجد
متحدتين في المكان عرفا، فإذا كانت أحدهما في المسجد والأخرى على
سطحه لم يسقط الأذان والإقامة عن المكلف في صلاته، وكذلك إذا
كانتا متباعدتين في المكان كثيرا.
وثانيا: أن تكون صلاة الجماعة المقامة في المسجد بأذان وإقامة،
فلا يسقط الأذان والإقامة عن المكلف في صلاته إذا كانت صلاة الجماعة
بغير أذان ولا إقامة، كما إذا اكتفوا بسماعهما من الغير، أو سقط
الأذان والإقامة عنهم بسبب دخولهم على جماعة سابقة عليهم.
وثالثا: أن تكون صلاة الجماعة السابقة صحيحة، فلا يسقط الأذان
والإقامة عن المكلف إذا كانت صلاة الجماعة قبله باطلة، كما إذا كان
المأمومون فيها يعلمون بفسق الإمام أو كانت باطلة بسبب أخر.
[المسألة 308]
إذا كانت صلاة المكلف قضاءا عن نفسه أو غيره، أشكل الحكم بسقوط
الأذان والإقامة عنه وإن كانت صلاة الجماعة قبله أدائية، فلا يترك
الاحتياط بأن يأتي بهما برجاء المطلوبية، وكذلك إذا كانت صلاة
الجماعة قضائية، سواء كانت صلاة المكلف أدائية أم قضائية، فيأتي
بالأذان والإقامة في صلاته برجاء المطلوبية
[المسألة 309]
إذا دخل المكلف المسجد لصلاة المغرب فرأى الجماعة بعد فراغها من
صلاة العصر قبل أن تتفرق صفوفها أشكل الحكم بالسقوط أيضا، فلا
يترك الاحتياط بالأذان والإقامة برجاء المطلوبية كما تقدم.
[المسألة 310]
إذا أقيمت صلاة الجماعة في مكان آخر غير المسجد ودخول المكلف
فوجدهم قد فرغوا من الصلاة ولم تتفرق صفوفهم، فإن كان دخوله
373

إلى المكان بقصد الايتمام، سقط عنه الأذان والإقامة إذا صلى في ذلك
المكان كما في المسجد، وإن كان قد دخله لا بقصد الايتمام لم يسقط
عنه الأذان والإقامة في صلاته، وهذا هو الفارق الأول بين المسجد
وغيره، والفارق الثاني أن السقوط هنا رخصة لا عزيمة، فيجوز له
أن يؤذن ويقيم لصلاته بخلاف السقوط في المسجد كما تقدم.
[المسألة 311]
إذا شك المكلف في تفرق صفوف الجماعة عند دخوله المسجد أم لا
فالأحوط له أن يأتي بالأذان والإقامة لصلاته برجاء المطلوبية، وكذلك
إذا شك في أن مكان صلاته ومكان صلاة الجماعة متحد عرفا أم لا، أو
شك في أن الجماعة قبله أذنوا وأقاموا أم لا، فيأتي بالأذان والإقامة
لصلاته برجاء المطلوبية، وإذا شك فصحة صلاتهم حملها على الصحة.
[المسألة 312]
الثالث من مواضع سقوط الأذان والإقامة: أن يسمع المكلف أذان
غيره وإقامته لصلاته فإنه يكتفي بما سمع، فإذا سمع الأذان والإقامة
كليهما اكتفى بهما ولم يؤذن لصلاته ولم يقم، وإذا سمع الأذان وحده
اكتفى به عن الأذان لصلاته وأتي بالإقامة وحدها، ثم صلى، وإذا سمع
الإقامة وحدها فله أن يكتفي بها عن الإقامة ويدخل في صلاته، وإذا
أذن لصلاته فعليه أن يأتي بالإقامة بعده لفوات الترتيب.
[المسألة 313]
لا فرق في الأذان والإقامة المسموعين بين أن يكونا لصلاة منفرد أم
لجماعة ولا فرق في السامع أيضا فيكتفي بما سمع لصلاته سواء كان
إماما أم مأموما أم منفردا، ولا فرق بين السماع والاستماع.
[المسألة 314]
الأحوط الاكتفاء بما سمع، فلا يؤذن ولا يقيم لصلاته إذا سمعهما،
وإذا أراد الاتيان بهما مع سماعهما، فالأحوط أن يأتي بهما برجاء
المطلوبية لاحتمال كون السقوط عزيمة.
374

[المسألة 315]
إنما يكتفي المكلف بما سمع من الأذان أو الإقامة إذا كان ما سمعه
تاما غير ناقص وقد سمع جميع الفصول، فلا يكتفي به إذا كان ناقصا،
أو كان تاما ولم يسمع المكلف منه جميع الفصول.
[المسألة 316]
إذا كان الأذان الذي سمعه ناقصا، جاز للسامع أن يتم ما نقص منه
ويكتفي به لصلاته، وهذا هو المورد الذي دل النص الصحيح عليه،
ويشكل التعدي في الحكم إلى الإقامة إذا كانت ناقصة أو إلى الأذان
والإقامة إذا كانا تامين ولكن المكلف لم يسمع بعض فصولهما، فالأحوط
في هذه الموارد أن يأتي بهما تامين برجاء المطلوبية.
[المسألة 317]
إنما يكتفي بسماع أذان الغير وإقامته إذا لم يحصل فصل طويل
بينه وبين الصلاة بحيث تفوت به الموالاة، وإنما يكتفي به إذا كان
السامع قاصدا به الصلاة من أول الأمر، فإذا قصد الصلاة بعد أن
سمع الأذان والإقامة أو بعد أن سمع بعضهما أشكل الحكم بالاكتفاء
بسماعهما، فالأحوط أن يأتي بالأذان والإقامة برجاء المطلوبية بل لا يخلو من وجه.
[المسألة 318]
الأحوط عدم اكتفاء الرجل بسماع أذان المرأة وإقامتها وإن لم يكن
أذانها ولا سماع الرجل لها على الوجه المحرم، وتكتفي المرأة بسماع
أذان الرجل وإقامته وتكتفي بسماع أذان المرأة وإقامتها.
[المسألة 319]
يستحب في الأذان أن يكون المؤذن متطهرا من الحدث قائما مستقبلا،
من غير فرق بين أذان الاعلام وأذان الصلاة وقد تقدم في المسألة المائتين
والسادسة والتسعين أنه يشترط في الإقامة الطهارة والقيام وأن اعتبار
الاستقبال فيها أحوط.
375

[المسألة 320]
يستحب في الأذان وضع الإصبعين في الأذنين ورفع الصوت فيه بقدر
الامكان إذا كان المؤذن ذكرا، من غير أن يجهد نفسه، وإذا أقام استحب
له رفع الصوت دون ذلك.
[المسألة 321]
يستحب الافصاح بالألف والهاء بل بكل حرف من ألفاظ الأذان
والإقامة وإنما يكون الافصاح مستحبا إذا كانت مراعاته أبين للكلمة
وأبعد عن اللبس، وأما إذا توقف عليه النطق الصحيح بالكلمة فالظاهر
وجوبه لا استحبابه، فإذا لم ينطق بالهاء من لفظ الجلالة في آخر الفصل
أو من كلمة الصلاة في حي على الصلاة مثلا كانت الكلمة ناقصة غير
صحيحة وكذلك إذا حذف الهاء من أشهد، وقد ذكرنا ذلك في المسألة
المائتين والرابعة والتسعين.
[المسألة 322]
يستحب أن يستقر في الإقامة ويتمكن كما يستقر في الصلاة.
[المسألة 323]
يكره التكلم في أثناء الأذان والإقامة، وتشتد الكراهة بعد قول
المقيم قد قامت الصلاة، وتستحب له إعادة الإقامة إذا تكلم فيها بعد
ذلك، إلا إذا كان التكلم في تقديم إمام أو في تسوية الصف وما أشبه
ذلك.
[المسألة 324]
يستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو تسبيح أو سجدة
أو صلاة ركعتين وقد ورد الفصل بينهما بخطوة، ويؤتى بها برجاء
المطلوبية.
[المسألة 325]
تستحب حكاية الأذان لمن سمعه، من غير فرق بين أذان الاعلام وأذان
الصلاة وحكاية الأذان هي أن يقول السامع كما يقول المؤذن، معه أو
376

بعده من غير فصل يعتد به، وينبغي أن يقول بعد الحيعلات: لا حول
ولا قوة إلا بالله، والظاهر أن هذا ذكر مستقل وليس من حكاية
الأذان ولا بدلا عنها.
وتجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة، ولكن الأحوط ترك الحكاية
في الحيعلات.
[المسألة 326]
إذا أراد السامع حكاية الإقامة أتى بحكايتها برجاء المطلوبية، وإذا
قال المقيم قد قامت الصلاة فينبغي للسامع أن يقول: اللهم أقمها وأدمها
واجعلني من خير صالحي أهلها عملا.
[المسألة 327]
في الخبر عن أبي عبد الله (ع): من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا، وأنا أشهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (ص) اكتفي بها عن كل من أب
وجحد وأعين بها من أقر وشهد
كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد وعدد من أقر وشهد.
[المسألة 328]
يستحب في من ينصب مؤذنا أن يكون عدلا، وأن يكون مبصرا عارفا
بالأوقات وأن يكون رفيع الصوت وأن يرتقي على مرتفع كالجدار
والمنارة ونحوهما، ولا بأس باستخدام مكبرة الصوت في الأذان وغيره
من العبادات التي يطلب فيها بلوغ الصوت إلى أكبر عدد ممكن.
[المسألة 329]
إذا نسي الانسان الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ثم تذكرهما
جاز له قطع الصلاة والآتيان بهما ما لم يركع في صلاته، سواء كانت
الصلاة فرادى أم جماعة، وكذلك إذا نسيهما ثم تذكرهما قبل الركوع
وتردد مدة في أن يرجع إليهما أم لا، أو عزم على تركهما وعدم الرجوع
لتداركهما، فيجوز له قطع الصلاة والرجوع في جميع هذه الصور.
377

وكذلك إذا نسي الإقامة وحدها وتذكرها قبل القراءة فيجوز له
قطع الصلاة والرجوع إليها، وإذا ترك الأذان والإقامة عامدا أو ترك
الإقامة وحدها كذلك وأحرم للصلاة لم يجز له قطعها على الأحوط.
[المسألة 330]
لا يجوز أخذ الأجرة على أذان الصلاة، وأذان الصلاة كنفس الصلاة
عبادة لنفس المكلف فإذا كانت الإجارة عليه أو قصد أخذ الأجرة مما
ينافي ذلك كان الأذان باطلا ويشكل جواز أخذ الأجرة على أذان الاعلام،
ولا بأس بارتزاق المؤذن من بيت المال.
[المسألة 331]
يستحب أن يقول بعد الإقامة وقبل تكبيرة الاحرام: (اللهم رب هذه
الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا صلى الله عليه وآله الدرجة
والوسيلة والفضل والفضيلة، بالله أستفتح وبالله أستنجح وبمحمد
رسول الله صلى الله عليه وآله أتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد
واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا، والآخرة ومن المقربين.
[مقدمة]
أهم ما يحتاج إليه العبد عند وقوفه في صلاته بين يدي ربه هو حضور
قلبه، وهو أن يفرغ قلبه ومشاعره لهذا العمل الكبير الذي يريد القيام
به، ويسمى أيضا الاقبال على الصلاة والتوجه في ظاهره وباطنه إليها،
فمن الأقوال المأثورة عن الإمام زين العابدين (ع) أنه لا يقبل من صلاة
العبد إلا ما أقبل عليه، وعن الإمام محمد بن علي الباقر (ع): إن
العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها، فما يرفع
له إلا ما أقبل عليه بقلبه وإنما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من
الفريضة.
وحضور القلب في الصلاة وتوجهه إليها يكون نتيجة لأمرين، لا بد
منهما، فهما قوام ايمان المؤمن وركيزة سلوكه المستقيم وعمله الصالح.
378

الأول: استشعاره لعظمة الله: المعبود بالحق الذي يريد القيام بين
يديه امتثالا لأمره وتطلعا للمزيد من لطفه.
والثاني: استشعاره عظمة الصلاة نفسها: العبادة الكبرى التي
جعلها الله طهورا، للعبد من الفحشاء والمنكر، وسببا لنقائه وصفائه
ومعراجا لارتقائه.
إن العبد إذا آمن بالله عز وجل حق الايمان، واستيقن بإحاطته
الشاملة المطلقة بجميع الموجودات والمكونات حق اليقين، وعلم حق
العلم أن جميع الأشياء قائمة به سبحانه، وخاضعة لأمره ومسلمة
وجوهها إليه، ومسبحة بحمده، وأن كل ما ينالها من تكامل وتطور
وارتقاء فهو نتاج لخضوعها لربها واسلامها لأمره اتباعها السبيل الذي
يسره لها ووجهها إليه بتقديره وتدبيره.
إن البذرة الصغيرة لا يمكن لها مطلقا أن تصبح شجرة كبيرة يانعة،
تؤتي أكلها وتنتج ثمرها، ما لم تسلم وجهها لمكونها ومبدعها العظيم،
فتسلك السبيل الذي يسره والنظام الذي قدره.
وإن النطفة الحقيرة لا يمكن لها أن ترتقي فتعود حيوانا كبيرا، له
منافعه وفرائده في الحياة ما لم تخضع لبارئها فتتبع ما أمرها به من
أمر وتسير على ما نهج لها من نظام.
وإن السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما لا يمكن لها أن تصل
إلى هذه الغاية من الأحكام والاتقان ما لم تخضع للإله الذي صنع كل
شئ فيها فأحسن، وصور فأتقن، وقدر فأحكم، وربط الغايات فيها
بالمبادئ والمسببات بالأسباب.
وإن الحوين المنوي الضعيف النحيف لا يمكن له أن يصبح انسانا
سويا كاملا، تسخر له جميع ما في السماوات والأرض، إلا إذا اتبع
الهدى الذي وجهه إليه ربه، وسار على نهجه طائعا خاضعا (ألم تر أن
الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم
والجبال، والشجر والدواب، وكثير من الناس، وكثير حق عليه العذاب،
379

ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء).
إن العبد إذا آمن بجميع ذلك حق الايمان، وقد مهد له العلم الحديث
أن يؤمن، وألزمه الفكر الواعي الحصيف أن يعترف، ثم نظر في نفسه
ورأى عناية الله به خاصة، التي شملته قبل تكوينه وبعد وجوده،
والتي لا ينقطع عنه مددها ولا ينقص عطاؤها، ولا يخرج عن إحاطتها
به طرفة عين، ولو قدر له أن يخرج عن حياطتها أو ينتهي عنه عطاؤها
لما كان شيئا مذكورا.
ثم نظر في الصلاة نفسها، فوجدها أحد مظاهر عناية الله به وكبرى
المناهج التي أعدها له ليتكامل بها ويرتقي، ويؤدي بها حق العبودية،
ويستمد بسببها من لطف الله ومن فضله ومدده ونوره ما يرتفع به
إلى مصاف الأولياء الكاملين الواصلين.
وأي لطف أعظم من أن يأذن الإله العظيم الذي لا منتهى لعظمته
ولا منتهى لجلاله وكبريائه ولا منتهى لغناه، لعبده الضعيف الذي لا حد
لضعفه، في أن يقف بين يديه، ويناجيه ويدعوه ويبثه شكواه ونجواه،
وينزل به رجاءه وحوائجه ومهماته، وهو يسمع له ويستجيب، ويكشف
ضره، ويزيده من الهدى ويزيده من العطاء ويزيده من النور والصفاء.
إن العبد إذا آمن بجميع هذه الحقائق حق الايمان واستشعرها
في فكره وفي قلبه وفي مشاعره حق الاستشعار، وكل هذه الحقائق جلي
لا ريب فيه، تهيأ له حضور القلب في صلاته وعباداته وبلغ الغاية
التي يريدها من عبادته والتي أرادها الله له حين قدره وصوره وهداه،
ويسر له السبيل.
فيكون في وقوفه في صلاته بين حالين: رغبة في التقدم ليستزيد
من عطاء ربه وخوف من التأخر بالخذلان والحرمان منه، وفي حديث الإمام
جعفر بن محمد (ع): (لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت
له الجنة، فإذا صليت فاقبل بقلبك على الله عز وجل، فإنه ليس من
عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب
المؤمنين وأيده مع مودتهم إياه بالجنة).
380

[الفصل الخامس عشر]
[في نية الصلاة وأحكامها]
[المسألة 332]
الواجبات في الصلاة أحد عشر:
النية، وتكبيرة الاحرام، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود،
والذكر، والتشهد، والتسليم، والترتيب، والموالاة.
والأركان من هذه الواجبات هي: تكبيرة الاحرام. والقيام،
والركوع، والسجود، على ما سيأتي بيانه في مواضعه إن شاء الله،
وكذلك النية، فهي ركن بمعنى أن نقيصتها مبطلة للصلاة وإن كانت
سهوا، ولكن الزيادة لا تتصور فيها.
وبقية المذكورات واجبات وليست أركانا، فلا تبطل الصلاة
بنقصانها ولا بزيادتها إذا وقعتا سهوا، وتفصيل هذه المجملات سيأتي
في مواضعه من الكتاب إن شاء الله تعالى.
[المسألة 333]
النية الواجبة في الصلاة هي قصد الفعل على وجه يكون الباعث إلى
ايجاده هو امتثال أمر الله، ولا تفتقر إلى أكثر من الإرادة الاجمالية
التي تكون عند الانسان حين يأتي ببعض أعماله الاختيارية من تحرك
أو سكون أو قيام أو قعود، والفارق هو أن الداعي للفعل هو الامتثال
كما ذكرنا، فلا يجب في النية اخطار صورة العمل في الذهن، ولا التلفظ
بكلمات تدل على القصد المذكور بل الأحوط ترك التلفظ بنية الصلاة
كما سيأتي.
[المسألة 334]
قد يكون الدافع الأول للانسان إلى امتثال أمر الله، هو حب الانسان
لله عز اسمه وهذا هو أفضل العبادات كما دلت عليه الروايات المعتبرة،
وقد يكون الدافع له إلى ذلك هو أنه سبحانه وحده المستحق للعبادة
381

بالذات، كما في المناجاة المنقولة عن أمير المؤمنين (ع)، وقد يكون
الدافع له هو الشكر العملي لنعم المعبود على عبده، وقد يكون الدافع
له هو طلب مرضاته والابتعاد عن موجبات غضبه، وقد يكون الدافع
له هو طلب المثوبة والرحمة منه في الدار الآخرة ودفع العقوبة فيها،
وقد يكون الدافع له هو رجاء الثواب أو دفع العقاب في الدنيا، كما
في الصلوات والأدعية الواردة لقضاء الحوائج وتفريج الكرب والشدائد،
درجات بعضها فوق بعض في مراتب القرب بحسب مراتب العبد في
المعرفة، وكلها مجزء صحيح في التعبد له سبحانه.
[المسألة 335]
يجب في النية تعيين العمل المقصود إذا كان ما على العبد من الأعمال
متعددا، كما إذا طاف بالبيت الحرام في وقت صلاة الصبح، وأراد
صلاة إحدى الفريضتين، فيجب عليه حين يقوم للصلاة أن يعين ما يأتي
به أهو فريضة الوقت أم هو صلاة الطواف، وكما إذا وجبت عليه صلاة
الآيات في وقت الفريضة اليومية وأراد الشروع بإحداهما، فعليه
أن يعين في ابتداء العمل إن ما يشرع به هو أيهما.
ويكفي التعيين الاجمالي، فيقصد مثلا ما وجب عليه أولا من
الصلاتين أو ما اشتغلت به ذمته ثانيا وإذا اتحد العمل الواجب عليه
وقصد امتثال الأمر المتوجه إليه فقد حصل التعيين.
[المسألة 336]
لا يجب في النية قصد الأداء والقضاء إذا كانت الصلاة متحدة ولا
الوجوب والندب فإذا أتى بصلاة الظهر وهو في وقتها كانت أداء وإن
لم ينوها كذلك، وإذا أتى بها بعد الوقت فهي قضاء وإن لم ينوها
كذلك، وكانت صحيحة في الصورتين.
وإذا علم أن عليه صلاة ظهر واجبة، أما قضاءا أو أداء، كفاه أن يأتي
بصلاة الظهر بقصد ما في ذمته من الفريضة، وإذا نوى بالركعتين بعد
طلوع الفجر صلاة الصبح فهي واجبة وإن لم يقصد الوجوب، وإذا
382

نوى بهما نافلة الصبح فهي مندوبة وإن لم يذكر الندب وكان العمل
صحيحا في الصورتين.
[المسألة 337]
إذا قصد بالفريضة امتثال الأمر المتوجه إليه بها، ولكنه توهم أن
الأمر المتوجه بها أدائي، أو أنه قضائي فأتم العمل، ثم تبين له أن
الأمر بخلاف ما توهم صحت فريضته في الصورتين.
[المسألة 338]
تجب نية الأداء أو القضاء، والوجوب أو الندب إذا توقف على ذلك
تعيين العمل كما إذا كانت على المكلف فريضة فائتة، وهو في وقت
فريضة حاضرة، فإذا أراد الشروع في الامتثال، فعليه أن يعين ما يأتي
به، أهي فريضة الأداء أم القضاء وإذا قام بعد طلوع الفجر ليصلي
ركعتين، فعليه أن يعين ما يأتي به أهو الفريضة الواجبة أم النافلة
المندوبة.
[المسألة 339]
القصر والاتمام من القيود التي أخذها الشارع في الصلاة المأمور
بها، فلا بد للمكلف من قصدهما في النية، نعم يكفي القصد الاجمالي في
صحة العمل، فإذا كان المكلف جاهلا بأن حكمه القصر أو التمام، فله
أن يشرع في الصلاة بقصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالفعل، ويبني
في نفسه على أن يتم صلاته كما ينبئه زيد الثقة العالم بحكمه، فإذا
أعلمه ذلك الثقة بأن حكمه القصر مثلا وأتم صلاته كما أنبأه كانت
صلاته صحيحة إذا طابقت الواقع، وإذا ظهر له أن قول ذلك الثقة
مخالف للواقع وجبت عليه الإعادة.
[المسألة 340]
إذا كان المسافر في أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها المسافر بين القصر
والتمام فنوى القصر في صلاته، جاز له العدول عنه إلى التمام،
فإذا أتمها كذلك كانت صحيحة، وإذا نوى التمام في صلاته جاز له
383

العدول عنه إلى القصر، إذا لم يتجاوز محل العدول، وإذا تجاوز
محل العدول، تعين عليه الاتمام.
وإذا نوى القصر في هذه المواضع، ثم أتم الصلاة ساهيا من غير عدول
في النية، فالظاهر صحة الصلاة وإن كان الأحوط له استحبابا إعادة
الصلاة، وكذلك إذا نوى التمام ثم قصر ساهيا من غير عدول في النية.
[المسألة 341]
يكفي في النية التصور الاجمالي للعمل بأن يقصد الصلاة مثلا بما لها
من أجزاء وواجبات ولا يجب تصورها تفصيلا.
[المسألة 342]
إذا نوى الوجوب في صلاة الفريضة صحت، وإن كانت مشتملة
على كثير من المستحبات ولا تجب ملاحظة هذه المستحبات في نية الصلاة،
ولا نية الاستحباب فيها عند الاتيان بها، فلا يجب عليه أن ينوي
الاستحباب في القنوت والذكر المستحب مثلا عند الاتيان بهما.
[المسألة 343]
الأحوط أن لا يتلفظ المصلي بنية الصلاة، والظاهر أن الصلاة لا تبطل
بذلك، إلا في صلاة الاحتياط التي تجب للشكوك الصحيحة، فإذا تكلم
بنيتها عامدا بطلت صلاة الاحتياط ووجبت إعادة الفريضة التي شك
فيها، والأحوط أن يعيد صلاة الاحتياط أولا ثم يعيد الفريضة.
[المسألة 344]
يجب في جميع العبادات وفي الصلاة على الخصوص أن تكون خالصة
عن الرياء والسمعة، وقد تقدم في المسألة الثلاثمائة والحادية والثمانون
من كتاب الطهارة بيان معنى الرياء والسمعة، وقد تكرر في أحاديث
أهل البيت (ع) إن الرياء نوع من أنواع الشرك وإنه يوجب بطلان
العمل واحباط الثواب عليه، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): كل
رياء شرك إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان
ثوابه على الله، وعن الإمام الرضا (ع): اعملوا لغير رياء ولا سمعة،
384

فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل، ويحك ما عمل أحد عملا
إلا رداه الله به إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
[المسألة 345]
دخول قصد الرياء في العمل قد يكون محضا، بأن يأتي الانسان
بالصلاة مثلا لمحض إراءة الناس واستجلاب نظرهم إليه ولا يقصد بها
التقرب إلى الله، ولا ريب في بطلان هذا العمل، لأنه رياء، ولعدم قصد
القربة فيه.
[المسألة 346]
وقد يأتي الانسان بالصلاة بقصد الرياء والقربة معا، ولا ريب في
بطلان الصلاة كذلك، سواء كان الرياء هو الداعي المستقل بالتأثير
في ايجاد العمل، والقربة إنما هي داع غير مستقل، أو كانت القربة هي
الداعي المستقل بالتأثير والرياء هو الداعي التابع وغير المستقل أو كان
الداعي هو المجموع المركب منهما على وجه انضمام الاثنين واشتراكهما
في التأثير. أو كان كل واحد من الرياء وقصد القربة داعيا مستقلا
بالتأثير، والمراد باستقلال كل منهما أن يكون كل واحد منهما مستقلا
بالتأثير لو فقد الآخر، فالعبادة تكون باطلة في جميع هذه الفروض.
[المسألة 347]
وقد يأتي الانسان بالعمل نفسه بقصد القربة، ولكنه يأتي ببعض
الأجزاء الواجبة في العمل بقصد الرياء، وقد تقدم في فصل شرائط
الوضوء أن قصد الرياء في الجزء يوجب بطلان ذلك الجزء فإذا اكتفى
المكلف بالجزء الباطل ولم يتداركه بطل العمل كله لنقصان جزئه،
وإذا تدارك الجزء الباطل فأعاده قبل أن تفوت الموالاة بين الأجزاء كان
العمل صحيحا وإن كان آثما في المراءاة.
وهذا إنما يتم في الوضوء والغسل والأذان والإقامة ونحوها من
العبادات، ولا يصح وقوعه في الصلاة وإذا وقع مثل ذلك في الصلاة كانت
باطلة للزوم الزيادة العمدية فيها
385

[المسألة 348]
وقد يأتي الانسان ببعض الأعمال المستحبة في الصلاة بقصد الرياء
كما إذا راءى في القنوت أو في جلسة الاستراحة بعد السجدتين، أو في
الدعاء والذكر المستحبين، والظاهر عدم بطلان الصلاة إذا راءى في
القنوت أو في جلسة الاستراحة وكان قد أتى بصلاته بقصد القربة،
ولكنه إذا راءى في الدعاء أو الذكر المستحب فيها كان مبطلا للصلاة،
لأنه من الكلام المحرم، ولا يترك الاحتياط في الجميع.
[المسألة 349]
قد يأتي الانسان بالصلاة نفسها بداعي القربة ولكنه يقصد الرياء
باتيانها في مكان مخصوص أو زمان مخصوص، ومثال ذلك أن يرائي
بالصلاة في المشهد أو في المسجد أو في الصف الأول من الجماعة، أو
يرائي باتيانه بالصلاة في أول وقتها، والظاهر بطلان الصلاة بذلك.
[المسألة 350]
وقد يرائي في أوصاف العمل التي تتحد معه، ومثال ذلك أن يرائي
بالاتيان بالصلاة جماعة أو بالاتيان بها خاشعا أو يرائي بالقراءة فيها
متأنيا، أو بلهجة تدل على الرهبة والأقوى بطلان الصلاة بذلك.
وإذا قصد الرياء بالخشوع وحدة من غير أن يقصده وصفا
من أوصاف الصلاة أثم بمراءاته، ولم تبطل صلاته.
[المسألة 351]
وقد يرائي الانسان ببعض الأعمال المقارنة للصلاة كالتحنك ولبس
الخواتم، فإن قصد الرياء في صلاته متحنكا أو متختما كانت صلاته
باطلة، وإن قصد الرياء بالتحنك وليس الخواتم وحدهما من غير أن
يسري الرياء إلى نفس الصلاة كان آثما بذلك وصحت صلاته.
[المسألة 352]
وقد يكون الرياء في مقدمات العمل، كما إذا قصد الرياء في سعيه
386

إلى المسجد أو إلى المشهد، ولا تبطل الصلاة بذلك على الأقوى وإن أثم
بريائه.
[المسألة 353]
لا تبطل العبادة بخطور الرياء على قلب الانسان ما لم يقصده بالفعل
ولا يضر في صلاته أن يرائي بغض بصره عن بعض المحرمات وهو في
أثناء الصلاة أو ترك بعض المحرمات أو يرائي بالتصدق في أثناء
الصلاة وإن كان آثما بمراءاته.
[المسألة 354]
لا فرق في ابطال الصلاة بالرياء بين أن يقصده في ابتداء الصلاة
أم في أثنائها، ولا يبطل العمل بالرياء المتأخر عنه، فإذا صلى بداعي
القربة الخالصة ثم بدا له أن يذكر عمله لبعض الناس لاستجلاب نظرهم،
لم تبطل صلاته بذلك.
[المسألة 355]
ما ذكرناه من اشتراط الخلوص من الرياء وبطلان العبادة بقصده
يجري في السمعة، من غير فرق بينهما.
[المسألة 356]
العجب هو أن يدخل في نفس الانسان العجب من عمله والاكبار له،
وهو من الموبقات التي توجب حبط الثواب، ولكنه لا يوجب بطلان
العمل على الأقوى، سواء حصل له في أثناء العمل أم مقارنا لنيته أم
متأخرا عنه، وقد تقدم ذلك في المسألة الثلاثمائة والخامسة والثمانين
من كتاب الطهارة.
[المسألة 357]
الضمائم الأخرى التي قد يضمها الانسان إلى قصد القربة في عباداته
إذا كانت محرمة ومتحدة مع العمل أو مع جزئه كان العمل بسببها
محرما، فتقع العبادة باطلة، وكذلك إذا كانت الضميمة هي الداعي
المستقل في ايجاد العمل وكان قصد القربة داعيا تبعيا، فتبطل العبادة
387

بذلك، وإن كانت الضميمة التي نواها مباحة أو راجحة فضلا عن أن
تكون محرمة.
وتبطل العبادة أيضا إذا كان الداعي لايجادها هو المجموع من
الضميمة وقصد القربة، بحيث تكون العبادة أثرا مشتركا لكل من
الأمرين.
وإذا كان قصد القربة هو الداعي المستقل في ايجاد الفعل وكانت
الضميمة داعيا تبعيا كانت العبادة صحيحة، وكذلك إذا كان كل من
قصد القربة وقد الضميمة داعيا مستقلا في التأثير في ايجاد العمل
على ما تقدم من معنى الاستقلال في المسألة الثلاثمائة والسادسة والأربعين
وإن كان الأحوط الإعادة في هذا الفرض.
فلا تبطل الصلاة إذا أتى بها بقصد القربة الخالصة، ولكنه اختار
الاتيان بها في موضع مخصوص لبرودة الموضع في أيام الصيف أو لدفئه
في أيام الشتاء، أو لانتظار مجئ أحد من أصدقائه أو أرحامه، أو
لانتظار فقير يدفع إليه قسطا من زكاته أو خمسه أو غير ذلك من الضمائم
المباحة أو الراجحة المقصودة بالتبع أو الاستقلال بالمعنى المتقدم.
[المسألة 358]
إذا أتى الانسان ببعض أفعال صلاته بقصد الصلاة، وبقصد غاية
أخرى، ليست من الصلاة كما إذا نهض في صلاته بقصد القيام للركعة
الثانية، وبقصد الاحترام لصديقه القادم، أو انحنى في قيامه بقصد
الركوع في صلاته وقصد التعظيم لرجل يكبر شأنه، فإن كان الجزء
الذي أتى به كذلك ركنا من أركان الصلاة وقع باطلا، وأبطل الصلاة
كما في مثال الركوع، وكما إذا كبر بقصد تكبيرة الاحرام وبقصد أمر
آخر ليس من الصلاة، سواء كان عامدا في فعله أم ساهيا وكذلك إذا
كان جزءا غير ركن وكان عامدا في فعله، فتبطل الصلاة بذلك.
وإذا كان جزءا غير ركن وكان المكلف ساهيا في فعله، فإن أمكن له
أن يتدارك ذلك الجزء، وجب عليه أن يتداركه وصحت صلاته بذلك،
ومثال ذلك أن يسهو في ذكر الركوع أو السجود فيأتي به بقصد الذكر
388

وبقصد شئ آخر ليس من الصلاة، ثم يتذكر ذلك قبل أن يرفع رأسه
من ركوعه أو سجوده، فعليه أن يعيد الذكر ويتم الصلاة، وإن لم
يمكن تدارك الجزء الذي أخل به كما إذا تذكر بعد رفع رأسه من
الركوع أو السجود في المثال المتقدم، وكما إذا كان الاخلال كذلك
بسجدة ولم يتذكر إلا بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، مضى
في صلاته ووجب عليه قضاء الجزء إذا كان مما يقضي كالسجدة والتشهد،
وسجد للسهو إذا كان مما يجب له سجود السهو وكانت الصلاة صحيحة
بذلك.
ولا تبطل الصلاة إذا فعل كذلك في بعض مستحبات الصلاة من غير
فرق بين القرآن والذكر وغيرهما.
[المسألة 359]
إذا رفع الانسان صوته ببعض الأذكار أو القراءة الواجبتين في
الصلاة بقصد تنبيه أحد على أمر، لم يبطل ذلك الجزء ولم تبطل الصلاة
بذلك إذا كالاتيان بهما بقصد الامتثال.
نعم يبطل الجزء إذا كان المقصود بالأصالة هو اعلام الغير وكان
قصد الجزئية تابعا، أو كان الاتيان بالواجب مستندا إلى كل من قصد
الجزئية وقصد الاعلام منضمين، وتبطل الصلاة أيضا إذا كان المكلف
عامدا في ذلك، وإذا كان ساهيا في فعله لم تبطل صلاته وعليه أن يتدارك
الجزء إذا كان في موضع تداركه.
ولا تبطل الصلاة إذا كبر بقصد مطلق الذكر لاعلام الغير أو جاء
ببعض الأذكار الأخرى لا بقصد الجزئية لهذه الغاية.
[المسألة 360]
وقت نية الصلاة عند ابتدائها قبل التكبير لها، وأمرها في غاية
البساطة وخصوصا بناء على أنها الداعي الارتكازي للعمل كما هو
المختار.
389

[المسألة 361]
يجب بقاء القصد الاجمالي من أول الفعل إلى أخره بحيث يكون
صدور جميع أجزاء الفعل وواجباته ناشئا عن ذلك الداعي الموجود في
القلب، وإن لم يلتفت إليه المكلف بالفعل ولكنه بمجرد التنبه يعلم أنه
يجري في عمله على قصده الأول الذي ابتدأ به العمل، وهذه هي
الاستدامة الحكمية التي تجب في النية.
وتنافيها الغفلة التامة التي قد تكون عند الانسان في بعض الحالات،
فلا يدري ماذا يعمل، فيكون عمله بلا نية، سواء كان في ابتداء العمل
أم في أثنائه، وقد سبق أن نقصان النية مبطل للصلاة سواء وقع عن
عمد أم عن سهو.
[المسألة 362]
لا يشترط الجزم بالنية في صحة العمل، فمن كان عنده ثوبان يعلم
بنجاسة أحدهما وصلى في أحد الثوبين لاحتمال أن يكون هو الطاهر
منهما، ثم علم بعد الفراغ أن ما صلى فيه هو الثوب الطاهر صحت
صلاته، وإن كان يتمكن من الصلاة بثوب طاهر، ومن صلى إلى جهة
يحتمل أنها جهة القبلة الواقعية ثم علم بعد فراغه أنه قد صلى إلى جهة
القبلة صحت صلاته، وإن كان يمكنه معرفة القبلة إذا انتظر مجئ
زيد مثلا بعد ساعة والوقت باق.
وقد تقدم في المسألة المائتين والحادية عشر أنه لا مانع من الصلاة
في المكان الذي يتعرض فيه لابطال الصلاة لشدة الازدحام ونحوها،
فيصلي فيه برجاء اتمام الصلاة، فإذا أتم صلاته فيه كانت صحيحة،
وإن أمكن له أن يصلي في مكان آخر لا زحام فيه.
[المسألة 363]
إذا نوى المكلف وهو في الصلاة أن يقطعها، أو نوى أن يأتي بشئ
يقطعها كالتكلم عامدا أو الحدث أو الفعل الماحي لصورة الصلاة وأتم
صلاته وهو على هذه النية كانت صلاته باطلة.
390

وإذا نوى ذلك وأتى ببعض أفعال الصلاة وهو على نية قطع الصلاة
ثم عاد إلى نيته الأولى، فالأحوط له وجوبا أن يعيد الفعل الذي أتى
به في حال نية القطع ويتم الصلاة ثم يعيدها، وإذا لم يعد ذلك الفعل
كانت صلاته باطلة،
وإذا نوى ذلك ولم يأت بشئ من أفعال الصلاة ثم رجع إلى نيته
الأولى لم تبطل صلاته وإن كان الأحوط له استحبابا أن يتم صلاته ثم
يعيدها.
وإذا نوى ذلك وأتى ببعض الأفعال لا بقصد الجزئية للصلاة ثم عاد
إلى نيته الأولى، فإن كان ما أتى به فعلا ماحيا لصورة الصلاة بطلت
صلاته، وكذلك إذا كان ركنا أو كان فعلا كثيرا لا يمحو صورة الصلاة
على الأحوط فيهما.
وإذا كان ما أتى به فعلا قليلا لا يمحو صورة الصلاة وليس بركن،
فالظاهر الصحة وخصوصا إذا كان قرآنا أو ذكرا وقد أتى بهما بقصد
القربة المطلقة، وإن كان الأحوط استحبابا أن يتم الصلاة ثم يعيدها.
[المسألة 364]
المدار في النية على ما يقصده الانسان بقلبه من الصلاة ولا يضره أن
يسبق لسانه فيذكر صلاة سواها أو يسبق خياله فيخطر فيه غيرها.
[المسألة 365]
إذا دخل في فريضة ثم أخطأ فتوهم أنها نافلة، وأتمها على ذلك صحت
فريضة، كما افتتحها ما لم يقع فيها خلل في عدد الركعات أو غير ذلك،
وإذا دخل في نافلة وأتمها بزعم أنها فريضة صحت نافلة.
[المسألة 366]
إذا دخل في فريضة وشك في أنه نواها ظهرا أم عصرا، فإن علم أنه
لم يصل الظهر قبلها أو شك في ذلك فعليه أن يعينها ظهرا، فإذا عينها
كذلك وأتمها كانت صحيحة، وإن علم أنه قد صلى الظهر قبل ذلك
391

أبطل ما بيده واستأنف العصر، وإذا أتم ما بيده ثم استأنف العصر فهو
أحوط، وكذلك الحكم في المغرب والعشاء.
وإذا قام إلى صلاة وشك بعد دخوله في أنه نوى الصلاة التي قام إليها
أم نوى غيرها فالأحوط الاتمام ثم الإعادة في غير الظهرين والعشاءين
المتقدم ذكرهما وفي غير موارد العدول الآتي ذكرها.
[المسألة 367]
لا يجوز العدول من صلاة إلى صلاة أخرى إلا في مواضع.
(الأول): إذا شرع في صلاة العصر قبل الظهر ناسيا، ثم تذكر وهو
في أثناء الصلاة وجب عليه أن يعدل بنيته إلى الظهر ويتمها، ثم يصلي
العصر بعدها.
وإذا شرع في صلاة العشاء قبل المغرب ناسيا، ثم تذكر قبل القيام
للركعة الرابعة وجب عليه أن يعدل بنيته إلى المغرب ويتمها ثم يصلي
العشاء بعدها، وكذلك إذا تذكر بعد القيام للرابعة وقبل الركوع
فيها، فيهدم قيامه ويتمها بنية المغرب، ويسجد بعدها سجود السهو
للقيام الزائد وجوبا إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، واحتياطا مستحبا
إذا لم يتلبس مع القيام بشئ من ذلك
وإذا تذكرها بعد ركوع الرابعة أتمها عشاءا ثم صلى المغرب، وأعاد
العشاء بعدها احتياطا، وقد تقدم ذلك في المسألة الثامنة عشرة.
(الثاني): إذا شرع في قضاء فريضة فائتة، ثم تذكر أن عليه
فريضة فائتة أخرى قبلها، وكانت الفريضتان مما يجب الترتيب
بينهما في الأداء كالظهر والعصر من يوم واحد، والمغرب والعشاء كذلك،
وجب عليه العدول إلى السابقة ويتمها، وإذا تجاوز محل العدول جرى
فيها البيان المتقدم في الموضع الأول، ولا يترك الاحتياط بأن يعيد
السابقة بعد أن يتمها إذا عدل إليها من اللاحقة.
وإذا كانت الفريضتان الفائتتان مما لا يجب الترتيب بينهما في الأداء
كالصبح والظهر وكالظهر والمغرب، وكالظهر والعصر من يومين والمغرب
392

والعشاء من يومين، لم يجب عليه العدول إلى السابقة، بل لا حاجة إليه
في تحصيل فراغ الذمة منهما، فإن الظاهر عدم وجوب الترتيب في قضاء
الصلوات الفوائت كما سيأتي في مبحث قضاء الصلوات إن شاء الله،
فإذا أتم الفائتة التي بيده ثم صلى بعدها الفائتة السابقة عليها برئت
ذمته منهما على الأقوى.
(الثالث): إذا شرع في فريضة حاضرة، ثم تذكر في أثنائها أن
عليه فريضة فائتة استحب له أن يعدل بنيته إلى الفائتة إذا هو لم
يتجاوز محل العدول.
(الرابع): من صلى الجمعة أو الظهر في يومها وقرأ فيها غير سورة
الجمعة والمنافقين، حتى تجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل بنيته
من الفريضة إلى النافلة، ثم يستأنف الفريضة بعدها ويقرأ فيها سورة
الجمعة والمنافقين.
وإذا تذكر قبل أن يتجاوز نصف السورة، استحب له أن يعدل عن
السورة التي قرأها إلى سورة الجمعة أو المنافقين ويتم صلاته وإن كانت
السورة التي قرأها هي سورة التوحيد أو سورة الجحد.
(الخامس): إذا شرع في صلاة فريضة منفردا، وحضرت الجماعة
وخشي أن تفوته صلاة الجماعة إذا هو أتم الفريضة التي بيده، جاز
له قطعها ليدرك الجماعة، وإذا أمكن له أن يتمها ركعتين ويدرك
الجماعة بعدهما استحب له أن يعدل بها إلى نافلة ويتمها ركعتين كذلك.
والمراد بادراك الجماعة أن يدرك الركعة الأولى مع الإمام، ويلاحظ
ما سيأتي إن شاء الله في مبحث صلاة الجماعة.
(السادس): إذا شرع المسافر في صلاة فريضة مقصورة، ثم بدا له
وهو في صلاته أن ينوي إقامة عشرة أيام في ذلك المكان، فيجب عليه
العدول في صلاته إلى نية التمام.
(السابع): إذا نوى المسافر إقامة عشرة وشرع في الصلاة بنية
393

التمام، ثم بدا له وهو في صلاته أن يترك الإقامة، وجب عليه أن يعدل
في صلاته إلى القصر، وإذا تجاوز محل العدول فدخل في ركوع الثالثة
فالأحوط له أن يتمها رباعية ثم يعيدها مقصورة.
وإذا كان بعد أن نوى الإقامة قد صلى صلاة رباعية تامة قبل أن
يعدل عن نية الإقامة وجب عليه أن يتم في جميع صلواته في ذلك الموضع
حتى يسافر منه وسيأتي تفصيل ذلك في فصل نية الإقامة، من صلاة
المسافر.
(الثامن): إذا كان المسافر في المواضع التي يتخير فيها بين القصر
والتمام فنوى القصر في صلاته، جاز له العدول عنه إلى التمام فيها،
وإذا نوى التمام فيها جاز له العدول عنه إلى القصر.
(التاسع): إذا شرع المكلف في صلاة الاحتياط لبعض الشكوك
الصحيحة التي تعرض في الصلاة، وتذكر فيها إن صلاته صحيحة
لا تحتاج إلى صلاة احتياط، فله أن يعدل بها إلى نافلة.
[المسألة 368]
إذا شرع في قضاء فريضة فائتة ثم علم أن الفريضة الحاضرة قد
تضيق وقتها، لم يجز له العدول إليها، بل يجب عليه ابطال ما بيده
واستيناف الفريضة الحاضرة.
[المسألة 369]
إذا عدل من صلاة إلى صلاة أخرى حيث لا يصح له العدول، فإن لم يفعل
بعد العدول شيئا صح له أن يرجع بالنية إلى صلاته الأولى، وإن أتى بعد
عدوله ببعض أفعال الصلاة وكان عامدا في فعله بطلت الصلاتان معا،
وكذلك إذا كان ساهيا، وقد أتى بعد عدوله بركوع أو سجدتين،
فتبطل الصلاتان، وإن كان ساهيا ولم يزد ركنا رجع بنيته إلى صلاته
الأولى وأعاد الأفعال التي أتى بها بعد العدول وأتم الصلاة، والأحوط
إعادتها بعد الاتمام.
394

[المسألة 370]
ذا كان في صلاة العصر مثلا واعتقد أنه لم يصل الظهر قبلها، فعدل
بنيته إلى الظهر وبعد أن أتمها تذكر أنه قد صلى الظهر من قبل، وجب
عليه أن يصلي العصر ولم تكفه هذه الصلاة عنها، وهكذا في كل فريضة
اعتقد وجوبها فعدل إليها ثم تبين له أنها غير واجبة عليه، فلا تكفي
عن الفريضة التي عدل عنها وإن كانت مثلها في عدد الركعات.
[المسألة 371]
إذا خرج الانسان إلى السفر في سفينة ونحوها مما يمكن الصلاة
فيه، فصلى فيها بنية التمام لأنه لم يخرج بعد عن حد الترخص،
فوصل إلى حد الترخص وهو في أثناء الصلاة فإن كان قبل ركوع الثالثة
عدل بنيته إلى القصر وأتمها ركعتين وإن دخل في ركوع الثالثة قطع
الصلاة وأعادها قصرا.
وإذا كان في رجوعه من السفر ودخل في الصلاة بنية القصر ووصل
إلى حد الترخص في أثناء الصلاة عدل إلى التمام.
[المسألة 372]
إذا قصد في الصلاة امتثال ما في ذمته وكان يعتقد أنها الظهر، وبعد
أن أتمها تذكر أنه قد صلى الظهر من قبل وإن ما في ذمته هي العصر
أجزأته صلاته عن العصر، وكذلك العكس فتجزيه صلاته عن الظهر.
[المسألة 373]
لا يعتبر في الصلاة أن يقصد أن ما بيده هي الركعة الأولى أو الثانية
من الصلاة أو غيرهما، ولا يعتبر في النافلة أن يقصد أن الركعتين اللتين
بيده هما الأولتان منها أو ما بعدهما، فإذا توهم أن الركعة التي بيده
هي الثانية من الفريضة مثلا وأتم الركعة بهذه النية، وبعد أن أتمها
تذكر أنها الأولى صحت ركعته على ما هو الواقع ولم يضره خطاه في
الاعتقاد وكذلك العكس.
395

وإذا قام إلى ركعتين من نافلة النهار أو من نافلة الليل، وتوهم
أنهما الركعتان الأولتان منها، وبعد أن أتم الركعتين تذكر أنهما الثالثة
والرابعة أو غيرهما، صحت صلاته على ما هو الواقع ولم يضره الخطأ
في الاعتقاد.
[الفصل السادس عشر]
[في تكبيرة الاحرام]
[المسألة 374]
تكبيرة الاحرام أحد الأركان في الصلاة فلا تنعقد الصلاة بدونها،
سواء تركها عن عمد أم عن سهو، وبالشروع في التكبيرة يحصل الدخول
في الصلاة ولكن منافيات الصلاة لا تحرم إلا بعد اتمامها، ويجوز له
قطع التكبيرة قبل أن يتمها.
وتبطل الصلاة بزيادتها عمدا، فإذا كبر المصلي للاحرام مرتين
عامدا بطلت صلاته واحتاج إلى ثالثة وإذا كبر رابعة بطلت واحتاج
إلى خامسة، وهكذا، فإذا كبر شفعا بطلت الصلاة وإذا كبر وترا
صحت.
ويشكل الحكم في زيادتها سهوا، ولا بد من مراعاة الاحتياط في
ذلك، فإذا كبر شفعا ساهيا أتم صلاته ثم أعادها، وهكذا إذا كان في
صلاة وكبر لصلاة أخرى.
[المسألة 375]
صورة التكبير أن يقول المكلف (الله أكبر) ولا يجزيه أن يأتي بما
يرادفها في العربية أو بترجمتها من لغة أخرى، والأحوط لزوما أن
يأتي بها مجردة غير موصولة بما قبلها من أدعية الافتتاح أو غيرها،
ولا بما بعدها من بسملة أو استعاذة، كما تلقاها المسلمون يدا بيد
من الرسول الكريم (ص).
وتجب مراعاة النطق الصحيح بها من حيث مخارج الحروف، ومن
حيث حركاتها، ومن حيث الموالاة بين الحروف وبين الكلمتين، وأن
396

لا يزيد في حروفها أو ينقص كما إذا مد الهمزة من الله، أو قال أكبار،
أو قال أكبر بتشديد الراء أو قال: (الكبر).
[المسألة 376]
لا يصح أن يضم إلى لفظ الجلالة ما يدل على التعظيم ونحوه، كما
إذا قال: (الله العظيم أكبر) أو قال الله تعالى أكبر، وإذا قال الله أكبر
من أن يوصف أو من أن يحد، فلا يترك الاحتياط باتمام الصلاة
وإعادتها.
[المسألة 377]
يجب القيام في تكبيرة الاحرام، فإذا كبر للفريضة جالسا مع قدرته
على القيام بطلت صلاته، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا، ويجب
الاستقرار فيها كذلك، فإذا ترك الاستقرار في التكبيرة عامدا بطلت
صلاته، وإذا تركه ساهيا فالظاهر عدم البطلان بذلك إلا إذا رجع إلى
ترك القيام.
[المسألة 378]
لا يصدق التلفظ بتكبيرة الاحرام ولا بغيرها من قراءة الصلاة
وأذكارها وأدعيتها حتى ينطق بها بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح
السمع، ويكفي التقدير إذا وجد المانع أو كان غير صحيح السمع، فلا
تصح التكبيرة إذا لم يتحقق ذلك، ولا تصح إذا سمع إحدى الكلمتين من
التكبير ولم يسمع الأخرى، وهكذا في غير التكبير من القراءة والأذكار.
[المسألة 379]
من لا يحسن التكبيرة يجب عليه أن يتعلمها، ولا يصح له الدخول
في الصلاة ما لم يتعلم، وإذا أمكنه النطق بها صحيحة ولو بالتلقين كلمة
كلمة كفاه ذلك، وإذا ضاق الوقت ولم يمكنه ذلك أتى بها ملحونة فإن
لم يستطع أتى بترجمتها، والأحوط أن تكون بلغته إذا كان غير عربي
وإن أحسن ترجمتها في لغة أخرى، ولا يكتفي بغير الترجمة وإن كان
من الأذكار العربية ومن أذكار الصلاة.
397

[المسألة 380]
المعذور في نطقه كالتمتام والفافاء ومن يبدل بعض الحروف ببعض،
ومن لا يستطيع الافصاح في بعض الحروف أو بعض الكلمات يجب عليه
أن يأتي بها على قدر ما يمكنه، والأخرس الذي لا يمكنه النطق يخطرها
بقلبه ويشير إليها بإصبعه ويحرك لسانه إن أمكن، وفي حكم تكبيرة
الاحرام في ذلك غيرها من التكبيرات المستحبة في الصلاة.
[المسألة 381]
من ترك التعلم عامدا حتى ضاق الوقت كان آثما في فعله ووجب
عليه أن يصلي على نهج ما ذكرنا ولا يترك الاحتياط بقضاء الصلاة بعد
أن يتعلم.
[المسألة 382]
يستحب للمصلي أن يفتتح صلاته بست تكبيرات بالإضافة إلى تكبيرة
الاحرام فيكون المجموع سبع تكبيرات، ويجوز له أن يأتي بخمس أو
بثلاث ولكن السبع أفضل.
وله أن يجعل تكبيرة الاحرام أيتها شاء، ويشكل الحكم بالصحة إذا
نوى الاحرام بجميع التكبيرات، وإذا اختار إحدى التكبيرات فجعلها
للاحرام جهر بها إذا كان إماما وأسر في الباقي والظاهر أن الحكم المذكور
لا يختص بالفرائض اليومية بل يشمل غيرها من الفرائض والنوافل.
[المسألة 383]
جوز له أن يأتي بالتكبيرات المذكورة متوالية من غير دعاء بينهن،
والأفضل أن يكبر ثلاثا، ثم يقول: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا
أنت، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت. ثم يكبر اثنتين، ويقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر
ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك
تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. ثم يكبر اثنتين، ويقول: وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما
398

وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ثم يتعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ويقرأ الحمد.
[المسألة 384]
يستحب أن يقول حينما يتوجه إلى القبلة وقبل التكبير: اللهم إليك
توجهت ومرضاتك طلبت وثوابك ابتغيت وبك آمنت وعليك توكلت،
اللهم صل على محمد وآله، وافتح مسامع قلبي لذكرك وثبتني على دينك
ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
[المسألة 385]
يستحب أن يرفع يديه بالتكبير من غير فرق بين تكبيرة الاحرام
وغيرها، وليكن الرفع إلى النحر أو حيال الوجه أو إلى الأذنين، ولا
يتجاوزهما، ويستحب أن يستقبل بباطن كفيه وأن يبسطهما وينبغي
ضم أصابعهما.
ومقتضى الأدلة أن يكبر وهو رافع يديه، فإذا رفع يديه وكبر ثم
أرسلهما كفى ذلك في أداء الوظيفة، ولا يتعين أن يبتدئ بالتكبير عند
ابتداء رفع يديه وينتهي عند انتهائه.
[المسألة 386]
إذا شك المكلف في أنه أتى بتكبيرة الاحرام أم لا، فإن كان شكه قبل
أن يدخل في ما بعدها وجب عليه أن يأتي بالتكبيرة، وإن شك في الاتيان
بها بعد ما دخل في غيرها بنى على أنه قد أتى بها ومضى في صلاته.
ويكفي أن يدخل في دعاء التوجه بعدها، أو في الاستعاذة، أو في
البسملة للقراءة. وإذا أتى بالتكبيرة ثم شك في صحتها، حكم بالصحة
على الأقوى، سواء دخل في ما بعدها أم لا.
[المسألة 387]
إذا كبر المصلي ثم شك في أن تكبيرته هذه تكبيرة الاحرام أو تكبيرة
الركوع بنى على أنها تكبيرة الاحرام.
399

[الفصل السابع عشر]
[في القيام]
[المسألة 388]
القيام في حال تكبيرة الاحرام ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة
بتركه عمدا وسهوا، فمن أتى بتكبيرة الاحرام جالسا مع قدرته على
القيام بطلت صلاته، سواء كان عامدا أم ساهيا، وكذلك من كبر في
حال نهوضه قبل قيامه.
والقيام المتصل بالركوع ركن كذلك من أركان الصلاة، والمراد به
أن يكون ركوعه عن قيام، فمن ركع لا عن قيام مع قدرته بطلت صلاته،
ومثال ذلك أن يقرأ جالسا في صلاته ثم يركع، أو يجلس في أثناء قراءته
أو بعدها ثم يركع، سواء أتى بالركوع من جلوس أم من قيام، كما
إذا قرأ وهو جالس ثم نهض متقوسا حتى الركوع من قيام، فتبطل
صلاته في جميع ذلك، سواء فعل ذلك عامدا أم ساهيا.
[المسألة 389]
إذا هوى من القيام لا بقصد الركوع، ثم نواه في أثناء هويه وركع
بطلت صلاته لأنه لم يأت بالقيام المتصل بالركوع، وإذا لم يصل
إلى حد الركوع وجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع، فإذا فعل ذلك صحت
صلاته، وكذلك إذا لم ينو الركوع في انحنائه وإن وصل فيه إلى حد
الركوع، فيجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع، وتصح بذلك صلاته.
[المسألة 390]
القيام في حال القراءة أو حال التسبيح في الأخيرتين واجب غير ركن،
فمن ترك القيام وقرأ أو سبح في صلاته وهو جالس بطلت صلاته إذا
كان عامدا، ولم تبطل إذا كان ساهيا وكذلك الحكم في القيام بعد
الركوع، والقيام مستحب في حال القنوت.
[المسألة 391]
القيام الركن في حال تكبيرة الاحرام هو القيام في جميع التكبيرة، فلا
400

يجوز، للمصلي أن يبدأ بالتكبيرة قبل أن يتم قيامه ولو بحرف واحد
منها، ولا يجوز أن ينحني المأموم للركوع مع الإمام قبل أن يتم تكبيرة
احرامه ولو بحرف واحد، وأيهما فعل ذلك بطلت صلاته سواء كان
عامدا أم ساهيا، فيجب على المصلي أن يستقر قائما قبل أن يبدأ
بالتكبيرة وبعد أن يتمها من باب المقدمة.
[المسألة 392]
القيام في حال القراءة وحال التسبيح في الأخيرتين واجب غير ركن
كما تقدم ذكره قريبا، وهل هو واجب مستقل في حال القراءة والتسبيح
أو هو شرط فيهما، وجهان، ولا يترك الاحتياط، فمن قرأ أو سبح
وهو جالس نسيانا، وتذكر بعد أن أتم القراءة أو التسبيح فعليه
إعادتهما قائما على الأحوط، وكذلك إذا تذكر في أثنائهما، فعليه أن
يستأنفهما من قيام على الأحوط، وإن تذكر ذلك بعد الدخول في الركوع
صحت صلاته إذا أتى بالقيام المتصل بالركوع.
[المسألة 393]
القيام مستحب في حال القنوت، ومعنى ذلك أنه يجوز ترك القيام
بترك القنوت ولكن ليس للمصلي أن يأتي بالقنوت جالسا اختيارا،
فإن فعل ذلك عامدا لم يأت بوظيفة القنوت، ولا تبطل الصلاة بذلك
ولكن الأحوط استحبابا اتمام الصلاة ثم إعادتها.
[المسألة 394]
إذا نسي القراءة أو نسي بعضها حتى ركع لم تبطل صلاته إذا كان
ركوعه عن قيام.
[المسألة 395]
القيام المتصل بالركوع هو ما يتحقق بعده الركوع بالفعل، ولذلك
فلا تتحقق زيادته إلا بزيادة الركوع معه، فإذا نسي القراءة أو نسي
بعضها وهوى إلى الركوع ثم تذكر قبل أن يصل في هويه إلى حد الركوع،
وجب عليه الرجوع إلى القيام واتمام القراءة ولم تبطل صلاته بذلك،
وليس ما أتى به قبل هويه الأول قياما متصلا بالركوع.
401

وإذا هوى بقصد الركوع وتذكر قبل وصوله إلى حد الركوع أنه
قد ركع قبل ذلك، أرسل نفسه إلى السجود ولم تبطل صلاته وليس
ما أتى به قبل هويه قياما متصلا بالركوع.
وكذلك القيام في حال تكبيرة الاحرام، فلا تتحقق زيادته إلا بزيادة
تكبيرة الاحرام معه، وقد تقدم الاشكال في بطلان الصلاة بزيادة التكبيرة
سهوا في المسألة الثلاثمائة والرابعة والسبعين وإنه لا بد فيها من
الاحتياط باتمام الصلاة ثم إعادتها، وهو بذاته حكم زيادة القيام في
حال تكبيرة الاحرام.
[المسألة 396]
لا تبطل الصلاة بزيادة القيام إذا وقعت سهوا ومثال ذلك أن يقوم
في موضع القعود أو ينسى فيقرأ مرة ثانية بعد قراءته الواجبة فيكون
ذلك زيادة في القيام كما هي زيادة في القراءة ولا تبطل الصلاة بهما.
[المسألة 397]
إذا شك في القيام بعد الدخول في ما بعده لم يعتن بشكه وبنى على
وقوع ما شك فيه، كما إذا شك في القيام حال تكبيرة الاحرام بعد
الدخول في الاستعاذة أو في القراءة، وكما إذا شك في القيام حال القراءة
بعد الدخول في الركوع، أو شك في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول
إلى حد الركوع أو شك في القيام بعد الركوع وقد هوى إلى السجود.
[المسألة 398]
يجب على المصلي إذا كان قادرا أن ينتصب في قيامه ويعتدل، فتبطل
لأنه إذا كان منحنيا في قيامه أو مائلا إلى أحد الجانبين، ويجب أن
يكون مستقرا مطمئنا، فلا تصح صلاته إذا كان ماشيا أو مضطربا في
قيامه أو متحركا حركة تنافي الطمأنينة والاستقرار، وأن يكون مستقلا
على الأحوط فلا يعتمد في قيامه على عصى أو جدار أو غيرهما، وتصح
صلاته في جميع ما ذكر إذا كان مضطرا إليه، وتصح صلاته مطرقا
برأسه، فلا يجب عليه نصب العنق، نعم يستحب ذلك كما سيأتي في
آخر الفصل.
402

[المسألة 399]
لا يجوز له أن يفرج ما بين رجليه تفريجا فاحشا لا يصدق معه القيام
عرفا أو ينافي الاستقامة والاعتدال فيه، ويجوز إذا كان قليلا لا ينافي
شيئا من ذلك.
والأحوط أن يكون وقوفه على قدميه معا، فلا يكفي أن يقف على
رجل واحدة أو على أصل القدمين أو على أصابعهما.
[المسألة 400]
إذا صدق على المصلي أنه واقف على قدميه صحت صلاته وإن كان
اعتماده على إحداهما أكثر من الأخرى.
[المسألة 401]
لا تبطل صلاة الانسان إذا ترك الانتصاب في قيامه أو ترك الاستقرار
أو الاستقلال فيه ناسيا أو ساهيا، وإن كان القيام ركنا، نعم لا يترك
الاحتياط بإعادة الصلاة إذا مشى في القيام الركني ساهيا أو ناسيا أو
تحرك فيه بما يشبه المشي.
[المسألة 402]
يتخير المضطر إلى الاعتماد في حال قيامه، بين أن يعتمد على جدار
أو عصى، أو انسان ولا يتعين على الأقطع أن يعتمد على خشبته الخاصة
التي أعدها لمشيه، ويجب على الانسان شراء ما يعتمد عليه أو استيجاره
إذا اضطر إليه في صلاته ولم يجده إلا بالشراء أو الاستيجار.
[المسألة 403]
إذا اضطر الانسان إلى ترك الانتصاب في قيامه أو إلى عدم الاستقرار
فيه أو إلى الاعتماد على عصى ونحوها، أو اضطر إلى الوقوف على رجل
واحدة، أو إلى التفريج بين الرجلين بنحو ينافي الاستقامة ولا ينافي
القيام أو غير ذلك من الأعذار التي لا تنافي صدق القيام عرفا وجب عليه
ذلك، ولم تصح له الصلاة جالسا، ويلاحظ ما علقناه على هذه المسألة
من كتاب العروة الوثقى في الحكم إذا دار الأمر في هذه الأعذار بعضها
مع بعض.
403

[المسألة 404]
إذا عجز المكلف عن القيام في الصلاة بجميع مراتبه التي تقدم ذكرها
أو الإشارة إليها وجب عليه أن يصلي جالسا، وجرى في الجلوس جميع
ما تقدم في القيام، فيجب فيه الانتصاب والاستقرار والاستقلال وغيرها.
[المسألة 405]
للتفريج الفاحش بين الرجلين مراتب، فما صدق معه القيام عرفا
من مراتبه فهو مقدم على الجلوس كما تقدم، وما لم يصدق معه القيام منها
فالأحوط معه تكرار الصلاة، فيصلي مفرجا بين رجليه كذلك مرة،
ويصلي جالسا مرة أخرى.
[المسألة 406]
إذا تعذر عليه الجلوس في صلاته، ولو بأن يكون معتمدا على شئ
أو متكئا على جدار، وجب عليه أن يصلي مضطجعا على جانبه الأيمن
ومستقبلا بمقاديم بدنه كهيئة الميت المدفون فإن لم يقدر، فعلى جانبه
الأيسر، فإن تعذر عليه ذلك صلى مستلقيا على ظهره كهيئة المحتضر.
ويجب عليه الانحناء لركوعه وسجوده بالقدر الممكن له من الانحناء،
ولو برفع موضع سجوده، فإذا لم يمكنه الانحناء أومأ برأسه، والأحوط
أن يجمع بين الايماء وغمض العينين في الركوع والسجود، وأن يرفع
شيئا يضع جبهته عليه في السجود، وليجعل ايماءه للسجود أخفض منه
للركوع، ويجعل غمض العينين للسجود أزيد منه للركوع، والأحوط
الايماء في السجود بمساجده الأخرى.
[المسألة 407]
إذا كان قادرا على القيام في الصلاة ولكنه يعجز عن الركوع قائما
كبر وقرأ قائما ثم جلس وأتى بالركوع جالسا وإذا عجز عن الركوع
قائما وجالسا، صلى قائما وأومأ للركوع وإذا عجز عن الركوع والسجود
صلى قائما وانحنى للركوع بالمقدار الممكن ولو يسيرا، ثم ينحني للسجود
ولو برفع موضع سجوده فإن لم يقدر أومأ برأسه للسجود وغمض عينيه
404

ورفع شيئا يضع جبهته عليه وإن تمكن من الجلوس جلس وأومأ للسجود
على النهج المتقدم ويراجع ما يأتي في فصل الركوع.
[المسألة 408]
إذا كان المكلف ممن وظيفته الصلاة جالسا فصلى كذلك، وأمكنه
القيام للركوع فقط وجب عليه أن يقوم بعد القراءة ثم يركع عن
قيام، وكذلك الحكم إذا تجددت له القدرة على القيام في جميع الصلاة
وضاق الوقت عن إعادتها، فيقوم بعد القراءة للركوع ويتم صلاته.
وإذا أمكنه القيام في جميع الصلاة وكان الوقت متسعا فلا بد من
إعادة الصلاة.
[المسألة 409]
إذا كان قادرا على القيام في بعض ركعات الصلاة دون بعض وجب
عليه أن يقوم إلى أن يعجز فيتم صلاته جالسا، فإذا أحس من نفسه القدرة
على القيام قام وهكذا، وكذلك إذا أمكنه القيام في بعض الركعة دون
بعض وجب عليه القيام في أول الركعة إلى أن يعجز ثم يتم الركعة
جالسا.
[المسألة 410]
إذا عجز عن القيام في الصلاة وظن أو احتمل أن تتجدد له القدرة
على القيام في آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة، ولكنه إذا صلى في
سعة الوقت مع الاحتمال برجاء استمرار العذر إلى آخر الوقت ثم
انكشف له استمرار عذره كذلك صحت صلاته.
[المسألة 411]
إذا كان قادرا على القيام ولكنه يخشى حدوث مرض إذا هو قام في
صلاته أو يخاف بطء زوال مرض يجده جاز له أن يصلي جالسا،
وكذلك إذا كان القيام يوجب له الحرج والمشقة الشديدة، وإذا كان
ممن يصلي جالسا وعرض له خوف المرض من صلاته جالسا أو لزم
الحرج جاز له أن يصلي مضطجعا.
405

[المسألة 412]
إذا صلى الانسان قائما وعجز في أثناء صلاته عن القيام جلس في
صلاته، وإذا عجز عن ذلك اضطجع، فإذا عجز استلقى، وعليه أن
يترك القراءة أو الذكر عند انتقاله من حالة إلى حالة حتى يستقر،
وإنما تصح صلاته في هذه الفروض إذا كان العذر مستمرا إلى آخر
الوقت، فإذا زال العذر والوقت باق وجبت عليه إعادة الصلاة.
[المسألة 413]
إذا صلى جالسا وتجددت له القدرة على القيام في أثناء الصلاة، فإن
كان الوقت واسعا وجبت عليه إعادة الصلاة، وإن كان الوقت ضيقا
وجب عليه أيتم صلاته قائما، وعليه أن يترك القراءة والذكر في
حال انتقاله إلى القيام حتى يستقر، وكذلك الحكم في المضطجع إذا
قدر على الجلوس، وفي المستلقي إذا قدر على الاضطجاع، فيعيد صلاته
إذا كان الوقت واسعا، وينتقل إلى الحالة التي تجددت له القدرة عليها
إذا كان الوقت ضيقا ويترك القراءة والذكر في حال انتقاله حتى
يستقر.
[المسألة 414]
إذا تجددت للمكلف القدرة على القيام بعد أن أكمل القراءة جالسا
فإن كان مع سعة الوقت، فقد تقدم أنه تجب عليه إعادة الصلاة في
جميع الفروض، وإن كان الوقت ضيقا وجب عليه القيام للركوع،
ولم تجب عليه إعادة القراءة، وإذا تجددت له القدرة في أثناء القراءة،
فعليه القيام واتمام القراءة ولا يجب عليه استينافها.
وإذا تجددت له القدرة في أثناء الركوع جالسا فإن كان قد أتم الذكر
الواجب فيه، وجب عليه أن ينتصب قائما لرفع الرأس من الركوع،
وإن كان أقبل أن يتم الذكر، فعليه أن يتمه بقصد الرجاء على الأحوط،
ويحب عليه أن يرتفع منحنيا حتى يصل إلى حد الركوع قائما ثم عليه
على الأحوط أن يأتي بالذكر بقصد الرجاء مرة أخرى، وإذا انتصب
في هذه الصورة قائما ثم ركع بطلت صلاته، وإذا تجددت له القدرة
406

بعد أن رفع رأسه من الركوع جالسا، فلا يترك الاحتياط في أن ينتصب
قائما برجاء المطلوبية.
[المسألة 415]
يجب الاستقرار والطمأنينة حال القراءة والتسبيحات، سواء كان
ممن يصلي قائما أم جالسا أم مضطجعا أم مستلقيا، ويجب الاستقرار
في حال الذكر في الركوع والسجود سواء أتى بهما قائما أم جالسا أم
مؤميا، وفي جميع أفعال الصلاة وأذكارها، وحتى في حال القنوت وجلسة
الاستراحة والأذكار المستحبة.
[المسألة 416]
موضع التكبير المستحب هو حال الانتصاب قبل الركوع أو قبل السجود
أو بعد السجود، فإذا أتى في حال الهوي أو حال النهوض فقد أتى به
في غير محله، ولا يجوز ذلك مع العمد، ولا تبطل به الصلاة.
[المسألة 417]
يتخير من يصلي جالسا في كيفية جلوسه، ولا تتعين عليه كيفية
خاصة، ويستحب أن يكون متربعا، قالوا: ومن التربع أن يجلس
القرفصاء، وهو أن يجلس على ألييه وقدميه ويرفع فخذيه وساقيه عن
الأرض، فإذا أراد الركوع ثنى رجليه وركع، ويتورك في جلوسه بين
السجدتين وفي حال التشهد.
[المسألة 418]
يستحب للمصلي في حال قيامه أن يسدل منكبيه، وأن يرسل يديه، وأن
يضم أصابع كفيه، ويضعهما على فخذيه قبالة ركبتيه، اليمنى على
الفخذ الأيمن، واليسرى على الفخذ الأيسر، وأن يقيم صلبه ونحره،
وأن يصف قدميه، ويستقبل بأصابعهما القبلة، وأن يفرق بينهما
بمقدار ثلاث أصابع مفرجات أو أزيد إلى شبر، وأن يسوي بينهما في
الاعتماد وأن يكون نظره إلى موضع سجوده، وأن يكون في قيامه
خاضعا خاشعا مستكينا.
ويستحب للمرأة أن تجمع بين قدميها ولا تفرق بينهما كما يفعل
الرجل، وأن تضم يديها إلى صدرها على ثديها.
407

[الفصل الثامن عشر]
[في القراءة]
[المسألة 419]
تجب قراءة فاتحة الكتاب في الركعة الأولى والثانية من كل فريضة،
سواء كانت من الفرائض اليومية أم غيرها عدا صلاة الأموات، وتجب
فيهما على الأحوط قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة، حتى في الفريضة
المعادة.
ويسقط وجوب السورة إذا أوجبت قراءتها المشقة الشديدة على
المكلف لمرض أو استعجال أو ضرورة أخرى توجب ذلك، فيجور له حين
ذلك الاقتصار في صلاته على قراءة الفاتحة وحدها.
وتحرم قراءة السورة عند ضيق الوقت أو الخوف أو الضرورة
الشديدة التي توجب تحريم الفعل فيجب على المكلف عند ذلك الاقتصار
على قراءة الفاتحة وترك قراءة السورة.
[المسألة 420]
لا يجوز أن يقدم السورة على فاتحة الكتاب، فإذا قدمها عليها عامدا،
بطلت صلاته سواء أعادها بعد الفاتحة أم لم يعدها.
وإذا قدم السورة على الفاتحة ساهيا، فإن تذكر ذلك بعد الركوع
صحت صلاته، وإن تذكره قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الحمد بعد
السورة أعاد السورة ويجزيه أن يقرأ سورة أخرى غيرها وإن لم يقرأ
الحمد وجب عليه أن يقرأها ثم يأتي بعدها بسورة.
[المسألة 421]
النوافل كالفرائض، فلا بد فيها من قراءة الفاتحة ولا تصح بدونها،
ولا تجب فيها قراءة السورة وإن كانت النافلة واجبة عليه بنذر وشبهه،
فللمصلي أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وحدها، وأن يأتي معها بآيات من
سورة أو آيات من سور متعددة، وبسورة واحدة وبسور متعددة.
408

وتستثنى من ذلك النوافل ذات الكيفيات المخصوصة والتي عينت
فيها قراءة سور معينة أو آيات خاصة، كصلاة الوصية وصلاة الغدير
وصلاة الغفيلة وبعض صلوات الحاجة، فلا بد وأن تقرأ فيها السور
أو الآيات المعينة.
وإذ علم أن تعيين السور فيها إنما هو شرط لكمال النافلة لا لمشروعيتها
جاز له ترك تلك السورة فيها، كما يجوز له قراءة غيرها، وذلك
كالسور التي تستحب قراءتها في صلاة جعفر أو في صلاة الليل.
[المسألة 422]
إذا ترك القراءة في صلاة الفريضة ساهيا وتذكر بعد وصوله إلى
حد الركوع صحت صلاته، ولم يجب عليه في ذلك سجود السهو على
الأقوى وإن كان الاتيان به أحوط.
وكذلك إذا ترك قراءة الحمد وحدها ساهيا أو ترك قراءة السورة
وحدها وتذكر بعد الركوع فلا شئ عليه.
وإذا ترك القراءة أو ترك إحدى السورتين ساهيا وتذكر قبل
الدخول في الركوع وجب عليه أن يأتي بما تركه وإذا ترك الحمد
وحدها فعليه أن يقرأها وأن يأتي بالسورة بعدها ليحصل الترتيب.
[المسألة 423]
لا يجوز للمصلي أن يقرأ في صلاته ما يفوت الوقت بقراءته من السور،
سواء كان ذلك لطول السورة أم لقصر الوقت، وإن قرأ فالظاهر عدم بطلان
الصلاة بذلك وإن كان عامدا في فعله، فإذا كان في سعة الوقت
وجب عليه أن يعدل عن تلك السورة إلى غيرها ويتم صلاته وإذا كان الوقت
ضيقا قطع السورة وأتم صلاته من غير سورة، نعم تبطل الصلاة
إذا قصد بها الأداء ولم يدرك ركعة من الوقت سواء كان عامدا في ذلك
أم ساهيا.
وإذا قرأ ما يفوت به الوقت وكان ساهيا ولم يتنبه إلا بعد فراغه من
الصلاة وخروج الوقت وقد أدرك من الوقت مقدار ركعة صحت صلاته.
409

[المسألة 424]
تشكل قراءة سورة العزيمة في صلاة الفريضة، لعدم امكان الجمع
مع قراءتها بين غرضي الشارع، فإذا قرأها عامدا، فإن سجد لها عند
تلاوة آية العزيمة كما هو الأقوى بطلت صلاته لزيادة السجود، وإن
هو لم يسجد لها كان عاصيا وآثما بترك السجود، وكان عليه أن يتم
الصلاة ثم يعيدها على الأحوط.
وإذا قرأها ساهيا أو ناسيا فإن تذكر قبل أن يقرأ آية العزيمة وجب
عليه أن يعدل إلى سورة أخرى ويتم الصلاة، وإن تذكر بعد قراءة آية
العزيمة والسجود لها نسيانا وجب عليه أن يتم صلاته وكانت صحيحة
على الأقرب.
وإن تذكر بعد قراءة آية العزيمة وقبل السجود لها كان حكمه هو
ما تقدم في العمد، فإن سجد لها كما هو الأقوى بطلت صلاته للزيادة
وإن لم يسجد لها كان عاصيا ووجب عليه أن يتم الصلاة ثم يعيدها على
الأحوط.
وإذا قرأ سورة العزيمة ساهيا ولم يتذكر إلا بعد الدخول في الركوع
فإن كان قد سجد لها في حال نسيانه فعليه اتمام صلاته وكانت صحيحة،
وكذلك إذا سها عن سجدة التلاوة حتى أتم الصلاة، فعليه أن يأتي
بالسجدة إذا تذكرها بعد الفراغ وكانت الصلاة صحيحة. وإن تذكر
وهو في الصلاة أنه لم يسجد سجدة التلاوة جرى فيه الحكم المتقدم في
صورة العمد، فإن هو سجد لها بطلت صلاته، وإذا عصى وترك السجود
كان عليه أن يتم الصلاة ثم يعيدها على الأحوط.
[المسألة 425]
إذا لم يقرأ سورة العزيمة في فريضته ولكنه قرأ آية السجدة في
أثنائها لم تبطل صلاته بذلك، وجرى فيها الحكم المتقدم في صورة العمد،
فإن سجد بعد تلاوة الآية بطلت صلاته، وإذا عصى أو سها فلم يسجد لها
وجب عليه أن يتم صلاته، وكذلك إذا قرأ الآية في فريضته ناسيا.
وإذا سمع من يقرأ الآية أو استمع إليه وهو في الفريضة أومأ إلى
410

السجود وأتم صلاته وصحت، والأحوط أن يسجد لها بعد الفراغ من
الصلاة أيضا.
[المسألة 426]
تجوز قراءة سور العزائم في صلاة النافلة، فإذا قرأ آية السجدة منها
سجد وهو في الصلاة ثم قام فأتم نافلته ولم تبطل بذلك وإن كانت واجبة
عليه بنذر وشبهه، وكذلك الحكم إذا قرأ آية السجدة وحدها.
[المسألة 427]
سور العزائم الأربع هي ألم تنزيل، وحم فصلت، وسورة النجم،
وسورة العلق، وموضع السجود هو آخر الآية الكريمة من السورة.
[المسألة 428]
البسملة جزء من كل سورة، فتجب قراءتها معها، عدا سورة التوبة
وهي سورة براءة، فلا بسملة فيها، وإذا أتى بالبسملة لسورة معينة
لم تكف لغيرها، فإذا بدا له أن يقرأ سورة أخرى، فعليه أن يعيد
البسملة بقصدها.
[المسألة 429]
سورة الفيل ولايلاف قريش سورة واحدة، فلا تكفي قراءة أحدهما
في الفريضة، بل لا بد من أن يجمع بينهما، ويقدم سورة الفيل مع
البسملة الواقعة بينهما، وكذلك الحكم في سورة الضحى وألم نشرح،
فيجب أن يجمع بينهما ويقدم سورة الضحى مع البسملة الواقعة بينهما.
[المسألة 430]
يجوز أن يقرأ سورتين أو أكثر في ركعة واحدة من الفريضة على
كراهة، والأحوط ترك ذلك، ولا كراهة إذا فعل ذلك في النافلة.
[المسألة 431]
يجب تعيين السورة قبل الشروع فيها ويكفيه التعيين الاجمالي الحاصل
من الاعتياد ونحوه، وإذا أتى بالبسملة من غير أن يعين سورة وجب
411

عليه إعادة البسملة وأن يعينها لسورة خاصة يختارها، وكذلك إذا أتى
بالبسملة بقصد سورة معينة ثم نسي أي سورة عينها أو أتى بالبسملة
وشك في أنه قصدها لسورة خاصة أم لا، فعليه في جميع هذه الفروض
أن يختار سورة معينة ويعيد البسملة لها
[المسألة 432]
إذا أتى بالبسملة وشرع بعدها في سورة وشك في أثناء قراءتها في
أنه هل عين البسملة لها أم لغيرها وقرأها نسيانا بنى على الصحة.
[المسألة 433]
إذا عزم على قراءة سورة معينة في صلاته أو كان معتادا على قراءتها،
فنسي، وقرأ غيرها كفاه ذلك مع التعيين ولو على سبيل الاجمال ولم
يكفه مع عدم التعيين.
[المسألة 434]
يجوز لمن شرع في قراءة إحدى السور في الفريضة أن يعدل منها إلى
سورة أخرى ما لم يتجاوز النصف، ويستثنى من ذلك سورتا التوحيد
والجحد، فلا يجوز لمن شرع في إحداهما ولو بالبسملة لها أن يعدل منها
إلى غيرهما من السور، ولا يجوز لمن شرع في إحداهما ولو بالبسملة أن
بعدل منها إلى الأخرى منهما.
[المسألة 435]
يجوز لمن قرأ إحدى السور في صلاة الجمعة أو صلاة الظهر في يوم
الجمعة أن يعدل منها إلى سورة الجمعة في الركعة الأولى، وإلى سورة
المنافقين في الركعة الثانية ما لم يتجاوز النصف وإن كانت السورة التي
قرأها هي التوحيد أو الجحد، بل وإن تعمد قراءتهما في الفريضة،
فيحوز له العدول عنهما إلى السورتين ما لم يتجاوز النصف.
[المسألة 436]
الأحوط لمن قرأ سورة الجمعة أو المنافقين في صلاة الجمعة أو الظهر
412

من يوم الجمعة أن لا يعدل عنهما إلى غيرهما من السور وإن لم يبلغ
النصف.
[المسألة 437]
يجوز العدول مع الضرورة من سورة إلى غيرها وإن قرأ أكثر
السورة، وحتى من سورتي الجحد والتوحيد، وسورتي الجمعة والمنافقين
في ظهر يوم الجمعة، بل يجب ذلك.
ومثال الضرورة أن ينسى بعض السورة التي شرع فيها فلا يقدر
أن يتمها، أو يخاف أن يفوت الوقت إذا أتمها، أو يحصل له مانع آخر من
اتمامها، ومن ذلك أن يقرأ إحدى سور العزائم في فريضته ساهيا،
ويتذكر قبل اتمامها، فيجب عليه العدول عنها كما ذكرنا في ما تقدم.
قيل: ومن ذلك ما لو نذر أن يقرأ في صلاته سورة خاصة لا غيرها،
ثم ينسى فيقرأ غير تلك السورة التي نذر قراءتها، فيعدل عن السورة
التي قرأها إلى السورة المنذورة، ولكن الأحوط في هذا الفرض أن يتم
السورة التي شرع فيها ثم يأتي بعدها بالسورة المنذورة ويقصد
بإحداهما ما في ذمته وبالثانية القربة المطلقة.
[المسألة 438]
إذا أتى بالبسملة بقصد إحدى السورتين: الجحد أو التوحيد، ثم
نسي أي السورتين قد عينها، أتى بإحدى السورتين بلا بسملة، لاحتمال
أنها هي السورة التي قصدها، ثم يأتي بعدها بالسورة الثانية مع
البسملة، لاحتمال أنها هي المعينة، ويقصد الجزئية بالسورة المعينة
في الواقع، وبالثانية القربة المطلقة.
[المسألة 439]
قد يشكل العدول في النافلة من سورتي الجحد والتوحيد إلى غيرهما،
والأحوط في هذا الفرض أن يأتي بالسورة التي عدل إليها بقصد
القربة المطلقة.
[المسألة 440]
يجب على الرجل أن يجهر بالقراءة في صلاة الصبح وأولتي المغرب
413

والعشاء، ويجب عليه الاخفات في أولتي الظهر والعصر إلا في يوم
الجمعة، فيجب الجهر في صلاة الجمعة ولا يترك الاحتياط به في صلاة
الظهر.
[المسألة 441]
يستحب الجهر بالبسملة في الظهر والعصر للفاتحة والسورة، وفي
ثالثة المغرب، وأخيرتي الظهرين والعشاء إذا اختار فيها القراءة.
[المسألة 442]
إذا جهر المصلي عامدا في موضع يجب فيه الاخفات بالقراءة، أو
أخفت في موضع يجب فيه الجهر بها بطلت صلاته، وإذا فعل ذلك ناسيا
أو جاهلا صحت صلاته، وإذا كان الجاهل مترددا في الحكم فجهر أو
أخفت في غير محله برجاء المطلوبية فالأحوط الإعادة.
[المسألة 443]
إذا فعل ذلك ناسيا أو جاهلا ثم تذكر ما نسيه أو علم ما جهله وهو
في أثناء القراءة أو بعد الفراغ منها وقبل الركوع صح ما مضى من
قراءته ولم تجب عليه إعادة ما قرأه.
[المسألة 444]
يعذر الجاهل بالحكم في مسألة الجهر والاخفات، سواء كان جاهلا
بوجوب الجهر والاخفات أم كان جاهلا بمعناهما أم كان جاهلا بموضعهما،
والمراد بجهل الموضع أن يعلم بوجوب الجهر والاخفات في بعض الفرائض
ويجهل الفريضة التي يجبان فيها، فيتوهم إن الصبح مثلا مما يخفت
فيه، وإن الظهرين مما يجهر فيه.
[المسألة 445]
إذا جهل المأموم بوجوب الاخفات عليه إذا وجبت عليه القراءة،
فجهر بها، صحت صلاته على الظاهر وإن كان الأحوط استحبابا له
الإعادة.
414

[المسألة 446]
تتخير المرأة في الصلاة الجهرية بين الجهر والاخفات وإن سمعها
الأجنبي إلا إذا كان في مقام الريبة والتلذذ، ويجب عليها الاخفات في
الصلاة الاخفاتية.
وإذا أجهرت في موضع يجب فيه الاخفات جرى فيها ما تقدم بيانه في
حكم الرجل فتعذر حيث يعذر الرجل وتبطل صلاتها حيث تبطل صلاته.
[المسألة 447]
الجهر هو أن يظهر جوهر الصوت في القراءة، والاخفات هو أن
يقرأ ولا يظهر جوهر صوته، نعم يشكل الاكتفاء إذا ظهر به الصوت
كالمبحوح الشديد البحة، أما البحة الخفيفة فالظاهر تحقق الاخفات
معها.
[المسألة 448]
لا يجوز الافراط في الجهر بحيث يكون خارجا عن المعتاد كالصياح
وتبطل الصلاة إذا فعل ذلك.
[المسألة 449]
تقدم في المسألة الثلاثمائة والثامنة والسبعين: إن القراءة لا تتحقق
حتى ينطق بالكلمات بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ويكفي
التقدير إذا وجد المانع أو كان غير صحيح السمع وهذا هو أدنى مراتب
الاخفات، فلا يجزي ما هو أقل من ذلك لعدم صدق القراءة، وعدم
صدق الاخفات، ولا يجزي إذا كان يسمع بعض الكلمات أو بعض
الحروف ولا يسمع بعضها.
[المسألة 450]
لا يتأدى الجهر في القراءة الجهرية حتى يجهر في جميع الكلمات
والحروف وفي أواخر الآيات، فتجب المحافظة على ذلك ولا يعتنى
بالمسامحة العرفية.
415

[المسألة 451]
تجوز القراءة في المصحف لغير القادر على الحفظ، بل تجوز حتى
للقادر وللحافظ، ويجوز لمن لا يحسن أو لا يحفظ أن يتابع غيره في
القراءة ولو بتلقينه آية آية.
[المسألة 452]
التمتام والفأفاء ومن يبدل بعض الحروف ببعض ومن لا يقدر على
الافصاح ببعض الكلمات أو ببعض الحروف تجب عليه القراءة بما
يمكنه، ولا يجب عليه الايتمام في صلاته، نعم هو أحوط كما هو أفضل،
وبحكمه من لا يقدر إلا على الملحون ولا يستطيع التعلم.
[المسألة 453]
الأخرس الذي لا يستطيع النطق عليه أن يحرك لسانه مع الامكان
ويشير بيده إلى ألفاظ القرآن بقدر ما يمكنه ولا يجب عليه الايتمام،
وبحكمه من لا يمكنه التلفظ لشلل أو آفة أخرى في لسانه.
[المسألة 454]
يجب التعلم على من لا يحسن القراءة إلا إذا تمكن من تأدية الصلاة
الصحيحة بالايتمام أو بالمتابعة في القراءة لغيره ولو بالتلقين آية آية
فيكفيه ذلك من غير فرق بين الفاتحة والسورة.
[المسألة 455]
إذا تعلم بعض الفاتحة وضاق الوقت، وجب عليه أن يقرأ في صلاته
ما تعلم من الفاتحة وأن يقرأ من سائر القرآن عوض البقية منها على
الأحوط.
وإذا لم يتعلم من الفاتحة شيئا قرأ من غيرها من القرآن بعدد آيات
الفاتحة وبمقدار حروفها على الأحوط وإن لم يحسن من القرآن شيئا
سبح الله وكبره وذكره بقدر حروف الفاتحة، على الأحوط كذلك،
والأحوط أن يأتي بالتسبيحات الأربع بقدرها.
416

[المسألة 456]
تجب مراعاة الترتيب بين آيات الفاتحة، وبين آيات السورة، وما بين
جملهما، وكلماتهما، وتجب مراعاة الموالاة في قراءتهما، فإذا خالف
الترتيب في شئ مما ذكر أو أخل بالموالاة وكان عامدا بطلت صلاته،
وإن كان ساهيا وجب عليه أن يعيد الجملة التي وقع الخلل فيها وما
بعدها، وإذا حصل بسبب ذلك ما يخل بقراءة الآية أعادها وما بعدها،
وإذا حصل ما يخل بأصل القراءة كالفصل الطويل أعاد القراءة.
[المسألة 457]
تجب القراءة الصحيحة باخراج الحروف من مخارجها المعروفة بحيث
لا يبدل حرفا بحرف، أو يلتبس به عند أهل اللسان، وموافقة الأسلوب
العربي في هيئة الكلمة وهيئة الجملة في حركات بناء الهيئة وسكناته،
وحركات الاعراب والبناء في آخر الكلمة وسكناتهما، والمد الواجب،
والادغام، والحذف، والقلب في مواضعها.
فإذا المصلي بشئ من ذلك بطلت قراءة الكلمة أو الجملة التي
أخل بها، وإذا كان الاخلال عن عمد بطلت صلاته للزيادة العمدية،
وإن كان الاخلال عن سهو أو نسيان وكان في المحل وجب عليه
أن يستأنف ما أخل به فإن هو لم يستأنف بطلت الصلاة للنقيصة العمدية،
وإن لم يتذكر ذلك حتى تجاوز المحل ودخل في الركن أتم صلاته ولا شئ
عليه.
[المسألة 458]
مواضع المد هي الواو المضموم ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها،
والياء المكسور ما قبلها، إذا كان بعد إحداها همزة، أو كان بعده
سكون لازم، والسكون اللازم هو الذي لا يختلف حاله في الوصل والوقف.
وأمثلة الأول قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول):
وقوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا، وجئ يومئذ بجهنم)،
ومن أمثلة الثاني قوله تعالى: (ق) و (ن)، و (ص)، و (يس) وغيرها
من الحروف المفردة في أوائل السور. ويتأكد في ما كان بعد حرف المد
417

حرف ساكن مدغم في حرف آخر، كقوله تعالى: (ولا الضالين) وقوله
تعالى: (يوادون من حاد الله ورسوله) ولا يترك الاحتياط بمراعاة
ذلك وخصوصا في الفرض الأخير.
[المسألة 459]
القدر اللازم في مد حرف المد ما تتوقف عليه إقامة الكلمة والنطق
بها على النهج العربي، ولا يجب مده أكثر من ذلك، ولكن يحسن أن
يمد بمقدار ألفين، وأحسن منه إلى أربع ألفات، ولا تبطل الكلمة إذا
مد حرف المد فيها أكثر من ذلك، إلا إذا خرجت الكلمة بطول المد
عن كونها كلمة.
[المسألة 460]
يجب الادغام في الكلمة الواحدة التي يجتمع فيها حرفان متماثلان
وكانا متحركين أو كان الأول منهما ساكنا والثاني متحركا، ومثال
الأول الادغام في ود ويردونكم من قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب
لو يردونكم)، ومثال الثاني الادغام في كلمة (مدا) من قوله تعالى:
(فليمدد له الرحمن مدا).
بل يجب الادغام إذا اجتمع الحرفان المتماثلان في كلمتين وكان
الأول ساكنا والثاني متحركا كما قوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من
أهلي) وقوله تعالى: (اذهب بكتابي) وقوله تعالى: (أينما تكونوا
يدرككم الموت).
[المسألة 461]
الأحوط لزوم الادغام إذا التقت نون ساكنة أو تنوين بأحد حروف
(يرملون) وكانا في كلمتين كقوله تعالى: (ولم يكن له) وقول (أشهد
أن لا إله إلا الله) في التشهد وفي الأذان والإقامة، وكلمة (اللهم صل على
محمد وآل محمد) وكذلك إذا وقعا في كلمة واحدة في القنوت أو الدعاء،
ولم تلتبس الكلمة بعد ادغامها بكلمة أخرى، وإذا التبست بها فلا
ادغام.
418

[المسألة 462]
يجب ادغام لام التعريف في أربعة عشر حرفا من حروف الهجاء
ويجب اظهارها في أربعة عشر حرفا منها، فيجب ادغامها في التاء، وفي
الثاء والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد،
والضاد، والطاء، والظاء، واللام، والنون.
ويجب اظهارها مع الألف، والباء، والجيم، والحاء والخاء،
والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، والميم، والواو،
والهاء، والياء.
فيجب ادغام لام التعريف في كلمة الجلالة: الله، والرحمن، والرحيم،
والدين، والصراط، والذين، والضالين من سورة الفاتحة، وكلمة
الصمد من سورة التوحيد، ويجب اظهارها في كلمة: الحمد، والعالمين،
والمستقيم، والمغضوب في الفاتحة.
[المسألة 463]
الأحوط لزوم قلب التنوين والنون الساكنة ميما إذا وقعت بعد
إحداهما باء، من غير فرق بين أن يكونا في كلمة واحدة أو في كلمتين،
ومثال ذلك قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) وقوله تعالى:
(جزاء بما كانوا يعملون).
[المسألة 464]
يجب أن تحذف همزة الوصل عند الدرج، كالهمزة في لفظ الجلالة،
وفي كلمة: الرحمن، والرحيم، والعالمين، والدين، واهدنا، والصراط،
والمستقيم، ونحوها ويجب أن تثبت عند الابتداء بها، فإذا قال:
(الحمد لله) أو قال (الرحمن الرحيم) أو قال (اهدنا الصراط) أو قال
(الله الصمد) أثبت الهمزة في الابتداء.
وإذا أثبت همزة الوصل عند الدرج في القراءة أو حذفها عند الابتداء
بها بطلت قراءة الكلمة وإذا كان متعمدا بطلت الصلاة، وإذا كان ساهيا
وجبت عليه إعادة قراءة الكلمة وما بعدها على نهج ما تقدم في المسألة
الأربعمائة والسابعة والخمسين.
419

ويجب أن تثبت همزة القطع في إياك وفي أنعمت وغيرهما، فإذا
حذفها في الدرج بطلت قراءة الكلمة وكان الحكم في الصلاة هو ما تقدم.
[المسألة 465]
يكفي أن ينطق بالحرف على الوجه الصحيح عند أهل اللسان وإن
لم يعرف مخارج الحروف التي تذكر في علم التجويد ولم يلتفت إليها،
فالمناط في الصحة أن يتكلم بالحرف وبالكلمة على النهج العربي المستقيم،
فإذا جهل ذلك وجب عليه التعلم.
[المسألة 466]
الأحوط لزوما ترك الوقف على الحركة، فلا يجوز له أن يقرأ مثلا
(الحمد لله رب العالمين) بفتح النون ويقف على ذلك، بل يلزمه حينئذ
أن يصلها بما بعدها، وكذلك الحركات في أواخر سائر الآيات، فلا
يظهرها عند الوقف على الآية بل يجب تسكينها.
والظاهر جواز الوصل بالسكون ما لم يحصل به اخلال في الكلمة،
كما إذا أراد تسكين آخر الكلمة ووصلها بما بعدها فظهرت في آخر
الكلمة حركة غير صحيحة، كأن يقول (وإياك نستعين) ويريد اسكان
النون ثم يصلها في أول (اهدنا) فتظهر نون نستعين مكسورة.
[المسألة 467]
لا فرق في الحركة التي يريد الوقف عليها بين أن تكون حركة اعراب
أو بناء، أو حركة تشير إلى حرف محذوف، ومثال ذلك الكسرة في كلمة
يسر في قوله تعالى: (والليل إذا يسر)، وفي الواد من قوله، (جابوا
الصخر بالواد) وفي كلمتي أكرمن وأهانن في قوله تعالى: (فيقول ربي
أكرمن) و (ربي أهانن) فإن الكسرة في هذه المواضع تدل على ياء محذوفة،
فإذا وصل الكلمة بما بعدها أتى بها مكسورة وإذا أراد أن يقف عليها
نطق بها ساكنة.
[المسألة 468]
إذا أراد وصل الكلمة بما بعدها فأظهر الحركة في آخر الكلمة وانقطع
420

نفسه قبل أن يصلها فعليه أن يعيد الكلمة، إلا أن يكون الفصل قليلا
لا ينافي الوصل عرفا فيكتفي بها.
[المسألة 469]
لا يجوز الفصل بين حروف الكلمة الواحدة بحيث تخرج بسبب الفصل
عن كونها كلمة واحدة وتبطل قراءة الكلمة بذلك، سواء كان عامدا أم
ساهيا أم مضطرا، وإذا كان عامدا في ذلك بطلت الصلاة، وإذا كان
ساهيا أو غالطا أو مضطرا أعاد الكلمة وما بعدها.
[المسألة 470]
وتجب الموالاة كذلك بين الجار والمجرور وبين حرف التعريف
ومدخوله، بل وبين المضاف والمضاف إليه وبين الموصوف وصفته، وبين
المبتدأ وخبره، والفعل وفاعله ونحو ذلك مما يتعلق بعضه ببعض
بحيث لا يجوز الفصل فيه بأجنبي، فإذا فصل ما بينها ساهيا أو غالطا
أعاد قراءة تلك الجملة وما بعدها، وإذا كان عامدا أعاد قراءة الجملة
وأتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط وجوبا.
[المسألة 471]
الأحوط أن يختار المكلف في القراءة ما يتداوله غالب المسلمين من
القراءات وإن كان الأقوى عدم تعيين ذلك، فيجوز له أن يقرأ بما
يوافق إحدى القراءات المعروفة، ولا يكفي أن يقرأ بما يخالف
القراءات المعروفة وإن كان موافقا للنهج العربي.
[المسألة 472]
يحسن اتباع علماء التجويد في ما ذكروه من المحسنات من إمالة
واشباع وتفخيم وترقيق في بعض الحروف، ومن اظهار أو اخفاء في
التنوين والنون الساكنة ونحو ذلك، ولا تجب مراعاة شئ منه.
[المسألة 473]
إذا اتصلت القراءة بعضها ببعض تولدت في الغالب بعض الكلمات
المهملة، ويحصل ذلك من الحاق آخر الكلمة بأول ما بعدها، وهذا
421

التولد إنما هو بالدقة العقلية، ولا تخلو منه أي قراءة أو كلام متصل،
ولا يضر ذلك بالقراءة ولا يوجب نقصانها ولا بطلانها، كما إذا تولدت
من قراءة (الحمد لله) كلمة دلل ومن قراءة (لله رب) كلمة هرب وهكذا.
نعم إذا فصل القارئ بين أجزاء الكلمات، وألحق آخر الكلمة
السابقة بأول اللاحقة، وتولدت من ذلك عرفا كلمة مهملة كانت مضرة
بالقراءة، وبطلت الصلاة إذا كان متعمدا، ووجبت إعادة قراءة
الكلمتين وما يلحق بهما، مع السهو أو الغلط، فإن هو لم يعدها بعد
الالتفات كانت صلاته باطلة، وعلى هذا فيكون التمييز بين الكلمات
بهذا المعنى واجبا.
[المسألة 474]
الأحوط أن يقرأ (مالك يوم الدين) وإن جازت أيضا قراءة (ملك
يوم الدين) كما نسبت إلى جماعة من القراء. والأحوط لزوما أن يقرأ
(الصراط) بالصاد في الموضعين.
[المسألة 475]
تجب القراءة في (إياك نعبد وإياك نستعين) بكسر الهمزة وتشديد
الياء في الموضعين ويشكل الاعتماد على قراءة تخفيف الياء.
[المسألة 476]
المشهور بين القراء قراءة (كفؤا) بضم الفاء وبالهمزة، فلا ينبغي
تركها، وتجوز قراءة (كفوا) بضم الفاء وبالواو بدلا عن الهمزة، كما
أن الأحوط ترك قراءة (كفوا) بتسكين الفاء وبالواو بدل الهمزة.
[المسألة 477]
إذا لم يرد الوقوف على كلمة أحد، وأراد وصلها بما بعدها، قال:
(قل هو الله أحدن الله الصمد) بضم الدال وكسر نون التنوين، ورقق
اللام في لفظ الجلالة من الآية الثانية، ويشكل أن يحذف التنوين
ويثبت الضمة في كلمة أحد، وإن قرأ بها أبو عمرو بن العلاء البصري.
422

[المسألة 478]
لا ريب في أن سورة الفلق وسورة الناس من القرآن، وتجوز قراءتهما
في الصلاة الفرائض منها والنوافل.
[المسألة 479]
إذا شك القارئ في اعراب كلمة أو بنائها، أو شك في بعض حروفها،
أو شك في كلمة ان - مثلا - هل هي مفتوحة الهمزة أو مكسورتها، أو
شك في بعض كلمات الآية أو في تقدم بعض الكلمات على بعض وتأخرها،
لم يجز له أن يكرر الآية على الوجهين، بل يجب عليه أن يتعلم، ويجوز
له أن يختار أحد الوجهين فيقرأ به في صلاته، ويتقرب به لاحتمال إنه
القرآن الصحيح، ثم يفحص بعد الفراغ من صلاته، فإذا تبين له أن
ما أتى به مطابق للواقع صحت صلاته، وإذا تبين له إنه غلط، وجبت
عليه إعادة الصلاة.
[المسألة 480]
إذا أراد المصلي وهو في حال القراءة أو الذكر أن يتقدم من مكانه
أو يتأخر أو يتحرك أو ينحني لبعض الأغراض التي تقتضي ذلك،
وجب عليه أن يدع القراءة في حال تحركه حتى يستقر ويطمئن، فإذا
استقر استمر في قراءته، ولا يضر بذلك تحريك اليد أو الأصابع وكذلك
الحكم في التسبيح أو القراءة في الأخيرتين.
[المسألة 481]
إذا تحرك مضطرا أو مقهورا في حال قراءته حتى خرج عن الاستقرار
فالأحوط له لزوما بعد أن يستقر أن يعيد ما قرأه في حال تحركه وعدم
استقراره، وكذلك في تسبيح الأخيرتين.
[المسألة 482]
إذا سمع ذكر النبي (ص) استحب له أن يصلي عليه، ولا ينافي ذلك
الموالاة المعتبرة في صحة الصلاة، فلا تبطل صلاته بذلك، نعم قد تنافي
الموالاة في الآية كما إذا فصلت الصلاة على النبي بين المضاف والمضاف
423

إليه في الآية أو بين الصفة والموصوف أو بين المبتدأ والخبر، فإذا كانت
كذلك وجبت عليه إعادة قراءة الموضع الذي وقعت فيه المنافاة.
وكذلك الحكم إذا سلم عليه أحد فوجب عليه رد السلام، وبحكم
القراءة غيرها من أذكار الصلاة وأقوالها.
[المسألة 483]
إذا أكمل قراءة الآية وشك بعد الفراغ منها في صحة قراءتها، حكم
بالصحة سواء دخل في ما بعدها أم لا، والأحوط استحبابا أن يعيد
قراءتها بقصد الاحتياط في كلتا الصورتين، وكذلك الحكم في التسبيحة
إذا أتمها وشك في صحتها بعد الفراغ منها.
[الفصل التاسع عشر]
[في مستحبات القراءة]
[المسألة 484]
تستحب الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى من الصلاة، سواء
كانت فريضة أم ناقلة، فيقول بعد تكبيرة الاحرام، أو بعد أدعية
التوجه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو يقول: أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم، ويستحب الاخفات بها.
[المسألة 485]
يستحب الجهر بالبسملة في الصلاة الاخفاتية في كل من الفاتحة
والسورة، وفي الأخيرتين من الفريضة إذا اختار فيهما القراءة، سواء
كان إماما أم منفردا، والأحوط الاخفات بها للمأموم إذا قرأ خلف
الإمام، ويجب الجهر بها في الصلاة الجهرية للإمام والمنفرد.
[المسألة 486]
يستحب التأني في القراءة وتبين الحروف والحركات في الكلمات،
وتحسين الصوت، والوقوف على فواصل الآيات، وأن يستشعر عظمة
القرآن وهو يتلو آياته.
424

[المسألة 487]
يستحب التدبر في معاني ما يقرأه من الآيات والاتعاظ بها، (وإذا
مر بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار).
كما في رواية ابن أبي عمير.
[المسألة 488]
تستحب السكتة بعد الفراغ من قراءة الحمد، والسكتة بعد الفراغ
من قراءة السورة وقبل التكبير للركوع أو للقنوت.
[المسألة 489]
يستحب للمصلي إذا فرغ من قراءة الحمد أن يقول: الحمد لله رب
العالمين، سواء كان إماما أم منفردا، وكذلك يستحب للمأموم إذا فرغ
الإمام من قراءة الفاتحة، بل وكذلك يستحب للمأموم إذا قرأ خلف
الإمام.
ويستحب للمصلي إذا فرغ من سورة التوحيد أن يقول: كذلك الله
ربي، مرة، أو مرتين، أو ثلاثا. أو يقول كذلك الله ربنا ثلاثا، سواء
كان إماما أم منفردا، ولم يرد استحباب ذلك في المأموم إذا فرغ الإمام
من قراءة السورة، ويستحب له إذا فرغ من سورة الجحد أن يقول:
الله ربي وديني الاسلام، ثلاثا، أو يقول ربي الله وديني الاسلام.
[المسألة 490]
يستحب أن تكون القراءة في صلاة الصبح بعم يتساءلون، وهل أتى،
وهل أتاك، ولا أقسم بيوم القيامة وما ضاهاها من السور، وأن تكون
في صلاة الظهر والعشاء بسورة الأعلى والشمس، وما أشبههما، وأن
تكون في صلاة العصر والمغرب بسورة التوحيد وإذا جاء والتكاثر
والزلزلة ونحوها.
[المسألة 491]
يستحب أن يقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقين في
الركعة الثانية في كل من صلاة الصبح وصلاة الظهر وصلاة العصر من
425

يوم الجمعة، وفي صلاة العشاء من ليلتها وأن يقرأ سورة الجمعة في
الركعة الأولى وسورة التوحيد في الثانية من صلاة المغرب منها.
وورد كذلك استحباب قراءة الجمعة في الأولى، وسورة التوحيد في
الثانية من صلاة الصبح وصلاة العصر من يوم الجمعة.
وورد استحباب قراءة الجمعة في الأولى وسورة الأعلى في الثانية في
ليلة الجمعة وصبحها.
[المسألة 492]
يستحب أن يقرأ سورة هل أتى على الانسان في الركعة الأولى وسورة
هل أتاك حديث الغاشية في الركعة الثانية من صلاة الغداة في يوم
الاثنين ويوم الخميس.
[المسألة 493]
يستحب أن يقرأ المصلي سورة القدر في الركعة الأولى من صلاته
وسورة التوحيد في الركعة الثانية، بل ورد أنهما أفضل ما يقرأ في
الفرائض، وأن العالم (ع) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه
في ليلة القدر كيف تقبل صلاته، وروي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها:
قل هو الله أحد.
[المسألة 494]
يكره للمصلي أن يترك قراءة قل هو الله أحد في فرائضه الخمس
جميعا، ولعل كراهة ذلك لا ترتفع بقراءة السورة في بعض النوافل.
[المسألة 495]
يكره أن يقرأ سورة قل هو الله أحد بنفس واحد.
[المسألة 496]
يكره أن يعيد في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأها في الركعة
الأولى إلا إذا كانت سورة التوحيد فلا كراهة قي ذلك.
426

[المسألة 497]
يستحب أن يعيد صلاة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا قرأ فيهما
بغير سورة الجمعة والمنافقين، وقد تقدم في المسألة الثلاثمائة والسابعة
والستين: إن من صلى الجمعة أو الظهر في يومها فقرأ فيهما غير سورة
الجمعة والمنافقين حتى تجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل من
الفريضة إلى النافلة، ثم يستأنف الفريضة ويقرأ فيها سورتي الجمعة
والمنافقين، وإذا تذكر قبل أن يتجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل
عن السورة التي قرأها إلى سورة الجمعة والمنافقين ويتم صلاته، وإن
كانت السورة التي قرأها هي سورة التوحيد أو الجحد
[المسألة 498]
يجوز للمصلي أن يقصد انشاء الخطاب لله تعالى بقوله إياك نعبد
وإياك نستعين ولا ينافي ذلك قصد القرآنية، فهو يخاطب الله عز وجل
بالقرآن، وكذلك في قوله الحمد لله رب العالمين، وقوله الرحمن الرحيم،
وقوله اهدنا الصراط المستقيم، ويقصد انشاء الحمد لله والثناء عليه
وطلب الهداية منه بالقرآن.
[الفصل العشرون]
[في التسبيح أو القراءة في الأخيرتين]
[المسألة 499]
يتخير المصلي في الركعتين الأخيرتين من الرباعيات وفي الركعة الثالثة
من المغرب بين أن يقرأ فيها سورة الحمد وحدها، وأن يأتي بالتسبيحات
الأربع، وهي: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فيأتي
بها مرة واحدة مع التكبير، فتكون أربع تسبيحات، أو يأتي بها ثلاث
مرات بدون التكبير، فتكون تسع تسبيحات، وتجب المحافظة فيها على
العربية من حيث الكلمات ومن حيث الحروف والحركات، ويستحب
أن يضيف إليها الاستغفار، ثم يكبر بعدها للركوع.
427

[المسألة 500]
من لا يقدر على أن يأتي بالتسبيح على الوجه الصحيح تتعين عليه
قراءة الحمد إذا كان قادرا عليها، فإن لم يتمكن أتى من التسبيحات
بالقدر الممكن منها، فإن عجز أتى بالذكر المطلق.
[المسألة 501]
من نسي قراءة الفاتحة في الركعتين الأولتين من صلاته لم تتعين عليه
قراءتها في الأخيرتين على الأقوى، بل يتخير بين القراءة والتسبيح كغيره
من المكلفين، وإن كان الأحوط له استحبابا أن يختار القراءة.
[المسألة 502]
الأقوى أن القراءة في الأخيرتين أفضل من التسبيح لإمام الجماعة،
وأن التسبيح أفضل من القراءة، للمأموم، وأنهما متساويان في الفضل
للمصلي المنفرد.
[المسألة 503]
يجب على المصلي الاخفات في الأخيرتين سواء اختار القراءة فيهما أم
التسبيح على الأحوط، وسواء كان إماما أم منفردا، ويستحب له الجهر
بالبسملة إذا اختار القراءة وقد تقدم ذكر هذا قريبا.
[المسألة 504]
إذا أجهر بالقراءة أو بالتسبيح عامدا بطلت صلاته، وإذا أجهر
جاهلا أو ناسيا صحت صلاته ولم تجب عليه إعادة ما قرأ وإن تذكر قبل
الركوع وإذا تذكر في أثناء القراءة أو التسبيح صح ما مضى منه وأخفت
في الباقي.
[المسألة 505]
لا يجب التوافق بين الركعتين الأخيرتين في القراءة أو التسبيح،
فيجوز له أن يقرأ في إحدى الركعتين ويسبح في الأخرى، ولا يجب
التساوي بينهما في التسبيح إذا اختاره، فله أن يأتي في إحداهما
بالتسبيحات الأربع ويأتي في الثانية بالتسع.
428

[المسألة 506]
إذا نوى أن يأتي بالقراءة في الركعة، فله أن يعدل عن القراءة إلى
التسبيح قبل الشروع فيها، وكذلك العكس، وإذا شرع في القراءة أو
في التسبيح بعد القصد إليه، فالأحوط أن لا يعدل عنه إلى الآخر.
[المسألة 507]
إذا نوى أن يقرأ الحمد فسبق لسانه إلى التسبيح من غير قصد،
فالأقوى عدم الاجتزاء به، فعليه أن يقرأ الحمد، أو يعيد التسبيح
بعد العدول بالنية إليه، وكذلك إذا قصد التسبيح فسبق لسانه إلى
القراءة.
[المسألة 508]
إذا شرع في الفاتحة أو في التسبيح من غير قصد تفصيلي، فإن كان
قاصدا لأحدهما على نحو الاجمال كفاه ذلك وصحت صلاته، وإن كان
غافلا بحيث لا يدري ماذا يفعل لم يجزه ذلك، وعليه أن يختار أحدهما
ويأتي به.
[المسألة 509]
إذا اعتقد المصلي أنه في الركعة الأولى أو الثانية من صلاته فقرأ
الحمد ثم تذكر بعد اتمامها أنه في الثالثة أو الرابعة، فإن قصد بقراءته
الحمد امتثال الأمر الواقعي المتوجه إليه كانت صلاته صحيحة ولم تجب
عليه إعادة القراءة أو التسبيح إذا كان قبل الركوع، وإذا قصد بقراءته
امتثال الأمر في الركعة الأولى أو الثانية على نحو التقييد بطلت صلاته.
وكذلك الحكم إذا اعتقد أنه في الركعتين الأخيرتين، فاختار القراءة
ثم تذكر أنه في الأولتين فإن قصد بالقراءة امتثال الأمر المتوجه إليه بها
صحت صلاته ولم يعد القراءة، وإذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه
في الأخيرتين على وجه التقييد بطلت صلاته.
[المسألة 510]
إذا اعتقد أنه في الأخيرتين من صلاته فقرأ التسبيحات ثم تذكر أنه
429

في الأولتين فإن تذكر ذلك قبل الركوع وجب عليه أن يقرأ الحمد
والسورة ويتم صلاته ولا شئ عليه، وإذا تذكر ذلك بعد الركوع مضى
في صلاته ولا شئ عليه كذلك والأحوط استحبابا أن يسجد للسهو في
الصورتين.
[المسألة 511]
إذا نسي القراءة والتسبيح في الأخيرتين حتى هوى للركوع، فإن
تذكر قبل أن يصل إلى حد الركوع وجب عليه أن يعود إلى القيام ويأتي
بالقراءة أو التسبيح ويتم صلاته، وإن تذكر بعد أن وصل إلى حد
الركوع مضى في صلاته، والأحوط استحبابا أن يسجد للسهو للنقيصة
وإن كان الأقوى عدم وجوب ذلك.
[المسألة 512]
يجوز للمكلف أن يزيد على المقدار الواجب من التسبيح ويأتي به
بقصد الذكر المطلق، ولا يجوز ذلك إذا كان بقصد الورود.
[المسألة 513]
إذا شك في أنه أتى بالتسبيح أو القراءة بعد ما هوى إلى الركوع لم
يعتن بشكه وإن لم يصل بعد إلى حد الركوع.
وإذا شك في صحتهما بعد ما فرغ منهما، بنى على الصحة، وقد ذكرنا
هذا في المسألة الأربعمائة والثالثة والثمانين.
[الفصل الحادي والعشرون]
[في الركوع]
[المسألة 514]
يجب في كل ركعة من الصلاة ركوع واحد، سواء كانت الصلاة
فريضة أم نافلة وتستثنى من ذلك صلاة الآيات، فتجب في كل ركعة
منها خمسة ركوعات على ما يأتي بيانه في فصل صلاة الآيات، وصلاة
الأموات، فلا ركوع فيها ولا سجود كما تقدم في فصل صلاة الأموات من
كتاب الطهارة.
430

والركوع ركن من أركان الصلاة، فإذا تركه المصلي عامدا أو
ساهيا بطلت صلاته وكذلك إذا زاده عمدا أو سهوا، وتستثنى من ذلك
زيادته في صلاة الجماعة للمتابعة على ما سيأتي تفصيله في مبحث
صلاة الجماعة.
[المسألة 515]
الركوع هو الانحناء إلى الإمام بمقدار يصل مجموع أصابع اليد
ومنها الابهام إلى الركبتين بحيث يمكن للمصلي أن يضع أطراف أصابعه
كلها على ركبتيه إذا أراد، فيجب على المكلف أن ينحني في صلاته بالمقدار
المذكور، ولا يكفيه الانحناء أقل من ذلك، ويجب أن يكون انحناؤه
بقصد الخضوع لله، والأحوط استحبابا أن يكون بمقدار تصل راحتاه إلى
الركبتين، ولا يكفي أن ينحني إلى أحد جانبيه أو يرفع ركبتيه وينزل
عجيزته حتى تصل كفاه إلى ركبتيه، وإذا كان المكلف غير مستوي
الخلقة في طول يديه أو طول ساقيه أو قصر اليدين، أو الساقين وجب
عليه أن ينحني بمقدار ما ينحني مستوى الخلقة.
[المسألة 516]
يجب في الركوع الذكر، والأحوط للمكلف أن يختار التسبيح،
ويتخير بين أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى، وهي: سبحان ربي العظيم
وبحمده، أو ثلاث صغريات، وهي: سبحان الله سبحان الله سبحان الله،
ويكفيه غير ذلك من الذكر كالتكبير والتهليل والتحميد، وإذا أتى
بشئ من ذلك فلا بد وأن يكون بقدر ثلاث تسبيحات صغريات أو أكثر،
فيقول مثلا سبحان الله والحمد لله والله أكبر، أو الحمد لله ثلاثا.
[المسألة 517]
تجب الطمأنينة في الركوع حتى يتم الذكر الواجب، فإذا تركها
عامدا بطلت صلاته والأحوط لزومها في الذكر المندوب، وإذا تركها
فيه عامدا أثم ولم تبطل صلاته على الظاهر، ولا تجب الطمأنينة في
ما يأتي به بقصد الذكر المطلق
431

[المسألة 518]
يجب رفع الرأس بعد الفراغ منه حتى ينتصب قائما، فإذا ترك
القيام بعد الركوع عامدا وسجد بطلت صلاته.
[المسألة 519]
تجب الطمأنينة في القيام بعد الركوع، فإذا تركها عامدا بطلت
صلاته.
[المسألة 520]
لا يجب وضع اليدين على الركبتين في الركوع فإذا تركه عامدا لم
تبطل صلاته وإن كان الأحوط استحبابا عدم تركه.
[المسألة 521]
إذا عجز عن الانحناء التام بنفسه واحتاج إلى الاعتماد على شئ
وجب عليه أن يعتمد وينحني بالمقدار الواجب، فإذا هو لم يستطع
ذلك حتى مع الاعتماد أتى بالقدر الممكن من الانحناء وهو قائم، ولا
يصح له مع ذلك أن يركع وهو جالس، وإن أمكنه وهو جالس أن يأتي
بالركوع التام.
فإذا عجز عن الانحناء أصلا وهو قائم وجب عليه أن يصلي قائما مع
الركوع جالسا ويتم صلاته كذلك، ثم يعيد الصلاة قائما مع الايماء في
حال القيام إلى الركوع، وعليه أن يغمض عينيه في حال الايماء إلى
الركوع على الأحوط.
وإن لم يمكنه الانحناء حتى جالسا ومعتمدا، صلى قائما وأومأ
للركوع برأسه، وضم إليه تغميض العينين على الأحوط.
وإذا عجر عن الايماء غمض عينيه وجعل ذلك ركوعا ثم فتح عينيه
وجعل ذلك رفعا من الركوع وأتى بالذكر الواجب في حال الايماء أو
في حال غمض العينين.
[المسألة 522]
إذا أتى بالركوع جالسا أو موميا له وهو قائم أو منحنيا بالانحناء
432

غير التام، ثم استطاع الركوع من قيام بعد رفع الرأس من ركوعه،
فإن كان الوقت ضيقا وجب عليه أن يتم صلاته ولم تجب عليه إعادة
ركوعه، بل لم يجز له ذلك، والأحوط له القيام للهوي منه إلى السجود،
ويأتي به برجاء المطلوبية، وإذا كان الوقت واسعا وجبت عليه إعادة
الصلاة.
[المسألة 523]
حد الركوع في حال الجلوس هو أن ينحني الجالس بمقدار انحنائه
في حال قيامه، وأدنى مراتب الركوع في الجلوس هو أدنى مراتبه في
القيام، وأفضله في حال الجلوس هو أفضله في حال القيام وهو أن ينحني
حتى يتساوى ظهره ويمد عنقه وإن لم يساو مسجده كما في حال القيام.
[المسألة 524]
الركوع بجميع مراتبه التي تقدم بيانها ركن من أركان الصلاة،
فإذا زاده في الصلاة أو نقصه عمدا أو سهوا بطلت صلاته، سواء كان
ركوعه بالانحناء غير التام أم بالايماء وغمض العينين، أم كان حكمه
الركوع من جلوس.
[المسألة 525]
يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، ويكفي القصد الاجمالي
الحاصل من استمرار النية في ابتداء الصلاة، فإذا انحنى المصلي ليتناول
من الأرض شيئا، أو ليضع عليه شيئا أو نحو ذلك لم يكن ذلك ركوعا
ولم تبطل به الصلاة، فإذا رفع رأسه بعد انحنائه وأتم قراءته أو تسبيحه
أو قنوته ركع، وإذا كان قد أتمها قبل انحنائه وجب عليه أن ينتصب ثم
يركع ليحصل القيام المتصل بالركوع.
[المسألة 526]
إذا هوى المصلي إلى السجود وتذكر قبل أن يضع جبهته على الأرض
أنه لم يركع، وجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع ويتم صلاته، وإذا
قام منحنيا حتى ركع من غير أن ينتصب بطلت صلاته.
433

وكذلك الحكم إذا تذكر وهو في السجدة الأولى أنه لم يركع أو بعد
أن أتم السجدة الأولى ورفع رأسه منها، فيجب عليه أن يقوم منتصبا
ثم يركع عن قيام ويتم صلاته، وإذا تذكر ذلك بعد أن دخل في السجدة
الثانية بطلت صلاته.
[المسألة 527]
إذا هوى المصلي من قيامه بقصد الركوع ثم نسيه في أثناء الهوي
ونزل إلى السجود، فهنا صور تجب مراعاتها.
(الصورة الأولى): أن يطرأ له النسيان قبل أن يصل في انحنائه إلى
حد الركوع، وحكمه في هذه الصورة أن ينتصب قائما ثم يركع بعد
القيام ويتم صلاته.
(الصورة الثانية): أن يحصل له نسيان الركوع بعد أن يصل إلى
حده، ثم يهوي بنية السجود ولكنه حين تذكر لم يخرج بعد عن حد
الركوع، فيجب عليه أن يبقى في حد الركوع ويطمئن في ركوعه ويأتي
بالذكر الواجب، ثم يرفع رأسه ويتم صلاته.
(الصورة الثالثة): أن يصل إلى حد الركوع وهو بنية الركوع، ثم
ينسى بعد ذلك ويهوي حتى يخرج عن حد الركوع، سواء دخل في السجدة
أم لم يدخل، وفي هذه الصورة يكون قد حصل منه الركوع آنا ما، ولكنه
نسي الطمأنينة والذكر في الركوع، فيجب عليه أن ينتصب قائما بقصد
الرفع من ركوعه ثم يسجد ويتم صلاته.
(الصورة الرابعة): أن يحدث له نسيان الركوع عند وصوله إلى
الحد، ومعنى ذلك أن الركوع لم يتحقق منه، فيجب عليه أن ينتصب
قائما ثم يركع بعد قيامه ويتم ركوعه وصلاته، ولا إعادة عليه في جميع
هذه الصور، ولكن الاحتياط حسن على كل حال.
[المسألة 528]
الأحوط إن انحناء المرأة في الركوع كانحناء الرجل فيه، فالواجب
منه أن يكون بمقدار تصل أطراف أصابعها إلى ركبتيها، ولكن المرأة
434

لا تزيد على ذلك، بخلاف الرجل فإنه تستحب له الزيادة فيه حتى
يتساوى ظهره كما سيأتي.
[المسألة 529]
الواجب في ذكر الركوع أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى مرة واحدة،
أو بثلاث تسبيحات صغريات، أو بمقدارهن من مطلق الذكر على ما تقدم
في المسألة الخمسمائة والسادسة عشرة ويستحب أن يأتي بالكبرى ثلاثا،
ويستحب التثليث في مطلق الذكر بأن يأتي بالمقدار الواجب منه ثلاث
مرات، وتستحب إطالة الذكر بالزيادة على ذلك، وفي صحيح أبان بن
تغلب: دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو يصلي، فعددت له في الركوع
والسجود ستين تسبيحة.
[المسألة 530]
لا يجب عليه إذا كرر التسبيح في الركوع والسجود أن يقصد الوجوب
في الأول أو غيره والاستحباب في الباقي.
[المسألة 531]
لا يجوز للمكلف أن يشرع في الذكر الواجب حتى يصل إلى حد الركوع
وحتى يطمئن ويستقر في ركوعه، وإذا أتى بالذكر أو بشئ منه قبل
ذلك كان باطلا، وإذا كان متعمدا في ذلك بطلت صلاته، وإذا كان
ساهيا وجبت عليه إعادة الذكر مع الطمأنينة والاستقرار، وإذا كان
ساهيا ولم يتذكر إلا بعد رفع رأسه من الركوع فلا شئ عليه.
وكذلك الحكم إذا نهض من الركوع قبل اتمام الذكر، بحيث أتمه
في حال نهوضه، فتكون صلاته باطلة مع تعمد ذلك، وإذا كان ساهيا
ولم يخرج في نهوضه عن حد الركوع وجب عليه العود إلى الركوع وإعادة
الذكر مع الطمأنينة والاستقرار، وإذا لم يلتفت حتى رفع رأسه وخرج
عن حد الركوع فلا شئ عليه.
[المسألة 532]
إذا كان لا يستطيع الاستقرار حال الركوع بمقدار أداء الذكر لمرض
435

أو ضعف أو نحوهما، جاز له أن يأتي بالذكر من غير استقرار، ولكن
يجب أن يأتي بالذكر وهو في حد الركوع، وإذا لم يستطع المكث في
حد الركوع مدة الذكر جاز له أن يبدأ بالذكر قبل وصوله إلى حد
الركوع، أو يبدأ به في حال الركوع ويتمه في حال النهوض.
[المسألة 533]
إذا ترك الطمأنينة في ركوعه ساهيا ولم يلتفت حتى انتصب قائما،
فالظاهر صحة صلاته، والأحوط استحبابا أن يعيد الصلاة.
[المسألة 534]
يجوز أن يأتي في ركوعه وسجوده بتسبيحة كبرى وتسبيحة صغرى،
وبتسبيحة كبرى وثلاث صغريات، وبتسبيحة كبرى أو صغرى وغيرهما
من مطلق الذكر بحيث يفي بالمقدار الواجب من الذكر أو يزيد.
[المسألة 535]
يجوز له أن يعدل من إحدى التسبيحات إلى الأخرى أو إلى مطلق
الذكر، وإن كان بعد الشروع فيه، كأن يقول: سبحان بقصد الصغرى
ثم يقول متصلا بها: ربي العظيم وبحمده، فتكون واحدة كبرى،
وبالعكس، فيقول سبحان بقصد الكبرى ثم يتمها ثلاث صغريات أو
يقول سبحان الله بقصد ثلاث صغريات فيتمها بقوله والحمد لله ولا إله إلا الله.
[المسألة 536]
لا بد في الذكر من أداء الحروف من مخارجها، والمحافظة على حركات
الكلمات وحركات الحروف وسكناتها وعلى الموالاة بين الحروف وبين
الكلمات كما يقتضيه النطق على النهج العربي الصحيح.
[المسألة 537]
يجوز له في كلمة (ربي العظيم) أن يظهر ياء المتكلم من ربي ويجوز
له أن يحذفها ويبقي الكسرة في الباء دليلا عليها، وإذا أظهر ياء المتكلم
فالأحوط أن يحركها بالفتح.
436

[المسألة 538]
إذا تحرك المصلي مضطرا أو مقهورا في حال الركوع حتى خرج عن
الاستقرار وجب عليه أن يترك الذكر الواجب في تلك الحال حتى
يستقر، وإذا أتى بالذكر عامدا قبل الاستقرار والطمأنينة بطلت
صلاته، وإذا أتى به في تلك الحال ساهيا أو مقهورا فالأحوط إعادته
بعد أن يستقر، ويأتي به بقصد الاحتياط والقربة.
[المسألة 539]
لا تضر الحركة اليسيرة التي لا تنافي الاستقرار والطمأنينة عرفا،
ولا تضر حركات أصابع اليد أو أصابع الرجل.
[المسألة 540]
إذا انحنى المصلي حتى بلغ أول حد الركوع وأتى بالذكر الواجب
مطمئنا، ثم ازداد انحناءا حتى ساوى ظهره أو زاد عليه لم يضره ذلك،
سواء أتي بذكر مندوب أم لا، ولا يكون ذلك من زيادة الركوع، وكذلك
العكس، كما إذا انحنى حتى ساوى ظهره وأتى بالذكر الواجب ثم رجع
إلى أول حد الركوع وأطال الذكر.
وإذا انحنى بمقدار الركوع وأتى بالذكر، ثم ارتفع قليلا حتى
خرج عن حد الركوع عرفا ثم رجع إلى حد الركوع فالأحوط إعادة
الصلاة.
[المسألة 541]
إذا شك في أن لفظ العظيم بالظاء، أو بالضاد، لم يجز له أن يأتي
بالذكر على الوجهين، والأحوط له أن يترك التسبيحة الكبرى ويأتي
بثلاث صغريات أو بمطلق الذكر.
ويجوز له أن يختار أحد الوجهين فيأتي به متقربا لاحتمال أنه هو
المطلوب، ثم يفحص بعد فراغه من الصلاة فإذا تبين له أن ما أتى به
مطابق للواقع صحت صلاته، وإذا ظهر أنه غلط أعاد الصلاة، وقد
تقدم نظيره في القراءة.
437

[المسألة 542]
يستحب للمصلي أن يكبر للركوع وهو منتصب قبل أن يهوي له،
وقد ذكرنا في المسألة الأربعمائة والسادسة عشرة أن موضع التكبير
المستحب هو حال الانتصاب قبل الركوع أو السجود أو بعد السجود،
فإذا أتى به في حال الهوي أو حال النهوض فقد أتى به في غير محله ولا
يجوز تعمد ذلك، ولا تبطل به الصلاة، فإذا شاء التكبير في حال الهوي
أو حال النهوض فليكن بقصد مطلق الذكر لا بقصد التكبير للركوع أو
السجود.
[المسألة 543]
يستحب له أن يرفع اليدين بالتكبير، وقد تقدم بيانه في فصل
تكبيرة الاحرام.
[المسألة 544]
يستحب له أن يضع كفيه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويمكنهما
من عيني الركبتين وأن يضع اليد اليمني على الركبة اليمنى أولا، ثم
يضع اليد اليسرى على الركبة اليسرى، وإن تضع المرأة يديها على
فخذيها فوق ركبتيها.
[المسألة 545]
يستحب له أن يرد ركبتيه إلى خلفه وأن يسوي ظهره في ركوعه
بحيث لو صبت عليه قطرة ماء لاستقرت في مكانها، وأن يمد عنقه
ويجنح بمر فقيه ويكون نظره بين قدميه.
[المسألة 546]
يستحب أن يقول قبل الذكر الواجب: (اللهم لك ركعت ولك
أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت وأنت ربي، خشع لك قلبي وسمعي
وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما
أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر)، وأن يكرر
التسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وقد تقدم استحباب إطالة الذكر،
438

وقد ذكر المشهور استحباب الختم على الوتر، ويستحب أن يصلي على
محمد وآله بعد الذكر أو قبله.
[المسألة 547]
يستحب أن يقول بعد قيامه من الركوع وانتصابه: سمع الله لمن
حمده، وأن يقول الحمد لله رب العالمين، ويقول: الحمد لله رب العالمين
أهل الجبروت والكبرياء والعظمة، الحمد لله رب العالمين وأن يجهر
بها صوته، وأن يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع.
[المسألة 548]
يكره للمصلي أن يطأطأ رأسه في ركوعه بحيث يكون أخفض من
جسده، أو يرفع رأسه بحيث يكون أعلى من جسده.
[المسألة 549]
تقدم أنه يستحب للراكع أن يجنح بيديه، ولذلك فلا ينبغي له أن
يضم يديه إلى جنبيه، وقد مر أيضا أنه يستحب له أن يضع كفيه على
ركبتيه، فلا ينبغي له أن يضع إحدى الكفين على الأخرى ويدخلهما
بين الركبتين.
[المسألة 550]
ورد في بعض النصوص لا قراءة في ركوع ولا سجود، إنما فيهما
المدحة لله عز وجل ثم المسألة، فينبغي ترك قراءة القرآن في الركوع.
[المسألة 551]
يكره للمصلي أن يدخل يديه تحت ثيابه ويلاصق بهما جسده،
وظاهر الحديث عدم اختصاص الكراهة بحال الركوع بل تشمل جميع
أحوال الصلاة.
[المسألة 552]
ما ذكرناه في أحكام الركوع من واجبات ومستحبات ومكروهات
وغيرها لا يختص بركوع الفريضة ولا اليومية، بل هو شامل لمطلق
439

الصلاة الفريضة وغيرها، واليومية وغيرها، والراتبة وغيرها، وفي
بطلان النافلة بزيادة الركوع ومطلق الركن سهوا إشكال، فلا يترك
الاحتياط فيها.
[الفصل الثاني والعشرون]
[في سجود الصلاة]
[المسألة 553]
تجب على المكلف في كل ركعة من الصلاة سجدتان، سواء كانت الصلاة
فريضة أم نافلة، وتستثنى من ذلك صلاة الأموات، فلا سجود فيها ولا
ركوع وقد تقدم ذكرها، والسجود الواجب هو وضع الجبهة على الأرض
أو ما يقوم مقامها بقصد التذلل والخضوع لله سبحانه، وعلى هذا تدور
زيادة السجدة أو السجدتين ونقصهما، وتترتب الأحكام الآتي ذكرها.
[المسألة 554]
السجدتان في الركعة الواحدة ركن من أركان الصلاة، فإذا تركهما
المصلي معا بطلت صلاته، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا، وإذا زاد
سجدتين في ركعة واحدة وكان عامدا بطلت صلاته كذلك، ويشكل
الحكم إذا زادهما سهوا، فلا يترك الاحتياط بأن يتم الصلاة ثم يعيدها.
وتبطل الصلاة بنقصان سجدة واحدة وبزيادتها إذا كان عامدا في
فعله، ولا تبطل بنقصان السجدة الواحدة ولا بزيادتها إذا كان ساهيا.
[المسألة 555]
تجب في السجود عدة أمور:
(الأول): وضع المساجد السبعة على الأرض على النحو الذي يأتي
تفصيله في المسائل الآتية، والمساجد السبعة هي الجبهة، والكفان،
والركبتان، وابهاما الرجلين، وقد ذكرنا أن تحقق موضوع السجود
يدور مدار وضع الجبهة، وبه تحصل الزيادة والنقصان في السجود،
فإذا هوى إلى الأرض ووضع مساجده عليها ما عدا الجبهة لم يصدق
440

السجود، وإذا كانت في غير موضعها لم تتحقق الزيادة وإذا وضع جبهته
على الأرض ولم يضع عليها سائر مساجده صدق السجود، وحصلت
الزيادة إذا كانت السجدة ثالثة أو كان السجود في غير موضعه.
[المسألة 556]
الثاني من واجبات السجود الذكر، والأحوط أن يختار التسبيح
كما تقدم في الركوع، ويتخير بين أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى،
وهي سبحان ربي الأعلى وبحمده، أو بثلاث صغريات وهي: سبحان
الله سبحان الله سبحان الله، ويكفيه مطلق الذكر إذا كان بقدر ثلاث
تسبيحات صغريات كما ذكرناه في الركوع، فلتراجع المسألة الخمسمائة
والسادسة عشرة.
[المسألة 557]
الثالث من واجبات السجود: الطمأنينة فيه بمقدار ما يأتي بالذكر
الواجب، فتبطل الصلاة بتركها عامدا، وتلزم على الأحوط في الذكر
المندوب، وإذا تركها فيه عامدا أثم ولم تبطل صلاته.
وإذا أتى بالذكر الواجب عامدا قبل حصول الطمأنينة بطلت صلاته،
وإذا أتى به كذلك ساهيا بطل الذكر ولم تبطل الصلاة فتجب عليه
إعادة الذكر مع الطمأنينة، وإذا لم يتذكر حتى رفع رأسه من السجود
فلا شئ عليه.
وكذلك الحكم إذا ترك الطمأنينة قبل أن يتم الذكر، فتبطل صلاته
مع العمد، وتصح صلاته إذا كان ساهيا ولم يتذكر إلا بعد رفع رأسه
من السجود، وإذا تذكر قبل أن يرفع رأسه أعاد الذكر مع الطمأنينة.
[المسألة 558]
الرابع من واجبات السجود: رفع الرأس منه، ثم الجلوس بعده
والطمأنينة في الجلوس.
[المسألة 559]
الخامس: الانحناء للسجدة الثانية حتى يضع مساجده السبعة على
الأرض كما فعل في السجدة الأولى.
441

[المسألة 560]
السادس: أن تبقى المساجد في مواضعها حتى يتم الذكر في كل واحدة
من السجدتين فإذا رفع بعض المساجد حال الذكر أو في أثنائه وكان عامدا
بطلت صلاته، وإذا رفع ما عدا الجبهة من المساجد ساهيا وتذكر قبل
رفع رأسه وجب عليه أن يضع المساجد في مواضعها ويعيد الذكر، وإذا
رفع جبهته فقد فات موضع التدارك، فعليه أن يتم صلاته ولا شئ
عليه وإذا وضع جبهته ليتدارك الذكر بطلت صلاته.
ولا مانع من أن يرفع غير الجبهة من مساجده السبعة عن الأرض
في غير حال الذكر وإن كان عامدا، فإذا أراد أن يشرع في الذكر وضعها
في مواضعها إلى أن يتم الذكر.
[المسألة 561]
السابع: أن يكون موضع جبهة المصلي في سجوده مساويا لموقفه أو
يكون أرفع منه أو أخفض بما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة، وهذا
إذا كانت الأرض مستوية، ويغتفر التفاوت بينهما إذا كانت الأرض
منحدرة انحدارا تدريجيا من موضع السجود إلى موقف المصلي أو
بالعكس، وإن زاد على المقدار المذكور.
ولا يضر أن يرتفع بعض المساجد الأخرى غير الجبهة على موقف
المصلي أو ينخفض عنه بأكثر من ذلك وإن كانت الأرض مستوية ما لم
يخرج به السجود عن مسماه عرفا، ولا يضر أن يرتفع بعض المساجد
على بعض أو ينخفض عنه حتى الجبهة إلا إذا خرج عن مسمى السجود.
[المسألة 562]
الثامن: أن يضع المصلي جبهته على الأرض أو على ما تنبته، بشرط
أن لا يكون مما يأكله الانسان أو يلبسه عادة، وقد تقدم بيان ذلك في
الفصل العاشر من هذا الكتاب.
[المسألة 563]
التاسع: أن يكون موضع الجبهة في السجود طاهرا من النجاسة والمتنجس
442

ومن أي شئ حكم الشارع بأن له حكم النجاسة كالرطوبة التي تخرج
بعد البول أو بعد المني وقبل الاستبراء منهما، وكأحد أطراف الشبهة
المحصورة للنجاسة المعلومة بالاجمال، وليراجع أول الفصل العاشر من
كتاب الطهارة والمسألة المائة والسابعة والخمسين منه.
[المسألة 564]
العاشر: أن يأتي بالذكر على النهج العربي في الحروف والكلمات
والحركات والسكنات والموالاة بين الحروف وبين الكلمات على حد
ما تقدم في ذكر الركوع وفي القراءة.
[المسألة 565]
الجبهة هي الموضع المستوي ما بين الجبينين، وما بين قصاص شعر
الرأس وطرف الأنف الأعلى والحاجبين، ويكفي أن يضع على الأرض
منها ما يصدق بوضعه مسمى السجود وإن كان أقل من الدرهم، ولا
يشترط أن يكون هذا المقدار متصلا أو مجتمعا، نعم يعتبر أن لا يكون
متباعد الأجزاء فيكفي السجود على السبحة من الطين غير المطبوخ وعلى
الحصى المتصل بعضها ببعض إذا وقع عليها من الجبهة ما يصدق به
مسمى السجود.
[المسألة 566]
يعتبر في السجود أن تباشر الجبهة الشئ الذي يسجد عليه، فإذا
كان على الجبهة أو على الشئ ما يمنع من ذلك لم يكف السجود عليه،
حتى الوسخ إذا تراكم على التربة أو الشئ الذي يسجد عليه، فأصبح
حائلا دون وصول الجبهة إليه فلا بد من إزالته إذا أراد السجود عليه
وإذا كان قليلا لا يعد حائلا فلا مانع من السجود، وكذلك إذا كانت
المواضع الخالية من الحائل متفرقة غير متباعدة نظير ما تقدم في السجود
على الحصى فلا بأس بالسجود عليه.
وإذا تدلى الشعر على الجبهة فحال بينها وبين موضع السجود وجب
رفع الشعر حتى يحصل القدر الواجب من السجود، وإذا سجد على
443

الطين فلصق بجبهته فلا بد من إزالته للسجدة الثانية، ولا يمنع التراب
اليسير الذي لا يعد حائلا، ولا اللون الذي لا يكون جرما، ولا يعتبر في
غير الجبهة من المساجد أن يباشر الأرض أو الشئ الذي يسجد عليه.
[المسألة 567]
المسجد في الكفين هو باطنهما، فيجب وضعه في السجود مع القدرة
ولا يكفي وضع ظاهرهما إلا مع الضرورة، فيجزي وضعه حين ذاك،
وإذا لم يمكنه وضع باطن الكفين ولا ظاهرهما كمن قطع كفه انتقل
إلى الأقرب فالأقرب إلى الكف، كالمعصم والزند والذراع والمرفق
والعضد، والأحوط وضع جميع الكفين في السجود مع الاختيار ولا
يكفي المسمى أو الأصابع، فضلا عن رؤوس الأصابع أو ضم أصابع
الكف والسجود عليها.
[المسألة 568]
الركبة هي مجمع عظمي الساق والفخذ، والمسجد من الركبتين هو
ظاهرهما ويكفي وضع المسمى منه ولا يجب الاستيعاب، ولا يجزي
السجود على أحد جانبي الركبة اختيارا ولا على باطنهما إذا أمكن ذلك.
[المسألة 569]
الأحوط أن يضع طرفي الابهامين من الرجلين في السجود ولا يتعين
ذلك، فله أن يسجد على أي جزء من الأنملة العليا من الابهام وعلى
ظاهر الابهام وباطنه وإذا قطع ابهام رجله سجد على ما بقي منه،
فإذا استؤصل الابهام كله سجد على سائر أصابعه، وإذا قطعت جميع
أصابعه، سجد على موضع الابهام من قدمه.
[المسألة 570]
الواجب في السجود على المساجد السبعة هو أن يضعها على المواضع
بمقدار يصدق معه السجود ويحصل التمكن والاستقرار، وهذا هو
المقدار الواجب من الاعتماد على الأعضاء السبعة في السجود، ولا يجب
444

القاء ثقل البدن عليها، وإن كان الأحوط استحبابا ذلك، ولا تجب
المساواة بين الأعضاء في الاعتماد، ويجوز له أن يشارك معها غيرها من
الأعضاء كالذراع وأصابع القدمين.
[المسألة 571]
إذا سها المكلف فوضع جبهته على موضع مرتفع لا يصدق معه السجود
عرفا لارتفاعه، فالأحوط له أن يرفع جبهته ثم يضعها على موضع يتحقق
معه السجود ويصح عليه ولا يجر جبهته جرا.
وإذا وضعها على موضع مرتفع يصدق معه السجود عرفا، ولكنه
لا يغتفر شرعا لأنه يزيد على أربع أصابع من موقفه، فالأحوط أن يجر
جبهته جرا حتى يضعها على موضع يجوز السجود عليه، ولا يرفع جبهته
ثم يضعها لاحتمال زيادة السجدة إذا رفعها، وإذا لم يمكنه جر جبهته،
فالأحوط له أن يرفع رأسه ويأتي بالسجدة ويتم صلاته ثم يعيدها.
[المسألة 572]
إذا وضع جبهة ساهيا على موضع لا يصح السجود عليه وجب على
الأحوط أن يجرها إلى ما يصح السجود عليه ولا يرفعها ثم يضعها عليه
لأنه يستلزم احتمال زيادة السجدة.
وإذا لم يتمكن من جر الجبهة رفع رأسه على الأحوط وأتى بالسجدة
وأتم صلاته ثم أعادها، من غير فرق بين أن يلتفت في أثناء الذكر أو
بعد اتمامه، وإذا لم يلتفت إلى سهوه إلا بعد رفع رأسه من السجود
صحت صلاته والأحوط استحبابا إعادتها.
[المسألة 573]
يجوز للمكلف إذا وضع جبهته على ما يصح السجود عليه أن يجرها إلى
موضع آخر أفضل من الأول مثلا أو أحوط، أو يكون السجود عليه
أرفق بالمصلي، ولا يبتدئ بالذكر حتى تستقر الجبهة وتحصل الطمأنينة.
[المسألة 574]
إذا سجد المصلي فارتفعت جبهته عن الأرض قهرا ثم عادت، فعليه
445

أن يأتي بالذكر إذا لم يكن قد أتى به في المرة الأولى، ثم يرفع رأسه،
ويسجد للثانية ويتم صلاته ثم يعيدها على الأحوط وإذا ارتفعت جبهته
قهرا وأمكنه أن يتحفظ عن وقوعها على الأرض مرة ثانية، رفع رأسه
من السجدة وأتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط.
[المسألة 575]
إذا حرك بعض مساجده عن موضعه في حال الذكر حركة تنافي
الاستقرار في المسجد وكان عامدا فالأحوط إعادة الصلاة بعد اتمامها،
وإذا كان ساهيا أعاد الذكر على الأحوط، وإذا تذكر بعد رفع رأسه
من السجود فلا شئ عليه، ولا فرق بين المساجد في ذلك حتى ابهام الرجل،
وحتى أصابع الكف، ولا تضر الحركة القليلة والمسجد ثابت في موضعه.
[المسألة 576]
إذا كانت في جبهة المصلي قرحة أو نحوها تمنعه من السجود، فإن
كانت لا تستوعب الجبهة كلها وجب عليه السجود على الموضع السليم
منها، ولو بأن يحفر حفيرة فيضع الموضع السليم من الجبهة على الأرض،
وإذا استوعبت القروح الجبهة كلها سجد على جبينه الأيمن على الأحوط
فإن لم يقدر سجد على جبينه الأيسر، فإن لم يستطع ذلك سجد على ذقنه،
فإن تعذر عليه وضع جزءا من وجهه على الأرض: الأنف أو الخد أو
غيرهما، فإن لم يقدر أومأ إلى السجود مع الانحناء الممكن، ووضع
شيئا على جبهته أو وجهه مع الامكان ليسجد عليه.
[المسألة 577]
إذا لم يستطع الانحناء للسجود وجب عليه أن ينحني بالمقدار الممكن
له ويرفع ما يسجد عليه إلى جبهته ووضع سائر المساجد في مواضعها.
وإذا لم يقدر على الانحناء مطلقا أومأ برأسه للسجود ورفع ما يسجد
عليه إلى جبهته ووضع سائر المساجد في مواضعها مع الامكان، فإن لم
يقدر أومأ برأسه وغمض عينيه ورفع شيئا يضعه على جبهته فإن لم
يقدر كفاه الايماء المجرد مع غمض العين.
446

[المسألة 578]
إذا اقتضت التقية أن يسجد المكلف على الصوف أو القطن أو غيرهما
مما لا يصح السجود عليه بحيث لا تتأدى التقية إلا بذلك، صح له السجود
عليه وأجزأه، ولا يجب عليه التخلص منها بالذهاب إلى مكان آخر وإن
كان ممكنا.
وإذا وجد المندوحة في المكان نفسه بحيث أمكن له السجود في موضع
منه مفروش بالحصى مثلا أو الحصر، أو البواري وجب عليه اختيار
ذلك.
[المسألة 579]
إذا نسي سجدة واحدة أو نسي السجدتين معا وقام للركعة اللاحقة،
وتذكر قبل الدخول في الركوع وجب عليه الرجوع فيأتي بالسجدة
المنسية أو السجدتين ويتم صلاته، ثم يسجد للسهو للقيام الزائد إذا
تلبس معه بقراءة أو تسبيح، وإذا لم يقرأ في قيامه ولم يسبح لم يجب
عليه سجود السهو وإن كان الاتيان به أحوط.
وإذا نسي سجدة واحدة وتذكرها بعد الدخول في الركوع مضى في
صلاته، فإذا أتمها قضى السجدة المنسية ثم سجد سجدتي السهو لنسيانها
على الأحوط.
وإذا نسي السجدتين معا وتذكرهما بعد الدخول في الركوع بطلت
الصلاة، وإذا نسي السجدة الواحدة، أو السجدتين من الركعة الأخيرة
وتذكر بعد التسليم، ففيها تفصيل سنتعرض له في مبحث الخلل الواقع
في الصلاة إن شاء الله تعالى.
[المسألة 580]
لا تصح الصلاة على الشئ الذي لا تستقر المساجد عليه في السجود
كالرمل الناعم وصبرة الطعام وبيدر التبن وكدس القطن المندوف،
والتراب الذي لا تتمكن الجبهة أو المساجد عليه عند السجود، وإذا
استقرت المساجد عليه بعد الوضع التمكين صحت صلاته عليه، مع
مراعاة شروط موضع الجبهة. ويجب أن يراعى حال الاستقرار
447

والطمأنينة في سجوده وذكره وسائر واجباته، فلا يبدأ بالذكر أو
بالقراءة وغيرهما إلا بعد الاستقرار، وقد تعرضنا لهذا في المسألة
المائتين والثانية والمسألة المائتين والثامنة والعشرين.
[المسألة 581]
يستحب التكبير للسجود حال الانتصاب سواء كان قائما أم قاعدا،
وأن يرفع يديه بالتكبير وأن يسبق بيديه إلى الأرض في هويه إلى السجود،
وأن يستوعب جبهته بالسجود فيضعها كلها على ما يصح السجود عليه،
وأن يصيب الأنف ما يصيب الجبهة. ويجتزأ بوضع أي جزء من الأنف
على ما يضع السجود عليه، وأن يبسط كفيه ويضم أصابعهما بعضها إلى
بعض حتى الابهام ويجعلهما حيال وجهه وأن ينظر فسجوده إلى أنفه،
وأن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه.
[المسألة 582]
يستحب أن يقول في سجوده قبل الشروع في الذكر: (اللهم لك سجدت
وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي
خلقه وشق سمعه وبصره، الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن
الخالقين). ويستحب له أن يكرر التسبيحة الكبرى ثلاثا أو خمسا أو
سبعا، وتستحب إطالة الذكر كما تقدم في الركوع وأن يصلي على محمد
وآله قبل الذكر أو بعده.
[المسألة 583]
تقدم في المسألة المائتين والحادية والثلاثين أن أفضل ما يسجد عليه
المكلف هو التربة الحسينية وأن السجود على الأرض أفضل من السجود
على النبات ولعل السجود على تراب الأرض أفضل من السجود على الحجر.
[المسألة 584]
يستحب للانسان أن يدعو في سجوده لحوائجه وحوائج إخوانه
المؤمنين في الدنيا والآخرة، ومما ورد عنهم (ع) في طلب الرزق أن يقول
وهو ساجد: يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وأرزق عيالي من
فضلك فإنك ذو الفضل العظيم. ومما ورد عن أبي الحسن (ع) في
448

سجوده: يا من علا فلا شئ فوقه ويا من دنا فلا شئ دونه اغفر لي
ولأصحابي. ولا يختص ذلك بالسجدة الأخيرة من الصلاة.
[المسألة 585]
يستحب أن يتورك بين السجدتين وبعدهما، وهو أن يجلس على جانبه
الأيسر أو على ألييه، ويجعل ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى،
فإذا رفع رأسه من السجود وجلس كذلك وانتصب في جلوسه كبر للرفع
من السجود ورفع يديه بالتكبير، ثم وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن
ويده اليسرى على فخذه الأيسر ثم قال أستغفر الله ربي وأتوب إليه،
ثم كبر وهو جالس للسجدة الثانية ورفع يديه في التكبير وهوى للسجدة
الثانية.
[المسألة 586]
ومما ورد استحبابه أن يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني
وأجرني وادفع عني وعافني إني لما أنزلت إلي من خير فقير تبارك الله
رب العالمين.
[المسألة 587]
يستحب أن يرفع بطنه وذراعيه عن الأرض وأن يجنح بذراعيه وأن
لا يضع شيئا من بدنه على شئ منه وأن يباشر الأرض بكفيه، وأن يزيد
في تمكين الجبهة وسائر المساجد في السجود وأن يكبر بعد الجلوس من
السجدة الثانية ويرفع يديه بالتكبير.
[المسألة 588]
الأحوط أن يجلس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى والركعة
الثالثة من الرباعية، وهي جلسة الاستراحة، وأن يطمئن بها، وإذا
نسيها فقام، رجع إليها على الأحوط ما لم يركع.
[المسألة 589]
يستحب أن يبسط يديه عند وضعهما على الأرض للنهوض ويعتمد
عليهما، ولا يعجن بهما في الأرض وهو أن يعتمد عليهما وهما مقبوضتا
449

الأصابع، ويستحب أن يرفع ركبتيه من الأرض قبل يديه وأن يقول
عند نهوضه: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، أو يقول: اللهم بحولك
وقوتك أقوم وأقعد وأركع وأسجد
[المسألة 590]
يستحب للمرأة عند هويها إلى السجود أن تضع ركبتيها قبل يديها
على الأرض، وأن تقعد قبل السجود وأن تبسط ذراعيها وتلصق بطنها
في الأرض حال سجودها وتضم أعضائها بعضها إلى بعض، وأن تجلس
على أليتيها وتضم فخذيها وترفع ركبتيها، وإذا نهضت انسلت انسلالا
ولم ترفع عجيزتها.
[المسألة 591]
يكره للمصلي أن يقعي في جلوسه بين السجدتين وبعدهما، والاقعاء
هو أن يعتمد الجالس بصدر قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه.
[المسألة 592]
يكره له أن ينفخ موضع سجوده، وإذا تولد من النفخ حرفان وصدق
عليهما الكلام عرفا كان مبطلا مع تعمد ذلك، ولكن تحقق الفرض
مشكل بل ممنوع، فإن النفخ صوت يشبه الحروف وليس منها، وكذلك
التنحنح، وسيأتي التعرض لذلك في مبحث مبطلات الصلاة.
[المسألة 593]
ينبغي له ترك قراءة القرآن في سجوده، وقد تقدم نظير هذا في
الركوع ويكره له أن لا يرفع يديه من الأرض بين السجدتين.
[الفصل الثالث والعشرون]
[في بقية أقسام السجود]
[المسألة 594]
من السجود الواجب سجود السهو عند حصول أحد أسبابه، وسيأتي
تفصيلها وبيان أحكامها في فصل سجود السهو من مباحث الخلل والشك
الواقعين في الصلاة.
450

[المسألة 595]
يجب السجود عن تلاوة إحدى آيات السجود الأربع من سور العزائم،
سواء قرأ الآية منفردة أم قرأها مع السورة أو بعض السورة.
وسور العزائم الأربع كما تقدم في فصل القراءة، هي سورة ألم
تنزيل، وسورة حم فصلت، وسورة النجم، وسورة العلق. وآيات
السجود هي الآية الخامسة عشرة من ألم تنزيل، عند قوله (ولا
يستكبرون)، والآية السابعة والثلاثون من حم فصلت، عند قوله
(تعبدون)، والآية الثانية والستون من سورة النجم عند قوله في آخر
السورة (واعبدوا)، والآية التاسعة عشرة من سورة العلق عند قوله
في أخر السورة (واقترب).
وكذا يجب السجود على من استمع إلى قراءتها من قارئ آخر، بل
وعلى من سمعها على الأحوط.
[المسألة 596]
يستحب السجود في أحد عشر موضعا من القرآن:
(1) عند قراءة الآية المائتين والسادسة من سورة الأعراف،
(2) عند قراءة الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد، (3) عند قراءة الآيتين
التاسعة والأربعين والخمسين من سورة النحل، (4) عند قراءة الآية
المائة والتاسعة من سورة بني إسرائيل، (5) عند قراءة الآية الثامنة
والخمسين من سورة مريم، (6) عند قراءة الآية الثامنة عشرة من سورة
الحج، (7) عند قراءة الآية السابعة والسبعين من السورة نفسها، (8)
عند قراءة الآية الستين من سورة الفرقان، (9) عند قراءة الآيتين
الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين من سورة النمل، (10) عند
قراءة الآية الرابعة والعشرين من سورة ص، (11) عند قراءة الآية
الحادية والعشرين من سورة الانشقاق وكذا يستحب السجود لمن استمع
إلى قراءة هذه الآيات من قارئ آخر أو سمعها.
ويستحب السجود عند قراءة كل آية من القرآن أمر فيها بالسجود،
وعند استماعها أو سماعها.
451

[المسألة 597]
لا يجب السجود على من كتب آية العزيمة أو رآها مكتوبة أو أخطرها
في قلبه، ولم يتلفظ بها.
[المسألة 598]
يجب السجود على من قرأ الآية كلها أو استمع إليها أو سمعها، ولا يجب
على من قرأ بعض الآية أو استمع إليه وإن كان هو لفظ السجود من
الآية.
[المسألة 599]
إذا قرأ بعض الآية وسمع بعضها الآخر من قارئ آخر غيره وجب
السجود عليه على الأحوط، وكذلك إذا سمع بعضها من قارئ وسمع
باقيها من آخر إلا إذا انفصلت القراءتان عرفا.
[المسألة 600]
إذا قرأ أية العزيمة غلطا أو استمع إليها ممن قرأها غلطا، فالظاهر
عدم وجوب السجود عليه والأحوط استحبابا السجود.
[المسألة 601]
إذا قرأ آية السجدة مرارا أو استمع إليها مرارا، أو قرأها واستمع
إليها وجب عليه السجود لكل مرة مع اختلاف الزمان، وكذلك إذا قرأها
واستمع إلى من يقرأها في وقت واحد، وهو الأحوط في ما إذا استمع
إلى جماعة يقرأونها في وقت واحد.
[المسألة 602]
يجب السجود إذا سمع قراءة الآية وإن كان القارئ صغيرا أو
مجنونا، بل وإن كان القارئ غافلا أو سمعها من آلة مسجلة الصوت،
إلا إذا قصد بها غير القرآن.
[المسألة 603]
يجب السجود فورا بعد قراءة الآية أو سماعها، ولا يسقط الوجوب
452

بالتأخير فإذا أخر السجود عامدا أثم ووجب عليه السجود فورا وهكذا،
وإذا نسي السجدة أتى بها عند تذكره وإن طالت المدة.
[المسألة 604]
إذا قرأ آية السجود أو سمعها وهو ساجد في غير الصلاة، وجب عليه
أن يرفع رأسه من سجوده ثم يسجد للتلاوة، ولا يكفيه أن يستمر في
سجوده بقصدها، ولا يكفيه أن يجر جبهته إلى مكان آخر بقصدها.
[المسألة 605]
إذا سمع آية السجدة وهو في صلاة الفريضة أومأ للسجود وأتم صلاته
ثم سجد لها بعد الفراغ من الصلاة على الأحوط.
[المسألة 606]
لا يجب السجود على المكلف إذا سمع همهمة قارئ الآية ولم يميز
نطقه بكلمات الآية وحروفها.
[المسألة 607]
لا يجري الحكم لترجمة الآية في لغة أخرى وإن كانت مطابقة، فلا
يجب السجود لقراءة الترجمة أو سماع قراءتها، ولا يجب السجود
لقراءة ما يرادف كلمات الآية في العربية وإن طابقت جميع مفرداتها.
[المسألة 608]
يكفي أن ينوي السجود قبل وضع الجبهة أو مقارنا له، ولا يجب
أن تكون النية قبل الهوي للسجود.
[المسألة 609]
إذا وجب عليه سجود التلاوة مرارا، كفاه أن يسجد بقصد الامتثال،
فإذا رفع رأسه من السجدة، سجد الثانية، ولا يجب عليه أن ينتصب من
السجدة الأولى أو يرفع مساجده عن الأرض، وهكذا حتى يتم العدد الذي
وجب عليه من السجود، ولا يكفيه أن يستمر في سجوده وإن تعددت منه
النية والذكر أو رفع غير الجبهة من المساجد.
453

[المسألة 610]
يجب في سجود التلاوة السجود على المساجد السبعة كما في سجود
الصلاة، ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، وأن يكون مسجد
الجبهة مساويا لموضع قدمه أو يكون أرفع منه أو أخفض بما لا يزيد
على أربع أصابع على الأحوط في جميع ذلك.
وتجب فيه النية وإباحة المكان وأن لا يكون لباسه مغصوبا إذا كان
السجود يعد تصرفا فيه عرفا.
[المسألة 611]
ليس في سجود التلاوة تكبير افتتاح ولا تشهد بعده ولا تسليم، ولا
يشترط فيه ستر العورة ولا طهارة البدن والثياب من الخبث، ولا سائر
صفات الساتر التير تعتبر في ثياب المصلي ولا يجب فيه الاستقبال ولا
طهارة موضع الجبهة، ولا تشترط فيه الطهارة من الحدث، فيجب
السجود على الجنب والحائض وكل محدث بالحدث الأكبر أو الأصغر
إذا تحقق لهم سبب الوجوب، ويستحب لهم في مواضع الاستحباب.
[المسألة 612]
الأحوط في سجود التلاوة أن يأتي ببعض صور الذكر المنصوصة ولو
بما يقوله المصلي في سجود الصلاة.
ومما ورد فيه أن يقول: لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله ايمانا
وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا،
لا مستنكفا ولا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير.
أو يقول: إلهي آمنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك
إلى ما دعوا، إلهي العفو العفو.
أو يقول: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ
بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
ويستحب التكبير لرفع الرأس منه.
454

[المسألة 613]
إذا وجب عليه السجود مرارا، وشك في عدد ما وجب عليه بين الأقل
والأكثر جاز له أن يكتفي بالأقل فلا يجب عليه أن يأتي بالأكثر وإن
كان أحوط، وإذا علم العدد وشك في مقدار ما أتى به من السجود بنى
على الأقل ووجب عليه أن يأتي بالباقي.
[المسألة 614]
السجود لله سبحانه من أفضل العبادات التي يتقرب بها إليه، وفي
حديث الإمام الصادق (ع) والإمام الرضا (ع): أقرب ما يكون العبد
من الله تعالى وهو ساجد.
ومن أهم ما يتأكد استحبابه من ذلك سجدة الشكر، فعن أبي عبد الله
(ع) من سجد سجدة الشكر، لنعمة وهو متوضئ كتب الله له
بها عشر صلوات، ومحا عنه عشر خطايا عظام، وعنه (ع) السجود
منتهى العبادة من بني آدم، وعن أبي جعفر (ع) أن أبي علي بن
الحسين (ع) ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من
كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة
إلا سجد، ولا وفق لا صلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في
جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك، وفي الحديث كانت لأبي
الحسن موسى بن جعفر (ع) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض
الشمس إلى وقت الزوال.
[المسألة 615]
يستحب في سجود الشكر بسط الذراعين والصاق الصدر والبطن
بالأرض، وأدنى ما يجزي فيه من القول: أن يقول شكرا لله شكرا لله
شكرا لله. ومما ورد فيه أن يقول شكرا شكرا مائة مرة، أو يقول
عفوا عفوا مائة مرة، أو يقول حمدا لله مائة مرة، وله أن يقتصر على
سجدة واحدة، ويستحب أن يأتي بسجدتين يفصل بينهما بتعفير الخدين
أو الجبينين على الأرض، فيعفر الأيمن أولا، ثم الأيسر، ثم يسجد
الثانية، وتستحب إطالة السجود.
455

[المسألة 616]
يستحب أن يقول الانسان في سجوده ما روي عن الرسول (ص):
سجد لك سوادي وآمن بك فؤادي، رب هذه يداي وما جنيت على نفسي،
يا عظيما يرجى لكل عظيم اغفر لي الذنوب العظيمة، وقال (ص) إن
جبرئيل (ع) علمه ذلك، وقال (ص) من قالها في سجوده لم يرفع رأسه
حتى يغفر له.
وما ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه كان يقول في سجوده: أناجيك
يا سيدي كما يناجي العبد الذليل مولاه، واطلب إليك طلب من يعلم
أنك تعطي ولا ينقص مما عندك شئ، وأستغفرك استغفار من يعلم
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأتوكل عليك توكل من يعلم أنك على
كل شئ قدير.
[المسألة 617]
من أدعية السجود ما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) أنه كان يقول
في سجدة الشكر: الحمد لله شكرا، مائة مرة، وكلما قاله عشر مرات
قال شكرا للحبيب، ثم يقول يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا ولا يحصيه
غيره عددا ويا ذا المعروف الذي لا ينفد أبدا يا كريم يا كريم يا كريم ثم
يدعو ويتضرع ويذكر حاجته، ثم يقول اللهم لك الحمد إن أطعتك ولك
الحجة إن عصيتك لا صنع لي ولا لغيري في احسان منك إلي في حال
الحسنة يا كريم يا كريم صل على محمد وأهل بيته وصل بجميع ما سألتك
وأسألك من في مشارق الأرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات، وابدأ
بهم وثن بي برحمتك، ثم يضع خده الأيمن على الأرض ويقول اللهم
لا تسلبني ما أنعمت به علي من ولايتك وولاية محمد وآله عليه وعليهم
السلام، ثم يضع خده الأيسر على الأرض، ويقول مثل ذلك، ومما ورد
أن يقول بعد العود إلى السجود مائة مرة شكرا شكرا.
[المسألة 618]
لا يعتبر في سجدة الشكر ما يعتبر في سجود الصلاة من الشرائط نعم
الأحوط فيها أن يسجد على مساجده السبعة وأن يضع جبهته على ما يصح
456

السجود عليه ولا تكبير قبلها ولا بعدها، ويستحب له إذا رفع رأسه من
السجدة أن يمسح موضع سجوده بيده ثم يمسح بها وجهه وما نالته
من بدنه، ففي الحديث إنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة. ومما
يتأكد استحبابه والمواظبة عليه السجود بعد أداء صلاة الفريضة أو
صلاة النافلة شكرا لله على توفيقه لأدائها والتقرب بامتثالها.
[الفصل الرابع والعشرون]
[في التشهد]
[المسألة 619]
يجب في كل صلاة ثنائية تشهد واحد، وموضعه بعد رفع رأسه من
السجدة الثانية من الركعة الثانية، ويجب في كل صلاة ثلاثية أو رباعية
تشهدان، التشهد الأول بعد اتمام الركعة الثانية من الصلاة كما تقدم،
والتشهد الثاني بعد الركعة الأخيرة منها، وهو واجب وليس بركن،
فتبطل الصلاة إذا تركه عامدا، ولا تبطل إذا تركه ساهيا أو ناسيا،
فإذا تذكره قبل أن يدخل في الركوع من الركعة اللاحقة وجب الرجوع
إليه والآتيان به وبما بعده حتى يتم الصلاة، وإذا تذكره بعد أن دخل
في الركوع مضى في صلاته وقضى التشهد بعد أن يتمها وأتى بعد ذلك
بسجدتي السهو.
[المسألة 620]
يجب في التشهد الاتيان بالشهادتين والصلاة على محمد وآل محمد،
والأحوط أن يختار الصيغة المتعارفة عند المتشرعة من الشهادتين،
فيقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد).
ويجب فيه الجلوس بمقدار ما يأتي بذلك، ويجب أن يكون مطمئنا
في جلوسه الفترة المذكورة وأن يأتي بالذكر مترتبا على النهج المتقدم،
فيأتي بالشهادة الأولى ثم الشهادة الثانية، ثم الصلاة على محمد وآل
محمد، وأن يوالي في نطقه بالفقرات والكلمات كما يقتضيه النطق
457

الصحيح وأن يحافظ في تأدية الأذكار المذكورة على النهج العربي الصحيح
في أداء الحروف والكلمات، وحركاتها وسكناتها كما سبق في نظائره.
ولا يكفيه أن يبدل ألفاظ الشهادتين والصلاة المتقدم ذكرها، أو
يبدل شيئا منها بما يرادفها وإن كانت عربية صحيحة وصريحة في
معناها.
[المسألة 621]
لا تعتبر في الجلوس حال التشهد كيفية خاصة، فيجزيه أن يتربع
في جلوسه، أو يتورك أو يثني رجليه تحته أو يجلس على أي كيفية
يختارها، نعم يستحب له أن يكون متوركا في جلوسه، ولا يترك
الاحتياط بترك الاقعاء وقد تقدم بيان معناهما في ما يستحب وما يكره
بين السجدتين.
[المسألة 622]
من لا يحسن الاتيان بذكر التشهد، يجزيه مع الامكان أن يتابع غيره
في اللفظ ولو بالتلقين كلمة كلمة، ومن لا يمكنه ذلك يجب عليه التعلم،
فإذا عجز عن التعلم أو ضاق الوقت عنه، أتى بما يتمكن منه وترجم
الباقي، وإذا لم يقدر على شئ منه ترجم الجميع، فإن لم يستطع،
كفاه أن يأتي بالتحميد بقدر التشهد، وإن لم يحسنه كفاه سائر الأذكار
فيأتي منها بقدر التشهد.
[المسألة 623]
يستحب للرجل أن يتورك في جلوسه حال التشهد كما تقدم، وقد
سبق أيضا بيان كيفية جلوس المرأة في المسألة الخمسمائة والتسعين،
ويستحب للرجل أن يجعل يديه على فخذيه مضمومتي الأصابع وأن
يكون نظره إلى حجره، وأن يقول قبل الشهادتين: بسم الله وبالله والحمد
لله وخير الأسماء لله، أو يبدل الفقرة الأخيرة بقوله والأسماء الحسنى
كلها لله، ثم يأتي بالشهادتين كما مر، فإذا قال: اللهم صل على محمد
وآل محمد، وكان في التشهد الأول قال وتقبل شفاعته وأرفع درجته،
458

أو قال وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته، ثم حمد الله مرتين أو
ثلاثا، ثم قال بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وقام للركعة الثالثة.
[المسألة 624]
يستحب أن يأتي في التشهد الأول والثاني بما اشتملت عليه موثقة
أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) وهو ذكر طويل حذفناه للاختصار،
وأشرنا إليه ليطلبه من يريده في الحديث الثاني من باب كيفية التشهد
من كتاب وسائل الشيعة.
[الفصل الخامس والعشرون]
[في التسليم]
[المسألة 625]
التسليم أحد واجبات الصلاة، وهو آخر أجزائها، فيشترط فيه
جميع ما يشترط في الصلاة من طهارة واستقبال وستر عورة، وغير
ذلك، وبه يخرج من الصلاة وتحل للمكلف جميع منافياتها، وهو واجب،
وليس بركن، فإذا تركه المصلي متعمدا بطلت صلاته، وإذا تركه ساهيا
أو ناسيا، وتذكره قبل أن تفوت الموالاة، وقبل أن يأتي بما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا كالحدث الأصغر أو الأكبر، وجب عليه أن يأتي
بالتسليم ولا شئ عليه.
وإذا تركه ساهيا أو ناسيا أو اعتقد خروجه من الصلاة ولم يتذكر
حتى فاتت الموالاة، أو حصل منه ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، فعليه
إعادة الصلاة على الأحوط بل لا تخلو من قوة.
وإذا تركه ساهيا أو ناسيا وتذكره بعد أن تكلم بحرفين أو أكثر
أو بحرف واحد مفهم للمعنى على الأحوط وجب عليه أن يأتي بالتسليم
وأن يأتي بعده بسجدتي السهو.
[المسألة 626]
للتسليم صيغتان، إحداهما: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
والثانية (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، والواجب منه هو إحدى
459

الصيغتين، فإذا أتي بالصيغة الأولى منهما خرج بها من الصلاة، وكانت
الثانية مستحبة، والأحوط عدم تركها، وإذا قدم الصيغة الثانية كانت
هي الواجبة وخرج بها من الصلاة ولم يأت بالصيغة الأخرى.
[المسألة 627]
قول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ليس من صيغ
التسليم، بل هو من التوابع المستحبة في التشهد أو في التسليم، فلا
يخرج به من الصلاة ولا يضر بالصلاة تركه.
[المسألة 628]
يجزي في الصيغة الثانية من التسليم أن يقول: السلام عليكم،
والأحوط أن يضيف إليها قول ورحمة الله وبركاته.
[المسألة 629]
يجب في التسليم الموالاة بين كلماته وحروفه والآتيان به على النهج
العربي في الحركات والسكنات ومخارج الحروف كما تقدم في نظائره.
[المسألة 630]
التسليم مخرج من الصلاة وإن لم يقصد به الخروج منها، نعم إذا
قصد مع التسليم عدم الخروج به من الصلاة، فالأحوط إعادة الصلاة.
[المسألة 631]
حكم التسليم كحكم الأذكار الواجبة في الصلاة، فإذا لم يحسنه
المكلف كفاه أن يتابع به غيره ولو بالتلقين كلمة كلمة، فإن لم يتهيأ له
ذلك وجب عليه أن يتعلم، فإن عجز أو ضاق الوقت عن التعلم كفته
الترجمة، والأخرس يخطر ألفاظ التسليم بقلبه ويشير إليها بيده
أو بغيرها.
[المسألة 632]
يجب فيه الجلوس والطمأنينة، ويكفي أن يجلس فيه على أية كيفية
أراد، ويستحب فيه التورك ووضع اليدين على الفخذين ولا يترك
الاحتياط بترك الاقعاء.
460

[المسألة 633]
يكفي أن يقصد المصلي بألفاظ التسليم معانيها المرادة في الشريعة
وإن لم يعلم بها على سبيل التفصيل، وهذا القصد الاجمالي يكفي في
جميع ألفاظ الصلاة وأذكارها.
[المسألة 634]
إذا سلم المصلي أومأ في التسليم الأخير إلى يمينه بمؤخر عينيه أو
بأنفه على وجه لا ينافي الاستقبال في الصلاة، ويأتي بذلك برجاء المطلوبية
سواء كان إماما أم مأموما أم منفردا.
[الفصل السادس والعشرون]
[في الترتيب والموالاة]
[المسألة 635]
يجب الترتيب بين أفعال الصلاة على الوجه الذي تقدمت الإشارة
إليه في الفصول السابقة، فيكبر للاحرام في أول الصلاة، ثم يقرأ
الفاتحة وبعدها السورة، ثم يركع، ثم ينتصب من الركوع، ثم يسجد
السجدتين، ويرفع رأسه من كل واحدة منهما حتى يجلس ويطمئن،
ويأتي بكل ذكر وكل قول في موضعه المعين له، ثم يقوم بعد ذلك للركعة
الثانية، ويأتي بأفعالها وأقوالها كذلك، ويقنت فيها بعد القراءة وقبل
الركوع، ويتشهد بعد السجدتين، حتى يتم صلاته على هذا الترتيب،
فإذا تشهد التشهد الأخير من الصلاة سلم.
وإذا خالف الترتيب عامدا فقدم ما هو متأخر وقع باطلا، وبطلت
صلاته سواء كان ما قدمه قولا أم فعلا، سواء كان ركنا أم غيره.
[المسألة 636]
إذا خالف المصلي الترتيب ساهيا أو ناسيا، فهنا صور تجب مراعاتها
لتطبيق أحكامها.
(الصورة الأولى): أن يقدم ركنا على ركن، ومثال ذلك أن يقدم
461

السجدتين معا في الركعة فيأتي بهما قبل الركوع منها، والحكم فيها
هو بطلان الصلاة.
(الصورة الثانية): أن يقدم ركنا على واجب غير ركن، ومثاله أن
يأتي بالركوع قبل القراءة، ساهيا أو ناسيا، أو يأتي بالسجدتين قبل
أن ينتصب قائما بعد الركوع، والحكم في هذه الصورة أن يمضي في
صلاته ويتمها ولا شئ عليه.
(الصورة الثالثة): أن يقدم واجبا غير ركن على الركن، ومثال
ذلك أن يسهو فيأتي بالتشهد قبل السجدتين، أو يأتي بسجدة واحدة
قبل الركوع، والحكم فيها أن يعود إلى الركن فيأتي به إذا لم يكن قد
أتى به، ثم يأتي بما بعده حتى يحصل الترتيب، ويجب عليه سجود
السهو إذا حصل منه ما يوجب سجود السهو، لا مطلقا.
(الصورة الرابعة): أن يقدم واجبا غير ركن على واجب غير ركن،
ومثال ذلك أن ينسى فيقدم السورة على الفاتحة، أو يقدم التشهد على سجدة
واحدة، والحكم فيها أن يأتي بالواجب الذي أخره، إذا لم يكن قد أتى
به ثم يأتي بما بعده حتى يحصل الترتيب، ويسجد للسهو إذا حصل
منه ما يوجب ذلك، كما تقدم، وسيأتي بيان موارد وجوب سجود
السهو.
[المسألة 637]
ليس من مخالفة الترتيب أن يأتي بالسجدة بقصد أنها الأولى ثم
يتذكر أنها الثانية، أو يأتي بها بقصد أنها الثانية، ويتذكر بعد ذلك
أنها الأولى، فلا يوجب ذلك خللا في صلاته. وليس من مخالفة الترتيب
أن يقوم المصلي في ركعة ويعتقد أنها الثانية مثلا فيأتي فيها بالقنوت،
والتشهد، ثم يتذكر أنها الركعة الأولى أو أنها الركعة الثالثة، فعليه
أن يتم صلاته على الوجه الصحيح ولا شئ عليه في زيادة القنوت ولا
التشهد.
وكذلك إذا قام في الركعة واعتقد أنها الثالثة فترك القراءة وسبح،
462

وتذكر بعد الركوع أنها الثانية فعليه أن يمضي فيها على أنها الثانية
كما ظهر له فيتشهد فيها ويتم على ذلك صلاته، ولا يضره خطأه في
الاعتقاد.
[المسألة 638]
تجب الموالاة بين أفعال الصلاة على وجه لا يقع ما بينها فصل يوجب
محو صورة الصلاة في نظر المتشرعة، وتبطل صلاة المكلف إذا حصل
ذلك عن عمد، سواء كان ذلك بسكوت طويل أم بفعل كثير، ويشكل
الحكم بالبطلان إذا فعل ذلك ساهيا أو ناسيا، ولا يترك الاحتياط معه
باتمام الصلاة ثم إعادتها.
[المسألة 639]
تجب الموالاة في ألفاظ الصلاة كالتكبير والقراءة والتسبيح والأذكار،
فلا يجوز الفصل ما بين الآيات أو بين الكلمات أو بين الحروف بما يمحو
قراءة الكلمة أو الفقرة أو الآية أو السورة أو يبطل وحدتها واتصالها،
فإذا فعل ذلك متعمدا بطلت قراءته وصلاته، وإذا فعله ساهيا وجب
عليه أن يعيد قراءة الموضع الذي أخل فيه وما بعده على وجه يحصل
معه الترتيب، ولا تبطل صلاته بذلك إلا إذا محيت به صورة الصلاة
فيتمها ثم يعيدها على ما تقدم.
[المسألة 640]
إذا أخل بالموالاة في تكبيرة الاحرام على الوجه المتقدم بطلت تكبيرته،
وبطلت صلاته وإن كان ساهيا.
وإذا أخل بالموالاة في التسليم ساهيا وجب عليه أن يعيد التسليم إذا
تذكر ذلك قبل أن يأتي بما ينافي الصلاة، وإذا أتى بالمنافي قبل أن يعيد
التسليم بطلت صلاته. وإذا لم يتذكر حتى فعل ما ينافي الصلاة عمدا
وسهوا كالحدث، فعليه إعادة الصلاة على الأحوط بل لا يخلو من قوة.
وإذا لم يتذكر حتى فعل ما ينافي الصلاة عمدا ولا ينافيها سهوا كالتكلم
463

وجب عليه إعادة التسليم وصحت صلاته وعليه أن يسجد للسهو إذا
تكلم ساهيا.
[المسألة 641]
ليس من الفصل المخل بالموالاة أو الماحي لصورة الصلاة أن يطيل
المصلي ركوعه أو سجوده ويكثر الذكر أو يقرأ بالسور الطوال في صلاته
أو يأتي بالمستحبات الأخرى فيها.
[المسألة 642]
لا تجب الموالاة العرفية في الصلاة بمعنى أن يتابع بين أفعالها من غير
فصل وإن كان قصيرا لا يضر باسم الصلاة، ولا تجب كذلك في القراءة
ولا في غيرها من الأقوال والأذكار ولا تبطل الصلاة ولا القراءة ولا الذكر
بفواتها.
[الفصل السابع والعشرون]
[في القنوت]
[المسألة 643]
يستحب القنوت في جميع الصلوات الفرائض منها والنوافل، ويتأكد
استحبابه في الصلوات الجهرية من الفرائض، وفي الصبح والمغرب على
الخصوص، وفي صلاة الجمعة وصلاة الوتر والقول بوجوبه في صلاة
العيد أحوط ولعله أقوى، والأحوط أن يؤتى بالقنوت في صلاة الشفع
برجاء المطلوبية.
[المسألة 644]
موضع القنوت في كل صلاة بعد القراءة وقبل الركوع من الركعة
الثانية، وموضع القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع منها.
وتستثنى من ذلك صلاة العيد، ففيها خمسة قنوتات في الركعة
الأولى منها، وأربعة قنوتات في الركعة الثانية، وتستثنى كذلك صلاة
الجمعة، ففيها قنوتان، أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع منها،
464

والثاني في الركعة الثانية بعد الركوع، وصلاة الآيات، فيستحب فيها
خمسة قنوتات ومواضعها قبل الركوع الثاني منها وقبل الركوع الرابع،
وقبل السادس وقبل الثامن وقبل العاشر ويكفي فيها قنوتان أحدهما
قبل الركوع الخامس والثاني قبل العاشر، والأحوط أن يؤتى بالأول
منهما برجاء المطلوبية، وأدنى ما يجزي فيها قنوت واحد يؤتى به في
الركعة الثانية قبل الركوع الأخير.
[المسألة 645]
لا يتعين في القنوت دعاء مخصوص، فيكفي فيه كل ما يأتي به المكلف
من ذكر أو تحميد أو ثناء أو دعاء، فيكفي مثلا أن يقول: سبحان الله
خمسا أو ثلاثا، أو يقتصر على الصلاة على محمد وآله (ع) أو يقول:
اللهم اغفر لي ذنبي، ويجوز أن يكون منظوما أو منثورا.
ويستحب أن يكون مشتملا على الثناء على الله والصلاة على النبي وآله،
والاستغفار لذنبه، وأتم من ذلك أن يكون مشتملا أيضا على الاستغفار
لإخوانه والدعاء لهم، وأولى من ذلك أن يقرأ الأدعية المروية عن
المعصومين (ع) في قنوتاتهم.
[المسألة 646]
يجوز القنوت ببعض آيات القرآن، ويختار منها ما اشتمل على
الثناء والتحميد، والتمجيد له سبحانه، أو ما اشتمل على الدعاء
كقوله تعالى: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها
ساءت مستقرا ومقاما. وقوله تعالى: رب اجعلني مقيم الصلاة، ومن
ذريتي، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم
يقوم الحساب.
[المسألة 647]
مما ورد التأكيد عليه في القنوت كلمات الفرج، وهي: لا إله إلا الله
الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم
والحمد لله رب العالمين.
465

ولم أجد لفظ ما فوقهن في خبر عنهم (ع) ولذلك فالأحوط تركه،
وأما كلمة وما تحتهن، فله أن يأتي بها برجاء المطلوبية، كما أن له
أن يزيد بعد قوله ورب العرش العظيم: (وسلام على المرسلين) برجاء
المطلوبية أو بقصد القرآنية.
[المسألة 648]
مما يتوسل به للاستجابة في القنوت وفي الدعاء في غير القنوت أن
يبتدئ الداعي بالصلاة على محمد وآله ثم يسأل حاجته، ويختم دعاءه
بالصلاة على محمد وآله، فقد ورد إن الله عز وجل أكرم من أن يقبل
أول الدعاء وآخره ويرد وسطه.
[المسألة 649]
مما ورد عنهم (ع) في القنوت أن يقول: اللهم اغفر لنا وارحمنا
وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير، ومما ورد
أيضا: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأجل
الأكرم، ومما نقل عنهم (ع): اللهم اهدنا في من هديت وعافنا في من
عافيت، وتولنا في من توليت، وبارك لنا في ما أعطيت، وقنا شر
ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك لا يذل من واليت ولا يعز من
عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
[المسألة 650]
الأحوط ترك القنوت بالدعاء الملحون، سواء كان لحنه في الاعراب
أم في الكلمات نفسها، وسواء كان مغيرا للمعنى أم لا، وكذلك الدعاء
بغير العربية من اللغات الأخرى، ولا تتأدى بهما وظيفة القنوت.
[المسألة 651]
يجوز الدعاء في القنوت لمن يريد، وله أن يذكر اسمه في الدعاء له،
والأحوط بل الأقوى ترك ذلك إذا كان في الدعاء له معصية أو إعانة
على إثم أو اغراء بقبيح، ويجوز الدعاء على أحد يخشاه وله أن يسميه،
على أن لا يكون ظالما في دعائه.
466

[المسألة 652]
تستحب إطالة القنوت في الصلاة، فقد روي عنهم (ع) أفضل الصلاة
ما طال قنوتها، ويتأكد ذلك في صلاة الوتر، ويستحب الجهر بالقنوت
في الصلاة الجهرية والاخفاتية سواء كان المصلي منفردا أم إماما أم
مأموما، على أن لا يسمع الإمام صوته.
[المسألة 653]
يستحب للمكلف أن يكبر قبل القنوت وأن يرفع يديه بالتكبير كما
سبق في نظائره، فإذا وضع يديه بعد التكبير رفعهما للقنوت.
وقد نسب إلى الأصحاب قده أنه يستحب له أن يرفع كفيه في القنوت
حيال وجهه وأن يبسطهما، ويجعل باطنهما إلى السماء، وأن تكونا
منضمتين مضمومتي الأصابع إلا الابهامين، وأن يكون نظره في حال
القنوت إلى كفيه، ولم أقف في النصوص على ما أفادوا، فإذا أتى به
المكلف فليأت به برجاء المطلوبية.
[المسألة 654]
يكره له أن يرفع يديه في القنوت حتى يجاوز بهما رأسه، ويكره أن
يمسح بهما وجهه ورأسه وصدره بعد وضعهما من قنوت الفريضة،
ويستحب له ذلك في قنوت النافلة وبعد رفع اليد في الدعاء في غير الصلاة.
[المسألة 655]
ليس للمصلي أن يأتي بالقنوت جالسا في حال الاختيار كما تقدم
في المسألة الثلاثمائة والثالثة والتسعين، فإذا فعل ذلك عامدا لم يأت
بوظيفة القنوت وعليه أن يتم صلاته ثم يعيدها على الأحوط، وإذا
فعل ذلك ساهيا وتذكره قبل الدخول في الركوع فالأحوط له أن يأتي
بالقنوت قائما برجاء المطلوبية ثم يركع، وإذا تذكره بعد الدخول في
الركوع أتم صلاته ولا شئ عليه، وهذا إذا لم يحصل له خلل في ركن
كما إذا أتى بالركوع جالسا.
[المسألة 656]
إذا نذر القنوت في الصلاة انعقد نذره، وأصبح القنوت واجبا عليه
467

فإذا ترك القنوت فيها ساهيا فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة بعد
اتمامها.
[المسألة 657]
إذا نسي القنوت وهوى إلى الركوع، فإن تذكره قبل أن يبلغ حد
الركوع جاز له أن يعود إلى القيام ويأتي بالقنوت ثم يركع، وإن تذكره
بعد أن دخل في الركوع أتم ركوعه وقضى القنوت بعد رفع رأسه من
الركوع ثم سجد، وكذلك إذا تذكر القنوت بعد الهوي للسجود وقبل
وضع جبهته على الأرض، فيجوز له أن يعود إلى القيام ويقضي القنوت
ثم يسجد، وإذا تذكر القنوت وهو في السجود أو بعده في أثناء الصلاة
أو بعد الفراغ منها قضاه بعد الصلاة، فيأتي به جالسا مستقبلا،
وإذا تذكره في الطريق استقبل القبلة وأتى به، وإذا ترك القنوت في محله
عامدا، أو تذكره في الركوع وترك قضاءه بعد الركوع عامدا فلا
قضاء له.
[الفصل الثامن والعشرون]
[في التعقيب]
[المسألة 658]
يستحب التعقيب استحبابا مؤكدا، وهو أن يشتغل الانسان بعد
فراغه من الصلاة بالذكر والدعاء والمناجاة والتلاوة وأمثالها من
العبادات القولية، وهو بعد صلاة الفريضة أشد تأكدا منه بعد صلاة
النافلة، وخصوصا بعد صلاة الصبح، ثم بعد صلاة العصر، وقد روي
عن أبي عبد الله (ع) إن الله فرض عليكم الصلوات الخمس في أفضل
الساعات فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات، وعنه (ع) التعقيب أبلغ
في طلب الرزق من الضرب في البلاد، وعنه (ع) من صلى صلاة فريضة
وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه.
[المسألة 659]
الظاهر أنه لا يصدق التعقيب على الدعاء ونحوه إذا انفصل عن
468

الصلاة بمدة، بحيث لا يكون في نظر المتشرعة من توابع الصلاة وفي
أدبارها، والظاهر أنه لا يصدق التعقيب على الجلوس في المصلى فارغا
غير مشتغل بدعاء ونحوه، وإن كان في انتظار صلاة أخرى.
والأفضل فيه أن يكون المعقب متطهرا مستقبلا جالسا في مصلاه،
ولا يسقط استحبابه إذا انتفى ذلك ويستحب أن يقرأ الأدعية والأذكار
الواردة عن المعصومين (ع) وهي كثيرة ووافية بالمراد.
[المسألة 660]
إذا نسي التعقيب أو أعرض عنه لبعض الموانع، فله أن يعود إليه
ويأتي به إذا لم يفت موضعه الذي تقدمت الإشارة إليه، ولم تسقط
بذلك وظيفته واستحبابه، وكذلك إذا أحب أن يطيل في التعقيب بعد
أن قرأ بعض الدعاء وسجد للشكر مثلا أو هم بالقيام.
[المسألة 661]
يستحب بعد الفراغ من التسليم أن يكبر ثلاثا وأن يرفع يديه بالتكبير
كما يرفعهما في تكبير الصلاة، ويستحب أن يقول بعد ذلك: لا إله
إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين
له الدين ولو كره المشركون، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين،
لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده،
وهزم الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي
وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير وظاهر الرواية أن
هذا التكبير وهذا الدعاء يؤتى بهما قبل تسبيح الزهراء (ع).
[المسألة 662]
أفضل ما يعقب به الانسان بعد الفراغ من صلاته هو تسبيح
الزهراء (ع) ففي الحديث: ما عبد الله بشئ من التحميد أفضل من
تسبيح فاطمة (ع) ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله (ص) فاطمة،
وعن أبي عبد الله (ع) تسبيح فاطمة في كل يوم في دبر كل صلاة، أحب
إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم، وهو أن يقول: الله أكبر. أربعا
469

وثلاثين مرة، ثم يقول: الحمد لله، ثلاثا وثلاثين مرة، ثم يقول: سبحان
الله. ثلاثا وثلاثين مرة. وقد ورد أيضا تقديم التسبيح على التحميد.
وهو مستحب في غير التعقيب أيضا وعند إرادة النوم، ويستحب أن تتخذ
السبحة لذلك ولغيره من طين قبر الحسين (ع).
[المسألة 663]
إذا شك في عدد التكبير أو التحميد أو التسبيح من تسبيح الزهراء
وكان في المحل بنى على الأقل، فإذا كان ناقصا أتمه، وإذا شك فيه بعد
أن تجاوز محله ودخل في ما بعده بنى على الاتيان به ولم يلتفت، وإذا
علم بالنقص رجع إلى موضع النقص فأتمه وأتى بما بعده، وإذا زاد
في التكبير أو التحميد رفع اليد عن الزائد وأضاف إليه واحدة على
الأحوط وإذا زاد في التسبيح رفع اليد عن الزائد ولا شئ عليه.
[المسألة 664]
يستحب أن يقول بعد تسبيح الزهراء (ع): اللهم أنت
السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك يعود السلام، سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين،
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على الأئمة الهادين
المهديين، السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، السلام على علي أمير المؤمنين، السلام على
الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على علي ابن
الحسين زين العابدين، السلام على محمد بن علي باقر علم النبيين،
السلام على جعفر بن محمد الصادق، السلام على موسى بن جعفر الكاظم،
السلام على علي بن موسى الرضا، السلام على محمد بن علي الجواد،
السلام على علي بن محمد الهادي، السلام على الحسن بن علي الزكي
العسكري، السلام على الحجة ابن الحسن القائم المهدي صلوات الله
عليهم أجمعين، ثم يسأل حاجته.
[المسألة 665]
يستحب أن يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو
470

الجلال والاكرام وأتوب إليه، ثلاث مرات، وأن يقول: اللهم اهدني
من عندك وأفض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وأنزل علي
من بركاتك، وأن يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم اعتقني
من النار وأدخلني الجنة وزوجني من الحور العين، وأن يقول: سبحانك
لا إله إلا أنت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فإنه لا يغفر الذنوب كلها
جميعا إلا أنت، وأن يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به
علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك اللهم إني أسألك عافيتك
في أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأن يقول:
أعوذ بوجهك الكريم وعزتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها
شئ من شر الدنيا والآخرة ومن شر الأوجاع كلها ومن شر كل دابة
أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم، وأن يقول: توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد
لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من
الذل وكبره تكبيرا.
[المسألة 666]
يستحب أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها
واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، عشر مرات، وأن
يقرأ سورة الحمد، وآية الكرسي، وآية شهد الله أنه لا إله إلا هو
والملائكة وأولو العلم، إلى قوله فإن الله سريع الحساب، وهما الآيتان
الثامنة عشرة والتاسعة عشرة من سورة آل عمران، وآية قل اللهم مالك
الملك تؤتي الملك من تشاء، إلى قوله: وترزق من تشاء بغير حساب،
وهما الآيتان السادسة والعشرون والسابعة والعشرون من السورة
المذكورة. ويستحب أن يقول بعد الفريضة: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاثين مرة، وأفضل من ذلك أن يقولها
أربعين مرة.
[المسألة 667]
يستحب أن يقول بعد الصلاة: اللهم إني أدينك بطاعتك وولايتك
471

وولاية رسولك وولاية الأئمة من أولهم إلى آخرهم. (ويسميهم) ثم
يقول اللهم إني أدينك بطاعتك وولايتهم والرضا بما فضلتهم به غير
متكبر ولا مستكبر، على معنى ما أنزلت في كتابك على حدود ما أتانا فيه
وما لم يأتنا مؤمن مقر مسلم بذلك، راض بما رضيت به يا رب أريد
به وجهك والدار الآخرة، مرهوبا ومرغوبا إليك فيه، فأحيني ما
أحييتني على ذلك وأمتني إذا أمتني على ذلك وابعثني إذا بعثتني على
ذلك، وإن كان مني تقصير في ما مضى فإني أتوب إليك منه وأرغب
إليك في ما عندك، وأسألك أن تعصمني من معاصيك، ولا تكلني إلى
نفسي طرفة عين أبدا ما أحييتني، ولا أقل من ذلك ولا أكثر، إن
النفس لإمارة بالسوء إلا ما رحمت يا أرحم الراحمين، وأسألك أن
تعصمني بطاعتك حتى تتوفاني عليها وأنت عني راض وأن تختم لي
بالسعادة ولا تحولني عنها أبدا ولا قوة إلا بك.
[المسألة 668]
يستحب أن يقرأ بعد صلاة الغداة وبعد صلاة المغرب قبل أن يقبض
ركبتيه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي
ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شئ قدير، عشر مرات، وأن يقول بعد كل من صلاة الصبح وصلاة
المغرب: بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، سبع مرات، وأفضل من ذلك أن يقوله مائة مرة.
ويستحب أن يقول بعد صلاة الصبح: سبحان الله العظيم وبحمده
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عشر مرات، وأن يقول: سبحان
الله العظيم وبحمده أستغفر الله وأسأله من فضله، عشر مرات. وأن
يقول: ما شاء الله كان لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مائة مرة،
وأن يقرأ سورة التوحيد، إحدى عشرة مرة، وأفضل من ذلك أن
يقرأها مائة مرة، وأن يقول، لا إله إلا الله الملك الحق المبين، مائة مرة.
ويستحب أن يقول بعد فريضة الفجر أيضا مائة مرة: اللهم صل
على محمد وآل محمد، ومائة مرة: أسأل الله العافية، ومائة مرة:
472

استجير بالله من النار، ومائة مرة: وأسأله الجنة، ومائة مرة: أسأل
الله الحور العين، ومائة مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويستحب أن يقول
بعد صلاة الصبح وصلاة العصر سبعين مرة: أستغفر الله وأتوب إليه،
وأن يقرأ أدعية الصباح بعد الصبح، وهي كثيرة جدا، وأدعية المساء
بعد العصر، وأن يقرأ الأدعية المختصة بالظهرين والعشاءين بعدها.
[الفصل التاسع والعشرون]
[في ما ينافي الصلاة]
[المسألة 669]
منافيات الصلاة أمور:
(الأول): تبطل الصلاة بخروج الحدث من المصلي، سواء كان
الحدث أصغر أم أكبر، وإن كان خروجه قبل الحرف الأخير من التسليم،
وسواء كان خروجه عمدا أم سهوا أم اضطرارا، وحتى إذا نسي
التسليم وأحدث قبل الاتيان به كما تقدم في فصل التسليم.
ويستثنى من ذلك دائم الحدث، كالمسلوس والمبطون والمستحاضة
وقد تقدمت أحكامها جميعا في مواضعها من كتاب الطهارة فلتراجع.
[المسألة 670]
(الثاني) تبطل الصلاة إذا التفت المصلي بجميع بدنه عامدا حتى
خرج عن الاستقبال، سواء كان التفاته إلى الخلف أم إلى اليمين أم
اليسار، أم إلى ما بينهما، وسواء كان التفاته في حال القراءة أو
الذكر أم في حال أخرى، وتبطل الصلاة إذا التفت ببدنه كله ساهيا إلى
اليمين أو إلى اليسار أو الخلف، وتبطل الصلاة إذا التفت بوجهه إلى
ما وراءه عامدا أو ساهيا وإن كان مستقبلا بسائر بدنه، وتبطل الصلاة
إذا التفت بوجهه عامدا بحيث خرج عن الاستقبال بوجهه إذا هو أوقع
بعض أفعال الصلاة في حال انحرافه أو أتى بشئ من أقوالها.
473

ولا تبطل الصلاة إذا التفت ساهيا إلى ما لا يبلغ حد اليمين أو اليسار
وإن كان التفاته ببدنه كله، وحتى إذا أتى ببعض أفعال الصلاة أو
أقوالها في حال انحرافه، ولا تبطل الصلاة إذا التفت بوجهه إلى ما لا
يبلغ إلى الخلف وإن كان عامدا، إذا هو لم يأت في حال التفاته بشئ
من أفعال الصلاة أو أقوالها، نعم يكره ذلك مع العمد.
[المسألة 671]
(الثالث): كل فعل يمحو صورة الصلاة في نظر المتشرعة، سواء
كان الفعل كثيرا أم قليلا، كالوثبة، والعفطة، والرقص، والقفزة،
وكذلك السكوت الطويل إذا محا صورة الصلاة فتبطل الصلاة إذا أتى
المكلف بشئ من ذلك في صلاته متعمدا، ويشكل الحكم بالبطلان إذا
صدر منه ساهيا، ولا يترك الاحتياط باتمام الصلاة ثم إعادتها.
ولا تبطل الصلاة بالفعل غير الماحي لصورة الصلاة وإن كان كثيرا،
ولا بالسكوت غير الماحي للصورة وإن كانا مفوتين للموالاة العرفية بين
أفعال الصلاة، وقد تقدم ذكر ذلك في المسألة الستمائة والثانية
والأربعين.
[المسألة 672]
الظاهر أن الاتيان بالصلاة في أثناء الصلاة، من الفعل الماحي لصورة
الصلاة الأولى، فإذا تعمد الانسان فعل ذلك بطلت الصلاتان معا، وإذا
فعله ساهيا لم تبطل الصلاتان فإذا كانت إحداهما مضيقة الوقت وجب
عليه أن يتمها، فإذا هو مضى فيها بطلت الأخرى، وإذا كانت الفريضة
الثانية منهما مرتبة على الأولى، وجب عليه أن يتم الأولى، فإذا هو مضى
فيها بطلت الثانية.
وإذا كانت الفريضتان موسعتين في الوقت، ولم يكن بينهما ترتيب،
تخير في أن يتم أيتهما شاء فإذا مضى فيها بطلت الأخرى، وستأتي لذلك
أمثلة في فصل صلاة الآيات، وفي فصل صلاة الاحتياط إذا عرض له
أحد الشكوك.
474

[المسألة 673]
إذا صدر من المصلي سكوت طويل أو فعل كثير ونحو ذلك، وشك
في أن ما صدر منه محا صورة الصلاة أم لا، بنى على بقاء الصورة،
فيجب عليه اتمام الصلاة وكانت صحيحة.
[المسألة 674]
(الرابع) التكلم في الصلاة عامدا، وإن كان بحرفين مهملين لا يدلان
على معنى، فتبطل الصلاة بذلك، وكذلك إذا تكلم بحرف واحد وأشبع
حركته حتى حصل منها حرف آخر، وحتى إذا تكلم بحرف واحد على
الأحوط إذا كان مفهما للمعنى، مثل (ق) فإنه فعل أمر من الوقاية فإذا
تكلم به عامدا وهو ملتفت إلى معناه بطلت صلاته على الأحوط، وكذلك
إذا نطق عامدا بحرفين مفردين من غير تركيب، فتبطل الصلاة بذلك
على الأحوط بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 675]
التنحنح والنفخ إنما هي أصوات تشبه الحروف، وليست كلاما ولا
حروفا، فلا تبطل الصلاة إذا تنحنح المكلف أو نفخ في أثناء صلاته،
ولا يجب عليه سجود السهو إذا فعل ذلك ساهيا، ويشكل الحكم في التأوه
والأنين إذا حدث منهما حرفان، فلا يترك مع ذلك الاحتياط بإعادة
الصلاة بعد اتمامها، ولا شئ عليه إذا حدث منه حرف واحد.
[المسألة 676]
لا مانع من صدور كلمة (آه) في الصلاة بقصد الشكوى إلى الله سواء
كانت في ضمن دعاء أم في غيره، وسواء ذكر المتعلق فقال (آه من ذنوبي،
أو من سوء عملي) أم لم يذكر وسواء كانت لسبب أخروي أم دنيوي،
وإذا قالها المصلي لغير ذلك عامدا أبطلت الصلاة.
[المسألة 677]
إذا مد حرف المد أو حرف اللين في قراءته أو في ذكره حتى زاد فيه
مقدار حرف أو أكثر لم تبطل صلاته بذلك ولم تبطل قراءته ولا ذكره،
إلا إذا خرجت الكلمة بطول المد فيها عن كونها كلمة.
475

[المسألة 678]
لا فرق في بطلان الصلاة بالتكلم في أثنائها عامدا بين أن يكون مختارا
في ذلك، أو مضطرا فيه أو مكرها عليه، ولا بين أن يكون مخاطبا
لأحد أم لا.
[المسألة 679]
لا تبطل الصلاة إذا تكلم في أثنائها ساهيا أو تكلم باعتقاد أنه قد
فرغ من صلاته ثم تذكر أنه لم يفرغ بعد منها، وعليه سجود السهو
بعد التسليم من الصلاة.
[المسألة 680]
لا ينافي الصلاة أن يأتي في أثنائها ببعض الأذكار أو الدعاء أو قراءة
القرآن، غير أذكار الصلاة ودعائها وقراءتها، فلا تبطل الصلاة بذلك،
إلا إذا كان الدعاء بالمحرم، ومنه الدعاء على مؤمن ظلما، فلا يجوز
ذلك، بل الأحوط إعادة الصلاة بعد اتمامها، وإلا إذا كانت القراءة
بالآيات التي توجب السجود وهو في صلاة فريضة.
[المسألة 681]
إذا دعا المصلي على أحد في صلاته وهو يعتقد أنه كافر، ثم علم أنه
مؤمن لم تبطل صلاته بذلك.
[المسألة 682]
إنما يكون ما يأتي به قرآنا وغير مناف للصلاة إذا تلاه بقصد
القرآنية، فإذا قرأ المصلي الآية أو الآيات وقصد بها غير القرآن لم
تكن منه وكانت الصلاة باطلة، وكذلك إذا قرأها وهو لا يعلم أنها
قرآن، ومثله الذكر، فلا بد وأن يكون الاتيان به بقصد الذكر.
[المسألة 683]
إذا أتى المكلف بالذكر في صلاته لا بقصد الذكر، بل بقصد أن ينبه
الغير على شئ، كان مبطلا للصلاة، وإذا قصد به الذكر ولكنه رفع
صوته به بقصد التنبيه لم تبطل صلاته، وكذلك إذا قصد به الذكر،
476

وكان الداعي له إلى الاتيان بالذكر هو تنبيه الغير، ومثله الحكم في آية
القرآن، ومثال ذلك أن يجهر الإمام في قراءته في موضع الاخفات فيقرأ
المأموم قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) لينبهه على ذلك.
[المسألة 684]
يشكل جواز الدعاء في الصلاة إذا كان المخاطب به غير الله سبحانه،
كما إذا قال المصلي لأحد (غفر الله لك)، والأحوط تركه.
[المسألة 685]
يجوز للمصلي أن يكرر الذكر أو القراءة عمدا إذا لم يكن ذلك
بقصد الجزئية، بل كان بقصد مطلق الذكر ومطلق القراءة في الصلاة
أو بقصد الاحتياط إذا احتمل أنه أخل بها في القراءة الأولى، ولا يجوز
التكرار إذا كان من باب الوسوسة، وإذا أعادها للوسوسة، فالأحوط
إعادة الصلاة.
[المسألة 686]
لا يجوز للمصلي أن يبتدئ غيره بالسلام أو بتحية أخرى، كقوله
صبحك الله بالخير ونحوه، وكذلك إذا قصد به الدعاء، فقد تقدم
الاشكال في الدعاء مع مخاطبة الغير به فالأحوط تركه.
[المسألة 687]
إذا سلم أحد على الانسان وهو في صلاته بقصد التحية، وجب على
المصلي رد السلام وإذا ترك الرد واستمر في صلاته عصى بتركه وأثم
ولم تبطل صلاته على الأقوى.
[المسألة 688]
إذا سلم أحد على المصلي وجب أن يكون الرد منه بمثل ما سلم، فإذا
قال: سلام عليكم، وجب أن يكون جوابه مثل قوله: سلام عليكم، بل
ولا يترك الاحتياط في أن يكون الجواب مثل السلام في التعريف والتنكير
وفي الجمع والافراد، فإذا قال: السلام عليكم، وجب أن يقول في جوابه
السلام عليكم، ولا يكفي أن يقول سلام عليكم أو السلام عليك وإذا
477

قال: السلام عليك، فجوابه مثل قوله: السلام عليك وإذا أتى بلفظ
السلام منكرا، فالجواب مثله.
وفي غير حال الصلاة يستحب أن يكون الرد بالأحسن، فإذا قال
المسلم: سلام عليكم استحب أن يقول في الجواب عليكم السلام، وأفضل
من ذلك أن يضم إليها ورحمة الله وبركاته.
[المسألة 689]
إذا قرأ المصلي في جواب السلام آية من القرآن، مثل قوله تعالى:
سلام عليكم طبتم، أو: سلام عليك سأستغفر لك ربي، وقصد بها
القرآنية أشكل الحكم بكفايتها في رد التحية، فلعل قصد القرآنية ينافي
التحية، فلا تتأدى بها وظيفة رد السلام.
[المسألة 690]
إذا قال المسلم: عليكم السلام، فلا بد وأن يكون الرد عليه من المصلي
بمثل قوله، فيقول أيضا: عليكم السلام، لأنه تحية ترد بمثلها، وإذا
سلم على المصلي بالملحون، وجب أن يكون الجواب من المصلي صحيحا،
ولا يجوز بالملحون على الأحوط، وأما أن يقول في الجواب: سلام عليكم
بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء فقد تقدم الاشكال فيهما، فلا يكفيان
في كلا الفرضين.
وإذا قال: سلام، بدون عليكم، وجب أن يكون الرد من المصلي
بمثل قوله، فيقول: سلام ويقدر عليكم.
[المسألة 691]
إذا كان المسلم على المصلي صبيا مميزا أو امرأة أجنبية، فالأقوى
وجوب الرد، وأن يكون الرد بمثله، وكذلك إذا سلم الرجل على امرأة
أجنبية في صلاتها، فيجب عليها الرد بمثله.
[المسألة 692]
إذا سلم أحد على جماعة وفيهم من يصلي، جاز للمصلي منهم أن
478

يرد السلام، وإذا رد عليه غيره، فالأحوط أن لا يرد المصلي، وإن كان
الراد صبيا مميزا.
[المسألة 693]
إذا سلم أحد على جماعة، وشك الانسان في أنه ممن قصد بالسلام
أم لا، لم يجب عليه الجواب، ولم يجز له الرد إذا كان في الصلاة.
[المسألة 694]
إذا سلم أحد على المصلي مرات متعددة، فلا يترك الاحتياط بالتكرار
في الجواب، إلا إذا خرج السلام بسبب التكرار عن صدق التحية، فلا
يجب الجواب بعد ذلك.
[المسألة 695]
يجب الفور في رد السلام، فإذا أخره المكلف حتى خرج عن صدق
الجواب عليه سقط وجوبه بعد ذلك، وأثم بالتأخير إذا كان متعمدا،
وإذا كان في الصلاة لم يجز له أن يأتي به بعد ذلك وإذا أتى به بطلت
صلاته.
وإذا شك في خروجه عن صدق الجواب عليه أتى به إذا كان في غير
الصلاة، وإذا كان في الصلاة فلا يترك الاحتياط بالرد وإعادة الصلاة
بعد اتمامها.
[المسألة 696]
يجب على المكلف اسماع رد السلام سواء كان في حال الصلاة أم في
غيرها، إلا إذا كان المسلم أصم، أو كان بعيدا ولو بسبب مشيه سريعا
ونحو ذلك، فيكفي أن يكون الجواب على النحو المتعارف بحيث يسمعه
لو كان صحيح السمع أو كان قريبا، والأحوط تنبيهه للجواب
مع الامكان بإشارة ونحوها.
[المسألة 697]
إذا كانت التحية بغير لفظ السلام كقول صبحك الله بالخير، ونحوه
479

فالظاهر وجوب الرد وإن كان الأحوط ذلك، ولا تجوز مراعاة
هذا الاحتياط إذا كان في الصلاة.
[المسألة 698]
إذا لم يدر المصلي أن المسلم سلم عليه بأي صيغة ليرد عليه بمثلها،
فالأحوط له أن يحييه بقوله سلام عليكم بقصد التحية ثم يعيد الصلاة
بعد اتمامها.
[المسألة 699]
يكره السلام على الانسان في حال صلاته.
[المسألة 700]
إذا سلم أحد على جماعة وجب عليهم رد تحيته وجوبا كفائيا، فإذا
ردها أحدهم كفى ذلك في أداء الواجب وسقط وجوب الرد عن الباقين
وإن كان الراد صبيا مميزا، ويستحب للباقين الرد إذا كانوا في غير
الصلاة، والأحوط أن لا يرد المصلي السلام إذا رد غيره من المقصودين
بالتحية كما سبق في المسألة الستمائة والثانية والتسعين. ولا يسقط
الوجوب عنهم إذا رد السلام غيرهم.
[المسألة 701]
يستحب الابتداء بالسلام استحبابا مؤكدا، وهذا الحكم عام للمفرد
والجماعة، سواء كان السلام على مفرد أم على جماعة، وتتأدى الوظيفة
بأن يسلم واحد من الجماعة عند الالتقاء بأحد أو عند المرور
به أو الدخول عليه، ويجوز للباقين بل يستحب لهم أن يسلموا عليه
أيضا أو يسلم بعضهم، ويجب عليه الرد على كل من سلم منهم، ولا
يكفي أن يرد تحية بعضهم إذا سلم غيره.
[المسألة 702]
يجوز للرجل أن يسلم على المرأة الأجنبية عنه، ويجوز لها أن تسلم
عليه ما لم يكن خوف فتنة أو ريبة أو تلذذ محرم.
480

[المسألة 703]
يجب على المسلم أن يرد تحية الكافر إذا سلم عليه، والأحوط أن
يكون الرد بقول سلام، أو يقول: عليك.
[المسألة 704]
يتأكد الاستحباب في أن يبدأ الراكب بالسلام على الماشي، وأن
يسلم أصحاب الخيل على أصحاب البغال، وأصحاب البغال على أصحاب
الحمير، وأن يسلم القائم على الجالس، والجماعة القليلة على الجماعة
الكثيرة، والصغير على الكبير، ولا يمنع هذا التأكد في الاستحباب من
العكس، فيستحب للماشي أن يسلم على الراكب وكذلك في الباقي
ولكن تأكد الاستحباب في ما تقدم.
[المسألة 705]
إذا سلم رجل على أحد الشخصين، ولم يعلما أيهما قصد بتحيته، لم
يجب عليهما الرد، والأحوط استحبابا أن يرد كل واحد منهما على
تحيته إذا كانا في غير الصلاة، ولا تجوز مراعاة هذا الاحتياط في حال
الصلاة.
[المسألة 706]
إذا سلم كل من الرجلين على الآخر في وقت واحد، وجب على كل
واحد منهما رد السلام على صاحبه ولم يكفه سلامه عن الجواب.
[المسألة 707]
رد السلام ليس تحية مبتدأة فلا يجب ردها، فإذا اعتقد الرجل
مخطئا أن صاحبه سلم عليه فرد عليه السلام لم يجب على صاحبه أن يرد
عليه وإن كان أحوط وإذا اعتقد كل من الرجلين أن الآخر قد سلم عليه
فردا السلام معا وكانا مخطئين لم يجب عليهما رد ذلك وإن كان الرد أحوط.
[المسألة 708]
لا يجب رد السلام إذا كان سخرية أو مزاحا.
481

[المسألة 709]
يجب رد السلام على الخطيب والواعظ وأمثالهما إذا ابتدأ بالتحية،
ويكفي الرد من بعض المستمعين، ولا يسقط وجوب الرد عن المكلف
حتى يعلم أن بعض المقصودين بالتحية قد أجاب، فإذا شك في ذلك
وجب عليه الرد.
[المسألة 710]
يستحب لمن عطس وإن كان في الصلاة أن يضع أصبعه على أنفه
ويقول: الحمد لله وصلى الله على النبي وآله، ويستحب ذلك لمن سمع
عطسة غيره أيضا، ويستحب تسميت العاطس فيقول له: يرحمك الله
أو يرحمكم الله، ويقول العاطس في جوابه يغفر الله لك أو يغفر الله لكم
ويرحمكم، والأحوط أن لا يسمت العاطس إذا كان في الصلاة، ولا
يجوز للعاطس أن يرد التسميت وهو في الصلاة.
[المسألة 711]
إذا تكلم الانسان في صلاته خوفا من ظالم أو دفعا لضرر عن نفسه
أو لبعض المسوغات الأخرى لم يأثم في فعله وبطلت صلاته.
[المسألة 712]
(الخامس) من منافيات الصلاة: تعمد القهقهة، والمراد بها الضحك
المشتمل على الصوت والترجيع، ويلحق بها الضحك المشتمل على الصوت
وإن لم يكن معه ترجيع على الأحوط، وبحكم العمد ما إذا قهقه مضطرا
أو مقسورا، فتبطل الصلاة بجميع ذلك.
ولا تبطل الصلاة بالتبسم وإن كان عامدا، ولا بالقهقهة سهوا إذا
لم تكن ماحية لصورة الصلاة، وإذا محت صورة الصلاة جرى فيها
الاحتياط المتقدم في المسألة الستمائة والحادية والسبعين، ولا تبطل
الصلاة إذا امتلأ جوفه ضحكا حتى احمر وجهه ولم يظهر له صوت إلا
إذا كان ماحيا لصورة الصلاة.
[المسألة 713]
(السادس): تعمد البكاء لشئ من أمور الدنيا، أو لذكر ميت،
482

سواء كان البكاء مشتملا على صوت أم لا، على الأحوط في الثاني،
فتبطل الصلاة إذا تعمد البكاء لذلك، وبحكم التعمد ما إذا بكى
مضطرا أو مقسورا، ولا يبطلها إذا وقع سهوا.
وأما البكاء في الصلاة خوفا من الله أو عبودية له أو شوقا إليه أو
رغبة في ما عنده أو نحو ذلك فهو من موجبات القرب من الله سبحانه
والعلو في المنزلة لديه.
ولا بأس بالبكاء في الصلاة إذا كان تذللا لله تعالى وتوسلا إليه ليقضي
له حاجة دنيوية أو ليدفع عنه بلاءا أو مكروها دنيويا.
[المسألة 714]
لا ينبغي الريب في جواز البكاء على الحسين (ع) أو على أحد المعصومين
(ع) في الصلاة إذا كان البكاء عليهم لرجحانه شرعا أو للتوسل بهم
وبالبكاء عليهم لقبول العمل والنجاة في الآخرة نعم، الأحوط تركه في
الصلاة إذا كان لمحض الرقة والظلامة الانسانية. وما يشبه ذلك.
[المسألة 715]
(السابع): الأكل والشرب الماحيان لصورة الصلاة، سواء كانا
قليلين أم كثيرين فيجري فيهما الكلام المتقدم في الفعل الماحي لصورة
الصلاة، فتبطل الصلاة بهما مع العمد، ويجري الاحتياط المتقدم مع
السهو، فيتم الصلاة ثم يعيدها كما ذكرنا في المسألة الستمائة والحادية
والسبعين.
[المسألة 716]
لا تبطل الصلاة بابتلاع بقية طعام موجودة في الفم أو بين الأسنان،
ولا يبطلها وضع قليل من السكر ونحوه في الفم فيذوب شيئا فشيئا
ويدخل مع الريق قليلا قليلا.
[المسألة 717]
وردت الرخصة لمن كان في صلاة الوتر وهو يريد صوم ذلك اليوم
وخاف أن يفاجئه الفجر قبل فراغه من الوتر وهو عطشان فيجوز له
483

أن يتقدم نحو الماء إذا كان قريبا منه ويشرب منه كفايته، ثم يعود في
صلاته ودعائه ولا يبطل ذلك صلاته إذا لم يأت بشئ ينافي الصلاة من
استدبار القبلة أو حركة ماحية لصورة الصلاة أو نحو ذلك.
والأحوط أن يقتصر في ذلك على الوتر المندوب، فلا يعم الوتر
المنذورة، ولا يعم غير الوتر من النوافل ولا يلحق الأكل وغيره من
المنافيات بشرب الماء نعم لا يختص الحكم بحال الدعاء في الوتر بل يعم
جميع الحالات فيها.
[المسألة 718]
(الثامن) من منافيات الصلاة: التكفير، وهو وضع إحدى اليدين
على الأخرى، والظاهر أن حرمة التكفير في الصلاة إنما هي حرمة
تشريعية، لا نفسية، وإنما تبطل الصلاة به إذا أتى به بقصد الجزئية
للصلاة، أو قيد به امتثاله لأمر الصلاة، وإذا لم يكن على أحد النحوين
لم تبطل به الصلاة وإن كان مأثوما بفعله، ولذلك فلا يختص التحريم
بالنحو الذي يصنعه غيرنا، بل المدار على قصد التشريع به في أي نحو
كان.
[المسألة 719]
لا تبطل الصلاة إذا كفر فيها ساهيا، وإن كان الأحوط الإعادة معه
في جميع الصور المتقدمة ولا تبطل الصلاة إذا وضع إحدى اليدين على
الأخرى لغرض آخر كحك الجسد ونحو ذلك.
[المسألة 720]
إذا اقتضت التقية أن يكفر في صلاته، بحيث لا تتأدى التقية إلا به
لزمه أن يكفر فيها وأجزأته صلاته، وإذا ترك التكفير في هذه الحال
ففي صحة صلاته إشكال، والأحوط الإعادة بل لا تخلو من قوة إذا كان
ملتفتا.
[المسألة 721]
(التاسع) قول آمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة، وحرمة التأمين
484

تشريعية لا نفسية، كما ذكرناه في التكفير، وإنما تبطل به الصلاة إذا
أتى به المكلف بقصد الجزئية للصلاة أو قيد به امتثاله لأمر الصلاة
فتبطل به الصلاة حين ذاك كما في التكفير والأحوط اجتنابه مطلقا.
[المسألة 722]
لا تبطل الصلاة بقول آمين بقصد الدعاء في القنوت أو الركوع أو
السجود مثلا، ولا تبطل بقول آمين بعد الفاتحة إذا كان ساهيا أو
اقتضته التقية.
[المسألة 723]
إذا اقتضت التقية أن يقول آمين بعد الفاتحة بحيث لا تتأدى إلا به،
لزمه ذلك وأجزأته صلاته كما قلنا، وإذا ترك التأمين في حال التقية
فإن كان ملتفتا فالأحوط إعادة الصلاة وخصوصا مع خوف الضرر على
النفس، وإن كان غافلا صحت صلاته.
[المسألة 724]
(العاشر) من منافيات الصلاة: أن يزيد المكلف في صلاته جزءا أو
ينقصه عامدا فتبطل صلاته للزيادة أو النقيصة العمديتين، أو يزيد
فيها ركنا أو ينقصه عامدا أو ساهيا فتبطل صلاته للاخلال بالركن،
وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك في مبحث الخلل الواقع في الصلاة.
[المسألة 725]
(الحادي عشر): أن يعرض له أحد الشكوك التي يحكم معها ببطلان
الصلاة كالشك في ركعات الصلاة الثنائية أو الثلاثية، وفي الأولتين من
الرباعية، وسيأتي في فصل الشك في الركعات بيان ما هو المبطل منها
وتفصيل القول فيه.
[المسألة 726]
إذا أتم الانسان صلاته وشك بعد التسليم: هل أحدث في صلاته أو
هل عرض له فيها أحد ما يوجب بطلانها أم لا، حكم بصحة الصلاة
وعدم عروض المبطل.
485

[المسألة 727]
إذا علم بأنه قد نام عامدا، ولكنه شك هل كان نومه في أثناء الصلاة
أم بعد أن أتمها، فإن علم أن نومه كان بعد بنائه على الفراغ من
الصلاة حكم بصحة صلاته، وإن لم يعلم بذلك، وجبت عليه إعادة
الصلاة.
وكذلك إذا علم بأن النوم قد غلبه قهرا، ولم يعلم أنه بعد الصلاة
أو في أثنائها، أو وجد نفسه نائما في السجدة، وشك في أنها السجدة
الأخيرة من الصلاة أو هي سجدة الشكر، فعليه إعادة الصلاة، في
الفروض الثلاثة.
[المسألة 728]
لا يجوز للانسان أن يقطع صلاة الفريضة من غير سبب يوجب ذلك،
ويجوز إذا اقتضته ضرورة دينية أو دنيوية كحفظ نفسه أو حفظ
نفس محترمة أو حفظ عرض أو مال أو امساك دابة شاردة أو عبد
أبق أو غريم هارب، بل يجوز قطعها على الأقوى لأي غرض مهم راجح
سواء كان دينيا أم دنيويا، فيجوز قطع الصلاة لإزالة النجاسة عن
المسجد مثلا مع سعة الوقت إذا رآها في أثناء الصلاة أو رأى من يساعده
على إزالتها.
وقد تقدم استحباب قطع الفريضة إذا نسي الأذان والإقامة وتذكرهما
قبل الدخول في الركوع، واستحباب قطعها إذا شرع فيها ثم حضرت
صلاة الجماعة.
[المسألة 729]
يجوز قطع النافلة وإن كانت منذورة إلا إذا تضيق وقت الوفاء
بالنذر، كما إذا نذر أن يأتي بصلاة جعفر مثلا قبل الزوال من يوم
الجمعة، أو نذر صلاة الوتر قبل طلوع الفجر من ليلة الجمعة، فلا
يجوز له قطعها عند تضيق وقتها.
486

[المسألة 730]
إذا وجب على المكلف قطع الصلاة فلم يقطعها وأتم صلاته، فالظاهر
صحة الصلاة وإن أثم بترك الواجب الذي وجب له قطع الصلاة.
[المسألة 731]
يكره أن يلتفت المصلي بوجهه عن القبلة ولو قليلا كما بيناه في أول
هذا الفصل أو يلتفت ببصره، وأن يعبث بلحيته أو برأسه أو بيده،
أو بشئ من أعضائه، وأن يفرقع أصابعه، وأن يتمطى، أو يتثاءب،
أو يبصق، أو يمتخط، وأن يئن في صلاته أو يتأوه، أو ينفخ موضع
سجوده أو يشبك أصابعه، أو يغمض عينيه أو يحدث نفسه.
[المسألة 732]
يكره للانسان أن يدخل في الصلاة وهو يدافع البول أو الغائط أو
الريح، وأن يقوم إلى الصلاة متكاسلا أو متناعسا أو متثاقلا، وأن
يقرن بين قدميه في حال قيامه كالمقيدتين وأن يتورك فيضع يديه على
وركيه حال القيام، وأن ينظر في نقش خاتم أو في مصحف أو كتاب،
وفي حكم ذلك أن ينطر في زخارف المكان الذي يصلي فيه، وأن ينصت
في أثناء صلاته ليسمع قول القائل.
[المسألة 733]
يكره القران في صلاة الفريضة، وهو أن يقرأ سورتين أو أكثر في
الركعة الواحدة منها، وقد ذكرنا ذلك في المسألة الأربعمائة والثلاثين.
[المسألة 734]
تستحب الصلاة على النبي (ص) عند ذكره أو سماع ذكره، سواء
كان الذاكر أو السامع في الصلاة أم في غيرها، وسواء ذكر بأحد أسمائه
أو ألقابه أو كناه الشريفة (ص)، وفي الصحيح عن أبي جعفر (ع):
وصل على النبي (ص) كلاما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره.
[المسألة 735]
يستحب تكرار الصلاة عليه مهما تكرر ذكره (ص)، فإذا سمع ذكره
وهو في التشهد صلى عليه ولم يكتف بالصلاة الواجبة في التشهد.
487

[المسألة 736]
الظاهر أن الاستحباب فيها على الفور، فلا يجعل بين ذكره والصلاة
عليه فصلا طويلا، ولا تعتبر في الصلاة عليه صيغة خاصة، فيكفي أن
يقول: اللهم صل عليه، أو صلوات الله عليه، أو صلى الله عليه، أو غير
ذلك من الصيغ، ولا بد من أن يضيف آله إليه في الصلاة عليه.
صلوات الله عليهم أجمعين.
[الفصل الثلاثون]
[في الخلل الواقع في الصلاة]
[المسألة 737]
إذا أخل الانسان بشئ من واجبات الصلاة أو شرائطها عامدا بطلت
صلاته، سواء كان الواجب أو الشرط الذي أخل به ركنا أم غير ركن،
وسواء كان فعلا أم قولا أم وصفا، كالجهر والاخفات والطمأنينة،
والاستقلال والترتيب والموالاة، حتى إذا أخل بحرف أو كلمة أو حركة
من القراءة أو الذكر، أو بالموالاة بين حروف الكلمات أو بين الكلمات
نفسها على الوجه الذي تقدم ايضاحه في مواضعه.
والمراد بالاخلال في هذه المسألة أن ينقص الشئ أو ينقص شرطه
أو ينقص وصفا أو كيفية تجب فيه، فإذا فعل ذلك عامدا بطلت صلاته،
وبحكمه ما إذا فاتت الموالاة أو الترتيب سهوا وأمكن للمكلف تدارك
الخلل بتكرار الفعل فلم يتداركه عامدا.
[المسألة 738]
إذا زاد في صلاته جزءا عامدا بطلت صلاته، سواء كان الجزء الذي
زاده ركنا أم واجبا غير ركن، وسواء كان قولا أم فعلا، وسواء كان
موافقا لأجزاء الصلاة في الصورة، كسجدة ثالثة أو ركوع ثان أم
مخالفا لها، كالتكفير والتأمين إذا قصد بهما الجزئية للصلاة، وسواء
قصد الاتيان به في ابتداء النية، أم في الأثناء.
488

[المسألة 739]
إنما تتحقق الزيادة إذا قصد بالشئ الجزئية للصلاة، فلا يضر
بالصلاة ما يأتي به من الأفعال المباحة لا بقصد الجزئية، كحك الجسد،
وحركة اليد، ومسح الوجه، إلا إذا كان ماحيا لصورة الصلاة، ولا
تضر بها القراءة والذكر والدعاء، التي يأتي بها بقصد مطلق القراءة
والذكر والدعاء لا بقصد الجزئية.
[المسألة 740]
لا تبطل الصلاة بزيادة الأجزاء المستحبة كالقنوت، ولا بنقيصتها،
إلا إذا أوجبت خللا في نية القربة، ومثال ذلك أن يقيد امتثاله بصلاة
ذات قنوتين، أو بصلاة لم يشرع فيها القنوت فتبطل الصلاة بذلك.
[المسألة 741]
إذا أخل الانسان بشرط ركن من شرائط الصلاة، وهو جاهل
بالحكم، فترك الطهارة من الحدث فيها، أو صلى قبل دخول الوقت
بطلت صلاته، وكذلك إذا أخل بالقبلة فصلى مستدبرا للقبلة، أو
منحرفا عنها إلى اليمين أو اليسار، أو انحرف بجميع بدنه عنها بحيث
لا يعد مستقبلا، وإن لم يبلغ محض اليمين أو اليسار، أو انحرف
بوجهه عن القبلة بحيث لا يعد مستقبلا بوجهه وأوقع بعض أفعال
الصلاة في حال انحرافه، فتبطل صلاته في جميع هذه الفروض كما في
العامد.
وتبطل صلاته كذلك إذا ترك ركعة تامة، أو ترك ركوعا أو ركنا
آخر من أركان الصلاة، وتبطل صلاته إذا زاد ركنا من أركانها
كالركوع، فحكم الجاهل بالحكم في جميع ما ذكر حكم العامد. وإذا
أخل الجاهل بالحكم بشئ من باقي شروط الصلاة أو أجزائها غير
الركنية، فزاد شيئا منها أو نقص، فالظاهر أن حكمه حكم الساهي،
إلا إذا كان جاهلا مترددا في صحة العمل وفساده فالظاهر اجراء حكم
العامد عليه.
489

[المسألة 742]
إذا ترك الانسان الطهارة من الحدث وصلى ساهيا عن ذلك أو صلى
ساهيا بغسل أو وضوء أو تيمم باطل، لنقصان بعض أجزائه أو
شرائطه، كانت صلاته باطلة، سواء تذكر ذلك في أثناء الصلاة أم بعد الفراغ منها.
[المسألة 743]
إذا أخل بالوقت ساهيا فصلى قبل دخوله بطلت صلاته، وكذلك إذا
أخل بالقبلة سهوا، فصلى مستدبرا للقبلة أو كانت القبلة إلى يمينه
أو يساره فتبطل صلاته.
[المسألة 744]
إذا صلى ساهيا مع نجاسة ثوبه أو بدنه، أو صلى معها وهو جاهل
بموضوع النجاسة أو بحكم الصلاة فيها، ففي صحة صلاته وعدمها
تفصيل ذكرناه في المسألة المائة والثامنة والخمسين وما يتلوها من
المسائل من كتاب الطهارة فلتراجع.
[المسألة 745]
إذا أخل المكلف بستر عورته ساهيا فلم يسترها ولم يلتفت حتى أتم
الصلاة صحت صلاته، وتراجع المسألة المائة والرابعة وما قبلها وما
بعدها من كتاب الصلاة في الفروض التي تتعلق بذلك، وإذا أخل
بشرائط الساتر، فإن صلى في غير المأكول ساهيا فالظاهر بطلان صلاته،
وإذا صلى في الحرير أو الذهب ونحوهما ساهيا فالظاهر صحتها.
[المسألة 746]
إذا أخل بشرائط المكان في صلاته ساهيا، فالظاهر عدم بطلانها
بذلك، من غير فرق بين إباحة المكان وغيرها، نعم إذا صلى في المكان
المغصوب ناسيا لغصبيته، وكان المصلي هو الغاصب نفسه وكان ممن
لا يبالي على تقدير تذكره، فالظاهر بطلان صلاته وإن كان ناسيا،
وكذلك الحكم في اللباس المغصوب.
490

[المسألة 747]
لا تبطل صلاة المكلف إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه ساهيا،
سواء كان ذلك لنجاسته، أم لكونه من غير الأرض أو نباتها، أم لكونه
مما يؤكل أو يلبس عادة، أم لكونه أرفع أو أخفض من موقفه بأكثر
مما يجوز، وكل ذلك إذا لم يتذكر حتى فات موضع تداركه، وإذا
تذكره بعد رفع رأسه من السجود، فالأحوط المضي في صلاته ثم إعادتها.
[المسألة 748]
إذا زاد الانسان في صلاته ركوعا ساهيا بطلت صلاته، ويشكل الحكم
إذا زاد سجدتين في ركعة واحدة ساهيا، أو زاد تكبيرة الاحرام، فلا
يترك الاحتياط في هذين الفرضين بأن يتم صلاته ثم يعيدها.
ويستثنى من ذلك ما إذا زاد الركوع أو السجدتين للمتابعة في
صلاة الجماعة، ومثال ذلك ما إذا كان مأموما ورفع رأسه قبل الإمام
في ركوعه أو سجوده ساهيا، ثم علم أن الإمام لا يزال راكعا أو لا يزال
ساجدا، فإنه يعود إلى الركوع أو السجود، ولا تضره زيادة الركوع
أو زيادة السجود، وسيأتي بيان ذلك في أحكام الجماعة.
[المسألة 749]
إذا زاد الانسان في صلاته ركعة تامة ساهيا بطلت صلاته، سواء
تشهد بعد الركعة الرابعة ثم قام إلى الخامسة، أو جلس بعدها بمقدار
التشهد ثم قام، أم لم يجلس بعدها ولم يتشهد، فتبطل صلاته في جميع
الفروض على الأقوى.
وإن كان الأحوط استحبابا إذا كان قد تشهد في الرابعة أن يرفع
اليد عن زيادة الركعة فيجلس بعد الخامسة، ويسلم من غير تشهد،
وإذا كان قد جلس فيها بمقدار التشهد أن يفعل كذلك فيجلس بعد
الخامسة ويتشهد ويسلم، ثم يعيد الصلاة في الصورتين.
[المسألة 750]
تقدم في المسألة الثلاثمائة والخامسة والتسعين: إن زيادة القيام
491

المتصل بالركوع لا تتحقق إلا بزيادة الركوع معه، وأن زيادة القيام
حال تكبيرة الاحرام لا تتحقق كذلك إلا بزيادة تكبيرة الاحرام معه،
وتقدم في أول الفصل الخامس عشر أن النية ركن في الصلاة ولكن
الزيادة لا تتصور فيها.
[المسألة 751]
إذا نسي المكلف أنه مسافر أو نسي أن حكمه هو القصر في الصلاة
فأتم صلاته، فإن هو لم يتذكر حتى خرج الوقت صحت صلاته ولم
يجب عليه قضاؤها، وهو مستثنى من الحكم المتقدم ببطلان الصلاة
بزيادة الركعة. وإذا تذكر في الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة، فإن
هو لم يعدها في الوقت وجب عليه قضاؤها، وسيأتي ذلك في أحكام صلاة
المسافر.
[المسألة 752]
إذا زاد الانسان في صلاته جزءا غير ركن ساهيا لم تبطل صلاته
بذلك، كما إذا زاد فيها سجدة، أو تشهدا، أو قراءة، ذكرا، ولا
يجب عليه سجود السهو إلا إذا كان من الموارد الخاصة التي يجب السجود
لها، وسيأتي بيانها في فصل سجود السهو.
[المسألة 753]
إذا ترك الركوع سهوا ولم يتذكر حتى دخل في السجدة الثانية من
الركعة بطلت صلاته، وإذا تذكره وهو في السجدة الأولى أو بين
السجدتين، رفع يده عن السجدة الزائدة وقام وأتى بالركوع عن قيام
وأتم صلاته ولا شئ عليه.
[المسألة 754]
إذا نسي السجدتين من ركعة واحدة، ولم يتذكرهما حتى دخل في
ركوع الركعة التي بعدها بطلت صلاته، وإذا تذكرهما في حال القيام
أو في حال القراء وقبل الركوع، رفع اليد عن القيام والقراءة وأتى
بالسجدتين، ثم قام وقرأ أو سبح وأتم صلاته، ثم سجد للسهو للقيام
الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو بتسبيح.
492

[المسألة 755]
إذا نسي السجدتين من الركعة الأخيرة وتشهد وسلم وفعل ما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا من حدث أو استدبار للقبلة، ثم تذكر نقص
السجدتين بطلت صلاته، وإذا تذكرهما بعدما سلم وقبل أن يأتي
بالمبطل، فلا يترك الاحتياط بأن يأتي بالسجدتين وبالتشهد بعدهما
والتسليم ثم يسجد للسهو لاحتمال زيادة التسليم في غير موضعه، ثم
يعيد الصلاة، وإذا تذكرهما قبل أن يأتي بالتسليم أتى بالسجدتين
وبالتشهد والتسليم بعدهما وصحت صلاته.
[المسألة 756]
إذا ترك النية أو ترك تكبيرة الاحرام ساهيا أو ناسيا بطلت صلاته،
وكذلك الحكم إذا ترك القيام حال تكبيرة الاحرام أو نسي القيام المتصل
بالركوع فتبطل صلاته لنقصان الركن.
[المسألة 757]
إذا نسي ركعة من صلاته، فإن تذكرها بعد التشهد وقبل التسليم
وجب عليه أن يأتي بالركعة ويتم صلاته، وإذا تذكر الركعة بعد
التسليم وقبل أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا وسهوا من حدث أو
استدبار، قام وأتى بالركعة وأتم الصلاة، ثم سجد للسهو للسلام في
غير موضعه، وإذا تذكرها بعد أن سلم وأتي بالمبطل بطلت صلاته
وعليه إعادتها، سواء كانت الصلاة رباعية أم غيرها، وكذلك الحكم
إذا نسي أكثر من ركعة.
[المسألة 758]
إذا نسي التسليم في الصلاة ولم يتذكر حتى أتى بما يبطل الصلاة
عمدا وسهوا، فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يأتي بالتسليم ثم يعيد
الصلاة.
[المسألة 759]
إذا نسي الانسان جزءا غير ركن من أجزاء الصلاة وتذكره قبل أن
493

يفوت موضع تداركه، وجب عليه أن يعود فيتدارك ذلك الجزء المنسي،
ثم يأتي بما بعد من الأجزاء والأذكار ليحصل الترتيب ولا يعتد بما
أتى به منها قبل أن يتدارك ذلك الجزء ثم يتم صلاته.
فإذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا وتذكرهما بعد القيام للركعة
اللاحقة وقبل الدخول في ركوعها، وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة
أو التشهد المنسي، ثم يقوم ويتم صلاته ثم يسجد للسهو للقيام إذا
تلبس معه بقراءة أو تسبيح، وإذا لم يتلبس بهما فلا سجود عليه.
[المسألة 760]
إذا نسي جزءا غير ركن وتذكره بعد أن فات موضع تداركه مضى
في صلاته، فإذا أتمها وجب عليه قضاء الجزء المنسي إذا كان سجدة
واحدة، وكذلك إذا كان تشهدا على الأحوط، وأتى بسجود السهو لهما،
ولا يجب قضاء غير السجدة والتشهد من الأجزاء المنسية ولا سجود
السهو لها.
[المسألة 761]
يفوت محل تدارك الجزء المنسي في الصلاة لأحد أمرين:
(الأول): إذا لم يتذكر المكلف أنه ترك الجزء حتى دخل في ركن
بعده، ومثال ذلك أن ينسى القراءة في الأولتين أو ينسى التسبيح في
الأخيرتين، أو ينسى بعضهما، أو اعرابهما أو الترتيب فيهما، أو
ينسى القيام فيهما أو الطمأنينة، ثم لا يتذكر ذلك إلا بعد الدخول في
الركوع فيجب عليه اتمام الصلاة ولا شئ عليه.
ومن أمثلة ذلك أن ينسى السجدة الواحدة أو ينسى التشهد ولا يتذكر
إلا بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، وقد تقدم ذكر هذا
الفرض وبيان حكمه في المسألة المتقدمة.
[المسألة 762] إذا نسي القراءة أو التسبيح أو نسي بعضهما أو اعرابهما أو
الترتيب فيهما، وتذكر قبل الدخول في الركوع لم يفت محل التدارك،
494

فيجب عليه أن يرجع ويأتي بما نسيه منها، وأن يأتي بما بعده ليحصل
الترتيب، ولا شئ عليه غير ذلك.
[المسألة 763]
إذا نسي القيام أو الطمأنينة في حال القراءة أو التسبيح وتذكرهما
قبل الدخول في الركوع فلا يترك الاحتياط في أن يعود فيأتي بالقراءة
أو التسبيح قائما مطمئنا بقصد الاحتياط والقربة المطلقة، لا بقصد
الجزئية، وكذلك إذا نسي الطمأنينة حال التشهد أو في الأذكار الواجبة
الأخرى، وتذكرها بعد أن أتم التشهد أو أتم الذكر، فلا يترك
الاحتياط بأن يأتي بالتشهد أو الذكر مطمئنا بقصد الاحتياط لا بقصد
الجزئية.
[المسألة 764]
(الثاني) مما يفوت به محل تدارك الجزء المنسي: أن يكون ذلك
الجزء واجبا في فعل من أفعال الصلاة، فإذا نسي الجزء ولم يتذكره
حتى مضى ذلك الفعل فقد فات محل تدارك الجزء المنسي، ومثال ذلك
ذكر الركوع أو السجود، فإنهما واجبان في حال الركوع والسجود،
فإذا نسي المكلف الذكر ولم يتذكره حتى رفع رأسه من الركوع فقد
فات محل تدارك الذكر فيه، وكذلك الأمر في ذكر السجود، وكذلك
إذا نسي الطمأنينة في الركوع أو السجود، وتذكرها بعد رفع الرأس
منهما، أو نسي وضع بعض المساجد غير الجبهة حتى رفع رأسه من
السجود أو نسي فوضع جبهته على الموضع النجس، وتذكر بعد رفع
رأسه من السجود، وحكمه أن يمضي في صلاته ولا شئ عليه كما تقدم.
[المسألة 765]
إذا نسي الذكر في الركوع أو السجود وتذكره قبل رفع رأسه منهما
وجب عليه أن يأتي بالذكر قبل أن يرفع رأسه، وكذلك إذا نسي
بعض المساجد غير الجبهة فلم يضعه على الأرض في سجوده وتذكره قبل رفع
رأسه من السجود، فيجب عليه أن يضع المساجد ويأتي بالذكر قبل أن
يرفع رأسه.
495

وأما وضع الجبهة على الأرض فلا يتحقق السجود إلا به، فإذا نسيه
المكلف فلا بد له من العود إليه ولا يفوت محل تداركه إلا بالدخول في
الركوع من الركعة اللاحقة.
وإذا نسي الطمأنينة حال الذكر في الركوع أو السجود وتذكره قبل
رفع الرأس منه فقد تقدم إن الاحتياط لا يترك بأن يأتي بالذكر مطمئنا
بقصد الاحتياط لا بقصد الجزئية.
[المسألة 766]
إذا نسي الانتصاب بعد الركوع، فإن تذكره قبل وضع الجبهة على
الأرض في السجدة الأولى وجب عليه أن يقوم فيأتي به ثم يسجد، وإذا
تذكره بعد الدخول في السجدة الثانية فات محل تداركه، فيجب عليه
أن يمضي في صلاته ولا شئ عليه، وإذا تذكره في السجدة الأولى
أو بين السجدتين وقبل أن يدخل في السجدة الثانية، فالأحوط له أن
يعود فيأتي بالانتصاب بعد الركوع ثم يسجد السجدتين ويتم الصلاة
ثم يعيدها، وكذلك الاحتياط إذا نسي الجلوس بعد السجدة الأولى ولم
يتذكره حتى دخل في السجدة الثانية فيأتي به ويتم الصلاة ثم يعيدها.
[المسألة 767]
إذا نسي الطمأنينة في القيام بعد الركوع وتذكرها قبل أن يضع
جبهته على الأرض في السجدة الأولى، فالأحوط له أن يعود إلى القيام
ويأتي بالطمأنينة فيه برحاء المطلوبية، وكذلك إذا نسي الطمأنينة
في الجلوس بعد السجدة الأولى وتذكرها قبل وضع الجبهة في السجدة
الثانية.
[المسألة 768]
قيل إن التسليم الواجب مما يفوت به محل التدارك للجزء المنسي،
وفيه إشكال، فإذا نسي المكلف السجدتين من الركعة الأخيرة ولم
يتذكرهما إلا بعد التسليم الواجب، فإن فعل ما ينافي الصلاة عمدا
وسهوا بطلت الصلاة، وإن لم يأت بالمبطل فالأحوط لزوما أن يأتي
بالسجدتين وبما بعدهما من التشهد والتسليم وأن يسجد للسهو لاحتمال
496

زيادة التسليم في غير موضعه ثم يعيد الصلاة كما ذكرناه في المسألة
السبعمائة والخامسة والخمسين.
وإذا نسي سجدة واحدة من الركعة الأخيرة أو نسي التشهد منها
وتذكرهما بعد التسليم وقبل أن يأتي بما يبطل الصلاة أتى بالسجدة
أو التشهد بقصد ما في الذمة من أداء أو قضاء لهما، وأتى بما بعدهما
على الترتيب ثم سجد للسهو لما في ذمته بسبب نسيان الجزء أو التسليم
في غير موضعه وصحت صلاته، وإن تذكرهما بعد التسليم وفعل ما
يبطل الصلاة أتى بهما وبسجود السهو ثم أعاد الصلاة.
وإن تذكرهما قبل التسليم لم يفت موضع تداركهما، فيجب عليه أن
يأتي بهما وبما بعدهما على الترتيب وتصح بذلك صلاته.
[المسألة 769]
إذ علم أنه قد نسي سجدتين من ركعتين وقد فات موضع تداركهما.
وجب عليه قضاؤهما بعد الصلاة وإن كانتا من الأولتين، وعليه سجدتا
السهو لكل واحدة منهما على الأحوط.
[المسألة 770]
إذا نسي فأخفت في القراءة في موضع وجوب الجهر لم تجب عليه
إعادة ما مضى من قراءته وإن تذكره في أثناء القراءة أو قبل الدخول
في الركوع، ويجب عليه الجهر في بقية القراءة إذا كان تذكره في
أثنائها، ويمضي في صلاته إذا كان تذكره بعد الفراغ من القراءة.
وكذلك الحكم إذا نسي فأجهر في موضع وجوب الاخفات من القراءة
أو التسبيح.
[الفصل الحادي والثلاثون]
[في الشك في الصلاة وأفعالها]
[المسألة 771]
إذا شك الانسان هل أتى بالصلاة الواجبة عليه أم لم يأتي بها، وكان
شكه بعد خروج وقت الصلاة، بنى على أنه قد أتى بالصلاة المشكوكة
497

ولم يلتفت إلى شكه. وكذلك إذا شك في تحقق شئ من شرائط الصلاة
أو في شئ من أجزائها أو في صحته، أو في عدد الركعات بعد ما خرج
وقتها. فيبني على أنه قد أتى بها على الوجه الصحيح ولا يعتني بشكه،
وإذا شك في الاتيان بالصلاة ووقتها لا يزال باقيا وجب عليه أن يأتي
بها، وسيأتي بيان حكم الشك في الشرائط أو الأجزاء أو عدد الركعات.
[المسألة 772]
لا فرق في الصلاة التي يشك في الاتيان بها بين أن تكون واحدة أو
متعددة، فإذا شك في الاتيان بصلاة الصبح ووقتها باق، وجب عليه
أن يأتي بها، وإذا كان الشك بعد الوقت لم يلتفت إليه، وإذا شك في
الاتيان بالظهرين أو العشاءين، فحكمه كذلك.
وإذا علم بأنه قد صلى الظهر مثلا، وشك في أنه صلى العصر أيضا
أم لا، فعليه أن يصليها إذا كان الوقت باقيا، ولم يعتن بشكه إذا كان
بعد الوقت، ومثله ما إذا شك في صلاة العشاء.
[المسألة 773]
إذا علم قبل خروج الوقت أنه صلى العصر وشك في أنه قد صلى
الظهر أيضا أم لا فالأحوط له أن يأتي بالظهر، وكذلك إذا علم وهو في
الوقت أنه صلى العشاء وشك في الاتيان بالمغرب.
[المسألة 774]
إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات وشك في الاتيان بصلاة الظهر
والعصر فعليه أن يأتي بالعصر، بل وبالظهر أيضا على الأحوط، بناء
على ما هو المختار من اشتراك الفريضتين في جميع الوقت، فيأتي بالعصر
أداء في ما بقي من الوقت، ثم يأتي بالظهر على الأحوط قضاء بعد الوقت،
وإذا علم بأنه قد صلى العصر وشك في أنه أتى بالظهر وقد بقي من
الوقت مقدار أربع ركعات وجب عليه أن يأتي بالظهر.
[المسألة 775]
إذا بقي من الوقت مقدار ركعة وشك في الاتيان بالصلاة كان من
498

الشك في الوقت فعليه الاتيان بالفريضة، بل لا يترك الاحتياط إذا
شك في الاتيان بها وقد بقي من الوقت أقل من ذلك، فيأتي بالفريضة
المشكوكة على الأحوط.
[المسألة 776]
المراد بالشك ما يخالف اليقين، فإذا ظن الاتيان بالصلاة وكان في
الوقت وجب عليه أن يأتي بها، وإذا كان بعد الوقت لم يعتن باحتمال
العدم وكذلك الحكم إذا ظن عدم الاتيان بالصلاة.
[المسألة 777]
إذا شك في خروج الوقت وعدمه استصحب بقاءه فإذا شك معه في
الاتيان بالصلاة وجب عليه الاتيان بها.
[المسألة 778]
إذا شك وهو في صلاة العصر في أنه صلى الظهر قبلها أم لا، بنى على
عدم الاتيان بها على الأحوط، فإن كان في الوقت المشترك بين الفريضتين
عدل بنيته إلى الظهر وأتمها ثم صلى العصر بعدها، وإذا كان في الوقت
المختص بالعصر، أتم العصر، ثم صلى الظهر قضاءا على الأحوط.
[المسألة 779]
إذا تيقن أنه صلى إحدى الظهرين ولم يأت بالأخرى ولم يعلم أن
ما أتى به أيتهما على التعيين، كفاه أن يصلي أربع ركعات بقصد ما في
الذمة، من غير فرق بين أن يكون في الوقت المشترك بين الفريضتين أم
في الوقت المختص بالعصر أم في خارج الوقت.
وإذا علم بأنه صلى إحدى العشاءين ولم يعلم بها على التعيين وجب
عليه أن يأتي بهما معا، سواء كان في الوقت المشترك أم في الوقت
المختص بالعشاء أم في خارج الوقت، وإذا كان في الوقت المختص بالعشاء
أتى بالعشاء في الوقت ثم أتى بالمغرب قضاء، وينوي امتثال أمرهما
المحتمل.
499

[المسألة 780]
إذا شك وهو في الوقت في أنه أتى بالصلاة أم لا، فوجب عليه أن
يأتي بها كما تقدم، ثم نسي أن يأتي بها في الوقت وجب عليه أن يقضيها
بعد الوقت، وإن كان بالفعل شاكا فيها بعد الوقت.
وإذا اعتقد بأن شكه في الاتيان بالصلاة كان بعد خروج الوقت فلم
يأت بالفريضة، ثم تبين له أن شكه كان في الوقت وجب عليه قضاء
الصلاة.
وإذا اعتقد بأن شكه في الاتيان بالصلاة كان في الوقت، ولكنه ترك
الصلاة عمدا أو سهوا، ثم تبين له أن شكه كان بعد خروج الوقت لم
يجب عليه القضاء.
[المسألة 781]
من يكون كثير الشك في أنه أتى بالصلاة أم لا، فحكمه حكم غيره من
الناس، فإذا شك وهو في الوقت فعليه الاتيان بالصلاة، وإذا شك بعد
خروج الوقت لم يعتن بشكه، ومن يكون وسواسيا في ذلك يبني على أنه
قد أتى بالصلاة وإن كان في الوقت.
[المسألة 782]
يجب احراز شرائط الصلاة قبل الدخول فيها وفي أثنائها، ولا يصح
الشروع في الصلاة مع الشك في وجود الشرائط أو الشك في وجود
بعضها، ويكفي احرازها بأمارة شرعية أو أصل شرعي كما إذا قامت
البينة على الطهارة أو على القبلة، أو اعتمد في دخول الوقت على أذان
الثقة العارف بالوقت، أو أحرز طهارته من الحدث أو من الخبث
بالاستصحاب، ونحو ذلك من الأمارات والأصول الشرعية المحرزة.
وكذلك الحكم إذا شك في شئ من الشروط في أثناء الصلاة، فلا بد
من احرازه باستصحاب ونحوه وقد تقدمت تفاصيل ذلك في المباحث
المتقدمة.
وإذا شك في شئ منها بعد الفراغ من صلاته حكم بالصحة في الصلاة
500

الماضية، ووجب احراز الشروط للصلوات الآتية، فإذا شك بعد أن
فرغ من صلاته هل تطهر لها من الحدث أو من الخبث بنى على الصحة
في صلاته الماضية، ووجب عليه أن يتطهر للصلاة الآتية.
[المسألة 783]
إذا شك في جزء من أجزاء الصلاة وكان شكه فيه قبل أن يدخل في
جزء آخر يكون بعده في الترتيب بين أجزاء الصلاة وجب عليه أن يأتي
بالجزء المشكوك، ومثال ذلك أن يشك في الاتيان بتكبيرة الاحرام قبل
أن يدخل في القراءة أو في الاستعاذة، أو يشك في القراءة قبل أن يدخل
في الركوع، أو يشك في الركوع وهو قائم، أو يشك في السجدة أو في
السجدتين معا وهو جالس، قبل أن يقوم وقبل أن يتشهد، أو يشك
في التشهد قبل أن يقوم للركعة اللاحقة، فيجب عليه في جميع هذه
الفروض ونظائرها أن يأتي بالجزء الذي شك فيه.
وإذا شك في الجزء بعد ما تجاوز موضعه ودخل في جزء آخر يكون
بعده في ترتيب أجزاء الصلاة بنى على أنه قد أتى بالجزء المشكوك،
ولم يلتفت إلى شكه، ومثال وذلك أن يشك في الاتيان بتكبيرة الاحرام
بعد ما شرع في الاستعاذة أو في القراءة، أو يشك في القراءة بعد أن
دخل في القنوت أو في الركوع، أو يشك في الركوع بعد أن هوى للسجود،
أو يشك في السجود بعد أن دخل في التشهد أو بعد ما قام للركعة اللاحقة،
وهكذا، فيمضي في صلاته ويبني على وقوع الجزء الذي شك فيه، سواء
كان ذلك في الركعتين الأولتين أم في الأخيرتين، وسواء كان في صلاة
رباعية أم في غيرها.
[المسألة 784]
يراد بالدخول في الغير أن يدخل في أي فعل يكون بعد الشئ المشكوك
بحسب ترتيب أفعال الصلاة وأجزائها، كالاستعاذة أو القراءة بالنسبة
إلى تكبيرة الاحرام، وكالسورة بالنسبة إلى الفاتحة، وكالآية اللاحقة
بالنسبة إلى الآية السابقة عليها من الفاتحة أو السورة، بل وآخر
كل آية بالنسبة إلى أولها، وكالقنوت بالنسبة إلى القراءة أو إلى
501

السورة، وحتى مقدمات الأفعال، كما إذا شك في الركوع أو في القيام
بعد الركوع بعد ما هوى إلى السجود، أو شك في التشهد بعد أن نهض
من الأرض للقيام، فلا يلتفت إلى شكه في جميع ذلك.
[المسألة 785]
إذا شك في السجدة أو في السجدتين معا، وهو آخذ في القيام وجب
عليه الرجوع والآتيان بالسجود المشكوك، وهذا استثناء من القاعدة
التي ذكرناها في المسألة المتقدمة دل عليه النص فيعمل به في مورده ولا
يتعدى منه إلى غيره.
[المسألة 786]
من كانت وظيفته الصلاة من جلوس، إذا شك في السجود بعد ما جلس
وكان جلوسه بدل القيام لم يلتفت إلى شكه إذا اشتغل في جلوسه بقراءة
أو تسبيح أو تشهد، وإذا كان شكه قبل ذلك أشكل الحكم فيه، ولا يترك
الاحتياط بعدم الالتفات إلى شكه واتمام الفرض ثم إعادته، وكذلك
إذا شك في التشهد وقد جلس جلوسه بدل القيام، فلا يلتفت إلى شكه
إذا كان بعد ما اشتغل في جلوسه بقراءة أو تسبيح، ويجري فيه الاحتياط
المتقدم إذا كان قبل ذلك.
وإذا علم أن جلوسه للسجدة أو للتشهد، وشك في أنه سجد أم لا،
أو تشهد أم لا كان من الشك قبل التجاوز فيأتي بالشئ المشكوك، وإذا
جلس ولم يعلم أن جلوسه بدل القيام أو هو جلوس السجدة أو للتشهد
وشك في الاتيان بالسجدة أو التشهد وجب عليه أن يأتي بهما.
[المسألة 787]
إذا شك في صحة الفعل الذي أتى به بعد ما فرغ منه بنى على صحته
وإن لم يتجاوز عنه ولم يدخل في غيره، ومثال ذلك أن يشك في صحة
نطقه بالتكبير بعد ما فرغ من تكبيرة الاحرام، أو يشك في صحتها لفقد
بعض شروطها، أو يشك في صحة القراءة بعد ما أتمها، أو يشك في
صحة قراءة الكلمة أو الآية أو السورة، فيبني على صحة ما فعله.
502

[المسألة 788]
إذا شك في جزء قبل أن يتجاوز عنه فأتى به، ثم تذكر أنه قد أتى
به سابقا، فإن كان من الأركان بطلت صلاته كما إذا شك في الركوع
وهو قائم فأتى به ثم تذكر أنه قد ركع أولا، فعليه الإعادة لزيادة
الركن، وإذا كان ذلك في تكبيرة الاحرام أو في السجدتين أتم الفرض
ثم أعاده على الأحوط كما ذكرنا ذلك من قبل.
وإن كان من الأجزاء غير الأركان مضى في صلاته ولا شئ عليه إلا
إذا كانت زيادته سهوا توجب سجود السهو، فعليه السجود لها وسيأتي
تفصيل ذلك.
[المسألة 789]
إذا شك في الجزء بعد الدخول في ما بعده فلم يأت به، ثم تذكر أنه
لم يأت به قبل ذلك، فهنا صور تجب ملاحظتها:
(الصورة الأولى): أن يكون في محل يمكنه فيه تدارك ذلك الجزء
المنسي، على حسب ما بيناه في الفصل السابق، والحكم في هذه الصورة
أن يرجع إلى الجزء فيأتي به ويتم صلاته سواء كان ركنا أم غيره،
ومثال ذلك أن يشك في الاتيان بالسجدة أو بالتشهد بعد قيامه للركعة
اللاحقة، فإذا تذكر أنه لم يأت بالسجدة أو التشهد، وكان قبل الدخول
في الركوع وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة المنسية أو التشهد ثم
يقوم فيتم الصلاة، وعليه سجود السهو للقيام الزائد إذا تلبس معه
بقراءة أو تسبيح، وكذلك إذا شك في الركوع بعد الهوي للسجود ولم
يأت به ثم تذكر أنه لم يركع من قبل، فعليه أن يعود ويأتي بالركوع
ويتم صلاته ولا شئ عليه.
(الصورة الثانية): أن يكون في محل لا يمكنه تدارك ذلك الجزء
المنسي، ويكون الجزء المنسي ركنا، والحكم في هذه الصورة هو بطلان
الصلاة، ومثال ذلك أن يشك في الاتيان بتكبيرة الاحرام وهو في القراءة
فيمضي في صلاته ثم يتذكر بعد دخوله في الركوع أنه لم يكبر للاحرام
503

فتبطل صلاته لنقصان الركن، وهكذا إذا شك في الركوع أو في السجدتين
بعد التجاوز وتذكر نقصهما بعد الدخول في الركن.
(الصورة الثالثة): أن يكون في محل لا يمكنه تدارك ذلك الجزء ولم
يكن ركنا والحكم فيها أن يمضي في صلاته ويتمها ولا شئ عليه، وإذا
كان ذلك الجزء سجدة واحدة أو تشهدا وجب قضاؤه بعد اتمام الصلاة
والآتيان بسجدتي السهو لنقصانه.
[المسألة 790]
إذا شك المكلف في الاتيان بالتسليم وهو في التعقيب، بنى على أنه
قد أتى به، ولم يلتفت إلى شكه، وكذلك إذا شك في الاتيان به بعد ما
وجد نفسه بانيا على الفراغ من الصلاة، وإذا شك في الاتيان به في
غير هاتين الصورتين، فلا بد من الاتيان بالتسليم، وإذا شك في الاتيان
به كذلك وفعل ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بالتسليم فعليه إعادة
الصلاة.
[المسألة 791]
إذا شك المأموم هل أتى بتكبيرة الاحرام أم لا، فإن كان ذلك في
ابتداء صلاته وقبل الاتيان بأي فعل يتعلق بها، بنى على عدم الاتيان
بتكبيرة الاحرام، ووجب عليه أن يأتي بها، وإن كان شكه بعد الركوع
مع الإمام أو القنوت معه إذا كان دخوله في الثانية، بنى على أنه أتى
بالتكبيرة ومضى في صلاته، وكذلك إذا قرأ خلف الإمام أو سبح وكان
ممن حكمه ذلك. وإذا شك في التكبيرة بعد أن وجد نفسه بهيئة المصلي
وقد أنصت لقراءة الإمام ونحو ذلك فلا يترك الاحتياط باتمام الصلاة
ثم إعادتها.
وإذا تعمد فأبطل ما بيده بتكلم أو انحراف ببدنه عن القبلة ثم أتى
بالتكبيرة صحت صلاته، والظاهر أنه لا طريق له غير ذلك إذا كانت
الجماعة واجبة، كصلاة الجمعة أو العيدين عند اجتماع شرائطهما.
504

[المسألة 792]
إذا كان في فعل من أفعال الصلاة، وشك في الفعل السابق عليه، هل
حصل له فيه شك في محله أم لا، لم يلتفت إلى هذا الشك ومضى في
صلاته، ومثال ذلك أن يكون في القراءة ويشك في تكبيرة الاحرام: هل
شك في الاتيان بها قبل أن يشرع في القراءة أم لم يشك، أو يكون في
الركوع ويحصل له مثل هذا الشك في الشك في القراءة أم لا، فعليه
أن لا يعتني بشكه.
[المسألة 793]
الظن في أفعال الصلاة بحكم الشك، فإذا ظن المكلف فعل الواجب
وهو في محله ولم يتجاوز عنه إلى غيره وجب عليه أن يأتي بالفعل، وإذا
كان ظنه بعد أن تجاوز الفعل، ودخل في ما بعده لم يلتفت وبنى على
أنه قد أتى به.
وكذلك الحكم إذا ظن ترك الفعل. نعم إذا كان الظن اطمئنانيا
بالفعل أو بالترك بنى على وفق اطمئنانه وأتم الصلاة ثم أعادها إذا
كان ما عمله مخالفا للقاعدة المتقدم ذكرها.
[الفصل الثاني والثلاثون]
[في الشك في عدد الركعات]
[المسألة 794]
إذا شك المصلي في عدد الركعات، فلا بد له من التأمل في أطراف شكه
على الأحوط والتذكر للملابسات حتى يستقر شكه أو يزول أو يحصل
له الترجيح، ولا يسوغ له العمل بحكم الشك بمجرد حصوله، وإذا
كان من الشكوك التي توجب البطلان، فالأحوط عدم الابطال به إلا مع
اليأس من حصول العلم أو الظن بأحد الطرفين، بل لا يخلو ذلك من قوة.
[المسألة 795]
تبطل صلاة الانسان (بالمعنى الذي سيأتي بيانه) إذا عرض له أحد
الشكوك الآتي ذكرها.
505

(1): كل شك يتعلق بصلاة ثنائية الركعات، كصلاة الصبح،
وصلاة السفر، وصلاة الآيات، وصلاة الطواف.
(2): كل شك يتعلق بصلاة ثلاثية الركعات، وهي صلاة المغرب.
(3): كل شك يتعلق بالأولتين من الرباعية.
(4): الشك بين الاثنتين والثلاث، أو بين الاثنتين والأربع، أو
بين الاثنتين والثلاث والأربع من الصلاة الرباعية إذا كان
قبل اكمال السجدتين.
(5): كل شك في الرباعية غير ما تقدم إذا لم يمكن ارجاعه إلى
الشكوك المنصوصة.
(6): من لم يدر كم صلى من ركعة.
[المسألة 796]
الظاهر أن عروض أحد هذه الشكوك موجب لجواز ابطال الصلاة
بعد أن يستقر الشك، وليس موجبا لبطلان الصلاة في نفسه، ونتيجة
لذلك، فإذا زال الشك قبل أن يفعل المبطل، وحصل له العلم أو الظن
بأحد الأعداد الصحيحة صحت صلاته.
[المسألة 797]
الصور الصحيحة من الشك في عدد الصلاة الرباعية تسع.
(الأولى): أن يشك المصلي بين الاثنتين والثلاث بعد أن أكمل
السجدتين، والحكم فيها هو أن يبني على أن ما بيده هي الركعة الثالثة
ويأتي بالرابعة، فإذا أتم صلاته أتى بركعة واحدة قائما، وصحت
صلاته ولا إعادة عليه.
[المسألة 798]
يتحقق اكمال السجدتين هنا وفي كل مورد نذكره في ما بعد، باتمام
الذكر الواجب من السجدة الثانية، وإن لم يرفع المصلي رأسه من
السجود.
506

[المسألة 799]
(الصورة الثانية): أن يشك بين الثلاث والأربع من غير فرق بين
أن يكون قائما أم جالسا أم في غير ذلك من أفعال الصلاة، والحكم فيها:
أن يبني على أن ما بيده هي الركعة الرابعة ويتم صلاته، فإذا أتمها
احتاط بالاتيان بركعتين من جلوس إذا كان قد أتم السجدتين من
الركعة، وإذا كان شكه قبل اتمام السجدتين فالأحوط له أن يأتي
بركعة من قيام.
[المسألة 800]
(الصورة الثالثة) أن يشك بين الاثنتين والأربع بعد اكمال السجدتين
من الركعة بما تقدم بيانه، والحكم فيها: أن يبني على أن ما بيده هي
الركعة الرابعة ويتم صلاته، ثم يحتاط بعدها بركعتين من قيام،
ولا إعادة عليه.
[المسألة 801]
(الصورة الرابعة) أن يشك بين الاثنين والثلاث والأربع بعد اكمال
السجدتين والحكم فيها أن يبني على أن ما بيده هي الركعة الرابعة،
فعليه أن يتم صلاته ثم يحتاط بعدها بركعتين من قيام يأتي بهما أولا،
ثم يأتي بركعتين من جلوس
[المسألة 802]
(الصورة الخامسة) أن يشك بين الأربع والخمس بعد اكمال
السجدتين، والحكم فيها أن يبني على أن ما بيده هي الركعة الرابعة
ويتم صلاته، ثم يسجد بعدها سجدتي السهو للشك بين الأربع والخمس.
[المسألة 803]
(الصورة السادسة) أن يشك بين الأربع والخمس وهو قائم قبل
الركوع، فهو في حال قيامه شاك في أن ما تحقق فعله منه ثلاث أو أربع،
وحكمه أن يبني على أن ما تحقق فعله منه أربع ركعات، فيجب عليه أن
يجلس للتشهد والتسليم، فإذا أتم الصلاة أتى بركعتين من جلوس على
507

الأحوط كما هو الحكم في الصورة الثانية المتقدمة، ثم سجد للسهو
احتياطا للقيام الزائد، بل يتعين عليه سجود السهو إذا تلبس مع القيام
بقراءة أو تسبيح.
[المسألة 804]
(الصورة السابعة) أن يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم قبل
الركوع، فهو في حال قيامه شاك في ما تحقق فعله منه هل هو ركعتان
أو أربع، وحكمه أن يبني على الأربع كما تقدم في الصورة الثالثة،
فيجب عليه أن يجلس للتشهد والتسليم، فإذا سلم أتى بركعتين من قيام
ثم سجد سجدتي السهو للقيام الزائد كما ذكرنا في الصورة السادسة.
[المسألة 805]
(الصورة الثامنة) أن يشك بين الثلاث والأربع والخمس وهو قائم
قبل الركوع فهو في حال قيامه شاك في أن ما أكمله من صلاته ركعتان
أو ثلاث أو أربع، والحكم فيها أن يبني على أن ما تحقق فعله من صلاته
أربع ركعات كما تقدم في الصورة الرابعة، ويجب عليه أن يجلس
للتشهد والتسليم، فإذا سلم أتى بركعتين من قيام ثم أتى بعدهما
بركعتين من جلوس، ثم سجد بعدهما سجدتي السهو للقيام الزائد كما في
الصورتين السادسة والسابعة.
[المسألة 806]
(الصورة التاسعة) أن يشك بين الخمس والست وهو قائم قبل
الركوع، فهو في حين قيامه شاك بين الأربع والخمس بعد اكمال
السجدتين، فيبني على أن ما أتى به أربع ركعات ويجب عليه أن يجلس
للتشهد والتسليم، فإذا سلم أتى بسجدتي السهو للشك بين الأربع
والخمس ثم يسجد للسهو مرة ثانية للقيام الزائد كما ذكرنا في الصور
الثلاث المتقدمة، والأحوط استحبابا في الصور الأربع المتأخرة أن يعيد
الصلاة بعد أن يأتي بعمل الشك الذي تقدم بيانه فيها.
[المسألة 807]
إذا شك بين الأربع والست بعد اكمال السجدتين، فالأحوط له أن
508

يبني على الأربع، فإذا أتم الصلاة وسلم سجد سجدتي السهو للشك في
الزيادة ثم أعاد الفرض.
[المسألة 808]
الشك في عدد الركعات الذي تترتب له الأحكام المتقدمة من صحة
أو بطلان هو ما تساوى فيه الاحتمالان عند التردد، وأما الظن في
الركعات فهو حجة شرعية يجب على المكلف أن يعمل على وفقه، فإذا
تردد مثلا بين الثلاث والأربع، وظن الثالثة أو ظن الرابعة، فعليه أن
يبني على ما ظنه ويتم صلاته ولا شئ عليه، وكذلك غيره من صور
الشك، ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بالركعتين الأولتين والأخيرتين،
ولا بين الشكوك المبطلة والصحيحة، حتى في الصلاة الثنائية أو
الثلاثية.
ويستثنى من ذلك الشك بين الأربع والخمس إذا ظن الخامسة، ففي
العمل بظنه هنا إشكال لانصراف الأدلة عن الظن المبطل، فعليه أن
يبني على الأربع ويأتي بسجدتي السهو بعد التسليم، ثم يعيد الصلاة
على الأحوط.
[المسألة 809]
إذا كان الشك الذي عرض للمكلف مما لا يصح إلا بعد اكمال
السجدتين، وشك في أنه أتى بهما أم لا أو شك في أنه أتى بإحداهما،
بطلت صلاته إذا كان شكه قبل النهوض للقيام أو قبل التشهد، وذلك
لأن عليه أن يأتي بالسجدة أو السجدتين بمقتضى شكه فيهما وهو في
المحل فيكون شكه في الركعات قبل اكمال السجدتين ويكون مبطلا.
ومثال ذلك أن يشك بين الاثنتين والثلاث وهو جالس قبل أن يقوم
أو يتشهد، فإذا شك مع ذلك في الاتيان بالسجدة أو بالسجدتين معا،
بطلت صلاته، للشك بين الاثنتين والثلاث قبل اكمال السجدتين وكذلك
إذا شك بين الاثنتين والأربع أو بين الاثنتين والثلاث والأربع. وإذا
كان شكه في السجود بعد القيام أو بعد النهوض للقيام مضى في صلاته
ثم أتى بعمل الشك الذي عرض له في الركعات.
509

[المسألة 810]
إذا شك بين الاثنتين والثلاث وهو في التشهد وكان شاكا في الاتيان
بالسجود، فالحكم بالصحة في غاية الاشكال، من جهة الشك في أنه في
محل السجود أو بعد التجاوز، فإن هذا التشهد إذا كان في الركعة الثانية
فقد تجاوز عن محل السجود، وإذا كان في الركعة الثالثة كان زيادة
لا اعتبار بها ويكون شكه في السجود شكا في المحل، ولذلك فالاحتياط
لازم باتمام الصلاة والآتيان بعمل الشك ثم إعادة الصلاة، وكذلك إذا
كان الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع.
[المسألة 811]
إذا شك بين الثلاث والأربع وهو قائم قبل الركوع ثم علم بأنه قد
نسي إحدى السجدتين قبل قيامه لهذه الركعة، أو أنه قد نسي السجدتين
معا، بطلت صلاته، لأنه أصبح شاكا بين الاثنتين والثلاث قبل اكمال
السجدتين، وكذلك الحكم إذا شك بين الثلاث والخمس أو بين الثلاث
والأربع والخمس وهو قائم قبل الركوع، ثم علم بنقصان السجود من
الركعة التي قام منها فتبطل صلاته لأنه شاك بين الاثنتين والأربع أو
بين الاثنتين والثلاث والأربع قبل اكمال السجدتين، ومثله الشك بين
الخمس والست قائما إذا عرض له مثل ذلك.
[المسألة 812]
إذا عرض للمكلف أحد الشكوك الصحيحة فبنى في صلاته على ما يقتضيه
حكم شكه ثم تحول شكه ظنا وجب عليه العمل بظنه، ومثال ذلك
أن يشك في صلاته بين الثلاث والأربع، فيبني على أنها أربع كما هو
مقتضى العمل بشكه، ثم يحصل له الظن بأنها ثلاث فيجب عليه العمل
بما ظنه ولا احتياط عليه.
وإذا كان ظانا بأنها ثلاث وبدأ بالعمل على وفق ظنه، فتحول ظنه إلى
شك بين الثلاث والأربع حتى استقر الشك وجب عليه أن يعمل عمل
الشك فيبني على الأربع ثم يأتي بصلاة الاحتياط. وإذا كان ظانا بأنه
صلى ثلاث ركعات ثم تبدل إلى الظن بأنها أربع وجب عليه أن يعمل
510

بالظن الأخير، وإذا شك في صلاته أحد الشكوك، ثم تبدل إلى شك آخر
وجب عليه أن يعمل عمل الشك المتأخر، ومثال ذلك أن يشك بين
الثلاث والأربع ثم يتبدل شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع، فيلزمه
عمل الشك الأخير، فيبني على الأربع إذا كان شكه بعد اكمال السجدتين
ويأتي بصلاة الاحتياط، وتبطل صلاته إذا كان قبل اتمام السجدتين.
[المسألة 813]
إذا شك بين الاثنتين والأربع قبل اكمال السجدتين، فلا يجوز له
المضي في صلاته على شكه، وإذا مضى فيها على الشك بطلت، ولم ينفعه
أن ينقلب شكه بعد ذلك إلى شك أخر أو إلى ظن، وإذا عرض له هذا
الشك ثم انقلب شكه بالتروي إلى ما بين الثلاث والأربع من غير أن
يمضي في صلاته على شكه الأول، فإنه يعمل على شكه الأخير كما تقدم،
وكذلك إذا كان شكه الأول بعد اكمال السجدتين. ومثله الحكم في
الشك بين الاثنتين والثلاث وبين الاثنتين والثلاث والأربع في التفصيل
المذكور.
[المسألة 814]
إذا تردد المكلف في أن الحالة التي حصلت له في صلاته هي ظن أو
شك، بحيث لم يستطع تمييزها، فإن علم أن حالته السابقة كانت ظنا،
فهو ظان، وإن لم يعلم بها أو لم تكن له حالة سابقة فهو شاك.
وإذا حصلت له حالة في أثناء صلاته، ولما انتقل إلى جزء آخر من
الصلاة تردد في أن تلك الحالة كانت ظنا أم شكا، فيشكل الحكم عليها
في بعض الفروض، كما إذا عرضت له الحالة في الركعة الثانية قبل
اكمال السجدتين وبعد أن أكمل السجدتين تردد في أن تلك الحالة التي
عرضت له هل كانت ظنا فتكون صلاته صحيحة أم كانت شكا بين الاثنتين
والثلاث فتكون صلاته باطلة لأن الشك قبل اكمال السجدتين، ففي
مثل هذا الفرض لا بد له من اتمام الصلاة ثم إعادتها وإن كان بالفعل
ظانا، وكذلك الحكم في نظائره من الشكوك التي يعتبر فيها اكمال
السجدتين.
511

وإذا عرضت له تلك الحالة في الركعة الثانية بعد اكمال السجدتين،
ثم تردد بعد ذلك هل كانت تلك الحالة ظنا بالثلاث، فعليه أن يتم
صلاته ولا احتياط عليه، أم كانت شكا بين الاثنتين والثلاث بعد
اكمال السجدتين فتجب عليه صلاة الاحتياط، ففي مثل هذا الفرض
يبني على حالته الموجودة عنده بالفعل، فإن كان بالفعل شاكا حكم بأنه
شاك، فعليه الاحتياط، وإن كان بالفعل ظانا حكم بأنه كان ظانا،
فلا يجب عليه الاحتياط.
وإذا فرغ من صلاته ثم علم بعد ذلك أنه قد تردد في أثناء صلاته
بين الاثنتين والثلاث، وأنه قد بنى على الثلاث وأتم صلاته على ذلك،
ولكنه شك في أن بناءه على الثلاث هل كان من أجل حصول ظن له بذلك
أو كان من أجل أن حكمه البناء على الثلاث للشك، فالأقوى وجوب
الاتيان بصلاة الاحتياط.
[المسألة 815]
إذا شك في الصلاة وبعد أن انتقل إلى فعل آخر منها تردد في أن شكه
المتقدم مما يوجب بطلان الصلاة، أو مما يوجب البناء وصلاة الاحتياط،
فالأحوط له أن يأتي بعمل الشك لو كان صحيحا ثم يعيد الصلاة،
ومثال ذلك أن يشك بين الاثنتين والثلاث، فلما استمر في صلاته،
شك في أن شكه بين الاثنتين والثلاث هل كان قبل اكمال السجدتين فيكون
مبطلا، أو كان بعد اكمالها فعليه البناء على الثلاث وصلاة الاحتياط،
فيبني على الثلاث ويأتي بالركعة قائما ثم يعيد صلاته، وكذلك
الاحتياط إذا كان شكه الثاني بعد الفراغ من الصلاة.
[المسألة 816]
إذا شك في صلاته وبنى، فلما أتم الصلاة تردد في أن شكه المتقدم
هو ما أوجب عليه أن يأتي بركعة واحدة أم بركعتين، وجب عليه أن
يأتي بالركعة الواحدة وبالركعتين ثم يعيد الصلاة على الأحوط. ومثال
ذلك أن يتردد بعد أن أتم الصلاة هل كان شكه في صلاته بين الاثنتين
512

والثلاث فعليه الاحتياط بركعة واحدة أم كان بين الاثنتين والأربع،
فعليه ركعتان، وحكمه هو ما تقدم.
[المسألة 817]
إذا علم بعد فراغه من صلاته أنه قد عرض له في أثنائها أحد الشكوك
ولم يعلم به على التعيين، فإن تيقن أنه إحدى الصور الصحيحة من
الشك، وجب عليه أن يأتي بركعتين من قيام وبركعتين من جلوس
وركعة من قيام وسجود السهو، ثم أعاد الصلاة على الأحوط.
وإذا احتمل أيضا أنه إحدى الصور الباطلة من الشك وجب عليه
أن يأتي بما تقدم ذكره وأن يعيد الصلاة بعد ذلك.
[المسألة 818]
إذا حدث له أحد الشكوك في صلاته وهو لا يعلم الحكم فيه لجهل أو
نسيان وجب عليه أن يعمل على أحد الوجوه المحتملة في الحكم، وإذا كان
بعض الوجوه راجحا في ظنه عمل بالراجح، ثم فحص بعد الفراغ عن
الحكم في المسألة، فإن وجد ما عمله مطابقا لفتوى الفقيه الذي يجب
عليه تقليده أو موافقا للاحتياط صحت صلاته، وإن كان مخالفا
لهما أعادها.
[المسألة 819]
إذا طرأ له أحد الشكوك في صلاته فبنى على ما يقتضيه شكه ولما فرغ
من صلاته انقلب شكه إلى شك آخر، فالأحوط له أن يأتي بعمل الشك
الثاني ثم يعيد الصلاة، سواء انقلب شكه قبل شروعه بصلاة الاحتياط
أم في أثنائها أم بعد الفراغ منها، وسواء انقلب شكه إلى ما يعلم معه
بالنقيصة أم لا.
وإذا انقلب شكه إلى ما يعلم معه بالزيادة فلا بد له من الإعادة،
ومثال ذلك أن يشك أولا بين الثلاث والأربع، ثم ينقلب شكه بعد
الفراغ إلى ما بين الخمس والست.
513

[المسألة 820]
إذا شك بين الثلاث والأربع وبعد الفراغ من الصلاة انقلب شكه
إلى ما بين الثلاث والخمس وجبت عليه الإعادة، للعلم أما بالزيادة أو
لأن الشك الثاني من الشكوك غير المنصوصة والحكم فيها هو البطلان،
وكذلك إذا شك وهو في الصلاة بين الاثنتين والأربع، ثم انقلب شكه
بعد الفراغ إلى ما بين الاثنتين والخمس.
[المسألة 821]
إذا شك بين الاثنتين والثلاث بعد اكمال السجدتين فبنى على الثلاث
كما يقتضيه شكه، ثم شك بعد ذلك، هل أنه لا يزال في الركعة التي
بنى على أنها الثالثة أو صلى بعدها أخرى فتكون هذه رابعة، لزمه حكم
الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع.
[المسألة 822]
إذا شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فلما بنى على الأربع ظن بعدم
كونها اثنتين لزمه حكم الشك بين الثلاث والأربع، وإذا ظن بعدم كونها
ثلاثا، لزمه حكم الشك بين الاثنتين والأربع، وإذا ظن بعدم كونها
أربعا، لزمه حكم الشك بين الاثنتين والثلاث.
وهذا إنما يكون إذا حصل له الظن قبل فراغه من الصلاة، وأما
إذا حصل له الظن بالعدم بعد الفراغ منها، فيجري عليه حكم شكه
الأول على الأحوط في جميع الفروض الثلاثة.
[المسألة 823]
من يشك أحد الشكوك الصحيحة يجب عليه أن يأتي بعمل الشك
الذي عرض له فيبني ويتم صلاته ويأتي بصلاة الاحتياط على التفصيل
الذي تقدم بيانه، ولا يجوز له أن يقطع الصلاة ويستأنفها، ولا يجوز
له أن يبني ويتم الصلاة ثم يستأنفها من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط،
وإذا فعل كذلك فاستأنف الصلاة من غير أن يأتي بما يبطل الأولى بطلت
الصلاتان معا، سواء كان في أثناء الصلاة الأولى أم كان بعد اتمامها
وقبل صلاة الاحتياط.
514

وإذا أتى بالمبطل ثم استأنف الصلاة وقعت الصلاة المستأنفة صحيحة،
وأثم في ابطال الأولى، وكذلك إذا أتى بالمبطل قبل صلاة الاحتياط
صحت الصلاة المستأنفة وسقط الاحتياط وكان آثما بابطال الصلاة
الأولى.
[المسألة 824]
إذا شك في صلاته أحد الشكوك المبطلة ثم غفل وأتم صلاته، وتبين
له بعد الفراغ مطابقة عمله للواقع، بطلت صلاته إذا كانت الصلاة
ثنائية أو ثلاثية أو كان في الأولتين من الرباعية، وصحت إذا كان
في الأخيرتين من الرباعية.
[المسألة 825]
إذا شك في الصلاة الثنائية أو الثلاثية أو الأولتين من الرباعية،
فلا يجوز له أن يمضي في صلاته وهو على شكه، وإذا مضى كذلك بطلت
صلاته، فإذا شك بين الواحدة والاثنتين مثلا، فلا يجوز له المضي في
صلاته وهو شاك وإن علم أنه إذا استمر في صلاته وانتقل إلى حالة
أخرى من الصلاة يتبين له الحال، بل عليه أن يتأمل ويتروى وهو في
الحالة التي عرض له فيها الشك ويدع القراءة والذكر، فإن ظهر له
الحال استمر في صلاته وإذا استقر شكه أبطل الصلاة. نعم إذا عرض
له الشك وقد أكمل ذكر السجود، يجوز له أن يرفع رأسه من السجود
ثم يتروى وهو جالس فإن رفع الرأس من السجدة ليس جزءا فلا يكون
مضيا في الصلاة.
[المسألة 826]
إذا كان المسافر في حد المواضع الأربعة التي يتخير فيها بين القصر
والتمام في صلاته فاختار التقصير فيها، وشك في عدد ركعاتها بطلت.
والظاهر أنه يجوز له العدول بنيته إلى التمام بعد عروض الشك وقبل
ابطال الصلاة، فإذا عدل إلى التمام وكان شكه من الشكوك الصحيحة في
الرباعية أتى بعمل الشك وصحت صلاته وإن كان الأحوط استحبابا
إعادتها بعد ذلك.
515

[المسألة 827]
إذا مات المكلف قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط وجب على وليه قضاء
أصل الصلاة ولم يجب عليه قضاء صلاة الاحتياط، ولا يجب على الولي
قضاء ما فات الميت من الأجزاء المنسية من تشهد أو سجدة واحدة،
والأحوط له قضاء أصل الصلاة، وإذا مات قبل أن يسجد للسهو،
فالأحوط لوليه لزوم قضائهما عنه.
[المسألة 828]
تجب في صلاة الاحتياط النية وتكبيرة الاحرام وقراءة الفاتحة
والركوع والسجود فإذا كانت ركعة واحدة تشهد بعد ذلك وسلم، وإذا
كانت ركعتين قام للركعة الثانية فأتمها ثم تشهد وسلم، ولا أذان فيها
ولا إقامة، ولا سورة بعد الفاتحة ولا قنوت، ويجب فيها الاخفات في
القراءة على الأحوط إلا البسملة فيستحب فيها الجهر وإن كان الاخفات
أحوط، ويعتبر في هذه الصلاة جميع ما يعتبر في الصلاة من الشرائط
والأجزاء.
[المسألة 829]
تجب المبادرة إلى صلاة الاحتياط بعد التسليم من صلاته ولا يجوز
الفصل بينهما بشئ من مبطلات الصلاة وإذا أتى بينهما بشئ منها
أعاد الصلاة، وإذا تكلم ساهيا قبل صلاة الاحتياط أتى بسجدتي
السهو على الأحوط.
[المسألة 830]
لا يجوز الاقتداء فيها حتى بمثلها من صلاة الاحتياط، وإن كانت
جهة الاحتياط بين الإمام والمأموم متحدة.
نعم إذا اتحد الإمام والمأموم في أصل الصلاة، فشكا في صلاتهما معا
شكا واحدا، وجبت عليهما من أجل ذلك صلاة احتياط واحدة،
فالظاهر جواز القدوة في هذه الصورة بالخصوص، ومثال ذلك أن
يقتدي المأموم بإمامه في صلاة رباعية، فيشك كل من الإمام والمأموم
516

فيها بين الثلاث والأربع مثلا، ويبنيان في صلاتها على الأربع حتى
يفرغا منها، فإذا قام الإمام لصلاة الاحتياط جاز للمأموم أن يقتدي
به في صلاة احتياطه.
[المسألة 831]
إذا علم الشاك بعد ما بنى في صلاته وفرغ منها، أن صلاته تامة
لم يجب عليه الاتيان بصلاة الاحتياط، وإذا فعل المنافي بعد الصلاة
ثم تذكر أنها تامة لم تجب عليه إعادتها.
[المسألة 832]
إذا أتم الشاك صلاته على البناء في شكه وأتى بصلاة الاحتياط بعدها،
ثم علم أن صلاته تامة، كانت صلاة الاحتياط نافلة له، وإذا تذكر
ذلك وهو في أثناء صلاة الاحتياط جاز له أن يقطعها، وأن يتمها
نافلة، وإذا كانت ركعة واحدة فالأحوط له أن يضم إليها ركعة ثانية
برجاء المطلوبية.
[المسألة 833]
إذا أتم الشاك صلاته على البناء في شكه، ثم إنه زاد فيها ركعة،
وجبت عليه إعادة الصلاة، سواء كان تذكره ذلك قبل الاتيان بصلاة
الاحتياط أم بعدها أم في أثنائها، ومثال ذلك أن يشك بين الأربع
والخمس بعد السجدتين، فيبني على الأربع، ثم يعلم بعد التسليم أنه
قد صلى خمس ركعات، أو بشك بين الثلاث والأربع والخمس في حال
القيام، فيبني على الأربع، ويجلس للتشهد والتسليم كما تقدم في
الصورة الثامنة، ثم يعلم بعد التسليم أنه قد صلى خمسا، فتجب عليه
الإعادة.
[المسألة 834]
إذا أتم الشاك عمل الشك فبنى في صلاته ثم أتى بصلاة الاحتياط،
وعلم بعد ذلك بنقصان صلاته لم تجب عليه إعادتها وكانت صلاة
الاحتياط جابرة لنقصها، فإذا شك بين الاثنتين والأربع وبنى في
517

صلاته على الأربع، وأتى بركعتين قائما، ثم تذكر أن صلاته كانت
ركعتين صحت صلاته وكانت ركعتا الاحتياط بدلا عما نقص من
الصلاة، وكذلك إذا شك بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع
ثم علم بعد الاتيان بصلاة الاحتياط نقصان الصلاة.
[المسألة 835]
إذا أتم المكلف الصلاة بعد شكه وبنائه، وأتى بعدها بصلاة الاحتياط
ثم علم بعد ذلك أن صلاته تنقص أكثر مما كان يحتمل، وإن صلاة
الاحتياط لا تفي به، ومثال ذلك أن يشك بين الثلاث والأربع فيبني
على الأربع ويأتي بركعة قائما أو ركعتين جالسا، ثم يتذكر أنه قد
صلى ركعتين فقط، فإن تبين له ذلك قبل أن يفعل المنافي بعد صلاة
الاحتياط قام فأتم الناقص متصلا بصلاة الاحتياط وسجد للسهو مرتين
على الأحوط في جميع ذلك ثم أعاد الصلاة، وإذا تبين له ذلك بعد أن
أتي بالمنافي أعاد الصلاة.
[المسألة 836]
إذا أتم الصلاة بعد شكه وبنائه وأتى بصلاة الاحتياط وعلم بعد
ذلك بنقصان صلاته أقل مما كان يحتمل، وإن صلاة الاحتياط تزيد
على نقص صلاته، ومثال ذلك أن يشك بين الاثنتين والأربع بعد اكمال
السجدتين، فيبني على الأربع ويأتي بركعتين قائما ثم يتذكر أن صلاته
كانت ثلاث ركعات، فهي تنقص ركعة واحدة لا ركعتين. فإن تذكر
ذلك قبل أن يأتي بالمبطل قام فأتى بما نقص من صلاته متصلا، وسجد
للسهو مرتين على الأحوط كما تقدم ثم أعاد صلاته، وإذا كان قد أتى
بما ينافي الصلاة أعادها.
[المسألة 837]
إذا تذكر نقصان صلاته قبل أن يسرع بصلاة الاحتياط كان حكمه
من نسي من صلاته ركعة أو ركعتين، فإن تذكر ذلك بعد التسليم وقبل
أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا وسهوا وجب عليه أن يقوم فيتم ما نقص
من صلاته متصلا، فإذا سلم أتى بسجدتي السهو على الأحوط للسلام في
518

غير موضعه، وإذا أتى بما يبطل الصلاة وجبت عليه إعادتها كما ذكرنا
في المسألة السبعمائة والسابعة والخمسين.
[المسألة 838]
إذا علم نقصان صلاته وهو في أثناء صلاة الاحتياط وجب عليه أن
يلغي صلاة الاحتياط ويتم ما نقص من صلاته ثم يعيدها، سواء كانت
صلاة الاحتياط التي شرع فيها موافقة لما نقص من صلاته في عدد
الركعات وفي صفتها من قيام أو جلوس، أم مخالفة له في أحدهما أو في
كليهما.
نعم إذا شك في صلاته بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد اكمال
السجدتين، فبنى على الأربع وأتى بركعتين قائما من صلاة الاحتياط،
ثم تذكر بعدهما وقبل الاتيان بالركعتين من جلوس إن صلاته تنقص
ركعتين صحت صلاته وكانت ركعتا الاحتياط اللتان أتى بهما جابرتين
لنقصها، ولا يجب عليه أن يأتي بصلاة الاحتياط الأخرى التي تجب عليه
في هذا الشك وهي الركعتان من جلوس.
[المسألة 839]
إذا عرض للمكلف أحد الشكوك فوجبت عليه صلاة الاحتياط وشك
هل أنه أتى بها أم لا، فإن كان شكه بعد خروج وقت الصلاة بنى على
أنه أتى بصلاة الاحتياط ولم يعتن بشكه، وإن شك في الاتيان بها وهو
في مكان الصلاة ولم يأت بما ينافيها أتى بصلاة الاحتياط وصحت
صلاته، وإن شك في ذلك بعد أن أتى بما يبطل الصلاة ومنه الفصل
الطويل الماحي لصورة الصلاة وجبت عليه إعادة الصلاة، وإذا شك في
الاتيان بها وقد دخل في فعل آخر لا ينافي الصلاة أو حصل فصل لا يمحو
صورة الصلاة فالأحوط له أن يأتي بصلاة الاحتياط ثم يعيد الصلاة.
[المسألة 840]
إذا زاد الانسان في صلاة الاحتياط ركعة تامة أو زاد فيها ركنا
ولو سهوا بطلت، وكذلك إذا نسي فيها ركنا على الأحوط فتجب إعادتها
ثم إعادة الصلاة على الأحوط.
519

[المسألة 841]
إذا زاد في صلاة الاحتياط جزءا غير ركن ساهيا أو نقصه كذلك،
وكان مما يوجب سجدتي السهو إذا وقع في الفريضة فالأحوط أن يأتي
بالسجدتين بل لعله الأقوى.
[المسألة 842)
إذا شك في جزء من صلاة الاحتياط بعد ما تجاوزه ودخل في غيره
لم يلتفت شكه، وإذا شك فيه وهو في محله أتى به وأعاد صلاة
الاحتياط ثم أعاد الصلاة على الأحوط إلا إذا كان الفعل المشكوك قراءة
أو ذكرا فيأتي به برجاء المطلوبية ويتم احتياطه ولا يعيد الصلاة.
[المسألة 843]
إذا شك في شرط أو جزء منها بعد الفراغ لم يعتن بشكه.
[المسألة 844]
إذا شك في عدد ركعات الاحتياط بنى على الأكثر إلا أن يكون الأكثر
مبطلا فيبني على الأقل، والأحوط استحبابا إعادة صلاة الاحتياط بعد
ذلك ثم إعادة أصل الصلاة.
[المسألة 845]
إذا نسي سجدة من صلاة الاحتياط أو نسي تشهدا منها وجب عليه
قضاؤهما بعد الصلاة ثم سجد لهما سجود السهو.
[المسألة 846]
إذا شك: هل أنه شك شكا يوجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، فإن
كان شكه في أثناء الصلاة رجع إلى حالته الموجودة لديه بالفعل من شك
وغيره، وإن كان شكه بعد التسليم وقد بنى على نفسه فارغا من الصلاة
لم يلتفت إلى شكه، وإن لم يتحقق له الفراغ البنائي من الصلاة وجب
عليه أن يأتي بعمل الشك الذي احتمله
520

[المسألة 847]
إذا نسي الانسان صلاة الاحتياط ودخل في صلاة أخرى، ففي المسألة
صور، ولكل صورة حكمها، فلتلاحظ.
(الصورة الأولى): أن يكون قد أتى بما يبطل الصلاة قبل الشروع
في الصلاة الأخيرة، وتكون هذه الصلاة التي شرع فيها غير مترتبة
شرعا على الصلاة الأولى التي نسي احتياطها، ومثال ذلك أن
يشرع في نافلة مطلقة أو في قضاء فريضة فائتة. والحكم في هذه الصورة
أنه يجوز له أن يتم الصلاة التي شرع فيها إذا كان وقت صاحبة الاحتياط
موسعا، سواء كانت ما شرع فيها فريضة أم نافلة، ثم يعيد أصل
الصلاة الأولى، وعليه أن يقطع النافلة أو الفريضة التي شرع فيها
ويأتي بالأولى إذا كان وقتها مضيقا ولا يكتفي بصلاة الاحتياط في كلا
الفرضين.
(الصورة الثانية): أن تكون الصلاة الأخرى التي شرع فيها مترتبة
شرعا على الصلاة الأولى، ويكون المكلف قد أتى بما يبطل الصلاة قبل
الشروع في الأخرى، ومثال ذلك أن يشرع بفريضة العصر أو بنافلتها
قبل صلاة الاحتياط للظهر، ويكون قد أتى بالمبطل قبل الشروع فيها.
والحكم في هذه الصورة أن يقطع الصلاة التي شرع فيها سواء كانت
نافلة أم فريضة، ويأتي بأصل الصلاة الأولى ولا يكتفي بصلاة الاحتياط،
ثم يأتي بالفريضة الثانية المرتبة بعدها، وبالنافلة إذا شاء.
(الصورة الثالثة): أن يشرع في الصلاة الأخيرة من غير أن يأتي بما
يبطل الأولى، وتكون الصلاة الأخيرة غير مترتبة على الأولى، ومثال ذلك
أن يقوم بعد التسليم من الصلاة الأولى وقبل صلاة الاحتياط فيشرع
في نافلة مطلقة أو في قضاء فريضة فائتة، والحكم في هذه الصورة أن
يقطع هذه الصلاة إذا كانت نافلة ويأتي بصلاة الاحتياط، ويدعها
إذا كانت فريضة ويصلي الاحتياط، فإذا صلى الاحتياط فيها بطلت
الفريضة الثانية وصحت الأولى إذا تم احتياطها. ويجوز له أن يتم
521

الفريضة التي شرع فيها فتصح، وتبطل الصلاة الأولى بذلك فإذا أتم
الفريضة الثانية أعاد الأولى من أصلها.
(الصورة الرابعة) أن يشرع في الصلاة الأخيرة من غير أن يأتي بما
يبطل الأولى، وأن تكون الصلاة التي شرع فيها مترتبة شرعا على الأولى،
ومثال ذلك أن يقوم بعد التسليم قبل الاحتياط للظهر فيشرع في
فريضة العصر أو في نافلتها.
والحكم أن يقطع الصلاة التي شرع فيها سواء كانت نافلة أم فريضة
ويأتي بصلاة الاحتياط للأولى ثم يعيد الفريضة الثانية بعدها والنافلة
إذا شاء.
[الفصل الثالث والثلاثون]
[في الشكوك التي لا يلتفت إليها]
[المسألة 848]
لا يعتنى بالشك في عدة مواضع.
(الأول): الشك في جزء من أجزاء الصلاة بعد أن يتجاوز الانسان محل
ذلك الجزء ويدخل في فعل آخر يأتي بعده في الترتيب الشرعي بين أفعال
الصلاة، وقد تقدم بيانه في المسألة السبعمائة والثالثة والثمانين وما
بعدها من المسائل.
(الثاني): الشك في الاتيان بالصلاة أو في تحقق شئ من شروطها
أو واجباتها أو عدد ركعاتها، بعد خروج وقت الصلاة، وقد تقدم
تفصيله كذلك في أول الفصل الحادي والثلاثين.
[المسألة 849]
(الثالث): إذا شك في جزء من أجزاء الصلاة أو في شرط من شرائطها
أو في عدد ركعاتها، وكان شكه بعد الفراغ من الصلاة حكم بصحة
صلاته ولم يلتفت إلى شكه، سواء كانت الصلاة ثنائية أم ثلاثية أم
رباعية، ولا يجري هذا الحكم في الشك بعد الفراغ إلا إذا كانت
522

الصلاة صحيحة على أحد تقادير الشك، ومثال ذلك أن يشك الانسان
بعد الفراغ هل أنه صلى ثلاثا أو أربعا، فيحكم بصحة صلاته إذا كانت
رباعية، وكذلك إذا كانت ثلاثية، لأنه يحتمل الصحة في كلا الفرضين،
وتبطل صلاته إذا كانت ثنائية، لأنه يعلم ببطلانها بزيادة ركعة أو
ركعتين.
أو يشك بعد الفراغ هل صلى اثنتين أو خمسا، فإن صلاته تكون
باطلة إذا كانت رباعية أو ثلاثية، وتكون صحيحة إذا كانت ثنائية.
[المسألة 850]
إذا شك في الرباعية بعد الفراغ منها بين الاثنتين والثلاث، فقد علم
أن السلام وقع في غير موضعه، فيجب أن يبني في شكه على الثلاث ويأتي
بالرابعة متصلة، ثم يأتي بصلاة الاحتياط لهذا الشك، ثم يأتي
بسجدتي السهو للسلام الأول الواقع في غير موضعه وإذا تكلم بعد
التسليم سجد للسهو مرة ثانية.
[المسألة 851]
(الرابع): إذا كان الانسان كثير الشك وجب عليه أن يحكم بصحة
صلاته، فإذا شك في الاتيان بفعل من أفعال الصلاة أو تحقق شرط
من شروطها، حكم بأنه قد أتى به، سواء كان في محله أم قد تجاوز
عنه ودخل في غيره ومثاله أن يشك في الاتيان بالقراءة أو الركوع
أو السجود أو القيام، فيبني على أنه قد أتى به، وكذلك إذا شك هل
أنه ركع ركوعا واحدا أم ركوعين، وأتى بقراءة واحدة أم قراءتين،
وبتشهد واحد أم تشهدين، بنى على عدم الزيادة، وإذا شك في عدد
الركعات بنى على صحة ما فعله، فإذا شك بين الثلاث والأربع بنى على
الأربع إذا كانت صلاته رباعية، وبنى على الثلاث إذا كانت ثلاثية،
وإذا شك بين الاثنتين والثلاث بنى على الاثنتين إذا كانت الصلاة ثنائية
وبنى على الثلاث إذا كانت ثلاثية وبنى على الثلاث كذلك إذا كانت
رباعية ثم أتى بالرابعة، وكذلك إذا شك في صحة ما أتى به من فعل
أو شرط أو قراءة أو ذكر، بنى على الصحة فيه. وسيأتي بيان المراد
من كثرة الشك وبيان الفرق بين كثرة الشك في الصلاة والوسوسة.
523

[المسألة 852]
إذا كثر شك الانسان في فعل معين من أفعال الصلاة أو شرط خاص
من شروطها اختص الحكم بذلك الشئ الذي يكثر فيه الشك ولم يشمل
غيره من الأجزاء والشروط، ومثال ذلك أن يكثر شكه في النية وحدها،
أو في تكبيرة الاحرام خاصة، أو في القراءة فقط، أو يكثر شكه في
الطهارة في حال الصلاة من الحدث أو من الخبث، فيبني على الصحة في
ذلك الشئ خاصة، وإذا اتفق له الشك في غير ذلك الشئ وجب عليه
أن يعمل فيه عمل الشك.
وكذلك إذا كثر شكه في صلاة معينة كصلاة الظهر مثلا أو العصر لم
يلتفت إلى الشك فيها، وأتى بعمل الشك في الصلوات الأخرى إذا شك
فيها، وكذلك إذا كثر شكه في الأولتين مثلا أو بين الاثنتين والثلاث،
فيختص حكم كثرة الشك بذلك المورد ولا يتعدى إلى غيره.
وإذا كثر شكه في الصلاة في مكان خاص دون غيره من الأمكنة، ومثاله
أن يكثر شكه إذا صلى في المسجد مثلا أو في موضع معين منه، فاجراء
حكم كثير الشك عليه موضع تأمل، والأحوط له ترك الصلاة في المكان
الذي يكثر عليه الشك فيه.
[المسألة 853]
المدار في كثرة الشك: أن تحصل للشخص في نظر أهل العرف حالة
ثانوية غير متعارفة، هي كثرة الشك، فإذا تحققت له هذه الحالة في
نظرهم ثبت له حكم كثير الشك، وإذا كان المكلف ممن لا تسلم له ثلاث
فرائض من الشك في واحدة منها، فهو من أفراد كثير الشك شرعا.
ويشترط في ثبوت حكم كثير الشك له أن لا يكون حصول هذه الحالة
له من أجل حصول بعض الطوارئ كالخوف، أو الغضب، أو الارهاق،
أو بعض العوارض الأخرى التي توجب الارتباك في الذهن والاضطراب
في التفكير، فلا يثبت له في مثل ذلك حكم كثير الشك.
[المسألة 854]
الوسوسة صفة تحصل للانسان من كثرة الشك والتردد في الأمر وقد
524

تحصل من غيرها حتى يفقد حالة الطمأنينة بحصول الشئ وإن كان
قاطعا بحصوله، فلا يطمئن بطهارة يده مثلا من النجاسة وإن غسلها
عشرين مرة، ولا يطمئن بصحة احرامه في الصلاة وإن كبر عشرين
تكبيرة، وحتى يحصل له القطع بحدوث بعض النتائج من مقدمات قد
لا توجب حتى الوهم، فيقطع بوصول النجاسة إلى بدنه أو ثيابه من
ملاصقة بعض الأجسام أو توهم ملاصقتها ويقطع بانتقال بعض
الأمراض من ملامسة بعض الأشياء أو توهم ملامستها.
[المسألة 855]
لا يثبت حكم كثرة الشك للانسان حتى يعلم بتحقق الحالة له في نظر
أهل العرف، كما تقدم، فإذا شك في ثبوت الصفة له وعدم ثبوتها،
بنى على عدمها، وإذا تحققت الصفة ثبت له حكمها، ولا يزول عنه
حتى يعلم بزوال الحالة عنه، فإذا شك في زوالها وعدمه بنى على
بقائها.
[المسألة 856]
إذا كان الانسان كثير الشك لم يجز له أن يعتني بشكه، فلا يجوز
له أن يأتي بالشئ الذي يشك في فعله، فإذا شك في الركوع مثلا لم
يجز له أن يركع، وإذا خالف ذلك فركع بطلت صلاته، وكذلك غيره
من أفعال الصلاة وإن لم يكن ركنا على الأحوط.
نعم إذا شك في القراءة أو الذكر، فله أن يأتي بهما بقصد القربة
المطلقة ما لم تبلغ حالته حد الوسوسة فلا يجوز له ذلك.
[المسألة 857]
إذا علم الانسان أنه كثير الشك، ولكنه شك: هل أن كثرة شكه
مطلقة، فعليه أن لا يلتفت إلى أي شئ شك فيه، أو هي خاصة في المورد
المعين، فعليه أن لا يتعداه في الحكم إلى غيره، وجب عليه أن يقتصر في
الحكم على المورد المعين.
[المسألة 858]
إذا ثبتت للمكلف صفة كثرة الشك فلم يلتفت إلى شكه، ثم تبين له
525

بعد ذلك أن الواقع على خلاف ما بنى عليه، وجب عليه أن يعمل بمقتضى
الواقع الذي ظهر له، فإذا استبان له أنه قد ترك ركنا بطلت صلاته،
ومثال ذلك أن يشك في أنه ركع أم لم يركع، فإذا بنى على أنه ركع
ولم يعتن بشكه، ثم تذكر أنه قد ترك الركوع، فإن كان في موضع
يمكنه تداركه وجب عليه أن يعود إليه ويأتي به ويتم صلاته وإذا فات
محله ولم يمكن تداركه بطلت الصلاة.
وإذا كان الشئ الذي شك فيه واجبا غير ركن فتركه، ثم تبين له
أنه لم يأت به، وجب عليه أن يأتي به إذا لم يفت موضع تداركه، وإذا
فات محله مضى في صلاته وصحت، وإذا كان الجزء المتروك سجدة
واحدة أو تشهدا وجب عليه قضاؤهما وسجود السهو لهما بعد اتمام
الصلاة. وإذا شك في زيادة الفعل فبنى على عدم زيادته ثم ظهر له أنه
قد زاده، فإن كان ركوعا بطلت صلاته وإذا كان تكبيرة الاحرام أو
سجدتين أتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط كما تقدم. وإذا كان واجبا
غير ركن أتم صلاته ولا شئ عليه.
[المسألة 859]
من كثر شكه في صلاته جاز له ضبط عددها وأفعالها بالخاتم يحوله
من إصبع إلى إصبع، وبالسبحة أو الحصى ينقلها من موضع إلى موضع،
ولا يجب عليه ذلك، وكذلك غير كثير الشك من الناس.
[المسألة 860]
(الخامس): إذا شك إمام الجماعة في عدد ركعات الصلاة وكان
المأموم حافظا للعدد رجع الإمام إليه ولم يعتن بالشك الذي حصل له،
سواء أوجب ذلك له ظنا أم لا، وسواء كان المأموم واحدا أم متعددا،
وعادلا أم فاسقا، ورجلا أم امرأة، وسواء كانت الصلاة ثنائية أم
ثلاثية أم رباعية، وسواء كان الشك في الأولتين أم الأخيرتين.
وإذا شك المأموم في عدد ركعات الصلاة وكان الإمام حافظا للعدد
رجع المأموم إليه ولم يعتن بشكه كذلك، ومثله الحكم على الأقرب في
أفعال الصلاة إذا كان الشك في فعل كليهما، ومثال ذلك أن يشك الإمام
526

أو المأموم هل أننا ركعنا أم لا، فيرجع الشك منهما إلى الحافظ ولا
يعتني بشكه.
وإذا كان الشك في فعل نفسه خاصة، كما إذا شك المأموم: إني
هل ركعت مع الإمام أم لا، فالظاهر أنه يجب عليه أن يعمل بموجب
شكه، فيأتي بالواجب إذا كان في محله، ويمضي في صلاته، إذا كان
بعد التجاوز عنه.
[المسألة 861]
في رجوع الظان بالركعات من الإمام والمأموم إلى المتيقن اشكال،
فلا يترك الاحتياط بأن يتم الصلاة على وفق ظنه، ثم يعيدها إذا كان
يقين صاحبه مخالفا لظنه.
وكذلك الاشكال في رجوع الشاك في الركعات إلى الظان بها، فلا
يترك الاحتياط بأن يتم الشاك صلاته على وفق ظن صاحبه ثم يعيدها
إذا كان مقتضى شكه الإعادة، ومثال ذلك أن يكون شكه في الأولتين،
أو يكون شكه في الأخيرتين ويكون ظن صاحبه للأقل، كما إذا شك المأموم
بين الثلاث والأربع وكان الإمام ظانا بأنها ثلاث، فعلى المأموم أن يتم
الصلاة على وفق ظن الإمام ثم يعيدها وإذا كان الشك في الأخيرتين وكان
ظن صاحبه بالأكثر أتم صلاته على وفق ظن صاحبه ثم جبرها بصلاة
الاحتياط وصحة صلاته.
وأما الظن بالأفعال فقد تقدم أنه بحكم الشك، فيصح للظان من
الإمام أو المأموم بالأفعال أن يرجع إلى المتيقن منهما إذا كان التردد في
فعل كليهما كما قلنا في الشك.
[المسألة 862]
إذا اختلف المأمومون في اعتقادهم بعدد الركعات، فزعم بعضهم أنها
ثلاث ركعات مثلا، وزعم بعضهم أنها أربع فليس للإمام إذا شك أن
يرجع إلى أحد الفريقين، إلا إذا حصل له الظن من قول بعضهم، فيعمل
وفق ظنه، وإذا لم يحصل له الظن فلا بد له من أن يأتي بعمل الشك.
527

[المسألة 863]
إذا شك الإمام في عدد الركعات وكان بعض المأمومين متيقنا بالعدد
وكان بعضهم شاكا فيه رجع الإمام إلى المتيقن منهم.
وأما البعض الآخر الشاك منهم، فإن حصل له الظن عمل به اعتمادا
على ظن نفسه لا على ظن غيره، وإن لم يحصل له الظن بشئ فالأحوط
له أن ينوي الانفراد في صلاته ويعمل عمل الشك، وإذا هو لم ينفرد،
فلا بد له من أن يعمل على وفق شكه بعد الاتمام فيعيد الصلاة إذا كان
مقتضى شكه الإعادة كما إذا كان شكه في الثنائية أو الثلاثية أو الأولتين
من الرباعية.
ويعيد الصلاة أيضا إذا كان الشك في الأخيرتين من الرباعية وكان
عمل الإمام لا يطابق البناء على الأكثر، ومثال ذلك أن يكون الشك بين
الثلاث والأربع وكان عمل الإمام بعد رجوعه إلى المتيقن على البناء على
الأقل، فعلى المأموم الشاك أن يعيد الصلاة إذا أتمها مع الإمام ولم
ينو الانفراد. وإذا عمل الإمام على البناء على الأكثر، كان على المأموم
بعد أن يتم الصلاة أن يأتي بصلاة الاحتياط.
[المسألة 864]
إذا شك الإمام والمأمومون في عدد الركعات ولم يكن بينهم من يعلم
بعددها، فللمسألة صور تجب مراعاتها.
(الصورة الأولى): أن يتحد الشك بين الجميع، ومثال ذلك أن يشكوا
جميعا بين الثلاث والأربع مثلا دون اختلاف، فيجب على الجميع أن
يعملون عمل هذا الشك، فيبنوا على الأربع، ويأتوا بعد التسليم بصلاة
الاحتياط.
(الصورة الثانية): أن يختلفوا في شكهم بحيث لا يكون بينهم قدر
مشترك، ومثال ذلك أن يشك الإمام بين الاثنتين والثلاث، ويشك
المأمومون بين الأربع والخمس، والحكم أن يعمل كل واحد منهم عمل
شكه الخاص به.
528

(الصورة الثالثة): أن يختلف الإمام والمأمومون في شكهم ويكون
بينهم قدر مشترك يجتمعون فيه، ومثال ذلك أن يشك الإمام بين الاثنتين
والثلاث، ويشك المأمومون بين الثلاث والأربع فالثلاث هي القدر
المشترك بين الجميع أو يشك أحدهما بين الثلاث والأربع ويشك
الآخر بين الأربع والخمس، فتكون الأربع هي القدر المشترك بينهم،
ولا يترك الاحتياط في أن يرجعوا إلى القدر المشترك المذكور فيتموا
الصلاة ثم يعيدوها بعد الاتمام.
وكذلك إذا اختلف الإمام مع المأمومين في الشك واختلف المأمومون
ما بينهم، فتجب عليهم مراعاة الاحتياط، وإذا حصل الظن لبعضهم
عمل بموجب ظنه.
[المسألة 865]
(السادس): إذا شك الانسان في عدد ركعات النافلة تخير فيها بين
أن يبني على الأقل، وهو أفضل، وأن يبني على الأكثر فيتم صلاته ولا
شئ عليه، وإذا كان الأكثر مفسدا للنافلة بنى على الأقل، ولا فرق في
الحكم بين أن تكون النافلة ذات ركعة واحدة كالوتر، أو ذات ركعتين
كأكثر النوافل، أو رباعية كصلاة الأعرابي.
ولا يختلف هذا الحكم في النافلة إذا أصبحت واجبة بنذر أو عهد
أو يمين، ولا يلحق هذا الحكم الفريضة إذا عرض لها وصف النفل
كالفريضة المعادة جماعة، أو المعادة للاحتياط المستحب والفريضة
التي يتبرع بقضائها عن الغير، ولا يلحق صلاة الصبي ولا صلاة
الطواف والعيد المستحبين على الأقرب.
[المسألة 866]
حكم الشك في أجزاء النافلة هو حكم الشك في أجزاء الفريضة، فإذا
شك في الشئ منها وهو في محله أتى به، وإذا شك فيه بعد ما تجاوزه
ودخل في غيره لم يلتفت إلى شكه.
[المسألة 867]
إذا ترك ركنا من أركان النافلة بطلت، سواء كان عامدا أم ساهيا
529

وكذلك إذا زاد فيها ركنا عامدا، وإذا زاد فيها ركنا ساهيا، ففي
البطلان وعدمه اشكال ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 868]
إذا نسي جزءا من أجزاء النافلة وتذكره قبل أن يدخل في ركن بعده
رجع إلى ذلك الجزء المنسي فأتى به وبما بعده على الترتيب كما في
الفريضة، سواء كان الجزء المنسي ركنا أم غيره، وإذا تذكره بعد أن
دخل في ركن بعده ففي الرجوع إليه اشكال ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 869]
إذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا من صلاة النافلة، فلا يترك
الاحتياط بقضائهما بعد التسليم، ولا يترك الاحتياط بسجود السهو
إذا فعل ما يوجبه في النافلة.
[المسألة 870]
إذا زاد في النافلة ركعة ولو سهوا بطلت، وكذلك إذا شك فيها بين
الاثنتين والثلاث فبنى على الاثنتين، ثم تذكر أنها ثلاث.
[المسألة 871]
إذا ظن في عدد ركعات النافلة، فالأحوط له أن يعمل فيها على ظنه
ما لم يكن موجبا للبطلان بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 872]
إذا شرع في بعض النوافل التي قد جعلت لها في الشريعة كيفية
مخصوصة أو حددت في قراءتها سورة خاصة أو آيات معينة، أو تكرار
سور أو آيات مخصوصة أو نحو ذلك من الخصوصيات ونسي تلك الكيفية
أو تلك السورة المحددة، رجع إليها وتداركها إذا لم يفت موضع
تداركها، فإذ فات موضع ذلك لم تتحقق له تلك الصلاة المعينة فإن هو
أرادها فلا بد له من الإعادة.
وإذا كان قد قصد في نيته امتثال تلك النافلة الخاصة على نحو التقييد
530

كان ما أتى به باطلا وإذا قصدها على نحو تعدد المطلوب كان ما أتى به
نافلة مطلقة.
[المسألة 873]
تقدم في فصل الشك في عدد الركعات: إن الظن في الركعات بحكم
العلم، فعلى المكلف إذا ظن بالعدد أن يعمل على ظنه ولا احتياط عليه
سواء كان في الصلاة الثنائية أم الثلاثية أم الرباعية، وفي الأولتين منها
أم الأخيرتين، إلا إذا كان الظن موجبا للبطلان، فالأحوط فيه أن يأتي
بعمل الشك ثم يعيد الصلاة، وتراجع المسألة الثمانمائة والثامنة.
وتقدم الاشكال في رجوع الشاك في عدد الركعات من الإمام أو المأموم
إلى الظان به منهما وبيان الاحتياط في ذلك في المسألة الثمانمائة والحادية
والستين.
وتقدم في فصل الشك في الصلاة وأفعالها، أن الظن في الأفعال بحكم
الشك، فيجب على الظان فيها أن يأتي بعمل الشك، فإذا ظن الفعل
أو الترك وكان في محل الشئ المشكوك وجب عليه أن يأتي به، وإذا
كان بعد التجاوز عنه مضى في صلاته ولم يلتفت، إلا إذا كان الظن
اطمئنانيا فعليه أن يتم الصلاة وفق اطمئنانه ثم يعيدها، إذا كان عمله
مخالفا لقاعدة الشك في المحل أو التجاوز وتراجع المسألة السبعمائة
والثالثة والتسعون.
وتقدم أيضا أن الظن بالاتيان بالصلاة أو بعدم الاتيان بها بحكم
الشك في ذلك، فإذا ظن بأحدهما وهو في الوقت وجب عليه أن يأتي
بالصلاة، وإذا كان بعد خروج الوقت بنى على أنه قد أتي بالصلاة
ولم يلتفت.
[المسألة 874]
يصح الاعتماد على شهادة البينة العادلة في أفعال الصلاة وفي عدد
ركعاتها وفي احراز شروطها، كالطهارة من الحدث أو الخبث، والقبلة،
والوقت.
531

وقد تقدم في مبحث الوقت أنه يصح الاعتماد فيه على أذان الثقة
العارف، وتقدم في مبحث القبلة تفصيل القول في صحة الاعتماد على
الظن بالقبلة وعدمها.
[المسألة 875]
ما ذكرناه في هذه الفصول من أحكام الخلل الواقع في الصلاة عمدا
أو سهوا، وأحكام الشك والظن لا يختص بالصلاة اليومية، بل يعم
غيرها من الفرائض الواجبة كصلاة الآيات، والقضاء، وصلاة الطواف،
وصلاة الجمعة والعيدين، فتبطل بنقصان الركن وزيادته عمدا وسهوا،
وتبطل بالزيادة العمدية في غير الركن من الأجزاء ولا تبطل بزيادته
سهوا، ويجب فيها قضاء السجدة والتشهد إذا نسيهما، ويجب فيها
سجود السهو إذا طرأ فيها أحد موجباتها كما في الفريضة اليومية.
وإذا عرض فيها شك في عدد الركعات بطلت، لأنها ثنائية، وإذا
شك في فعل من أفعالها وكان في محل الشئ المشكوك أتى به وإذا كان
بعد التجاوز عنه لم يلتفت
[الفصل الرابع والثلاثون]
[في قضاء الأجزاء المنسية]
[المسألة 876]
يجب قضاء السجدة الواحدة من الركعة إذا نسيها ولم يتذكرها حتى
دخل في الركوع من الركعة اللاحقة، من غير فرق بين أن تكون السجدة
من الركعتين الأولتين أو الأخيرتين، ويجب قضاء التشهد إذا نسيه ولم
يتذكره إلا بعد الدخول في الركوع كذلك، فيأتي بهما بعد الصلاة،
ويجب عليه أن يسجد للسهو لنسيان التشهد، ولنسيان السجدة أيضا
على الأحوط، وقد ذكرنا ذلك في المسألة السبعمائة والستين وما بعدها.
[المسألة 877]
إذا نسي سجدة واحدة من الركعة الأخيرة أو نسي التشهد منها
وتذكرهما بعد التسليم فإن كان قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة وجب
532

عليه أن يأتي بالسجدة أو التشهد بقصد ما في ذمته من أداء أو قضاء
لهما، ثم يأتي بما بعدهما حتى يحصل الترتيب، فإذا سلم سجد للسهو
لما في ذمته بسبب نسيان الجزء أو التسليم في غير موضعه، وصحت
صلاته بذلك.
وإن تذكرهما بعد التسليم وفعل ما يبطل الصلاة، أتى بهما
وبسجود السهو لهما، ثم أعاد الصلاة وقد تقدم ذلك في المسألة
السبعمائة والثامنة والستين.
[المسألة 878]
يجب قضاء أبعاض التشهد إذا نسيها، كما إذا نسي الشهادتين أو
نسي إحداهما أو الصلاة على محمد وآل محمد، فيقضي الجزء الذي تركه
وحده، ولا تجب إعادة التشهد كله، نعم إذا نسي الصلاة على آل محمد
وجب أن يقضي صيغة الصلاة على محمد وآل محمد كلها، وكذلك إذا
نسي كلمة وحده لا شريك له أعاد الشهادة الأولى كلها، وإذا نسي كلمة
عبده ورسوله أعاد الشهادة الثانية كلها.
[المسألة 879]
إذا نسي الذكر من السجدة في الصلاة أو نسي وضع بعض المساجد
ما عدا الجبهة أو غير ذلك ما يجب في سجود الصلاة لم يجب قضاؤه
فالحكم مختص بقضاء السجدة نفسها.
[المسألة 880]
يعتبر في قضاء السجدة المنسية أن يكون جامعا لجميع ما يشترط في
الصلاة من طهارة، واستقبال، وستر عورة، ونحوها، ولجميع ما
يعتبر في سجود الصلاة من وضع المساجد وطهارة موضع الجبهة،
ووضعها على ما يصح السجود عليه، والذكر، والطمأنينة وغير ذلك
من شرائط وواجبات.
ويعتبر في قضاء التشهد المنسي أن يكون جامعا لجميع ما يعتبر في
تشهد الصلاة من شروط، وواجبات، كالطهارة والاستقبال والجلوس
533

والطمأنينة والآتيان بالشهادتين والصلاة على محمد وآل محمد بالصيغة
المتعارفة في تشهد الصلاة.
[المسألة 881]
يجب في قضاء السجدة والتشهد نية البدلية عن الجزء المنسي،
وتجب المبادرة إليهما بعد التسليم، فلا يجوز على الأحوط أن يفصل
ما بينهما وبين الصلاة بما ينافيها، نعم لا بأس بالفصل القليل بالدعاء
والذكر ونحوه مما يجوز ايقاعه في الصلاة إذا لم يناف الفورية العرفية،
ولا يجوز تأخيرهما عن التعقيب
[المسألة 882]
إذا فصل ما بين قضاء السجدة أو التشهد وبين الصلاة بما يبطل
الصلاة عمدا وسهوا كالحدث واستدبار القبلة، كفاه أن يأتي بهما
وإن كان الأحوط استحبابا أن يعيد الصلاة بعد ذلك وكذلك الحكم في
ما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا، كالتكلم والقهقهة إذا أتي بهما عامدا،
ولا يضره إذا وقع ذلك منه سهوا، وهذا إذا كانت السجدة أو التشهد
من غير الركعة الأخيرة، وقد تقدم حكمهما إذا كانا منها.
[المسألة 883]
لا يترك الاحتياط في أن يسجد للسهو إذا أتى بما يوجب سجود
السهو في أثنائهما أو قبل الاتيان بهما.
[المسألة 884]
إذا أتى بقضاء التشهد بعد الصلاة، ونسي أن يأتي ببعض أجزائه،
فإن تذكر ذلك قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا وسهوا تدارك
ما نسي منه فأتى به، وإن تذكره بعد ما أتى بالمبطل وكان ذلك من
التشهد الأخير فالأحوط له إعادة التشهد ثم إعادة الصلاة، وإذا كان من
التشهد الأول كفاه أن يعيد التشهد خاصة.
[المسألة 885]
إذا أتى بقضاء السجدة بعد الصلاة ونسي أن يأتي فيها بالذكر أو
534

ببعض ما يجب في السجود ما عدا وضع الجبهة لم تجب إعادة القضاء
وإن كان أحوط
[المسألة 886]
إذا وجب على المكلف قضاء سجدات متعددة من الصلاة، وكانت السجدات
من غير الركعة الأخيرة، كفاه أن يأتي بقضائها واحدة بعد واحدة حتى
يتم عدد السجدات المنسية ولا يشترط التعيين في النية إنها الأولى أو
الثانية، ثم سجد بعدها للسهو لكل سجدة منها وإذا كانت إحدى
السجدات المنسية من الركعة الأخيرة وذكرها بعد التسليم، قدمها على
الأحوط وأتى بما بعدها من تشهد وتسليم كي يحصل الترتيب، ثم
قضى بقية السجدات المنسية ثم سجد للسهو لكل واحدة من السجدات
الأولى ومن التشهد الزائد وسجد للسهو لما في ذمته من السجدة الأخيرة
أو التسليم في غير موضعه، وإذا كان ذلك بعد أن فعل المنافي أعاد
الصلاة. وكذلك الحكم إذا تعدد نسيان التشهد فيقدم التشهد الأخير
على النهج المذكور في السجدة سواء بسواء.
[المسألة 887]
لا تجب مراعاة الترتيب في قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة، فيصح
له أن يقضي اللاحق في الفوت قبل السابق وإن كانت مراعاة الترتيب
أحوط استحبابا.
[المسألة 888]
إذا علم المصلي بأنه نسي أما سجدة أو تشهدا لم يعلم بالمنسي منهما
على التعيين، وجب عليه أن يحتاط بقضائهما معا.
[المسألة 889]
إذا علم بأنه نسي السجدة ولكنه شك هل أنه ذكرها في موضعها من
الصلاة فتداركها قبل الفوت أم لا، فالأحوط لزوم قضائها بل لا يخلو
من قوة وكذلك الحكم في التشهد.
535

[المسألة 890]
يجب تقديم صلاة الاحتياط على قضاء الأجزاء المنسية إذا اتفقا
للمكلف في صلاة واحدة، وإن كان فوت الأجزاء متقدما على الشك الذي
أوجب عليه صلاة الاحتياط، ويجب تقديم الاحتياط كذلك على سجود
السهو إذا اتفقا له، وإن كان موجب سجود السهو متقدما وإذا وجب
على المكلف قضاء الأجزاء وسجود السهو فالأحوط تقديم قضاء الأجزاء
على السجود.
[المسألة 891]
إذا علم بوجوب قضاء السجدة أو التشهد عليه، ثم انقلب علمه شكا
لم يجب عليه القضاء، سواء كان انقلاب اعتقاده شكا في أثناء الصلاة
أو بعد الفراغ منها.
[المسألة 892]
إذا وجب عليه قضاء أحدهما، وشك هل أنه أتى بقضاء ما عليه
أم لا، وجب عليه الاتيان به إذا كان الشك في الوقت، وكذلك إذا كان
بعد الوقت على الأحوط.
[المسألة 893]
إذا تردد في الفائت منه بين الأقل والأكثر، بنى على الأقل.
[المسألة 894]
إذا علم أنه نسي بعض أفعال الصلاة، وشك هل أنه سجدة أو تشهد
فيلزمه قضاؤه أو غيرهما من الأجزاء غير الركنية فلا يجب، لم يجب
عليه القضاء ولا سجود السهو.
[المسألة 895]
إذا شرع في نافلة أو فريضة، ثم تذكر أن عليه قضاء سجدة أو
تشهد، تعين عليه قطعها والآتيان بالقضاء.
[المسألة 896]
إذا وجب عليه قضاء سجدة أو تشهد من صلاة الظهر وضاق وقت
536

العصر فإن بقي من الوقت مقدار ركعة فقط وجب تقديم صلاة العصر،
وأتى بقضاء الجزء بعدها، وإذا بقي من الوقت ما يدرك منه ركعة
بعد قضاء الجزء أشكل الحكم بوجوب تقديم القضاء، ولكنه إذا قدم
القضاء ثم صلى العصر صح الجميع.
[المسألة 897]
إذا وجبت على المكلف صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر،
فإن بقي من الوقت مقدار ركعة فقط قدم العصر، ثم أعاد الظهر من
أصلها ولم يكتف بصلاة الاحتياط.
وإذا بقي من الوقت ما يدرك منه ركعة بعد صلاة الاحتياط، أشكل
الحكم بتقديم صلاة الاحتياط كما سبق في نظيره، ولكنه إذا أتى بصلاة
الاحتياط ثم صلى العصر صح الجميع.
[الفصل الخامس والثلاثون]
[في سجود السهو]
[المسألة 898]
يجب سجود السهو لأحد الأمور التالية.
(الأول): يجب للتكلم ساهيا بحرفين أو أكثر وإن كانا غير مفهمين
ويجب للتكلم بحرف واحد إذا كان مفهما على الأحوط، كما ذكرنا في
فصل منافيات الصلاة، وكذلك إذا تكلم عامدا باعتقاد أنه قد فرغ من
الصلاة أو سبقه لسانه فتكلم من غير قصد، فالأحوط لزوم سجود
السهو لهما.
وقد تقدم في مبطلات الصلاة أن التنحنح والنفخ أصوات تشبه الحروف
وليست كلاما ولا حروفا، فلا تبطل الصلاة إذا تنحنح المكلف أو نفخ
في أثناء صلاته عامدا، ولا يجب عليه سجود السهو إذا فعل ذلك ساهيا
ويشكل الحكم في التأوه والأنين إذا حدث منهما حرفان، فلا يترك
الاحتياط بسجود السهو لهما إذا كان ساهيا.
537

[المسألة 899]
إذا تكلم في الصلاة بتوهم أن ما تكلم به قرآن أو ذكر أو دعاء،
وتبين أنه ليس منه، فالحكم بصحة صلاته مشكل، فلا بد له من سجود
السهو ثم إعادة الصلاة.
[المسألة 900]
(الثاني): التسليم في غير موضعه ساهيا على الأحوط، والمراد به
الاتيان بإحدى الصيغتين المخرجتين من الصلاة سواء قصد به الخروج
من الصلاة أم لم يقصد ذلك.
[المسألة 901]
(الثالث): نسيان سجدة واحدة من الصلاة حتى يفوت موضع
تداركها، فإذا نسيها كذلك وجب عليه قضاؤها بعد الصلاة، ووجب
عليه أن يسجد للسهو لنسيانها على الأحوط. ولا يجب سجود السهو
إذا نسي الذكر من السجدة أو نسي بعض واجباتها الأخرى.
[المسألة 902]
(الرابع): نسيان التشهد حتى يفوت موضع تداركه، فيجب قضاؤه
بعد الصلاة، ويجب سجود السهو لنسيانه، ولا يجب السجود إذا نسي
أبعاض التشهد حتى فات موضع تداركها وإن وجب قضاؤها كما تقدم
في المسألة الثمانمائة والثامنة والسبعين.
[المسألة 903]
(الخامس): الشك بين الأربع والخمس من ركعات الصلاة الرباعية
إذا كان بعد اكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويأتي بعد التسليم
بسجدتي السهو كما تقدم بيانه في صور الشك الصحيحة.
[المسألة 904]
(السادس): القيام ساهيا في موضع يجب فيه القعود، أو القعود
في موضع يجب فيه القيام كذلك، بشرط أن يتلبس مع القيام أو القعود
538

بقراءة أو تسبيح أو ذكر، ولا يجب السجود لهما إذا لم يتلبس معهما
بذلك.
[المسألة 905]
(السابع): إذا علم اجمالا بأنه إما زاد أو نقص في صلاته وكانت
الزيادة والنقيصة غير مبطلتين.
[المسألة 906]
لا يجب السجود لكل زيادة ونقيصة في الصلاة على الأقوى، في غير
مورد العلم الاجمالي المتقدم ذكره وإن كان الأحوط استحبابا ذلك،
ولا تصدق الزيادة على المستحبات.
[المسألة 907]
يجب تعدد سجود السهو إذا تعدد السبب الذي يوجبه، سواء كان
السبب من نوع واحد أم من أنواع متعددة، ومثال تعدد السبب من
نوع واحد، أن ينسى سجدتين أو أكثر من كل ركعة سجدة، أو يقوم
في موضع القعود مرات متعددة في صلاته مع التلبس بالقراءة أو الذكر
في كل مرة، فيجب عليه سجود السهو لكل سجدة في المثال الأول، ولكل
قيام في المثال الثاني ومثال تعدد السبب من أنواع: أن ينسى سجدة
وتشهدا ويشك بين الأربع والخمس في صلاة واحدة فيجب عليه سجود
السهو لكل واحد منها.
[المسألة 908]
الكلام الواحد موجب واحد إذا كان عن سهو واحد وإن كان طويلا،
وإذا تعدد السهو تعدد الموجب، ومثال ذلك أن يتكلم ساهيا ثم يتذكر،
ثم يسهو ثانيا فيستمر بكلامه الأول، وهكذا فعليه لكل مرة سجود.
[المسألة 909]
إذا ترك السجدة أو التشهد وقام ساهيا، وتذكر ذلك قبل دخوله
في الركوع وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة أو التشهد ويتم صلاته،
ثم يسجد سجدتي السهو مرة واحدة للقيام الزائد، وإن كان قد أتى
539

بقراءة الحمد والسورة والقنوت والتكبير للركوع، وإذا أتى بسجوده
بقصد ما في الذمة فهو أحوط.
[المسألة 910]
لا يجب في نية سجود السهو تعيين السبب الموجب له وإن تعدد واختلف
نوعه، ولا يجب الترتيب فيه فيجوز أن يقدم في الامتثال ما كان سببه
متأخرا.
[المسألة 911]
موضع سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة وتجب المبادرة إليهما
على الأحوط، فإن أخرهما عامدا عصى بذلك ووجبت عليه المبادرة
ثانيا، وهكذا إلى أن يؤديهما، وإذا نسيهما وجب أن يأتي بهما متى
تذكر ولو بعد مدة، ولا تبطل الصلاة بذلك، ولا تبطل بتركه أصلا
وإن كان الأحوط الإعادة.
[المسألة 912]
إذا عين في نيته سببا خاصا لسجوده ثم تذكر أن السبب الذي أوجب
عليه السجود غير ما قصده، صح سجوده إذا قصد به امتثال ما في
ذمته، وكان ذكره للسبب الخاص من باب الخطأ في التطبيق، ووجبت
عليه الإعادة إذا كان قصده على وجه التقييد.
[المسألة 913]
كيفية سجود السهو أن ينوي السجود، ثم يضع جبهته وبقية مساجده
في مواضعها من سجود الصلاة، ويتخير في الذكر بين صيغتين، إحداهما:
(بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد) وإذا اختار هذه الصيغة
فعليه أن يجمع بين ما تقدم كما ذكره في الكافي، وبين أن يقول:
(بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد) على ما في رواية الفقيه
والتهذيب.
والصيغة الثانية: (بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته) وإذا اختار هذه الصيغة فعليه أن يأتي بها بدون الواو
540

مرة، كما ذكرناه على ما في رواية الكافي وبعض نسخ الفقيه، ومع
الواو مرة أخرى، فيقول كما في التهذيب: (بسم الله وبالله والسلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ثم يرفع رأسه ويسجد مرة ثانية
ويقول فيها ما تقدم، ثم يجلس ويتشهد بالتشهد الخفيف المتعارف وهو
أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد) ووصفه بالخفيف بلحاظ
خلوه من الزيادات المندوبة في تشهد الصلاة، ثم يسلم ويكفي في التسليم
أن يقول: السلام عليكم.
[المسألة 914]
لا يجب التكبير لسجود السهو ولا لرفع الرأس منه، والأحوط أن
يراعى فيه جميع ما يعتبر في سجود الصلاة من شرائط الصلاة كالطهارة
من الحدث والخبث وستر العورة والاستقبال وترك جميع المنافيات،
وأن تجتمع فيه شرائط السجود وواجباته من وضع جميع المساجد
وطهارة موضع الجبهة وأن يكون مما يصح السجود عليه، وأن لا يكون
أرفع من موقف المصلى أو أخفض منه بأكثر من أربع أصابع، والطمأنينة
في السجود والانتصاب والطمأنينة بين السجدتين، بل لا يخلو بعض
ذلك من قوة.
[المسألة 915]
لا يجب سجود السهو حتى يعلم بتحقق سببه فإذا شك في وجود السبب
الموجب لم يجب السجود.
[المسألة 916]
إذا علم بوجوب السجود عليه ثم شك هل أتى به أم لا، وجب عليه
أن يأتي به، وإن طالت المدة، بل لا يترك الاحتياط حتى إذا شك فيه
بعد خروج الوقت.
[المسألة 917]
إذا علم بوجوب سجود السهو عليه، ثم انقلب علمه شكا لم يجب
عليه السجود.
541

[المسألة 918]
إذا علم بوجوب السجود عليه وتردد في عدده بين الأقل والأكثر بنى
على الأقل.
[المسألة 919]
إذا شك في بعض أجزاء سجود السهو، فإن كان في محله وجب أن
يأتي به، وإذا شك فيه بعد الفراغ من العمل بنى على الصحة ولم يلتفت
إلى شكه، وإذا شك فيه بعد التجاوز عن محل الشئ المشكوك وقبل
الفراغ من العمل، فلا يترك الاحتياط بالاتيان به بقصد القربة المطلقة.
[المسألة 920]
إذا شك هل سجد سجدة واحدة أم سجدتين بنى على الأقل، فعليه أن
يأتي بالثانية حتى إذا كان شكه بعد الدخول في التشهد. فيأتي بالسجدة
بقصد القربة المطلقة على الأحوط، كما تقدم في المسألة المتقدمة.
[المسألة 921]
إذا علم بأنه قد زاد فيه سجدة أو نقص منه سجدة فالأحوط إعادة
سجدتي السهو.
[المسألة 922]
إذا نسي الذكر في سجود السهو وتذكره بعد رفع الرأس منه فالأحوط
له إعادة السجود بل لا يخلو من قوة.
[الفصل السادس والثلاثون]
[في بعض فروع الشك]
[المسألة 923]
إذا تردد المصلي في أن ما بيده هي آخر ركعة من الظهر، أو أنه قد
أتم الظهر وهذه أولى ركعة من صلاة العصر بنى على أنها آخر صلاة
الظهر، فعليه أن يتمها ويسلم ثم يصلي العصر. وإذا وقع له مثل
ذلك في العشاءين، فشك هل أن ما بيده ثالثة المغرب أو أنه قد أتم
542

المغرب وهذه أولى صلاة العشاء، فالحكم البطلان من حيث أن المغرب
لا يدخلها الشك.
[المسألة 924]
إذا عرض له أحد الشكوك الصحيحة فبنى على الأكثر، ثم شك هل
أن ما بيده هي آخر ركعة من صلاته أو أنه أتمها، وهذه أولى ركعة
من صلاة الاحتياط، فإن كانت صلاة الاحتياط التي وجبت عليه ركعة
واحدة، كفاه أن يتم الركعة التي بيده بقصد ما هي عليه واقعا، فإذا
أتمها وسلم أتى بركعة الاحتياط بقصد الرجاء ولا إعادة عليه.
وإذا كانت صلاة الاحتياط التي وجبت عليه ركعتين، كما إذا
فرض الشك الذي عرض له بين الاثنتين والأربع، فعليه أن يتم الركعة
التي بيده بقصد اتمام الصلاة، وبعد التسليم يأتي بركعتي الاحتياط
ثم يعيد الصلاة على الأحوط استحبابا.
[المسألة 925]
إذا تردد هل أن ما بيده هي الركعة الرابعة في المغرب أو أنه قد صلى
المغرب ثلاثا وهذه أولى ركعة من صلاة العشاء، فإن كان ذلك بعد
الدخول في الركوع من الركعة التي بيده بطلت صلاته ووجب عليه أن
يعيد المغرب، وإن كان قبل الركوع منها جعلها من المغرب وعليه أن
يجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد.
وكذلك الحكم إذا كان في الظهرين، فشك في أن ما بيده هي خامسة
الظهر أو أنه قد أتم صلاة الظهر أربعا وهذه أولى صلاة العصر فإذا
كان قبل الركوع من ركعته جعلها خامسة الظهر وجلس وتشهد وسلم
وسجد للسهو، ثم صلى العصر، وإذا كان بعد الدخول في الركوع بطلت
الصلاة، فعليه أن يعيد الظهر ثم يصلي العصر.
[المسألة 926]
إذا شك بين الاثنتين والثلاث بعد اكمال السجدتين، وعلم بأنه لم
يتشهد في صلاته، فعليه أن يبني على الثلاث ويقوم للرابعة، ولا يجوز
543

له أن يتشهد قبل القيام، فإذا أتم الصلاة أتى بصلاة الاحتياط لشكه،
ثم أتى بقضاء التشهد، وسجد له سجدتي السهو.
وكذلك الحكم إذا كان قائما فشك بين الثلاث والأربع وعلم بأنه لم
يتشهد في صلاته، فيبني على الأربع ويتم صلاته فإذا فرغ منها أتى
بصلاة الاحتياط ثم بقضاء التشهد ثم بسجود السهو.
[المسألة 927]
إذا علم بعد الفراغ من صلاة العصر أنه قد صلى الظهرين تسع
ركعات، ولم يدر أن الركعة الزائدة كانت في الظهر أم في العصر،
وجب عليه أن يأتي بفريضة رباعية يقصد بها ما في ذمته من إحدى
الفريضتين، وإذا علم بذلك قبل التسليم من صلاة العصر حكم بصحة
صلاة الظهر ووجب عليه أن يعيد العصر.
وإذا عرض له مثل ذلك في العشاءين فعلم بأنه صلاهما ثماني ركعات
ولم يدر أن الركعة الزائدة كانت في أي الفريضتين، فإن كان ذلك بعد
الفراغ من صلاة العشاء وجبت عليه إعادة الفريضتين معا وإذا كان
قبل التسليم من صلاة العشاء صحت صلاة المغرب ووجبت عليه إعادة
العشاء.
[المسألة 928]
إذا أعاد المصلي صلاة المغرب احتياطا أو نسيانا، ثم علم قبل أن
يتم الثانية منهما، بأنه قد زاد ركعة في إحدى الصلاتين، فيجوز له أن
يكتفي بالأولى منهما لقاعدة الفراغ ويرفع اليد عن الثانية، ويجوز
له أن يتم الصلاة الثانية، فيعلم بأنه قد أتى بمغرب صحيحة، أما الأولى
وأما الثانية، وليس ذلك من الشك في ركعات المغرب فتكون باطلة، بل
هو شاك في أنها مغرب تامة الركعات أو هي لغو إذا كانت الأولى هي
التامة وكانت الثانية هي الزائدة.
[المسألة 929]
إذا شك في صلاته بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع، ثم سها فزاد
544

في صلاته ركعة كانت صلاته باطلة للزيادة على الأربع البنائية، وإن
كان بالفعل شاكا بين الأربع والخمس.
[المسألة 930]
إذا شك في الاتيان بركن من أركان الصلاة بعد أن تجاوز موضعه
ودخل في غيره، فكان حكمه المضي في صلاته وعدم الالتفات إلى الشك،
ولكنه نسي فأتى بالركن المشكوك فيه، كانت صلاته باطلة، نعم إذا
انكشف له الخلاف، فعلم أنه لم يأت بالركن أولا وأن اتيانه به كان في
موضعه كانت الصلاة صحيحة.
[المسألة 931]
إذا علم بعد قيامه للركعة اللاحقة أنه قد ترك سجدة من الركعة
السابقة فهنا صور.
(الصورة الأولى): أن يعلم أنه قبل القيام قد جلس بقصد الجلوس
بين السجدتين ثم نسي السجدة الثانية بعد جلوسه فقام عنها، وفي هذه
الصورة يجوز له أن يهوي من قيامه إلى السجدة المنسية من غير أن
يجلس، فإنه قد أتى بالجلوس الواجب بين السجدتين.
(الصورة الثانية): أن يعلم أنه لم يأت بالجلوس أصلا بعد السجدة،
بل نهض من سجوده فقام للركعة وفي هذه الصورة يجب عليه الجلوس
أولا ليحصل الجلوس الواجب بين السجدتين، ثم يسجد السجدة المنسية،
فإذا سجد من غير أن يجلس عامدا، بطلت صلاته، وإذا فعل ذلك ناسيا
فلا شئ عليه.
(الصورة الثالثة): أن يعلم أنه قد جلس بعد السجدة بقصد جلسة
الاستراحة بعد السجدتين ثم قام وعليه في هذه الصورة أن يجلس أولا
ثم يسجد.
[المسألة 932]
الجزء الذي يقع في غير محله من الصلاة لا يكون الدخول فيه دخولا
في الغير، فإذا شك في الجزء المتقدم عليه بعد الدخول فيه لم يكن ذلك
545

من الشك بعد التجاوز، فيجب عليه أن يأتي بالشئ المشكوك فيه،
ومثال ذلك أن ينسى التشهد في الركعة الثانية فيقوم للركعة الثالثة،
فإن هذا القيام في غير محله، فإذا شك وهو قائم في السجود قبله، وجب
عليه أن يرجع ويأتي بالسجدة المشكوكة ولم يكن ذلك من الشك
بعد التجاوز.
[المسألة 933]
إذا علم بعد قيامه للركعة بأنه ترك إحدى السجدتين قطعا، وشك
هل أنه أتى بالسجدة الأخرى أم لم يأت بها، وجب عليه أن يعود لتدارك
السجدة المنسية فإذا جلس وجب عليه أن يأتي بكلتا السجدتين المتيقنة
منهما والمشكوكة ولا تجب عليه إعادة الصلاة.
[المسألة 934]
إذا كان الانسان كثير الشك، فإنما يجري حكم كثرة الشك في الشك
البسيط، فلا يعتني به كما تقدم بيانه، ولا يجري حكم كثرة الشك
مع العلم الاجمالي وإن كان شاكا أيضا. ومثال ذلك أن يعلم اجمالا
وهو في حال القيام بأنه قد ترك أما السجدة أو التشهد من الركعة التي
قام عنها، فيجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة والتشهد معا، وإن كان
كثير الشك، أو يعلم اجمالا بعد دخوله في الركوع بأنه قد ترك أما
السجدة أو التشهد، فيجب عليه أن يمضي في صلاته فإذا أتمها وجب
عليه أن يأتي بقضاء السجدة وقضاء التشهد، وأن يسجد للسهو لما في
ذمته من نسيان أحدهما، وإن كان كثير الشك.
[المسألة 935]
إذا علم اجمالا بأنه قد ترك إما السجدة أو التشهد، فإن كان ذلك
قبل أن يفوت موضع تداركهما وجب عليه أن يرجع فيأتي بالسجدة
والتشهد معا ويتم صلاته على الترتيب.
وإذا كان ذلك بعد أن فات موضع التدارك وجب عليه أن يمضي
في صلاته، ثم يأتي بقضائهما معا بعد الصلاة وأن يسجد للسهو لما في
ذمته من نسيان أحدهما.
546

[المسألة 936]
إذا علم اجمالا بأنه إما زاد في صلاته قراءة أو نقصها، أو علم بأنه
قد زاد التسبيحات الأربع في الأخيرتين أو نقصها، وجب عليه في كلا
الفرضين أن يأتي بسجدتي السهو للعلم الاجمالي المذكور بالزيادة أو
النقيصة غير المبطلتين.
[الفصل السابع والثلاثون]
[في صلاة القضاء]
[المسألة 937]
يجب قضاء ما فات المكلف أن يأتي به من الصلاة اليومية في وقته،
سواء تركه عمدا أم سهوا أم جهلا، أم لنوم استوعب الوقت، أم لمرض
وشبهه، أم أتى بالصلاة باطلة لنقصان شرط فيها أو جزء يوجب
البطلان أو لزيادة مبطلة كما فصلناه في مباحث المبطلات والخلل الواقع
في الصلاة ولا يجب على الانسان أن يقضي ما فاته قبل بلوغ الحلم،
وما فاته في حال جنونه إذا كان الجنون مستوعبا للوقت، سواء كان
مطبقا أم أدوارا، ولا يجب عليه قضاء ما فاته في حال الاغماء إذا
استوعب الوقت، ولا يجب عليه قضاء ما فاته حال كفره إذا كان الكفر
أصليا ولم يسلم في الوقت.
والمراد بالكفر الأصلي ما قابل الارتداد، ولا يجب على المرأة أن
تقضي ما فاتها لحيض أو نفاس إذا استوعب العذر الوقت.
[المسألة 938]
إذا بلغ الصبي الحلم قبل أن يخرج وقت الصلاة فأدرك منه ولو
مقدار ركعة وجب عليه أداء الفريضة إذا لم يكن قد أداها قبل البلوغ،
فإذا تركها وجب عليه قضاؤها، وكذلك الحكم في المجنون والمغمى
عليه، إذا أفاقا في الوقت، والكافر إذا أسلم، والحائض والنفساء إذا
نقتا من الدم في أثناء الوقت.
547

[المسألة 939]
إذا دخل وقت الصلاة على المكلف ومضى منه مقدار ما يؤدي به
المختار صلاته كاملة حاضرا كان أم مسافرا، ومتوضئا كان أم مغتسلا
أم متيمما، ولم يؤد الصلاة، ثم عرض له الجنون أو الاغماء أو الحيض
أم النفاس وجب عليه قضاء تلك الصلاة بعد الوقت، وتراجع المسألة
الثانية والخمسون في أحكام الوقت والمسألة الخمسمائة والحادية
والسبعون في أحكام الحائض من كتاب الطهارة فإن فيهما تفصيلا للمقام.
[المسألة 940]
إذا طرأ الجنون والاغماء على المجنون المغمى عليه بسبب اختياري
لهما فالأحوط لزوم قضاء الصلاة عليهما، وأما الحائض والنفساء
فالظاهر سقوط القضاء عنهما وإن كان سبب حدوث الحيض أو النفاس
بفعلهما اختيارا.
[المسألة 941]
يجب على المرتد إذا عاد إلى الاسلام أن يقضي ما فاته من الصلوات
في أيام ردته، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة.
[المسألة 942]
يجب على المخالف إذا استبصر أن يقضي ما تركه من الصلاة قبل
استبصاره وبعده ويجب عليه أن يقضي ما أتى به قبل استبصاره على
خلاف مذهبه وإن كان موافقا لمذهبنا على الأحوط ولا يجب عليه قضاء
ما أتى به على وفق مذهبه.
وإذا استبصر في أثناء الوقت وكان قد صلى الفريضة على وفق
مذهبه، فالأحوط له إعادة هذه الصلاة، فإن لم يعدها فالأحوط
قضاؤها.
[المسألة 943]
يجب قضاء الصلاة على من شرب المسكر أو المخدر ففاتته الصلاة
548

بسبب ذلك، من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل به والعاصي
والمكره والمضطر
[المسألة 944]
يجب على فاقد الطهورين قضاء الصلاة إذا وجد الطهور، ويسقط
عنه أداؤها والأحوط استحبابا أن يجمع بين الأداء والقضاء.
[المسألة 945]
لا قضاء لصلاة الجمعة إذا فاتت مع اجتماع شرائطها، بل يجب على
المكلف أن يأتي بصلاة الظهر، فإذا مضى وقت الظهر ولم يصلها وجب
عليه قضاء الظهر لا قضاء الجمعة.
[المسألة 946]
يجب قضاء الفرائض غير اليومية إذا فات وقتها، حتى النافلة
المنذورة في وقت معين على الأحوط، ويستثنى من ذلك صلاة العيدين،
فلا قضاء لها إذا فاتت.
[المسألة 947]
يجوز قضاء ما فاته من الفرائض في أي وقت شاء من ليل أو نهار،
وفي سفر أو حضر.
[المسألة 948]
يجب قضاء الفريضة كما فاتت، فيجب فيها الجهر بالقراءة إذا
كانت جهرية في أصلها وإن قضاها نهارا، ويجب الاخفات فيها إذا
كانت اخفاتية في أصلها وإن قضاها ليلا، ويجب الاتمام فيها إذا كانت
من فوائت الحضر وإن قضاها سفرا ويجب القصر فيها إذا فاتت في
السفر وإن قضاها حاضرا.
[المسألة 949]
إذا فاتت الصلاة على المسافر وهو في أحد مواضع التخيير، فالأحوط
له أن يقضيها قصرا، بل لعله الأقوى، سواء خرج من تلك الأماكن أم
لم يخرج وأراد قضاء الصلاة فيها.
549

[المسألة 950]
إذا وجب على المكلف الاحتياط في بعض الموارد بالجمع بين القصر
والتمام، ففاتته تلك الصلاة وجب عليه في قضائها أن يجمع بين
القصر والتمام.
[المسألة 951]
إذا كان المكلف مسافرا في أول الوقت ثم حضر، أو كان حاضرا في
أول وقت الصلاة ثم سافر، وفاتته الصلاة وجب عليه أن يقضيها كما
هي في آخر الوقت، فإن كان مسافرا قضاها قصرا وإن كان حاضرا
قضاها تماما.
[المسألة 952]
يستحب قضاء النوافل الرواتب استحبابا مؤكدا، ويستحب قضاء
النوافل غير الرواتب إذا كانت موقتة، والأولى أن يأتي بقضاء
هذه باحتمال المطلوبية، ويجوز قضاء النافلة الفائتة في أي وقت شاء من
الليل أو النهار، ولا يتأكد قضاء ما فات الانسان من النافلة حال المرض.
[المسألة 953]
يستحب لمن عجز عن قضاء النوافل الرواتب أن يتصدق عن كل
ركعتين بمد، فإن لم يتمكن تصدق عن كل أربع ركعات بمد، فإن لم
يتمكن تصدق عن نافلة النهار بمد وعن نافلة الليل بمد.
[المسألة 954]
لا يجب الترتيب في قضاء الفرائض غير اليومية، فيجوز له أن يقدم
قضاء ما فات منها متأخرا، فإذا فاتته صلاة الكسوفين معا، جاز له أن
يقدم ما شاء منها، ولا يجب الترتيب بينها وبين قضاء اليومية، فيجوز
له تقديم أيهما شاء وإن كان متأخرا في الفوات.
[المسألة 955]
الأظهر عدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت من الصلاة اليومية،
إلا في الفريضتين المترتبتين في أدائهما كالظهرين، وكالعشاءين، إذا
550

كانا من يوم واحد، فيجب الترتيب في قضائهما كذلك، ولا يجب أن
يقدم قضاء ما سبق في الفوت على المتأخر في غير ذلك، سواء علم الترتيب
أم جهله، وعلى هذا فلا يجب التكرار إذا جهل الترتيب في جميع
الفروض.
[المسألة 956]
إذا فاتته صلاة معينة - كصلاة العصر مثلا - عدة أيام وكان مسافرا
في بعضها وحاضرا في بعضها، ولم يعلم بعدد الأيام، وجب أن يقضي
ما علم فوته من صلاة السفر وصلاة الحضر وإن لم يحصل الترتيب.
[المسألة 957]
إذا فاتته صلاة واحدة ولم يدر أنها الظهر أو العصر، أجزأه أن
يأتي بأربع ركعات بقصد ما في ذمته، وإذا كان في السفر أتى بركعتين
بقصد ما في الذمة، وإذا لم يدر أنها في سفر أو حضر أتى برباعية
واحدة وثنائية واحدة يقصد بهما ما في الذمة.
[المسألة 958]
إذا علم بأن إحدى الظهرين قد فاتته ولم يعلم بها على التعيين، واحتمل
أن الأخرى قد فاتته أيضا، كفاه أن يأتي بأربع ركعات يقصد بها
امتثال ما تنجز عليه فعلا منهما.
وإذا أراد الاحتياط استحبابا أتى برباعية أخرى برجاء المطلوبية
قبل الرباعية المتقدم ذكرها، وبرباعية بعدها.
[المسألة 959]
إذا فاتته إحدى الصلوات الخمس ولم يعلم بها على التعيين كفاه أن
يأتي بصبح ومغرب وبرباعية مرددة بين أن تكون ظهرا أو عصرا
أو عشاءا، ويتخير فيها بين الجهر والاخفات وإذا كان مسافرا أتى على
الأحوط بمغرب، وبركعتين جهريتين مرددة بين الصبح والعشاء
وركعتين اخفاتيتين مرددة بين الظهر والعصر.
وإذا جهل أنه كان مسافرا حين فاتته الفريضة أم حاضرا، فالأحوط
551

له أن يأتي بمغرب، وبركعتين جهريتين مرددة بين الصبح والعشاء
المقصورة، وبركعتين اخفاتيتين مرددة بين الظهر والعصر المقصورتين،
وأربع ركعات مرددة بين الظهر والعصر والعشاء التامة، ويتخير فيها
بين الجهر والاخفات.
[المسألة 960]
إذا فاتته فريضتان من الصلوات الخمس ليوم واحد ولم يعلم بهما على
التعيين، كفاه أن يأتي بصبح ومغرب وبأربع ركعات مرددة بين الظهر
والعصر يخفت فيها وبأي هذه الصلوات الثلاث بدأ أجزأه، ثم يأتي
بعدها بأربع ركعات مرددة بين العصر والعشاء يتخير فيها بين الجهر
والاخفات.
وإذا كان مسافرا أجزأه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح والظهر
والعصر، وبمغرب وبأي هاتين الصلاتين بدأ أجزأه، ثم يأتي بعدهما
بركعتين مرددتين بين الظهر والعصر والعشاء.
وإذا جهل سفره وحضره كفاه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح
والظهر والعصر، ثم يأتي بأربع ركعات مرددة بين الظهر والعصر،
وبمغرب، ثم يأتي بركعتين مرددتين بين الظهر والعصر والعشاء ثم
بأربع ركعات مرددة بين العصر والعشاء.
[المسألة 961]
إذا فاتته ثلاث فرائض من الصلوات الخمس ليوم واحد ولم يعلم
بها على التعيين، وجب عليه أن يأتي بالصلوات الخمس، وعليه أن
يأتي بالظهرين منها مترتبتين وبالعشاءين مترتبتين، وله أن يقدمهما
على الظهرين أو على الصبح أو على الجميع وأن يؤخرهما عنه.
وإذا كان مسافرا كفاه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح والظهر
وركعتين مرددتين بين الظهر والعصر ويأتي بالمغرب ثم بركعتين
مرددتين بين العصر والعشاء.
وإذا جهل سفره وحضره أتى بركعتين مرددتين بين الصبح والظهر،
552

وأتى بالظهر تامة وبالعصر تامة، ثم أتى بركعتين مرددتين بين الظهر
والعصر، ثم أتى بالمغرب وأتى بعدها بركعتين مرددتين بين العصر
والعشاء ثم أتى بالعشاء تامة.
[المسألة 962]
إذا فاتته أربع فرائض من الصلوات الخمس ليوم واحد وجب عليه
أن يأتي بالصلوات الخمس وجرى في الترتيب على النهج المتقدم في
المسألة السابقة.
وإذا كان مسافرا أتى بالصلوات الخمس مقصورة على النهج المتقدم
في الترتيب.
وإذا جهل سفره وحضره أتى بالخمس قصرا كما في المسافر،
وأضاف إليها ظهرا وعصرا تامتين قبل المغرب، وعشاءا تامة بعدها.
[المسألة 963]
إذا فاتته خمس فرائض مرتبة ولم يعلم أيها فاتته أولا كفاه أن،
يأتي بخمس صلوات بأي منها بدأ، نعم يجب الترتيب بين الظهرين
وبين العشاء إذا كانا من يوم واحد، وكذلك إذا فاته أكثر من
خمس فرائض مترتبة فيكفيه أن يأتي بالصلوات الفائتة كيف شاء
ولا يجب عليه الترتيب إلا في الظهرين والعشاءين إذا كانا من يوم
واحد.
[المسألة 964]
إذا فاتته صلاة معينة عدة أيام ولم يعلم بعددها وجب عليه أن
يقضي ما علم فوته من عدد تلك الفريضة، فيكتفي بالأقل، وكذلك
إذا فاتته صلوات مختلفة ولم يعلم بعددها وقد تقدم أن الأظهر عدم
وجوب الترتيب فلا يجب عليه التكرار إذا جهله.
[المسألة 965]
وجوب القضاء موسع فيجوز للمكلف التأخير فيه إذا لم يؤد ذلك إلى
التسامح في أداء الواجب والتهاون بأمر الله.
553

[المسألة 966]
يجوز لمن اشتغلت ذمته بقضاء فائتة أو فوائت أن يصلي الفريضة
الحاضرة في أول وقتها، والأحوط استحبابا أن يقدم الفائتة، وقد
تقدم أنه يستحب لمن شرع في الحاضرة وتذكر أن عليه فائتة أن يعدل
بنيته إلى الفائتة ما لم يتجاوز محل العدول، أو لم يخف فوت فضيلة
الحاضرة.
[المسألة 967]
يجوز لمن اشتغلت ذمته بفوائت سابقة ثم فاتت منه صلاة اليوم
الحاضر، أن يقدم قضاء فائتة اليوم على الفوائت وعلى الصلاة
الأدائية بل هو الأحوط استحبابا ويكتفي بها بناء على المختار من عدم
وجوب الترتيب بين الفوائت في القضاء.
[المسألة 968]
الأحوط استحبابا لمن احتمل اشتغال ذمته ببعض الفوائت أو احتمل
وجود خلل في بعض صلواته الماضية أن يأتي بها قضاءا حتى يعلم
بفراغ ذمته.
[المسألة 969]
يجوز لمن اشتغلت ذمته بقضاء بعض الفرائض أن يأتي بالنوافل،
ويجوز لمن دخل عليه وقت الفريضة أن يصلي النافلة قبلها، سواء
كانت من الرواتب أم من غيرها.
[المسألة 970]
تجب المباشرة في قضاء الفوائت من المكلف نفسه، فلا تجوز له
الاستنابة فيه ما دام حيا، وإن عجز عن القضاء، ولا يجزي التبرع
من الآخرين.
[المسألة 971]
تجوز القدوة في صلاة القضاء، فيجوز لمصلي القضاء أن يأتم بمصلي
554

الأداء وبمصلي القضاء، ويجوز لمصلي الأداء أن يأتم بمصلي القضاء
وإن لم تتحد الفريضة بينهما.
نعم يشترط أن يعلم بأن المكلف مشغول الذمة بالفائتة، فإذا صلاها
الإمام احتياطا فالحكم بجواز القدوة فيها مشكل بل ممنوع.
[المسألة 972]
إذا طرأ للمكلف بعض الأعذار في صلاته كالمتيمم والمسلوس والمبطون
والمصلي جالسا ونحوهم، فالأحوط له تأخير قضاء الفائتة إلى وقت
ارتفاع العذر، وإذا علم بعدم ارتفاع العذر إلى آخر عمره جاز له
أن يأتي بالقضاء. وإذا انكشف له الخلاف فزال عذره وتمكن من
الاتيان بالصلاة التامة كانت عليه إعادة القضاء على الأحوط بل على
الأقوى.
[المسألة 973]
يستحب تمرين الطفل المميز على تأدية الواجبات والنوافل وعلى
قضاء الصلاة إذا فاتت منه في أوقاتها، ويستحب تمرينه على العبادات
الأخرى من الصيام وغيره مع تمكنه.
[المسألة 974]
الأقوى شرعية عبادة الطفل، ونتيجة لذلك، فإذا أدى الصلاة في
الوقت ثم بلغ الحلم بعد ذلك والوقت باق أجزأته صلاته التي أتى بها
ولم تجب عليه إعادتها، وإذا صلى على الميت صحت صلاته إذا كانت
جامعة للشرائط ولما يعتبر فيها وسقط بها الوجوب عن المكلفين.
[المسألة 975]
يجب على ولي الصغير حفظه عن كل ما فيه ضرر عليه أو على غيره
من الناس، ويجب منعه عن الأمور التي علم من الشارع إرادة عدم
وقوعه من أحد وإن كان صبيا كالزنا واللواط وشرب الخمر والغيبة
والنميمة والغناء ونحوها من المفاسد.
555

وقد تقدم في المسألة المائة والرابعة والسبعين من كتاب الطهارة ما
يتعلق بمنع الأطفال عن تناول النجاسات والمتنجسات، وتقدم في شرائط
لباس المصلي أنه يجوز للصبي لبس الحرير والذهب، ولا يحرم على
وليه أن يلبسه إياهما، ولكن لا تصح صلاة الصبي المميز فيهما على
الأحوط، بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 976]
يجب على ولي الميت أن يقضي عنه ما فاته من الصلوات الواجبة،
سواء كان الميت الميت رجلا أم امرأة على الأحوط فيها، وسواء كان حرا أم
عبدا، وسواء كان فوت الصلاة منه لعذر أم لغير عذر على الأقوى إذا
لم يكن ترك الميت للصلاة على وجه العناد وعدم المبالاة، فلا يجب
القضاء على الولي مع ذلك.
ويجب عليه أن يقضي ما فات الميت من الصوم، فما فات منه في
السفر يجب على الولي قضاؤه سواء تمكن الميت من قضائه في حياته أم
لا، وما فات منه لمرض، فإن تمكن الميت من قضائه قبل موته ولم يقضه
وجب على الولي قضاؤه من بعده، وإن لم يتمكن الميت من قضائه في
حياته لم يجب على الولي من بعده وكذلك الحكم في ما فات المرأة لحيض
أو نفاس، فيجب على الولي قضاء ما تمكنت هي من قضائه ولم تقضه
دون ما لم تتمكن من قضائه وقد بينا ذلك في قضاء الصوم.
[المسألة 977]
ولي الميت الذي يجب عليه قضاء ما فات من صلاته هو أولى الناس
بميراثه من الذكور، فإذا تعدد الذكور الذين هم أولى بالميت وبميراثه،
فالولي هو أكبرهم سنا، ولا يختص بالولد الأكبر على الأقوى،
ولا يختص الميت الذي يجب القضاء عنه بالأبوين.
[المسألة 978]
الواجب على الولي هو قضاء ما فات الميت من صلاة نفسه، فلا يجب
عليه أن يقضي عن الميت ما وجب عليه بالإجارة أو بسبب كونه وليا
556

لميت آخر، والظاهر أنه يجب على الولي أن يقضي ما فات الميت من
صلاة النذر الموقت إذا فات وقتها ولم يصلها.
[المسألة 979]
لا فرق في الحكم بين طبقات الوارث، فمن كان من الذكور أولى
بميراث الميت من غيره كان هو الولي ووجب عليه القضاء، وإذا تعددوا
وجب على الأكبر منهم كما تقدم، سواء كان ولدا أم ولد ولد، أم أخا
أم عما أم غيرهم.
[المسألة 980]
إذا مات ولي الميت بعده لم ينتقل الحكم إلى الأكبر من بعد الولي،
فلا يجب عليه قضاء ما فات الميت الأول.
[المسألة 981]
إذا كان ولي الميت صبيا لم يبلغ الحلم أو كان مجنونا، لم يسقط
وجوب القضاء عليه بذلك، فيجب القضاء على الطفل إذا بلغ، وعلى
المجنون إذا أفاق، وإذا مات قبل البلوغ، أو قبل الإفاقة من الجنون
لم يجب القضاء عن الميت على الأكبر بعده.
[المسألة 982]
الولي هو أكبر الورثة الذكور سنا، وإن سبقه الوارث الآخر
بالبلوغ.
[المسألة 983]
إذا كان الشخص هو أولى الناس بميراث الميت في نفسه وكان ذكرا
أو أكبر الذكور، ولكنه ممنوع من الإرث لأنه قاتل، أو مملوك أو
كافر، لم تزل بذلك ولايته ولم يسقط وجوب القضاء عنه.
[المسألة 984]
إذا تساوى الولدان في السن وجب القضاء عليهما وجوبا كفائيا
سواء أمكن تقسيط الواجب عليهما أم لم يمكن، وكذلك على الأحوط
557

إذا اشتبه الأكبر بين شخصين أو أشخاص ولم يعلم به على التعيين،
فيعمل ظاهرا على نحو الوجوب الكفائي.
[المسألة 985]
الأكبر سنا هو من سبقت ولادته لا من سبق انعقاد نطفته فإذا كان
للرجل ولدان من زوجتين وكان أحد الولدين أسبق حملا من أخيه،
وكان الثاني أسبق ولادة منه فولي الرجل هو الثاني لا الأول، وإذا
ولد له توأمان، فوليه أولهما ولادة.
[المسألة 986]
يسقط القضاء عن الولي إذا تبرع بالقضاء عن الميت متبرع فأتى
بالقضاء وكان عمله صحيحا، ولو ببركة أصالة الصحة، ويسقط عنه
القضاء كذلك إذا استؤجر عن الميت من يصلي عنه الفوائت التي وجبت
عليه وأتي الأجير بالعمل صحيحا، ولو ببركة أصالة الصحة، وإذا لم
يأت الأجير أو المتبرع بالعمل أو علم بعدم صحة عمله لم يسقط الوجوب
عن الولي.
[المسألة 987]
لا يجب على الولي أن يباشر القضاء عن الميت بنفسه، فيصح له أن
يستأجر من يأتي بالقضاء وتكون أجرة الأجير في مال الولي نفسه لا في
مال الميت.
[المسألة 988]
إذا استأجر أحدا للاتيان بالعمل فعلى الأجير أن يقصد النيابة عن
الميت في الاتيان بالقضاء عنه لا عن الولي الذي استأجره وإن وجب
عليه الفعل أيضا.
[المسألة 989]
لا يجب الترتيب في قضاء الصلوات عن الميت كما تقدم في قضاء
المكلف عن نفسه، إلا في الظهرين وفي العشاءين إذا كانا من يوم واحد،
فلا يجب التكرار إذا جهل الترتيب.
558

[المسألة 990]
يجب على الولي الجهر في قضاء الصلاة الجهرية وإن كان القضاء عن
امرأة.
[المسألة 991]
يجب على الولي في قضائه عن الميت أن يراعي تكليف نفسه بحسب
اجتهاده أو تقليده وإن خالف اجتهاد الميت أو تقليده، سواء كان في
أحكام الشك والسهو أم في أجزاء الصلاة وشرائطها، وسواء كان في
مذهب الميت في المسألة أم لا.
[المسألة 992]
إذا شك الولي في فوت الفرائض عن الميت وعدمه لم يجب عليه
القضاء، وإذا علم بفوتها وتردد في عددها بين الأقل والأكثر وجب
عليه قضاء الأقل
[المسألة 993]
إذا أخبر الميت نفسه بأن عليه فوائت يجب عليه قضاؤها كفى ذلك
في وجوب القضاء على الولي على الأحوط.
[المسألة 994]
إذا دخل وقت الفريضة ومضى على المكلف مقدار ما يؤديها ولم يصلها
ثم مات في أثناء الوقت وجب على الولي أن يؤديها عنه، والأحوط له
أن يأتي بها قبل خروج وقتها وأن يقصد بها امتثال الأمر الفعلي بها
ولا ينوي بها القضاء المعهود إلا إذا أتى بها بعد الوقت.
[المسألة 995]
إذا كانت على الميت فوائت من صلاة وصوم ولم يكن له ولي أو كان
له ولي، ومات قبل أن يقضي الفوائت التي على الميت، أو كان له ولي وقضى
عنه ثم تبين للورثة بطلان ما أتى به الولي من القضاء لم يجب الاستيجار
من تركة الميت، وإنما يجب الاستيجار من التركة مع الوصية من الميت
بذلك فتخرج من الثلث، وإذا أوصى الميت بذلك فاستؤجر أحد لذلك
559

عملا بالوصية لم يسقط وجوب القضاء عن الولي إلا إذا أتى الأجير
بالعمل صحيحا، كما تقدم.
[المسألة 996]
يجب القضاء على الولي وإن كان مشغول الذمة بفوائت لنفسه أو
لغيره ويتخير في تقديم ما شاء منها.
[المسألة 997]
وجوب القضاء على الولي موسع، فلا يجب عليه الفور في ذلك وإن
كانت المبادرة أحوط استحبابا.
[الفصل الثامن والثلاثون]
[في صلاة الاستئجار]
[المسألة 998]
يجوز التبرع من الآخرين بقضاء الصلاة والعبادات التي وجبت على
الميت في حياته، ومات ولم يؤدها في وقتها، ولم يقضها بعد الوقت،
وكانت مما يقضي، وتبرأ ذمة الميت بذلك إذا أتى به المتبرع صحيحا،
ويجوز التبرع عن الميت بالمستحبات، ويجوز الاتيان بالأعمال المستحبة
كالحج المندوب والزيارة والصلاة والصوم المندوبين، واهداء ثوابها
للأموات أو للأحياء، وتجوز النيابة عن الأحياء في بعض المستحبات.
ولا يجوز التبرع ولا الاستئجار في الواجبات عن الأحياء، وإن
عجزوا عن الاتيان بها، ويستثنى من ذلك الحج الواجب، فإذا استطاع
المكلف بحسب المال وعجز عن المباشرة لهرم أو مرض لا يرجى زواله
وجب عليه أن يستأجر من يحج عنه.
[المسألة 999]
يجوز الاستئجار لقضاء الصلوات الفائتة عن الأموات ولقضاء سائر
العبادات، من صوم وحج، وتبرأ ذمة الميت المنوب عنه إذا أتى الأجير
بالعمل صحيحا سواء كان المستأجر وصيا للميت أم وراثا له أم أجنبيا
عنه.
560

[المسألة 1000]
مرجع النيابة في كل من المتبرع والأجير إلى أن يقوم هذا النائب بما
وجب على الميت بدلا عنه، ويحتاج ذلك إلى أن يضيف النائب عمله إلى
المنوب عنه ليكون وافيا بمصلحة الفعل الواجب على المنوب عنه ويكون
ذلك مصححا للبدلية عنه، وهذا هو المقدار المستفاد من أدلة النيابة
ولا أثر في الأدلة لتنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه أو تنزيل عمل
نفسه منزلة عمله.
[المسألة 1001]
يشترط في الأجير أن يكون عاقلا، وأن يكون مؤمنا، فلا تصح
إجارة المجنون إلا إذا كان جنونه أدوارا وكانت الإجارة والعمل في دور
إفاقته، ولا تصح إجارة غير المؤمن وإن أتى بالعمل موافقا لمذهب أهل
الحق، ويشترط فيه أن يكون بالغا على الأحوط، بل لا يخلو من قوة،
ويشترط فيه أن يكون عارفا بأحكام الصلاة والقضاء بحيث يأتي
بالعمل صحيحا.
[المسألة 1002]
لا تشترط العدالة في الأجير، فيكفي الاطمئنان بالأداء وإذا أتى
بالعمل، وشك في صحة عمله بنى على الصحة وإن لم يكن عادلا.
[المسألة 1003]
قد ذكرنا أن مقتضى أدلة النيابة أن عمل النائب إذا أضافه إلى
الشخص المنوب عنه يكون وافيا بمصلحة الفعل الواجب على المنوب
ويقع بدلا عنه، ولذلك فيمكنه أن يقصد به التقرب ويقع فعله مقربا
للمنوب عنه، وموجبا لاستحقاقه المثوبة عليه، ولا يكون مقربا للنائب
سواء كان أجيرا أم متبرعا، إلا إذا قصد التقرب إلى الله بالاحسان إلى
المنوب عنه بتفريغ ذمته من التكليف.
[المسألة 1004]
من اشتغلت ذمته ببعض الفوائت الواجبة من صلاة أو صوم تجب
عليه المبادرة إلى قضاء ما عليه إذا ظهرت له أمارات الموت، فإذا عجز
561

عن القضاء وجبت عليه الوصية به، فإذا أوصى به وجبت على الوصي
والوارث اخراجه من الثلث، وإذا لم يوص به لم يجب عليهم اخراجه.
وإذا كان عليه ديون مالية من زكاة أو خمس أو رد مظالم، أو
كفارات أو فدية صوم شهر رمضان أو ديون للناس وجب عليه الفور
في تأديتها ولم يجز له التأخير، فإذا عجز عن الوفاء وجبت عليه الوصية
إلى ثقة مأمون ليخرجها بعد موته، ومخرج هذه الديون من أصل التركة
سواء أوصى بها أم لم يوص، ومن هذا القسم الأخير الحج، سواء كان
واجبا بالأصل أم بالنذر.
[المسألة 1005]
إذا أخبر الميت بواجبات مالية عليه، كفى ذلك في وجوب اخراجها
من أصل التركة إذا اجتمعت شرائط نفوذ الاقرار ومنها انتفاء التهمة.
[المسألة 1006]
إذا أوصى الميت بصلاة أو صوم ولم تكن له تركة لم يجب على وصيه
أو وارثه اخراج ذلك من ماله، نعم يجب قضاء ذلك على الولي كما
تقدم في الفصل السابق وإن لم يوص به الميت.
[المسألة 1007]
إذا أوصى الميت بواجب وجب عليه من باب الاحتياط اللازم، فإن
كان الاحتياط واجبا عند الورثة أيضا وكان الموصى به حجا أو واجبا
ماليا وجب اخراجه من الأصل، وإن كان واجبا بدنيا كالصلاة والصيام
أو كان الاحتياط مستحبا ولو عند الورثة وجب اخراجه من الثلث.
[المسألة 1008]
إذا أجر الرجل نفسه لقضاء صلاة أو صوم ونحوهما ومات قبل
القيام بالعمل، فإن كان متعلق الإجارة هو أن يباشر الأجير العمل
بنفسه أو كان ظاهر الإجارة ذلك وإن لم تشترط عليه المباشرة صريحا،
بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه من العمل، وأصبح مال الإجارة
دينا في ذمته إذا كان قد قبضه، فيجب اخراجه من أصل التركة.
562

ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الإجارة على الحج فمات بعد الاحرام
ودخول الحرم، فالظاهر صحة حجه وفراغ ذمة المنوب عنه، وفي
استحقاقه لمال الإجارة تفصيل ذكرناه في فصل الحج النيابي من كتاب
الحج.
وإن لم تشترط عليه المباشرة، وجب الاستئجار للعمل من أصل
تركته، فإن لم تكن تركة لم يجب على الورثة، ويجوز لهم ولغيرهم
التبرع بالعمل أو الاستئجار له من الزكاة.
[المسألة 1009]
لا يجوز للوصي أو الوارث أن يستأجر للصلاة عن الميت أحدا من
أهل الأعذار، كالعاجز عن القيام، والمتيمم، والمسلوس، والمبطون،
وصاحب الجبيرة، وأمثالهم من أهل الاضطرار، ولا يكفي عملهم إذا
تبرعوا عن الميت بالقضاء، وإن كان الميت من أهل الأعذار أيضا لما
فاتته الصلاة.
وهذا إذا كان المقصود أن يباشر الأجير القضاء بنفسه، وأما إذا
لم تشترط المباشرة فتصح الإجارة وعلى الأجير المعذور أن يستأجر غيره
من القادرين للقيام بالقضاء.
[المسألة 1010]
إذا استأجر الوصي شخصا قادرا على القضاء، فأصبح من أهل
الأعذار وجب عليه التأخير في القضاء إلى أن يرتفع عنه العذر، فإذا
يئس من زوال العذر أو علم بعدم زواله وقد اشترطت عليه مباشرة
العمل بنفسه انفسخت الإجارة، وإذا لم تشترط عليه المباشرة وجب
عليه استئجار غيره من القادرين على العمل كما تقدم.
[المسألة 1011]
إذا اشترط عليه في عقد الإجارة أن يأتي بالقضاء على وفق تكليف
الميت باجتهاده أو تقليده، أو على وفق تكليف المستأجر أو النائب،
وجب على الأجير أن يأتي بالعمل على وفق الشرط، فإذا خالفه لم يستحق
الأجرة وكذلك الحكم إذا دلت القرائن على إرادة شئ من ذلك.
563

وإذا أطلقت الإجارة ولم تعين القرائن شيئا من ذلك، فالظاهر أن
يكون العمل على وفق تكليف الأجير، فتجب عليه ملاحظة تكليف نفسه
اجتهادا أو تقليدا، ويستحق الأجرة بذلك سواء وقعت الإجارة على
الصلاة الصحيحة أم على تفريغ ذمة الميت من التكليف، وإذا أتى الأجير
بالعمل موافقا لتكليفه وكان باطلا باعتقاد الولي أو الوصي، لم يجز
لهما الاكتفاء به ووجب عليهما إعادة العمل مباشرة أو استئجارا.
[المسألة 1012]
إذا عرض للأجير في صلاته عن الميت شك أو سهو، فعليه أن يعمل
بمقتضى تقليده أو اجتهاده في الشك أو السهو، ولا تجب عليه إعادة
الصلاة إلا إذا اشترط عليه في عقد الإجارة أن يعيد الصلاة مع الشك
والسهو، أو أن يعمل على رأي خاص في ذلك فيعمل على وفق الشرط،
والأحوط الجمع في هذه الصورة، بل لا يخلو من قوة.
[المسألة 1013]
يجوز أن يستأجر الرجل للقضاء عن المرأة، وأن تستأجر المرأة
للقضاء عن الرجل ويعمل الأجير في صلاته وفق تكليف نفسه، فيجب
على الرجل أن يجهر في القراءة في الصلاة الجهرية وإن كان نائبا عن
المرأة، وتتخير المرأة فيها بين الجهر والاخفات وإن كانت نائبة عن
الرجل.
[المسألة 1014]
يجوز أن يؤتى بصلاة الاستئجار جماعة وفرادى سواء كان الأجير
إماما أم مأموما، نعم يشترط في صحة القدوة به إذا كان إماما أن يعلم
بأن الميت المنوب عنه مشغول الذمة بالصلاة، فلا تصح القدوة إذا كانت
الصلاة احتياطية.
[المسألة 1015]
لا يجب الترتيب في قضاء الصلاة عن الميت كما تقدم في قضاء الولي،
سواء كان الميت عالما بترتيب الفوائت أم لا، إلا في الفريضتين المترتبتين
564

في أدائهما كالظهرين والعشاءين إذا كانتا من يوم واحد، نعم يجب
الترتيب على الأجير إذا اشترط عليه ذلك في عقد الإجارة.
[المسألة 1016]
إذا استؤجر جماعة للقضاء عن ميت واحد، صح لكل واحد منهم
مع اطلاق عقد الإجارة أن يقضي ما استؤجر عليه من الفوائت، أو
ما لحقه عند تقسيم العمل بينه وبين شركائه في الإجارة، ولا يجب
الترتيب بينهم إلا في الظهرين أو العشاءين من يوم واحد، فتجب
ملاحظة ذلك بينهم، ويجب الترتيب بينهم إذا اشترط عليهم ذلك في
عقد الإجارة كما ذكرنا، وحينئذ، فلا بد من تعيين الوقت لكل واحد
منهم، وتعيين الفريضة التي يبتدئ فيها بدوره، والفريضة التي بها
يختم، والملاحظة لذلك بينهم حتى يحصل الترتيب المطلوب.
[المسألة 1017]
لا تبرأ ذمة الميت المنوب عنه من الصلاة الواجبة حتى يأتي الأجير
بالعمل صحيحا فإذا علم بأن الأجير لم يأت بالعمل، أو علم بعدم صحة
عمله الذي أتى به وجب الاستئجار ثانيا.
فإذا لم يمكن استرجاع مال الإجارة، أو لم يصح استرداده كان
الاستيجار الثاني من مال المستأجر إذا كان مفرطا في العقد الأول، ومن
مال الميت مع عدم التفريط.
[المسألة 1018]
إذا أخبر الأجير بأنه قد أتى بالعمل صحيحا، وكان قوله موجبا
للاطمئنان بذلك، قبل قوله، ويشكل قبوله إذا لم يكن موجبا للاطمئنان،
وإذا علم باتيانه بالعمل أو اطمئن به وشك في صحة العمل حمل عليها،
سواء كان في الوقت المعين للقضاء في عقد الإجارة أم بعده.
وإذا مات الأجير قبل انقضاء المدة المعينة لذلك، فلا بد من الاستئجار
لمقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل.
565

[المسألة 1019]
إذا استؤجر الأجير للاتيان بالقضاء بنفسه، لم يجز له أن يستأجر
غيره للعمل إلا إذا أذن له المستأجر بذلك، وإذا استؤجر لتحصيل العمل
المعين، سواء كان بمباشرته بنفسه، أم باستئجار غيره، جاز له أن
يستأجر غيره ممن يقوم بالعمل، وليس له أن يستأجره بأقل من الأجرة
التي جعلت له في عقد الإجارة، إلا إذا أتى ببعض العمل، أو كانت
الأجرة الثانية من غير جنس الأجرة الأولى.
[المسألة 1020]
إذا تبرع أحد عن الميت فقضى ما فاته من الصلاة قبل أن يأتي بها
الأجير، فإن كانت الإجارة واقعة على تفريغ ذمة الميت من الواجب
انفسخت بذلك، لحصول فراغ ذمة الميت ظاهرا بعمل المتبرع، فيرجع
المستأجر عليه بالأجرة كلها إذا كان قد قبضها، أو ببقيتها إذا كان
قد أتى ببعض العمل قبل الانفساخ، وإذا كانت الإجارة واقعة على
الاتيان بالعمل الصحيح لم تنفسخ بذلك، ولو لاحتمال عدم فراغ ذمة
الميت واقعا بعمل المتبرع.
[المسألة 1021]
إذا تبرع أحد عن الأجير فقضى عنه الصلوات التي استؤجر عليها،
فإن لم تشترط عليه المباشرة بنفسه في القضاء استحق مال الإجارة
بعمل المتبرع، وإذا اشترط عليه ذلك لم يستحق منه شيئا.
[المسألة 1022]
إذا أتم الأجير عمله ثم تبين بطلان عقد الإجارة استحق بعمله أجرة
المثل، وكذلك الحكم إذا فسخت الإجارة بعد العمل لغبن أو غيره من
موجبات خيار الفسخ.
[المسألة 1023]
إذا اشترط على الأجير أن يأتي بالعمل كله في مدة معينة، وانقضى
الوقت، ولم يأت بالعمل أو أتى ببعضه وبقي بعض، لم يجز للأجير
أن يأتي به بعد الوقت المحدد إلا بإذن من المستأجر وإذا أتى بالعمل
566

بعد المدة المضروبة ولم يستأذن من المستأجر برئت ذمة الميت ولم يستحق
الأجير الأجرة.
[المسألة 1024]
إذا تردد الوصي أو الوارث في الصلوات الفائتة من الميت بين الأقل
والأكثر، جاز له الاقتصار بالإجارة على الأقل، ومثال ذلك أن يتردد
في أن الفائت من صلاته اليومية، صلاة شهر واحد أو شهرين مثلا،
فله أن يستأجر أحدا لصلاة شهر واحد، وإذا تردد في الصلاة الفائتة
بين المتباينين وجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما، ومثال ذلك أن
يشك في أن الصلاة الفائتة من الميت صلاة سفر أم حضر، فيجب عليه
الاستئجار لهما معا، فإذا كان الفائت صلاة شهر مثلا، فعليه أن يستأجر
لقضاء صلاة شهر سفرا ولقضاء صلاة شهر حضرا، ومن المعلوم أن
وجوب الجمع إنما هو في الصلاة المقصورة.
وكذلك الحكم إذا تردد الأجير في الصلاة التي وجبت عليه بالإجارة
ولم يمكنه الاستعلام، فإن تردد في عددها بين الأقل والأكثر جاز له أن
يقتصر في القضاء على الأقل، وإذا تردد بين المتباينين كما إذا شك في
أن صلاة الشهر التي استؤجر عليها هي صلاة سفر أم حضر وجب عليه
الاحتياط بالجمع.
[المسألة 1025]
يجب على الأجير في نية العمل أن يعين الشخص الذي ينوب عنه في
القضاء، ويكفي التعيين على وجه الاجمال كأن ينوي الصلاة عمن
استؤجر للقضاء عنه أو عن صاحب المال، ونحو ذلك، وكذلك الحكم
في المتبرع.
[المسألة 1026]
إذا أطلق عقد الإجارة ولم يعين فيه شئ من حيث اشتمال العمل
على المستحبات، وجب على الأجير أن يأتي بالعمل على النحو المتعارف
في ذلك.
567

[المسألة 1027]
إذا نسي الأجير بعض المستحبات التي اشترطت عليه أو التي يقتضيها
الاطلاق أو نسي بعض الواجبات غير الأركان، فللمسألة صور تختلف
أحكامها.
(الصورة الأولى): أن تكون الإجارة مطلقة غير مقيدة بشئ، ولا ريب،
في أن متعلقها عند الاطلاق ينصرف إلى العمل الصحيح وإلى الوجه
المتعارف من المستحبات، فإذا نسي الأجير جزءا غير ركن، لم يؤثر
ذلك في استحقاق الأجرة إذا هو أتى بالعمل على الوجه الصحيح، فتدارك
الجزء المنسي إذا كان مما يتدارك، وسجد له إذا كان نسيانه يوجب
سجود السهو، وإذا نسي مستحبا لم يؤثر شيئا كذلك.
(الصورة الثانية): أن تؤخذ المستحبات في العمل والأجزاء غير
الركنية أجزاء صريحة في متعلق الإجارة ولا ريب في تقسيط الأجرة
عليها في هذه الصورة، فإذا نسي الأجير منها شيئا نقص من أجرته
بنسبة ذلك الجزء إلى المجموع.
(الصورة الثالثة): أن يؤخذ الاتيان بالمستحبات والأجزاء غير
الركنية شرطا في متعلق الإجارة، فإذا نسي الأجير منها شيئا لم ينقص
من الأجرة شئ وكان للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط.
(الصورة الرابعة): أن تكون الإجارة على تفريغ ذمة الميت من
التكليف مع شرط الاتيان بالمستحبات والأجزاء غير الركنية، والحكم
فيها كما تقدم في الصورة الثالثة، فيكون للمستأجر خيار تخلف الشرط
فإذا هو لم يفسخ كان للأجير تمام الأجرة.
[الفصل التاسع والثلاثون]
[في صلاة الجماعة وشرائطها]
[المسألة 1028]
تكثرت الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجماعة والحث عليه حثا
بالغا، ومضاعفة الثواب على حضورها، والذم الشديد على تركها،
568

واستحبابها شامل لجميع الفرائض، ويتأكد الاستحباب في الصلاة اليومية
وفي الأدائية منها، وفي صلاة الصبح والعشاءين على الخصوص.
وفضلها الذي ذكرته الأحاديث المشار إليها يتضاعف بمضاعفة فضل
الموضع الذي تقام فيه، والإمام الذي يؤتم به، والجماعة الذين يأتمون،
وكل ذلك مما لا ريب فيه.
[المسألة 1029]
تجب الجماعة في صلاة الجمعة وفي صلاة العيدين إذا اجتمعت فيهما
شرائط الوجوب. والجماعة حينئذ أحد شرائط الصحة فيهما، ولا تجب
في أصل الشريعة في غير هذين الموضعين.
[المسألة 1030]
من لا يحسن القراءة الواجبة في الصلاة إذا كان قادرا على تعلم
القراءة ولكن الوقت ضاق عن ذلك، فالأحوط له لزوم الايتمام، وإن
عجز عن التعلم أصلا لم يجب عليه الايتمام، وقد تقدم تفصيل حكمه
في الفصل الثامن عشر في القراءة.
[المسألة 1031]
إذا نذر الانسان أن يأتي بالفريضة جماعة انعقد نذره ووجب عليه
الوفاء به فإذا خالف النذر عامدا وصلى منفردا بطلت صلاته على الظاهر
ووجبت عليه كفارة النذر.
وتجب الجماعة أيضا بالعهد أو اليمين عليها، وتجب على الوسواسي
إذا توقف عليها ترك وسوسته في الصلاة، وتجب على الولد إذا أمره بها
أحد والديه وكان الأمر عن شفقة على الولد، أو كان في المخالفة ايذاءا
لهما.
[المسألة 1032]
لا تجوز صلاة الجماعة في النوافل الأصلية وإن أوجبها الانسان على
نفسه بنذر وشبهه، حتى صلاة الغدير على الأقوى، وتستثنى من ذلك
صلاة الاستسقاء فتستحب فيها الجماعة، وتجوز في الفريضة إذا أتى
569

بها الانسان منفردا وأراد إعادتها جماعة، وفي الفريضة التي يتبرع
بها الانسان عن غيره، وتصح الجماعة كذلك في صلاة العيد إذا لم
تجتمع فيها شرائط الوجوب كما يصح أن يأتي بها منفردا.
[المسألة 1033]
تصح القدوة في الصلاة اليومية وإن اختلفت صلاة الإمام مع صلاة
المأموم في الجهر والاخفات وفي القصر والتمام وفي الأداء والقضاء،
فيجوز للمأموم الذي يصلي الصبح مثلا أن يقتدي بإمام يصلي الظهر
أو غيرها من الصلوات، وبالعكس، وإن كانتا مختلفتين في الجهر
والاخفات وفي الأداء والقضاء ويجوز للمسافر أن يقتدي بالحاضر،
وبالعكس.
[المسألة 1034]
إذا أدى الانسان فريضة الوقت منفردا استحب له أن يعيدها في
الوقت جماعة سواء كان في إعادتها إماما أم مأموما، فيجوز له أن يقتدي
في تلك الصلاة المعادة بغيره سواء كان إمامه مبتدئا للصلاة أم معيدا
أيضا، ويجوز لغيره أن يقتدي به في تلك الصلاة المعادة سواء كان المأموم
مبتدئا للصلاة أم معيدا.
[المسألة 1035]
إذا أراد المكلف إعادة صلاته احتياطا، صح له أن يقتدي في إعادته
بإمام يصلي الفريضة وجوبا، سواء كان الاحتياط الذي أعاد المأموم
من أجله الصلاة واجبا أم مستحبا. وإذا كان الإمام هو الذي
يريد إعادة صلاته احتياطا، فيشكل جواز القدوة به في تلك الصلاة
سواء كان المأموم يصلي وجوبا أم يعيد صلاته احتياطا، سواء كان
الاحتياط للإمام أو للمأموم وجوبيا أم استحبابيا، بل وإن كان احتياط
الإمام والمأموم من جهة واحدة.
ويستثنى من ذلك ما إذا صليا جماعة فعرضت لهما معا في صلاتهما
بعض العوارض المشتركة وأعادا صلاتهما لذلك، فتصح القدوة في
صلاتهما المعادة.
570

[المسألة 1036]
لا تصح القدوة في الصلاة اليومية بصلاة الاحتياط التي تجب في
الشكوك، فإذا عرض للمكلف شك أوجب عليه صلاة ركعة أو ركعتين
للاحتياط، وقام بعد التسليم ليأتي بها، فلا يجوز لغيره أن يقتدي به
في هذه الصلاة، ولا يجوز للشاك نفسه أن يقتدي في صلاة الاحتياط
بإمام يصلي فريضة، ولا يجوز له أن يقتدي في صلاة الاحتياط
بإمام يصلي صلاة الاحتياط، ومثال ذلك أن يشك كل من الرجلين في صلاته،
فيقوم أحدهما ليصلي الاحتياط الذي وجب عليه لشكه، ويقوم الآخر
ليقتدي به في احتياطه أيضا، فلا يجوز ذلك وإن كان احتياطهما متماثلا،
أو كانا متحدين في الشك.
ويستثنى من ذلك ما إذا اتحد الإمام والمأموم في أصل الصلاة، وشكا
فيها شكا واحدا، فكان الشك مشتركا بينهما، ومثال ذلك أن يكونا
معا في صلاة رباعية، فيشكان معا في صلاتهما بين الثلاث والأربع مثلا،
فإذا بنيا على الأربع - كما هو الحكم في هذا الشك - وأتما صلاتهما
وقام الإمام ليأتي بركعة الاحتياط، جاز للمأموم أن يقتدي به فيها،
وقد تقدم ذلك في المسألة الثمانمائة والثلاثين.
[المسألة 1037]
تشكل صحة الاقتداء لمأموم يصلي إحدى الفرائض اليومية أداء أو
قضاء بإمام يصلي صلاة الطواف، والمأموم يصلي صلاة الطواف بإمام
يصلي فريضة يومية، والأحوط الترك في الصورتين، بل الأحوط
الترك أن يقتدي في صلاة الطواف بمثلها.
[المسألة 1038]
لا يقتدي من يصلي اليومية بإمام يصلي صلاة الآيات أو صلاة العيد
أو صلاة الأموات، ولا يقتدي من يصلي إحدى هذه الثلاث بإمام يصلي
اليومية، ولا بعض هؤلاء الثلاثة ببعض.
[المسألة 1039]
تنعقد صلاة الجماعة في غير الجمعة والعيدين بإمام ومأموم واحد،
571

ويصح أن يكون المأموم الواحد امرأة وصبيا مميزا على الأقوى، ولا
تنعقد في صلاة الجمعة والعيدين بأقل من خمسة رجال أحدهم الإمام.
[المسألة 1040]
تنعقد الجماعة إذا نوى المأموم الاقتداء بالإمام المعين، وإن لم ينو
الإمام الإمامة، بل وإن كان جاهلا باقتداء المأموم به، وإذا لم ينو
المأموم الائتمام لم تنعقد الجماعة، وإن تابعه في الأقوال والأفعال،
فإذا أتى في صلاته بما هو وظيفة المفرد صحت صلاته مفردا وإن أخل
بذلك بطلت صلاته.
نعم تشترط نية الإمام للإمامة في صلاة الجمعة والعيدين، والمراد
بذلك أن ينوي الصلاة المعينة التي يجعله المأمومون فيها إماما، وكذلك
في الصلاة المعادة جماعة من قبل الإمام.
[المسألة 1041]
يشترط في صلاة الجماعة وحدة الإمام، فإذا نوى المأموم الاقتداء
باثنين أو أكثر لم تصح جماعة وإذا قصد بها التشريع بطلت، وإن
لم يقصد التشريع بصلاته وأتى فيها بما هو وظيفة المنفرد صحت
صلاته منفردا.
[المسألة 1042]
يجب تعيين الإمام في النية، ويكفي التعيين الاجمالي كما إذا قصد
الايتمام بالإمام الحاضر أو بإمام هذه الجماعة، ولا يكفي أن يقتدي
بأحد هذين الشخصين أو بمن يكون أطولهما صلاة أو بأسرعهما قراءة،
إذا لم يعين ذلك قبل دخوله في الصلاة.
[المسألة 1043]
لا يجوز الاقتداء بمأموم لإمام آخر، ويصح الاقتداء بالمأموم بعد
انفراده، ومثال ذلك أن يكون مسبوقا في صلاته، أو مقيما يصلي خلف
إمام مسافر، فإذا قام المسبوق أو المتم ليتم صلاته بعد تسليم إمامه
صح للآخرين الاقتداء به.
572

[المسألة 1044]
إذا شك المكلف بعد دخوله في الصلاة في أنه نوى الايتمام أم لا،
فالأحوط له أن ينوي الانفراد ويتم صلاته منفردا، وإن علم أنه قام
بنية الدخول في الجماعة أو ظهرت عليه أحوال الايتمام كالانصات في
القراءة ونحوه.
[المسألة 1045]
إذا اعتقد المكلف أن المتقدم في الجماعة هو زيد، فنوى الايتمام به،
ثم ظهر له بعد الفراغ من الصلاة أنه عمرو، فها هنا صور:
(الصورة الأولى): أن يكون عمرو الذي ظهر أنه إمام الجماعة غير
عادل، والأحوط في هذه الصورة بطلان اقتدائه، فلا تكون صلاته
جماعة، ولكن الظاهر صحة صلاته منفردا، ولا يضر بصحة صلاته
ترك القراءة، فإنه إنما تركها سهوا باعتقاد صحة الجماعة، فتكون
صلاته صحيحة (لحديث لا تعاد) ولا يضر بها كذلك أن يزيد فيها سجدة
ونحوها للمتابعة إذا اتفق له ذلك، لعين ما تقدم.
نعم، تبطل صلاته إذا حصل منه ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا،
كما إذا زاد في صلاته ركوعا للمتابعة، أو زاد سجدتين في ركعة واحدة
للمتابعة كذلك.
وإذا تبين له ذلك وهو في أثناء الصلاة ولم يقع منه ما يبطل الصلاة
عمدا وسهوا وجب عليه أن يتم صلاته منفردا.
(الصورة الثانية): أن يكون عمرو عادلا، ولكن المأموم قد قصد
الاقتداء بزيد على وجه التقييد، بحيث كان قصده الايتمام به لا بغيره
من الأئمة وإن كانوا عدولا، ولا ينبغي الريب في بطلان اقتدائه في
هذه الصورة، وتصح منفردا إذا لم يقع منه ما يبطلها عمدا وسهوا
كما تقدم.
(الصورة الثالثة): أن عمرو عادلا أيضا، ويكون المأموم قد
قصد الايتمام بزيد لا على نحو التقييد بل على نحو تعدد المطلوب،
573

ومعنى ذلك أنه قصد الايتمام بزيد لأنه حاضر ولكنه لا يمنع من
الاقتداء بغيره إذا كان هو الإمام الحاضر، والظاهر صحة الاقتداء في
هذه الصورة.
[المسألة 1046]
إذا علم المكلفان بعد فراغهما من الصلاة أن كل واحد منهما قد نوى
الإمامة للآخر، فالظاهر صحة صلاتهما معا، إذا لم يرجع أحدهما إلى
الآخر في الشك، ولم يأت في صلاته بما يبطل صلاة المنفرد عمدا وسهوا،
وإذا انتفى أحد الشرطين المذكورين في كلتا الصلاتين بطلتا على الأحوط،
وإذا انتفى أحد الشرطين في صلاة أحدهما بطلت صلاته خاصة.
وإذا علما بعد الصلاة أن كل واحد منهما قد نوى الايتمام بالآخر،
فالأحوط لكل منهما استيناف الصلاة، وكذلك إذا شكا في ما قصداه في
نيتهما، وإن كان للصحة وجه في بعض الفروض فلا يترك الاحتياط
بالاستيناف.
[المسألة 1047]
لا يصح أن تنقل نية الاقتداء من أمام إلى أمام آخر، ويستثنى من ذلك
ما إذا عرض للإمام ما يمنعه من اتمام صلاته، كما إذا مات الإمام في
أثناء صلاته، أو جن أو أغمي عليه أو أحدث فيها أو تذكر حدثا سابقا
قبل الصلاة، فيجوز للمأمومين أن يقدموا إماما آخر يتمون معه صلاتهم،
سواء كان الإمام الجديد من المأمومين أم من غيرهم، ويجوز لهم أن يتموا
صلاتهم فرادى.
وكذلك الحكم إذا عرض للإمام ما يعجزه عن صلاة المختار، كما إذا
عجز عن القيام في صلاته، والمأمومون قادرون على ذلك، فيجوز له أن
يقدم إماما آخر أو يتموا الصلاة فرادى
[المسألة 1048]
لا يجوز للمصلي منفردا أن ينوي الايتمام في أثناء صلاته.
574

[المسألة 1049]
يجوز للمأموم أن ينقل نيته من الايتمام إلى الانفراد إذا بدا له ذلك
في أثناء الصلاة وكان في الابتداء عازما على الايتمام إلى آخر الصلاة،
وإذا قصد من أول الأمر أن يأتم في بعض الصلاة وينفرد في باقيها فصحة
ذلك له في غاية الاشكال.
وهذا في غير المأموم المسبوق، والمقيم إذا صلى خلف المسافر اللذين
يعلمان أنهما ينفردان في صلاتهما بعد تسليم الإمام.
[المسألة 1050]
إذا بدا للمأموم فنوى الانفراد بعد أن أكمل الإمام القراءة أجزأته
قراءة الإمام ولم تجب عليه إعادتها، وإذا نوى الانفراد في أثناء القراءة،
فلا يترك الاحتياط باستيناف القراءة من أولها، وأن يأتي بقراءته
بقصد القربة المطلقة.
[المسألة 1051]
إذا بدا للمأموم فنوى الانفراد عن الإمام لم يجز له العود إلى الايتمام
في صلاته تلك، وإن كان بعد نية الانفراد بلا فصل.
[المسألة 1052]
لا يضر في بقاء المأموم على الايتمام أن يتردد في الانفراد وعدمه ما لم
ينو الانفراد في صلاته بالفعل.
[المسألة 1053]
إذا شك المأموم في أنه عدل بنيته إلى الانفراد أم لم يعدل، بنى على
عدم العدول وبقاء الايتمام.
[المسألة 1054]
إذا كان الإمام أو المأموم قاصدا للقربة في صلاته ولكنه لم يقصد
القربة في الجماعة فالظاهر صحة الصلاة وصحة الجماعة، ومثال ذلك
أن يقصد المأموم بصلاته جماعة التوقي من الوسوسة في صلاته أو من
الشك فيها أو من كلفة تعلم القراءة وأمثال ذلك من الغايات فتصح
575

صلاته، وجماعته، ولكن ادراك الإمام والمأموم ثواب الجماعة لا يكون
إلا بقصد القربة في الجماعة.
نعم يشترط أن لا يكون ما يقصده من الغايات منافيا للقربة، أو
داخلا في المحرمات كالرياء والسمعة ونحوهما وقد تقدم ذلك في فصل
النية في الصلاة والوضوء.
[المسألة 1055]
إذا كان الإمام مشغولا بنافلة أو غيرها من الصلوات التي لا يجوز
فيها الاقتداء، فنوى المأموم القدوة ودخل معه فيها ساهيا أو جاهلا لم
تنعقد جماعة. فإن تنبه لذلك في أثناء صلاته من غير أن يخل بوظيفة
المنفرد، وجب عليه أن يتم صلاته منفردا وكانت صحيحة، وكذلك إذا
لم يتنبه حتى فرغ من الصلاة ولم يخل بصلاة المنفرد، وإذا أخل بوظيفة
المنفرد في صلاته كانت باطلة، سواء تنبه لذلك في أثناء الصلاة أم بعد
الفراغ منها.
[المسألة 1056]
يدرك المأموم الجماعة إذا دخل مع الإمام في صلاته في أول قيامه
للركعة أو في أثناء قراءته أو في القنوت من الركعة الثانية، أو عند
ركوع الإمام أو بعد دخوله في الركوع وقبل أن يرفع رأسه منه، وإن
كان قد أتم الذكر، فتصح قدوة المأموم إذا دخل في الصلاة في جميع هذه
الفروض وتحسب له تلك الركعة مع الإمام.
ويكفي في الفرض الأخير أن يكبر المأموم للاحرام ويصل إلى حد
الركوع والإمام لا يزال بعد في حد الركوع الشرعي، وإن كان قد رفع
رأسه قليلا من ركوعه، فالظاهر صحة قدوة المأموم بذلك وأنه قد أدرك
تلك الركعة مع الإمام، ولا يضر بذلك أن الإمام قد رفع رأسه قليلا
ما دام لم يخرج عن حد الركوع.
[المسألة 1057]
إذا لم يصل المأموم إلى حد الركوع حتى رفع الإمام رأسه عن حد
576

الركوع الشرعي لم تصح قدوة المأموم وفاتته الركعة مع الإمام، وهذا
الحكم إنما هو في الفرض الأخير وما قبله من المسألة المتقدمة.
ولا يجري في الفروض السابقة عليهما، فإذا كان المأموم قد دخل
مع الإمام في الصلاة من أول الركعة أو في أثناء القراءة أو في أثناء
القنوت من الركعة الثانية ثم سها فلم يركع مع الإمام أو منعه الزحام
فلم يركع حتى رفع الإمام رأسه من الركوع لم تبطل قدوته ولا صلاته
بذلك، فعليه أن يركع ثم يلتحق بالإمام ولو في السجود، وهذا هو
الحكم في الركعة في ابتداء الجماعة، وأما في الركعات الأخرى، فلا يضر
بقدوة المأموم تخلفه عن الإمام في الركوع إذا كان قد أدركه حال القراءة
أو التسبيح أو القنوت من الركعة، ولم يركع مع الإمام فيها سهوا أو
لعذر آخر، فإنه يركع ويلتحق به ولو في السجود، وأما إذا تخلف عنه
جالسا مثلا فلم يقم معه سهوا أو لزحام حتى فاته الركوع من الركعة
اللاحقة، فلا يترك الاحتياط باتمام الصلاة جماعة ثم إعادتها أو
بالاتمام منفردا إذا لم تفت الموالاة.
[المسألة 1058]
إذا اعتقد المأموم أنه يدرك الإمام في ركوعه فكبر وركع، وعلم
أنه لم يدركه، فعليه أن يتم ركوعه وصلاته منفردا، ثم يعيد الصلاة
على الأحوط، وإذا بقي من صلاة الإمام ركعات جاز له أن يعدل بصلاته
إلى نافلة ويلتحق بالإمام في باقي صلاته.
وإذا كبر وركع، وشك في أنه أدرك الإمام في ركوعه أم لم يدركه،
فيترك الاحتياط في أن يتم صلاته جماعة ثم يعيدها.
[المسألة 1059]
الظاهر أنه يجوز للمأموم أن يدخل في الصلاة إذا كان الإمام راكعا
وكان المأموم يحتمل أنه يدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع
احتمالا معتدا به، فإذا كبر وركع، فإن أدركه راكعا صحت صلاته،
وإن لم يدركه فعليه أن يتم ركوعه وصلاته منفردا، ويجوز له أن
577

يعدل بعد ذلك إلى النافلة ويلتحق بالجماعة في باقي الركعات. ولا
يجوز له أن يدخل في الصلاة إذا كان الاحتمال ضعيفا لا يعتد به.
[المسألة 1060]
إذا نوى المأموم الاقتداء وكبر، ورفع الإمام رأسه قبل أن يصل
المأموم إلى حد الركوع تخير بين أن ينفرد في صلاته، وأن ينتظر الإمام
إلى أن يقوم في الركعة اللاحقة فيجعلها الأولى من صلاته وإذا كان
الانتظار يوجب الخروج عن صدق الاقتداء لابطاء الإمام تعين عليه
الانفراد.
[المسألة 1061]
إذا كان الإمام في التشهد الأخير من صلاته جاز للمأموم أن يدخل
معه فينوي ويكبر للاحرام وهو قائم، ثم يجلس ويتشهد مع الإمام
بقصد القربة المطلقة، فإذا سلم الإمام قام هو لصلاته، ولم يستأنف
النية ولا التكبير، بل يقرأ ويركع حتى يتم صلاته، فينال بذلك فضل
صلاة الجماعة، وإن لم يدرك شيئا من ركعاتها.
وإذا وجد الإمام في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة،
فالأحوط له عدم الدخول مع الإمام في هذه الحالات لاضطراب الأدلة
في ذلك.
[المسألة 1062]
لا تنعقد صلاة الجماعة حتى تتحقق فيها عدة شروط.
(الأول): أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يحجبه عنه في نظر
أهل العرف، فتبطل قدوة المأموم بذلك، سواء كان الحائل ستارا أم
جدارا أم شجرة، أم أي شئ يكون حاجبا بينهما، بل وإن كان انسانا
واقفا من غير المأمومين، ولا يضر وجود الحائل القصير الذي يحجب
في بعض الأحوال لا مطلقا، كالجدار الذي يكون ارتفاعه مقدار شبر
أو نحوه، فيكون حائلا عند السجود، ولا يحول في باقي حالات الصلاة.
وكذلك يشترط عدم الحائل بين المأموم وبين المأمومين الآخرين
578

الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام، فتبطل قدوة ذلك المأموم إذا
وجد الحائل بينه وبينهم ولم يتصل بالإمام من جهة أخرى، ومثال ذلك
أن يوجد الحائل بين أهل الصف الثاني والصف الأول، أو بين بعض
المأمومين في الصف الأول ومن هم في صفهم من جهة الإمام، ولا يضر
وجود الحائل إذا منع المأموم من اتصاله بالإمام من جهة وكان متصلا
به من جهة أخرى، ومثال ذلك أن يوجد الحائل بين بعض المأمومين في
الصف الثاني ومن يتقدمهم في الصف الأول فلا يضرهم ذلك إذا كانوا
يتصلون بالإمام بواسطة المأمومين الذين في صفهم.
[المسألة 1063]
الحائل الذي يمنع من انعقاد الجماعة، ويبطلها إذا حدث في الأثناء،
هو الذي يحجب الإمام عن المأموم أو يحجب عنه المأمومين الذين يكونون
واسطة اتصاله بالإمام، سواء استمر وجود الحائل مدة الصلاة أم حدث
في فترة من الصلاة ثم زال.
[المسألة 1064]
لا يعتبر هذا الشرط في صلاة المرأة خلف الرجل، فلا يضر بقدوتها
أن يوجد حائل بينها وبين الإمام، أو بينها وبين المأمومين من الرجال،
إذا هي علمت بأحوال الإمام من خلف الستار فتمكنت من متابعته في
ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده.
ويعتبر في جماعتها عدم الحائل إذا كان الإمام امرأة، فيكون حكمها
كالرجل سواء بسواء.
ولا يترك الاحتياط في ما إذا صلت خلف الرجل بأن لا يكون بينها
وبين النساء المأمومات حائل إذا كن واسطة بينها وبين الإمام.
[المسألة 1065]
الأقوى عدم الجواز إذا كان الحائل من الزجاج ونحوه مما لا يمنع
المشاهدة أو الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه، ولا يجوز على
الأحوط إذا كان من الشبابيك أو الجدران المخرمة التي لا تمنع
579

المشاهدة، وأحوط من ذلك المنع إذا لم يكن في الحائل غير ثقب يمكنه
المشاهدة منه في حال القيام أو في حال الركوع أو في حال الجلوس مثلا.
[المسألة 1066]
لا تعد الظلمة ولا الغبار حائلا، فتصح الجماعة معهما، وكذلك
النهر أو الطريق إذا فصلا بين الإمام والمأموم أو بين صفوف المأمومين
ولم يحصل معهما البعد الممنوع في الجماعة.
[المسألة 1067]
ليس من الحائل المانع من صحة الجماعة حيلولة المأمومين بعضهم
دون بعض، فلا يمنع أهل الصف المتقدم من انعقاد القدوة لأهل الصف
المتأخر وإن لم يدخلوا بعد في الصلاة إذا كانوا مشرفين على الدخول
فيها، ولا يكفي مطلق التهيؤ لها، ولكن لا يترك الاحتياط في الانتظار.
[المسألة 1068]
لا يقدح في صحة القدوة أن يطول الصف حتى لا يرى المأمومون الإمام
لبعده عنهم، ولا يقدح فيها كون الصفوف المتأخرة أطول من الصف
المتقدم فلا تبطل صلاة المأمومين بذلك.
[المسألة 1069]
إذا كان الإمام في محراب داخل في جدار أو غيره لم تصح قدوة من
يصلي على يمين المحراب أو على يساره من المأمومين، لحيلولة الجدار
بين الإمام وبينهم، وتصح قدوة من يقف من المأمومين مقابلا لباب
المحراب إذا لم يكن بينه وبين الإمام حائل ولا بعد مانع، وتصح قدوة
من يقف إلى يمين ذلك المأموم أو إلى يساره مع اتصال الصف وإن كانوا
لا يرون الإمام.
وكذلك الحكم إذا امتلأ المسجد بالمأمومين فصلى بعضهم خارج المسجد
مقابل الباب صحت قدوته إذا لم يكن بينه وبين المأموم في الداخل
حائل ولا بعد مانع، صحت قدوة من يكون على يمين ذلك المأموم أو
على يساره ممن يكون خارج المسجد مع اتصال الصف على الأقوى.
580

[المسألة 1070]
إذا حالت الأسطوانات بين المأمومين بعضهم مع بعض، لم تصح قدوة
من لم يتصل منهم بالإمام أو بمن يتصل به من أهل الصفوف المتقدمة
عليه، ولا يكفي اتصاله بالصف المتأخر عنه.
[المسألة 1071]
إذا تجدد الحائل في أثناء الصلاة بطلت الجماعة كما تقدم، فعلى
المأموم أن يأتي في بقية صلاته بوظيفة المنفرد، فإذا هو لم يأت بذلك
بعد وجود الحائل بطلت صلاته.
[المسألة 1072]
لا يضر بقدوة المأموم وجود الحائل غير المستقر، ومثال ذلك أن يمر
انسان أو حيوان أو غيرهما بين الإمام والمأموم، أو بين المأموم والمأمومين
الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام فلا تبطل الجماعة بذلك، وإذا
اتصلت المارة بينهما كان لها حكم الحائل المستقر فلا تصح القدوة.
[المسألة 1073]
إذا كان متيقنا بعدم وجود الحائل، ثم شك في حدوثه، بنى على
عدمه وصحت قدوته سواء كان شكه في الحدوث في أثناء الصلاة أم قبل
الدخول فيها أم بعد الفراغ منها.
وإذا شك في وجود الحائل وعدمه ولم يعلم بحالته السابقة لم يجز
له الدخول في الصلاة حتى يحرز عدم الحائل، وكذلك إذا كان شكه
بعد الدخول في الصلاة غفلة، فإذا هو لم يحرز ذلك تعين عليه الانفراد.
[المسألة 1074]
إذا نوى الاقتداء بالإمام وهو جاهل بوجود الحائل، لعمى أو غيره،
ثم تبين له وجود الحائل لم تصح جماعته، فعليه أن يتم صلاته منفردا،
ولا تبطل صلاته بمجرد ترك القراءة لاعتقاده صحة الجماعة كما تقدم
في نظائره، نعم تبطل صلاته إذا أتى بما يبطل الصلاة عمدا وسهوا،
581

كما إذا زاد فيها ركوعا للمتابعة أو سجدتين في ركعة واحدة فعليه إعادة
الصلاة.
[المسألة 1075]
إذا أتم أهل الصف الأول صلاتهم فسلموا وجلسوا في أماكنهم، أشكل
الحكم في قدوة أهل الصف الثاني في بقية الصلاة، بل الظاهر بطلان
قدوتهم لوجود الحائل وهم أهل الصف الأول، وللبعد بينهم وبين الإمام،
وإذا قام أهل الصف الأول بعد تسليمهم بلا فصل واقتدوا بالإمام في
صلاة أخرى فالظاهر صحة قدوة الجميع.
[المسألة 1076]
(الثاني من شرائط انعقاد الجماعة): أن لا يكون موقف الإمام أعلى
من موقف المأموم علوا معتدا به، سواء كان دفعيا كالأبنية وما يشبهها
أم انحداريا يشبه التسنيم كسفح الجبل على الأحوط لزوما في الثاني،
فلا تصح الجماعة إذا كان موقف الإمام أرفع من موقف المأموم بمقدار
شبر أو أكثر، وهذا هو المراد من العلو المعتد به.
ولا تبطل الجماعة إذا كان ارتفاع موقف الإمام أقل من شبر، ولا
تبطل إذا كان العلو انحداريا تدريجيا يصدق معه كون الأرض مبسوطة،
ولا يضر بالجماعة أن يكون موقف المأموم أعلى من موقف الإمام وإن
كان دفعيا وكثيرا، إلا إذا كان لكثرة ارتفاعه ينافي صدق الجماعة عند
المتشرعة فلا تصح الجماعة حين ذاك.
[المسألة 1077]
(الثالث من شرائط الجماعة): أن لا يكون المأموم بعيدا عن الإمام
أو بعيدا عن المأمومين الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام.
والبعد المانع من صحة الايتمام هو البعد الذي ينافي وحدة الجماعة
واتصالها عرفا بعضها ببعض، فلا يضر البعد الذي لا ينافي وحدة
الجماعة واتصالها وإن كان مما لا يتخطى.
نعم يستحب اتصال الصفوف في الجماعة وعدم تباعدها بأكثر من
582

مسقط جسد الانسان إذا سجد، والظاهر أن المراد به البعد ما بين
الصفين في حال السجود.
[المسألة 1078]
لا يضر بالقدوة أن يكون المأموم بعيدا من ناحية إذا كان متصلا
بالجماعة من جهة أخرى، ومثال ذلك أن يكون بعيدا عن الصف المتقدم
عليه، ولكنه متصل بالمأمومين في صفة إلى ما يقابل الإمام ثم بالصفوف
المتقدمة إلى أن تتصل بالإمام، أو بالعكس، ولا يكفي اتصاله بالصف
المتأخر عنه.
[المسألة 1079]
إذا تباعد المأمومون في الصف الثاني أو في الصف الثالث فلم يتصل
بعضهم ببعض لم يضر ذلك بجماعتهم إذا كان كل واحد منهم متصلا
بالصف المتقدم عليه، وإذا تباعد المأمومون في الصف الأول بطلت قدوة
من لم يتصل منهم بالإمام أو بمن يتصل به، ولم يكفه قربه من أهل
الصف الثاني كما ذكرناه من قبل.
[المسألة 1080]
(الرابع من شرائط صحة الجماعة): أن لا يتقدم المأموم في موقفه على
الإمام، فإذا تقدم عليه بطلت قدوته، وعليه أن يتم صلاته منفردا، بل
يجب أن يتأخر المأمومون عن الإمام في الموقف وفي جميع أحوال الصلاة
إذا تعددوا، وأن يقف المأموم الواحد عن يمين الإمام محاذيا لموقفه،
وأن تتأخر المرأة عن الإمام وإن كانت واحدة على الأحوط لزوما في
جميع ذلك.
[المسألة 1081]
الشروط الأربعة المتقدم بيانها كما هي شروط في صحة انعقاد
الجماعة في ابتدائها، فهي كذلك شروط في صحة بقاء الجماعة، فإذا
حدث الحائل بين الإمام والمأموم في أثناء الصلاة بعد ما لم يكن موجودا
أو علا موقف الإمام على المأموم أو حصل البعد المخل بوحدة الجماعة
583

واتصالها، أو تقدم المأموم على الإمام بطلت الجماعة وتعين على المأموم
الانفراد.
وإذا شك المأموم في حدوث شئ منها وكان متيقنا بعدمه سابقا بنى
على عدم حدوثه وصحت له القدوة، سواء كان شكه في حدوث ذلك
الشئ قبل الدخول في الجماعة أم بعد انعقادها.
وإذا شك في حدوث شئ منها وهو لا يعلم بحالته السابقة لم يجز له
الدخول في الجماعة حتى يحرز عدمه، وكذلك إذا شك فيه بعد دخوله
في الجماعة غفلة، فلا يصح له البقاء على القدوة حتى يحرز عدم ذلك
الشئ، فإن لم يحرز عدمه تعين عليه الانفراد.
وإذا شك في وجود واحد منها بعد فراغه من الصلاة وهو يجهل حالته
السابقة، فإن علم أنه قد أتى بما يبطل صلاة المنفرد عمدا وسهوا،
فعليه إعادة الصلاة على الأحوط، بل على الأقوى في بعض الصور، وإن
لم يعلم بأنه أتى بالمبطل بنى على الصحة.
[المسألة 1082]
تقدم في المسألة الألف والسابعة والستين أنه ليس من الحائل المانع
من صحة الجماعة حيلولة بعض المأمومين دون بعض، ويكفي في صحة
قدوة المتأخرين من أهل الصفوف أن يكون المتقدمون منهم مشرفين على
الدخول في الصلاة وإن لم يدخلوا بعد فيها، ولا يكفي مطلق التهيؤ لها.
وهو كما لا يمنع من القدوة من حيث كونه حائلا، لا يمنع من القدوة
كذلك من حيث كونه بعدا وفاصلا، ولكن لا يترك الاحتياط بالانتظار.
[المسألة 1083]
إذا بطلت صلاة أهل الصف المتقدم لعروض بعض المبطلات لصلاتهم،
بطلت قدوة من تأخر عنهم من الصفوف، لبعد هؤلاء عن الإمام،
ولحيلولة أولئك دونهم، سواء كان أهل الصف المتقدم أنفسهم عالمين
ببطلان صلاتهم أم جاهلين به، وإذا شك في بطلان صلاتهم وعدمه بنى
على الصحة وصحت القدوة.
584

[المسألة 1084]
إذا كانت صلاة أهل الصف المتقدم صحيحة بحسب تقليدهم، وهي
باطلة بحسب تقليد أهل الصف المتأخر أشكل الحكم جدا بصحة القدوة
لهؤلاء، فلا بد لهم من مراعاة الاحتياط.
[المسألة 1085]
لا يضر بقدوة المأموم أن يفصل بينه وبين الإمام صبي مميز إذا كان
مأموما إلا إذا علم ببطلان صلاته.
[الفصل الأربعون]
[في شرائط إمام الجماعة]
[المسألة 1086]
يشترط في إمام الجماعة أن يكون بالغا، عاقلا، مؤمنا، عادلا،
وأن يكون طاهر المولد، وأن يكون ذكرا إذا كان المأمومون أو بعضهم
ذكورا، وأن لا يكون ممن يصلي قاعدا إذا كان المأمومون ممن يستطيع
القيام، ولا مضطجعا أو مستلقيا إذا كانوا ممن يستطيع القيام أو القعود،
وأن يكون صحيح القراءة إذا كان المأموم صحيح القراءة
وكان الايتمام في الأولتين.
[المسألة 1087]
تشكل إمامة غير البالغ لغير البالغ، وتجوز إذا كانت للتمرين.
[المسألة 1088]
العدالة هي الاستقامة على الشريعة باتيان واجباتها واجتناب
محرماتها من كبائر ما نهي عنه والاصرار على صغائره، على أن تكون
الاستقامة المذكورة صفة ثابتة في نفس المكلف لا حالة غير قارة فيها،
وهذا هو مراد من فسر العدالة بأنها ملكة اجتناب الكبائر والاصرار
على الصغائر، وإذا تحققت للانسان صفة الاستقامة وثبتت في نفسه
وتحقق له بسببها اجتناب الكبائر، فلا ينافيها ارتكاب الصغيرة نادرا،
585

فلا تزول عدالته بذلك، والأحوط استحبابا للمأموم ترك الايتمام به
قبل الاستغفار منها إذا اتفق له الاطلاع عليها.
وأما منافيات المروة فلا تضر بالعدالة إلا إذا انطبق عليها أحد
العناوين المحرمة.
[المسألة 1089]
الكبيرة هي المعصية التي وصفت في نصوص المعصومين (ع) بأنها
كبيرة، أو علم من طريق معتبر آخر بأنها كبيرة في الشريعة، أو التي
ورد الوعيد في الكتاب أو السنة على ارتكابها بالنار، أو التي ورد في
الكتاب أو السنة بأنها أعظم من إحدى الكبائر المعلومة.
وقد عد منها في النصوص: الشرك بالله، وانكار ما أنزل الله،
واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والكذب على الله وعلى
رسوله (ص) وعلى أوصيائه (ع)، بل مطلق الكذب، والمحاربة لأولياء
الله، وانكار حقهم (ع)، وعقوق الوالدين، والمراد الإساءة إليهما،
وقتل النفس التي حرم الله، والزنا، واللواط، وشرب الخمر،
والقمار، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلما، وقذف المحصنة،
والفرار من الزحف، والسحر، واليمين الغموس، (وهي الحلف بالله
على الكذب أو على حق امرئ، أو لمنعه حقه كما في بعض النصوص)،
والغلول، (وهي الخيانة مطلقا أو في خصوص الفئ)، وحبس الزكاة
والحقوق المفروضة من غير عسر، وترك الصلاة متعمدا، وترك شئ
مما فرض الله، والاستخفاف بالحج، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة،
ونقض العهد، وقطيعة الرحم، وبخس المكيال والميزان، ومعونة
الظالمين، والركون إلى الظالمين، والتكبر، والاشتغال بالملاهي (كالغناء
وضرب الأوتار، والرقص، ونحوها مما يتعاطاه أهل الفسوق)،
والسرقة، وأكل الميتة، وأكل الدم، وأكل لحم الخنزيز، وأكل ما أهل
به لغير الله من غير ضرورة، والتعرب بعد الهجرة (والمراد الخروج إلى
البلاد التي ينقص فيها الدين)، وأكل السحت، (ومنه أثمان العذرة
والميتة والمسكر، والرشوة على الحكم، وأجر الزانية) والاسراف
586

والتبذير، والاصرار على الصغائر، والغيبة، والنميمة، والبهتان
على المؤمن، وهو أن يعيبه بما ليس فيه، والقيادة، وهي السعي ليجمع
بين اثنين على وطء محرم، والرياء، واستصغار الذنب، والغش
للمسلمين، إلى غير ذلك مما يطول عده.
[المسألة 1090]
لا تحصل العدالة حتى تستقر صفة الاستقامة في نفس المكلف وتكون
هي الغالبة على سلوكه وتصرفاته، فلا تثبت العدالة إذا كانت المزاحمات
لصفة الاستقامة من الشهوة والغضب وغيرهما هي الغالبة على أمره وإن
كان سريع الندم بعد العمل.
[المسألة 1091]
تثبت عدالة الانسان بالعلم بتحققها فيه، وبشهادة البينة العادلة
بها، وبحسن الظاهر الموجب للوثوق بحصولها فيه، فإن الظاهر كاشف
عن الباطن غالبا ما لم يعلم خلافه، بل وبالاطمئنان والوثوق بها، سواء
حصل من الشياع أم من أي أمارة أو قرينة أخرى، ولا يجوز الايتمام
بمجهول الحال.
[المسألة 1092]
إذا شهدت البينة بعدالة الرجل، كفى ذلك في صحة الايتمام به إلا
إذا عارضتها بينة أخرى فشهدت بعدم العدالة، فتتساقط البينتان
وتمتنع القدوة، ولا يقدح بحجية البينة أن يشهد عادل واحد بخلافها.
[المسألة 1093]
إذا شهد جماعة لم تتوفر فيهم شرائط البينة بعدالة الرجل، وحصل
للمكلف الاطمئنان بقولهم، كفى ذلك في ثبوت عدالته وصحة الايتمام
به، وكذلك إذا حصل له الاطمئنان والوثوق بها من شهادة عدل واحد
أو من اقتداء عدلين بالرجل أو جماعة مخصوصين، فيكفي ذلك في صحة
الايتمام وترتيب الآثار، إذا كان المكلف من أهل التمييز والمعرفة لا من
البسطاء الذين يحصل لهم الاطمئنان بأقل ظاهرة.
587

[المسألة 1094]
لا تصح إمامة المرأة للرجل ولا للخنثى، وتجوز إمامة المرأة للمرأة
على كراهة.
[المسألة 1095]
لا تجوز إمامة الخنثى للرجل، بل ولا للخنثى مثلها، وتصح إمامتها
للمرأة إذا أتت الخنثى في الصلاة بوظيفتي الرجل والمرأة.
[المسألة 1096]
تجوز إمامة القاعد للقاعد والمضطجع، وتجوز إمامة المضطجع لمثله
[المسألة 1097]
تجوز القدوة بمن لا يحسن القراءة إذا كان معذورا غير مقصر
في ذلك، وكان الايتمام به في غير الأولتين.
[المسألة 1098]
يجوز اقتداء الأفصح بالفصيح، بل وبغير الفصيح إذا كان مؤديا
للقدر الواجب في القراءة.
[المسألة 1099]
لا تصح إمامة الأخرس لغير الأخرس، ولا للأخرس على الأحوط
لزوما.
[المسألة 1100]
الظاهر جواز إمامة المجذوم والأبرص على كراهة، ولا يترك
الاحتياط في المحدود بالحد الشرعي بعد التوبة، وفي الأعرابي، والظاهر،
عدم تناول النواهي لمن يسكن مع الاعراب لضرورة إذا كان من أهل
الكمالات الشرعية العالية.
[المسألة 1101]
تجوز إمامة الأعمى إذا كان ممن يسدد نفسه إلى القبلة، أو كان له
من يسدده إذا انحرف.
588

[المسألة 1102]
يجوز اقتداء من يصلي متوضئا بإمام وظيفته الصلاة متيمما على
كراهة، وتجوز إمامة صاحب الجبيرة على أعضاء وضوئه أو غسله لغيره،
وتجوز إمامة من اضطر إلى الصلاة مع النجاسة واستمر به العذر إلى
آخر الوقت، وتصح إمامة المرأة المستحاضة للمرأة الطاهرة إذا أدت
ما يجب عليها من الأعمال الواجبة عليها في استحاضتها. وفي جواز
إمامة المسلوس والمبطون لغيرهما تأمل.
[المسألة 1103]
إذا تردد الأمر في التقديم بين إمامين أو أكثر، قدم من رضي المأمومون
بإمامته أو كرهوا إمامة غيره. وصاحب المنزل في منزله أولى بالإمامة من
غيره حين يتردد الأمر بينهما، وهذا إذا كان الغير مأذونا له بالصلاة،
وإذا لم يؤذن له لم تصح قدوته، والإمام الراتب في مسجد أولى في
التقدم في مسجده.
والأولى تقديم الفقيه الجامع للشرائط مع وجوده، فإذا تعدد فالأولى
تقديم الأعلم، فإن لم يوجد قدم الأجود قراءة وأداء للفظ القرآن على
الوجه الصحيح، فإن تساووا في ذلك قدم أفقه الجماعة في الدين.
[المسألة 1104]
إذا عرف المكلف شخصا بالعدالة، وشك بعد ذلك في انتفاء عدالته
بنى على بقائها وجاز له الاقتداء به حتى يعلم بانتفائها.
[المسألة 1105]
إذا رأى المكلف من العادل كبيرة لم يجز له الاقتداء به حتى يتوب
منها، فإذا تاب جاز له الاقتداء به لعدم زوال ملكة الاستقامة الثابتة
له بذلك نعم إذا تكرر ذلك منه بحيث دل على تزلزل الصفة في نفسه
وعدم ثباتها، أو على ضعفها أمام المغريات لم يجز له الاقتداء به حتى
تثبت له الصفة مرة أخرى، والمراد بالكبيرة أن تكون كبيرة عند العادل
نفسه وإن لم تكن كبيرة عند الرائي.
589

[الفصل الحادي والأربعون]
[في أحكام الجماعة]
[المسألة 1106]
يجب على المأموم ترك القراءة في الركعتين الأولتين من الصلاة
الجهرية، إذا سمع ولو همهمة الإمام في القراءة، بل الأحوط له لزوم
الانصات، ولا ينافي ذلك أن يشتغل بالذكر الخفي فإنه يستحب له ذلك،
وإذا لم يسمع من القراءة حتى الهمهمة جازت له القراءة، والأحوط
له أن يأتي بها بقصد القربة المطلقة، لا بقصد الجزئية وإن كان الأقوى
جوازها بقصد الجزئية.
والأحوط له لزوما ترك القراءة في الركعتين الأولتين من الصلاة
الاخفاتية، ويستحب له أن يشتغل فيهما بالتسبيح والتحميد والصلاة
على محمد وآله.
[المسألة 1107]
لا فرق في الحكم المذكور في الأولتين بين أن يكون عدم سماع القراءة
لبعد الإمام عنه أو لصمم المأموم، أو لبعض الموانع ككثرة الأصوات
ونحوها.
[المسألة 1108]
إذا سمع المأموم بعض قراءة الإمام دون بعض فالأحوط له ترك
القراءة.
[المسألة 1109]
إذا شك هل أنه يسمع قراءة الإمام أم لا، أو شك في ما يسمعه أهو
صوت الإمام أم صوت غيره، فالأحوط له ترك القراءة، ويجوز له أن
يقرأ بنية القربة المطلقة.
[المسألة 1110]
يتخير المأموم في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الجهرية أو الاخفاتية
590

بين القراءة والتسبيح، سواء قرأ الإمام فيهما أم سبح، وسواء سمع
المأموم قراءة الإمام فيهما وتسبيحه أم لم يسمع، وقد تقدم في المسألة
الخمسمائة والثانية: إن القراءة في الأخيرتين أفضل من التسبيح،
لإمام الجماعة، وأن التسبيح أفضل من القراءة للمأموم، وأنهما
متساويان في الفضل للمصلي المنفرد.
[المسألة 1111]
إذا قرأ المأموم ساهيا في الصلاة الجهرية وهو يسمع قراءة الإمام،
أو اعتقد أن الصوت الذي يسمعه ليس صوت الإمام فقرأ، ثم تبين له
أنه صوته لم تبطل صلاة المأموم بذلك في كلتا الصورتين.
[المسألة 1112]
الأحوط استحبابا للمأموم أن يكون مطمئنا مستقرا في قيامه حال
قراءة الإمام ولا يجب ذلك عليه على الأقوى.
[المسألة 1113]
لا يجوز للمأموم أن يتأخر عن القيام حال قراءة الإمام إذا كان تأخره
مخلا بالمتابعة الواجبة، فيأثم في ذلك إذا كان متعمدا، ويجب عليه أن
يلتحق بالإمام، وإذا كان تأخره فاحشا يخل بالهيئة الاجتماعية لصلاة
الجماعة وجب عليه أن ينفرد، والأحوط أن لا يتأخر عنه كثيرا وإن
كان غير مخل بالمتابعة.
[المسألة 1114]
تجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة، من قيامها وقعودها
وركوعها وسجودها، فلا يجوز له التقدم على الإمام فيها، بل الأحوط
والأفضل أن يتأخر عنه تأخرا يصدق معه المتابعة، ولا يجوز التأخر
الفاحش عنه.
[المسألة 1115]
إذا تقدم المأموم على الإمام في الأفعال عامدا أثم، ولم تبطل صلاته
ولا جماعته بذلك، وكذلك إذا تأخر عنه فيها تأخرا فاحشا، وإن كان
591

الأحوط استحبابا اتمام الصلاة معه ثم الإعادة ولا سيما إذا تأخر عنه
بركن أو أكثر.
وتبطل جماعته إذا كان التأخر مما تذهب به هيئة الجماعة في نظر
المتشرعة فيجب عليه أن يتم صلاته منفردا.
[المسألة 1116]
إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو من السجود قبل الإمام سهوا وجب
عليه العود مع الإمام والمتابعة على الأحوط، ولا تضره زيادة الركن
فهي مغتفرة في متابعة الجماعة، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع أو
من السجود قبل عود المأموم فلا شئ عليه. وإذا أمكنه العود إلى المتابعة
ولم يعد أثم ولم تبطل بذلك صلاته، وهذا كله إذا كان رفع رأسه بعد
الذكر.
وإذا رفع رأسه قبل الإمام وقبل أن يأتي بالذكر، فإن كان عامدا
في ترك الذكر بطلت صلاته، ومثال ذلك: أن يعتقد أن الإمام رفع
رأسه من الركوع فرفع رأسه وهو يعلم أنه لم يأت بالذكر، فتبطل
صلاته، وإن كان ساهيا في ترك الذكر وجب عليه العود للمتابعة كما
تقدم والآتيان بالذكر، فإن أمكنه العود لذلك ولم يعد متعمدا، فلا
يترك الاحتياط باتمام الصلاة ثم إعادتها في هذه الصورة، وإذا لم
يعد إلى المتابعة ساهيا أو اعتقد عدم الفرصة فلم يعد إليها فلا شئ
عليه وإن كان رفعه قبل الاتيان بالذكر ساهيا.
[المسألة 1117]
إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عامدا أثم
بفعله، ولم يجز له العود إلى المتابعة، فإن هو عاد إلى المتابعة في الركوع
أو السجود عامدا وجب عليه أن يتم الصلاة ثم يعيدها على الأحوط،
وكذلك إذا عاد إلى المتابعة فيهما ساهيا وكان ما زاده ركوعا أو سجدتين
من ركعة واحدة، فعليه اتمام الصلاة وإعادتها، ولا تجب الإعادة إذا
كان ما زاده سجدة واحدة.
592

[المسألة 1118]
إذا رفع رأسه من الركوع قبل الإمام ساهيا ثم عاد إلى الركوع
للمتابعة فإن وصل إلى حد الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه صحت
صلاته، وإن لم يصل إلى حد الركوع حتى رفع الإمام رأسه منه فلا
يترك الاحتياط بأن يتم صلاته مع الإمام ثم يعيدها.
وإذا حدث مثل ذلك في سجدة واحدة فرفع المأموم رأسه من السجود
سهوا ثم عاد إلى المتابعة فيها، ورفع الإمام رأسه قبل أن يصل المأموم،
إلى السجود، فإن علم بذلك قبل أن يضع جبهته رفع رأسه مع الإمام،
وإذا علم به بعد أن وضع جبهته على الأرض لم تبطل صلاته بذلك.
[المسألة 1119]
إذا رفع المأموم رأسه من السجدة فوجد الإمام ساجدا، واعتقد أنه
لا يزال في سجدته الأولى، فعاد إليها بقصد المتابعة، ثم تبين له بعد
رفع الرأس إن الإمام كان في الثانية، فإن كان المأموم في سجوده الثاني
قد قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالسجود وإنما قصد المتابعة لتخيل
إن الإمام لا يزال في السجدة الأولى كانت سجدته هي الثانية، وعليه أن
يتم الصلاة مع الإمام، وإن قصد به المتابعة على نحو التقييد، فعليه
إعادة الصلاة والأحوط أن يتم الصلاة ثم يعيدها.
وكذلك الحكم إذا رفع رأسه من السجدة فوجد الإمام ساجدا،
فاعتقد أنه في السجدة الثانية، فسجد معه بقصد الثانية، ثم تبين له
إن الإمام كان في الأولى، فإن كان سجوده بقصد امتثال الأمر المتوجه
إليه بالفعل، وكان قصد السجدة الثانية لتوهم إن الإمام فيها، كانت
سجدته للمتابعة، فعليه أن يسجد الثانية مع الإمام ويتم صلاته، وإن
قصد السجدة الثانية على نحو التقييد تعين عليه أن يتم الصلاة منفردا.
[المسألة 1120]
إذا ركع المأموم أو سجد قبل الإمام عامدا أثم بذلك، ولم يجز له
الرجوع للمتابعة في الركوع أو السجود، فعليه أن ينتظر في ركوعه أو
سجوده حتى يلتحق به الإمام، وإذا عاد إلى القيام أو الجلوس وتابع
593

في الركوع أو السجود مع الإمام كان عليه اتمام الصلاة ثم إعادتها
على الأحوط.
وإذا ركع أو سجد قبل الإمام ساهيا وجب عليه العود على الأحوط،
فيعود إلى القيام ثم يركع مع الإمام، أو إلى الجلوس فيسجد معه،
ويجب عليه أن يأتي بالذكر في ركوعه أو سجوده الأول قبل أن يرجع
إلى المتابعة، وعليه أن يكتفي بالذكر الواجب لئلا ينافي فورية المتابعة،
فإذا أتى بركوع المتابعة أو سجودها كان عليه أن يأتي بالذكر فيهما
أيضا على الأحوط، ولا تبطل صلاته إذا ترك العود للمتابعة، سواء
تركها عامدا أم ساهيا، بل يكون آثما مع العمد.
[المسألة 1121]
إذا ركع المأموم قبل الإمام في حال قراءته، فإن كان عامدا في ذلك
بطلت صلاته لتركه القراءة وما هو بدلها وهو قراءة الإمام، وإن كان
ساهيا فالظاهر الصحة. وكذلك الحكم إذا رفع رأسه من الركوع أو
السجود قبل الإمام وقبل الذكر الواجب، فتبطل صلاته إذا كان عامدا
لترك الذكر، ولا شئ عليه إذا كان ساهيا.
[المسألة 1122]
لا تجب على المأموم متابعة الإمام في أقوال الصلاة وأذكارها من غير
فرق بين الواجب منها والمندوب وما يسمعه من أقوال الإمام وما لم
يسمعه، فلا يجب على المأموم التأخر عن الإمام فيها أو المقارنة معه،
حتى في التسليم، فلا تبطل صلاة المأموم إذا سلم قبل الإمام عامدا ولا
تجب عليه إعادة التسليم إذا سلم قبله ساهيا، والأحوط له استحبابا
التأخر عن الإمام في جميع الأقوال وخصوصا في التسليم.
وتستثنى من ذلك تكبيرة الاحرام، فلا يجوز للمأموم أن يتقدم فيها
على الإمام، بل الأحوط وجوبا أن يتأخر بتكبيرته عن تكبيرة الإمام.
[المسألة 1123]
إذا كبر المأموم للاحرام قبل الإمام ساهيا انعقدت صلاته منفردا،
ويجوز له أن يقطعها ليدرك الجماعة فيبطلها ثم يكبر بعد تكبيرة الإمام.
594

[المسألة 1124]
يجوز للمأموم أن يكرر ذكر الركوع والسجود وإن لم يكرره الإمام،
وأن يطيل الذكر ما لم يستلزم فوات المتابعة فيأثم بذلك إذا كان عامدا،
وتبطل قدوته إذا كان موجبا لذهب هيئة الجماعة في نظر المتشرعة
وتكون صلاته فرادى.
[المسألة 1125]
إذا كان الإمام يرى استحباب جلسة الاستراحة بعد السجدتين
فتركها، وكان المأموم مقلدا لمن يرى وجوبها أو يقول بوجوب الاحتياط
فيها، فلا يجوز له أن يتركها، وهكذا في كل فعل من أفعال الصلاة
يتركه الإمام لأنه يراه مستحبا، فلا يجوز للمأموم أن يتركه إذا كان
مقلدا لمن يرى وجوبه أو يرى وجوب الاحتياط فيه.
[المسألة 1126]
إذا ركع المأموم قبل الإمام ساهيا، ثم وجده يقنت في ركعة لا قنوت
فيها، فيجب على المأموم أن يعود إلى القيام ليتابع الإمام في الركوع
ولا يدخل معه في القنوت الزائد. وإذا قام إلى الركعة قبل الإمام ساهيا،
ثم وجده يتشهد في ركعة لا تشهد فيها أو يأتي في الركعة بسجدة ثالثة
وجب عليه أن يعود إلى الجلوس ليتابع الإمام في القيام ولا يدخل معه
في التشهد الزائد أو السجدة الزائدة، وهكذا.
[المسألة 1127]
يتحمل الإمام عن المأموم قراءة الفاتحة والسورة في أولتي الإمام
إذا ائتم به فيهما ولا يتحمل عنه غير القراءة فيهما من أفعال الصلاة
وأقوالها، ويجب على المأموم في الأخيرتين أن يقرأ الحمد أو يأتي
بالتسبيحات، ولا يتحمل عنه الإمام ذلك وإن قرأ الإمام فيهما وسمع
المأموم قراءته، وقد تقدم ذكر ذلك في أول هذا الفصل.
[المسألة 1128]
إذا كانت الأخيرتان للإمام أولتين للمأموم، وجب على المأموم فيهما
أن يقرأ لنفسه، سواء قرأ الإمام فيهما أم سبح، فإن أمهله الإمام حتى
595

يتم قراءة الحمد والسورة وجب عليه ذلك، وإن لم يمهله اقتصر على
قراءة الحمد وحدها وترك السورة وإن لم يمهله أن يتم الحمد،
فالأحوط له أن يتم الصلاة منفردا
[المسألة 1129]
إذا ركع الإمام قبل أن يشرع المأموم في قراءة السورة في الفرض
المتقدم ذكره أو قبل اتمام السورة، فإن أمكن للمأموم أن يتم السورة
أو يقرأها ويلتحق بالإمام بحيث لا يوجب ذلك له تخلفا مضرا بالمتابعة
العرفية، فلا يترك الاحتياط بالاتيان بالسورة واتمامها إذا كان شرع
فيها، والالتحاق بالإمام ولو بعد الركوع، وإن كان ذلك يوجب له
تخلفا يضر بالمتابعة العرفية ترك السورة واقتصر على الفاتحة وحدها
كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، وهذا هو المقصود بامهال الإمام وعدم
امهاله.
[المسألة 1130]
إذا أدرك المأموم الإمام وقد دخل في الركوع سقطت عنه القراءة،
سواء كان في الركعتين الأولتين للإمام أم في الأخيرتين، وإذا أدركه قبل
الركوع وكان في الأخيرتين وجبت على المأموم القراءة كما تقدم بيانه
قريبا، فإذا علم أن الإمام لا يمهله أن يتم قراءة الفاتحة، فالأحوط له
أن لا يكبر للاحرام حتى يركع الإمام فتسقط عنه القراءة.
[المسألة 1131]
إذا كانت الركعة الثانية للإمام هي الأولى للمأموم تحمل الإمام
القراءة عنه فيها، فإذا قنت الإمام تابعه المأموم في القنوت استحبابا،
فإذا تشهد الإمام بعد السجدتين استحب للمأموم أن يتشهد معه وأن
يتجافى في تشهده، فإذا قام لركعته الثانية وهي ثالثة الإمام وجبت عليه
القراءة فيها، واستحب له القنوت، فإن لم يمهله الإمام ترك القنوت
وإن لم يمهله للسورة تركها على النحو الذي تقدم بيانه قريبا، وأتم
الركعة مع الإمام وتشهد هو في ثانيته، والتحق برابعة الإمام، وعليه
أن يسبح فيها أو يقرأ، فإذا تخلف بسبب ذلك عن الإمام فلم يدركه
596

في الركوع أتم صلاته منفردا على الأحوط، وإن لم يمهله الإمام لقراءة
الفاتحة في ثانيته أتم الصلاة منفردا على الأحوط كما ذكرناه في ما تقدم.
[المسألة 1132]
إذا كانت الأخيرتان للإمام أولتين للمأموم واعتقد أن الإمام يمهله
للقراءة فقرأ ولم يدركه في الركوع لم تبطل جماعته بذلك، فله
الالتحاق بالإمام بعد الركوع إذا لم يكن التخلف عنه كثيرا موجبا لذهاب
الهيئة الاجتماعية، ولا تبطل جماعته إذا تعمد فأتى بالقنوت وهو يعلم
بأنه لا يدرك الركوع مع الإمام، فإذا أتم قنوته وركوعه التحق بالإمام،
وإذا ذهبت هيئة الجماعة بذلك أتم صلاته منفردا.
[المسألة 1133]
يجب على المأموم أن يخفت في قراءته خلف الإمام، حتى إذا كانت
الصلاة جهرية، كما إذا لم يسمع قراءة الإمام ولا همهمته فقرأ
استحبابا، أو أدرك الإمام في الأخيرتين فقرأ في صلاته وجوبا، فإن عليه
أن يخفت في قراءته في جميع ذلك، حتى في البسملة على الأحوط وإذا
نسي أو جهل فجهر في قراءته لم تبطل صلاته، وإذا كان جاهلا مترددا
في الحكم ففي صحة صلاته اشكال، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.
[المسألة 1134]
إذا كانت ثالثة الإمام ثانية للمأموم وجب عليه أن يتشهد فيها بعد
السجدتين ثم يقوم لثالثته وهي رابعة الإمام فيسبح ويلتحق بالإمام قبل
الركوع أو في الركوع وإذا لم يلحقه في الركوع فالأحوط له أن ينوي
الانفراد، وإذا بقي على نية الايتمام أتم الصلاة وعادها على الأحوط،
وهكذا في كل فعل وجب عليه دون الإمام فيجب عليه أن يأتي به فإذا
أدرك الإمام في الركوع أو قبله بقي على قدوته وإن لم يدركه في الركوع
نوى الانفراد على الأحوط.
[المسألة 1135]
يجوز للمأموم أن يدخل في الجماعة وإن لم يدر أن الإمام في الأولتين
597

من صلاته أم في الأخيرتين، فإذا دخل في الصلاة قرأ الحمد والسورة
بقصد القربة، فإذا تبين له أن الإمام في الأخيرتين أجزأته تلك القراءة،
وإن تبين له أنه في الأولتين لم يضره ذلك.
[المسألة 1136]
إذا اعتقد المأموم أن الإمام في الأولتين من صلاته فلم يقرأ اكتفاءا
بقراءة الإمام، ثم ظهر له أن الإمام في الأخيرتين فإن تبين له ذلك قبل
الركوع وجب عليه أن يأتي بالقراءة، فإن لم يمهله الإمام لقراءة
السورة قرأ الحمد وحدها ولحق بالإمام وإن لم يمهله لقراءة الحمد
نوى الانفراد كما تقدم، وإن تبين له ذلك بعد الدخول في الركوع مضى
في صلاته. وإذا اعتقد أن الإمام في الأخيرتين، فقرأ ثم ظهر له أنه في
الأولتين لم يضره ذلك وإذا كان في أثناء القراءة لم يجب عليه اتمامها.
[المسألة 1137]
إذا زاد الإمام سهوا في صلاته سجدة أو تشهدا أو قنوتا أو غير ذلك
مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا، لم يتابعه المأموم في تلك الزيادة
ولم ينو الانفراد عنه، وإذا نقص منها شيئا لا تبطل الصلاة بنقصه
سهوا وجب على المأموم أن يأتي به.
[المسألة 1138]
إذا نقص الإمام بعض أفعال صلاته سهوا وأتى به المأموم في محله
كما ذكرنا ثم تذكر الإمام فوت ذلك الشئ ورجع إليه ليتداركه،
فالأحوط للمأموم أن ينوي الانفراد في صلاته.
[المسألة 1139]
إذا اعتقد الإمام دخول الوقت فشرع في الصلاة، واعتقد المأموم عدم
دخول الوقت أو شك في دخوله لم يجز له الاقتداء بالإمام في تلك الصلاة،
فإذا دخل عليه الوقت في أثناء الصلاة واعتقد المأموم بدخوله جاز له
الايتمام به في بقية الصلاة.
598

[المسألة 1140]
إذا شرع المكلف في صلاة نافلة، وأقيمت الجماعة، وخشي أن هو
أتم نافلته أن تفوته الجماعة جاز له أن يقطع النافلة، ويكفي في جواز
القطع أن يخاف فوت الركعة الأولى منها. وإذا شرع في صلاة الفريضة
منفردا ثم حضرت الجماعة، وخشي أن هو أتم صلاته أن تفوته الجماعة
جاز له في جميع الصور قطع الفريضة لادراكها، وإذا كان في الركعة
الأولى أو الثانية من الفريضة أو في الثالثة قبل الركوع فيجوز له أن
يعدل بنيته إلى النافلة فيتمها ركعتين إذا لم تفته الجماعة بذلك.
[المسألة 1141]
لا يبعد اختصاص الحكم بجواز العدول من الفريضة إلى النافلة في
الفرض المتقدم بالصلاة غير الثنائية، وقد عرفت جواز قطع الفريضة
لادراك الجماعة في جميع الصور، سواء عدل إلى النافلة أم لم يعدل،
وسواء صح له العدول أم لم يصح.
[المسألة 1142]
يجوز للمأموم أن يأتي بالمستحبات في الصلاة وإن تركها الإمام،
فيجوز له أن يأتي بالتكبيرات الست التي يفتتح بها الصلاة وأدعيتها،
وبالأدعية المستحبة في الركوع والسجود، والتكبيرات للركوع والسجود
وغير ذلك مما يستحب في الصلاة، ويجوز له أن يترك الاتيان بها،
وإن أتى بها الإمام.
وإذا أتى بالتكبيرات الافتتاحية قبل احرام الإمام بالصلاة فلا يأتي
بتكبيرة الاحرام إلا بعد أن يحرم الإمام.
[المسألة 1143]
تصح القدوة مع اختلاف الإمام والمأموم في أجزاء الصلاة وشرائطها
اجتهادا أو تقليدا، إذا هما اتحدا في العمل، ولم يستعملا محل الخلاف
في صلاتهما، فإذا كان الإمام يرى استحبابا السورة في الصلاة مثلا،
وكان المأموم يرى وجوبها، صح له أو يقتدي به إذا قرأ الإمام السورة
599

في صلاته، ولم يضر بقدوته أن الإمام لا يقول بوجوبها، وكذلك في
جلسة الاستراحة بعد السجدتين.
بل الأقوى صحة الاقتداء حتى في صورة المخالفة في العمل بين الإمام
والمأموم، من غير فرق بين المسائل المعلومة للمأموم والمسائل التي يقوم
على الحكم فيها دليل معتبر عنده أو عند مقلده فتصح القدوة في الجميع،
فتصح قدوة المأموم الذي وجوب جلسة الاستراحة بالإمام الذي
يرى استحبابها وإن تركها في صلاته، ولكن على المأموم أن يأتي بها في
صلاته، وهكذا.
نعم يشكل الحكم بصحة الاقتداء إذا اختلفا في العمل في ما يتعلق
بالقراءة في مورد تحمل الإمام عن المأموم، كما إذا ترك الإمام السورة
لأنه يرى استحبابها وكان المأموم يعتقد وجوبها، أو ترك الإمام ادغاما
أو مدا في القراءة وكان المأموم يرى وجوبهما، فلا يترك الاحتياط بترك
الاقتداء في هذا الفرض.
ولا يصح الاقتداء إذا علم المأموم ببطلان صلاة الإمام أو قامت لديه
أو لدى مقلده حجة شرعية على بطلانها، كما إذا أخل الإمام بركن في رأي
المأموم، أو أخل بشرط معتبر لديه في الصلاة في حال العمد والسهو،
وإن كان الإمام لا يرى ذلك، أو توضأ بماء يعلم المأموم بنجاسته، وإن
كان الإمام يعتقد طهارته، أو كان المأموم يعلم بأن الإمام على غير
وضوء وإن كان الإمام يجهل ذلك، فلا تصح القدوة في مثل هذه الصور.
[المسألة 1144]
إذا وجد المأموم في ثوب إمامه أو على بدنه نجاسة لا يعفى عنها في
الصلاة وكان الإمام لا يعلم بها ففي، المسألة صور.
(إحداها): أن يعلم المأموم أن الإمام يعلم بالنجاسة سابقا وقد
نسيها، وأنه ممن يقول ببطلان الصلاة بالنجاسة ناسيا، كما هو
المختار، والحكم في هذه الصورة عدم صحة الاقتداء به، وإذا كان الإمام
ممن يرى صحة الصلاة لناسي النجاسة إذا تذكرها بعد الفراغ من
600

الصلاة، كانت من صغريات المسألة المتقدمة، فتصح له القدوة كما
ذكرناه.
(الصورة الثانية): أن يعلم المأموم أن الإمام جاهل بأصل وجود
النجاسة، والحكم فيها صحة الاقتداء به.
(الصورة الثالثة):
أن لا يعلم المأموم أن الإمام جاهل بأصل وجود
النجاسة أو ناس لها، ولا يبعد جواز الاقتداء في هذه الصورة ولكن
الأحوط تركه.
[المسألة 1145]
إذا أحرز المأموم أوصاف الإمام المعتبرة في القدوة، وأحرز صحة
صلاته بالأمارات المعتبرة والأصول الشرعية المصححة، فاقتدى به، ثم
انكشف له بعد الفراغ من الصلاة عدم وجود بعض الشرائط فيه أو في
صلاته، فالظاهر صحة صلاته وجماعته.
ومن أمثلة ذلك أن يتبين للمأموم بعد الصلاة أن الإمام فاسق، أو
غير متطهر في صلاته، أو علم بعد الفراغ أن الإمام قد ترك ركنا أو
أتى بما يبطل الصلاة سهوا وعمدا، فلا يضر ذلك في صلاة المأموم
وجماعته إذا هو لم يترك الركن ولم يأت بالمبطل، ويغتفر للمأموم
ما يغتفر له في صلاة الجماعة من ترك القراءة وزيادة ركن ونحوه
للمتابعة، والأحوط الإعادة في الوقت، والقضاء إذا كان بعد الوقت.
وإذا تبين له ذلك في أثناء الصلاة وجب عليه أن ينفرد في بقية صلاته،
ووجبت عليه القراءة إذا لم يدخل في الركوع. وإذا تبين له بعد الفراغ
أن الإمام امرأة أو خنثى ليس لهما تؤما الرجل أو علم بأنه مجنون،
فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة إذا أخل المأموم في صلاته بوظيفة
المنفرد.
[المسألة 1146]
إذا نسي الإمام واجبا من واجبات الصلاة وعلم المأموم بذلك كان على
المأموم تنبيه الإمام على ذلك على الأحوط مع الامكان، فإن لم يمكنه
التنبيه، أو نبهه فلم يتنبه، أو لم يلتفت لأنه قاطع بصحة عمله، وكان
601

المنسي ركنا أو قراءة في الأولتين قبل دخول المأموم في الركوع وجب
عليه الانفراد على الأقوى في الفرض الأول، وعلى الأحوط في الفرض
الأخير.
وإذا لم يكن المنسي ركنا ولا قراءة فعلى المأموم أن يأتي بالمنسي ولم
تبطل قدوته بذلك فيتم صلاته مع الإمام، وإذا كان المنسي قراءة ولم
يلتفت إليها المأموم إلا بعد الركوع لم تبطل قدوته أيضا فيتم صلاته
مؤتما.
[المسألة 1147]
إذا تذكر الإمام بعد أن أتم صلاته بأنه كان محدثا أو أنه قد ترك
في صلاته شرطا أو جزءا ركنا، أو نحو ذلك مما يبطل الصلاة عمدا
وسهوا، وجبت عليه إعادة الصلاة ولم يجب عليه اعلام المأمومين بذلك،
وإذا تذكر ذلك في أثناء الصلاة ففي وجوب اعلامهم تأمل، ولكنه أحوط.
[المسألة 1148]
إذا أتم الإمام السجدتين من الركعة وشك المأموم هل إني سجدت كلتا
السجدتين أو سجدت واحدة فقط، فإن كان في المحل وجب عليه أن
يسجد الثانية، وإن كان بعد تجاوزه والدخول في غيره لم يلتفت إلى
شكه، وهكذا إذا شك في أنه ركع مع الإمام أو نسي الركوع، وفي كل
موضع يشك في فعله خاصة، فعليه أن يأتي بالمشكوك إذا كان في محلة،
وعليه أن لا يلتفت إلى شكه إذا كان بعد التجاوز، وإذا شك الإمام أو
المأموم في فعلهما معا وكان الآخر منهما متيقنا رجع الشاك إليه ولم
يلتفت إلى شكه.
[المسألة 1149]
إذا اقتدى المأموم في صلاة مغربه بصلاة الإمام في العشاء وشك في
الركعة أنها الثالثة أو الرابعة رجع إلى الإمام إذا كان متيقنا، فإذا كانا
في الجلوس مثلا ثم قام الإمام علم المأموم أن ما أتمه هي الثالثة، فعليه
أن يتشهد ويسلم وكانت صحيحة، وأن تشهد الإمام علم أنها الرابعة،
602

فيجري فيه حكم من زاد في صلاته ركعة تامة ساهيا، فتجب عليه إعادة
الصلاة كما ذكرناه في فصل الخلل الواقع في الصلاة.
وإذا كان في حال القيام انتظر قائما حتى يركع الإمام ويسجد
السجدتين فإن قام بعدهما للرابعة علم المأموم أن ما بيده هي الثالثة
فيجب عليه أن يتم الركعة وتكون صلاته صحيحة، وأن تشهد الإمام
ليسلم، علم المأموم أن ما بيده هو قيام الرابعة، فعليه أن يجلس من قيامه
ويتشهد ويسلم على الثالثة، ثم يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد إذا
تلبس معه بقراءة أو تسبيح وكانت صلاته صحيحة كذلك، وإذا كان
في حال الركوع أو السجود أو ما بينهما انتظر حتى يتم الإمام ركعته،
فإن تبين له أنها الثالثة أتم الصلاة وكانت صحيحة، وإن تبين له أنها
الرابعة كانت باطلة.
[المسألة 1150]
إذا لم يدر المكلف أن الإمام شرع في صلاة فريضة أم نافلة، لم تصح
له القدوة فيها، وكذلك إذا لم يدر أنه شرع في فريضة يومية أم في صلاة
آيات وشبهها مما لا تجوز القدوة به في الصلاة اليومية، فلا تصح القدوة
حتى يعلم قبل الدخول معه أنه يصلي فريضة يومية إذا كانت الصلاة
التي يريد المأموم أداءها معه فريضة يومية.
وإذا علم بأن الإمام يصلي فريضة يومية جاز له أن يأتم به فيها وإن
لم يعلم أي الفرائض هي، وأنها مقصورة أم تامة وأداء أم قضاء.
[المسألة 1151]
يشكل اغتفار زيادة الركوع للمتابعة إذا زاد أكثر من مرة واحدة
في الركعة الواحدة، فإذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الإمام سهوا،
وعاد للمتابعة، ثم سها فرفع رأسه مرة ثانية قبل الإمام وعاد للمتابعة،
فلا يترك الاحتياط باتمام الصلاة ثم إعادتها، وكذلك الأمر في السجدة
الواحدة، فإذا رفع رأسه قبل الإمام ساهيا وعاد للسجود، ثم رفع رأسه
قبل الإمام مرة ثانية في تلك السجدة وعاد للسجود، أشكل الحكم باغتفار
ذلك وأشد من ذلك اشكالا أن يزيد السجدتين معا في ركعة واحدة مرتين،
603

فتكون زيادته أربع سجدات في ركعة واحدة، فلا يترك الاحتياط
بالاتمام ثم الإعادة.
[المسألة 1152]
إذا صلى المأموم الفريضة احتياطا أداء أو قضاءا، واقتدى فيها
بإمام يصلي فريضة متيقنة، فلا اشكال في اغتفار زيادة الركن إذا زاده
ذلك المأموم المحتاط في صلاته للمتابعة، ولا اشكال في رجوع ذلك المأموم
إذا شك في صلاته إلى الإمام إذا كان حافظا، نعم يشكل رجوع الإمام
إذا شك في صلاته إلى ذلك المأموم المحتاط إذا كان وحده هو الحافظ،
سواء انحصر المأموم به أم لم ينحصر.
[المسألة 1153]
لا يضر في بقاء القدوة أن يسلم الإمام ويفرغ من صلاته والمأموم
لا يزال مشغولا بالتشهد أو بالسلام الأول، فهو لا يزال مأموما ولا تجب
عليه نية الانفراد.
[المسألة 1154]
إذا كان المأموم مسبوقا بركعة أو ثلاث استحب له أن يتابع الإمام في
تشهده الأخير، وأن يكون حال التشهد متجافيا حتى يسلم الإمام، فيقوم
هو لباقي صلاته، ويجوز له أن ينفرد فيقوم لصلاته بعد السجدتين
وقبل تشهد الإمام وتسليمه.
[المسألة 1155]
يجوز للمأموم إذا رأى ضيقا في الصف الذي هو فيه أن يمشي إلى
الصف المتقدم عليه، أو إلى الصف المتأخر عنه، بشرط أن لا ينحرف عن
القبلة، فإذا مشى إلى خلفه مشي القهقرى، والأحوط له أن يجر رجليه
جرا، ويجب عليه أن يترك الذكر والقراءة في حال المشي حتى يطمئن
ويستقر، فيعود إلى ذكره وقراءته.
[المسألة 1156]
يستحب للمكلف أن ينتظر الجماعة وأن تأخر بسبب ذلك عن أول
604

الوقت سواء كان إماما في الجماعة أم مأموما، فصلاته مع الجماعة أفضل
من صلاته منفردا في أول الوقت، وصلاته مع الجماعة مع التخفيف
أفضل من صلاته منفردا مع الإطالة.
[المسألة 1157]
الإمامة في الجماعة أفضل من الاقتداء، ففي الحديث عن الإمام
الصادق (ع) من أم قوما بإذنهم وهم به راضون، فاقتصد بهم في حضوره
وأحسن صلاته بقيامه وقنوته وركوعه وسجوده، وقعوده: فله مثل
أجر القوم ولا ينقص عن أجورهم شئ.
[المسألة 1158]
يجوز لمن صلى الفريضة منفردا أن يعيدها جماعة، بل يستحب له
ذلك، سواء كان في الجماعة إماما أم مأموما، بل يجوز لمن صلاها جماعة
إماما أو مأموما أن يعيدها في جماعة أخرى سواء كان في الجماعة الثانية
إماما أم مأموما.
وتشكل الصحة إذا كان كل من الإمام والمأموم قد صلى الفريضة
منفردا، ثم أرادا أن يعيداها جماعة من غير أن ينضم إلى جماعتهما من
لا تكون صلاته معادة والأحوط الترك.
[المسألة 1159]
تجزيه الصلاة المعادة جماعة إذا تبين له بعد ذلك بطلان صلاته
الأولى.
[المسألة 1160]
إذا أدى المكلف صلاته منفردا أو جماعة ثم احتمل وجود خلل فيها
جاز له إعادتها منفردا أو جماعة وإن كانت صحيحة بحسب الظاهر،
ولا تشرع إعادتها منفردا في غير هذا الفرض.
وإنما تجوز له إعادة الصلاة مع احتمال وجود الخلل إذا لم يكن ذلك
عن وسوسة أو كثرة شك ولا تجوز مع أحدهما.
605

[المسألة 1161]
الأحوط لزوما إن لم يكن الأقوى: أن يقف المأموم إذا كان رجلا
واحدا عن يمين الإمام محاذيا لموقفه، وإذا كانوا رجالا أكثر من واحد
أن يقفوا خلف الإمام، وإذا كان امرأة واحدة أن تقف خلف الإمام،
والأفضل أن يكون مسجدها خلف موقفه، وأقل من ذلك في الفضل أن
يكون سجودها محاذيا لقدمه، وأقل من ذلك أن يكون سجودها محاذيا
لركبتيه، وإذا كن نساء أكثر من واحدة أن يصطففن خلف الإمام، وإذا
كان المأموم رجلا واحدا وامرأة واحدة أو أكثر: أن يقف الرجل إلى
جنب الإمام، وتقف النساء خلفهما، وإذا كانوا رجالا ونساءا أن يقف
الرجال خلف الإمام وأن تصطف النساء خلف الرجال. وإذا كان الإمام
للنساء امرأة وقفت في وسط الصف ولم تتقدم عليهن.
[المسألة 1162]
ينبغي أن يكون موقف الإمام محاذيا لوسط الصف، ويستحب له أن
يقتصد في صلاته فلا يطيل في أفعالها من ركوعها وسجودها، وخصوصا
إذا كان معه من يضعف عن الإطالة إلا إذا علم أن جميع المأمومين معه
يحبون التطويل. ويستحب له أن يسمع من خلفه قراءته وأذكاره في
ما لا يجب الاخفات فيه، ويتأكد ذلك في التشهد والتسليم، وأن يطيل
الركوع إذا أحس بدخول من يريد الصلاة معه، فينتظر مثلي ركوعه
ثم ينتصب قائما، ويستحب للمأموم إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة
أن يقول: الحمد لله رب العالمين، ويستحب ذلك للإمام أيضا والمنفرد
إذا فرغا من قراءتها، بل يستحب ذلك للمأموم إذا قرأ خلف الإمام.
[المسألة 1163]
أفضل صفوف الجماعة أولها، وأفضل أولها ما دنا من الإمام كما
ورد في الصحيح، وأفضل الصفوف في صلاة الجنازة آخرها، فيستحب
للمأموم في غير الجنازة الوقوف بقرب الإمام، والوقوف في ميامن
الصفوف، فإن ميامن الصفوف أفضل من مياسرها.
ويستحب أن يكون الصف الأول لأهل العلم والعقل والتقوى في الدين
وأن تكون ميامنه لذوي المزية والفضل منهم.
606

وتستحب استقامة الصفوف واتمامها، والمحاذاة بين مناكب المأمومين
فيها وسد الفرج الموجودة فيها، وأن تتقارب الصفوف بعضها من بعض
بحيث يكون بين الصفين مقدار مسقط جسد الانسان إذا سجد، ويستحب
أن يقوم المأمومون على أرجلهم عند قول المؤذن قد قامت الصلاة.
[المسألة 1164]
إذا كان المأموم ممن يقرأ خلف الإمام، كما إذا كان في الصلاة الجهرية
ولم يسمع حتى همهمة الإمام في القراءة، أو كانت أولتاه أو إحداهما
مع أخيرتي الإمام، فيستحب له إذا أتم قراءته قبل الإمام أن يشتغل
بالتحميد والتهليل والتسبيح حتى يفرغ الإمام، أو يبقى آية من قراءته
ويشتغل بذلك فإذا فرغ الإمام قرأ الآية وركع مع الإمام.
[المسألة 1165]
يستحب للإمام المسافر إذا أتم صلاته وكان المأمومون مقيمين أن
يستنيب من يتم بهم صلاتهم، وكذلك إذا عرض له ما يمنعه من اتمام
الصلاة من حدث أو رعاف أو نحوهما، ويكره له أن يستنيب من المأمومين
من كان مسبوقا بركعة أو أكثر، بل الأولى أن لا يستنيب إلا من شهد
الإقامة.
وإذا فرغ الإمام من صلاته فسلم، يستحب له أن يجلس في موضعه
ولا ينصرف حتى يتم المأمومون صلاتهم، كما إذا كان فيهم مسبوقون أو
كانوا مقيمين وكان الإمام مسافرا، وكذلك يستحب للمأموم إذا كان
مسافرا فسلم على ركعتين، أن لا يقوم من موضعه حتى يتم الإمام المقيم
صلاته ويسلم.
[المسألة 1166]
يكره التنفل عند الشروع في الإقامة، ويكره التكلم بعد قول المقيم
قد قامت الصلاة، وقد تقدم في مبحث الأذان والإقامة كراهة التكلم حتى
للمنفرد، وإذا تكلم أعاد الإقامة استحبابا، ويستثنى من ذلك ما إذا
كان التكلم في تقديم إمام أو في تسوية الصف وما أشبه ذلك.
607

[المسألة 1167]
يكره أن يقف المأموم وحده خلف الصفوف إذا كان له موضع فيها،
فإذا لم يجد موضعا وقف حذاء الإمام أو أخر الصفوف.
[المسألة 1168]
يكره للمأموم أن يسمع الإمام شيئا مما يقول وإن كان قليلا أو
بعضا من الذكر.
[المسألة 1169]
يكره للإمام أن يخص نفسه بالدعاء، سواء كان الدعاء من إنشاء
الإمام نفسه أم مأثورا، نعم إذا كان الدعاء مأثورا في قنوت الإمام (ع)
خاصة لم يغيره.
[المسألة 1170]
يكره أن يأتم المسافر بالحاضر والحاضر بالمسافر، إذا كانت صلاتهما
مختلفتين في القصر والتمام، بل يكره الايتمام إذا كانت صلاة أحدهما
مقصورة وصلاة الآخر تامة وإن كانا معا مسافرين أو حاضرين، كما
إذا صلى الحاضر صلاة مقصورة قضاءا فيكره للحاضر الآخر أن يأتم
به في صلاة تامة، أو صلى المسافر صلاة تامة قضاءا فيكره للمسافر
الآخر أن يأتم به في صلاة مقصورة حاضرة.
ولا كراهة في أن يأتم به في صبح أو مغرب، وإن كان أحدهما مسافرا
والآخر حاضرا، ولا كراهة في أن يأتم الحاضر بالمسافر أو العكس في
مواضع التخيير إذا اختار المسافر الاتمام.
(تنبيه): يراد بالكراهة في المسألة أن إيتمام المسافر بالحاضر
والحاضر بالمسافر يكون أقل فضلا من إيتمام الحاضر بالحاضر أو
المسافر بالمسافر في مثل تلك الصلاة، ولا نقص في الصلاة من جهة
أخرى، وهذا هو معنى الكراهة في العبادة.
608

[الفصل الثاني والأربعون]
[في صلاة المسافر وشرائطها]
[المسألة 1171]
يجب قصر الصلاة الرباعية في السفر إذا اجتمعت الشروط الآتي
بيانها، والقصر هو اسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعية، ولا قصر
في صلاة الصبح والمغرب.
وشروط القصر هي: (1): أن يكون السفر مسافة تامة، (2): أن
يقصد قطع المسافة من حين خروجه، (3): أن يستمر هذا القصد عنده
فلا يعدل عنه أو يتردد فيه، (4): أن لا يقصد من أول سفره أو في
أثنائه أن يقيم عشرة أيام قبل بلوغ المسافة، أو يتردد في الإقامة
وعدمها، أو يقصد أن يمر بوطن له قبل بلوغ المسافة، أو يتردد في
المرور بالوطن وعدم المرور، (5): أن لا يكون سفره معصية، (6):
أن لا يكون المسافر من الذين بيوتهم معهم، (7) أن لا يكون ممن اتخذ
السفر عملا له ودأبا، (8): أن يصل في سفره إلى حد الترخص.
ولا بد من بيان المراد في كل واحد من هذه الشروط.
[المسألة 1172]
(الشرط الأول): المسافة الشرعية للتقصير ثمانية فراسخ، سواء
كانت ممتدة في ذهابه، أو في إيابه، أم كانت ملفقة من الذهاب والإياب،
ولا فرق في التلفيق بين أن يكون الذهاب أربعة فراسخ أو أكثر أو أقل،
إذا كان المجموع منه ومن الإياب يبلغ الثمانية، حتى إذا كان الذهاب
فرسخا واحدا والإياب سبعة فراسخ.
ويستثنى من ذلك ما إذا تردد في ما دون أربعة فراسخ، حتى بلغ
الثمانية، كما إذا تردد في فرسخين أربع مرات، أو تردد في ثلاث فراسخ
ثلاث مرات، فإنه ليس بمسافر عرفا فلا يجب عليه التقصير، ويستثنى
منه ما إذا قطع المسافة الملفقة أو الممتدة في مدة طويلة جدا يخرج بها
عن كونه مسافرا، كما إذا قطع المسافة في مدة سنة مثلا، ويستثنى من
609

ذلك ما إذا كانت المسافة التي قطعها مستديرة حول البلد، بحيث
لا يصدق عليه أنه يبتعد عنها.
[المسألة 1173]
لا يشترط على الأقوى في المسافة الملفقة أن يكون الذهاب والإياب
في يوم واحد، أو أن يتصل إيابه بذهابه، بل يكفي أن يقطع المسافة
قاصدا لها وأن لا يقصد إقامة عشرة أيام في أثنائها أو يتردد في الإقامة
وعدمها، أو يحصل له أحد قواطع السفر الأخرى ولا يضره مع ذلك أن
يبيت ليلة أو أكثر قبل عودته.
[المسألة 1174]
الفرسخ الواحد عبارة عن ثلاثة أميال شرعية، والميل الواحد أربعة
آلاف ذراع بذراع اليد، وذراع اليد هي ما بين المرفق وطرف الإصبع
الوسطى من متوسط الخلقة عند مدها، فإذا كان طول الذراع المتوسطة
الخلقة سبعة وأربعين سنتيمترا، كان مجموع المسافة الشرعية خمسة
وأربعين كيلو مترا ومائة وعشرين مترا. وإذا كان أقل الأذرع المتوسطة
يبلغ خمسة وأربعين سنتيمترا كما هو الظاهر، كان مجموع المسافة
ثلاثة وأربعين كيلو مترا ومائتي متر، ويكون هو المراد من أدلة التحديد.
[المسألة 1175]
المسافة الشرعية مبنية على التحقيق لا على المسامحة، فإذا نقص
ما قطعه عن الثمانية فراسخ ولو بشئ قليل لم يجز له التقصير في الصلاة
والافطار في الصيام، وإذا اختلفت الأذرع المتوسطة في المقدار أخذ
بأقلها، إذا علم أنه من الأذرع المتوسطة.
[المسألة 1176]
تثبت المسافة الشرعية بين مبدأ السفر والمقصد، بالعلم سواء حصل
من الاختبار أم من الشياع أم من البينة الشرعية، ولا تثبت بقول
العادل الواحد.
[المسألة 1177]
إذا شك في وجود المسافة بين مبدأ سفره ومقصده وجب عليه أن يتم
610

في صلاته، وكذلك إذا ظن بوجود المسافة إذا لم يكن ذلك عن بينة
شرعية، والظاهر عدم وجوب الفحص عن وجود المسافة إلا إذا كانت
مقدمات حصول العلم ظاهرة تحتاج إلى تنبيه لا إلى فحص.
[المسألة 1178]
إذا شهدت بينة عادلة بوجود المسافة بين البلدين وشهدت بينة أخرى
بعدمها، فإن كانت البينتان معا قد استندتا في شهادتهما إلى العلم سقطتا
عن الحجية، ووجب الاتمام، وإذا استندت إحداهما إلى العلم واستندت
الثانية في شهادتها إلى الأصل قدمت البينة التي استندت إلى العلم.
[المسألة 1179]
إذا اعتقد المكلف بأن ما بين البلدين يبلغ مسافة شرعية فقصر في
صلاته ثم تبين له بعد ذلك عدم المسافة، وجبت عليه إعادة ما صلاه إذا
كان الوقت باقيا، ووجب قضاؤه إذا كان بعد الوقت. وكذلك الحكم
إذا اعتقد بعدم المسافة فأتم صلاته ثم ظهر له وجود المسافة فعليه إعادة
ما صلاه إذا كان في الوقت، ولزمه قضاؤه إذا كان بعد الوقت، وكذا
إذا شك في وجود المسافة فبنى على عدمها وصلى تماما ثم تبين له الخلاف.
[المسألة 1180]
إذا اعتقد المكلف عدم المسافة بين البلدين أو شك فيها فبنى على
العدم ثم علم في أثناء السير بوجود المسافة وجب عليه التقصير في بقية
سفره وإن كان الباقي لا يبلغ المسافة.
[المسألة 1181]
يترتب الأثر على بلوغ المسافة قاصدا لها وإن لم يكن القاصد مكلفا
بالفعل فالصبي الذي يقطع المسافة قاصدا إذا بلغ في أثناء سفره يجب
عليه التقصير في بقية سفره وإن كان الباقي منه لا يبلغ المسافة، وإذا
صلى في سفره قبل بلوغه صلاها قصرا، وكذلك المجنون الذي يتأتى
منه القصد إذا قطع المسافة قاصدا وأفاق في أثناء سفره فعليه التقصير
في بقية سفره وإن كان الباقي دون المسافة.
611

[المسألة 1182]
المدار على الطريق الذي يسلكه المكلف إلى مقصده في ذهابه وإيابه،
فإذا بلغ مجموع الذهاب والإياب فيه ثمانية فراسخ كان عليه التقصير،
وإن كان لذلك البلد طريق آخر لا يبلغ المسافة، وإذا سلك طريقا
لا يبلغ المسافة وجب عليه الاتمام وإن كان له طريق آخر يبلغ المسافة
أو يزيد.
[المسألة 1183]
إذا كانت المسافة التي يقطعها المكلف مستديرة وكان مجموعها يبلغ
ثمانية فراسخ وجب عليه التقصير، سواء كان الذهاب إلى المقصد يبلغ
أربعة فراسخ أم لا يبلغها أو يزيد عليها، ويستثنى من ذلك ما إذا كانت
المسافة مستديرة حول بلد المكلف بحيث لا يصدق عليه أنه يبتعد عنه،
فيجب عليه الاتمام كما بيناه في أول هذا الفصل.
[المسألة 1184]
إذا كان البلد صغيرا أو متوسطا، فمبدأ حساب المسافة هو آخر البلد
وإن كان خارج السور، وإذا كان البلد كبيرا جدا، بحيث يعد الخارج
من محلة منه إلى أخرى مرتحلا في نظر أهل العرف، فمبدأ حساب المسافة
هو آخر المحلة التي يسكن المكلف فيها، وإذا لم يبلغ البلد هذا المقدار
من الكبر وكان الخروج إلى المقصد لا يبلغ المسافة من آخر البلد ويبلغها
من آخر المحلة، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام.
[المسألة 1185]
(الشرط الثاني): أن يقصد قطع المسافة التامة من أول خروجه في
سفره، فإذا قصد في أول مسيره قطع بعض المسافة فقط، وبعد أن قطعه
عزم أن يواصل مسيره إلى أن يتم المسافة، لم يجب عليه التقصير، ومثال
ذلك أن يقطع في عزمه الأول فرسخين وبعد عزمه الثاني قطع فرسخين
آخرين، فلا تقصير عليه وإن كان المجموع من مسيره الأول والثاني
ورجوعه إلى موضعه الذي خرج منه يبلغ الثمانية ملفقة.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان المقدار الذي قصده في مسيره الثاني
612

مع عوده إلى موضعه يبلغ الثمانية فيجب عليه التقصير من أول مسيره
الثاني، ومثال ذلك أن يقطع في عزمه الأول فرسخين أو ثلاثة ثم يقصد
ثلاثة فراسخ أخرى فيكون ذهابه في مسيره الثاني فراسخ وإيابه
إلى موضعه الذي خرج منه خمسة فراسخ أو ستة، والمجموع منهما يبلغ
ثمانية فراسخ أو تسعة وهي مسافة تامة ملفقة يجب فيها التقصير.
[المسألة 1186]
لا يجب التقصير على المكلف إذا لم يدر أي مقدار يقطع في مسيره،
كما إذا خرج في طلب حيوان شارد، أو وجد عبد أبق، أو خرج للصيد
لا يدري أين يجده، فإذا وجد العبد أو الحيوان أو الصيد وعزم على
الرجوع وكان العود يبلغ ثمانية فراسخ ممتدة أو يزيد عليها وجب
عليه التقصير في العود. وكذلك إذا قطع بعض الطريق في الطلب، ثم
ذكر له أن الضالة أو العبد أو الصيد يوجد على بعد فرسخين أو ثلاثة
مثلا، فذهب إلى ذلك الموضع وكان المجموع من ذهابه إلى الموضع،
وعوده إلى موضع خروجه يبلغ المسافة، فيجب عليه التقصير من أول
مسيره الثاني، وإذا لم يبلغ المسافة لم يجب عليه القصر في الصورتين.
[المسألة 1187]
إذا خرج من موضعه إلى بعض النواحي ينتظر فيها رفقة يسافر
معهم، وإذا لم يتيسروا لم يسافر، فلا تقصير عليه في موضع الانتظار
إلا إذا بلغ المسافة التامة من موضع خروجه ولا تقصير عليه كذلك إذا
خرج من موضعه لطلب حاجة أو وسيلة سفر إن تيسرت له سافر وإن
لم تحصل لم يسافر، إلا إذا كان حين خروجه من موضعه مطمئنا بتيسر
الرفقة وحصول الحاجة، والوسيلة، بحيث كان عازما على السفر
للاطمئنان بحصولها فيجب عليه التقصير بعد خروجه عن محل الترخص
من موضعه.
[المسألة 1188]
يكفي في الحكم بالتقصير أن يقطع المسافة مع القصد إليه وإن لم
يتصل مسيره على النحو المتعارف في الأسفار، إلا أن يخرج بالابطاء
وطول المدة عن اسم السفر، كما ذكرناه في أول هذا الفصل.
613

[المسألة 1189]
يكفي في وجوب القصر على المكلف أن يقطع المسافة مع القصد إليه
ولو بالتبع لغيره في السفر كالزوجة تسافر مع زوجها والمملوك يتبع
سيده، وكالخادم والأسير والمكره إذا علموا بأن المتبوع يقصد المسافة،
وإذا لم يعلموا بأنه يقصد المسافة فعليهم الاتمام، ويجب عليهم الاستعلام
عن ذلك على الأحوط.
[المسألة 1190]
إذا علم التابع بأنه يفارق المتبوع قبل أن يبلغ مسافة التقصير، أو
ظن ذلك وجب عليه الاتمام، وكذلك إذا شك في المفارقة إلا إذا كان
عازما على مواصلة السفر وإن فارق صاحبه.
[المسألة 1191]
إذا اعتقد أن المتبوع لم يقصد مسافة في سفره أو شك في ذلك فصلى
تماما، ثم علم أنه كان قاصدا لها، فإن كان المقصد الذي يريده المتبوع
معلوما عند التابع ولكنه يجهل كونه مسافة وجب عليه القصر، بل
ووجب عليه قضاء ما صلاه، وإذا كان المقصد مجهولا لديه فالظاهر
وجوب التمام إذا لم يكن الباقي مسافة.
[المسألة 1192]
إذا أركب في قطار أو ألقي به في سفينة ونحوها وقطع به المسافة
مقسورا بحيث لم تكن له خيرة في حركة السفر وهو يعلم ببلوغ المسافة
فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام.
[المسألة 1193]
(الشرط الثالث): أن يستمر لديه قصد المسافة حتى يبلغها، فإذا
عدل عن قصد المسافة أو تردد فيه قبل أن يبلغ أربعة فراسخ وجب عليه
الاتمام في الصلاة.
وإذا بلغ أربعة فراسخ ثم عدل عن مواصلة السفر أو تردد فيه،
فهنا صور تختلف أحكامها.
614

(الصورة الأولى): أن يعزم على العودة إلى الموضع الذي سافر منه
ولا ينوي إقامة عشرة أيام في الموضع الذي وصل إليه ولا في غيره، والحكم
في هذه الصورة هو وجوب القصر عليه للمسافة الملفقة.
(الصورة الثانية): أن يعزم على العودة إلى الموضع الذي سافر منه،
ويتردد في نية الإقامة قبل عودته إليه، والحكم فيها هو وجوب التقصير
إلى أن يعود، أو يمضي عليه ثلاثون يوما مترددا، وهو في مكانه، فإذا
تم له ثلاثون يوما وجب عليه التمام في ذلك المكان وفي عودته إلى موضعه
إلا أن ينشئ سفرا جديدا.
(الصورة الثالثة): أن يبلغ أربعة فراسخ ثم يعدل عن مواصلة
السفر أو يتردد فيه، ويعزم أيضا على عدم العودة إلى الموضع الذي
سافر منه، والحكم فيها هو وجوب الاتمام إلا إذا أنشأ سفرا جديدا،
وكذلك الحكم إذا تردد في أن يعود إلى الموضع الذي سافر منه أم لا.
[المسألة 1194]
إذا قصد السفر إلى موضع معين يبلغ المسافة وقطع بعض المسافة
بهذا القصد ثم عدل عنه إلى موضع آخر يبلغ المسافة من موضع ابتداء
سفره، وجب عليه القصر وإن كان لا يبلغ المسافة من موضع عدوله،
وكفاه ذلك في استمرار القصد.
[المسألة 1195]
إذا قصد عند خروجه السفر إلى أحد بلدين ولم يعين أحدهما وقطع
بعض المسافة بهذا القصد، كفاه ذلك في قصد المسافة وفي وجوب القصر
عليه إذا كان كل واحد من البلدين يبلغ المسافة من موضع سفره، وإن
كان ما عينه أخيرا لا يبلغ المسافة من موضع التعيين.
[المسألة 1196]
إذا قصد الانسان السفر إلى مكان معين وقطع بعض المسافة بهذا
القصد، ثم تردد في مواصلة السفر، ثم عاد بعد ذلك إلى قصد السفر
إلى غايته، فهنا صورتان.
615

(الصورة الأولى): أن يعود إلى قصد السفر إلى غايته، من غير أن
يقطع في حال تردده شيئا من الطريق، وحكمه في هذه الصورة تقصير
الصلاة سواء كان ما بقي من الطريق إلى المقصد يبلغ المسافة أم لا.
(الصورة الثانية): أن يقطع في حال تردده شيئا من الطريق ثم يعود
بعد ذلك إلى الجزم بالسفر فعليه أن يسقط من الحساب ما قطعه من
الطريق في حال التردد ثم ينظر في مجموع ما قطعه أولا في حال الجزم
بالسفر وما بقي من الطريق في ذهابه إلى المقصد بعد العود إلى الجزم
ورجوعه إلى الوطن، فإن كان مجموع ذلك يبلغ مسافة التقصير ولو
ملفقة فعليه تقصير الصلاة والأحوط استحبابا الجمع، وإن كان لا يبلغ
المسافة وجب عليه الاتمام.
[المسألة 1197]
إذا قصد المكلف السفر إلى موضع وقطع بعض المسافة بهذا القصد
وحضرت الصلاة فصلاها قصرا، ثم عدل عن السفر لم تجب عليه إعادة
ما صلاه سواء كان الوقت باقيا أم خارجا.
[المسألة 1198]
(الشرط الرابع): أن لا يكون ناويا من أول سفره أو في أثنائه أن
يقيم عشرة أيام قبل أن يبلغ المسافة، أو يكون من قصده أن يمر بوطنه
قبل أن يبلغ المسافة، فإن الإقامة والمرور بالوطن قاطعان للسفر، فإذا
قصد أحدهما لم يكن قاصدا للمسافة فعليه اتمام الصلاة وكذلك إذا
كان مترددا في نية الإقامة أو في المرور بالوطن قبل أن يبلغ المسافة
فيجب عليه الاتمام.
[المسألة 1199]
لا يضر بقصد المسافة أن يحتمل الإقامة أو المرور بالوطن احتمالا
ضعيفا لا يوجب له التردد في القصد ولا ينافي العزم على مواصلة السفر
فيجب عليه التقصير، ونظير ذلك أن يعزم على السفر ولا يتردد فيه
وهو يعلم أنه لو عرض له عدو يصده عن الطريق أو مرض يمنعه من
الحركة لم يسافر، ولو عرض له ذلك في الأثناء لرجع عن قصده ولكن
616

احتمال ذلك لما كان ضعيفا لم يمنعه من العزم والاستمرار في القصد.
[المسألة 1200]
إذا شرع في السفر وهو عازم على إقامة عشرة أيام أو على المرور
بوطنه قبل أن يبلغ المسافة، ثم عدل عن ذلك وعزم على الاستمرار في
سيره من غير إقامة ولا مرور بوطن نظر في ما بقي من الطريق بعد عزمه
هذا، فإن كان يبلغ المسافة ولو بإحدى صور التلفيق، وجب عليه
القصر، وإن كان أقل من المسافة وجب عليه الاتمام، وكذلك الحكم
إذا كان مترددا في الإقامة أو المرور بالوطن ثم عدل عن التردد وعزم
على السفر من غير إقامة ولا مرور بوطن.
[المسألة 1201]
إذا شرع في السفر وهو لا يعزم إقامة عشرة أيام ولا مرورا بوطن
وقطع بعض المسافة بهذا القصد، ثم عزم على الإقامة أو المرور بالوطن
في أثناء المسافة، ثم عدل إلى نيته الأولى، فهنا صورتان.
(الصورة الأولى): أن لا يقطع في حال عزمه على الإقامة أو المرور
بالوطن شيئا من الطريق ثم يرجع إلى نيته الأولى، وحكمه في هذه
الصورة هو تقصير الصلاة وإن كان الباقي من الطريق إلى المقصد
لا يبلغ المسافة.
(الصورة الثانية): أن يقطع في حال عزمه على الإقامة أو المرور
بالوطن شيئا من الطريق، ثم يعود إلى نيته الأولى، وعليه أن يسقط
هذا من الحساب، ثم ينظر مجموع ما قطعه أولا في حال نيته الأولى،
وما بقي من الطريق في ذهابه إلى المقصد بعد عوده إلى النية الأولى ثم
رجوعه إلى وطنه، فإن بلغ مجموعه المسافة ولو بإحدى صور التلفيق
وجب عليه التقصير، وإن لم يبلغ المسافة وجب عليه الاتمام، وكذلك
الحال إذا طرأت له حالة التردد في الإقامة أو المرور بالوطن، ثم عاد
إلى نيته الأولى فتجري فيه الصورتان وينطبق حكمهما.
617

[المسألة 1202]
(الشرط الخامس): أن لا يكون السفر محرما، فلا يجوز للمكلف
تقصير الصلاة إذا كان سفره حراما، كالفرار من الزحف الواجب،
واباق العبد من سيده، ومنه سفر الولد مع نهي أحد الأبوين إذا كان
النهي عن شفقة منهما عليه، ولا يحرم إذا كان النهي لمصلحة تعود إلى
الأبوين نفسهما أو لبعض الدواعي الأخرى، نعم يحرم السفر إذا كان
فيه ايذاء وعقوق لهما.
ومنه ما إذا سافر لغاية محرمة، كمن يسافر لقتل نفس محترمة،
أو لقطع طريق، أو لسرقة، أو زنا أو إعانة ظالم، وشبه ذلك من
الغايات، وليس من السفر المحرم ما كان لغاية مباحة، لكن قد يتفق
فيه صدور بعض المحرمات كشرب الخمر والزنا، والغيبة، ونحوها،
فلا يجب فيه اتمام الصلاة إذا لم يكن العمل المحرم هو الغاية المقصودة
في السفر.
[المسألة 1203]
إذا استلزم سفر الانسان ترك واجب عليه، فلا يترك الاحتياط
بالجمع فيه بين القصر والتمام، إذا قصد بسفره التوصل إلى ترك
الواجب، بل ولا يترك الاحتياط بالجمع إذا التفت إلى أن سفره يستلزم
ترك الواجب فسافر، وإن لم يقصد بسفره التوصل إليه، ومثال ذلك
ما إذا كان الانسان مدينا لأحد، وطالبه الدائن بدينه، وكان المدين
ممن يمكنه الأداء في الحضر ولا يمكنه في السفر، فيكون سفره مستلزما
لترك وفاء الدين مع وجوبه عليه.
[المسألة 1204]
إذا كان السفر مباحا، ولكن المكلف ركب في سفره سيارة مغصوبة،
أو مشى في أرض مغصوبة، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر
والتمام إذا انحصرت وسيلة السفر بالسيارة المغصوبة، أو انحصر
الطريق بالأرض المغصوبة، وكان المسافر ملتفتا إلى ذلك، وإذا سافر
في سيارة مغصوبة أو على دابة مغصوبة بقصد الهرب بها عن مالكها أو
بيعها في بلد آخر، وجب عليه الاتمام في صلاته.
618

[المسألة 1205]
تابع الجائر في سفره إذا كان مختارا في ذلك، وكان ممن يعد من
أعوانه في ظلمه أو مقوية أمره أو معظمة سلطانه أو نحو ذلك وجب
عليه الاتمام في سفره، وإذا كان سفر الجائر نفسه طاعة أو مباحا وجب
على الجائر القصر في ذلك السفر ووجب على التابع الاتمام فيه.
وإذا كان التابع مكرها أو تبعه لدفع مظلمة ولو عن غيره، أو
لغرض صحيح آخر وجب عليه التقصير في سفره وإن كان سفر الجائر
في معصية.
[المسألة 1206]
إذا سافر التابع منفردا امتثالا لأمر الجائر وكان ذلك إعانة له
في جوره أو تقوية لأمره أو تعظيم لسلطانه أو نحو ذلك وجب عليه
الاتمام في سفره وإن كان السفر مباحا لولا ذلك.
[المسألة 1207]
الراجع من سفر المعصية إذا كان لا يزال متلبسا بالمعصية، كما إذا
سافر لشراء الخمر أو الآلات المحرمة ورجع بها ليبيعها في بلده أو غير
بلده، يجب عليه الاتمام في إيابه كما في ذهابه، وإذا كان في رجوعه
غير متلبس بالمعصية، فالظاهر وجوب التقصير عليه والافطار إذا كان
الرجوع يبلغ مسافة تامة، سواء كان تائبا من المعصية أم لا، وإذا كان
أقل من المسافة فعليه الاتمام والصيام.
[المسألة 1208]
إذا سافر للصيد لهوا وجب عليه الاتمام في صلاته وصيامه في ذهابه
وإذا رجع من سفره وكان الرجوع وحده يبلغ المسافة وجب عليه القصر
والافطار فيه، وإن كان لا يبلغ المسافة وجب عليه الاتمام والصيام،
ولا فرق في الحكم بين صيد البر والبحر.
[المسألة 1209]
إذا سافر للصيد لقوته وقوت عياله وجب عليه القصر في ذهابه وإيابه
619

وكذلك إذا كان الصيد للتجارة التي يتعيش بها هو وعياله، وإذا كان
الصيد للتجارة لغير الحاجة لذلك، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر
والتمام في الصلاة ويجب عليه الافطار في الصوم، ولا فرق في الحكم بين
صيد البر والبحر.
[المسألة 1210]
إذا كان سفر المكلف في ابتدائه مباحا ثم قصد المعصية في أثنائه،
فإن كان ما قطعه من الطريق قبل قصد المعصية لا يبلغ المسافة وجب
عليه الاتمام بمجرد قصد المعصية، وإن كان ما قطعه منه مسافة فأكثر،
فالأحوط له الجمع بين القصر والتمام حين يتلبس بالسير بقصد المعصية،
وعليه القصر قبل ذلك، كما إذا كان في المنزل الذي عدل فيه وقبل أن
يتلبس بالسير.
[المسألة 1211]
إذا كان سفر المكلف في ابتدائه معصية ثم عدل عنه إلى الطاعة،
فإن كان الباقي منه يبلغ مسافة تامة ولو بإحدى صور التلفيق وجب
عليه القصر حين يتلبس بالسير وإن كان لا يبلغ المسافة وجب عليه
الاتمام حتى يعود إلى وطنه، والأحوط استحبابا أن يجمع بين القصر
والتمام.
[المسألة 1212]
إذا نوى السفر المباح أولا وقطع بعض المسافة، ثم عدل عنه إلى
قصد المعصية، ثم عاد إلى نية السفر المباح، فهنا صور.
(الصورة الأولى): أن يبلغ مجموع ما قطعه أولا وأخيرا بنية الطاعة
مسافة تامة أو أكثر، ولا يقطع في حال نية المعصية شيئا من الطريق،
وحكمه في هذه الصورة وجوب التقصير.
(الصورة الثانية): أن يبلغ ما قطعه أولا وأخيرا بنية الطاعة مسافة
تامة أو أكثر، ولكنه قطع ما بينها شيئا من الطريق بنية المعصية أيضا،
والأحوط له في هذه الصورة الجمع بين القصر والتمام.
620

(الصورة الثالثة): أن يكون ما قطعه أولا في حال نية الطاعة وحده
مسافة تامة أو أكثر، والظاهر وجوب التقصير عليه بعد عوده إلى نية
الطاعة، سواء بلغ الباقي وحده مسافة أم لا وسواء اتصل بعضه ببعض
أم لا.
[المسألة 1213]
إذا كانت غاية الانسان في سفره ملفقة من الطاعة والمعصية، فالمدار
في الحكم على استناد السفر إلى أي الغايتين، فإذا استند سفره إلى الطاعة
وكانت المعصية مقصودة بالتبع لزمه التقصير في الصلاة، وإذا استند
إلى المعصية لزمه التمام، وكذلك إذا استند السفر إليهما معا، سواء
كان كل واحد منهما مؤثرا مستقلا أم كانا مؤثرين على نحو الاشتراك،
والأحوط استحبابا الجمع بين القصر والتمام في الصورتين الأخيرتين.
[المسألة 1214]
إذا كان موضع الغاية المحرمة التي سافر إليها يقع في أثناء طريقه،
ولكن الوصول إليها يتوقف على قطع مسافة أخرى يصل إليها ثم يرجع
منها إلى غايته، كما إذا كان القطار أو الوسيلة الأخرى التي سافر فيها
لا تقف إلا بعد مرحلة أو أكثر من ذلك الموضع، فهو يحتاج إلى قطع
تلك المسافة ثم العود إلى موضع غايته، فهل تعد تلك المسافة الأخرى
من سفر المعصية أم لا.
الظاهر أنها إنما تعد من سفر المعصية إذا كان قطعها يعد مقدمة للغاية
المحرمة، بحيث تكون المعصية غاية له منها كما هي غاية لأصل سفره.
[المسألة 1215]
لا يحرم السفر بقصد التنزه، ولا يكون موجبا للتمام ما لم يكن لهوا
[المسألة 1216]
إذا كان أصل السفر مباحا والغاية صحيحة، ولكن كانت للمسافر
غاية محرمة تقع في جوانب الطريق، فيخرج عن الجادة في بعض النقاط
لعمل ذلك المحرم، ثم يعود إلى الجادة، فإن كانت تلك الغاية المحرمة
621

مقصودة له في أصل سفره ولو على سبيل الاشتراك بينها وبين الغاية
المباحة وجب عليه الاتمام في سفره.
وإذا كان الغرض من السفر هو الغاية الصحيحة وحدها، ولكن
يعرض له قصد الغاية المحرمة في الأثناء، فيخرج عن الجادة ثم يعود،
فإن كان موضع المعصية قريبا بحيث لا يعد الخروج إليه من الجادة سفرا
عرفا، فهو على حكم القصر، وإن كان بعيدا بحيث يعد الخروج إليه
من الجادة سفرا، وجب عليه الاتمام في أثناء الخروج، فإذا عاد إلى
الجادة، وكان ما قطعه أولا قبل خروجه إلى الغاية المحرمة يبلغ وحده
المسافة أو يزيد عليها، فعليه القصر في الباقي وإن لم يبلغ الباقي
وحده المسافة. وكذلك إذا كان الباقي من الطريق يبلغ المسافة، ولو
ملفقة، فيجب عليه القصر، وإذا كان الباقي أقل من المسافة، ولكن
المجموع منه ومما قطعه أولا يبلغ المسافة كان عليه الجمع بين القصر
والتمام.
[المسألة 1217]
إذا سافر الانسان لغاية محرمة، ثم عرض له في أثناء سفره أن يخرج
عن الجادة إلى غاية مباحة، فإن كان خروجه عن الجادة لتلك الغاية يبلغ
مسافة ولو ملفقة، وجب عليه القصر في خروجه إلى أن يعود إلى الجادة،
وإن لم يبلغ المسافة كان عليه الاتمام فيه.
[المسألة 1218]
إذا سافر لغاية محرمة وجب عليه الاتمام في ذهابه وفي المكان الذي
قصد إليه حتى يأخذ في العود، فإذا أخذ في العود وكان يبلغ مسافة تامة
وجب عليه القصر فيه سواء تاب أم لم يتب، وقد ذكرنا ذلك قبل عدة
مسائل.
[المسألة 1219]
إذا سافر المكلف لغاية مباحة وقطع بهذا القصد مقدارا من الطريق،
ثم عرض له بعد ذلك قصد غاية محرمة في أثناء الطريق، بحيث كانت
622

غايته في هذا الجزء من السفر ملفقة من طاعة ومعصية، وبعد انتهاء
قصده المحرم أصبح سفره خالصا للغاية الأولى المباحة.
والظاهر أنه يجب عليه اتمام الصلاة في الجزء المتوسط من السفر
الذي كانت غايته ملفقة من الطاعة والمعصية، وأما في المقدار الباقي
من سفره بعد انتهاء المقصد المحرم، فللمسألة صور.
(الصورة الأولى): أن يكون قد قطع في أول سفره وقبل أن يعرض
له القصد المحرم مسافة تامة أو أكثر، وحكمه في هذه الصورة هو وجوب
التقصير في ما بقي من سفره بعد انتهاء القصد المحرم، وإن لم يكن
الباقي بنفسه مسافة.
(الصورة الثانية): أن يكون الباقي وحده مسافة تامة ولو بالتلفيق،
وحكمه في هذه الصورة هو وجوب التقصير كذلك.
(الصورة الثالثة): أن يكون مجموع ما قطعه أولا حال نية الطاعة
وما بقي أخيرا بعد اسقاط ما قطعه للمقصد المحرم، لا يبلغ المسافة،
وحكمه فيها هو وجوب الاتمام في الباقي.
(الصورة الرابعة): أن يبلغ المجموع منها مسافة تامة بعد اسقاط
المتخلل، وعليه في هذه الصورة أن يجمع في الباقي بين القصر والتمام.
[المسألة 1220]
إذا كان سفر المكلف لغاية محرمة وكان في شهر رمضان، فنوى
الصوم، ثم عدل في أثناء سفره ويومه إلى نية الطاعة، فإن كان عدوله
قبل الزوال وكان الباقي من الطريق يبلغ مسافة ولو ملفقة وجب عليه
الافطار، وإذا كان عدوله بعد الزوال فالأقوى وجوب البقاء على الصوم.
وإذا كان السفر مباحا فنوى الافطار، ثم عدل في سفره إلى قصد
المعصية، فإن كان عدوله قبل الزوال مع عدم الاتيان بالمفطر وجبت
عليه نية الصوم، والأحوط وجوبا قضاء اليوم بعد ذلك، وإذا كان
عدوله بعد الزوال أو بعد أن أتى بالمفطر بطل صومه، والأحوط
استحبابا أن يمسك بقية النهار تأدبا.
623

[المسألة 1221]
إذا سافر الانسان سفرا محرما فهو في حكم الحاضر، فيجب عليه
حضور الجمعة إذا أقيمت بشرائطها، ولا تسقط عنه نوافل الصلاة
الرباعية، ويصح له أن يأتي بالصوم المندوب وغير ذلك من أحكام
الحاضر.
[المسألة 1222]
(الشرط السادس): أن لا يكون من الذين بيوتهم معهم كسكان
البادية الذين يدورون في البراري وليس لهم فيها مساكن معينة، فحكمهم
اتمام الصلاة والصيام، بل وإن كانت لهم مساكن معينة يقطنونها في
بعض السنة، ويخرجون عنها في البعض الآخر ومعهم بيوتهم يطلبون
منابت العشب ومواضع القطر، أو يخرجون إلى بعض الأرياف في
المواسم، لطلب الرزق، فإذا خرجوا كذلك كان حكمهم الاتمام.
[المسألة 1223]
إذا سافر هؤلاء لمقصد آخر كالحج والزيارة وقضاء بعض الحقوق
وعلاج بعض الأمراض وكانوا في غير بيوتهم وجب عليهم تقصير الصلاة
والافطار في الصوم، وإذا كانت بيوتهم معهم كان حكمهم الاتمام،
وكذلك إذا خرج بعضهم لارتياد منزل ونحو ذلك، فإن كان بيته معه
لزمه الاتمام وإن لم يكن بيته معه لزمه القصر.
[المسألة 1224]
السائح الذي ليس له وطن مخصوص من الأرض يجب عليه الاتمام
في صلاته وصيامه، وبحكمه من أعرض عن وطنه الأول وسافر عنه وبنى
على عدم التوطن في موضع أصلا فحكمه الاتمام، وأما من أعرض عن
وطنه الأول فسافر عنه ولم يعين له وطنا خاصا بعد فالأحوط له الجمع
بين القصر والتمام.
[المسألة 1225]
(الشرط السابع): أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا، والظاهر
624

من أدلة المسألة أن المراد بهذا الصنف من الناس من يعتاد السفر ويتخذه
دأبا له لأجل غاية محللة.
ومن أمثلة ذلك المكاري، والجمال، وسائق السيارة والقطار،
والملاحون في السفن، والبواخر والطائرات، والموظفون فيها
الذين يعملون فيها في أثناء السفر وساعي البريد والراعي،
ونحوهم، فيجب عليهم اتمام الصلاة والصيام في أسفارهم للغايات التي
اعتادوا السفر من أجلها، إذا كانت الأسفار التي دأبوا عليها تبلغ
المسافة الشرعية التامة أو تزيد عليها، فإذا كان السائق مثلا يعمل
في سيارته في ما دون المسافة لم يثبت له هذا الحكم فإذا اتفق له السفر
في سيارته مسافة فأكثر، وجب عليه التقصير في الصلاة والافطار في
الصيام، وكذلك المكاري والحطاب وغيرهما.
[المسألة 1226]
يجب اتمام الصلاة والصيام على السائق والمكاري إذا كان السفر
عملا لهما، سواء كان سفرهما لحاجة الآخرين كما إذا استأجرهما
أحد للسفر، أم كان لحاجتهما بنفسهما كما إذا سافر السائق في سيارته
لنقل أمتعته وأهله من بلد إلى بلد آخر، وكذلك الملاح، وغيره من
أفراد هذا الصنف.
[المسألة 1227]
إذا كان السائق أو المكاري ممن اعتاد السفر مسافة معينة كالسفر
من النجف إلى كربلاء أو إلى بغداد أو إلى البصرة مثلا، فاتفق له الخروج
في عمله إلى غيرها من المسافات كالسفر إلى مكة أو إلى أقطار أخرى وجب
عليه الاتمام والصيام في سفره ذلك أيضا.
[المسألة 1228]
التاجر الذي يدور في تجارته في البلاد أو بين الأحياء ويدأب على
السفر فيها، بحيث لا استقرار له في موضع مخصوص، يجب عليه اتمام
الصلاة في سفره وبحكمه كل عامل يدور في عمله ولا يكون له استقرار
في موضع كالنجار والبناء والحداد والعمال الآخرين الذين يدورون
625

في عملهم ويدأبون على السفر من أجله في البلاد والرساتيق والقرى،
فيجب عليهم الاتمام في سفرهم.
وكذلك الذين يدأبون على السفر لجلب الخضر والفواكه والحبوب
والأمتعة والبضائع، ويكون عملهم نقل هذه الأشياء من موضع إلى
موضع.
وليس من هذا القسم على الظاهر من يسافر من بلده ليجلب لنفسه
نوعا من البضاعة ويقوم ببيعها في البلد، وإن تكرر ذلك منه، فيجب
عليه التقصير في سفره.
[المسألة 1229]
الظاهر أن من أفراد هذا الصنف، الذين يدأبون على السفر للتعلم
أو للتعليم أو للعمل في موضع، فمتى صدق على التلميذ أو على المعلم
أو العامل أنه ممن دأبه السفر للغاية التي يعمل فيها وجب عليه اتمام
الصلاة والصيام في سفره.
[المسألة 1230]
المعيار في الدخول في هذا الصنف هو أن يصدق على الشخص أنه اتخذ
السفر عملا له، فمتى صدق عليه ذلك في نظر أهل العرف وجب عليه
أن يتم الصلاة والصيام وإن كان في السفرة الأولى، ولم يحتج إلى تكرر
السفر.
[المسألة 1231]
إذا سافر السائق أو المكاري أو الملاح أو غيرهم من أفراد هذا الصنف
سفرا لا يعد من عمله، كما إذا سافر للحج أو للزيارة أو لعلاج مرض
وجب عليه التقصير والافطار في ذلك السفر، وكذلك إذا احتاجت
سيارته أو سفينته للاصلاح فخلفها عند من يصلحها ورجع إلى أهله،
فعليه التقصير في رجوعه إلى أهله إذا كان الرجوع يبلغ المسافة.
وإذا استؤجر للحج أو الزيارة فسافر لذلك، وحج وزار بالتبع
فعليه اتمام الصلاة في هذا السفر لأنه من عمله، كذلك إذا استؤجر
626

للسفر إلى بلد، وبعد أن بلغ المقصد رجع إلى أهله بسيارته أو دوابه
فارغة من غير مكاراة، فعليه الاتمام في سفر رجوعه لأنه من عمله.
[المسألة 1232]
إذا اتخذ الانسان السفر عملا في شهور معينة من السنة، كالسائق،
والمكاري يتخذ السفر عملا في أشهر الجح لنقل الحجاج بين جدة ومكة،
وبين مكة والمدينة أو في فصل معين منها كالسائق والمكاري يتخذ السفر
عملا له لجلب الخضر والفواكه في أيام الصيف، ثبت له الحكم في المدة
المعينة فيجب عليه اتمام الصلاة والصيام فيها، وإذا سافر في غيرها من
أيام السنة وجب عليه القصر والافطار.
[المسألة 1233]
(الحملدارية)
الذين ينقلون الحجاج إلى مكة والمدينة في أيام الحج
خاصة، لا يعدون ممن عملهم السفر، وخصوصا إذا كان زمان السفر
قصيرا، فيجب عليهم التقصير في الصلاة.
[المسألة 1234]
من كثر سفره لبعض العوارض أو الأغراض التي اقتضت له ذلك،
يجب عليه القصر في صلاته والافطار في صيامه عند اجتماع سائر
الشرائط، سواء اتحد مقصده وغايته في أسفاره أم تعدد، وسواء قصد
ذلك من أول الأمر أم وقع له اتفاقا، ولا يجوز له اتمام الصلاة والصيام
إلا إذا اتخذ السفر عملا له كما تقدم.
[المسألة 1235]
إذا أقام من عمله السفر - والمكاري على الخصوص - في بلده أو في
موضع آخر عشرة أيام، فالأحوط له الجمع بين القصر والتمام في السفرة
والأولى التي يسافرها بعد ذلك سواء كانت العشرة التي أقامها منوية
أم لا.
[المسألة 1236]
إذا كان المكلف ممن عمله السفر، وشك هل أنه أقام عشرة أيام
627

ليلزمه الاحتياط بالجمع في سفرته الأولى أم لا، بنى على وجوب الاتمام.
[المسألة 1237]
(الشرط الثامن): أن يخرج في سفره حتى يصل إلى حد الترخص،
وهو الموضع الذي يتوارى فيه المسافر عن أهل البيوت، وعلامة وصوله
إلى هذا الموضع أن يتوارى عنه أهل البيوت، أو يخفى عليه الأذان
بحيث لا يسمع صوت المؤذن، وهاتان العلامتان متقاربتان جدا، أو هما
متحدتان ولا اختلاف بينهما، فهما علامتان على البعد الخاص الذي إذا
وصل إليه المسافر في خروجه وجب عليه القصر في صلاته وإذا بلغه في
عودته إلى وطنه وجب عليه الاتمام فيها كما سيأتي ذكره.
[المسألة 1238]
المدار في الرؤية على البصر المتعارف والموضع المستوي، فلا اعتبار
في البصر بما خرج عن المتعارف في القوة أو في الضعف، ولا اعتبار في
الموضع المرتفع أو المنخفض، بل يقدر البعد في الموضع المستوي والبصر
المتعارف بين الناس، وكذلك في سماع الأذان، فيقدر بالمتعارف في
صوت المؤذن وأذن السامع وموانع السمع وفي الموضع المستوي.
[المسألة 1239]
المعيار في خفاء الأذان هو عدم سماع الأذان في آخر البلد من ناحية
المسافر، وأن يكون الأذان على مرتفع معتاد في أذان البلد، والمراد
خفاء مطلق الصوت وإن لم يميز كونه أذانا أو غيره.
[المسألة 1240]
يشكل اعتبار حد الترخص في محل الإقامة، وفي المكان الذي يتردد
فيه بين الإقامة والسفر ثلاثين يوما، فإذا وصل المسافر إلى حد الترخص
من موضع عزم على الإقامة فيه عشرة أيام وأراد الصلاة فيه، فلا يترك
الاحتياط بأن يجمع فيه بين القصر والتمام أو يؤخر الصلاة حتى يدخل
محل الإقامة فيصليها تماما. وكذلك إذا سافر من موضع نوى فيه
الإقامة وأراد الصلاة قبل أن يصل إلى حد الترخص منه فالأحوط له أن
628

يجمع بين القصر والتمام أو يؤخر الصلاة إلى أن يبلغ حد الترخص
فيصليها قصرا.
وكذلك في الموضع الذي تردد فيه بين السفر والإقامة ثلاثين يوما،
فأتم الصلاة فيه بعد الثلاثين، فإذا سافر من ذلك الموضع وأراد الصلاة
قبل الوصول إلى حد الترخص منه فالأحوط له أن يجمع بين القصر
والتمام أو يؤخر الصلاة حتى يصل إلى حد الترخص منه، فيصليها
قصرا.
[المسألة 1241]
إذا شك في وصوله إلى حد الترخص بنى عدم وصوله إليه فيجب
عليه اتمام الصلاة إذا كان في خروجه إلى السفر، ويجب عليه القصر
إذا كان في رجوعه منه.
(تنبيه): إذا شك في وصوله إلى حد الترخص في خروجه إلى السفر
فصلى تماما كما بيناه، وعند رجوعه من السفر أراد الصلاة في ذلك
الموضع، فينبغي له أن يصلي قصرا قبل الوصول، إلى النقطة التي
صلى فيها تماما في خروجه.
فإن هو صلى الحاضرة قصرا في تلك النقطة حصل له العلم الاجمالي
ببطلان إحدى الصلاتين: الحاضرة أو المتقدمة، فتجب عليه إعادة
الصلاة الحاضرة تماما، وقضاء الصلاة المتقدمة عند خروجه قصرا،
فإن هو لم يعد الحاضرة وجب عليه قضاؤها تماما كذلك مع قضاء
المتقدمة قصرا.
[المسألة 1242]
إذا اعتقد المكلف بعد خروجه إلى السفر أو عند رجوعه منه أنه قد
بلغ حد الترخص فصلى صلاته الحاصرة وفق ما يعتقده من قصر أو
تمام، ثم ظهر له أنه صلاها قبل حد الترخص كانت صلاته باطلة
ووجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت وقضاؤها إذا خارج الوقت،
والصور المحتملة في المسألة أربع.
629

(الصورة الأولى): إذا اعتقد في ابتداء سفره أنه بلغ حد الترخص
فصلى الحاضرة قصرا، ثم علم أنه قد صلاها قبل حد الترخص، فتجب
عليه إعادتها إذا كان في الوقت، فإن كان عند الإعادة قد بلغ جد الترخص
أعادها قصرا وإن لم يبلغ حد الترخص بعد أعادها تماما.
وإذا كان بعد خروج الوقت وجب عليه قضاؤها، فإن كان قد خرج
وقتها قبل أن يصل إلى حد الترخص قضاها تماما وإن كان بعد بلوغه
حد الترخص قضاها قصرا، وإذا شك في ذلك جمع بين القصر والتمام
على الأحوط.
(الصورة الثانية): إذا اعتقد في ابتداء سفره أنه لم يبلغ حد
الترخص فصلى الحاضرة تماما، ثم علم أنه صلاها بعد حد الترخص،
فتجب عليه إعادتها قصرا إذا كان لا يزال مسافرا، وإذا كان قد وصل
إلى محل إقامته أو رجع إلى وطنه والوقت لا يزال باقيا أعادها تماما.
وإذا كان بعد خروج الوقت وجب عليه قضاؤها وكان الاعتبار بحال
فوت الفريضة وهو آخر وقتها، فإن كان فيه مسافرا قضاها قصرا،
وإن كان فيه حاضرا قضاها تماما.
(الصورة الثالثة): إذا اعتقد وهو في رجوعه من السفر أنه قد بلغ
حد الترخص فصلى الفريضة الحاضرة تماما ثم علم أنه لم يبلغ حد
الترخص، وجبت عليه إعادة الفريضة إذا كان في الوقت، فإن كان
مسافرا أعادها قصرا، وإن كان حاضرا أو مقيما أعادها تماما كما
تقدم، وإذا كان بعد خروج الوقت اعتبر بحال فوتها وهو آخر الوقت،
فإن كان حين فوتها مسافرا قضاها قصرا، وإن كان حاضرا قضاها
تماما.
(الصورة الرابعة): إذا اعتقد وهو في رجوعه من السفر أنه لم يبلغ
حد الترخص فصلى الحاضرة قصرا، ثم علم أنه قد بلغ الحد عندما
صلاها، وجب عليه أن يعيد الصلاة تماما إذا هو لم يسافر في الوقت بعد
ذلك، وإذا كان بعد خروج الوقت اعتبر بحال الفوت كما تقدم.
630

[الفصل الثالث والأربعون]
[في قواطع السفر]
وهي ثلاثة أمور، (الأول: الوطن)
[المسألة 1243]
لا ريب في أن مرور المسافر بوطنه قاطع لسفره، فيجب عليه أن يتم
الصلاة فيه حتى ينشئ سفرا جديدا تجمتع فيه شرائط التقصير المتقدم
ذكرها، بل عرفت أن بلوغ حد الترخص من وطنه موجب لانقطاع سفره
وجوب الاتمام عليه.
[المسألة 1244]
الوطن العرفي هو الموضع الذي يتخذه الانسان مسكنا ومقرا له، ولا
يشترط في صدق الوطن أن يقصد دوام الإقامة فيه، فالبلد أو القرية
التي هي مسقط رأسه وكانت مسكن أبويه من قبله، إذا اتخذها مسكنا
له، كانت وطنا له في نظر أهل العرف وإن لم يقصد دوام الاستيطان
فيها.
نعم قد يتردد في صدق الوطن العرفي على الوطن الذي يستجده الانسان
إذا لم يقصد دوام الإقامة فيه، بل قصد البقاء فيه موقتا، وسواء
صدق على الوطن الموقت أنه وطن عرفي أم لم يصدق، فإن له حكم الوطن
الدائم إذا خرج المقيم فيه عن اسم المسافر عرفا، فيجب فيه اتمام
الصلاة وإن لم ينو إقامة عشرة أيام.
ولا يعتبر في الوطن العرفي أن يكون له فيه ملك، ولا أن يقيم فيه
ستة أشهر، نعم لا يترك الاحتياط في الوطن المستجد بأن لا يكتفي بمجرد
نية التوطن في ترتيب أحكام الوطن عليه، حتى يقيم فيه مدة يصدق
معها أنه وطنه. فإذا مر به في أول اتخاذه وطنا ولم ينو إقامة عشرة
أيام، فالأحوط أن يجمع فيه بين القصر والتمام إلى أن يقيم فيه المدة
المذكورة.
631

[المسألة 1245]
يمكن أن يكون للرجل منزلان في بلدين أو قريتين، ويكون له في
كل واحد منهما زوجة وأطفال مثلا، وينوي الاستيطان الدائم في
المنزلين جميعا، ويجزئ إقامته في السنة عليهما، فيكون كل واحد من
البلدين وطنا عرفيا له، بل يمكن أن يكون له أكثر من وطنين عرفيين،
وتترتب على كل واحد منها أحكام الوطن الواحد، فإذا مر به وهو
مسافر، انقطع سفره ولم يتصل ما قبله من المسافة بما بعده ووجب
عليه اتمام الصلاة حتى ينشئ سفرا جديدا، وإن لم يكن له فيه ملك
أو إقامة ستة أشهر.
[المسألة 1246]
إذا أعرض الانسان عن وطنه، فالأقوى عدم جريان أحكام الوطن
عليه بعد ذلك، وإن كان له فيه ملك وقد استوطنه ستة أشهر، فإذا مر
به وهو مسافر لم ينقطع سفره ولم يجب عليه اتمام الصلاة فيه،
والأحوط استحبابا أن يجمع فيه بين القصر والتمام.
[المسألة 1247]
يكفي في صدق الوطن أن يقصد الانسان التوطن في المكان ولو بالتبع
لغيره ولا تناط التبعية في الوطن بالبلوغ وعدمه. بل يكفي القصد
الارتكازي الموجود في نفس الولد: بأن وطنه هو وطن أبيه أو وطن
أمه مثلا، فإن هذا القصد يحقق له موضوع الوطن بالتبعية، سواء
كان بالغا كبيرا أم صغيرا مميزا، فإذا أعرض عن تبعية أبيه، وانفرد
عنه لحقه حكم وطنه المستقل وإن لم يكن بالغا، وكذلك الحكم في
الزوجة والمملوك وغيرهما من الاتباع.
[المسألة 1248]
إذا قصد التوطن الدائم في مكان، ثم حصل له التردد في الاستيطان
فيه فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين القصر والتمام حتى يتحقق
الاعراض عنه، سواء كان وطنا أصليا أم مستجدا، وخصوصا إذا أقام
فيه مدة يصدق معها أنه وطنه عرفا.
632

[المسألة 1249]
يتحقق الوطن وتترتب عليه أحكامه وإن كان المنزل الذي يسكن
فيه مغصوبا إذا قصد استيطانه والإقامة فيه أبدا، وكذلك إذا حرمت
السكنى فيه من جهة أخرى.
[المسألة 1250]
إذا قصد الإقامة في موضع مدة طويلة ولكنها محدودة، كما إذا عزم
الإقامة في بلد سنين لطلب علم أو ابتغاء تجارة مثلا، بحيث تنتهي
الإقامة فيه بانتهاء الغاية، فقد تقدم أنه قد يتردد في صدق الوطن
العرفي عليه، ولكنه بحكم الوطن الدائم، فينقطع سفره إذا كان مسافرا
ومر به، ويجب عليه فيه اتمام الصلاة والصيام وإن كان عازما على
الخروج منه قبل أن تتم له عشرة أيام، أو كان مترددا في إقامتها، وإذا
سافر منه إلى وطنه أو إلى موضع يقيم فيه عشرة أيام وكان الطريق بين
البلدين لا يبلغ ثمانية فراسخ امتدادية وجب عليه التمام في سفره إلى
أن يعود، إلى ما سوى ذلك من أحكام الوطن.
[المسألة 1251]
إذا كان للانسان محل عمل في ما دون المسافة من وطنه، وهو يخرج
إليه في كل يوم ليعمل فيه ثم يعود إلى بلده، فإن محل عمله هذا لا يعد
وطنا له، وإن دأب على العمل فيه مدة طويلة، ولكنه لا يعد مسافرا إذا
كان فيه، فإذا خرج من بيته صباحا إلى محل عمله ليعمل فيه يومه،
ثم ليسافر مساءا إلى بلد آخر يبلغ المسافة، فعليه اتمام الصلاة في محل
العمل، فإذا سافر من محل عمله لزمه التقصير، وإذا رجع من سفره
فوصل إلى محل عمله انقطع سفره فيجب عليه اتمام الصلاة فيه، وإن
لم يصل بعد إلى وطنه، وإذا خرج من وطنه بقصد السفر ولم يمر بمحل
عمله ولكنه مر بالقرية أو الموضع الذي هو فيه لأنه منزل من منازل
سفره، فالأحوط له إذا أراد الصلاة فيه أن يجمع بين القصر والتمام،
وكذلك في الرجوع، وإذا كان المقصد الذي سافر إليه يبلغ المسافة من
633

وطنه ولا يبلغ المسافة من محل عمله جمع فيه بين القصر والتمام في
الصورة الثانية
[المسألة 1252]
(الثاني من قواطع السفر): قصد إقامة عشرة أيام متوالية في مكان
واحد، وبحكمه العلم بأنه سيبقى فيه عشرة أيام متوالية، وإن كان غير
مختار في ذلك كالمسجون والمجبر على الإقامة ونحوهما، ولا يكفي الظن
بأنه يبقى العشرة، فينقطع سفره بذلك بل يجب عليه التقصير.
ومبدأ اليوم هو طلوع الفجر الثاني، ونهايته هو غروب الشمس،
فإذا نوى إقامة العشرة عند طلوع الفجر من اليوم كانت نهاية إقامته
غروب الشمس من اليوم العاشر ولم تدخل الليلة السابقة ولا اللاحقة
إلا بالتبع، ودخلت الليالي التسع المتوسطة.
[المسألة 1253]
إذا نوى الإقامة بعد مضي ساعة أو ساعات من النهار كانت نهاية
العشرة مثل تلك الساعة من اليوم الحادي عشر، فإذا نوى الإقامة عند
الزوال فنهاية العشرة هو زوال اليوم الحادي عشر، وإذا نواها عند
طلوع الشمس فنهاية العشرة طلوع الشمس من اليوم الحادي عشر.
وإذا نوى الإقامة في أول الليل أو في أثنائه كان أول إقامته طلوع
الفجر، ونهايتها غروب الشمس من اليوم العاشر كما تقدم، وكانت
الساعات التي تسبقها من الليلة الأولى تابعة للإقامة في الحكم وليست
منها.
[المسألة 1254]
يشترط في الإقامة أن تكون في موضع واحد، فإذا نوى إقامة العشرة
في موضعين أو أكثر، أو في رستاق يتنقل بين قراه، لم تترتب على
ما نواه أحكام الإقامة فلا ينقطع سفره، ولا يجوز له اتمام الصلاة،
وإذا أقام في بلد واحد كفاه ذلك في ترتيب أحكام الإقامة، وإن انقسم
البلد إلى جانبين بشط فاصل بينهما ونحوه، كما في بعض بلدان العراق.
634

وإذا اتسع البلد اتساعا كبيرا بحيث يعد الخروج من محلة منه إلى
محلة أخرى ارتحالا ينافي وحدة موضع الإقامة، أو كانت المحلات فيه
منفصلة بعضها عن بعض، فلا بد من تعيين المحلة التي يقصد الإقامة
فيها.
[المسألة 1255]
يجوز للمقيم أن يخرج في أثناء إقامته إلى توابع البلد الذي أقام فيه
من بساتين ومزارع ومياه، مما لا ينافي صدق الإقامة في البلد عرفا،
نعم الأحوط لزوما أن لا يخرج عن حد الترخص، وإن كانت مدة خروجه
قصيرة وكان من نيته العود عن قريب، وهذا إذا كان عزمه على الخروج
عن حد الترخص منذ ابتداء نيته الإقامة فعليه أن يجمع بين القصر
والتمام في مدة إقامته وفي أيام خروجه.
وأما إذا طرأ له قصد الخروج بعد أن نوى الإقامة وصلى صلاة
فريضة رباعية بتمام، أو بعد أن أتم إقامة العشرة في الموضع فالظاهر
عدم اخلال ذلك بحكم الإقامة ويأتي تفصيل ذلك في المسألة الألف والمائتين
والثانية والسبعين وما بعدها فليرجع إليهما.
[المسألة 1256]
يجوز للمسافر أن ينوي الإقامة في برية قفراء، وإذا نوى الإقامة
فلا بد وأن يقتصر منها على ما يصدق معه وحدة محل الإقامة عرفا، ولا
يجوز له الخروج عن حد الترخص من ذلك كما في البلدان والقرى.
[المسألة 1257]
نية الإقامة هي العزم بالفعل على بقاء العشرة في الموضع المعين، ولا
يكفي أن يعلق إقامته على حدوث أمر محتمل يظن حصوله أو يشك فيه،
فإن ذلك ينافي العزم على البقاء بالفعل، ويكفي أن يعزم على البقاء
بالفعل وإن كان يحتمل أن يعرض له ما يمنعه من الإقامة إذا كان
الاحتمال موهوما لا يعتنى به عند العقلاء.
635

[المسألة 1258]
إذا علم المكره أو المجبور على إقامة العشرة بأنه سيبقى العشرة في
المكان المعين، وجب عليه أن يتم الصلاة فيه، وإن كان عازما على عدم
الإقامة إذا ارتفع عنه القسر.
[المسألة 1259]
إذا قصد الإقامة في المكان إلى مجئ زيد من السفر أو إلى انقضاء
حاجته لم ينقطع سفره بذلك، ووجب عليه القصر في الصلاة، وكذلك
إذا نوى الإقامة إلى آخر الشهر وكان في اليوم الحادي والعشرين منه،
فإقامته تبلغ العشرة إذا كان الشهر تاما، وتنقص عنها إذا كان الشهر
ناقصا، فيجب عليه القصر في الصلاة، وإن بلغت إقامته العشرة بعد
ذلك، وهكذا في كل مورد يكون نفس الزمان الذي قصد إقامته مرددا
فعليه القصر.
وإذا قصد الإقامة إلى الجمعة الثانية، وهو يبلغ العشرة تامة، ولكنه
كان يجهل ذلك لتردده في أول إقامته هل هو فجر يوم الخميس أو فجر
يوم الأربعاء، صحت إقامته، فإذا تذكر بعد ذلك أنها عشرة تامة وجب
عليه أن يتم صلاته في ما بقي من المدة، ويجب عليه أن يقضي ما صلاه
قصرا في حال جهله، وهكذا في كل مثال يكون زمان الإقامة الذي قصده
محدودا بحد معلوم، ولا تردد فيه، وإنما حصل التردد من المكلف لأمور
خارجة من جهل ونحوه.
[المسألة 1260]
إذا قصدت الزوجة الإقامة في المكان بمقدار ما قصده زوجها، فإن
كانت لا تعلم المدة التي قصدها الزوج، لم ينقطع سفرها ووجب عليها
القصر في الصلاة، وكذلك إذا كان الزمان الذي قصده الزوج مرددا،
كما إذا نوى الإقامة إلى انتهاء علاجه من المرض، أو إلى ورود المسافرين،
أو إلى آخر الشهر، فإقامته تبلغ العشرة إذا كان الشهر تاما وتنقص
عنها إذا كان الشهر ناقصا، فيجب على الزوجة قصر الصلاة في جميع
ذلك، وإذا كان الزمان الذي قصده الزوج محدودا بحد معلوم وإنما
636

ترددت الزوجة في المقدار لجهلها بأن أول الإقامة هو اليوم السابق أم
اللاحق، فيجب عليها اتمام الصلاة إذا علمت بعد ذلك بأنه يبلغ العشرة،
ويجب عليها قضاء ما صلته قصرا قبل ذلك كما تقدم في المسألة السابقة،
وكذلك إذا نوى الانسان الإقامة بمقدار ما قصده رفقاؤه في السفر.
[المسألة 1261]
إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام في موضع، ثم عدل عن نيته، فإن
كان عدوله عن الإقامة بعد أن صلى في ذلك المكان صلاة فريضة رباعية
بتمام، فحكمه أن يتم الصلاة في ذلك الموضع حتى يخرج منه مسافرا،
وإن كان عدوله قبل أن يصلي شيئا من الفرائض، أو بعد أن صلى
فريضة لا قصر فيها، كالصبح والمغرب، أو شرع في الفريضة الرباعية
ولكنه لم يتمها، أو صلى نافلة تسقط في السفر، أو صام صوما واجبا
وإن كان عدوله عن الإقامة بعد الزوال، فحكمه هو وجوب التقصير في
جميع هذه الفروض.
[المسألة 1262]
إذا نوى إقامة العشرة، وأتى بعد ذلك بصلاة رباعية تامة ناسيا
لكونه مسافرا أو مقيما، أو كان في أحد مواضع التخيير، فأتم صلاته
لذلك ناسيا للإقامة، ثم عدل عن إقامته فلا يترك الاحتياط بالجمع
بين القصر والتمام حتى يخرج من ذلك الموضع مسافرا.
[المسألة 1263]
إذا نوى إقامة العشرة وأتى بصلاة رباعية بتمام ثم عدل عن إقامته،
وتبين له بعد ذلك بطلان صلاته الرباعية، كان حكمه التقصير إلا أن
يقصد الإقامة من جديد.
[المسألة 1264]
إذا نوى إقامة العشرة، وفاتته صلاة رباعية بعد نية الإقامة، ثم
عدل عن الإقامة بعد ذلك، فإن كان عدوله بعد قضاء تلك الصلاة
الفائتة وجب عليه أن يتم الصلاة في محل إقامته حتى يخرج منه مسافرا،
وإذا كان عدوله قبل أن يقضي تلك الصلاة وقبل أن يأتي بصلاة رباعية
637

تامة أخرى ارتفع حكم الإقامة ووجب عليه التقصير، وكذلك إذا كانت
الصلاة الفائتة مما لا تقضى كما إذا فاتت لحيض أو نفاس.
[المسألة 1265]
إذا نوى إقامة العشرة ثم تردد فيها، جرى فيه حكم العدول بالنية،
فإذا كان تردده بعد أن صلى صلاة رباعية بتمام كان حكمه التمام في
ذلك الموضع حتى يسافر منه، وإذا كان قبل ذلك كان حكمه التقصير.
[المسألة 1266]
تصح نية الإقامة من غير المكلف وتترتب على إقامته أحكامها، فإذا
كان الصبي الذي يصح منه القصد مسافرا، ونوى إقامة العشرة في
موضع، ثم بلغ في أثناء العشرة وجب عليه أن يتم الصلاة في بقية أيام
الإقامة، وكذلك إذا بلغ بعد العشرة وقبل سفره من محل الإقامة، وإذا
أتى بالصلاة قبل بلوغه صلاها تماما.
وكذلك المجنون إذا نوى الإقامة وكان ممن يتأتى منه القصد، أو
نوى الإقامة في حال إفاقته ثم جن، فإذا أفاق من جنونه في أثناء العشرة
وجب عليه أن يصلي تماما وكذلك إذا أفاق بعد العشرة وقبل أن يسافر
من محل إقامته.
وكذلك المرأة إذا نوت الإقامة وهي حائض وطهرت في أثناء الإقامة
أو بعدها وقبل السفر، فيجب عليها أن تتم الصلاة في موضع الإقامة،
وكذلك الحكم في جواز الصيام أو وجوبه على المذكورين.
[المسألة 1267]
إذا انقضت مدة الإقامة والمكلف لا يزال في موضع الإقامة فهو على
حكم التمام إلى أن يسافر منه، ولا يحتاج إلى إقامة جديدة، وكذلك
إذا نوى الإقامة وصلى فريضة رباعية بتمام، فإن حكمه اتمام الصلاة
في ذلك الموضع حتى يسافر منه وإن عدل عن إقامته أو انقضت مدتها،
كما ذكرناه قريبا.
638

[المسألة 1268]
إذا شرع المسافر في الصلاة بنية القصر، ثم قصد الإقامة وهو في
أثنائها وجب عليه أن يعدل بصلاته إلى التمام ويكملها أربعا. وإذا
عزم الإقامة فشرع في الصلاة بنية التمام ثم عدل وهو في أثنائها عن
الإقامة، فإن كان في الركعتين الأولتين منها وجب عليه أن يتمها قصرا،
وكذلك إذا كان في الركعة الثالثة قبل الركوع منها، فعليه أن يجلس
من قيامه ويسلم ويسجد للسهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو
تسبيح، وإذا كان بعد الدخول في ركوع الثالثة بطلت صلاته فعليه أن
يعيدها قصرا.
[المسألة 1269]
إذا قصد المسافر إقامة العشرة، وفاتته بعد نية الإقامة صلاة واحدة،
أو صلوات متعددة لعذر أو لغير عذر، ثم عدل عن قصد الإقامة قبل
أن يقضي الصلوات الفائتة وقبل أن يصلي فريضة واحدة تامة انقطعت
إقامته حين العدول فعليه التقصير في صلواته الحاضرة والآتية وأما
الصلوات الفائتة فيجب عليه أن يقضيها تماما.
[المسألة 1270]
إذا قصد الإقامة ونوى صوم ذلك اليوم، ثم عدل عن الإقامة بعد
الزوال وقبل أن يصلي فريضة رباعية تامة بقي على صومه وأجزأه
ووجب عليه القصر في الصلاة ولا يصح له صوم غير ذلك اليوم.
[المسألة 1271]
إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام انقطع سفره وثبتت له جميع
أحكام الحاضر فيجب عليه اتمام الصلاة، ويصح منه الصوم، ويجب
عليه إذا كان واجبا، وتستحب له النوافل التي تسقط حال السفر،
ويجب عليه حضور صلاة الجمعة عند اجتماع شرائطها.
[المسألة 1272]
إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام في موضع حتى أتمها، أو نوى
639

إقامة العشرة وصلى بعد نية الإقامة صلاة رباعية تامة، ثم بدا له أن
يخرج من موضع إقامته إلى ما دون المسافة، فها هنا صور تلزم مراعاتها
لتطبيق أحكامها.
(الصورة الأولى): أن يخرج من موضع إقامته إلى ما دون المسافة،
وهو يعزم الرجوع إلى محل إقامته ليستأنف فيه إقامة عشرة أيام أخرى،
وحكمه في هذه الصورة اتمام الصلاة في ذهابه ورجوعه وفي مقصده وفي
محل إقامته، وكذلك الحكم إذا عزم على إقامة العشرة في موضع آخر
ليس بينه وبين محل إقامته الأولى مسافة.
(الصورة الثانية): أن يخرج إلى ما دون المسافة وهو يعزم الرجوع
إلى محل إقامته ليمكث فيه يوما أو أكثر ثم ينشئ السفر منه بعد ذلك،
وحكمه في هذه الصورة اتمام الصلاة كذلك في خروجه ورجوعه وفي
مقصده ومحل إقامته حتى ينشئ السفر.
وكذلك الحكم إذا كان عازما على العود إلى محل إقامته وكان مترددا
في أن يستأنف فيه إقامة جديدة أم لا، أو كان غافلا عن ذلك، فعليه
اتمام الصلاة حتى ينشئ السفر، وهذه هي الصورة الثالثة.
(الصورة الرابعة): أن يخرج من محل إقامته إلى ما دون المسافة وهو
معرض عن الإقامة فيه، ولكنه يمر به في رجوعه من مقصده إلى وطنه،
لأنه منزل من منازل سفره، وحكمه في هذه الصورة هو وجوب القصر،
إذا كان الرجوع يبلغ مسافة كما هو المفروض.
(الصورة الخامسة): أن يخرج إلى ما دون المسافة وهو عازم على عدم
الرجوع إلى محل إقامته وعلى عدم الإقامة في موضع آخر هو دون المسافة،
وحكمه هو وجوب القصر إذا كان طريقه إلى المقصد ثم إلى بلده يبلغ
مسافة تامة امتدادية أو ملفقة.
(الصورة السادسة): أن يخرج من محل إقامته إلى ما دون المسافة
وهو متردد في العود إلى محل إقامته وعدم العود إليه أو هو غافل عن
ذلك، فإن كان تردده في العود إلى محل الإقامة أو غفلته عنه أوجب له
640

ترددا في السفر أو غفلة عنه، كان حكمه هو اتمام الصلاة حتى يعزم
على السفر.
وإن لم يوجب له ترددا في السفر، كما إذا تردد بين أن يعود من
مقصده إلى محل إقامته وأن لا يعود إليه بل يسافر من مقصده إلى وطنه،
ولكنه على فرض رجوعه إلى محل إقامته فإنما يمر به على أنه منزل من
منازل سفره كما تقدم في الصورة الرابعة، ومعنى ذلك أنه في خروجه
عازم على السفر على أي حال وحكمه القصر في الصلاة.
[المسألة 1273]
كل ما تقدم بيانه من الصور في خروج المقيم إلى ما دون المسافة إنما
هو في ما إذا بدا له ذلك بعد أن يتم إقامة العشرة كلها أو بعد أن يصلي
فريضة رباعية تامة بعد نية الإقامة، وأما إذا قصد الخروج عن حدود
الترخص في حال نية الإقامة، فقد تقدم الاشكال فيه، سواء كانت المدة
التي قصد الخروج فيها قليلة أم لا، وسواء قصد المبيت في غير محل
الإقامة أم لا، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام في جميع
الصور، وهو مع المبيت أشد اشكالا وألزم احتياطا، إلا أن ينشئ سفرا
أو ينوي إقامة ليس معها قصد الخروج.
[المسألة 1274]
إذا خرج المقيم من محل إقامته وقصد قطع مسافة تامة امتدادية أو
ملفقة بإحدى صور التلفيق، وجب عليه التقصير في ذهابه وفي مقصده
وفي رجوعه وفي محل إقامته الذي سافر منه إلا إذا نوى فيه إقامة
جديدة، وإذا صلى في خروجه قبل حد الترخص فالأحوط له الجمع
كما تقدم.
وإذا خرج بقصد السفر ثم بدا له فرجع عن سفره إلى محل إقامته
قبل أن يبلغ المسافة حتى ملفقة فإن نوى فيه إقامة جديدة كان عليه
الاتمام فيه وليس عليه أن يقضي ما صلاه قصرا حال خروجه، وإن كان
في رجوعه عازما على السفر إلى وطنه وكان مروره بمحل إقامته لأنه منزل
641

من منازل سفره، فعليه القصر، وإن كان غير عازم على السفر احتاط
بالجمع بين القصر والتمام إلى أن يسافر من محل إقامته.
[المسألة 1275]
نية إقامة العشرة في موضع موجبة لقطع السفر وترتيب أحكام
الحاضر كما تقدم وإن كانت الإقامة لغاية محرمة كقتل نفس محترمة
أو سرقة مال أو كانت سببا لعقوق أبيه أو غير ذلك من موجبات التحريم
فيها.
[المسألة 1276]
لا يجب على المسافر أن ينوي الإقامة لصوم شهر رمضان إذا اتفق
في أيام سفره، ولا لغيره من الصوم الواجب المعين كقضاء شهر رمضان
عند تضيق وقته، وكالمنذور المعين، نعم إذا نوى الإقامة باختياره وجب
عليه الاتيان بالصوم المعين وجاز له الصوم غير المعين والصوم المندوب.
وتجب الإقامة للصوم المعين الذي وجب عليه بالإجارة، كما إذا
استأجره أحد لصوم الأيام البيض من شهر رجب مثلا أو شهر شعبان
فاتفق ذلك في أيام سفره، فعليه أن ينوي الإقامة ليصوم تلك الأيام
الواجبة.
[المسألة 1277]
إذا صلى المقيم فريضة رباعية تامة، ثم عدل عن إقامته بعد التسليم
الأول الواجب في الصلاة وقبل التسليم الأخير المستحب فيها لزمه حكم
الاتمام.
وكذلك إذا وجب عليه سجود السهو في الصلاة، فعدل عن الإقامة
قبل الاتيان به فعليه الاتمام وإذا شك في صلاته فوجبت عليه صلاة
الاحتياط للشك، وعدل عن إقامته في أثناء صلاة الاحتياط أو قبلها
وجب عليه القصر، وإذا عدل عن الإقامة قبل الاتيان بالأجزاء المنسية
منها فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام في محل الإقامة
حتى يسافر.
642

[المسألة 1278]
إذا عدل المقيم عن نية الإقامة وشك هل كان عدوله بعد أن صلى
فريضة رباعية تامة ليلزمه الاتمام أم لا، بنى على عدم ذلك ووجب عليه
القصر في الصلاة.
[المسألة 1279]
(الثالث من قواطع السفر): أن يبقى المسافر في موضع واحد ثلاثين
يوما من غير عزم على إقامة عشرة أيام فيه، سواء كان في هذه المدة
مترددا بين البقاء في الموضع والسفر منه، أم كان عازما على بقاء ما دون
العشرة، فإذا انتهى ذلك عزم على بقاء مدة أخرى دون العشرة أيضا،
وهكذا حتى أتم الثلاثين، أم كان عازما على البقاء حتى تنقضي حاجته
وهو لا يدري كم يحتاج من المدة، ثم لا تنقضي الحاجة حتى أتم
الثلاثين.
وحكمه هو وجوب قصر الصلاة كل هذه المدة، فإذا كمل له ثلاثون
يوما وجب عليه أن يتم الصلاة في ما زاد على ذلك ما دام في ذلك المكان،
سواء بقي فيه قليلا أم كثيرا، بل وإن عزم على السفر بعد صلاة واحدة.
[المسألة 1280]
لا يكفي الشهر الهلالي إذا كان ناقصا في ترتب الحكم المذكور، فإذا
صادف أول تردد المسافر في المكان هلال الشهر، فلا بد من اكماله ثلاثين
يوما، والأحوط استحبابا في اليوم المكمل للثلاثين في هذه الصورة أن
يجمع فيه بين القصر والتمام.
[المسألة 1281]
يكفي التلفيق هنا في اليوم كما في نية الإقامة، فإذا كان أول تردده
في أثناء اليوم أكمله من اليوم الحادي والثلاثين بمقدار ما نقص من
ساعاته، فإذا كان أول المدة هو الزوال من اليوم الأول كانت النهاية
عند الزوال من اليوم الحادي والثلاثين.
643

[المسألة 1282]
يشترط في ترتب الحكم أن يكون بقاؤه في مكان واحد حتى يتم
الثلاثين فلا يكفي أن يبقى الثلاثين في مكانين أو أكثر، ولا يكفي أن
يتردد في البقاء، وعدمه وهو مشتغل بالسير فيجب عليه قصر الصلاة
في كلتا الصورتين، ولا فرق بين أن يكون موضع بقائه في المدة المذكورة
بلدا أو قرية أو مفازة أو مزرعة.
[المسألة 1283]
يشكل الحكم إذا خرج عن محل بقائه إلى ما دون المسافة وإن كان
خروجه بقصد العود إليه بعد مدة قليلة كما سبق نظيره في نية الإقامة،
فلا يخرج عنه في أثناء المدة، ولا يترك الاحتياط إذا هو خرج.
[المسألة 1284]
إذا تمت للمسافر ثلاثون يوما في موضع واحد على النهج المتقدم
ذكره وجب عليه أن يتم الصلاة في ذلك الموضع، ولكن يشكل الحكم
بانقطاع سفره بذلك، فإذا كان الباقي من طريقه لا يبلغ مسافة تامة،
فالأحوط له بعد خروجه من ذلك الموضع أن يجمع بين القصر والتمام.
وكذلك إذا خرج بعد الثلاثين إلى ما دون المسافة مع قصد العود إلى
موضع تردده، فلا يترك الاحتياط بالجمع.
[المسألة 1285]
إذا بقي المسافر في موضع أقل من ثلاثين يوما وهو لا ينوي الإقامة
في الموضع فحكمه القصر فإذا انتقل إلى مكان آخر وتردد فيه كذلك
فحكمه القصر، وهكذا وإن كثرت الأماكن وتعددت مدة البقاء، حتى
ينوي إقامة العشرة أو يكمل ثلاثين يوما في موضع واحد.
[المسألة 1286]
إذا خرج من موضع تردده بعد أن وجب عليه الاتمام فيه، وقصد
المسافة وجب عليه القصر، وإذا أراد الصلاة في خروجه قبل أن يبلغ
حد الترخص فالأحوط له أن يجمع بين القصر والتمام، وقد تقدم
ذكر ذلك في الشرط الثامن من شرائط صلاة المسافر.
644

[الفصل الرابع والأربعون]
[في أحكام صلاة المسافر]
[المسألة 1287]
إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها في الفصل الثاني والأربعين
وجب على المسافر قصر الصلاة.
والقصر هو اسقاط الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر والعصر
والعشاء، فلا يجوز له اتمامها، إلا إذا كان في أحد مواضع التخيير
الأربعة، وسيأتي ذكرها، ولا قصر في الصلاة الثنائية ولا في الثلاثية.
ويسقط عن المسافر استحباب نافلة كل من الظهر والعصر، فلا يجوز
له الاتيان بها، ولا يسقط استحباب نافلة العشاء وهي صلاة الوتيرة،
والأحوط أن يأتي المسافر بها برجاء المطلوبية.
ولا يسقط عنه استحباب نافلتي المغرب والصبح ولا نافلة الليل
ويجوز له أن يأتي بغير ذلك من النوافل والصلوات المستحبة.
ولا يجوز للمسافر الصوم الواجب من غير فرق بين صوم شهر رمضان
وقضائه وصوم الكفارة وغيرها من أفراد الصوم الواجب، بل ولا
المستحب، إلا في مواضع يأتي بيانها إن شاء الله تعالى في مواضعها.
[المسألة 1288]
يشكل استحباب الاتيان بنافلة الظهرين في السفر إذا دخل عليه
الوقت وهو حاضر ولم يصل الفريضتين حتى سافر وصلاهما قصرا،
فالأحوط ترك النافلة، وكذلك إذا دخل عليه الوقت وهو مسافر ولم
يصل الظهر والعصر حتى دخل وطنه أو موضع إقامته فصلاهما تماما،
ومثله ما إذا أخر فريضة العصر وحدها حتى دخل المنزل، فالأحوط ترك
النافلة في جميع هذه الفروض.
[المسألة 1289]
إذا تحققت شرائط وجوب القصر وصلى المسافر تماما وكان عالما
645

بأنه مسافر وبأن حكم المسافر هو قصر الصلاة، كانت صلاته باطلة،
فتجب عليه إعادتها إذا كان في الوقت ويجب عليه قضاؤها إذا كان بعد
الوقت، إلا إذا كان في أحد المواضع الأربعة التي يتخير فيها بين القصر
والتمام فتصح صلاته.
[المسألة 1290]
إذا صلى المسافر تماما في موضع يجب فيه القصر وكان جاهلا بأن
حكم المسافر هو وجوب التقصير كانت صلاته صحيحة، سواء كان عالما
بأنه مسافر أم جاهلا بذلك أم ناسيا للسفر أم مترددا فيه، فلا إعادة
عليه ولا قضاء.
ويختص الحكم المذكور بما إذا كان جاهلا بأصل الحكم وهو وجوب
التقصير على المسافر، فلا يعم من أتم جاهلا ببعض الخصوصيات وسيأتي
التنبيه عليه في المسألة الآتية.
[المسألة 1291]
إذا أتم المسافر صلاته في موضع يجب عليه فيه التقصير وكان يعلم
أصل الحكم ولكنه يجهل بعض الخصوصيات كانت صلاته باطلة.
ومن أمثلة ذلك أن يتم صلاته لأنه يجهل أن المسافة الملفقة من
الذهاب والإياب حكمها حكم المسافة الممتدة في وجوب التقصير، ومن
أمثلة ذلك أن يتم صلاته لأنه يجهل أن العاصي بسفره يجب عليه
التقصير في رجوعه إذا لم يكن متلبسا بالمعصية، أو أن العاصي بسفره
يجب عليه القصر إذا عدل عن المعصية فقصد الطاعة، ومن أمثلة ذلك
أن يتم صلاته في منزل أخيه أو قريبه لأنه يعتقد أنه بحكم وطنه، إلى
غير ذلك من الخصوصيات، فتجب عليه إعادة الصلاة إذا كان في الوقت
ويجب عليه قضاؤها إذا كان بعد الوقت.
[المسألة 1292]
إذا أتم المسافر صلاته في موضع التقصير وكان يعلم حكم السفر
ولكنه يجهل بأنه مسافر كانت صلاته باطلة، ومثال ذلك ما إذا اعتقد
646

أن الموضع الذي قصده لا يبلغ المسافة فصلى تماما ثم ظهر له أنه مسافة
تامة، فتجب عليه إعادة الصلاة وإذا كان بعد الوقت وجب عليه قضاؤها.
[المسألة 1293]
إذا نسي المكلف أنه مسافر أو نسي أن حكمه في السفر وجوب
التقصير فأتم صلاته، فإن تذكر ذلك والوقت لا يزال باقيا وجبت عليه
إعادة الصلاة فإن هو لم يعدها في الوقت بعد التذكر وجب عليه قضاؤها
بعد الوقت، وإن هو لم يتذكر ذلك حتى خرج الوقت لم يجب عليه قضاء
الصلاة.
[المسألة 1294]
إذا كان المكلف عالما بأنه مسافر وبأن حكمه في السفر وجوب
التقصير، وكان غير ناس لهما، ولكنه غفل حين الاتيان بالصلاة فأتى
بأربع ركعات بدلا عن الركعتين، وجبت عليه إعادة الصلاة إذا كان
في الوقت وقضاؤها إذا كان بعد الوقت.
[المسألة 1295]
إذا صام المسافر في موضع يجب فيه الافطار جرت فيه الأحكام المتقدم
ذكرها في اتمام الصلاة، فإن كان عالما عامدا بطل صومه، وإن كان
جاهلا بأن حكم المسافر هو وجوب الافطار صح صومه ولم يجب عليه
القضاء، وإذا كان عالما بأصل الحكم وجاهلا ببعض الخصوصيات وجب
عليه قضاء الصوم وكذلك إذا كان جاهلا بأنه مسافر.
وإذا كان ناسيا لحكم الصوم في السفر أو ناسيا لكونه مسافرا أو
غافلا وجب عليه قضاء الصوم.
[المسألة 1296]
إذا كان المسافر ممن يجب عليه اتمام الصلاة فصلاها قصرا كانت
باطلة في جميع الصور ووجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت وقضاؤها
إذا كان بعد الوقت.
647

وتستثنى من ذلك صورة واحدة، وهي ما إذا نوى المسافر إقامة
العشرة فموضع وكان يجهل بأن حكم المسافر إذا نوى الإقامة هو
وجوب الاتمام فأتى بصلاته قصرا فإن صلاته تقع صحيحة ولا تجب
عليه إعادتها ولا قضاؤها.
وإذا كان عالما بالحكم ولكنه نسي إقامته فقصر، بطلت صلاته وكان
عليه الإعادة أو القضاء.
[المسألة 1297]
إذا لم يؤد المسافر الصلاة في الوقت لا قصرا ولا تماما، وكان ممن
يجهل أصل الحكم وجب عليه أن يأتي بقضائها قصرا بعد العلم بالحكم،
ولكنه إذا قضاها تماما قبل أن يعلم بالحكم أجزأه ذلك على الأقوى.
وإذا كان ناسيا للسفر أو لحكم السفر ولم يؤد الصلاة في الوقت
لا قصرا ولا تماما وجب عليه كذلك أن يأتي بقضائها قصرا، وإذا
قضاها تماما قبل أن يتذكر لم يجزه ذلك على الأصح.
[المسألة 1298]
إذا نسي المكلف كونه مسافرا أو نسي أن حكمه في السفر هو
التقصير، فشرع في الصلاة بنية التمام ثم تذكر وهو في أثناء الصلاة،
فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة وجب عليه أن يكمل
صلاته قصرا وأجزأه ذلك، وإن تذكر ذلك بعد دخوله في ركوع الثالثة
بطلت صلاته ووجبت عليه إعادتها إذا اتسع الوقت ولو لادراك ركعة
من الصلاة قبل خروج الوقت.
وكذلك الحكم إذا تذكر بعد أن أتم صلاته تماما وقد بقي من الوقت
مقدار ركعة فتجب عليه الإعادة وإذا ضاق الوقت عن مقدار ركعة من
الصلاة لزمه أن يقضيها قصرا على الأحوط في الصورتين.
[المسألة 1299]
إذا جهل الانسان أن مقصده يبلغ المسافة فشرع في الصلاة بنية
التمام ثم علم بوجود المسافة وهو في أثناء الصلاة جرى فيه التفصيل
648

المتقدم ذكره، فإن كان قبل ركوع الثالثة وجب عليه أن يتم صلاته
قصرا، وإن كان بعد الدخول في ركوع الثالثة بطلت صلاته وكذلك
إذا كان جاهلا ببعض الخصوصيات فنوى التمام ثم علم بوجوب القصر
وهو في أثناء الصلاة، فيأتي فيه التفصيل المذكور.
[المسألة 1300]
إذا كان المكلف ممن يجب عليه اتمام الصلاة وشرع فيها بنية
القصر، ثم علم بالحكم أو تذكره وهو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يتم صلاته
وأجزأته على الأقوى. فإذا كان ناويا للإقامة مثلا ونوى القصر جاهلا
أو ناسيا، ثم تذكر ذلك وهو في أثناء صلاته فعليه اتمام الصلاة
وكذلك من كان مترددا في الإقامة ومضت عليه ثلاثون يوما، فيجب
عليه اتمام الصلاة إذا تحقق له الغرض المذكور.
[المسألة 1301]
إذا قام المكلف إلى الصلاة ووقتها لا يزال باقيا، يجب عليه أن يصليها
قصرا إذا كان مسافرا بالفعل وإن كان في أول الوقت حاضرا ويجب
عليه أن يصليها تماما إذا كان حاضرا بالفعل، وإن كان في أول الوقت
مسافرا، وكذلك إذا سافر بعد دخول الوقت ثم حضر، أو حضر في
أثنائه ثم سافر، أو تكرر منه السفر والحضر في الوقت، والمدار في
الجميع هو حال تأدية الصلاة فإن كان فيه مسافرا قصر، وإن كان
حاضرا أتم.
[المسألة 1302]
كل صلاة رباعية تفوت الانسان وهو مسافر يجب عليه أن يقضيها
مقصورة وإن كان حين قضائها حاضرا أو مقيما، وكل صلاة تفوته
وهو حاضر أو مقيم يجب عليه أن يقضيها تامة وإن كان حين قضائها
مسافرا وقد تقدم بيان ذلك في فصل قضاء الصلاة.
[المسألة 1303]
إذا كان الانسان حاضرا ثم سافر في أثناء الوقت أو كان مسافرا ثم
حضر فيه ولم يؤد الصلاة حتى خرج الوقت، وجب عليه أن يقضي تلك
649

الصلاة كما فاتت في آخر الوقت، فإن كان فيه مسافرا قضاها قصرا،
وإن كان فيه حاضرا أو مقيما قضاها تماما، وكذلك الحكم إذا تكرر
منه السفر والحضر في الوقت، وفاتته الصلاة فيجب عليه أن يقضيها
كما فاتت في آخر الوقت.
[المسألة 1304]
يتخير المسافر إذا كان في أحد الأماكن الأربعة الآتي ذكرها بين أن
يؤدي الصلاة الرباعية الحاضرة قصرا أو تماما، والتمام أفضل.
والمواضع الأربعة هي المسجد الحرام في مكة، ومسجد الرسول (ص)
في المدينة، ومسجد الكوفة، وحرم الإمام الحسين (ع) في كربلاء.
والتخيير في هذه المواضع استمراري، فإذا شرع في الفريضة بنية
القصر، يجوز له العدول بها إلى التمام، وإذا شرع فيها بنية التمام
جاز له العدول إلى القصر ما لم يتجاوز محل العدول ولا فرق في الحكم
المذكور بين أن يكون المصلي في الصحن من المساجد الثلاثة أو في السطوح
أو في المواضع المنخفضة منها كبيت الطشت في مسجد الكوفة.
[المسألة 1305]
الأقوى الحاق مكة والمدينة جميعا في الحكم، فيتخير
المسافر في صلاته بين القصر والتمام وإن كان في غير المسجدين الأعظمين
من البلدين، ولا يلحق بلد الكوفة بمسجدها الأعظم في الحكم، ولا بلد
كربلاء بالحائر المطهر، ولا يلحق سائر المساجد والمشاهد الشريفة
بالمواضع الأربعة.
[المسألة 1306]
القدر المتيقن في موضع التخيير من حرم الحسين (ع) هو ما صدق
معه أنه صلى عند قبر الحسين (ع).
[المسألة 1307]
يختص الحكم المذكور بالصلاة الحاضرة فلا يعم الصلاة الفائتة
المقصورة التي يقضيها المسافر في المواضع الأربعة، فيتعين عليه أن
650

يقضيها قصرا كما فاتت، وإن فاتته في المواضع الأربعة نفسها وأراد
قضاءها فيها على الأحوط، سواء خرج من المواضع ثم عاد إليها أم لم
يخرج.
[المسألة 1308]
لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير في المواضع المذكورة، بل يتعين
على المسافر الافطار فيها إلا أن ينوي الإقامة فيها أو تمضي عليه ثلاثون
يوما مترددا كما في غيرها من المواضع.
[المسألة 1309]
يستحب أن يقول المصلي بعد الصلاة المقصورة: (سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر)، ثلاثين مرة، ولا يسقط استحباب هذا
التسبيح إذا حصل قبله ما ينافي الصلاة إلا إذا وقع بعد فصل طويل
بحيث لا يصدق معه أنه أتى به في دبر الصلاة.
[المسألة 1310]
الظاهر أن التسبيح المتقدم لا يختص بالصلاة الحاضرة ولا بالمسافر،
فإذا قضي الحاضر أو المقيم صلاة مقصورة استحب له أن يأتي بالتسبيح
بعدها.
[المسألة 1311]
تقدم في فصل التعقيب أنه يستحب للمصلي أن يأتي بالتسبيح
المذكور ثلاثين مرة بعد كل فريضة يصليها، وأفضل من ذلك أن يأتي
به أربعين مرة، وتتأدى الوظيفتان إذا أتى بالتسبيح ثلاثين مرة بعد
المقصورة بقصد امتثال الوظيفتين معا، وأولى من ذلك أن يأتي بذلك
مرة لجبر الصلاة المقصورة، ومرة أخرى للتعقيب.
[الفصل الخامس والأربعون]
[في صلاة الآيات]
[المسألة 1312]
تجب صلاة الآيات على كل مكلف من الناس عند حدوث أحد أسبابها
الآتي ذكرها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة والخنثى.
651

[المسألة 1313]
الأسباب التي تجب لها صلاة الآيات هي أحد أمور:
(الأول): كسوف الشمس.
(الثاني): خسوف القمر، سواء استوعب الكسوف أو الخسوف
جميع القرص أم لم يستوعبه وسواء حصل لعامة الناس بذلك خوف
أم لم يحصل.
والمراد بهما الكسوفان المعروفان، فتنكسف الشمس بحيلولة جرم
القمر بينها وبين الأرض، فيحتجب بسبب ذلك قرص الشمس كله أو
بعضه عن الرائي من الناس، وينخسف القمر بحيلولة الأرض بينه وبين
الشمس، فينطمس بسبب ذلك النور من جميع قرصه أو من بعضه.
(الثالث): زلزلة الأرض، وهي الهزة التي تكون فيها أو في إحدى
نواحيها، سواء أوجبت الخوف عند الناس أم لم توجب.
(الرابع): كل مخوف سماوي، كالظلمة الشديدة، والريح الحمراء
أو الصفراء، والصاعقة، إذا كان حدوثه موجبا لخوف غالب الناس،
بل الأحوط لزوما وجوب الصلاة عند حدوث كل مخوف إلهي وإن كان
أرضيا كالخسف والهزة في الأرض، والنار التي تخرج منها إذا أوجب
ذلك الخوف لغالب الناس، ولا تجب الصلاة لغير المخوف، ولا لما أوجب
الخوف للقليل من الناس.
[المسألة 1314]
لا تجب صلاة الآيات لكسوف الشمس بحيلولة أحد الكواكب الأخرى
غير القمر ولا بكسوف أحد الكواكب الأخرى غير الشمس والقمر، ولا
بكسوف القمر بحيلولة بعض النيازك بينه وبين الشمس أو بينه وبين
الأرض، نعم إذا أوجب حدوث بعض هذه المذكورات خوفا لغالب الناس،
كان من المخوف السماوي ووجبت له صلاة الآيات لذلك.
[المسألة 1315]
وقت صلاة الآيات في الكسوفين من حين ابتداء الخسوف أو الكسوف
652

إلى آخر انجلاء القرص، ولا يجوز تأخير الصلاة اختيارا عن ذلك،
والأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عن ابتداء الانجلاء.
[المسألة 1316]
تجب صلاة الآيات لكسوف الشمس أو القمر وإن كانت مدة الكسوف
أقل من مدة الصلاة على الأقوى، فإذا علم المكلف بالكسوف في حينه وجبت
عليه الصلاة وإن انجلى القرص.
[المسألة 1317]
تجب المبادرة إلى صلاة الآيات في الزلزلة وفي سائر الآيات المخوفة
بمجرد حدوث السبب، فإن أخر المكلف الصلاة اختيارا كان آثما ولم
تسقط عنه الصلاة بذلك بل يجب عليه الاتيان بها، وأمدها ما دام
حيا، وإذا أخر الصلاة ناسيا لها أتى بها بعد التذكر. وكذلك إذا لم
يعلم بحدوث السبب إلا بعد انتهائه على الأحوط لزوما، وينوي بصلاته
الأداء في جميع الصور.
[المسألة 1318]
صلاة الآيات ركعتان، تشتمل كل ركعة منهما على خمس قراءات
وخمسة ركوعات وسجدتين، على التفصيل الذي يأتي بيانه.
ويعتبر في هذه الصلاة جميعا ما يعتبر في الصلاة اليومية من شرائط،
وأفعال وأذكار، ويثبت فيها جميع ما يثبت في اليومية من مستحبات
ومكروهات، على المناهج التي تقدم تفصيلها ولا أذان فيها ولا إقامة.
[المسألة 1319]
تجب صلاة الآيات كلما تجدد حدوث أحد الأسباب التي تقدم ذكرها،
فإذا تعدد حدوث السبب تعدد على المكلف وجوب الصلاة، سواء كان من
نوع واحد أم من أنواع متعددة، وسواء تقارن حدوث الأسباب في
الزمان أم اختلف، فإذا اتفق حدوث الريح المخوفة مثلا والزلزلة، وأحد
الكسوفين في وقت واحد وجبت الصلاة على المكلف ثلاث مرات، لكل
واحد من الأسباب المذكورة مرة. وكذلك إذا حدثت في أوقات متعددة
653

وإن كانت من نوع واحد كما إذا حدثت عدة زلازل أو صواعق في
فترات متفرقة.
[المسألة 1320]
إذا تعدد السبب وكان من نوع واحد، لم يفتقر المكلف في صلواته
إلى التعيين في النية، فإذا حدثت الزلزلة مثلا مرارا في أوقات متعددة
كفاه أن يأتي بصلاة الآيات بعدد ما حدث من مرات الزلزلة، بقصد
السبب المذكور ولم يجب عليه أن يقصد أن صلاته للمرة الأولى أو
الثانية من الزلزلة، وكذلك إذا تعدد حدوث الخسوف.
وإذا تعدد النوع فالأحوط لزوما أن يعين السبب في النية فإذا حدث
الخسوف والزلزلة في وقت واحد، فعليه أن يعين في النية السبب الذي
صلى من أجله.
[المسألة 1321]
المخوف السماوي عنوان واحد يشمل جميع أنواع المخوفات كالصاعقة
والريح والظلمة، فإذا تعدد السبب منه كفى المكلف أن يأتي بصلاة
الآيات بعدد ما حدث من الأسباب وينوي في كل واحدة منها الصلاة
للمخوف السماوي ولم يفتقر إلى تعيين السبب المخصوص منها.
[المسألة 1322]
كيفية صلاة الآيات: أن ينوي المكلف الصلاة، على النهج المتقدم
متقربا بها إلى الله، ويكبر تكبيرة الاحرام، ثم يقرأ الفاتحة ويقرأ
بعدها سورة، ثم يركع الركوع الأول، فإذا أتم الذكر رفع رأسه من
الركوع، وقرأ الفاتحة وسورة وركع بعدهما الركوع الثاني، فإذا رفع
رأسه منه قرأ الفاتحة وسورة وركع الركوع الثالث، ثم رفع رأسه بعد
الركوع، وقرأ الفاتحة وسورة وركع الركوع الرابع، ثم رفع رأسه وقرأ
الفاتحة وسورة للمرة الخامسة وركع بعدهما الركوع الخامس، فإذا
رفع رأسه من ركوعه هوى إلى الأرض وسجد السجدتين، ثم قام للركعة
الثانية وصنع فيها مثل ما صنع في الركعة الأولى، فإذا أتم الركوع
الخامس في هذه الركعة وهو الركوع العاشر في صلاته هوى إلى الأرض
654

وسجد السجدتين، ثم أتى بعدهما بالتشهد والتسليم، ويأتي بالأذكار
في الركوع والسجود والتشهد والتسليم كما في الصلاة اليومية، ويصح
أن تكون السورة التي يأتي بها واحدة، فيقرأها بعد الفاتحة في كل
قيام، ويصح أن تكون متغايرة.
[المسألة 1323]
يجوز للمكلف أن يقرأ بعد الفاتحة في قيامه الأول بعضا من سورة
ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع وجب أن يقرأ من موضع قطعه من
السورة نفسها، ولم يجز له أن يقرأ الفاتحة، وتخير بين أن يقرأ بعض
السورة وأن يتمها ثم يركع، فإذا رفع رأسه من الركوع فإن كان لم
يتم السورة وجب عليه أن يقرأ من موضع قطعه منها ولا يقرأ الفاتحة
كما تقدم في القيام السابق، وإن كان قد أتم السورة وجب عليه أن
يقرأ الفاتحة وتخير بعدها بين أن يقرأ سورة تامة أو بعض سورة ثم
يركع، وهكذا حتى يتم الركوعات الخمسة، فكلما كان ركوعه عن
بعض سورة يتحتم عليه بعد ذلك الركوع أن يقرأ من موضع قطعه من
السورة المتقدمة، ولا يشرع له أن يقرأ قبله الفاتحة، وإذا كان ركوعه
بعد اتمام سورة يتحتم عليه بعد ذلك الركوع أن يقرأ الفاتحة ويقرأ
بعدها سورة تامة أو بعض سورة، وكذلك الحكم في الركعة الثانية.
وإذا اختار تبعيض السورة، فلا بد له وأن يتم سورة كاملة في كل
ركعة من صلاته وله أن يزيد على السورة.
وإذا ركع الركوع الخامس عن بعض سورة ثم هوى إلى السجود،
وجب عليه إذا قام للركعة الثانية أن يقرأ الفاتحة ثم يقرأ من موضع
قطعه من السورة المتقدمة، ولا بد أن يقرأ في الركعة سورة تامة غير
ذلك كما ذكرنا.
ونتيجة لما تقدم فيجوز للمكلف أن يقرأ الفاتحة وسورة تامة في كل
قيام من صلاته وأن يختار تبعيض السورة في كل قيام منها على الوجه
الذي تقدم بيانه، وأن يختار اتمام السورة في بعض قياماته والتبعيض
في بعضها مع مراعاة الأحكام السابقة.
655

[المسألة 1324]
يستحب التكبير لكل واحد من الركوعات، ولرفع الرأس منه، إلا
الركوع الخامس والركوع العاشر، فيستحب بعد رفع الرأس منهما أن
يقول: سمع الله لمن حمده.
[المسألة 1325]
يستحب القنوت في صلاة الآيات خمس مرات، قبل الركوع الثاني،
والرابع، وقبل السادس، والثامن، والعاشر، ودون ذلك في الاستحباب
أن يقنت قبل الركوع الخامس، والعاشر، ويأتي بالأول منهما برجاء
المطلوبية، وأدنى من ذلك في الفضل أن يقنت قبل الركوع العاشر فقط.
[المسألة 1326]
يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الآيات، سواء كانت الآية في الليل
أم في النهار، حتى في كسوف الشمس على الأصح.
[المسألة 1327]
يستحب الاتيان بها جماعة، سواء كانت لكسوف أحد النيرين أم
لغيرهما، وسواء احترق القرص كله في الكسوفين أم لا، ويتأكد
استحباب الجماعة فيها مع احتراق القرص.
[المسألة 1328]
يستحب التطويل في صلاة الآيات وخصوصا في كسوف الشمس،
حتى للإمام في صلاة الجماعة.
[المسألة 1329]
يستحب أن يقرأ فيها بالسور الطوال، كسورة الحجر، والكهف،
والأنبياء، وسورة النور، والروم، إذا اتسع الوقت لذلك، ويستحب
أن يكون كل من قنوته وركوعه وسجوده بمقدار قراءته في الطول،
ويستحب أن يختار اكمال السور في كل قيام على التبعيض فيها
والتفريق.
656

[المسألة 1330]
يستحب الفزع فيها إلى المساجد وأن تصلي تحت السماء.
[المسألة 1331]
إذا علم المكلف بكسوف أحد النيرين في وقته، ولم يصل صلاة الآيات
حتى انجلى القرص وجب عليه قضاء الصلاة، سواء احترق القرص كله
أم لا، وسواء كان عامدا في ترك الصلاة أم ناسيا لها، أم جاهلا بالحكم،
وأثم إذا كان عامدا.
وإذا لم يعلم بالكسوف أو الخسوف حتى انجلى القرص ثم علم به
بعد ذلك، فإن احترق القرص كله وجب عليه قضاء الصلاة، وإن لم
يحترق كله لم يجب قضاؤها، وكذلك إذا شك في احتراق القرص كله
وعدمه، فلا يجب عليه القضاء، إلا إذا ثبت بطريق شرعي كالبينة.
وقد تقدم بيان الحكم في سائر الآيات غير الكسوفين، في المسألة 1317
فلتراجع.
[المسألة 1332]
إذا علم المكلف بكسوف أحد النيرين في وقته وترك الصلاة متعمدا
حتى انجلى القرص، وقد احترق القرص كله، فالأحوط لزوم الغسل
عليه بل لا يخلو من قوة، وقد ذكرنا ذلك في الفصل الأربعين من كتاب
الطهارة، والأحوط أن يأتي بقضاء الصلاة بعد الغسل، وقبل أن
يحدث.
[المسألة 1333]
إذا علم بحدوث الآية فصلى في الوقت ثم تبين له فساد صلاته وجبت
عليه إعادة الصلاة إذا كان لا يزال في الوقت، ووجب عليه قضاؤها إذا
كان بعد خروج الوقت ولا فرق في ذلك بين الكسوفين والزلزلة وسائر
الآيات المخوفة.
[المسألة 1334]
لا يجب على المرأة الحائض أو النفساء أداء صلاة الآيات إذا اتفق
657

حدوث سببها في أيام حيض المرأة أو نفاسها، والأحوط لزوم القضاء
عليهما بعد الطهر.
[المسألة 1335]
يثبت الكسوف والخسوف وغيرهما من الآيات التي تجب لها الصلاة
بالعلم، وبشهادة العدلين، وتترتب مع شهادة البينة جميع الأحكام
المتقدمة، فيجب على المكلف قضاء الصلاة وإن لم يحترق القرص إذا
شهدت له البينة بذلك ولم يصل في الوقت، ويجب عليه القضاء إذا
شهدت البينة بالكسوف واحتراق القرص وإن كانت شهادتها بعد
الوقت، ويلزمه الاحتياط بالغسل إذا شهدت البينة في الوقت بالكسوف
واحتراق القرص ففرط ولم يصل الفريضة حتى خرج الوقت، وكذلك
إذا شهدت البينة في الوقت بالكسوف ولم تشهد بالاحتراق ففرط ولم
يصل ثم علم بعد الوقت باحتراق القرص فيلزمه الاحتياط بالغسل.
[المسألة 1336]
لا يثبت الكسوف ولا سائر الآيات بشهادة عادل واحد، ولا بقول
الفلكي، والرصدي إذا لم يوجب قولهم الاطمئنان بحدوث الآية،
فإذا أوجب الاطمئنان بحدوثها فلا يترك الاحتياط بترتيب الآثار.
[المسألة 1337]
إذا شهد عند المكلف جماعة لا تتوفر فيهم شروط البينة بحدوث
الكسوف أو الخسوف، فلم يصل صلاة الآيات، ثم تبين له بعد مضي
الوقت أنهم صادقون في قولهم لم يجب عليه قضاء الصلاة إلا مع احتراق
القرص وإن كان الأحوط استحبابا القضاء.
وكذلك إذا شهد بحدوث الآية شاهدان يجهل حالهما ثم علم بعد
الوقت أنهما عادلان فلا يجب عليه قضاء الصلاة وإن كان أحوط.
[المسألة 1338]
إذا حدثت الآية في بلد وجبت الصلاة على من في ذلك البلد ممن
تجتمع فيه الشرائط المتقدمة، وعلى أهل المواضع التي تشترك معهم
658

في رؤية الآية نوعا، وإن فصل ما بين الموضعين نهر، كدجلة والفرات
مثلا، ولا تجب الصلاة على غيرهم ممن لا يشترك معهم في رؤية الآية
نوعا وإن كان قريبا، أو كان البلد عظيما جدا بحيث إذا وقعت الهدة
أو الصاعقة مثلا في طرف منه لا تحصل رؤيتها لأهل الطرف الآخر من
البلد للبعد ما بين الموضعين وإن كان البلد واحدا.
[المسألة 1339]
إذا صلى المكلف صلاة الآيات جماعة لحقته أحكام صلاة الجماعة المتقدم
ذكرها في الصلاة اليومية، فيتحمل الإمام القراءة عن المأموم فيها، ولا
يتحمل عنه غيرها من أقوال الصلاة وأفعالها كما في اليومية، وتجب على
المأموم فيها متابعة الإمام في أفعال الصلاة، والأحوط استحبابا أن
يتابعه في الأقوال.
[المسألة 1340]
تدرك الجماعة فيها بادراك الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه من
الركعة الأولى أو الركعة الثانية، والأحوط أن لا يدخل مع الإمام
في الركعة إذا فاته الركوع الأول منها، فإذا فاته الركوع الأول من
الركعة الأولى صبر إلى أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية فيدخل معه
ويدرك ركعة واحدة ويتم الثانية منفردا، وإذا فاته الركوع الأول من
الركعة الثانية صلى منفردا.
[المسألة 1341]
تجري في صلاة الآيات أحكام الخلل التي ذكرناها في الصلاة اليومية،
فيبطلها الاخلال بكل شئ تبطل به الصلاة اليومية، وتصح في كل مورد
يحكم بالصحة إذا وقع في اليومية، وركوعاتها أركان فتبطل الصلاة
بالزيادة فيها أو النقصان، سواء وقع عمدا أم سهوا ويجب سجود السهو
فيها في المواضع التي يجب السجود لها في الصلاة اليومية.
[المسألة 1342]
صلاة الآيات ثنائية العدد كما قلنا سابقا، فإذا وقع شك في عدد
659

ركعاتها بطلت الصلاة، وإذا شك في شئ من ركوعاتها أو في فعل من
أفعالها جرى فيه حكم الشك في أفعال الصلاة اليومية فيجب عليه الاتيان
بالشئ المشكوك فيه إذا كان الشك فيه قبل التجاوز عن محله، ويجب
عليه البناء على وقوع الشئ إذا كان الشك فيه بعد التجاوز عنه والدخول
في غيره على التفصيل المتقدم في مباحث الشك.
[المسألة 1343]
إذا وجبت صلاة الآيات في وقت الصلاة اليومية وكان الوقت يتسع
لهما معا تخير المكلف في تقديم أيتهما أراد، إلا أن يخاف فوت وقت
الفضيلة للصلاة اليومية فيكون الأفضل له تقديمها.
وإذا تضيق وقت إحداهما دون الأخرى وجب عليه أن يقدم الصلاة
التي ضاق وقتها ويؤخر الأخرى، وإذا ضاق وقتهما معا، وجب عليه
أن يقدم الصلاة اليومية ثم يأتي بصلاة الآيات قضاء.
[المسألة 1344]
إذا ظن سعة الوقت للفريضتين فشرع في صلاة الآيات ثم تبين له في
أثنائها تضيق وقت الصلاة اليومية، وجب عليه أن يقطع صلاة الآيات
ويصلي اليومية، فإذا أتمها، عاد إلى صلاة الآيات من حيث قطعها
فأتمها وكانت صحيحة، ولا يبطلها وقوع الصلاة اليومية في أثنائها،
فلا يجب عليه استينافها إلا إذا وقع فيها أحد المبطلات الأخرى.
فإذا شرع في صلاة اليومية ثم تبين له في أثنائها تضيق وقت صلاة
الآيات، قطع اليومية، وصلى صلاة الآيات، ثم استأنف الصلاة اليومية
من أولها على الأحوط.
[المسألة 1345]
إذا فرغ من صلاة الآيات قبل أن ينجلي القرص، استحب له أن يعيد
الصلاة أو يجلس في مصلاه مشغولا بالذكر والدعاء حتى يتم الانجلاء.
660

[الفصل السادس والأربعون]
[في صلاة العيدين]
من ينظر في أدلة صلاة الجمعة نظرة موضوعية مستوعبة، يتضح
له عظم خطر هذه الفريضة في الاسلام، وكبير أثرها في بناء مجتمعه،
وشده بأصول الاسلام وفروعه، بل وكبير أثرها في بناء العقيدة
وترسيخها، وتهذيب المجتمع وتوجيهه في سلوكه الفردي والاجتماعي.
ومن أجل ذلك كانت صلاة الجمعة في أصلها وظيفة خاصة من وظائف
المعصوم (ع) الرئيس الأعلى في الاسلام عند بسط يده والتمكين له في
الأرض، فلا يقيمها في تلك الحال إلا هو، أو من يخوله هو هذا الحق
من الأكفاء، لتشد الرعية بالراعي والمأمومون بالإمام، وليمدوا بالمد
الدائب الواعي، المتصل بمنبع الحق والهدى والاهتداء.
وفي حال غيبة ولي الحق (ع) أو حال عدم البسط له في أيام ظهوره،
لا يبعد حكم هذه الفريضة عن هذه الدائرة أيضا، فلا تقام صلاة
الجمعة بين المسلمين إلا على ضوء رشده وتحديده من حيث أن الإمام
المعصوم (ع) بعد الرسول (ص) هو ولي التشريع في الاسلام والقائم
على حفظه، وقد تظافرت الأدلة على وجوب إقامتها والحث عليها
والتحذير من تركها.
[المسألة 1346]
الظاهر وجوب إقامة صلاة الجمعة على الفقيه العادل حين يجتمع له
العدد والأمن من الخوف، وتتوفر بقية الشروط المعتبرة في هذه الصلاة،
كما أن الظاهر وجوب السعي إليها من المكلفين إذا أقامها الفقيه العادل،
إلا من استثني منهم، كالمسافر، والمريض، والشيخ الكبير والأعمى،
ومن بعد عن موضع إقامتها بفرسخين، وسائر من دلت النصوص على
استثنائه. ولم نتعرض هنا للأحكام المتعلقة بصلاة الجمعة، حذرا من
التطويل.
661

[المسألة 1347]
شأن صلاة العيدين في جميع ما ذكرناه شأن صلاة الجمعة، فهي حق
خالص للمعصوم (ع) أيام حضوره وبسط يده، فلا يقيمها غيره إلا
بأمره، والظاهر وجوبها مع الفقيه العادل إذا اجتمعت له الشرائط في
حال غيبة المعصوم (ع) كما تقدم في صلاة الجمعة.
[المسألة 1348]
إذا لم تجتمع شرائط الوجوب لصلاة العيدين كانت مستحبة،
فيستحب أن يأتي بها المكلفون جماعة، ويصح أن يصليها المكلف منفردا.
[المسألة 1349]
وقت صلاة العيدين من أول طلوع الشمس في صباح يوم الفطر
أو يوم الأضحى إلى زوال الشمس من ذلك اليوم، وفي بعض النصوص
الواردة في ذلك: أنه يستحب أن يكون الخروج إلى المصلى بعد طلوع
الشمس، وإن هذا كان دأب الرسول (ص) ومن تمكن من إقامتها من
خلفائه المعصومين (ع).
[المسألة 1350]
لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين، وقد ورد أن أذانهما طلوع
الشمس فإذا طلعت الشمس خرج الناس إلى الصلاة، وورد أيضا أن
يقول المؤذن: (الصلاة) ثلاث مرات.
[المسألة 1351]
صلاة العيد ركعتان تشتمل الركعة الأولى منهما بعد القراءة على
خمس تكبيرات وخمسة قنوتات، يقنت مرة بعد كل تكبيرة منها، ثم
يركع بعد القنوت الخامس ويسجد السجدتين، وتشتمل الركعة الثانية
بعد القراءة على أربع تكبيرات وأربعة قنوتات يقنت بعد كل تكبيرة
كذلك ثم يركع ويسجد السجدتين ويتم الصلاة. وشرائط هذه الصلاة
وأفعالها وأذكارها هي شرائط الصلاة اليومية وأفعالها وأذكارها
وهي على نهجها كذلك في المستحبات والمكروهات.
662

[المسألة 1352]
يكفي في نيتها أن يقصد المكلف الاتيان بصلاة العيد امتثالا لأمر
الله المتوجه إليه بها، ولا يفتقر فيها إلى تعيين أنها صلاة الفطر، أو
الأضحى، ولا حاجة إلى أن يقصد بها الندب أو الوجوب، حتى إذا
كانت مع الفقيه العادل، فإنها عند اجتماع الشرائط فيها
يتعين فيها الوجوب، ومع فقد بعض الشروط يتعين فيها الاستحباب، فهي لا تحتاج
إلى التعيين على كلا التقديرين.
[المسألة 1353]
كيفية صلاة العيد: أن ينوي الانسان الصلاة كما تقدم ويكبر
للاحرام، ثم يقرأ الحمد وسورة، فإذا أتم القراءة كبر ثم قنت، وأتى
في قنوته بما تيسر له من دعاء أو ذكر، وأفضله أن يأتي ببعض المأثور،
ثم كبر التكبيرة الثانية وقنت بعدها القنوت الثاني، ثم كبر الثالثة
وأتى بعدها بالقنوت الثالث، ثم التكبيرة الرابعة والقنوت الرابع،
ثم أتى بالتكبيرة الخامسة والقنوت الخامس، فإذا أتمه كبر للركوع
ثم ركع، فإذا رفع رأسه من الركوع هوى إلى الأرض فسجد السجدتين،
ثم قام بعدهما للركعة الثانية، فقرأ الحمد وسورة، ثم كبر بعدها
وقنت ثم كبر وقنت حتى يتم التكبير والقنوت أربع مرات، ثم ركع
وسجد السجدتين وتشهد وسلم.
والتكبيرات والقنوتات المذكورة واجبة على الظاهر في صلاة العيد،
فتبطل الصلاة إذا تعمد تركها أو ترك شيئا منها، ولا يجوز الاخلال
بها إذا كانت الصلاة واجبة.
[المسألة 1354]
لا تتعين على المكلف في صلاة العيد قراءة سورة خاصة، فتجزيه بعد
الفاتحة قراءة أية سورة أراد من القرآن، كما ذكرنا. نعم يستحب
له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الأعلى، وأن يقرأ في
الركعة الثانية بعد الحمد سورة الشمس، أو يقرأ في الأولى سورة
الشمس وفي الثانية سورة الغاشية.
663

[المسألة 1355]
يستحب أن يأتي في كل من قنوتاته بالأدعية والأذكار المأثورة عن
المعصومين (ع) وهي كثيرة. ومما ورد عنهم (ع) أن يقول في كل
قنوت: (اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل
العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي
جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا، أن
تصلي على محمد وآل محمد، وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا
وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد،
صلواتك عليه وعليهم أجمعين، اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك
الصالحون، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون).
[المسألة 1356]
يستحب الغسل قبل الصلاة والتطيب، ولبس الثياب النظيفة، وأن
يجهر بالقراءة، سواء كان إماما أم منفردا، وأن يرفع يديه في جميع
التكبيرات كما يرفعهما في تكبير الصلاة اليومية، وأن يكون سجوده على
الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه، ويستحب الاصحار بهذه
الصلاة إذا صليت جماعة، إلا إذا كانت في مكة فإنه يستحب أن يؤتي
بها في المسجد الحرام، وأن يعتم بعمامة بيضاء، وأن يخرج إلى الصلاة
ماشيا على قدميه حافيا، على سكينة ووقار، وأن يشمر ثيابه وسراويله
إلى نصف الساق.
[المسألة 1357]
يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها إلى الزوال، حتى قضاء النافلة
الفائتة فإذا أراد قضاءها أخره إلى ما بعد الزوال، ويستثنى من ذلك
صلاة ركعتين في مسجد الرسول (ص) قبل الخروج إلى صلاة العيد، فقد
ورد استحبابها وأنها من فعل الرسول (ص)، ويكره الخروج إلى صلاة
العيد مع السلاح إلا عند الخوف، ويكره نقل المنبر إلى موضع الصلاة،
فإذا احتاج الإمام إلى المنبر صنع له ما يشبه المنبر من الطين أو غيره
ليخطب عليه، ويكره أن تصلي صلاة العيد تحت سقف.
664

[المسألة 1358]
حكم الجماعة في صلاة العيد هو حكمها في الصلاة اليومية، فتسقط
القراءة فيها عن المأموم، ويتحملها عنه الإمام سواء كانت الجماعة فيها
واجبة أم مستحبة، ولا يتحمل الإمام غير القراءة من التكبيرات
والقنوتات والأذكار والأفعال، وتجب على المأموم متابعة الإمام.
[المسألة 1359]
إذا فاته بعض التكبيرات في صلاة الجماعة، كبر للاحرام ودخل مع
الإمام وتابعه في ما أدركه معه من التكبيرات والقنوتات ثم أتى بالبقية
مخففة ولحق بالإمام في الركوع، ويكفيه أن يكبر ثم يقول سبحان الله
والحمد لله ثم يكبر الثانية ويكرر الذكر، وهكذا حتى يتم العدد الذي
فاته منها، وإذا لم يمهله الإمام أتمها مخففة ولحقه ولو في السجود،
سواء كانت الجماعة واجبة أم مستحبة، على الأقوى.
[المسألة 1360]
لا تبطل صلاة العيد إذا سها المكلف فيها، فترك القراءة أو ترك
بعضها، أو ترك التكبيرات أو القنوتات أو ترك شيئا منها، ولم يتذكر
حتى دخل في الركوع، فيتم ركوعه وصلاته ولا شئ عليه، وإذا تذكر
ذلك قبل أن يدخل في الركوع أتى بالشئ الذي تركه وبما بعده ثم ركع
وأتم الصلاة، وإذا ترك تكبيرة الاحرام أو الركوع أو السجدتين
ساهيا، ولم يتذكر حتى دخل في الركن بعده بطلت صلاته.
[المسألة 1361]
إذا شك في شئ من التكبيرات أو القنوتات أو الأجزاء الأخرى من
صلاة العيد، وكان في المحل وجب عليه أن يأتي بالشئ الذي شك فيه،
وإذا شك فيه بعد ما تجاوز محله ودخل في غيره لم يلتفت إلى شكه ومضى
في صلاته.
[المسألة 1362]
لا تقضى صلاة العيد إذا فاتت المكلف فلم يصلها حتى زالت الشمس
من يوم العيد، سواء كانت واجبة أم مستحبة، وسواء تركها عامدا
665

أم ساهيا، وإن كان عاصيا وآثما إذا تركها عامدا في وقت وجوبها.
نعم ورد في بعض النصوص إذا ثبتت رؤية الهلال بعد زوال الشمس
أفطر الناس ليومهم وأخروا الصلاة إلى الغد، فلا بأس بالاتيان بصلاة
العيد قضاءا في مثل هذا الفرض برجاء المطلوبية.
[المسألة 1363]
إذا نسي سجدة واحدة أو نسي تشهدا من صلاة العيد ولم يتذكر
حتى فات موضع تدارك الشئ المنسي وجب عليه أن يقضيه بعد
التسليم، وإذا أتى فيها بما يوجب سجود السهو وجب عليه أن يسجد
للسهو إذا كانت صلاة العيد واجبة عليه، وكذلك إذا كانت مستحبة
على الأحوط لزوما في كل من قضاء الجزء المنسي وسجود السهو.
[المسألة 1364]
إذا اتفق العيد والجمعة في يوم واحد وقد اجتمعت شرائط الوجوب
فيهما، فإذا حضر صلاة العيد من كان نائيا عن البلد تخير بين أن
يحضر الجمعة أو يرجع إلى أهله، وينبغي للإمام أن يعلم الناس بذلك
في خطبة العيد.
[المسألة 1365]
يستحب التكبير في الفطر بعد أربع صلوات، أولاها صلاة المغرب من
ليلة الفطر، وأخيرتها صلاة العيد، فإذا أتم الصلاة قال: (الله أكبر،
الله أكبر، لا الله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا،
والحمد لله على ما أبلانا).
ويستحب التكبير في الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة إذا كان في
منى، أولاها ظهر يوم النحر، وأخيرتها صلاة الصبح في اليوم الثالث
عشر، وإذا كان في بقية الأمصار كبر عقيب عشر صلوات، أولاها
ظهر يوم النحر وأخيرتها صلاة الصبح من اليوم الثاني عشر، فيأتي
بالتكبير المتقدم ويزيد في آخره (والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام).
وقد وردت في هذا التكبير نصوص متعددة، فيجزيه أن يأتي بواحدة
من الصور المنصوصة، وما ذكرناه واحدة منها.
666

[الفصل السابع والأربعون]
[في بعض الصلوات المندوبة]
[المسألة 1366]
من أهم ما ورد الحث عليه في أخبار أهل البيت (ع) وتظافرت فيه
أحاديثهم، بل أطبقت عليه أحاديث الخاصة والعامة من المسلمين:
صلاة جعفر، وتسمى أيضا صلاة التسبيح، وصلاة الحبوة، لقول
الرسول (ص) لجعفر بن أبي طالب لما أراد أن يعلمه إياها: ألا أمنحك
ألا أعطيك، ألا أحبوك، وقد وعد في الحديث فاعلها والمواظب على
الاتيان بها بالأجر الكبير، والعطاء الوفير.
وهي أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة منها، فاتحة الكتاب
وسورة، ثم يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
خمس عشرة مرة، ثم يركع، ويقولها في ركوعه عشر مرات، ثم يرفع
رأسه من الركوع ويقولها وهو منتصب، عشر مرات، ثم يهوي إلى
السجود ويقولها في السجدة الأولى عشر مرات، فإذا جلس بين السجدتين
قالها عشر مرات، ثم سجد الثانية وقالها في السجود عشر مرات، فإذا
رفع رأسه من السجدة قالها وهو جالس عشر مرات، ثم قام للركعة
الثانية وقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم أتى بالتسبيحات المذكورة
خمس عشرة مرة، ثم قنت ودعا في قنوته بما تيسر، وركع بعد
القنوت، وأتى في ركوعه بالتسبيحات عشر مرات، وصنع بعد قيامه
من الركوع، وفي سجوده، وبين السجدتين كما صنع في الركعة الأولى،
حتى يجلس من السجدة الثانية فيأتي بالتسبيحات عشر مرات، ثم
يتشهد ويسلم، ثم قام للركعتين الأخيرتين وكبر للاحرام وصنع في
الركعتين كما صنع في الركعتين السابقتين حتى يتمهما بالتشهد
والتسليم، فيكون قد أتى في مجموع صلاته بالتسبيحات الأربع ثلاثمائة
مرة، في كل ركعة منها خمس وسبعون مرة.
[المسألة 1367]
ليس لصلاة جعفر وقت معين تختص به، فيجوز للمكلف أن يأتي
667

بها في أي وقت شاء من ليل أو نهار في السفر وفي الحضر، وورد أن
أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة وقد أمر الإمام الرضا (ع)
بالتطوع بها في ليلة النصف من شعبان، وفي حديث رجاء بن أبي الضحاك
أنه (ع) كان يصلي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر، ويحتسب
بها من صلاة الليل، فمن الراجح أن يأتي بها الانسان في هذه الأوقات.
[المسألة 1368]
يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى منها بعد الحمد سورة الزلزال،
وفي الركعة الثانية سورة العاديات، وفي الركعة الثالثة سورة النصر،
وفي الرابعة سورة التوحيد.
وورد أيضا أن يقرأ في الأولى سورة الزلزال وفي الثانية سورة النصر
وفي الثالثة سورة القدر وفي الرابعة سورة التوحيد. وورد كذلك أن
يقرأ فيها بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون.
[المسألة 1369]
يجوز للمكلف أن يأتي بصلاة جعفر فيحتسبها من نوافل الليل أو
من نوافل النهار، والمراد أن تتداخل النافلتان، فينوي بالصلاة التي
يأتي بها نافلة المغرب مثلا وصلاة جعفر فيكون بذلك مؤديا لكلتا
الوظيفتين ويحصل على ثوابهما معا وقد تقدم أن الإمام الرضا (ع)
كان يفعل ذلك في أربع ركعات من صلاة الليل.
[المسألة 1370]
يجوز للمكلف أن يصلي ركعتين من صلاة جعفر حتى يسلم، فإذا
أعجله أمر لا بد له منه انصرف إليه، فإذا قضي الأمر رجع فأتم الصلاة،
ولم يحتج إلى استيناف الصلاة من أولها.
[المسألة 1371]
يجوز له إذا كان مستعجلا أن يأتي بصلاة جعفر مجردة عن التسبيح،
ثم يأتي بالتسبيح بعدها ثلاثمائة مرة وهو ذاهب إلى حاجته وكذلك إذا
كان عاجزا.
668

[المسألة 1372]
القنوت في صلاة جعفر كالقنوت في سائر الصلوات والنوافل فيؤتى
به في الركعة الثانية بعد القراءة والتسبيح وقبل الركوع في كلتا
الصلاتين.
[المسألة 1373]
الأحوط أن يأتي بذكر الركوع أو السجود قبل التسبيحات أو بعدها
ولا يكتفي بالتسبيحات عن الذكر، ويأتي به بقصد القربة المطلقة،
كما لا تسقط الأذكار الأخرى الموظفة في الصلاة.
[المسألة 1374]
إذا ترك التسبيحات ساهيا في بعض المواضع أو ترك بعضها وتذكر
وقد دخل في موضع آخر، أتى فيه بالوظيفتين الفائتة والحاضرة، فإذا
نسي التسبيحات في الركوع مثلا وتذكرها بعد رفع الرأس منه، أتى
في حال انتصابه من الركوع بالتسبيحات عشرين مرة، وإذا نسي
التسبيحات بعد القراءة وتذكرها في الركوع، وأتى بها في ركوعه خمسا
وعشرين مرة، وهكذا إذا نسيها ولم يتذكر إلا في السجود أو بين
السجدتين، وإذا تذكرها بعد الفراغ من الصلاة أتى بما فاته، برجاء
المطلوبية.
[المسألة 1375]
يستحب له في السجدة الثانية من الركعة الرابعة أن يقول بعد فراغه
من التسبيح: (سبحان من لبس العز والوقار، سبحان من تعطف بالمجد
وتكرم به، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان من أحصى كل
شئ علمه، سبحان ذي المن والنعم، سبحان ذي القدرة والكرم، اللهم
إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك
الأعظم وكلماتك التامة التي تمت صدقا وعدلا، صل على محمد وأهل
بيته وافعل بي كذا وكذا) ويذكر حاجته، وقد روي الدعاء بلفظ
آخر فيجوز بكل منهما.
669

[صلاة الغفيلة والوصية]
[المسألة 1376]
تقدم في الفصل الأول في أعداد الصلاة، في المسألة الرابعة: استحباب
صلاة الغفيلة بين العشاءين، وفي الحديث عن الرسول (ص): تنفلوا
في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة، وعن
أبي عبد الله (ع): من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى: الحمد،
وذا النون إذ ذهب مغاضبا، إلى قوله، وكذلك ننجي المؤمنين، وفي
الثانية: الحمد وقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، إلى آخر
الآية، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال، (اللهم إني أسألك بمفاتح
الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل
بي كذا وكذا، اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي
فأسألك بحق محمد وآله لما قضيتها لي) وسأل الله حاجته أعطاه الله
ما سأل، وقد تقدم ذكر هذه الصلاة هناك.
[المسألة 1377]
الركعتان المذكورتان ليستا من نافلة المغرب، فالأفضل الاتيان بهما
بعدها ولا موجب لجعلهما من النافلة.
[المسألة 1378]
ذكرنا في المسألة الخامسة استحباب صلاة الوصية بين العشاءين
أيضا، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) عن
رسول الله (ص) أنه قال: (أوصيكم بركعتين بين العشاءين، يقرأ في
الأولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرة. وفي الثانية الحمد
مرة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، فإن فعل ذلك في كل شهر كان
من المؤمنين، فإن فعل ذلك في كل سنة مرة كان من المحسنين، فإن فعل
ذلك في كل جمعة مرة كان من المخلصين، فإن فعل ذلك في كل ليلة زاحمني
في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى) والشأن في هاتين الركعتين شأن
الصلاة المتقدم ذكرها فهي صلاة مستقلة عن نافلة المغرب.
670

[صلاة يوم الغدير]
[المسألة 1379]
مما ورد الأمر به صلاة يوم الغدير، وهو اليوم الثامن عشر من
شهر ذي الحجة، اليوم الذي نص فيه رسول الله (ص) بالإمامة والخلافة
من بعده على أمير المؤمنين علي (ع)، وأمر المسلمين بمبايعته والتسليم
عليه بالخلافة.
وهي ركعتان يقرأ فيهما: فاتحة الكتاب، ثم سورة التوحيد عشر
مرات، ثم يقرأ آية الكرسي عشر مرات، ثم يقرأ سورة القدر عشر
مرات، ثم يركع ويسجد، ويقوم للركعة الثانية ويقرأ فيها كما قرأ
في الركعة الأولى، ثم يقنت ويركع، ويتم الصلاة، وورد في الرواية أن
وقت هذه الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة.
[المسألة 1380]
لا يجوز أن يؤتى بهذه الصلاة جماعة على الأقوى، وقد ذكرنا ذلك
في مبحث صلاة الجماعة، في المسألة (1032). وإذا فاتته هذه الصلاة
وأراد قضاءها كما ورد في هذه الرواية أتى به برجاء المطلوبية.
[المسألة 1381]
ورد الأمر كذلك بالصلاة في يوم المباهلة، وهو اليوم الرابع والعشرون
من شهر ذي الحجة، وهي ركعتان كصلاة يوم الغدير، وهي نظيرتها
في الكيفية وفي القراءة والوقت، فمن أراد الاتيان بها فليأت بها برجاء
المطلوبية، وقد ذكر في الرواية أن قراءة آية الكرسي فيها إلى قوله:
هم فيها خالدون.
[صلاة أول الشهر]
[المسألة 1382]
وصلاة أول الشهر ركعتان، ورد في الخبر أن الإمام محمد بن علي
الجواد (ع) كان يصليهما في أول يوم من كل شهر جديد يدخل عليه،
يقرأ في الركعة الأولى: الحمد مرة، وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، وفي
671

الركعة الثانية: الحمد مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثين مرة،
ويتصدق بما تيسر، ويشتري بذلك سلامة الشهر كله. ويستحب أن
يقرأ بعد فراغه من الصلاة: (بسم الله الرحمن الرحيم، وما من دابة
في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب
مبين، بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا
هو، وأن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يشاء من عباده وهو
الغفور الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يمسسك الله بضر فلا
كاشف له إلا هو، وأن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير، بسم الله
الرحمن الرحيم، سيجعل الله بعد عسر يسرا، ما شاء الله لا قوة إلا بالله
حسبنا الله ونعم الوكيل، وأفوض أمري إلى الله أن الله بصير بالعباد،
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. رب إني لما أنزلت إلي
من خير فقير، رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين).
ووقت هذه الصلاة هو أول يوم من الشهر، فيجوز الاتيان بها في
أي جزء من أجزاء اليوم ولا تختص بوقت معين منه.
[صلاة المهمات]
[المسألة 1383]
في الخبر عن الإمام الحسين بن علي (ع) أنه قال: إذا كان لك مهم،
فصل أربع ركعات تحسن قنوتهن وأركانهن، تقرأ في الأولى: الحمد
مرة، و (حسبنا الله ونعم الوكيل) سبع مرات، وفي الثانية الحمد مرة،
وقوله: (ما شاء الله أن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) سبع مرات، وفي
الثالثة الحمد مرة، وقوله: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين) سبع مرات، وفي الرابعة الحمد مرة، وقوله: (وأفوض أمري
إلى الله إن الله بصير بالعباد) سبع مرات، ثم تسأل حاجتك.
وعن أبي عبد الله (ع): إذا عسر عليك أمر فصل ركعتين، تقرأ في
الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وإنا فتحنا لك فتحا مبينا إلى
قوله وينصرك الله نصرا عزيزا، وفي الثانية فاتحة الكتاب، وقل هو
الله أحد، وألم نشرح لك صدرك، وقد جرب.
672

وعن أبي عبد الله (ع): من كانت له إلى الله حاجة، فليقصد إلى
مسجد الكوفة، ويسبغ وضوءه ويصلي في المسجد ركعتين يقرأ في كل
واحدة منهما فاتحة الكتاب وسبع سور معها، وهي المعوذتان وقل هو
الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وإذا جاء نصر الله والفتح، وسبح
اسم ربك الأعلى، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، فإذا فرغ من الركعتين
وتشهد وسلم وسأل الله حاجته فإنها تقضى بعون الله إن شاء الله.
وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: من ظلم فليتوضأ وليصل ركعتين
يطيل ركوعهما وسجودهما، فإذا سلم، قال: (اللهم إني مغلوب فانتصر)
ألف مرة فإنه يعجل له النصر.
[صلاة الشكر]
[المسألة 1384]
عن أبي عبد الله (ع) قال في صلاة الشكر إذا أنعم الله عليك بنعمة
فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وتقرأ
في الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وتقول في الركعة الأولى
في ركوعك، وسجودك: الحمد لله شكرا شكرا وحمدا، وتقول في الركعة
الثانية في ركوعك وسجودك: الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني (1)
مسألتي.
[صلاة ليلة الدفن]
[المسألة 1385]
ذكرنا في المسألة السبعمائة والتاسعة والسبعين من كتاب الطهارة
استحبابا صلاة الهدية للميت ليلة دفنه، وقد رويت هذه الصلاة عن
النبي (ص)، وهي ركعتان يقرأ في الركعة الأولى منهما الحمد وآية
الكرسي، ويقرأ في الثانية الحمد وسورة القدر عشر مرات، فإذا سلم
قال: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان).

(1) الذكر كما جاء في الكافي الجزء الثالث - مؤسسة دار الكتب الاسلامية - طهران،
الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي.
673

والأحوط أن يقرأ آية الكرسي إلى قوله: (هم فيها خالدون) وإن
كان الأقوى أن آخر آية الكرسي قوله تعالى: (وهو العلي العظيم).
[المسألة 1386]
يجوز أخذ الأجرة لهذه الصلاة، والأولى أن يدفعها المستأجر للمصلي
بقصد التبرع أو الهدية للمؤمن أو الصدقة عليه، ويصليها الأجير
بقصد التبرع والاحسان إلى الميت.
[المسألة 1387]
يجوز للشخص الواحد أن يأتي بصلاة الهدية أكثر من مرة واحدة
لميت واحد بقصد اهداء الثواب له، ولا يجوز له أن يصليها أكثر من
مرة بقصد أخذ الأجرة عليها، إلا إذا أذن له المستأجر بذلك، فيجوز
له حينئذ تكرار الصلاة وأخذ الأجرة عليها بمقدار إذن المستأجر، وقد
تقدم في فصل دفن الميت بعض أحكام هذه الصلاة.
[صلاة تحية المسجد]
[المسألة 1388]
إذا دخل الانسان المسجد استحب له أن يصلي فيه ركعتين تحية
للمسجد، ففي حديث أبي ذر (رض) قال دخلت على رسول الله (ص)
وهو في المسجد جالس، فقال لي يا أبا ذر إن للمسجد تحية، قلت وما
تحيته، قال ركعتان تركعهما، وعنه (ص): لا تجعلوا المساجد طرقا
حتى تصلوا فيها ركعتين
[الفصل الثامن والأربعون]
[في بعض أحكام الصلاة المندوبة]
[المسألة 1389]
الصلوات المندوبة أكثر من أن يحيط بها عد أو يستوعبها احصاء،
فالصلاة خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر، فمنها النوافل
والرواتب اليومية، وقد أشرنا إليها وإلى أوقاتها في الفصلين الأولين من
674

كتاب الصلاة، ومنها النوافل المبتدأة، ومنها ذوات الأسباب والغايات
الخاصة، ومنها المؤقتة بأوقات معينة، ومنها المطلقة التي ليس لها
وقت محدد ولا سبب مخصوص.
[المسألة 1390]
يجب في جميع الصلوات المندوبة أن تفرد كل ركعتين منها بتسليم،
فلا تكون أقل من ركعتين ولا أكثر، عدا ما استثنى، وهما صلاة الوتر،
وصلاة الأعرابي، ولا فرق في ذلك بين الرواتب اليومية وغيرها ويستحب
القنوت في جميع النوافل أيضا، وموضعه هو الركعة الثانية، بعد اتمام
القراءة وقبل الركوع، ويستثنى من ذلك صلاة الوتر فيستحب فيها
القنوت وهي ركعة واحدة.
[المسألة 1391]
يجوز للمكلف أن يأتي بالصلوات المندوبة جالسا حتى في حال
الاختيار، ويجوز له أن يصليها ماشيا وراكبا، ويجوز له أن يأتي بها
وهو في المحمل، وإن كان الأفضل أن يأتي بها قائما مستقرا.
وإذا صلاها جالسا مع الاختيار استحب له أن يحتسب كل ركعتين
جالسا بركعة واحدة قائما، فيجعل نافلة الصبح أربع ركعات من جلوس
بتسليمتين، ويجعل نافلة المغرب ثماني ركعات من جلوس كل ركعتين
منها بتسليم، وإذا صلى الوتر جالسا استحب له أن يأت بالوتر مرتين
كل مرة ركعة مفردة بتسليم، وإذا أراد صلاة جعفر جالسا صلاها ثماني
ركعات من جلوس وأفرد كل ركعتين منها بالتسليم، وهكذا.
[المسألة 1392]
يجوز في المندوبات أن يصلي ركعة منها قائما ويصلي الأخرى جالسا،
وبالعكس ويجوز أن يصلي بعض الركعة جالسا وبعضها قائما، فيقرأ
الفاتحة وبعض السورة جالسا ثم يقوم فيتم ركعة من قيام كما يجوز
له عكس ذلك، ويجوز له أن يتم القراءة جالسا ثم يقوم للركوع.
675

[المسألة 1393]
إذا قرأ في النافلة وهو جالس وأبقى من السورة بعض آياتها، ثم
قام وأتم قراءته وركع قائما احتسبت له صلاة القائم في صلاته، فإذا
صنع كذلك في كل ركعة أجزأته عن صلاة القائم ولم يحتج أن يحتسب
كل ركعتين بركعة قائما كما ذكرنا آنفا.
[المسألة 1394]
الأفضل في الجلوس أن يجلس متربعا، وقد ذكروا أن من التربع أن
يجلس القرفصاء، وهي أن يجلس على ألييه وقدميه ويرفع عن الأرض
فخذيه وساقيه، فإذا أراد الركوع ثنى رجليه وركع.
ويكره الاقعاء وهو أن يعتمد على الأرض بصدر قدميه ويجلس على
عقبيه أو يقعي كاقعاء الكلب.
[المسألة 1395]
إذا نذر نافلة الصبح أو نافلة المغرب مثلا، وكان نذره مطلقا انعقد
نذره وصح له أن يأتي بها جالسا، إلا أن يقصد بنذره ما هو الأفضل
أو ما هو المتعارف، فيتعين عليه أن يصليها قائما.
[المسألة 1396]
لا تجب في الصلوات المندوبة قراءة السورة بعد الفاتحة، فيصح
للمصلي أن يكتفي في نافلته بقراءة الفاتحة وحدها.
[المسألة 1397]
إذا كانت للنافلة كيفية مخصوصة في الشريعة، وقد عينت فيها قراءة
سورة أو سور، أو آيات مخصوصة، كصلاة يوم الغدير، أو صلاة ليلة
الدفن، تعين على المصلي أن يأتي بالسور والآيات المعينة فيها، فإذا هو
لم يأت بذلك عامدا لم تصح نافلته، وإذا كان ساهيا صحت نافلة مطلقة
ولم تصح النافلة المعينة، فلا يستحق الأجرة المسماة عليها في مثل صلاة
ليلة الدفن وعليه الإعادة إذا كان الوقت باقيا.
676

[المسألة 1398]
يجوز في النافلة المطلقة أن يقرأ بعد الحمد بعض سورة أو يقرأ
فيها آية واحدة أو أكثر، ويجوز أن يقرأ فيها أكثر من سورة، ويجوز له
أن يقرأ فيها بسور العزائم، ويرجع في أحكام سجوده إلى ما فصلناه
في سجود التلاوة من مباحث السجود.
[المسألة 1399]
يجوز لمصلي الصلاة المندوبة أن يعدل من سورة إلى سورة أخرى،
وإن تجاوز النصف منها، نعم قد يشكل الحكم بجواز العدول إذا كان
من سورة التوحيد أو من سورة الجحد إلى غيرهما، والأحوط أن يأتي
بالسورة التي عدل إليها بقصد القربة المطلقة.
[المسألة 1400]
يجوز للمصلي قطع الصلاة المندوبة حتى في حال الاختيار ولا أثم
عليه في ذلك.
[المسألة 1401]
ذهب جماعة من الفقهاء قدس الله أسرارهم إلى أن الصلاة المندوبة
لا تبطل بزيادة الركن فيها ساهيا، وهو مشكل، فلا يترك الاحتياط
بالإعادة.
[المسألة 1402]
إذا شك مصلي النافلة في عدد ركعاتها لم تبطل بذلك، وتخير بين
البناء على الأقل والبناء على الأكثر، وإذا كان البناء على الأكثر مبطلا
تعين البناء على الأقل.
[المسألة 1403]
إذا نسي المصلي سجدة واحدة من نافلته أو تشهدا ولم يتذكر حتى
فات موضع تدارك الجزء المنسي، فلا يترك الاحتياط بقضاء ذلك
الجزء، وكذلك إذا عرض له ما يوجب سجود السهو في نافلته، فلا يترك
الاحتياط بسجود السهو لذلك.
677

[المسألة 1404]
إذا شك المصلي في أجزاء النافلة وأفعالها جرى عليه حكم الشك في
أفعال الفريضة، فإن كان شكه وهو لا يزال في المحل أتى بالجزء المشكوك
فيه، وإن كان قد تجاوز عنه ودخل في غيره مضى في صلاته ولم يلتفت.
[المسألة 1405]
لا تصح صلاة الجماعة في الصلوات المندوبة حتى في صلاة الغدير كما
تقدم، ويستثنى من ذلك صلاة العيدين إذا كانت مستحبة، وصلاة
الاستسقاء.
[المسألة 1406]
ذكر جماعة إن ايقاع النافلة في المنزل أفضل من الاتيان بها في المسجد،
وما ذكروه في غاية الاشكال، وقد قلنا في المسألة المائتين والتاسعة
والسبعين: المذكور في الأدلة أن الاعلان في الفرائض أفضل من السر
فيها، وأن الاسرار في النوافل أفضل من العلن فيها، وليس معنى ذلك
أن صلاة النوافل في المنزل أفضل من صلاتها في المسجد، إذ من المعلوم
أن السر قد يتحقق في المساجد وأن العلانية قد تكون في المنزل، فإذا
صلى الانسان الفريضة في المسجد علانية نال كلتا الخصوصيتين من
الفضل في فريضته، وإذا صلاها في المسجد سرا أو صلاها في المنزل
علانية نال إحدى الخصوصيتين من الفضل وفاتته الأخرى.
وكذلك الأمر في النافلة، فإذا صلاها في المسجد سرا، نال كلتا
الخصوصيتين من الفضل في نافلته، وإذا صلاها في المسجد علانية أو
صلاها في المنزل سرا، نال إحدى الخصوصيتين من الفضل فيها وفاتته
الأخرى.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله
الطاهرين.
678