الكتاب: كلمة التقوى
المؤلف: الشيخ محمد أمين زين الدين
الجزء: ٤
الوفاة: ١٤١٩
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٣
المطبعة: مهر
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: الموزع : السيد جواد الوداعي

كلمة التقوى
الجزء الرابع
كتاب التجارة
فتاوى المرجع الديني
الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله
فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها
وأهلها، وكان الله بكل شئ عليما.
المعاملات
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، وأفضل صلواته
وتسليماته وبركاته على سيد المرسلين محمد وآله الطيبين
المطهرين المعصومين.
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير.
وبعد فهذا هو الجزء الرابع من رسالة كلمة التقوى،
وهو يحتوي على كتاب التجارة، وكتاب الصلح، وكتاب
الهبة، وكتاب الإجارة، وكتاب المضاربة، وكتاب الشركة،
من المعاملات، ومن الله سبحانه أسأل لي ولإخواني في ديني
اتمام النعمة وشمول الرحمة وثبات القدم وغفران الزلل
وحسن التوفيق والرعاية، ودوام الهدى في الأولى والأخرى
إنه أرحم الراحمين.
عبده المفتقر إليه
محمد أمين زين الدين
3

[كتاب التجارة]
5

[كتاب التجارة]
استفاضت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وآله سلم وعن الأئمة الهداة من أهل
بيته عليه السلام في الحث الشديد على طلب الرزق الحلال، وعلى التكسب بالطرق
المباحة في الشريعة الاسلامية المطهرة، وفي الحث الشديد على التجارة
بالخصوص.
ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله: العبادة سبعون جزءا أفضلها
طلب الحلال.
وعنه صلى الله عليه وآله: نعم العون على تقوى الله الغنى.
وعن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: من طلب الرزق
في الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره، لقي
الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: نعم العون الدنيا
على الآخرة.
وعن الإمام أبي الحسن موسى عليه السلام: من طلب هذا الرزق من حله
ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله.
وفي الحديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: تعرضوا للتجارات فإن
لكم فيها غنى عما في أيدي الناس وإن الله عز وجل يحب المحترف الأمين
وعنه عليه السلام: أنه قال للموالي: اتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة،
وواحد في غيرها.
وروى محمد الزعفراني عن أبي عبد الله عليه السلام: من طلب التجارة
استغنى عن الناس، قلت وإن كان معيلا، قال وإن كان معيلا، أن
تسعة أعشار الرزق في التجارة.
وكتاب التجارة يحتوي على عدة فصول.
7

[الفصل الأول]
[في بعض الموضوعات والأعمال التي يمنع التكسب بها أو يجوز]
[المسألة الأولى:]
لا يجوز للانسان التكسب بالخمر ولا في باقي المسكرات، ولا يجوز
له بيع البول ولا الغائط النجسين، ولا سائر الأعيان النجسة للاستعمال
المحرم، ولا يجوز له بيعها كذلك إذا لم تكن لها منفعة يعتد بها عند
العقلاء، أو لم تكن منفعتها محللة في الشريعة، والظاهر جواز بيعها
إذا كانت لها منفعة محللة يعتد بها عند العقلاء وغير مشروطة بالطهارة
شرعا وقصدت من بيعها المنفعة المذكورة، فيجوز له بيع الدم للتزريق
وبيع العذرة للتسميد.
[المسألة الثانية:]
كما يحرم على الانسان بيع الميتة فكذلك يحرم عليه بيع أجزائها
النجسة وهي الأجزاء التي تحلها الحياة في حال الحياة فيشملها الحكم
بالتحريم بعد الموت، بل الأحوط له لزوما اجتناب بيع الميتة وأجزائها
النجسة وإن وجدت لها منفعة محللة، وكذلك الخنزير والكلب البريان،
فالأحوط للانسان لزوما اجتناب بيعها وإن وجدت لها منفعة محللة،
ويستثنى من الكلاب كلب الصيد فيجوز بيعه والمعاوضة عليه كما
سيأتي إن شاء الله.
[المسألة الثالثة:]
يحرم على الانسان التكسب بالمذكورات في المسألتين السابقتين سواء
وقعت ثمنا أم مثمنا في البيع، أم أجرة في إجارة، أم عوضا في صلح،
أم مهرا في تزويج، أم فدية في خلع، أم عوضا في أي معاملة من
المعاملات، بل تحرم هبتها والصلح عنها بلا عوض.
8

[المسألة الرابعة:]
قد ذكرنا في فصل النجاسات من كتاب الطهارة: إن عصير العنب إذا
نش وغلى بغير النار حكم بنجاسته على الأحوط، ثم لا يطهر إلا بانقلابه
خلا، ولا ينجس إذا غلى بالنار، وكذلك الحكم في عصير الزبيب على
الأحوط أيضا، وقد ذكرنا ذلك مفصلا.
والعصير المذكور في حال نجاسته مستثنى من الحكم المتقدم ذكره
في بيع أعيان النجاسة، فيجوز بيعه قبل أن ينقلب خلا، سواء كان عصير
عنب أم زبيب.
ويستثنى من ذلك أيضا الكافر، فيجوز بيعه وشراؤه والمعاوضة
عليه إذا كان مملوكا، سواء كان كافرا أصليا أم مرتدا مليا أم فطريا،
ويستثنى من ذلك كلب الصيد كما تقدم في المسألة الثانية، وفي الحاق
كلب الماشية وكلب الزرع وكلب البستان وكلب الدار في الحكم بكلب
الصيد اشكال، نعم تجوز إجارتها وإعارتها بلا ريب.
[المسألة الخامسة:]
يجوز للمكلف بيع الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الحيوان الطاهر
في حال حياته كشعر الحيوان وصوفه ووبره وقد تقدم ذكرها في مبحث
النجاسات من كتاب الطهارة، فإذا مات الحيوان لم يحرم على مالكه بيع
تلك الأجزاء والتكسب بأثمانها إذا كانت لها منفعة محللة تعد بها عند
العقلاء مالا.
ويجوز له بيع الميتة الطاهرة كالميتة من السمك والجراد وسائر
الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، فيجوز بيع ميتته إذا كانت لها
منفعة محللة معتد بها عند العقلاء وتجوز المعاوضة عليها، نعم الأحوط
له الاجتناب إذا علم أن المشتري ممن يأكلها.
[المسألة السادسة:]
الأرواث والأبعار المحكومة بالطهارة شرعا، وهي التي تكون من
الحيوان الذي يؤكل لحمه أو تكون من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة،
فالظاهر أن لها منفعة محللة معتدا بها بين الناس كالتسميد وشبهه
9

وبهذه المنافع المقصودة تكون أموالا ولذلك فيجوز للمكلف بيعها
والمعاوضة عليها، وأما الأبوال الطاهرة فالظاهر أنها مما ليس له
منفعة محللة مقصودة، ولذلك فلا يجوز لها بيعها والتكسب بها، فإنها
لا تعد أموالا.
[المسألة السابعة:]
يجوز للانسان أن ينتفع بالأعيان النجسة في جهات غير محرمة شرعا،
ولا مشروطة بالطهارة، فيجعل جلود الميتة مثلا ظروفا للقذارات أو
لحمل النجاسات، ويطلي بدهن الميتة وشحمها بعض الأخشاب والسفن
مع التوقي عن سراية نجاستها، ويدفن بعض العذرات والميتات النجسة
في أصول الشجر والزرع للتسميد ونحو ذلك.
[المسألة الثامنة:]
لصاحب اليد على الأعيان النجسة حق اختصاص بها، فمالك
الحيوان إذا مات حيوانه يبقى له حق اختصاص به، ومالك العنب إذا
تحول عنبه خمرا يبقى له حق اختصاص بالخمر، وواضع اليد على
بعض النجاسات إذا وضعها بقصد الحيازة يكون له نحو استيلاء عليه،
ويكون له بتبع ذلك حق اختصاص به، وهذا الحق لا يزول حتى يرفع
يده عن تلك العين، وهذا الحق قابل للانتقال، فإذا مات صاحب اليد
انتقل الحق إلى وارثه من بعده، ولذلك فيجوز لغير صاحب اليد أن
يبذل له شيئا من المال ليرفع يده عن العين النجسة التي اختص بها،
فيحوزها لنفسه من بعده، وهذا ليس من التعويض عن العين النجسة
ولا من التعويض عن حقه فيها، بل من التعويض عن رفع اليد عن الحق.
[المسألة التاسعة:]
يجوز بيع الأعيان المتنجسة إذا كانت قابلة للتطهير، ولا بد من اعلام
المشتري بنجاستها ليطهرها قبل الانتفاع بها، ويجوز بيع الأعيان
المتنجسة غير القابلة للتطهير إذا كانت لها منافع محللة مقصودة وكانت
منافعها غير متوقفة على طهارتها، كالدهن المتنجس ينتفع به بالاسراج
وطلي السفن، وكالصابون المتنجس تنظف به الثياب والأشياء، ثم
10

تطهر بعد التنظيف، وكالصبغ المتنجس تصبغ به الأشياء ويتوقى من
ملاقاتها أو تطهر بعد الصبغ، ويجب اعلام المشتري بنجاستها.
ولا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها إذا لم تكن لها منفعة محللة
مقصودة، أو كانت منفعتها المقصودة مشروطة بالطهارة، وهي غير
قابلة للتطهير حسب الغرض، ولا تخرج بذلك عن ملك صاحبها.
[المسألة العاشرة:]
يجوز بيع السباع وشراؤها، كالأسد والنمر والفهد والذئب إذا
كانت لها منفعة محللة في الشريعة يعتد بها عند العقلاء، ويجوز بيع
الهرة ويحل ثمنها، ويجوز بيع المسوخ والحشرات إذا وجدت لها مثل
تلك المنفعة، فيجوز بيع الفيل لينتفع بالحمل عليه وبعظمه بعد الموت
أو التذكية، ويجوز بيع الحشرات مع وجود المنفعة المذكورة، كدود
القز ونحل العسل والعلق الذي يمص الدم ونحو ذلك.
والأحوط ترك بيع القرد من المسوخ، ولا يجوز بيع ما لا منفعة له
أو كانت منفعته غير محللة.
[المسألة 11:]
لا يجوز التكسب بما يكون آلة للحرام بحيث يعد عرفا منها ويكون
ذلك هو المقصود الغالب من اقتنائه كالعود والمزامير والبرابط، وآلات
العزف المعروفة وغير ذلك، وآلات القمار كالنرد والشطرنج وأوراق
المقامرة، والأصنام والصلبان، وكالأسطوانات الغنائية والأشرطة
التي يسجل عليها الغناء والأنغام المحرمة.
ويجوز بيع الآلات المشتركة، والتي يشيع استعمالها في المحلل والمحرم
على السواء بحيث ينتفي في أنظار أهل العرف إنها آلات حرام على
الخصوص، كالراديو، وصندوق حبس الصوت ويجوز اقتناؤها
للاستعمال في الأشياء المباحة والراجحة كاستماع الأخبار والقرآن،
والمناهج المباحة والنافعة المجدية.
وأما التلفزيون فالحكم فيه يدور مدار صدق الاسم، فإن عد في
نظر أهل العرف من آلات اللهو والحرام على الخصوص حرم بيعه وحرم
11

استعماله، وإذا شاعت فوائده المحللة وكثرت منافعه ومناهجه المجدية
والراجحة حتى أصبح في نظر أهل العرف من الأجهزة المشتركة العامة
وغير معدود من آلات اللهو والحرام على الخصوص، جاز بيعه واقتناؤه
واستعماله في الأشياء المباحة واختصت الحرمة باستعماله في النواحي
المحرمة.
[المسألة 12:]
يجوز بيع الآلات المسجلة للصوت كما يجوز استعمالها في ما يباح
وما يحسن ويرجح، ويجوز بيع الآلات المكبرة للصوت، ويجوز بل
يحسن استعمالها في الأمور الراجحة، كاعلان الصوت في الأذان، وتبليغ
الصوت في خطبة الخطيب، وموعظة الواعظ وقراءة القارئ ونشر
الحقائق الصحيحة.
[المسألة 13:]
يحرم عمل آلات اللهو وآلات الحرام المتقدم ذكرها، ويحرم اصلاحها
إذا فسدت أو تعيبت، ويحرم التكسب بذلك وأخذ الأجرة أو الجعالة
عليه، بل يجب افسادها واعدامها مع الامكان وتغيير هيئتها على الأقل،
وله أن يبيع مادتها بعد التغيير من نحاس أو حديد أو معدن آخر، وله
أن يبيع المادة قبل التغيير والافساد إذا اشترط على المشتري تغييرها أو
وثق بأنه يغيرها وإن لم يشترط ذلك عليه، ويشكل جواز البيع
بغير ذلك.
[المسألة 14:]
الأحوط لزوما للمكلف أن يجتنب الانتفاع مطلقا بأواني الذهب
والفضة في الحوائج وإن لم يكن الانتفاع من أنواع الاستعمال المتعارفة،
وأن لا يقتنيها مع قصد أن يجعلها متاعا معدا للانتفاع به وإن لم يستعملها
بالفعل بل جعلها على الرفوف للزينة مثلا، فيجتنب بيعها وشراءها لهذه
الغاية على الأحوط، وأن يجتنب الإجارة لصياغتها لهذه الغاية ويجتنب
أخذ الأجرة عليها.
ويجوز له أن يقتنيها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصد بذلك حفظها
12

أو حفظ ماليتها بهذه الصورة، فيجوز له بيعها وشراؤها لهذه الغاية،
وتجوز الإجارة لصياغتها لذلك ويجوز أخذ الأجرة عليها.
[المسألة 15:]
لا تجوز المعاملة في الدراهم الزائفة التي يضعها بعض الناس لغش
الناس وسلب أموالهم، سواء كان زيفها في أصل المعدن الذي تختلف
به عن العملة الصحيحة المتداولة في البلاد، أم كان في خلطها بمعدن آخر
تكون به مزيفة مغشوشة، فلا يجوز جعلها عوضا ولا معوضا في المعاملات
إذا كان الشخص الذي تدفع إليه جاهلا بأمرها، وأما إذا كان عالما
ومطلعا على الحقيقة فلا يصدق معه الغش لظهور الأمر لديه، فإذا أقدم
على المعاملة مع ذلك فلا تحريم من هذه الناحية وهو واضح.
[المسألة 16:]
لا يجوز بيع العنب أو التمر مثلا ليعمل خمرا، وكذلك غيرهما من
الأشياء التي يتخذ منها الخمر، فلا يجوز بيعها لهذه الغاية،
ولا تصح المعاملة عليها، ولا يصح بيع الخشب أو غيره من المواد ليصنع
صنما أو آلة لهو أو آلة حرام آخر، بأن يذكر المتعاملان هذه الغاية في
عقد البيع، أو يتواطئا على ذلك بينهما ويجريا العقد على ما تواطئا
عليه، ولا يجوز إجارة المنزل أو الدكان أو المحل ليباع فيه الخمر أو
يحرز فيه، أو ليكون موضعا للبغاء أو غيره من المحرمات على النحو
المتقدم من بناء العقد على الغاية المحرمة ولو بالتواطؤ عليها، وتبطل
الإجارة بذلك، ولا يجوز إجارة الدابة أو السفينة أو السيارة لحمل
الخمر على النحو المتقدم، وتبطل الإجارة بذلك، فلا يحل الثمن ولا
الأجرة بذلك ولا العوض إذا كانت المعاملة بعنوان الجعالة أو الصلح.
وإذا باع العنب أو التمر ممن يعلم أنه يعمله خمرا، أو باع الخشب
ممن يعلم أنه يصنعه آلة حرام، أو آجر المنزل أو المحل ممن يعلم أنه
يتخذه محرزا للخمر أو موضعا لمحرم آخر، أو آجر السفينة أو السيارة
لمن يعلم أنه يحمل فيها خمرا ولم يتواطئا على ذلك ولم يذكراه في ضمن
العقد، فهو موضع اشكال فلا يترك فيه الاحتياط.
13

[المسألة 17:]
المدار في كون الشئ مالا في نظر أهل العرف هو أن تكون لذلك الشئ
فائدة يرغب فيها عامة العقلاء، ويتنافسون من أجل تلك الفائدة على
اقتنائه وبذل المال بإزائه، والفائدة المذكورة المرغوب فيها قد تكون
مطلقة تشمل حال الاختيار وحال الاضطرار كأصناف المأكولات
والمشروبات والملبوسات، وقد تختص بحال الاضطرار كالعقاقير والأدوية
والمستحضرات التي يطلبها الناس في أوقات المرض والعلاج خاصة،
فإذا كانت الحاجة إليها عامة منتشرة بين الناس في حال اضطرارهم
كانت باعثا لهم على التنافس وبذل المال للحصول على ذلك الشئ وإن
كانت الاستفادة منه خاصة في حال الاضطرار، وبملاحظة هذه الرغبة
والتنافس يكون ذلك الشئ مالا في نظرهم، وإذا كانت تلك الفائدة
محللة في شريعة الاسلام جاز بيع الشئ وشراؤه وصح التكسب به في
الشريعة الاسلامية كما تكرر في المسائل المتقدمة.
[المسألة 18:]
الأحوط لزوما عدم جواز بيع المصحف الشريف على الكافر وعدم
تمكينه منه، ويحرم بلا ريب إذا كان موجبا للزراية والهزء به والاستهانة
بشأنه والهتك لحرمته، ويجوز بيعه عليه وتمكينه منه إذا كان ذلك
وسيلة لهدايته، أو سببا لتعظيم أمره عنده أو عند بعض المنصفين من
ذوي نحلته.
[المسألة 19:]
يحرم تصوير كل ذي روح سواء كان انسانا أم حيوانا، وسواء
كانت الصورة مجسمة أم غير مجسمة، ومنقوشة أم محفورة أم مطرزة.
ويستثنى من ذلك تصوير بعض الأجزاء فقط كتصوير الرأس
وحده، أو الرجل أو اليد خاصة فلا يحرم ذلك، إلا إذا عد تصويرا
للانسان أو الحيوان ولكنه ناقص بعض الأجزاء، كما إذا صور انسانا
أو حيوانا مقطوع الرأس، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.
ويحرم إذا صور انسانا أو حيوانا مقطوع اليد أو مقطوع الرجل،
14

ويحرم إذا كانت الصورة كاملة ولكنه على هيئة لا يستبين منه بعض
أجزائه، كما إذا صور انسانا ملتفتا، فلا يستبين منه بعض أجزاء
وجهه، أو صوره راكعا أو ساجدا أو جالسا، أو واضعا يديه خلف
ظهره، فلا يستبين منه بعض أجزائه في الصورة، فيحرم جميع ذلك
ويحرم أخذ الأجرة عليه.
ويجوز التصوير بالآلة الفوتوغرافية الشائعة، فإنها من حبس الظل
وليست من التصوير المحرم.
ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر والأزهار والثمار والنخيل
سواء كانت مجسمة أم غير مجسمة ويحل أخذ الأجرة عليه.
[المسألة 20:]
يجوز اقتناء الصور سواء كانت من ذوات الروح أم من غيرها وسواء كانت
مجسمة أم منقوشة أم مطرزة أم محفورة، نعم يكره اقتناؤها، والكراهة
في الجميع على حد سواء فليست في الصور المجسمة أشد منها في غيرها.
[المسألة 21:]
تحرم إعانة الظالين في ظلمهم، وتحرم إعانة كل فاعل للحرام في
فعله الحرام وإن لم يكن في عداد الظالمين عرفا.
وأما إعانة الظالمين في أفعالهم المباحة أو في طاعاتهم فهي غير محرمة،
إلا إذا عد في أعوان الظلمة والمنتسبين إليهم أو كان ذلك موجبا لقوة
شوكتهم وتمكينهم من الظلم.
[المسألة 22:]
يحرم اللعب بالآلات المعدة للقمار كالنرد والشطرنج والطاولي،
وأوراق المقامرة، ونحوها من الأشياء الخاصة المعدة لذلك، سواء كان
اللعب بها مع الرهن أم بدونه، ولا يحل أخذ الرهن عليها، سواء كان
الرهن من المغلوب من المتقامرين للغالب أم من شخص آخر أجنبي عنهما
وسواء كان المتراهنان هما المتقامران أم غيرهما، كما إذا تقامر شخصان
بمحضر شخصين آخرين، فتراهن الشخصان المشاهدان للمقامرة وقال
أحدهما للآخر: إن غلب زيد في المقامرة فلك من مالي كذا دينارا، وإن
15

غلب عمرو فلي من مالك كذا دينارا، واتفقا على ذلك بينهما، فلا يجوز
ذلك في جميع الصور ولا يحل أخذ الرهن.
ويحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان اللعب من الرهن
كالمصارعة وصعود القمم الشاهقة وتسلق الأبنية العالية وحمل الحجارة
الثقيلة ودخول الأمكنة المظلمة أو المخوفة، وشبه ذلك، ولا يحل أخذ
الرهن عليها، ويجوز ذلك إذا كان بغير رهن، والأحوط استحبابا تركه.
[المسألة 23:]
لا يجوز الاحتفاظ بكتب الضلال واستنساخها وقرائتها إذا لم تكن
له غاية صحيحة في ذلك، وخصوصا مع احتمال عروض الضلال بقراءتها
له أو لغيره عن طريق الحق، وخصوصا للعامة من الناس وضعفاء المعرفة
الذين لا يملكون النظرة القويمة السديدة في أمر العقيدة، ويضاف إلى
ذلك مداخل الشيطان، ومنافذه ووسائله التي لا تنضبط ولا تنحصر،
والتي يمهد بعضها لبعض، ويأخذ بعضها بيد بعض، وقد تأتي على البناء
من القواعد، وأدنى ما يؤمل منها أن تثير الشكوك، وتلبد الجو.
وكتب الضلال مختلفة المواضيع، وكتابها متنوعو الأساليب،
والكثرة منهم يملكون من المباهتة والمراوغة أكثر مما يملكون من النقد
النزيه، وقد لا يملكون من هذا شيئا، فيجب على القارئ التوقي من
المزال جهد المستطاع، ومن أهم ما يقيه تجنب الكتب المضلة
وقد تخادعه النفس أو يخادعه الشيطان فيدعي لنفسه القدرة وهو
لا يقدر، ليوقعاه في ما لا يحمد أو ليكون ما يفسده أكثر مما يصلحه،
فيجب التنبه قبل الوقوع في الشبهة والظلمة.
ويجوز الاحتفاظ بهذه الكتب لمن أمن ذلك، وكانت له النظرة
الصائبة التي يفرق بها بين الحسن والقبيح والخطأ والصواب، ويحسن
بل يجب الاحتفاظ بها لم زوده الله بالهدى الكامل، وآتاه النور المشع
الذي يكشف الظلمة، والذي يستطيع به إحقاق الحق وابطال الباطل،
وملكه زمام القول ليبين من تلك الكتب مواضع الزيف ويوضح للقارئين
والمسترشدين معالم الحق.
16

[المسألة 24:]
الغناء هو مد الصوت وتلحينه على الكيفيات اللهوية المعروفة في
مجالس اللهو وعند أهله سواء صحبه شئ من آلات الطرب أم لا، ويميزه
أهل العرف، فما صدق عليه بين أهل العرف إنه غناء فهو منه.
ولا ريب في حرمته وحرمة الاستماع إليه وحرمة التكسب به وعدم
حلية أخذ الأجرة والعوض عليه ولا فرق في حرمته بين أن يقع في أغاني
عامية أو شعر عربي أو غير عربي أو في قراءة قرآن أو تلاوة دعاء أو
خطبة أو في مراثي أهل البيت عليهم السلام أو غير ذلك، ويتضاعف العقاب عليه
إذا وقع في عبادة يراد بها طاعة الله سبحانه.
ويستثنى من ذلك حداء الحادي فلا تحريم فيه، وغناء النساء في
محافل العرس، بشرط أن لا يصحبه شئ من المحرمات الأخرى كالضرب
بالطبل والصنج أو على المعازف وكالرقص والحركات الخليعة والتكلم
في الغناء بالكلام الباطل، ودخول الرجال على النساء وسماعهم لأصواتهن
على نحو يثير الشهوة وينشر الفساد، فإذا صحبه شئ من ذلك كان حراما.
[المسألة 25:]
السحر هو صرف الشئ عن وجهه الصحيح على سبيل الخدعة والتمويه،
فيلبس الباطل لباس الحق، ويوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر
أو السمع أو غيرهما من الحواس، وقد يؤثر في بدن المسحور وقلبه أو
عقله أو في عواطفه، فيؤثر فيه الحب أو البغض ويمنعه ويصده عن
بعض المحبوبات والمشتهيات، ويحبسه عن الوصول إلى زوجته ويفرق
به بينهما وغير ذلك من الآثار المختلفة.
ولا ريب في حرمة عمله وحرمة تعلمه وتعليمه وحرمة التكسب به،
وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام ما يدل على شدة تحريمه
والمؤاخذة عليه حتى أطلق عليه الكفر وشبه بالشرك، وعن أمير المؤمنين
علي عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر
عهده بربه، وحده أن يقتل إلا أن يتوب.
17

وأما تسخير الملائكة أو الجن، واحضار الأرواح وتسخيرها، ففي
عده من السحر اشكال، ويحرم منه ما كان مضرا بمن يحرم الاضرار به
[المسألة 26:]
الشعوذة هي إراءة غير الواقع واقعا لخفة اليد والحركة السريعة
التي تخرج بسرعتها عن المعتاد، ونظيرها - وليس منها - أن يدير
الانسان النار بيده بسرعة فيري الآخرين بعمله ذلك دائرة متصلة من
النار، مع أنها ليست بدائرة ولا متصلة، ولكنها وهم متصل، وأقول
إن هذا المثال نظير الشعوذة وليس منها فالحركة المذكورة ليست خارجة
عن المعتاد.
والشعوذة ليست من السحر، والأحوط لزوم اجتنابها واجتناب
التكسب بها مطلقا، وخصوصا إذا هي أضرت بمؤمن، أو ترتب عليها
عنوان محرم آخر.
[المسألة 27:]
القيافة هي أن يستند القائف إلى علامات خاصة ومشابهات بين الطفل
والرجل في بعض الملامح أو في أجزاء خاصة من البدن، فيلحقه به في
النسب أو يحكم بأنه أجنبي عنه على خلاف الموازين التي وضعتها
الشريعة الاسلامية لالحاق الولد بأبيه، ولا ريب في تحريمها وعدم جواز
التكسب بها.
[المسألة 28:]
الكهانة هي أن يخبر الكاهن ببعض حوادث تحصل في مستقبل الزمان
أو ببعض المغيبات عنه في الزمن الحاضر، ويزعم أنه يتلقى هذه الأنباء
عن الجان، وهي من المحرمات في الدين.
والظاهر أنه لا حرمة في أن يخبر ببعض الأمور المغيبة عنه ويستند
في اخباره بها إلى مقدمات وأمارات خفية يستدل بها على ذلك إذا اعتقد
صحتها أو حصل له الاطمئنان منها.
[المسألة 29:]
التنجيم هو أن يخبر المنجم عن حوادث الكون وما يجد فيه من جدب
18

وخصب ورخص وغلاء وحر وبرد وكثرة مطر وقلة، بل وحرب وسلم
وصحة وسقم وانتشار أمراض وما يشبه ذلك ويستند في اخباره بهذا
إلى حركة الأفلاك وأوضاع الكواكب والنجوم بعضها مع بعض وهو
يعتقد إن هذه الحركات والأوضاع مؤثرة في الكون وفي تسيير حوادثه.
وهو من المحرمات إذا اعتقد القائل بذلك اعتقادا يتنافى مع مقررات
الاسلام.
وأما الخسوف والكسوف ومسير الكواكب وتقارنها وانفصالها وتولد
الأهلة وما أشبه ذلك فلها مقادير معينة في الحساب وقواعد رتيبة
مضبوطة لا تخطئ، ولكن قد يخطئ الحاسب في ملاحظتها، فتختلف
عما يقول.
[المسألة 30:]
لا ريب في حرمة الغش في المعاملة وقد تكثرت الأدلة الواردة في تحريمه
وفي الوعيد على ارتكابه، ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ومن غش
مسلما في بيع أو في شراء فليس منا ويحشر مع اليهود يوم القيامة، لأنه
من غش الناس فليس بمسلم، إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألا ومن غشنا فليس
منا، قالها ثلاث مرات، ومن غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد
عليه معيشته ووكله إلى نفسه.
ومعنى الغش ظاهر لا خفاء فيه، وله مراتب متفاوتة، فمنه خلط
الشئ المرغوب فيه بغير المرغوب والجيد بالردي، فيبدو الجميع مرغوبا
فيه وجيدا، ومنه تزييف صفحة الشئ الموجودة فيه وهي قبيحة ليظهر
للرائي بصورة حسنة، ومنه طلاء النحاس أو الحديد بماء الذهب أو
بماء الفضة فيتوهم المشتري إنه ذهب أو فضة، ومنه اخفاء العيب
في الشئ المعيب حتى يراه الرائي صحيحا، ومنه غير ذلك، وجميعه محرم
ومعاقب عليه في الاسلام.
[المسألة 31:]
الغش محرم ومعاقب عليه كما تقدم، ولكن المعاملة التي وقع فيها الغش
لا تكون باطلة، وإنما يكون للمغشوش من المتعاقدين خيار فسخ المعاملة
19

بعد الاطلاع على أن صاحبه قد غشه فيها، وإذا كان البيع قد وقع على
الكلي وكان الغش في الفرد الذي دفعه البائع إلى المشتري، صح البيع،
وكان للمشتري على البائع أن يبدل الفرد المغشوش الذي دفعه إليه بفرد
آخر لا غش فيه، ومثال ذلك ما إذا باعه منا من الحنطة أو من الأرز في
الذمة، ودفع إليه عند التسليم منا مغشوشا من الجنس الذي باعه،
فعليه أن يبدل المن الذي دفعه إليه بمن من الجنس سليم من الغش.
وإذا باعه حديدا مموها بماء الذهب على أنه ذهب، أو حديدا مموها
بماء الفضة على أنه فضة، كان البيع في هذه الصورة باطلا لاختلاف
الجنس الذي وقع عليه البيع عن الجنس المقصود ووجب على البايع رد
الثمن إلى المشتري، وكذلك الحكم في كل بيع يكون الغش فيه موجبا
لاختلاف الجنس.
[المسألة 32:]
يحرم النجش، ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله
إنه عد الناجش والمنجوش من الملعونين على لسان محمد صلى الله عليه وآله، والنجش
هو أن يزيد الانسان في ثمن الشئ وهو لا يريد أن يشتريه، وإنما يريد
أن يسمعه غيره فيزيد في الثمن على زيادته.
ولا فرق في تحريم النجش بين أن يكون الناجش قد تواطأ مع البايع
على ذلك أم لا.
[المسألة 33:]
لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه على الاتيان بالواجبات العبادية التي
تجب عليه وجوبا عينيا، ولا يحل له أخذ الأجرة عليها، فإن الظاهر من
أدلة هذه الواجبات إن الشارع قد اعتبر فيها أن يأتي المكلف بها مجانا
دون عوض.
وكذلك الحكم في الواجبات العبادية الكفائية، والمستحبات التي
اعتبر الشارع فيها المجانية أيضا، فلا تصح الإجارة ولا يحل أخذ الأجرة
للمكلف على الصلاة اليومية الواجبة عليه، ولا نوافلها ولا على
صيام شهر رمضان ولا على سائر الواجبات والمستحبات العينية، ولا
20

على تغسيل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ولا على الأذان ونحوه، فإن
المجانية التي اعتبرها الشارع في امتثال هذه الواجبات والمستحبات
تمنع من جواز الإجارة عليها ومن حصة أخذ الأجرة على الاتيان بها.
وكذلك الحكم على الأقوى في تعليم العقائد الواجبة في الاسلام،
وتعليم الأحكام في شريعته مما هو محل الابتلاء للمكلفين، والأحوط
ذلك أيضا في الأحكام التي لا تكون محل الابتلاء.
وتجوز الإجارة ويحل أخذ الأجرة على الواجبات غير العبادية كدفن
الميت، وكمعالجة الطبيب للمرضى وعلى الواجبات التي يتوقف عليها
نظام الحياة كتعليم علم الطب والزراعة وغيرهما. وتجوز الإجارة على
تعليم القرآن والقراءة والكتابة ويحل أخذ الأجرة والجعل عليها.
وتجوز الإجارة للنيابة عن الأموات في الاتيان بما وجب عليهم من
واجبات ومستحبات إذا كانت مما تشرع فيه النيابة ويحل أخذ الأجرة
على ذلك، وسيأتي تفصيله في كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى.
وتصح الإجارة عن الحي في خصوص حج الاسلام إذا وجب عليه
وعجز عن أدائه، فتصح النيابة عنه في الحج ويحل له أخذ الأجرة على
ذلك، وتفصيل الحكم فيه في كتاب الحج، فليراجع.
[المسألة 34:]
ما لا تجوز الإجارة على الاتيان به ولا يحل للمكلف أخذ الأجرة عليه
من الواجبات العبادية والمستحبات التي اعتبر الشارع في امتثال الأمر
بها أن يأتي المكلف بها مجانا دون عوض، فكذلك الحكم في أخذ الجعالة
عليها، فلا تجوز الجعالة على الاتيان بهذا النوع من الأعمال الواجبة
ولا يستحق العامل به عوضا على الجاعل، لما ذكرناه من اعتبار المجانية
فيها شرعا.
[المسألة 35:]
يحرم نوح النائحة على الميت إذا كان نوحها بالباطل، وهو أن تثني
على الميت بالكذب وتذكر له من الصفات والأفعال الحميدة ما ليست له،
21

وتنزهه عن بعض الصفات والأفعال غير المحمودة، وهي فيه، ولا يحل
لها أخذ الأجرة أو الجعل على ذلك.
ويجوز لها أن تنوح بالحق فتذكر للميت من الصفات والممادح ما هو
له أهل، ويحل لها أخذ الأجرة والجعل على ذلك.
[المسألة 36:]
يحرم هجو المؤمن سواء كان ذكرا أم أنثى، والهجو هو ذمه وذكر
ما به استنقاصه وعيبه من الصفات والأعمال والنسب الدنئ وشبه
ذلك، سواء كان في الشعر أم النثر.
ويجوز هجو المخالف للحق، ويجوز هجو الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ
ببدعته كما في بعض النصوص.
ولا يجوز هجاء الفاسق غير المبتدع وإن كان متجاهرا في فسقه.
[المسألة 37:]
يحرم الفحش من القول، وهو ما يستقبح ذكره من الكلام البذئ،
وهو على نحوين:
القسم الأول: ما يستقبح ذكره مع كل أحد حتى مع الزوجة، وهو
محرم حتى مع الزوجة كذلك، كما إذا شبه زوجته بالبغايا وعاملات
السوء، فيحرم ذلك وإن كان بقصد المزاح والتفكه معها.
القسم الثاني: ما يستقبح التصريح به مع الأجانب ولا يقبح مع
الزوجة، كما إذا ذكر بعض الأعمال الخاصة بينه وبينها، فيجوز له
ذلك ولا يقبح معها، ويحرم مع غيرها.
[المسألة 38:]
يحرم على الانسان أن يدفع الرشوة إلى القاضي ليحكم له، سواء
كان قضاؤه له بحق أم بباطل، ويحرم على القاضي أن يأخذ الرشوة
على الحكم سواء كان حكمه في الواقعة بحق أم بباطل، وقد تكرر في
النصوص قول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: وأما الرشا في
الحكم فإن ذلك هو الكفر بالله العظيم جل اسمه وبرسوله صلى الله عليه وآله، وعن
22

أمير المؤمنين عليه السلام: أيما وال احتجب من حوائج الناس احتجب الله عنه
يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هدية كان غلولا، وإن أخذ
الرشوة فهو مشرك.
ويجوز للمظلوم أن يدفع الرشوة لظالمه ليستنقذ حقه منه، ويحرم
على الظالم أخذها.
[المسألة 39:]
يحرم على الرجال لبس الذهب من خاتم وغيره، وتبطل صلاة الرجل
بلبسه، ويحرم عليه التزين به كالسن من الذهب يجعله في مقدم
الأسنان، وأزرار الذهب توضع للقميص، ولا تبطل الصلاة بذلك،
وإذا لبس الذهب وتزين به فهو أشد تحريما، وأشد من ذلك أن يكون
الذهب الذي لبسه وتزين به من مختصات النساء.
[المسألة 40:]
يحرم على المكلف الكذب، وقد تكثرت الأدلة في تحريمه والوعيد
على ارتكابه، والكذب المحرم على الانسان هو أن يخبر عامدا بما يخالف
الواقع، وهو قاصد لذلك، سواء كان جادا في كذبه أم هازلا، ويتأكد
التحريم ويعظم العقاب عليه إذا كان مع الاستصغار للخطيئة، والتهاون
بحرمات الله سبحانه، ويتأكد التحريم كذلك إذا كان في شهر رمضان
وخصوصا للصائم فيه كما هو الشأن في غيره من المحرمات.
[المسألة 41:]
قد يتكلم الانسان بالخبر الكاذب، وهو لا يقصد الاخبار به عن
الواقع، وإنما يقصد التكلم بصورة الخبر فقط من غير قصد للحكاية،
والذي يدعوه إلى ذلك هو الهزل والمزاح فلا يكون ذلك محرما بل ولا
يكون كذبا لعدم الحكاية، بل يكون هزلا.
وقد يقصد التورية فلا يكون كاذبا ولا يكون اخباره محرما كذلك،
بل يكون موريا.
والتورية في الكلام هي أن يكون للفظ معنيان، أحدهما ما هو ظاهر
23

فيه عند متعارف الناس، والثاني ما هو غير ظاهر فيه، ولكنه معنى من
معانيه، فإذا تكلم الانسان باللفظ وقصد المعنى غير الظاهر كان
موريا في كلامه.
ومثال ذلك أن يقول كساني عبد الله في هذا اليوم لباسا، ولم يكن
عبد الله قد أعطاه شيئا من الثياب، وإنما قصد أنه أعطاه زوجة،
بملاحظة قول الله سبحانه هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، أو يقول عن
رجل أعمى: لقد فتحت في هذا اليوم عين فلان، وهو يريد إن عين الماء
التي يملكها ذلك الرجل قد نبع ماؤها.
[المسألة 42:]
يستثنى من حرمة الكذب: أن يكذب الرجل ليدفع بذلك ظلما أو
ضررا عن نفسه أو عن مؤمن آخر، ويجوز له أن يحلف على ذلك.
وأن يكذب لاصلاح ذات البين بين المؤمنين المتخاصمين، وإذا أمكن
له أن يؤدي ذلك بالتورية في خبره فالأحوط استحبابا له ذلك، ولكن
لا يتعين عليه ذلك.
ويجوز للرجل أن يعد أهله بشئ وهو لا يريد أن يفي لهم بوعده،
وإن كان الأحوط استحبابا له أن يجتنب ذلك، وخصوصا لذي الأطفال
والأبناء الذين يريد أن يعودهم على الخلق الرفيع. والوفاء بالوعد
فضيلة من فضائل الأخلاق، ولا ينبغي للمؤمن أن يتهاون بها ويتأكد
ذلك مع غير أهله، فلا ينبغي أن يكذب بوعده، أو يعد وهو لا يريد
الوفاء.
[المسألة 43:]
يحرم على الانسان أن يتولى المناصب والأعمال والوظائف من قبل
السلطان الجائر وإن كان الانسان تام الكفاءة لذلك العمل، وكان
العمل في نفسه غير مخالف للشرع فالتحريم فيه إنما هو لتوليه من قبل
الجائر، وأما الأعمال غير المشروعة فيكون تحريمها من كلتا الناحيتين،
وأما المظالم فالتولي فيها من قبله يكون التحريم فيه متعدد الجوانب وكل
ذلك واضح لاخفاء فيه في الاسلام.
24

ويستثنى من ذلك أن يتولى الانسان الولاية والمنصب من قبله في
الأمور المشروعة التي لا مخالفة فيها لأحكام الدين وهو يقصد أن يقوم
في وظيفته بمصالح إخوانه المسلمين والمؤمنين ويحفظ بها شؤونهم ويرد
بذلك العادية والظلم عنهم، فيجوز له الدخول في هذه الأعمال بهذا
القصد، بل يحسن ويحمد منه، فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد عليه السلام
كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الأخوان. وروي عن الإمام أبي الحسن
الرضا عليه السلام: إن لله تعالى بأبواب الظالمين من نور الله به البرهان ومكن
له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح الله بهم أمور المسلمين،
إليهم يلجأ المؤمن من الضرر وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم
يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظلم، أولئك هم المؤمنون حقا، إلى آخر
الحديث.
ويستثنى من ذلك ما إذا أجبره الظالم على الدخول في العمل، بحيث
يخشى مع عدم إجابته على نفسه أو على أهله وأقاربه وإخوانه ممن
يهمه أمرهم، فيجوز له ذلك، إذا لم تكن فيه إراقة دماء محترمة أو
هتك أعراض قوم مسلمين أو نهب أموالهم وايقاع الخوف والحرج
عليهم وأشباه ذلك.
[المسألة 44:]
يجوز للانسان أن يأخذ الجائز أو الهدية التي يدفعها إليه السلطان
كما يجوز له أن يأخذ منه أو من وكيله ثمن الشئ الذي يشتريه السلطان
منه ويدفع إليه ثمنه من الأموال التي بيده، وإن كان يعلم على وجه
الاجمال أن بعض الأموال التي بيده من الحرام، فلا يمنع هذا العلم
الاجمالي من قبول جوائزه وهداياه والأعواض التي يدفعها في معاملاته
من بيوع وإجارات ومصالحات وضمانات أو تعهدات يجريها السلطان
باختياره ثم يدفع أعواضها أو يدفعها وكيله بإذنه.
إلا إذا علم المدفوع إليه أن المال الذي دفع إليه بعينه مغصوب، فيجب
رده إلى مالكه إذا عرفه بعينه، وإذا تردد مالك ذلك المال بين جماعة
محصورين في العدد وجب عليه استرضاؤهم جميعا إذا أمكن، فإن لم
يمكن ذلك رجع في تعيين المالك إلى القرعة.
25

وإذا تردد بين جماعة غير محصورين، فإن لم ييأس من معرفة المالك
منهم بعينه وجب عليه الفحص عنه، وإذا يئس من معرفته تصدق بالمال
عن مالكه، ويستأذن الحاكم الشرعي بذلك على الأحوط.
[المسألة 45:]
ذكرنا في رسالتنا في المسائل المستحدثة بعض الأحكام التي تتعلق في
معاملة البنوك والتأمين وأوراق اليانصيب، وغير ذلك من الموضوعات
المستجدة، فليرجع إليها من أراد الاطلاع عليها.
[المسألة 46:]
الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة وكانت
عامرة حال الفتح وهي ملك للمسلمين عامة، ولذلك فلا يجوز بيعها كما
سيأتي بيانه في فصل شرائط العوضين. فإذا دفعها السلطان إلى بعض
المسلمين ليزرعها وينتفع من ثمارها وحاصلاتها وجعل عليها ضريبة
خاصة كالخراج، وهو الضريبة التي تجعل على النقد الحاصل من نتاج
الأرض، أو المقاسمة وهي الضريبة التي تجعل على السهم من الأرض
المذكورة كالنصف منها أو الثلث، ويقبض ولي المسلمين هذه الضرائب
ليصرفها في مصالحهم.
فإذا كان السلطان القائم بذلك مخالفا للشيعة في المذهب وكانت
سلطنته باسم الخلافة العامة على المسلمين، أو باسم التولي الشرعي
للأمور العامة على المسلمين كان تصرفه نافذا في ذلك، فإذا أخذ الضريبة
من صاحب الأرض جاز شراء ما يأخذه منها وجاز التصرف فيه بإذن
السلطان المذكور، وإذا حولت حكومة هذا السلطان أحدا على صاحب
الأرض أن يأخذ منه الضريبة المجعولة عليه ودفعها إليه جاز للمحول
أن يأخذ منه وبرئت ذمة صاحب الأرض بالدفع إليه.
وكذلك الحكم في ما يأخذه هذا السلطان باسم الزكاة على مالكي
العلات والنقدين والأنعام، فإن ذممهم تبرأ من الزكاة الواجبة عليهم
بالدفع إليه أو إلى عماله المنصوبين لذلك، ويجوز للآخرين شراء أعيان
الزكاة منهم إذا أرادوا بيعها.
26

وإذا كان السلطان مسلما ولم تكن سلطنته باسم الخلافة الاسلامية
أو باسم التولي الشرعي لأمور المسلمين العامة، فيشكل جريان الأحكام
المذكورة على تصرفاته، فلا يترك الاحتياط فيها، سواء كان السلطان
شيعيا أم مخالفا لهم في المذهب، وكذلك إذا كان غير مسلم.
[المسألة 47:]
يجوز للرجل أن يتقبل من السلطان المتولي لأمور المسلمين بعض
الأراضي الخراجية بشئ معين فيزرعها أو يغرسها أو يؤجرها لآخرين،
لينتفعوا بها بالزراعة والغرس وإذا أراد الزيادة في الأجرة عما تقبلها
به، فلا يترك الاحتياط بأن يحفر في الأرض نهرا أو يحدث فيها شيئا
يعين المستأجر به، وسيأتي بيان الحكم في كتاب الإجارة.
[المسألة 48:]
لا يجوز للرجل حلق اللحية على الأقوى، ويحرم أخذ الأجرة أو
الجعالة على حلقها، إلا إذا أصبح حلق اللحية ضرورة يضطر إليها
الرجل لبعض الأمور التي تحتم ذلك عليه، فيجوز له حلقها حين ذاك،
ويصح أخذ الأجرة والجعالة عليه
[المسألة 49:]
لا يجوز للانسان الاحتكار، وهو أن يحبس الطعام وشبهه عنده
ويمتنع عن بيعه يتربص به الغلاء وارتفاع القيمة مع حاجة أهل البلد
إليه وعدم وجود من يبذل ذلك لهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله: الجالب
مرزوق والمحتكر ملعون، وعنه صلى الله عليه وآله لا يحتكر الطعام إلا خاطئ.
وقد ذهب جمع من الأصحاب إلى اختصاص الاحتكار بالحنطة والشعير
والتمر والزبيب والسمن وهو القول المشهور، وألحق بها آخرون:
الزيت والملح، ولا يترك الاحتياط بالحاق كل ما تكون الحاجة إليه
عامة من أهل البلد المسلمين من الأطعمة والملابس ونحوها.
فإذا احتكر الانسان بعض ذلك مع الشروط المتقدمة أجبر على البيع
ولا يحدد له السعر الذي يبيع فيه، وإذا أجحف في الثمن الذي يطلبه
27

في بيعه على العامة أجبر على النزول من ذلك السعر، ولا يحدد عليه
أيضا. وهكذا.
ولا يختص هذا الحكم بما إذا كان المحتكر واحدا، بل يجري في ما
إذا كانوا عدة من الناس، فإذا حبسوا الحاجة لديهم مع اضطرار عامة
الناس إليها وعدم وجود من يبذلها لهم جرى فيهم الحكم المذكور سواء
كانوا متواطئين على الاحتكار ليرتفع السعر أم حصل ذلك منهم اتفاقا.
[المسألة 50:]
ليس من الاحتكار أن يحبس الانسان الطعام عنده ينتظر به الغلاء،
إذا وجد في البلد من يبذل تلك الحاجة للناس بقدر كفايتهم، وإذا انتهى
ما عند الباذل من الطعام ولم يف بحاجة الناس تحقق الاحتكار حين ذاك
وجرت عليه أحكامه.
وليس من الاحتكار أن يحبس أحد عنده الطعام ينتظر به الغلاء إذا
لم تكن للناس حاجة إلى طعامه لأنهم قد خزنوا لأنفسهم منه ما يكفيهم،
أو لوجود المزارع لديهم وهي قريبة الانتاج، أو لوجود ما يعوض
عنه من المنتوجات الأخرى بحيث أصبح غير ضروري لهم.
وليس من الاحتكار أن يحبس الطعام وهو لا ينتظر به الغلاء، بل
ليصرفه إلى بعض عملائه الخاصين عند حاجتهم ولو بالسعر المقبول،
فلا يكون فعله حراما ولا مكروها.
[المسألة 51:]
إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليتولى صرفه على فريق خاص من الناس
وكان الرجل الذي دفع إليه المال من ذلك الفريق، ومثاله ما إذا أعطى
زيدا مبلغا معينا من المال ليقسمه على فقراء أهل بلده، أو على الهاشميين
منهم أو على أرحامه وكان زيد من هذا الفريق الذين أمره بقسمه المال
عليهم.
فإن دلت القرائن العامة أو الخاصة من عادة ونحوها على الإذن في
أن يأخذ من المال كغيره من أفراد ذلك الفريق أو كان للفظه اطلاق
وظهور يدل على ذلك صح للرجل أن يأخذ من المال بقدر ما دل عليه الإذن
28

في الأخذ، وإن لم تدل القرائن على تعيين قدر معين له أخذ منه أقل ما
يحتمل، وهو القدر المتيقن مما أذن فيه، وإن لم تدل القرائن على
الإذن في الأخذ لم يجز له أن يأخذ منه شيئا.
وإذا كان الرجل فقيرا فدفع إليه انسان مبلغا من مال الزكاة ليصرفه
في مصارف الزكاة من الفقراء وغيرهم، أو كان هاشميا محتاجا، فدفع
إليه مبلغا من الخمس ليدفعه إلى الهاشميين المحتاجين، فإن علم ولو من
القرائن أن وكالته شاملة للدفع إلى نفسه، صح له أن يأخذ منه بمقدار
ما يعطي غيره وإن لم يعلم ذلك لم يجز له أن يأخذ منه شيئا.
وكذلك الحكم في الصرف من ذلك المال على عياله، فلا يجوز له أن
يصرف عليهم منه شيئا إلا إذا علم بأن وكالته في صرف المال شاملة
لذلك.
[المسألة 52:]
يكره للانسان أن يتخذ بيع الصرف حرفة له، وقد ورد في ذلك أنه
لا يسلم من الربا، ولعل المراد أنه لا يسلم ولو من حب الربا ليتوفر
بذلك ماله، فيهون عليه أمر هذا المحرم العظيم، ولا يكره أن يتولى
بيع الصرف في بعض الأوقات مع التحفظ عن الوقوع في ما لا يحمد،
ويكره كذلك أن يتخذ بيع الأكفان حرفة له، وقد علل ذلك في النصوص
بأنه لا يسلم من أن يسره الوباء وكثرة الموتى، ولا يكره أن يبيع الكفن
في بعض الأحيان.
ويكره أن يحترف ببيع الطعام، فإنه لا يسلم من الاحتكار وحب
الغلاء، ولعل المراد أنه لا يسلم ولو من حب الاحتكار فيهون عليه أمر
المحرم.
ويكره أن يكون نخاسا، وهو الذي يتخذ بيع العبيد والإماء صنعة
له، وقد ورد إن شر الناس من باع الناس.
ويكره أن يكون جزارا وهو الذي يتخذ ذبح الحيوان ونحر الإبل
حرفة له، وقد ورد إن هذه الحرفة تورث قسوة القلب وسلب الرحمة.
29

ويكره أن يكون حجاما، وتتأكد الكراهة في هذه الحرفة إذا كان
يشترط الأجرة على عمله، ويكره التكسب بضراب الفحل، سواء آجر
الفحل لذلك وضبط ضرابه بالمرة والمرات أو المدة، أم لم يؤجره ولكنه
قصد العوض، ولا كراهة في ما إذا لم يقصد العوض بضراب الفحل
إذا أعطي شيئا بعنوان الهدية ونحوها.
[المسألة 53:]
يجب على من يباشر أي نوع من أنواع التجارة أو يحترف أي وجه
من وجوه التكسب أن يتعلم الأحكام الشرعية التي تتعلق بنوع تجارته
أو في وجه تكسبه، حتى يعرف الصحيح من غير الصحيح ويميز المحلل
من المحرم، وليرتب الآثار كما أمر الله تعالى وكما شرع.
والمعاملة التي يريد الانسان أن يقوم بها قد تكون مما اشتبه الحكم
فيه من حيث الحل والحرمة لا من حيث الصحة والفساد، كما في كل
مورد يكون الشك فيه في أن المعاملة ربوية فتحرم أم هي غير ربوية فلا
تحرم، بناءا على ما هو الأحوط فيها لزوما، وفي هذه الصورة يجب
على المكلف اجتناب المعاملة حتى يتعلم الحكم فيها أو يحتاط إذا كان
الاحتياط ممكنا.
وقد تكون المعاملة مما يدور الأمر فيه بين الصحة والفساد، فيجب
فيها كذلك معرفة الحكم المتعلق بها عن اجتهاد أو تقليد أو احتياط،
ليميز ما هو صحيح عما هو فاسد، وليرتب الآثار كما تقدم ذكره،
ولا يلزم أن يكون التعلم قبل ايقاع المعاملة، بل يجوز له أن يوقعها
أولا، ثم يسأل عن حكمها، فإذا علم بصحتها رتب آثار الصحة والنفوذ
عليها، وإن علم بفسادها لم يرتب عليها أي أثر.
[المسألة 54:]
قد ذكرت للتكسب والتجارة آداب كثيرة، منها ما يستحب ومنها
ما يكره، فمن الآداب المستحبة أن يجمل الرجل في طلب الرزق، والمراد
التوسط فيه، وقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ليكن
طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص. وعن الرسول
30

صلى الله عليه وآله: إلا أن الروح الأمين نفث في روعي أن لا تموت نفس حتى
تستكمل رزقها، فاتقوا الله عز وجل وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم
استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بشئ من معصية الله جل وعز، فإن
الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما،
فمن اتقى الله عز وجل وصبر آتاه الله رزقه من حله، ومن هتك حجاب
الستر وعجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه
يوم القيامة.
ويستحب للمكتسب والتاجر أن يسوي بين المبتاعين منه في السعر
الذي يبيع به السلعة فلا يفرق بين صغير وكبير، وغني وفقير، ومماكس
وغيره، والمماكس الذي يجادل البايع في ثمن ما يشتريه، فلا يفاوت
التاجر ما بين العملاء في الثمن الذي يأخذه منهم.
ولا بأس في أن يخص أهل التقوى وأهل الفضل فيميزهم في المعاملة
معهم على من سواهم.
ويستحب له أن يقيل من يطلب الإقالة منه في بيع أو شراء، فقد
روي عن أبي عبد الله عليه السلام: أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله الله عثرته
يوم القيامة.
ويستحب له أن يأخذ لنفسه ناقصا ويعطي راجحا، فعن أمير
المؤمنين عليه السلام: إن ذلك أعظم للبركة.
ويستحب أن يكون سهل البيع والشراء في معاملته مع الناس، سهل
القضاء في ديونه التي عليه للناس سهل الاقتضاء في ديونه التي تكون
له عليهم، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى يحب العبد يكون
سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء.
[المسألة 55:]
ومن الآداب المكروهة في ذلك أن يمدح البائع السلعة التي يريد
بيعها وأن يذم المشتري السلعة التي يريد أن يشتريها.
ويكره للانسان الحلف على البيع والشراء، فعن الإمام أبي الحسن
31

موسى عليه السلام: ثلاثة لا ينظر الله إليهم أحدهم رجل اتخذ الله بضاعة،
لا يشتري إلا بيمين ولا يبيع إلا بيمين، وعن الإمام الصادق عليه السلام: إن
الله تبارك وتعالى يبغض المنفق سلعته بالأيمان.
ويكره له أن يربح على المؤمن، إلا إذا اشترى بأكثر من مائة درهم،
فلا يكره أن يربح منه قوت يومه، أو يكون شراء المؤمن للتجارة لا للقوت
وشبهه، فلا يكره الربح عليه حين ذاك ويكره للرجل أن يربح على من
وعده بالاحسان إليه.
ويكره له السوم من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس.
ويكره له أن يكون أول الناس دخولا إلى السوق وآخرهم خروجا
منه، وقد يكون ذلك كناية عن كراهة الانهماك في طلب الدنيا والانغماس
في حبها، ويرشد إلى ذلك ما في هذه النصوص من جعل الأسواق مقابل
المساجد، وإن أحب الناس إلى الله أولهم دخولا إليها وآخرهم خروجا
منها، والمراد منها الانصراف عن الدنيا وابتغاء رضى الله والدار الآخرة
بعمله ذلك، وعلى هذا فلا تشمل الكراهة ما لو اتفق ذلك في بعض الأحيان
فكان أول من دخل السوق وكان آخر من خرج منه من غير حرص على
طلب الدنيا وحبها.
وتكره معاملة الأدنين، وقد فسر المراد منهم بالسفلة الذين لا يبالون
بما قالوا ولا بما قيل لهم، والذين لا يسرهم الاحسان ولا تسوءهم
الإساءة، والذين يحاسبون على الشئ الدنئ.
وتكره مبايعة ذوي العاهات، ففي الحديث إنهم أظلم شئ.
وتكره مبايعة المحارفين، وهم المحرومون الذين أدبرت عنهم الدنيا،
ففي الرواية: لا تشتر من محارف، فإن صفقته لا بركة فيها. وتكره
مبايعة من لم ينشأ في الخير، وهو مستحدث النعمة، الذي لم يكن ثم كان.
ويكره للانسان أن يطلب التنقيص من ثمن السلعة بعد أن اشتراها
من صاحبه وتم العقد عليها. ويكره له أن يتعرض لكيل المكيل أو وزن
الموزون أو عد المعدود أو لحساب المساحة في المبيع وهو لا يحسن ذلك،
فإنه مظنة الوقوع في الخطأ.
32

والمشهور أنه يكره للانسان أن يدخل في سوم أخيه المؤمن، وقيل
بتحريم ذلك، والأحوط فيه الترك. والدخول في سوم المؤمن، هو أن
يبذل المؤمن للسلعة ثمنا ليشتريها من صاحبها ويرجى أن تتم المعاملة
بينهما، فيبذل الرجل الآخر للبايع زيادة على ذلك الثمن ليشتري السلعة
لنفسه أو لآخر.
ومثله أن يبذل البايع المؤمن مبيعا ليشتريه المشتري منه، فيبذل
الرجل الآخر للمشتري مبيعا غيره.
ولا يعم الحكم ما إذا انصرف أحد المتبايعين عن المعاملة، ولا يعم
ما إذا كان البيع مبنيا على المزايدة فلا تكون الزيادة دخولا في السوم في
كلتا الصورتين.
ويكره أن يتوكل حاضر لباد في المعاملة له أو معه، والمراد أن يكون
بعض أهل البلد الحاضرين العارفين بسعر الشئ فيه وكيلا عن بعض
أهل البوادي والأرياف والقرى القادمين إلى البلد، فيتولى البيع عنهم
أو الشراء لهم في البلد.
ويكره تلقي الركبان والقوافل الذين يقدمون إلى البلد ويجلبون
إليه بعض السلع والمتاع لبيعها فيه أو ليشتروا من البلد بعض حاجاتهم،
فيكره للحاضر في البلد أن يستقبلهم في خارج البلد للشراء منهم أو
البيع عليهم قبل أن يصلوا إلى البلد.
وتلقي الركبان إنما يتحقق بالخروج من البلد بقصد ذلك، فإذا
خرج الرجل من البلد لا بقصد ذلك بل لغاية أخرى، واتفق مع الركب
فباع عليهم أو اشترى منهم، فلا كراهة في ذلك، ولا كراهة إذا خرج
إليهم مقدار أربعة فراسخ أو أكثر من ذلك فباع عليهم أو اشترى، فإن
ذلك من السفر إلى التجارة لا من تلقي الركبان. ولا تختص الكراهة
بالتلقي للبيع والشراء منهم بل تعم المعاملات الأخرى كالإجارة والصلح
وغيرهما من المعاوضات فيكره تلقي الركبان القادمين للبلد لذلك
إذا استقبلهم وأجرى معهم المعاملات التي يطلبونها قبل أن يصلوا إلى
البلد.
33

[الفصل الثاني]
[في البيع]
[المسألة 56:]
البيع هو نقل مال بعوض، وقد جرى دأب الفقهاء والمحققين منهم
على الخصوص على إطالة الكلام في ذلك فيذكرون التعريف وما يرد عليه
من وجوه الاشكال وما يندفع به ذلك ويحاولون جهدهم أن يكون
التعريف يجمع جميع أفراد المعاملة ويمنع عن دخول ما ليس منها ويهون
الأمر إن التعاريف التي تذكر للبيع أو لغيره من المعاملات إنما هي من
قبيل شرح الاسم، فيراد منها بيان المعرف على وجه الاجمال وليست
تعاريف حقيقية فيبتني الأمر فيها على التدقيق.
[المسألة 57:]
البيع عقد من العقود، فلا بد فيه من الايجاب والقبول، سواء كانا
لفظيين أم فعليين كما سيأتي، وإذا كان الايجاب والقبول لفظيين، فلا
يعتبر فيهما أن يكونا باللغة العربية بل يصح أن يكونا بغيرها من
اللغات الأخرى.
ولا يشترط أن يكون اللفظ صريحا في المعنى المراد منه، بل يصح
أن يقع العقد بأي لفظ يكون دالا في نظر أهل العرف على المعنى المقصود،
فيكفي أن يقول البايع: بعت، أو ملكت، أو نحو ذلك، ويكفي أن يقول
المشتري في القبول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو ابتعت،
ونحو ذلك.
ويصح أن يوقع العقد بلفظ المضارع، فيقول البايع للمشتري:
أملكك هذه الدار أو أبيعك إياها بقصد انشاء البيع والتمليك، ويقول
المشتري: أقبل منك هذا البيع أو هذا التمليك، على أن يراد منهما
نقل المال بالفعل لا في المستقبل.
ولا يضر في صحة العقد وقوع اللحن فيه إذا كان اللحن لا يغير المعنى
عند أهل المحاورة، ولا يضر بدلالة اللفظ، وأما إذا كان مما يتغير به
المعنى أو مما يضر بدلالة اللفظ عن المقصود فالظاهر عدم صحة العقد.
34

[المسألة 58:]
الأحوط لزوما عدم تقديم القبول على الايجاب إن لم يكن الأقوى
عدم جواز ذلك، نعم، يصح أن يكون الايجاب من المشتري، فيقول
اشتريت هذا المال بكذا، أو تملكته أو ابتعته، فيقبل البايع منه
الاشتراء، أو التملك أو الابتياع، ويصح أن ينشأ القبول بلفظ
شريت، أو بعت أو ملكت.
[المسألة 59:]
إذا قال الشخص الذي يريد شراء السلعة لمالكها: بعني سلعتك هذه
بدينار فقال المالك بعتك السلعة بدينار لم يكف ذلك في صحة العقد
حتى يقول المشتري بعده: قبلت أو رضيت أو نحو ذلك من ألفاظ
القبول، وقد ذكرنا إنه لا يكفي تقدم القبول على الايجاب.
[المسألة 60:]
إنما يكون الايجاب بلفظ ملكت في الموارد التي يكون أثر البيع فيها
تملك المبيع، فلا يجري في الموارد التي لا يتحقق فيها هذا الأثر، كما
إذا اشترى ولي الزكاة وهو الحاكم الشرعي بسهم سبيل الله من مال
الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل الله كذلك ويكثر الانتفاع
بها في هذا السبيل، فلا يكون الايجاب في هذا البيع بلفظ ملكت، ولا
يكون القبول بلفظ تملكت أو بلفظ ملكت حيث لا ملكية لأحد في هذا
الفرض، بل يكون الايجاب والقبول فيه بألفاظ العقد الأخرى.
[المسألة 61:]
إذا أنشأ البائع الايجاب ثم انصرف عن البيع قبل أن يحصل القبول
من المشتري لم يتحقق العقد وبطل الايجاب وإن لم يكن الفصل بينه
وبين القبول طويلا، فإذا أنشأ المشتري القبول بعد انصراف البايع
لم يؤثر العقد شيئا.
وإذا أنشأ البائع الايجاب ولم يأت المشتري بالقبول حتى طالت المدة
جدا فيشكل الحكم بصحة العقد وإن لم ينصرف البائع عن البيع، بل
الظاهر البطلان لخروج الايجاب والقبول بهذا الفصل الطويل عن عنوان
35

المعاقدة بين المتبايعين، وهذا المقدار هو المعتبر من الموالاة اللازمة بين
الايجاب والقبول.
ولا يشترط وحدة المكان للموجب والقابل، فإذا تقابلا على آلة
الهاتف مثلا وأنشأ أحدهما الايجاب وقبل الآخر، صح العقد وترتب
الأثر وإن كان بينهما فاصل كبير من المسافة بين البلدين أو المكانين.
[المسألة 62:]
يشترط في صحة العقد التطابق بين الايجاب والقبول في جميع ما يذكر
فيهما من ثمن ومثمن وشرط وخصوصية وغير ذلك من توابع العقد،
فإذا قال البائع للمشتري بعتك الدار الواقعة في شارع كذا من مدينة
النجف بألف دينار عراقية تدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلي فلان
واشترطت عليك أن تخيط لي هذا الثوب في مدة يومين، فالقبول
المطابق: أن يقول المشتري: قبلت لنفسي شراء الدار الواقعة في شارع
كذا من النجف بألف دينار عراقية أدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلك
فلان على أن أخيط لك هذا الثوب في مدة يومين، ويكفي التطابق
الاجمالي في صحة العقد، فيقول قبلت شراء الدار المعينة بالثمن
المذكور على الشروط المذكورة، أو يقول: قبلت الشراء على ما ذكرت.
[المسألة 63:]
ولا يصح العقد إذا اختلف القبول عن الايجاب ولم يردا على مورد
واحد، أو اختلفا في بعض الخصوصيات والتوابع المذكورة فيهما،
كما إذا قال البايع: بعتك هذا الحمار بدينار، فقال المشتري قبلت
شراء هذا الفرس بدينار، أو قال البايع: بعتك فرسي هذا بدينار عراقي
فقال المشتري: قبلت شراء فرسك هذا بدينار بحراني، وكما إذا قال:
بعتك هذه السلعة بخمسة دنانير تدفعها نقدا فقال المشتري قبلت شراء
السلعة بخمسة دنانير أدفعها بعد شهر، أو قال البايع بعتك هذا المتاع
بعشرة دنانير على أن تخيط له هذه الجبة، فقال المشتري قبلت شراء
المتاع من غير شرط أو قال: على أن أخيط لك هذا الثوب، فلا يصح
العقد في جميع هذه الفروض لعدم تطابق الايجاب والقبول على
شئ واحد.
36

وكذلك إذا قال البايع بعتك هذا المتاع بدينار فقال المشتري قبلت
شراء نصف المتاع بنصف دينار، أو قال البايع بعت هذه السلعة من
موكلك فلان بكذا، فقال المشتري قبلت الشراء لنفسي بالثمن المعين،
فلا يصح العقد لعدم التطابق المطلوب.
[المسألة 64:]
إذا قال البايع بعتك هذه الدار بألف دينار، فقال المشتري قبلت
شراء كل نصف من الدار بخمسمائة دينار، صح العقد لحصول التطابق
ما بين الايجاب والقبول فإن الاختلاف المذكور بينهما إنما هو بالاجمال
والتفصيل، وإذا قال البايع للوكيل وهو بحضور الموكل بعت هذه
الدار من موكلك فلان بألف دينار، فقال الموكل نفسه قبلت الشراء
لنفسي بالثمن المذكور صح العقد وإن كان المخاطب بالايجاب هو
الوكيل.
وإذا قال البايع لشخصين حاضرين بعتكما هذا المتاع بألف دينار
فقال كل واحد منهما قبلت شراء نصف المتاع لنفسي بخمسمائة،
فالظاهر الصحة، نعم إذا قبل أحد الشخصين شراء النصف بخمسمائة
لنفسه ولم يقبل الآخر لم يصح العقد لعدم التطابق.
[المسألة 65:]
إذا تعذر النطق على الانسان لخرس أو مرض أو شدة ضعف أو نحو
ذلك فلم يستطع انشاء الايجاب أو القبول باللفظ كفاه أن ينشئ ذلك
بالإشارة التي تفهم المقصود، والظاهر كفاية الإشارة له وإن تمكن
من التوكيل على الانشاء.
وإذا تمكن العاجز عن النطق من الكتابة جاز له أن ينشئ الايجاب
أو القبول بالإشارة أو بالكتابة مع القدرة عليهما معا فيكون مخيرا في
انشاء العقد بأيهما أراد، وإذا عجز عن النطق وعن الإشارة كفاه أن
ينشئ العقد بالكتابة.
وإذا كان الانسان قادرا على النطق ففي جواز انشاء الايجاب أو
37

القبول بالكتابة اشكال ولا يبعد القول بالصحة ولا ينبغي ترك
الاحتياط.
[المسألة 66:]
يصح انشاء البيع بالمعاطاة، وهي أن يدفع البائع عين المال المبيع
إلى المشتري ويقصد بدفعه المال انشاء بيع ذلك المال للمشتري بالعوض
فيكون ذلك منه ايجابا للبيع بالفعل كالايجاب باللفظ، ويدفع المشتري
عين الثمن للبائع بقصد انشاء القبول بدفعه، فيتم العقد بالايجاب
والقبول الفعليين ويصح البيع على الأقوى وتترتب آثاره من غير فرق
بين المبيع الحقير والخطير.
وتصح المعاطاة أيضا بدفع الشئ المبيع من قبل البائع، وتسلمه
من قبل المشتري، فيقصد البائع بدفع المال المبيع إلى المشتري انشاء
البيع عليه بالثمن المعلوم بينهما، ويقصد المشتري بقبضه الشئ وتسلمه
من البائع انشاء قبول التملك لذلك الشئ بالعوض المعلوم فيتم الايجاب
والقبول بذلك ويصح البيع وتترتب آثاره على الأقوى وإن لم يعط
المشتري شيئا، ويتحقق هذا النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون
الثمن فيها كليا في الذمة.
وتصح المعاطاة كذلك بدفع المشتري الثمن المعين للبائع وقبضه من
قبل البائع، فيقصد المشتري بدفع الثمن المعين إلى البائع انشاء ابتياعه
للشئ المبيع وتملكه من البائع بالثمن المعين الذي دفعه إليه، ويقصد
البائع بقبضه الثمن من المشتري انشاء قبول الابتياع والتملك الذي
أنشأه المشتري بالثمن المعين، فيتم الايجاب والقبول بهذا الفعل منهما
ويصح البيع وتترتب آثاره وإن لم يعط البائع منه شيئا، ويتحقق هذا
النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون المبيع فيها كليا في الذمة.
[المسألة 67:]
المعاطاة بيع من البيوع فيشترط فيه جميع ما يشترط في البيع من
الشروط الآتي ذكرها، سواء كانت من شرائط العقد أم من شرائط
العوضين أم من شرائط المتعاقدين فإذا فقد منها بعض تلك الشروط
38

لم يصح البيع كما في البيع العقدي، وكذلك فتجري في المعاطاة أحكام
بيع الصرف، وبيع السلم، وبيع النسيئة وشرائطها، وحرمة الربا
وأحكام سائر البيوع الأخرى وشرائطها، إذا تحققت في المعاطاة
مواضيع تلك البيوع.
[المسألة 68:]
الأقوى أن بيع المعاطاة كالبيع العقدي لازم من الطرفين، فلا يجوز
لأحدهما فسخ البيع إلا إذا وجدا أحد الخيارات التي تذكر في مباحث
الخيار في البيع، أو تحصل الإقالة من الطرفين، ولا يتوقف لزوم
المعاطاة على وجود أحد الملزمات التي يذكرها القائلون بأنها تفيد
الملك الجائز.
[المسألة 69:]
لا يختص جريان المعاطاة في البيع، بل تجري على الأقوى في جميع
المعاملات حتى الايقاعات منها كالرهن والوقف، نعم لا تجري المعاطاة
في النكاح ولا في الطلاق ولا العتق، ولا في تحليل الأمة ولا في النذر
واليمين.
[المسألة 70:]
الأقوى أن بيع المعاطاة قابل للشرط فيه كالبيع العقدي، سواء كان
المراد شرط خيار الفسخ في مدة معينة أم شرط فعل أم أي شرط آخر
يصح جعله في العقد، فإذا حصل التعاطي بين المتبايعين بقصد انشاء
البيع كما تقدم، وقال أحدهما في ضمن تعاطيهما: جعلت لي خيار
فسخ المعاملة إلى مدة سنة مثلا وقبل الثاني بذلك صح شرط الخيار
ولزم العمل به وكذا غيره من الشروط التي يراد ذكرها فيه.
[المسألة 71:]
التعليق في البيع قد يكون على شئ غير حاصل في حين العقد، وهذا
يقع على نحوين فقد يكون الشئ الذي علق عليه البيع معلوم الحصول
في ما بعد ذلك، وقد يكون مجهول الحصول فقد يحصل في ما بعد وقد
لا يحصل ومثال الأول أن يقول البائع، وهو في شهر رمضان بعتك
39

هذا المتاع إذا هل هلال شوال: فإن هلال شوال غير حاصل حين العقد،
ولكنه معلوم التحقق في ما بعد ذلك، ومثال الثاني، أن يقول للمشتري
بعتك هذا المتاع إذا وضعت زوجتك ولدا ذكرا، فإن الولد الذكر الذي
علق البيع على وضعه ليس موجودا حال العقد حسب الفرض، وهو مشكوك
التحقق في ما يأتي، فقد لا تضع الزوجة شيئا، وقد تضع أنثى، وقد
تضع ذكرا، والأحوط لزوما عدم صحة تعليق البيع في كلتا الصورتين،
فلا يصح البيع فيهما.
الصورة الثالثة أن يعلق البيع على وجود شئ قد يكون حاصلا حين
العقد: وقد يكون غير حاصل ولكن البائع والمشتري يجهلان حصوله
حين العقد، ومثال ذلك أن يقول البائع لصاحبه بعتك المتاع إذا كان
هذا اليوم هو أول الشهر، وكان الطرفان يجهلان ذلك، والأحوط
لزوما عدم صحة التعليق في هذه الصورة أيضا، فلا يصح البيع كما في
الصورتين السابقتين.
الصورة الرابعة أن يعلق البيع على وجود شئ وهو حاصل حين
العقد، والطرفان معا يعلمان بحصوله، كما إذا قال له بعتك المتاع
إذا كان هذا اليوم هو أول الشهر، أو إذا كان اليوم هو يوم الجمعة،
وهما معا يعلمان بأنه أول الشهر وأنه يوم الجمعة، والظاهر الصحة في
هذه الصورة فيكون البيع صحيحا فيها.
[المسألة 72:]
إذا وقع العقد فاسدا، وقبض المشتري المال المبيع، فإن كان المشتري
يعلم بأن مالك المال وهو البائع يرضى له بأن يتصرف في ماله وإن كان
العقد فاسدا، جاز له التصرف فيه بمقدار ما يعلم رضى المالك به من
التصرف.
وإن كان لا يعلم بذلك لم يكن له التصرف فيه، ووجب عليه رد
المال إلى مالكه على الأحوط إن لم يكن هو الأقوى، وإذا تلف المال وجب
عليه رد عوضه إلى مالكه، فيرد إليه مثله إذا كان المال مثليا ويرد له
40

قيمته إذا كان قيميا، سواء كان المشتري عالما بهذا الحكم أم جاهلا به،
وسواء كان التلف بآفة سماوية أم بغيرها من أسباب التلف.
وكذلك حكم البائع إذا قبض الثمن بالعقد الفاسد، وإذا باع
المشتري أو البائع ما قبضه بالعقد الفاسد كان بيعه فضوليا، فإذا أجاز
المالك بيعه صح، وإن لم يجزه بطل وسيأتي تفصيل أحكام البيع
الفضولي في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى، وسيأتي فيه أيضا بيان
الفارق ما بين المثلي والقيمي من المال.
[الفصل الثالث]
[في شرائط المتعاقدين]
[المسألة 73:]
لا يصح عقد البيع من البائع ولا من المشتري إلا مع وجود الشروط
الآتي بيانها. وهي عدة أمور: الأول أن يكون كل من البائع والمشتري
بالغا، فلا يصح أن يبيع الصغير ماله، سواء كان مميزا أم غير مميز
إذا كان بيعه بغير إذن وليه، وكذا لا يصح شراؤه لنفسه.
ولا يصح بيعه ولا شراؤه لنفسه إذا كان بإذن وليه، وكان الصغير
مستقلا في ايقاع المعاملة فلا يكون البيع ولا الشراء صحيحا منه.
وإذا قام الولي بالمعاملة في مال الصبي، ثم وكل الولي الصبي نفسه
في أن ينشئ صيغة البيع فالأقوى صحة هذه المعاملة إذا كان الصبي
مميزا، ومثله الحكم في توكيله على قبول الشراء إذا أتم الولي المعاملة،
وهذا كله في الأمور الخطيرة، وأما في الأمور غير الخطيرة فلا يبعد الحكم
بصحة معاملة الصبي المميز فيها مع إذن الولي وإن كان مستقلا فيها،
وقد جرت على ذلك سيرة المتشرعة بل سيرة العقلاء من الناس، فيتولى
الصبي المميز شراء بعض الحاجات الصغيرة ويتولى بيعها بلا نكير.
[المسألة 74:]
الظاهر صحة معاملة الصبي غير البالغ في مال غيره إذا كان مميزا
وكانت معاملته بالوكالة من مالك المال وإذنه، فيصح له بيع مال الغير
41

إذا وكله في بيعه، ويصح شراؤه له إذا وكله في الشراء وإن لم يأذن ولي
الصبي له بذلك.
[المسألة 75:]
الثاني من الشروط أن يكون كل من البائع والمشتري عاقلا، فلا
يصح بيع المجنون ولا شراؤه، سواء حصل منه قصد انشاء البيع في
ايجابه وقصد انشاء الرضا في قبوله أم لم يحصل، وسواء كان جنونه
مطبقا أم أدوارا إذا كان مجنونا غير مفيق في حال اجراء المعاملة، وسواء
كانت المعاملة في ماله أم في مال غيره، وسواء أذن له وليه بالمعاملة أم لا.
[المسألة 76:]
الثالث من الشروط أن يكون كل من البائع والمشتري قاصدا للمعاملة
حين اجرائها، فلا يصح الايجاب ولا القبول من غير القاصد كما إذا كان
هازلا في قوله أو غالطا أو ساهيا فأوقع الايجاب أو القبول كذلك.
[المسألة 77:]
الرابع من الشروط أن يكون كل من البائع والمشتري مختارا في
اجراء المعاملة بينه وبين صاحبه فلا يصح بيع المكره على البيع ولا
يصح شراء المكره على الشراء.
والمكره هو من يرغمه غيره على ايقاع البيع أو على الشراء، ويخشى
من وقوع اضرار المتوعد به إذا هو خالف قوله فلم يبع أو لم يشتر،
سواء كان الاضرار المترقب وقوعه على المخالفة في نفس المكره أم في
شأنه أم في عرضه أم في ماله أم في أحد متعلقيه الذين يكون الاضرار
بهم اضرارا به نفسه.
وليس من الاكراه أن يأمر الظالم بالبيع، فيبيع وهو غير كاره
لذلك.
وليس من الاكراه أن يرغمه الظالم على دفع مبلغ من المال أو على
انفاذ مشروع يتطلب انفاذه صرف مبلغ من المال، أو على بناء موضع
يفتقر إلى ذلك، فيضطر إلى بيع داره للقيام بذلك فيصح البيع في جميع
هذه الصور.
42

[المسألة 78:]
إذا أمكن للرجل أن يتخلص من الضرر الذي توعده به المكره بأن
يوقع صورة البيع مثلا من دون قصد للمعنى الحقيقي من البيع أو
يأتي بصيغة البيع بنحو التورية بأن يريد بقوله بعت داري الاخبار
عن بيع سابق لداره، أو يستعين ببعض الناس ممن يمكنهم دفع المكروه
الذي توعده به الظالم أو نحو ذلك مما يتيسر له ويمكن به دفع الظلم،
فالظاهر عدم صدق الاكراه مع ذلك، فإذا هو لم يفعل شيئا من هذه
الأمور مع التفاته إليه وتمكنه منه وباع داره وقع البيع صحيحا لأنه
غير مكره عليه كما ذكرناه.
[المسألة 79:]
إذا أكرهه الظالم الذي يخشى اضراره على بيع أحد شيئين يملكهما
وجعل له الخيار في بيع أيهما شاء، فباع أحد الشيئين باختياره كان
مكرها عليه وبطل بيعه، فإذا كان يملك سيارة لحاجاته أو لاكتسابه،
ويملك دكانا للإجارة أو للعمل فيه، فأكرهه على بيع أحدهما، فباع
السيارة أو الدكان وهو كاره لبيعهما بطل البيع لتحقق الاكراه، وتخييره
في بيع أيهما شاء لا يرفع الاكراه، وإذا باع الثاني بعده لم يكن مكرها
عليه فيصح البيع فيه، وإذا باعهما معا دفعة واحدة فالظاهر بطلان
البيع فيهما جميعا.
[المسألة 80:]
إذا أكرهه على بيع عبده فباع العبد المكره عليه مع زوجته، أو باعه
مع ولده، بطل البيع في العبد المكره عليه، وصح بيع الأمة زوجة العبد
في المثال الأول وصح بيع ولد العبد في المثال الثاني لعدم الاكراه فيهما.
[المسألة 81:]
إنما يكون الشئ مكرها على بيعه إذا كان المالك كارها لبيعه وإنما
باعه مرغما لخوف الضرر الذي توعده به الظالم كما تقدم، فإذا أكرهه
على بيع سيارته أو دكانه وخيره بينهما، وكان المالك كارها لبيع
السيارة وغير كاره لبيع الدكان مثلا، والظالم يرى أنه كاره لبيعهما
43

معا فالظاهر عدم تحقق الاكراه إذا باع أحدهما، أما الدكان فلأنه
غير كاره لبيعه كما هو المفروض، وأما السيارة، فلأنه يمكنه التخلص
من الضرر الذي توعد به المكره على بيعها بأن يبيع الدكان بدلا عنها
وهو غير كاره لبيعه كما ذكرنا، فلا يصدق معه الاكراه على بيع السيارة
وقد تقدم ذلك في المسألة الثامنة والسبعين ونتيجة لذلك فإذا باع
أحدهما في الفرض المذكور صح البيع.
[المسألة 82:]
إذا أكره الظالم زيدا وعمرا على بيع مال أحدهما، وخيرهما في
ذلك وتوعدهما بالمكروه إن هما خالفا قوله ولم يبيعا جميعا، فإذا باع
أحدهما ماله كان مكرها على فعله ووقع بيعه باطلا إلا إذا علم قبل بيعه
بأن صاحبه الآخر مقدم على بيع ماله، فسبقه هو إلى البيع، فإنه لا يكون
مكرها على البيع في هذه الصورة.
وإذا باع أحد الرجلين ماله مكرها على النهج المتقدم، ثم باع صاحبه
ماله بعده كان بيع الثاني صحيحا غير مكره عليه.
[المسألة 83:]
إذا باع الانسان ماله مكرها على بيعه بطل بيعه كما ذكرناه، فإذا
زال الاكراه بعد ذلك وأمن من وعيد الظالم ورضي بالبيع السابق
الذي أوقعه صح البيع وكان لازما.
فبطلان بيع المكره إنما هو كبطلان بيع الفضولي الذي سيأتي بيان
حكمه في المسائل الآتي ذكرها، إن لحقته إجازة المالك ورضاه بعد زوال
الاكراه صح ونفذ، وإن لم تلحقه الإجازة كان فاسدا.
بل يكفي في صحة البيع ونفوذه أن يجيزه المالك ويرضى به وإن
كانت حالة الاكراه لا تزال موجودة وكان الظالم لا يزال مخشي الوعيد،
ولكن المالك ترجح له أن يجيز البيع لأمور طارئة كما إذا أراد النزوح من
ذلك البلد مثلا أو شبه ذلك من المرجحات الطارئة.
[المسألة 84:]
الخامس من الشروط أن يكون كل من البائع والمشتري جائز التصرف
44

في المال، ولذلك فلا بد وأن يكون هو المالك للمال أو يكون وكيلا عنه
أو مأذونا من قبله أو وليا عليه، وإذا كان هو المالك فلا بد وأن يكون
غير محجور عن التصرف فيه لطروء أحد أسباب الحجر، كما إذا كان
عبدا مملوكا أو صغيرا أو سفيها أو مفلسا، فلا يصح بيع البائع ولا
قبول المشتري إذا كان غير جائز التصرف ويسمونه عقد الفضولي والمراد
بعدم الصحة فيه هو عدم النفوذ في العقد، فإذا لحقته الإجازة ممن بيده
أمر التصرف شرعا صح البيع ونفذ ولزم، وإن لم تلحقه الإجازة منه
كان فاسدا.
[المسألة 85:]
إذا باع الفضولي مال غيره، ولما بلغ ذلك صاحب المال رد البيع
أولا ثم بدا له فأجاز البيع بعد الرد، فذهب المشهور من العلماء قدس
الله أسرارهم إلى بطلان الإجازة وفي الحكم ببطلان الإجازة وبطلان البيع
اشكال، ولا بد من الاحتياط بالتخلص بالصلح في المال وفي النماءات.
وإذا بلغ المالك بيع الفضولي لماله، فأجاز البيع أولا ثم بدا له فرد
البيع بعد إجازته، فلا أثر للرد المتأخر بعد الإجازة، فيكون البيع
صحيحا.
[المسألة 86:]
إذا منع صاحب المال الفضولي عن أن يبيع ماله، فباعه الفضولي
بعد المنع، لم يختلف حكمه عما تقدم، فإذا علم المالك بالبيع وأجازه
صح، ولم يؤثر المنع السابق شيئا.
[المسألة 87:]
إذا علم الفضولي أن صاحب المال يرضى ببيعه له، فباعه، لم يكف
ذلك في صحة البيع ولم يختلف الحكم عما سبق، فلا يصح البيع الذي
أوقعه إلا بالإجازة، وكذلك حكم المشتري فلا يجوز له التصرف في المال
إلا بعد الإجازة لبيع الفضولي أو لشراء الفضولي.
[المسألة 88:]
قد يقصد الفضولي حينما يبيع مال الغير أنه يبيع المال لمالكه، فإذا
أجاز المالك البيع صح كذلك، فيكون المبيع ملكا للمشتري ويكون
45

الثمن ملكا لصاحب المال عوضا عن ماله. وقد يقصد حينما يبيع المال
إنه يبيعه لنفسه، لأنه يعتقد إنه هو مالك المال كما في الغاصب وشبهه،
أو لأنه يبني على ذلك إما على توهم أو على تشريع، فإذا أجاز المالك
البيع، صح البيع للمالك أيضا كما في الصورة الأولى وكان الثمن له
لا للفضولي، لأنه بدل عن ماله، لا عن مال الفضولي. وكذلك الأمر
في المشتري إذا كان هو الفضولي فاشترى بما الغير، فلا يختلف حكمه
عن البائع الفضولي، سواء اشترى للمالك أم لنفسه.
[المسألة 89:]
الإجازة هي اللفظ الدال على رضا الملك بالتصرف الذي أوقعه
الفضولي في ماله وعلى إنفاذ تصرفه، ولذلك فيعتبر أن يكون اللفظ
ظاهر الدلالة على ذلك بحسب متفاهم أهل المحاورة، كما إذا قال بعد
اطلاعه على بيع الفضولي أمضيت البيع أو العقد أو أجزته، أو أنفذته،
أو رضيت به وأمثال ذلك، ويكفي أن يدل على ذلك بالكناية كما إذا
قال لمشتري المال بارك الله لك فيه، أو تصرف فيه كما تريد.
ويصح أن يدل على ذلك بالفعل الكاشف عن رضاه بالعقد، فإذا
أخذ الثمن أو باعه أو أذن لأحد في بيعه أو أجاز العقد الذي أوقعه
البائع عليه، أو وهبه لأحد، أو وفى به دينا أو دفعه صداقا كفى ذلك
وكان إجازة منه للبيع.
ولا يكفي مجرد الرضا النفي بالبيع ما لم يدل عليه بقول أو فعل.
[المسألة 90:]
إذا أجاز مالك المال البيع الفضولي صح البيع كما تقدم وكانت
الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا انقلابيا، والمراد
بالكشف الانقلابي أن عقد الفضولي قبل أن تتحقق الإجازة له من
المالك لا يكون له أي أثر في نظر الشارع ولا تترتب عليه الملكية،
ولكنه حينما تتحقق الإجازة له من مالك المال بعد ذلك تشمله أدلة نفوذ
العقود وعمومات وجوب الوفاء بها فيكون موجبا للملكية الشرعية
للمشتري من حين صدور العقد من الفضولي لا من حين وقوع الإجازة
46

من المالك فإن ذلك هو مضمون العقد الذي تعلقت به الإجازة، وإذا
تحققت الملكية الشرعية بذلك للمشتري من حين وقوع العقد وجب
ترتيب آثارها وأحكامها منذ ذلك الحين، فيكون المشتري هو المالك
الشرعي للنماءات التي تجددت للمبيع في هذه المدة، ويكون البائع
وهو مالك المال هو المالك الشرعي للنماءات التي تجددت للثمن كذلك.
[المسألة 91:]
إذا اعتقد الرجل أنه ولي على مالك المال أو اعتقد أنه وكيل عنه
فباع المال بالولاية أو الوكالة عنه، ثم علم بعد البيع إنه أجنبي عن
صاحب المال وليس وليا عليه ولا وكيلا عنه كان فضوليا فإن أجاز
مالك المال بيعه صح، وإن لم يجزه كان باطلا.
وإذا باع المال وهو يعتقد أنه فضولي لا صلة له بصاحب المال ثم
علم بعد اجراء البيع أنه ولي على المالك أو أنه وكيل عنه في بيع المال،
فالأقوى صحة بيعه ولا حاجة في نفوذه إلى إجازة منه.
وإذا باع المال وهو يعتقد أنه فضولي كذلك، ثم علم بعدما أجرى
البيع إنه هو مالك المال، ففي صحة البيع اشكال، ولعل الأقوى في هذه
الصورة توقف صحة البيع على إجازته نفسه بعدما علم بأنه هو المالك.
[المسألة 92:]
إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي ولم يجز المالك البيع،
ثم اشترى البائع الفضولي المال من مالكه الأول، أو انتقل إلى ملكه
بهبة من المالك أو بصلح أو بغير ذلك من المعاملات الشرعية الأخرى،
فلا يصح بيعه الذي جرأه على المال فضولا بذلك، بل يكون البيع باطلا،
ولا يصح إذا أجازه البائع بعد ما ملكه.
وإذا باع المال فضولا، ثم انتقل المال إلى ملكه بالإرث من مالكه
الأول، فللصحة وجه، وخصوصا إذا أجاز البيع بعدما ملك المال،
ولا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه وبين المشتري عن المال وعن النماء
المتجدد.
47

[المسألة 93:]
إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي ولم يجز المالك البيع،
ثم انتقل المال إلى مالك آخر، جرى فيه التفصيل الآنف ذكره في المسألة
المتقدمة، فإذا انتقل المال إلى المالك الآخر بسبب اختياري كالبيع والهبة
وغيرهما من الأسباب الاختيارية الموجبة للملك، فالظاهر بطلان البيع
الفضولي السابق، ولا تصححه إجازة المالك الجديد له إذا هو أجازه،
وإذا انتقل المال إلى المالك الجديد بالإرث من المالك الأول فللصحة
وجه وخصوصا مع الإجازة، ولا يترك الاحتياط كما تقدم.
[المسألة 94:]
إذا باع الفضولي مال غيره وكان المالك حين العقد غير نافذ التصرف
في المال لأحد الأسباب المانعة من جواز التصرف، كما إذا كان عبدا
مملوكا أو صغيرا، أو مجنونا أو سفيها أو غير ذلك من الموانع، ثم
ارتفع عنه المانع، فالظاهر صحة البيع إذا أجازه المالك بعد ارتفاع
الحجر عنه.
[المسألة 95:]
لا ريب في أن المال المبيع لا يزال مملوكا لمالكه الأول، ولا يخرج عن
ملكه إلا إذا تحققت إجازته للعقد الفضولي كما تقدم ذكر ذلك مرارا،
ثم أن هاهنا صورا تجب مراعاتها لتطبيق بقية أحكام المال المذكور.
(الصورة الأولى): أن يكون المال المبيع لا يزال بيد مالكه، فلم يقبضه
البائع الفضولي ولم يدفعه إلى المشتري، ولا اشكال في الحكم في هذه
الصورة، فالبيع يكون باطلا، فإن المفروض أن المالك لم يجز البيع،
والمال لصاحبه، وهو بيده ولا حق فيه لأحد سواه.
(الصورة الثانية): أن يكون البائع الفضولي قد قبض المال المبيع
من مالكه ولم يدفعه إلى المشتري، ولا ريب في أنه يجوز لمالك المال أن يرجع
على البائع الفضولي بماله فيأخذ منه عين ماله إذا كانت موجودة،
ويرجع عليه ببدلها إذا كانت تالفة فيأخذ منه مثلها إذا كانت العين
مثلية، وقيمتهما إذا كانت قيمية. وسيأتي بيان الميزان في ذلك.
48

(الصورة الثالثة): أن يكون البايع الفضولي قد قبض المال المبيع
ودفعه إلى المشتري، فإذا كانت عين المال لا تزال موجودة تخير المالك بين
أن يطالب البايع الفضولي بردها إليه وأن يطالب بها المشتري وإذا
كانت عين المال تالفة جاز له أن يرجع ببدلها من المثل أو القيمة على
أيهما شاء، وكذلك الحكم إذا تعددت الأيدي التي استولت على المال
وتعاقبت، فللمالك أن يرجع بالبدل على أيهم أراد.
وإذا رجع المالك بالبدل على صاحب اليد السابقة على ماله كان لهذا
أن يرجع بما غرمه للمالك على صاحب اليد اللاحقة، إذا لم يكن هذا
اللاحق مغرورا من قبله، وإذا كان مغرورا منه لم يرجع عليه، وإذا
رجع على صحاب اليد اللاحقة رجع هذا على لاحقه كذلك إلى أن يستقر
الضمان على من تلف عنده المال وإذا رجع المالك على صاحب اليد اللاحقة
لم يرجع هذا على السابق عليه إلا إذا كان السابق قد غره، فيرجع
عليه.
ويجوز للمالك أن يرجع ببدل ماله على أصحاب الأيدي جميعهم
بالتساوي أو بالتفاوت.
[المسألة 96:]
كما يجوز لمالك المال أن يرجع على البائع الفضولي إذا هو استولى
على ماله، وعلى كل من استولت يده على المال، فله أن يأخذ عين ماله
منه إذا كانت موجودة وله أن يأخذ منه مثلها أو قيمتها إذا كانت العين
تالفة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة. فكذلك الحكم في منافع ماله التي
استوفيت في هذه المدة، فيجوز له أن يرجع بها على من استوفاها،
وإذا تعددت الأيدي التي استولت على المال وتعاقبت كان للمالك الرجوع
بعين المال أو ببدلها وبمنافعها المستوفاة على أيهم أراد على نهج ما سبق،
وإذا رجع المالك على صاحب اليد السابقة منهم جاز لهذا أن يرجع على
صاحب اليد من بعده بما غرمه للمالك، حتى يستقر الضمان على من
استوفى المنفعة، إلا إذا كان اللاحق مغرورا من السابق، فإذا كان
مغرورا منه فليس له الرجوع عليه.
49

وكذلك الحكم في الزيادات العينية للمال، التي استولى عليها صاحب
اليد بتبع استيلائه على العين كاللبن والصوف والوبر والشعر والبيض
وغير ذلك مما تكون له مالية في نظر أهل العرف، فهي مضمونة كذلك
على صاحب اليد العادية.
وأما المنافع الفائتة غير المستوفاة ففي ضمانها اشكال، فلا يترك
فيها الاحتياط.
[المسألة 97:]
إذا دفع المشتري الثمن أو بعضه إلى البائع الفضولي، ولم يجز
المالك البيع، جاز للمشتري أن يأخذ عين ماله من البائع إذا كانت
موجودة، سواء كان عالما بأن البائع فضولي باعه مال غيره أم كان
جاهلا بذلك، وكذلك إذا تلفت عين الثمن وكان المشتري جاهلا مغرورا
من البائع فيرجع عليه بمثل الثمن التالف إذا كان مثليا، وبقيمته إذا
كان قيميا، ويشكل الحكم إذا كان المشتري عالما بالحال، وإن كان
الأقوى أن له الرجوع على البائع بمثل الثمن أو قيمته حتى في هذه
الصورة.
[المسألة 98:]
المشتري الفضولي كالبائع الفضولي في الأحكام، فإذا اشترى
الانسان بمال غيره فضولا، لم يصح منه الشراء إلا بإجازة مالك الثمن،
فإن أجاز العقد صح، وإلا كان لغوا لا أثر له، وجرت فيه جميع الأحكام
والفروض التي تقدم بيانها في البيع الفضولي ولا ضرورة
لتكرارها.
[المسألة 99:]
المراد بالمثلي هو الجنس الذي تتساوى أجزاؤه في القيمة السوقية
لأن أجزاءه تتقارب في الصفات والخواص التي تكون موضعا للرغبة
بين الناس في ذلك الجنس، كالحنطة، والأرز، والشعير، والسمسم،
والعدس، والماش، وسائر أنواع الحبوب، والأدهان والعقاقير،
والمراد بالقيمي ما يكون بخلاف ذلك من الأجناس تتساوى أجزاء
50

الجنس في القيمة السوقية، لأنها لا تتقارب في الصفات، كالغنم والبقر
والإبل، والخيل والبغال والحمير، وسائر أنواع الحيوان، والعبيد
والإماء والأشجار والنخيل والأرض والدور، والجواهر الأصلية وأنواع
المصوغات والمأكولات المعمولة.
والظاهر أن من المثلي ما تنتجه المعامل والمصانع الحديثة من أدوات
وآلات وأقمشة وأثاث، بل وأجهزة ووسائل تبريد وتدفئة وإنارة
وأمثال ذلك إذا كانت من اخراج مصانع ومعامل متماثلة الاخراج
لتقاربها في الصفات المرغوبة والموجبة لتساويها في القيمة، فهي مثلية،
وإن كان ما تنتجه الأيدي والمعامل القديمة من أشباهه مما يعد من
القيميات لعدم تساوي الأجزاء في الصفات، كالمنسوجات القديمة
والبسط والفرش.
[المسألة 100:]
إذا تلف الشئ القيمي، فالمدار في الضمان على قيمته في يوم تلفه
على الأقوى، لا على قيمته في زمان قبضه ولا في زمان الأداء.
[المسألة 101:]
إذا وضع الانسان يده على مال لا يملكه هو ولا يملكه غيره أيضا،
كالزكاة المعزولة قبل أن يدفعها إلى المستحق، وكمال الوقف الذي جعله
الواقف مصرفا يصرف في بعض الجهات العامة أو الخاصة أو على
أن يصرف في مصلحة معينة أو غير معينة لشخص أو أشخاص، كبعض
أوقاف الذرية التي توقف كذلك.
أقول: إذا وضع الانسان يده على بعض هذه الأموال فاستولى عليها
من غير حق، جاز لولي ذلك المال أن يرجع عليه بما أخذ، فينتزع المال
منه إذا كان موجودا ويرجع عليه بمثله أو قيمته إذا كان تالفا على
النهج الآنف ذكره في المسائل المتقدمة، ويرجع عليه كذلك بالمنافع التي
استوفاها، وبالزيادات العينية التي استولى عليها باستيلائه على العين
كما تقدم.
51

[المسألة 102:]
إذا جمع الانسان بين ما يملكه هو وما يملكه غيره فباعهما معا صفقة
واحدة، صح البيع في المال الذي يملكه هو بحصته من الثمن، وتوقفت
صحة البيع في مال غيره على إجازة مالكه، فإن أجازه صح، وإن لم يجزه
كان باطلا، وكان للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ
البيع في ما يملكه البائع إذا أراد ذلك.
وكذلك الحكم إذا باع الانسان مالا مشتركا بينه وبين غيره، ولم
يجز الشريك البيع في حصته من ذلك المال، فيصح البيع في حصة البائع
من المال بما يخصها من الثمن، ويبطل في حصة شريكه، ثم يكون
للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له فسخ البيع في حصة البائع
نفسه.
[المسألة 103:]
إذا أريد معرفة ما يخص حصة البائع من الثمن وما يخص حصة
المالك الآخر منه في المسألة المتقدمة، قوم كل واحد من المالين على انفراده
عند الثقاة من أهل الخبرة تقويما صحيحا ثم نسبت كل واحدة من
القيمتين على انفرادها إلى مجموع القيمتين، فيكون للحصة الواحدة
منهما من الثمن بنسبة قيمتها إلى مجموع القيمتين.
ومثال ذلك أن يقوم الخبراء الموثوقون مال البائع خاصة بمائة
دينار مثلا، ويقوموا مال المالك الآخر خاصة بمائتي دينار، فيكون
مجموع القيمتين ثلاثمائة دينار، ونسبة المائة دينار وهي قيمة مال
البائع خاصة إلى مجموع القيمتين هي الثلث منه، ونسبة المائتين وهي
قيمة مال المالك الآخر إلى مجموع القيمتين هي الثلثان منه، ونتيجة لذلك
فتثبت لكل واحد من المالين تلك النسبة نفسها من الثمن.
فإذا كان الثمن الذي باع به جميع المال هو أربعمائة وخمسين دينارا
كانت الحصة التي تخص مال البائع من الثمن هي مائة وخمسين دينارا
وهي ثلث الثمن، وكانت الحصة التي تخص مال المالك الآخر من الثمن
هي ثلاثمائة دينار، وهي ثلثا الثمن.
52

وإذا كان لاجتماع المالين دخل في زيادة القيمة ونقصها وجب أن
يقوم كل واحد من المالين في حال انضمامه إلى الآخر، ثم تنسب قيمة
كل واحد من المالين إلى مجموع قيمتيهما، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة.
فإذا باع الرجل داره وهي تحتوي على ما يصلح للسكنى الداخلية
فقط، وضم إليها بالبيع ملك رجل آخر تكمل به منفعة الدار لأنه
يشتمل على ما يصلح لمجلس الرجال واستقرار الضيوف منهم، أو لأنه
يحتوي على حديقة منزلية وملعب الأطفال مما تزيد به قيمة الدار وقيمة
الحديقة معا، وشبه ذلك، فلمعرفة نصيب المالين من الثمن يجب اتباع
الطريق الآنف ذكره.
[المسألة 104:]
إذا كانت دار أو أرض أو بستان مشتركة بين مالكين على السواء،
فباع أحد الشريكين نصف الدار أو الأرض أو البستان، فظاهر العقد
أن المراد بيع نصفه الذي يملكه من المبيع فيحمل عليه وينفذ بيعه،
وإذا دلت القرائن الخاصة على أن المراد بيع النصف الذي يملكه شريكه
كان من البيع الفضولي فلا ينفذ إلا مع إجازة الشريك، وإذا دلت
القرائن على أن المراد بيع النصف مما يملكه هو ومما يملكه شريكه،
صح البيع في نصف حصته خاصة وكان في نصف حصة شريكه من الفضولي
فتتوقف صحته فيه على الإجازة.
[المسألة 105:]
يجوز لأب الصبي غير البالغ ولجده أبي أبيه أن يتصرفا في ماله
بالبيع والشراء والإجارة والصلح والمضاربة وأمثال ذلك من المعاملات
في ماله وينفذ تصرفهما فيه، إذا لم تكن في تصرفهما فيه مفسدة،
ويستثنى من ذلك صورة واحدة، وهي ما إذا كان في تصرفهما تفريط
في مصلحة الصغير فلا ينفذ التصرف منهما في هذه الصورة.
ومثال ذلك أن يضطر الأب أو الجد إلى بيع مال الصغير، فلا يجوز
لهما في هذه الحال أن يبيعا ماله بثمن المثل إذا أمكن لهما أن يبيعاه
بأكثر من ثمن المثل، ولا يجوز لهما أن يبيعاه بأكثر من ثمن المثل بدرهم
53

مثلا إذا أمكن لهما بيعه بأكثر من ثمن المثل بدرهمين، ولو في مكان
آخر أو في وقت آخر أو عند دلال آخر أو بمراجعة مشتر آخر، إذا
عد ذلك تسامحا في مصلحة الصغير وتفريطا فيها في نظر أهل العرف.
[المسألة 106:]
الأب والجد أبو الأب وإن ارتفع بواسطتين أو أكثر وليان شرعيان
على الصغير وعلى التصرف في ماله كما تقدم، وكل واحد منهما ولي
مستقل في ولايته سواء وجد معه الآخر أم لم يوجد وسواء أذن له الآخر
في التصرف أم لا، ولا يشترط في ولايتهما على الصغير أن يكون الأب
والجد عدلا، ولا يشترط في صحة تصرفهما في ماله وجود مصلحة في
التصرف، بل يكفي عدم المفسدة، عدا الصورة التي تقدم ذكرها في
المسألة المتقدمة.
[المسألة 107:]
لا تختص ولاية الأب والجد أبي الأب على الصغير بماله فقط، بل
لهما الولاية كذلك عليه نفسه، فلهما أن يؤجراه للعمل أو للخدمة أو
يجعلاه أجيرا في معمل أو دكان مدة معينة، لهما أن يزوجاه ويتوليا
عقد النكاح له، سواء كان ذكرا أم أنثى، وكذلك في سائر شؤونه،
ويستثنى من ذلك الطلاق، فليس لهما أن يطلقا زوجته المعقودة له
بالنكاح الدائم، ولا يطلقها إلا هو بعد بلوغه ورشده، وهل يجوز
للأب أو الجد أن يتوليا فسخ عقد النكاح عنه إذا حصل أحد أسبابه،
فيه اشكال، ولا بد في ذلك من مراعاة الاحتياط، وكذلك الاشكال
ولزوم مراعاة الاحتياط في أن يهبا مدة النكاح المنقطع لزوجته
المتمتع بها.
[المسألة 108:]
لا ولاية لأحد من الأقارب على مال الصغير ولا في شئ من شؤونه لغير
الأب والجد للأب، سواء كان أما أم جدا لأم، أم أخا كبيرا أم عما، أم
غيرهم، وإذا تصرف أحد هؤلاء في مال الطفل، أو في نفسه، فباع
أو اشترى أو آجر أو عقد له عقد نكاح لم يصح ذلك وكان فضوليا،
54

لا يصح إلا بإجازة وليه الشرعي أو إجازة الصغير نفسه بعد بلوغه
ورشده، إذا لم يرد العقد، على ما تقدم في أحكام العقد الفضولي.
[المسألة 109:]
يجوز للأب وللجد أبي الأب أن ينصب قيما على الصغير بعد وفاته،
فيكون القيم المنصوب من أحدهما وليا شرعيا عند اجتماع الشرائط
فيه، وتنفذ منه جميع التصرفات التي كانت تنفذ من الأب والجد
نفسهما في مال الصغير وفي شؤونه، فيجوز للقيم اجراء المعاملات في
مال الطفل من بيع وشراء وصلح ومضاربة وغيرها على نهج ما سبق
في ولاية الأب والجد، ويصح له أن يؤجر الطفل نفسه للعمل أو للخدمة
أو لغيرهما على حسب ما تقدم هناك، ويصح له أن يزوج الطفل إذا
نص الموصي على ذلك في وصيته إليه.
ويشترط في القيم الذي يجعله الأب أو الجد على الطفل أن يكون
رشيدا، وأن يكون أمينا، بل يشترط فيه أن يكون عدلا على الأحوط.
وهل يصح أن ينصب الأب قيما على ولده الصغير من بعده، مع وجود
الجد أبي الأب، أو ينصب الجد قيما على أطفال ابنه بعد موته هو مع
وجود أبيهم، فيه اشكال، والأحوط عدم نصب القيم من أحدهما مع
وجود الآخر منهما.
[المسألة 110:]
يشترط وجود المصلحة في تصرف القيم الموصى إليه من الأب أو
الجد، ولا يكفي عدم المفسدة كما في ولاية الأب والجد نفسهما.
والميزان في كون تصرف الولي مشتملا على المصلحة كما هو الشرط
هنا، أن يكون كذلك في نظر العقلاء من الناس، ولا يكفي أن يعتقد
الولي نفسه بوجود المصلحة إذا كان العقلاء يجدونه مخالفا لذلك فلا
يصح تصرفه في هذه الصورة.
وإذا اعتقد هو وجود المصلحة في تصرفه، فتصرف كما يعتقد، ثم
استبان أن اعتقاده مطابق للواقع كان تصرفه صحيحا، وإن كان مخالفا
لنظر العقلاء حين التصرف.
55

[المسألة 111:]
إذا لم يكن للصغير أب، ولا جد لأب، ولا وصي قيم عليه من أحدهما،
فالولاية عليه في التصرف في أمواله واجراء المعاملات فيها، للحاكم
الشرعي، وهو الفقيه العادل، والتصرف منوط برأيه، من جهة لزوم
مراعاة المصلحة في ذلك وعدمه، والأحوط استحبابا أن يقتصر في ذلك
على ما يكون في تركه الضرر والفساد.
[المسألة 112:]
إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر الرجوع إليه في أمر أموال الصغير،
يرجع في ذلك إلى العدول من المؤمنين، فيجوز لهم التصرف في أموال
الطفل واجراء المعاملات فيها، والأحوط لزوما أن يقتصر في ذلك على
ما إذا لزم الضرر من ترك التصرف، كما إذا خيف التلف على مال
الطفل، فيجوز للمؤمن العادل بيع المال حذرا من ذلك.
وإذا تعذر وجود العدول المؤمنين في هذه الحالة رجع إلى الثقاة منهم.
[المسألة 113:]
يجوز للمكلف الدخول إلى دار الأيتام القاصرين بإذن الولي أو القيم
المنصوب عليهم وعند تعذر الاستيذان منه، إذا كان في الدخول إليهم
والجلوس على فراشهم والأكل من طعامهم مصلحة لهم، وإن لم يدفع
عن ذلك عوضا.
وإذا احتاج هو إلى ذلك، ولا مصلحة لهم في دخوله عليهم وأكله من
طعامهم ولا ضرر عليهم بذلك ولم يتمكن من استيذان الولي، فالأحوط
له أن يعوضهم عن ذلك بالقيمة، والأحوط تركه.
[المسألة 114:]
قد تعرضنا في كتاب الحجر إلى بيان الحكم في الولاية على أموال
السفيه والمجنون، والتصرف فيها، فليرجع إليها من أراد الاطلاع على
ذلك في تعليقنا على كتاب الحجر من وسيلة النجاة، للفقيه المعظم السيد
أبي الحسن الأصبهاني قدس الله سره.
56

[الفصل الرابع]
[في شروط العوضين]
[المسألة 115:]
العوضان هما الشيئان اللذان يقع التبديل بينهما في عقد البيع،
فينتقل كل واحد منهما بعد تمامية البيع إلى موضع الآخر ويكون بدلا
عنه، أحدهما ما ينقله البائع إلى المشتري بالعوض، وهو المبيع،
والثاني ما يدفعه المشتري بدلا عن المبيع، وهو الثمن، ويشترط في
العوضين عدة أمور، وبعض هذه الأمور مما يشترط في المبيع، وبعضها
مما يشترط في الثمن، وبعضها مما يشترط فيهما، كما سيأتي بيانه.
[المسألة 116:]
يشترط في المبيع أن يكون عينا، سواء كان عينا خارجية، كما إذا
باعه هذه الدار المعينة، أو هذا الحيوان الخاص، أو هذه السيارة
المشخصة، أم كان عينا في الذمة، كما إذا باعه منا من الحنطة في ذمته
هو، أو باعه منا من الحنطة يملكه في ذمة شخص آخر قد اشتغلت له
ذمته به، وسواء كانت العين الخارجية في الفرض الأول شيئا مشخصا
كالأمثلة المتقدمة، أم كانت كليا في المعين كما إذا باعه منا من هذه
الصبرة المشاهدة، أو كسرا مشاعا من هذا الشئ الخارجي، كما إذا
باعه نصفا من هذه الدار، أو ثلثا من هذه السفينة، ونحو ذلك،
فيصح البيع في جميع هذه الصور.
ويراد بالعين التي ذكرناها شرطا في المبيع ما يقابل المنفعة كسكنى الدار
وإجارتها، وركوب السيارة أو السفينة وامتلاك منفعتهما مدة معينة،
وما يقابل العمل كخياطة الثوب، وبناء المنزل، وكتابة الكتاب، وما
يقابل الحق كحق الخيار، والاختصاص والتحجير، فلا يصح بيع هذه
الأشياء وأشباهها لأنها ليست أعيانا.
[المسألة 117:]
يجوز في الثمن أن يكون عينا خارجية أو ذمية كما تقدم في المبيع،
ويجوز أن يكون منفعة معلومة كما إذا باعه المتاع المعين بسكنى الدار
57

يوما أو يومين مثلا أو بركوب السيارة وايصاله إلى البلد المعين، ويجوز أن
يكون عملا خاصا تكون له مالية في نظر أهل العرف كما إذا باعه الشئ
المعلوم بكتابة هذا الكتاب أو بالاتيان بالعمل المعين ثمنا له.
ويجوز كذلك أن يكون الثمن حقا من الحقوق القابلة للنقل
والانتقال والتي تعد من الأموال في نظر أهل العرف كحق التحجير وحق
الاختصاص، فيصح أن يجعل أحدهما ثمنا لمبيع، ولا يصح ذلك إذا
كان الحق غير قابل للنقل، وإن كان قابلا للاسقاط كحق الخيار، فإنه
لا ينتقل لغير ذي الخيار، ولا ينتقل إلا بالإرث لوارث ذي الخيار،
وكحق الشفعة، فإنه لا ينتقل لغير الشريك، وإذا لم يصح نقله لم يمكن
جعله ثمنا كما هو واضح.
نعم يجوز أن يجعل اسقاط الحق المذكور ثمنا للمبيع، فإن اسقاط
الحق عمل من الأعمال، فيصح أن يكون ثمنا، كما ذكرنا في أول
المسألة.
[المسألة 118:]
يشترط في المبيع أن يكون مما يعد مالا في نظر أهل العرف، وقد
ذكرنا إن المدار في ذلك هو كون الشئ مما يكثر له الطلب من العقلاء
وتتحقق الرغبة والتنافس في اقتنائه وبذل المال في الحصول عليه، لأنه
يشتمل على بعض الخصائص والفوائد التي يرغبون فيها أو يحتاجون
إليها سواء كانت الخصائص والمشتهيات مما تتحقق في غالب الأحوال
والأوقات المعتادة أم كانت مما لا تتحقق إلا في حالات الحاجة والاضطرار،
وقد ذكرنا هذا في المسألة السابعة عشرة.
ونتيجة لذلك فلا يصح البيع إذا كان المبيع مما لا يعد مالا، كبعض
الحشرات، والخبائث والسقطات التي لا فائدة في الحصول عليها ولا
رغبة للناس في اقتنائها.
[المسألة 119:]
إذا ثبت للانسان شئ من الحقوق في شئ من الأشياء، وكان الحق
قابلا للاسقاط، كحق الخيار، وحق الشفعة، وحق الرهانة، وحق
58

الجناية، وحق الزوجة في قسمتها من ليالي الزوج، جاز للآخر أن يدفع
له شيئا من المال ليرفع يده عن حقه الثابت له شرعا في ذلك الشئ، وليس
ذلك من البيع، بل يكون من المصالحة على اسقاط الحق أو من التعويض
عنه، وإن لم يكن الحق قابلا للنقل أو لم يكن قابلا للانتقال، كما ذكرنا
في حق الخيار وحق الشفعة.
[المسألة 120:]
يشترط في كل واحد من العوضين: المبيع والثمن أن يكون معين
المقدار عند المعاملة فلا يكون بيعه ولا شراؤه موجبا للغرر، فإذا كان
الشئ مما يتعارف تقديره عند المعاملة بالكيل أو بالوزن أو بالعد،
أو بحساب المساحة، وجب أن يعتبر بما يتعارف تقديره به بين الناس
في معاملاتهم على الخصوص، ولا يكفي عنه غيره، فلا يكتفى بكيل
الموزون أو المعدود، ولا بوزن المكيل أو المعدود ولا بعد الموزون
أو المكيل وهكذا.
نعم يصح أن يكال ما يتعارف فيه التقدير بالعدد، ثم يعد ما في
أحد المكاييل ويحسب الباقي بحسابه إذا كان التفاوت المحتمل مما
يتسامح فيه عند أهل العرف، ويصح أن يكال ما يتعارف فيه التقدير
بالوزن ثم يوزن ما في أحد المكاييل ويحسب الباقي بحسابه كذلك إذا
كان التفاوت مما يتسامح به عرفا، وهو ليس من تقدير المعدود أو
الموزون بالكيل وإنما هو من جعل الكيل طريقا لمعرفة العدد أو الوزن،
وتقدير الأول إنما كان بالعدد وتقدير الثاني إنما كان بالوزن، وكذلك
إذا جعل الوزن طريقا لتقدير الكيل في المكيل والعدد في المعدود على
النهج المتقدم.
[المسألة 121:]
تكفي المشاهدة في بيع بعض الأشياء، حيث تعارف بيعها بالمشاهدة
كذلك، كالثمر حينما يباع وهو على الشجر، فإنه يكتفى في تقديره
بالمشاهدة، وكالحطب حينما يباع وهو محمول على الدابة أو في السيارة
التي تنقل الحمولة، وكالثياب المخيطة وبعض الفرش والحصر،
59

وكالحيوان المذبوح قبل أن يسلخ عنه جلده، فإن هذه الأمور مما تعارف
بيعها بالمشاهدة، ولا يجري فيها التقدير بالكيل أو الوزن أو غيرهما
من وسائل التقدير في المبيع.
[المسألة 122:]
قد تختلف الحال في بعض الأشياء، فيكون في بعض حالاته مما
يتعارف فيه التقدير بالمشاهدة كبعض الأمور التي ذكرناها في المسألة
المتقدمة، يكون في بعض الحالات الأخرى مما يحتاج في تقديره إلى
الوزن أو الكيل، فالحطب في حال حمله على الدابة أو في السيارة مما
يكتفى في تقديره بالمشاهدة، فيباع كذلك، وإذا وضع في الدكان أو
المخزن احتاج في تقديره إلى الوزن كالخشب أو إلى تقديره بالحزم التي
تشتمل كل حزمة على مقدار معين من سعف النخيل ونحوه، وكثمر
الشجر وتمر النخيل فإذا بيع وهو على الشجر أو على النخيل اكتفى في
تقديره بالمشاهدة، وإذا جذ منها كان تقديره بالوزن، وكالحيوان
المذبوح، فإن بيعه قبل أن يسلخ عنه جلده يكون بالمشاهدة، فإذا سلخ
عنه الجلد كان من الموزون فلا يباع إلا بالوزن.
والاعتبار يكون على الحال التي يكون المبيع عليها حين البيع فإذا
كان في الحالات الأولى صح بيعه بالمشاهدة وإذا كان في الحالات الأخرى
لم تكف المشاهدة في بيعه واحتاج إلى تقديره بالوزن أو الكيل حسب
ما يتعارف فيه في تلك الحال.
[المسألة 123:]
إذا اختلفت البلاد في تقدير الشئ، فكان مما يتعارف تقديره
بالوزن في بلد ومما يتعارف تقديره بالكيل في بلد آخر أو كان من
الموزون في بلد ومن المعدود في بلد آخر، فالمدار على البلد الذي تقع فيه
المعاملة، فيجب وزنه إذا كان المتعارف في بلد المعاملة ذلك، وإن كان
مكيلا أو معدودا في بلد البائع أو في بلد المشتري.
ويشكل جواز البيع بالتقدير الآخر إذا كان غير متعارف في بلد
المعاملة، نعم يصح ذلك إذا أوقع المعاملة صلحا لا بيعا.
60

[المسألة 124:]
إذا كان الشئ مما يكتفي العقلاء وأهل العرف في بيعه بالمشاهدة
صح بيعه كذلك كما في بيع الدور وبعض الفرش، وإن كان تقديره
بمعرفة مقدار الطول والعرض والمساحة أبلغ في رفع الغرر في المعاملة،
والأحوط استحبابا تقديره بذلك.
[المسألة 125:]
يجوز للمشتري أن يعتمد في معرفة مقدار الشئ الذي يشتريه على
اخبار البائع بقدره سواء كان البائع عدلا أم لا إذا هو ائتمنه على ذلك،
والأحوط اعتبار حصول الاطمئنان للمشتري بصدق قوله، فيصح
له أن يشتري الشئ اعتمادا على ما أخبر به البائع سواء كان المبيع
موزونا أم مكيلا أم معدودا.
وإذا تبين نقص المبيع في المقدار عما قاله البائع، بطل البيع بالنسبة
إلى المقدار الناقص، فيجب على البائع أن يرد على المشتري ثمن تلك
النقيصة، ويكون للمشتري حق الخيار في الباقي، فيجوز له أن يفسخ
البيع ويرد عليه البائع جميع الثمن، ويجوز له أن يمضي البيع في
الباقي، ويرد عليه البائع ثمن النقيصة وحدها كما ذكرناه.
وإذا تبينت زيادة المقدار عما أخبر به البائع كان الزائد للبائع،
وكان للمشتري الخيار بين أن يفسخ البيع فيرد البائع عليه الثمن،
وبين أن يمضي البيع بالمقدار الذي وقع عليه العقد بتمام الثمن.
[المسألة 126:]
إذا كان من المتعارف في السوق أن تشتمل الطاقة أو الطول من
الأقمشة والثياب المنسوجة على عدد معين من الأذرع أو الأمتار، جاز
للبائع وللمشتري أن يعتمدا في بيعها وشرائها على هذا الأمر المتعارف،
إذا حصل لهما الاطمئنان بذلك، ويصح البيع والشراء إذا لم يتبين
الخلاف وإذا تبينت النقيصة أو الزيادة في المبيع، جرى فيها الحكم
السابق في المسألة المتقدمة.
61

[المسألة 127:]
يشترط في كل واحد من العوضين معرفة جنسه ومعرفة أوصافه
التي يوجب اختلافها اختلاف القيمة والرغبة في ذلك الشئ كالطعم
واللون والجودة والرداءة وأمثال ذلك من الصفات التي تكون محطا
لأنظار الراغبين في ذلك الشئ، فلا بد من معرفة ذلك إما بالمشاهدة
حين البيع، وإما بالوصف الرافع للجهالة.
ولا يكتفى بالرؤية السابقة للشئ إذا كانت العادة تقتضي أن يتغير
الشئ عن صفاته السابقة، وإذا شك في أنه قد تغير عن صفاته الأولى
التي رآها سابقا أو لم يتغير، جاز له أن يكتفي بالرؤية السابقة لأصالة
بقاء الصفات الأولى، إلا أن تقوم أمارة تدل على خلاف ذلك.
[المسألة 128:]
يشترط في كل واحد من العوضين أن يكون مملوكا لصاحبه الذي
يراد نقله عنه، وهذا الشرط هو الواقع في غالب البيوع التي تجري
بين الناس، وقد يكتفى عنه شرعا بما ينزله الشارع منزلة الملك في
ذلك في بعض الموارد فيحكم بصحة بيعه، كمن يشتري بسهم سبيل الله
من مال الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل الله كذلك ويكثر
الانتفاع بها في هذا السبيل، كما ذكرناه في المسألة الستين، فلا يكون
المبيع ولا الثمن في هذه الصورة ملكا ولكنه بمنزلة الملك شرعا وكما
إذا باع ولي الزكاة بعض أعيانها ليشتري به علفا لأنعام الزكاة وهو
كسابقه بمنزلة الملك شرعا فلا يجوز بيع ما لا يكون مملوكا ولا بمنزلة
المملوك، كما إذا باع السمك أو الطير أو الوحش قبيل اصطياده
وامتلاكه وكما إذا باع العشب والكلاء والماء قبل حيازته، وكما إذا
باع الأرض الموات قبل احيائها، ويصح بعد الحيازة والتملك، فإذا
حفر بئرا أو فجر عينا أو شق نهرا فجرى فيها الماء وملكه جاز له بيعه.
[المسألة 129:]
يجوز للمالك الراهن أن يبيع عينه المرهونة إذا كان البيع بإذن
الشخص الذي ارتهنها، وإذا باعها الراهن من غير إذنه ثم فك الرهن
62

صح بيعه كذلك ولم يفتقر إلى إجازة ولا إلى تجديد عقد البيع، وإذا
باعها من غير إذن المرتهن ولم يفك الرهن جرى في البيع حكم الفضولي،
فإن أجاز المرتهن البيع صح وإن لم يجزه كان باطلا.
[المسألة 130:]
لا يجوز بيع الوقف ولا تصح المعاوضة عليه إلا في مواضع.
(الموضع الأول): أن يخرب الوقف بحيث لا تبقى له أي منفعة
يمكن استيفاؤها مع بقاء عينه، وقد شاع بين الفقهاء التمثيل لهذه
الصورة بالحيوان الموقوف إذا ذبح، وبالجذع الموقوف إذا بلي،
وبالحصير الموقوف إذا تخرق وتمزق، فإن منفعة الوقف في هذه الأمثلة
تنحصر باتلاف عينه، ولذلك فيبطل وقفه ويصح بيعه والمعاوضة عليه.
(الموضع الثاني): أن يخرب الوقف بحيث تذهب جميع منافعه المعتد
بها بين الناس، وإن بقيت له منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم في نظر أهل
العرف، ومثال ذلك ما إذا انهدمت الدار الموقوفة أو خرب البستان
الموقوف، وجف ماؤه وماتت أشجاره، ولم تبق من الدار أو البستان
سوى عرصة فارغة يمكن إجارتها لبعض الغايات بقليل من الدراهم.
والحكم في هذه الصورة كذلك هو بطلان الوقف وصحة بيع العين
الموقوفة والمعاوضة عليها.
(الموضع الثالث): أن يعلم بأن بقاء الوقف يؤدي إلى خرابه وذهاب
منفعته أصلا، كما في الصورة الأولى، أو يعلم بأن بقاءه يؤدي إلى ذهاب
منافعه المعتد بها بحيث لا تبقى له إلا منفعة قليلة تلحق بالمعدوم كما في
الصورة الثانية، أو يظن ظنا عقلائيا يعتمد عليه العقلاء في ما بينهم
بأن بقاء الوقف يؤدي إلى ذلك.
والحكم في هذه الصورة هو جواز بيع الوقف كذلك، ولكن لا بد من
تأخير البيع فيها إلى آخر الأزمنة التي يمكن فيها بقاء الوقف واستيفاء
منافعه.
(الموضع الرابع): أن يلاحظ الواقف في أصل وقفه عنوانا خاصا
في العين الموقوفة، يجعله قواما لوقفها ومناطا لاستيفاء منفعتها،
63

ومثال ذلك أن يلاحظ الواقف في العين الموقوفة أن تكون حماما مثلا أو
تكون بستانا أو شبه ذلك من العناوين وتكون هي المدار في الوقف وفي
الانتفاع به، ولذلك فإذا زال العنوان الملحوظ قواما بطل وقف العين،
وصح بيعها والمعاوضة عليها، وإن كانت لها منافع أخرى يمكن أن
تستوفى مع زوال ذلك العنوان.
(الموضع الخامس): أن يشترط الواقف في أصل وقفه بيع العين الموقوفة
عند حدوث طارئ معين، كقلة منفعة الوقف، أو حاجة الموقوف عليهم
أو غير ذلك من الطوارئ، بحيث يكون وقفه منوطا بعدم حدوث ذلك
الأمر، فإذا طرأ ذلك الشئ بطل الوقف وصح بين العين.
[المسألة 131:]
لا يجري الاستثناء المذكور في المساجد، فلا يجوز بيع المسجد وإن
خرب وذهبت منافعه وبقي عرصة فارغة.
نعم يجري الاستثناء في أنقاض بناء المسجد وأجزائه إذا انهدم،
فإذا أمكن الانتفاع بعين هذه الأنقاض والأجزاء في المسجد نفسه وجب
ذلك وتعين، وإذا لم يمكن ذلك، وأمكن الانتفاع بعينها في مسجد آخر
تعين ذلك ولم يجز بيعها، وإذا لم يمكن الانتفاع بها كذلك جاز بيعها
والمعاوضة، ووجب صرف ثمنها في حاجات المسجد نفسه على الأحوط،
وإذا استغنى المسجد عن ذلك صرف الثمن في حاجات غيره من المساجد.
[المسألة 132:]
إذا جاز بيع الوقف لبعض المسوغات الآنف ذكرها فالمرجع في بيعه
والمعاوضة عليه هو الحاكم الشرعي، سواء كان من الأوقاف العامة
أم كان وقفا على إقامة بعض الشعائر أم كان وقفا على أئمة المسلمين
أم على جهة من الجهات كقراءة القرآن أو الصلاة وغيرها.
وإذا كان وقفا على أشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط
في هذا أن يرجع في بيعه إلى كل من الحاكم الشرعي والموقوف عليهم.
[المسألة 133:]
إذا باع الوقف لبعض المسوغات المتقدم ذكرها، فالأحوط لزوما
64

أن يشتري بثمنه ملكا ويقفه على نهج الوقف الأول المبيع، وإذا خرب
بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في اصلاح البعض
العامر منه، وإذا خرب الوقف كله، حتى ذهبت منافعه وأمكن أن يباع
بعضه ويعمر الباقي بثمنه فالأحوط لزوما الاقتصار على ذلك، فيباع
البعض منه ويعمر بثمنه الباقي، ولا يصار إلى بيع الجميع.
[المسألة 134:]
لا يجوز بيع الأمة المملوكة إذا كانت أم ولد لمالكها، سواء وضعت
ولدها منه أم كان حملا في بطنها، وسواء كان ذكرا أم أنثى، وواحدا
أم متعددا، وكما لا يجوز بيعها، فكذلك لا يجوز نقلها عن ملكه إلى
غيره بهبة أو صلح أو غيرهما من النواقل الشرعية.
وإنما يمنع من بيعها ونقلها إلى ملك غيره إذا كان ولدها من السيد
موجودا، فإذا مات ولدها ولم يبق له ولد منها وإن كان حملا جاز بيعها.
وللمسألة مستثنيات ذكرها العلماء وأطالوا البحث في تحقيقها،
وحسبنا الإشارة بهذا المقدار، فالمسألة نادرة الوقوع والابتلاء بها في
غاية القلة
[المسألة 135:]
الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون، وأخذوها بالقوة
من أيدي الكفار، وكانت عامرة حين الفتح، وهي ملك للمسلمين
كافة، يشترك فيه من وجد منهم بالفعل ومن يوجد منهم في المستقبل،
ولذلك فلا يجوز بيعها، وإن كانت فيها آثار مملوكة لمن يريد بيعها،
من بناء أو نخيل أو شجر، أو غير ذلك.
بل ولا يجوز التصرف فيها، إلا بالإذن، فإذا كانت في سلطان من
يدعي الخلافة على المسلمين أو يحكم في أمورهم العامة باسم الاسلام،
فيكفي الاستئذان منه في القيام بأمر هذه الأرض فيستأجرها أو يتقبلها
منه، ويقوم بزرعها وتعميرها، ويدفع إليه خراجها ليصرف في مصالح
المسلمين، وإذا لم يوجد ذلك السلطان، استأذن في ذلك من الحاكم
65

الشرعي وتولى أمرها ودفع إليه أجرتها أو الضريبة التي يجعلها عليه
لتصرف في مصالح المسلمين.
[المسألة 136:]
إذا كانت الأرض عامرة حين الفتح، ثم ماتت بعد ذلك، فالظاهر
أنها لا تزال ملكا للمسلمين على النهج الآنف ذكره، ولا تكون بسبب
موتها من الأنفال ولا تملك بالاحياء، بل يجري فيها الحكم المتقدم في
المسألة السابقة.
[المسألة 137:]
إذا كانت الأرض ميتة في زمان الفتح، فهي من الأنفال، وهي
ملك لإمام المسلمين عليه السلام، وإذا أحياها أحد ملكها باحيائه وصحت له
جميع التصرفات فيها، سواء كان المحيي لها مسلما أم كافرا.
[المسألة 138:]
وإذا كانت الأرض معمورة وهي ليست من الأرض الخراجية التي تقدم
ذكرها، ثم خربت بعد عمارتها، فإن كان لها مالك، وقد ملكها بالإرث
من مالكها الأول أو بالشراء منها أو بأحد الأسباب الناقلة للملك، فهي
لا تزال ملكا لصاحبها ولوارثه من بعده، ولا تكون بخرابها من الأنفال.
وإذا كانت في أصلها من الأنفال التي تقدم ذكرها في المسألة المائة
والسابعة والثلاثين وتملكها صاحبها بالاحياء، ثم تركها حتى أصبحت
بعد العمارة خرابا عادت بذلك من الأنفال، وجرت عليها أحكامها،
فيجوز للآخرين تملكها بالاحياء.
[المسألة 139:]
إذا شك في أرض إنها كانت معمورة في حال الفتح، فتكون من الأرض
الخراجية، أو كانت ميتة في حين الفتح فتكون من الأنفال، بني على
إنها ميتة في ذلك الحال، ولذلك فيجوز تملكها بالأسباب الشرعية إذا
كانت محياة بالفعل، ويجوز احياؤها إذا كانت ميتة بالفعل، ويجوز
التصرف فيها بعد التملك ولو بالاحياء فيصح له بيعها وشراؤها وسائر
التصرفات التي تصح في الملك.
66

[المسألة 140:]
يشترط على الأحوط لزوما في كل واحد من العوضين أن يكون
تسليمه مقدورا، فلا يصح بيع ما لا يقدر على تسليمه، وقد شاع
التمثيل لذلك بما إذا باع جمله الشارد منه في البادية أو طيره الطائر منه
في الجو أو سمكته المنطلقة منه في الماء، فلا يكون بيعها صحيحا لعدم
قدرته على تسليمها للمشتري سواء كان البائع أو المشتري عالما بذلك
حين البيع أم جاهلا به.
نعم إذا كان الجمل أو الطير أو السمكة مما اعتاد على الرجوع بعد
انطلاقه لم يحكم ببطلان بيعه حتى ييأس من عودته.
[المسألة 141:]
يكفي في تحقق هذا الشرط أن يكون المشتري قادرا على قبض المبيع
فيصح البيع بذلك وإن لم يكن البائع بنفسه قادرا على تسليمه، فإذا
باعه الجمل الشارد أو الطير الطائر أو السمكة المرسلة في الماء وكان
المشتري قادرا على الاستيلاء عليه صح البيع، وكذلك إذا كان المشتري
غير قادر على تسليم الثمن وكان البائع قادرا على قبضه والاستيلاء عليه
فيصح البيع.
وإذا باعه عينا مغصوبة لا يقدر على أخذها من الغاصب، وكان
المشتري قادرا على ذلك صح البيع وإذا باع العين المغصوبة على الغاصب
نفسه صح بيعه عليه وإن كان البائع لا يقدر على أخذ العين من الغاصب
ثم دفعها إليه.
[المسألة 142:]
سيأتي في فصل بيع الحيوان أن الرجل لا يملك أباه ولا أمة إذا كانا
عبدين، ولا يملك أحدا من أجداده وجداته وإن ارتفع عنه بأكثر من
واسطة، ولا أحدا من أولاده أو بناته وإن نزل عنه بواسطة أو أكثر،
ولا إحدى محارمه من النساء اللاتي يحرمن عليه في النكاح، وإذا ملك
أحد هؤلاء ببيع أو إرث أو بغيرهما من الأسباب المملكة انعتق عليه
قهرا.
67

ونتيجة لما ذكر، فإذا باع البائع على المشتري أحد المماليك المذكورين
الذين ينعتقون عليه بمجرد البيع صح بيعه وانعتق عليه، وإن كان
البائع غير قادر على تسليمه إياه لأن المشتري لا يستحق ذلك شرعا.
[المسألة 143:]
إذا باع الرجل ما لا يقدر على تسليمه بالفعل للمشتري، ولكنه يعلم
بأنه يقدر على تسليمه له بعد ذلك، فالظاهر صحة البيع في هذه
الصورة، سواء كانت المدة التي لا يستطيع تسليم المبيع فيها قصيرة
أم طويلة، وإذا كان المشتري عالما بذلك من أول الأمر صح البيع وإن
طالت المدة، ولا خيار للمشتري، وإذا كان جاهلا بالأمر صح البيع
كذلك، ويثبت للمشتري خيار الفسخ مع طول المدة.
وهذا كله إذا كانت المدة التي لا يستطيع البائع فيها تسليم المبيع
مضبوطة المقدار، وأما إذا كانت المدة غير مضبوطة فالظاهر بطلان
البيع.
[المسألة 144:]
المدار في هذا الشرط على تحققه في واقع الأمر وعدم تحققه، ولا
أثر لاعتقاد البائع أو المشتري، فإذا اعتقد البايع أنه قادر على تسليم
المبيع، فباعه، ثم ظهر له بعد البيع إنه غير قادر على التسليم كان البيع
باطلا، وإذا اعتقد أنه عاجز عن تسليمه وباعه، ثم ظهر له بعد ذلك
أنه غير عاجز عن تسليمه فالظاهر صحة البيع.
[المسألة 145:]
إذا كان البائع هو مالك المال نفسه، فالمدار في وجود هذا الشرط
على قدرته هو على تسليم المبيع، فيصح البيع مع وجودها ويبطل مع
عدمها، وكذلك إذا كان البائع وليا على مال الصغير أو المجنون،
فالمدار على قدرة البائع الولي على التسليم.
وكذلك إذا كان البائع وكيلا عن المالك في اجراء الصيغة، فالمدار
على قدرة المالك نفسه، ولا اعتبار بقدرة الوكيل، نعم إذا كان وكيلا
في اجراء المعاملة كعامل المضاربة ونحوه، فالمدار يكون على قدرة
68

الوكيل أو المالك، فإذا تحققت القدرة من أحدهما على تسليم المبيع
صح البيع، وإن عجز كلاهما عن تسليمه بطل البيع.
[المسألة 146:]
إذا أبق العبد المملوك من سيده أو أبقت الأمة المملوكة من سيدها،
لم يجز للسيد أن يبيعهما منفردين، ويجوز البيع إذا ضم إلى الآبق
منهما ضميمة ذات قيمة معتد بها، وإنما يصح بيع الآبق مع الضميمة
إذا كان مما يرجى عوده، وإذا يئس من عودته فالظاهر عدم صحة بيعه
حتى مع الضميمة.
[الفصل الخامس]
[في الخيارات]
[المسألة 147:]
الخيار حق مجعول من قبل الشارع أو من قبل المتعاقدين، يتسلط
بموجبه صاحب الحق المذكور على فسخ العقد الذي أوقعه المتبايعان
بينهما، فله أن يختار حل العقد ورفع مضمونه.
وللخيار أقسام كثيرة، والمذكور في هذا الفصل هو المشهور الشائع
منها.
(الأول: خيار المجلس):
[المسألة 148:]
إذا وقع البيع بين المتبايعين، سواء حصل بعقد لفظي أم بمعاطاة،
كان لكل من البائع والمشتري حق الخيار ما داما في مجلس العقد، فيجوز
لأي منهما فسخ العقد الذي حصل بينهما، وحل مضمونه ما لم يفترقا،
فإذا هما افترقا ولم يفسخا لزم البيع وسقط الخيار.
[المسألة 149:]
المراد بالمجلس هو الموضع الذي أجريا فيه العقد، فقد يكون مجلسا
كانا مجتمعين فيه وقد يكون غيره كما إذا كانا واقفين في سوق أو غيره،
وكما إذا كانا سائرين معا إلى مكان، وقد لا يكونان في موضع واحد كما
69

إذا أجريا البيع بينهما بوسيلة الهاتف وكل واحد منهما في موضعه
من السوق أو من المدينة أو في مدينتين.
وافتراقهما الذي يلزم به البيع ويسقط الخيار هو ما يصدق معه
الافتراق بينهما عرفا، فقد يتحقق بمفارقة أحدهما الآخر وقد يكون
بانقطاع الاتصال الهاتفي بينهما بعد أن يتم البيع، وقد يكون بشئ
آخر، وإذا فارقا المجلس وهما مصطحبان، أو أوقعا معاملة البيع
وهما مصطحبان في سيارة أو وسيلة نقل أخرى بقي الخيار لهما حتى
يحصل الافتراق.
[المسألة 150:]
إذا وكل المالك غيره في اجراء صيغة البيع عنه أو في قبول الشراء
له، فخيار المجلس يثبت للمالك الأصيل لا للوكيل في الايجاب أو في
القبول، فليس للوكيل أن يفسخ البيع بالوكالة عن المالك، والخيار
الثابت للمالك في هذه الصورة يثبت له ما دام وكيله الذي أجرى عنه
الصيغة مجتمعا مع صاحبه الذي أجرى معه العقد، وقبل افتراقهما،
فإذا افترقا سقط حق المالك من الخيار.
وإذا وكل المالك غيره في معاملة البيع وتولي جميع شؤونها، كان
لهذا الوكيل حق الفسخ بخيار المجلس بالوكالة عن المالك، وكذلك
الحكم في وكيل المشتري إذا وكله على جميع المعاملة، وقد عرفت أن
خيار المجلس لهما يثبت ما دام اجتماع المباشرين للعقد، ولا أثر
لاجتماع المالكين.
[المسألة 151:]
يجوز لأحد المتبايعين أن يشترط على صاحبه سقوط خيار المجلس
له، فإذا اشترط عليه ذلك في عقد البيع وقبل الآخر ذلك سقط خياره،
وكذلك إذا اشترط كل منهما ذلك على الآخر، فيسقط خيارهما معا.
ويجوز لأحدهما أن يسقط خياره بعد العقد باختياره، ويجوز ذلك
لكليهما فيسقط خيارهما معا.
70

[المسألة 152:]
لا يثبت خيار المجلس في غير البيع من العقود والمعاوضات، فلا يكون
لأحد المتعاقدين بغير البيع خيار قبل الافتراق ولا بعده إلا إذا ثبت
بسبب آخر.
(الثاني خيار الحيوان):
[المسألة 153:]
إذا اشترى أحد حيوانا كان للمشتري الخيار في فسخ العقد من
حين وقوع البيع عليه إلى مدة ثلاثة أيام تامة، سواء كان الحيوان الذي
اشتراه انسانا أم غيره من أنواع الحيوان، فإذا كان العقد في أول
النهار، فمدة الخيار من أول ذلك اليوم إلى آخر اليوم الثالث، ودخلت
الليلتان المتوسطتان في مدة الخيار، وإذا وقع العقد في أثناء النهار،
فمبدأ مدة الخيار من ذلك الوقت الذي وقع فيه العقد إلى مثل تلك
الساعة من اليوم الرابع، ودخلت الليالي الثلاث المتوسطة في مدة
الخيار كذلك، وإذا وقع العقد في أول الليلة أو في أثنائها لم تعد
ساعات تلك الليلة من مدة الخيار بل تكون المدة من أول النهار الأول
إلى آخر النهار الثالث.
[المسألة 154:]
الظاهر عدم اختصاص خيار الحيوان بالمشتري، فيثبت كذلك
للبائع إذا كان الثمن الذي انتقل إليه بالبيع حيوانا، وتجري فيه
أحكامه.
[المسألة 155:]
يسقط خيار الحيوان إذا اشترط البائع في ضمن العقد على مشتري
الحيوان سقوط خياره. وقبل المشتري بذلك، وكذلك الحكم إذا اشترط
المشتري ذلك على البائع حينما يكون الثمن حيوانا، ويسقط كذلك
إذا اختار صاحب الخيار فأسقط حقه بعد العقد باختياره.
ويسقط كذلك إذا تصرف صاحب الخيار في الحيوان الذي انتقل
إليه تصرفا يدل على أنه قد أمضى البيع واختار عدم فسخه، ولا يكفي
71

مطلق التصرف كما إذا علف الدابة أو سقاها أو ركبها ليجرب سيرها،
وكما إذا أطعم العبد أو استخدمه في بعض الحاجات.
[المسألة 156:]
لا يثبت خيار الحيوان في غير البيع من المعاوضات والعقود، فإذا
آجر الانسان داره من أحد ليسكنها وجعل عوض إجارتها حيوانا، لم
يثبت للمؤجر خيار الفسخ، وكذلك إذا ملكه الحيوان بصلح أو هبة
معوضة، أو جعل الحيوان عوضا عن شئ آخر في الصلح أو الهبة أو
في غيرهما من المعاوضات.
[المسألة 157:]
إذا تلف الحيوان المبيع قبل قبضه فهو من مال البائع، وكذلك إذا
تلف بعد القبض في زمان خيار الحيوان الذي يثبت للمشتري، فيكون
تلفه في هذه المدة من مال البائع، فإذا كان البائع قد قبض ثمن الحيوان
وجب عليه رده إلى المشتري في الصورتين.
[المسألة 158:]
إذا حدث في الحيوان عيب، ولم يكن ذلك بتفريط من المشتري لم
يمنع ذلك من أن يأخذ المشتري بخياره، فيجوز له فسخ البيع ورد
الحيوان إذا شاء.
(الثالث من أقسام الخيار: خيار الشرط)
[المسألة 159:]
المراد بخيار الشرط: أن يشترط البائع أو المشتري لنفسه خيار
فسخ العقد في مدة خاصة يعينها، فيقبل الآخر بذلك، ويكون الشرط
المذكور والقبول به في ضمن العقد الواقع بينهما، أو يشترط الجانبان
خيار فسخ العقد لكل واحد منهما على النحو المتقدم ذكره، أو يشترط
أحدهما أو كلاهما خيار الفسخ لشخص ثالث غيرهما فيتم الاتفاق
والقبول على ذلك، ويتم الشرط ويثبت الخيار لمن يجعل له الخيار في
المدة المعينة حسب ما يتفقان.
72

[المسألة 160:]
لا يصح خيار الشرط إذا لم تكن له مدة خاصة، ولا بد من أن يعين
مبدأ المدة ويحدد أمدها، ويجوز أن تجعل المدة قصيرة أو طويلة كما
يريد المتعاقدان، ويجوز أن تكون المدة متصلة بالعقد أو منفصلة عنه،
فيصح أن يشترط البائع مثلا أن له الخيار في الفسخ والامضاء من حين
العقد إلى مدة شهر، فتكون المدة متصلة بالعقد، ويصح لهما أن يوقعا
العقد في شهر رجب مثلا، ويشترط أحدهما أن له الفسخ في شهر
رمضان، فتكون المدة منفصلة عن العقد، ولا يجوز أن يجعل مدة
الخيار غير محدودة، أو يجعلها قابلة للزيادة والنقصان، ويشكل أن
يجعل مدة الخيار له ما دام العمر.
[المسألة 161:]
إذا اشترط البائع أو المشتري الخيار لنفسه مدة شهر كامل ولم
يعين ذلك، فالظاهر أن المراد الشهر المتصل بالعقد، وكذلك إذا جعل
المدة أسبوعا أو عشرين يوما أو شهرين، فالظاهر هو ذلك، فيكون له
الخيار من حين العقد إلى آخر المدة التي ذكرها.
وإذا اشترط أن له الخيار في شهر من الشهور بحيث تردد المراد بين
جميع الشهور ولم يحصل التعيين فالظاهر البطلان، إلا أن تقوم قرينة
على أن المراد إن له الخيار في كل واحد من تلك الشهور أو أن له الفسخ
على رأس أي شهر منهما.
[المسألة 162:]
لا يختص خيار الشرط بعقد البيع، بل يصح جريانه في العقود
اللازمة كعقد الإجارة وعقد المزارعة، والمساقاة والصلح، نعم: الظاهر
عدم جريانه في الصلح الذي تكون فائدته ابراء الذمة أو اسقاط
الدعوى، ولا يصح جريانه في عقد النكاح، ويشكل جريانه في الضمان،
وفي الهبة اللازمة، وفي الصدقة.
ولا يصح اشتراطه في العقود الجائزة كالعارية والوديعة والمضاربة،
ولا يصح اشتراطه في الايقاعات كالطلاق والعتق ونحوهما.
73

[المسألة 163:]
يجوز للبائع أن يشترط لنفسه الاستشارة في أمر الفسخ وعدمه،
فيشترط على المشتري في ضمن العقد إن له أن يستشير فلانا في فسخ
العقد، فإن رجح له الفسخ فسخه، وإن رجح له امضاءه أمضاه، فينفذ
الشرط المذكور، ولا بد من أن يعين لذلك مدة محددة كما تقدم. فإذا
هو استشار صاحبه في الأمر، ورجح له امضاء العقد، وجب عليه
امضاؤه والالتزام به، وإذا رجح له الفسخ، كان له الخيار في أن يفسخ
العقد أو يمضيه، ولا يتعين عليه الفسخ ولا يجوز له أن يفسخ العقد
إذا لم يستشر صاحبه، ولا يجوز له الفسخ إذا استشاره فلم يشر عليه
بشئ أو أشار عليه بامضاء العقد كما ذكرناه.
وكذلك الحكم في المشتري فيجوز له أن يشترط لنفسه ذلك ويجري
فيه التفصيل الآنف ذكره، ويجوز أيضا للمتبايعين معا فيشترط كل
واحد منهما على الآخر فإذا رضيا بذلك نفذ الشرط لكل منهما وجرت
عليه أحكامه على النهج المذكور.
[المسألة 164:]
يجوز للانسان أن يبيع داره المعلومة أو بستانه المعلوم بثمن معين
ويشترط في ضمن العقد على المشتري أنه إذا رد الثمن عليه أو رد بدله
إذا كان تالفا في المدة المعلومة بينهما يكون له الخيار في أن يفسخ العقد
ويرد المبيع، ويسمى ذلك ببيع الخيار، فإذا أجريت الصيغة على ذلك
وتم القبول، صح البيع، ونفذ الشرط وترتبت أحكامه.
فإذا هو رد الثمن أو رد بدله مع تلفه على المشتري في المدة المعينة
بينهما، جاز له فسخ البيع كما اشترط، وإذا انقضت مدة الخيار ولم
يرد البائع الثمن أو بدله إذا كان تالفا، سقط خياره وكان البيع لازما.
ولا يصح الفسخ من البائع إذا فسخ قبل أن يرد الثمن أو بدله،
وإن كان فسخه في المدة المعينة، ولا يصح منه الفسخ إذا فسخ قبل حلول
المدة المعينة.
74

[المسألة 165:]
يجوز للبائع بعد أن يرد الثمن على المشتري في الوقت المعين أو يرد
بدله، أن ينشئ الفسخ بعد ذلك، فيقول: فسخت البيع أو فسخت
العقد، أو رددته، ويجوز له أن ينشئ الفسخ بنفس الفعل، وهو رد
الثمن فيقصد بالرد الخارجي الحاصل منه انشاء الفسخ ويكون ذلك
من الفسخ بالفعل لا بالقول.
[المسألة 166:]
رد الثمن الذي يصح للبائع معه أن يفسخ البيع، هو أن يحضره
للمشتري بنفسه أو يحضر له بدله إذا كان تالفا، ويمكنه من قبضه
والاستيلاء عليه تمكينا تاما، بحيث لا يبقى من قبل البائع أي مانع
للمشتري عن قبضه، فإذا أحضره لديه ومكنه من قبضه كذلك، فقد
حصل الرد وجاز للبائع أن يفسخ البيع إذا كان ذلك في الوقت المعين
للخيار، وإن امتنع المشتري عن القبض باختياره، فلا يكون ذلك مضرا
بصدق الرد، وتحقق الحكم.
[المسألة 167:]
قد يشترط البائع على المشتري إن له خيار الفسخ في جميع المبيع،
إذا هو رد الثمن كله في المدة المعينة بينهما، وقد يشترط عليه أن له
خيار الفسخ في المبيع بمقدار ما يرده من الثمن، فإذا هو رد الجميع
جاز له الفسخ في جميع المبيع، وإذا هو رد نصف الثمن مثلا أو ثلثه
جاز له أن يفسخ بمقدار ما يرد، فإذا اشترط عليه شيئا من ذلك نفذ
الشرط على حسب ما عين.
[المسألة 168:]
إذا وقع البيع الخياري بين البائع والمشتري على الوجه المتقدم بيانه،
كان المشتري مالكا للمبيع من حين صدور العقد، فتكون جميع نماءاته
وفوائده التي تحصل له منذ ذلك الوقت والتي تتجدد له في مدة الخيار
ملكا للمشتري، وكان البائع مالكا للثمن فتكون نماءاته وفوائده منذ
ذلك الوقت ملكا له كذلك، فإذا رد الثمن بعد ذلك وفسخ البيع، فلا
75

يرد مع الثمن نماءاته التي تجددت في مدة الخيار فإنها ملك للبائع ولا
حق فيها للمشتري، ولا يرد مع المبيع نماءاته في تلك المدة، فإنها ملك
للمشتري ولا حق فيها للبائع.
[المسألة 169:]
إذا كان للمشتري وكيل خاص يتولى التصرف عنه في تلك المعاملة
الخاصة أو كان له وكيل عام يتولى التصرف عنه في مطلق معاملاته،
صح للبائع أن يرد الثمن عليه، فإذا دفع الثمن إليه أو مكنه من قبضه
والاستيلاء عليه تمكينا تاما، تحقق الرد وترتب عليه جواز فسخ
البيع كما ذكرنا في المسألة المائة والسادسة والستين، سواء كان المشتري
حاضرا أم غائبا.
وإذا كان المشتري غائبا لا يمكن الوصول إليه، ولم يكن له وكيل
خاص ولا عام يتولى القبض عنه، أو كان مجنونا، كفى البائع أن يرد
الثمن على وليه، فإن لم يكن له ولي خاص رجع في ذلك إلى الحاكم
الشرعي أو إلى وكيله إذا كانت وكالته مطلقة، فإذا رد عليه الثمن جاز
له فسخ البيع، إلا إذا كان الشرط المأخوذ في ضمن العقد أن يرد الثمن
على المشتري بنفسه وأن يوصل الثمن بيده، فلا يكفي الوصول إلى غيره.
[المسألة 170:]
الأحوط لزوما أن لا يتصرف المشتري في المبيع قبل انتهاء مدة الخيار
تصرفا ينقل به العين إلى ملك غيره، فلا يصح له بيعها ولا هبتها، ولا
المصالحة عليها صلحا مملكا للعين على الأحوط في جميع ذلك.
[المسألة 171:]
إذا تلف المبيع في مدة الخيار كان ضمانه على المشتري، ولكن تلفه
لا يوجب سقوط حق البائع من الخيار الذي اشترطه في العقد، فإذا
هو رد الثمن على المشتري في المدة المعينة جاز له فسخ البيع، فإذا فسخه
رجع على المشتري بمثل العين التالفة إذا كانت مثلية، وبقيمتها إذا
كانت قيمية.
76

[المسألة 172:]
الثمن الذي تجري عليه المعاملة الخاصة بين البائع والمشتري، قد
يكون عينا خاصة بيد المشتري فيجعلها ثمنا للمبيع ويحصل الاتفاق
بينه وبين البائع على ذلك ويدفعها إليه ثمنا، ورد الثمن في هذه الصورة
إنما يكون برد تلك العين الخاصة التي قبضها من المشتري إذا كانت
موجودة، فإذا ردها البائع إلى المشتري في الوقت المعين ثبت له خيار
الفسخ.
وإذا تلفت العين المذكورة، فالظاهر عدم تحقق رد الثمن، إلا إذا
علم من القرائن أن المراد من رد الثمن المذكور في الشرط، ما يعم رد
العين إذا كانت موجودة، ويعم رد بدلها إذا كانت تالفة، فإذا رد
البدل ثبت له الخيار.
وقد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بينهما شيئا كليا يستحقه
البائع في ذمة المشتري، وإذا تم العقد بينهما دفع المشتري إلى البائع
فردا خاصا من الكلي وجعله وفاءا عما في ذمته.
ويحصل رد الثمن في هذه الصورة بأن يرد البائع إلى المشتري نفس
الفرد الخاص الذي دفعه إليه في المعاملة وجعله وفاءا لما في ذمته، فإذا
أرجعه إليه جاز له الفسخ.
والظاهر أنه يكفي في حصول الرد أيضا أن يدفع إلى المشتري فردا
آخر من أفراد الكلي المستحق في ذمته إذا كان الثمن من النقود، ولا
يكفي في الرد أن يدفع إليه فردا آخر منهما إذا كان الثمن من غير النقود
وقد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بين البائع والمشتري
شيئا كليا في ذمة البائع نفسه ومثال ذلك أن يكون الرجل مدينا لصاحبه
بمبلغ من المال، فيبيع داره على صاحبه بالمبلغ الذي يستحقه صاحبه
في ذمته من المال.
ويحصل رد الثمن بأن يدفع إلى المشتري فردا مما كان في ذمته.
[المسألة 173:]
يجوز لولي الطفل أو المجنون أو غيرهما من الأشخاص المحجور عليهم
77

أن يشتري لهم ببعض أموالهم بالبيع الخياري، وتصح المعاملة مع توفر
شروط الصحة فيها، ويتولى الولي شؤون المعاملة ما دام الطفل أو
المجنون محجورا عليهما.
فإذا اشترط البائع لنفسه خيار فسخ المعاملة إذا هو رد الثمن،
كان له ذلك، ويكون رد الثمن على الولي لا على المولى عليه، وإذا بلغ
الطفل الحلم وأفاق المجنون من جنونه وارتفعت عنهما الولاية توليا
بأنفسهما بقية شؤون المعاملة، فيكون رد الثمن عليهما لا على الولي،
ويكون فسخ العقد معهما وجميع ذلك واضح.
[المسألة 174:]
إذا تولى الأب أو الجد أبو الأب المعاملة عن الطفل فاشترى له بماله
ببيع الخيار صحت المعاملة كما تقدم، وإذا اشترط البائع لنفسه
الخيار إذا رد الثمن، كان له ذلك، والظاهر أن له رد الثمن على أي
الوليين شاء، ويكون له الخيار وإن كان رده على الولي الذي لم يباشر
الشراء، إلا إذا اشترط الرد عليه بالخصوص.
[المسألة 175:]
إذا ثبت للبائع خيار الشرط، ثم مات، انتقل هذا الخيار إلى ورثته
من بعده، فيجوز لهم أن يردوا الثمن على المشتري في المدة المعينة،
وإذا أرادوا رد الثمن وزع عليهم على حسب حصصهم من الميراث فيرد
كل واحد منهم مقدار ما يصيبه من الميراث، وإذا هم ردوا الثمن على
المشتري كذلك، جاز لهم فسخ العقد، وإذا فسخوا العقد رجع إليهم
المبيع على حسب حصصهم من الميراث.
[المسألة 176:]
إذا اشترط البائع لنفسه الخيار إذا هو رد الثمن على المشتري، ثم
مات المشتري قبل أن يرد البائع عليه الثمن، كان للبائع أن يرد الثمن
على ورثة المشتري، ثم يأخذ بالخيار كما اشترط لنفسه.
[المسألة 177:]
لا يختص خيار الشرط بالبائع، فيصح للمشتري أن يشترط لنفسه
78

خيار الفسخ إذا هو رد الثمن إلى البائع في مدة معينة ويثبت له الخيار
إذا تحقق الشرط.
والظاهر أن المراد برد الثمن هو رد العين نفسها، فلا يكفي رد
بدلها، إلا إذا علم من القرائن أن المراد رد العين مع وجودها ورد بدلها
مع تلفها، فيكون ذلك هو المتبع.
ويجوز لكل من المتبايعين أن يشترطا لكل منهما الخيار إذا رد إلى
صاحبه ما انتقل إليه بالبيع منه والمتبع في جميع ذلك هو ما يتفقان
عليه من الشرط في ضمن العقد.
[المسألة 178:]
يسقط خيار الشرط إذا انقضت المدة المضروبة ولم يرد البائع
فيها الثمن على المشتري، فلا يكون له حق الخيار لعدم تحقق الشرط.
وكذلك إذا انقضت المدة ولم يرد المشتري المثمن على البائع إذا
كان المشتري هو الذي شرط لنفسه الخيار.
ويسقط الخيار كذلك إذا أسقطه صاحب الحق باختياره بعد العقد.
(الرابع من أقسام الخيار، خيار الغبن).
[المسألة 179:]
إذا باع الانسان سلعته بأقل من ثمن مثلها، وهو يجهل مقدار قيمة
السلعة المتعارفة لها في السوق، كان له حق خيار فسخ العقد، إذا كان
التفاوت في القيمة مما لا يتسامح به عند أهل العرف، وكذلك إذا
اشترى الانسان المتاع بأكثر من ثمنه بما لا يتسامح به وهو يجهل ذلك
ويسمى هذا الحق خيار الغبن، ولا يثبت له هذا الخيار إذا كان
عالما بالحال.
[المسألة 180:]
قد يبيع الانسان حاجته بأقل من ثمن مثلها، ولا يعد في نظر أهل
العرف مغبونا في بيعه، كما إذا باع الحاجة واشترط لنفسه الخيار
إذا هو رد الثمن في مدة معينة، فإنه لا يعد في هذه المعاملة مغبونا في
79

نظر أهل العرف، لتعارف البيع بأقل من ثمن المثل في البيع الخياري.
ولا يثبت خيار الغبن للبائع أو المشتري في غير البيع الخياري، إذا
كان التفاوت في القيمة يسيرا لا يعتد به لقلته، والمدار في ثبوت الحكم
أن يكون مقدار التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عند أهل العرف
فإذا اشترى الأرض بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك، وكان مقدار
الغبن في الثمن خمسة آلاف دينار، فإن هذا المقدار من التفاوت مما
لا يتسامح به عند أهل العرف، فيثبت للمغبون به حق الخيار ويجوز
له فسخ البيع وإن كان نصف عشر الثمن أو أقل منه.
[المسألة 181:]
لا يحق للمغبون أن يطالب الغبن بمقدار التفاوت بين القيمتين
ويترك الفسخ، بل يتخير بين أن يفسخ البيع ويمضيه بتمام الثمن
الذي وقع عليه البيع، ولا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له مقدار
التفاوت.
نعم يجوز للغابن والمغبون أن يتصالحا على اسقاط حق الخيار
بمقدار من المال، فإذا تصالحا على ذلك سقط الخيار ولزم الغابن أن
يدفع للمغبون المال الذي صالحه به، سواء كان بمقدار التفاوت أم
أقل من ذلك أم أكثر.
[المسألة 182:]
يثبت الخيار للمغبون من حين العقد الصادر بينهما، لا من حين
ظهور الغبن له، ونتيجة لذلك فإذا فسخ المغبون العقد قبل أن يظهر
الغبن وصادف ذلك وجود الغبن من حين صدور العقد انفسخ العقد
من حين إعمال الخيار.
[المسألة 183:]
لا تجب المبادرة على المغبون في الأخذ بخيار الغبن، ولا يسقط حق
الخيار إذا هو أخر انشاء الفسخ، وإن كان عالما عامدا في تأخيره، كما
إذا كان منتظرا لحضور الغابن، أو كان منتظرا لحضور من يستشيره
في فسخ العقد، أو لغير ذلك من الأغراض العقلائية في التأخير، وكذلك
80

إذا كان جاهلا بالغبن، أو جاهلا بثبوت حق الخيار للمغبون، أو كان
ناسيا لذلك أو غافلا عنه فلا يسقط حقه من الخيار بذلك، فيجوز له
أن يفسخ العقد بعد علمه والتفاته، وكذلك إذا بنى في أول الأمر على
امضاء العقد، ثم بدا له بعد ذلك أن يفسخ العقد، فيجوز له ذلك ولا
يسقط حقه من الخيار، نعم ليس له التأخير عامدا بحيث يؤدي إلى
الضرر أو الحرج على الغابن من غير غرض صحيح.
[المسألة 184:]
إذا ثبت الغبن للبائع أو للمشتري في حال صدور العقد فكان
التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عرفا كما ذكرنا في ما تقدم،
ثم زادت قيمة المبيع بعد ذلك حتى زال الغبن، وخصوصا إذا كان ذلك
قبل اطلاع المغبون على النقصان حال العقد، أشكل الحكم بالخيار،
فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بعدم اعمال الخيار أو بالمصالحة
بين المتبايعين.
[المسألة 185:]
يسقط خيار الغبن إذا أسقطه المغبون بعد العقد، سواء كان اسقاطه
له قبل ظهور الغبن له أم بعد ظهوره له، وسواء كان اسقاطه للخيار
على نحو التفصيل وبعد ما علم بمقدار الغبن أم كان على سبيل الاجمال
كما إذا قال أسقطت حقي من الخيار سواء كان مقدار الغبن قليلا أم
كثيرا.
[المسألة 186:]
إذا أسقط المغبون خياره وهو يعتقد أن مقدار التفاوت بين القيمتين
قليل فظهر له بعد ذلك أن التفاوت كثير لم يشمله الاسقاط، ومثال
ذلك أن يسقط حقه من الخيار وهو يحسب أن التفاوت بين القيمتين
بمقدار عشرة، فاستبان له بعد ذلك أن التفاوت بمائة، فالظاهر عدم
السقوط بذلك.
وعلى سبيل الاجمال إذا تردد الأمر في عبارة المغبون التي أسقط
بها خيار الغبن بين الأقل والأكثر أخذ فيها بالأقل، فلا يسقط الخيار
81

إذا كان التفاوت أكثر من ذلك، إلا إذا علم أو قامت قرينة عرفية تدل
على إرادة ذلك.
وكذلك الحكم إذا صالح الغابن المغبون عن حقه بمال، فأسقط
بذلك حقه من الخيار، فيجري فيه القول المتقدم على التفصيل الذي
ذكرناه في الأقل والأكثر.
[المسألة 187:]
الثاني من مسقطات خيار الغبن أن يشترط الغابن على المغبون
سقوط حقه من الخيار في متن العقد، ويجري في هذا المسقط كل
ما ذكرناه في المسقط الأول، فلا يسقط الخيار إذا كان الفرق بين
القيمتين كبيرا، إلا مع العلم أو القرينة التي تدل على السقوط مطلقا.
[المسألة 188:]
الثالث من مسقطات خيار الغبن، أن يتصرف المغبون في العين التي
انتقلت إليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد الذي صدر بينهما واسقاطه
للخيار، سواء كان المغبون هو البائع أم المشتري، وسواء كان تصرفه
في العين التي انتقلت إليه بعد علمه بالغبن الذي حصل له فيها أم كان
قبل علمه بذلك، إذا كان التصرف كاشفا في نظر العقلاء، وأهل العرف
عن التزامه بالعقد وعن اسقاطه للخيار على فرض كونه مغبونا.
ولا يسقط الخيار بتصرف المغبون في العين إذا لم يكن التصرف دالا
على التزامه بالعقد واسقاطه للخيار.
[المسألة 189:]
إذا ثبت للبائع المغبون حق الخيار، فأخذ بحقه وفسخ البيع، فإن
وجد المبيع عند المشتري باقيا على حاله، استرد المبيع منه. وإن وجده
تالفا عند المشتري رجع عليه بمثله إذا كان المبيع مثليا، وبقيمته إذا
كان قيميا، سواء كان تلفه بفعل المشتري نفسه أم بغير فعله، وقد
ذكرنا الفارق بين المثلي والقيمي في المسألة التاسعة والتسعين،
فليلاحظ ذلك.
وإن رأى في المبيع عيبا قد حدث عند المشتري، بفعله أو بآفة سماوية
82

أخذ المبيع، وأخذ معه أرش العيب، وسيأتي بيان المراد من العيب
وبيان كيفية أخذ الأرش، في مبحث خيار العيب.
وإن وجد المشتري قد أخرج المبيع عن ملكه، فأعتق العبد المبيع
مثلا أو وقف البستان المبيع أو نقل العين المبيعة إلى ملك غيره ببيع
أو صلح أو هبة لازمة أو بعقد آخر لازم كان المبيع بحكم التالف،
فيرجع البائع المغبون على المشتري بالمثل إذا كان المبيع مثليا وبقيمته
إذا كان قيميا.
وكذلك الحكم إذا وجد المشتري قد أخرج المبيع عن ملكه بعقد غير
لازم، كما إذا وجده قد باع المبيع بخيار أو وهبه هبة غير لازمة، فإذا
فسخ المغبون بخياره رجع على المشتري الغابن بالمثل أو القيمة، وليس
له الزام الغابن بفسخ الهبة التي وهبها أو البيع الخياري الذي وقع منه،
بل ولا يجب على الغابن رد العين إلى المغبون إذا اتفق رجوعها إلى الغابن
بفسخ أو إقالة أو شراء جديد أو ميراث بعد دفعه البدل إلى المغبون كما
في النقل اللازم سواء بسواء.
نعم إذا رجعت العين إلى الغابن قبل أن يدفع البدل إلى المغبون وجب
عليه أن يردها إلى المغبون، وأولى من ذلك إذا رجعت العين إليه قبل
فسخ المغبون.
[المسألة 190:]
إذا أراد البائع المغبون فسخ عقد البيع، فوجد المشتري قد آجر الدار
مثلا على غيره، إجارة لازمة أو جائزة، لم تكن الإجارة مانعة للبائع
عن فسخ العقد، وإذا هو فسخ البيع لم تنفسخ الإجارة بذلك، بل ترجع
العين إلى البائع المغبون بعد فسخه مسلوبة المنفعة، وعلى المشتري أن
يرد العين إلى المغبون، وأن يدفع إليه معها أرش النقصان الحاصل
للعين من جهة كونها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، فتقوم العين مرة
بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدة، وتقوم بوصف كونها مسلوبة
المنفعة في تلك المدة مرة أخرى، ويرجع المغبون على المشتري بالعين
وبالتفاوت ما بين القيمتين.
83

[المسألة 191:]
إذا أخذ البائع المغبون بحقه من الخيار ففسخ عقد البيع، وكان
المبيع موجودا في يد المشتري، ولكنه قد تصرف في العين تصرفا مغيرا
لها، فهنا صور مختلفة تجب ملاحظتها، لتطبيق أحكامها.
(الصورة الأولى): أن يكون المشتري قد تصرف في عين المبيع تصرفا
أوجب نقيصتها، وقد تقدم منا في المسألة المائة والتاسعة والثمانين:
إن البائع المغبون إذا وجد في المبيع عيبا، حدث عند المشتري بفعله أو
بآفة سماوية أخذ عين المبيع من المشتري، وأخذ معها أرش النقيصة.
وإذا كانت النقيصة التي حدثت في المبيع، نقص صفة كمال يوجب
فقدها اختلافا في القيمة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة عليها بين
الغابن والمغبون.
[المسألة 192:]
الصورة الثانية أن يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب
الزيادة فيه وتكون الزيادة الحاصلة صفة محضة من صفاته، كما
إذا طحن الحنطة المبيعة أو صاغ الفضة أو غزل القطن أو الصوف.
فإذا لم تكن للصفة الحاصلة مالية، من حيث إنها لم توجب زيادة
في قيمة العين وماليتها، فالظاهر أن المبيع كله للبائع المغبون، ولا حق
للمشتري فيه. وكذلك الحكم إذا كانت للزيادة التي حصلت في المبيع
مالية، ولم يكن حصولها بفعل المشتري، كما إذا باعه خلا قليل
الحموضة، فزادت حموضته بسبب بقائه أياما وزادت قيمته لذلك،
فإذا فسخ البائع العقد لخيار الغبن، أخذ المبيع ولم يكن للمشتري
فيه حق.
وكذلك الحكم إذا حصلت في المبيع بسبب تصرف المشتري زيادة
صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ المشتري الثوب، ولم تكن لهذه
الزيادة الحاصلة مالية، فيكون المبيع للبائع وحده ولا حق للمشتري فيه.
[المسألة 193:]
الصورة الثالثة أن تحصل في المبيع بسبب تصرف المشتري فيه زيادة
84

صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ الثوب، وأن تكون لهذه الزيادة
مالية قد حصلت بفعل المشتري.
والأحوط إن لم يكن هو الأقوى في هذه الصورة أن يكون المشتري
شريكا في القيمة، فيجوز أن تباع العين ويقسم ثمنها بين البائع
والمشتري على النسبة، ويجوز للبائع أن يأخذ المبيع ويؤدي ما للمشتري
بالنسبة، ويجوز للبائع والمشتري أن يتصالحا بينهما بغير ذلك من
الوجوه.
[المسألة 194:]
الصورة الرابعة أن يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب
الزيادة فيه زيادة عينية، والزيادة العينية التي حصلت في المبيع قد
تكون غير قابلة للانفصال عنه، كما إذا باعه المغبون حيوانا فسمن
الحيوان بفعل المشتري، أو باعه شجرا فنما الشجر بفعله كذلك.
فإذا فسخ البائع المغبون البيع، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة
بالمصالحة بين البائع والمشتري إذا كان سمن الحيوان ونمو الشجر بفعل
المشتري كما ذكرنا، وإذا كان السمن والنمو في المبيع بغير فعل
المشتري، فلا شئ له فيها.
[المسألة 195:]
الصورة الخامسة أن تكون الزيادة التي حصلت في المبيع بسبب
تصرف المشتري زيادة عينية كما ذكرناه، وتكون قابلة للانفصال عن
عين المبيع، كالصوف والوبر والشعر واللبن، والثمر، والبناء في
الأرض، والزرع والغرس فيها.
والظاهر أن للمغبون في هذه الصورة الزام المشتري بأحد أمرين
يخيره بينهما، إما بفصل الزيادة عن العين وإن أوجب فصلها الضرر
عليه، وإما بابقائها مع دفع أجرة المثل للعين.
وإذا كان فصل الزيادة يوجب نقصا في الأرض، فعلى المشتري أن
يتلافى ذلك بتسوية الأرض بعد قلع الشجر والبناء منها وطم حفرها.
85

وإذا اختار المشتري أحد الأمرين فليس للبائع منعه، ولا فرق في الحكم
بين الغرس والزرع.
[المسألة 196:]
الصورة السادسة أن يمزج المشتري المبيع بغير جنسه حتى يعد
مستهلكا تالفا في نظر أهل العرف، كما إذا باعه ماء ورد، فخلطه
المشتري بالماء حتى استهلك فيه، وحكمه في هذه الصورة حكم التالف،
فيضمن المشتري المبيع للبائع بمثله إذا كان مثليا وبقيمته إذا كان
قيميا.
الصورة السابعة أن يمزجه المشتري بغير جنسه ولا يعد مستهلكا
تالفا، بل يعد موجودا ممزوجا كما إذا باعه خلا، فخلطه المشتري
بالعسل أو بالسكر، والظاهر أن الحكم في هذه الصورة حصول الشركة
في العين بين البائع والمشتري بنسبة المالية في الخليطين، فإذا كان المبيع
هو الخل وكانت قيمته قبل مزجه دينارا، وكانت قيمة العسل الذي
خلطه المشتري به دينارين، كان للبائع الثلث من العين الموجودة بعد
الخلط إذا هو فسخ العقد، وللمشتري الثلثان منها. وكذلك الحكم
إذا خلطه المشتري بجنسه، وكان الممزوج به أردأ أو أجود، فيكون
شريكا في العين بنسبة المالية، كما إذا خلط الخل المبيع بخل أردأ منه
أو أجود، فتلاحظ النسبة في المالية بين الخليطين على النهج الذي تقدم
ذكره.
وإذا خلطه المشتري بجنسه وكان مثله في الرداءة والجودة كان
شريكا في العين بحسب نسبة مقدار ماله إلى المجموع، فإذا باعه حقة
واحدة من الخل وخلطه المشتري بحقتين منه وكانا متساويين في الرداءة
والجودة، فللبائع الثلث من مقدار المجموع وللمشتري الثلثان منه.
والأحوط استحبابا المصالحة بين البائع والمشتري في جميع الصور،
وخصوصا في الصورتين الأوليين.
[المسألة 197:]
إذا ثبت خيار الغبن للمشتري ففسخ عقد البيع، وكان البائع قد
86

تصرف في الثمن، فقد يكون تصرفه في الثمن لا يوجب تغييرا في العين
لا في نقص فيها ولا زيادة، وقد يكون تصرفه موجبا للنقص في العين،
وقد يكون موجبا للزيادة فيها، وقد يوجب مزج العين بجنسها أو بغير
جنسها، فتجري فيه جميع الصور المتقدمة وتترتب عليها الأحكام
والآثار التي بيناها في المسائل السابقة.
وكذلك إذا ثبت الخيار للمشتري، ففسخ العقد، وكان المشتري
نفسه قد تصرف في المبيع تصرفا لا يوجب سقوط خياره، فتجري فيه
الصور المتقدمة وتترتب عليها أحكامها، وكذلك إذا ثبت خيار الغبن
للبائع، وكان البائع نفسه قد تصرف في الثمن تصرفا لا يوجب سقوط
خياره، فيجري فيه كل ما تقدم من صور وأحكام.
[المسألة 198:]
إذا باع الانسان على غيره سلعتين صفقة واحدة وكان لكل واحدة
من السلعتين ثمن معين، وظهر بعد العقد إن البائع مغبون ببيع إحدى
السلعتين، ثبت له خيار الغبن، فيجوز له فسخ البيع في السلعتين معا
ويرد على المشتري ثمنهما، ويجوز له امضاء البيع في الجميع بالثمن
المسمى لهما في العقد، ويشكل الحكم بجواز التبعيض في الفسخ بأن
يفسخ بيع إحدى السلعتين دون الأخرى.
وكذلك الحكم إذا اشترى الانسان سلعتين صفقة واحدة، كل واحدة
منهما بثمن معين، وظهر بعد العقد إن المشتري مغبون في شراء إحدى
السلعتين، فيجوز للمشتري المغبون أن يفسخ العقد في الجميع أو يرضى
به في الجميع، ويشكل الحكم بالتبعيض.
[المسألة 199:]
لا يختص خيار الغبن بعقد البيع، بل يجري في كل معاملة عرفية
تبتني على المماكسة في العوضين، فتجري في الإجارة والصلح وغيرهما،
فإذا آجر الانسان داره من أحد بأقل من أجرة المثل أو استأجرها منه
بأكثر منها ثبت للمغبون منهما خيار الغبن وجرت أحكام الخيار المتقدمة.
87

[المسألة 200:]
إذا ثبت الخيار للمغبون ففسخ العقد، ووجد ماله الذي كان بيد
الغابن تالفا، وكان تلفه بفعل الغابن نفسه أو بآفة سماوية رجع على
الغابن ببدله، وهو مثله إذا كان مثليا وقيمته في يوم التلف إذا كان
قيميا، وإذا كان تلفه بفعل شخص أجنبي رجع المغبون بالمثل أو بالقيمة
على الغابن، ورجع الغابن بما غرمه للمغبون على الأجنبي المتلف، وإذا
كان تلف المال بفعل المغبون نفسه لم يرجع على الغابن بشئ.
وإذا تلف العوض الآخر وهو مال الغابن الذي كان في يد المغبون،
ثم فسخ المغبون العقد فإن كان تلفه بفعل المغبون نفسه أو كان تلفه
بآفة سماوية رجع الغابن به على المغبون فأخذ منه مثله إذا كان مثليا،
وأخذ قيمته في يوم التلف إذا كان قيميا، وإذا كان تلف المال بفعل
شخص أجنبي، رجع به الغابن على المغبون على الوجه المتقدم، ثم رجع
المغبون بما غرمه له على الأجنبي الذي أتلفه وإذا كان تلف مال الغابن
بفعل الغابن نفسه لم يرجع به على المغبون.
وإذ تلف من أحد العوضين وصف يوجب تلفه الأرش فحكمه حكم
تلف العين في جميع ما تقدم بيانه.
(الخامس من أقسام الخيار، خيار التأخير):
[المسألة 201:]
مورد هذا القسم من الخيار هو أن يبيع الانسان على غيره سلعة معينة
من ماله ولا يقبض من المشتري ثمنها، ولا يدفع البائع السلعة إلى المشتري
حتى يجيئه المشتري بالثمن فإن البيع في هذا المورد يكون لازما ثلاثة أيام،
فإن دفع المشتري ثمن السلعة قبل انقضاء الأيام الثلاثة نفذ البيع،
وإن لم يدفع المشتري الثمن حتى انقضى الأجل المذكور جاز للبائع أن
يفسخ العقد، وأن يمضيه بالثمن المسمى فيه.
[المسألة 202:]
يثبت للبائع خيار التأخير في المورد المذكور وإن قبض من المشتري
بعض الثمن أو دفع هو إلى المشتري بعض المثمن، فإذا هو لم يقبض من
88

المشتري جميع ثمن السلعة، ولم يدفع هو إلى المشتري جميع المثمن
حتى انقضت الأيام الثلاثة جاز له فسخ البيع وامضاؤه.
[المسألة 203:]
المراد بالأيام الثلاثة وهي الأجل لثبوت هذا الخيار هو المراد بالأيام
الثلاثة في خيار الحيوان، وقد ذكرناها في المسألة المائة والثالثة
والخمسين، فإذا كان العقد في أول النهار فمدة الأجل تبدأ من أول
ذلك النهار إلى آخر النهار الثالث، وتدخل فيه الليلتان المتوسطتان
وإذا وقع العقد في أثناء النهار، فمبدأ الأجل من ذلك الوقت الذي وقع
فيه العقد إلى مثل تلك الساعة من نهار اليوم الرابع، إلى آخر ما بيناه في
المسألة التي أشرنا إليها.
[المسألة 204:]
لا يثبت خيار التأخير إذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر في ضمن
العقد تأخير تسليم أحد العوضين مدة معينة أو اشترط تأخير التسليم
في كليهما.
[المسألة 205:]
يختص خيار التأخير بالبيع ولا يجري في غيره من المعاملات والمعاوضات،
حتى في الصلح الذي يفيد فائدة البيع، وحتى في الإجارة والهبة المعوضة.
[المسألة 206:]
يثبت خيار التأخير إذا كان المبيع عينا شخصية في يد البائع أو في
يد وكيله أو وليه مثلا، ويشكل الحكم بثبوت الخيار له إذا كان المبيع
كليا في ذمته، والأحوط لزوما أن يكون الفسخ في هذه الصورة إلا
برضى الطرفين.
[المسألة 207:]
إذا تلفت السلعة التي وقع عليها عقد البيع ولم يدفع المشتري ثمنها في
الأيام الثلاثة كان تلفها من مال البائع، سواء كان تلفها في الأيام الثلاثة
أم بعدها، وسواء كان في حال ثبوت الخيار للبائع أم في حال سقوطه
بأحد المسقطات، بل وإن أسقط الخيار باختياره.
89

[المسألة 208:]
لا يجب الفور في خيار التأخير على الأقوى، فلا يسقط إذا أخر البائع
الفسخ عن الثلاثة أيام وإن كان عامدا في ذلك، إلا إذا حصل أحد
المسقطات.
[المسألة 209:]
يسقط خيار التأخير إذا أسقطه البائع باختياره بعد تحقق شرطه
وهو انقضاء الأيام الثلاثة، ويشكل الحكم بسقوطه إذا أسقطه البائع
قبل انتهاء الأيام الثلاثة، ويشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا اشترط
المشتري على البائع سقوط الخيار في ضمن العقد، فلا بد من الاحتياط
في كلا هذين الفرضين.
[المسألة 210:]
لا يسقط خيار البائع إذا بذل المشتري له الثمن بعد انقضاء الأيام
الثلاثة، فيجوز له فسخ البيع وإن كان المشتري باذلا للثمن بعد مضي
الأجل، ولا يسقط خيار البائع إذا طالب المشتري بدفع الثمن وإن كانت
مطالبته به بعد الأيام الثلاثة.
نعم إذا دفع المشتري الثمن بعد الثلاثة، فأخذه البائع منه بقصد
استيفاء ثمن المبيع والجري على المعاملة الصادرة بينهما، سقط خياره
بذلك، ويكفي في تحقق ذلك القصد منه أن تدل القرائن عليه، ولا
يسقط الخيار إذا أخذ المال من المشتري بقصد العارية أو الوديعة أو
نحوهما.
[المسألة 211:]
إذا باع الانسان السلعة على غيره، وكان المبيع مما يسرع إليه
الفساد كالبقول والخضروات التي يفسدها المبيت، وكاللحوم والفواكه
التي تنتنها أو تتلفها حرارة الوقت، ولم يقبض المشتري المبيع ولم
يدفع ثمنه إلى البائع، ثبت الخيار للبائع قبل أن يعرض الفساد على
المبيع، فيجوز له أن يفسخ البيع أو يمضيه، فإذا كان الشئ مما
يفسده المبيت كان له الخيار عند دخول الليل، وإذا كان مما يسرع
إليه الفساد قبل ذلك كان له الفسخ والامضاء قبل عروض الفساد عليه.
90

[المسألة 212:]
يختص الحكم المذكور في المبيع إذا كان شخصيا، ولا يجري في ما إذا
كان كليا فإن المبيع الكلي ليس مما يسرع إليه الفساد أو يفسده المبيت،
والفرد الشخصي منه لا يكون للمشتري إلا بعد التعيين والقبض، وإذا
حصل القبض فيه لم يشمله الفرض في المسألة، وإذا عينه البائع لم
يتعين للمشتري فيجوز للبائع ابداله اختيارا ولا يجوز له الفسخ.
(السادس من أقسام الخيار خيار الرؤية):
[المسألة 213:]
مورد خيار الرؤية هو أن يرى الانسان شيئا، ثم يشتريه من مالكه
اعتمادا على رؤيته لذلك الشئ، ويجده بعدما اشتراه ناقصا عن
الأوصاف التي رآها للشئ، أو يشتريه من غير مشاهدة، اعتمادا على
وصف البائع أو على وصف غيره ممن رأى الشئ ووصفه له، ويجده
بعد ما اشتراه ناقصا عن الأوصاف التي ذكرت له، فيكون للمشتري
الخيار بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع وأن يمضي العقد فيمسك المبيع
لنفسه بالثمن المسمى بينه وبين البائع.
[المسألة 214:]
ويثبت خيار الرؤية كذلك للبائع، إذا هو باع الشئ اعتمادا على
رؤيته السابقة لذلك الشئ، ويجده بعد ما باعه زائدا في الصفات على
رؤيته الأولى، أو يبيع الشئ اعتمادا على وصف غيره من غير رؤية من
البائع، ثم يجده بعد البيع زائدا على الوصف الذي ذكره الواصف له
فيكون له الخيار بين الفسخ والامساك بالثمن المسمى.
ويثبت خيار الرؤية كذلك للبائع إذا وجد الثمن الذي صار إليه
ناقصا عما وصف له أو عما رآه في الثمن في رؤيته السابقة له، ويثبت
خيار الرؤية للمشتري إذا وجد الثمن المعين الذي وقع عليه البيع زائدا
عما وصفه له الواصف حين العقد، أو زائد عما وجده له من الأوصاف
في رؤيته السابقة له، فيكون لهما الخيار المذكور.
91

[المسألة 215:]
يتخير البائع أو المشتري حينما يثبت له خيار الرؤية بين أن يفسخ
العقد ويرد المبيع وأن يمضي البيع بالثمن الذي وقع عليه العقد، كما
ذكرناه أكثر من مرة، ولا يحق له إذا ترك الفسخ وأمضى العقد أن
يطالب صاحبه بالأرش، وهو التفاوت ما بين القيمتين إذا كان الشئ
الذي انتقل إليه ناقصا في الوصف، أو يطالبه بقيمة الوصف الزائد
إذا كان الشئ الذي انتقل منه لصاحبه زائدا.
ولا يسقط خيار صاحب الخيار منهما إذا بذل له صاحبه أرش
النقصان أو بذل له قيمة الوصف الزائد، ولا يسقط خياره كذلك إذا
أبدل له صاحبه العين بعين أخرى واجدة للوصف الذي ذكره في العقد.
[المسألة 216:]
الوصف الذي يوجب تخلفه الخيار، قد يكون وصفا له دخل في صحة
الشئ، فيكون فقده عيبا يوجب خيار العيب، وهو الذي سيأتي تفصيل
الكلام فيه إن شاء الله تعالى في القسم السابع من أقسام الخيار.
وقد يكون وصفا له دخل في كمال الشئ، وهذا يقع على نحوين،
أحدهما أن يكون الوصف موجبا للرغبة العامة بين الناس، ولذلك
فيكون موجبا لزيادة ماليته، ومثال ذلك أن يكون العبد كاتبا
ومفكرا يعتمد عليه في إنجاز المهمات، أو يكون أمينا يوثق
بصدقه وصحة أعماله، ونحو ذلك من الأوصاف، الثاني أن يكون الوصف
محطا لرغبة المشتري أو البائع بالخصوص، فتزيد لذلك قيمته عنده،
وإن كانت مخالفة للرغبة العامة، ومورد البحث في خيار الرؤية هو
وصف الكمال في الشئ سواء كان من النحو الأول الذي يوجب الرغبة
العامة أم من النحو الثاني الذي يوجب الرغبة الخاصة.
[المسألة 217:]
يختص خيار الرؤية في ما إذا كان المبيع عينا شخصية فإنها هي التي
يتصور فيها تخلف الوصف عما رآه فيها سابقا أو عما ذكره الواصف
من صفاتها فتزيد أو تنقص، وأما إذا كان المبيع كليا موصوفا فالواجب
92

على البائع أن يدفع للمشتري فردا توجد فيه أوصاف الكلي المبيع وإذا
دفع له فردا تنقص فيه بعض الأوصاف فللمشتري أن يطالبه بفرد
توجد فيه صفات المبيع، وليس له الخيار في أن يفسخ العقد.
[المسألة 218:]
إذا باع الانسان على غيره كليا موصوفا في المعين، ثم تخلف الوصف،
كما إذا باع عليه صاعا جيدا من هذه الصبرة، وحينما دفع إليه الصاع
وجده من غير الجيد، فذلك مما يتصور وقوعه على نحوين:
أحدهما أن يبيعه صاعا كليا من هذه الصبرة الجيدة، فتكون الجودة
وصفا للصبرة جميعها، ولما دفع إليه الصاع وجده ووجد الصبرة كلها
من غير الجيد، والظاهر أن للمشتري الخيار في هذا الفرض ويكون
بحكم بيع العين الشخصية في المسألة المتقدمة.
الثاني: أن يبيعه صاعا جيدا من هذه الصبرة، ولما دفع إليه الصاع
وجده من غير الجيد، ولكن الصبرة نفسها فيها الجيد وغير الجيد،
والظاهر أن للمشتري في هذا الفرض مطالبة البائع، بصاع جيد من
الصبرة كما وقع عليه العقد بينهما وليس له حق الخيار، ويكون الحكم
في هذا الفرض حكم بيع الكلي الموصوف في المسألة المتقدمة.
[المسألة 219:]
لا يصح بيع العين الشخصية الغائبة - كما هو مورد خيار الرؤية -
إلا إذا اعتمد فيه على رؤية سابقة للعين المبيعة، وإنما تكفي الرؤية
والسابقة في صحة بيع البائع لها أو في شراء المشتري إذا كان الرائي
واثقا بأن صفات العين التي رآها باقية إلى حين البيع، أو يعتمد فيه
على وصف رافع للجهالة والغرر في المبيع والثمن بذكر جنسهما ونوعهما
وصفاتهما التي تختلف باختلافها الرغبات العامة والخاصة، وتتفاوت
بسببها المالية والأعواض، وإنما يكفي الوصف للعين الغائبة إذا حصل
منه الاطمئنان بأن العين في حال العقد على النحو الموصوف.
[المسألة 220:]
القول المشهور بين الأصحاب قدس الله أرواحهم: أنه يجب الفور
93

في خيار الرؤية، فإذا لم يبادر صاحبه إلى الفسخ سقط خياره، وهو
مشكل فلا بد فيه مع التأخير من الاحتياط.
[المسألة 221:]
يسقط خيار الرؤية إذا أسقطه صاحبه باختياره، سواء كان
اسقاطه له بعد رؤية العين أم قبلها، ويسقط خياره كذلك إذا تصرف
في العوض الذي انتقل إليه تصرفا يدل على التزامه بالبيع، سواء كان
تصرفه قبل الرؤية أم بعدها.
ويشكل الحكم بسقوط خياره إذا اشترط عليه سقوطه في ضمن
العقد، ويشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا هو تأخر فلم يبادر للفسخ
كما نقلناه عن المشهور، فلا يترك الاحتياط في الفرضين الأخيرين.
(السابع من أقسام الخيار: خيار العيب):
[المسألة 222:]
إذا اشترى الانسان شيئا فوجد في الشئ عيبا كان للمشتري الخيار
بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع على صاحبه ويسترد منه الثمن، وأن
يمضي البيع بالثمن المسمى، وأن يمسك المبيع ويطالب بائعه بالأرش،
وهو التفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب، فيتخير ما بين الأمور
الثلاثة المذكورة.
وكذلك الحك في ما إذا باع الانسان سلعته بثمن شخصي معين،
فوجد في الثمن المعين الذي دفعه إليه المشتري عيبا فيكون للبائع الخيار
بين الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد الثمن
على صاحبه ويسترد منه المبيع، ويجوز له أن يمضي العقد بالثمن
المسمى، ويجوز له أن يمسك الثمن المعيب المدفوع إليه ويطالب المشتري
بأرش النقصان فيه.
وإذا باع السلعة بثمن كلي، ووجد الفرد الذي دفعه إليه المشتري
معيبا لم يثبت له الخيار المذكور فيه بل تجوز له مطالبة المشتري بفرد
صحيح لا عيب فيه من الثمن الكلي.
94

[المسألة 223:]
العيب الذي يثبت به الخيار هو ما كان على خلاف الخلقة الأصلية
في الشئ، سواء كان نقصا في العين أم زيادة، فالعمى والصمم والبكم
والعرض والاقعاد والعور وفقد بعض الأعضاء والشلل في بعضها عيب
يثبت به الخيار، وزيادة اليد أو الرجل أو الكف أو القدم أو الإصبع
أو أحد الأعضاء الأخرى عيب يثبت به الخيار كذلك، وانتشار بعض
السموم والعناصر الغريبة في تربة الأرض المبيعة التي تمنع نمو الزرع
فيها أو تضعف الغرس أو تقلل الانتاج عيب يثبت به الخيار، وهكذا
فعيب كل شئ هو النقص أو الزيادة اللذان يعدان خللا في الخلقة الأصلية
بالنسبة إلى ذلك الشئ سواء كان الناقص منه أو الزائد فيه جزءا من
أجزائه أو صفة من صفاته.
بل حتى بعض الطوارئ التي تعرض على الشئ وتلازمه حتى تعد
عرفا عيبا من عيوبه كنزول الجيش في الأرض أو بالقرب منها، وكوجود
بعض الضواري والسباع فيها، حتى يمتنع المالك من الإفادة من أرضه
والتصرف فيها كما يريد، فالظاهر ثبوت حكم العيب كذلك.
[المسألة 224:]
ذكر جماعة من الفقهاء أن العيب إذا كان موجودا في أكثر أفراد
الصنف لا يجري عليه حكم العيب، فلا يوجب وجوده الخيار، ومثلوا
لذلك بالثيبوبة في الإماء فلا تعد فيهن عيبا، والظاهر أن ما ذكروه إنما
هو في الإماء الكبيرات، فإن الغالب فيهن ذلك فيتم فيهن ما أفادوه. وأما
الإماء الصغيرات غير المدركات أو في أول ادراكهن، فالأقوى أن الثيبوبة
فيهن عيب فيجري فيها حكم العيب.
[المسألة 225:]
الظاهر أن الحمل في الجواري المبيعة من العيوب فيهن، فإذا وجد
المشتري الأمة التي اشتراها حاملا كان له الخيار فيها، وليس الحكم
كذلك في الحيوانات.
[المسألة 226:]
لا يعتبر في العيب الذي يثبت به الخيار أن يكون موجبا لنقص المالية
95

في الشئ فإذا اشترى الانسان الشئ فوجده معيبا، وكان العيب مما
لا تنقص به المالية، كان له الخيار بين أن يفسخ العقد، ويمضيه
بالثمن المسمى، نعم لا يجوز له أن يمسك الشئ المبيع ويطالب البائع
بأرش النقصان فيه، إلا إذا كان العيب الموجود فيه يوجب النقص في
المالية، وسيأتي التعرض لذلك في ما يسقط به الأرش دون الرد في
المسألة المائتين والسادسة والثلاثين.
[المسألة 227:]
قد بينا في ما تقدم أن البائع أو المشتري إذا وجد في العوض الذي
انتقل إليه عيبا، كان له الخيار بين أمور ثلاثة، فيجوز له أن يفسخ
البيع، فيرجع بسبب ذلك كل واحد من العوضين إلى مالكه الأول،
ويجوز له أن يرضى بالبيع ويمضيه بالثمن المسمى الذي وقع عليه
العقد بينه وبين صاحبه، ويجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي
انتقل إليه بالبيع، ويطالب مالكه الأول بأرش العيب الذي وجده فيه.
وهنا مواضع خاصة يخرج فيها الحكم عن هذه القاعدة، فيكون له
الخيار فيها بين أمرين فقط، فيجوز له أن يمضي البيع بالثمن المسمى
ويرضى بالمعيب، ويجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل إليه
بالبيع، ويطالب صاحبه بأرش النقصان فيه، ولا يثبت له الشق الثالث
من الخيار، وهو أن يفسخ العقد، فيرد كلا من العوضين إلى مالكه الأول.
ويثبت هذا الاستثناء في عدة موارد نفصلها في المسائل الآتي بيانها
إن شاء الله تعالى.
[المسألة 228:]
المورد الأول: أن يلتزم صاحب الخيار بالعقد الصادر بينه وبين
صاحبه، ومن الواضح أن التزامه بالعقد إنما يدل على رضاه بالبيع،
ولا يدل على رضاه بالعوض المعيب، ولا يكون موجبا لسقوط حقه من
الأرش، ونتيجة لذلك فيكون له الخيار بين أن يبقي البيع بالثمن
المسمى وأن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل إليه ويطالب مالكه
الأول بأرش النقصان فيه كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.
96

[المسألة 229:]
المورد الثاني: أن يتصرف صاحب الخيار في العوض المعيب الذي
انتقل إليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد واختياره عدم فسخه، فيطأ
الجارية المبيعة أو يقبلها أو يلمسها لمسا يحرم على غير المالك، وهو
كالمورد الأول إنما يدل على رضاه بالعقد ولا يدل على رضاه بالعيب، فلا
يسقط به حقه من الأرش ونتيجة لذلك فيكون مخيرا بين الأمرين الآنف
ذكرهما.
[المسألة 230:]
المورد الثالث: أن تتلف العين المعيبة التي انتقلت إليه فلا يمكن له
ردها إلى مالكها الأول، ولا يحق له أن يختار فسخ العقد، بل يكون
مخيرا بين الأمرين الآخرين الآنف ذكرهما.
[المسألة 231:]
المورد الرابع: أن يخرج صاحب الخيار العين المذكورة عن ملكه
بسبب شرعي ناقل فيبيع العين على غيره أو يهبها له أو يقفها، أو يعتق
العبد المملوك أو الأمة المملوكة.
[المسألة 232:]
المورد الخامس: أن يتصرف صاحب الخيار في العين تصرفا خارجيا
يوجب تغيرها فلا يصدق معه إن العين باقية قائمة بحالها، ومثال ذلك
أن يفصل الثوب المبيع أو يخيطه أو يطحن الحنطة، أو يغزل القطن
أو الصوف أو ينسجهما.
[المسألة 233:]
المورد السادس: أن يتصرف في العين تصرفا شرعيا اعتباريا بحيث
لا يصدق معه إن العين قائمة بحالها، ومثال ذلك أن يؤجر الدار من
غيره أو يرهنها عنده.
[المسألة 234:]
المورد السابع: أن يحدث في الشئ المعيب الذي انتقل إليه عيب
97

جديد بعد ما قبضه من مالكه الأول، فلا يحق له بعد حدوث العيب الجديد
أن يفسخ البيع بسبب العيب السابق.
ونتيجة لكل ما تقدم فلا يجوز لصاحب الخيار أن يفسخ البيع في
جميع هذه الموارد، ويكون في كل واحد منها مخيرا بين أن يرضى بالعقد
فيمضيه بالثمن المسمى ويرضى بالمعيب، وأن يمسك بالعوض المعيب
الذي صار إليه ويطالب صاحبه بأرش النقيصة فيه.
[المسألة 235:]
إذا اشترى الانسان شيئا، وكان له في ذلك العقد خياران، أحدهما
خيار عيب، والثاني خيار حيوان مثلا أو غيره من أقسام الخيار، ثم
حدث في المبيع عيب جديد بعد ما قبضه من البائع، فإن هذا العيب
الحادث إنما يمنعه من أن يفسخ العقد بخيار العيب السابق، ولا يمنعه
من أن يفسخ العقد بخياره الآخر.
[المسألة 236:]
ويستثنى أيضا من القاعدة الآنف ذكرها في المسألة المائتين والسابعة
والعشرين مورد واحد آخر يسقط فيه الأرش ولا يسقط فيه الرد،
فيكون صاحب الخيار في هذا المورد مخيرا بين أن يفسخ البيع فيرد كلا
من العوضين إلى مالكه الأول، وأن يرضى بالبيع فيمضيه بالثمن
المسمى، والمورد المشار إليه هو ما إذا كان العيب الموجود في الشئ
لا يوجب نقصا في ماليته في نظر أهل العرف كزيادة الإصبع الواحد
في العبد المملوك وخصوصا إذا كان في القدم، ولذلك فلا يوجب بيعه
أرشا للمشتري لعدم التفاوت في القيمة والمالية بين الصحيح منه
والمعيب، نعم يكون من أجل وجود العيب مخيرا بين الأمرين الآنف
ذكرهما.
قالوا: ومن هذا النوع من العيب الخصاء في العبيد إذا اتفق تعلق
غرض نوعي به بين عامة الناس كما نقل عن بعض فترات التاريخ،
فكانت قيمة العبد الخصي من أجل هذه الغاية تساوي قيمة الفحل.
98

[المسألة 237:]
قال جماعة من الفقهاء، وهنا مورد آخر يسقط فيه الأرش كذلك
ولا يسقط فيه الرد، فيجري فيه الاستثناء المذكور في المسألة الماضية،
وهو ما إذا اشترى الانسان شيئا ربويا بعوض من جنسه من غير تفاضل،
فظهر في أحد العوضين عيب، فلا يجوز لصاحب الخيار أن يأخذ أرش
النقصان من الآخر حذرا من الربا المحرم في المعاملة، ولذلك فيكون
مخيرا بين رد البيع وامضائه بالثمن المسمى.
ولكن الأقوى جواز أخذ الأرش، فإن دفع أرش النقصان من أجل
العيب لا يوجب زيادة في العوض في المعاملة فلا يلزم منه الربا.
[المسألة 238:]
لا خيار للمشتري إذا اشترى السلعة وهو يعلم قبل عقد البيع بوجود
العيب فيها ولا خيار كذلك للبائع إذا باع سلعته بالثمن الشخصي المعين
وهو يعلم قبل العقد بوجود العيب في الثمن، فلا يجوز لهما فسخ
البيع، ولا حق لهما في المطالبة بالأرش.
[المسألة 239:]
إذا تبرأ البائع في عقد البيع من العيوب في الشئ المبيع، فاشترط
فيه أن لا يرجع المشتري عليه بالثمن ولا يطالبه بالأرش إذا ظهر الشئ
معيبا، وقبل المشتري بشرطه، لم يثبت للمشتري خيار إذا ظهر كونه
معيبا، فلا يجوز له رد البيع ولا المطالبة بالأرش.
وكذلك الحكم إذا تبرأ المشتري في ضمن العقد من عيوب الثمن
الشخصي وقبل البائع بشرطه فلا خيار للبائع إذا ظهر الثمن معيبا،
فلا حق له في الرد ولا في الأرش.
[المسألة 240:]
يسقط خيار العيب للمشتري إذا أسقطه هو باختياره بعد أن ظهر
له وجود العيب في الشئ المبيع، فلا يحق له بعد ذلك رد البيع ولا المطالبة
بالأرش، وكذلك الحكم إذا أسقط هو حقه من خيار العيب قبل أن
يظهر له وجود العيب في الشئ وكان موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز
99

له أن يرد البيع أو يطالب بالأرش، ويسقط خيار العيب للبائع إذا
أسقطه هو باختياره قبل أن يظهر له وجود العيب في الثمن الشخصي
أو بعدما ظهر له إذا كان العيب موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز له
رد البيع ولا المطالبة بالأرش في الصورتين.
[المسألة 241:]
ويسقط خيار العيب كذلك إذا اشترط البائع على المشتري في ضمن
العقد وإذا اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد سقوط خياره
إذا كان العوض الذي انتقل إليه من صاحبه معيبا، وقبل الآخر بشرطه،
فلا يجوز للمشترط عليه رد البيع ولا مطالبة صاحبه بالأرش إذا وجد
الشئ معيبا.
[المسألة 242:]
إذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر في ضمن العقد سقوط الأرش
وحده، أو سقوط رد البيع وحده إذا كان الشئ معيبا، وقبل الآخر
بالشرط، اتبع الشرط المجعول بينهما ولم يسقط الخيار من أصله،
بل يسقط حق المطالبة بالأرش وحده في الصورة الأولى، ويكون صاحب
الخيار مخيرا بين رد العقد وامضائه بالثمن المسمى، ويسقط الرد
وحده في الصورة الثانية، ويكون صاحب الخيار مخيرا بين امضاء العقد
بالثمن المسمى، وامساك الشئ المعيب ومطالبة صاحبه بالأرش.
[المسألة 243:]
ذهب جماعة من العلماء إلى وجوب الفور والمبادرة في خيار العيب
فإذا تأخر صاحب الخيار فلم يفسخ ولم يطالب بالأرش سقط خياره،
وذهب آخرون إلى عدم وجوب المبادرة فإذا تأخر ولم يبادر لأعمال
خياره لم يسقط خياره، وهو مشكل، فإذا تأخر صاحب الخيار في
اختيار الفسخ أو الامساك بالأرش، فلا يترك الاحتياط بالرجوع
إلى المصالحة.
[المسألة 244:]
إذا كان الشئ معيبا في حين وقوع العقد عليه ثم زال عيبه بعد ذلك
وقبل أن يعلم به المشتري، فالظاهر عدم سقوط الخيار بذلك، فيتخير
100

صاحبه بين أن يفسخ العقد وأن يمسك المعيب بالأرش، وله أن يرضى
بالبيع بالثمن المسمى، والأحوط استحبابا أن يختار رد البيع مع
امكانه فإن لم يمكن الرد أمسك بالمعيب وطالب صاحبه بأرشه.
[المسألة 245:]
العيوب التي تحدث في الشئ تقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظتها
فإنها مختلفة الآثار.
النحو الأول: العيب الذي يكون موجودا في الشئ حين وقوع عقد
البيع، وهذا هو الموضوع الذي يثبت عند تحققه الخيار للمشتري إذا
كان العيب في المبيع، وللبائع إذا كان العيب في الثمن الشخصي المعين
أو ما هو بحكمه وقد سبق تفصيل ذلك في المسائل المتقدمة.
والمدار على وجود العيب في الشئ حال العقد كما ذكرناه سواء كان
حدوثه فيه مقارنا للعقد أيضا أم كان سابقا عليه وإن لم يعلم به صاحب
الخيار إلا بعد ذلك، بل وإن زال العيب قبل أن يعلم به، وقد تقدم
منا بيان جميع ذلك.
النحو الثاني: العيب الذي يحدث في الشئ بعد قبضه من بائعه،
وهو لا يوجب خيارا للمشتري أو للبائع، ولكنه يمنع صاحب الخيار
من الرد بالعيب السابق، وقد تقدم بيان ذلك في المسألة المائتين والرابعة
والثلاثين.
النحو الثالث: العيب الذي يحدث في الشئ بعد وقوع العقد عليه
وقبل قبضه من مالكه الأول، وهل يكون حدوث هذا العيب موجبا للخيار
لمن أنتقل إليه ذلك الشئ الذي حدث به العيب ولم يكن فيه عيب سابق،
وهل يمنع من الرد والفسخ بسبب العيب السابق إذا كان معيبا سابقا؟
وهو موضع اشكال في جميع فروضه، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى
المصالحة في جميعها.
نعم إذا كان حدوث هذا العيب بفعل المشتري نفسه لم يكن له أثر،
فيكون بيع البائع عليه لازما، ولا خيار للمشتري فيه.
101

[المسألة 246:]
يرجع في معرفة قيمة الشئ الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة بتقويم
ذلك الشئ وتمييز مراتب الصحة والعيب فيه ومقادير تفاوتها في
القيم، ولا ريب في أن أهل الخبرة في بعض الأشياء غير أهل الخبرة في
البعض الآخر منها، فالخبير بتقويم الدور والمنازل غير الخبير بالبساتين
والأراضي، وهو غير الخبير بتقويم السيارات وأدوات النقل، وهم غير
أهل الخبرة بالأمتعة والأثاث، وهكذا في الأدوات والأجهزة بعضها مع
بعض والأطعمة بعضها مع بعض، والخبرة في كثير مما ذكر تفتقر إلى
ممارسة ومران وطول مزاولة وتثبت، وذلك واضح جدا ونحن نذكره
للتنبيه، وعلى أي حال فلا بد في تقويم أي شئ من الرجوع إلى الخبراء
بقيمة نوع ذلك الشئ وأصنافه وأفراده وصحيحه ومعيبه والتمييز بين
مراتب العيوب في النقص وفي القيمة.
ويكفي في المقوم من أهل الخبرة الواحد بشرط أن يكون أمينا موثوقا
على الأقوى وإن كان الأحوط استحبابا أن يرجع إلى مقومين عدلين ولا
سيما في ما كان مظنة للغبن ومثارا للنزاع.
[المسألة 247:]
أرش العيب هو مقدار التفاوت ما بين قيمة الشئ معيبا وقيمته
صحيحا، فإذا أريدت معرفة ذلك، رجع إلى أهل الخبرة كما ذكرناه،
فقوموا الشئ المبيع صحيحا، تقويما عادلا لا غبن فيه ثم قوموه معيبا
كذلك، ثم لوحظت نسبة قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح، فأخذ من
الثمن المسمى الذي وقع عليه العقد بتلك النسبة، ونقص منه بسبب
وجود العيب فيه بتلك النسبة.
فإذا اشترى الانسان المتاع بعشرين دينارا فوجده معيبا، وكانت
قيمة ذلك المتاع عند أهل الخبرة خمسة وعشرين دينارا في حال صحته،
وكانت قيمته عشرين دينارا في حال وجود العيب فيه ونسبة القيمة
المذكورة للمعيب إلى قيمة الصحيح هي أربعة أخماسها والتفاوت ما بين
القيمتين بخمسة دنانير وهي خمس قيمة الصحيح، فإذا أراد المشتري
من البائع أرش العيب كان للمشتري خمس الثمن الذي وقع عليه العقد
102

فيرجع على البائع بأربعة دنانير في المثال وهي خمس الثمن، ويكون
للبائع منه ستة عشر دينارا وهي أربعة أخماسه.
[المسألة 248:]
إذا اختلف أهل الخبرة في تقويم الشئ الصحيح أو في تقويم المعيب
أو في تقويم كليهما فإن اتفقت النسبة بين قيمتي الصحيح والمعيب في
كلا التقويمين عمل بها، ومثل ذلك أن يقوم بعض أهل الخبرة الشئ
في حال صحته بعشرة دنانير ويقومه في حال وجود العيب فيه بخمسة
دنانير، ويقوم بعضهم الصحيح بثمانية دنانير، ويقوم المعيب بأربعة
دنانير، فإن التفاوت بين القيمتين في كلا التقويمين بالنصف، فالخمسة
نصف العشرة في التقويم الأول كما أن الأربعة نصف الثمانية في التقويم
الثاني، فيؤخذ نصف الثمن المسمى.
وإذا اختلفت النسبة ما بين قيمتي الصحيح والمعيب في التقويمين
فكانت النسبة بينهما هي النصف مثلا في أحد التقويمين وكانت النسبة
هي الثلث في التقويم الثاني أو أقل من ذلك أو أكثر، فلا يترك الاحتياط
بالمصالحة حتى في ما إذا كان بعض المقومين أقوى خبرة أو أكثر عددا،
وكذلك الحكم إذا كان المقومون أكثر من اثنين، فإن اتفقوا على النسبة
بين قيمة الصحيح وقيمة المعيب عمل عليها وإن اختلفوا في ذلك رجع إلى
الاحتياط بالمصالحة.
[المسألة 249:]
إذا باع الانسان على غيره متاعين في عقد واحد وكان لكل واحد من
المتاعين ثمن مستقل عن الآخر، فوجد المشتري في أحد المتاعين المبيعين
عيبا، كان للمشتري الخيار في المتاع المعيب، فيجوز له أن يفسخ البيع
فيه فيرد المتاع على بائعه ويسترد منه ثمنه، ويجوز له أن يمضي
البيع فيه ويرضى به بالثمن المسمى، ويجوز له أن يمسك المتاع المعيب
ويطالب البائع بأرشه، وإذا اختار أن يرد المعيب ففسخ بيعه، كان
للبائع أن يفسخ البيع في المتاع الثاني الصحيح لتبعض الصفقة.
103

[المسألة 250:]
إذا باع الانسان على غيره متاعين في عقد واحد بثمن واحد، فوجد
المشتري في أحد المتاعين عيبا، كان للمشتري الخيار في العقد، فيجوز
له أن يفسخ البيع فيرد المتاعين معا على بائعهما ويسترد منه ثمنهما،
ويجوز له أن يرضى بالبيع فيمضيه في المتاعين معا بالثمن المسمى،
ويجوز له أن يمسك المتاعين ويطالب البائع بأرش المعيب منهما، وليس
له أن يرد المتاع المعيب وحده.
[المسألة 251:]
إذا اشترك رجلان فاشتريا من شخص شيئا واحدا، فوجدا الشئ
معيبا، ثبت لكل واحد منهما الخيار في حصته من المبيع، فيجوز لأحدهما
أن يفسخ البيع في حصته ويردها على بائعها ويسترد منه ثمنها وإن لم
يوافقه المشتري الآخر على ذلك، فإذا فسخ في حصته من المبيع كان للبائع
الخيار في أن يفسخ العقد مع المشتري الآخر لتبعض الصفقة.
[المسألة 252:]
إذا اشترى الانسان عبدا أو أمة ثبت للمشتري خيار العيب متى
أصاب العبد أو الأمة جنون أو جزام أو برص أو قرن، فيجوز له
فسخ البيع، ويجوز له امساك المملوك والمطالبة بالأرش على نهج
ما تقدم، وإن حدث فيه أحد هذه العيوب بعد العقد إلى مدة سنة من
يوم العقد، ومن أجل ذلك سميت هذه العيوب في بعض النصوص
بأحداث السنة.
وإذا جعل العبد أو الأمة ثمنا شخصيا لمبيع، ثبت الخيار للبائع
كذلك إلى انتهاء السنة، والجذام والبرص مرضان معروفان، ويرجع
فيهما عند الاشتباه إلى أهل الخبرة الثقاة من أطباء وغيرهم، والقرن،
ويقال له العفل أيضا لحم أو عظم أو غدة تنبت في فرج المرأة تمنع
الزوج من الوطء أو توجب تنفره عند المجامعة.
104

[الفصل السادس]
[في بعض أحكام الشرط والخيار]
[المسألة 253:]
إذا شرط البائع على المشتري أو شرط المشتري على البائع شيئا في
ضمن عقد البيع وجب على المشروط عليه منهما الوفاء بذلك الشئ إذا
كان جامعا للشرائط الآتي ذكرها. ومثال ذلك أن يبيع الرجل دارا على
شخص آخر بثمن معين، ويشترط البائع على المشتري في ضمن عقد
البيع أن يسكن البائع الدار المبيعة شهرا أو شهرين مثلا، فيجب على
المشتري أن يفي للبائع بما شرط عليه فيمكنه من سكنى الدار المدة
المعلومة.
وكذلك الحكم إذا شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا في ضمن
عقد لازم آخر غير البيع كالنكاح والإجازة والصلح والهبة اللازمة أو
أي عقد لازم آخر، فيجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط المأخوذ
في ضمن العقد اللازم كما يجب الوفاء بالعقد اللازم نفسه ولا يختص
الحكم بالبيع.
[المسألة 254:]
لا ينفذ الشرط ولا يجب الوفاء به إذا كان مخالفا للكتاب والسنة،
والمراد بما يخالف الكتاب والسنة أن يكون الشئ المشروط فعله أو
المشروط تركه غير جائز في حكم شريعة الاسلام، فلا ينفذ الشرط ولا
يجب الوفاء به إذا شرط عليه ترك واجب ثبت وجوبه بحجة شرعية في
الاسلام أو شرط عليه فعل محرم ثبت تحريمه بحجة شرعية كذلك، سواء
كان المحرم صغير أم كبيرا.
ومثال ذلك أن يبيع الرجل على غيره شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه
امرأة ويشترط عليه في ضمن العقد الجاري بينهما أن يترك صلاة
واجبة أو صوما واجبا أو أي شئ واجب ثبت وجوبه على الانسان بحجة
شرعية، أو يشترط عليه أن يفعل محرما قد ثبت تحريمه كذلك وإن
كان المحرم صغيرا كما ذكرناه.
105

وتحصل مخالفة الكتاب والسنة كذلك إذا اشترط عليه أن تتحقق
نتيجة أو يثبت شئ لم يشرع وجوده في الاسلام، أو اشترط عليه أن
تنتفي نتيجة أو أمر يعلم بثبوته وتحققه في الاسلام، ومثال ذلك أن
يبيعه شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه امرأة، ويشترط عليه أن يكون
ماله بعد موته ميراثا لغير وارثه الشرعي، أو يشترط عليه أن لا يرجع
ميراثه من بعده إلى ورثته الشرعيين، أو يزوج الحر ابنته أو أمته
ويشترط عليه في عقد التزويج أن تكون أولاده منها أرقاء مماليك
فلا يصح الشرط ولا يجب الوفاء به في جميع هذه الموارد.
[المسألة 255:]
لا ينفذ الشرط ولا يجب الوفاء به إذا كان منافيا لمقتضى العقد الذي
أخذ في ضمنه، ومثال ذلك أن يشتري الانسان من غيره شيئا ويشترط
على البائع أن البيع من غير ثمن، أو يستأجر منه داره ويشترط عليه
أن الدار بلا أجرة، أو يزوجه امرأة معينة ويشترط أحد المتعاقدين
على صاحبه أن تكون الزوجة غير المعقودة، أو يشترط أن يكون الزوج
غير من عقد له، أو أن يكون المهر ملكا للزوج فلا يكون الشرط في
جميع ذلك نافذا ولا واجب الوفاء.
[المسألة 256:]
يشترط في نفوذ الشرط وفي وجوب الوفاء به أن يكون مأخوذا في
ضمن أحد العقود، وأخذه في ضمن العقد قد يكون بذكره في العقد
ذكرا صريحا، وقد يكون بذكر الشرط أولا ثم ايقاع العقد بعده من
غير فصل طويل بينهما بحيث يفهم من ذلك أن يكون العقد مبنيا على
الشرط، وقد يكون بدلالة القرائن العامة أو الخاصة على إرادته في
ضمن العقد.
ولا يلزم الوفاء بالشرط إذا ذكر مجردا عن عقد، ولا يلزم الوفاء
به إذا ذكر قبل العقد ولم يبتن العقد عليه.
[المسألة 257:]
إذا شك في أن العقد وقع مبنيا على الشرط أم لا، فلا يترك الاحتياط
106

بالتصالح بين المتعاقدين، أو بالتقايل ثم تجديد العقد مع الشرط أو
بدونه كما يريدان.
[المسألة 258:]
الظاهر وجوب الوفاء بالشرط إذا اشترط في ضمن أحد العقود الجائزة
ما دام العقد الذي أخذ فيه موجودا، فإذا فسخ العقد بين المتعاقدين سقط
وجوب الوفاء بالشرط بتبعه.
[المسألة 259:]
يشترط في لزوم الشرط ووجوب الوفاء به أن يكون مقدورا عليه
في وقت تسليمه إذا لا لزوم ولا وجوب لغير المقدور، بل قال بعض
الأساتذة الأكابر: لو علم عدم القدرة على الشرط لم يمكن انشاء
الالتزام به.
[المسألة 260:]
يعتبر - على الأحوط لزوما، في الشرط - أن يكون غير مجهول،
سواء كانت الجهالة فيه توجب أن يكون عقد البيع الذي وقع فيه ذلك
الشرط غرريا، أم لم توجب ذلك، فلا يذكر المتعاقدان في العقد الذي
يجريانه بينهما شرطا مجهولا، وإذا هما ذكرا في ضمنه شرطا مجهولا،
وكانت الجهالة في الشرط توجب الجهالة في عقد البيع نفسه كان العقد
فاسدا، وفسد بتبعه الشرط وإذا كانت الجهالة في الشرط لا توجب
جهالة في البيع رجعا إلى الاحتياط في الشرط نفسه بالمصالحة عنه.
[المسألة 261:]
الظاهر صحة الشرط ونفوذه حتى إذا وقع معلقا، فلا يشترط في
صحته التنجيز، ومثال ذلك أن يبيع النجفي دارا يملكها في كربلاء،
ويشترط البائع على المشتري أن له السكنى في الدار شهرا إذا اتفق له
فسافر إلى كربلاء في شهر ذي الحجة أو في شهر محرم، فيصح الشرط
ويجب على المشتري الوفاء به فيمكنه من سكنى الدار إذا حصل الأمر
الذي علق شرطه عليه.
107

[المسألة 262:]
يجوز للانسان أن يبيع مالا على غيره، ثم يبيع المشتري ذلك المال
على بائعه الأول بعد أن اشتراه منه إذا لم يشترط البائع أو المشتري
ذلك في البيع الأول، سواء كان الثمن الثاني مثل الثمن الأول أم أقل
منه أم أكثر.
وإذا باع الانسان على غيره مالا، وشرط البائع على المشتري في ضمن
العقد أن يبيعه منه بعد شرائه أو شرط المشتري على البائع في ضمن
العقد أن يشتريه منه، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، سواء كان في
الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم بأكثر منه أم
بمثله أم لم يشترط في الثمن شيئا.
[المسألة 263:]
إذا شرط أحد المتعاقدين على صاحبه شرطا في ضمن أحد العقود،
وفسد الشرط لاختلال بعض شروط الصحة فيه لم يفسد أصل العقد
بفساد الشرط، بل يلغى الشرط خاصة ويجب الوفاء بالعقد.
[المسألة 264:]
إذا توفرت الشروط في الشرط المأخوذ في ضمن العقد صح ووجب
على المشروط عليه أن يفي به، فإذا هو امتنع من فعله، جاز للمشروط
له أن يجبره على فعله، فإذا تعذر عليه أن يجبره على فعل الشرط كان
للمشروط له الخيار في فسخ العقد، والأحوط لزوما أن لا يأخذ
المشروط له بالخيار إلا بعد تعذر اجبار صاحبه على فعل الشرط.
[المسألة 265:]
إذا كان فعل الشرط مقدورا عليه حين اشتراطه في ضمن العقد،
ثم تعذر على المشروط عليه فلم يستطع الوفاء به كما إذا مرض فلم
يتمكن من أداء الصوم الذي شرط عليه أداءه أو تلف الثوب فلم يستطع
خياطته أو صبغه الذي شرطه عليه، ثبت للمشروط له الخيار في أصل
العقد فيجوز له فسخه وامضاؤه.
108

[المسألة 266:]
إذا ثبت حق الخيار لانسان ثم مات قبل أن يأخذ بخياره، ولم يسقط
بأحد السقطات انتقل خياره بعد موته إلى ورثته، وجرت عليه أحكام
المواريث، فلا يرث منه القاتل ولا الكافر ولا العبد المملوك كما
لا يرثون من سائر أموال التركة، ويمنع الأقرب من الوارثين الأبعد
منهم في إرث حق الخيار كما يمنعه في إرث الأموال، ويحجب الوارث عن
إرثه من حق الخيار ما يحجبه عن إرث سائر المال، وتقسم السهام فيه
على أصحاب السهام كما تقسم فيها.
[المسألة 267:]
إذا كان المال الذي تعلق به الخيار مما يحرم منه بعض الورثة، فهل
يحرم ذلك الوارث من إرث الخيار كما يحرم من إرث ذلك المال أو لا
يحرم منه؟ ومثال ذلك أن يشتري الانسان أرضا ويكون له حق الخيار
في شرائها، لغبن أو وجود عيب أو شرط، أو يبيع أرضا ويكون له
الخيار في بيعها كذلك ثم يموت صاحب الخيار فهل ترث زوجته من
خياره في الأرض أو تحرم منه كما تحرم من أرث الأرض؟
ومثال ذلك أيضا أن يبيع الرجل من أمواله أعيان الحبوة التي
يختص بها ولده الذكر الأكبر ولا يرث منها غيره، ويكون له الخيار
في بيعها، أو يشتريها ويكون له الخيار في شرائها ثم يموت الرجل قبل
أن يأخذ بخياره فهل يحرم غير الوالد الذكر الأكبر من ميراث الخيار كما
يحرم من إرث الحبوة أو لا يحرم منه؟ الأقرب حرمان ذلك الوارث من
إرث الخيار إذا كان المال الذي تعلق به الخيار منتقلا عن الميت، ولا
يحرم من إرث الخيار إذا كان المال منتقلا إليه، فإذا باع الرجل أرضه
وكان له الخيار في بيعها ثم مات لم ترث زوجته من خياره في بيعها، وإذا
اشترى أرضا من غيره وكان له الخيار في شرائها ورثت الزوجة من
خياره في شرائها كسائر الورثة.
وكذلك الحكم إذا باع الرجل أعيان الحبوة أو اشتراها مع الخيار
ثم مات، فلا يرث غير الولد الذكر الأكبر من الخيار في الصورة الأولى،
ويرث منه في الصورة الثانية.
109

[المسألة 268:]
إذا مات صاحب الخيار وكان له ورثة متعددون ثبت لكل واحد منهم
الخيار مستقلا في حصته خاصة، وقد تقدم قريبا إن سهام الورثة في
إرثهم من الخيار تكون على مقادير سهامهم في ميراث المال، ونتيجة لذلك
فيجوز لكل فرد من الورثة أن يفسخ العقد في حصته، ويجوز له أن
يمضي العقد فيها.
ولا يؤثر فسخه العقد في صحته شيئا إلا إذا رضي من عليه الخيار
بذلك، فينفسخ العقد حين ذاك في حصته خاصة، ولا ينفسخ العقد في
الجميع حتى يتفق جميع الورثة فيفسخ كل فرد منهم في حصته، فينفسخ
العقد في الجميع سواء رضي من عليه الخيار أم لم يرض.
[المسألة 269:]
إذا اتفق الورثة ففسخوا البيع الذي عقده مورثهم، وجب عليهم
أن يردوا الثمن على المشتري، فإذا كانت عين الثمن موجودة وجب عليهم
دفع العين إليه وإذا كانت تالفة أو منتقلة عن ملكهم بناقل شرعي وجب
عليهم رد بدلها وهو المثل أو القيمة من تركة الميت، فإن الثمن بعد
الفسخ بعض ديونه، وإذا فسخ بعض الورثة في حصته ولم يفسخ
الآخرون منهم ورضي المشتري بذلك، وجب على الفاسخ بل على الورثة
أيضا أن يدفعوا ثمن الحصة من العين إذا كانت موجودة وإذا كانت العين
تالفة أو منتقلة عن ملكهم فالأحوط الرجوع إلى المصالحة في اخراج ثمن
الحصة من التركة أو من حصة الفاسخ خاصة.
[المسألة 270:]
إذا جعل المتعاقدان الخيار في العقد لشخص آخر غيرهما أو شرط
أحد المتعاقدين ذلك وقبل به الآخر - كما ذكرناه في المسألة المائة
والتاسعة والخمسين، ثم مات الشخص الأجنبي الذي جعل له الخيار
لم ينتقل حق الخيار منه إلى وارثه من بعده، إلا إذا علم أن الخيار في
العقد قد جعل حقا لذلك الأجنبي على كل حال سواء كان حيا أم ميتا،
فإذا علم ذلك أنتقل الخيار بعد موته إلى وارثه وإن كان الفرض بعيدا.
110

[المسألة 271:]
إذا تلف الشئ المبيع في مدة الخيار وقبل انتهائها، فإن كان الخيار
الذي حصل فيه التلف هو خيار الحيوان، فالظاهر أن تلف المبيع فيه
يكون من مال البائع، وكذلك الحكم إذا كان الخيار الذي وقع التلف
فيه هو خيار الشرط للمشتري، فيكون تلف المبيع من مال البائع أيضا.
وإذا كان الخيار هو خيار الشرط للبائع، فالظاهر أن تلف المبيع
في زمانه يكون من مال المشتري.
وإذا كان الخيار هو خيار المجلس، فهل يكون تلف المبيع في زمانه
بعد القبض من مال المشتري أيضا؟. فيه اشكال.
[الفصل السابع]
[في ما يدخل في المبيع]
[المسألة 272:]
إذا باع الانسان على غيره شيئا وأطلق المتعاقدان اسم ذلك المبيع
بينهما ولم يذكرا ما يدل على عموم أو خصوص، دخل في البيع كل
ما يدل عليه اسم ذلك الشئ بحسب المتفاهم العرفي بين الناس، وما تدل
القرائن العامة أو الخاصة بينهم على دخوله فيه من أجزاء أو توابع أو
غير ذلك، مما جرى التعارف أو العادة على شمول الاسم أو البيع له،
وهذا هو ما يقصده المتعاقدان بحسب ارتكازهما الاجمالي عند اجراء
المعاملة على الشئ وإن لم يلتفتا إليه على وجه التفصيل.
[المسألة 273:]
إذا باع الرجل على غيره بستانا، دخلت في المبيع أرض البستان وما
فيه من نخيل وشجر وفسيل، وما حوطه من جدار أو خص أو أسلاك
أو غير ذلك مما جرت به العادة في تسوير البساتين وما يكون للسور
المحيط به من أبواب ومنافذ واغلاق للأبواب، وما في البستان من بئر
أو عين خاصة أو نهر أو ساقية أو حوض أو مجاري لاخراج المياه التي
تنفصل من الأرض والأشجار، وكالناعور ووسائل السقي وأدواتها
111

إذا جرت العادة بدخولها في اسم المبيع، والأبنية التي تنشأ في البستان
لبعض مرافقه ومصالحه والعرائش التي تجعل للكرم وبعض الأشجار
المتسلقة، والحضيرة وهو الموضع الذي يعد لجمع التمر وتشميسه
وتصفيته وقد يستعمل لغير التمر من الثمار، وما أشبه ذلك من
التوابع والمرافق التي تلحق بالبستان عرفا أو عادة، وقد تختلف البلاد
أو العادات في ذلك فيلحق كلا حكمه.
[المسألة 274:]
إذا باع الرجل على غيره أرضا، فالظاهر أن النخيل والشجر الذي
يوجد في الأرض لا يدخل في اسم المبيع عرفا ولا يكون له تابعا فلا يشمله
البيع إلا مع اشتراط دخوله، وإذا باعه دابة أو بقرة أو غيرهما من
إناث الحيوان وكانت حاملا، أو باعه شجرة وكانت مثمرة، فلعل
المتعارف بين الناس أن يدخل الحمل في بيع الأم وأن تدخل الثمرة في
بيع الشجرة، فإذا ثبت هذا التعارف كان قرينة على دخولهما في المبيع،
وإلا فلا يشملهما البيع، فلا بد من الملاحظة.
[المسألة 275:]
إذا باع الرجل على غيره نخلا وعليه ثمر، فإن كان ثمر النخل قد
أبر أي لقح فهو للبائع وإن لم يلقح بعد فالثمر للمشتري، وهذا
التفصيل يختص ببيع النخل، فإذا باع غير النخل من أنواع الشجر
وكان له ثمر، فثمره للبائع سواء أبر أم لم يؤبر، وكذلك الحكم إذا
نقل النخل إلى ملك غيره بغير البيع من النواقل الشرعية كالصلح والهبة،
فإن ثمر النخل يكون للناقل سواء لقح أم لم يلقح، وإذا دلت القرينة
العامة أو الخاصة على دخول الثمر في البيع شمله وكان للمشتري وقد
ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة.
[المسألة 276:]
إذا باع الرجل على غيره نخيلا أو شجرا وبقي الثمر ملكا للبائع،
واحتاج الثمر إلى السقي، جاز للبائع أن يسقيه، سواء كان قد اشترط
في العقد على المشتري أن تبقى الثمرة على أصولها أم لم يشترط عليه
112

ذلك، وليس للمشتري أن يمنعه من السقي في كلتا الصورتين، وإذا
احتاجت الأصول إلى السقي، جاز للمشتري أن يسقيها، وليس للبائع
منعه، هذا إذا لم يتضرر الآخر بالسقي.
وإذا كان السقي مضرا بأحدهما وترك السقي مضرا بالآخر، فإن
كان البائع قد شرط على المشتري في ضمن العقد أن تبقى الثمرة على
أصولها إلى أوان جذاذها، وقبل المشتري بشرطه، فالظاهر تقديم حق
البائع، وإن لم يشترط عليه ذلك، فالأحوط ايقاع المصالحة بينهما
ولو بالمعاوضة عن بعض الأضرار.
[المسألة 277:]
إذا باع الشخص على غيره بستانا، واستثنى لنفسه من البستان
نخلة أو نحوها، فللبائع حق المرور إلى نخلته والخروج منها، وله من
أرض البستان مدى جرائد النخلة ومسرى عروقها فيها، ولا يجوز
للمشتري أن يمنعه عن شئ من ذلك، فيصد الجرائد أو العروق عن
أخذ مداها، أو يمنع الرجل عن الدخول إلى نخلته والخروج منها.
[المسألة 278:]
إذا باع الانسان على أحد دارا، دخل في اسم المبيع أرض الدار
وبناؤها، ما علا من البناء وما سفل، إلا أن تدل الأمارات على
استقلال أحدهما عن الآخر وعدم التبعية له فلا يدخل أحدهما في بيع
الآخر حين ذاك.
ومثال ذلك أن تكون الدار المبيعة في الطابق الأسفل من البناية،
ويكون الطابق الأعلى دارا أخرى مستقلة بمدخلها ومخرجها ومرافقها،
أو يكون فندقا للنزلاء، أو شققا معدة للإجارة، أو محلات معدة للتجارة.
أو تكون الدار المبيعة في الطابق الأعلى، ويكون الطابق الأدنى
دكاكين وحوانيت ومواضع للإجارة أو فندقا أو ما يشبه ذلك.
ويدخل في بيع الدار السرداب والنفق الذي يوجد فيها، والأبواب
والشبابيك والرواشن والسلالم المثبتة، والأخشاب والحديد الذي
يستدخل في البناء أو يجعل دعائم تعتمد عليها السقوف، ويدخل في
113

بيعها ما يوجد فيها من نخيل أو شجر، والحديقة التابعة للدار،
المتعارف وجودها في المنازل الغربية الوضع، والمجالس التي تعد
لاستقبال الضيوف والزوار الرجال، وتدخل في بيعها الأسلاك الكهربائية
وأنابيب الماء والحنفيات والمغاسل المثبتة، ونحو ذلك من التوابع،
إلا أن تدل القرينة على الاستقلال وعدم التبعية في بعض ما ذكر، أو
يشترط البائع عدم دخوله في البيع.
[المسألة 279:]
لا تدخل في بيع الأرض الأحجار التي توجد مدفونة فيها ولا الكنوز
التي قد توجد مستودعة فيها، ولا يشمل بيعها المعادن الجوفية التي
توجد في أعماق الأرض ولا تعد من توابع الأرض في نظر أهل العرف،
نعم يشمل بيع الأرض ما يتكون فيها من أحجار ومعادن إذا كانت
من توابع الأرض في نظر أهل العرف.
[الفصل الثامن]
[في التسليم والقبض]
[المسألة 280:]
إذا تم عقد البيع بين البائع والمشتري وجب عليهما تسليم العوضين
اللذين وقعت المبادلة بينهما، فيجب على البائع تسليم المبيع إلى المشتري،
ويجب على المشتري تسليم الثمن إلى البائع، إلا إذا شرط أحدهما على
صاحبه أن يؤخر تسليم العوض إليه، فينفذ له شرطه.
ولا يجوز للبائع ولا للمشتري أن يؤخر التسليم مع عدم الشرط
إلا إذا رضي له صاحبه بالتأخير، أو كان معذورا في ذلك.
[المسألة 281:]
إذا امتنع المتبايعان عن تسليم العوضين من غير شرط ولا عذر أجبرا
على التسليم، وإذا امتنع أحدهما عن التسليم من غير شرط ولا عذر،
مع بذل صاحبه العوض الذي عنده أجبر الممتنع.
114

[المسألة 282:]
إذا شرط أحد المتبائعين على صاحبه في ضمن العقد أن يؤخر التسليم
مدة، وقبل الآخر بذلك ثبت له شرطه وجاز له التأخير كما تقدم، ولا بد
وأن تكون مدة التأخير المشترطة معينة معلومة عند الطرفين، وإذا هو
أخر التسليم من قبله مع الشرط، فليس للآخر أن يمتنع على تسليم
ما لديه.
[المسألة 283:]
إذا انقضت المدة التي اشترط البائع أو المشتري فيها تأخير التسليم
من قبله، واستمر على عدم التسليم بعد انقضاء مدة شرطه من غير عذر،
جاز للآخر أن يمتنع عن تسليم العوض الذي عنده إذا لم يكن قد سلمه
إياه من قبل.
[المسألة 284:]
يجوز للبائع أن يشترط لنفسه على المشتري أن ينتفع بالمبيع مدة،
فيسكن الدار المبيعة مثلا أو يزرع الأرض المبيعة، أو يركب الدابة
أو السيارة المبيعة، أو يستخدم المملوك المبيع فإذا قبل المشتري بشرطه
نفذ ووجب على المشتري الوفاء به، ولا بد وأن تكون مدة الانتفاع
المشترطة معينة معلومة عند الطرفين.
وإذا كان الثمن في المعاملة شخصيا معينا وكانت له منافع معلومة،
جاز للمشتري كذلك أن يشترط لنفسه على البائع أن ينتفع بالثمن
مدة معلومة على نهج ما تقدم في المبيع.
[المسألة 285:]
القبض يعني استيلاء القابض على الشئ ووضع يده عليه، ولا
فرق في ذلك بين المنقول من الأشياء وغير المنقول منها، وإن اختلف
الأمر في الافراد باختلاف الشئ المستولي عليه، فالاستيلاء على الثوب
أو على الحيوان مثلا يحصل بأخذه باليد أو أخذ زمامه أو امساك حبله،
وكذلك الاستيلاء على الدينار أو على الكتاب أو على السيارة، أو على
سائر المنقولات. والاستيلاء على الدار أو على الحانوت أو البستان
يتحقق بالتسلط الخارجي على التصرف فيها. هذا من ناحية القابض.
115

وأما من ناحية الدافع، فالتسليم أو الاقباض يعني دفع الشئ إلى
صاحبه، من غير فرق كذلك بين المنقول من الأشياء وغير المنقول، ودفع
الشئ إلى صاحبه قد يحصل في بعض الأشياء بتسليمه إليه باليد كما في
الثوب والحيوان والكتاب والدينار والسيارة ونحو ذلك، وقد يتحقق
بتسليط صاحب الشئ عليه تسليطا خارجيا، بأن يرفع الدافع يده عن
الشئ ويأذن للقابض في التصرف فيه كيف يريد، ويرفع عنه المنافيات
الأخرى حتى يصبح في نظر العقلاء مستوليا على الشئ استيلاءا كاملا
ومتسلطا على التصرف فيه، وهذا في الأشياء غير المنقولة كالدار
والبستان والحانوت وأمثالها، وهذا هو المقدار المعتبر من التخلية في
تحقق معنى الاقباض والتسليم، ولا يكفي من التخلية ما يكون أقل من
ذلك. ومن هذا التفصيل قد اتضح المراد من التسليم الواجب على
المتبائعين في المنقول من الأشياء وغير المنقول منها.
[المسألة 286:]
إذا تم عقد البيع بين البائع والمشتري ملك كل منهما المال الذي
انتقل إليه بالبيع، فيصبح المال المبيع ملكا للمشتري ويملك جميع
نمائه ونتاجه الذي يتجدد بعد البيع، سواء قبض الأصل من البائع
أم لم يقبضه، بل وإن تلف الأصل قبل أن يقبضه من البائع.
وكذلك الحكم في الثمن فيصبح بعد أن يتم البيع ملكا للبائع، ويملك
جميع نتاجه ونمائه، فإذا كان الثمن شخصيا معينا وتجدد له بعد البيع
نماء أو نتاج فهو ملك للبائع سواء قبض أصل الثمن من المشتري أم
لم يقبضه، وسواء تلف أصل الثمن بعد النمو والنتاج أم لم يتلف،
بل وإن تلف الأصل قبل قبضه من المشتري، وإذا كان الثمن كليا في
الذمة فلا يتعين الفرد الخارجي للمشتري إلا بعد التعيين، فإذا تعين
وقبضه المشتري ملك ما يتجدد بعد ذلك من نمائه ونتاجه.
[المسألة 287:]
إذا تلف المال المبيع قبل أن يقبضه المشتري من البائع انفسخ عقد
البيع ورجع كل من المالين إلى ملك مالكه الأول، فيرجع المبيع إلى ملك
116

البائع ويكون تلفه عليه، ويرجع الثمن إلى المشتري ولا يرجع معهما
النماء الذي تجدد لهما قبل انفساخ العقد فنماء المبيع الذي حصل منه
في تلك الفترة لا يزال ملكا للمشتري ولا يرجع مع أصل المبيع إلى ملك
البائع، ونماء الثمن الذي حصل منه في تلك الآونة لا يزال ملكا للبائع
ولا يرجع بعد انفساخ البيع مع أصل الثمن إلى ملك المشتري.
وكذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول إلى المال المبيع قبل قبضه من
البائع كما إذا سرقه سارق أو غصبه غاصب أو غرق في بحر وكما إذا
شرد الجمل أو أبق العبد أو أفلت الطائر فلا يمكن العثور عليه، فينفسخ
البيع ويكون في حكم التلف من مال البائع.
[المسألة 288:]
إذا كان الثمن شخصيا معينا وتلف قبل أن يقبضه البائع من المشتري
انفسخ عقد البيع ورجع كل من الثمن والمثمن إلى ملك مالكه الأول،
فيعود الثمن ملكا للمشتري ويكون تلفه عليه ويجري في هذا الفرض
جميع ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من الأحكام والآثار سواء بسواء،
وكذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول إلى الثمن الشخصي كما إذا غصب
أو نهب أو غرق قبل قبضه من المشتري وقد تقدم بيانه في المسألة
السابقة أيضا.
[المسألة 289:]
ما ذكرناه من الأحكام في تلف المبيع قبل قبضه من بائعه إنما تترتب
في ما إذا كان التلف بإحدى الآفات الموجبة للتلف، ولا تعم ما إذا وقع
التلف بعمل البائع نفسه أو بصنع أحد أجنبي يمكن رجوع المشتري
إليه وأخذ بدل الشئ التالف منه، فإن الظاهر صحة العقد في هاتين
الصورتين وللمشتري أن يرجع على البائع في الصورة الأولى، وعلى
المتلف الأجنبي في الصورة الثانية بمثل الشئ التالف إذا كان مثليا
وبقيمته يوم التلف إذا كان قيميا.
وكذلك الحكم في الثمن الشخصي إذا أتلفه المشتري نفسه قبل قبضه
منه أو أتلفه أجنبي يمكن الرجوع عليه ببدل التالف فلا ينفسخ العقد
بل يصح البيع ويكون للبائع الرجوع على من أتلف الثمن بالمثل أو القيمة.
117

[المسألة 290:]
إذا تحقق القبض على الوجه الذي تقدم منا بيانه في المسألة المائتين
والخامسة والثمانين وحصل الاستيلاء عرفا على الشئ ترتبت أحكام
القبض، وخرج به الشئ عن ضمان بائعه فلا يكون تلف المبيع بعد
ذلك من مال البائع، ولا يكون تلف الثمن الشخصي بعد ذلك من مال
المشتري.
ويكفي في تحقق القبض أيضا أن يسلم البائع المال المبيع إلى الوكيل
المفوض من قبل المشتري، وأن يسلم المشتري الثمن إلى الوكيل المفوض
من قبل البائع، ويكفي أن يأمره المشتري بأن يسلم المال إلى رجل معين،
فإذا دفع البائع المال إلى ذلك الشخص فقد حصل القبض، وبرئت ذمة
البائع، ويكفي كذلك أن يأمره المشتري بأن يرسل المال إلى موضع معين،
متجر، أو مصرف، أو بنك في البلد، أو إلى موضع معين في بلد آخر،
فإذا أرسل البائع المال أو أرسله وكيله المفوض منه إلى الموضع الخاص
واطمأن بوصوله فقد حصل القبض، وكذلك الحكم في قبض البائع
الثمن.
[المسألة 291:]
إذا باع الشخص على غيره شيئين أو عدة أشياء وتلف بعض الأشياء
المبيعة قبل قبضها ولم يتلف الباقي منها، تبعض العقد، فانفسخ البيع
في خصوص الشئ التالف، ورجعت حصة ذلك التالف من الثمن إلى
المشتري، وكان تلف ذلك المبيع من مال بائعه، وصح البيع في الأشياء
الباقية التي لم تتلف بما يخصها من الثمن، وثبت للمشتري فيها الخيار،
لتبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ العقد، فيرد الأشياء المذكورة غير
التالفة على بائعها، ويسترد منه حصتها من الثمن، ويجوز له أن يرضى
بالبيع في هذه الأشياء غير التالفة بحصتها من الثمن.
[المسألة 292:]
إذا حدث في المال المبيع أحد العيوب بعد العقد وقبل أن يقبضه
المشتري من بائعه فقد ذكرنا في المسألة المائتين والخامسة والأربعين إن
118

الحكم في هذا العيب مشكل في جميع فروض المسألة فلا يترك الاحتياط
بالرجوع إلى المصالحة في جميعها.
ويستثنى من ذلك فرض واحد، وهو ما إذا كان حدوث العيب في المال
بفعل المشتري نفسه، فلا يكون للعيب أثر، فيكون بيع البائع لازما
ولا خيار فيه للمشتري.
[المسألة 293:]
يجب على البائع أن يخلي المبيع عند تسليمه من أثاثه وأمتعته، ومن
أي شئ يمنع المشتري أو يزاحمه في تصرفاته في المبيع، فعليه أن يفرغ
الدار المبيعة والحانوت المبيع والفندق المبيع مما فيها من أثاث وأمتعة
وفرش وأجهزة وأدوات وآلات وحوائج لا تدخل في المبيع ولا يشملها
البيع. وإذا كانت الدار أو المحل مبلطا بحجارة واشترط البائع عدم
دخولها في المبيع وجب عليه قلعها واخراجها وتسوية الأرض، وكذلك
إذا كان له في الأرض شئ مدفون، حجارة أو حديد أو غير ذلك مما
يمنع عن الزراعة أو البناء فيها أو يمنع الانتفاع بها بوجه آخر أو
كان البائع قد اشترط عدم شمول البيع له فيجب عليه اخراجه وتسوية
الأرض وطم حفرها.
[المسألة 294:]
إذا احتاج البائع في اخراج بعض الأثاث أو الأشياء من المنزل أو
المحل المبيع إلى هدم بعض جدرانه، هدمه وأخرج أثاثه ووجب عليه
بعد ذلك تعمير البناء واصلاح ما استهدم.
[المسألة 295:]
إذا كان البستان المبيع مشغولا بزرع للبائع، فإن كان قد حل أوان
حصاد الزرع وجب على البائع حصاده واخلاء الموضع منه، وإذا كانت
للغرس أو الزرع جذور تضر بزراعة البستان والانتفاع به بعد ذلك
وجب على البائع استيصال الجذور وتنقية الأرض منها وتسوية الأرض
بعد ذلك.
وإن لم يحن وقت حصاد الزرع، فإن اشترط البائع على المشتري
119

بقاء الزرع في الأرض مع الأجرة أو بدونها وجب العمل بما شرط،
وإن لم يشترط عليه شيئا، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما
وخصوصا إذا كان المشتري جاهلا بوجود الزرع في البستان أو كان
جاهلا بحاجة الزرع إلى البقاء.
[المسألة 296:]
يجوز للرجل أن يبيع المال الذي اشتراه ولم يقبضه من بائعه عليه
إذا كان الشئ المبيع غير مكيل ولا موزون، سواء أراد بيعه على مالكه
الأول أم على غيره، وسواء باعه برأس ماله أم بربح.
وإذا كان الشئ المبيع مما يكال أو مما يوزن، فالظاهر جواز بيعه
أيضا قبل قبضه إذا كان بيعه تولية أي برأس ماله، والأحوط لزوما
المنع إذا كان البيع مرابحة، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره
في كلا الحكمين.
وهذا في غير مال السلف إذا أراد بيعه على بائعه أو على غيره، قبل
حلول الأجل أو بعد حلوله وقبل القبض، وسيأتي التعرض إن شاء الله
تعالى لبيان الحكم في ذلك في فصل بيع السلف.
[الفصل التاسع]
[في النقد والنسيئة]
[المسألة 297:]
إذا باع الرجل على أحد شيئا بثمن معلوم، فقد لا يجعل المتعاقدان
للثمن أجلا، فيكون الثمن حالا، سواء أطلقا العقد بينهما فلم يذكرا
للثمن أجلا، أم صرحا في العقد بعدم التأجيل ويسمى نقدا باعتبار
حلول الثمن وجواز مطالبة البائع به بعد اتمام العقد، والنقد هو
تعجيل الثمن، فإذا دفع المشتري الثمن إلى البائع معجلا فقد نقده كما
يقول اللغويون، ويوصف به البيع باعتبار نقد الثمن فيه، فيقال باع
الرجل الشئ نقدا أي بثمن
120

وقد يشترط المشتري أو البائع تأجيل الثمن، فيسمى ذلك نسيئة،
والنسيئة بمعنى التأخير والتأجيل ويوصف به البيع كذلك باعتبار تأجيل
الثمن فيه، فيقول المتعاملون باع الرجل متاعه نسيئة، أي بثمن مؤجل.
[المسألة 298:]
إذا باع الرجل على غيره متاعا، ولم يشترط البائع أو المشتري على
صاحبه في العقد أن يكون الثمن مؤجلا كان الثمن حالا، فيجوز للبائع
بعد أن يتم العقد بينه وبين المشتري، وبعد أن يدفع إليه المبيع: أن
يطالبه بالثمن فعلا وفي أي وقت أراد، وإذا طالب البائع المشتري
بالثمن وجب على المشتري دفعه إليه، ولم يجز له الامتناع عنه إلا إذا
امتنع البائع عن تسليم المبيع إليه من غير عذر ولا شرط، وإذا دفع
المشتري إلى البائع الثمن بعد انتهاء العقد وجب على البائع أخذه، ولم
يجز له أن يمتنع من قبضه.
[المسألة 299:]
إذا شرط المشتري في ضمن العقد تأجيل الثمن كان نسيئة، فلا
يجوز للبائع أن يطالب المشتري بالثمن قبل حلول الأجل المعين بينهما،
وفاءا بالشرط، ولا يجب على المشتري أن يدفع الثمن للبائع قبل حلول
الأجل وإن طالبه به البائع.
[المسألة 300:]
إذا اشترط المشتري على البائع تأجيل الثمن، ثم دفع إليه الثمن
قبل حضور أجله فالظاهر وجب أخذه على البائع إلا أن تكون على البائع
في أخذه منه قبل الأجل منة لا يتحملها، أو دل القرائن على أن تأجيل
الثمن في المقام حق من حقوق البائع كما هو حق للمشتري، فلا يجب
عليه أخذ الثمن حين ذلك.
[المسألة 301:]
إذا اشترط في العقد تأجيل الثمن، فلا بد من أن يعين له أجلا
ولا بد من أن يكون الأجل محددا مضبوطا من الزيادة والنقصان،
فلا يصح أن يشترط التأجيل ولا يعين له أجلا، ولا يصح أن يعين أجلا
121

يتردد بين الزيادة والنقصان، ومثال ذلك أن يؤجل دفع الثمن إلى أن
يقدم زيد من سفره، أو إلى يوم حصاد الزرع أو إلى حين بيع التمر
أو إلى وقت جذاذ الثمرة، ولا يكفي أن يذكر أجلا معينا في نفسه إلا
أن المتعاقدين يجهلان موعده، ومثال ذلك أن يشترط تأجيل الثمن إلى
أول يوم من برج الحمل أو إلى أول يوم من برج الميزان أو إلى أول يوم
من السنة الميلادية فلا يصح إذا جهل المتعاقدان موعد ذلك، بل ولا
يصح إذا جهله أحدهما.
[المسألة 302:]
الظاهر صحة البيع إذا اشترط فيه تأجيل دفع الثمن إلى أول يوم
من الشهر القادم وكان الشهر الحاضر مرددا بين التمام والنقصان،
بل الظاهر صحة البيع إذا جعل الأجل أول يوم من شهر رمضان المقبل
وهما في شهر رمضان الحاضر، وتردد الناقص من أيام السنة بين الأقل
والأكثر.
[المسألة 303:]
إذا باع الانسان على غيره شيئا بثمن معين يدفعه إليه نقدا، وبثمن
أكثر منه يدفعه إليه نسيئة إلى أجل مسمى وجرى الايجاب والقبول
بين المتبايعين على ذلك، فالظاهر صحة البيع بالثمن الأقل إلى المدة
المعينة، ومثال ذلك أن يبيعه داره مثلا بألف دينار يدفعه إليه معجلا،
وبألفي دينار يدفعها إليه بعد مضي سنة من يوم وقوع البيع بينهما،
ويقبل المشتري منه البيع على هذه الصورة، فيصح بيع الدار بألف
دينار مؤجلة إلى مضي سنة من اليوم المعين، وإن كان الأحوط أن
يتقايل المتبائعان من العقد الذي أوقعاه بينهما ثم ينشئا بيعا جديدا
حسب ما يريدان.
[المسألة 304:]
إذا باع الرجل على غيره شيئا بثمن معين يدفعه إليه بعد مدة معينة،
وبثمن معين آخر أكثر من الأول يدفعه إليه بعد مدة معينة هي أطول
من المدة الأولى، وجرى الايجاب والقبول بين المتبايعين على ذلك كما
122

في المسألة المتقدمة، فالظاهر عدم صحة البيع، ومثال ذلك أن ينشئ
الرجل بيع داره على المشتري بألف دينار يدفعه المشتري إليه بعد مضي
شهر من يوم العقد، وبألفي دينار يدفعهما إليه بعد مضي سنة كاملة
من يوم العقد، ويقبل المشتري منه الايجاب على هذه الصورة، فلا يصح
البيع كما قلناه.
[المسألة 305:]
إذا كان الثمن الذي اشترى الانسان به المبيع حالا، أو كان نسيئة
فحل بعد ذلك أجله، وأراد المشتري أن يزيد البائع على الثمن مبلغا
آخر من المال ليؤخره في الجميع إلى أجل فالظاهر عدم جواز ذلك،
وكذلك الحكم في كل دين حال، ومثال ذلك أن يكون الثمن الحال أو
الدين الحال ألف دينار، فيزيد المدين على المبلغ المذكور مائة دينار
ليؤجله صاحب الدين بالجميع إلى ستة أشهر أو إلى سنة، فلا يجوز
ذلك، سواء أجرى المعاملة على نحو البيع أم على نحو الصلح.
[المسألة 306:]
إذا كان الثمن الذي اشترى الانسان به الشئ المبيع مؤجلا إلى أمد
معين وأراد المشتري أن يزيد للبائع في مقدار الثمن ليزيد البائع له
في مقدار الأجل فلا يجوز له ذلك، وكذلك الحكم في كل دين مؤجل،
ومثال ذلك أن يكون الثمن الذي اشترى به المبيع ألف دينار يدفعه إلى
البائع بعد ستة أشهر أو يكون مدينا لأحد بالمبلغ المذكور إلى الأجل
المذكور، فيزيد للبائع أو للدائن على مقدار دينه مائة دينار أخرى
ليؤجله في الجميع إلى مدة سنة، فلا يجوز له ذلك في كلتا الصورتين.
[المسألة 307:]
إذا كان الثمن الذي اشترى الانسان به الشئ المبيع مؤجلا إلى مدة
معينة، جاز للمشتري أن يصالح البائع عن الثمن المؤجل الذي له في
ذمته بمبلغ هو أقل من الثمن يدفعه إليه معجلا فإذا صالحه كذلك ودفع
إليه المبلغ المعين برئت ذمته من الثمن، ويجوز للبائع أن يأخذ من
المشتري المدين له مقدارا من الثمن المذكور نقدا ويبرئ ذمته عن
الباقي منه، وكذلك الحكم في كل دين مؤجل فيصح فيه ذلك.
123

[المسألة 308:]
إذا كان المشتري مدينا للبائع بالثمن إلى أجل معين لم يجز له أن
يدفع للبائع بعض الثمن المذكور نقدا ليؤخر البائع له بقية الثمن إلى
أجل آخر هو أطول مدة من الأجل الأول، وكذلك الحكم في كل دين
مؤجل فلا يصح فيه ذلك.
[المسألة 309:]
إذا كان للرجل دين مؤجل على أحد وأراد الدائن بيع ذلك الدين
المؤجل بثمن من جنسه نقدا، والثمن المذكور أقل من الدين المبيع،
لم يصح ذلك إذا كان مما يكال أو يوزن لأنه ربا وجاز بيعه إذا كان
غير مكيل ولا موزون، سواء كان البيع على المدين نفسه أم على غيره في
كلتا الصورتين.
[المسألة 310:]
إذا اشترى الانسان الشئ نسيئة، أي بثمن قد اشترط تأخيره إلى
أجل مسمى كان الشئ ملكا له، فيجوز له بيع ذلك الشئ، ويجوز
للآخرين شراؤه منه، سواء أراد المشتري بيعه قبل حضور الأجل المسمى
لثمنه أم بعد حلوله، وسواء أراد بيعه على مالكه السابق الذي اشتراه
منه أم على غيره، وسواء كان الثمن في البيع الثاني من جنس الثمن
الأول الذي اشتراه به أم من غير جنسه، وسواء كان مساويا للثمن
الأول في المقدار أم زائدا عليه أم ناقصا عنه، وسواء كان الثمن الثاني
حالا أم مؤجلا، فيصح البيع والشراء له في جميع الصور.
[المسألة 311:]
إذا باع الانسان على غيره شيئا، واشترط البائع على المشتري في
ضمن العقد أن يبيع عليه ذلك الشئ بعد أن يملكه منه بالشراء، أو
اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد كذلك أن يشتري منه ذلك
الشئ بعد أن يملكه المشتري منه بالبيع، فلا يترك الاحتياط باجتنابه
سواء كان في الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم
بمثله أم بأكثر منه أم لم يشترط في الثمن شيئا، وقد تقدم ذكر هذا
الحكم في المسألة المائتين والثانية والستين.
124

[الفصل العاشر]
[في المرابحة وأخواتها]
[المسألة 312:]
ما تجري عليه المعاملات بين الناس في البيع والشراء يكون على
أحد أنواع.
(النوع الأول): أن يعرض البائع سلعته للبيع، فإذا ورد عليه
المشتري وسأله عن ثمن السلعة ذكر له القيمة التي يرغب في بيع السلعة
بها، فيتساومان في ذلك، فإذا هما اتفقا على مقدار الثمن جرى بينهما
عقد البيع على ذلك، ويسمى هذا النوع بالمساومة، وهو الطريقة الغالبة
في التعامل بين الناس وذكر بعض الفقهاء، أنه أفضل الأنواع، ولعل
المراد في النصوص التي استدل بها على ذلك أن المساومة أبعد الأنواع
عن الشبهة وأسلمها عما يكره.
(الثاني): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة،
ويذكر له مقدار الربح الذي يطلبه من بيعها، ويتفاهما على ذلك،
فإذا هما اتفقا على مقدار ما يأخذه البائع من الربح على السلعة جرى
العقد بينهما على ذلك، ويسمى هذا النوع بالمرابحة.
(الثالث): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة،
ويذكر له أنه لا يطلب من بيع السلعة ربحا لبعض الغايات التي يريدها،
فإذا اتفق مع المشتري على الثمن جرى العقد وباع عليه السلعة برأس
مالها، ويسمى هذا النوع بالتولية.
(الرابع): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة،
ويتفقا بعد التفاهم على أن يضع البائع للمشتري من ثمن السلعة الذي
اشتراها به شيئا ويجري العقد بينهما على ذلك ويسمى هذا النوع
بالمواضعة.
[المسألة 313:]
لا يكون البيع بيع مرابحة ولا مواضعة ولا تولية، ولا يصدق على
المعاملة أحد هذه العناوين الثلاثة حتى يعلم مقدار رأس المال وهو
125

الثمن الذي اشتري البائع به السلعة، ويحصل العلم بذلك للمشتري
إما باخبار البائع نفسه بمقدار الثمن، وإما بالعلم به من الخارج،
وإما بشهادة البينة المعتبرة به، وحتى يذكر البائع في العقد مقدار
الربح الذي اتفقا عليه في عقد بيع المرابحة ومقدار الوضيعة التي
ينقصها من الثمن للمشتري في بيع المواضعة، فيقول للمشتري: بعتك
هذا الشئ برأس ماله أو بالثمن الذي اشتريت الشئ به، وهو مائة
دينار مثلا، وزيادة خمسة دنانير، في صورة بيع المرابحة، ويقبل
المشتري منه ذلك كما أنشأ، ويقول بعتك الشئ بالثمن الذي اشتريته به
وهو مائة دينار، ونقيصة خمسة دنانير من الثمن المذكور، في صورة
بيع المواضعة، ويقبل المشتري كذلك ويقول له: بعتك الشئ بما
اشتريته به وهو مائة دينار من غير زيادة ولا نقيصة في صورة بيع
التولية، ويكفي أن يقول له في هذه الصورة بعتك الشئ بما اشتريته
به وهو مائة دينار، ويقبل المشتري منه ما أنشأ ولا يكفي أن يقول
له بعتك الشئ برأس ماله (من غير تعيين للمقدار) مع زيادة خمسة
دنانير أو مع نقيصتها أو بدون زيادة ولا نقيصة، إلا إذا علم بمقدار
رأس المال من الخارج أو شهدت البينة بمقداره كما ذكرناه.
[المسألة 314:]
كما يعتبر علم المشتري بمقدار رأس المال تفصيلا، فكذلك يعتبر علم
بائع السلعة به فإذا اشترى السلعة وكيل البائع المفوض منه، والبائع
نفسه لا يعلم مبلغ ثمنها، ثم أراد البائع بيعها من أحد مرابحة أو
مواضعة أو تولية، فلا بد من أن يعلم بمقدار الثمن، ولا يكفي أن
يقول للمشتري بعتك السلعة بما اشتراها به وكيلي مع زيادة كذا أو
مع نقيصته أو بدون زيادة ولا نقصان.
[المسألة 315:]
الظاهر أنه يكفي علم الوكيل المفوض من قبل البائع بثمن السلعة
إذا كان هو الذي يتولى بيعها على المشتري مرابحة أو مواضعة أو تولية
وكانت وكالته مطلقة شاملة لذلك، ولا يعتبر في هذه الصورة علم
المالك نفسه بمقدار الثمن، فإذا أنشأ الوكيل المطلق الوكالة عقد البيع
126

وقبل المشتري مع علمهما برأس المال صح البيع كما أرادا مع اجتماع
بقية الشروط وإن لم يعلم المالك بمقدار الثمن، ولا يكفي ذلك إذا
كان وكيلا في اجراء الصيغة خاصة، أو كان وكيلا في المعاملة الأولى
دون المعاملة الثانية.
[المسألة 316:]
إذا قال البائع للمشتري في عقد المرابحة: بعتك هذا الشئ بما
اشتريته به وهو مائة دينار وربح دينار واحد في كل عشرة دنانير من
الثمن، فإن عرف المشتري من هذا القول حين العقد إن الثمن قد بلغ
عليه مائة وعشرة دنانير، وقبل ذلك، صح البيع، وإن لم يتنبه المشتري
لذلك حال العقد واحتاج في علمه بذلك إلى تأمل في الحساب، فإن كانت
مدة التأمل قليلة لا يصدق معها عرفا أنه جاهل بالثمن، فالظاهر صحة
البيع أيضا، وإن احتاج إلى مدة يصدق معها أنه جاهل بمقدار الثمن
لم يصح البيع.
وكذلك الحكم إذا قال له في صورة بيع المواضعة: بعتك الشئ برأس
ماله وهو مائة دينار مع نقصان دينار في كل عشرة من الثمن فيصح
البيع إذا علم المشتري حين العقد إن الثمن يكون تسعين دينارا، أو
علم بذلك بعد تأمل يسير لا يصدق معه أنه جاهل بقدر الثمن، ويبطل
البيع في الصورة الأخيرة.
[المسألة 317:]
إذا كان البائع قد اشترى السلعة بثمن مؤجل وأراد بيعها مرابحة
وجب عليه أن يخبر المشتري بأجل الثمن، فإن هو ذكر له مقدار الثمن
ولم يخبره بالأجل، فالظاهر صحة البيع ويكون للمشتري من الأجل
في الثمن مثل ما كان للبائع، ولا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي.
[المسألة 318:]
إذا تعددت النقود التي تنفق في البلد، فإن دلت القرينة على النقد
المراد كان العمل عليه، فإذا قال البائع للمشتري - وهما في العراق
مثلا -: بعتك الشئ بمائة دينار، انصرف العقد إلى أن المراد الدينار
127

العراقي، وكذلك إذا كانا في الكويت أو في البحرين، فيكون التعامل
في البلد قرينة على أن المراد الثمن من عملة ذلك البلد.
وإذا تعدد النقد الذي ينفق في البلد ولم تدل القرينة على تعيين
المراد، وجب على البائع ذكر النقد، وذكر مقدار صرفه، ويجب عليه
كذلك ذكر الشروط التي أخذت عليه في بيع السلعة أو التي أخذها هو
على بائعها حينما اشتراها منه، وذكر أي شئ من ملابسات ذلك إذا
كان مما يؤثر في اختلاف الثمن.
[المسألة 319:]
إذا كان البائع قد اشترى جملة من الأمتعة والسلع صفقة واحدة
بثمن واحد، جاز له أن يبيع الجميع مرابحة بعقد واحد، فيعرض على
المشتري جميع السلع والأمتعة المبيعة ويخبره بمقدار الثمن الذي
اشتراها به ويعين له مقدار الربح ويجري معه العقد على ذلك، ولا
يجوز له أن يفرد بعض السلع المبيعة عن بعض في التقويم، ونسبة
قيمة البعض إلى قيمة المجموع ويبيعها مرابحة كذلك، إلا أن يعلم
المشتري بذلك ويرضى به.
[المسألة 320:]
إذا اشترى الانسان أرضا أو دارا أو شيئا آخر بثمن معين، ولم
يحدث في المبيع شيئا أو عملا يوجب زيادة قيمته، فلم يزد في الدار
بناءا ولم يزرع في الأرض ولم يغرس فيها ولم يصغ الذهب أو الفضة،
فالثمن الذي اشترى به المبيع هو رأس ماله، فيجوز له إذا أراد بيعه
مرابحة أو مواضعة أو تولية أن يقول للمشتري: اشتريت المال بكذا
دينارا، أو يقول: رأس مالي فيه كذا: أو يقول هو علي بكذا أو
يقول تقوم علي بكذا، ثم يذكر الربح الذي يطلبه من المشتري، أو
النقيصة التي يضعها له من الثمن، أو يذكر أنه يبيعه إياه برأس
المال دون ربح أو خسران.
[المسألة 321:]
إذا اشترى الانسان سلعة بثمن معين، ثم عمل فيها عملا، فصاغ
الذهب أو الفضة أو طحن الحنطة أو خاط الثوب أو نسج الغزل،
128

وكان العمل بأجرة للغير أو جعالة أو صلح، فلا يجوز له أن يجعل الأجرة
التي دفعها للعمل أو الجعالة أو بدل الصلح جزاء من الثمن، فإذا كان
ثمن الشئ مائة دينار وكانت أجرة العمل عشرة دنانير، فلا يجوز له
عند بيع المرابحة أن يقول للمشتري بعتك الشئ بما اشتريته به وهو
مائة وعشرة دنانير، والأحوط إذا لم يكن هو الأقوى أن لا يقول له
أيضا: بعتك الشئ برأس ماله وهو مائة وعشرة دنانير، بل يقول له
بعتك الشئ بما تقوم به علي، أو يقول بعتك الشئ بما هو علي،
وهو كذا دينارا.
وإذا كان بعمل نفسه ولم يدفع فيه أجرة أو غيرها لم يجز له جميع
ما تقدم، بل يقول للمشتري إنني اشتريت الشئ بمائة دينار وعملت
فيه عملا يساوي عشرة دنانير، ثم يقول: بعتك الشئ بمجموع ما
اشتريته به وما يساوي قيمة عملي، وهو مائة دينار وعشرة دنانير،
وبربح كذا أو نقيصة كذا، أو من غير ربح ولا نقيصة.
[المسألة 322:]
إذا اشترى الرجل الشئ بمال معين، فوجد الشئ معيبا ورجع على
البائع بأرش العيب الموجود فيه، ثم أراد بيع ذلك الشئ مرابحة، لم
يجز له أن يخبر المشتري بالثمن الأول الأول ولا يسقط منه أرش النقصان،
بل يجب عليه أن يخبر المشتري بالأمر الواقع فيقول قد اشتريت الشئ
بمائة دينار مثلا ووجدت فيه عيبا، وأخذت من بائعه علي عشرة دنانير
مثلا أرش العيب الموجود فيه فيكون الباقي من الثمن تسعين دينارا،
ويجوز له أن يسقط الأرش من الثمن الأول، ويجعل الباقي هو الثمن
أو رأس المال فيقول للمشتري: بعتك الشئ بما اشتريته به أو برأس
ماله، وهو تسعون دينارا مع ربح خمسة دنانير، أو وضيعة أربعة
دنانير مثلا.
[المسألة 323:]
إذا اشترى الرجل المتاع بثمن معين، ثم أسقط البائع له مقدارا
من ثمن المتاع احسانا منه للمشتري أو مكافأة له على عمل، جاز
للمشتري إذا أراد بيع المتاع مرابحة أن يخبر المشتري بالثمن الأول
129

ولا يخبره بما أسقطه البائع له من الثمن، بل يجوز له ذلك وإن أسقط
له الثمن كله بعد أن تم بينهما البيع.
[المسألة 324:]
إذا أخبر البائع بأنه اشترى المتاع بمائة دينار، وباع المتاع على
المشتري مرابحة بمائة وعشرة دنانير، ثم ثبت بعد ذلك كذب البائع
في اخباره بالثمن، فالظاهر صحة البيع المذكور، ويكون للمشتري بعد
ثبوت كذب البائع حق الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع المرابحة ويرد
المتاع على بائعه ويسترد منه الثمن إذا كان دفعه إليه، ويجوز له أن
يمضي العقد بما وقع عليه من الثمن وهو مائة وعشرة دنانير في المثال.
ولا فرق في الحكم بين أن يكون البائع كاذبا في مقدار الثمن وأن
يكون كاذبا في أصل دعوى البيع ومثال ذلك أن يعلم أو يثبت بالبينة
أنه اشترى المتاع من بائعه عليه بتسعين دينارا أو بثمانين، لا بمائة
دينار كما أخبر، أو أنه لم يملك المتاع من مالكه الأول بشراء وثمن،
بل ملكه منه بالهبة بدون ثمن، سواء كان متعمدا في كذبه أم غالطا
أم ناسيا.
[المسألة 325:]
إذا دفع المالك إلى الدلال متاعا ووكله على بيعه له، وفرض له ثمنا
معينا فقال له مثلا، ثمن المتاع عشرون دينارا، فإن أنت زدت في بيعه
على العشرين فالزائد لك، فلا يجوز للدلال أن يبيع المتاع مرابحة
ويعتبر القيمة التي فرضها المالك للمتاع وهي العشرون دينارا رأس
مال له ويجعل الزائد على ذلك ربحا يأخذه من مشتري المتاع، بل يجوز
له أن يبيع المتاع مساومة من غير أن يخبر المشتري بشئ، ويجوز له
أن يخبر المشتري بالأمر الواقع، فيقول له إن المالك فرض قيمة المتاع
عشرين دينار وأنا أريد النفع زيادة على ذلك، فإذا باع المتاع بزيادة
على العشرين دينارا كان الزائد للدلال كما شرط له المالك وإن باعه
بعشرين دينارا من غير زيادة كانت للمالك ولم يستحق الدلال منها شيئا
كما اتفقا عليه، والأحوط ارضاؤه بشئ.
130

[المسألة 326:]
إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو شيئا غيرهما بثمن معلوم جاز
له أن يشرك معه غيره في ذلك الشئ المبيع، فيملكه نصف الشئ مثلا
على وجه الإشاعة بنصف الثمن الذي اشتراه به، أو ثلثه بثلث الثمن،
أو ربعه بربع الثمن، وهكذا، فيقول له بعد أن يخبره بمقدار الثمن:
بعتك نصف الشئ الذي اشتريته بنصف ثمنه، فيقول المشتري قبلت،
وكذلك إذا شركه معه في الثلث أو غيره من الكسور المشاعة، فيتم
التشريك، سواء كان الشئ المبيع قابلا للقسمة أم لا.
ويكفي في إنشاء المعاملة بينهما بعد العلم بالمبيع ومقدار الثمن،
أن يقول له شركتك في المبيع نصفه بنصف الثمن، أو يقول ثلثه بثلث
الثمن، وهكذا حسب ما يتفقان عليه.
[المسألة 327:]
إذا قال الرجل لصاحبه في المسألة المتقدم ذكرها: شركتك في المبيع
ولم يذكر النصف ولا غيره من الكسور فلا يبعد انصراف العقد إلى
المناصفة بينهما.
[الفصل الحادي عشر]
[في الربا]
[المسألة 328:]
حرمة الربا ثابتة في صريح آيات الكتاب الكريم ومتواتر السنة
المطهرة واجماع فرق المسلمين، بل قال بعض الفقهاء لعل تحريمه
من ضروريات الدين، ولا ريب في أنه من أكبر الكبائر في الاسلام.
وفي الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الربا وآكله
وموكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه. وفيه عن الإمام
أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أخبث المكاسب كسب الربا وفي
الصحيح عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: درهم
الربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم.
131

ويقع الربا على قسمين: الأول الربا في المعاملة، وهذا القسم هو
الذي يبحث عنه وعن أحكامه في هذا الفصل من كتاب البيع. والثاني:
الربا في القرض، وهذا هو الذي يبحث عنه وعن أحكامه في كتاب الدين.
[المسألة 329:]
الربا في المعاملة هو أن يبيع البائع على المشتري شيئا مما يكال أو
يوزن بعوض من جنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر، سواء
كانت الزيادة المذكورة زيادة عينية أم زيادة حكمية.
والمراد بالزيادة العينية هي ما يكون للشئ الزائد وجود خارجي
مستقل في نفسه متميز عن الموجودات الأخرى، والزيادة الحكمية هي
التي لا يكون للشئ الزائد وجود مستقل يتميز عن الموجودات الخارجية
الأخرى وإن كان خارجيا أيضا، كسكنى الدار فإن كون زيد في الدار
ليس له وجود مستقل في نفسه يتميز عن وجود زيد والدار وإنما هو
إضافة خاصة بينهما وتابع في خارجيته لهما.
ومثال الزيادة العينية في أحد العوضين: أن يبيع زيد على خالد منا
من الحنطة الحمراء بمن ونصف من الحنطة البيضاء، أو يبيع عليه
منا من الحنطة بمن من الحنطة ودرهم، فإن نصف المن من الحنطة في
الفرض الأول، والدرهم في الفرض الثاني زيادة عينية في أحد العوضين
على الآخر فيكون من الربا.
ومثال الزيادة الحكمية: أن يبيع زيد على خالد منا من الحنطة يدفعه
للمشتري نقدا، بمن من الحنطة، يدفعه المشتري له نسيئة بعد مضي
شهر، فإن تأجيل الثمن زيادة حكمية على المبيع المنقود، فيكون من
الربا المحرم.
ولا يختلف الحكم بين أن تكون الزيادة العينية أو الزيادة الحكمية
في أحد العوضين آتية في صريح المقابلة بين العوضين في نفس العقد كما
في الأمثلة المتقدم ذكرها، أم تكون آتية من قبل شرط يذكر في العقد،
ومثال هذا أن يبيع زيد على عمرو منا من الحنطة بمن من الحنطة نقدا
132

بنقد، ويشترط أحدهما على الآخر أن يدفع له مع من الحنطة دينارا
فيكون من الزيادة العينية، أو يشترط عليه أن يسكن داره أسبوعا أو
شهرا، أو يشترط عليه أن يعمل له عملا له قيمة في نظر أهل العرف
كبناء جدار أو خياطة جبة أو أن يطحن له الحنطة فيكون من الزيادة
الحكمية ويكون من الربا المحرم في جميع ذلك.
[المسألة 330:]
لا يختص تحريم الربا بالبيع وحده، بل يجري تحريمه في جميع
المعاملات التي تشتمل على معاوضة بين عينين ربويتين إذا زاد أحد
العوضين فيها على الآخر، كما إذا صالح زيد عمرا عن من من الحنطة
الحمراء، بمن ونصف من الحنطة البيضاء على النهج المتقدم بيانه في
البيع، وكما إذا صالحه عن هذه الصبرة من الشعير التي يملكها هو،
المعلوم كيلها أو وزنها، بهذه الصبرة من الشعير التي يملكها الآخر
المعلوم قدرها أيضا، مع زيادة إحدى الصبرتين على الأخرى في المقدار،
فلا يصح الصلح لأنه من الربا المحرم.
ولا يجري التحريم إذا كانت المقابلة بين مصالحتين تتعلق واحدة
منهما بأحد العوضين وتتعلق الأخرى بالعوض الآخر وكان أحدهما
أكثر من الآخر، ومثال ذلك: أن يصالح زيد خالدا بمن من الحنطة
مما يملكه هو، على شرط أن يصالحه خالد بمن ونصف من الحنطة التي
يملكها خالد، فلا معاوضة بين المالين في العقد الواقع وإنما المقابلة
بين مصالحتين، لكل واحدة متعلقها الخاص بها وكذلك، إذا وهب
الرجل صاحبه منا من الحنطة بشرط أن يهبه صاحبه منا ونصفا من
الحنطة أيضا، أو أبرأ ذمة صاحبه من دينه الثابت له عليه بشرط أن
يبرئ صاحبه ذمته من دينه وكان الدينان ربويين من جنس واحد
ومختلفين في المقدار فلا يكون ذلك من الربا ولا تشمله أدلة التحريم.
[المسألة 331:]
لا يثبت الربا في المعاملة إلا مع وجود شرطين:
الأول: أن يكون العوض والمعوض عنه في المعاملة من جنس واحد،
133

والمدار في ذلك على وحدتهما في الجنس في نظر أهل العرف، بحيث
يصدق اسم ذلك الجنس الواحد على كل منهما صدقا حقيقيا، فيكون
صدق الاسم الواحد عليهما كاشفا عن وحدتهما في الحقيقة النوعية،
ولا ينافي ذلك اختلاف الفردين في بعض الصفات والخواص، فالحنطة
مثلا جنس واحد وإن اختلفت أصنافه في الرداءة والجودة والطعم،
والمشخصات الأخرى، وكل واحد من العنب والتمر والأرز والماش
والذرة والعدس جنس مستقل عن الغلات والحبوب الأخرى وإن اختلفت
أصناف الجنس الواحد منها بعضها عن بعض في الصفات والخواص.
فإذا كان العوضان من جنس واحد في نظر أهل العرف لم يجز بيع
أحدهما بالآخر مع الزيادة في أحدهما، ومع وجود الشرط الثاني
الآتي ذكره. فلا يجوز بيع الحنطة بالحنطة مع الزيادة المذكورة ولا
بيع التمر بالتمر، ولا بيع الأرز بالأرز ولا العدس بالعدس مع التفاوت
بين العوضين وإن اختلف أحدهما عن الآخر في الصفة، بل وإن اختلفا
في القيمة، ويجوز ذلك إذا كان الجنس متعددا، فيجوز بيع من من
الحنطة بمن ونصف من الأرز أو بمنين من التمر أو من الماش أو العدس
وبالعكس.
[المسألة 332:]
ذكرنا في الشرط الأول المتقدم إن المدار فيه على وحدة العوضين في
الجنس عرفا، بحيث يصدق اسم ذلك الجنس عليهما صدقا حقيقيا،
وقد يتوهم بعض الناس من ذلك أن اسم الغلة مثلا أو اسم الطعام يطلق
عرفا على كل من الحنطة والأرز والتمر والعنب، ويصدق عليها
صدقا حقيقيا، واسم الحب كذلك يطلق عرفا على الحنطة والأرز
والذرة والعدس وأمثالها وذلك يقتضي أن يحرم بيع الحنطة بالتمر
أو العنب مع زيادة أحد العوضين لأنهما من الغلة ويحرم بيع الحنطة
بالأرز أو بالماش أو العدس كذلك لأنهما من الحب.
وهذا التوهم واضح الفساد، فإن كلمة الغلة أو الحب أو الطعام
ليست اسما لحقيقة نوعية واحدة في نظر أهل العرف لتدخل في الضابطة
المتقدم ذكرها، وإنما هي ألفاظ عامة يراد بها عند استعمالها الإشارة
134

إلى تلك الأنواع المختلفة في حقائقها، ونظيرها في ذلك كلمة الشئ أو كلمة
الأمر أو كلمة المبيع حينما تستعمل في فروض المسائل فهي إنما يراد
بها مجرد الإشارة، والتوهم واضح الفساد كما قلنا ونحن نذكر هذا
للتنبيه.
[المسألة 333:]
الشرط الثاني لتحقق الربا في المعاملة: أن يكون العوضان فيها مما
يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن، فلا يتحقق الربا في المعاملة
إذا كان العوضان فيها أو كان أحدهما مما يعتبر تقديره بالعد أو
بالذرع أو بحساب المساحة أو كان مما يباع بالمشاهدة، فيجوز بيع
البيض بالبيض وإن كان أحد العوضين أكثر من الآخر عددا، وكذلك
الجوز، إلا إذا كان المتعارف تقديره بالوزن، فيحرم مع تفاوت
العوضين، ويجوز بيع الأقمشة والأرض بعضها ببعض، وإن تفاوت
العوضان في عدد الأذرع وحساب المساحة، وكذلك في ما يكتفى فيه
بالمشاهدة.
[المسألة 334:]
الحنطة والشعير في باب الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع أحدهما
بالآخر مع زيادة أحد العوضين على الآخر، فيبيع من حنطة بمن ونصف
أو منين من الشعر، وهذا الحكم خاص في باب الربا كما قلنا ولا يجري
في غيره من الأبواب، فالحنطة والشعير في الزكاة جنسان مختلفان ينفرد
كل واحد منهما بحكمه ونصابه، فلا تجب على المكلف زكاة الحنطة إذا
كانت الحنطة التي يملكها لا تبلغ مقدار النصاب وإن كان يملك من الشعير
ما يكمل نصاب الحنطة أو يزيد، ولا يتبع أحدهما الآخر في وجوب
الزكاة إذا كان نصاب الثاني تاما ونصاب الأول ناقصا، ولا يجزي
دفع أحدهما عن الآخر إلا إذا كان دفعه عنه من باب القيمة، وهكذا.
[المسألة 335:]
لا يلحق السلت بالحنطة والشعير على الأقوى فقد دل بعض النصوص
على أنه غيرهما، فيجوز بيعه بالحنطة وبالشعير مع الزيادة في أحد
العوضين، ولا يترك الاحتياط في العلس، فلا يباع بالحنطة أو بالشعير
135

إذا زاد أحد العوضين على الآخر، ويجوز بيع العلس بالسلت وإن زاد
أحدهما على الآخر.
[المسألة 336:]
الظاهر أن اللحم لا يعد جنسا واحدا، بل يختلف باختلاف الحيوان المذبوح،
فلحم الغنم جنس مستقل يختلف عن لحم البقر وهما يختلفان عن لحم
الإبل، فيجوز بيع أي واحد منها بالآخر مع الزيادة في أحد العوضين،
وكذلك الحكم في لحم الغزال وفي لحم الدجاج وفي سائر لحوم الحيوان
المأكول لحمه، فيجوز بيع كل واحد منها بالآخر مع اختلاف الحيوان،
ويحرم مع وحدة الحيوان، فلا يحل بيع لحم الغنم بلحم الغنم ولا بيع
لحم البقر بلحم البقر ولا لحم الإبل بلحم الإبل، ولا لحم الدجاج بلحم
الدجاج، مع التفاوت بين العوضين في المقدار.
وكذلك الحكم في بيع ألبان الحيوان، فجواز بيع بعضها ببعض
وحرمته تابع لاختلاف الحيوان المنتج لها ووحدته، فإذا اختلف الحيوان
جاز البيع في اللبن بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، وإذا اتحد
الحيوان كان محرما.
ومثلهما الحكم في الأدهان المأخوذة من الحيوان، فلا يجوز بيع دهن
البقر بدهن البقر، ولا دهن الغنم بدهن الغنم، ولا دهن الإبل بدهن
الإبل ويجوز بيع دهن البقر بدهن الغنم أو الإبل، لأنها أجناس مستقلة،
وهكذا.
[المسألة 337:]
التمر بجميع أنواعه وأصنافه جنس واحد، فلا يحل بيع بعضها
ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، وإن تفاضلت أنواعه وأصنافه في
القيمة السوقية، وكذلك العنب، وكل واحد من الحبوب فهي أجناس
مستقلة كما ذكرنا من قبل.
[المسألة 338:]
الفلزات والمعادن الأصلية كالذهب والفضة والنحاس والحديد كل
136

واحد منها جنس مستقل عن الآخر، فيجوز البيع مع التفاوت إذا اختلف
العوضان في الجنس ويحرم مع وحدته.
[المسألة 339:]
لحم الغنم جنس واحد شامل لجميع أصنافه فالضأن العربي والإسترالي
والبربري والمعز وأشباهها كلها جنس واحد لا يجوز بيع لحمه بعضه
ببعض مع التفاوت.
ولحم البقر بجميع أصنافه جنس واحد كذلك، فالبقر الأهلي
الموجود في البلاد، والأصناف الأخرى المستوردة من بلاد شرقية أو غربية
أخرى والجاموس كلها جنس واحد يجري الحكم المذكور في لحمها إذا
ذبحت.
ولحم الإبل العراب والبخاتي ذات السنام والسنامين وسائر أنواعها
الأخرى كلها جنس واحد كذلك.
والدجاج جنس واحد شامل لجميع أصنافه الموجودة في البلد أو
التي تستورد بيوضها من بلاد أخرى وتستفرخ وتنشأ هنا وإن اختلف
بعضها عن بعض في الصفات، فيجري الحكم المتقدم في بيع لحمها إذا
ذبحت.
[المسألة 340:]
كل صنف من أصناف الطير يختص به اسم يدل عليه وينفرد به عن
الأصناف الأخرى منه فهو جنس مستقل له حكم الجنس الواحد،
فالحبارى من الطير مثلا جنس برأسه، والحجل، والدراج والكركي،
والقطا، كل واحد منها جنس مستقل برأسه، وكذلك الإوز، ما يطير
منه وما لا يطير، والبط، ونحوها، فلحم كل واحد من هذه الطيور
جنس واحد يحرم بيع بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، ويجوز بيعه
بلحوم الطيور الأخرى التي تختص بها أسماء أخرى، وإن تفاوت
العوض والمعوض عنه في المقدار.
وعلى هذا، فالحمام أجناس متعددة، فالقمارى منها جنس غير
137

الدباسي، وهما غير الورشان وغير الرواعب وغير الفواخت، فكل
واحد منها جنس برأسه.
[المسألة 341:]
ذهب جماعة من العلماء إلى أن السمك جنس واحد، والأقوى أنه
أجناس متعددة فكل نوع منه يكون له اسم خاص يدل عليه وينفرد به
عن غيره من أنواع السمك فهو جنس مستقل لا يحل بيعه بمثله مع زيادة
أحد العوضين على الآخر، ويجوز بيعه بغيره من أنواع السمك، سواء
تفاوت العوضان في المقدار أم تساويا.
[المسألة 342:]
إذا كان الحيوان منه وحشي ومنه أهلي، فالوحشي منه جنس برأسه
مستقل عن الأهلي، وعلى هذا فلا يحرم بيع لحم البقر الأهلي بلحم
البقر الوحشي، ولا يحرم بيع لحم الغنم الأهلي بلحم الغنم الوحشي،
ولا لحم الحمار الوحشي بلحم الحمار الأهلي، وإن تفاوت العوضان في
المقدار، ويحرم بيع كل واحد منها بجنسه مع التفاوت.
والمراد بالوحشي والأهلي النوعان المعروفان من الحيوان، فإذا
تأهل الوحشي المعروف أو توحش الأهلي المعروف لم يتغير حكمه.
[المسألة 343:]
إذا بيع الفرع بأصله أو بالعكس، كما إذا بيع الدقيق بالحنطة أو بيع
الخبز بالحنطة أو بيعت الهريسة بالحنطة، وكما إذا بيع المخيض أو
الجبن بالحليب، أو بيع التمر بالبسر، فهل هما من جنس واحد؟
فيمنع من بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت في المقدار، أو هما جنسان
مختلفان فيحل ذلك؟
الظاهر أن الحكم في ذلك يدور مدار كيفية تفرع الفرع على ذلك
الأصل، وهو يقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظة ذلك ليعلم منه
وحدة الجنس بينهما أو تعدده، ونحن نذكرها في عدة مسائل.
[المسألة 344:]
إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتبدل بعض صفات الأصل بصفات
138

أخرى كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة، وكالخبز والسويق بالنسبة إلى
الحنطة، فإن تفرع هذه الفروع على الحنطة إنما حصل بتبدل صفة
الحنطة بصفات أخرى، فأصبحت الحنطة بنفسها دقيقا وخبزا وسويقا،
وعدت بسبب ذلك فروعا على الحنطة.
وكالمخيض والجبن واللبأ، والأقط بالنسبة إلى الحليب، فإن الحال
فيها نظير ما تقدم في الحنطة وفروعها المتقدم ذكرها، وكذلك في الرطب
والتمر بالنسبة إلى البسر، وفي الدبس بالنسبة إلى التمر، وفي الراشي
بالنسبة إلى السمسم، وهكذا.
والظاهر أن كل واحد من هذه الفروع بالنسبة إلى أصله المذكور
يعد جنسا واحدا، فلا يصح بيعه به مع التفاوت بين العوضين.
[المسألة 345:]
إذا كان تفرع الفرع على أصله من قبيل خروج شئ من شئ، كالزبد
بالنسبة إلى الحليب فإن تفرعه عليه من هذا القبيل، وليس من تبدل
صفات الحليب بصفات أخرى كما في المسألة المتقدمة وكذلك الحال في
الدهن بالنسبة إلى الحليب، وفي الشيرج بالنسبة إلى السمسم، فهما
شئ يستخرج من شئ، والأظهر أن كل واحد من هذه الفروع بالنسبة
إلى أصله المذكور تعدان جنسين مستقلين ولذلك فيجوز بيع أحدهما
بالآخر مع تفاوت العوضين.
[المسألة 346:]
إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتركيب الأصل مع أشياء
أخرى وخلطها على نحو مخصوص كالهريسة بالنسبة إلى الحنطة،
وكالخل بالنسبة إلى التمر أو إلى العنب وكالنيكل والشبه وسائر الفروع
المركبة من الفلزات والمعادن بالنسبة إلى أصولها، والظاهر أن هذه
الفروع أجناس مستقلة عن أصولها فيجوز بيع الأصل بالفرع والفرع
بالأصل وإن تفاوت العوضان في المقدار.
[المسألة 347:]
إذا أريد بيع الفروع بعضها ببعض، فإن كان العوض والمعوض
139

عنه في المعاملة فرعين لا يلتقيان في أصل واحد، فلا ريب في أنهما
جنسان ومثال ذلك أن يبيع الرجل بعض فروع الحنطة ببعض فروع
الأرز أو فروع الحبوب الأخرى، أو فروع التمر أو العنب، فيجوز
البيع في ذلك وإن تفاوت العوضان في المقدار، وكذلك إذا كان العوضان
في المعاملة فرعين يلتقيان في أصل واحد، ولا يتفرع أحدهما على الآخر،
فهما جنسان أيضا، ومثال هذا أن يبيع الرجل سويق الحنطة بخبزها،
أو يبيع الهريسة بدقيق الحنطة أو بخبزها أو بسويقها، فإن العوضين
في هذه الأمثلة لا يتفرع أحدهما على الآخر وإن كان الجميع فروعا
لأصل واحد وهو الحنطة، فهما جنسان مستقلان كالسابق، فيجوز
بيع أحدهما بالآخر وإن تفاوتا في المقدار، ويجوز بيع خل التمر بدبس
التمر، وبيع خل العنب بعصير العنب وهكذا.
وإذا كان العوضان فرعين عن أصل واحد، ويتفرع أحدهما عن
الآخر لوحظ في أمرهما المقياس الذي تقدم ذكره في المسائل المتقدمة،
فإذا كان تفرع العوض عن صاحبه قد حصل بتبدل بعض صفاته،
ومثال ذلك أن يبيع الخبز بالدقيق، فإن الخبز فرع عن الدقيق وتفرعه
عليه قد حصل بتبدل بعض صفاته، ونتيجة لذلك فالخبز والدقيق
جنس واحد فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت، وكذلك الحال
في الدقيق والسويق.
وإذا كان أحد الفرعين يتفرع إلى الآخر بنحو يكون مستخرجا منه أو
مركبا منه ومن غيره فهما جنسان كما تقدم فلا يحرم بيع أحدهما
بالآخر مع التفاوت، فيجوز بيع الزبد بالمخيض، ويجوز بيع الدهن
بالمخيض لأنهما من هذا القبيل.
[المسألة 348:]
المدار في كون الشئ مكيلا أو موزونا على ملاحظة العوض الذي
جرت عليه المعاملة بنفسه لا على ملاحظة أصله، فإذا كان بنفسه مما
يكال أو يوزن فهو ربوي لا يجوز بيعه بجنسه مما يكال أو يوزن أيضا
مع التفاوت بين العوضين في المقدار، وإن كان أصله غير مكيل ولا موزون
وإذا كان العوض بنفسه غير مكيل ولا موزون لم يجر فيه حكم الربا
140

وإن كان أصله مكيلا أو موزونا فيجوز بيع الثوب بثوبين لأنه غير مكيل
ولا موزون وإن كان أصله وهو القطن أو الكتان أو الصوف موزونا،
بل يجوز بيع الثوب بأصله وهو القطن أو الكتاب أو الصوف لأن أحد
العوضين وهو الثوب غير مكيل ولا موزون، ويجوز بيع المسكوكات
الفضية والنحاسية والنيكلية بعضها ببعض وإن تتفاوت في المقدار لأنها
معدودة ولبست موزونة وإن كان أصلها وهو الفضة أو النحاس أو
النيكل موزونا، ويجوز بيعها بأصلها نفسه وهو الأجناس الثلاثة لأن
أحد العوضين وهو المسكوك غير موزون.
[المسألة 349:]
الأحوط لزوما عدم جواز بيع لحم الحيوان بالحيوان الحي، سواء
كان من جنسه أم من غير جنسه، فلا يباع لحم الغنم بشاة حية، ولا يباع
لحم الغنم ببقرة حية، ولا يباع لحم البقر ببقرة حية أو بشاة حية.
[المسألة 350:]
ما تكون من الأجناس المبيعة له حالتان، حالة رطوبة وحالة جفاف،
كالرطب يجف فيكون تمرا، وكالعنب يجف فيكون زبيبا، وكاللحم
الطري يجفف فيكون قديدا، وكالخبز الغض اللين يجفف فيكون
يابسا، وكالسمك الطاري يشرح وينشر في الشمس ليكون يابسا، يجوز
بيع الرطب من الجنس بالرطب منه، وبيع الجاف منه بالجاف مع
تساوي العوضين في المقدار، ويحرم بيع الرطب بالرطب منه والجاف
بالجاف مع تفاوتهما في المقدار، ويجوز بيع الرطب منه بالجاف منه مع
التساوي وإن كان الجواز فيه على كراهة، ويحرم بيع الرطب منه بالجاف
منه مع التفاوت، وإن كان التفاوت بمقدار ما في العوض الرطب من
الزيادة بحيث إذا جف يساوي العوض الجاف.
[المسألة 351:]
قد ذكرنا أن تفاوت العوضين في الجودة والرداءة إذا كانا من جنس
واحد لا يسوغ للمتعاقدين بيعهما مع التفاوت بينهما في المقدار، فلا
يحل للانسان أن يبيع مثقالا من الذهب الجيد بمثقال ونصف من الذهب
141

المتوسط أو بمثقالين من الذهب الردي، وكذلك الأمر في الفضة وفي
سائر الأجناس.
ومثله الحكم في تفاوت نوعي العوضين في الرغبة بين الناس والقيمة
السوقية، فلا يحل للانسان أن يبيع منا من التمر البرحي بمنين من التمر
الخضراوي، وإن كانت قيمة المن البرحي تساوي قيمة المنين من
الخضراوي، وكلاهما من الجيد.
[المسألة 352:]
إذا اختلفت البلاد في جنس من المبيعات فكان في بعض البلاد مما يكتفي
في بيعه بالمشاهدة أو كان فيه من المعدود، وكان في بعضها الآخر من
المكيل أو الموزون، كان لكل بلد حكمه، فيجري في ذلك الجنس حكم
الربا في البلد الذي يعده مكيلا أو موزونا لوجود شرط الربا فيه، ولا
يجري فيه حكمه في البلد الآخر، لعدم الشرط.
وإذا غلب في أكثر البلاد اعتبار الجنس مكيلا أو موزونا، فالأحوط
لزوما عموم حكم الربا فيه في جميع البلاد وإن اتفق وجود بلد نادر
يعتبر ذلك الجنس غير مكيل ولا موزون.
[المسألة 353:]
يمكن للمتبائعين أن يتخلصا من الربا في بيع المتجانسين مع الزيادة:
بأن يضيفا إلى العوض الناقص شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض
الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة أو بالعكس، ومثال
ذلك أن يبيع الرجل على صاحبه منا من التمر وحقة من السكر بمنين
من التمر، أو يبيع صاحبه عليه منين من التمر بمن من التمر مع حقة
من السكر، فتصح المعاملة إذا قصد المتعاملان البيع الحقيقي لا مجرد
اجراء الصورة.
ويمكن لهما أن يتخلصا من الربا بأن يضيفا إلى كل واحد من العوضين
شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض
الآخر مع الزيادة والضميمة أو بالعكس ومثال ذلك أن يبيع الرجل على
الآخر منا من الأرز ودينارا بمنين من الأرز ودينارين أو يبيع الآخر
142

عليه منين من الأرز ودينارين بمن من الأرز ودينار واحد، فتصح
المعاملة إذا هما قصدا البيع الحقيقي كما تقدم.
[المسألة 354:]
الأقوى كما هو المشهور بين الفقهاء أنه لا يحرم الربا بين الوالد وولده،
فيجوز للأب أن يبيع الشئ الربوي على ولده بعوض من جنسه مع زيادة
أحد العوضين، ويجوز للولد كذلك أن يبيع الشئ الربوي على أبيه
سواء كانت الزيادة للأب أم للولد، وسواء كان الولد ذكرا أم أنثى،
وسواء كان ولده بلا واسطة أم ولد ولده، ولا يجري هذا الحكم بين
الأم وولدها ولا يحرم الربا بين السيد وعبده، فيجوز البيع كذلك مع
التفاوت.
ولا يحرم الربا بين الرجل وزوجته، فيجري الحكم في المعاملة على
نهج ما تقدم، نعم، الأحوط أن يقتصر في الحكم على الزوجة الدائمة
دون الزوجة المتمتع بها.
ولا ربا بين المسلم والكافر الحربي إذا كان المسلم هو الذي يأخذ
الزيادة، فلا يحرم على المسلم اجراء المعاملة معه ولا أخذ الزيادة منه،
ولا يجوز ذلك إذا كان الكافر هو الذي يأخذ الزيادة من المسلم.
[المسألة 355:]
الأحوط عدم جواز الربا بين المسلم والكافر الذمي، فلا تحل المعاملة
الربوية بينهما نعم إذا وقعت المعاملة الربوية بينهما وكانت الزيادة
للمسلم، وكان دين الذمي يبيح له ذلك جاز للمسلم أن يأخذ منه الربا
الزاما للذمي بما ألزم به نفسه، ولا يجوز دفع الربا من المسلم له.
[المسألة 356:]
لا تعم حرمة الربا بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع الزيادة
لأنها ليست من المكيل ولا الموزون، فتصح المعاملة، سواء كانت الأوراق
من عملة واحدة أم من عملتين أو أكثر، وسواء كان العوضان في المعاملة
شخصيين خارجيين، كما إذا باع زيد على خالد هذه الدنانير العشرة
المعينة التي يملكها البائع بهذه الدنانير الأحد عشر المعينة كذلك التي
143

يملكها المشتري، أم كان العوضان كليين في الذمة، على أن يتميز العوض
والمعوض عنه في قصد المتعاملين ويجريا المعاملة على حسب ما عينا وقصدا،
فالمبيع المعوض عنه مثلا هو عشرة دنانير في ذمة البائع، والثمن أحد
عشر دينارا في ذمة المشتري وهو مدخول باء العوض، وقد تعرضنا
لمسائل تتصل بذلك في رسالتنا في المسائل المستحدثة فليرجع إليها من شاء.
[الفصل الثاني عشر]
[في بيع الصرف]
[المسألة 357:]
بيع الصرف هو بيع الذهب بالذهب وبيع الفضة بالفضة، وبيع
أحدهما بالآخر سواء كانا مسكوكين للمعاملة بهما أم غير مسكوكين،
وهو المراد حين يقول الفقهاء في هذا الباب هو بيع النقدين، وحين
يقولون إذا باع النقد، أو أحد النقدين، فيعنون ما يعم المسكوك منهما
وغير المسكوك.
[المسألة 358:]
يشترط في صحة بيع الصرف أن يتقابض المتعاقدان العوضين قبل
أن يفترقا، فلا يصح البيع إذا افترق المتبائعان ولم يحصل التقابض
من كلا الطرفين، ولا يصح البيع إذا افترقا وقد قبض أحد العوضين
ولم يقبض الآخر، وإذا حصل التقابض بينهما في بعض العوضين ولم
يتقابضا في الباقي حتى افترقا، صح البيع في ما تقابضا من العوضين،
وبطل في ما لم يتقابضا فيه منهما.
[المسألة 359:]
إذا ضم الرجل إلى الذهب أو إلى الفضة غيرهما، وباع المجموع على
غيره بذهب أو فضة، ولم يحصل التقابض بينهما حتى افترقا، بطل
البيع في الذهب أو الفضة وما يقابله من الثمن، لأنه بيع صرف لم
يحصل فيه التقابض، وصح في المبيع الآخر، ومثال ذلك أن يبيع الرجل
على غيره خمسة مثاقيل من الذهب وثوبا بستة مثاقيل من الذهب، فإذا
144

لم يحصل التقابض حتى افترق المتبايعان بطل البيع في الذهب وثمنه
وهو خمسة مثاقيل، وصح البيع في الثوب وما يقابله من الثمن وهو
دينار واحد.
[المسألة 360:]
لا يبطل بيع الصرف إذا فارق المتبايعان المجلس الذي أوقعا فيه
المعاملة وهما مصطحبان في الطريق مثلا، فإذا تقابضا قبل أن يفارق
أحدهما صاحبه كان البيع صحيحا.
[المسألة 361:]
لا يشترط التقابض قبل الافتراق في الصرف إذا جرت المعاملة بين
المتعاقدين على وجه الصلح أو على وجه الهبة المعوضة أو على وجه آخر
من المعاملات غير البيع، كما إذا صالح الرجل صاحبه عن خمسة مثاقيل
من الذهب يملكها صاحبه بخمسة مثاقيل من الذهب أو بعشرين مثقالا
من الفضة يملكها هو، وكما إذا وهب صاحبه المعوض بشرط أن يهبه
صاحبه العوض، فلا تبطل معاملة الصرف بينهما إذا هما افترقا قبل
أن يحصل التقابض بينهما.
فشرط قبض العوضين قبل الافتراق في معاملة الصرف إنما هو في
بيع الصرف خاصة، ولا يشترط في غيره من المعاملات.
[المسألة 362:]
ليست الأوراق النقدية التي تجري فيها المعاملات بين الناس في هذا
العصر ذهبا ولا فضة، فإذا بيع بعضها ببعض لم يجر عليها حكم بيع
الصرف، ولم يجب فيها التقابض قبل الافتراق، سواء اتحدت العملة
في العوضين أم اختلفت.
نعم، لا يترك الاحتياط في بعض العملات التي يظن أن الدولة التي
أصدرتها قد اعتبرت الذهب والفضة عوضا للأوراق وليس مجرد
اعتماد، فإذا وقع البيع في هذه العملة بعضها ببعض فالأحوط أن
يحصل التقابض قبل افتراق المتبايعين، كما أن الأحوط أن لا يباع
بعض هذه العملة ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، وقد ذكرنا هذا
145

في المسألة الثالثة والأربعين وما بعدها من المسائل المستحدثة فليرجع
إليها في ذلك.
[المسألة 363:]
إذا كان للرجل دين في ذمة شخص آخر وكان الدين من الذهب أو
الفضة، فباع الرجل الدائن ما في ذمة الشخص المدين عليه بنقد آخر
غير ما في ذمته، وقبض البائع الدائن الثمن من المشتري المدين قبل
أن يتفرقا كان البيع صحيحا ولم يحتج إلى أن يقبض المشتري المدين ما
في ذمة نفسه وهو النقد المبيع.
ومثال ذلك أن يكون لزيد في ذمة بكر دين خمسة مثاقيل من الذهب
مثلا، فيبيع زيد دينه هذا على المدين نفسه وهو بكر بيع الصرف،
بعشرين مثقالا من الفضة فإذا قبض زيد منه مثاقيل الفضة وهي الثمن
قبل التفرق صح البيع بذلك وإن لم يقبض بكر ما في ذمة نفسه وهي
مثاقيل الذهب التي اشتراها.
[المسألة 364:]
إذا كان لزيد دين من ذهب أو من فضة في ذمة بكر، فباع زيد دينه
هذا بيع الصرف على شخص ثالث وهو خالد بنقد آخر، وقبض زيد
الثمن من المشتري لم يصح البيع حتى يقبض المشتري النقد الذي اشتراه
من زيد وهو ما في ذمة بكر، فإن قبضه قبل التفرق صح العقد، وإن
لم يقبضه كان البيع باطلا، وإذا وكل المشتري بكرا وهو الذي في ذمته
النقد المبيع أن يقبض له ما في ذمة نفسه بالوكالة عنه، فلا يبعد عدم
كفاية ذلك حتى يعين بكر النقد الذي في ذمة نفسه في مصداق معين
خارجي ثم يقبضه بالوكالة عن المشتري قبل التفرق.
[المسألة 365:]
إذا باع الرجل على غيره دراهم معينة بيع صرف، فلا يجوز للمشتري
أن يبيع هذه الدراهم المعينة قبل أن يقبضها من البائع، سواء أراد
بيعها على بائعها الأول أم على غيره، فإذا باعها قبل قبضها كان البيع
146

الثاني باطلا، لأن المشتري لم يملك الدراهم بعد لعدم حصول التقابض
وهو شرط في صحة بيع الصرف كما تقدم.
وإذا قبض المشتري الدراهم المبيعة بعد أن أجرى البيع الثاني
وقبل التفرق من البيع الأول، صح البيع الأول لتحقق شرطه وأصبحت
الدراهم ملكا للمشتري.
والمسألة في صحة البيع الثاني من صغريات المسألة المعروفة، وهي
من باع مال غيره فضولا ثم ملكه بعد ذلك، وقد ذكرناها في مبحث بيع
الفضولي في المسألة الثانية والتسعين، وقد تقدم منا المنع من صحة
هذا البيع وإن لحقته الإجازة من البائع الفضولي بعد ما ملك المال
إلا إذا انتقل المبيع إلى البائع الفضولي بالإرث من مالكه الأول.
[المسألة 366:]
إذا كانت للانسان دراهم من الفضة في ذمة شخص فقال الدائن
للمدين حول ما في ذمتك من دراهم إلى دنانير ذهب، فقبل المدين ذلك،
صح، وتحول الدين الذي في ذمة المدين من الدراهم إلى دنانير بسبب هذه
المعاملة، وإن لم يحصل بينهما تقابض، وكذلك إذا كان ماله في ذمة
المدين دنانير ذهب، فقال له حولها إلى دراهم فضة، فقبل المدين،
صح، وتحول ما في ذمته من الدنانير إلى دراهم بسبب هذه المعاملة،
وشرط صحة ذلك أن تكون قيمة الدنانير بالدراهم وقيمة الدراهم
بالدنانير معلومة عند المتعاملين، فلا تصح مع جهلهما أو جهل أحدهما
بذلك.
والظاهر جريان هذا الحكم أيضا في الأوراق النقدية، فإذا كان
للرجل في ذمة الآخر مقدار من الأوراق النقدية من عملة معينة فقال
الدائن للمدين حولها إلى دراهم فضة، أو إلى دنانير ذهب، أو إلى أوراق
نقدية أخرى وقبل المدين صح ذلك، ومثله ما إذا كان في ذمة المدين
دراهم أو دنانير فقال له الدائن حولها إلى أوراق نقدية من عملة معينة
وقبل المدين فيصح في جميع ذلك بسبب هذه المعاملة بينهما وإن لم
يحصل التقابض، إذا كان الطرفان يعلمان بالقيمة كما تقدم.
147

وهذا كله إذا كان الشخص الثاني مدينا للشخص الأول بالمبلغ الذي
أريد تبديله من نقد إلى نقد، ويشكل جريان الحكم في غير المدين، فإذا
كان الرجل الآخر ودعيا وكان صاحب المال قد استودعه مبلغا من أحد
النقدين، وقال له حولها إلى نقد آخر أو إلى عملة أخرى وقبل الودعي
ذلك، والظاهر عدم الصحة إلا إذا أجريت بينهما معاملة صرف تامة
الشروط.
[المسألة 367:]
إذا كانت النقود مغشوشة، وكانت رائجة بين الناس في المعاملة وفي
الأخذ والعطاء على ما يوجد فيها من غش، جاز التعامل بها مع الناس.
فيجوز انفاقها وأخذها ودفعها قيمة وأعواضا في المعاملات، سواء علم
المتعاملون بما فيها من الغش أم جهلوا.
وإذا كانت النقود المغشوشة غير رائجة بين الناس في المعاملة، فإن
بين الانسان حال هذه النقود للأشخاص الذين يريد التعامل بها معهم،
فالظاهر جواز المعاملة بها معهم إذا هم علموا حالها وقبلوا بها، إذا
كانت النقود المغشوشة مما يضربه بعض المحتالين لغش الناس وسلب
أموالهم فالأحوط وجوب كسرها.
[المسألة 368:]
وجوب اقباض المبيع واقباض الثمن في بيع الصرف إنما هو شرط
في صحة البيع كما ذكرنا من قبل فلا يصح البيع إذا لم يحصل التقابض
بين المتبايعين حتى يفترقا، وليس وجوبه تكليفيا عليهما، ولذلك فلا
إثم عليهما أو على أحدهما إذا ترك التقابض عامدا.
[المسألة 369:]
إذا أراد الانسان أن يبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فلا بد
وأن يراعي أحكام الربا في البيع ليجتنبها، كما يجب أن يراعي أحكام
بيع الصرف، فلا يجوز البيع مع الزيادة في أحد العوضين كما بيناه
في فصل الربا، فإن الذهب والفضة من الموزون، فإذا اتحد الجنس في
العوضين وجبت مراعاة أحكام الربا في المعاملة.
148

[المسألة 370:]
قد أشرنا في المسألة الثلاثمائة والثامنة والأربعين إلى أن المسكوكات
من الفضة أو النحاس أو النيكل وأمثالها ليست من الموزونات وإن كان
أصلها وهو الفضة والنحاس والنيكل مما يوزن فإن عامة الناس في عامة
بلادهم وأقطارهم ودولهم إنما يضبطون هذه المسكوكات عند معاملاتهم
فيها بالعدد فقيمة الأشياء التي يشترونها أو يبيعونها أو يضمنونها
أو يغرمونها عشرون ريالا مثلا أو روبية، أو مائة، أو ألف، أو عشرة
آلاف من هذه المسكوكات المتنوعة، ولا يلتفتون أبدا إلى الوزن، ويجهل
أكثرهم وزن الروبية ووزن الريال العراقي أو الفرنسي أو السعودي
الذي يتعاملون به ويجهل جميعهم وزن جميع الثمن الذي يبيع به البائع
منهم أو يشتري به المشتري.
ونتيجة لذلك فلا تجري على هذه المسكوكات أحكام الربا حينما
تصرف إلى أبعاضها أو تباع بسكة أخرى من جنسها، فيجوز البيع
والصرف وإن اختلف العوض والمعوض في المقدار.
نعم تجب مراعاة أحكام الربا في المسكوكات الذهبية إذا صرفت إلى
أبعاضها وكانت الأبعاض من الذهب أيضا وإذا بيعت بعملة ذهبية
أخرى، وذلك لأن المسكوكات الذهبية في نظر عامة الناس من الموزون
لا من المعدود، فإنهم يتعاملون بالليرة والباون وغيرهما من المسكوكات
الذهبية بمقدار ما تزنه من مثاقيل، وغرامات وغيرها.
[المسألة 371:]
ذكرنا في المسألة الثلاثمائة والثالثة والخمسين أنه يمكن التخلص من
حرمة الربا بأن يضم إلى العوض الناقص ضميمة ذات مالية فيبيع العوض
مع الضميمة بالعوض الزائد، ويمكن التخلص من حرمته أيضا بأن يضم
ضميمة ذات مالية كذلك إلى كل واحد من العوضين المتفاوتين في المقدار.
وعلى هذا فإذا باع الرجل الذهب بالذهب مع زيادة أحد العوضين
على الآخر وكان الذهب مغشوشا بشئ له مالية كفى أن يكون الشئ
الذي غش به الذهب ضميمة في البيع يتخلص بها من حرمة الربا،
149

فيبيع العوض الناقص مع ضميمته وهو الغش بالعوض الآخر مع الزيادة
إذا كان هذا العوض خالصا، ويبيع العوض الناقص مع الضميمة
بالعوض الآخر مع الزيادة والضميمة كليهما إذا كان هذا العوض
مغشوشا أيضا، فيصح البيع في كلتا الصورتين. نعم يشترط أن يكون
الشئ الذي غش به الذهب مما له قيمة في حال كونه غشا، فلا يكفي
إذا كان مستهلكا أو ليست له قيمة، ولا يكفي أن تكون له قيمة على
تقدير تصفيته، وكذلك الحال في الفضة إذا كانت مغشوشة بشئ له
مالية مع كونه غشا كما هو الحال في الذهب.
ونتيجة لذلك فإذا بيع ذهب مغشوش بذهب مغشوش بمثل هذا
الغش المتقدم ذكره صح البيع فيه مع تساوي العوضين ومع التفاوت
بينهما في المقدار، وإذا بيع ذهب مغشوش كذلك بذهب خالص فلا بد وأن
يكون الذهب الخالص زائدا على الذهب الموجود في العوض الآخر
المغشوش، لتكون هذه الزيادة فيه مقابلة للغش في العوض المغشوش،
وإلا حرم البيع لأنه ربا، وكذلك الحكم في بيع الفضة المغشوشة بالفضة
المغشوشة، وبالفضة الخالصة.
[المسألة 372:]
إذا كان الذهب مغشوشا بشئ له قيمة ولم يعلم بمقدار غشه، وأراد
مالكه بيعه بذهب خالص، فلا بد وأن يكون العوض الخالص الذي يباع
فيه زائدا بمقدار يعلم أن الذهب قد زاد على الذهب الموجود في العوض
الآخر المغشوش، وإن لم يعلم بمقدار الزيادة على وجه التفصيل،
لتكون هذه الزيادة في مقابل الغش الموجود في العوض كما بينا من قبل،
أو يباع بجنس آخر غير الذهب.
ومثله الحكم في الفضة المغشوشة إذا لم يعلم بمقدار الغش الموجود
فيها، وأراد المالك بيعها بفضة خالصة.
[المسألة 373:]
السيوف والخناجر وغيرها إذا كانت محلاة بالذهب وأراد مالكها
أن يبيعها بالذهب فلا بد وأن يكون عوضها الذي تباع به من الذهب
150

زائدا على مقدار الحلية الموجودة في المبيع لتكون الزيادة في مقابلة غير
الحلية من البيع، أو تباع بجنس آخر غير الذهب.
ويجوز أن يباع السيف المحلى بالذهب بسيف محلى بالذهب أو بخنجر
محلى به، وإن اختلفا في مقدار الحلية، وكذلك في الأشياء الأخرى
المحلاة بالذهب.
ومثله الحكم في الأشياء المحلاة بالفضة من غير فرق بينهما.
[المسألة 374:]
الكلبتون، وهو نسيج من إبريسم وذهب أو فضة تصنع منه ملابس
لبعض المترفين إذا كان مصنوعا من الذهب وأريد بيعه بالذهب، فلا بد
وأن يكون ذهب الثمن أكثر وزنا من ذهب الكلبتون لتكون الزيادة في
مقابلة ما فيه من شئ آخر، ولا يشترط أن يكون ذهب الثمن مساويا
لوزن الكلبتون كله أو زائد عليه. وكذلك الحكم في الكلبتون المصنوع
من الفضة إذا أريد بيعه بالفضة.
[المسألة 375:]
إذا اشترى الرجل من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، وكان المبيع
الذي اشتراه شخصيا معينا وقبضه قبل التفرق، فوجد المبيع من جنس
آخر. نحاسا مموها، أو رصاصا أو نيكلا أو غير ذلك كان البيع باطلا،
وليس للمشتري أن يطالب البائع بابدال المبيع، ولا يصح البيع إذا
أبدله البائع له.
وإذا وجد المشتري بعض المبيع من الجنس، وبعضه من غير الجنس،
صح البيع في ما كان من الجنس، وبطل في غير الجنس، وكان للمشتري
خيار تبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد الجميع على البائع
ويسترد منه الثمن، ويجوز له أن يأخذ الباقي الذي صح فيه البيع
بحصته من الثمن، وإذا اختار المشتري ذلك فأخذ الباقي كما بينا،
كان للبائع خيار تبعض الصفقة إذا كان جاهلا بالعيب فيجوز له فسخ
البيع ورد الجميع.
151

[المسألة 376:]
إذا اشترى الرجل من أحد ذهبا بذهب أو فضة بفضة وكان المبيع شخصيا
معينا وقبضه قبل التفرق، فوجد في العين التي اشتراها عيبا، ثبت
للمشتري خيار العيب كما في سائر موارد وجود العيب في المبيع، فيجوز
له أن يفسخ العقد ويرد المبيع على بائعه ويسترد منه الثمن، ويجوز
له أن يمضي البيع بالثمن المسمى، ويجوز له أن يمسك المبيع ويطالب
البائع بأرش العيب كما ذكرنا في خيار العيب وإذا اختار المشتري
المطالبة بالأرش، فله أخذ الأرش من البائع سواء كان قبل التفرق أم
بعده، وسواء كان الأرش من النقدين أم من غيرهما.
ولا يختص هذا الحكم وهو ثبوت الخيار بالعيب بما إذا كان الثمن
من جنس المبيع بل يشمل ما إذا اشتراه بغير جنسه كما إذا اشترى الذهب
بالفضة أو اشترى الفضة بالذهب أو بغيرهما من الأجناس نعم إذا هو
اشترى الذهب أو الفضة المعينين بجنسهما، فالعيب الذي يوجب للمشتري
الخيار المذكور ما يكون من قبل خشونة الجوهر في العين المبيعة، واللين
فيه أكثر من المتعارف، واضطراب السكة ونحو ذلك، والمراد باضطراب
السكة أن يجدها تخالف السكة الرائجة في البلاد، فيحتمل عدم جريانها في
المعاملة، أو يحدث قلق على اعتبار السكة عند الدولة بحيث يحتمل
أسقاط الدولة لها عن الاعتبار، وأما وجود الغش الزائد عن المتعارف
في الذهب أو الفضة المعينين فهو داخل في المسألة المتقدمة، فإن الغش
من غير الجنس وقد مر في المسألة المتقدمة أن المشتري إذا وجد بعض
المبيع من الجنس وبعضه من غير الجنس صح البيع في الجنس وبطل في
غير الجنس.
[المسألة 377:]
إذا اشترى الانسان من أحد ذهبا بذهب أو فضة بفضة وكان المبيع
كليا في ذمة البائع، وحين قبضه منه قبل التفرق وجد ما دفعه إليه جنسا
آخر غير الجنس الذي وقع عليه البيع، نحاسا مموها أو رصاصا أو
غيرهما، فإن لم يتفرق المتبايعان بعد، جاز للبائع ابدال ما دفعه إلى
152

المشتري وجاز للمشتري مطالبة البائع بابداله، فإذا قبض المشتري
البدل الصحيح قبل أن يتفرقا صح البيع، وإلا كان باطلا.
وإذا قبض المشتري الشئ المبيع بعد العقد، ولما افترق المتبايعان
بعد القبض وجد المشتري جميع ما دفعه إليه البائع جنسا آخر غير
جنس المبيع، بطل البيع، ولا يصححه أن يبدل البائع الشئ الذي دفعه
إلى المشتري فيدفع إليه بدلا صحيحا.
وإذا وجد المشتري بعد التفرق بعض ما دفعه البائع إليه من الجنس
وبعضه من غير الجنس، بطل البيع في غير الجنس وصح في البعض الذي
وجده من الجنس، وتخير المشتري كما تقدم في نظير ذلك بين أن يفسخ
البيع فيرد الجميع، وأن يأخذ البعض الذي صح فيه البيع بحصته من
الثمن، فإذا اختار المشتري الثاني، كان للبائع أن يفسخ البيع في
الجميع إذا كان جاهلا بالحال، لتبعض الصفقة عليه.
[المسألة 378:]
إذا اشترى الانسان من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، وكان المبيع
كليا في ذمة البائع كما تقدم وحين قبضه المشتري منه قبل التفرق وجد
ما دفعه إليه البائع معيبا بأحد العيوب التي تقدمت الإشارة إليها قريبا،
تخير المشتري - على الأقوى - بين أن يرد على البائع الفرد المعيب الذي
قبضه منه ويستبدل بفرد صحيح، أو يرضى بالفرد المعيب الذي دفعه
إليه من غير أرش، سواء كان العوضان من جنس واحد أم كان المبيع
ذهبا بفضة أو فضة بذهب، وسواء ظهر العيب للمشتري قبل التفرق
أم بعده، وسواء كان العيب في جميع المبيع أم في بعضه.
[المسألة 379:]
إذا أراد الانسان أن يشتري من الصائغ خاتما أو قرطا أو قلادة
أو غيرها من المصوغات من الذهب أو الفضة، وأراد الصائغ أن يضيف
أجرة الصياغة إلى قيمة الذهب أو الفضة فلا يجوز أن يكون البيع بجنسه
للزوم الربا، بل يكون البيع بغير جنسه، أو مع إضافة ضميمة إلى
الشئ المبيع من غير جنسه تخلصه من الربا، ويكفي فص الخاتم
153

والفصوص التي تجعل في القرط أو القلادة إذا كانت ذات مالية، أن
تجعل هي الضميمة، فتجوز الزيادة في الثمن لذلك وإن كان من الجنس،
أو يباع الشئ المصوغ بأقل من مقداره من الجنس ويجعل باقي الثمن
مع الزيادة من غير الجنس، أو يشتري المشتري من الصائغ مقدارا غير
مصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه مثلا بمثل ثم يؤجره لصياغته
بأجرة معينة.
[المسألة 380:]
إذا كان للرجل في ذمة غيره دين من نقود ذهبية، ليرات عثمانية أو
باونات مثلا وكان الدائن يأخذ من المدين في كل شهر نقودا من الفضة
ريالات أو دراهم من سكة معينة، فإن كان ما يأخذه الدائن من المدين
بقصد استيفاء دينه، وكانت قيمة النقد الذهبي الذي يستحقه الدائن
بالريال الفضي الذي يأخذه من المدين معينة مضبوطة ولو في تلك
الفترة، فقيمة الليرة أو الباون تساوي عشرين ريالا في جميع تلك
المدة، فلا اشكال.
فإذا أخذ من المدين عشرة ريالات فقد استوفى من دينه نصف باون،
وإذا أخذ منه عشرين ريالا فقد استوفى باونا، وهكذا حتى يستكمل
جميع دينه.
وإذا اختلفت قيمة النقد الذي يستحقه، لوحظت قيمته في وقت
الأخذ، فإذا أخذ من عشرين ريالا في الشهر الأول، وكانت قيمة الباون
فيه تساوي عشرين ريالا، فقد استوفى من دينه باونا واحدا، وإذا
أخذ منه في الشهر الثاني عشرين ريالا أيضا وكانت قيمة الباون فيه
تساوي خمسة عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا وثلثا، وإذا
أخذ منه عشرين ريالا في الشهر الثالث، وكانت قيمة الباون فيه تساوي
ثمانية عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا وتسعا، وهكذا حتى
يستوفى جميع دينه.
وإذا كان ما يأخذه من المدين بقصد الاقتراض منه، بقيت النقود
الذهبية جميعها دينا في ذمة المدين، وكان ما يأخذه الدائن من النقود
154

الفضية دينا في ذمة الدائن، ويشكل أن يبيع أحدهما دينه بدين الآخر،
ويشكل أن يحتسبا أحد الدينين وفاء للآخر.
ويجوز لكل واحد منهما أن يصالح صاحبه عن دينه بما لصاحبه من
دين في ذمته، فيصالح الأول الثاني عن النقد الفضي الذي أخذه منه
بالنقد الذهبي الذي يستحقه في ذمته، أو بالعكس، ويجوز لهما أن
يبرئ كل منهما ذمة الآخر عن دينه.
وإذا كان ما يأخذه من المدين بقصد أن يبقى أمانة لديه إلى وقت
الحساب بينهما، بقي المبلغ أمانة عنده وبقي الدين في ذمة صاحبه حتى
يتم الحساب بينهما ويحصل الاستيفاء.
[المسألة 381:]
إذا اشتغلت ذمة الشخص لغيره بمبلغ من نقود معينة من الذهب أو
الفضة أو غيرهما، لزمه أداء المبلغ من ذلك النقد المعين، سواء بقيمت
قيمة النقد على حالها عند اشتغال الذمة به أم تغيرت بارتفاع أم بهبوط،
وسواء دفعه الدائن له قرضا أم كان ثمنا لمبيع أو عوضا في مصالحة أو
في معاملة أخرى أو صداقا لامرأة أم اشتغلت ذمته به من أي سبب آخر.
[المسألة 382:]
لا يجوز للرجل أن يبيع على الصائغ أو على غيره من العمال فضة
بفضة أو ذهبا بذهب مثلا بمثل، ويشترط عليه أن يصوغ له خاتما،
أو يخيط له ثوبا أو ينجر له بابا، أو يعمل له عملا آخر، فإن الشرط
المذكور زيادة في أحد العوضين، فيكون من الربا المحرم.
ويجوز أن يقول للصائغ صغ لي خاتما من فضة أو يقول للخياط
أو لغيره اعمل لي كذا ويذكر عملا معينا وأنا أبيعك عشرة مثاقيل من
الفضة الخالصة بعشرة مثاقيل من الفضة المغشوشة إذا قصد أن يكون
بيع المثاقيل المذكورة عليه أجرة له على عمله أو جعالة له عليه.
[المسألة 383:]
إذا صاغ الرجل حليا أو شيئا غيره من الذهب والفضة جميعا وأراد
بيعه جاز له أن يبيعه بالذهب مع زيادة الذهب في الثمن على الذهب
155

الموجود في المبيع، لتكون الزيادة مقابلة للفضة الموجودة فيه، ويجوز
له أن يبيعه بالفضة مع الزيادة في فضة الثمن كما ذكرنا في الذهب،
ويجوز له أن يبيعه بالجنسين معا، أو يبيعه بجنس آخر غيرهما،
ولا يجوز له أن يبيعه بمقدار ما فيه من الذهب وحده أو بمقدار ما فيه
من الفضة وحدها ولا يزيد في الثمن على ذلك.
[المسألة 384:]
ما يجتمع عند الصائغ من برادة الذهب والفضة المتساقطة في موضع
عمله من الذهب والفضة اللذين يصوغهما للناس، فتختلط ولا يعلم
بمالكها على الخصوص ولا بمقدار ما يملكه كل واحد منهم من برادة
ماله، الظاهر تحقق الأعراض من المالكين عن هذه الأجزاء المتساقطة
من أموالهم عند صياغتها، ولذلك فيجوز للصائغ أن يتملكها.
ولكن الأحوط استحبابا أن يبيعها ويتصدق بأثمانها عن مالكيها،
وإذا عرف صاحب المال فالأحوط أن يستأذنه في ذلك، وكذلك ما يتساقط
من قصاصات الثياب والخشب عند الخياط والنجار، وأجزاء الأشياء
الأخرى عند العمال الآخرين.
[الفصل الثالث عشر]
[في بيع السلف]
[المسألة 385:]
بيع السلف هو أن يبيع الانسان على غيره شيئا كليا في ذمته مؤجلا
إلى أجل مسمى، بثمن حاضر، فالسلف من حيث حضور الثمن وتأجيل
المبيع معاكس للنسيئة، ويقال له بيع السلم أيضا ومن كلمة السلم
تؤخذ المشتقات الأخرى الملابسات له، فالمشتري في هذه المعاملة يسمى
(مسلما) بكسر اللام، والبائع فيها مسلم إليه بفتح اللام، والثمن
الحاضر فيها مسلم بالفتح أيضا، والمبيع المؤجل مسلم فيه بالفتح
كذلك.
156

[المسألة 386:]
يصح في هذه المعاملة أن يكون ايجاب العقد من البائع، فيقول
للمشتري: بعتك طنا مثلا من الأرز العراقي العنبر الموصوف بصفة
كذا أدفعه إليك بعد مضي شهرين من هذا اليوم بثلاثمائة دينار عراقي
حاضرة، فيقول المشتري قبلت أو رضيت.
ويصح أن يكون الايجاب من المشتري، فيقول للبائع: أسلمت إليك
أو أسلفتك ثلاثمائة دينار عراقي حاضرة في طن من الأرز العراقي
العنبر الموصوف بصفة كذا المؤجل إلى أجل كذا، فيقول البائع قبلت
[المسألة 387:]
إذا كان المبيع والثمن كلاهما من غير الذهب والفضة، يصح أن يباع
أحدهما بالآخر بيع السلف إذا كان العوضان مختلفين في الجنس،
ويصح أن يباع أحدهما بالآخر كذلك إذا كان العوضان من جنس
واحد، وكان كلاهما أو كان أحدهما غير مكيل ولا موزون.
ولا يصح أن يباع أحدهما بالآخر سلفا إذا كانا من جنس واحد،
وكانا جميعا من المكيل أو الموزون، للزوم الربا على كل حال، إلا مع
الضميمة، وإذا أضيفت إلى العوضين أو إلى أحدهما ضميمة من غير
جنسهما خرج ذلك عن الفرض في المسألة.
وإذا كان المبيع والثمن كلاهما من الذهب والفضة، لم يصح بيع
أحدهما بالآخر سلفا، سواء اتحد الجنس في العوضين أم اختلف، وسواء
كانا معا أو كان أحدهما من الموزون أم من غيره، فلا يجوز بيع الذهب
بالذهب سلفا ولا بيع الفضة بالفضة، ولا بيع الذهب بالفضة ولا العكس
سواء كان النقد مما يوزن أم مما يعد كالمسكوكات من الفضة، ووجه
عدم الصحة أن بيع النقدين بعضهما ببعض بيع صرف يشترط في صحته
التقابض قبل الافتراق كما تقدم، فلا يصح مع تأجيل المثمن كما هو
معنى بيع السلف.
وإذا كان أحد العوضين من الذهب أو الفضة، وكان العوض الآخر
من غيرهما صح أن يباع أحدهما بالآخر بيع سلف، سواء كان الذهب
157

أو الفضة ثمنا أم مثمنا، وسواء كان العوضان أو أحدهما مما يوزن
أم كانا من غير المكيل ولا الموزون.
[المسألة 388:]
يشترط في صحة بيع السلف أن يكون المبيع مما يمكن ضبط أوصافه
التي يكون بسببها موضعا للرغبة أو قلتها، والتي تختلف باختلافها
قيمة الشئ بين الناس، كالجودة والرداءة واللون والطعم والرائحة،
والنوع، والصنف، وكال ما له دخل في توجه الطلب للشئ عند العقلاء.
وذلك كالحبوب على اختلاف أجناسها وأنواعها، وكالأقمشة والثياب
وسائر المنسوجات، وكالخضر والفواكه والمشروبات، والأدوية
والعقاقير، والأثاث، والأمتعة والأجهزة والآلات، والأدوات التي
يحتاج إليها في المنازل أو في المعامل، ووسائل النقل، والحيوان،
والانسان المملوك فيصح بيع السلف في ذلك كله، لامكان ضبط
أوصافه المطلوبة فيه.
ولا يصح في ما يتعذر أو يتعسر ضبط أوصافه، كالجواهر واللئالئ
والأرضين والبساتين وسائر العقارات وشبهها، فإن الجهالة في هذه
وأمثالها لا ترتفع بالوصف، ولا يرتفع الغرر والجهالة فيها إلا
بالمشاهدة.
[المسألة 389:]
يجب في بيع السلف ذكر جنس المبيع وذكر مميزاته التي ترفع
الجهالة وتوضح المراد منه فإذا كان المبيع من الحبوب ذكر أوصافه
الخاصة، فيذكر في الحنطة إنها حمراء أو بيضاء، وإنها من الجيد أو
المتوسط أو الردي وإنها من إنتاج أي البلاد ومن أي الأنواع إذا كان
لذلك دخل في تحديد المقصود منها، وكذلك في الأرز، فيذكر أنه من
انتاج أي البلاد ومن أي الأنواع، وإذا كان من العنبر العراقي مثلا
وكان العنبر أصنافا ذكر صنفه الذي يميزه عن غيره، وهكذا في بقية
الحبوب وفي الفواكه والخضر، وكذلك في الأقمشة والمنسوجات فيذكر
النوع والصنف وأنه من نسيج أي البلاد وأي المعامل، إذا كان لذلك
دخل في الوصف الكامل، ومثله الأجهزة والأدوات والوسائل الأخرى
158

فيذكر مميزاتها وموضحاتها حتى لا تبقى جهالة في المبيع ولا تؤدي إلى
ندرة وجوده أو انعدامه.
[المسألة 390:]
نسب إلى القول الأشهر بين العلماء أنه يشترط في صحة بيع السلف
أن يقبض الثمن قبل تفرق المتعاقدين من مجلس العقد، وفي اعتبار هذا
الشرط اشكال، ولذلك فلا يترك الاحتياط بأن يحصل القبض قبل
تفرقهما، وإذا تفرق المتعاقدان ولم يحصل القبض في جميع الثمن،
أو حصل القبض في بعضه دون بعض، احتاطا بالتقايل من المعاملة ثم
جددا المعاملة بينهما مع قبض الثمن جميعه قبل التفرق، أو احتاطا
بالمصالحة بينهما على وجه يرتفع به الاشكال في المعاملة.
[المسألة 391:]
إذا كان الشخص مدينا لغيره بمبلغ معين من النقود أو من غيرها،
فهل يصح للدائن أن يجعل دينه هذا ثمنا في بيع السلف، مثال ذلك
أن يكون علي مدينا لعبد الله بألف دينار مثلا، ثم يبدو لعلي وهو المدين
أن يبيع على دائنه وهو عبد الله أربعين وزنة من الأرز يدفعها له بعد
مضي شهرين بالمبلغ الذي لعبد الله في ذمته وهو الألف دينار.
فإن كان الدين المذكور الذي لعبد الله مؤجلا لم يصح أن يجعل ثمنا
في بيع السلف، وإن كان الدين حالا غير مؤجل فالأقوى صحة ذلك، وإن
لم يخل من اشكال.
وإذا اشترى عبد الله المبيع بألف دينار في ذمته، ثم حاسب عليا عن
الدين الأول فجعله وفاءا لما في ذمته من الثمن، أو تسالما فأبرأ كل واحد
منهما ذمة صاحبه عن دينه، فلا اشكال.
[المسألة 392:]
يجب أن يقدر المبيع في بيع السلف بما يتعارف تقديره به في
المعاملات الجارية بين الناس فيقدر المكيل منه بالكيل، والموزون بالوزن،
والمعدود بالعد، وما يضبط بالأذرع والأمتار يقدر بها، وما لا يجري
فيه ذلك كالسيارات والأجهزة اكتفى فيها بالوصف المحدد للشئ، وقد
159

يحتاج إلى ذكر مقدار حجمه أو مقدار طاقته ونحو ذلك مما تختلف فيه
القيم أو يتوقف عليه التعيين.
[المسألة 393:]
يجب أن يكون أجل المبيع في بيع السلف محددا مضبوطا فيحدده
المتعاملان بالأيام مثلا أو بالشهور أو السنين، ولهما أن يعينا الأجل
بالشهور العربية وبالشهور الإفرنجية وغيرها إذا كانت معلومة عند
الطرفين، وكذلك السنين.
ولا يصح أن يجعل الأجل إلى وقت جذاذ التمر أو قطاف العنب أو
الفاكهة الأخرى أو إلى حصاد الزرع أو دياسه، ونحو ذلك من الأوقات
غير المضبوطة، وإذ حدد الأجل بذلك بطل البيع.
ويصح أن يعين للمبيع أجلا قصيرا كيوم أو يومين، وأن يجعله طويلا
كخمس سنين أو أكثر.
[المسألة 394:]
يجب أن يكون وجود الشئ المبيع ممكنا بحسب العادة في وقت حلول
أجله وفي البلد الذي اشترط على البائع أن يسلم المبيع فيه، ومعنى
ذلك أن يكون البائع قادرا بحسب العادة على تسليم المبيع إلى المشتري
في الوقت المعلوم وفي البلد العلوم، وإن كان ذلك بالنقل إليه من
مكان آخر.
ونتيجة لذلك، فلا تصح المعاملة إذا كان البائع غير قادر على تسليم
المبيع في وقته وإن كان الشئ موجودا في البلد، كما إذا كان البائع
مسجونا لا يستطيع وهو في سجنه الحصول على المبيع وتسليمه، أو كان
في مفازة بعيدة لا يمكنه الوصول إلى البلد ليحصل فيه على ذلك.
[المسألة 395:]
لا يبعد أن اطلاق العقد في البيع يقتضي أن يسلم البائع المال المبيع
إلى مشتريه في مكان المطالبة به بعد حلول أجله، إلا أن تقوم قرينة
عامة أو خاصة على تعيين بلد المتعاقدين أو بلد العقد أو غيرهما أو
يكون العقد منصرفا عن المكان الذي طالبه المشتري فيه، ومثال ذلك
160

أن يطالبه المشتري بتسليم المبيع في موضع بعيد عن وطنهما، فلا يجب
على البائع التسليم في ذلك الموضع.
والأحوط لزوما أن يعين في العقد موضع التسليم، وخصوصا إذا
اختلفت الأمكنة في صعوبة نقل المال إليها والتسليم فيها واحتياج ذلك
إلى بذل المال.
[المسألة 396:]
إذا جعل المتبايعان أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من
الشهور العربية، واتفق أن المعاملة بينهما وقعت في أول الشهر وجب
أن يتم الأجل في المعاملة بالأشهر الهلالية سواء كانت تامة أم ناقصة.
وإذا كان وقوع المعاملة بينهما في أثناء الشهر العربي، لفقاه فعدا
من الشهر الأخير مقدار ما مضى من الشهر الأول، فإذا كانت المعاملة
في العاشر من شهر رجب مثلا، وكان الأجل شهرا واحدا عدا من شهر
شعبان مقدار ما مضى من رجب، فيحل الأجل في العاشر من شعبان،
سواء كان رجب ناقصا أم تاما، وإذا كان أجل المبيع شهرين أتما شهر
رجب إلى الهلال، وعدا شهر شعبان ما بين الهلالين ثم عدا من شهر
رمضان مقدار ما مضى من شهر رجب، فيحل الأجل في العاشر من شهر
رمضان، سواء كان رجب وشعبان تامين أم ناقصين أم مختلفين، وكذلك
إذا كان الأجل ثلاثة أشهر فيحل الأجل في العاشر من شهر شوال سواء
كانت الأشهر المتوسطة تامة أم ناقصة أم مختلفة.
والأحوط أن يتم الشهر الأول المنكسر وهو شهر رجب ثلاثين يوما،
وأحوط من ذلك أن يقع التصالح بين المتعاقدين عن ذلك.
[المسألة 397:]
إذا جعل أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من الشهور
الإفرنجية، وجب أن يتم أيام الشهر بما يكمل عدته، سواء كانت عدته
ثلاثين يوما أم أقل من ذلك أم أكثر، وسواء كان وقوع المعاملة في
ابتداء الشهر أم في أثنائه، وكذلك الشهور الشمسية.
161

[المسألة 398:]
إذا حدد المتعاقدان الأجل بمجئ أحد الشهور، فقالا إلى شهر رجب
أو إلى شهر شعبان حل الأجل بأول جزء من ليلة هلال ذلك الشهر، وكذا
إذا قالا في أو رجب أو في شهر رجب.
وإذا قالا في آخر شهر رجب، حل الأجل في آخر جزء منه.
وإذا قالا إلى شهر ربيع أو إلى شهر جمادى ولم يذكرا أي الربيعين
أو أي الجماديين حمل على أولهما من هذه السنة، فإذا كانا قد مضيا
من هذه السنة، كما إذا كان بيع السلف في شهر رجب حمل على أول
الربيعين وأول الجماديين من السنة الآتية.
وإذا قالا إلى الجمعة أو إلى السبت مثلا فالمراد أقرب جمعة أو أقرب
سبت إليهما، وحل الأجل في أول جزء من نهار الجمعة أو السبت
المذكورين.
وإذا قالا إلى أول جمعة من الشهر أو إلى آخر جمعة منه وكان الشهر
المعين غير معلوم الأول أشكل الحكم بالصحة، فلا يترك الاحتياط ولو
بالتقايل في المعاملة ثم تجديدها مع الأجل المعين أو المصالحة بينهما
عن ذلك.
[المسألة 399:]
لا يجوز للمشتري أن يبيع المال الذي اشتراه ببيع السلف إذا كان
الثمن الذي يريد بيعه به من جنس المال المبيع وكان العوضان كلاهما
من المكيل أو الموزون مع زيادة أحد العوضين على الآخر في المقدار للزوم
الربا المحرم.
ومثال ذلك أن يشتري الرجل من أحد عشر وزنات من الحنطة مؤجلة
إلى أجل مسمى، ثم يريد أن يبيع الحنطة المذكورة التي اشتراها بعشر
وزنات ونصف من الحنطة كذلك، فيكون ذلك محرما لاجتماع شروط
الربا في هذا البيع، وهو واضح. سواء كان البيع قبل أن يحل أجل
المال أم بعد حلوله، وسواء كان البيع الثاني على بائعه الأول أم على
غيره، وسواء كان الثمن في البيع الثاني حالا أم مؤجلا.
162

[المسألة 400:]
الأحوط لزوما أن يجتنب المشتري بيع المال الذي اشتراه سلفا قبل
أن يحل أجله في غير المكيل والموزون أيضا، ومثال ذلك أن يشتري
الرجل ببيع السلف خمسين مترا من قماش مخصوص مؤجلة إلى أجل
معين، ثم يريد أن يبيع ما اشتراه قبل أن يحل أجله، فلا يجوز له ذلك
على الأحوط، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره، وسواء كان
الثمن في البيع الثاني من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، وسواء
كان الثمن المذكور حالا أم مؤجلا، وسواء كان العوضان في البيع الثاني
متساويين أم متفاوتين في المقدار.
[المسألة 401:]
إذا حل أجل المال الذي اشتراه الرجل ببيع السلف، جاز له بيعه،
سواء كان المبيع مما يكال أو يوزن أم كان من غيرهما، وسواء أراد
المشتري بيع المال على بائعه الأول أم على غيره وسواء كان الثمن الذي
يبيعه به من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، فيجوز له جميع ذلك
ويصح منه، إلا إذا كان المال مما يكال أو يوزن وأراد بيعه بثمن من
جنسه مع التفاوت بين العوضين في المقدار، فيحرم ذلك للزوم الربا
وقد ذكرنا ذلك آنفا.
[المسألة 402:]
إذا حل أجل المال الذي اشتراه الانسان سلفا ولم يقبض المال بعد
من بائعه، وكان المال من المكيل أو الموزون، ورغب في أن يبيعه مرابحة،
جاز له أن يبيعه مرابحة كذلك على بائعه الأول، ولا يترك الاحتياط
باجتناب بيعه مرابحة على غير بائعه.
[المسألة 403:]
إذا حل الأجل الذي حدده المتبايعان للمال المبيع ودفع البائع المال على
حسب ما عيناه في العقد من الجنس والأوصاف والمقدار وجب على
المشتري قبول ما دفعه إليه، وإذا دفعه إليه على حسب ما ذكراه من
الجنس ودون ما عيناه من الصفة لم يجب على المشتري قبول ما دفعه
إليه، وإذا رضي المشتري به وإن كان ناقص الصفة وقبضه منها راضيا
163

به عن حقه أجزأ وبرئت ذمة البائع، وإذا رضي المشتري به ولم يقبضه
لم تبرأ ذمة البائع على الظاهر.
وكذلك الحكم إذا دفع البائع المال للمشتري ناقصا عن المقدار المعين،
فلا يجب على المشتري قبول الناقص وإذا قبضه راضيا به عن حقه وإن
كان أقل منه أجزأ وبرئت ذمة البائع، ولا تبرأ ذمته إذا رضي المشتري
بالمدفوع ولم يقبضه.
[المسألة 404:]
إذا دفع البائع المال المسلم فيه إلى المشتري فوق الصفة التي اشترطها
له في العقد، فإن كان مراد المشتري من اشتراط الصفة في المال أن
لا يكون ما يدفعه البائع إليه دون الصفة فالظاهر وجوب القبول على
المشتري إذا دفعه إليه فوق الصفة المشترطة، وإن كان مراد المشتري
أن يكون ما يدفعه البائع إليه على هذه الصفة المعينة لا دونها ولا فوقها،
لم يجب على المشتري القبول، وإذا دفع البائع المال إلى المشتري زائدا
على ما عيناه في العقد من المقدار لم يجب عليه القبول.
[المسألة 405:]
إذا حل الأجل المعين لدفع المال المسلم فيه ولم يقدر البائع على أدائه
لأحد الأعذار التي أوجبت له العجز عن ذلك، كان المشتري مخيرا بين
أن يفسخ البيع فيرجع على البائع بالثمن الذي دفعه إليه، وأن يصبر
إلى أن تحصل القدرة للبائع على أداء المال، وليس له أن يطالب البائع
بقيمة المبيع في وقت حلول أجله إذا كانت القيمة أكثر من الثمن المسمى
بينهما في المعاملة.
وإذا تمكن البائع من أداء بعض المبيع وعجز عن أداء بعضه، كان
المشتري مخيرا في الباقي الذي عجز البائع عن أدائه بين أن يفسخ البيع
فيه فيسترد من البائع حصته من الثمن، وأن يصبر إلى أن تحصل القدرة
للبائع على تحصيل ذلك البعض وأدائه، ويشكل الحكم بجواز الفسخ
له في الجميع.
164

وإذا اختار المشتري الفسخ في البعض الذي عجز عنه البائع ففسخ
العقد فيه، ثبت للبائع جواز الفسخ في الجميع.
[المسألة 406:]
إذا لم يوجد المبيع في البلد الذي وجب على البائع التسليم فيه وكان
موجودا في بلد آخر فإن أمكن للبائع أن ينقل المال إلى بلد التسليم ويدفعه
للمشتري فيه وجب عليه ذلك وفاءا بالعقد، وإن لم يقدر البائع على
ذلك أو كان نقل المال من البلد الذي يوجد فيه إلى موضع التسليم موجبا
للحرج أو الضرر على البائع تخير المشتري بين فسخ العقد، فيسترد
الثمن من البائع وأن ينتظر حتى تحصل القدرة للبائع على نقل المال
ولهما أن يتراضيا على تسليم المال المبيع في الموضع الذي يوجد فيه أو
في موضع آخر يمكنه نقله إليه.
[الفصل الرابع عشر]
[في بيع الثمار والزرع]
[المسألة 407:]
لا يجوز - على الأحوط - للمالك أن يبيع ثمرة عام واحد من النخيل
والشجر قبل أن تظهر الثمرة فيها إذا لم يضم إلى الثمرة التي يريد
بيعها ضميمة أخرى، وإن كان لجواز البيع وجه قوي، ولكن الاحتياط
في الامتناع عن بيعها كذلك لا يترك، ويجوز له أن يبيعها عاما واحدا
إذا أضاف إلى الثمرة ضميمة غيرها فباع الثمرة مع الضميمة معا،
ويجوز له أن يبيع ثمرة عامين أو أكثر من ذلك، وإن لم تظهر الثمرة،
ولم يضم إليها ضميمة، وسيأتي بيان المراد من الضميمة المقصودة في
المقام والشروط المعتبرة فيها.
[المسألة 408:]
إذا ظهرت الثمرة في النخيل والشجر، وبدا صلاح الثمرة، جاز
للمالك أن يبيعها عاما واحدا وعامين، وأكثر من ذلك، ولم يفتقر
في صحة البيع وجوازه إلى ضم ضميمة معها. وإذا ظهرت الثمرة فيها
165

ولم يبد صلاح الثمرة جاز للمالك أن يبيعها إذا كان المبيع ثمرة عامين
أو أكثر، ويجوز له أن يبيع ثمرة عام واحد إذا ظهرت الثمرة ولم يبد
صلاحها، إذا ضم إلى الثمرة المبيعة ضميمة أخرى، فباع الثمرة مع
الضميمة.
ونتيجة لما ذكرنا في المسألة، فيجوز للمالك بيع الثمرة بعد ظهورها،
إذا بدا صلاح الثمرة، أو أراد المالك بيع ثمرة عامين أو أكثر، أو
أراد بيعها مع الضميمة، ولا اشكال في الجواز في هذه الموارد.
وإذا ظهرت الثمرة، ولم يبد صلاحها، وأراد المالك بيع ثمرة عام
واحد من غير ضميمة، فالظاهر جواز بيعها أيضا، وإن كان الأحوط
الترك في هذه الصورة.
[المسألة 409:]
يبدو صلاح الثمرة في النخيل إذا اصفرت الثمرة أو احمرت، ويبدو
صلاح الثمرة في غير النخيل من الشجر إذا انعقد الحب فيها بعد تناثر
ورده، ولا اعتبار في أن يكون الثمر قابلا للأكل بحسب العادة وعدم
ذلك.
[المسألة 410:]
يشترط في الضميمة التي يجوز معها بيع الثمرة قبل ظهورها أو
بعد ظهورها وقبل بدو الصلاح فيها: أن تكون الضميمة مما يصح بيعها
منفردة، وأن تكون مملوكة لمالك الثمرة، وأن يكون الثمن في البيع
ثمنا للضميمة والثمرة التي يراد بيعها معها على نحو الإشاعة بينهما.
ولا فرق بين أن تكون الضميمة مستقلة أو تابعة أو متبوعة، ومثال
الضميمة المستقلة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة قبل ظهورها،
ويحتاج كذلك إلى بيع وزنتين أو أكثر من الحنطة، فيبيعهما معا بعقد
واحد وثمن واحد، فتكون الحنطة مبيعا مقصودا بالبيع بالأصالة، كما
هي ضميمة مصححة لبيع الثمرة في الوقت نفسه، ومثال الضميمة
التابعة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة فيضم إليها شيئا آخر مما يملكه
ليصحح به بيع الثمرة، حقة أو حقتين من السكر مثلا، فالضميمة
166

المذكورة غير مقصودة بالأصالة وإنما يبيعها بتبع الثمرة، فهي تابعة
غير مستقلة، ومثال الضميمة المتبوعة أن يريد المالك بيع الثمر ولما
احتاج إلى الضميمة باع الشجر مع الثمرة معا، فالأصول ضميمة متبوعة،
ويصح بيع الثمرة في جميع ذلك.
[المسألة 411:]
يصح لمالك النخيل أو مالك الشجر أن يبيع الثمرة قبل ظهورها أو
بعد ظهورها وقبل بدو صلاحها، ويجعل نفس أصول النخيل أو الشجر
ضميمة مع الثمرة فيبيعهما معا، كما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.
[المسألة 412:]
إذا أراد الانسان بيع ثمرة نخيله واحتاج في بيعها إلى ضميمة، فله
أن يجعل السعف اليابس والكرب الموجودين في النخل ضميمة في البيع،
فيصح له بيع الثمرة معها، وكذلك إذا أراد بيع ثمرة الشجر، فله أن
يضم إلى الثمرة ما في الشجر من غصون يابسة أو ما في البستان من
شجر يابس.
[المسألة 413:]
إذ ظهر ثمر بعض الشجر في البستان، ولم يظهر في البعض الآخر،
جاز للمالك أن يبيع جميع الثمرة في البستان ما ظهر منها وما يتجدد
منها بعد ذلك، لعام واحد أو أكثر، ولم يحتج في جواز البيع إلى
الضميمة، سواء كان الثمر من جنس واحد أم من جنس مختلف.
وكذلك الحكم في الشجرة الواحدة إذا ظهر بعض ثمرتها، فيجوز
لمالكها أن يبيع جميع ثمرتها ما ظهر منها وما يتجدد بعد ذلك لسنة
واحدة أو أكثر، وإذا ظهرت ثمرة بستان جاز لمالكه أن يبيع ثمرة هذا
البستان مع ثمرة بستان آخر له لم تظهر ثمرته بعد، سواء أراد بيع
الثمرة لعام واحد أم أكثر.
[المسألة 414:]
إذا كان الشجر مما يثمر في العام مرتين وأراد مالكه أن يبيع الثمرتين
معا لعام واحد قبل ظهورهما فالأحوط أن لا تباع كذلك لا مع الضميمة،
167

ولا يجري فيه حكم بيع الثمر لعامين، وقد ذهب بعض الأكابر إلى جريان
هذا الحكم فيه، فأجاز فيه بيع الثمرتين معا لعام واحد من غير ضميمة،
وهو غير بعيد، ولكن الاحتياط فيه مما لا يترك.
[المسألة 415:]
إذا باع المالك ثمرة النخيل أو ثمرة الشجر عاما أو عامين أو أكثر
من ذلك على الوجوه التي تقدم بيانها ملكها المشتري، فإذا باع المالك
بعد ذلك أصول النخيل أو الشجر على شخص آخر انتقلت الأصول إلى
مشتريها مسلوبة هذه المنفعة، ولم يبطل بيع الثمرة بذلك، وإذا كانت
للأصول منافع أخرى غير الثمرة المبيعة كالسعف والغصون اليابسة
ونحو ذلك فهي ملك لمشتري الأصول، فإذا انقضت الثمار المبيعة،
وأثمرت الأصول بعد ذلك ثمارا جديدة كانت ملكا لمشتري الأصول.
[المسألة 416:]
إذا باع مالك النخيل أو الشجر ثمرتها على أحد كما تقدم ثم باع
أصولها على شخص آخر، وكان مشتري الأصول جاهلا ببيع الثمرة على
غيره كان له الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع الأصول ويسترد ثمنها
من البائع إذا كان قد دفعه إليه.
[المسألة 417:]
إذا باع مالك النخيل أو مالك الشجر ثمرتها على النهج المتقدم ذكره،
ثم مات البائع لم يبطل البيع بموته، وبقيت الثمرة ملكا لمشتريها،
وانتقلت أصول النخيل وأصول الشجر إلى ورثة مالكها مسلوبة المنفعة
مدة الثمار المبيعة، ولا خيار لهم في بيع الثمرة، فإذا انقضت الثمار
المبيعة ملكوا الثمرة التي تتجدد بعدها، وإذا مات مشتري الثمرة قبل
استيفائها انتقلت الثمرة إلى ورثته من بعده.
[المسألة 418:]
لا يجوز لمالك الأصول أن يتصرف في الأصول بما ينافي ملك الثمرة،
كما إذا أراد أن يقلع الأصول فلا تثمر، أو يمنعها من السقي فلا تبلغ
الثمرة، أو يتصرف فيها تصرفا يتلف الثمرة.
168

[المسألة 419:]
إذا باع المالك الثمرة، فأصابتها أحد الآفات وتلفت قبل أن
يقبضها المشتري من بائعها انفسخ البيع ورجعت الثمرة إلى بائعها
وكان تلفها من ماله، واسترد المشتري ثمنها إذا كان قد دفعه للبائع،
كما فصلنا القول فيه في المسألة المائتين والسابعة والثمانين وما بعدها
في فصل التسليم والقبض، وقد تقدم هناك بيان معنى القبض أيضا.
وكذلك الحكم إذا سرق الثمرة سارق أو نهبها قبل أن يقبضها
المشتري، فينفسخ البيع ويرجع كل مال من العوضين إلى مالكه الأول
فيكون تلف الثمرة من مال بائعها.
ولا يعم هذا الحكم ما إذا أتلف البائع بنفسه الثمرة أو أتلفها شخص
آخر يمكن للمشتري أن يرجع عليه ويأخذ بدل التالف منه، فإن البيع
لا ينفسخ في هاتين الصورتين، ويرجع المشتري بمثل التالف أو قيمته
على البائع في الصورة الأولى، ويرجع بهما على الشخص المتلف للثمرة
في الصورة الثانية، وقد فصلنا القول في هذا في المسألة المائتين والتاسعة
والثمانين فليرجع إليها من أراد.
[المسألة 420:]
إذا باع المالك الثمرة وقبضها المشتري، ثم أصابتها بعد ذلك إحدى
الآفات فتلفت، أو سرقها منه سارق أو نهبها، فهي من مال المشتري
ولا شئ له على البائع.
[المسألة 421:]
يصح لمالك البستان أن يبيع ثمرته على المناهج التي تقدم بيانها
ويستثني لنفسه أو لغيره ثمرة نخلة أو نخلات معينة وشجرة أو شجرات
معينة، فلا تدخل في المبيع، فإذا طرأت على النخلات أو الشجرات التي
استثناها أو على بعضها آفة فأفسدت ثمرتها خاصة لم ينقص بسبب
ذلك من الثمرة المبيعة شئ فهي جميعها لمشتريها، وكذلك الحكم في
العكس، فإذا أصابت ثمرة البستان آفة فأفسدت جميعها بعد القبض
أو أفسدت بعضها ولم يفسد من ثمرة النخلات أو الشجرات المستثنيات
169

شئ فهي جميعا لمالكها ولا نقص عليه بسبب فساد ثمرة البستان،
ومثله الحكم إذا غصب الثمرة غاصب أو سرقها سارق في كلا الفرضين.
[المسألة 422:]
يجوز لمالك النخيل والشجر أن يبيع ثمرتها على المناهج التي تقدم
ذكرها ويستثني لنفسه حصة مشاعة من الثمرة: الثلث منها أو الربع
مثلا، ويجوز له أن يستثني لنفسه مقدارا معينا من الوزن: منا أو
منين من التمر أو من العنب على سبيل الإشاعة، ويجوز له أن يستثني
لنفسه مقدارا معينا من الوزن كذلك، منا أو منين، بنحو الكلي في
المعين.
والفارق بين الصورتين الأخيرتين هو قصد المتبائعين، فإذا قصدا
أن للبائع حصة من الثمرة مقدارها منان شائعة في مجموع الثمرة
بحيث يكون كل جزء من الثمرة مشتركا بين البائع والمشتري، كان
من الصورة الأولى، وإذا قصد أن للبائع منين مرددين بين مجموع
الأمنان المعينة الموجودة من الثمرة كان من الصورة الثانية.
[المسألة 423:]
إذا أصابت البستان أحد الآفات فأفسدت بعض ثمرته وبقي
بعضها اختلف الأثر في المسألة المتقدمة باختلاف فروضها، فإن كان
المستثني للبائع حصة مشاعة من الثمرة وزع الباقي من الثمرة على
المشتري والبائع بحسب مالهما من الحصص في الثمرة، ولم يحتج إلى
تخمين مقدار التالف منها، فإذا كانت حصة البائع من الثمرة هي الربع
مثلا، وزع الباقي كذلك فكان الربع من الباقي للبائع وثلاثة أرباعه
للمشتري وإذا كانت الحصة المستثناة للبائع من الثمرة هي الثلث كان
له الثلث من الباقي والثلثان للمشتري، وهكذا.
وإذا كان ما استثناه البائع لنفسه من الثمرة مقدارا معينا من
الوزن على سبيل الإشاعة في مجموع الثمرة، كان الطريق إلى معرفة
النقص هو التخمين من أهل الخبرة، فإذا كان التالف في نظر أهل الخبرة
بسبب الآفة هو ربع الثمرة مثلا، سقط من المقدار المعين للبائع ربعه،
170

فإذا كان المقدار المعين له منين من التمر أو من العنب، سقط منه ربع
المنين، وإذا كان التالف في نظر أهل الخبرة هو ثلث الثمرة سقط من
المنين ثلثهما وكان الباقي للمشتري.
وإذا كان المستثنى للبائع من الثمرة مقدارا معينا من الوزن بنحو
الكلي في المعين، فالأحوط المصالحة بين البائع والمشتري في تحديد
ما يصيبهما من الخسارة.
[المسألة 424:]
بيع الثمار وهي على النخيل والأشجار إذا اجتمعت شروطه ومناهجه
المتقدمة كسائر البيوع والمبيعات الأخرى، فيجوز بيعها بكل ما يصح
أن يكون ثمنا لغيرها من الأشياء، فتباع بالنقود والأمتعة، والحبوب
والحيوان وسائر الأعيان المملوكة والمنافع والأعمال، والحقوق القابلة
للنقل والانتقال والتي تعد أموالا في نظر العقلاء كما فصلناه في المسألة
المائة والسابعة عشرة.
نعم، لا يجوز أن يباع التمر على النخل بالتمر من النخل المبيع نفسه،
والظاهر عدم التحريم إذا كان الثمن من تمر غيره سواء كان في الذمة
أم في الخارج، والأحوط استحبابا تركه، ولا يجوز بيع الثمر على
الشجر إذا كان الثمن من ثمر ذلك الشجر المبيع ولا يحرم إذا كان
من غيره.
[المسألة 425:]
إذا اشترى الانسان الثمرة وهي على أصولها، مع أحد الوجوه
المصححة لبيعها، جاز لها أن يبيعها على غيره، سواء كان قد قبضها من
مالكها أم لم يقبضها بعد، وسواء كان الثمن الذي يريد أن يبيعها به
بمقدار الثمن الذي اشتراها به أم أقل منه أم أكثر.
[المسألة 426:]
إذا بذر المالك الأرض ولم يظهر الزرع بعد، فلا يجوز له أن يبيعه
قبل ظهوره، وتجوز له المصالحة عليه، ويجوز له أن يبيع الأرض
ويبيع الزرع معها المبذور فيها بتبعها، سواء أراد بيعهما كذلك بثمن
171

واحد لهما معا، أم جعل لكل واحد منهما ثمنا غير ثمن الآخر، وإذا ظهر
الزرع، وبدت خضرته، جاز لمالكه أن يبيعه قصيلا، وجاز له أن يبيع
جميع الزرع: القدر الظاهر منه مع جذوره وأصوله الثابتة في الأرض.
[المسألة 427:]
إذا ظهر الزرع فباعه مالكه قصيلا - والقصيل هو ما يقطع منه
وهو أخضر لعلف الحيوان - فإن كان قد بلغ أوان قصله، أو لم يبلغ
ذلك، ولكن المشتري قد اشترط على بائعه أن يبقى قائما في الأرض
إلى أوان قصله، أو كانت بين الزراع عادة متبعة أن يبقى الزرع المبيع
قائما إلى أوان القصل، اتبع ذلك، وإذا اشترط البائع على المشتري
أن يقطعه قبل ذلك اتبع شرطه، فإذا قطعه المشتري كذلك فقد استوفى
حقه، فإذا نما الزرع بعد ذلك فالناتج الجديد ملك للبائع وإذا سنبل
فالسنبل ملك له وإذا بلغ أوان قصله فلم يقطعه المشتري كان للبائع
الزامه بالقطع، ويجوز له ابقاؤه ومطالبة المشتري بأجرة الأرض مدة
بقائه فيها، وإذا أبقاه حتى سنبل الزرع أشكل الحكم في السنبل، هل
يكون ملكا للمشتري أو يكون ملكا للبائع أو مشتركا بينهما، ولا يترك
الاحتياط بالمصالحة.
[المسألة 428:]
إذا ظهر الزرع فباعه المالك مع أصوله الثابتة في الأرض كان الزرع
كله ملكا للمشتري، فيجوز له أن يقطعه قصيلا، ويجوز له أن يتركه
حتى ينمو ويسنبل إذا أذن له البائع بابقائه في الأرض، أو كان المشتري
قد اشترط على البائع أن يبقى الزرع قائما فيها، وعلى المشتري أجرة
الأرض لمالكها مدة بقاء الزرع عليها، إلا إذا اشترط عليه أن يبقى
الزرع قائما في أرضه بدون أجرة حتى يسنبل، فيتبع شرطه، فإذا
سنبل الزرع كان السنبل ملكا للمشتري.
وإذا قطع المشتري الزرع قصيلا، ثم نمت أصوله بعد القطع وسنبلت
كان النمو المتجدد والسنبل ملكا للمشتري وعليه أجرة الأرض لمالكها
على الأحوط.
172

[المسألة 429:]
لا يصح بيع السنبل قبل أن يظهر في الزرع وينعقد حبه، فإذا ظهر
السنبل وانعقد الحب فيه جاز بيعه، فيصح للمالك حين ذاك أن يبيع
السنبل وحده، وأن يبيعه مع أصوله، قائما على الأرض أو محصودا،
ويكتفى في بيعه في هذه الحالات بالمشاهدة، فلا يشترط فيه معرفة
مقداره بالكيل أو الوزن، فإذا ديس وصفيت الغلة منه وأريد بيعها
بعد ذلك فلا بد من الكيل أو الوزن.
[المسألة 430:]
لا يجوز بيع سنبل الحنطة من نفس السنبل المبيع، ولا بيع
سنبل الشعير بشعير من ذلك السنبل نفسه لاتحاد الثمن والمثمن،
ويسمى ذلك بالمحاقلة، ولا يحرم بيع سنبل الحنطة بحنطة أخرى من غير
ذلك السنبل سواء كان الثمن حنطة في الذمة أم في الخارج، وكذلك
سنبل الشعير فلا يحرم بيعه بشعير آخر.
ويجري الحكم المذكور في جميع الحبوب، فلا يصح بيع سنبل الأرز
والدخن والذرة والماش والعدس وغيرها بحب من نفس السنبل المبيع،
ويجوز إذا كان الثمن حبا من جنسه من غير السنبل المبيع.
[المسألة 431:]
لا يجري حكم الربا في المعاملة في البيع المذكور لأن السنبل غير مكيل
ولا موزون كما ذكرنا آنفا، فيجوز البيع وإن تفاوت العوضان في
المقدار.
[المسألة 432:]
لا يجوز بيع الخضر قبل ظهورها، سواء كانت الخضرة مما يلقط
كالخيار والباذنجان أم مما يقلع كالفجل والبصل، أم مما يجز كالكراث
والنعناع والريحان، وكذلك الحكم في ألقت وشبهه مما يزرع لعلف
الدواب، فإذا ظهرت الخضر جاز بيعها كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
[المسألة 433:]
إذا ظهرت الخضرة جاز بيعها، فإذا كانت مما يلقط كالخيار
173

والباذنجان والطماطة واليقطين والبطيخ، صح بيعها وهي في شجرها:
لقطة واحدة، ولقطات معينة العدد، ويرجع في تحديد اللقطة إلى عرف
الزراع وعادتهم المتعارفة بينهم في ذلك، فبعض الخضر يلقط يوما
ويترك يوما، وبعضها يترك أكثر من ذلك، وبعض نتاج الخضرة
لا يلقط في المرة الأولى لصغره فيترك للمرة الثانية، وقد لا يعدون
ما تنتجه المزرعة في باكورتها لقطة، لقلته، أو لعزته وغلاء ثمنه.
[المسألة 434:]
إنما يصح بيع ما يلتقط من الخضرة - وهو في شجره كما ذكرنا - إذا
كان النتاج مشاهدا، لترتفع بذلك الجهالة في المبيع، فيشكل الحكم
بصحة البيع إذا كان النتاج غير مشاهد، وتكفي مشاهدة ما تمكن
مشاهدته من النتاج من خلال ورق الشجر، بحيث يرتفع معظم الجهالة
بذلك، ولا ينافي ذلك أن لا يشاهد بعضها الذي يستره الورق أو يكون
بين المدر، وإذا باعه لقطتين أو أكثر فلا يضر في صحة البيع إن ما عدا
اللقطة الأولى منها غير موجود حين البيع، لأنه مبيع بضميمة اللقطة
الأولى.
[المسألة 435:]
إذا كانت الخضرة المقصودة بالشراء مستورة في الأرض غير مشاهدة
كالجزر والشلجم والثوم، أشكل الحكم بجواز بيعها حتى تقلع،
ويصح الصلح عليها.
[المسألة 436:]
إذا كانت الخضرة مما تجز ثم تنمو كالكراث والريحان والنعناع
والكرفس جاز بيعها بعد ظهورها جزة واحدة وجزات معينة العدد،
والقول في تحديد الحد والجزات هو القول في تحديد اللقطة واللقطات،
فيرجع فيه إلى ما يتعارف بين أهل الزراعة، وتضم الجزات المتأخرة
وإن كانت معدومة حين البيع إلى الجزة الموجودة فيصح بيعها معا كما
تضم ثمرات السنين الآتية إلى الثمرة الموجودة في العام الحاضر فيصح
بيعها.
174

ويباع ما يتعارف بيع ورقه كالحناء بعد ظهور الورق فيه خرطة
واحدة أو خرطات، والمرجع في الخرطة أيضا هو المتعارف بين أهل ذلك
العرف الخاص، وكذلك ورق التوت إذا تعارف بيعه كذلك لدود القز،
فيباع خرطة وخرطات.
[المسألة 437:]
إذا كانت ثمرة النخيل مشتركة بين مالكين، جاز لأحد الشريكين
أن يتقبل حصة شريكه الآخر من الثمرة، فيخرص مجموع ثمرة النخيل
المشتركة بمقدار معلوم، ويتقبل حصة شريكه من ثمرة النخيل بمقدار
حصته من مقدار الخرص، فيملك حصة شريكه بذلك، سواء زاد
الخرص على مقدار الحصة في الواقع أم كان مساويا لها أم أنقص منها.
ومثال ذلك أن يكون زيد وعمرو مشتركين في الثمرة على وجه
المناصفة بينهما، فيخرص زيد مجموع الثمرة المشتركة بعشرين وزنة
من التمر، ويتقبل حصة شريكه من الثمرة بعشر وزنات وهو نصف
مجموع الثمرة بحسب الخرص، فتكون حصة عمرو من الثمرة ملكا
لزيد بسبب هذه المعاملة ويجب عليه أن يدفع لعمرو عشر وزنات من
التمر سواء كان ذلك زائدا على نصف الثمرة في الواقع أم مساويا أم
ناقصا عنها.
ولا فرق في الحكم بين أن تكون الثمرة مشتركة بين شريكين فقط
أو أكثر، وسواء تساوت حصص الشركاء في الثمرة أم تفاوتت، فإذا
خرص الشريك مجموع الثمرة، وتقبل حصص شركائه بمقدار حصصهم
من الخرص ملك حصصهم، سواء تساوت أم تفاوتت، وعليه أن يؤدي
لكل واحد منهم مقدار حصته من الخرص المعلوم.
[المسألة 438:]
يجوز أن يجعل المقدار الذي يتقبل به حصة الشريك كليا ثابتا في
ذمته، ويجوز أن يجعله مقدارا من الثمرة نفسها، فإذا تلفت الثمرة
بحدوث بعض الآفات فإن كان ما تقبل به الحصة كليا في ذمته لم يسقط
عنه ضمان حصة شريكه بتلف الثمرة فيجب عليه دفع المقدار الذي
175

تقبل الحصة به، وإن كان ما تقبل به الحصة مقدارا من الثمرة نفسها
فلا ضمان عليه إذا تلفت الثمرة.
[المسألة 439:]
يجري الحكم المتقدم بيانه في ثمر الشجر وفي الزرع أيضا إذا كان
الثمر أو الزرع مشتركا بين الرجل وبين غيره، فيجوز له أن يتقبل
حصة شريكه من ثمر الشجر ومن نتاج الزرع، سواء كان الشريك
واحدا أم أكثر، وسواء تساوت حصص الشركاء أم تفاوتت، على النهج
الذي تقدم ذكره في تقبل ثمرة النخيل من غير فرق بينها في الآثار
والأحكام.
[المسألة 440:]
الظاهر أن تقبل حصة الشريك من الثمرة ومن الزرع معاملة
مستقلة بنفسها وليست بيعا ولا صلحا، ويصح ايقاعها بلفظ الصلح
وبكل لفظ يكون ظاهرا في المعنى المقصود ودالا عليه في متفاهم الناس
العقلاء وليس لها صيغة خاصة.
[المسألة 441:]
يجوز للانسان إذا مر بنخل أو شجر مثمر أن يأكل من الثمر بمقدار
شبعه، سواء كانت به ضرورة عرفية إلى الأكل منه أم لم تكن، فله أن
يأكل مما على النخل أو الشجر من الثمرة أو مما تساقط منه، بشرط أن
لا يحمل من الثمرة شيئا، وأن لا يفسد للثمر أو للأغصان أو للأرض
أو لشئ من ممتلكات صاحب المال، والظاهر أنه يجوز له الأكل منها
وإن كان قاصدا من أول الأمر أن يأكل من ثمرة النخل أو الشجر إذا
مر به، وإذا حمل معه شيئا من الثمرة، حرم عليه ما حمل منها ولم
يحرم عليه ما أكل.
[المسألة 442:]
الأحوط لزوما اختصاص هذا الحكم بثمرة النخل والشجر، فلا
يتعدى إلى الزرع والخضر.
176

[المسألة 443:]
الأحوط لزوما عدم شمول الحكم للشجر النادر والنخل الذي يعتز
مالكه بثمرته فلا يجوز التناول منه إذا مر الانسان به بل المنع منه هو
الأقوى.
[المسألة 444:]
إذا كان للرجل إلى مقصده طريقان فاختار المرور من أحدهما لأنه
يمر بالنخل أو بالشجر فيأكل من ثمره، أشكل الحكم بالجواز، وكذلك
إذا مر الرجل بالنخل أو الشجر ولم تكن له غاية ولا مقصد من سلوك
الطريق إلا الأكل من الثمرة، وكذلك إذا كان للبستان سياج من جدار
أو حضار أو شرك يحيط به، أو علم بكراهة المالك للأكل من ثمره،
فالأحوط المنع في جميع هذه الفروض.
[المسألة 445:]
إذا كانت للانسان نخلة في دار غيره أو في بستانه بحيث يشق على
صاحب الدار أو البستان دخول مالك النخلة إليها، يصح لمالك النخلة
أن يبيع ثمرتها على صاحب الدار أو البستان بمقدار خرصها تمرا
من غيرها أو من تمرها أو كليا في ذمة المشتري، ويسمى هذا بيع
العرية، وهو مستثنى من حرمة بيع ثمرة النخيل بتمر من النخيل نفسه
وقد تقدم ذكره في المسألة الأربعمائة والرابعة والعشرين ويسمى
بيع المزابنة.
[الفصل الخامس عشر]
[في بيع الحيوان]
[المسألة 446:]
يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا لم يعتصم بدخوله في ذمة الاسلام
أو بدخوله في معاهدة بينه وبين المسلمين، سواء كان في دار الكفر أم
في دار الاسلام، وسواء كان صغيرا أم كبيرا، وذكرا أم أنثى، وسواء
حصل الاستيلاء عليه بالحرب والاغتنام أم بغير ذلك من أساليب القهر
والغلبة، ولو بالسرقة ونحوها، وإذا وقع الرق عليه سرى في أعقابه
177

وإن أسلم بعد الاسترقاق وأسلمت أعقابه، ويرتفع الرق عنه بالعتق
إذا حصل أحد أسبابه التي التي وضعها الاسلام.
[المسألة 447:]
إذا قهر الكافر الحربي كافرا حربيا آخر فباعه على مسلم، وكان
هذا البيع صحيحا في دين ذلك الكافر ألزم بما ألزمه به دينه، وملكه
المسلم بذلك، وكان ذلك بيعا، وترتبت عليه أحكام البيع، سواء كان
الكافر المستولي عليه أجنبيا عن الكافر البائع أم قريبا له، وإن كان
أباه أو أخاه أو ولده أو أمة أو زوجته أو ممن ينعتق عليه في دين
الاسلام، وإذا لم يكن البيع صحيحا في دينهم لم تجر عليه أحكام البيع،
ولكن المسلم يتملكه بالاستنقاذ، وكذلك الحكم إذا قهره فباعه على كافر
آخر ثم باعه الكافر على المسلم، فيجري فيه ما ذكرناه في المسألة.
[المسألة 448:]
لا يجوز أن يسترق المرتد الفطري ولا المرتد الملي، سواء كان ذكرا
أم أنثى، ولا يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا كان ذميا أو معاهدا
في الاسلام، وولد المرتد الذمي والمعاهد بحكم آبائهم.
[المسألة 449:]
إذا ملك الانسان مملوكا بأحد الأسباب التي توجب تملكه وكان
ممن يستقر ملكه إياه، جاز له بيعه على غيره ونقله إلى ملكه بأحد
المملكات الشرعية الاختيارية كالصلح والهبة وجعله عوض إجارة أو
جعالة أو صداق زوجة أو غير ذلك من المملكات، وجاز له بيع بعضه
أو نقل بعضه إلى ملك غيره بأحد المملكات.
[المسألة 450:]
يصح للرجل أن يتملك أي مملوك أراد من الناس إذا حصل له أحد
الأسباب التي توجب ملكه، ويثبت بذلك ملكه إياه، ويستثنى من ذلك
عدة أشخاص، لا يصح للرجل أن يتملكهم، ولا يستقر عليهم ملكه إذا
ملكهم، وهم: (1) الأب و (2) الأم، و (3) الجد، وهو أبو الأب
وأبو الأم، وإن كان أبا لأحدهما بواسطة واحدة أو أكثر، و (4)
178

الجدة، وهي أم الأب وأم الأم، وإن كانت أما لأحدهما بواسطة
واحدة أو أكثر، و (5) الولد سواء كان ذكرا أم أنثى، وكذلك ولد
الولد سواء كان بواسطة واحدة أم أكثر، و (6) الأخت، سواء كانت
للأبوين أم لأحدهما، و (7) العمة وإن علت، و (8) الخالة وإن علت،
على ما سيأتي بيانه فيها وفي العمة، و (9) بنت الأخ، وإن كانت بنت
ابنه أو بنت بنته، بواسطة واحدة أو أكثر، و (10) بنت الأخت وإن
كانت بواسطة واحدة أو أكثر كما في بنت الأخ، سواء كانت صلة الرجل
بهم من النسب أم من الرضاع.
[المسألة 451:]
العمة هي أخت رجل أولد الانسان، كأخت أبيه، وأخت أحد أجداده
من قبل أبيه، وإن كان جدا له بواسطة أو أكثر، وأخت أحد أجداده
من قبل أمة وإن كان جدا بواسطة أو أكثر، سواء كانت أخت الرجل
الوالد للأبوين أم لأحدهما في الجميع.
والخالة هي أخت امرأة أولدت الانسان، كأخت أمة، وأخت إحدى
جداته من قبل أبيه ولو بواسطة أو أكثر، وأخت إحدى جداته من قبل
أمة وإن كانت بواسطة واحدة أو أكثر، سواء كانت أخت المرأة الوالدة
للأبوين أم لأحدهما في جميع من ذكر.
[المسألة 452:]
إذا اشترى الرجل أحد هؤلاء المذكورين أو ملكه بسبب آخر،
اختياري كالهبة والصلح وغيرهما أو غير اختياري، كالإرث انعتق
المملوك قهرا، وهذا هو المراد من عدم تملك الرجل لهم.
[المسألة 453:]
يصح للمرأة أن تتملك أي مملوك أرادت إذا حصل لها أحد الأسباب
المملكة، وثبت ملكها إياه عدا (1) الأب (2) الأم (3) الجد (4) الجدة
(5) الولد على النهج الذي سبق بيانه فيهم جميعا في الرجل سواء كانت
صلة المرأة بهم من النسب أم من الرضاع.
179

[المسألة 454:]
إذا ملك الرجل زوجته أو ملكت المرأة زوجها بعد التزويج بطل
النكاح بينهما، واستقر ملك المالك منهما لصاحبه فلم ينعتق المملوك،
وكذلك الحكم إذا ملك أحدهما بعض الآخر، كما إذا اشترى الرجل
نصف زوجته أو ربعها من مالكها أو اشترت المرأة نصف زوجها أو ربعه
من مالكه، فينفسخ نكاحهما ويستقر ملك البعض.
[المسألة 455:]
يكره للرجل أن يتملك غير من تقدم ذكرهم من أقاربه وأرحامه
كأخيه وعمه وخاله وأولادهم ولو بالواسطة ذكورا وإناثا وإن كن ممن
يحل له التزويج بهن.
[المسألة 456:]
لا يملك الكافر عبدا مسلما بشراء ولا بغيره من الأسباب الاختيارية
للملك، وإذا كان للكافر عبد كافر، فأسلم العبد أجبر الكافر على بيع
العبد من مسلم، ودفع إليه ثمنه، وإذا ملك المسلم عبدا مسلما بميراث
أو غيره، فارتد المولى أجبر على بيع العبد من مسلم، إذا كان المرتد
مليا، وانتقل إلى الوارث المسلم في ما ينتقل إليه من الأموال إذا كان
المرتد فطريا.
[المسألة 457:]
إذا أقر الشخص على نفسه بأنه عبد مملوك، وكان المقر بالغا عاقلا
مختارا غير مكره ولا مضطر اضطرارا يوجب سلب اختياره، نفذ
اقراره على نفسه وحكم عليه بالعبودية، إلا أن يعلم أو يطمئن بكذبه
فلا يؤبه بقوله، وإذا حكم بعبوديته بسبب اقراره فلا يلتفت إلى رجوعه
عن اقراره بعد ذلك إلا أن يذكر لاقراره الأول تأويلا محتملا في حقه.
[المسألة 458:]
إذا اشترى الانسان عبدا أو كانت لأحد عليه يد تقتضي أنه مملوك
له، فادعى أنه حر لم يسمع قوله حتى يقيم بينة شرعية على ما يقول.
180

[المسألة 459:]
إذا وطأ المالك جاريته المملوكة له ثم أراد بيعها، وجب عليه أن
يستبرئها قبل البيع، فيدعها إلى أن تحيض بعد وطئه إياها حيضة
واحدة، فإذا طهرت من حيضها باعها إذا شاء، وإذا كانت لا تحيض
وهي لم تبلغ سن اليأس من الحيض استبرأها بمضي خمسة وأربعين
يوما بعد وطئه إياها ثم باعها.
[المسألة 460:]
إذا باع المالك جاريته بعد ما وطأها ولم يستبرئها صح بيعه إياها،
ووجب على مالكها الجديد أن يستبرئها بحيضة أو بمضي خمسة وأربعين
يوما من وطء مالكها الأول إياها، ولا يحل للمالك الجديد أن يطأها
أو يحلل وطأها لأحد قبل الاستبراء، وإذا لم يعلم المالك الجديد أن
بائعها استبرأها بعد الوطء وقبل البيع أم لا، وجب عليه الاحتياط
فلا يجوز له وطؤها أو تحليل وطئها لأحد قبل الاستبراء.
[المسألة 461:]
إذا علم المشتري أن مالك الأمة لم يطأها، وعلم بأنه قد استبرأها
قبل أن يبيعها جاز له وطؤها وتحليلها لغيره ولم يجب عليه استبراؤها.
[المسألة 462:]
إذا أخبره مالكها الأول بأنه قد استبرأ الأمة بعد الوطء، وقبل
البيع، أو أخبره بأنه لم يطأ الجارية وكان أمينا صدقه المشتري ولم
يجب عليه الاستبراء.
[المسألة 463:]
لا يجب على المرأة إذا أرادت أن تبيع أمتها أن تستبرئها قبل البيع
إلا إذا كانت موطوءة وطئا محترما، كما إذا حللتها المرأة المالكة لأحد،
فوطأها بالتحليل، فتجب عليها العدة من هذا النكاح، ولا يجب على
المشتري أن يستبرئ الأمة إذا اشتراها من المرأة إلا في هذه الصورة إذا
لم تستبرئها المالكة.
181

[المسألة 464:]
لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت يائسا من المحيض، ولا يجب
الاستبراء في الأمة إذا كانت حائضا في حين البيع، ويحرم على المشتري
وطؤها في حال الحيض، فيكون وطء هذه الجارية محرما من جهة
الحيض ومحرما من حيث الاستبراء، ولا يجب الاستبراء في الأمة إذا
كانت صغيرة غير بالغة، وإن لم يجز للمشتري ولا لغيره وطء الصغيرة
قبل بلوغ التسع.
[المسألة 465:]
إذا كانت الجارية حاملا لم يجب على المالك أن يستبرئها قبل البيع،
ولا يجوز للمشتري أن يطأها قبلا حتى تمضي للحمل أربعة أشهر وعشرة
أيام من أول حمله، ويكره بعد ذلك، بل الأحوط له ترك جماعها حتى
تضع حملها.
وهذا الحكم شامل لكل من انتقلت إلى ملكه أمة وهي حامل، سواء
انتقلت إليه بصلح أم بهبة أم بأرث أم بغير ذلك من وجوه التملك.
[المسألة 466:]
إذا وطأ المشتري الجارية التي اشتراها وقد استبان حملها عزل عنها
عند جماعها، فإن هو لم يعزل، فالأحوط له لزوما عدم جواز بيع
الولد، بل يجب عتقه وأن يجعل له من ماله شيئا يعيش به.
[المسألة 467:]
لا يختص وجوب الاستبراء للأمة بالبائع والمشتري، بل يعم كل
مالك للأمة إذا وطأها هو أو وطأها أحد بتحليله، وأراد المالك نقلها
إلى ملك غيره بصلح أو هبة أو أي سبب آخر من أسباب التمليك، فيجب
عليه استبراء الأمة قبل ذلك. ويعم كل من انتقلت إليه الأمة بالملك
وقد وطئت قبل ذلك حتى إذا انتقلت إليه بالإرث أو بالاسترقاق،
فيجب عليه استبراؤها إذا هي لم تستبرأ بعد وطئها.
[المسألة 468:]
إذا اشترى الرجل أمة ووطأها حيث يحل له وطؤها ظاهرا، ثم علم
182

بعد ذلك أن مالكها غير من باعها، وجب على المشتري اجتنابها، وكان
للمالك أن ينتزعها منه، وللمالك على المشتري بسبب وطئها عشر قيمتها
إذا كانت بكرا ونصف عشر القيمة إذا كانت ثيبا، سواء وطأها مرة
واحدة أم أكثر، وإذا حملت الأمة من المشتري كان للمالك عليه قيمة
الولد يوم يولد حيا، وإذا كان المشتري جاهلا بالحال رجع على البائع
بجميع ما يأخذه المالك منه من الغرامة.
[المسألة 469:]
الأقوى أن العبد يملك ما ملكه مولاه إياه من الأموال والمنافع
وغيرها، ويملك ما يملكه غير مولاه من الأشياء إذا أذن له مولاه بذلك
ويملك ما يشتريه لنفسه وما يربحه في تجارته أو معاملته، ويملك مال
إجارته لنفسه أو لداره أو لشئ من ممتلكاته إذا أذن له مولاه بذلك،
ويملك ما يحوزه لنفسه من المباحات، ويملك - على وجه الاجمال -
كلما يستفيده من الفوائد والأموال من أنواع التكسب المحللة في الشريعة
إذا أذن له مولاه بذلك.
ولكن العبد محجور عن التصرف في أمواله وفي ما يملك، فلا ينفذ
تصرفه فيها إلا بإذن مولاه، ويكفي في صحة تملكه وفي صحة تصرفه في
أمواله، بل وفي عامة شؤونه الأخرى أن يأذن له مولاه بذلك إذنا عاما
شاملا لجميع ذلك، فإذا قال له قد أذنت لك في جميع أنواع التكسب
المحللة في الاسلام، وأن تتملك ما تربحه وتستفيده من أموال، وأن
تتصرف فيها وفي جميع شؤونك كما يتصرف الأحرار في أموالهم
وشؤونهم، كفاه ذلك، بل يكفيه أن يقول له أنت مأذون في مطلق
الاكتساب والتملك والتصرف في أموالك.
[المسألة 470:]
لا يحل للرجل أن يطأ الأمة المشتركة بينه وبين غيره، سواء كان
شريكه فيها واحدا أم أكثر، وإذا وطأها كذلك كان زانيا، ولزمه
الحد بمقدار نصيب الشريك فيها، فإذا كان الشريك يملك النصف
منها أقيم على الواطئ نصف الحد، وإذا كان يملك ثلاثة أرباعها أقيم
على الواطئ ثلاثة أرباع الحد، وهكذا.
183

وإذا حملت الجارية من وطئه إياها، قومت عليه الجارية، ووجب
عليه أن يدفع لكل شريك حصته من قيمتها، وانعقد الولد حرا، وعلى
الواطئ أن يدفع لكل شريك حصته من قيمة الولد يوم ولادته حيا،
بل من المحتمل أن تقوم الجارية على الواطئ بمجرد وطئه إياها إذا
احتمل أنها تحمل منه، وإن لم يستبن الحمل فيها بعد.
[المسألة 471:]
لا يقال على الواطئ الحد في المسألة المتقدمة إذا كان وطؤه للجارية
بشبهة باعتقاد أنها محللة له شرعا، ولا يسقط تقويم الجارية عليه،
ولا تقويم الولد بسبب ذلك.
[المسألة 472:]
الأحوط لزوما أن لا يفرق بين الأم وولدها أو بنتها حتى يستغني
الولد أو البنت عن أمهما، ولعل الحكم لا يختص بالبائع والمشتري،
بل يعم الواهب والمصالح والمستأجر وغيرهم ممن ينقل ملك الأمة أو
الولد فيكون سببا في التفرقة بينهما، ويجوز ذلك في الحيوان، إلا إذا
كانت تفرقة الطفل عن أمة توجب موت الطفل فيحرم ذلك لأنه اتلاف
للمال المحترم.
[المسألة 473:]
يجوز للرجل أن يشتري بعض الحيوان مشاعا: نصفه مثلا أو ثلثه،
فإذا كانت المنفعة المقصودة من الحيوان هي ركوبه والحمل عليه وإدارة
الرحى والناعور وشبه ذلك، كالفرس والبغل والحمار، ملك المشتري
نصف منفعته أو ثلثها، وإذا استؤجر الحيوان لبعض المنافع كان له
نصف الأجرة أو ثلثها، وإذا بيع كان له نصف الثمن أو ثلثه.
وإذا كان المقصود من الحيوان أكل لحمه أو بيعه ملك المشتري نصف
اللحم أو ثلثه إذا ذبح الحيوان، وإذا بيع لحمه بعد الذبح أو قبله كان
له نصف الثمن أو ثلثه. وكان هذا واضح غير خفي.
[المسألة 474:]
لا يجوز بيع جزء معين من الحيوان كالرأس أو الفخذين أو القوائم
184

أو نصفه الذي فيه الرأس أو الذي فيه الذنب، إذا كان الحيوان مما
يراد اقتناؤه للركوب أو الحمل عليه ونحو ذلك، فيكون بيع الجزء
المعين كذلك باطلا.
نعم قد يصح بيع جلد الحيوان وإن كان محرم الأكل إذا كان قابلا
للتذكية، فيشتري المشتري جلده قبل أن يذبح لينتفع بالجلد إذا ذبح،
وإذا مرضت الفرس أو البغل أو الحمار حتى وقذها المرض وأراد
المشتري أن ينتفع بجلدها لبعض الغايات فيشتريه من المالك ويذكي
المالك الحيوان قبل الموت ويدفع له الجلد.
ويجوز بيع الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل لحمه
فإذا ذبح الحيوان أخذ المشتري الجزء الذي اشتراه لأكله أو لبيعه.
[المسألة 475:]
إذا اشترى الرجل الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل
لحمه كرأس الحيوان وجلده أو بعض أجزائه المعينة الأخرى، ثم بيع
الحيوان ولم يذبح، كان المشتري شريكا في الحيوان بنسبة الجزء الذي
اشتراه إلى مجموع الحيوان.
فيقوم الحيوان كله، ويقوم الجزء المعين الذي اشتراه المشتري،
وتنسب قيمة الجزء المعين، إلى قيمة المجموع فإذا كانت قيمة الجزء
تساوي ربع قيمة المجموع مثلا، فللمشتري ربع الثمن الذي يباع به
الحيوان، وإذا كانت تساوي الخمس أو العشر كان للمشتري من الثمن
بتلك النسبة.
فإذا كانت قيمة مجموع الحيوان عشرين دينارا وكانت قيمة الرأس
والجلد دينارين وهي عشر العشرين، فللمشتري عشر الثمن الذي
يباع به الحيوان.
وكذلك الحكم إذا باع المالك الحيوان المأكول اللحم واستثنى لنفسه
من الحيوان رأسه وجلده، فإذا ذبح الحيوان اختص البائع بالجزء المعين
الذي استثناه لنفسه، وإذا بيع الحيوان ولم يذبح كان البائع شريكا
185

فيه بنسبة قيمة الجزء الذي استثناه لنفسه إلى قيمة مجموع الحيوان
على النهج الذي تقدم بيانه.
[المسألة 476:]
إذا اشترك شخصان أو أكثر فاشتروا حيوانا مأكول اللحم بثمن معين دفعه
جميعهم، واشترط أحدهم على الآخرين: أن يكون له الرأس والجلد
من الحيوان، أو أن يكون له جزء معين منه غير ذلك، فإذا بيع الحيوان
ولم يذبح، فالظاهر أن شركة الرجل الذي اشترط أن يكون له الرأس
والجلد بنسبة ماله الذي دفعه في الثمن الذي اشتروا به الحيوان،
لا بنسبة الرأس والجلد.
فإذا كان ثمن الحيوان الذي اشتروه به أولا عشرين دينارا، وكان
الرجل الذي شرط لنفسه الرأس والجلد، قد دفع منها أربعة دنانير،
وهي خمس العشرين دينارا، كان شريكا في الثمن الجديد الذي يباع
به الحيوان، بنسبة ماله إلى الثمن الأول وهي الخمس كما ذكرنا،
لا بنسبة قيمة الرأس والجلد إلى قيمة الحيوان كما في المسألة السابقة،
والفارق هو النص. وكذلك الحكم إذا اشترى رجل الحيوان بعشرين
دينارا مثلا، ثم شرك معه في الشراء رجلا آخر في الرأس والجلد بأربعة
دنانير، فإذا أرادا بيع الحيوان كان الرجل شريكا في الثمن الجديد بنسبة
ماله في الثمن الأول لا بنسبة الرأس والجلد.
[المسألة 477:]
إذا قال زيد لعمرو اشتر حيوانا: شاة مثلا أو بقرة، بشركتي معك،
أو قال له وشركني معك فيه، فظاهر الأمر أنه قد وكله على شراء
الحيوان المشترك بينهما، فيصح له أن يتولى الشراء لنفسه وللموكل
وأن يتم المعاملة عليه، وظاهر الاطلاق في قوله بشركتي معك أو قوله
وشركني معك فيه إن كل جزء من أجزاء الحيوان الذي يشتريه يكون
مشتركا بينهما، وإن كل جزء من أجزاء الثمن فهو عليهما، ولازم
ذلك المناصفة بينهما في الحيوان وفي ثمنه، فلكل واحد منهما من الحيوان
مثل ما للآخر وعلى كل واحد منهما من الثمن مثل ما على الآخر، إلا
أن تقوم قرينة خاصة على أن المراد شركتهما على وجه آخر.
186

ومثال ذلك أن يعلم أن المقصود من شراء البقرة لهما هو الوفاء
بحاجة الطرفين من اللبن والسمن ويعلم أن ما يحتاج إليه زيد مثلا من
ذلك ضعف ما يحتاج إليه عمرو لكبر بيته وكثرة عياله وضيوفه وقلة
ذلك عند عمرو، وأن حاجة زيد بسبب ذلك إلى ثلثي البقرة، وحاجة
عمرو إلى ثلثها، فإذا دلت القرينة على ذلك أو على غيره عمل عليها.
وكذلك إذا قال له اشتر سيارة أو مبردة ماء مثلا، أو شيئا آخر
بشركتي، فيجري الحكم المتقدم وتتقرر دلالة الاطلاق على المناصفة
بينهما على نهج ما سبق إلا أن تقوم قرينة على تعيين غير ذلك.
[المسألة 478:]
اطلاق التوكيل في المسألة المتقدمة إنما يقتضي أن يتولى عمرو شراء
الحيوان أو الشئ الآخر لنفسه ولموكله زيد بنحو الاشتراك ولا دلالة
فيه على توكيله على تسليم حصة الموكل من الثمن للبائع، فلا بد من
مراجعة الموكل في ذلك، وإذا دفع عمرو حصة موكله زيد من الثمن
كان متبرعا ولا حق له بالرجوع بها عليه، إلا أن تدل القرينة على
توكيله في الدفع أيضا، ومثال ذلك أن يعزم عمرو على السفر إلى بلد
آخر فيطلب زيد منه أن يشتري الحيوان أو الشئ الآخر من ذلك البلد
بشركته معه ولا يدفع إليه مقدار حصته من الثمن ولا يمكن التأجيل
فيه، فيكون التوكيل في الشراء توكيلا في دفع الثمن أيضا، فإذا دفعه
الوكيل في هذه الصورة كان له حق الرجوع على الموكل بما دفع.
[الفصل السادس عشر]
[في الإقالة]
[المسألة 479:]
يستحب للرجل المسلم أن يقيل من طلب الإقالة منه بعد وقوع المعاملة
بينهما، سواء كان المستقيل هو البائع أم المشتري، وسواء كان المستقيل
نادما أم غير نادم، ولكن بدا له أن يرد البيع وإن كانت إقالة النادم
آكد استحبابا، ففي الخبر عنه عليه السلام: أيما مسلم أقال مسلما ندامة
في البيع إقالة الله عثرته يوم القيامة. وعن أبي عبد الله عليه السلام: أربعة
187

ينظر الله إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان أو أعتق
نسمة أو زوج عزبا.
[المسألة 480:]
الإقالة هي أن يفسخ المتعاقدان العقد بعد وقوعه بينهما، ولا
يشترط فيها أن يتقدم طلب للإقالة من أحدهما، فإذا قال أحد
المتعاقدين: البائع أو المشتري من غير سبق طلب من صاحبه فسخت
العقد بيننا فقال صاحبه قبلت أو قال: فسخت، كفى ذلك في تحقق
الإقالة، ويكفي في تحققها أيضا أن يقول المتعاقدان معا: تفاسخنا،
أو يقولا تقايلنا، أو يطلب أحد المتعاقدين من صاحبه أن يقيله فيقول
له صاحبه: أقلتك، أو يقول فسخت أو يقولا معا تفاسخنا.
[المسألة 481:]
لا يعتبر في إنشاء الإقالة لفظ مخصوص، بل تقع بأي لفظ يدل
على المعنى المقصود وإن كان بلغة أخرى غير العربية، وتقع بالفعل
أيضا، فإذا رد البائع الثمن على المشتري بقصد فسخ المعاملة بينها
ورد المشتري عليه المبيع كذلك فقد تحققت الإقالة. وإذا طلب أحد
المتعاملين من صاحبه الإقالة فرد عليه صاحبه ما في يده بقصد الفسخ
تحققت الإقالة، ولزم الآخر أن يرد على الفاسخ الأول ما في يده أيضا.
[المسألة 482:]
يصح وقوع الإقالة في جميع العقود اللازمة، ما عدا عقد النكاح
فلا يصح وقوع الإقالة فيه، من غير فرق بين النكاح الدائم والمنقطع،
وفي جريان الإقالة في عقد الضمان، والهبة اللازمة، والصدقة اشكال.
[المسألة 483:]
لا تصح الإقالة والفسخ في الإقالة نفسها بعد وقوعها، فإذا أراد
المتعاقدان امضاء العقد بعد الإقالة منه فلا بد من تجديده مرة أخرى.
[المسألة 484:]
إذا مات البائع أشكل الحكم في أن يقوم وارثه مقامه في صحة إقالة
المشتري من البيع الواقع بينه وبين البائع، وإذا مات المشتري أشكل
188

الحكم كذلك في قيام وارثه مقامه في الإقالة، فلا يترك الاحتياط في كلا
الفرضين، وأشد من ذلك اشكالا ما إذا مات المتعاقدان معا، وأراد
ورثتهما الإقالة من العقد.
[المسألة 485:]
إذا مات أحد المتعاقدين جاز لوارثه أن يطلب الإقالة من الطرف
الآخر وهو أحد المتعاقدين في الأصل، فإذا أقال الوارث صح على الظاهر.
[المسألة 486:]
لا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن أو بنقصان منه، فيقيل المشتري
البائع من العقد بشرط أن يزيده على الثمن الذي دفعه إليه مقدارا،
أو يقيل البائع المشتري من العقد بشرط أن ينقص له من الثمن مقدارا.
ولا تجوز الإقالة بزيادة في المبيع أو بنقصان منه فيقيل البائع
المشتري بشرط أن يدفع له مع المبيع شيئا غيره من جنسه أو من غير
جنسه، أو يقيل المشتري البائع بشرط أن ينقص له من المبيع شيئا
فتبطل الإقالة في جميع هذه الفروض ويبقى العقد على حاله ويبقى
الثمن المسمى ملكا للبائع والمبيع المعين ملكا للمشتري.
[المسألة 487:]
إذا قال البائع للمشتري أو قال المشتري للبائع: أقلني من البيع
ولك في ذمتي خمسة دنانير مثلا، أو ولك هذه السلعة المعينة، فأقاله
صاحبه على ذلك، فللصحة وجه، ولا يترك الاحتياط باجتناب ذلك
أو الرجوع إلى المصالحة، وكذلك إذا استقاله صاحبه، فقال له أقلتك
بشرط أن تعطيني هذه السلعة أو بشرط أن تقوم لي بهذا العمل.
[المسألة 488:]
يصح للبائع والمشتري أن يتقايلا في جميع ما وقع عليه العقد من
الثمن والمثمن، فإذا انفسخ العقد بينهما رجع كل عوض منهما إلى
مالكه الأول، ولم يرجع معه نماؤه إذا كان قد تجدد للعوض نماء بعد
العقد وقبل الإقالة، بل يبقى نماء المبيع ملكا للمشتري ويبقى نماء
الثمن ملكا للبائع كما تقدم في نظائره في الفصول السابقة.
189

ويصح لهما أن يتقايلا في بعض ما وقع عليه العقد، فينفسخ البيع
في خصوص ما تقايلا فيه وفي قسطه من الثمن ويصح في الباقي.
[المسألة 489:]
إذا تعدد البائع في العقد الواحد، أو تعدد المشتري، أو تعددا معا
صح أن تقع الإقالة من بعضهم دون بعض في مقدار حصته مع الجميع
أو مع البعض، ولا يشترط في صحة الإقالة من البعض أن يرضى بها
الآخرون.
[المسألة 490:]
تصح الإقالة في البيع وإن تلف أحد العوضين أو تلف كلاهما قبل
وقوع الإقالة، فلا يكون التلف مانعا من صحتها، فإذا تقايل الطرفان
وانفسخ العقد رجع المبيع إلى ملك البائع ورجع الثمن إلى ملك المشتري،
فإن كانت عين المال موجودة أخذها صاحبها، وإن كانت تالفة رجع
صاحبها على الآخر بمثلها إذا كانت العين مثلية ورجع عليه بقيمتها يوم
التلف إذا كانت قيمية.
وكذلك الحكم إذا تلف بعض العين وبقي بعضها، فيرجع صاحبها
بعد الإقالة على الآخر بمثل ذلك البعض التالف إذا كان مثليا وبقيمته
يوم تلفه إذا كان قيميا.
[المسألة 491:]
لا يمنع من وقوع الإقالة أن يخرج أحد العوضين إلى ملك شخص آخر
بهبة أو بيع أو صلح أو غير ذلك، يكون حكمه حكم التلف، فإذا وقعت
الإقالة، وقد باع المشتري المبيع على غيره رجع البائع الأول عليه بمثله
أو بقيمته، وكذلك إذا وقعت الإقالة وقد نقل البائع الثمن إلى ملك
غيره بهبة أو صلح أو بيع، فيرجع المشتري عليه بمثل الثمن أو قيمته.
[المسألة 492:]
إذا وقعت الإقالة فوجد البائع في عين المبيع عيبا حدث بها وهي في
يد المشتري رجع على المشتري بالعين وبأرش العيب الذي وجده فيها،
190

وكذلك إذا كان الثمن عينا شخصية وبعد الإقالة وجد المشتري في عين
الثمن عيبا حدث فيها وهي في يد البائع فيرجع على البائع بالعين وأرش
العيب.
والحمد لله رب العالمين
191

[كتاب الصلح]
193

[كتاب الصلح]
[المسألة الأولى:]
الصلح هو التوافق والتسالم بين طرفين أو أكثر على ايجاد أمر
بينهما، كتمليك عين من أحد الطرفين للطرف الآخر بعوض أو بغير
عوض، أو تمليك منفعة كذلك أو نقل حق، أو اسقاط حق ثابت أو
محتمل الثبوت، أو ابراء من دين ثابت أو محتمل الثبوت، ونحو ذلك.
وقد عرفه جماعة بأنه عقد شرع للتراضي والتسالم بين شخصين على
أمر، والأول بيان للنتيجة التي تقع بين المتصالحين، والثاني بيان
للسبب الذي يؤدي إلى حصول النتيجة.
[المسألة الثانية:]
الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، كما
ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله والمراد أنه ثابت ونافذ الأثر بين المسلمين إلا ما
استثناه صلى الله عليه وآله.
ولا يشترط في صحة الصلح أن يسبق بين المتصالحين نزاع وخصومة
أو أن يكون المورد قابلا لحدوث نزاع وخصومة، بل يصح أن يقع
ابتداء، فيتسالم شخصان على أن يملك أحدهما صاحبه شيئا معينا
بعوض معلوم أو بغير عوض، أو يملكه منفعة داره أو دابته مدة معلومة
بعوض معلوم أو بغير عوض.
[المسألة الثالثة:]
لا يختص الصلح بأن يقع بين شخصين أو بين طرفين فقط، بل يصح
وقوعه بين أكثر من ذلك ومثال ذلك أن يتنازع زيد وعمرو وبكر في
أرض مثلا فيدعي كل واحد من الثلاثة أن جميع الأرض المتنازع فيها
ملك له خاصة، فيصح لهم أن يتصالحوا بينهم، فيملكوا كل واحد منهم
195

قسما من الأرض بعوض أو بغير عوض، ويصح لهم أن يملكوا الأرض
كلها واحدا منهم بعوض يدفعه للآخرين.
ويصح أن يقع الصلح بين فريقين، فإذا تنازع ورثة زيد وورثة
عمرو في الدار بعد موت المورثين، فادعى كل واحد من الفريقين إن
جميع الدار ملك لمورثه، فللفريقين أن يصطلحا فيملكا الدار لأحد
الفريقين بعوض معين يدفعه للفريق الثاني، فيصح الصلح، ويقتسم
الفريق الذي ملك الدار دارهم بينهم بحسب سهامهم الثابتة لهم في
المواريث، ويقتسم الفريق الثاني الذي ملك العوض عوضهم كذلك.
[المسألة الرابعة:]
الصلح عقد شرعي مستقل يقابل سائر العقود الشرعية الأخرى ولا
يكون راجعا إلى شئ منها وإن كان مشابها له في الأثر في بعض موارده،
فإذا تسالم زيد وعمرو مثلا، فصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف
دينار وقبل عمرو بذلك وأخذ العوض من زيد، فالمعاملة الواقعة صلح
وليست بيعا وإن اشبهت البيع في أنها تمليك عين الدار بعوض معلوم،
ولذلك فلا يشترط فيه شرائط البيع ولا تلحقه أحكامه، فإذا كان العوض
والمعوض في المعاملة من الذهب أو الفضة لم يشترط فيها أن يحصل التقابض
قبل الافتراق، لأن ذلك شرط في بيع الصرف، وليس شرطا في الصلح،
ولا يثبت فيه خيار المجلس للمتعاقدين، ولا يثبت فيه خيار الحيوان
إذا كان العوض أو المعوض حيوانا، فإنهما من أحكام البيع وليسا من
أحكام الصلح، وهكذا.
وإذا صالح الرجل صاحبه فملكه الدار بغير عوض فالمعاملة الواقعة
بينهما صلح وليست هبة وإن أشبهتها في أنها تمليك عين بغير عوض،
ولذلك فلا يشترط فيها شروط الهبة.
وإذا صالح صاحبه فملكه سكنى داره مدة سنة بعوض معين، فهو
صلح كذلك وليس إجارة وإن أفاد فائدة الإجارة، فملك المنفعة في
المدة بعوض معلوم، ولذلك فلا تجري فيه أحكام الإجارة. وإذا صالحه
196

عن دين له في ذمته فأسقطه عنه بغير عوض، فهو صلح وليس ابراء
وإن أشبهه في النتيجة فلا تجري عليه أحكام الابراء وهكذا.
[المسألة الخامسة:]
الصلح عقد من العقود كما ذكرنا أكثر من مرة، ولذلك فلا بد فيه
من الايجاب والقبول في جميع موارده، حتى في مورد المصالحة على
ابراء ذمة المدين من الدين الثابت وفي مورد المصالحة على اسقاط الحق
عن من عليه الحق، فإن ابراء ذمة المدين من الايقاعات، فيكفي فيه
انشاؤه من صاحب الدين ولا يفتقر إلى قبول من عليه الدين، وكذلك
اسقاط الحق فإنه من الايقاعات، فيتحقق بانشائه من صاحب الحق
ولا يحتاج إلى قبول من عليه الحق، ولكنهما حينما يؤتى بهما على وجه
الصلح، فلا بد فيهما من ايجاب صاحب الدين وصاحب الحق، ولا بد
فيهما من قبول المدين ومن عليه الحق، وقد أشرنا إلى هذا في المسألة
المتقدمة.
[المسألة السادسة:]
ليس لعقد الصلح صيغة مخصوصة، فيصح انشاؤه بأي لفظ يفيد
معنى التسالم والتراضي بالأمر الذي يريد المتصالحان اقراره بينهما
إذا كان اللفظ دالا على ذلك المعنى في المتفاهم العرفي.
واللفظ المعروف في إنشاء هذا العقد: أن يقول الموجب لصاحبه
في تمليك العين صالحتك عن دارك المعينة مثلا بألف دينار، فيقول
صاحبه: قبلت المصالحة عن الدار بألف دينار، أو رضيت بالمصالحة،
أو اصطلحت عن الدار بالعوض المعلوم.
ويقول الموجب في تمليك المنفعة: صالحتك عن سكنى دارك المعينة
مدة سنة بعوض كذا، فيقبل المصالح بذلك ويقول له في ابراء الذمة
صالحتك على ابراء ذمتك من الدين الذي أستحقه عليك، فيقبل المدين،
ويقول في اسقاط الحق صالحتك على اسقاط حقك من الشفعة مثلا
الثابت لك في بيع هذه الدار بعوض كذلك أو بدون عوض، فيقبل
المصالح، وهكذا.
197

[المسألة السابعة:]
إذا تم عقد الصلح بين الموجب والقابل ثبت مضمونه، وكان من
العقود اللازمة على كلا الطرفين حتى في المورد الذي تكون فائدة الصلح
فيه فائدة الهبة الجائزة، فلا يجوز لأحدهما فسخه، إلا إذا تراضى
المتصالحان معا بالفسخ، فأقال كل منهما صاحبه، وإلا إذا شرط أحد
الطرفين في ضمن عقد الصلح أن يكون له خيار الفسخ في مدة معينة،
وقبل صاحبه بشرطه، فإذا فسخ من جعل له حق الخيار في الوقت المعين
صح وانفسخ العقد.
[المسألة الثامنة:]
لا يجري في عقد الصلح خيار الحيوان إذا كان أحد العوضين حيوانا،
ولا يجري فيه خيار المجلس ولا يجري فيه خيار التأخير، وقد ذكرنا في
فصل الخيارات من كتاب التجارة إن هذه الخيارات الثلاثة تختص
بالبيع ولا تجري في ما سواه من العقود.
وتجري في عقد الصلح بقية الخيارات المتقدم ذكرها في فصل الخيارات
من كتاب التجارة، كخيار الغبن، وخيار الشرط وخيار العيب.
ولا يجري خيار الشرط في عقد الصلح الذي يفيد فائدة ابراء الذمة
أو اسقاط الدعوى.
[المسألة التاسعة:]
إذا وجد المصالح في العين التي ملكها بعقد الصلح عيبا كان له حق
الفسخ كما ذكرنا ويجوز له امضاء العقد بالعوض المسمى، وهل يجوز
له أخذ الأرش وهو التفاوت ما بين قيمة الصحيح وقيمة المعيب فيه
اشكال، وكذلك الحكم في عوض العين المصالح عنها إذا كان العوض
معينا ووجده مالكه بالصلح معيبا فيجوز له فسخ العقد، ويجوز له
امضاؤه بالعوض المسمى ويشكل ثبوت الأرش.
ويشكل أيضا الحكم بجواز الرد من احداث السنة الذي يثبت في
البيع الذي تقدم بيانه في المسألة المائتين والثانية والخمسين من كتاب
التجارة.
198

[المسألة العاشرة:]
يجوز أن يتعلق عقد الصلح بالأعيان، وإذا تعلق الصلح بالعين
أفاد تمليكها لمن وقع له الصلح.
وتمليك العين لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض، وقد يكون بغير
عوض، والشئ الذي يجعل عوضا للعين في عقد الصلح يمكن أن يكون
عينا كذلك، ومثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف
دينار، فتكون الدار ملكا لزيد، ويكون العوض ملكا لعمرو، ويمكن
أن يكون العوض منفعة من المنافع ومثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا
عن الدار المعينة بملك السكنى في دار معينة لزيد مدة معلومة، فتكون
الدار المعوضة ملكا لزيد، ومنفعة الدار الأخرى في المدة المعلومة ملكا
لعمرو، ويصح أن يكون العوض دينا من الديون، ومثال ذلك أن يصالح
زيد عمرا عن داره المملوكة له بدين معلوم يستحقه زيد وهو الموجب
في ذمة عمرو، أو بدين معلوم يستحقه زيد في ذمة شخص ثالث، ويصح
أن يكون العوض حقا من الحقوق الثابتة لمن وقع له الصلح، ومثال
ذلك: أن يصالح زيد عمرا عن الدار بحق التحجير الثابت لزيد على
أرض معلومة.
فيصح الصلح في جميع الصور الخمس وتكون فائدة الصلح فائدة
البيع في أربع صور منها، وهي ما كان مضمونه تمليك العين بعوض،
وتكون فائدته فائدة الهبة في صورة واحدة منها، وهي ما كان مضمون
الصلح تمليك العين بغير عوض، ويستثنى من الصور الخمس الموارد
التي تجتمع فيها شرائط الربا، فلا يصح الصلح فيها، فلا بد من ملاحظة
هذه الموارد والاجتناب عنها، وسيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى.
[المسألة 11:]
يجوز أن يتعلق عقد الصلح بمنفعة معينة من المنافع المملوكة لمن
يقع معه الصلح، وإذا تعلق الصلح بالمنفعة المذكورة أفاد تمليكها لم
وقع له الصلح كما ذكرنا في الصلح على العين.
وتمليك المنفعة لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض وقد يكون بغير
199

عوض، والشئ الذي يجعل عوضا للمنفعة يمكن أن يكون عينا، ومثال
ذلك: أن يصالح زيد عمرا على أن يملك السكنى في داره المعينة مدة
سنة من تأريخ العقد بمائة دينار، فتكون سكنى الدار ملكا لزيد في
المدة المعينة، ويكون العوض ملكا لعمرو، ويمكن أن يكون العوض
منفعة معينة أخرى، ومثال ذلك أن يصالح زيد عمرا عن أن يملك
السكنى في داره الواقعة في النجف مدة سنة، بملك السكنى في دار زيد
الواقعة في الكوفة مدة سنة كذلك، فتكون سكنى دار عمرو المعينة ملكا
لزيد وسكنى دار زيد المعينة ملكا لعمرو، وقد يكون عوض المنفعة دينا،
وقد يكون حقا على نهج ما تقدم في تمليك العين.
ويصح الصلح على المنفعة في الصور الخمس، وتكون فائدته فائدة
عقد الإجارة في أربع صور منها وهي ما يكون مضمون الصلح فيها
تمليك المنفعة بعوض، ويكون صلحا مطلقا إذا كان تمليك منفعة
بغير عوض.
[المسألة 12:]
إذا تعلق الصلح بدين وكانت المصالحة على الدين مع المدين نفسه
أفاد عقد الصلح سقوط الدين عنه، سواء كان الصلح عنه بعوض أم
بغير عوض، وسواء كان العوض عن الدين عينا أم منفعة، أم دينا
مثله، أم حقا من الحقوق، وينتقل العوض إلى ملك الدائن المصالح
بدلا عن دينه الذي سقط بالمصالحة إذا كان العوض عينا أو منفعة أو
حقا أو دينا على شخص ثالث.
وإذا كان العوض دينا عليه سقط أيضا بالمصالحة، ومثال ذلك أن
يكون زيد مدينا لعمرو مائة دينار مثلا، ويكون عمرو مدينا لزيد
عشرين وزنة من الحنطة، فيصالح زيد عمرا عن دينه الذي يستحقه
في ذمته وهو المائة دينار بالدين الذي يستحقه زيد في ذمة عمرو وهو
العشرون وزنة من الحنطة، فيصح الصلح ويسقط الدينان معا،
وتستثنى من ذلك الموارد التي يحصل فيها الربا لاجتماع شرائطه،
فلا يصح الصلح فيها.
200

[المسألة 13:]
يجوز أن يتعلق الصلح بدين للمصالح على الغير، ومثال ذلك أن
يصالح زيد خالدا عن دين لزيد نفسه في ذمة عمرو، فإذا تم الصلح
على ذلك ملك خالد الدين المعين الذي وقع الصلح عليه وكان خالد هو
الدائن لعمرو بدل زيد، سواء كانت المصالحة على الدين المذكور
بعوض أم يغير عوض، ويصح أن يكون العوض عنه عينا، ويصح أن
يكون منفعة، وأن يكون حقا وأن يكون دينا، وتلاحظ المسألة الآتية.
ويملك المصالح وهو زيد في المثال المتقدم: العين أو المنفعة أو
الحق الذي جعله في عقد الصلح عوضا له عن دينه، ويملك الدين أيضا
إذا كان العوض المجعول له دينا على شخص آخر، وإذا كان العوض
دينا لخالد على زيد نفسه سقط هذا الدين عن زيد بالمصالحة.
[المسألة 14:]
لا يصح الصلح إذا تحققت في المورد شروط الربا في المعاملة، فإذا
أراد الانسان الصلح مع غيره عن عين بعوض، وكانت العين والعوض
من جنس واحد وهو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة إذا
كان العوض والمعوض في العقد متفاوتين في المقدار سواء كان العوض
عن العين عينا مثلها، أم كان دينا من جنسها.
ونتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على العين بالعين أو بالدين إذا
كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كانا من غير المكيل ولا الموزون،
أو كان العوضان متساويين في المقدار.
وإذا أراد الصلح عن دين بعوض، وكان الدين وعوضه المجعول له في
الصلح من جنس واحد وهو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة
إذا كان الدين وعوضه متفاوتين في المقدار، سواء كان العوض دينا
في الذمة مثله أم كان عينا، وسواء كانت المصالحة مع المدين نفسه أم
مع شخص غيره.
ونتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على الدين بالدين أو بالعين إذا
201

كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كان جنسهما غير مكيل ولا موزون،
أو كان العوضان متساويين في المقدار.
[المسألة 15:]
إذا كان لزيد دين على عمرو بمبلغ من الفضة أو الذهب، فصالحه
عن المبلغ ببعضه، فإن كان المقصود من المصالحة بينهما اسقاط المقدار
الزائد عن المدين وابراء ذمته منه، كان الصلح صحيحا وبرئت بذلك
ذمة عمرو عن بقية الدين، وإن كان المقصود من الصلح ايقاع المعاوضة
بين الزائد والناقص من المبلغ كان الصلح باطلا ولم تبرأ ذمة عمرو
من بقية الدين.
وإذا كان الدين من غير المكيل ولا الموزون كالأوراق النقدية صح
الصلح عليه بأقل منه، وصح بيعه كذلك، سواء كان البيع أو الصلح
مع المدين نفسه أم مع غيره.
[المسألة 16:]
إذا تعلق الصلح بحق من الحقوق، فإن كان الحق المصالح عليه قابلا
للنقل إلى الغير، كحق التحجير وحق الاختصاص، صح الصلح عليه
وانتقل الحق إلى من وقع له الصلح، سواء كان الصلح عن الحق بعوض
أم بغير عوض، وسواء كان العوض المجعول له عينا أم منفعة أم
دينا أم حقا، على التفصيلات التي تقدم بيانها في المسائل السابقة،
ويملك الذي وقع معه الصلح العوض.
وإذا كان الحق الذي تعلق الصلح به غير قابل للنقل إلى الغير،
ولكنه قابل للاسقاط، كحق الشفعة، فإنها لا تنتقل لغير الشريك،
وكحق الخيار فإنه لا ينتقل لغير من اشترط أو ثبت له الخيار، أفاد
عقد الصلح سقوط هذا الحق عمن عليه الحق، سواء كانت المصالحة
عنه بعوض أم بغير عوض.
[المسألة 17:]
قد اتضح مما تقدم أن الصلح إنما يصح تعلقه بالحق إذا كان الحق
قابلا للنقل إلى الغير، فإذا تعلق به الصلح أفاد نقله إلى من وقع له
202

الصلح، أو كان قابلا للاسقاط وإن لم يكن قابلا للنقل، فإذا تعلق به
الصلح أفاد سقوطه عمن عليه الحق.
ومن الحقوق القابلة للنقل وللاسقاط كليهما حق الزوجة في قسمة
ليالي الزوج بين زوجاته، فإنه قابل للاسقاط من الزوجة، ولذلك
فيصح للرجل أن يصالح زوجته عن حقها هذا بمبلغ من المال، فإذا
صالحها كذلك سقط عنه هذا الحق فلم يجب عليه أن يجعل لها ليلة
من الليالي الأربع.
وهو كذلك قابل للنقل إلى إحدى زوجات الرجل الأخرى، ولذلك
فيصح لبعض زوجات الرجل أن تصالح زوجته الأخرى عن الحق المذكور
فتكون الليلة الخاصة بتلك الزوجة للزوجة التي صالحتها.
ولا يجري الصلح في المجعولات الشرعية التي لا تقبل الاسقاط،
وإن سميت في بعض الاطلاقات حقا، كحق الأب على ولده، وحق الولد
على أبيه، وحق مطالبة الدائن بدينه إذا كان حالا، وحق الموكل في أن
يعزل وكيله عن وكالته، وحق الزوج المطلق في أن يرجع بمطلقته
الرجعية، وحق المرأة في أن ترجع ببذلها في طلاق الخلع أو المباراة،
والظاهر أن هذه المذكورات جميعا وأمثالها إنما هي أحكام شرعية
وليست من الحقوق، ولذلك فلا تكون موردا للصلح، وأما الحقوق
فلا بد وأن تكون قابلة للاسقاط.
[المسألة 18:]
يجوز للشخص أن يصالح مالك بعض الأشياء على أن ينتفع الشخص
ببعض هذه الأشياء من غير أن يملك منها شيئا أو يملك شيئا من منافعها،
فيسكن بيت المالك أو يتجر في دكانه، أو يتنقل في سيارته أو يخرج
لمنزله جناحا في فضاء ملكه أو يجعل سقفه معتمدا على جداره أو على
دعامة في بيته، أو يشق في أرض المالك نهرا يجري فيه الماء إلى أرض
المصالح، ونحو ذلك من الانتفاعات للمصالح مع أن الملك لمالكه،
فيجوز لهما اجراء عقد الصلح على ذلك بعوض وبغير عوض.
203

[المسألة 19:]
يشترط في كل واحد من المتصالحين أن يكون بالغا، وأن يكون
عاقلا، وأن يكون قاصدا للمعاملة، وأن يكون مختارا، على النحو الذي
تقدم اشتراطه في المتبائعين، وتجري في جميع ذلك التفاصيل التي
تقدم بيانها في مسائل شروط المتعاقدين، ويعتبر في كل واحد من
المتصالحين أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو لفلس.
[المسألة 20:]
إذا أوقع الانسان الصلح على المال أو على الحق أو على الدين الذي
لا يملك التصرف فيه كان فضوليا، فإن أجازه مالك الأمر فيه صح،
وإلا كان باطلا، كما هو الحال في البيع وبقيد العقود.
[المسألة 21:]
إذا أوقع الفضولي عقد الصلح الذي يفيد فائدة ابراء ذمة المدين
من الدين، أو الذي يفيد فائدة اسقاط الحق عمن عليه الحق، أو
الذي يفيد فائدة اسقاط الدعوى من المدعي، جرى فيه حكم الفضولي
كما ذكرناه في المسألة المتقدمة، وكانت صحة العقد موقوفة على إجازة
من بيده أمر العقد، فإذا أجازه صح وإن لم يجزه بطل، ولا يكون
حكمه حكم ابراء الذمة واسقاط الحق أو الدعوى فإن المذكورات من
الايقاعات التي يشكل الحكم بصحة الفضولي فيها.
[المسألة 22:]
يجوز للمالك أن يجري عقد الصلح على ثمرة نخيله وعلى ثمرة شجره
قبل ظهور الثمرة فيملكها لأحد عاما واحدا أو عامين أو أكثر، ولا
يشترط في صحة المصالحة عليها لعام واحد أن يضم إليها ضميمة كما
يشترط ذلك في صحة البيع، ويجوز له أن يجري عقد الصلح كذلك
على الخضر قبل ظهورها في الشجر وعلى البقول وعلى الزرع قبل بروزه
من الأرض، ولا يجري عليها حكم البيع الذي ذكرناه في فصل بيع الثمار.
[المسألة 23:]
قد يتعذر المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال الذي
204

يريدان المصالحة عليه تعذرا تاما، كما إذا اختلط مال أحدهما بمال
الآخر حتى لم يتميز ولم يعلما بقدر كل واحد من المالين بوجه من الوجوه،
وأرادا التخلص من ذلك بالصلح بينهما.
وكما إذا علم زيد بأن لعمرو في ذمته مبلغا من الدين وهو لا يعرف
قدره، وقد نسي عمرو الدين، أو نسي مقداره، وأراد زيد براءة
ذمته من الدين بالمصالحة.
وكما إذا علم زيد بأن إحدى الدارين اللتين في يده ملك لعمرو ولم
يعلم هو ولا عمرو بها على التعيين، ولا دليل لهما على تعيينها، وأراد
المصالحة عليها.
ولا ريب في صحة الصلح على ذلك في هذه الصورة، واغتفار الجهالة
بالمال في مثل ذلك، فإذا صالح أحد الشخصين صاحبه - في المثال الأول -
عن ماله الواقعي بنصف المال المختلط أو بثلثه مثلا، أو بمال آخر من
أمواله الخاصة، وقبل صاحبه بذلك، صح الصلح وملك كل واحد
منهما ما اختص به بعقد الصلح، ولم تضر بذلك جهالتهما بالمقدار.
وإذا صالح زيد عمرا - في المثال الثاني - عن دينه الذي يستحقه
في ذمته بمقدار يعينانه من المال أو بعين معلومة من أموال زيد أو بشئ
آخر مما يملكه: منفعة أو دينا أو حقا، وقبل عمرو بذلك، صح الصلح
بينهما وبرئت ذمة زيد من الدين ولم يضر الجهالة بمقداره.
وإذا صالح زيد عمرا - في المثال الثالث - عن داره المملوكة له في
الواقع بإحدى الدارين أو بمبلغ معين من المال أو بشئ آخر يصح أن
يكون عوضا للدار وقبل عمرو بالمصالحة صحت بينهما ولم تضرها
الجهالة بعين الدار.
[المسألة 24:]
قد يتعذر على المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال في الوقت،
وهما يريدان المصالحة فيه على المال، كما إذا علم زيد بأن لصاحبه
نصف هذه الصبرة من الطعام أو ربعها، وهما لا يعلمان مقدار مجموع
الصبرة من الوزن أو الكيل، ليعلما مقدار ما يملكه منها أحدهما على
205

الخصوص، وليس لديهما بالفعل مكيال ولا ميزان يقدران فيه المال،
وهما يريدان المصالحة عليه في الوقت الحاضر.
وكما إذا علم زيد بأن لعمرو عنده مبلغا من المال أو أن له عليه
مقدارا من الدين وهما لا يعلمان بالفعل مقدار ذلك المال أو الدين،
لبعدهما عن البلد الذي توجد فيه المثبتات للمال أو الدين المبينات
لمقداره، ولا يمكنهما تأخير المصالحة إلى أن يعرفا مقدار المال.
والظاهر جواز المصالحة في هذه الصورة أيضا، واغتفار الجهالة
بالمقدار كما في الصورة المتقدمة، فيصالح أحد الشخصين صاحبه عن
ماله - في المثال الأول - بمقدار من الصبرة أو بمبلغ يعينانه من المال،
أو بشئ معين يتراضيان به عوضا عن المال المصالح عليه، ويصالح
زيد عمرا - في المثال الثاني - عن ماله الواقعي أو عن دينه بمقدار
يتراضيان به أو بشئ آخر يتفقان عليه.
[المسألة 25:]
إذا لم يعلم المتصالحان بمقدار المال المصالح عليه بالفعل، وأمكن
لهما أن يعلما بمقداره بأن يزنا المال أو يكيلاه، أو بأن يرجعا إلى
الدفاتر والأوراق المثبتة للمال والمعينة لمقداره، فالأحوط لهما عدم
اجراء عقد الصلح على المال حتى يعلما بمقداره.
[المسألة 26:]
إذا كان لزيد عند عمرو مقدار من المال أو كان له عليه مبلغ من
الدين، وكان عمرو يعلم بمقدار المال أو الدين الذي لزيد عليه،
وزيد نفسه لا يعلم بمقداره، فصالح عمرو زيدا عن المال أو الدين
المذكور بأقل منه، لم تبرأ ذمة عمرو بهذه المصالحة إلا بمقدار ما أدى
من الدين وبقيت ذمته مشغولة بالباقي منه ولا يحل له الزائد من المال،
إلا إذا علم زيد بذلك ورضي بما حصل، أو كان زيد في حال اجراء
المصالحة راضيا بها على كل حال سواء كان المقدار الذي صولح به
بمقدار حقه أم أقل منه، فتصح المصالحة وتبرأ ذمة عمرو من بقية
الدين، ويحل له الزائد من المال.
206

وكذلك الحكم إذا كان عمرو لا يعلم بمقدار ما لزيد من المال أو
الدين على وجه التفصيل، ولكنه يعلم على وجه الاجمال إن المقدار
الذي صالح زيدا به أقل من القدر الواجب عليه، فلا يحل له الزائد
ولا تبرأ ذمته من بقية الدين إذا كان زيد لا يعلم بذلك.
[المسألة 27:]
قد تقدم هاهنا وفي فصل الربا من كتاب التجارة: إن حرمة الربا
في المعاملة لا تختص بالبيع بل تجري في الصلح وفي غيره من المعاوضات
إذا اجتمعت فيها شروط حرمته، فإذا أراد أحد الصلح مع غيره عن
مال بعوض، وكان العوض من جنس المال المصالح عليه، وكانا من
المكيل أو الموزون، فلا بد وأن يكون العوضان متساويين في المقدار،
فإن زاد أحد العوضين على الآخر كان الصلح باطلا للزوم الربا.
نعم إذا كان الصلح الجاري بينهما مقابلة بين مصالحتين مستقلتين
تتعلق إحداهما بأحد المالين وتتعلق المصالحة الثانية بالمال الآخر،
وليس مبادلة بين عوضين، كان صحيحا.
ومثال ذلك أن يكون لزيد عشرون منا من الحنطة الحمراء، ويكون
لعمرو خمسة وعشرون منا من الحنطة الصفراء فيصالح زيد عمرا عن
العشرين منا التي كانت لزيد ويملكه إياها بغير عوض، على شرط أن
يصالحه عمرو عن الخمسة والعشرين منا التي كانت لعمرو فيملكه
إياها بغير عوض، فإذا جرى العقدان بينهما كذلك كانا صحيحين،
وملك كل واحد من المتصالحين ما انتقل إليه بالصلح ولم يلزم الربا
في المعاملة.
[المسألة 28:]
إنما يلزم الربا في المعاملة ويكون محرما، وتكون المعاملة باطلة
إذا كان المتعاقدان يعلمان بزيادة أحد العوضين المتجانسين على الآخر،
فلا يكون من الربا المحرم ولا تبطل المعاملة إذا كانت زيادة أحد العوضين
على الآخر محتملة وليست معلومة.
ومثال ذلك أن يكون لزيد عند عمرو مقدار من الأرز، ويكون
207

لعمرو عند زيد مقدار من الأرز أيضا وهما لا يعلمان بقدر مال زيد
عند عمرو ولا بقدر مال عمرو عند زيد، فيحتمل تساوي المالين في
المقدار ويحتمل تفاوتهما، فيجوز لهما أن يتصالحا بينهما فيملك كل
واحد منهما ما عنده عوضا عن ماله عند صاحبه ولا يضر بذلك احتمال
زيادة أحد العوضين على الآخر.
[المسألة 29:]
قد اتضح مما بيناه في ما سبق أنه يصح للانسان أن يصالح غيره
عن دين بدين، سواء كان الدين المعوض عنه والدين العوض حالين
أم مؤجلين، أم كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا، وسواء كان العوضان
من جنس واحد أم كانا مختلفين في الجنس، وسواء كان المدين بهما شخصا
واحدا أم شخصين، فيصح لزيد أن يصالح خالد فيملكه دينه على بكر
بدين خالد على عمرو، ويصح لزيد أن يصالح خالدا فيملكه دينه على
عمرو، بدين خالد على عمرو نفسه، فتصح المصالحة عنه في جميع
الصور إلا إذا كان الدينان من جنس واحد وهو من المكيل أو الموزون،
فلا يصح الصلح عليهما إذا كانا متفاوتين في المقدار.
[المسألة 30:]
إذا أراد الشريكان فسخ عقد الشركة بينهما أو كانا قد فسخا العقد
وبقي المال مشتركا بينهما، جاز لأحد الشريكين أن يصطلح مع الآخر
على أن يكون له رأس ماله الشركة، ويكون الربح والخسران فيها
للشريك الآخر، وإذا كانت الشركة بينهما باقية لا يريدان فسخها أشكل
جواز هذا الصلح بينهما، والأحوط تركه.
[المسألة 31:]
يجوز للمدعي والمدعى عليه أن يصطلحا بعد ترافعهما في الدعوى
فيجعلا لكل واحد منهما شيئا من المدعى به، أو يتراضيا عنه بمال
آخر، ولا ينافي ذلك أن المدعي قد ادعى أنه يملك جميع المال، ولا
ينافيه انكار المنكر حق المدعي، فإذا اصطلحا بينهما ببعض صور
الصلح، سقطت دعوى المدعي، وسقط حقه الذي كان له قبل الصلح
في يمين المنكر، وليس له أن يجدد المرافعة عند الحاكم الأول أو يجدد
الدعوى عند حاكم آخر.
208

[المسألة 32:]
ما ذكر من الأحكام في المسألة السابقة إذا اصطلح المتداعيان إنما
هو فصل تنقطع به دعوى المدعي في ظاهر الشريعة، ولكنه لا يحل به
المحرم الواقعي ولا يثبت به غير الحق، ونتيجة لذلك، فإذا ادعى المدعي
دينا على المدعى عليه وكان صادقا في دعواه، وأنكره المنكر، ثم صالحه
بنصف الدين، فقد وصل إلى الدائن نصف حقه ولم تبرأ ذمة المنكر من
بقية الدين بالمصالحة المذكورة، ووجب عليه التخلص منه، وهو آثم
بانكاره حق المحق، إلا إذا كان محقا في إنكاره بحسب اعتقاده، فلا
إثم عليه في الانكار، ولكن المال باق في ذمته، فإذا تبين له خطأ اعتقاده
بعد ذلك وجب عليه التخلص من الدين ولم يكفه الصلح الأول، إلا
إذا علم بأن المدعي قد رضي بالصلح عن جميع حقه.
وإذا ادعى المدعي الدين وكان مبطلا في قوله أثم بذلك وحرم عليه
ما يأخذه من المدعى عليه بالصلح، إلا إذا علم بأن المدعى عليه قد
رضي بالمصالحة وطابت نفسه بدفع ما دفع إليه من المال.
[المسألة 33:]
إذا تنازع شخصان في ملكية شئ، فادعى أحدهما ملكية الشئ
وأنكر الآخر، ثم طلب المدعى عليه من المدعي أن يصالحه عن ذلك
الشئ، فلا يعد طلبه المصالحة من المدعي اقرارا منه بحقه فإن الصلح
يصح مع الاقرار والانكار.
وإذا قال المدعى عليه للمدعي بمعني الشئ الذي تدعي به، أو قال
له ملكني إياه، كان هذا القول من المدعي عليه اقرارا منه بأنه لا يملك
الشئ المدعى به، وفي دلالة قوله هذا على أن الشئ المدعى به ملك
للمدعي اشكال.
[المسألة 34:]
إذا ملك شخص ثوبا قيمته عشرة دنانير مثلا، وملك شخص آخر
209

ثوبا قيمته خمسة عشر دينارا ثم اشتبه أحد الثوبين بالآخر حتى لا يعرف
ثوب أحد الرجلين من ثوب الآخر، فيجوز لأحد الرجلين أن يجعل لصاحبه
الخيرة في أن يأخذ أي الثوبين شاء، فإذا اختار صاحبه ثوبا منهما كان
له أخذه والتصرف فيه، وكان الثوب الثاني للآخر، ويكون هذا التخيير
مصالحة بينهما فيملك كل واحد من الرجلين الثوب الذي صار إليه.
وإذا تعاسرا وكان مقصدهما من شراء الثوبين بيعهما والتكسب
بهما، بيع الثوبان، وقسم ثمنهما على الرجلين بنسبة قيمة كل ثوب
منهما إلى مجموع القيمتين، فيدفع لمالك الثوب الذي قيمته عشرة
دنانير خمسان من الثمن، ويدفع لمالك الثوب الذي قيمته خمسة عشر
دينارا ثلاثة أخماسه.
وإذا كان مقصدهما من الشراء اقتناء الثوبين ولبسهما، رجعا في
تعيين المشتبه إلى القرعة، فيدفع لكل واحد من المالكين الثوب الذي
عينته له القرعة. وكذلك إذا اختلف الرجلان في المقصد فكان مقصد
أحدهما من الشراء بيع الثوب وكان مقصد الثاني لبسه، فيرجع إلى
القرعة.
[المسألة 35:]
إذا كان الثوبان المذكوران متساويين في النوع وفي المالية، وإنما
اختلفت قيمتهما في الشراء لاختلاف القيمة في السوق يوم شراء الرجل
الأول منهما لثوبه عن يوم شراء الثاني لثوبه، لم يجر فيهما التفصيل
المتقدم بل يرجع في التعيين إلى القرعة.
[المسألة 36:]
لا يتعدى الحكم المتقدم ذكره إلى غير الثوب من الأشياء والمبيعات،
فإذا ملك رجل متاعا قيمته عشرة دنانير وملك رجل آخر متاعا قيمته
خمسة عشر دينارا ثم اشتبه أحد المتاعين بالآخر فلم يعرف مال أحد
الرجلين من مال الآخر لم يجر فيه ما تقدم، بل يرجع في التعيين إلى
القرعة، فيعطى لكل واحد من المالكين المتاع الذي تعينه له القرعة.
210

[المسألة 37:]
إذا استودع أحد مقدارا من ماله عند ثقة، واستودع رجل آخر
مقدارا من ماله عند ذلك الثقة أيضا ثم تلف مما في يد الثقة مقدار
من غير تعد ولا تفريط، ولم يدر أن التالف من أي المالين، فهاهنا
صور تجب ملاحظتها للتعرف على أحكامها.
(الصورة الأولى): أن تكون وديعة أحد الرجلين مساوية لوديعة
الرجل الآخر في المقدار ومثال ذلك أن تكون وديعة الرجل الأول عشرة
دنانير ووديعة الرجل الثاني عشرة دنانير كذلك والحكم في هذه الصورة
أن يكون تلف التالف من كلا المستودعين، ويقسم الباقي من مال
الوديعتين بينهما بالمناصفة، فإذا كان التالف من المال في المثال خمسة
دنانير فهو من كليهما والباقي منه وهو خمسة عشر دينارا يكون بينهما
على التنصيف لكل واحد منهما سبعة دنانير ونصف.
[المسألة 38:]
(الصورة الثانية): أن تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، ويكون
التالف بقدر إحدى الوديعتين وأقل من الثانية، ومثال ذلك أن تكون
وديعة الرجل الأول خمسة دنانير، وتكون وديعة الرجل الثاني عشرة
دنانير ويكون التالف من البين خمسة دنانير بمقدار الوديعة الأولى وأقل
من الثانية، والحكم في هذه الصورة أن يدفع لصاحب الوديعة الكبرى
ما زاد على المقدار التالف من مقدار وديعته، ويقسم ما بقي من المال
على المالكين بالتنصيف، فيدفع للرجل الثاني في المثال وهو صاحب
الوديعة الكبرى خمسة دنانير فإن ذلك هو المقدار الزائد من وديعته
على المقدار التالف، ويبقى من المال خمسة دنانير فتقسم بين الرجلين
بالمناصفة فيكون لصاحب الوديعة الأولى وهي الصغرى ديناران ونصف،
ولصاحب الوديعة الثانية وهي الكبرى سبعة دنانير ونصف، ويصيب كل
واحد منهما من التلف ديناران ونصف.
وإذا كانت الوديعة الأولى درهما، وكانت الوديعة الثانية درهمين -
كما هو المورد المنصوص - ثم تلف درهم أعطي صاحب الدرهمين درهما
وهو الزائد من وديعته على مقدار التالف، ثم قسم الدرهم الباقي بين
211

المالكين نصفين فيكون لصاحب الدرهم نصف درهم ولصاحب الدرهمين
درهم ونصف، ويصيب الواحد منهما من التلف نصف درهم.
[المسألة 39:]
(الصورة الثالثة): أن تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، ويكون
التالف أقل من كل واحدة من الوديعتين، ومثال ذلك أن تكون وديعة
الرجل الأول أربعة دنانير ووديعة الرجل الثاني ستة دنانير، ثم يتلف
من البين ديناران، والحكم في هذه الصورة أن يدفع لكل واحد من
الرجلين ما زاد من وديعته على المقدار التالف، ثم يقسم الباقي من المال
بينهما نصفين. فيدفع للرجل الأول في المثال، ديناران، وهما الزائد
من وديعته على مقدار التالف، ويدفع للرجل الثاني أربعة دنانير،
وهي الزائد من وديعته كذلك على مقدار التالف، ثم يقسم الباقي وهو
ديناران بين الرجلين بالمناصفة، فيكون مجموع ما يحصل لصاحب
الوديعة الأولى ثلاثة دنانير ويكون مجموع ما يحصل لصاحب الوديعة
الثانية خمسة دنانير، ويصيب كل واحد منهما من التلف دينار واحد.
وما ذكرناه من الأحكام في الصور الثلاث المتقدم ذكرها يجري في
المال إذا كان مثليا كالدراهم والدنانير والحبوب وغيرها ولم يمتزج
بعضه ببعض حتى ينتفي التمييز بين المالين وتحصل الشركة بين المالكين
كما هو المفروض في الصور المتقدمة جميعا.
[المسألة 40:]
(الصورة الرابعة): إذا كانت الوديعتان الآنف ذكرهما في المسائل
المتقدمة من المال المثلي وامتزج المالان امتزاجا تاما حتى انتفى التمييز
بين المالين وأصبح مالا واحدا وحصلت الشركة بين المالكين ثم تلف من
المال الممتزج مقدار، والحكم في هذه الصورة أن يكون التلف على المالكين
بنسبة المالين ومثال ذلك: أن يستودع أحد الرجلين عند الثقة منين من
الدهن، ويستودعه الرجل الآخر منا واحدا من الدهن أيضا، ثم يمتزج
المالان عند الودعي من غير تعد ولا تفريط من الأمين - حتى يحصل
الاشتراك بين المالكين في المال، ثم يتلف من واحد من المجموع، فيقسم
212

الباقي بين المالكين أثلاثا ثلث منه لصاحب المن الواحد، وثلثان لصاحب
المنين، ويصيب كل واحد منهما من التلف بتلك النسبة فثلث على صاحب
المن وثلثان على صاحب المنين.
[المسألة 41:]
(الصورة الخامسة): إذا كان المال في الوديعتين قيميا كالحيوان
والثياب والأمتعة الأخرى ثم تلف بعضه، فلا بد من المصالحة بين المالكين
أو تعيين التالف بالقرعة، فيكون تلفه على مالكه.
[المسألة 42:]
يجوز للانسان أن يتصرف في فضاء ملكه ما يشاء، فله أن يخرج
فيه جناحا لمنزله أو روشنا أو شباكا مطلا أو ما شاء، وله أن يعلي
بناءه كما يريد ولو بإقامة عدة طبقات وإن أشرف البناء على منزل غيره.
نعم يشكل أن يفتح فيه شباكا أو نافذة تطل على منزل غيره، وتطلع
على ما يستقبح العقلاء والمتدينون الاطلاع عليه من أمورهم وشؤونهم
ولا يرضون به، والأحوط لزوما تركه، ولا يخلو من قوة في بعض
مراتبه، بل يشكل ذلك وإن رضي به الجار نفسه، ولا تصححه المصالحة
مع الجار على اخراج الشباك أو النافذة على عورة بيته، بعوض أو
بغير عوض.
وإنما يشكل ذلك أو يمنع إذا كان هناك من يطلع، وأما إذا أمن
الطرفان من المطلع، وإنما كان فتح النافذة أو الشباك لمجرد التهوية
أو الاستضاءة فلا منع ولا اشكال، ويصح ذلك مع المصالحة وبدونها.
[المسألة 43:]
يجوز للانسان أن يخرج لمنزله جناحا أو روشنا أو نافذة أو شباكا
في الشارع العام وعلى الطريق النافذ إذا كان الجناح أو الروشن الذي
يخرجه عاليا لا يزاحم المارة ووسائل النقل وناقلات الأحمال التي تمر
بالشارع أو الطريق ولا يضر بها، وليس لأحد أن يمنعه من ذلك، وإن
كان الجناح الذي يريد أن يجعله لمنزله يستوعب عرض الطريق،
فليس لصاحب الدار التي تقابله في الطريق أن يمنعه من ذلك، إلا أن
213

يسبقه فيخرج له روشنا أو جناحا فيمنعه بمقدار عرض جناحه أو
روشنه الذي أخرجه لمنزله وبمقدار ما يحتاج إليه من الفضاء للتهوية
والشمس وشبه ذلك من الضرورات التي لا بد منها.
ولا يجوز للانسان أن يجعل الجناح أو الروشن أو الساباط الذي
يخرجه لمنزله معتمدا على جدار غيره أو على بنائه إلا برضاه أو مصالحته،
وإذا كان اخراج الجناح أو الروشن الذي يجعله في الطريق النافذ على
نحو يوجب كونه مشرفا على دار غيره أشكل الحكم بجوازه من غير رضى
ذلك الغير، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.
[المسألة 44:]
إذا كان لمنزل الرجل جناح أو روشن على الشارع أو على الطريق
فانهدم أو هدمه هو عامدا وكان من قصده أن يجدد بناء الجناح أو الروشن
في موضعه أو يشغل الموضع بشئ آخر كبناء غرفة مثلا، لم يجز لغيره
أن يشغل ذلك الفضاء ببناء جناح أو غيره. وإن لم يقصد الأول ذلك
جاز لغيره أن يشغل الموضوع بما يريد مما لا يضر بالمارة، ولم يفتقر
في جواز ذلك الاستئذان من الباني الأول أو إلى مصالحته.
[المسألة 45:]
إذا جعل الرجل لمنزله جناحا أو روشنا في الطريق النافذ ولم يستوعب
عرض الطرق لم يمنع ذلك صاحب الدار المقابلة له في ذلك الطريق
من أن يحدث له روشنا أو جناحا إذا كان لا يمنع الأول مما يحتاج إليه
في روشنه أو جناحه من الشمس أو التهوية وغيرها من الضرورات التي
لا بد منها، ويشكل بل يمنع إذا منعه من ذلك.
[المسألة 46:]
يجوز للانسان أن يفتح له بابا جديدا على الشارع العام، أو على
الطريق النافذ، إن كان له باب آخر على الشارع نفسه أو على غيره،
ويجوز له أن يفتح عليه شباكا أو أكثر، ونافذة أو أكثر، وأن يجعل
على الطريق ميزابا لماء المطر وغيره، وأن يفتح عليه بعض المجاري
لفضلات الماء والغسالات إذا لم تضر بالمارة.
214

ويجوز بل يحسن للانسان أن يحفر في الطريق بالوعة لتصريف مياه
الأمطار وغيرها فيه إذا هو أحكم الأسس والجدر والسقف ولم يضر
ذلك بمرور وسائط النقل وغيرها، بل ويجوز له أن يحفر فيه بالوعة
لمنزلة إذا هو أحكم أسسها وجدرانها وسقفها كذلك ولم تضر بالمارة.
[المسألة 47:]
الطريق غير النافذ، وهو الذي تحيط به الدور من جوانبه الثلاثة،
فلا يسلك فيه من طريق إلى طريق آخر، ويسمى بالسكة المرفوعة،
ويسمى بالدريبة، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه ملك مشترك
بين أصحاب الدور التي تفتح أبوابها إلى الطريق نفسه دون غيرهم وإن
كان حائط داره إليه.
ويشكل الحكم بملكية هذا الطريق الخاص إذا لم يكن له سبب مملك
آخر، بل يمنع ذلك، وإنما هو حق خاص بأصحاب الدور المذكورة في
بعض الشؤون وليس حقا مطلقا لهم، ونتيجة لذلك فلا يجب على غيرهم
أن يستأذنوا من أرباب الدور إذا أرادوا الدخول إلى الدريبة، أو أرادوا
الوقوف فيه لبعض المقاصد إذا لم يزاحموا بذلك أهل الدور، وإن كان
فيهم الأيتام والقاصرون.
ونتيجة لذلك فإذا سد بعض أصحاب الدور بابه من الدريبة وفتح
بابا إلى غيرها سقط حقه منها وأصبح من غير أهلها، ولم يحتج إلى ناقل
شرعي لملكيته.
ونتيجة لذلك فإذا فتح بعض المجاورين بابا إلى الدريبة بإذن أصحاب
الدور فيها أصبح شريكا لهم فيها كبقيتهم فتشمله أحكامهم وخصوصا
مع طول الدريبة، وكثرة الدور فيها، إلى غير ذلك من اللوازم التي
تدل على أنها حق وليست ملكا.
[المسألة 48:]
لا يجوز لأحد من غير أصحاب الدور في الطريق غير النافذ أن يفتح
فيه بابا أو يحدث فيه جناحا أو يبني فيه ساباطا أو ينصب فيه ميزابا
أو يحفر فيه بالوعة أو سردابا أو يحدث فيه أي شئ آخر إلا بإذن أصحاب
215

الحق فيه، وهم أصحاب الدور التي تفتح أبوابها في الطريق النافذ
كما تقدم، سواء كان ما يحدثه مضرا بهم أم لا، ولا يكفيه الإذن من
بعضهم، ويجوز له الصلح معهم على جميع ذلك أو على شئ منه، ولا
يكفيه الصلح مع بعضهم إذا لم يأذن له الباقون.
[المسألة 49:]
إذا أذن أصحاب الحق في الدريبة للمجاور بفتح باب فيها أو صالحهم
على ذلك بعوض أو بدون عوض، ففتح الباب كان من أهلها وأصبح
شريكا لهم في الحق كما ذكرنا آنفا، وإذا أذنوا له في ما سوى ذلك أو
صالحهم عليه فأحدث له جناحا أو حفر بالوعة أو سردابا أو أحدث ساباطا
أو غيره لم يصبح بذلك من أهل الدريبة ولم يشاركهم في الحق، ولم
يجز لهم أو لبعضهم أن يمنعه مما فعله بإذنهم أو بالمصالحة معهم وتلاحظ
المسألة الرابعة والخمسون الآتية.
[المسألة 50:]
لا يجوز لبعض أصحاب الدور في الدريبة أن يحدث فيها شيئا مما
تقدم ذكره إلا برضى بقية شركائه فيها، فلا يبني روشنا أو جناحا أو
ساباطا أو يحفر بالوعة أو سردابا، بل ولا يفتح له بابا آخر إلا بإذنهم
أو بالمصالحة معهم، ويجوز له أن يسد الباب الأول ويفتح له بابا آخر
فيها، وإذا أذنوا له بشئ من ذلك أو صالحهم عليه، فأحدثه لم يجز
لهم ولا لبعضهم أن يمنعه منه بعد ذلك ولا يكفيه الإذن من بعضهم أو
الصلح معه إذا لم يأذن الباقون.
[المسألة 51:]
إذا باع بعض أصحاب الدور داره في الطريق غير النافذ على رجل
آخر أصبح المشتري هو صاحب الحق في الطريق، سواء علم الشركاء
الباقون بالبيع أم لم يعلموا، وسواء أذن من يعلم منهم بالبيع أم
لم يأذن.
[المسألة 52:]
إذا أحدث المجاور جناحا أو ساباطا أو غيره في الطريق غير النافذ
216

بإذن أصحاب الحق فيه أو بمصالحتهم ثم باع داره على رجل آخر أصبح
المشتري هو مالك الدار والجناح المستحدث فيها ولم يجز لأهل الدريبة
منعه من جناحه أو ساباطه.
[المسألة 53:]
يجوز لكل واحد من أصحاب الدور في الدريبة أن يستطرق فيها إلى
منزله دخولا وخروجا، هو وأولاده وعائلته وضيوفه وأصدقاؤه
ومن يرغب في زيارته ودوابه، وله أن يعقد في بيته بعض المجالس التي
يعقدها أمثاله لذكريات بعض المعصومين عليهم السلام أو لغير ذلك من المناسبات
التي يعتادها نظراؤه في المجتمع، ويحل لمن يرغب في حضور المجالس
أن يدخل إليه فيها ولا يفتقر في جميع ذلك إلى الاستئذان من شركائه في
الدريبة، وإن كان فيهم اليتامى والقاصرون، بل يجوز له الجلوس
فيها إذا لم يزاحم حقوق الآخرين، كما إذا كان جلوسه فيها مانعا من
خروج بعض العائلات إلى حاجاتهن.
[المسألة 54:]
إذا صالح الرجل جاره على أن يبني على حائطه بناءا، أو على أن
يجعل سقفه معتمدا على جدار الجار، فيضع عليه أخشابه أو جذوعه أو
حديده، أو استأجر منه الجدار لذلك أو شرط عليه ذلك في عقد لازم،
وجب على الجار أن يفي بذلك ولم يجز له أن يمنعه من ذلك لا قبل
البناء ولا بعده.
وإذا استأذن الرجل جاره لشئ من ذلك، من غير صلح ولا إجارة
ولا شرط، فأذن له جاز للجار أن يرجع في أذنه قبل البناء، أو قبل أن
يضع السقف على الجدار.
ويشكل الحكم جدا في جواز رجوع الجار عن إذنه بعد البناء، أو
بعد أن يضع السقف على الجدار، ولا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما
أما بابقاء البناء أو السقف مع الأجرة، أو بهدمه مع الأرض.
ولا يجوز للرجل أن يبني على جدار جاره بناءا أو يجعل سقفه معتمدا
عليه من غير إذن ولا صلح ولا إجارة، ولا شرط في ضمن عقد، فإذا
217

هو فعل ذلك وجب عليه هدمه أو التخلص من حرمته ببعض الصور
الممكنة.
[المسألة 55:]
لا يجوز لأحد المالكين أن يتصرف في الجدار المشترك بينهما فيبني
عليه بناء أو يجعل عليه سقفا أو يدخل فيه خشبة أو وتدا، أو يخرج
فيه كوة أو روزنة، إلا بإذن شريكه أو باحرازه رضاه بشاهد الحال أو
بعض القرائن، وتجوز له الاستعمالات اليسيرة كالاتكاء عليه والاستناد
له وتعليق الثوب عليه وشبه ذلك، وإن لم يستأذن منه في ذلك ولم يحرز
رضاه، وإذا صرح الشريك بالمنع أو أظهر الكراهة لم يجز ذلك.
ويجوز الاستظلال بظله والاستضاءة بنوره وإن صرح بالمنع فإن مثل
ذلك لا يعد تصرفا في ماله، فلا يكون محرما.
[المسألة 56:]
إذا احتاج النهر المشترك بين مالكين إلى التنقية أو احتاج البئر
المشترك أو العين المشتركة إلى التعمير لم يجبر الشريك على الاشتراك في
التنقية والتعمير، وإذا أراد أحد الشريكين تنقية النهر وتعمير العين
أو البئر من ماله ولم يأذن له شريكه بالتصرف رفع الأمر إلى الحاكم
فخيره بين بيع حصته من شريكه أو من غيره والمشاركة مع شريكه في
التعمير والتنقية أو الإذن له في ذلك. وإذا أنفق الشريك على النهر أو
على العين من ماله فجرى الماء ونبع كان الماء مشتركا بين المالكين ولم
يختص به الشريك المنفق، ولم يجز له منع الآخر منه.
[المسألة 57:]
إذا اشترى الانسان دارا أو ملكها بسبب آخر من هبة أو إرث أو
غير ذلك، ووجد أن جاره قد وضع سقفه على جدار منزله الذي اشتراه
ولم يعلم أن وضع السقف على جداره كان بحق أو بغير حق، حكم بأنه
عن حق، فلا يجوز لمالك الدار أن يطالب جاره برفع سقفه عن الجدار،
وإذا انهدم السقف لم يجز له أن يمنع الجار من تجديد بنائه وإعادته
218

إلى وضعه الأول، إلا إذا علم بأن الجار كان عاديا في فعله فوضع السقف
من غير إذن المالك الأول للدار أو ثبت ذلك ببينة شرعية، فيجوز ذلك.
[المسألة 58:]
إذا صالح الانسان غيره على مال، فملكه إياه بعوض أو بغير عوض
واشترط عليه في عقد الصلح أن يجعل ذلك المال وقفا عند موته إذا لم
يكن له وارث من بعده، صح الصلح ولزم الشرط، ووجب على المصالح
أن يفي بذلك.
[المسألة 59:]
إذا كبرت الشجرة في منزل الانسان أو في بستانه حتى خرجت أغصانها
إلى فضاء دار غيره أو بستانه، ولم يرض جاره ببقائها كذلك لزم مالك
الشجرة أن يعطف أغصانها من حد ملكه أو يقطعها، وخصوصا إذا
زاحمت شجر الجار أو بناءه، ويجوز له أن يصالح الجار في ذلك على أن
يبقي أغصان الشجرة في فضاء ملكه ويأكل ثمارها الموجودة في تلك
الأغصان، فإذا قبل الجار صح الصلح ونفذ.
وإذا صالحه كذلك ثم ماتت تلك الشجرة أو يبست أغصانها تلك، أو
قطع مالكها الأغصان عامدا، ثم نمت شجرة أخرى وخرجت أغصانها
إلى فضاء دار ذلك الجار أو بستانه لم يشملها الصلح الأول، ووجب
على مالك الشجرة استيذان الجار في ابقاء الأغصان أو مصالحته، فإن
لم يفعل وجب عليه عطف أغصان الشجرة أو قطعها من حد ملكه.
[المسألة 60:]
إذا أفاد الصلح فائدة الهبة فصالح الرجل صاحبه وملكه عينا بغير
عوض، لم يجر عليه حكم الهبة فلا يشترط في صحته القبض كما يشترط
ذلك في صحة الهبة، ولا يجوز لمالك العين الأول ابطال الصلح، والرجوع
بعينه كما يجوز للواهب أن يرجع في هبته.
والحمد لله رب العالمين.
219

[كتاب الهبة]
221

[كتاب الهبة]
[المسألة الأولى:]
الهبة المبحوث عنها في هذا الكتاب هي ما قابلت الوصية إلى أحد بشئ
بعد الموت، وقابلت الصدقة عليه في حال الحياة، وقابلت وقف الشئ
على أحد بنحو التمليك، وشبه ذلك مما يتضمن تمليك الشئ مجانا من
غير عوض، وقد عرف الهبة جماعة من الفقهاء بأنها تمليك عين مجانا،
وهذا التعريف في ظاهره عام يشمل جميع المذكورات فإنها تمليك عين
مجانا ومن غير عوض، فهو تعريف للهبة بالمعنى العام الشامل للجميع
وليس تعريفا للهبة الخاصة التي هي موضع البحث في هذا الكتاب، وقد
يتكلف لاخراج بعض المذكورات عن لتعريف بأن المقصود فيه أن الهبة
تمليك عين مجانا تمليكا منجزا بالفعل وعليه فلا يشمل الوصية فإن
التمليك فيها معلق بعد الموت، وأن المراد إنها تمليك غير مشروط
بالقربة وعليه فلا يعم الصدقة فإنها تمليك مشروط بالقربة، والأمر
سهل بعد وضوح المعنى المقصود.
[المسألة الثانية:]
الهبة المبحوث عنها هنا هي ما يرادف المنحة والنحلة في المعنى،
والظاهر أنها أخص في معناها من كلمة العطية، فإن العطية تشمل
الصدقة، وقد تستعمل بالمعنى العام فتشمل الوصية إلى الرجل بعد
الموت فهي عطية أيضا، وتشمل الوقف على نحو التمليك للذرية أو
لغيرهم فإنه عطية كذلك.
ومن الهبة الخاصة: الهدية، وهي ما يدفع إلى الغير على سبيل التجلة
والتكريم، ولا يعتبر في صدق معنى الهدية أن يبعث بالشئ إلى المهدى
إليه بيد رسول، فإذا دفع المالك الشئ إلى الرجل بيده على نحو التكريم
223

فهو هدية وتختص الهدية بالمنقولات، فإذا أعطاه دارا أو عقارا يقال
وهبه الدار ولا يقال أهدى إليه دارا أو عقارا.
ومن الهبة الخاصة: الجائزة، وهي ما يدفع إلى السابق، تقديرا
له على سبقه في بعض المجالات، وما يدفع إلى المجيد في شئ تقديرا له
على إجادته في الشئ، وقد تستعمل الجائزة بمعنى الهبة فتكون أعم
من المعنى الخاص لكلمة الجائزة.
والواهب هو دافع الهبة، والموهوب له هو من تدفع إليه، وقد يقال
له المتهب، والموهوب هو الشئ المدفوع.
[المسألة الثالثة:]
الهبة المبحوث عنها عقد من العقود، ولذلك فهي تحتاج إلى الايجاب
من الواهب أو من وكيله وإلى القبول من الموهوب له أو من وكيله.
ويحصل الايجاب في عقد الهبة بأي لفظ يكون دالا على تمليك الشئ
الموهوب، ومن ألفاظه التي يتعارف اجراء الايجاب بها، وهبتك،
وملكتك المال المعين، وهذا المال لك، ويحصل القبول كذلك بأي لفظ
يدل على الرضا بالتمليك المذكور، ومن ألفاظه المعروفة: قبلت الهبة،
ورضيت بها، وتملكت الشئ.
ولا يشترط في عقد الهبة أن يكون انشاؤه باللغة العربية، فيصح
أن يقع ايجابه وقبوله بأي لغة أخرى يعرفها المتعاقدان، ويصح ايقاعه
بالمعاطاة الدالة على المعنى المراد، فإذا دفع الواهب أو وكيله الشئ
بقصد انشاء التمليك لصاحبه، وقبض الموهوب له أو وكيله الشئ
بقصد التملك صح العقد ونفذ.
[المسألة الرابعة:]
يشترط في الواهب أن يكون بالغا، وأن يكون عاقلا، وأن يكون
قاصدا للمعنى في إنشاء العقد، وأن يكون مختارا في فعله، على النحو
الذي تقدم بيانه في عقد البيع في الشروط المذكورة. ويشترط في
الواهب أن يكون غير محجور عليه لسفه فيه أو لفلس، ويشترط فيه
أن يكون مالكا للشئ الموهوب، فيصح أن يهب الرجل ملك غيره،
224

إلا أن يأذن له المالك قبل اجراء العقد فيكون وكيلا عنه، أو يجيز
عقده بعد أن يوقعه فيكون من الفضولي الذي تصححه الإجازة، ولا يصح
أن يهب ما لا يملكه مثله فلا يهب المسلم خمرا ولا خنزيرا، لأن المسلم
لا يملكها فلا يصح أن يهبها وإن كان الشخص الموهوب له ذميا.
[المسألة الخامسة:]
يشترط في الموهوب له أن يكون بالغا وأن يكون عاقلا إذا كان هو
الذي يتولى انشاء قبول العقد من الواهب، وتصح الهبة للصغير وللمجنون
إذا كان الولي هو الذي يقبل عنهما عقد الهبة، وتصح الهبة للصغير
المميز إذا قبل انشاء العقد من الواهب بالوكالة عن الولي، بعد أن أتم
الولي المعاملة بنفسه كما تقدم في أول فصل شرائط المتعاقدين من
كتاب التجارة.
ويشترط في الموهوب له إذا كان بالغا عاقلا أن يكون قاصدا للمعنى
الذي يتولى انشاءه في العقد، وأن يكون مختارا في فعله على النحو الذي
تقدم في نظائره.
ويشترط في الموهوب له أن يكون ممن يصح له تملك الشئ الموهوب،
ولذلك فلا تصح هبة المصحف ولا العبد المسلم للكافر وإن كان ذميا أو
معاهدا، ولا تصح هبة الخمر أو الخنزير للمسلم وإن كان الواهب ذميا.
[المسألة السادسة:]
يشترط في الواهب وفي الموهوب له أن يكون حرا، فلا تصح الهبة
من العبد المملوك إذا لم يأذن له سيده بالهبة وإن كان الشئ الموهوب
ملكا له، ولا تصح الهبة له كذلك إذا لم يأذن له مولاه وإذا أذن له مولاه
في أن يهب لغيره صح له ذلك سواء كان المأذون فيه أن يهب من ماله أم
من مال سيده أم من مال غيرهما إذا رضي مالك المال.
وذا وهب له مولاه شيئا من ماله صح له قبولها، بل الظاهر أنه
يملك المال بهبة سيده ولا يحتاج إلى قبوله وإذا أذن له مولاه في قبول
الهدية من الآخرين صح له أن يقبل الهدية منهم ونفذت الهبة إذا قبلها،
225

ويكفيه الإذن العام في أن يتولى جميع ذلك، فيصح له أن يهب من ماله
وأن يقبل الهبة من غيره.
[المسألة السابعة:]
تصح الهبة من المريض وإن كانت هبته في مرض موته وإن كان
ما وهبه يزيد على مقدار ثلثه من جميع تركته، وقد ذكرنا في كتاب
الحجر إن منجزات المريض في مرض موته تصح وتخرج من الأصل.
[المسألة الثامنة:]
المعروف بين الفقهاء إن الهبة هي تمليك الأعيان، وبذلك عرفها
جماعة منهم، وهذه هي الهبة المصطلحة، ولا يبعد القول بصحة الهبة
في المنافع أيضا وصحة هبة الحقوق القابلة للنقل، وإن لم تكن من الهبة
المعروفة بين الفقهاء، ويدل على صحتهما ونفوذهما عموم أدلة الوفاء
بالعقود، وعلى هذا فيصح للرجل أن يهب صاحبه سكنى داره المعينة
مدة ستة أشهر من يوم الهبة أو مدة سنة أو أكثر، ويصح له أن يهبه
حقه من التحجير في الأرض المعينة، ويصح للمرأة أن تهب حقها من
قسمة ليالي الزوج بين زوجاته لإحدى زوجاته الأخريات فينتقل ملك
منفعة الدار إلى الوهوب له في المثال الأول وينتقل إليه حق التحجير في
المثال الثاني وينتقل إلى الزوجة الأخرى حق القسم في المثال الأخير.
[المسألة التاسعة:]
الأقوى صحة هبة الدين الذي يملكه الانسان في ذمة غيره مطلقا،
فتصح هبة الدين للمدين نفسه، فإذا وهبه الدين الذي في ذمته أفادت
الهبة له فائدة ابراء الذمة، فيملك المدين الدين الذي في ذمته ويترتب
على ذلك سقوط الدين عنه وبراءة ذمته منه، ولا بد في صحة هذه الهبة
من قبول المدين أيضا كسائر عقود الهبة، وإن لم يعتبر القبول في
الابراء، وهي في ذلك نظيرة بيع الدين على المدين نفسه ونظيرة مصالحة
المدين على الدين الذي في ذمته، فلا بد فيهما من قبول المدين وإن أفادا
فائدة ابراء الذمة، وقد تقدم ذكرهما في كتاب التجارة وفي كتاب الصلح.
وتصح كذلك هبة الدين لغير من عليه الدين، ويكون قبض الموهوب
226

المعتبر في صحة الهبة بقبض مصداق الدين ولو بعد حين، فإذا قبل
الموهوب له وقبض مصداق الدين صحت الهبة وملك الموهوب له المال.
[المسألة العاشرة:]
يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له المال الموهوب، ولا يشترط
في قبضه الفورية، بل يصح القبض وتصح الهبة به وإن تأخر عن العقد
مدة طويلة، وسنذكره في ما يأتي إن شاء الله تعالى.
[المسألة 11:]
القبض المعتبر في صحة الهبة هو استيلاء القابض على الشئ المقبوض
ووضع يده عليه سواء كان من المنقول أم من غيره، وقد أوضحناه في
المسألة المائتين والخامسة والثمانين من كتاب التجارة وأشرنا إليه في
مواضع أخرى.
ويحصل قبض الدين بقبض مصداقه، فإذا وهب زيد خالدا دينه
الذي يستحقه في ذمة عمرو وهو مائة دينار أو عشرون منا من الحنطة،
مثلا، وقبض خالد مصداق الدين من عمرو ولو بعد مدة صحت الهبة
وملك خالد المال الموهوب ويحصل قبض التحجير الموهوب بقبض الأرض
المحجرة، ويحصل قبض حق القسم الموهوب للزوجة بوصول الزوج
إليها في الليلة المعينة لها. وسيأتي بيان ما يتحقق به قبض المنفعة في
كتاب الإجارة إن شاء الله تعالى.
[المسألة 12:]
يشترط - على الأحوط لزوما - في صحة القبض في الهبة أن يكون
القبض بإذن الواهب، فلا يكفي قبض الموهوب له المال إذا لم يأذن به
الواهب، كما إذا خرج الموهوب له إلى المال في موضعه، فاستولى عليه
من غير علم الواهب ولا إذنه، فلا بد من تجديد القبض بعد الإذن على
الأحوط.
[المسألة 13:]
إذا وهب المالك لأحد شيئا، وكان الشئ الموهوب في يد الموهوب
له في حال الهبة، فإن دلت القرائن الحافة على اقرار الواهب لهذا القبض
227

الموجود واعتباره قبضا مصححا للهبة، كفى ذلك في تحقق الشرط،
ولم يحتج معه إلى قبض آخر، ولا إلى مضي زمان بعد العقد والمال في يد
الموهوب له وإن لم تدل القرائن على ذلك، فالأحوط لزوما اعتبار الإذن
بعد العقد ومضي زمان يكون فيه المال في يد الموهوب له ليتحقق الشرط
بذلك.
[المسألة 14:]
إذا وهب الأب ولده الصغير شيئا، وكان الشئ الموهوب في يد الأب،
فالأحوط لزوما أن يقصد الأب القبض عن الطفل بعد اجراء عقد الهبة،
ولا يكتفي بالقبض الموجود، لأنه قبض لنفسه، لا للطفل الوهوب له،
وكذلك إذا وهب الجد أبو الأب شيئا لولد ولده، والشئ الموهوب في
يد الجد الواهب فعليه أن يقصد بعد الهبة القبض عن الطفل ليتحقق
الشرط بذلك، ومثلهما الوصي القيم على الصغير المنصوب من الأب أو
من الجد إذا وهب للصغير المولى عليه شيئا مما في يد القيم، فيجري فيه
الحكم المذكور على الأحوط بل ولا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن
يقبض الحاكم الشرعي أو من يعينه عن الطفل أيضا مع قبض القيم
المذكور عنه.
وإذا وهب غير الولي للطفل شيئا فلا بد من قبض الشئ الموهوب
ويتولى ولي الطفل قبول الهبة والقبض بالولاية عليه. وبحكم الطفل
المجنون الذي يتصل جنونه بصغره فتكون الولاية عليه للأب والجد أبي
الأب وللقيم المنصوب من أحدهما بعد موتهما، فتجري فيه الفروض
المتقدمة وأحكامها.
[المسألة 15:]
تصح هبة الحصة المشاعة من الشئ كما إذا وهب الرجل صاحبه
نصف داره المعينة أو نصف بستانه المعين، ويحصل قبض الحصة المشاعة
الموهوبة بأن يأذن الواهب للرجل الموهوب له في أن يقبض الشئ بأجمعه،
فإذا قبضه كذلك فقد قبض في ضمنه الحصة المشاعة الموهوبة منه.
ويتحقق قبض الموهوب له الحصة الموهوبة كذلك بأن يجعل الواهب
228

وكيلا في قبض الحصة عنه، فإذا قبضها الواهب بالوكالة عنه صح ذلك
وكفى في تحقق الشرط.
[المسألة 16:]
إذا كانت عين الشئ مشتركة بين مالكين، فوهب أحدهما حصته من
الشئ لشخص ثالث، أمكن للشخص الموهب أن يقبض مجموع الشئ
بإذن الشريك، فيتحقق بذلك قبض الحصة الموهوبة في ضمن قبضه
للمجموع، فإذا قبض الموهوب له جميع الدار المشتركة، وكان قبضه
بإذن الشريك فقد قبض نصفها، وهو الحصة الموهوبة له حسب الفرض.
وإذا قبض المجموع بغير إذن الشريك، تحقق قبض الحصة المشاعة
الموهوبة له في ضمنه، فتصح الهبة بذلك لتحقق شرطها وإن كان متعديا
وآثما في قبض حصة الشريك بغير إذنه.
[المسألة 17:]
إذا وهب الرجل لغيره شيئا كليا في الذمة أو كليا في المعين، كما إذا
وهبه وزنة من الحنطة في ذمة الواهب، أو وهبه وزنة من الحنطة في
هذه الصبرة المعينة، صحت الهبة وأمكن للموهوب له قبض الكلي الموهوب
بقبض مصداقه، فإذا دفع إليه الواهب وزنة من الحنطة وقبضها منه
تحقق القبض في المثال الأول، وإذا دفع إليه وزنة حنطة من الصبرة
المعينة وقبضها تحقق القبض في المثال الثاني، ويتحقق القبض أيضا
في مثال الصبرة بقبض جميع الصبرة بإذن مالكها، وبتوكيله في أن
يقبض المقدار الموهوب منها بالوكالة عن الموهوب له.
[المسألة 18:]
لا تشترط المبادرة في قبض الشئ الموهوب في صحة عقد الهبة، فإذا
تأخر القبض لم تبطل الهبة بذلك، وإن تأخر عن العقد مدة طوية،
سواء كان التراخي عن عمد أم عن غفلة أم عن نسيان أم عن غيبة
الواهب أو الموهوب له أو المال، فمتى تحقق القبض صحت الهبة إذا لم
يفسخ العقد ولم يمت أحد المتعاقدين.
229

[المسألة 19:]
لا تنفذ الهبة ولا يترتب عليها الأثر إلا بعد تحقق الشرط وهو
القبض، فإذا تأخر القبض مدة وحصل للمال الموهوب نماء قبل القبض
فهو للواهب، وإذا حصل القبض ولو بعد مدة تحقق ملك الموهوب له
المال من حينه، فإذا تحدد له نماء بعد ذلك فهو للموهوب له.
[المسألة 20:]
إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب له المال بطل عقد الهبة،
وكان المال من تركة الواهب، فينتقل إلى ورثته من بعده ميراثا، وليس
للموهوب له أن يطالب ورثة الواهب بتسليم المال إليه ليقبضه، ولا
يقوم الورثة مقام مورثهم الواهب في ذلك إذا أرادوه، فإذا رغبوا في
ذلك أوقعوا له هبة جديدة ومكنوه من قبض المال.
وإذا مات الموهوب له قبل أن يقبض المال من الواهب بطلت الهبة
كذلك ولم يصح لورثته أن يطالبوا الواهب باقباض المال، وليس
للواهب أن يقبضهم لهبة مورثهم، وإذا رغب في ذلك أنشأ لهم هبة جديدة
ودفع لهم المال.
[المسألة 21:]
إذا وهب الرجل شيئين من أمواله لشخصين بعقد واحد، لكل واحد
منهما شئ معين خصه به، فقبل أحد الشخصين الهبة، وقبض الشئ
الموهوب له، ولم يقبل الآخر العقد، أو قبل العقد ولم يقبض المال
الموهوب حتى مات هو أو مات الواهب، صحت الهبة في حصة الأول
ونفذت، وبطلت في حصة الموهوب له الثاني.
وكذلك الحكم إذا وهبهما شيئا واحدا من ماله: دارا أو بستانا،
فقبل أحدهما وقبض حصته من المال الموهوب ولم يقبل الآخر أو قبل
العقد ولم يقبض حصته حتى مات هو أو مات الواهب، فتصح الهبة في
حصة الأول وتبطل في حصة الثاني.
[المسألة 22:]
إذا وقع عقد الهبة بين الواهب والموهوب وحصل القبض صحت الهبة
230

كما ذكرنا أكثر من مرة، وهاهنا صور تختلف أحكامها بعد ذلك من
حيث لزوم الهبة وعدم لزومها.
(الصورة الأولى): أن يكون الموهوب له من أرحام الواهب وذوي
قرباه: أبا أو أما له، أو ولدا، أو أخا، أو قريبا له، والحكم في هذه
الصورة أن تكون الهبة له لازمة من جهة الواهب، فلا يجوز له بعد
العقد والقبض أن يرجع في هبته ويسترد المال الموهوب من قريبه.
ويشمل الحكم المذكور من كان بعيدا في قرابته إذا كان ممن يعد
رحما للواهب في نظر أهل العرف كابن ابن العم وابن ابن الخال، فضلا
عن جد الجد أو جد الأب، وابن ابن الأخ أو الأخت، فالرحم شامل
لهم جميعا سواء كان الرحم كبيرا أم صغيرا ومسلما أم كافرا، وذكرا
أم أنثى.
ولا يشمل الحكم المذكور من يتصل بالواهب بالمصاهرة كأبي الزوجة
وأمها وأخيها، وكأبي الزوج وأمه وأخيه.
[المسألة 23:]
إذا وهب الرجل زوجته شيئا من المال أو وهبت المرأة زوجها لم
يشملهما الحكم المذكور فيجوز للواهب منهما أن يرجع في هبته للآخر
على كراهة، إلا إذا كانا من الأرحام، فلا يجوز للواهب الرجوع.
[المسألة 24:]
(الصورة الثانية): أن تكون الهبة معوضا عنها، سواء كان العوض
الذي دفعه الموهوب له كثيرا أم قليلا، وسواء اشترط عليه في الهبة أن
يعوض عنها بشئ أم لم يشترط عليه ذلك ولكنه أثاب الواهب على هبته
فدفع له عوضا عنها. والحكم في هذه الصورة أن تكون الهبة لازمة من
جهة الواهب كذلك، فلا يجوز له الرجوع في الهبة.
ويعتبر في الفرض الأخير من هذه الصورة - وهو ما يدفع فيه
الموهوب له إلى الواهب عوضا من غير شرط - أن يكون ما يدفعه بقصد
التعويض عن الهبة، فلا يكفي ما يدفعه إلى الواهب بدون قصد التعويض،
231

ويعتبر فيه أيضا أن يرضى الواهب بذلك، فلا يكفي إذا دفع الموهوب
له عوضا ولم يرض به الواهب.
[المسألة 25:]
(الصورة الثالثة): أن يقصد الواهب في هبته وجه الله تعالى والتقرب
بالهبة إليه والحكم في هذه الصورة كذلك أن تكون الهبة لازمة على
الواهب فلا يجوز له الرجوع فيها.
[المسألة 26:]
(الصورة الرابعة): أن تنتفي الحالات الثلاث عن الهبة، فليست
هبة لذي قرابة وليست ذات عوض، ولم يقصد الواهب بها التقرب إلى
الله والحكم في هذه الصورة أنه يجوز للواهب أن يرجع في هبته فيسترد
المال الذي وهبه، إذا كان المال الموهوب قائما بعينه كما في النصوص.
ويستثنى من الحكم بجواز الرجوع في الهبة في الصورة المذكورة عدة
موارد يأتي ذكرها.
[المسألة 27:]
إذا تلفت عين المال الموهوب، فليس للواهب أن يرجع في هبته إياها
ويسترد من الموهوب له مثلها أو قيمتها، وكذلك إذا تلف بعض المال
بحيث صدق مع تلف ذلك البعض إن المال الموهوب ليس قائما بعينه
في نظر أهل العرف، فلا يجوز للواهب أن يرجع بالهبة.
[المسألة 28:]
إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب فنقله عن ملكه ببيع على غيره
أو هبة أو صلح، أو وقف المال على بعض المصالح أو على بعض الناس،
أو أعتق العبد الموهوب، فهو في حكم التالف، فلا يجوز للواهب أن يرجع
في هبته بعد هذا التصرف الناقل، وكذلك إذا نقل بعض المال عن ملكه
بحيث يصدق معه أن المال ليس قائما بعينه فلا يجوز له الرجوع في الهبة.
[المسألة 29:]
إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب تصرفا يغير عين المال ومثال
ذلك أن يطحن الحنطة الموهوبة له أو يخبز الدقيق أو يقطع الثوب
232

ويفصله، أو يمزج المال بغيره مزجا ينتفي معه التمييز بين المالين سواء
مزجه بجنسه أم بغير جنسه، فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته بعد
هذا التصرف المغير للعين، وكذلك إذا كان التصرف المغير في بعض المال
بحيث صدق معه أن العين ليست قائمة فلا يجوز له الرجوع بها.
[المسألة 30:]
إذا تصرف الموهوب له في المال تصرفا لا تتغير به العين كما إذا لبس
الثوب أو غسله وكما إذا ركب الدابة أو علفها أو سقاها أو ركب السيارة
أو سكن الدار لم يمنع ذلك من أن يرجع الواهب بهبته، فله أن يسترد
المال إذا لم يكن الموهوب له ذا رحم ولم تكن الهبة ذات عوض، ولم
يقصد بها التقرب إلى الله كما تقدم بيانه.
[المسألة 31:]
إذا تصرف الموهوب له في الثوب الموهوب فصبغه أو صبغ السيارة
ففي كون ذلك من التصرف المغير للعين اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم
رجوع الواهب في الهبة، وبالمصالحة بين الطرفين إذا هو رجع في هبته.
[المسألة 32:]
إذا جاز للواهب أن يرجع في هبته، صح له أن يرجع بهبته كلها
فيسترد جميع المال الموهوب من الشخص الموهوب له، وصح له أن يرجع
ببعض هبته فإذا كان قد وهب للشخص شيئين بعقد واحد فله أن يرجع
بهبة أحد الشيئين، ويبقي الهبة في الشئ الثاني، وإذا كان قد وهبه
شيئا واحدا فله أن يرجع بهبة بعضه مشاعا ومعينا فإذا كان قد وهبه
دارا، فله أن يرجع بهبة نصف الدار مشاعا وله أن يرجع بهبة نصفها
المحاذي لدار فلان مثلا.
وإذا وهب شيئين لرجلين بعقد واحد وقبضا ما وهب لهما وكانت
الهبة جائزة، جاز له أن يرجع في هبة أحد الرجلين دون الآخر.
[المسألة 33:]
تطلق الهبة على نوعين: معوضة وغير معوضة، والمعوضة من الهبة
على نحوين: الأولى هي ما شرط الواهب فيها على الشخص الموهوب له
233

أن يعوضه عن هبته بعوض معين أو غير معين، سواء وفي الموهوب له
بشرطه أم لم يف ولم يعوض، وتسمى هذه بالهبة المشروطة.
والثانية هي ما دفع الموهوب له للواهب عوضا عن هبته، قليلا أم
كثيرا، سواء شرط الواهب عليه ذلك أم دفع الموهوب له العوض من
غير شرط. وتلاحظ المسألة الرابعة والعشرون. والهبة غير المعوضة
هي التي لم يشترط الواهب فيها العوض، ولم يدفع الموهوب له للواهب
عنها عوضا.
[المسألة 34:]
إذا أطلق الواهب هبته ولم يشترط فيها على الشخص الموهوب له
أن يدفع إليه عن الهبة عوضا، لم يجب على الموهوب له أن يدفع إليه شيئا على
الأقوى، سواء كان الواهب أدنى منزلة من الموهوب له أم كان مساويا
له في المنزلة أم أرفع، وإن كان الأحوط استحبابا أن يدفع الموهوب
له عوضا للواهب إذا كان الواهب أدنى منه منزلة.
وإذا دفع الموهوب له إلى الواهب عوضا عن هبته من غير شرط لم
يجب على الواهب أن يقبل العوض المدفوع إليه، وإذا أخذ العوض
لزمت الهبة، ولم يجز للواهب أن يرجع بها كما تقدم في المسألة الرابعة
والعشرين، ولم يجز للموهوب له أن يرجع بالعوض الذي دفعه على
الأحوط بل على الأقوى.
[المسألة 35:]
إذا شرط الواهب على الشخص الموهوب له في العقد أن يدفع إليه
عوضا عن هبته وتم العقد ووقع القبض على ذلك لزم على الموهوب له
أن يدفع للواهب العوض المشترط عليه، ويجوز له أن يرد الهبة فإذا
هو ردها لم يجب عليه التعويض عنها، وإذا هو لم يرد الهبة ولم يدفع
العوض الذي اشترطه الواهب جاز للواهب أن يرجع في هبته كما
تقدم بيانه.
[المسألة 36:]
إذا اشترط الواهب على الموهوب له أن يدفع عن الهبة عوضا، وعين
234

العوض الذي يدفعه وتم على ذلك الايجاب والقبول ووقع عليه القبض،
تعين على الموهوب له دفع العوض المعين، إذا هو لم يرد الهبة على الواهب.
وإذا أطلق الواهب ولم يعين عوضا خاصا، أجزأ الموهوب له أن
يدفع للواهب شيئا يسيرا عوضا عن هبته، إلا أن تقوم قرينة خاصة أو
عامة من عادة ونحوها على أن يكون العوض المدفوع بمقدار المال
الموهوب مثلا أو قيمة أو أكثر منه، فيتعين على الموهوب له ذلك، ويجوز
له أن يرد الهبة كما تقدم فلا يجب عليه دفع العوض.
[المسألة 37:]
إذا أراد الواهب أن يشترط في عقد الهبة على الموهوب له أن يدفع
له عوضا عن هبته، فيمكن له أن يشترط عليه أن يدفع العوض على
وجه الهبة، فيقول له مثلا: وهبتك هذه الدار المعينة، بشرط أن
تهبني دارك المعينة في الكوفة عوضا عن ذلك، فيكون مضمون العقد
هبة في مقابلة هبة، فإذا قبل صاحبه بالشرط ووهب له داره في الكوفة
فقد دفع إليه العوض المشترط عليه، ويشترط القبض في صحة الهبة
الثانية كما يشترط في صحة الهبة الأولى.
ويصح للواهب أن يشترط على الموهوب له أن يبيع عليه شيئا معينا
بثمن معين أو بثمن مثله، فيقول له مثلا وهبتك هذه الدار المعلومة
بشرط أن تبيعني بستانك الواقع في كربلاء بألف دينار، أو يقول له
بشرط أن تبيعني البستان بالثمن الذي يقومه به أهل الخبرة، فيكون
المضمون هبة مشروطة ببيع، فإذا قبل الموهب له بذلك، ثم باعه
البستان بالثمن المحدد فقد وفى له بالشرط ودفع إليه عوض الهبة.
ويجوز له أن يشترط على الموهوب له أن يملكه شيئا معينا بالصلح،
أو يصالحه على أمر، فيقول له مثلا وهبتك هذه السلعة بشرط أن
تصالحني عن سيارتك المعينة بسيارتي هذه، أو يقول له: بشرط أن
تصالحني عن حقك في الشفعة في البستان الذي اشتريته في الكوفة،
فيكون المضمون هبة مشروطة بصلح، فإذا قبل صاحبه العقد المشروط
ثم صالحه كما طلب فقد وفى بشرطه وأعطاه عوض هبته.
235

ويجوز له أن يشترط على الموهوب له أن يبرئه من دين له في ذمته،
أو يسقط له حقا ثبت له عليه، فيقول له وهبتك هذا المتاع بشرط أن
تبرئ ذمتي من دينك الذي تستحقه علي، أو من نصفه، أو بشرط
أن تؤجلني به إلى سنة، أو يقول له بشرط أن تسقط خيارك في الدار
التي اشتريتها منك، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بابراء ذمة
أو باسقاط حق، فإذا قبل الموهوب له العقد وأبرأ ذمة المواهب من
الدين أو أجله فيه أو أسقط له الخيار فقد وفى له بما اشترط ودفع
له عوض الهبة.
ويصح له أن يشترط على الموهوب له أن يعمل له عملا فيبني له داره
أو يقوم له بعمل خاص، فيقول له: وهبتك هذا الشئ بشرط أن تتجر
لي في بضاعتي مدة شهر، أو بشرط أن تدافع عني في مرافعتي مع
فلان، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بعمل، فإذا قبل الموهوب
له العقد وقام للواهب بالعمل الذي طلب منه فقد وفى بالشرط ودفع
إليه العوض. وهكذا.
[المسألة 38:]
إذا وهب رجل امرأة دارا له أو عقارا، واشترط على المرأة في عقد
الهبة أن تزوجه نفسها وقبلت المرأة الهبة منه والشرط، وقبضت المال
الموهوب على ذلك، لزم عليها أن تفي للواهب بالشرط سواء كان قد
عين لها مقدار الصداق في اشتراطه التزويج بها أم ترك الخيار لها في
تقديره، فقال لها - مثلا - وهبتك الدار المعينة، بشرط أن تزوجيني
نفسك على صداق قدره ألف دينار، أو قال بشرط أن تزوجيني نفسك
على ما تعينين من الصداق.
فإذا قبلت بذلك وقبضت الدار الموهوبة، صحت الهبة وصح الشرط،
وكان مضمون العقد هبة في مقابلة عقد نكاح، فإذا هي زوجته نفسها،
فقد دفعت إليه عوض الهبة الذي اشترطه عليها، فلا يحق للرجل أن
يرجع في هبته إياها، ويجوز للمرأة أن ترد الهبة على الرجل فلا يجب
عليها دفع العوض المشترط كما ذكرنا مرارا، وإذا هي لم ترد الهبة
على الرجل ولم تزوجه نفسها جاز للرجل أن يرجع في هبته.
236

[المسألة 39:]
إذا وهب الرجل رجلا آخر دارا أو عقارا مثلا واشترط عليه في عقد
الهبة أن يزوجه بنته الصغيرة، وقبل الموهوب له الهبة منه والشرط
وحصل القبض على ذلك، وكانت شروط تزويج الواهب بالصغيرة
متوفرة فشروط الولاية على البنت تامة في أبيها الموهوب له، ولا مفسدة
في تزويج الواهب بها.
أقول: إذا تحقق في الفرض جميع ذلك صحت الهبة وصح الشرط،
ووجب على الأب الموهوب له أن يزوج بنته الصغيرة من الواهب، ويجوز
له أن يرد الهبة، فلا يجب عليه الوفاء بالشرط.
وإذا زوجه الصغيرة كما اشترط لزمت الهبة على الواهب فلا يجوز
له أن يرجع بها، وإذا لم يرد الموهوب له الهبة ولم يف للواهب بالشرط،
كان للواهب أن يرجع بالهبة، والأمر في الصداق كما تقدم.
[المسألة 40:]
إذا اشترط الواهب على الرجل الموهوب له في العقد أن يزوجه بنته
الرشيدة، وكات البنت قد أوكلت أمر تزويجها إلى أبيها، بحيث كان
أبوها الموهوب له مستجمعا لشروط الولاية على البنت والوكالة منها،
كان له أن يقبل الشرط، وإذا هو قبل الهبة وقبل الشرط جرى فيه الحكم
المتقدم في المسألة السابقة سواء بسواء.
[المسألة 41:]
إذا اشترط الرجل الواهب على الموهوب له في العقد أن يزوجه أخته
أو بنته التي لا ولاية له عليها لم يكن له أن يقبل الشرط من الواهب
لعدم قدرته على الوفاء به وكانت الهبة باطلة لعدم قبول الموهوب له.
[المسألة 42:]
إذا وهبت المرأة لرجل شيئا من مالها واشترطت عليه في عقد الهبة
أن يتزوج بها، جاز للموهوب له أن يقبل الهبة ويقبل الشرط إذا لم
يكن له مانع شرعي من التزوج بها، وإذا قبل الهبة والشرط وقبض
237

المال الموهوب وجب عليه الوفاء بالشرط على النحو المتقدم وتترتب
عليها الآثار المتقدم بيانها.
[المسألة 43:]
إذا وهب الرجل غيره شيئا من ماله واشترط عليه في عقد الهبة شيئا
يعود نفعه إلى شخص ثالث، ومثال ذلك أن يهبه سلعة، ويشترط على
الموهوب له أن يهب زيدا وهو غيرهما عينا مخصوصة من مال الموهوب
له، أو يبرئ زيدا من دين يستحقه في ذمته أو يسقط له حقا من
حقوقه، أو يشترط عليه أن يبيع على الشخص المذكور شيئا معينا من
ماله أو أن يصالحه في شئ أو أن يزوجه بنته، فهل يكون ذلك من
التعويض المتقدم بيانه وتترتب عليه لوازمه؟.
قد يقال بذلك، فإن الوفاء بالشرط الذي يشترطه الواهب غاية
من غاياته، وقد يترتب عليه غرض لاحظه أو مثوبة يرجوها، وإن
لم يعد إليه نفع الشرط بحسب الظاهر، ولكن المسألة مشكلة، فلا
يترك فيها الاحتياط، وأشد من ذلك اشكالا ما إذا كان الشرط الذي
يشترطه الواهب مما يعود نفعه إلى الشخص الموهوب له بنفسه، فلا
تترك فيه مراعاة الاحتياط.
[المسألة 44:]
إذا تم الايجاب والقبول في عقد الهبة، وقبض الشخص الموهوب له
المال، صحت الهبة، وترتب أثرها، فملك الموهوب له المال، وملك
كل نماء يتجدد للمال بعد العقد والقبض، فإذا كان المورد مما يجوز
للواهب فيه أن يرجع في هبته، فرجع في الهبة واسترد المال الموهوب،
لم يسترجع معه نماءه المنفصل الذي تجدد بعد العقد والقبض، كالولد،
واللبن الذي انفصل عن الضرع، والثمر الذي جذ من النخيل أو قطف
من الشجر، ولم يسترجع معه النماء الذي يكون في حكم المنفصل كالحمل
في بطن الدابة، واللبن في الضرع والثمر على النخيل أو على الشجر قبل
جذاذه وقطافه.
وأما النماء المتصل كالطول والكبر في الحيوان والشجر، وكالسمن
238

في الحيوان، وكالنمو وبلوغ الثمرة في الشجر، ونحو ذلك، فهو تابع
للعين، فإذا استرد الواهب عين المال استرد معها هذه النماءات المتصلة.
[المسألة 45:]
إذا كان السمن في الحيوان أكثر مما يتعارف في مثله، فالأحوط
المصالحة عنه بين الموهوب له والواهب إذا هو رجع في هبته واسترد المال.
وكذلك في الصوف والوبر والشعر في الحيوان، ونحو ذلك من النماءات
المتصلة ولكنها تصلح للانفصال، فالأحوط المصالحة عنها بين الموهوب
له والواهب إذا هو رجع في الهبة واسترد المال الموهوب.
[المسألة 46:]
إذا رجع الواهب في هبتة حيث يجوز له ذلك ووجد المال الموهوب
معيبا، استرد العين القائمة ولم يستحق أرشا على العيب الذي وجده فيها.
[المسألة 47:]
إذا تم عقد الهبة وقبض الموهوب له المال ثم مات الواهب، لزمت
الهبة ولم يجز لورثة الواهب الرجوع فيها وإن كانت الهبة لأجنبي وغير
معوضة، أو كانت مشروطة ولم يف الموهوب له بالشرط فلا يقوم ورثة
الواهب مقام أبيهم في جواز الرجوع بالهبة.
وإذا مات الشخص الموهوب له - في مثل الفرض المذكور - لزمت
الهبة كذلك، وانتقل المال الموهوب إلى ورثته، ولم يجز للواهب أن
يرجع في الهبة ويسترد المال، وأولى من ذلك بالحكم ما إذا مات المتعاقدان
كلاهما وبقي ورثتهما، فلا يجوز الرجوع بالهبة.
[المسألة 48:]
إذا وهب الانسان لغيره شيئا، وقبض الشخص الموهوب له المال،
وكانت الهبة لازمة، لأن الرجل الموهوب له ذو قرابة من الواهب، أو
لأن الهبة قد عوض عنها، أو لأن الواهب قد قصد بها التقرب إلى الله،
لم يجز للواهب أن يتصرف في المال الموهوب ببيع أو صلح أو إجارة أو
رهن أو غير ذلك، فإذا باع العين الموهوبة كان البيع فضوليا، فإن
أجازه الموهوب له صح وإلا كان باطلا، وكذلك إذا صالح عليه أحدا
239

أو آجره إياه أو رهنه عنده كان تصرفه فضوليا لا يصح إلا بإجازة
الموهوب له.
[المسألة 49:]
إذا وهب الانسان شيئا لغيره كذلك وكانت الهبة غير لازمة، ثم باع
الواهب عين المال فإن كان حينما باع المال الموهوب ذاكرا لهبته غير غافل
عنها ولا ناس لها، فالظاهر صحة بيعه ويكون بيعه المال رجوعا منه
في الهبة.
وإذا كان حينما باع المال ناسيا لهبته أو غافلا عنها، ففي كون
البيع في هذه الحال رجوعا في الهبة اشكال، ولا بد في هذا الفرض من
مراعاة الاحتياط ولو بالمصالحة من الطرفين.
[المسألة 50:]
إذا كانت الهبة غير لازمة، وأراد الواهب أن يرجع بها، فيمكن له أن
ينشئ الرجوع بالقول، فيقول: رجعت بهبتي لفلان، أو فسخت عقد
الهبة بيني وبينه، أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤدي المعنى المراد.
ويمكن له أن ينشئ الرجوع بالفعل، فيأخذ عين المال الموهوب من
يد الموهوب له بقصد فسخ العقد، أو يبيع العين على غيره بقصد الرجوع
بالهبة، أو يؤجر العين، أو يرهنها أو يملكها لغيره بالمصالحة أو يوقف
العين أو يعتق العبد الموهوب، ويقصد في جميع هذه الأفعال الرجوع
بالهبة.
[المسألة 51:]
لا يشترط في صحة رجوع الواهب في هبته أن يعلم الموهوب له
برجوعه فيها فإذا أنشأ الرجوع فيها بالقول أو بالفعل صح ذلك وإن
لم يعلم الموهوب له برجوعه.
[المسألة 52:]
قد ذكرنا في المسألة الخامسة والعشرين: إن من الهبات اللازمة التي
لا يجوز للواهب الرجوع فيها، الهبات التي يقصد الواهب بها وجه الله
سبحانه ويتقرب بها إليه، وذكرنا في أول كتاب الهبة: إن الهبة المبحوث
240

عنها في هذا الكتاب والتي تذكر فيه أحكامها تخالف الصدقة في المعنى
والفرق بين المعنيين واضح لا ينبغي أن يخفى.
فالصدقة في واقع أمرها احسان من المعطي إلى الفقير على وجه القربة،
فقد تكون احسانا إليه بتمليك المال له ومواساته به وقد تكون احسانا
إليه بصرف المال عليه باطعام أو اكساء أو اسكان أو شبه ذلك من غير
تمليك، وقد تكون احسانا إليه بابراء ذمته من دين أو حق، وكلها
اعطاء واحسان ومواساة تختلف في لب معناها المقصود عن نوع الاعطاء
ونوع الاحسان ونوع المواساة في الهبة.
والهبات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه ويقصد بها وجهه الكريم
كثيرة، وهي متفاوتة في الفضل وتحصيل الزلفى لديه.
فالهبة للأبوين والهدية لهما من أفضل ما يتقرب به الوالد إلى الله
ويقصد به وجهه، فهي صلة لهما ومن أجلى مظاهر البر والرحمة بهما
والاحسان إليهما، وقد تواترت الأدلة في فضل ذلك والأمر به والحث
الشديد عليه، وخصوصها البر بالأم وصلتها والاحسان إليها.
وكذلك الهبة للأولاد: البنين والبنات، فقد تكثرت الأدلة وتنوعت
في الدلالة على الرأفة بهم، والرفق بهم في شؤونهم، والاحسان إليهم
ولا سيما الضعفاء والمحتاجون منهم.
وصلة الأرحام والبر بهم والتكريم لهم والقيام بتسديد حوائجهم
واعوازهم، فهي من كبير ما يتقرب به العبد إلى الله، وعظيم ما يوجب
الزلفة عنده، والأدلة على ذلك كثيرة وفيرة.
وفي أحاديث العترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام: إن صلة الرحم
أعجل الطاعات ثوابا، ومعنى ذلك أن من وصل رحمه ينال ثواب صلته
في الدنيا قبل الآخرة، كما أن قطيعة الرحم من أعجل الخطيئات عقوبة.
فقد ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام عن كتاب علي عليه السلام: إن
أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، وإن القوم ليكونون فجارا، فيتواصلون
فتنمى أموالهم ويثرون، وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران
الديار بلاقع من أهلها.
241

ومن عظيم القربات إلى الله الصلة والبر بالإخوان في الله من المؤمنين
وإن لم يكونوا أرحاما وأقرباء، وخصوصا أهل العلم والتقوى منهم،
المقربون عند الله وذوو المنزلة لديه والذين يكون التقرب منهم تقربا
إلى الله، وادخال السرور عليهم ادخالا للسرور على المعصومين ساداتهم.
ومن القربات الكبيرة إلى الله: الصلة والهدايا للذرية الطيبة من
ولد الرسول الله صلى الله عليه وآله وأبناء الأئمة الهداة عليهم السلام من المؤمنين المتقين الذين
تكون صلتهم صلة لأجدادهم الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين.
[المسألة 53:]
يجوز للأب أن يخص بعض أولاده بالهبة أو العطية، ولا يهب ولا
يعطي الآخرين منهم إذا كان لمن وهب له أو أعطاه مزية في العلم أو
التقوى أو إحدى المميزات الشرعية الأخرى، لا توجد في غيره منهم،
ويجوز له أن يهب للجميع ويعطيهم، ويفضل صاحب المزية بزيادة على
من سواه، بل الظاهر أنه يجوز له أن يخصه بالهبة أو يفضله على غيره
إذا كانت له إحدى المميزات المحمودة بين العقلاء وإن لم تكن شرعية
ويجوز له أن يخص بعضهم كذلك بالعطية، أو يفضله على غيره
مع التساوي وعدم المزية، على كراهة في ذلك ولعل الكراهة تكون أشد
إذا كان غير المخصوص أو المفضل هو صاحب المزية.
ويحرم التخصيص أو التفضيل إذا كان ذلك يوجب وقوع البغضاء
والحقد والعداء والفتنة بينهم، والأحوط لزوما اجتنابه إذا كان
مظنة لوقوع ذلك، أو كان سببا لانحراف الآخرين منهم ووقوعهم في
الضلال بل الظاهر التحريم في الفرض الأخير إذا علم بوقوع ذلك.
[المسألة 54:]
إذا كانت الهبة مما يجوز للواهب أن يرجع بها، ثم اشترط الشخص
الموهوب له على الواهب في ضمن أحد العقود اللازمة أن لا يرجع في
هبته، وقبل الواهب بذلك، وجب على الواهب أن يفي له بالشرط فلا
يجوز له أن يرجع بالهبة.
242

[المسألة 55:]
يكره للواهب أن يرجع في هبته حيث تكون الهبة جائزة يصح له
الرجوع فيها، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من رجع في هبته كالراجع في قيئه.
[المسألة 56:]
لا يشترط في صحة الهبة أن يعلم الواهب والموهوب له بمقدار المال
الموهوب، فإذا وهبه ما في الكيس، أو وهبه هذه الصبرة من الطعام
وهما لا يعلمان مقدار ما في الكيس من المال، وما تحتوي عليه الصبرة
من الطعام، صحت الهبة، وكذا إذا وهبه نصف الصبرة أو ربعها،
وهما لا يعرفان بمقدارها حتى يعرفا مقدار النصف أو الربع الموهوب
منها، أو وهبه ما في ذمته من الدين وقد نسي الطرفان مقدار الدين،
فتصح الهبة في جميع هذه الفروض،
نعم لا بد من تعيين الجزء إذا وهبه جزءا مشاعا من الشئ، فلا يصح
أن يهبه جزءا من الدار ولا يعين أن الجزء الموهوب هو ثلث الدار أو
ربعها. ولا بد من تعيين المقدار إذا وهبه كليا في ذمة الواهب، فلا يصح
أن يهبه مقدارا كليا من الحنطة في الذمة من غير أن يعين المقدار، منا
واحدا أو عشرة أمنان.
[المسألة 57:]
إذا وهب الرجل غيره شيئا معينا، وقبض الموهوب له المال الموهوب،
ثم استبان بعد ذلك أن المال الموهوب ملك غير الواهب، بطلت الهبة،
وجاز لمالك المال أن يأخذ ماله حيث وجده، وإذا كان المال تالفا، جاز
لمالكه أن يرجع بمثله إذا كان مثليا وبقيمته إذا كان قيميا.
ويتخير في أن يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له، وإذا رجع
المالك به على الموهوب له، جاز لهذا أن يرجع على الواهب بما غرم
للمالك. لأنه مغرور من قبله.
[المسألة 58:]
إذا وهب الرجل غيره شيئا كليا، ودفع إلى الموهوب له فردا خاصا
من الكلي، وبعد أن قبضه الموهوب له ظهر أن الفرد المدفوع إليه ملك
243

غير الواهب، جاز للمالك أن يأخذ ما يملكه وهو الفرد المدفوع، وجاز
للواهب أن يدفع للموهوب له فردا غيره، وإذا دفعه إليه تحقق بذلك
القبض، وصحت الهبة، ويجوز له أن لا يدفع إليه شيئا لعدم تحقق
القبض بالدفع الأول فلم تصح الهبة لعدم شرطها.
[المسألة 59:]
إذا وهب أحد غيره مالا معينا، فأتلف الشخص الموهوب له عين المال
الموهوب، فالظاهر بطلان الهبة، لعدم تحقق شرط صحتها وهو القبض،
واتلاف الشخص الموهوب له المال لا يعد قبضا له لتصح الهبة بذلك،
وعلى الموهوب له ضمان المال الذي أتلفه لمالكه وهو الواهب، فيدفع
له مثله إذا كان مثليا، وقيمته إذا كان قيميا.
[المسألة 60:]
إذا دفع الشخص الموهوب له إلى الواهب عوضا عن هبته وقبضه
الواهب ثم ظهر أن العوض مملوك لغير دافعه، جاز لمالكه أن يأخذ عين
ماله حيث وجدها إذا كانت موجودة، وإذا كان المال تالفا جاز لمالكه
أن يرجع بمثله أو قيمته، ويتخير في أن يرجع بذلك على الواهب أو على
الموهوب له وإذا رجع به على الواهب رجع الواهب على الموهوب له بما
اغترم وصارت الهبة غير معوضة.
والحمد لله رب العالمين
244

[كتاب الإجارة]
245

[كتاب الإجارة]
وهو يحتوي على عدة فصول:
[الفصل الأول]
[في العقد وما يعتبر فيه وفي صحته]
[المسألة الأولى:]
الإجارة هي المعاوضة على المنفعة، سواء كانت المنفعة عملا أم غيره
من الفوائد التي ينتفع بها من الشئ، كسكنى الدار، وعرض المبيعات،
والتكسب بالبيع والشراء في الحانوت أو المحل، وركوب الدابة أو
السيارة أو السفينة.
والإجارة قد تتعلق بأعيان أموال يملكها الشخص المؤجر، فتوجب
نقل ملك المنفعة المقصود لتلك الأعيان لمن استأجرها بالعوض المعين،
وقد تتعلق بنفس انسان حر أو عبد، فتوجب ملكية عمله المعين المقصود
لمن استأجره بالعوض المعين، وعلى وجه الاجمال، فوضوح مفهوم
الإجارة بين الناس وعند أهل العرف والعقلاء منهم يغني عن الإطالة
في شرح مفهومها وبيان تعريفها، وإنها عقد من العقود، فكل ذلك
واضح لا خفاء فيه.
[المسألة الثانية:]
لا بد في عقد الإجارة من الايجاب والقبول، والايجاب فيها هو اللفظ
الدال على إنشاء العلاقة بين الشخص المستأجر والعين المستأجرة، أو
النفس المؤجرة بالعوض المعين، وهذه العلاقة المنشأة تستتبع تمليك
المنفعة المقصودة للمستأجر في إجارة العين، وتستتبع تمليك العمل المعين
للشخص في إجارة النفس واللفظ الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول
247

الموجب للمستأجر: آجرتك هذه الدار أو هذا الدكان أو هذا البستان
مدة شهر مثلا بعشرين دينارا، أو يقول: أكريتك الدار أو العقار،
أو يقول له: آجرتك نفسي مدة شهر، لبناء الدار المعينة بمائة دينار.
والقبول هو اللفظ الدال على الرضا بما أنشأه الموجب من العلاقة
وما يتبعها من تملك منفعة أو تملك عمل بالعوض المعين، واللفظ
الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول المستأجر: قبلت، أو رضيت، أو
استأجرت أو استكريت وليس من العبارة الصريحة أن يقول الموجب
للمستأجر: ملكتك سكنى الدار مدة شهر بعشرين دينارا مثلا، فيقول
المستأجر تملكت المنفعة أو يقول قبلت تملكها بالعوض المعلوم،
وإن كان الظاهر صحة العقد بذلك، ويشكل الحكم بالصحة إذا قال
المؤجر: بعتك منفعة الدار أو قال بعتك سكناها مدة شهر بعشرين
دينارا، والأحوط تركه.
[المسألة الثالثة:]
يصح انشاء عقد الإجارة بأي لفظ يكون دالا على المعنى المذكور
بحسب المتفاهم العرفي بين الناس وإن كان بلغة غير عربية، ويكتفى
من الأخرس ومن يتعذر عليه النطق بالإشارة المفهمة للمعنى، فتكون
الإشارة قائمة مقام اللفظ في ذلك ويصح بها العقد في الايجاب والقبول.
[المسألة الرابعة:]
الأقوى كفاية المعاطاة في عقد الإجارة، فإذا دفع مالك العين داره
المعينة أو دكانه أو أي عين أخرى ذات منفعة إلى المستأجر بقصد انشاء
العلاقة المذكورة بين المستأجر والعين المستأجرة، ويقصد تمليك
منفعتها المعينة بالعوض المعلوم، وتسلم المستأجر منه العين بقصد
انشاء القبول صح العقد.
وكذلك في إجارة النفس للعمل، فإذا شرع العامل في العمل المستأجر
عليه وجعل نفسه تحت اختيار المستأجر للخدمة مثلا أو للعمل المعين،
واستولى المستأجر عليه لاستيفاء العلم منه وقعت المعاطاة وصحت
الإجارة.
248

[المسألة الخامسة:]
الأحوط لزوما أن لا يتقدم القبول على الايجاب في عقد الإجارة - إن
لم يكن ذلك هو الأقوى - - وقد تقدم في صيغة البيع نظير ذلك.
ويصح أن يقع الايجاب من المستأجر للعين والقبول من المؤجر،
فيقول مستأجر الدار لمالكها: استأجرت دارك المعينة للسكنى فيها مدة
شهر بعشرين دينارا، فيقول صاحب الدار قبلت ذلك أو رضيت به،
ويقول المستأجر للمؤجر، آجرتك مدة شهر لتعمل لي العمل المعين
بعوض كذا فيقول المؤجر: قبلت أو رضيت بذلك أو آجرتك نفسي
لذلك.
[المسألة السادسة:]
يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المتعاقدان - وهما المؤجر
والمستأجر - بالغين، فلا يصح العقد إذا كانا صغيرين غير مميزين،
أو كان أحدهما صغيرا غير مميز، فلا تصح الإجارة إذا وقع العقد منهما
وهما كذلك، ولم يوقعها الولي عنهما، وإن بعد الفرض، ولا يصح
العقد كذلك - على الأحوط لزوما - إذا كانا معا صغيرين مميزين،
أو كان أحدهما صغيرا مميزا.
ويشترط في صحة العقد أن يكونا عاقلين، فلا يصح إذا كانا معا
مجنونين غير مميزين، أو كان أحدهما كذلك، ولا يصح - على الأحوط
لزوما - إذا كانا مجنونين وكان جنونهما غير رافع للتمييز، أو كان
أحد المتعاقدين كذلك.
[المسألة السابعة:]
إذا كان الصبي مميزا، وقام وليه بالمعاملة في إجارة دار يملكها
الصبي مثلا، حتى أتم مقدمات المعاملة بينه وبين المستأجرة ثم وكل
الولي الصبي في إنشاء صيغة الإجارة، فأجراها الصبي بالوكالة عن
الولي على الوجه الصحيح، فالظاهر صحة الإجارة.
ويصح أن يتولى الصبي المميز اجراء عقد الإجارة على مال غيره إذا
249

وكله مالك المال فأجرى العقد بالوكالة عنه على الوجه الصحيح، وإن
لم يأذن له الولي بذلك، وقد تقدم نظير ذلك في كتاب التجارة.
[المسألة الثامنة:]
يشترط في كل واحد من المؤجر والمستأجر أن يكون قاصدا للمعنى
المراد حين انشائه عقد الإجارة، فإذا أنشأ الموجب اللفظ وهو غير
قاصد لايجاد المعنى المقصود في المعاملة - كما إذا نطق باللفظ وهو
هازل في قوله أو ساه أو غالط - وقع باطلا، وكذلك القابل، فإذا
نطق بلفظ القبول وهو غير قاصد المعنى وقع باطلا.
[المسألة التاسعة:]
يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون مختارا في اجراء المعاملة،
فلا تصح الإجارة إذا كان كلا المتعاقدين أو كان أحدهما مكرها على
فعله، وقد تقدم بيان معنى الاكراه في فصل شرائط المتعاقدين من
كتاب التجارة، فلتراجع، ولتراجع المسائل المتعلقة بذلك فإن أكثرها
جارية هنا.
[المسألة العاشرة:]
إذا أنشأ الموجب الإجارة وهو مكره على فعله، ثم ارتفع عنه الاكراه
بعد ذلك، ورضي بإجارته الأولى وأجاز عقده فيها مختارا صح العقد
وترتب عليه أثره، وكذلك القابل إذا أنشأ القبول مكرها ثم أجاز
العقد بعد أن ارتفع الاكراه عنه، فينفذ العقد ويترتب عليه أثره،
ومن ذلك يتضح أن الاختيار شرط للنفوذ.
[المسألة 11:]
إذا إنشاء المؤجر أو المستأجر عقد الإجارة مكرها على الفعل، وكان
الاكراه بحق، فالإجارة صحيحة نافذة، ومثال ذلك أن يكون زيد قد
اشترط على عمرو في ضمن عقد لازم أن يوجره داره مدة سنة مثلا،
وقبل عمرو بالشرط، ثم امتنع بعد بذلك عن الوفاء بالشرط، فأجبره
الحاكم الشرعي على الوفاء، فيصح العقد وإن كان المؤجر مكرها على
الفعل، وكذلك إذا كان الشرط على المستأجر فامتنع عن الاستيجار
وأجبره الحاكم على الوفاء بالشرط.
250

[المسألة 12:]
إذا اضطر الرجل إلى إجارة داره مثلا، كما إذا كان مدينا أو أجبره
متسلط على دفع مبلغ ظلما، فاضطر بسبب ذلك إلى إجارة داره أو
عقاره لتسديد المبلغ للدائن أو للمتسلط، فالإجارة صحيحة، وقد سبق
نظير ذلك في كتاب التجارة.
[المسألة 13:]
يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المؤجر أو المستأجر غير
محجور عليه لسفه، فلا يصح للسفيه المحجور عليه أن يؤجر داره أو
شيئا من أمواله، وإذا آجره وهو كذلك، وقعت الإجارة باطلة، إلا
إذا أذن له الولي، فأوقع الإجارة بإذنه، أو أوقع الإجارة ثم أجاز
الولي إجارته بعد العقد، وكذلك في المستأجر إذا كان سفيها محجورا
عليه، فلا يصح عقده إلا بإذن وليه قبل العقد أو بإجازته بعد العقد.
والأحوط لزوما أن لا يؤجر السفيه نفسه لعمل يكتسب به، إلا إذا أذن
له الولي بذلك قبل العقد، أو أجاز إجارته نفسه بعد العقد.
[المسألة 14:]
يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين محجورا عليه
لفلس، فلا يصح للمفلس المحجور عليه أن يؤجر داره أو شيئا من
أمواله إلا بإذن الغرماء، أو إجازتهم لمعاملته بعد وقوع العقد، ويصح
له أن يؤجر نفسه لعمل عند أحد أو لخدمة.
[المسألة 15:]
يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين عبدا
مملوكا فلا يصح للعبد أن يؤجر شيئا من أمواله أو يؤجر نفسه لخدمة
أو لعمل، أو يؤجر مال سيده أو يؤجر مال غير سيده إلا إذا أذن له سيده
بذلك قبل العقد أو أجاز معاملته بعد وقوع العقد، وإذا كانت المعاملة
على مال غير سيده فلا بد من إذن مالك المال أو إجازته مضافا إلى إذن
سيده أو إجازته.
251

[المسألة 16:]
يشترط في العين المستأجرة أن تعين في عقد الإجارة إذا كانت الأفراد
التي يراد إجارة أحدها مختلفة في الصفات التي يرغب فيها المستأجرون،
فإذا قال المالك للمستأجر: آجرتك إحدى هاتين الدارين أو أحد هذين
الدكانين، فإن كانت الداران أو الدكانان اللذان يعينهما مختلفين في
الصفات المرغوبة، فلا بد من تعيين الدار أو الدكان في عقد الإجارة
وإذا لم يعين الفرد الذي تراد إجارته كانت الإجارة باطلة.
وإذا كان الفردان اللذان يعينهما متساويين في الصفات المرغوبة في
الإجارة، فالظاهر الصحة ويتخير المستأجر بين الدارين أو الدكانين،
وكذلك الحكم إذا آجره أحد السيارتين أو أحد العبدين وغير ذلك.
[المسألة 17:]
يشترط في العين المستأجرة أن تكون معلومة عند كلا المتعاقدين،
إما بالمشاهدة إذا كانت العين حاضرة، وإما بذكر أوصافها التي يرتفع
بذكرها الجهل، والتي يكون وجودها ونقصها موجبا لاختلاف رغبة
الناس في إجارتها، وهذا إذا كانت العين غائبة أو كانت كلية، فلا تصح
إجارة دار أو دكان مثلا، وهو غير مشاهد ولا موصوف.
[المسألة 18:]
يشترط في العين المستأجرة أن تكون مقدورا على تسليمها للمستأجر،
فلا تصح إجارة دابة شاردة أو سيارة مسروقة، أو عبد آبق، إلا إذا
استطاع المؤجر تسليمه للمستأجر بحيث لا تفوته المنفعة المقصودة.
ولا تصح إجارة العبد الآبق مع الضميمة - على الأحوط لزوما - بل
لعله هو الأقوى.
[المسألة 19:]
يشترط في العين التي يراد استيجارها أن تكون مما يمكن الانتفاع
بها مع بقائها.
وهذا الشرط ينحل في حقيقته إلى شرطين، الأول: أن تكون العين
ذات منفعة ممكنة الحصول، فلا تصح إجارة العين إذا انعدمت منها
252

المنفعة المقصودة ومثال ذلك أن تستأجر أرض للزراعة فيها، وهي
مما يتعذر وصول الماء إليها، ولا يوجد الماء الكافي لسقيها من مطر
وغيره، أو تكون مما يتعذر نمو الزرع فيها لغلبة الملح عليها وكثرة السبخ
فيها، ومثال ذلك أيضا أن تستأجر دار للسكنى فيها وهي مما ينعدم
وجود الماء فيها وفي ما حولها للشرب والاستعمال ولا يمكن نقل الماء إليها
ولا خزنه فيها أو تكون مما تنعدم فيها إحدى الضرورات الأخرى للحياة.
الشرط الثاني أن تكون، العين مما ينتفع بها مع بقائها، فلا يصح
أن يستأجر الشئ الذي لا ينتفع به إلا باذهاب عينه كالخبز لا ينتفع
به إلا بأكله وماء الشرب لا ينتفع به إلا بشربه، والحطب والنفط
والغاز لا ينتفع به إلا بوقده واشعاله وحرقه.
[المسألة 20:]
يشترط في العوضين في عقد الإجازة، وهما المنفعة التي يطلبها
المستأجر، وبدل الإجارة الذي يطلبه المؤجر: أن يكونا مملوكين، فلا
تصح الإجارة إذا كانت المنفعة أو الأجرة ملكا للغير، إلا على نحو العقد
الفضولي وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ويتحقق ملك المنفعة بتبع ملك العين المستأجرة، فمن ملك الدار مثلا أو
الأرض ملك منفعتهما بالتبع، ويتحقق ملك المنفعة أيضا باستيجار
العين، فمن استأجر دار زيد منه مدة سنة مثلا، ملك سكنى الدار في
تلك المدة المحدودة، فإذا لم يشترط المؤجر عليه أن يستوفي سكنى الدار
بالمباشرة ولم يكن ذلك هو الذي ينصرف إليه اطلاق العقد، جاز له أن
يملك سكنى الدار لغيره بإجارة أو هبة أو صلح أو غير ذلك.
ويحصل ملك المنفعة بالوقف كما إذا وقف المالك داره أو أرضه على
ذريته أو على طائفة معينة أو أفراد مخصوصين، على نحو تكون منفعة
الدار أو الأرض ملكا للموقوف عليهم، لا على نحو السكنى أو استيفاء
المنفعة بالمباشرة، فيجوز لولي الوقف إجارتها لهم.
ويحصل ملك المنفعة بأحد أسباب التمليك الأخرى للمنفعة كما إذا
وهب الرجل سكنى داره لأحد مدة معينة، بناء على المختار من صحة هبة
253

المنافع كما ذكرناه في كتاب الهبة في المسألة الثامنة، وكما إذا ملكه
المنفعة بالصلح، أو جعلها ثمنا في عقد البيع أو صداقا عقد التزويج
أو جعلتها المرأة عوضا للخلع أو المباراة وغير ذلك من الأسباب المملكة،
فإذا ملكها الشخص بأحد هذه الأسباب جاز له أن يملكها غيره بالإجارة.
وتصح الإجارة إذا كانت المنفعة بمنزلة المملوكة شرعا، كما إذا
آجر الحاكم الشرعي أو وكيله بعض الموقوفات عند طروء بعض الحالات
المبيحة لإجارة أعيانها، لتصرف منافعها من الإجارة في المصاريف التي
عينها الواقف.
وكما إذا آجر الحاكم الشرعي أو وكيله الدار التي يشتريها بمال
الزكاة من سهم سبيل الله عند اقتضاء الأمر شراءها، وقد ذكرنا ذلك
في فصل شرائط العوضين من كتاب التجارة، فإذا اشترى الدار كذلك
صحت له إجارتها لينفق مال الإجارة في سبيل الله كذلك.
ويتحقق ملك عوض الإجارة بأحد الأنحاء التي يتحقق بها ملك
الأعواض الأخرى في البيع والصلح وبقية المعاوضات.
[المسألة 21:]
يشترط في كل واحد من العوضين أن يكون مالا عند العقلاء، وقد
ذكرنا في المسألة السابعة عشرة، والمسألة المائة والثامنة عشرة: من
كتاب التجارة المعيار الذي يكون به الشئ مالا في نظر أهل العرف فلتراجع
المسألتان.
[المسألة 22:]
يشترط في المنفعة أن تكون محللة في الاسلام، فلا تجوز الإجارة ولا
تكون صحيحة إذا كانت المنفعة محرمة ومثال ذلك أن يؤجر المالك منزله
أو محله أو دكانه ليعمل فيه المسكر، أو ليحرز فيه، أو ليكون موضعا
لبيعه أو لشربه، أو ليكون موضعا للبغاء أو الفسوق أو لشئ من
المحرمات، أو يؤجر الانسان نفسه أو سيارته أو سفينته أو دابته لحمل
الخمر أو لحمل غيره من المسكرات، أو يستأجر الجارية للغناء والرقص
وشبه ذلك من المحرمات أو يؤجرها لذلك.
254

وقد يستغنى عن هذا الشرط بالشرط المتقدم في المسألة العشرين،
وهو اشتراط كون المنفعة مملوكة فإن المنفعة المحرمة ليست مملوكة.
[المسألة 23:]
إذا كانت للعين التي يراد استيجارها منافع عديدة يمكن أن تستوفى
منها، فلا بد في عقد الإجارة من أن تعين المنفعة المقصودة في العقد والتي
يبذل المستأجر بإزائها المال، فإذا كانت الدار يمكن أن تكون للسكنى
فيها، ويمكن أن تتخذ مخزنا لبعض الأموال، ويمكن أن تجعل معرضا
لبعض البضائع في التجارة، ويمكن أن تستعمل معملا لبعض المنتوجات،
ويمكن أن تتخذ موضعا لنزول المسافرين، فلا تصح إجارة الدار حتى
يعين المستأجر في العقد أي منافع الدار يريد تملكها.
وكذلك العقار والأرض وسائر الأعيان المملوكة إذا كانت المنفعة
فيها تقع على أنواع، فيجب تعيين المنفعة المقصودة ويصح للمستأجر
أن يستأجر العين بجميع منافعها، فتكون جميع منافع العين المستأجرة
ملكا له يستوفي منها ما يشاء.
[المسألة 24:]
يعتبر في المنفعة التي يراد تملكها بعقد الإجارة أن تكون معلومة
المقدار، ويحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استئجار الدار للسكنى
فيها، واستئجار الدكان أو المحل للبيع والشراء فيه، ونحو ذلك بتقدير
المدة فيستأجر الدار مدة سنة مثلا أو مدة شهر، وكذلك حينما يستأجر
الدكان أو المحل أو الأرض ونحوها، ولا بد في جميع ذلك من تعيين
الزمان، فيقول المؤجر مثلا: آجرتك الدار لتسكنها أو الدكان لتتجر
فيه مدة شهر من حين صدور العقد، أو من أول يوم من شهر رجب.
ويكفي في تعيين زمان الإجارة أن تدل القرينة على تعيينه، وإذا
أطلق العقد ولم يذكر فيه زمانا خاصا، فالاطلاق يدل على التعجيل،
وينتج من ذلك أن أول مدة الإجارة هو حين صدور العقد.
ويحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استئجار الدابة أو السيارة
للركوب بتحديد المسافة، فيؤجره الدابة، أو السيارة للركوب فيها
خمسة فراسخ أو عشرين كيلو مترا مثلا، ولا بد فيها من تعيين الزمان
255

كما تقدم ويمكن أن يحددها بالمدة أيضا، فيستأجر الرجل الدابة أو
السيارة من مالكها للركوب والتنقل عليها مدة ساعتين مثلا أو مدة
يوم، أو يستأجر منه الدابة أو السيارة مدة أسبوع أو أكثر لتبقى
تحت إرادته وتصرفه في هذه المدة يتنقل فيه متى شاء وأين شاء،
ولا بد فيها من تعيين الزمان، وإذا لم يعين الزمان في ما تحدد المنفعة
فيه بالمدة أو بالمسافة ولم تدل القرائن على التعيين كانت الإجارة باطلة
ويحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال البناء وخياطة الثوب بتقدير
موضوع العلم المستأجر عليه، فإذا عين الثوب الذي يريد خياطته
ومقدار طوله وعرضه، ونوع الخياطة التي يريدها من الخياط، وعين
الجدار أو البيت أو الدار التي يريد بناءها أو تعميرها ونوع البناء
الذي يريده من العامل، كفى ذلك، والظاهر اعتبار تعيين الزمان فيه
على النهج السابق في نظائره.
[المسألة 25:]
الظاهر أنه يكفي في صحة إجارة السيارة ونحوها من وسائل النقل
إلى مكة أو إلى المدينة أو إلى غيرهما من البلدان، العلم بين البلدين من
المسافة على وجه الاجمال، وإن جهل مقدارها على نحو التفصيل، فإن
الجهل به كذلك وبمقدار ما يتطلبه السير من الزمان لا يوجب غررا
على أحد المتعاقدين.
وهذا هو المتعارف عند عامة العقلاء، فيكفي هذا المقدار من العلم
بالمنفعة في صحة هذه الإجارة وأمثالها إذا كان رافعا للجهالة في نظر
أهل العرف ورافعا للغرر، وهي بسبب ذلك لا تعد معاوضة على منفعة
مجهولة، نعم لا بد من تعيين زمان السفر، ولو بالقرائن التي تدل على
تعيين الزمان، كما إذا كان لسفر القافلة موعد محدد، أو كانت لإجازة
الدولة للسفر تأريخ معين، وأشباه ذلك من القرائن العامة أو الخاصة
الدالة على التعيين.
ونظير ما تقدم أن يستأجر الرجل السيارة للسفر فيها إلى مكة ثم
للعود فيها إلى بلده بعد أداء الحج أو العمرة، أو يستأجرها للسفر فيها
إلى مكة ثم إلى المدينة أو بالعكس، ثم إلى وطنه، أو يستأجرها للسفر
256

فيها كذلك، ولتكون معدة له في جميع تنقلاته في المواضع والمشاعر أيام
حجه وزيارته حتى يعود إلى وطنه، فإن العرف يكتفي بالمقدار المتقدم
ذكره في تحديد المنفعة المستأجر عليها ولا يعدها من المجهول.
[المسألة 26:]
يشترط في الأجرة، وهي العوض الذي يدفعه المستأجر بدلا عن
المنفعة التي يتملكها بالإجارة، أن تكون معلومة المقدار، فإن كانت
مما يعرف مقداره بالكيل أو بالوزن، أو بالعد أو كانت مما يذرع
أو مما يقدر بضبط المساحة، وجب أن تعتبر كذلك بما يعلم به مقدارها
من ذلك، وإن كانت مما يكتفى فيه بالمشاهدة أو بالوصف الرافع
للجهالة والغرر كفى ذلك في صحة الإجارة عليها كما يكتفى به في البيع
وغيره من المعاوضات.
[المسألة 27:]
يصح في بدل الإجارة أن يكون عينا شخصية، ويجوز أن يكون أمرا
كليا في الذمة، حالا أم مؤجلا إلى أجل مسمى، ويجوز أن يكون كليا في
مال معين، فيقول المؤجر لصاحبه، آجرتك الدار المعينة شهرا بعشرين
دينارا في ذمتك أو يقول: بعشرين دينارا من هذا المال المعين، ويجوز
أن يكون كسرا مشاعا من مال معين، فيقول: آجرتك الدار شهرا بنصف
هذه السلعة أو ربعها، ويصح أن تكون الأجرة عملا من الأعمال، وأن
تكون منفعة من المنافع، وأن تكون حقا من الحقوق القابلة للنقل على
التفصيل الذي تقدم بيانه في الثمن من كتاب التجارة في فصل شرائط
العوضين.
ويقدر العمل والمنفعة والحق الذي يجعل عوضا في الإجارة بما تقدر
به هذه الأمور في ثمن المبيع وحين تجعل أعواضا في المعاملات الأخرى.
[المسألة 28:]
إذا كانت المنفعة المقصودة بالإجارة مما تقدر بالزمان كسكنى الدار،
واستئجار الرجل ليكون سائقا له في سيارته أو عاملا له في متجره أو
معمله، فلا بد وأن تضبط المدة في العقد على وجه لا تقبل الزيادة والنقص،
257

فتضبط بعدد الأيام مثلا أو بعدد الأسابيع أو الشهور أو السنين، ولا
يصح أن تجعل المدة إلى مقدم زيد من سفره، أو إلى أوان جذاذ التمر
أو قطاف الثمرة أو حصاد الزرع.
[المسألة 29:]
إذا استأجر الرجل صاحبه لعمل معين وقدر له مدة معينة على نحو
يطبق فيها أجزاء العمل على أجزاء المدة شيئا فشيئا، حتى ينتهي العمل
المستأجر عليه بانتهاء المدة، ومثال ذلك أن يستأجره لصيام ثلاثين يوما
في شهر رجب مثلا، أو يستأجره لبناء مسجد معين المقدار في عشرين
يوما معينة فيبدأ بالبناء في أول المدة وينجز منه في كل يوم شيئا حتى
يتم البناء مع تمام الأمد.
فإن علم أن المدة المعينة تتسع لانجاز العمل المستأجر عليه فيها،
كانت الإجارة صحيحة نافذة، ومثال ذلك أن يستأجره لصيام عشرين
يوما من شهر رجب من أول الشهر إلى يوم الشرين منه فتصح الإجارة
ويجب الوفاء بها، وإن علم أن الزمان المعين لا يتسع للعمل المستأجر
عليه كانت الإجارة باطلة، وإذا احتمل كل من الأمرين كما في المثال
الأول، فقد يتم شهر رجب فيتسع لصيام ثلاثين يوما، وقد ينقص، فلا
يتسع لذلك، أشكل الحكم بالصحة.
[المسألة 30:]
إذا استأجر الانسان من المكاري دابة لحمل بعض الأثقال، وكانت
الأجناس التي يراد حملها مختلفة في أجرة حملها، أو كان بعضها مما
يضر حمله بالدابة أو كان بعضها مما يمنع حمله من قبل الدولة مثلا
ونحو ذلك، فلا بد في صحة الإجارة من تعيين الجنس الذي يريد المستأجر
حمله على الدابة، وإذا كانت الأغراض لا تختلف في ذلك لم يشترط
ذكر الجنس.
ولا بد أيضا من تعيين مقدار ما يحمل على الدابة إذا كان المقدار مما
تختلف فيه الأجرة أو كان بعض المقادير مضرا بالدابة، وإذا لم تختلف
الأغراض في ذلك لم يجب تعيين المقدار، ويكفيه أن يعين المقدار بما
يرتفع به الغرر من مشاهدة أو وصف.
258

وكذلك الحكم إذا استأجر من غيره سيارة أو حاملة أثقال لحمل بعض
الأجناس ونقلها، فلا بد من ذكر الجنس والمقدار إذا كان مما تختلف
فيه الأجرة أو تختلف فيه الأغراض وإذا لم تختلف الأجرة ولا الأغراض
الأخرى لم يشترط ذكرهما.
[المسألة 31:]
إذا استأجر الانسان من المكاري دابة للسفر عليها إلى بلد معين،
وكان الطريق إلى ذلك مختلفا، فلا بد من تعيين الطريق الذي يريد
سلوكه في السفر، والزمان الذي يريد أن يكون السير فيه، أهو الليل
أم النهار، وإذا أراد السفر في النهار، أفي أطرافه أم في عامة النهار،
لاختلاف الأغراض بين الناس في كل ذلك، فلا بد من تعيين المراد، وإذا
اختلفت الأغراض باختلاف الراكب فلا بد من تعيينه، فقد لا يرغب
المكاري في صحبته، وقد يجد في ذلك حرجا أو خوفا، وعلى وجه الاجمال،
فلا بد من التعيين عند اختلاف الغايات والأغراض في الراكب والمركوب
والطريق والوقت وغير ذلك.
وكذلك الحكم إذا أراد أن يستأجر من غيره سيارة للسفر فيها، فلا بد
من التعيين عند اختلاف الغايات والأغراض في شئ من ذلك، سواء أراد
أن يستأجر السيارة وحدها، أم يستأجر السيارة والسائق ولا يجب
التعيين في ما لا تختلف الأغراض فيه.
[المسألة 32:]
إذا أراد الانسان أن يستأجر دابة لحراثة أرض، فلا بد وأن تكون الأرض
التي يريد حرثها معلومة المقدار والمساحة، جريبا مثلا أو جريبين أو
أكثر، فلا تصح الإجارة إذا كانت الأرض مجهولة المقدار ولا بد أيضا
من مشاهدة الأرض المقصودة أو وصفها بما يرفع الغرر إذا كانت
الأرضون حولها مختلفة في صعوبة الحرث وسهولته، فإن ذلك مما يوجب
الاختلاف في مقادير الأجرة، أو في الأغراض الأخرى التي يبتغيها
المتعاملون في ما بينهم، فيكون عدم التعيين موجبا للغرر والجهالة.
وإذا كانت الأرض متساوية، بحيث لا يوجب اختلافها اختلافا في
259

الأجرة أو في الأغراض الأخرى بين المتعاملين، فلا يجب التعيين والمشاهدة
للأرض المقصودة إذا كانت معلومة المقدار.
وكذلك في الحكم ما إذا استأجر الانسان إحدى الآلات الحديثة لحراثة
أرضه، فتجري فيها الفروض والأحكام المتقدمة، سواء استأجر الآلة
وحدها أم استأجر الآلة والحارث.
[المسألة 33:]
إذا قال صاحب الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار إلى
شهر واحد، أو قال له: آجرتك إياها إلى شهرين، صحت الإجارة في
المثالين إذا قبل المستأجر العقد، وكان مبدأ مدة الإجارة من حين العقد.
وإذا قال له آجرتك الدار إلى شهر أو إلى شهرين على نحو الترديد بين
مدتين في عقد الإجارة كانت الإجارة باطلة.
[المسألة 34:]
إذا قال مالك الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار كل
شهر بخمسة دنانير مثلا وكان المقصود من هذا العقد: أنه آجره الدار
إجارة واحدة مدة غير محددة، وأن عوض الإجارة عن كل شهر يسكن
فيه الدار خمسة دنانير، فلا ريب في بطلان الإجارة، لعدم تعيين المدة،
وعدم معلومية مقدار الأجرة.
وإذا كان المقصود أنه آجره الدار إجارات متعددة، لكل شهر على
انفراده إجارة مستقلة بخمسة دنانير، مهما بقي ساكنا في الدار،
فالظاهر صحة الإجارة في الشهر الأول بالأجرة المعينة وبطلان العقد
في بقية الشهور.
[المسألة 35:]
إذا أجريت المعاملة بين المالك والمستأجر على النحو الأخير في المسألة
المتقدمة، فيمكن تصحيح المعاملة في الشهور الباقية، بأن تجري الإجارة
في كل شهر منها بنحو المعاطاة بين الطرفين على النحو السابق في الشهر
الأول، فيسكن المستأجر الدار ويدفع للمؤجر خمسة دنانير في كل شهر
بقصد انشاء الإجارة فيه بهذه المعاطاة، وهكذا، وهذا هو المتعارف في
260

إجارة الفنادق للنزلاء فيها، وفي إجارة البيوت المعدة للإجارة شهريا أو
سنويا، وإجارة الدكاكين والمحلات المعدة للإجارة، فتجري الإجارة بنحو
المعاطاة في الأشهر اللاحقة على النهج الذي جرت عليه الإجارة في
الشهر الأول.
[المسألة 36:]
إذا قال صاحب الثوب للخياط: إن خطت ثوبي هذا بدرز واحد
فلك درهم واحد، وإن خطته بدرزين فلك درهمان، وقصد بعبارته
إجارة الخياط على ذلك، فالظاهر صحة الإجارة - إذا قبل الخياط
العقد - وتكون إجارة له على الاتيان بأحد العملين على نحو التخيير
بينهما، وهو في ذلك نظير الواجب التخييري في الواجبات الشرعية،
ونتيجة لذلك فيجب على الخياط أن يأتي بأي العملين شاء، وإذا أتى
به استحق على المستأجر ما عين له من الأجرة في العقد.
وإذا قصد بقوله المذكور انشاء الجعالة، صحت جعالة كما قصد
فإذا أتى الخياط بأحد العملين استحق على الجاعل ما عين له من العوض.
ومثله في الحكم ما إذا قال للخياط: إن خطت ثوبي هذا في هذا اليوم
فلك درهمان، وإن خطته غدا فلك درهم واحد، فإن قصد الإجارة
صحت إجارة على وجه التخيير، وإن قصد الجعالة صحت جعالة على
نهج ما سبق.
والفارق بين الإجارة والجعالة: إن الإجارة عقد من العقود، ولذلك
فلا بد فيها من قبول الخياط في الفرض المذكور، وإذا تم العقد اشتغلت
ذمة العامل وهو الخياط للمستأجر بالعمل من حين العقد، واشتغلت
ذمة المستأجر وهو صاحب الثوب بالعوض للخياط من حين العقد كذلك.
وأما الجعالة فهي ايقاع، ولذلك فلا تفتقر إلى القبول من العامل،
ولا تشتغل ذمة صاحب الثوب بالعوض قبل أن يأتي العامل بالعمل،
ولا تشتغل ذمة العامل بالعمل، وإذا هو أتى به باختياره استحق العوض
المجعول على صاحب الثوب.
261

[المسألة 37:]
إذا استأجر الانسان المكاري ودابته ليوصله عليها إلى بلد معين في
وقت معين أو استأجر السائق وسيارته لذلك على وجه يكون ايصاله
إلى الموضع في الوقت المعين قيدا في العمل الذي استأجره عليه، فلم
يوصله الأجير إلى الموضع في الوقت المحدد.
فإن كان عدم ايصاله في الوقت لضيق الزمان عن ذلك، كانت الإجارة
باطلة لعدم القدرة على الوفاء بها.
وإذا كان الزمان يسع ذلك ولكن الأجير تباطأ فلم يوصله في الوقت،
فإن أمكن للأجير أن يأتي بالعمل في الوقت المحدد، من حيث أن الزمان
لا يزال يتسع لذلك، وجب عليه أن يأتي بالعمل في الوقت فيوصل
المستأجر إلى البلد المعين في الوقت المحدد، وإذا قام بالعمل كذلك فأوصله
في الوقت استحق عليه الأجرة المعينة، وإن لم يمكنه أن يأتي بالعمل
المستأجر عليه في الوقت لم يستحق من الأجرة شيئا.
ونظير ذلك في الحكم ما إذا أخذ المستأجر ايصاله إلى المكان في الوقت
المعين شرطا في عقد الإجارة لا قيدا في العمل المستأجر عليه، وقبل الأجير
بالشرط ولم يوصله في الوقت كما شرط فتجري فيه الفروض المتقدم
ذكرها في القيد وتنطبق عليها أحكامها، فتبطل الإجارة في الفرض
الأول، وهو ما إذا ضاق الزمان عن الاتيان بمتعلق الإجارة ويجب على
الأجير الاتيان بالعمل المشروط في الفرض الثاني وهو ما كان الوقت
لا يزال يتسع للاتيان بالعمل.
وإذا أتى به كذلك استحق الأجرة المعينة، وإذا لم يتسع الوقت ولم
يمكن ذلك لم يستحق من الأجرة شيئا، فالشرط المذكور بحكم القيد
في جميع ذلك.
[المسألة 38:]
لا تختص الأحكام المذكورة في المسألة المتقدمة بالفروض الخاصة التي ذكرت
فيها، بل تجري في كل عمل يستأجر عليه الأجير، ويقيد العمل في الإجارة
بقيد معين، من زمان خاص أو مكان خاص أو وصف خاص، وشبه
262

ذلك من القيود، ثم يأتي الأجير بالعمل بغير قيده المعين، فتأتي فيه
الفروض الآنف ذكرها في المسألة المتقدمة ويجري في كل فرض منها
حكمه الذي بيناه له، فتبطل الإجارة في الفرض الأول، ويجب على
الأجير أن يأتي بالعمل مع قيده في الفرض الثاني، فإن لم يمكنه ذلك
لم يستحق من الأجرة شيئا، وهو الفرض الأخير.
وقد ذكرنا أن شرط الاتيان بالعمل في الزمان المعين، بحكم القيد
في جميع الفروض، وهو كذلك في سائر الأعمال التي يشترط ذلك فيها
على الأجير.
[المسألة 39:]
إذا استأجر الانسان أجيرا لعمل معين، واشترط عليه في عقد الإجارة
شرطا، وقبل الأجير بالشرط، ولكنه لم يف للمستأجر به، فأتى بالعمل
المستأجر، عليه ولم يأت بالشرط، ومثال ذلك أن يستأجر زيدا لبناء
داره، ويشترط عليه في عقد الإجارة أن يجعل عمرا عاملا معه في البناء،
وقبل زيد بالعقد مع الشرط، ثم بنى الدار ولم يدخل عمرا معه في
العمل.
والحكم في ذلك أنه يثبت للمستأجر خيار فسخ الإجارة لتخلف شرطه
الذي اشترطه على الأجير، فيكون مخيرا بين أن يفسخ عقد الإجارة،
فلا يدفع لزيد الأجرة المسماة له في العقد، وأن يمضي الإجارة فيدفع
له الأجرة المسماة، وإذا اختار الوجه الأول ففسخ العقد لزمه أن يدفع
لزيد أجرة المثل لعمله الذي أتى به.
[المسألة 40:]
إذا استأجر الرجل السيارة والسائق ليوصله بها إلى كربلاء، وكان
من مقصده أن يزور الحسين عليه السلام في يوم عرفة، أو استأجره ليوصله
إلى مكة، وكان من مقصده أن يعتمر في شهر رجب، فلم يوصله السائق
إلى كربلاء حتى فات يوم عرفة، أو لم يوصله إلى مكة حتى انسلخ شهر
رجب، لم تبطل الإجارة بذلك واستحق عليه صاحب السيارة جميع
الأجرة المسماة إلا أن يكون العمل الذي استأجره عليه مقيدا بايصاله
263

في الوقت أن يكون ذلك مشترطا عليه في عقد الإجارة كما تقدم في المسألة
السابعة والثلاثين.
ويكفي في الاشتراط أن يتبانى المتعاقدان على ذلك بحيث يجري
العقد على ما تبانيا عليه وإن لم يذكراه صريحا في العقد.
[المسألة 41:]
إذا استأجر الانسان السائق وسيارته أو المكاري ودابته ليوصله
بها إلى موضع معين، وقال له: إن أوصلتني إلى الموضع في يوم الجمعة،
فلك خمسة دراهم مثلا، وإن أوصلتني إليه بعد ذلك فلك ثلاثة دراهم،
وهو يقصد إجارته على أحد العملين، فالظاهر صحة الإجارة، ويكون
من قبيل الواجب التخييري على العامل، فإذا اختار أحد الفردين المستأجر
عليهما وأتى به صح واستحق على المستأجر الأجرة التي عينها لذلك
الفرد وقد تقدم نظيره.
[المسألة 42:]
إذا استأجر السائق وسيارته أو المكاري ودابته ليوصله إلى مكان
معين بخمسة دنانير مثلا، واشترط عليه في عقد الإجارة أن يوصله
إلى المكان في يوم معين، فإن هو لم يوصله في ذلك اليوم نقص من كراه
عن كل يوم يؤخره فيه عن الوقت المعين نصف دينار مثلا، صح الشرط
إذا قبل به ووجب العمل عليه، فإذا أخره عن اليوم المعين نقص من
أجرته حسب ما اشترطه عليه ما لم يحط بجميع الكراء
[المسألة 43:]
يصح أن تكون مدة الإجارة متصلة بالعقد، ويصح أن تكون منفصلة
عنه، ومثال الأول: أن يؤجر المالك زيدا داره ليسكنها من حين العقد
إلى ثلاثين يوما مثلا أو إلى ستة أشهر، وهذا هو الواقع في غالب المعاملات،
ومثال الثاني أن يؤجره الدار - وهما في شهر محرم أو في شهر صفر أو
قبلهما - ليسكنها من هلال شهر ربيع الأول إلى نهايته، فتصح الإجارة
في كلتا الصورتين.
وإذا آجره الدار أو المحل مدة معينة، ولم يذكر في العقد ابتداء
264

المدة، انصرفت إلى المتصل بالعقد، إلا أن تدل قرينة خاصة أو عامة
على غير ذلك فتتبع دلالة القرينة.
ومن القرائن أن تكون العين مستأجرة في الزمان الأول بعد العقد،
فإذا آجرها المالك ثانيا مدة شهر مثلا ولم يعين ابتداء هذه المدة كان
ذلك دليلا على أن المراد إجارة شهر بعد انتهاء مدة الإجارة الأولى، سواء
كان المستأجر الثاني هو المستأجر الأول أم غيره.
[المسألة 44:]
إذا استأجر السائق أو المكاري ليوصله إلى كربلاء بخمسة دنانير
مثلا، واشترط له في ضمن العقد أنه إن أوصله إليها قبل الزوال من
يوم الجمعة أعطاه ستة دنانير صح الشرط ولزم العمل عليه، وإذا
استأجره ليوصله إلى كربلاء قبل الزوال من يوم الجمعة بخمسة دنانير،
واشترط عليه في ضمن العقد، أنه يعطيه أربعة دنانير فقط إذا هو
تباطأ فأخر وصوله إلى ما بعد الزوال، صح كذلك، ووجب العمل عليه
وقد تقدم هذا الحكم قبل مسألتين.
[الفصل الثاني]
[الإجارة عقد لازم]
[المسألة 45:]
الإجارة عقد من العقود اللازمة على كل واحد من المتعاقدين، فإذا
تم العقد بينهما، وتوفرت جميع شروطه المتقدم ذكرها وجب على كل
واحد منهما انفاذ العقد وترتيب آثاره وأحكامه ولم يجز لهما فسخه،
إلا إذا تقايل الطرفان ففسخا العقد برضاهما معا، أو كان لأحدهما
أو لكليهما حق الخيار في العقد لوجود أحد أسبابه الموجبة لثبوته له
ففسخ العقد أخذا بحقه.
وكذلك الحكم إذا أجريت الإجارة بينهما بنحو المعاطاة على الأقوى،
فهي لازمة لا يجوز فسخها إلا بالتقايل أو فسخ صاحب الخيار.
265

[المسألة 46:]
إذا آجر المالك داره أو عقاره مدة معينة، ثم باع العين المستأجرة
بعد ما آجرها، لم تبطل الإجارة بالبيع، ولم ينفسخ عقدها، بل تنتقل
العين بالبيع إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، وتبقى المنفعة
ملكا للمستأجر حتى تنتهي مدة الإجارة، فإذا انقضت كانت منافعها
التي تتجدد بعد ذلك ملكا للمشتري تبعا للعين.
وإذا كان الشخص الذي اشترى العين جاهلا بأن العين مستأجرة،
ثبت له حق الخيار في أن يفسخ البيع فيسترد الثمن من البائع إذا كان
قد دفعه إليه، أو يمضي البيع بالثمن المسمى، وليس له حق في أن
يمضي البيع ويطالب البائع بالأرش، وهو التفاوت بين قيمة العين
وهي ذات منفعة، وقيمتها وهي مسلوبة المنفعة.
وكذلك الحكم إذا كان المشتري يعلم بأن العين التي اشتراها مستأجرة،
ولكنه يعتقد إن مدة إجارتها قليلة ثم ظهر له أن المدة أطول مما كان
يعتقد، فيثبت له الخيار بين فسخ البيع وامضائه بالثمن المسمى ولا
يحق له أن يمضي البيع ويطالب البائع بالأرش.
وإذا كان المشتري عالما بإجارة العين التي اشتراها، وبمدة إجارتها
لم يثبت له خيار الفسخ.
[المسألة 47:]
إذا باع المالك العين بعد أن آجرها كما هو الفرض المتقدم ذكره،
فانتقلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة كما بيناه في المسألة المتقدمة،
ثم فسخ المستأجر عقد الإجارة، لثبوت حق الخيار له في عقد الإجارة،
أو للتقايل من المتعاقدين، رجعت المنفعة إلى المشتري تبعا للعين على
الأقوى، ولا حق للبائع فيها.
وكذلك، إذا اعتقد البائع والمشتري أن مدة الإجارة لا تزال بعد
باقية، وأن العين مسلوبة المنفعة فباع المالك العين واشتراها المشتري
وهما يعتقدان ذلك، ثم ظهر لهما بعد البيع إن مدة الإجارة قد انتهت
266

قبل البيع، فإن المنفعة بعد البيع تكون للمشتري يملكها بتبع العين
على الأقوى.
[المسألة 48:]
إذا آجر المالك داره أو عقاره على زيد مدة سنة مثلا، ثم باع العين
المستأجرة على زيد نفسه في أثناء مدة الإجارة لم ينفسخ عقد الإجارة
بالبيع على الأقوى، فيجب على زيد دفع الأجرة للمالك إذا لم يكن قد
دفعها له من قبل، كما يجب عليه دفع ثمن العين، وإذا انفسخ عقد
البيع بينهما بأحد أسباب الفسخ من خيار أو غيره، بقيت الإجارة
بحالها وبقيت المنفعة ملكا للمستأجر، وهو المشتري، وإذا انفسخ
عقد الإجارة لحدوث بعض أسباب الفسخ فيها من خيار ونحوه، رجعت
المنفعة ملكا للمشتري وملكها تبعا للعين.
[المسألة 49:]
إذا باع الانسان عينا يملكها على أحد، وآجر وكيله المفوض تلك
العين نفسها على شخص آخر مدة معينة، فقد يسبق بيع المالك العين
على إجارة الوكيل إياها في الزمان، وقد تسبق إجارة الوكيل العين على
بيع المالك إياها، وقد يقترن البيع والإجارة في الزمان.
الصورة الأولى أن يكون بيع المالك العين سابقا في الزمان على إجارتها
من قبل الوكيل، ولا ريب في صحة البيع وبطلان الإجارة في هذه الصورة.
الصورة الثانية أن تكون إجارة الوكيل العين سابقة في الزمان على
بيعها من قبل المالك، والظاهر صحة الإجارة والبيع كليهما، فيملك
المستأجر المنفعة بإجارة الوكيل له، وتنتقل العين من المالك إلى المشتري
مسلوبة المنفعة، ويثبت للمشتري خيار الفسخ إذا كان جاهلا بإجارة
العين على نهج ما ذكر في المسألة السادسة والأربعين.
الصورة الثالثة: أن يكون بيع المالك العين وإجارة الوكيل إياها مقترنين
في الزمان، والظاهر صحة البيع والإجارة معا كما في الصورة الثانية
فيملك المستأجر المنفعة بالإجارة، وتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة
المنفعة ويكون للمشتري خيار فسخ البيع مع جهله بالإجارة.
267

[المسألة 50:]
إذا آجر المالك غيره بعض الأعيان التي يملكها من دار أو عقار أو
غير ذلك إلى مدة معينة، أو آجرها عنه وكيله المفوض، ثم مات المالك
في أثناء مدة الإجارة، لم ينفسخ عقد الإجارة بموته، وبقيت المنفعة
ملكا للمستأجر حتى تنتهي المدة المعينة، ويلزمه أن يدفع لورثة المالك
الأجرة المسماة إذا لم يكن دفعها لمورثهم في حياته، ولا تنفسخ الإجارة
كذلك بموت المستأجر إذا مات في أثناء المدة بل تبقى المنفعة ملكا لورثته
من بعده وعليهم أن يدفعوا الأجرة المسماة لمالك العين المستأجرة من
تركة المستأجر إذا لم يكن قد دفعها في حياته. وتستثنى من الحكم
صورة واحدة يأتي بيانها في المسألة اللاحقة.
[المسألة 51:]
إذا آجر المالك داره على زيد مدة معلومة، على أن يسكن المستأجر
الدار بنفسه على نحو التقييد بذلك، أو على نحو الاشتراط في ضمن
العقد، ثم مات المستأجر وهو زيد في أثناء المدة، فالظاهر بطلان الإجارة
في بقية المدة، ويسترد ورثة المستأجر من المالك أو من ورثته إذا كان
ميتا ما قابل ذلك من الأجرة، وكذلك إذا آجره الدكان مثلا على أن يكون
المستأجر هو الذي يبيع فيه بنحو المباشرة فإذا مات المستأجر بطلت
الإجارة في بقية المدة واسترد ورثته حصتها من الأجرة.
[المسألة 52:]
إذا استأجر زيد الدار من مالكها مدة معلومة ولم يشترط المالك عليه
أن يسكنها بنفسه بنحو المباشرة، ملك المنفعة بهذه الإجارة، وجاز له
أن يؤجر الدار المعينة على غيره بقدر مدته أو أقل منها، وإذا آجر الدار
كذلك على أحد، ثم مات المؤجر أو المستأجر الثاني في أثناء المدة، لم
تنفسخ الإجارة الثانية بذلك، كما تقدم في إجارة مالك الدار.
[المسألة 53:]
إذا ملك الانسان المنفعة ملكا محدودا بزمان حياته فقط، ومثال
ذلك أن يوصي له مالك الدار بمنفعتها بعد موت المالك ما دام الموصى
له في قيد الحياة، فإذا مات المالك الموصي، جاز للموصى له أن يسكن
268

الدار الموصى بها ما دام حيا، وجاز له أن يؤجرها على غيره ويملك أجرتها،
وإذا آجر الدار المذكورة على غيره مدة معلومة ثم مات المؤجر الموصى
له في أثناء المدة بطلت الإجارة بموته في بقية المدة، ولم يستحق ورثته
من أجرة بقية المدة شيئا، ويجوز لورثة مالك الدار أن يجيزوا عقد
الإجارة في بقية المدة لأن المنفعة رجعت ملكا لهم بعد موت الموصى له،
فإذا أجازوا العقد ملكوا أجرة بقية المدة.
ولا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر إذا كان المؤجر الموصى له
لا يزال حيا.
[المسألة 54:]
إذا وقف الرجل داره أو أرضه أو إحدى الأعيان التي يملكها على
ذريته أو على طائفة أخرى لتكون منفعة الوقف ملكا لهم بطنا بعد بطن،
ملك الموقوف عليهم منفعة العين الموقوفة ما داموا أحياءا، فإذا آجر
البطن السابق منهم العين الموقوفة صحت إجارته وملك الأجرة ما دام
موجودا، فإذا مات في أثناء مدة الإجارة بطلت إجارته، واحتاج البطن
اللاحق إلى تجديد الإجارة مع المستأجر أو مع غيره إذا شاء، ولا يكفي
أن يجيز البطن اللاحق إجارة البطن السابق على الأظهر، لأنه لم يكن
مالكا حين الإجارة.
[المسألة 55:]
إذا آجر المتولي الشرعي للوقف العين الموقوفة، وكانت إجارته
لمصلحة البطون، أو لمصلحة الوقف على العموم نفذت إجارته ولم تبطل
بموت المتولي نفسه ولا بموت البطن الموجود في حال الإجارة من الموقوف
عليهم، بل ولا بموت البطن اللاحق له وما بعده إذا كانت مدة إجارة
المتولي لا تزال مستمرة، سواء كان المتولي المؤجر من الموقوف عليهم
أم لا.
وإذا آجر المتولي العين الموقوفة لمصلحة البطن اللاحق، فالظاهر
نفوذ إجارته على البطن اللاحق إذا كان وليا عليهم، وإذا لم يكن وليا
عليهم توقفت صحة إجارته على إجازتهم على الأحوط.
269

[المسألة 56:]
إذا آجر الشخص نفسه لبعض الأعمال من خياطة، أو كتابة، أو
بناء، أو غير ذلك على أن يتولى الاتيان بالعمل بنفسه للمستأجر ولا
يستأجر ولا يستنيب فيه غيره، ثم مات الأخير قبل أن يتمكن من الاتيان
بالعمل المستأجر عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها، وهو الأجير.
وإذا آجر نفسه لمثل ذلك، ومضى عليه من الوقت ما يمكنه فيه أن
يأتي بالعمل المستأجر عليه ولكنه تأخر ولم يأت بالعمل، ثم مات بعد
ذلك، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، واستحق هو على
المستأجر أن يدفع له الأجرة المسماة في العقد.
[المسألة 57:]
إذا آجر الشخص نفسه لأن يقوم للمستأجر بخياطة ثوبه أو بكتابة
كتابه، أو بناء داره أو بغير ذلك من الأعمال المعينة، على أن يكون
العمل المستأجر عليه في ذمة الأجير سواء أتى بالعمل بنفسه أم استناب
فيه غيره، ومات الأجير ولم يأت بالعمل، لم تبطل الإجارة بموته، بل
يبقى دينا في ذمته، ويستوفى من تركته، وتثبت له الأجرة المسماة في
العقد على المستأجر تدفع لورثته.
[المسألة 58:]
إذا استأجر الانسان شخصا لبعض الأعمال المعينة، على أن يكون
العمل المستأجر عليه للمستأجر نفسه خاصة لا لغيره، فيقوم الأجير
بخدمته مثلا، أو بمعالجته من بعض الأمراض، أو بتقويم خطه أو
بتعليمه بعض المعلومات الخاصة، ونحو ذلك مما يختص بالمستأجر
نفسه ولا يتعدى إلى سواه، ثم مات المستأجر قبل أن يتمكن الأجير من
الوفاء بالعمل الذي استأجره عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها
وهو المستأجر.
وإذا استأجره لمثل ذلك، ومضى من الوقت ما يمكن الأجير أن يأتي
فيه بالعمل المستأجر عليه، ولكنه تأخر، ولم يقم بالعمل حتى مات
المستأجر، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، فيدفعها
270

لورثته، وثبتت للأجير الأجرة المسماة في العقد على المستأجر، فتستوفى
له من تركته.
وإذا استأجره كذلك ليقوم له بعمل معين يكون في ذمة الأجير، سواء
كان المستأجر هو الذي يستوفي منه العمل أم غيره، ثم مات المستأجر لم
تبطل الإجارة بموته، وانتقل الملك إلى ورثة المستأجر فيكونون هم
المالكين لعمل الأجير بعد موت مورثهم.
[المسألة 59:]
يجوز للولي الشرعي على الصغير أن يؤجر أملاكه في أيام صغره
وعدم رشده إذا اقتضت مصلحة الصغير إيجارها، تصح الإجارة بذلك
وتترتب أحكامها واشتراط وجود المصلحة إنما هو في غير الأب والجد للأب
من الأولياء، وأما فيهما فيكفي في صحة تصرفهما في مال الطفل عدم
المفسدة وقد تقدم ذلك في كتاب التجارة، ونتيجة لذلك، فإذا آجر الولي
دار الصبي مع وجود الشرط المذكور، صحت الإجارة ولم تبطل بموت
ذلك الولي المؤجر إذا مات في أثناء المدة، ولا يجوز للولي من بعده أن
ينقض إجارته، فلا ينقض الجد إذا كان هو الباقي إجارة الأب التي
أوقعها في حياته، وكذلك العكس، ولا ينقض الوصي المنصوب على
الطفل من أبيه أو من جده إجارة الولي السابق عليه لمال الصبي إذا
أوقعها الولي الأول في حياته وكانت المصلحة تقتضي ذلك.
[المسألة 60:]
يجوز للولي الشرعي أن يؤجر أملاك الصبي مدة معينة إذا اقتضت
المصلحة ذلك وكانت من التي هي أحسن، سواء كانت المدة قصيرة أم
طويلة، وإن كانت المدة التي آجرها الولي تستمر إلى زمان بلوغ
الصبي ورشده، وليس للصبي بعد بلوغه ورشده أن ينقض إجارة
وليه المتقدمة.
[المسألة 61:]
يجوز لولي الصبي أن يؤجر الصبي نفسه عند بعض الثقاة لبعض
الأعمال في أيام صغره وعدم رشده إذا اقتضت المصلحة ذلك، وتصح
271

هذه الإجارة ولا تبطل بموت الولي المؤجر، ولا يجوز نقضها للولي
الآخر من بعده كما تقدم في إجارة أملاكه.
وإذا آجر الصبي وليه كذلك مدة تستمر إلى زمان بلوغه ورشده
جاز على الأقوى للصبي بعد بلوغه ورشده أن ينقض الإجارة المذكورة
في بقية المدة.
وإذا اقتضت ضرورة الصبي أن يؤجره وليه مدة تستمر إلى زمان
بلوغه ورشده، فالأحوط لزوما الرجوع فيها إلى الحاكم الشرعي.
[المسألة 62:]
يجوز للمرأة الخلية من الزوج أن يؤجر نفسها للخدمة أو لبعض
الأعمال الأخرى مدة معينة وإذا هي آجرت نفسها كذلك ثم تزوجت
لم تبطل الإجارة بالتزويج، فيجب عليها القيام بالعمل الذي استؤجرت
عليه وإن كان منافيا لحق الزوج من الاستمتاع وغيره.
ويجوز للمرأة المتزوجة أن تؤجر نفسها للأعمال غير المنافية لحق
الزوج، ولا يجوز لها أن تؤجر نفسها لأعمال تنافي حق الزوج إلا بإذن
الزوج، وإذا هي آجرت نفسها لأعمال تنافي حقه توقفت صحة الإجارة
على إجازته فإن أجاز العقد صحت وإلا كانت باطلة.
[المسألة 63:]
إذا آجر السيد عبده أو أمته للخدمة عند أحد أو لبعض الأعمال
الأخرى مدة معينة صحت إجارته ووجب على العبد أو الأمة أن يقوم
بالأعمال التي استؤجر عليها، وإذا اعتقهما مالكهما بعد أن آجرهما
للعمل لم تبطل الإجارة بالعتق.
ولا يجب على المستأجر أن يقوم بالانفاق عليهما إلا إذا اشترط
المالك عليه ذلك في عقد الإجارة كما لا تجب نفقتهما على المالك بعد
العتق، والأوجه أن نفقتهما في بقية المدة تكون من كسبهما إذا أمكن
لهما الاكتساب أو من مالهما إذا كان لهما مال، فإن لم يكن لهما مال
ولم يمكن لهما الاكتساب، فنفقتهما من بيت المال إذا عد الانفاق عليهما
272

من المصالح العامة للمسلمين، وإن لم يتحقق ذلك وجبت نفقتهما على
المسلمين وجوبا كفائيا.
[المسألة 64:]
إذا علم المستأجر بأن في العين التي يريد أن يستأجرها عيبا،
واستأجرها من مالكها مع علمه بوجود العيب فيها، فلا خيار له في عقد
الإجارة، وكذلك إذا علم بوجود العيب فيها في حال اجراء المعاملة،
ثم أتم العقد مع علمه بالعيب، فلا خيار له بعد ذلك.
وإذا وجد المستأجر العيب في العين بعدما استأجرها، وكان العيب
سابقا في وجود على عقد الإجارة، ولكن المستأجر يجهل بوجوده حينما
أجرى المعاملة على العين. فقد يكون العيب الذي وجده مما تنقص به
منفعة العين، ويكون مما تتجزأ به الأجرة في نظر العقلاء، مثل خراب
بعض البيوت من الدار المستأجرة، وخراب بعض مرافقها، وقد يكون
مما تنقص به منفعة العين ولا يكون كذلك، وقد يكون مما لا تنقص
به المنفعة ولكنه مما تختلف معه الرغبة من الناس في إجارة العين
وتتفاوت به أجرتها، ففي المسألة صور:
(الصورة الأولى): أن يجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا يوجب
النقص في منفعة العين، ويكون مما تتجزأ معه أجرة العين، وقد مثلنا
لذلك بخراب بعض مساكن الدار المستأجرة وبيوتها وبعض المرافق فيها.
والحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر بهذا العيب حق الخيار
في إجارة العين، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد العين المستأجرة على
مالكها، ويسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها إليه، ويجوز له
أن يمضي عقد الإجارة ويقسط الأجرة المسماة، فتقدر أجرة المثل
للدار المعينة مع خراب البعض من بيوتها ومرافقها، وتقدر أجرة مثلها
مع كونها عامرة البيوت والمرافق، وتنسب القيمة الأولى إلى الثانية،
ويسترد من الأجرة المسماة بنسبة التفاوت ما بين الأجرتين، ويجوز
للمستأجر أن يرضى بالإجارة فيمضي عقدها بالأجرة المسماة، من غير
تقسيط، وإذا بادر المؤجر فأصلح خراب البيوت والمرافق من الدار
273

بحيث لم يفت على المستأجر شئ من المنفعة في نظر أهل العرف، ففي
ثبوت الخيار المذكور له تأمل بل لا يبعد عدم ثبوته، ولا يترك الاحتياط.
(الصورة الثانية): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين
مما تنقص به منفعتها، ولا يكون مما تتجزأ به الأجرة عند العقلاء
كالعرج في الدابة المستأجرة للركوب، وكالخروق في بعض سقوف الدار
والتكسر في بعض شبابيكها بنحو لا تكون مانعة من وقوع المطر أو لا تكون
واقية من البرد أو الحر، والحكم في هذه الصورة إنه يثبت للمستأجر
بهذا العيب حق الخيار في الإجارة، فيجوز له أن يفسخها فيرد العين على
مالكها ويسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها إليه، ويجوز له
أن يمضي العقد بالأجرة المسماة، ويشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر
بأرش النقصان.
وإذا بادر المؤجر فأصلح العيب بحيث لم يفت على المستأجر شئ من
المنفعة في نظر أهل العرف، ففي ثبوت الخيار له تأمل بل لا يبعد عدم
ثبوته كما سبق في نظيره، ولا يترك الاحتياط.
(الصورة الثالثة): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين
المستأجرة مما لا تنقص به منفعتها، ولكنه مما تختلف مع وجوده رغبة
الناس في استيجار العين وتتفاوت به أجرتها، كما إذا آجره المكاري
دابة للركوب فوجدها مقطوعة الأذن أو مبتورة الذنب، وكما إذا استأجر
من أحد دارا للسكنى فيها فوجدها مجاورة لشخص لا يرغب اشراف
البلد في مجاورته، أو وجدها في محلة لا يحسن لأمثاله السكنى فيها
والحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر أيضا الخيار بالعيب، فيجوز
له أن يفسخ الإجارة ويرد العين على صاحبها ويسترد منه الأجرة،
ويجوز له أن يمضي عقد الإجارة بالأجرة المسماة، ولا أرش.
(الصورة الرابعة): أن يجد المستأجر في العين التي استأجرها عيبا
لا يوجب نقصا في منفعة العين ولا يوجب نقصا في الأجرة، ولا خيار
للمستأجر في هذه الصورة ولا أرش.
274

[المسألة 65:]
إذا حدث في العين التي استأجرها الانسان عيب بعد أن تم عقد
الإجارة عليها وقبل أن يقبض العين، أو حدث فيها بعد العقد والقبض
كليهما، أشكل الحكم بثبوت الخيار للمستأجر فلا يترك الاحتياط لزوما
في كلا الفرضين، وخصوصا في الفرض الثاني وقد استوفى المستأجر
بعض منفعة العين ومضى بعض المدة
[المسألة 66:]
إذا استأجر الرجل من المالك عينا كلية غير مشخصة، ودفع المالك له فردا
معينا من الكلي ليقبضه ويستوفي منفعته، فوجد الفرد الذي دفعه المالك
إليه معيبا، كما إذا استأجر منه دابة كلية ليركبها فدفع إليه دابة من
دوابه فرآها معيبة وكما إذا استأجر منه دارا كلية موصوفة، ليسكنها
وكانت للمالك عدة دور يملكها وهي على نسق واحد من الوصف ودفع
المالك إليه إحدى الدور فوجدها معيبة، جاز للمستأجر أن يطالب المالك
بابدال الفرد المعيب بفرد آخر صحيح لا عيب فيه، ولا يثبت للمستأجر
خيار العيب، ولا يجوز له فسخ الإجارة، فإذا تعذر على المالك أن يدفع
البدل ثبت للمستأجر الخيار حين ذاك وجاز له فسخ الإجارة.
[المسألة 67:]
إذا استأجر الرجل من صاحبه بعض أملاكه وجعل عوض الإجارة
عينا شخصية وجرى العقد على ذلك، ومثال ذلك أن يستأجر منه داره
أو دكانه بعشرة أمنان معينة من الحنطة، فقال له المؤجر آجرتك الدار
المعينة مدة شهرين مثلا بهذه الأمنان العشرة الخاصة من الحنطة، وقبل
المستأجر، ودفع إليه الأمنان، ولما قبض المؤجر الأجرة المعينة وجدها
معيبة، فيجري في الأجرة المعينة في هذا الفرض التفصيل السابق ذكره
في العين المستأجرة إذا وجدها المستأجر معيبة، فإذا كان المؤجر عالما
بوجود العيب في عين الأجرة قبل المعاملة، وأجرى العقد مع علمه
بالعيب في الأجرة المعينة، صحت الإجارة ولم يثبت للمؤجر خيار
العيب، وكذلك إذا علم بوجود العيب حين المعاملة، فأتم العقد مع
علمه بالعيب.
275

وإذا كان المؤجر جاهلا بوجود العيب في عين الأجرة وكان وجود
العيب فيها سابقا على العقد، ثبت للمؤجر الخيار، فيجوز له أن يفسخ
عقد الإجارة ويرد الأجرة المعيبة على المستأجر، ويسترد منه العين
المستأجرة ويجوز له أن يرضى بالإجارة فيمضي العقد بالأجرة المسماة
المعيبة، ويشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر للمستأجر بأرش النقصان
في الأجرة، كما تقدم الاشكال في نظيره في المسألة الرابعة والستين في
الصورة الثانية منها.
[المسألة 68:]
إذا استأجر الرجل من غيره شيئا، وكان مال الأجرة الذي وقع عليه
العقد بين الطرفين منفعة خاصة لعين من الأعيان الشخصية، كما إذا
استأجر من صاحبه دارا ليسكنها مدة ستة أشهر وجعل العوض لذلك
منفعة دكان يملكه المستأجر مدة سنة كاملة، وحين قبض المؤجر الدكان
ليستوفي منفعته وهي عوض إجارة داره وجد الدكان معيبا، وهو يجهل
وجود العيب، فيجري فيه التفصيل المتقدم ذكره في عيب العين المستأجرة،
وتجري فيه فروضها وتنطبق على الفروض أحكامها، وتراجع المسألة
الرابعة والستون.
[المسألة 69:]
إذا كانت الأجرة في عقد الإجارة أمرا كليا، ودفع المستأجر للمؤجر
منه فردا خاصا، وقبضه عوضا عن إجارته، وبعد القبض وجد المؤجر
الفرد المدفوع إليه معيبا، جاز للمؤجر أن يطالب المستأجر بابدال الفرد
المدفوع إليه بفرد صحيح لا عيب فيه، ولا يثبت له خيار الفسخ كما
تقدم نظير ذلك في العين المستأجرة في المسألة السادسة والستين.
[المسألة 70:]
إذا استأجر الشخص من غيره شيئا يملكه مدة معينة بعوض معلوم،
أو استأجره لعمل معين بعوض معلوم، ثم ظهر للمستأجر أنه مغبون
في الإجارة، ثبت له خيار الغبن فيها، وجاز له أن يفسخ العقد ويرد
العين المستأجرة ويسترد منه الأجرة المسماة، وأن يرضى بالعقد بالأجرة
المسماة، إلا إذا شرط المؤجر عليه في ضمن العقد سقوط حقه من الخيار
276

إذا كان مغبونا، وقبل هو بالشرط، فلا يثبت له الخيار حين ذاك.
وكذلك إذا ظهر للمؤجر أنه مغبون في الأجرة، فيثبت له الخيار على
نهج ما تقدم إلا إذا اشترط عليه المستأجر في ضمن العقد سقوط الخيار
إذا كان مغبونا.
[المسألة 71:]
لا يحق للمغبون منهما أن يطالب الغابن بالتفاوت ما بين الأجرتين،
ولا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له التفاوت المذكور.
[المسألة 72:]
لا يثبت الخيار للمستأجر ولا للمؤجر إذا كان عالما بالغبن قبل العقد،
أو علم به حين اجراء عقد الإجارة بينهما، فأتم العقد مع علمه بالغبن.
[المسألة 73:]
يجوز للغابن أن يصالح المغبون على اسقاط حقه من الخيار، فإذا
صالحه على ذلك بمقدار من المال، وقبل المغبون بالمصالحة سقط حقه من
الخيار، ولم يجز له أن يفسخ العقد، ووجب على الغابن أن يدفع له
العوض الذي جرى عليه الصلح، إلا إذا ظهر له أنه مغبون في عقد
الصلح أيضا، فيجوز له فسخ الصلح ثم فسخ الإجارة.
[المسألة 74:]
إذا استوفى المستأجر منفعة العين المستأجرة في جميع المدة المعينة
في عقد الإجارة أو في بعضها، ثم ظهر الغبن للمغبون من المتعاقدين،
لم يسقط بذلك حقه من الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة ويرد
العين المستأجرة والأجرة المسماة في العقد إلى مالكهما، وتثبت لمالك العين
المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر.
وكذلك الحكم في الإجارة على العمل، فإذا أتم الأجير العمل الذي
استؤجر عليه أو أتم بعضه، ثم ظهر الغبن للمغبون، فيجوز له فسخ
الإجارة ورد الأجرة المسماة إلى مالكها، وتكون للعامل أجرة المثل عن
عمله الذي أتى به للمستأجر.
277

[المسألة 75:]
يجوز للمؤجر أن يشترط لنفسه على المستأجر الخيار في ضمن عقد
الإجارة في مدة معينة، فإذا شرط ذلك لنفسه وقبل المستأجر بذلك،
ثبت له الخيار في الوقت الذي عينه، وجاز له أن يفسخ عقد الإجارة
فيه، ويجوز ذلك للمستأجر أيضا، فإذا شرط الخيار لنفسه في ضمن
العقد في وقت معين، وقبل المؤجر بذلك ثبت له الخيار كما شرط،
وجاز له الفسخ.
ويجوز اشتراط ذلك لهما معا، بل يجوز لهما ولأحدهما أن يشترط
الخيار في العقد لشخص ثالث غيرهما، فيكون الشخص الثالث هو صاحب
الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة في الوقت المعين، كما سبق نظيره
في فصل الخيارات من كتاب التجارة.
ويجوز لمالك العين المستأجرة أن يشترط لنفسه خيار فسخ الإجارة
إذا هو رد الأجرة المسماة على المستأجر في وقت معين، ويجوز للأجير أن
يشترط ذلك لنفسه إذا هو رد العوض على مستأجره في وقت معلوم،
فإذا رد المشترط منهما العوض في الوقت الذي عينه جاز له أن يفسخ
الإجارة كما شرط وقد سبق نظيره في البيع.
ويجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يشترط على صاحبه أنه يستشير
شخصا ثالثا في أمر الفسخ في وقت معين فإن رجح له الفسخ فسخ العقد،
وإن رجح له ابقاء العقد أبقاه، فإذا قبل صاحبه بالشرط نفذ ولزم
العمل به.
[المسألة 76:]
إذا استوفى المستأجر المنفعة التي استأجر العين لها في بعض المدة،
ثم حل الوقت الذي اشترط فيه أحد المتعاقدين الخيار لنفسه، لم يمنعه
ذلك من أن يأخذ بخياره، فيجوز له بعد حضور الوقت المعين وبعد رد
العوض إذا اشترط الخيار بذلك: أن يفسخ العقد ويرد العين المستأجرة
إلى مالكها، ويرد الأجرة المسماة إلى دافعها، وتثبت لمالك العين
المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر، وكذلك الحكم
278

في الفرض الأخير، فإذا قام الأجير ببعض العمل الذي استؤجر عليه،
ثم حضر وقت الخيار لصاحب الخيار وكمل شرطه، جاز له أن يفسخ
العقد، وكانت للأجير أجرة المثل للعمل الذي قام به للمستأجر.
[المسألة 77:]
إذا شرط المؤجر أو المستأجر في عقد الإجارة على صاحبه شرطا وقبل
به صاحبه ثم لم يف له بالشرط، ثبت للمشترط خيار تخلف الشرط،
على النحو الذي فصلناه في مبحث الخيارات من كتاب التجارة.
وهكذا يجري في الإجارة جميع الخيارات التي تقدم بيانها في مبحث
الخيارات عدا ما استثني منها، فيجري في الإجارة خيار تبعض الصفقة،
وخيار تعذر التسليم، وخيار تخلف الوصف، وخيار الشركة، ولا
يجري فيها خيار المجلس، ولا خيار الحيوان، ولا خيار التأخير ثلاثة
أيام، وقد ذكرنا في فصل الخيارات وفي كتاب الصلح إن هذه الخيارات
الثلاثة تختص بالبيع وحده، ولا تجري في ما سواه من المعاملات، وأما
خيار ما يفسد ليومه فيشكل الأمر فيه، ولعله من أفراد خيار التأخير
فيكون مما يختص بالبيع.
[المسألة 78:]
إذا أفلس المستأجر وحجر عليه الحاكم الشرعي لقصور أمواله عن
الوفاء بجميع ديونه الحالة عليه، وكانت الأجرة المسماة أحد ديونه
التي حجر عليه من أجلها، تخير المالك بين أن يفسخ الإجارة فيسترد
العين المستأجرة ومنفعتها التي ملكها للمستأجر في مدة الإجارة، وأن
يبقي الإجارة بحالها، ويضرب بدينه وهو الأجرة المسماة في أموال
المفلس مع بقية الغرماء.
وهذا الخيار هو خيار التفليس الذي يذكره الفقهاء في كتاب البيع، وفي
كتاب الحجر، ونظيره أيضا الخيار الذي يثبت للبائع إذا وجد عين ماله
الذي باعه على المفلس في جملة أمواله المحجورة، وكان ثمن المال المبيع
أحد الديون التي حجر على المفلس من أجلها، فيتخير البائع في هذه
الصورة بين أن يفسخ البيع فيأخذ عين ماله ولا يشاركه فيه أحد من
279

الغرماء، وأن يمضي البيع ويضرب بدينه وهو الثمن مع سائر الغرماء
في أموال المفلس.
[المسألة 79:]
إذا ثبت الخيار للمؤجر أو للمستأجر، ففسخ العقد في أول المدة
المعينة للإجارة، رجعت العين المستأجرة ومنفعتها كاملة إلى مالكها وهو
المؤجر، ورجعت الأجرة المسماة كاملة إلى مالكها وهو المستأجر، ولا
شبهة في ذلك.
وإذا فسخ صاحب الخيار بعد مضي شطر من المدة وقد استوفى المستأجر
بعضا من المنفعة، أو قام الأجير ببعض العمل المستأجر عليه، وكان
سبب الخيار الذي أخذ به وفسخ من أجله ثابتا من حين العقد كما إذا
كان المستأجر مغبونا من حين العقد ولم يعلم بالغبن إلا بعد ذلك، وكما
إذا كان في العين المستأجرة عيب حين العقد أو قبله ولم يعلم به المستأجر
إلا بعد ذلك، وكما إذا اشترط لنفسه خيار الفسخ بعد شهر من العقد
مثلا أو إذا هو رد العين على المالك بعد شهر، ففي مثل هذه الصور يتخير
صاحب الخيار بين أن يفسخ العقد من أصله فيرجع إليه تمام الأجرة
المسماة، وتثبت للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، وأن يفسخ
العقد من ذلك الحين فتقسم الأجرة المسماة بين المؤجر والمستأجر،
فيكون للمؤجر منها بنسبة ما مضى من المدة إلى مجموعها، ويرجع إلى
المستأجر منها بنسبة ما بقي. وإذا كان سبب الخيار طارئا في أثناء المدة،
كما إذا انهدمت الدار المستأجرة في أثناء المدة، ففسخ صاحب الخيار
بموجب خياره، قسمت الأجرة المسماة بينهما كما تقدم في الشق الثاني،
فكان للمؤجر من الأجرة بنسبة ما مضى من المدة ورجع إلى المستأجر منها
بنسبة ما بقي منها.
280

[الفصل الثالث]
[يملك العوضان في الإجارة بنفس العقد]
[المسألة 80:]
إذا تم عقد الإجارة بين المتعاملين، ملك المستأجر منفعة العين
المستأجرة بنفس العقد ملكا تاما مستقرا، ولم يتوقف تحقق ملكه لها
ولا استقراره على حصول أمر آخر، وملك المؤجر الأجرة المسماة بنفس
العقد كذلك ملكا تاما مستقرا، ولم يتوقف تحقق ملكه لها ولا استقراره
على حصول أمر آخر، ووجب على كل واحد منهما تسليم العوض الذي
عينه، لصاحبه الذي ملكه بالعقد، ولكن لا يحق لأحدهما أن يطالب
بالعوض الذي ملكه من صاحبه، حتى يسلم هو لصاحبه العوض الآخر
الذي ملكه لصاحبه فلا يطالب المستأجر المالك بتسليم المنفعة حتى يسلمه
هو الأجرة، ولا يطالب المالك المستأجر بدفع الأجرة، حتى يسلمه
هو المنفعة.
وكذلك الحال في الإجارة على العمل، فيملك المستأجر العمل المعين
على الأجير، ويملك الأجير الأجرة المسماة على المستأجر بنفس العقد
ملكا مستقرا، فيجب على كل واحد منهما أن يسلم صاحبه عوضه الذي
صار إليه، ولا يحق لأحدهما أن يطالب بعوضه حتى يسلم هو ما وجب
عليه.
[المسألة 81:]
يتحقق تسليم المنفعة بتسليم العين ذات المنفعة، فإذا آجر المالك
غيره دارا ليسكنها، أو دكانا ليبيع فيه ويشتري، أو دابة ليركبها،
وسلم إليه العين المستأجرة، فقد سلمه منفعتها، وجاز له أن يطالب
المستأجر بالأجرة المسماة له بالعقد إذا لم يكن دفعها إليه.
ويتحقق تسليم العمل المستأجر عليه باتمام العمل، سواء كان
العمل مما يتعلق بالنفس، كالصلاة والصوم والحج والعمرة والزيارة،
أم كان مما يتعلق بمال للمستأجر وهو في يد الأجير وتحت استيلائه
كخياطة ثوب المستأجر وصياغة خاتمه ونسخ كتابه، أم لم يكن تحت
281

استيلاء الأجير كبناء منزل المستأجر وزرع بستانه، أو حفر بئر أو
استخراج عين فيه، أو اصلاح جهاز أو آلة في منزله.
والظاهر أنه يجوز للعامل أن يطالب المستأجر بأجرة ما أنجز له من
العمل الذي استأجره عليه ولا يتوقف جواز المطالبة على اتمام العمل
كله، وخصوصا إذا كان العمل ينحل إلى أعمال، كالصلاة والصوم
وشبههما، ويتضح ذلك جليا إذا كان العمل المستأجر عليه طويلا جدا،
كما إذا استأجر الشخص لخدمة عدة من السنين، أو لصوم أشهر كثيرة
نعم لا يحق للأجير أن يطالب المستأجر بأجرة غير ما أنجز له من العمل.
ويتحقق تسليم الأجرة باقباضها إذا كانت معينة شخصية، وباقباض
مصداقها الذي يتحقق وجودها به إذا كانت كلية، وبتسليم العين التي
تستوفى منها إذا كانت منفعة.
[المسألة 82:]
إذا اشترط المؤجر أو المستأجر في العقد تأجيل التسليم في المنفعة
أو في الأجرة المسماة، إلى أجل مسمى نفذ الشرط ولزم العمل بموجبه،
ولم يجز للآخر المطالبة به حتى يحل أجله، وإذا اشترط المؤجر في عقد
الإجارة تقديم تسليم الأجرة على تسليم المنفعة أو العكس لزم الوفاء
بالشرط، وكذلك إذا اشترط الأجير تقديم تسليم الأجرة على العمل
فيجب اتباع الشرط، وإذا كان المتعارف بين الناس أو كانت العادة
المعروفة بين أصحاب البلد أو أصحاب العمل إن تسلم الأجرة قبل تسليم
المنفعة أو قبل تسليم العمل كان ذلك بحكم الشرط فيلزم اتباعه.
[المسألة 83:]
إذا تراضى المتعاقدان فسلم كل واحد منهما ما وجب عليه تسليمه
من عوض لصاحبه دفعة واحدة أو ابتدأ أحدهما بتسليم ما لديه أولا
ثم سلمه الآخر من بعده، أو قبل بتأخير التسليم من صاحبه مدة، أو
تراضيا فجعل أحدهما العوض الذي عنده بيد أمين، وسلم الآخر
العوض الذي عنده لصاحبه، أو تراضيا بغير ذلك من الصور صح لهما
ما تصالحا عليه ورتبا أثر العقد حسب اتفاقهما، وإذا تعاسرا ولم
282

يتفقا على وجه من الوجوه أجبرهما الحاكم الشرعي على إنفاذ العقد في
صورة من الصور.
[المسألة 84:]
إذا امتنع مؤجر العين من تسليمها للمستأجر، وكان المستأجر باذلا
لعوض الإجارة غير ممتنع من تسليمه، أو كان قد اشترط على المؤجر
تأجيل تسليم الأجرة إلى أجل مسمى، جاز للمستأجر أن يجبر المؤجر
على تسليم العين المستأجرة، وإن لم يمكن له أن يجبره على ذلك، ثبت
للمستأجر خيار الفسخ، فيجوز له أن يفسخ الإجارة، ويسترد من
صاحبه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها إليه، ويجوز له أن يمضي الإجارة
ويطالب المؤجر بعوض ما فاته من المنفعة، وكذلك الحكم إذا امتنع
المستأجر من تسليم الأجرة، وكان المؤجر باذلا للعين المستأجرة أو كان
قد شرط على المستأجر تأجيل تسليمها إلى أجل مسمى، فيجوز للمؤجر
أن يجبره على تسليم الأجرة، فإن لم يمكن له اجباره ثبت للمؤجر الخيار
المذكور.
[المسألة 85:]
إذا سلم المؤجر العين المستأجرة للمستأجر، ثم أخذها منه بعد التسليم بلا
فاصلة، أو تركها عنده بعض المدة ثم أخذها منه، جرى فيه الحكم
المتقدم في المسألة السابقة، فيجوز للمستأجر أن يجبره على التسليم،
فإن لم يمكن له اجباره ثبت للمستأجر الخيار المتقدم ذكره، وإذا هو
اختار فسخ الإجارة وكان فسخه في ابتداء المدة كما هو الفرض الأول
رجع على المؤجر بجميع الأجرة المسماة، وإن كان فسخه في أثناء المدة
كما هو الفرض الثاني رجع على المؤجر بما يقبل بقية المدة من الأجرة
المسماة، وله أن يمضي الإجارة ويطالب المؤجر بعوض ما فاته من
المنفعة، وهو الشق الثاني من الخيار الذي ثبت له.
[المسألة 86:]
إذا استأجر الرجل عينا وسلمه المؤجر العين في ابتداء مدة الإجارة
وبقيت العين في يده إلى أن انقضت المدة استقرت عليه الأجرة وإن لم
يستوف المنفعة من العين إذا كان عدم استيفائه المنفعة باختياره، كما
283

إذا استأجر من المالك دارا معينة، فاستلمها من المالك ولم يسكنها
باختياره، وكما إذا استأجر منه محلا أو حانوتا معينا، فقبضه منه
ولم يتجر فيه باختياره، وكما إذا استأجر منه سيارة معينة لتكون تحت
تصرفه في تنقلاته، فقبضها ولم يستوف منفعتها كذلك حتى انقضت
المدة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، ومثله في الحكم
ما إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فلم يقبضها المستأجر ولم يتسلمها
منه باختياره حتى انقضت مدة الإجارة، فتستقر الأجرة المسماة على
المستأجر بذلك ويجب عليه دفعها إلى المؤجر.
وكذلك الحكم إذا استأجر الانسان عينا كلية، وسلم إليه المؤجر
فردا خاصا من ذلك الكلي بقصد الوفاء بالعقد، كما إذا استأجر منه
دارا كلية موصوفة، وكانت لدى المالك عدة من الدور كما وصف،
وسلم إليه إحدى الدور وفاء بعقده وبقيت الدار في يده حتى انقضت
مدة الإجارة، فيجب عليه دفع الأجرة المسماة للمؤجر وإن لم يسكن
الدار التي استلمها باختياره، ومثله ما إذا بذل له المؤجر الفرد الذي
عينه من الكلي فلم يتسلمه المستأجر باختياره حتى انقضى الأجل، فيجب
عليه دفع الأجرة للمؤجر.
[المسألة 87:]
إذا استأجر الانسان أجيرا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، بأجرة
معينة، كما إذا استأجره لينسخ له كتابا في أيام معلومة، أو استأجره
ليخيط ثوبه المعين، أو يصلح له سيارته الخاصة في وقت معين وهيأ
الأجير وبذل نفسه للعمل المستأجر عليه، ولم يعطه المستأجر الكتاب
المعين ليكتبه، ولم يسلمه الثوب أو السيارة، وهو مختار في ذلك حتى
انقضت المدة المضروبة لذلك العمل، وجب على المستأجر أن يدفع
للأجير أجرته المسماة، سواء شغل الأجير نفسه في تلك المدة بعمل آخر
أم لا، وسواء كان العمل الذي قام به لنفسه أم لشخص غيره.
[المسألة 88:]
إذا استأجر الانسان عينا وسلمه المؤجر العين المستأجرة ولم يستوف
284

المستأجر المنفعة منها حتى انقضت مدة الإجارة وكان معذورا في عدم
استيفاء المنفعة فهاهنا صور.
(الصورة الأولى): أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفاء المنفعة
عاما له ولغيره، كما إذا حدثت حرب منعت من الوصول إلى الدار
المستأجرة أو الحانوت ليسكن في الدار ويكتسب في الحانوت، وكما إذا
منعت الدولة السفر إلى البلد فلم يمكنه الوصول إلى الدار أو الحانوت
لينتفع بهما ولو بالإجارة من غيره وكما إذا منعه مطر شديد أو نزول
ثلج كثير من ركوب السيارة المستأجرة واستعمالها حتى انقضى الوقت،
والظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة، ولا تلزم المستأجر الأجرة.
وإذا استوفى المستأجر المنفعة في بعض المدة، ثم منعه العذر العام
من استيفاء المنفعة في بقية المدة صحت الإجارة في بعض المدة الذي
استوفى فيه منفعة العين، فتكون للمؤجر حصة ذلك البعض من الأجرة
المسماة، وبطلت الإجارة في الباقي الذي لم يتمكن فيه من استيفاء
المنفعة، فلا يكون للمؤجر فيه شئ من الأجرة.
[المسألة 89:]
(الصورة الثانية): أن يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة
خاصا به، كما إذا سجن فلم يستطع سكنى الدار المستأجرة أو التكسب
في الحانوت، أو الركوب في السيارة، أو مرض فلم يتمكن من ذلك،
وهذا الفرض يقع على أنحاء.
النحو الأول: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر في ضمن
العقد على نحو التقييد، أن يكون هو الذي يستوفى منفعة العين
بنفسه، والمراد بالتقييد أنه خص الإجارة به، فلا تشمل الإجارة ما
إذا استوفى المنفعة غيره، ويكون الشرط بنحو وحدة المطلوب كما
يقول بعض الفقهاء.
النحو الثاني: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر ذلك، على
نحو لا يقيد الإجارة به، ويكون من الشرط في ضمن العقد بنحو تعدد
المطلوب.
285

النحو الثالث: أن يطلق المؤجر عقد الإجارة فلا يشترط على المستأجر
أن يستوفي المنفعة بنفسه.
فإذا كان الفرض على النحو الأول، وهو أن يكون المؤجر قد قيد
إجارته بأن يكون المستأجر هو المستوفى للمنفعة بنفسه لا بغيره، فالظاهر
بطلان الإجارة إذا سجن المستأجر أو مرض أو طرأ له عذر خاص آخر،
فلم يتمكن من استيفاء المنفعة بنفسه، لتعذر المنفعة الخاصة المقصودة
بالإجارة، ولا تثبت الأجرة للمؤجر.
[المسألة 90:]
الصورة الثالثة: أن يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة خاصا
به كالمرض والسجن، ويكون المؤجر قد شرط عليه أن يستوفي منفعة
العين بنفسه على نحو الاشتراط في ضمن العقد وتعدد المطلوب فالإجارة
غير مقيدة بالشرط، ولكن الالتزام بالشرط مطلوب أيضا، فإذا مرض
المستأجر أو سجن فلم يستوف المنفعة لذلك لم تبطل الإجارة لعدم تعذر
المنفعة فيكمن له أن يستوفيها بإجارة لدكان أو الدار من غيره، ولكن
يثبت الخيار في الفسخ أو الامضاء للمؤجر، بسبب تخلف شرطه الذي
شرطه على المستأجر.
[المسألة 91:]
الصورة الرابعة: أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفائه منفعة
العين المستأجرة خاصا به كما تقدم، ويكون المؤجر قد أطلق عقد
الإجارة ولم يشترط على المستأجر في استيفاء المنفعة شيئا، فإذا مرض
المستأجر أو سجن ولم يستوف المنفعة بنفسه، لم تبطل الإجارة بذلك
وثبتت للمؤجر الأجرة المسماة في العقد ولا خيار له.
[المسألة 92:]
إذا سلم المؤجر العين المستأجرة، وقبضها المستأجر منه ولم يستوف
منفعتها في بعض المدة جرت في هذه المسألة جميع الفروض المتقدم
ذكرها، فقد يكون المستأجر مختارا في عدم استيفاء المنفعة في بعض
المدة، وقد يكون معذورا في ذلك، وإذا كان معذورا فيه، فقد يكون
286

العذر عاما له ولغيره وقد يكون خاصا به إلى آخر ما قدمنا ذكره من
الفروض في المسألة السابقة، وينطبق على كل فرض منها حكمه الذي
تقدم بيانه فلا فرق بين ما إذا كان عدم استيفاء المنفعة في جميع المدة
وفي بعضها.
وكذلك إذا كانت الإجارة على العمل فلم يستوف المستأجر بعض
العمل المستأجر عليه فتجري الفرض كلها وتبطل الإجارة في مورد
البطلان منها، وتصح حيث تصح، ويثبت الخيار حيث يثبت هناك.
[المسألة 93:]
إذا استأجر الانسان أجيرا حرا لعمل من الأعمال أو لمنفعة من المنافع
المحللة، ملك المستأجر منه عمله ومنفعته المستأجر عليهما، وأصبحا
مضمونين عليه، فإذا هيأ الأجير نفسه وبذلها لتوفية العمل والمنفعة
المستأجر عليهما، ولم يستوفيهما المستأجر باختياره، ضمن للأجير عمله
ومنفعته ووجب عليه دفع الأجرة المسماة، كما تقدم في المسألة السابعة
والثمانين.
وكذلك إذا ملك منه العمل والمنفعة بصلح أو هبة، أو جعله ثمنا
في بيع أو عوضا في معاملة شرعية صحيحة فيكون العمل والمنفعة مملوكين
له ومضمونين عليه بعوضهما.
ولا يضمن عمل الحر ولا منفعته بمجرد التفويت من غير أن يملكهما
بعقد أو معاملة، كما إذا شغله بشئ حتى فات منه العمل أو المنفعة،
بل وحتى إذا حبسه بحق أو بغير حق، وكان كسوبا.
ويضمن الرجل عمل العبد المملوك ومنفعته إذا استأجره لهما من
سيده ولم يستوف المستأجر المنفعة أو العمل باختياره، فيلزمه دفع
الأجرة المسماة، وكذلك إذا آجر العبد نفسه بإذن مولاه.
ويملك الرجل أعمال العبد ومنافعه إذا ملكهما إياه مولاه أو وكيل
المولى بصلح أو معاملة شرعية صحيحة أو جعلهما عوضا في بعض المعاملات،
ويملك أعماله ومنافعه كذلك إذا ملكهما العبد نفسه إياه بإذن مولاه.
287

[المسألة 94:]
إذا استأجر الرجل من غيره دابة فشردت بحيث لا يمكن للمستأجر
العثور عليها واستيفاء المنفعة المعلومة منها، وكان شرودها قبل التسليم
أو بعده وقبل أن يتمكن المستأجر من استيفاء منفعتها كانت الإجارة
باطلة، ورجعت الأجرة المسماة إلى المستأجر، وإذا كان شرود الدابة
في أثناء المدة، بطلت الإجارة في ما بقي من المدة، وتقسطت الأجرة
المسماة بين المؤجر والمستأجر بالنسبة، فيثبت للمؤجر منها بنسبة
ما مضى من المدة ويرجع إلى المستأجر منها بنسبة ما بقي، فإذا مضى
من المدة ثلثها مثلا كان للمؤجر ثلث الأجرة المسماة وللمستأجر ثلثاها،
وإذا مضى نصف المدة كان لكل واحد منهما نصف الأجرة، وكذلك الحكم
إذا استأجر الرجل العبد من مالكه، فأبق العبد بحيث لا يقدر على
استيفاء منفعته، أو استأجر السيارة فسرقت ولم يمكن العثور عليها،
فيجري فيها التفصيل المذكور.
[المسألة 95:]
إذا غصب العين المستأجرة أحد قبل أن يقبضها المستأجر، فلم يستطع
أن يستوفي منها شيئا من منفعتها، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد
الإجارة، فيرجع على المؤجر بالأجرة المسماة إذا كان قد دفعها إليه،
وأن يبقي الإجارة ويرجع على الغاصب بأجرة المثل للعين المغصوبة مدة
الإجارة.
وإذا كان الغصب بعد أن قبض المستأجر العين المستأجرة، لم يجز
له أن يفسخ الإجارة، وكان له أن يرجع على الغاصب بأجرة المثل،
سواء كان الغصب في أول مدة الإجارة أم في أثنائها.
وكذلك الحكم إذا لم يغصب المتسلط العين، ولكنه منع المستأجر
من استيفاء المنفعة، فإن كان ذلك قبل قبض العين تخير المستأجر بين أن
يفسخ الإجارة ويرجع على مؤجرها بالأجرة، وأن يمضي الإجارة
ويرجع على الظالم بأجرة المثل، وإن كان منعه بعد قبض العين لم يجز
للمستأجر أن يفسخ الإجارة وكان له الرجوع على الظالم بأجرة المثل.
288

وإذا غصب الغاصب العين المستأجرة قبل قبضها، ثم أرجعها إلى
المستأجر في أثناء المدة لم يسقط بذلك خيار المستأجر، وإذا أراد
الفسخ فالأحوط له لزوما إن لم يكن هو الأقوى: أن لا يفسخ إلا في
الجميع.
وكذلك الحكم إذا منعه قبل القبض عن استيفاء المنفعة من غير غصب
للعين، ثم رفع منعه في أثناء المدة.
[المسألة 96:]
إذا استأجر الرجل عينا شخصية، فتلفت العين المستأجرة قبل أن
يقبضها المستأجر من صاحبها بطلت إجارتها، وكذلك إذا تلفت العين
بعد قبضها بلا فاصلة من الزمان، أو تلفت قبل حلول مدة الإجارة في
ما إذا كانت المدة منفصلة عن زمان العقد، فتبطل الإجارة في هذه
الفروض الثلاثة، ولا يستحق المؤجر شيئا من الأجرة.
وإذا تلفت العين بعد مضي بعض المدة بطلت الإجارة في بقية المدة،
ورجع المستأجر على المؤجر بما قابل بقية المدة من الأجرة المسماة،
فإذا كان الباقي نصف المدة رجع المستأجر بنصف الأجرة، وإذا كان
الباقي ثلث المدة رجع بثلث الأجرة، وهكذا.
وإذا تفاوتت أجزاء المدة في مقاديرها من الأجرة، كما إذا كانت
أجرة العين في أيام الصيف أكثر أو أقل من أجرتها في أيام الشتاء،
وكما إذا كانت أجرتها في أيام الموسم أغلى من سائر الأيام لوحظت
النسبة ما بين الأيام ورجع بما قابل بقية المدة بنسبتها إلى أجرة
مجموع المدة.
[المسألة 97:]
إذا تلف بعض العين التي استأجرها، بطلت الإجارة في ذلك البعض
التالف بنسبته إلى مجموع العين، فإذا كان التالف نصف العين مثلا بطل
العقد في نصف الإجارة، وإذا كان التالف ربع العين بطل العقد في ربع
الإجارة، وهكذا، وتوجه التفصيل الذي تقدم ذكره في تلف جميع
289

العين، فإذا كان تلفه قبل القبض أو بعده بلا فاصل من الزمان أو قبل
حضور مدة الإجارة، بطلت الإجارة في ذلك البعض التالف، ولم يستحق
المؤجر من أجرته شيئا، وإذا كان تلفه بعد مضي بعض المدة، بطلت
إجارة البعض التالف في بقية المدة، ورجع المستأجر على المؤجر بما
قابل بقية المدة من الأجرة المسماة، وكان للمستأجر خيار تبعض
الصفقة في إجارة البعض الباقي من العين غير التالف.
[المسألة 98:]
ما ذكرناه في المسألتين المتقدمتين في تلف جميع العين المستأجرة وفي
تلف بعضها من الأحكام إنما هو في التلف السماوي الذي لا يستند إلى
سبب اختياري من الانسان، ومنه ما إذا أتلف العين حيوان أو أتلف
بعضها، وكان الاتلاف يستند إلى الحيوان نفسه، كما إذا صال الحيوان
على الدابة المستأجرة فقتلها، أو ضرب الآنية المستأجرة برجله فكسرها.
وإذا كان اتلاف الحيوان للعين مستندا إلى فعل الانسان وتحريضه
مثلا لحقه حكم ذلك الانسان تقديما للسبب على المباشر.
[المسألة 99:]
إذا أتلف المستأجر العين المستأجرة بعد أن قبضها من المؤجر، فلا
ريب في صحة الإجارة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر،
ويجب عليه دفع قيمة العين التالفة.
وإذا هو أتلف العين المستأجرة قبل أن يقبضها من المؤجر، فقد
ذكر جماعة من الأكابر إن اتلاف المستأجر للعين بمنزلة قبضها،
فتصح الإجارة كما في الفرض السابق.
وهذا الحكم على اطلاقه ممنوع، فإن القبض هو الاستيلاء على العين،
واتلاف المستأجر للعين لا يكون قبضا لها حتى يكون معه نحو استيلاء
من المستأجر على العين، كما إذا استولى على الآنية فكسرها، أو على
الحيوان فقتله أو على الفرش والثياب فأحرقها، فإذا تحقق منه استيلاء
على العين المستأجرة تحقق القبض وصحت الإجارة، ولزم المستأجر
دفع الأجرة المسماة للمؤجر، ووجب عليه دفع قيمة العين التالفة.
290

وإذا لم يتحقق الاستيلاء على العين لم يحصل القبض، فإذا تلفت
العين بطلت الإجارة، ووجب على المستأجر أن يدفع قيمة العين لاتلافها.
[المسألة 100:]
إذا أتلف المؤجر العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجر منه،
فالظاهر بطلان الإجارة بذلك، ولا شئ لكل من المستأجر والمؤجر على
الآخر، وإذا هو أتلفها بعد القبض تخير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة
فيسترد الأجرة المسماة من المؤجر إذا كان قد دفعها إليه، وأن يمضي
الإجارة ويرجع على المؤجر بقيمة المنفعة التي أتلفها مع العين.
[المسألة 101:]
إذا أتلف العين المستأجرة شخص آخر غير المؤجر والمستأجر كان
ضامنا لما أتلفه، فإن كان قد أتلف العين بعد أن تمت الإجارة وقبض
المستأجر العين، ضمن المتلف للمستأجر قيمة المنفعة التي ملكها بالإجارة
وضمن لمالك العين قيمة العين وهي مسلوبة المنفعة، وإذا كان قد أتلف
العين قبل أن يقبضها المستأجر بطلت الإجارة بذلك، فلا شئ للمستأجر
على المتلف، وضمن المتلف قيمة العين والمنفعة معا لمالكهما وهو المؤجر.
[المسألة 102:]
إذا استأجر أحد من غيره عينا كلية، ودفع المالك المؤجر له فردا
معينا من الكلي، ثم تلف الفرد الذي عينه المؤجر وسلمه إليه لم تبطل
الإجارة بذلك، ومثاله أن يستأجر الرجل من المالك آنية موصوفة
لوضع الطعام والشراب فيها، فيدفع إليه مالك الأواني آنية معينة كما
وصف، أو يستأجر منه دابة للركوب، أو بقرة للحلب فيدفع إليه
المالك دابة أو بقرة يعينها له كما وصف في عقد الإجارة، فإذا تلف
الفرد الخاص الذي عينه المالك ودفعه للمستأجر، لم تبطل الإجارة
بتلفه، ووجب على المؤجر أن يدفع له فردا غير التالف، سواء كان الفرد
التالف مضمونا على المستأجر أو على غيره أم لا.
[المسألة 103:]
إذا استأجر أحد أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، بأن يخيط له
291

ثوبا أو يصلح له آلة أو جهازا معينا، أو يجلد له كتابا، ودفع المستأجر
إليه العين التي استأجره للعمل فيها، ثم تلفت العين المذكورة بطلت
الإجارة، فإذا كان تلف الثوب أو الجهاز أو الكتاب قبل ابتداء العمل
به، رجعت الأجرة المسماة كلها إلى مالك العين وهو المستأجر، وإذا كان
التلف بعد أن قام الأجير بشئ من العمل وأنجزه رجع إلى المستأجر
ما قابل بقية العمل من الأجرة المسماة، ويستحق الأجير منها ما قابل
العمل الذي أنجزه، سواء كان تلف العين المذكورة سماويا أم كان
باتلاف أحد، ولا ينافي ذلك أن تكون العين مضمونة على المتلف في بعض
الصور، وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله تعالى.
[المسألة 104:]
إذا دفع المستأجر إلى الأجير العين التي استأجره للعمل فيها، فسلم
إليه الثوب ليخيطه أو الجهاز ليصلحه، أو الكتاب ليجلده، ثم أتلف
المستأجر نفسه العين التي دفعها إلى الأجير قبل العمل أو في أثنائه لم
تبطل الإجارة بذلك على الأقوى، وقد تقدم في المسألة السابعة والثمانين
وفي المسألة الثالثة والتسعين: إن الرجل إذا استأجر أجيرا ليعمل له
عملا، وهيأ الأجير نفسه وسلمها للمستأجر ليقوم له بالعمل، ولم
يستوف المستأجر منه منفعته وعمله، وهو مختار في عدم استيفائه
استحق عليه الأجير الأجرة المسماة.
ونتيجة لذلك فإذا كان الأجير قد سلم نفسه ليقوم بالعمل في الفرض
المذكور في المسألة استحق على المستأجر الأجرة ولم يسقط استحقاقه
باتلاف المستأجر للعين المذكورة.
وإذا أتلف المستأجر الثوب أو الجهاز أو الكتاب قبل أن يسلم الأجير
نفسه ويهيئها للعمل فالظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة فلا يستحق
الأجير على المستأجر شيئا.
[المسألة 105:]
إذا استأجر انسان من غيره دارا فانهدمت الدار أو انهدم بعض
292

بيوتها، ففي هذا الفرض صور نتعرض لها ولبيان أحكامها في ضمن
مسائل.
(الصورة الأولى): أن ينهدم جميع الدار المستأجرة حتى تسقط
بسبب انهدامها عن أن ينتفع بها أصلا في الجهة المقصودة بالإجارة،
والحكم في هذه الصورة هو بطلان الإجارة، وإن أمكن الانتفاع بالدار
في جهة أخرى غير الجهة المقصودة.
فإن حدث انهدام الدار كذلك قبل أن يقبضها المستأجر من مالكها
رجعت الأجرة المسماة كلها إلى المستأجر وكذلك الحكم إذا انهدمت الدار
بعد أن قبضها المستأجر وقبل أن يمضي عليها شئ من المدة وهي في يده
ليسكن فيها، أو قبل أن يصل الزمان الذي حدد للسكنى في العقد حين
تكون مدة السكنى منفصلة عن حين العقد، فتبطل الإجارة وترجع
الأجرة المسماة إلى المستأجر في هذه الفروض.
وإذا كان انهدام الدار بعد أن مضى شئ من مدة الإجارة وهي في
يد المستأجر بطلت الإجارة ورجع إلى المستأجر من الأجرة المسماة
بنسبة الباقي من المدة إلى مجموعها، فإذا كان الباقي نصف المدة مثلا
رجع إلى المستأجر نصف الأجرة، وإذا كان الباقي ثلاثة أرباع المدة
رجع إليه ثلاثة أرباع الأجرة وهكذا.
[المسألة 106:]
(الصورة الثانية): أن تنهدم الدار ولا تخرج بسبب انهدامها عن
الانتفاع أصلا، فيمكن أن ينتفع بها بعد انهدامها في الجهة المقصودة
بالإجارة ولكن بمرتبة ناقصة، فلا تبطل الإجارة بانهدام الدار في هذه
الصورة، بل يثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة، وأن يمضيها
بالأجرة المسماة وإذا هو اختار ففسخ الإجارة، فالحكم في الأجرة هو
ما ذكرناه في المسألة التاسعة والسبعين، فلتراجع.
[المسألة 107:]
(الصورة الثالثة): أن ينهدم بعض بيوت الدار بحيث يسقط ذلك
البعض المنهدم منها عن الانتفاع به مطلقا في الجهة المقصودة بالإجارة.
293

ويأتي في هذه الصورة الفرضان المتقدم ذكرهما في المسألة المائة
والخامسة، في انهدام جميع الدار، فقد يكون انهدام بعض بيوت الدار
على النحو المذكور، قبل أن يقبضها المستأجر، وبعد القبض بغير
فاصلة من الزمان، أو قبل أن يأتي الزمان المعين للسكنى في عقد
الإجارة، وقد يكون انهدام بعض بيوت الدار بعض مضي شئ من مدة
الإجارة، ولكن الفرضين هنا لا يختلفان في المهم من الحكم.
فإذا كان انهدام بعض بيوت الدار على أحد الوجوه الثلاثة الأولى،
بطلت الإجارة في البعض المنهدم من الدار، وصحت في البعض
الباقي غير المنهدم منها، بنسبة هذا البعض الباقي إلى مجموع
الدار، فإذا كان الباقي غير المنهدم نصف الدار صحت الإجارة فيه
بنصف الأجرة المسماة، وإذا كان الباقي ثلثي الدار صحت الإجارة فيه
بتلك النسبة من الأجرة، ويثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في
إجارة البعض الباقي غير المنهدم من الدار، فيجوز له فسخ هذه الإجارة
وامضاؤها بحصة هذا البعض من الأجرة.
وإذا كان انهدام بعض بيوت الدار في أثناء مدة الإجارة، بطلت
فيه كذلك، ورجع إلى المستأجر من حصة البعض المنهدم من الأجرة
بنسبة الباقي من المدة إلى مجموع المدة، فإذا كانت حصة البعض المنهدم
من الأجرة المسماة تساوي نصفها، وكان الباقي من المدة هو نصف
المدة، رجع إلى المستأجر نصف الحصة المذكور، وهو ربع الأجرة
المسماة، ويثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي
غير المنهدم من الدار.
[المسألة 108:]
(الصورة الرابعة): أن ينهدم بعض بيوت الدار، ولا يخرج ذلك البعض
المنهدم عن الانتفاع به بل يكون مما يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة
من الإجارة ولكن بمرتبة ناقصة، ولا تبطل الإجارة في هذه الصورة
ويكون للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة وأن يمضيها بالأجرة
المسماة وتراجع المسألة التاسعة والسبعون في ما يتعلق بالأجرة إذا هو
فسخ العقد.
294

[المسألة 109:]
إنما يكون انهدام الدار أو انهدام بعض بيوتها موجبا لبطلان الإجارة في
الجميع أو في البعض كما فصلناه في المسائل المتقدمة، إذا كان الانهدام
سببا لانعدام المنفعة المقصودة في نظر أهل العرف فإذا بادر مؤجر الدار
بعد انهدامها أو انهدام بعضها إلى تعمير ما انهدم منها، على نحو لا يفوت
بسبب مبادرته على المستأجر شئ من المنفعة المقصودة أصلا، أو على
نحو لا يفوت عليه شئ يعتد به من المنفعة، فالظاهر عدم بطلان الإجارة
في هذه الصورة، وعدم جواز الفسخ إذا كان المنهدم هو البعض.
ومن أمثلة ذلك أن يستأجر زيد الدار من مالكها في شهر محرم أو
صفر ليسكنها ستة أشهر من أول شهر ربيع الأول، ثم تنهدم الدار أو
ينهدم بعض بيوتها، ويبادر مالك الدار إلى عمارتها واصلاح ما انهدم
منها قبل أن يأتي أول مدة الإجارة وهو شهر ربيع الأول، فلا يفوت
على المستأجر شئ من المنفعة المقصودة، ومن أمثلة ذلك أن يستأجر من
المالك حانوتا أو محلا مدة معينة فينهدم الحانوت المستأجر أو المحل في
الليل، ويبادر مالكه إلى تعميره قبل أن يصبح الصبح، فلا يفوت على
المستأجر شئ من المنفعة، ومن أمثلة ذلك أن يستأجر الدار وفيها بيوت
يحتاج إليها في الصيف خاصة أو يحتاج إليها في الشتاء خاصة فينهدم
في أيام الشتاء البيت الذي يحتاج إليه في الصيف أو بالعكس، ويسارع مالك
الدار فيعمر البيت المنهدم قبل أن يصل زمان الحاجة إليه، ولا يفوت
على المستأجر شئ من المنفعة، فلا تبطل الإجارة في جميع هذه الصور
ولا يثبت للمستأجر حق الخيار.
وكذلك الحكم إذا بادر المالك بعمارة ما انهدم من الدار في هذه
الصور وأمثالها، وفات بسبب ذلك من المنفعة شئ قليل لا يعتد به في
نظر العقلاء، فلا تبطل الإجارة ولا يكون للمستأجر حق الخيار.
وإذا كان انهدام الدار أو انهدام بعضها يوجب فوت جميع المنفعة
بالفعل على المستأجر، أو يوجب فوت شئ معتد به من المنفعة بالفعل،
كانت الإجارة باطلة في الجميع أو في البعض من حين انعدام المنفعة،
295

ولا يجدي نفعا في تصحيح الإجارة أن يبادر المؤجر إلى تعمير المنهدم
بعد أن تحقق انعدام المنفعة وتحقق البطلان.
[المسألة 110:]
إذا وقع عقد الإجارة بين المالك والمستأجر، ملك المستأجر منفعة
العين التي استأجرها ملكا مستقرا من حين العقد، وملك المؤجر الأجرة
المسماة ملكا مستقرا من حين العقد كما ذكرنا في المسألة الثمانين، فإذا
تلفت العين المستأجرة أو تلف بعضها بطلت الإجارة بذلك، ورجعت
الأجرة كلها أو رجع بعضها إلى المستأجر حسب ما فصلناه في المسائل
المتقدمة، ورجوع الأجرة أو رجوع بعضها إلى المستأجر يكون من حين
بطلان الإجارة لا من أول الأمر، وقد تعرضنا لذلك ولدفع الاشكال
عنه في تعليقتنا على كتاب الإجارة من العروة الوثقى.
[المسألة 111:]
إذا أوقع الرجلان بينهما إحدى صور الإجارات الدارجة بين الناس
وجرت على ذلك معاملتهما فاستوفى المستأجر المنفعة واستلم المؤجر
مال الإجارة، ثم انكشف لهما إن الإجارة التي أوقعاها بينهما فاسدة
وجب على المؤجر أن يرجع الأجرة التي قبضها إلى المستأجر، وثبتت
للمؤجر أجرة المثل عن جميع ما استوفاه المستأجر من المنفعة، وعن كل
منفعة للعين فاتت تحت يده وكانت مضمونة عليه بتعد أو تفريط أو
اتلاف أو غير ذلك من موجبات الضمان.
وكذلك الحكم إذا كانت الإجارة على عمل من الأعمال ثم استبان
فسادها، فترجع الأجرة المسماة إلى مالكها وهو المستأجر، وتكون
للعامل عليه أجرة المثل عن عمله، ولا فرق في الحكم في الموردين بين أن
يكون المؤجر والمستأجر عالمين ببطلان الإجارة بينهما أو جاهلين به أو
كان أحدهما عالما وكان الآخر جاهلا.
وإذا علم بأن المالك متبرع بالمنفعة، أو بأن المستأجر متبرع بالأجرة،
أو بأن الأجير متبرع بالعمل، فلا ضمان على صاحبه باستيفائها.
وإذا كان فساد المعاملة من حيث إنهما قد أوقعا الإجارة بينهما بلا
296

عوض أو من حيث إنهما جعلا الأجرة فيها ما لا مالية له عرفا كالخنفساء،
فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالتصالح بينهما.
[المسألة 112:]
يجوز لمالك العين أن يؤجر جزءا مشاعا منها على أحد، فيؤجره
نصف داره المعينة أو نصف دكانه المعلوم، ويكون قبض الجزء المشاع
بقبض العين كلها بإذن المالك، ويكون المستأجر بعد العقد شريكا مع
المالك في منفعة العين، ويجوز لأحد الشريكين في العين أن يؤجر حصته
المشاعة منها، وإذا آجرها على أحد لم يجز له أن يسلم العين للمستأجر
إلا بإذن شريكه فيها.
وإذا سلمه إياها بغير إذن الشريك عصى بذلك وأثم وترتبت على
التسليم آثاره، وإذا آجره المالك حصته المشاعة من العين المشتركة كان
المستأجر شريكا مع المالك الآخر في منفعة العين.
[المسألة 113:]
يجوز أن يستأجر اثنان عينا شخصية واحدة، فيكونان شريكين في
منفعتها، سواء كانت العين لمالك واحد فيؤجرها لهما معا بعقد واحد
وأجرة واحدة، أو يؤجر أحدهما حصة مشاعة منها بعقد وأجرة، ثم
يؤجر الثاني الحصة الثانية بعقد آخر وأجرة أخرى، أم كانت لمالكين
فيؤجرانها عليهما بعقد واحد أو بعقدين.
[المسألة 114:]
إذا استأجر رجلان دارا مثلا، فاشتركا في منفعتها على أحد الوجوه،
جاز لهما أن يسكنا الدار معا بالتراضي بينهما، فيخصصا لكل واحد
منهما بعض بيوت الدار أو بعض الطبقات منها، أو يسكناها على نحو
الاشتراك في البيوت إذا أمكن لهما ذلك وصح كما إذا كانت عائلة كل
كل منهما من محارم الآخر، ويجوز لهما أن يقتسما الدار بالتعديل
في المساكن والقرعة كما يقتسم الشريكان الدار والعقارات المشتركة
بينهما، ويجوز لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاياة، فيسكن أحدهما في
الدار شهرا أو شهرين مثلا، ثم يسكن الآخر من بعده بقدر ما سكن الأول
297

وهكذا، ويجوز لهما إذا كانت الإجارة مطلقة أن يؤجر أحدهما حصته
للآخر فتكون النفعة كلها خالصة للمستأجر، ويجوز لهما أن يؤجرا
الدار على شخص آخر ويقتسما أجرتها بينهما بنسبة ما لكل واحد من
الحصة في منفعة الدار.
وإذا كانا قد استأجرا دابة للركوب ولم يمكن الترادف أو لم يصح،
أمكن لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاياة فيركبها أحد المستأجرين يوما أو
يومين مثلا، ثم يركبها الآخر بقدر ما ركبها الأول، ويمكن أن يقتسماها
بالمناوبة في الركوب فيركبها أحدهما فرسخا ثم يركبها الآخر فرسخا.
[المسألة 115:]
إذا آجر المالك الدار كلها لأحد مدة معينة، ثم تبين للمستأجر أن
نصف الدار التي استأجرها مملوكة لغير المؤجر، ولم يجز المالك الآخر
عقد الإجارة في حصته من الدار ثبت للمستأجر خيار الفسخ إذا كان
جاهلا بأن الدار مشتركة، فيجوز له أن يفسخ العقد ويسترد الأجرة
ويجوز له أن يمضي الإجارة في نصف الدار بنصف الأجرة المسماة.
[المسألة 116:]
إذا آجره المالك نصف الدار مدة معينة، فقبل المستأجر وهو يعتقد
إن النصف الآخر من الدار ملك للمالك نفسه فهو شريكه في المنفعة،
ثم علم أن النصف الآخر من الدار لمالك آخر، لم يثبت للمستأجر بذلك
خيار الشركة، وليس له حق الفسخ، إلا إذا كانت الشركة مع ذلك
المالك الآخر نقصا على المستأجر يوجب مهانته أو كانت توجب له غبنا
أو حرجا، فيجوز له الفسخ حين ذاك.
[المسألة 117:]
يجوز أن تكون مدة الإجارة منفصلة عن زمان العقد كما ذكرناه في
المسألة الثالثة والأربعين فيستأجر الرجل الدار من مالكها ليسكنها في
شهر رمضان المقبل، وهما في شهر رمضان الحاضر مثلا، ولا يمنع من
صحة ذلك طول المدة الفاصلة بين العقد ومدة الإجارة، ولا يمنع من صحة
298

ذلك أن تكون الدار مستأجرة بالفعل لشخص آخر، إذا كان تسليم
الدار مقدورا في الوقت المعين للسكنى.
[المسألة 118:]
يجوز للزوجة أن تؤجر نفسها للعمل عند أحد إذا كان العمل لا ينافي
حقوق الزوج الواجبة عليها، كحق الاستمتاع، وأن لا تخرج من بيته
إلا بإذنه، ولا يجوز لها أن تؤجر نفسها لما ينافي شيئا من حقوقه إلا
بإذنه، وإذا هي آجرت نفسها لشئ من ذلك بغير إذنه توقفت صحة
الإجارة على إجازة الزوج فإن أجازها صحت وإن لم يجزها بطلت.
[المسألة 119:]
إذا أذن الرجل لزوجته أن تؤجر نفسها للعمل في ما ينافي بعض
حقوقه، فأجرت نفسها كذلك أو هي آجرت نفسها للعمل فأجاز الزوج
إجارتها، فليس للزوج أن يرجع في إذنه أو يمنعها من العمل الذي
آجرت له نفسها ما دامت مدة الإجارة، فإذا انتهت المدة لم يجز لها العمل
بعد ذلك ولم يجز لها تجديد الإجارة عليه إلا بإذن الزوج أو إجازته.
[المسألة 120:]
لا يجوز للزوج أن يؤجر نفسه للعمل إذا كان منافيا لحق الزوجة
الواجب عليه في قسمة الليالي، ولا تصح الإجارة إلا بإذن الزوجة قبل
العقد أو إجازتها بعد العقد، وإذا هي أذنت له فآجر نفسه كذلك أو
أجازت إجارته بعد وقوعها لم يصح لها أن ترجع في إذنها أو إجازتها
فتطالب الزوج بحقها من الليالي ما دامت مدة الإجارة، فإذا انقضت
المدة لم يكن له البقاء في العمل أو تجديد الإجارة له إلا برضى الزوجة،
إلا إذا كانت قد أسقطت له حقها.
[الفصل الرابع]
[العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر]
[المسألة 121:]
إذا استأجر أحد من المالك عينا واستلمها منه ليستوفي منفعتها فالعين
299

أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إذا تلفت في يده أو تلف بعضها أو حدث
فيها عيب، إلا إذا تعدى المستأجر فتصرف في الأمانة بأكثر مما يقتضيه
الإذن الشرعي من التصرف، أو فرط فلم يصنها بما تصان به الأمانة،
فيكون ضامنا حين ذاك لما يحدث عليها من تلف أو عيب.
ومع عدم التعدي ولا التفريط منه، فلا ضمان عليه في شئ من
ذلك، سواء حدث التلف أو العيب في العين في أيام مدة الإجارة، أم
قبلها إذا كان قبضه إياها بإذن مالكها، أم حدث بعد انقضاء مدة
الإجارة إذا هو لم يفرط في تسليم العين إلى مالكها، بل كان معذورا
في تأخير التسليم إليه، أو كان قد أدى العين إلى مالكها بعد انتهاء مدة
الإجارة فأبقاها المالك في يد المستأجر فترة لبعض الأغراض.
[المسألة 122:]
إذا شرط المالك على المستأجر في ضمن العقد أن يكون ضامنا للعين
المستأجرة إذا تلفت أو تلف بعضها أو حدث فيها عيب وهي في يده وإن
ليتعد ولم يفرط فيها، فهل يصح من المالك هذا الشرط؟ يشكل الحكم
بصحته، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط ذلك.
ويصح للمالك أن يشترط على المستأجر أن يدفع له مقدارا معينا
من المال إذا تلفت العين في يده أو عابت ولا يكون هذا من اشتراط
الضمان، بل هو من اشتراط التعويض عن الخسارة.
[المسألة 123:]
إذا سلم المالك العين إلى المستأجر فقبضها منه وكانت الإجارة باطلة
لعدم توفر شروط الصحة فيها، والمستأجر لا يعلم ببطلان الإجارة،
ثم تلفت العين في يد المستأجر أو عابت، فالظاهر عدم ضمانه تلفها
وعيبها إذا هو لم يتعد ولم يفرط كما في الإجارة الصحيحة، سواء كان
المالك المؤجر عالما ببطلان الإجارة أم لا.
[المسألة 124:]
إذا استأجر المالك أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، فدفع إليه
ثوبا ليخيطه أو دفع إليه آلة ليصلحها أو دفع إليه فضة أو ذهبا ليصوغهما،
300

كانت العين المدفوعة إلى الأجير أمانة في يده كالعين المستأجرة فلا ضمان
على الأجير إذا تلفت تلك العين في يده أو حدث فيها عيب إلا إذا تعدى
الأجير أو فرط في الأمانة أو كان هو المتلف للعين أو العائب لها.
[المسألة 125:]
يجوز للمستأجر أن يشترط في ضمن العقد على الأجير أن يكون
ضامنا للعين التي دفعها إليه ليعمل فيها إذا هي تلفت في يده أو حدث
فيها عيب وإن لم يتعد ولم يفرط، فيشترط على الخياط أن يكون
ضامنا للثوب وعلى العامل أن يكون ضامنا للآلة التي أعطاه إياها
ليصلحها وعلى الصائغ أن يكون ضامنا للذهب والفضة اللذين دفعهما
إليه ليصوغهما فيجوز له هذا الشرط ويجب العمل به إذا اشترطه على
الأجير وقبل به، وليست هذه العين كالعين المستأجرة في الاشكال في هذا
الحكم.
[المسألة 126:]
يتحقق تسليم العمل باتمامه كما ذكرنا ذلك في المسألة الحادية
والثمانين، فيجوز للعامل بعد اتمام العمل أن يطالب المستأجر بأجرة
عمله، وإن لم يدفع إليه العين التي أتم العمل فيها، فلم يدفع إليه
الثوب الذي خاطه له والآلة التي أصلحها والخاتم أو القرط الذي
صاغه، بل وإن تلفت العين بعد اتمام العمل فيها من غير تعد ولا تفريط
من الأجير ولم يكن هو المتلف لها.
[المسألة 127:]
إذا أتلف الخياط الثوب بعد أن أكمل خياطته، أو أتلف الأجير الكتاب
بعد أن أتم تجليده أو أتلف الآلة بعد أن أتم اصلاحها، ضمن للمالك
المستأجر قيمة الثوب مخيطا وقيمة الكتاب مجلدا، وقيمة الآلة صالحة،
واستحق هو على المستأجر الأجرة المسماة لعمله الذي أتمه له.
[المسألة 128:]
إذا أتلف العين المذكورة شخص ثالث بعد أن أتم الأجير عمله
فيها ضمن الشخص المتلف للمالك قيمة العين بعد العمل، فيضمن
301

للمالك قيمة الثوب تام الخياطة، وقيمة الكتاب مجلدا وقيمة الآلة
صالحة، كما تقدم في ضمان الأجير، ولم تسقط بذلك الأجرة المسماة
عن المستأجر فيلزمه دفعها للعامل وفاءا بالإجارة، وقد تقدم في المسألة
التاسعة والتسعين حكم ما إذا أتلف المستأجر العين بعد أن أتم العامل
عمله فيها.
[المسألة 129:]
الأقوى إن المدار في ضمان العين المضمونة على قيمتها يوم تلفها،
لا على قيمتها يوم الأداء ولا على أعلى القيم بين اليومين.
[المسألة 130:]
إذا استأجر الشخص أحدا لحمل متاع على ظهره أو على دابته أو في
سيارته إلى مكان معين بأجرة معينة، فحمل الأجير المتاع إلى المكان المعين،
ثم أتلفه بعد وصوله أو تلف المتاع وقد تعدى الأجير أو فرط في الأمانة،
كان الأجير ضامنا للمستأجر قيمة المتاع في ذلك المكان، واستحق الأجير
على المستأجر أجرته المسماة له في حمل المتاع.
[المسألة 131:]
إذا استأجر أحد أجيرا لعمل من الأعمال، فأفسد الأجير في عمله
كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه. ومثال ذلك
أن يستأجر خياطا ليخيط له ثوبا أو ليفصله، فيفسد الخياط الثوب،
أو يستأجر نجارا ليصنع له بابا فيفسد النجار الباب، أو يستأجر عاملا
ليصلح له بعض الأدوات أو الآلات أو الأجهزة فيفسد العامل ذلك الشئ،
وكما إذا جنى الحجام في حجامته والبيطار في معالجته الدابة، وهكذا
كل عامل يستأجر لعمل معين، فيفسد في عمله، يكون ضامنا لما أفسده،
إذا هو تجاوز الحد المأذون فيه في ذلك العمل.
والحد المأذون فيه هو القدر المتعارف والمتبع بين أهل الخبرة وأهل
المعرفة بذلك الأمر، فإذا تجاوز العامل هذا القدر كان ضامنا لما يحدث
في عمله من فساد، وإذا لم يتجاوز الحد المأذون فيه لم يبعد القول بعدم
ضمانه لذلك.
302

[المسألة 132:]
إذا استأجر الشخص أحدا ليذبح له حيوانا، فذبحه على وجه أوجب
تحريم لحمه، كان الذابح ضامنا لقيمة الحيوان حيا، سواء كان الذابح
قصابا أم لا، وكذلك إذا تبرع له أحد فذبح الحيوان وحرم لحمه، فإنه
يكون ضامنا والمتبرع كالأجير للعمل في الحكم المذكور، فإذا أفسد المتبرع
في عمله كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه في جميع
الفروض المتقدمة والآتية.
[المسألة 133:]
إذا استأجر الانسان خاتنا ليختن ولده، فأفسد الخاتن في ختانه،
فقطع الحشفة مثلا أو قطع بعضها، أو تعدى عن موضع القطع، كان
ضامنا لما أفسد مع تجاوزه عن الحد المأذون فيه في الختان وإذا هو لم
يتجاوز في عمله عن الحد المأذون فيه فتحرك الطفل مثلا أو اضطرب
من غير تقصير من الخاتن أو المساعد فلا يبعد عدم ضمانه كما تقدم
في نظائره.
وهذا في غير الفساد المؤدي إلى تلف النفس، وإذا أدى إلى ذلك فالظاهر
هو الضمان.
بل الظاهر الضمان في الختان مع عدم التجاوز عن الحد المأذون فيه،
إذا كان الخاتن جراحا بصيرا يعتمد عليه في اجراء هذه العمليات وفي
تمييز ما يضر منها مما لا يضر، فيكون هذا الجراح ضامنا لما يحدث في
ختانه من فساد وإن لم يبلغ افساده إلى تلف النفس، كما إذا قطع
الحشفة أو بعضها، أو جرح الطفل جرحا مضرا أو سبب له حدوث
قرحة، ونحو ذلك، إلا مع التبرؤ من الضمان على النحو الذي سنذكره
في تبرؤ الطبيب من الضمان، والمتبرع كالأجير في كل ذلك.
[المسألة 134:]
الظاهر أن الطبيب وإن كان حاذقا يضمن ما يفسده إذا كان في
مقام العلاج للمريض ولو بالتسبيب، وكان أقوى في التأثير من المباشر
في حدوث الفساد، سواء باشر علاج المريض بنفسه، فزرق الإبرة في
بعض أوردته مثلا أو أجرى له بعض العمليات، أو سلط عليه بعض
303

الأجهزة، أم لم يباشر ذلك بنفسه فأمره بشرب الدواء أم وصفه له أم
قال له وهو في مقام العلاج وبعد أن شخص الداء، الجرعة المعينة من
الدواء الفلاني نافعة من هذا المرض، أو قال له: لا أرجح على استعمال
هذا المستحضر شيئا، أو قال لو كنت مريضا أو كان بعض أهلي مصابا
بهذا المرض لعالجته باستعمال هذه الجرعة، أو غير ذلك مما يعين فيه
الداء ويرجح له تناول الدواء المعين ويذكر له مقاديره ومواعيده،
فإذا حصل الفساد بشئ من ذلك كان الطبيب ضامنا لما حصل، والمتبرع
كالأجير في كل ذلك.
[المسألة 135:]
لا يضمن الطبيب ما يحدث، إذا لم يكن في مقام المعالجة للمريض
والكشف عن دائه، فذكر دواء لمرض يشبه مرضه، فاستعمله المريض
وأوجب لمضاعفة في المرض أو تلفا، ولا يضمن الطبيب ما يحدث
إذا شخص داء المريض وعين له الدواء، فأخذ المريض منه أكثر من
المقدار الذي وصفه الطبيب، أو استعمل معه دواء آخر لم يصفه
الطبيب، ولا يضمن الطبيب ما يحدث إذا عين للمريض دواء خاصا،
فأعطاه الصيدلاني دواء غيره ذكر أنه عوض عن ذلك الدواء أو أنه أنفع
منه في معالجة المرض، فاستعمله ولم يرجع إلى الطبيب.
[المسألة 136:]
إذا تبرأ الطبيب قبل المعالجة من الضمان، وقبل المريض إذا كان
رشيدا مختارا، أو قبل ولي المريض إذا كان قاصرا، ببراءة الطبيب،
ولم يقصر الطبيب في بذل جهده وطاقته في الكشف وفي المعالجة فإنه
يبرأ من التبعة بذلك، فلا ضمان عليه في ما يحدث بمعالجته من فساد
أو تلف.
وكذلك الحكم في البيطار إذا تبرأ مما يحدث في معالجة الحيوان،
وفي الخاتن الجراح إذا تبرأ من التبعة في ختان المختون، فلا يكون عليهما
ضمان إذا أفسد في عملهما.
[المسألة 137:]
إذا حمل الحمال المتاع أو الشئ على ظهره أو رأسه، فعثر في
304

طريقه وسقط ما يحمله على الأرض وانكسر كان الحمال ضامنا للشئ
الذي أتلفه، وإذا وقع ما يحمله على شئ آخر فكسره أو أتلفه كان له
ضامنا، وإذا تلفا معا ضمنهما معا.
[المسألة 138:]
إذا حمل الحمال المتاع أو الشئ على ظهر دابته، فعثرت الدابة في
مسيرها ووقع الشئ المحمول على الأرض فتحطم وتلف أو حدث به عيب،
لم يضمن صاحب الدابة شيئا من ذلك. وإذا كان صاحبها هو السبب
في عثرتها كما إذا ساقها بعنف أو ضربها أو نخسها أو حملها على السير
في مزلق أو في طريق كثير الحفر والعقبات، فعثرت لذلك وتحطم ما على
ظهرها كان ضامنا لما حدث، وإذا كان السبب في عثرة الدابة ووقوع
المتاع انسان آخر كان ذلك الانسان هو الضامن، وإذا كان السبب
حيوان آخر فلا ضمان.
[المسألة 139:]
إذا أتى الرجل إلى الخياط بقطعة من القماش، وقال له: إن كانت
هذه القطعة تكفيني قميصا، ففصلها لي قميصا، فقطعها الخياط
وفصلها، ثم ظهر إن القطعة لا تكفي لذلك، فالظاهر أن الخياط ضامن
للمال بهذا التصرف، فإن المالك إنما أذن له بتفصيل القطعة إذا كانت
كافية للقميص فيكون إذنه له بالتصرف مقيدا بذلك، وإذا لم تكف
لذلك فلا إذن من المالك، ويكون الخياط ضامنا بتصرفه.
وإذا سأله المؤجر: هل تكفي هذه القطعة لي قميصا، فقال الخياط
نعم، فقال له ففصلها لي قميصا، ففصلها الخياط ثم ظهر أنها لا تكفي،
فالحكم بالضمان أو بعدمه في هذا الفرض موضع اشكال وتردد، ولا بد
فيه من مراعاة الاحتياط
[المسألة 140:]
إذا آجر المالك عبده المملوك له لبعض الأعمال فأفسد العبد في عمله،
فالظاهر أن الضمان يكون على العبد في كسبه، سواء كان افساده
بتفريط منه أم بغير تفريط، فإذا لم يف كسب العبد بذلك اتبع به بعد
305

أن يعتق، ولا ضمان على مولاه. وكذلك الحكم إذا آجر العبد نفسه بإذن
مولاه لبعض الأعمال، فأفسد في عمله.
وهذا كله إنما هو في ضمان الأموال والأعيان إذا أتلفها العبد أو
أحدث فيها نقصا أو عيبا، وإذا كانت جناية العبد على إنسان فقتله
أو جرحه أو جنى عليه في عضو من أعضائه أو جارحة من جوارحه،
فللمسألة تفاصيل تذكر في مواضعها من كتاب الديات وكتاب القصاص،
ولم نتعرض لها هنا لكونها ليست موضعا للابتلاء وإن كان أصل المسألة
كذلك.
[المسألة 141:]
إذا استأجر الشخص من أحد سفينة أو دابة أو سيارة، فحملها مالا
إلى مكان معين، فسرق المال المحمول فيها أو تلف كله أو بعضه، فلا ضمان
على صاحب السفينة أو الدابة أو السيارة إذا هو لم يتعد ولم يفرط
في أمانته.
ويجوز للمستأجر أن يشترط عليه في ضمن العقد ضمان المال إذا
سرق منه شئ أو تلف أو نقص، فإذا شرط عليه ذلك وقبل بالشرط
وجب الوفاء به، فإذا تلف من المال شئ أو سرق أو حدث فيه عيب،
وجب على المؤجر أن يؤدي للمستأجر قيمة ما نقص أو سرق، وأرش
ما عاب.
[المسألة 142:]
لا يجوز لمستأجر الدابة للحمل، أن يحمل عليها أكثر مما يتعارف
حمله على أمثالها، وإذا اشترط مؤجر الدابة عليه في ضمن العقد أن
لا يزيد في حملها على مقدار معين من الأمتعة، لم يجز له أن يتجاوز
عن ذلك المقدار وإذا زاد في حملها على المقدار المتعارف في الصورة الأولى،
وعلى المقدار المشترط في الصورة الثانية وجب عليه أن يدفع للمؤجر
الأجرة المسماة بدلا للمقدار المتعارف الذي حملها إياه، وأجرة المثل
للزيادة التي أضافها ووجب عليه أن يدفع للمؤجر مع ذلك قيمة الدابة
إذا عطبت، وأرش النقصان إذا حدث فيها عيب بسبب ذلك، وقد تقدم
إن المدار على القيمة في يوم التلف.
306

[المسألة 143:]
إذا استأجر الرجل دابة ليحمل متاعه عليها إلى مكان معين، أو
ليركبها إلى ذلك المكان فلا يجوز له أن يتجاوز بها إلى أبعد من موضع
الإجارة، وإذا هو فعل ذلك وجب عليه أن يدفع للمؤجر الأجرة المسماة
إلى المكان المعين، ووجب عليه أن يدفع له أجرة المثل للمقدار الزائد
من المسافة، ووجب عليه مع ذلك أن يدفع للمؤجر قيمة الدابة إذا
عطبت بسبب ذلك، وأن يدفع له أرش النقصان إذا عابت.
[المسألة 144:]
يجوز لمستأجر الدابة للركوب أو للحمل أن يضربها إذا وقفت أو
تباطأت في سيرها أو حرنت ويجوز له أن يكبحها باللجام ونحوه إذا
أسرعت، إذا كان الضرب أو الكبح بالمقدار المتعارف في سوق الدابة
وزجرها، ولا تجوز له الزيادة على ذلك، وإذا زاد في ضربها أو كبحها
على المقدار المتعارف كان ضامنا لما يحدث على الدابة بسبب ذلك، وإذا
هو لم يزد على المتعارف، فاتفق أن حدث للدابة بسبب الضرب أو
الكبح المتعارف تلف أو نقص، فلا ضمان فيه على الأقوى.
وإذا شرط مالك الدابة على المستأجر في ضمن العقد أن لا يضربها
ولا يكبحها حتى على النحو المتعارف لم يجز له ذلك، فإذا خالف الشرط
فضربها أو كبحها على النحو المتعارف كان ضامنا لما يحدث عليها بسبب
ذلك وإذا منعه المالك عن الضرب والكبح المتعارف ولم يشترطه في
العقد فالظاهر أنه لا يكون بذلك محرما ولا سببا للضمان.
وإذا استأجر السيارة للركوب والتنقل فيها، على أن يكون المستأجر
أو سائقه هو الذي يتولى قيادتها، لم يجز له أن يتعدى عن الحد المتعارف
في سرعة السير وفي حمل الأمتعة فيها إلا مع اشتراط ذلك أو رضى المالك
به، وإذا تجاوز عن الحد من غير شرط منه ولا رضى من المالك كان
ضامنا لما يحدث فيها وكذلك في طول فترة المسير إذا كان ذلك مما يضر
بالسيارة، فلا يجوز الخروج عن المتعارف فيها إلا مع الشرط من المستأجر
أو رضى المالك.
307

[المسألة 145:]
يجوز للانسان أن يستأجر أحدا لحراسة أمواله أو مكتبه أو متجره
أو حراسة داره أو بستانه عن السرقة أو التعدي من الآخرين، ولحراسة
نفسه وعائلته من بعضه المخاوف الأخرى التي يمكن الاحتراز عنها،
ويطلب فيها الأمن.
ويجوز أن يستأجر الشخص أو الأشخاص حراسا لجملة من الدور
والمحلات والحوانيت والمتاجر، في شارع أو سوق أو محلة أو منطقة،
ولا بد من تعيين حدود الحراسة وموضعها ومواقيتها، ومدة الإجارة
والأجرة وأقساطها إذا كانت مقسطة.
[المسألة 146:]
لا يضمن الحارس إذا سرق المال أو الدار أو البستان الذي استؤجر
لحفظه، أو حدثت سرقة أو تعد في الموضع الذي استؤجر لحراسته،
إلا مع التقصير في الحراسة والحفظ، والظاهر أن غلبة النوم على الحارس
من التقصير، فإذا غلبه النوم فحدثت السرقة كان ضامنا.
وكذلك إذا اشترط المستأجر على الحارس في ضمن عقد الإجارة أن
يكون ضامنا لما يحدث في موضع حراسته وفي أوقاتها من سرقة ونحوها،
فإذا قبل بالشرط كان ضامنا لما يحدث من ذلك، أو اشترط عليه
كذلك أن يؤدي من ماله قيمة ما يسرق من الأموال التي استؤجر لحفظها،
فإذا قبل بالشرط وجب عليه الوفاء به.
[المسألة 147:]
إذا استؤجر الرجل لحفظ المال وحراسة الدار أو الدور فحدثت
السرقة في مجال حراسته فالظاهر أنه لا يستحق الأجرة المسماة له في عقد
الإجارة، لعدم حصول العمل الذي استؤجر عليه وهو الحفظ والحراسة
سواء كان مقصرا في علمه أم لا.
[المسألة 148:]
إذا استناب الحارس غيره ليقوم بدوره في الحراسة، فحدثت السرقة
في أثناء ذلك، فإن كان المستأجر قد اشترط عليه في ضمن العقد أن
308

يتولى الحراسة بنفسه كان ضامنا للمال المسروق لتقصيره وعدم
وفائه بالشرط، وكذلك إذا كان الذي استنابه في الحراسة ممن لا يوثق
بقيامه بالدور فيكون ضامنا وإذا كانت إجارته مطلقة سواء باشر
الحراسة بنفسه أم استناب فيها وكان من استنابه ممن يوثق بحراسته،
جاز له ذلك ولا يكون ضامنا مع عدم التقصير.
[المسألة 149:]
الثياب التي ينزعها أهلها في المسلخ عند دخولهم إلى الحمام لا تكون
وديعة عند صاحب الحمام ولذلك فلا يكون صاحب الحمام ضامنا لها
إذا سرقت أو تلفت أو أصابها عيب أو سرق ما فيها من مال أو غيره،
إلا إذا كان حدوث ذلك بفعل منه أو تسبيب. وإذا أودعها أصحاب
الثياب عند صاحب الحمام وقبل الوديعة أصبحت أمانة عنده، ولا
يضمنها إذا سرقت أو سرق ما فيها أو تلفت أو عابت، إلا إذا تعدى أو
فرط في الأمانة، وإذا اشترط أصحاب الثياب عليه ضمانها وقبل
بالشرط، ففي نفوذ هذا الشرط وثبوت الضمان عليه اشكال إذا هو
لم يتعد ولم يفرط في الوديعة.
[المسألة 150:]
إذا استؤجر صاحب الحمام لحفظ الثياب المتروكة من أهلها في المنزع
وقبل الإجارة كانت الثياب أمانة في يده، فيضمنها إذا تعدى أو فرط
أو قصر في حراستها، ويضمنها كذلك إذا شرط عليه في عقد الإجارة
أن يكون ضامنا لها عند التلف أو السرقة أو حدوث العيب، وقبل
الشرط.
[الفصل الخامس]
[مدار الإجارة أن يملك المؤجر المنفعة وإن لم يملك العين]
[المسألة 151:]
تصح الإجارة من الشخص إذا كان مالكا للمنفعة وإن لم يكن مالكا
للعين ذات المنفعة، ومن أمثلة ذلك أن يملك منفعة العين بإجارة مطلقة،
أو يملكها بصلح، أو هبة، بناء على ما هو المختار من صحة هبة المنافع،
309

ومن أمثلة ذلك أن يملك المنفعة ثمنا لمبيع قد باعه، وأن تملك المرأة
المنفعة صداقا لها في زواجها، وأن يملكها الرجل من زوجته عوضا في
خلع أو مباراة، وأن يملكها الشخص بوصية من أحد له بالمنفعة أو وقف
على أن تكون منفعة العين الموقوفة ملكا له، فإذا ملك المنفعة بأحد هذه
الوجوه أو غيرها ولم يملك العين، جاز له أن يؤجر تلك المنفعة لغيره
مدة معينة فيملكها إياه وتصح الإجارة منه إذا تمت شروطها، سواء
كان المستأجر منه هو المؤجر الأول الذي ملكه المنفعة أم غيره.
[المسألة 152:]
الواجب في الإجارة هو تسليم المنفعة المقصودة للمستأجر ليستوفيها
بعد ما ملكها بالعقد، وأما العين المستأجرة فإنما يجب على المؤجر
تسليمها للمستأجر إذا توقف عليه استيفاء المنفعة، كما إذا آجره الدار
للسكنى، فإن سكنى الدار لا يمكن أن يتحقق بدون تسليم الدار المعينة
للمستأجر للكون والإقامة فيها، وكما إذا آجره الحانوت والمخزن لحفظ
البضائع، وعرضها والبيع والشراء فيهما، فإن استيفاء هذه المنافع
لا يكون إلا بعد تسلم الحانوت والمخزن من مالكهما واستعمالهما في
الوجه المقصود، وكما إذا استأجر الرجل أدوات الخياطة أو آلات
النساجة أو النجارة أو الحدادة للانتفاع بها في عمله، فإن استيفاء
منفعة هذه الأدوات والآلات لا يمكن أن يكون إلا بعد تسليم المؤجر إليه
هذه الأعيان ليدير بها عمله، فيكون تسليم العين المستأجرة واجبا على
المؤجر في هذه الفروض وأمثالها.
وإذا لم يتوقف استيفاء المنفعة على تسليم العين، وأمكن أن يستوفي
المستأجر منفعته المقصودة والعين المستأجرة بيد مالكها أو بيد من ينوب
عنه، لم يجب على المؤجر تسليم العين إليه، كما إذا استأجر السيارة أو
السفينة، أو الدابة للركوب، فإن من الممكن أن يركب المستأجر السيارة
ويتنقل فيها وهي بيد مالكها أو من ينوب عنه ويكون هو المتولي لقيادتها
كما هو المتعارف، وكذلك السفينة والدابة ووسائل النقل الأخرى،
وكما إذا استأجر الدار لمنفعة يمكن استيفاؤها والدار بيد مالكها،
كما يستأجر النزلاء والمسافرون الفندق للنزول والمبيت، والاستراحة
310

فيه، وهو في يد ملكه، فلا يجب على المؤجر تسليم العين المستأجرة في
هذه الفرض وأمثالها إلا إذا اشترط المستأجر على المالك تسليم العين،
فيجب عليه تسليمها عملا بالشرط.
[المسألة 153:]
إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة، وملك المنفعة،
وكانت الإجارة مطلقة فلم تقيد الإجارة بأن يكون المستأجر هو الذي
يستوفي منفعة العين بنفسه، جاز للمستأجر - وهو زيد - أن يؤجر
العين على غيره ويملكه المنفعة التي ملكها بالإجارة الأولى، كما تقدم
بيانه، فإذا آجرها على عمرو مثلا وجب عليه أن يسلم المنفعة التي
آجرها إلى عمرو بعد أن ملكه إياها.
فإن كان استيفاء المنفعة يتوقف على تسليم العين المستأجرة كما في
مثال إجارة الدار للسكنى، وجب على المؤجر الثاني وهو زيد أن يسلم
العين المستأجرة إلى عمرو ليستوفي المنفعة التي ملكها، وإن لم يأذن له
مالك الدار بتسليمها إليه، ولا يكون بسبب ذلك ضامنا للعين إذا تلفت
أو حدث فيها عيب.
نعم لا يجوز لزيد أن يسلم العين إلى عمرو إلا إذا كان أمينا، وإذا
فرط زيد في ذلك فسلم العين إلى المستأجر الثاني ولم يكن أمينا كان
ضامنا للعين بسبب هذا التفريط فيجب عليه دفع قيمتها لمالكها إذا
تلفت ويجب عليه دفع أرش نقصانها إذا حدث فيها عيب.
[المسألة 154:]
إذا استأجر زيد العين من مالكها إجارة مطلقة، ثم أجرها زيد على
مستأجر غيره، وكان استيفاء المنفعة من العين لا يتوقف على تسليم
العين، وقد مثلنا لذلك بإجارة السيارة والسفينة والدابة للركوب،
صحت الإجارة الثانية كما تقدم ووجب على زيد تسليم المنفعة إلى من
استأجرها منه، ولم يجز له أن يسلم العين إليه، بل يستوفي المستأجر
الثاني المنفعة من العين وهي بيد مالكها أو من ينوب عنه كما ذكرنا.
وإذا كان المستأجر الأول وهو زيد قد اشترط على المالك أن يسلمه
العين، وجب على المالك أن يسلمها إلى زيد كما شرط له، ولم يجز لزيد
أن يسلمها بعد أن يقبضها إلى من استأجرها منه إلا برضى المالك وإذنه
وإذا سلمها إليه بغير إذن المالك كان ضامنا.
وإذا اشترط المستأجر الثاني على مؤجره وهو زيد أن يسلمه العين
كان هذا الشرط باطلا.
وإذا كان زيد قد اشترط على المالك في الإجارة الأولى أن يسلمه
311

العين ويسلمها لمن يستأجرها منه صح الشرط ووجب العمل به.
[المسألة 155:]
إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة وكانت الإجارة مقيدة
بأن يكون زيد هو الذي يستوفي منفعة العين بنفسه، فلا يجوز في هذه
الصورة لزيد أن يؤجر العين من غيره وإذا آجرها منه كانت هذه الإجارة
باطلة، ولا تصح إلا إذا أجازها مالك العين.
فإذا آجر زيد العين - في هذه الصورة - على عمرو، ولم يجز مالك
العين إجارته، واستوفى عمرو، وهو المستأجر من زيد منفعة العين،
فالظاهر وجوب دفع الأجرة المسماة لمالك العين على زيد وهو الذي
استأجر العين منه، وذلك بمقتضى عقد الإجارة بينهما، ويجب على
عمرو وهو المستأجر الثاني للعين، أن يدفع لزيد - وهو المستأجر
الأول لها - قيمة المثل للمنفعة التي استوفاها فأتلفها عليه، فإن زيدا
قد استحق المنفعة بالإجارة من المالك، فيلزم عمرا ضمانها، وإذا كان
ما استوفاه عمرو من المنفعة أكثر مما استحقه زيد بإجارته الأولى من
المالك، وجبت للمالك أجرة المثل عن هذه الزيادة، فإذا أخذها المالك
من عمرو وهو الذي استوفاها، وكان عمرو جاهلا مغرورا من المستأجر
الأول وهو زيد رجع عليه بما غرمه للمالك وهو أجرة المثل للزيادة.
[المسألة 156:]
إذا آجر المالك عينا يملكها من شخص، وقيد الإجارة بأن يكون
مستأجر العين هو الذي يستوفي منفعتها بنفسه، لم يجز للمستأجر أن
312

يؤجر العين من غيره، وإذا هو آجرها كذلك كانت هذه الإجارة باطلة
كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.
والحكم ببطلان الإجارة الثانية في هذه الصورة يختص بما إذا كانت
هذه الإجارة على الغير منافية للقيد المأخوذ في عقد الإجارة الأولى، فإذا
كانت الإجارة الثانية لا تنافي قيد الإجارة الأولى فهي صحيحة.
ومثال ذلك كما أفاده بعض الأكابر أن يؤجر المالك داره على
امرأة، ويقيد إجارته بأن تكون المرأة هي التي تسكن الدار المستأجرة
بنفسها، ثم تتزوج المرأة المذكورة بعد استئجارها الدار، فيكون
اسكانها واجبا على زوجها لأنه من نفقتها الواجبة عليه، فإذا احتاج
الزوج إلى دار لاسكان زوجته المذكورة فيها، جاز للمرأة أن تؤجر
زوجها الدار المتقدم ذكرها لتسكنها بنفسها وتصح الإجارة عليه لأنها
لا تنافي قيد الإجارة الأولى من المالك.
ويجري مثل ذلك في بقية الأفراد الذين تجب نفقتهم على الشخص،
فإذا استأجر الرجل دارا ليسكنها بنفسه وقيد المالك الإجارة بذلك،
وكان الرجل المستأجر للدار واجب النفقة على ولده، وأراد الولد دارا
يسكن فيها أباه، صح للأب أن يؤجر ولده الدار المتقدم ذكرها لاسكانه
بنفسه، وهكذا في الأم والولد.
[المسألة 157:]
إذا آجر المالك العين من أحد، واشترط عليه في ضمن العقد أن
لا يؤجر العين من آخر، وقبل المستأجر بالشرط، لم يجز للمستأجر أن
يؤجر العين من غيره، وإذا خالف الشرط فأجرها من أحد كانت هذه
الإجارة باطلة، وإذا استوفى المستأجر الثاني منفعة العين، فالحكم في
الضمان نظير ما تقدم في المسألة المائة والخامسة والخمسين.
وكذلك إذا اشترط المالك على المستأجر في ضمن العقد أن يستوفي
المنفعة بنفسه لنفسه ومثله ما إذا انصرف العقد إلى اعتبار المباشرة في
استيفاء المنفعة لقرينة عامة أو خاصة تقتضي ذلك، فيكون هذا الانصراف
بحكم الشرط في ضمن العقد، فلا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين من غيره
313

وإذا آجرها كانت هذه الإجارة باطلة، ويجري الحكم المشار إليه في
المنفعة إذا استوفاها المستأجر الثاني.
[المسألة 158:]
إذا استأجر الانسان عينا خاصة من مالكها إجارة مطلقة على النحو
المتقدم بيانه ولم يشترط المالك عليه في العقد أن يستوفي المنفعة بنفسه
ولم ينصرف العقد إلى اعتبار المباشرة في ذلك بقرينة عامة أو خاصة
تدل عليه، جاز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بما يساوي الأجرة
المسماة التي استأجر العين بها، وبأقل منها، ويجوز أن يؤجرها بأكثر
منها على الأقوى، سواء كان قد أحدث في العين حدثا كما إذا بيض الدار
أو صبغها أو أنشأ فيها بعض المرافق أو المجاري أم لم يحدث فيها شيئا،
وسواء كانت الأجرة التي يطلبها من جنس الأجرة الأولى أم من غير
جنسها، فيجوز له ذلك في الجميع عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية
إن شاء الله تعالى.
[المسألة 159:]
إذا استأجر الانسان من المالك بيتا أو دارا أو دكانا، أو استأجر
أجيرا، وكانت الإجارة مطلقة كما تقدم في المسألة السابقة جاز له أن
يؤجرها بما يساوي الأجرة السابقة، وبأقل منها، ولا يجوز له أن
يؤجرها بأكثر منها، وإن كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة،
والأحوط لزوما الحاق الرحى والسفينة بالأعيان الأربع المذكورة في
الحكم، فلا يؤجرهما بأكثر من أجرتهما السابقة.
والأحوط استحبابا أن لا يؤجر مطلق الأعيان بأكثر من الأجرة
المسماة التي استأجرها بها إلا إذا أحدث فيها حدثا.
[المسألة 160:]
إذا استأجر أرضا وكانت الإجارة مطلقة كما تقدم، جاز له أن
يؤجر الأرض بأقل مما استأجرها به وبما يساويه على الأقوى ويجوز
أيضا بأكثر منه على كراهة.
314

[المسألة 161:]
إذا استأجر الانسان بيتا أو دارا أو دكانا أو أجيرا بأجرة معينة على
النحو المتقدم، جاز له أن يؤجر بعض البيت أو بعض الدار أو بعض
الدكان، بأقل من الأجرة المعينة وبما يساويها، فإذا كان قد آجر الدار
بعشرة دنانير مثلا جاز له أن يؤجر بعض الدار من غيره بعشرة دنانير،
وبأقل منها ولم يجز له أن يؤجر البعض بأكثر من العشرة، إلا إذا كان
قد أحدث في العين المستأجرة حدثا، وهكذا إذا آجر الدار أو البيت أو
الدكان بعشرة دنانير فسكنها بعض المدة ثم أراد أن يؤجرها في بقية
المدة، فيجوز له أن يؤجرها بأقل من الأجرة المسماة وبما يساويها
ولا يجوز له أن يؤجرها بأكثر منها إلا إذا أحدث فيها شيئا.
وكذلك الحكم في الأجير، فإذا أراد أن يؤجره للعمل عند غيره في بعض
المدة أو لبعض العمل، فيجوز له أن يؤجره بالأقل وبالمساوي ولا يجوز
بالأكثر، والأحوط لزوما الحاق السفينة بالمذكورات في هذا الحكم.
[المسألة 162:]
إذا استأجر الرجل أحدا لعمل معين بأجرة معينة، ولم يشترط عليه
في ضمن العقد أن يكون هو المباشر للعمل بنفسه، ولم ينصرف العقد
إلى اعتبار مباشرة الأجير للعمل بقرينة عامة أو خاصة تدل على ذلك،
جاز للأجير أن يستأجر شخصا غيره للاتيان بذلك العمل، إذا كانت
أجرة الشخص الذي يستأجره مساوية لأجرته هو المسماة له من المالك، أو
أكثر منها، ولا يجوز له أن يؤجره بأقل منها، إلا إذا قام الأجير الأول
ببعض العمل وإن كان قليلا، فيجوز له في هذه الصورة أن يستأجر غيره
ليتم العمل بأقل من الأجرة المسماة له من المالك، وكذلك إذا غرم
الأجير الأول من ماله شيئا على العمل، فيجوز له ذلك أيضا.
ومثال الأول أن يستأجر المالك الخياط لخياطة ثوبه، فيفصل
الخياط الثوب أو يخيط منه قليلا ثم يستأجر غيره ليتم خياطة الثوب
بأقل من الأجرة التي دفعها له المالك، فيصح له ذلك.
ومثال الثاني أن يشتري الخياط من ماله أو يستأجر بعض اللوازم
315

التي يحتاج إليها في خياطة الثوب في المثال المتقدم ذكره ثم يستأجر غيره
ليقوم بخياطة الثوب بأقل من الأجرة فيصح له ذلك إذا دفع ما اشتراه
أو استأجره بماله إلى أجيره ليخيط به الثوب وكان مما يصدق معه
الغرامة عرفا.
[المسألة 163:]
إذا استؤجر الأجير للقيام بعمل معين بأجرة معينة، ولم يشترط
عليه المباشرة للعمل، ولا انصرف العقد إلى ذلك، جاز للأجير أن يستنيب
في العمل أحدا غيره، فيوكله إلى ولده مثلا أو إلى أحد العاملين عنده أو
إلى صديقه ممن يعتمد عليه في اتمام العمل على الوجه المطلوب، فإذا
استؤجر لصلاة ستة أشهر مثلا أو لصيام شهر، جاز له أن يوكله إلى
أحد المذكورين، فإذا أتى به على الوجه المطلوب كفى في الوفاء بالإجارة
واستحق الأجرة المسماة على المستأجر.
وإذا كان العمل المستأجر عليه يتعلق بعين خاصة للمالك كخياطة
ثوب دفعه إليه، وتجليد كتاب واصلاح جهاز لم يجز للأجير أن يدفع
العين إلى أحد المذكورين إلا برضى مالك العين وإذنه، وإذا دفعها إلى
أحد من غير إذن المالك كان ضامنا للعين إذا أصابها تلف أو نقصان
أو عيب.
ويكفي أن تقوم قرينة على رضى المالك وإذنه بالدفع إليهم من عادة
أو تعارف أو غيرهما.
[المسألة 164:]
إذا استؤجر زيد للاتيان بعمل معين بأجرة معينة ولم يشترط المستأجر
عليه أن يباشر العمل بنفسه فبادر شخص آخر وأتى بالعمل الذي
استؤجر عليه زيد حتى أنجزه، فإن قصد هذا العامل التبرع عن زيد
في الاتيان بالعمل المطلوب منه كفى ذلك عن زيد واستحق الأجرة المسماة
له من المستأجر، وإن لم يقصد العامل التبرع بالعمل عن زيد بطلت
إجارة زيد لحصول العمل المستأجر عليه فلا يستحق زيد الأجرة المسماة
له ولا يستحق العامل نفسه شيئا لكونه متبرعا بالعمل من غير إجارة
ولا طلب من المالك.
316

[المسألة 165:]
إذا استؤجر زيد للعمل المعين بأجرة معينة واشترط المستأجر عليه
في العقد أن يباشر العمل بنفسه، فبادر شخص وأتى بالعمل المطلوب
قبل أن يتمكن الأجير زيد من مباشرته بطلت إجارة زيد كذلك فلا
يستحق الأجرة المسماة، ولم يستحق العامل شيئا كما تقدم.
[المسألة 166:]
إذا استأجر أحد زيدا لعمل معين واشترط عليه أن يأتي بالعمل
بنفسه كما هو الفرض السابق، وسلم الأجير نفسه للمستأجر وهيأها
للعمل، ثم أمر المستأجر شخصا آخر أن يأتي بذلك العمل المعين أو
استأجره لذلك بإجارة جديدة، فسبق هذا الشخص زيدا وأتى بالعمل
المعين قبله، فالظاهر أن زيدا وهو الأجير الأول قد استحق الأجرة المسماة
على المستأجر، فإن تفويت منفعته على المستأجر كان باختيار المستأجر
فلا يسقط بذلك حق الأجير ويستحق العامل الثاني على المستأجر أجرة
المثل لعمله بأمره وكذلك إذا كان قد استأجره للعمل لأن هذه الإجارة
باطلة بعد الإجارة الأولى فيستحق العامل أجرة المثل على العمل لا الأجرة
المسماة فيها.
[المسألة 167:]
إذا آجر الشخص نفسه لأحد مدة معينة ليقوم له ببعض الأعمال فيها،
وكانت للأجير عدة من المنافع والأعمال يمكن له أن يقوم بها لنفسه أو
لمستأجره، فقد تكون الإجارة متعلقة بعمل الأجير الخارجي من غير أن
يشغل ذمته بشئ، كما يؤجر صاحب الدار داره المعينة لأحد ليسكنها مدة
معينة، فإن مستأجر الدار إنما ملك بعقد الإجارة سكنى الدار في المدة،
ولم يملك في ذمة صاحب الدار شيئا، وكذلك الأجير في الصورة المتقدم
ذكرها، فهو يؤجر نفسه لعمل معين أو أعمال معينة من أعماله الخارجية
على وجه يكون ذلك العمل أو تلك الأعمال الخارجية ملكا للمستأجر،
من غير أن تشتغل ذمة الأجير له بشئ، وهذه الصورة تقع على وجهين:
الوجه الأول: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل واحد معين، أو أعمال
317

معلومة معينة في مدة الإجارة على الوجه المذكور، كما إذا آجر نفسه
لأحد، ليكون له كاتبا في المدة المعينة، أو ليكون له كاتبا وحاسبا
ومترجما، في تلك المدة.
الوجه الثاني: أن يؤجر نفسه لتكون جميع منافعه وأعماله الخارجية
ملكا للمستأجر مدة معينة على النحو المتقدم ذكره.
وقد تكون الإجارة متعلقة بعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير ودينا
من ديوانه يقوم بالوفاء بها في مدة الإجارة، وهذه الصور تقع على
وجوه:
الوجه الأول: أن يقيد المستأجر الإجارة بأن يقوم الأجير بالعمل
أو الأعمال التي استأجره عليها ويباشر الاتيان بها بنفسه.
الوجه الثاني: أن يشترط المستأجر ذلك على الأجير في ضمن العقد
بنحو تعدد المطلوب.
الوجه الثالث: أن لا يشترط المستأجر عليه المباشرة لا بنحو التقييد
ووحدة المطلوب، ولا بنحو تعدد المطلوب فللفرض صور، ولكل صورة
منها أحكامها كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
[المسألة 168:]
الصورة الأولى: أن يؤجر الشخص نفسه لتكون جميع منافعه وأعماله
الخارجية ملكا للمستأجر مدة معينة، من غير أن تشتغل ذمة الأجير له
بشئ، ومن الواضح جدا أن فرض تمليك أعماله الخارجية يعني أن
المملوك للمستأجر هي أعمال الأجير بنحو المباشرة فلا يكفي عمل غيره
في الوفاء بالإجارة.
فإذا آجر الشخص نفسه كذلك، لم يجز له في مدة الإجارة أن يعمل
لنفسه ولا لغيره أي عمل له مالية ويعد منفعة من المنافع، سواء كان
عمله للغير بإجارة أم بجعالة أم تبرعا، فإن جميع ذلك مما ينافي حق
المستأجر، فلا يجوز إلا بإذنه.
ويجوز للأجير في هذا الفرض أن يأتي بالأعمال التي لا تنافي حق
318

المستأجر والتي يكون عقد الإجارة منصرفا عنها، فلم تدخل في ملك
المستأجر، كقراءة بعض السور في أثناء عمله، وكما إذا كان العمل
الذي وقعت عليه الإجارة هو عمل النهار، فلا يشمل العمل في الليل،
أو هو منصرف عنه، فيجوز للأجير أن يعمل لنفسه أو لغيره في الليل
تبرعا أو بإجارة أو بجعالة، وإذا أوجب ذلك له ضعفا عن العمل
المستحق عليه في النهار لم يجز له، ويكون منافيا لحق المستأجر.
[المسألة 169:]
إذا خالف الأجير الحكم في المسألة المتقدمة، فأتى بجميع الأعمال
التي وقعت عليها الإجارة أو أتى ببعض تلك الأعمال لغير المستأجر
الذي ملكها، فإن كان قد استوفى العمل لنفسه ثبت للمستأجر الخيار،
فيجوز له أن يفسخ الإجارة، فيسترجع جميع الأجرة المسماة التي
دفعها للأجير، ويجوز له أن يبقي الإجارة، ويطالب بأكثر الأمرين من
عوض ما فاته من الأعمال والمنافع بسبب تعدي الأجير ومخالفته لعقد
الإجارة، وعوض المنفعة أو المنافع التي استوفاها الأجير لنفسه، وإذا
اختار المستأجر الوجه الأول ففسخ الإجارة واسترجع تمام الأجرة
المسماة، وكان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل الفسخ كانت للأجير
أجرة المثل لما أتى به من عمل أو أعمال.
وإن كان الأجير قد خالف وأتى بجميع الأعمال أو ببعضها تبرعا منه
لغيره، جرى فيه الحكم المتقدم ذكره في ما إذا استوفى العمل لنفسه،
فيثبت للمستأجر الخيار بين فسخ الإجارة وامضائها على التفصيل
والأحكام التي مر بيانها هنا، وإذا كان تبرع الأجير للغير بأمر ذلك
الغير أو استدعائه، جاز للمستأجر مضافا إلى ذلك إذا هو أبقى الإجارة
ولم يفسخ العقد أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة ما استوفاه
من المنفعة.
وإن كان الأجير قد خالف وأتى بجميع الأعمال أو ببعضها لغيره
بإجارة أخرى بينه وبين ذلك الغير أو بجعالة منه، جاز للمستأجر الأول
أن يجيز هذه الجعالة أو الإجارة الثانية التي وقعت بين الأجير وذلك
319

الغير فإذا أجازها كانت له الأجرة المسماة في تلك المعاملة بين الأجير
وذلك الغير، ويجوز للمستأجر الأول أن يفسخ الإجارة الأولى التي
وقعت بينه وبين الأجير، فيسترد منه جميع الأجرة المسماة بينهما،
ويجوز له كذلك أن يبقي الإجارة الأولى فلا يفسخها ويطالب بأكثر
الأمرين من عوض المقدار الذي فاته من أعمال الأجير ومنافعه بسبب
مخالفة الأجير وتعديه، ومن عوض الأعمال أو العمل الذي أتى به
الأجير للغير إجارة أو جعالة، ويتخير المستأجر في أن يرجع في ذلك على
الأجير نفسه أو على ذلك الغير فإن العمل قد استوفي بأمره واستدعائه.
وإذا اختار المستأجر فسخ الإجارة الأولى وكان الأجير قد أتى له
ببعض الأعمال قبل الفسخ وجب على المستأجر أن يدفع للأجير أجرة
المثل عما أتى به من العمل.
[المسألة 170:]
الصورة الثانية: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل معين أو لأعمال
معينة خارجية، على أن يكون العمل أو الأعمال التي آجر نفسه للقيام
بها ملكا للمستأجر في المدة المحدودة للإجارة، من غير أن تشتغل ذمته
للمستأجر بشئ، كما أوضحناه في المسألة المائة والسابعة والستين،
وقد مثلنا لهذه الصورة في ما تقدم بأن يؤجر الشخص نفسه ليكون
كاتبا للمستأجر مدة شهر مثلا، أو ليكون كاتبا وحاسبا ومترجما له
في المدة المعينة، فإذا آجر الشخص نفسه لذلك، لم يجز له أن يأتي
بذلك العمل المعين أو بتلك الأعمال في المدة المعينة لنفسه ولا لغير المستأجر
من الناس، لا تبرعا ولا بإجارة ولا بجعالة، ولم يجز له أن يشتغل
بشئ آخر ينافي حق المستأجر بحيث لا يستطيع مع اشتغاله بهذا المنافي
أن يأتي بالعمل الذي استحقه عليه المستأجر كما إذا استأجره للكتابة
في وقت فاشتغل في الوقت نفسه بالخياطة أو بالنسج أو بالنجارة.
وكذلك إذا لم يذكر في الإجارة مدة معينة ولكنه عين فيها أول زمان
العمل على أن يبتدئ الأجير بالعمل في ذلك الوقت، ثم لا يتماهل ولا
ينصرف حتى يتم العمل، فلا يجوز للأجير أن يأتي في ذلك الوقت بذلك
320

العمل لغير المستأجر، ولا يجوز له أن يشتغل بما ينافيه، ويجوز له
أن يأتي بعمل آخر لا ينافيه كما إذا استؤجر للكتابة، فصام لنفسه أو
لغيره تبرعا أو بالإجارة إذا لم يوجب ضعفه عن القيام بحق المستأجر.
[المسألة 171:]
إذا خالف الأجير الحكم في المسألة السابقة، فأتى بالعمل المعين في
الوقت المعين لنفسه أو لغيره وغير المستأجر، تبرعا لذلك الغير أو بإجارة
منه أو بجعالة، جرت عليه نظائر الأحكام المتقدم ذكرها في مخالفة
الصورة الأولى في المسألة المائة والتاسعة والستين.
فإذا هو خالف، فأتى بالعمل لنفسه في الوقت الذي ملك المستأجر
فيه العمل، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد الإجارة بينه وبين الأجير،
فيسترد منه جميع الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها إليه، وكانت للأجير
عليه أجرة المثل إذا كان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل مخالفته
وفسخ المستأجر، وأن يمضي الإجارة الواقعة بينهما، فتكون للأجير
أجرته المسماة له، ويطالبه المستأجر بأكثر الأمرين، وهما عوض
ما فات المستأجر من العمل بسبب مخالفة الأجير، وعوض العمل الذي
استوفاه الأجير لنفسه.
ومثله الحكم في ما إذا خالف الأجير فأتى بالعمل المعين في الوقت تبرعا منه
لغير المستأجر، فيكون المستأجر مخيرا بين الفسخ والامضاء على نهج
ما سبق بيانه في فرض اتيان الأجير بالعمل لنفسه، وإذا كان تبرع
الأجير للغير بأمر ذلك الغير واستدعائه، واختار المستأجر أن يبقي
الإجارة، جاز له أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة المثل للعمل
الذي استوفاه من الأجير.
وإذا خالف الأجير فأتى بالعمل في الوقت المعين لغير المستأجر الأول
بإجارة ثانية أو بجعالة منه، تخير المستأجر الأول كما فصلناه في المسألة
المائة والتاسعة والستين، فيصح له أن يجيز الإجارة الثانية أو الجعالة فإذا
أجازها كان له العوض المسمى فيها للأجير، ويجوز له أن يفسخ الإجارة
الأولى ويسترد الأجرة المسماة من الأجير وعلى المستأجر في هذا الفرض
321

أن يدفع للأجير أجرة المثل إذا كان قد أتى له ببعض العمل قبل المخالفة
والفسخ، ويجوز للمستأجر أن يبقي الإجارة الأولى ويدفع للأجير أجرته
المسماة له، ويطالبه بأكثر الأمرين، وهما عوض ما فاته من العمل
بسبب مخالفة الأجير، وعوض العمل الذي قام به الأجير للمستأجر
الثاني أو الجاعل، ويصح له أن يرجع في ذلك على هذين فإن الاستيفاء
قد حصل بأمرهما واستدعائهما.
وإذا خالف الأجير، فاشتغل في الوقت المعين بما ينافي العمل المستأجر
عليه، كان للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة فيسترد الأجرة
المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها إليه، وأن يمضي الإجارة فيدفع
للأجير أجرته المسماة له ويطالبه بعوض العمل الذي فوته عليه بفعل
المنافي.
[المسألة 172:]
الصورة الثالثة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر ليقوم له بعمل
واحد أو بأعمال تشتغل بها ذمة الأجير وتكون دينا عليه من ديونه يلزمه
الوفاء بها في مدة الإجارة المعينة، والإجارة مقيدة بأن يكون الأجير نفسه
هو الذي يأتي بالعمل مباشرة.
فإذا آجر الشخص نفسه كذلك لم تحرم عليه الأعمال إذا كانت
لا تنافي الوفاء بالإجارة ولا تمنع منه، فيجوز له أن يأتي بمثل العمل
المستأجر عليه وبغيره مما لا ينافيه، سواء أتى بالعمل لنفسه أم لشخص
آخر وسواء أتى به للغير متبرعا به أم مستأجرا عليه، ولا يجوز له أن
يأتي بأي عمل ينافي وفاءه بالإجارة ويمنع منه، وإذا خالف الأجير
ذلك فأتى بعمل لا يمكنه معه أن يفي بالإجارة ويأتي بالعمل المستأجر
عليه، كان المستأجر مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة
المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها إليه، وأن يمضي الإجارة فتكون
للأجير أجرته المسماة له ويثبت للمستأجر حق مطالبته بقيمة العمل
المستأجر عليه والذي فوته الأجير عليه بسبب المخالفة.
وإذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى
322

ثبت للمستأجر التخيير المتقدم ذكره في الفرض السابق، فيجوز له أن
يفسخ الإجارة الأولى فيسترد الأجرة وأن يبقيها ويطالب الأجير بقيمة
العلم المستأجر عليه.
وهل تصح الإجارة الثانية إذا أجازها المستأجر الأول، أو أسقط
حقه في الإجارة الأولى، فيه اشكال فلا يترك الاحتياط فيه وفي فروعه،
بل الظاهر العدم في الفرض الثاني فإن الحق في الإجارة لا يسقط
بالاسقاط.
[المسألة 173:]
الصورة الرابعة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر لعمل أو أعمال
تكون في ذمة الأجير، على النهج الذي ذكرناه في الصورة الثالثة،
ويشترط المستأجر في ضمن العقد على الأجير أن يأتي بالعمل المستأجر
عليه بنحو المباشرة، ويكون الاشتراط بنحو تعدد المطلوب لا بنحو
تقييد الإجارة بذلك.
فإذا آجر الشخص نفسه للعمل على هذا الوجه جاز للأجير أن يأتي
بأي عمل شاء إذا كان لا ينافي الوفاء بالإجارة وبالشرط ولا يمنع منه،
ولا يجوز أن يقوم بعمل ينافي ذلك، وإذا خالف الأجير هذا الحكم فأتى
بالعمل المنافي له ثبت للمستأجر الخيار الذي تقدم بيانه في الصورة
الثالثة وبيان لوازمه.
وإذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى
وبشرطها ثبت للمستأجر ذلك الخيار أيضا مع لوازمه المذكورة، وأمكن
للمستأجر أن يسقط شرطه للمباشرة فإذا أسقط الشرط وجب على
الأجير أن يفي بكلتا الإجارتين، فيفي بالإجارة الأولى للمستأجر الأول
ويأتي بالعمل له لا بنحو المباشرة، ويفي بالإجارة الثانية للمستأجر
الثاني ويأتي بالعمل له بنحو المباشرة، ويستحق بذلك كلتا الأجرتين.
وهل يصح للمستأجر الأول أن يجيز الإجارة الثانية؟ يشكل الحكم
بصحة ذلك، ولا تترك مراعاة الاحتياط فيه.
323

[المسألة 174:]
الصورة الخامسة: أن يؤجر الشخص نفيه للمستأجر لعمل أو أعمال
تكون في ذمة الأجير على نهج ما تقدم، وتكون الإجارة مطلقة فلا يشترط
المستأجر فيها على الأجير مباشرة العمل بنفسه لا بنحو وحدة المطلوب
ولا بنحو تعدد المطلوب، وإذا آجر الشخص نفسه كذلك جاز له أن
يأتي بأي عمل شاء لنفسه أو لغيره، وجاز له أن يؤجر نفسه لغير المستأجر
الأول لمثل ذلك العمل ولغيره، ووجب عليه أن يفي بعقد الإجارة في
الوقت المحدد إذا كان موقتا، سواء أتى بالعمل مباشرة أم باستنابة
غيره تبرعا أم بإجارة أم بجعالة.
[المسألة 175:]
إذا استأجر الانسان من أحد سيارة أو سفينة أو دابة للركوب فيها
إلى مكان معين، فحملها متاعا أو طعاما إلى الموضع نفسه أو إلى غيره،
وجب على المستأجر أن يدفع للمالك أكثر الأمرين من الأجرة المسماة
له في عقد الإجارة، ومن أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها.
وكذلك الحكم إذا استأجر منه دارا ليسكنها مدة معلومة فاستعملها
فندقا لنزول المسافرين، أو استأجر المحل أو الدكان ليستعمله مخزنا،
فاتخذه متجرا أو معملا.
ومثله ما إذا استأجر دابة أو سيارة لحمل متاع معين، وقيد المالك
الإجارة بذلك، فحملها المستأجر بعد ما قبضها غير ذلك المتاع عامدا
أو مشتبها، فيكون للمالك في هذه الفروض وما أشبهها، أكثر الأمرين
من الأجرة المسماة ومن أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها المستأجر.
ونظيره في الحكم ما إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل معين من الأعمال،
فحمله المستأجر على غير ذلك العمل واستوفاه منه وكان العامل غافلا
أو جاهلا كما إذا آجره وكيله أو وليه وهو لا يعلم، فيثبت للأجير
أكثر الأمرين.
[المسألة 176:]
إذا استأجر الانسان رجلا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، فعمل
324

الأجير للمستأجر عملا آخر غير العمل الذي استأجره له لم يستحق
الأجير عليه شيئا، ومثال ذلك أن يستأجر زيد خالدا ليكون له كاتبا
مدة شهر مثلا، فشغل خالد نفسه بالخياطة أو النساجة لزيد حتى أتم
شهر الإجارة، فلا يستحق الأجير خالد على زيد شيئا، لا أجرة المثل
لخياطته أو نساجته له لأنه لم يستأجره لذلك، ولا الأجرة المسماة لأنه
لم يأت بالكتابة، سواء كان عامدا في فعله أم مخطئا.
ويجوز للمستأجر أن يمضي الإجارة بينه وبين الأجير، فإذا أمضاها
استحق الأجير عليه الأجرة المسماة له في العقد واستحق المستأجر على
الأجير أجرة المثل للمنفعة التي ملكها وفاتت منه وهي الكتابة في المثال.
[المسألة 177:]
إذا آجر المالك دابته أو سيارته لزيد ليحمل متاعه إلى موضع معين
فاشتبه المالك، وحمل متاع عمرو، لم يستحق صاحب الدابة أو السيارة
شيئا على زيد، لأنه لم يقم له بالعمل المستأجر له، ولا على عمرو، لأنه
لم يستأجر لحمل متاعه.
ويجوز للمستأجر وهو زيد أن يمضي الإجارة، فإذا أمضاها استحق
صاحب الدابة أو السيارة عليه الأجرة المسماة، واستحق المستأجر زيد
أجرة المثل عن المنفعة التي ملكها وفاتت عليه وهي حمل متاعه إلى
الموضع المعين كما ذكرنا في المسألة المتقدمة.
[المسألة 178:]
إذا استأجر الرجل من المالك سيارة معينة أو دابة معينة ليركبها إلى
موضع معين، وسلمه المالك السيارة أو الدابة الخاصة التي عينها في
العقد، ومكنه منها مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة المقصودة، ثم اشتبه
المستأجر فأخذ سيارة أو دابة أخرى للمالك وركبها إلى المكان المعين،
وجب على المستأجر أن يدفع للمالك الأجرة المسماة للسيارة أو الدابة
المعينة، وأجرة المثل للسيارة أو الدابة الأخرى التي ركبها واستوفى
منفعتها، وكذلك الحكم إذا استأجر الدابة منه ومكنه منها كما تقدم،
ثم اشتبه المستأجر وركب دابة لعمرو، فتجب الأجرة المسماة لدابة
زيد وأجرة المثل لدابة عمرو.
325

ولا تجب الأجرة المسماة بمجرد الإجارة إذا لم يمكنه المالك من
الدابة أو السيارة، أو مكنه ولم تمض مدة يمكن المستأجر استيفاء
المنفعة فيها.
[المسألة 179:]
إذا استأجر الرجل السيارة من مالكها ليحمل فيها طعاما أو متاعا
أو شيئا آخر مما يحمل حمله وسلمه المالك السيارة لذلك فحمل فيها
خمرا، وجب على المستأجر أن يدفع الأجرة المسماة لصاحب السيارة
وحل لصاحب السيارة أخذها، لأنها أجرة عن المنفعة المحللة المقصودة،
وليست أجرة لحمل الخمر.
وإذا حملها المستأجر بعدما قبضها خلا وخمرا وجبت عليه الأجرة
المسماة لحمل الخل، ويشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر،
وإذا غصب السيارة من مالكها كان ضامنا لها ولمنافعها المحللة وإن لم
يستوفها الغاصب فإذا أرجع السيارة إلى مالكها وجب عليه أن يدفع
إليه أجرة المثل عن منفعتها المحللة في مدة الغصب وإن لم يستوفها
الغاصب وإذا حملها خمرا أشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر.
[المسألة 180:]
إذا آجر الانسان نفسه للصوم في يوم معين أو في أيام معينة عن
شخص، ثم آجر نفسه للصوم في ذلك اليوم أو في تلك الأيام المعينة عن
شخص آخر، فالظاهر عدم صحة الإجارة الثانية، سواء كان عامدا
أم مخطئا أم ناسيا للإجارة الأولى حين ايقاع الإجارة الثانية.
وإذا فسخت الإجارة الأولى بخيار من الأجير أو من المستأجر، أو
بإقالة منهما، ثم أجاز الأجير إجارته الثانية قبل وصول موعد الصوم لم
يبعد الحكم بصحتها.
وكذلك الحكم إذا آجر نفسه للصوم في الأيام المعينة ثم آجر نفسه
لسفر يوجب القصر والافطار في تلك الأيام فتبطل الإجارة الثانية إلا
إذا فسخت الأولى بخيار أو إقالة ثم أجاز الثانية.
326

[المسألة 181:]
لا تصح إجارة العين المملوكة إلا بإذن مالكها أو إذا وليه قبل اجراء
العقد أو إجازته أو إجازة وليه بعد وقوع العقد، سواء كانت العين
المستأجرة دارا أم عقارا أم غيرهما، ولا يصح بقاء المستأجر بعد انتهاء
أمد الإجارة في الدار أو الدكان أو المحل إلا بإذن المالك ورضاه أو إذن
وكيله المفوض أو إذن وليه إذا كان قاصرا أو محجورا عليه. ويستثنى
من ذلك ما إذا اشترط ذلك على المالك في عقد الإجارة أو في عقد لازم
آخر، ويراجع في ذلك وفي المسائل المتعلقة بالسرقفلية ما كتبناه في مبحث
السرقفلية من رسالتنا في المسائل المستحدثة، فإن ما ذكرناه هناك
يغنينا عن تكراره هنا.
[الفصل السادس]
[في إجارة الأرض وبعض أحكام الإجارة]
[المسألة 182:]
يجوز للمالك أن يؤجر الأرض التي يملكها لغيره لاستيفاء منفعة
معينة منها كالزرع والغرس فيها أو جعلها مراحا أو مسرحا أو
مرعى للحيوانات، أو اتخاذها محلات لتربية الدواجن وحفظها وعرضها
وبيعها أو موضعا لتجميع التمر وتشميسه، أو لتصفية الطعام واعداده
للنقل والبيع، وشبه ذلك من المنافع المقصودة ولا بد وأن تكون الأرض
التي يراد استئجارها معلومة الوصف والمقدار والموضع، ولو بالمشاهدة
الرافعة للجهالة والغرر في كل أولئك، لاختلاف الأغراض باختلاف
كل واحد منها، ولا بد وأن تكون مدة الإجارة محددة معلومة، فلا
يصح أن يكون الموعد فيها قابلا للزيادة والنقصان، كما إذا آجره
الأرض من أول ابتداء الزراعة إلى نهاية دوس الحبوب، أو من ابتداء
جذاذ التمر إلى أوان بيعه.
[المسألة 183:]
يجوز للمالك أن يؤجر حصة مشاعة من الأرض إذا كانت الأرض
معلومة ولو بالمشاهدة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فيؤجر غيره نصف
327

هذه الأرض المعلومة أو ثلثها أو ربعها مدة شهرين بعشرين دينارا،
فإذا آجر الحصة كذلك وملك المستأجر منفعتها اقتسمها مع مالك
الأرض أو مع الشريك في المنفعة كما يقتسم الشركاء الأموال المشتركة
بينهم، أو كما تقدم في المسألة المائة والرابعة عشرة.
ويجوز أن يؤجره مقدارا من الأرض على نحو الكلي في المعين، فيؤجره
جريبا من هذه الأرض المعينة أو قفيزا منها مثلا، ثم يتفقان في استيفاء
المنفعة على أحد الوجوه ولو بالتراضي والمصالحة على جعل الجريب
المستأجر في موضع معين من الأرض.
[المسألة 184:]
الظاهر أنه يصح للمالك أن يؤجر غيره مقدارا كليا في الذمة من
الأرض، فيؤجره جريبا من أرض أو قفيزا ويكون الجريب المستأجر
أو القفيز دينا في ذمة المؤجر، ولا بد من أن يكون موصوفا على وجه
لا يكون معه غرر ولا جهالة في العين المستأجرة، ولا تصح الإجارة
بدون ذلك.
[المسألة 185:]
لا يجوز للمالك أن يؤجر الأرض من أحد للزارعة فيها بمقدار
معين من الحنطة أو الشعير اللذين ينتجان من زراعة تلك الأرض،
ومثال ذلك أن يؤجر المالك أرضه المعينة من زيد ليزرعها حنطة أو
شعيرا بعشرين منا من الحنطة أو من الشعير الذي ينتج من زراعته
لهذه الأرض نفسها، فتبطل هذه الإجارة ولا تصح.
ولا يختص الحكم بالبطلان بما إذا استأجر الأرض بمقدار مما
يحصل منها من الحنطة أو الشعير خاصة، بل تبطل الإجارة أيضا إذا
استأجر الأرض لزراعة الحنطة أو الشعير أو لزراعة غيرهما من الحبوب
بمقدار معين من الحبوب التي تحصل من زراعة الأرض نفسها سواء
كانت حنطة أم شعيرا أم أرزا أم عدسا أم غيرها من الحبوب التي تنتج
من زراعتها بعد الإجارة، ولا تصح إجارة الأرض للزراعة بما يحصل
من زراعة أرض معينة أخرى بعد الإجارة كذلك.
328

ولا تصح إجارتها بالحنطة أو الشعير أو بغيرهما من الحبوب إذا
اشترط في عقد الإجارة أن يكون الأداء من حاصل زراعة الأرض
بعد الإجارة.
وأولى بالحكم بالبطلان من جميع ذلك ما إذا آجره الأرض للزراعة
بحصة معينة من حاصلها فيؤجره الأرض بربع ما يحصل من زراعتها
من الحبوب أو بثلثه مثلا.
ولا تبطل الإجارة إذا آجر المالك الأرض للزراعة بعشرين منا من
الحنطة مثلا أو من الشعير أو من غيرهما من الحبوب التي حصلت من
زراعة الأرض نفسها قبل الإجارة، ولا تبطل الإجارة كذلك إذا آجر
الأرض للزراعة بعشرين منا من الحنطة أو الشعير ثم أدى المستأجر
مال الإجارة من حاصل زراعته في الأرض من غير اشتراط من المالك
ولا تقييد بذلك.
[المسألة 186:]
إذا استأجر الانسان من المالك أرضا للزراعة مدة معينة فحدثت آفة
أفسدت الزراعة في الأرض أو أوجبت نقص النتاج منها، لم تبطل
الإجارة بذلك، ولم يوجب ذلك نقصا في الأجرة المعينة في العقد، ولم
يثبت بسبب ذلك خيار للمستأجر في فسخ الإجارة.
وإذا شرط المستأجر على المالك في ضمن العقد أن يبرئه من الأجرة
بمقدار ما ينقص من حاصل الزراعة بسبب الآفة إذا حدثت، وقبل
المالك بالشرط، نفذ الشرط ولزم العمل به، فإذا نقص من حاصل
زراعة الأرض نصفه بسبب الآفة وجب على المالك أن يبرئ المستأجر
من نصف الأجرة، وإذا نقص من الحاصل الربع وجب أن يبرئه من
الربع، وهكذا، والمرجع في تقدير النقص من حاصل الزراعة، إلى تعيين
أهل الخبرة والمعرفة بذلك.
[المسألة 187:]
يجوز أن يتقبل الشخص الأرض من مالكها، لينتفع بها بزراعة
أو غرس أو غير ذلك من وجوه الانتفاع المقصودة مدة معلومة، ويجعل
329

العوض عن ذلك تعمير الأرض بستانا مثلا بحرثها وشق أنهارها واخراج
بئر أو عين ماء فيها وغرسها نخيلا وشجرا ونحو ذلك، أو بتعميرها
دارا أو بناية أو دكاكين معلومة المقادير والصفات.
والظاهر أن ما دلت عليه النصوص في ذلك معاملة خاصة، وليست
إجارة ولا جعالة، فتصح كذلك إذا كانت الأرض المتقبلة معلومة
الحدود والفوائد، وكان التعمير والأعمال المشترطة بين المتعاملين
معينة غير مجهولة.
[المسألة 188:]
إذا التزم الانسان بعض الأرض الخراجية من ولي أمرها على
ما فصلناه في المسألة السادسة والأربعين من كتاب التجارة، وذكرناه
في المسألة المائة والخامسة والثلاثين، في فصل شرائط العوضين، كان
مالكا لمنفعتها، وكان هو المكلف بدفع ما عليها من الخراج والضريبة،
فإذا استأجرها أحد من ذلك الانسان ليزرعها وينتفع بها فلا شئ عليه
من الخراج والضريبة إلا أن يشترط مالك النفعة عليه ذلك في عقد
الإجارة بينهما.
[المسألة 189:]
إذا استأجر الرجل الأرض من مالكها لبعض المنافع المقصودة مدة
معينة، فغرس المستأجر في الأرض المستأجرة أو زرع فيها ما يحتاج
في ادراكه إلى مدة أطول، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز لمالك الأرض
أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع في الأرض.
وكذلك إذا استأجر الأرض من مالكها للغرس أو للزرع مدة معينة،
وغرس في الأرض أو زرع فيها ما لا يدرك في تلك المدة التي عينها في
الإجارة، كما إذا استأجرها للغرس مدة سنتين، فغرس فيها شجرا أو
نخيلا لا يثمر إلا بعد ست سنين أو أكثر، وكما إذا استأجرها للزراعة
فيها مدة شهرين، وزرع فيها ما لا يبلغ أوان قطعة أو جزه إلا بعد ثلاثة
أشهر، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز للمالك أن يأمر المستأجر بقلع
ما غرس أو زرع.
330

ولا يجوز للمستأجر أن يبقي غرسه وزرعه ثابتا في الأرض إلا بإذن
المالك ورضاه وإن بذل أجرة المثل للمدة التي يبقي فيها الغرس والزرع
ثابتا في الأرض، وليس له أن يطالب المالك بأرش الشجر أو الزرع
إذا قلعه.
[المسألة 190:]
إذا انتهت مدة الإجارة ولم يستأصل المستأجر جذور ما زرعه في
الأرض التي استأجرها، فنمت الجذور والزرع، فإن أعرض المستأجر
عن زرعه وأباحه للآخرين ليتملكوه، جاز لمن شاء من الناس أن يسبق
إليه ويتملكه من غير فرق بين مالك الأرض وغيره، وإن لم يعرض
المستأجر عن زرعه أو لم يبحه للآخرين فهو ملك له.
ولا يجوز لغير مالك الأرض أن يدخلها إلى ذلك الزرع إلا بإذن المالك
سواء كان هو المستأجر سابقا أم غيره ليسبق إلى الزرع.
ولا يكفي مجرد اعراض المستأجر في صحة تملك الناس الآخرين
للزرع بعد اعراضه حتى تقوم معه قرينة عامة أو خاصة على إباحته لأن
يتملكه الآخرون، ولا يكفي في التملك مجرد القصد حتى يستولي على
الزرع بقصد تملكه أو بقصد الحيازة لنفسه.
[المسألة 191:]
لا يصح للانسان أن يستأجر أرضا مدة طويلة ليوقفها مسجدا وإن
كانت المدة طويلة جدا، ولا تصح المسجدية إذا هو استأجرها كذلك
ووقفها، ولا تثبت للأرض آثار المسجدية وأحكامها، فلا يحرم تلويثها
بالنجاسة ولا يحرم دخول الجنب والحائض والنفساء فيها ولا تكون
لها فضيلة الصلاة في المسجد.
ويصح أن تجعل مصلى يصلي فيه الناس ويتعبدون فيه ما دامت المدة
المعينة في الإجارة فإذا انقضت المدة عادت الأرض إلى حالها الأولى.
[المسألة 192:]
قد اتضح مما بيناه في المسألة التاسعة عشرة وغيرها من المسائل المتعلقة
بشرائط العوضين في عقد الإجارة إن كل عين مملوكة يمكن بالانتفاع
331

بها مع بقاء عينها، فهي مما تصح إجارتها بشرط أن تكون المنفعة
محللة في الاسلام، ومقصودة عند العقلاء بحيث تعد في نظرهم مالا،
وإن كان وجود تلك المنفعة نادرا فلا يضر في صحة إجارة العين أن تكون
المنفعة المقصودة منها نادرة الوقوع، إذا كانت مما يرغب فيه الناس
في حال وقوعه ويبذلون المال للحصول عليه.
وكذلك كل عمل محلل في الاسلام ومقصود عند العقلاء ويعد في
نظرهم مالا، فهو مما تصح الإجارة عليه وإن كانت الحاجة إليه نادرة
الوقوع على نهج ما تقدم في منفعة العين، عدا ما استثني من الأعمال
التي لا تصح الإجارة عليها كالواجبات العبادية ونحوها على ما سيأتي
بيانه.
[المسألة 193:]
يصح للانسان أن يستأجر البستان من مالكه للتنزه فيه مدة معينة،
أو لإقامة ضيوفه فيه أياما، أو لإقامة مريض فيه أيام نقاهته وابلاله
من المرض، ولا يجوز التصرف في ثمار البستان وأزهاره وأشجاره إلا
بإذن المالك ورضاه.
[المسألة 194:]
يجوز أن يستأجر الشجر للانتفاع به في الاستظلال بفيئه وربط الحيوان
والدواب فيه وشد الحبال فيه لنشر الثياب وغيرها لأهل المغاسل وغيرهم
وشبه ذلك من المنافع.
[المسألة 195:]
يجوز أن يستأجر الرجل أو المرأة لكنس المنزل أو المسجد أو المشهد،
وفرشه، وتنظيف فرشه وأدواته، وتطهيره من النجاسة إذا حدثت فيه،
واشعال السرج فيه، وتحريك وسائل التدفئة والتبريد فيه وما
أشبه ذلك.
[المسألة 196:]
الظاهر أن حيازة المباحات مما تقبل النيابة فيها، ولذلك فالأقوى
صحة الإجارة عليها، فيجوز للانسان أن يستأجر عاملا ليحوز له بعض
332

المباحات كالحطب والحشيش والماء والرمل والحصى والحجر والجص
من مواضعها المباحة، فإذا استأجر العامل لذلك على أن يكون المستأجر
مالكا للحيازة وقصد الطرفان ذلك، ملك المستأجر الحيازة بمقتضى
العقد وملك الشئ المحاز بتبع ملكه للحيازة.
وهذه النتيجة تتحقق قهرا وإن قصد الأجير بحيازته تمليك نفسه،
أو قصد بها تمليك شخص ثالث غيره وغير المستأجر، وذلك لأن الأجير
لما أوقع الإجارة على النهج المتقدم بيانه قد أخرج ذلك عن ملكه باختياره،
فيكون قصده تمليك نفسه أو تمليك الشخص الآخر لغوا لا أثر له.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة بينهما واقعة على جميع منافع
الأجير الخارجية فيكون جميعها ملكا للمستأجر ومنها المنفعة الخاصة
وهي أن يحوز المباح أو تكون الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة المذكورة
منه فتكون هذه المنفعة بعينها ملكا للمستأجر مدة معينة.
[المسألة 197:]
إذا استأجر الشخص عاملا ليحوز له بعض المباحات كما تقدم، على
أن تكون الحيازة للمستأجر في ذمة العامل الأجير مدة معينة، أصبحت
المنفعة المذكورة دينا عليه، ووجب عليه أن يفي بالعقد وبالدين في
المدة التي عينها، ولكن الحيازة الخارجية لا تتعين للمستأجر ولا تكون
وفاءا بالعقد حتى يقصد الأجير ذلك بحيازته، فإذا نوى بحيازته
الخارجية إنها للمستأجر وفاء بالعقد، كانت الحيازة الخاصة ملكا
للمستأجر وكان الشئ المحاز ملكا له أيضا تبعا لملكه للحيازة كما سبق
في نظيره.
وإذا نوى الأجير الحيازة لنفسه أو لشخص ثالث، لم يملكها المستأجر،
وكان مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة المسماة من الأجير
إذا كان قد دفعها إليه، وأن يبقي الإجارة فيجب عليه أن يدفع الأجرة
للأجير إذا كان لم يدفعها إليه ويستحق هو على الأجير أجرة المثل للمنفعة
التي فاتت عليه.
333

[المسألة 198:]
ارضاع المرأة للطفل عمل من أعمالها، فهي تأخذ الطفل وتضعه في
حجرها أو إلى جانبها وهي نائمة وتضع ثديها في فمه مدة، ثم تنقله إلى
الثدي الآخر حتى يرتوي وقد تصحب ذلك أعمال أخرى من المرأة،
ولذلك فيصح للمرأة أن تؤجر نفسها للارضاع مدة معينة، ولا ريب
في صحة ذلك.
وكذلك يصح لها أن يؤجر نفسها للرضاع، وهو منفعة من منافعها،
فتؤجر نفسها لولي الطفل لينتفع الطفل بلبنها مدة معينة، وإن لم
يتحقق منها أي فعل كما إذا سعى الطفل بنفسه إليها والتقم الثدي
بفمه، وكما إذا وضع أحد الطفل في حجرها أو إلى جانبها وهي نائمة
وجعل ثدي المرضعة في فم الرضيع، فتصح الإجارة في جميع الصور.
ويعتبر في صحة الإجارة لذلك أن تشاهد المرأة الطفل الرضيع أو
يوصف لها وصفا يرتفع معه الغرر والجهالة وإن تشاهد المرأة المرضعة
أو توصف للمستأجر وصفا يرتفع معه الغرر والجهالة.
[المسألة 199:]
يجوز للمرأة المتزوجة أن تؤجر نفسها للارضاع أو الرضاع وإن
لم يأذن لها زوجها بذلك نعم لا يجوز لها أن تؤجر نفسها لذلك إذا كان
منافيا لحق الزوج من الاستمتاع بالزوجة أو لحقه في عدم خروج المرأة
من المنزل إلا بإذنه، وإذا آجرت نفسها لذلك بغير إذن الزوج لم تصح
الإجارة إلا بإجازته.
[المسألة 200:]
لا يملك الرجل لبن زوجته ولذلك فيجوز لها أن تؤجر نفسها للزوج
لا رضاع ولده سواء كان الولد منها أو من غيرها وتملك الأجرة منه
إذا دفعها إليها
[المسألة 201:]
إذا كانت المرأة خلية من الزوج وهي ذات لبن، فأجرت نفسها لرضاع طفل
ثم تزوجت في مدة الإجارة وجب عليها الوفاء بالعقد وإن كان منافيا
334

لحق الزوج، وكذلك إذا آجرت نفسها لغير الرضاع من الأعمال الأخرى
قبل التزويج ثم تزوجت كما تقدم ذلك في المسألة الثانية والستين وإذا
كان وطؤ الزوج لها في الفرض المذكور مضرا بالولد الرضيع منع
الزوج منه مدة الإجارة.
[المسألة 202:]
يملك السيد لبن أمته، سواء كان اللبن منه أم من غيره، حرا كان
ذلك الغير أم مملوكا، وسواء كانت الأمة قنة أم مدبرة، أم أم
ولد فيجوز للسيد أن يؤجر أمته لرضاع أي طفل يريد، ويجوز له
أن يتبرع بارضاعها لأي طفل، سواء رضيت الأمة بالإجارة والتبرع
أم لا، وإن كانت ذات طفل يحتاج إلى الرضاع فيرضع طفلها من لبن
أخرى.
ولا يجوز للسيد أن يؤجر أمته المكاتبة المطلقة ولا المشروطة ولا
المبعضة لارضاع طفل أو يتبرع بارضاعها لطفل إلا برضاها.
[المسألة 203:]
إذا استأجر أحد مرضعة لارضاع طفل معين مدة معينة، ومات
الطفل انفسخت الإجارة بموت الطفل، فإن كان موته قبل حلول المدة،
أو بعد حلولها وقبل أن تتمكن المرأة من ارضاعه، استرد المستأجر منها
جميع الأجرة إذا كان قد دفعها إليها، وإن كان موت الطفل في أثناء
المدة وقد أرضعته في بعضها، استحقت المرضعة من الأجرة المسماة
بنسبة الفترة التي أرضعته فيها إلى مجموع المدة، فإن كانت أرضعته
نصف المدة استحقت نصف الأجرة، وإن أرضعته ربع المدة استحقت
ربع الأجرة، وأرجعت إلى المستأجر الباقي.
وإذا استأجر المرضعة لارضاع طفل غير معين، ودفع إليها طفلا،
فأرضعته بعض المدة ثم مات الطفل المدفوع إليها لم تنفسخ الإجارة
بموته، فيجوز للمستأجر أن يدفع إليها طفلا آخر لتتم المدة بارضاعه،
وإذا تعذر وجود الطفل بطلب الإجارة، وجرى التفصيل المتقدم ذكره
في الأجرة.
335

[المسألة 204:]
إذا استأجر أحد مرضعة لارضاع طفل، واشترط المستأجر على
المرضعة أن يكون رضاع الطفل بلبنها لا بلبن غيرها، ثم ماتت المرضعة،
انفسخت الإجارة بموتها.
فإن كان موتها قبل حلول مدة الإجارة أو بعد حلولها وقبل أن تتمكن
المرأة من ارضاعه، استرجع المستأجر من ورثة المرضعة جميع الأجرة
إذا كان قد دفعها إليها، وإن كان موت المرضعة في أثناء المدة وقد
أرضعت الطفل في بعضها كان لها من الأجرة بالنسبة كما تقدم، واسترد
المستأجر الباقي من الورثة، إذا كان قد دفعه إلى المرضعة.
وإذا استأجرها على أن يكون ارضاع الطفل دينا في ذمتها تقوم
بوفائه في المدة، ولو بارضاع غيرها من المرضعات لم تبطل الإجارة
بموت المرضعة، ووجب الوفاء على ورثتها ولو باستئجار مرضعة أخرى
لتقوم بارضاع الطفل وإذا تعذر وجود مرضعة غيرها بطلت الإجارة،
وجرى التفصيل المتقدم بيانه في الأجرة.
[المسألة 205:]
لا ينبغي الريب في أن لبن الشاة أو البقرة أو الناقة يعد في نظر
أهل العرف من منافعها، ونتيجة لذلك، فيجوز على الأقوى أن يستأجر
الرجل الشاة أو البقرة أو الناقة من مالكها مدة معلومة لينتفع بلبنها
ومنتوجاته من جبن أو مخيض أو زبد أو غيرها، من غير فرق بين لبنها
الذي يتجدد بعد الإجارة والموجود منه بالفعل.
وكذلك شأن الثمر بالنسبة إلى الشجر والماء بالنسبة إلى البئر أو
العين فإنها في نظر أهل العرف منافع لها، فيصح على الأقوى أن يستأجر
الشجرة أو الشجر لينتفع المستأجر بثمارها مدة معينة، ويستأجر البئر
أو العين لينتفع بمائها، وإن كان اللبن والثمر والماء من الأعيان،
والانتفاع بها لا يكون إلا باتلاف العين، والاشكال في صحة استئجارها
لهذه الجهة ضعيف، ولا فرق في الماء والثمر بين ما يتجدد في العين
والشجرة بعد الإجارة والموجود منه بالفعل.
336

[المسألة 206:]
إذا أمر الرجل أحدا بأن يعمل له عملا، فأتى المأمور بالعمل كما
طلب، فإن كان المأمور قد قصد التبرع بعمله للآمر، لم يستحق عليه
أجرة، وإن كان من عزم الآمر أن يدفع له الأجرة حينما طلب منه
العمل له.
وكذلك إذا دلت القرينة الخاصة أو العامة على أن الآمر قد قصد
المجانية في العمل حينما أمره به، ومثال ذلك أن يكون العمل المأمور
به مما يعمل مجانا وبدون أجرة بحسب العادة المتبعة بين الناس، أو
يكون الشخص المأمور ممن لا يطلب الأجرة على ذلك العمل إذا أتى
به لغيره.
وإذا كان المأمور لم يقصد التبرع بعمله، ولم تدل القرائن على أن
الآمر قد قصد المجانية في طلبه لما أمره بالعمل له، استحق المأمور أجرة
المثل على العمل الذي أتى به.
[المسألة 207:]
إذا اعتقد العامل أن زيدا قد استأجره للعمل المعين، فأتى بالعمل
بقصد الوفاء بالإجارة ثم ظهر أن زيدا لم يستأجره لذلك ولم يأمره
بالعمل، لم يستحق عليه أجرة.
[المسألة 208:]
يصح للانسان أن يستأجر شخصا ليقوم له بكل ما يريد منه من الأعمال
والحاجات المقدورة له، والتي يتعارف بين الناس قيام مثل هذا الأجير
بها، فتكون جميع منافع الأجير ملكا للمستأجر في المدة المعينة بينهما،
ولا بد من أن يعين في العقد الأوقات التي يقوم الأجير فيها بوظيفته
المذكورة، أهي في النهار وحده، أم في الليل والنهار في أي ساعة يطلبه
المستأجر للعمل، أم في ساعات محددة.
[المسألة 209:]
الظاهر أن نفقة الأجير الآنف ذكره تكون على نفسه، ولا تجب على
المستأجر، إلا إذا اشترط الأجير عليه ذلك في ضمن العقد فيلزم الوفاء
337

بالشرط، أو كانت العادة المتعارفة بين الناس أن يقوم المستأجر بنفقة
هذا الأجير، أو دلت القرائن عليه، فيكون ذلك بحكم الشرط في ضمن
العقد.
وإذا اشترط الأجير نفقته على المستأجر في ضمن العقد، فلا بد من تحديد
مقدار النفقة ونوعها بما يرفع الجهالة والغرر بينهما، وإذا كان ذلك
هو مقتضى العادة الجارية بين الناس اتبعت العادة في تحديد النفقة.
[المسألة 210:]
يجوز للشخص أن يأمر العامل بالعمل ويستعمله في بعض أعماله
ويستوفي بعض منافعه من غير أن يسمي له أجرة معينة، ولكن يكره
ذلك، ويثبت للعامل بذلك أجرة المثل على الشخص لأنه قد استوفى
منفعة العامل، ولا يكون من الإجارة على الأصح.
[المسألة 211:]
إذا استأجر الرجل عاملا للكتابة أو للخياطة، أو لغيرهما من الأعمال،
فهل يكون المداد الذي يحتاج إليه الكاتب في كتابته على الأجير أو على
المستأجر؟ وكذلك الخيوط التي يحتاج الخياط في خياطته والمواد
الأخرى التي يفتقر إليها العامل في إنجاز عمله وفي توفية المستأجر
منفعته التي ملكها بالإجارة؟
الأقوى وجوب التعيين في ذلك على المتعاملين، إلا أن تكون قرينة
عامة أو خاصة تدل على شئ فيكون ذلك الظهور هو المتبع.
[المسألة 212:]
لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه للاتيان بالعبادات الواجبة عليه،
ومثال ذلك أن يؤجر زيد نفسه لعمرو مثلا ليؤدي الفرائض الواجبة التي
افترضها الله على زيد نفسه، فإن الله سبحانه قد أوجب هذه الأعمال
على العبد المكلف على أن يأتي بها تعبدا له، وطاعة وامتثالا لأمره
ولا يبتغي عليها أجرا ومثوبة من أحد سواه، فلا تصح الإجارة عليها
من أحد ولا يحل أخذ الأجرة على الاتيان بها، سواء كانت الواجبات
338

عينية أم كفائية، وكذلك الحكم في المستحبات التي يكون لها هذا
الوصف، كالنوافل الراتبة وغير الراتبة من الصلوات.
فلا تصح إجارة الانسان نفسه لفعل الصلوات اليومية الواجبة عليه
أو غير اليومية مما يكون له هذا الشأن كصلاة الطواف الواجب عليه وصلاة
الآيات وغيرها، ولا لصيام شهر رمضان ونحوه من أفراد الصيام الواجب
عليه، ولا للاتيان بنوافل الصلاة أو نوافل الصوم، ولا لغير ذلك من
واجب العبادات ومستحبها، ولا لتغسيل الموتى أو تكفينهم أو الصلاة
عليهم ولا على الأذان ونحو ذلك.
ولا تصح الإجارة لتعليم العقائد الواجبة، وتعليم مسائل الحلال
والحرام والواجبات الشرعية وغيرها في ما يكون محل الابتلاء، بل وفي
ما لا يكون محلا للابتلاء من ذلك على الأحوط لزوما، ولا تصح الإجارة
على القضاء الواجب الشرعي ولا الفتوى.
[المسألة 213:]
تصح الإجارة للواجبات غير العبادية كدفن الميت، ومعالجة الطبيب
للمرضى والواجبات التي يتوقف عليها نظام المجتمع كتعليم الطب
والصيدلة وتعليم الزراعة ونحو ذلك، وتصح الإجارة للمستحبات غير
العبادية كوضع الحبرة والجريدتين للميت، وتعليم العلوم الأدبية،
بل ولتعليم القرآن في غير المقدار الواجب منه، ولتعليم علم الحديث
والرجال وشرح الحديث، والتفسير وأمثال ذلك.
وتصح الإجارة لتعليم العلوم الحياتية غير الواجبة ولا المستحبة،
ويحل أخذ الأجرة على جميع ذلك.
[المسألة 214:]
يجوز أن يرتزق القاضي والمفتي والمؤذن من بيت المال، وليس
ذلك من الإجارة بل لأن ارتزاق هؤلاء وأمثالهم والانفاق عليهم من
مصالح المسلمين العامة وقد وضع بيت المال لذلك.
339

[المسألة 215:]
لا تشرع النيابة عن الأحياء في الواجبات العبادية، ولذلك فلا تصح
الإجارة للصلوات الواجبة نيابة عن الانسان الحي سواء كانت الصلاة
يومية أم غيرها، وسواء كان الانسان المنوب عنه قادرا أم عاجزا، ولا
تصح الإجازة للصيام الواجب ولا لسائر الواجبات العبادية الأخرى
نيابة عنه.
ويستثنى من ذلك الحج الاسلامي الواجب بالاستطاعة، فإذا وجبت
على المسلم حجة الاسلام واجتمعت له شروط وجوبها ولكنه عجز عن
الاتيان بالحج مباشرة لكبر سن أو مرض لا يرجى زواله وجب عليه أن
يستأجر من يحج عنه، ولا يجري ذلك في غير حجة الاسلام، فإذا وجب
على الرجل حج نذر أو شبهه، وعجز عن الاتيان به مباشرة للأعذار
المذكورة، لم يصح له أن يستأجر من يحج عنه وهو حي، بل يسقط
عنه وجوب الحج إذا حصل له العجز عن الأداء في عام النذر أو العهد
نفسه، وإذا كان قادرا على المباشرة في عام النذر ولم يف بما أوجبه
على نفسه، وتجدد له العجز عن الأداء بعد عام أو أكثر، قضي عنه
بعد موته ووجبت عليه الكفارة.
وتصح الإجارة للنيابة عن الحي في الصلوات المستحبة وفي الحج
المندوب والزيارات.
[المسألة 216:]
تصح الإجارة للنيابة عن الموتى في قضاء الصلوات الواجبة عليهم
من اليومية وغيرها، وفي قضاء الصوم الواجب، وسائر الواجبات التي
اشتغلت بها ذممهم في حياتهم، وتصح الإجارة للنيابة عنهم في المستحبات،
كالحج المندوب والعمرة المندوبة والزيارة، ويصح كذلك أن يستأجر
الأجير ليأتي بالعمل المندوب ثم يهدي ثوابه إلى الميت أو إلى الحي.
[المسألة 217:]
يجوز لولي الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصيام الواجب
عن ميته، فإذا كان الواجب في ذمة الميت قضاء صوم شهر، أمكن للولي
340

أن يستأجر عن الميت ثلاثة أشخاص، ليصوم كل واحد منهم عنه عشرة
أيام، أو مع التفاوت، حسب ما يتفقون عليه في عقد الإجارة.
[المسألة 218:]
الأقوى - كما ذكرناه في مبحث قضاء الصلوات - عدم وجوب
الترتيب في قضاء الفوائت من الصلوات الواجبة، إلا في الفريضتين
اللتين يجب الترتيب بينهما في الأداء، كالظهر والعصر إذا كانتا من
يوم واحد، وكالمغرب والعشاء إذا كانتا من ليلة واحدة، فيجب الترتيب
بينهما في القضاء إذا فاتتا من يوم واحد ونتيجة لذلك، فيجوز لولي
الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصلوات الفائتة من الميت،
مع مراعاة الترتيب في كل فريضتين مترتبتين في أدائهما، فإذا كان
الواجب في ذمة الميت قضاء صلاة شهر: ثلاثين يوما أمكن للولي أن
يستأجر عنه ثلاثة أشخاص، يصلي كل واحد منهم عن الميت صلاة عشرة
أيام، وإن اتفقوا في زمان القضاء.
[المسألة 219:]
لا تشرع النيابة عن شخصين في عمل واجب واحد، فلا يصح أن
يأتي الرجل بصلاة واجبة واحدة نيابة عن رجلين ميتين، أو يصوم
يوما واحدا واجبا عن شخصين، سواء كان متبرعا بالنيابة عنهما أم
مستأجرا لذلك، ولا تصح الإجارة له ولا يستحق الأجير عليه أجرة،
ولا يصح أن يستأجر شخص واحد للنيابة عن شخصين في حجة واحدة
واجبة، فيأتي بالحجة الواحدة عنهما معا.
[المسألة 220:]
لا يصح أن يستأجر شخص واحد للنيابة في حجتين في عام واحد إذا
اشترطت عليه المباشرة في كلتا الحجتين، سواء كانت الحجتان عن شخص
واحد أم عن شخصين، وسواء كان الاستيجار لهما بعقد واحد أم
بعقدين، وإذا كانتا بعقدين صحت الإجارة الأولى ووجب الوفاء بها
وبطلب الثانية.
وتصح الإجارة إذا كانت الحجتان في عامين، وإذا استؤجر كذلك وجب على
341

الأجير أن يأتي بالحجتين على الترتيب الذي استؤجر عليه، فيقدم الحجة
التي استؤجر للاتيان بها في العام الأول وإن كانت الإجارة لها متأخرة
في التاريخ، ويؤخر الحجة الثانية وإن كانت الإجارة لها متقدمة.
وتصح الإجارة لحجتين في عام واحد إذا لم تشترط على الأجير المباشرة
في العمل، فيمكن له أن يأتي بإحدى الحجتين بنفسه ويستأجر للثانية
غيره، ويمكن له أن يستأجر لكل واحدة من الحجتين أجيرا.
[المسألة 221:]
تشرع النيابة عن شخصين في عمل واحد مستحب، فيصح للرجل
أن يأتي بحجة مندوبة أو بعمرة مندوبة أو بزيارة نيابة عن شخصين،
سواء كان متبرعا بالعمل لهما أم مستأجرا له، ويصح كذلك أن يستأجر
لحجة مستحبة واحدة أو لعمرة مندوبة واحدة، أو لزيارة واحدة ثم
يهدي ثواب العمل للشخصين.
[المسألة 222:]
إذا استأجر زيد دارا معينة أو عينا أخرى مدة معلومة من مالكها،
ثم اشترى العين المستأجرة بعد ذلك لم تنفسخ الإجارة السابقة بالبيع
اللاحق، فيجب عليه أن يدفع للبائع ثمن العين وعوض الإجارة إذا
لم يكن دفعها من قبل كما تقدم بيانه في المسألة الثامنة والأربعين.
فإذا باع العين على أحد في أثناء مدة الإجارة، فلا يترك الاحتياط
بأن يشترط التبعية إذا أراد ضم المنفعة إلى العين في التمليك، ولا
يكتفي بمجرد قصد التبعية لها، وأن يشترط عدم التبعية إذا أراد
عدم ضم المنفعة إلى العين، وإذا لم يشترط شيئا منها رجع إلى المصالحة.
[المسألة 223:]
إذا استأجر الرجل العين من مالكها ملك منفعتها المقصودة في أيام
الإجارة، كما تقدم مرارا، وهذا ملك للمنفعة وليس بحق في العين،
ولذلك فلا يسقط باسقاط حقه من العين المستأجرة، ولا تخرج المنفعة
عن ملكه بذلك، ويمكن للمستأجر أن يملك المنفعة غيره بإجارة أو
342

صلح أو غيرها من النواقل الشرعية وقد بينا ذلك في ما تقدم وهذا
غير اسقاط الحق.
[المسألة 224:]
إذا وجب أن يقضى الحج عن الميت من بلده، وأريد استئجار أحد
لذلك، فلا بد من أن يستأجر الأجير ليسافر من بلد الميت إلى مكة بقصد
الحج حتى يؤدي فريضة الحج عن المنوب عنه، ولا يكفي أن يستأجر
شخص مثلا ليسافر من بلد الميت إلى الميقات، ثم يستأجر شخص آخر
ليحرم من الميقات ويسافر إلى مكة حتى يتم الحج.
[المسألة 225:]
تصح الإجارة لذكر مصائب المعصومين عليهم السلام وشهاداتهم وتأريخهم،
والتعريف بفضائلهم ومناقبهم وعلو مقامهم، وقراءة خطبهم عليهم السلام
وكلماتهم ومواعظهم، ونحو ذلك مما يثبت الايمان ويرسخ العقيدة
ويبعث على اكتساب الخلق الرضي والعمل الصالح وعلى الاستباق إلى
الخيرات والتنافس في المكرمات بل تحسن وتستحب المواظبة على
ذلك، والإجارة له، ويحل أخذ الأجرة عليه.
[المسألة 226:]
يصح للانسان أن يجمع بين إجارة وبيع في عقد واحد، وأن يجمع
بين إجارة وصلح في عقد واحد، فينحل العقد الواحد إلى عقدين،
وتترتب على كل واحد من العقدين لوازمه، وتشترط في صحة كل
واحد منهما شروطه المعتبرة فيه، وتلحقه آثاره وأحكامه.
فإذا قال الموجب: بعتك هذا الفرس، وآجرتك هذا الدكان مدة
شهر بمائة دينار، وقبل الآخر، صح بيع الفرس بحصته من العوض
المذكور في العقد، وصحت إجارة الدكان بحصته منه.
وطريق معرفة مقدار الحصة هو النسبة بحسب تقدير أهل الخبرة،
فيقدر أهل الخبرة القيمة لمثل هذا الفرس المعين، ويقدرون أجرة
المثل للدكان المعلوم في المدة المعينة، ويضبط مجموع القيمتين، ثم
تنسب قيمة الرس وحدها إلى المجموع، وتنسب أجرة مثل الدكان
343

وحدها إلى المجموع أيضا، وتكون حصة كل واحد منهما من العوض
المقرر في العقد بتلك النسبة.
فإذا كانت قيمة الفرس في نظر الخبراء ستين دينارا مثلا، وكانت
أجرة المثل للدكان في المدة المعينة عشرين دينارا، فمجموع القيمتين
في نظر أهل الخبرة هو ثمانون دينارا، ونسبة قيمة الفرس وحدها
إلى الثمانين، هي ثلاثة أرباعها، فتكون حصة الفرس من العوض
المذكور في العقد وهو المائة دينار هي ثلاثة أرباعها كذلك، وتكون
نسبة أجرة الدكان إلى الثمانين هي ربعها، فتكون حصة الدكان من
المائة دينار هي ربعها أيضا، وهكذا فيصح بيع الفرس في المثال بخمسة
وسبعين دينارا من العوض المقرر في العقد، وتصح إجارة الدكان
بخمسة وعشرين دينارا منه.
وإذا صح العقدان ترتبت عليهما أحكامهما، فيكون للبائع
وللمشتري خيار المجلس في بيع الفرس، ويثبت للمشتري فيه أيضا
خيار الحيوان مدة ثلاثة أيام، ولا يثبت الخياران المذكوران في إجارة
الدكان لأنهما مما يختص بالبيع ولا يجريان في غيره من العقود، وهكذا
في بقية الأحكام.
وإذا جمع بين بيع وإجارة في عقد واحد، وكان البيع ربويا، لوجود
تفاوت في المقدار بين الثمن والمثمن وهما من جنس واحد مما يكال
أو يوزن، كان البيع باطلا، وصحت الإجارة لعدم لزوم الربا فيها،
وإذا كان البيع بيع صرف، اشترط في صحته أن يقبض المشتري المبيع
ويقبض البائع الثمن قبل التفرق، ولم يشترط ذلك في صحة الإجارة.
وكذلك إذا قال الموجب آجرتك هذه الدار مدة شهر وصالحتك عن
هذا المتاع بخمسين دينارا، صح العقدان ووزع العوض بينهما بالنسبة،
وترتبت على كل عقد منهما آثاره ولوازمه الخاصة به، ومثله ما إذا
جمع بين إجارة وهبة معوضة، أو بينها وبين أي معاوضة أخرى.
344

[الفصل السابع]
[في بقية من أحكام الإجارة]
[المسألة 227:]
يصح أن يستأجر القارئ لتلاوة القرآن وترتيله في بعض المحافل
أو المآتم أو المناسبات الأخرى كالمجالس التي تعقد في ليالي شهر رمضان
أو التي تقام لتأبين الموتى والمثال ذلك، ولا بد من علم المستأجر بكيفية
قراءة القارئ الذي يريد أن يستأجره وبأوصافها من الصحة والجودة
والألحان المحللة التي تناسب عظمة القرآن وجلالة شأنه، إما بالاستماع
إلى قراءة القارئ أو إلى الآلة المسجلة لصوته، أو بالوصف الذي يرفع
الجهالة والغرر ولا بد في إجارته من تحديد الفرصة أو الفرص التي
يأتي فيها بالعمل المستأجر عليه، أهو مجلس واحد، أم أكثر وإذا كان
في شهر رمضان أهو في كل ليلة من الشهر أم في ليال مخصوصة منه،
وفي أي يوم يقام المجلس وفي أي مكان، وفي أي ساعة يبتدئ، ولا بد
من تقدير العمل أما بذكر مدة القراءة كالساعة والساعتين، ونحو
ذلك، وأما بتحديد مقدارها كالحزب والحزبين مثلا ويكفي التعارف
إذا كانت هناك عادة متبعة في تحديد المقدار والزمان.
[المسألة 228:]
إذا استؤجر الأجير ليختم القرآن كله وجب عليه أن يقرأ القرآن
مرتبا في السور من فاتحته إلى آخر سورة منه، ومرتبا كذلك في آيات
كل سورة، فلا يقدم سورة على موضعها من المصحف الكريم ولا يؤخرها
عنه ولا يقدم آية على موضعها من السورة ولا يؤخرها عنه وإن استوعب
جميع الآيات وجميع السور في التلاوة، فإن هذا هو الذي ينصرف إليه
الاطلاق من ختم القرآن، فيجب على الأجير العمل كذلك، إلا أن تدل
قرينة خاصة على أن مراد المستأجر تلاوة مجموع الكتاب كيفما اتفق
وإن خالف الترتيب.
ووجب عليه أيضا أن يقرأ القرآن على الوجه العربي الصحيح من حيث
الاعراب والبناء والمادة والنطق الصحيح بالحروف، فإن ذلك هو الذي
345

ينصرف إليه الاطلاق كذلك، سواء شرط المستأجر على الأجير مراعاة
الترتيب ومراعاة الصحة أم لم يشترط عليه ذلك.
نعم إذا نسي قراءة سورة أو نسي قراءة آية من السورة، كفاه أن
يقرأ السورة أو الآية التي نسي قرائتها وحدها ولم يجب عليه أن يعيد
قراءة القرآن كله، وكذلك الحكم إذا أخطأ فقرأ السورة أو الآية على
غير الوجه العربي الصحيح ثم تذكر، كفاه أن يعيد قراءة السورة أو
الآية المعينة التي وقع الغلط أو الخطأ فيها.
[المسألة 229:]
إذا أتم الأجير قراءة القرآن، ثم علم اجمالا بعد أن ختم القرآن،
إنه أخطأ في قرائته بعض الآيات من حيث الاعراب أو من حيث مبنى
الكلمات أو من حيث تبديل مخارج بعض الحروف، فلا بد له من الإعادة
على الوجه الصحيح، وإذا لم يعين المواضع المحتملة من الآيات أو السور
فلا بد له من إعادة قراءة القرآن، إلا أن تكون الإجارة على ما يحسنه.
[المسألة 230:]
إذا استؤجر الكاتب لكتابة قرآن أو كتاب أو نحوهما فأتم الكتابة
استحق الأجرة المسماة وإن وجد المستأجر أن الأجير قد أسقط كلمة
أو حرفا أو أكثر من ذلك أو كتبهما غلطا ولا يسقط حقه من الأجرة
بذلك، ولا يقاس هذا على القراءة ولا تقاس القراءة عليه.
[المسألة 231:]
تصح إجارة الصبي المميز لقراءة القرآن وترتيله في المحافل
والمناسبات، وللقراءة في المجالس والمآتم الحسينية، ولقراءة الأدعية
والزيارات، ونحو ذلك، إذا كان المؤجر له هو وليه الشرعي، ولا تصح
إجارته للنيابة عن الأموات في قضاء الصلاة والصيام عنهم، وإن قلنا
بأن عبادات الصبي المميز شرعية، ولا ملازمة بين كون عباداته شرعية
وجواز نيابته عن الغير في أداء الواجبات عنه واسقاط التكليف الثابت
عليه.
346

[المسألة 232:]
تصح إجارة الطبيب لعلاج المريض ومداواته، سواء كانت بالفحص
عن الداء ووصف الدواء، أم كانت بالمباشرة للعلاج كتضميد الجراح
وتجبير الكسور وزرق الإبر واجراء العمليات، ولا تصح الإجارة مع
عدم تعيين المدة، ولا بقيد البرء وإن كان مظنونا، ولا مع اشتراط
شئ يؤدي إلى الجهالة والغرر أو التقييد به كما إذا قيد المستأجر إجارته
بأن يكون الدواء على الطبيب مع عدم التعيين، ويصح جميع ذلك إذا
كانت المعاملة بنحو الجعالة.
[المسألة 233:]
إذا آجر الانسان نفسه للصيام أو الصلاة عن عبد الله مثلا، وحينما
أتى بالعمل المستأجر عليه قصد النيابة به عن خالد، فإن كان الأجير
قد قصد النيابة عن الشخص الذي استؤجر للعمل له، ولكنه أخطأ فتوهم
أنه خالد، صحت نيابته عن عبد الله وأجزأ العمل عنه واستحق الأجير
الأجرة المسماة له، وإن قصد بعمله النيابة عن خالد على وجه التقييد
به، لم يجز العمل عن عبد الله، ولم يستحق الأجرة المسماة في العقد،
وأجزأ العمل عن خالد إذا كان ميتا ومشغول الذمة بمثل ذلك العمل
ولم يستحق على وليه شيئا.
وكذلك الحكم في كل عمل يستأجر له الأجير نائبا عن أحد وكان
العمل مما يفتقر إلى النية كالحج والعمرة والزيارة وغيرها.
[المسألة 234:]
يصح للمالك أن يؤجر داره لزيد مثلا مدة معينة بأجرة معينة، ثم
يوكل زيدا نفسه على أن يجدد عقد إجارة الدار لنفسه مدة أخرى بعد
انتهاء المدة الأولى بمثل تلك الأجرة أو بغيرها حسب ما يتفقان عليه،
فإذا أراد زيد أن يجدد إجارة الدار لنفسه بالوكالة عن المالك وكل غيره
في القبول ليتخلص من الاشكال في وحدة الموجب والقابل، ويجوز للمالك
أن يعزل المستأجر عن وكالته بعد ذلك، وإذا عزله عن الوكالة فليس
له أن يجدد الإجارة بعد أن يبلغه خبر عزل المالك إياه وإذا جدد الإجارة
347

في هذا الحال كانت باطلة إلا إذا أجازها المالك، وإذا جدد الوكيل
الإجارة بعد أن عزله المالك وقبل أن يبلغه خبر العزل صحت إجارته
ونفذت ولم يجز للمالك فسخها.
[المسألة 235:]
إذا آجر المالك داره لزيد مدة معينة كما تقدم، واشترط المستأجر
زيد على المالك في ضمن عقد الإجارة أن يكون وكيلا عن المالك في تجديد
الإجارة عند انتهاء المدة، أشكل الحكم بنفوذ الشرط وصحة هذه
الوكالة عنه، لأنها من شرط النتيجة، ونفوذ مثل هذا الشرط مشكل.
وإذا أنشأ المالك عقد الوكالة للمستأجر بنفس اشتراط ذلك في
ضمن العقد صح الشرط وصحت الوكالة، ومثال ذلك أن يقول مالك
الدار لزيد في الايجاب: آجرتك الدار مدة سنة بمائة دينار واشترطت لك
على نفسي إنك وكيلي من هذا الوقت على أن تجدد عقد الإجارة إذا
انقضت المدة سنة أخرى بمثل الأجرة الأولى مثلا، فإذا قال المالك في
ايجابه ذلك وقصد إنشاء الوكالة للمستأجر بنفس هذا الاشتراط وقبل
المستأجر ذلك نفذ العقد وصح الشرط والتوكيل، وجاز للمالك عزل
الوكيل بعد ذلك إذا شاء، وإذا شرط في ضمن العقد أن لا يعزله، فقال
الموجب في ضمن العقد بعد العبارة المتقدمة، واشترطت لك على نفسي
أن لا أعزلك عن هذه الوكالة: نفذ الشرط والوكالة ولم يجز له عزله
بعد ذلك.
[المسألة 236:]
إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو عينا أخرى، واشترط البائع
لنفسه خيار فسخ البيع إذا هو رد الثمن على المشتري في مدة معينة،
جاز للمشتري أن يؤجر الدار أو الأرض أو العين المذكورة على أحد
مدة لا تزيد على مدة الخيار للبائع.
وهل يجوز له أن يؤجرها مدة تزيد على ذلك؟ فيه تأمل واشكال.
ويرتفع الاشكال المذكور إذا أذن البائع للمشتري في أن يؤجرها
وإن زادت مدة الإجارة على مدة الخيار، فأوقع المشتري الإجارة بإذنه،
348

ويرتفع الاشكال أيضا إذا أوقع المشتري عقد الإجارة على ذلك، وأجاز
البائع العقد بعد وقوعه من المشتري، ويرتفع الاشكال كذلك إذا أوقع
المشتري عقد الإجارة عليها، واشترط على المستأجر في العقد أن للبائع
أو للمشتري نفسه الخيار في فسخ الإجارة إذا حضر وقت خيار البائع،
فتصح الإجارة بلا ريب في هذه الفروض.
[المسألة 237:]
تقدم في المسألة المائتين والتاسعة إنه يصح أن يشترط على المستأجر
في ضمن العقد أن تكون عليه نفقة الأجير أيام إجارته، وإذا اشترط
عليه ذلك، فلا بد من تعيين مقدار النفقة المشترطة ونوعها، وكذلك
يصح أن يشترط على الأجير أن تكون عليه نفقة المستأجر أيام الإجارة،
وإذا اشترط عليه ذلك، فلا بد من تعيين النفقة المشترطة على الأجير
بما يرفع الغرر والجهالة.
ومن ذلك ما تعارف بين المقاولين الذين يحملون الحجاج أو الزوار
في أيام الحج أو العمرة أو الزيارة إلى الأمكنة المقدسة، فيؤجر المقاول
نفسه للمسافرة بالحجاج أو المعتمرين أو الزوار من البلد إلى مكة وإلى
المشاعر وإلى المدينة ثم إلى البلد، وللقيام بما يحتاجون إليه في سفرهم
وإقامتهم وعودهم من وسائل نقل وتهيئة أمور، وطعام وشراب وخدمة
ومواضع إقامة ووسائل راحة وارشاد في أعمال وغير ذلك، فتصح
الإجارة لذلك إذا عينت الأعمال والوسائل والنفقات والمنازل والأجرة
والمدة وجميع ما يقوم به الأجير على وجه يرتفع به الغرر.
ومن ذلك ما تعارف في بعض المستشفيات الخاصة، فيؤجر القائم
بأعمال المستشفى نفسه وموظفيه للقيام بما يحتاج إليه المستأجر
المريض من فحوص وكشوف وتحليلات وأدوية ومن تهيئة أمكنة وأطباء
وممرضين، ووسائل علاج ووسائل راحة ومن طعام وشراب ووسائل
تغذية أخرى وخدمة، حسب حاجة المريض وارشاد الطبيب ونحو ذلك،
فتصح الإجارة إذا عينت الأعمال والنفقات والوسائل والأماكن والأجرة
والمدة على وجه ترتفع به الجهالة والغرر.
349

[المسألة 238:]
إذا اكترى صاحب المال أجيرا ليوصل ماله إلى بلد معين في مدة معينة،
فسافر الأجير بالمال وحدث في أثناء سفره ما يمنعه من ايصال المال إلى
المقصد المعين، فالظاهر بطلان الإجارة بذلك لتعذر حصول العمل
المستأجر عليه، أو لتعذر اتمامه.
فإذا كان متعلق الإجارة هو أن يوصل الأجير المال إلى البلد المقصود،
ولا مقصد للمستأجر من سفر الأجير بالمال سوى أنه وسيلة لإيصاله إلى
ذلك البلد، لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة المسماة، لعدم حصول
العمل المستأجر عليه.
وإذا كان متعلق الإجارة هو أن يسافر الأجير بالمال حتى يوصله إلى
البلد المعين بحيث كان قطع المسافة جزءا من مجموع العمل المستأجر
عليه، استحق الأجير من الأجرة المسماة بنسبة ما قطعه من المسافة في
سفره إلى مجموع المسافة وايصال المال إلى المقصد، فإذا كان ما قطعه
من المسافة نصف ما تعلقت به الإجارة، استحق الأجير نصف الأجرة،
وإذا كان ربعه استحق ربع الأجرة.
وإذا اتفق - وإن كان نادر الوقوع - أن يكون متعلق الإجارة هو
مجموع السفر بالمال وايصاله إلى البلد على سبيل الانضمام ووحدة
المطلوب، بحيث لا مقصد للمستأجر في سفر الأجير إذا لم يوصل المال،
ولا مقصد له في ايصال المال إذا لم يسافر به، فالظاهر عدم استحقاق
الأجير من الأجرة شيئا.
[المسألة 239:]
إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل مركب من أجزاء، واشترط عليه
أن يأتي بالعمل بنفسه، وابتدأ الأجير في العمل المستأجر عليه ثم حدث
له ما يمنع من اتمام العمل، بطلت الإجارة كما تقدم في المسألة المتقدمة.
فإن كانت أجزاء العمل المركب المستأجر عليه في حال انفراد بعضها
عن بعض يكون كل جزء منها على انفراده موضوعا للغرض، وللمالية
في نظر العقلاء من الناس، وزعت الأجرة المسماة على أجزاء العمل،
350

ونتيجة لذلك فيستحق الأجير في الصورة المذكورة من الأجرة
بنسبة ما أتى به من أجزاء العمل، ويسقط حقه من الباقي
ومثال ذلك أن يستأجر الأجير لصيام ثلاثين يوما، فيصوم من عمله
المستأجر عليه عشرة أيام، ويتعذر عليه اتمام الباقي، فيستحق ثلث
الأجرة المسماة، فإن صيام كل يوم موضوع يحقق بعض الغرض المقصود
وهو كذلك موضوع للمالية في نظر العقلاء، وكذلك إذا استؤجر لخياطة
ثوبين فخاط أحدهما ولم يتمكن من خياطة الثاني وإن كانت أجزاء
العمل المستأجر عليه مترابطة في الوفاء بالغرض المقصود بحيث لا تكون
في حال انفراد بعضها عن بعض محققة للغرض ولا موضوعا للمالية في
نظر أهل العرف لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة في الصورة المذكورة،
ومثال ذلك أن يستأجر الأجير لقضاء صوم يوم واحد، فيصوم
نصف النهار ولا يتمكن من اتمامه، أو يستأجر لصلاة فريضة واحدة
فيصلي منها ركعة أو ركعتين ولا يمكنه اتمام الصلاة، فلا يستحق من
الأجرة شيئا، فإن صيام نصف النهار وأداء نصف الصلاة لا يحقق
غرضا ولا يعد مالا.
وإذا استأجر الرجل أجيرا للعمل المركب ولم يشترط عليه المباشرة
في العمل، وشرع الأجير فيه ثم حدث له ما يمنعه من اتمامه لم تبطل
الإجارة واستحق الأجير الأجرة المسماة ووجب عليه في الصورة الأولى
أن يستأجر أجيرا غيره لاتمام العمل من حيث انقطع عمله، ووجب عليه
في الصورة الثانية أن يستأجر أجيرا ليقوم بالعمل كله من أوله.
[المسألة 240:]
إذا اكترى الانسان أجيرا لعمل مركب ذي أجزاء كما تقدم وكان
للأجير حق الخيار، فإن فسخ الإجارة قبل شروعه في العمل، انفسخت
الإجارة ولم يستحق من الأجرة شيئا، وإن فسخ الأجير الإجارة بعد أن
أتم العمل كله انفسخت الإجارة كذلك، واستحق هو أجرة المثل لعمله
الذي أتى به، واستوفاه المستأجر منه، وإذا فسخ الأجير الإجارة في
أثناء العمل، وكانت أجزاء العمل مترابطة على ما أوضحناه في المسألة
المتقدمة، انفسخت الإجارة ولم يستحق من الأجرة شيئا.
351

وإذا فسخ الإجارة في أثناء العمل وكانت أجزاء العمل غير مترابطة
في الوفاء بالغرض، بحيث كان كل جزء من الأجزاء في حال انفراده عن
بقية الأجزاء محققا لبعض الغرض المقصود في الإجارة وموضوعا للمالية
في نظر العقلاء وأهل العرف، جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في المسألة
التاسعة والسبعين.
فإذا كان سبب الخيار الذي أخذ به الأجير وفسخ من أجله عقد
الإجارة ثابتا من حين صدور العقد، كما إذا كان مغبونا من حين العقد
ولم يعلم بالغبن في ذلك الحال ثم علم به في أثناء العمل، وكما إذا كان
في عين الأجرة المعينة التي جرى عليها العقد عيب موجود حين العقد أو
قبله ولم يعلم به الأجير إلا في أثناء العمل، وكما إذا اشترط الأجير
لنفسه خيار الفسخ في مدة معلومة، ففي هذه الصور ونحوها، يتخير
الأجير بين أن يفسخ عقد الإجارة من أصله، فإذا فسخه كذلك لم يستحق
من الأجرة المسماة شيئا، وتثبت له أجرة المثل لما جاء من أجزاء العمل
ويجوز له أن يفسخ الإجارة من ذلك الحين لا من حين صدور العقد،
فإذا فسخ الإجارة كذلك استحق من الأجرة المسماة بنسبة ما جاء به
من أجزاء العمل إلى مجموع العمل المستأجر عليه، فإذا كان ما أتى به
نصف الأجزاء استحق عليها نصف الأجرة، وإن كان ثلثها أو ربعها
استحق منها بتلك النسبة ورد الباقي على المستأجر.
وإذا كان سبب الخيار للأجير طارئا في أثناء المدة ففسخ بموجب
خياره الطارئ قسمت الأجرة المسماة كما تقدم، فاستحق الأجير منها
بنسبة ما أتى به من أجزاء العمل إلى المجموع ورد الباقي منها إلى
المستأجر.
[المسألة 241:]
إذا آجر المالك داره المعينة لشخص وملكه بالإجارة جميع منافعها مدة
معينة، لم يجز للمالك أن يؤجر الدار لغير المستأجر الأول في المدة
المعينة، وإذا آجرها لغيره كذلك كانت الإجارة الثانية فضولية فلا تصح
إلا بإجازة مستأجر الدار الأول، وإذا هو أجازها صحت الإجارة له
ولم تصح لمالك الدار.
352

وكذلك الحكم إذا آجر المالك الدار لشخص وملكه بالإجارة منفعتها
الخاصة وهي السكنى مثلا، فلا يجوز للمالك أن يؤجرها للسكنى أيضا
لغير المستأجر الأول، وإذا أجاز المستأجر الأول إجارته صحت الإجارة
للمستأجر لا للمالك.
وإذا كان مالك الدار قد اشترط في الإجارة على المستأجر الأول أن
يسكن الدار بنفسه ثم آجرها المالك لآخر، أشكل الحكم بصحة الإجارة
للمستأجر الأول إذا أجازها، لأنه إنما ملك سكناها بنفسه ولم يملك
أن يؤجرها لغيره.
[المسألة 242:]
إذا آجر المالك داره المعينة لشخص ليسكنها سنة كاملة مثلا، يصح
للمالك أن يؤجر الدار لشخص آخر في سنة ثانية، وقد تقدم إن مدة
الإجارة لا يجب أن تكون متصلة بالعقد.
وإذا آجرها لأحد للسكنى سنة كاملة من حين العقد، ثم آجرها
لشخص غيره سنتين من حين العقد، فالظاهر صحة إجارة المالك للثاني
في السنة الثانية، ولا تصح إجارته للثاني في السنة الأولى، إلا إذا
أجازها المستأجر الأول، وإذا هو أجازها صحت الإجارة له ولم تصح
للمالك كما تقدم، وإذا لم يجزها المستأجر الأول بطلت كما ذكرنا
وكان للمستأجر خيار الفسخ في إجارة السنة الثانية لتبعض الصفقة
إذا كان جاهلا.
[المسألة 243:]
إذا استؤجر الشخص للصلاة عن ميت وأطلق المستأجر الإجارة فلم
يعين في العقد شيئا من حيث اشتمال الصلاة على المستحبات انصرف
العقد إلى المتعارف، فيجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على الوجه
المتعارف في المستحبات، وإذا أصبح المتعارف بين الناس في صلاة
الاستئجار أن يترك فيها بعض المستحبات أو أكثرها جاز للأجير تركها
وإن كانت من المتعارف في غيرها من الصلوات.
353

[المسألة 244:]
إذا نسي الأجير فترك في صلاته عن الميت بعض المستحبات التي
اشترط عليه في عقد الإجارة أن يأتي بها في عمله، أو التي يقتضي
اطلاق عقد الإجارة لزوم الاتيان بها، أو نسي فترك في صلاته بعض
الأجزاء الواجبة غير الأركان، فللمسألة صور ولكل صورة حكمها،
وقد تعرضنا لتفصيلها في المسألة الألف والسابعة والعشرين من كتاب
الصلاة في رسالتنا كلمة التقوى فليرجع إليها من أحب.
[المسألة 245:]
إذا استؤجر الشخص للحج عن ميت، فأحرم الأجير نيابة عن الميت
بعمرة التمتع أو بحج الافراد أو القران ودخل الحرم، ثم مات، برئت
ذمة الميت المنوب عنه من التكليف المتوجه إليه بالحج. فإن كانت إجارة
الأجير على ابراء ذمة الميت من التكليف بالحج استحق الأجير جميع
الأجرة المسماة، وإن كانت إجارته على أن يأتي بأعمال الجح المخصوصة،
استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال إلى مجموعة الأعمال
المستأجر عليها، وإذا مات قبل الاحرام لم يستحق من الأجرة شيئا، وإذا
كانت الإجارة لحجة بلدية فالظاهر بمعونة القرائن دخول السير وقطع
المسافة إلى الحج في متعلق الإجارة على نحو الجزئية ونتيجة لذلك فإذا
مات الأجير قبل الاحرام استحق من الأجرة ما يقابل سفره من البلد إلى حين
موته، وإذا كانت الإجارة لحجة ميقاتية لم يستحق على سفره قبل الميقات
والاحرام منه شيئا.
[المسألة 246:]
إذا مات الأجير للحج عن الغير بعد الاحرام وقبل الدخول في الحرم،
أشكل الحكم بأجزاء علمه عن المنوب عنه، فقد يستفاد من اطلاق بعض
الأدلة في المقام أجزاء عمل الأجير عن المنوب عنه حتى في هذه الصورة،
ونتيجة لذلك فإذا كانت إجارة الأجير على افراغ ذمة الميت من التكليف
كان الأجير مستحقا لجميع الأجرة المسماة، والحكم في هذه الصورة
مشكل، فلا بد من مراعاة الاحتياط في كل من الحكم بفراغ ذمة المنوب
عنه، والحكم باستحقاق الأجير جميع الأجرة.
354

وإذا كانت الإجارة على الاتيان بأعمال الحج المخصوصة استحق
الأجير من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال ومن السير من البلد
وقطع المسافة إلى حين موته إذا كانت الإجارة لحجة بلدية كما تقدم.
[المسألة 247:]
إذا استوفى الرجل منفعة العين المملوكة لغيره، ثم اختلف هو مع
مالك العين، فادعى هو أنه كان قد استأجر العين من المالك بأجرة معينة،
وأنكر المالك وقوع الإجارة.
والمتعارف في مثل هذا التنازع أن تكون أجرة المثل لتلك المنفعة
التي استوفاها الرجل أكثر من الأجرة المسماة، ولذلك أنكر المالك
الإجارة لتكون له أجرة المثل، فإذا أنكر المالك الإجارة كان القول قوله
مع يمينه، فإذا أحلف المالك كانت على الرجل أجرة المثل لأنه قد
استوفى المنفعة.
وإذا اتفق أن الأمر بعكس ذلك، فكانت الأجرة المسماة التي يعترف
بها الرجل أكثر من أجرة المثل، استحق المالك أجرة المثل فقط لاعتراف
الجميع بأن المالك يستحق هذا المقدار أما لأنه أجرة المثل كما يقول
المالك أو لأنه بعض الأجرة المسماة كما يقول مستوفي المنفعة، ولا موجب
لتوجه اليمين على المالك، لأن الدعوى غير ملزمة، ولا يجوز للمالك
أن يأخذ الزيادة التي يعترف بها مستوفي المنفعة لأنه يعترف بعدم
استحقاقها، وإن وجب على الرجل أن يوصلها إلى المالك إذا كان يعلم
أن المالك يستحق عليه الأجرة المسماة كما اعترف له بها.
[المسألة 248:]
إذا ادعى مالك العين إنه قد آجر العين على المدعى عليه مدة معينة
بأجرة مسماة، وأنكر المدعى عليه وقوع هذه الإجارة، وقد استوفى
المدعى عليه منفعة العين.
والمتعارف في مثل هذا الاختلاف أن تكون أجرة المثل أقل من الأجرة
المسماة ولذلك ينكر المدعى عليه وقوع الإجارة ليدفع للمالك أجرة
المثل، فإذا أنكر المدعى عليه الإجارة قدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف
355

المدعى عليه سقطت دعوى المالك واستحق على المدعى عليه أجرة المثل
لاستيفائه المنفعة.
وإذا اتفق الأمر بعكس ذلك فكانت أجرة المثل أكثر من الأجرة
المسماة، استحق المالك على المستوفي الأجرة المسماة فقط ولم يستحق
الزيادة بمقتضى اقراره، ولم تتوجه اليمين على المنكر كما في المسألة
السابقة، وإن وجب على المدعى عليه ايصال الزيادة التي اعترف بها
إلى المالك إذا كان يعلم أنه قد استحقها عليه.
[المسألة 249:]
إذا اختلف المالك والمستأجر في مقدار ما استأجره منه، فقال أحدهما
إن المستأجر هو جميع الدار، وقال الآخر المستأجر هو نصف الدار،
أو قال أحد المتعاقدين المستأجر جريب واحد من هذه الأرض، وقال
الثاني هو جريب ونصف منها، فالقول قول من يدعي الأقل مع يمينه.
وكذلك الحكم في ما إذا اختلف المستأجر والأجير في العمل المستأجر
عليه، فقال أحدهما هو صلاة شهر واحد، وقال الآخر هو صلاة شهرين،
أو قال أحدهما إنه خياطة ثوب وقال الثاني إنه خياطة ثوبين فيقدم
قول من يدعي الأقل مع يمينه.
[المسألة 250:]
إذا استأجر الرجل من المالك دابة أو سيارة أو غيرهما مدة معينة،
وانقضت المدة ثم اختلفا فقال أحدهما قد ردت العين المستأجرة إلى
مالكها، وأنكر الآخر الرد، فالقول قول من ينكر الرد مع يمينه،
وكذلك إذا اختلفا في رد الجميع أو البعض، فقال أحدهما قد رددت
السيارتين معا وقال الآخر ردت سيارة واحدة ولم ترد الأخرى.
[المسألة 251:]
إذا استأجر الشخص ملاحا أو سائقا أو مكاريا لينقل له متاعا إلى
مكان معين، وسلمه المتاع، ثم ادعى الأجير إن المتاع قد تلف من غير
تعد ولا تفريط، وأنكر المستأجر تلف المتاع أو ادعى على الأجير التعدي
أو التفريط، فالقول قول الأجير مع يمينه، وكذلك إذا استأجر الصائغ
356

لصياغة خاتم أو قرط أو غيرهما وسلم إليه الفضة أو الذهب، فادعى
الصائغ تلف المال وأنكره المالك أو ادعى عليه التعدي أو التفريط
فالقول قول الصائغ مع يمينه، وهكذا الحكم في كل عامل يؤتمن على
مال.
[المسألة 252:]
إذا اختلف المالك والمستأجر في مقدار الأجرة المسماة فقال المالك
إنه آجر الدار على المستأجر مدة شهر بمائة دينار، وقال المستأجر بل
كانت الأجرة سبعون دينارا، فالقول قول من ينكر الزيادة، وهو المستأجر
في المثال المذكور مع يمينه، وهكذا إذا اختلف المستأجر والأجير في
مقدار الأجرة.
[المسألة 253:]
إذا تنازع المؤجر والمستأجر، فادعى أحدهما إنه اشترط على صاحبه
شرطا في ضمن العقد وأنكر الآخر هذا الاشتراط، فالقول قول من
ينكر الشرط مع يمينه.
[المسألة 254:]
إذا آجر المالك الدار أو البستان لأحد مدة بأجرة معلومة، ثم اختلفا
في مقدار المدة فقال أحدهما مدة الإجارة شهران، وقال الثاني بل هي
شهر واحد، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه.
[المسألة 255:]
إذا وقعت الإجارة بين المؤجر والمستأجر، ثم اختلفا، فادعى أحد
المتعاقدين صحة المعاملة، وادعى الآخر فسادها، فالقول قول من يدعي
الصحة مع يمينه.
[المسألة 256:]
إذا اختلف المالك والمستأجر فقال المالك إني آجرتك الدكان المعين
مدة شهر بمائة دينار، وقال المستأجر إنك آجرتني الدار المعينة مدة
شهر بمائة دينار، أو بالعكس، كان ذلك من التداعي ورجعا إلى
357

التحالف، فيحلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر وتسقط
الدعويان.
وكذلك الحكم إذا اختلفا فقال أحدهما إن الأجرة المسماة هي مائة
دينار بحراني، وقال الآخر إنها مائة دينار كويتي، فيتحالف الطرفان
وتسقط الدعويان بالتحالف.
[المسألة 257:]
إذا استأجر الرجل أجيرا ليحمل له متاعا، فحمل الأجير المتاع إلى
الكوفة مثلا، فقال له المستأجر إنما استأجرتك لتحمل متاعي إلى كربلاء،
ونازعه الأجير فقال أنك استأجرتني لأحمل المتاع إلى الكوفة وقد حملته
إليها، كان ذلك من التداعي بينهما، فيلزم تحالفهما، فيحلف كل
واحد منهما على نفي مدعى الآخر وتسقط بذلك كل من الدعويين،
ولا يستحق الأجير شيئا.
وإذا حمل الأجير المتاع إلى الكوفة وادعى أن الإجارة كانت إلى ذلك
البلد وأنكر المستأجر الإجارة إلى الكوفة ولم يدع الإجارة إلى بلد آخر
كان منكرا، فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف المستأجر لم
يستحق الأجير الأجرة المسماة التي يدعيها.
وإذا طلب المستأجر من الأجير بعد الحلف أن يرد المتاع إلى المكان
الأول الذي نقله منه وجب عليه ذلك، ولا يجوز للأجير أن يرد المتاع
إلى ذلك المكان إذا لم يرض المستأجر بالرد، وإذا تلف المال أو حدث
فيه عيب كان الأجير ضامنا لذلك.
[المسألة 258:]
إذا خاط الخياط القماش قباءا، فادعى المستأجر أنه إنما استأجر
الخياط ليخيطه قميصا، وادعى الخياط أنه استأجره ليخيطه قباءا كما
فعل، كان ذلك من التداعي فيلزم تحالف المتداعيين، وإذا تحالفا سقطت
الدعويان ولم يستحق الخياط على عمله شيئا.
وإذا خاط الخياط القماش قباءا، وادعى أن المستأجر أمره بذلك
358

وطالبه بأجرة عمله، وأنكر المستأجر أنه أذن له بما صنع، كان المستأجر
منكرا، فيقدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف لم يستحق الأجير على علمه
شيئا وضمن للمستأجر أرش النقص الذي حصل في القماش بسبب فعله.
[المسألة 259:]
إذا ادعى الأجير تلف المال بيده من غير تعد منه ولا تفريط، فأقام
المستأجر بينة على أن الأجير قد أتلف المال أو أقام البينة على أنه قد
تعدى أو فرط كان الأجير ضامنا لتلف المال، وكذلك إذا توجه عليه
اليمين في دعوى التلف من غير تعد أو تفريط فنكل عن اليمين، فيكون
الأجير ضامنا في هذه الموارد، ولكن يكره تضمينه فيها، بل يكره تضمينه
في جميع الموارد التي يحكم فيها بضمانه شرعا.
359

[كتاب المضاربة]
361

[كتاب المضاربة]
وهو يحتوي على عدة فصول.
[الفصل الأول]
[في عقد المضاربة وشرائطها]
[المسألة الأولى:]
المضاربة معاقدة بين شخصين يكون رأس المال من أحدهما، والعمل
والاتجار برأس المال من الآخر، بحصة معينة للعامل من الربح الحاصل
بينهما، فيقال: ضارب زيد عمرا، يعني أنه اتجر لعمرو بماله بحصة
من ربح المال، فالعامل وهو زيد مضارب بصيغة اسم الفاعل، ومالك
المال وهو عمرو مضارب له بصيغة اسم المفعول، وتسمى المضاربة في
لغة أهل الحجاز قراضا، فمالك المال مقارض بصيغة اسم الفاعل
والعامل مقارض بصيغة اسم المفعول، ولا يطلق المضارب بصيغة اسم
الفاعل على مالك المال، ولا يطلق المقارض بصيغة اسم الفاعل على
العامل.
[المسألة الثانية:]
المضاربة عقد من العقود، ولذلك فلا بد فيها من الايجاب والقبول،
ويكون الايجاب من مالك المال والقبول من العامل، ويكفي في الايجاب
والقبول كل ما يدل على إنشاء المعنى المقصود في المعاملة ويكون ظاهرا
فيه ظهورا عرفيا من لفظ أو فعل.
ومن أمثلة ذلك أن يقول المالك للعامل: ضاربتك أو قارضتك أو
عاملتك أو عاقدتك على أن تتجر لي برأس المال المعين، ويكون لك
نصف الربح الحاصل من التجارة أو الثلث منه مثلا، فيقول العامل
قبلت أو رضيت، ولا يعتبر في اللفظ أن يكون بصيغة الفعل الماضي
أو يكون باللغة العربية، فيصح انشاء العقد بأي صيغة من اللغة
العربية، وبأي لغة غيرها يحسنها المتعاقدان، وتجري فيها المعاطاة على
الأقوى فيصح انشاء العقد بالفعل كما يصح انشاؤه بالقول.
363

[المسألة الثالثة:]
إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليتجر به واشترط المالك أن يكون ربح
المال مشتركا بينه وبين العامل على التساوي أو على التفاوت لكل منهما
حصة معينة، صح ذلك مضاربة، وكان ذلك من إنشاء العقد بالفعل،
فيقصد المالك انشاء المضاربة بدفع المال إلى العامل، ويقصد العامل
انشاء قبول المضاربة بقبضه المال من المالك، ويكون من المعاطاة في
المضاربة.
[المسألة الرابعة:]
إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليتجر له به، واشترط على العامل أن
يكون جميع الربح الذي يحصل من التجارة لمالك المال، كان ذلك بضاعة
لا مضاربة، وكذلك إذا دفع إلى العامل المال ليتجر له به ولم يشترط
عليه شيئا، فإن ربح المال يكون لمالك المال عند اطلاق المعاملة عليه،
فإذا اتجر العامل بالمال فالربح يكون جميعه للمالك في كلتا الصورتين،
ولا يستحق العامل من الربح شيئا، بل يستحق على المالك أجرة المثل
لعمله ومنفعته التي استوفاها المالك منه.
وإذا قصد العامل التبرع بعمله لم يستحق عليه أجرة المثل، وكذلك
إذا اشترط المالك عليه عدم الأجرة وقبل العامل بالشرط ومثله ما إذا
دلت القرائن الخاصة أو العامة على عدم الأجرة فيكون ذلك بحكم
الشرط.
[المسألة الخامسة:]
إذا دفع الانسان إلى غيره مالا ليتجر لنفسه بالمال، واشترط أن
يكون ربح المال كله للعامل كان ذلك بحكم القرض، ولم يستحق المالك
من الربح شيئا، سواء قصد بذلك اقراض العامل أم لم يقصد
ذلك، نعم يشكل الحكم إذا قصد بذلك إنشاء المضاربة فتكون مضاربة
فاسدة، ويشكل عدم استحقاق المالك من الربح شيئا في هذه الصورة
وإن اشترط المالك ذلك.
[المسألة السادسة:]
يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون بالغا، وأن يكون
364

عاقلا، وأن يكون مختارا، وأن يكون قاصدا على النهج الذي سبق
بيانه في كتاب التجارة وفي كتاب الإجارة، فلا تصح مضاربة المالك،
ولا مضاربة العامل إذا كان صبيا، أو كان مجنونا أو كان مكرها، أو
كان هازلا في معاملته أو غالطا.
ويشترط في كل واحد منهما أن يكون غير محجور عليه لسفه، فلا
تصح المضاربة إذا كان أحدهما ممن حجر عليه لذلك، ويشترط في
المالك أن يكون غير محجور عليه لفلس، ولا يشترط ذلك في العامل
على الأقوى.
[المسألة السابعة:]
الأحوط لزوما أن لا يكون رأس المال في المضاربة منفعة من المنافع،
فلا تصح المضاربة إذا كان رأس المال منفعة دار أو بستان أو غيرهما
من الأعيان على الأحوط، إلا إذا عاوض على المنفعة المملوكة له بمال
وأجريت المضاربة على المال بعد قبضه والأقوى عدم صحة المضاربة
إذا كان رأس المال دينا، إلا إذا قبض الدين وأجرى المضاربة على المال
بعد قبضه.
ونتيجة لذلك فيشترط في رأس المال في المضاربة أن يكون عينا،
لا منفعة ولا دينا، من غير فرق بين أن يكون الدين على العامل أو على غيره.
[المسألة الثامنة:]
لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال فيها من الذهب أو
الفضة المسكوكين خاصة فتصح المضاربة على الظاهر إذا كان رأس المال
فيها من الأوراق النقدية المتداولة بين الناس، أو كان من المسكوكات
الأخرى النحاسية أو النيكلية أو غيرها إذا كانت متداولة في التعامل بها
والأخذ والعطاء بين الناس.
[المسألة التاسعة:]
يشترط في المضاربة أن يكون رأس المال فيها معلوما في مقداره وفي
وصفه، فلا تصح المضاربة إذا كان المال مجهول القدر أو مجهول الوصف
وإن كان مشاهدا، ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الجهالة به تؤول إلى
365

العلم، ومثال ذلك أن يشير المالك إلى كيس أو صندوق فيه مال ويقول
للعامل ضاربتك بما في هذا الكيس أو بما في هذا الصندوق من المال،
ثم يدفعه المالك إلى العامل، فيعدان معا ما فيه من المال ويعلمان بقدره
ووصفه، فتصح المضاربة، ولا تقدح فيها هذه الجهالة.
[المسألة العاشرة:]
يشترط على الأحوط لزوما في رأس المال أن يكون معينا، فلا تصح
المضاربة على الأحوط إذا كان للمالك مالان معينان فقال للعامل:
قارضتك بأحد هذين المالين، أو قال قارضتك بأي هذين المالين شئت،
وتصح المضاربة إذا كان رأس المال مشاعا وكان معلوم المقدار والوصف،
فإذا كان للمالك ألف دينار معين وقال للعامل ضاربتك بنصف هذا
المال، صحت المضاربة، وكذلك إذا كان الألف مشتركا بينه وبين غيره
على التنصيف مثلا فقال للعامل قارضتك بحصتي من هذا الألف، وهما
يعلمان بمقدار الحصة.
[المسألة 11:]
يعتبر في صحة المضاربة أن تكون حصة كل من العامل والمالك معينة
المقدار من الربح نصفا منه أو ثلثا أو غيرهما، ويكفي في التعيين أن
تكون عادة عامة متبعة في المضاربات بتعيين حصة خاصة من الربح،
فيكون ذلك قرينة ينصرف إليها العقد.
وقد يقال بالصحة مع التعيين الاجمالي، ومثال ذلك أن يجعل للعامل
من الربح مثل حصة عامله الآخر وهو زيد، إذا علما بمقدار حصة زيد
بعد العقد، ولكن لا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بذلك فيعينان الحصة
في العقد تفصيلا.
[المسألة 12:]
يشترط في المضاربة أن يكون الربح بين المالك والعامل دون غيرهما،
فإذا شرطا في عقد المضاربة أو شرط أحدهما أن يعطى شئ من الربح
لأحد أجنبي لم تصح مضاربة، إلا إذا كان لذلك الأجنبي عمل يتعلق
بتجارتهما، فتصح مضاربة حين ذلك لأنه عامل أيضا.
366

ولا فرق في الحكم بين أن يكون الأجنبي حرا أو عبدا مملوكا لأحد
المتعاقدين أو لغيرهما، والظاهر أن المعاملة المذكورة إذا شرط فيها
جزء من الربح للأجنبي لا تصح مضاربة كما ذكرنا ولكنها تصح معاملة
مستقلة بنفسها وتشملها العمومات وأدلة الوفاء بالشرط، فتكون
نافذة.
[المسألة 13:]
يشترط في المضاربة أن يكون العمل وطلب الربح فيها بمتاجرة
العامل بالمال، فلا تصح المضاربة إذا دفع المالك رأس المال إلى عامل
ذي صنعة ليعمل به في صنعته، فيدفعه إلى نجار ليعمل بالمال في تجارته
أو إلى زارع ليعمل به في زراعته أو إلى ذي حرفة أخرى ليصرفه
في حرفته ويكون الربح الحاصل من ذلك مشتركا بينهما، والظاهر
أن المعاملة المذكورة وإن كانت لا تصح مضاربة ولكنها تصح معاملة
مستقلة تدل على صحتها العمومات وقد تقدم نظيرها.
[المسألة 14:]
لا يجوز المضاربة في الدراهم المغشوشة التي لا يقبلها الناس في
التعامل ما بينهم، ولا يرضون بها في الأخذ والعطاء لغشها، ولا تصح
المضاربة بها كما لا تجوز أي معاملة فيها إذا كان الشخص الذي تدفع
إليه جاهلا بأمرها، وليرجع إلى المسألة الخامسة عشرة من كتاب التجارة
من الرسالة.
[المسألة 15:]
لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال بيد العامل، فتصح
المعاملة إذا كان العامل متسلطا على التصرف في رأس المال حسب ما تراضى
عليه المتعاقدان في مضاربتهما وإن لم يكن المال بيده، بل كان بيد
المالك أو بيد أمين آخر أو في مصرف أو بنك أو متجر، ويمكن للعامل
أن يأخذ منه ما شاء متى شاء.
[المسألة 16:]
يشترط في العامل أن يكون قادرا على العمل الذي يضاربه المالك
367

عليه، فإذا كان المقصود من المضاربة هو أن يتجر العامل بالمال بأي
وجه اتفق من وجوه التجارات المباحة، اشترط في العامل أن يكون قادرا
على الاتجار ولو في نوع مخصوص منها، فيكفي في الصحة أن يكون
قادرا على المتاجرة بالحبوب أو بالأقمشة مثلا، ولا تصح المضاربة إذا
كان العامل عاجزا عن الاتجار في جميع وجوه التجارات، وكذلك إذا
قيد المالك المضاربة بنوع خاص من أنواع التجارة وكان العامل لا يقدر
على الاتجار بذلك النوع، كما إذا قيد المالك المضاربة بالمتاجرة بالجواهر
وكان العامل غير قادر على ذلك فلا تصح المضاربة، وهذا كله إذا كان
المالك قد قيد المضاربة مع العامل بأن يباشر الاتجار بالمال بنفسه.
وإذا ضاربه واشترط عليه أن يباشر التجارة بنفسه وكان الشرط
لا بنحو التقييد، وكان العامل عاجزا عن الاتجار لم يبطل عقد المضاربة
وثبت للمالك خيار تخلف الشرط، فيجوز له أن يفسخ المضاربة ويجوز
له أن يبقى المضاربة فيستأجر العامل عاملا آخر يتجر لهما بالمال.
وإذا ضارب المالك العامل للتجارة ولم يشترط عليه المباشرة بنفسه
ولم يقيد المضاربة بذلك صحت المضاربة فإذا كان العامل عاجزا عن
الاتجار بنفسه أمكن له أن يتخذ عاملا غيره يقوم بالتجارة أو يتخذ معينا
يعينه فيها، وتجري الأحكام المذكورة في ما إذا طرأ العجز للعامل عن
الاتجار بعد أن كان قادرا في أول الأمر.
[المسألة 17:]
إذا دفع المالك إلى العامل مبلغا كبيرا من المال ليتجر به، وكان العامل
قادرا على المتاجرة في البعض، ولكنه يعجز عن الاتجار بذلك المبلغ من
المال كله، فإن قيد المالك مضاربته بأن يتجر العامل بجميع المال جرت
في هذا الفرض الأحكام التي ذكرناها في المسألة السابقة.
فإذا كان المالك قد قيد عقد المضاربة أيضا بأن يباشر العامل المتاجرة
بالمال بنفسه كانت المضاربة باطلة لعدم القدرة، وإذا كان قد شرط
على العامل مباشرة الاتجار بنفسه ولم يقيد المضاربة بذلك صحت
المضاربة وكان للمالك خيار تخلف الشرط على النهج الآنف ذكره.
368

وإذا لم يشترط المالك المباشرة على العامل ولم يقيد المضاربة بها صحت
المضاربة، وجاز للعامل أن يستأجر غيره ممن يقوم بالتجارة أو يعينه
فيها، وهذا كله في ما إذا قيد المالك المضاربة بأن يتجر العامل بجميع
المال.
وإذا ترك المالك الأمر في ذلك إلى مشيئة العامل، فالظاهر صحة
المضاربة في المقدار الذي يمكن للعامل الاتجار به من المال، فإذا اتجر
به استحق حصته من ربحه، وتبطل المضاربة في المقدار الزائد الذي
يعجز عن الاتجار به، وفرض أنه غير قادر على الاتجار بالمقدار الزائد،
يعني أنه لم يعمل به، ولذلك فلا يستحق منه شيئا، والظاهر أيضا عدم
ضمان العامل إذا تلف المال.
وإذا كان العامل قادرا في ابتداء الأمر على الاتجار بالجميع، ثم
طرأ له العجز وجب عليه أن يرد الزائد على المالك فإذا هو لم يرده مع
امكان الرد كان ضامنا له إذا تلف أو حدث فيه عيب.
[المسألة 18:]
لا تصح المضاربة إذا كان رأس المال دينا كما ذكرنا في المسألة
السابعة، سواء كان الدين على العامل نفسه أم على غيره، فإذا عين
المدين الدين وقبضه المالك أو وكيله أو وليه إذا كان قاصرا صحت
المضاربة به، وإذا كان للمالك مال شخصي في يد انسان قد أودعه
المالك إياه أو ائتمنه عليه بأحد أنواع الائتمان، جاز للمالك أن
يضارب أحدا بذلك المال ثم يوكل العامل في قبضه سواء كان بيد العامل
نفسه أم بيد غيره.
ويجوز للمالك أن يوكل العامل في قبض دينه في ذمة المدين، فإذا
قبضه العامل من المدين كان أمانة بيده وصح للمالك أن يجعله رأس
مال ويضارب العامل به.
نعم، الأحوط لزوما أن لا يتولى العامل طرفي العقد في المضاربة،
فيوكله المالك على اجراء العقد على الأمانة التي بيده أو على الدين الذي
369

في ذمته بعد أن يعينه للمالك، فيوجب العامل عقد المضاربة فيه بالوكالة
عن المالك ثم يقبلها لنفسه.
[المسألة 19:]
إذا كان للمالك مال معين بيد العامل قد استولى عليه غاصبا، ثم
أجرى المالك مع العامل عقد المضاربة بذلك المال المغصوب صحت
المضاربة به، فإذا أذن المالك للعامل في قبض المال بعد عقد المضاربة
وسلطه على التصرف فيه في شؤون المضاربة ارتفع عنه الحكم بالضمان
وأصبحت يده على المال يد أمانة، وكذلك إذا اشترى العامل بعد العقد
بعض السلع في الذمة للمضاربة فيها، وأذن المالك له في دفع المال
المغصوب ثمنا لها، فيرتفع الضمان عنه بذلك، ولا يرتفع الضمان
بغير ذلك.
وكذلك الحكم في كل مال للمالك يوجد بيد العامل وهو مضمون
عليه وإن لم يكن مغصوبا كالمقبوض بالمساومة أو بالعقد الفاسد أو
في موارد الاشتباه والجهل.
[المسألة 20:]
إذا دفع المالك إلى أحد مالا ليشتري به أرضا أو نخيلا أو دارا أو
أغناما، فيكون نتاج الأرض أو النخيل أو الدار أو الغنم مشتركا
بينهما، فإن كان المقصود من المعاملة أن يبيع العامل هذه الأعيان التي
يشتريها، ويحصل لهما الربح بزيادة قيمتها، صحت المعاملة مضاربة
وترتبت عليها أحكامها، وإن كان المقصود أن يشتري العامل هذه
الأعيان لينتفع المالك والعامل بنماء الأرض من زرعها أو غرسها أو
إجارتها، وبنماء النخيل من رطب وتمر وغيرهما، ونماء الدار من
إجارة للسكنى ونحوها ونماء الغنم من لبن ودهن وصوف وشبه ذلك،
فالظاهر البطلان إذا قصد بها المضاربة، فإذا اشترى العامل الأعيان
كان نماؤها للمالك خاصة، وليس للعامل فيه حصة، ويستحق العامل
أجرة المثل على المالك لعمله الذي استوفاه.
370

وإذا لم يقصد بها المضاربة، فلا يبعد الحكم بصحتها معاملة مستقلة
بنفسها، وتترتب عليها الآثار حسب ما اتفق عليه المتعاملان.
[المسألة 21:]
إذا دفع المالك إلى العامل سلعا وأمتعة أو حبوبا أو نحو ذلك، وأمره
أن يبيع هذه الأعيان ويجعل ثمنها مال مضاربة بينهما، لم تصح
المضاربة بذلك حتى يبيع العامل الأعيان وينشئ المالك عقد المضاربة
على الثمن بعد قبضه.
[المسألة 22:]
إذا دفع المالك إلى العامل شبكة لصيد السمك أو لصيد الطير، على
أن يكون ما يصطاده العامل بها من السمك أو الطير مشتركا بينهما
بالمناصفة مثلا أو بالتثليث، فثلث منه لمالك الشبكة وثلثان للعامل،
فالظاهر فساد المعاملة، ولا يترك الاحتياط بالتصالح في كل من الصيد
الذي يقع في الشبكة وأجرة المثل لها ويمكن للمالك أن يؤجر شبكته
للعامل مدة معينة بأجرة معينة ويشترط عليه في ضمن عقد الإجارة أن
يجوز للمالك نصف ما يقع في الشبكة من الصيد أو ربعه، فإذا قبل
العامل الإجارة والشرط صح ذلك ولزم العمل به.
[المسألة 23:]
إذا أنشأ أحد عقد المضاربة مع العامل بمال غيره كان العقد فضوليا،
فإن أجازه مالك المال صحت المضاربة بين المالك والعامل، وإن لم يجزه
كان العقد باطلا، وإذا أنشأ المالك العقد مع شخص آخر غير العامل،
وقع فضوليا كذلك، فإن أجازه العامل صح وإلا كان باطلا.
[المسألة 24:]
إذا قال مالك المال للعامل ضاربتك بهذا المبلغ المعين على أن يكون
الربح بيني وبينك فقبل العامل، صح العقد مضاربة، فإذا اتجر العامل
بالمال وربح كان الربح بينهما بالمناصفة، وكذلك إذا قال له ضاربتك بهذا
المال على أن يكون لك نصف الربح منه، أو قال له على أن يكون لي
نصف الربح، فإن جميع هذه العبارات ظاهرة عرفا في تنصيف الربح
بين المالك والعامل.
371

[المسألة 25:]
إذا قال المالك للعامل ضاربتك بهذا الألف على أن يكون لك نصف
ربحه، أو قال له على أن يكون لك ربح نصفه، فالعبارتان كلتاهما
دالتان على إنشاء المضاربة عرفا، وعلى الاشتراك بين المالك والعامل
في الربح بالمناصفة، فإذا قبل العامل ذلك، فلا ريب في صحة المضاربة
ووجوب ترتيب آثارها.
[الفصل الثاني]
[المضاربة من العقود الجائزة]
[المسألة 26:]
المضاربة من العقود الجائزة لكل من المتعاقدين، المالك والعامل،
فيجوز لكل واحد منهما أن يفسخ العقد، سواء قبض العامل رأس
المال أم لم يقبضه، وسواء شرع العامل في المتاجرة بالمال أم كان قبل
شروعه أم بعده، وسواء ظهر الربح في المعاملة أم لم يظهر، ونض
المال أم لم ينض، ونض المال صيرورته نقودا بعد أن كان عروضا:
أمتعة وسلعا وحبوبا ونحوها، ولا فرق بين أن يجعل المتعاقدان للمضاربة
أجلا معينا أولا.
[المسألة 27:]
إذا أنشأ المتعاملان عقد المضاربة بينهما واشترطا في ضمن العقد
نفسه أن لا يفسخا العقد إلى أجل معين لم ينفذ هذا الشرط ولم يجب الوفاء
به، ولا يبطل العقد بذلك، وإذا اشترطا ذلك في ضمن عقد آخر
وهو من العقود الجائزة، نفذ الشرط ووجب الوفاء به ما دام العقد
الذي ذكر الشرط في ضمنه موجودا، فلا يجوز لهما فسخ المضاربة في
ذلك الحال، وإذا اتفق أن انفسخ ذلك العقد سقط الشرط المذكور في
ضمنه وجاز لهما فسخ المضاربة بعد ذلك.
وإذا اشترطا أن لا يفسخا عقد المضاربة بينهما إلى أجل مسمى في
ضمن عقد آخر لازم: بيع أو صلح أو إجارة أو غيرها من العقود
372

اللازمة، وجب الوفاء بالشرط ولم يجز لهما فسخ المضاربة إلى أن
ينقضي الأجل المعين.
[المسألة 28:]
إذا أنشأ المالك والعامل عقد المضاربة بينهما واشترط أحدهما
أو اشترطا معا في ضمن العقد نفسه أن لا يفسخا العقد مطلقا، فإن
كان المقصود من ذلك اشتراط اللزوم في المضاربة وأن لا يملك أحدهما
فسخها، فالأقوى بطلان الشرط المذكور، وكذلك إذا اشترطاه في
ضمن عقد آخر جائز أو لازم فإن الشرط المذكور مخالف للكتاب
والسنة فلا يكون نافذا، على أن اللزوم في العقود مما لا يقبل الاشتراط،
فإنه من الأحكام الشرعية التابعة لدلالة دليلها ولا يمكن أن يثبت
باشتراط المتعاقدين، وبطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد الذي
وقع الشرط في ضمنه.
وإن كان المقصود من الاشتراط أن يلتزم المتعاقدان بعدم فسخ
المضاربة بينهما مطلقا، وكان اشتراط ذلك في ضمن عقد المضاربة
نفسه، لم ينفذ الشرط ولم يجب الوفاء به كما تقدم في اشتراط عدم
الفسخ إلى أجل معين.
وإذا وقع اشتراط ذلك في ضمن عقد آخر من العقود اللازمة، فقد
يقال بصحة الشرط ووجوب الوفاء به ومثله ما إذا وقع الاشتراط في
ضمن عقد آخر من العقود الجائزة، فقد يقال بنفوذ الشرط ووجوب
الوفاء به ما دام العقد الذي وقع الشرط في ضمنه موجودا، ولكن
الحكم في كلا الفرضين موضع اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط
ذلك، وبالرجوع إلى المصالحة أو التقايل بينهما إذا هما اشترطاه، وعلى
أي حال فبطلان الشرط أو التوقف فيه لا يوجب بطلان العقد.
[المسألة 29:]
إذا اشترط المالك أو العامل على صاحبه في ضمن عقد المضاربة أن
ينشئ معه مضاربة ثانية برأس مال آخر، وقبل صاحبه بالشرط،
وجب العمل به ما دامت المضاربة الأولى التي وقع الشرط في ضمنها
373

موجودة، فإذا فسخت المضاربة سقط الشرط المذكور في ضمنها ولم
يجب العمل به إذا لم يعمل به من قبل، وكذلك إذا اشترط أن يأخذ
منه بضاعة، أو يعمل له عملا معينا، أو يقرضه قرضا، فيجب الوفاء
بالشرط ما دامت المضاربة موجودة.
[المسألة 30:]
العامل في المضاربة أمين، ولذلك فلا يكون عليه ضمان إذا تلف المال
في يده أو نقص منه شئ، أو حدث فيه عيب، إلا إذا تعدى عن الحد
المأذون فيه، أو فرط في حفظ الأمانة، وإذا حدثت في التجارة خسارة
فلا يتحمل منها شئ، بل يكون جميعها على مالك المال.
وإذا اشترط المالك على عامل المضاربة في ضمن العقد، أن يكون
ضامنا لرأس المال إذا تلف في يده، أو اشترط عليه أن الخسارة التي
قد تحدث في التجارة تكون عليها معا، كما أن الربح الذي يحصل
منها يكون لهما معا، فالأقوى عدم صحة الشرط.
نعم يجوز للمالك أن يشترط على العامل أن يتدارك بعض الخسارة
التي تصيب المالك إذا اتفق حدوثها في التجارة، فيدفع العامل من ماله
مقدار نصف الخسارة مثلا، بل يصح له أن يشترط عليه أن يدفع من
ماله ما يتدارك جميع الخسارة، فإذا قبل العامل بالشرط صح ووجب
العمل به، وهذا شئ غير الضمان الذي تقدم منعه.
[المسألة 31:]
كل شرط يشترطه المالك أو العامل في ضمن عقد المضاربة يكون نافذا
إذا كان الشرط جامعا لشرائط الصحة المعتبرة في الشروط، وإن كانت
المضاربة من العقود الجائزة، فيجب الوفاء بالشرط المذكور ما دام عقد
المضاربة، فإذا فسخت المضاربة سقط وجوب الشرط فلا يجب الوفاء
به بعد ذلك إذا لم يكن وفى به من قبل، كما ذكرناه في المسألة المائتين
والثامنة والخمسين من كتاب التجارة.
ولذلك فيمكن للمالك وللعامل إذا اشترط عليه صاحبه بعض
الشروط التي قد يصعب عليه الوفاء بها في ضمن عقد المضاربة أن
يفسخ المضاربة فيسقط عنه وجوب الوفاء بالشرط.
374

ويستثنى من الحكم المذكور اشتراط عدم فسخ المضاربة مطلقا أو
إلى أجل معين، فإذا شرط ذلك في ضمن عقد المضاربة نفسه لم ينفذ
الشرط، كما تقدم قريبا، وذلك لأن وجوب الوفاء بالشرط مشروط
بوقوعه في ضمن العقد، ومن المعلوم أن الواجب المشروط لا يقتضي
حفظ شرطه.
[المسألة 32:]
إذا شرط المالك على العامل في المضاربة شرطا أو حدد له شيئا، لم
يجز للعامل أن يتعدى عما حدد له أو شرط عليه، فإذا شرط عليه مثلا أن
يتجر بالحبوب فقط، لم يجز له أن يتجز بغيرها، وإذا شرط عليه أن
لا يتجر بالأقمشة، لم يجز له أن يتجر بها، وإذا شرط عليه أن لا يسافر
بتجارته، أو أن لا يسافر بها في البحر، أو أن لا يسافر بها في أيام
الشتاء، وجب عليه أن لا يخالف، وإذا حدد له نوعا من التجارة أو نوعا
من البيع، أو زمانا معينا أو مكانا معينا، فقال له لا تبع إلا نقدا، أو
إلا في سوق معين أو لا تشتر إلا من بلد معين، وجب عليه أن يتبع ما
شرطه عليه ولا يتجاوز.
فإذا خالف العامل ما عين له المالك أو شرط عليه، كان ضامنا للمال
إذا تلف كله أو تلف بعضه وكان ضامنا للخسارة إذا حصلت، وإذا
ربح مع ذلك في تجارته كان الربح مشتركا بينه وبين المالك حسب ما
اتفقا عليه في العقد.
[المسألة 33:]
لا يجوز للعامل أن يخلط رأس المال المدفوع إليه بمال آخر، سواء
كان المال الآخر لنفسه أم لغيره، بل وإن كان للمالك نفسه، إلا إذا
رضي المالك له بخلطه، وإذا خلطه من غير إذن المالك كان ضامنا للمال
إذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب، ولا تنفسخ المضاربة
بذلك، فإذا ضارب به بعد الخلط فربح، كان الربح بين المالين بالنسبة،
فإذا كان رأس المال ألف دينار وخلطه بألف دينار آخر، وتاجر بالألفين
فربح مائتي دينار، فالربح الحاصل بين المالين بالمناصفة، وهكذا.
375

ويكفي في إذن المالك أن يخوله ذلك على وجه العموم، فيقول له:
اعمل في المال حسب ما ترى، أو حسب ما تجده مصلحة، وإذا شرط إذنه
بوجود المصلحة لم يجز له خلط المال بدونها.
[المسألة 34:]
إذا أطلق المالك عقد المضاربة ولم يشترط فيه على العامل شرطا،
وكان بين الناس نوع متعارف من البيع، أو من السلع، أو من
الأمكنة والأحوال والأوقات ينصرف إليه الاطلاق في مضارباتهم
ومعاملاتهم الدراجة بينهم، وكان هذا الانصراف والتعارف الشائع
قرينة عامة على أن ذلك هو المراد في العقد، وكان كالشرط الصريح
المذكور في العقد، فيجب اتباعه، وإذا خالفه العامل كان ضامنا لرأس
المال إذا تلف أو نقص أو عاب، وضامنا للخسارة إذا حصلت، وإذا
حصل من التجارة ربح مع ذلك كان مشتركا بين المالك والعامل على
النحو الذي تقدم بيانه في المسألة الثالثة والثلاثين.
وإذا كان بين الناس نوع من البيع أو من المبيعات أو من الأمكنة
وغيرها ينصرف عنه الاطلاق ولا يشمله الإذن في المضاربات والمعاملات
الشائعة كان هذا الانصراف عنه قرينة عامة على عدم إرادة ذلك في
العقد، فيكون خارجا عن عقد المضاربة، وإذا خالف العامل ذلك لم
تجز معاملته لعدم الإذن من المالك فيها، ولا تصح إلا بإجازة المالك
وامضائه للمعاملة التي أجراها العامل، فإن أجازها صحت وكان
الربح فيها للمالك، وإن لم يجزها كانت باطلة، سواء كان العامل قد
استوفى الثمن قبل أن يطلع المالك أم بعده.
[المسألة 35:]
إذا أطلق المالك عقد المضاربة ولم يشترط على العامل فيه شيئا،
ولم يعين له الانصراف والتعارف ببين الناس أمرا، جاز للعامل أن
يتصرف في بيعه وشرائه وفي تعامله مع الناس واختياره الأمكنة والأزمنة
والأجناس المبيعة حسب ما يراه ويعتقد بجدواه في معاملته وتحصيل
الربح في تجارته إلا إذا التبس عليه الأمر في بعض الجهات، فيرجع إلى
المالك أو يستشير بعض الخبراء في ذلك الأمر.
376

[المسألة 36:]
لا يجوز للعامل أن يسافر في تجارته إلى بلد آخر إلا بإذن المالك أو
يكون السفر في التجارة من العادات الشائعة بين أهل العرف والتي
ينصرف إليها الاطلاق، فيجوز له السفر حين ذاك، وإذا هو سافر
بالتجارة بدون إذن المالك، وبدون دلالة العرف العام على الرخصة
فيه يكون ضامنا للمال إذا تلف أو عاب وضامنا للخسارة إذا حصلت
كما تقدم ذكره، وإذا اتجر في سفره فربح كان الربح مشتركا بينه
وبين المالك على الوجه الذي قرراه في عقدهما، وكذلك الحكم إذا أذن
المالك له في السفر إلى بلد فسافر إلى بلد آخر أو عين له جهة فسافر إلى
جهة أخرى.
[المسألة 37:]
لا يجوز للعامل أن يبيع في مضاربته نسيئة إلا إذا أذن له المالك
بالبيع كذلك أو دل الانصراف على الرخصة فيه أو دلت القرائن الخاصة
عليه، وإذا جاز له بيع النسيئة فلا بد له من الاستيثاق للمال والتأكد
من حفظه، وإذا خالف العامل فباع نسيئة من غير إذن ولا دلالة قرينة
على الرخصة، أو باع كذلك من غير استيثاق لمال المضاربة كان ضامنا
كما تقدم في نظائره، وإذا ربح كان الربح مشتركا بينه وبين المالك.
[المسألة 38:]
لا يجوز للعامل أن يشتري الشئ للمضاربة بأكثر من ثمن مثله،
ولا يجوز له أن يبيع الشئ بأقل من ثمن مثله، إلا إذا أذن له المالك،
أو كان المالك قد خوله أن يعمل حسب ما يجده مصلحة وكانت المصلحة
تقتضي ذلك، وإذا اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بأقل من ثمن
المثل من غير إذن ولا تخويل في ما تقتضيه المصلحة كان الشراء والبيع
باطلين.
[المسألة 39:]
إذا أطلق المالك عقد المضاربة مع العامل جاز للعامل أن يشتري
المعيب إذا كان شراؤه وبيعه معيبا موردا للربح، وإذا أمكن له اصلاح
377

المعيب ثم بيعه صحيحا بثمن تتحقق به الفائدة، إلى غير ذلك من وجوه
المصلحة في شرائه وبيعه.
ولا يجوز له شراؤه مع العلم بالعيب إذا كان مظنة للخسارة من غير
مصلحة تقابلها، وإذا اشترى العامل المعيب جاهلا جاز له أن يفسخ
البيع ويسترد الثمن وأن يبقي البيع فيأخذ أرش العيب ويرجح منهما
ما تقتضيه المصلحة.
[المسألة 40:]
يجوز للعامل أن يبيع الأجناس بالأجناس، فيبيع الحنطة بالأرز أو
بالعكس أو بغير ذلك من الأمتعة والسلع والحبوب، ولا يتعين عليه أن
يبيع بالنقود، ولا يجوز له أن يبيع بجنس لا يرغب في شرائه إلا إذا
علم أو اطمأن بوجود المصلحة ولو بنقله إلى بلد يكون فيه موضعا للرغبة
وموردا للربح أو حفظه إلى وقت يتحقق فيه ذلك.
[المسألة 41:]
إذا تم عقد المضاربة بين المالك والعامل، وجب على العامل أن يقوم
بما يعتاد قيام أمثاله به من الأعمال في مثل تلك التجارة في زمانها
ومكانها ومشخصاتها الأخرى من سعة وضيق وكثرة عملاء وقلتهم،
فيتولى العامل بنفسه ما يتولى التجار لأنفسهم من الأعمال من اعداد نفسه
لمراجعة المتعاملين معه بالمساومة وتحديد الأسعار والاشراف على سير
الأمور وفق ما يرام في البيع والشراء والأخذ والعطاء والقبض والتسليم،
وشراء أو استئجار الأثاث والأمتعة والأدوات والمعدات واللوازم
والأجهزة التي يفتقر إليها في تنظيم المكتب أو المكاتب وتوجيه العمل فيها
وفي المتجر واستئجار الكتاب والوكلاء والاجراء الذين تحتاج إدارة
المتجر إليهم واستئجار المحال والمخازن اللائقة ومواضع عرض الأجناس
ومواضع بيعها، واخراج النفقات التي يحتاج إليها في ذلك وشبهه من
وسط المال، وضبط جميع ذلك في سجلات خاصة تكون مرجعا عند
الحاجة وغير ذلك مما يقوم به التاجر في إدارة تجارته وعمله.
وإذا كانت التجارة خاصة تولى العامل كذلك ما يتولاه التاجر فيها
378

لنفسه من الأعمال، فإذا كانت تجارة أقمشة كان عليه أن يحضر القماش
للمشتري إذا طلبه ويخبره بالسعر إذا سأل ويساومه إذا ساوم وأن
ينشر الطاقة بين يديه إذا رغب ويقيس له المقدار الذي يريد بالمتر أو
بالذراع، وعليه طي القماش بعد النشر وقبض الثمن. وعليه عرض
النماذج المطلوبة في تجارة الحبوب، وتحديد السعر للنموذج الذي
يرغب فيه المشتري ووزن المقدار الذي يطلب، وقبض ثمنه، وهكذا
في التجارات الأخرى.
ويجوز له أن يستأجر من تجري العادة باستئجاره ليقوم ببعض
الشؤون، كالصانع والوزان والدلال والحمال يحمل البضاعة من موضع
شرائها إلى مخزن التجارة ومن المخزن إلى موضع العرض والبيع،
ويدفع أجرة عماله من مال التجارة.
وإذا استأجر العامل أجيرا للأعمال التي يلزمه القيام بها بنفسه
وجب عليه أن يدفع أجرة هذا الأجير من ماله الخاص لا من مال المضاربة،
وإذا قام بنفسه ببعض الأعمال التي تكون من وظائف غيره، وأراد أن
يأخذ الأجرة على ذلك، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه وبين المالك
عنها.
[المسألة 42:]
لا يتعين على العامل إذا أراد أن يشتري شيئا للمضاربة أن يشتريه
بمال شخصي معين من مال المضاربة نفسه، بل يصح له أن يشتريه بثمن
كلي ويقصد كونه في ذمة المالك من حيث المضاربة. ويصح له أن
يشتريه بثمن كلي ويقصد أنه في ذمة نفسه من حيث إنه وكيل عن المالك
في أمر المضاربة، ويصح له أن يشتري الشئ بثمن كلي من مال المضاربة
الذي بيده، فيكون بنحو الكلي في المال المعين لا في ذمة المالك ولا في ذمة
العامل، ثم يعين فردا للكلي من مال المضاربة ويدفعه للبائع وفاءا
في الصور الثلاث، ولا مانع من ذلك كله، فإن اطلاق عقد المضاربة
يقتضي الإذن له في جميع ذلك.
وكذلك الحكم إذا أراد العامل أن يبيع شيئا من مال المضاربة، فلا
379

يتعين عليه أن يجري البيع على شئ شخصي معين من أموال المضاربة،
بل يجوز له أن يبيع شيئا كليا في ذمة المالك من حيث المضاربة أو في
ذمة نفسه من حيث إنه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، وأن يبيع
شيئا كليا من مال المضاربة ثم يدفع فردا للكلي من مال المضاربة
للمشتري وفاءا بحقه في الصور الثلاث.
[المسألة 43:]
إذا اشترى العامل شيئا للمضاربة بثمن كلي في ذمة المالك أو في
ذمة نفسه من حيث إنه وكيل عن المالك في أمر المضاربة ثم تلف مال
المضاربة قبل وفاء الثمن منه، لم يجب على المالك أن يفي الثمن من
أمواله الأخرى، بل يكون الشراء باطلا على الأقوى.
وذلك لأن اطلاق عقد المضاربة إنما اقتضى الإذن للعامل في أن
يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة كما ذكرنا، أو في ذمة العامل
نفسه من حيث وكالته عن المالك في أمر المضاربة، وأن يكون وفاء ذلك
من ماله المضاربة وأما أن يكون الوفاء على المالك من أمواله الأخرى
غير المضاربة، فلا إذن فيه ولا يقتضيه الاطلاق ونتيجة لذلك فيكون
الشراء باطلا، إلا إذا أجازه المالك، وإذا أجاز المالك الشراء ودفع
الثمن من أمواله الأخرى، فلا يدخل هذا المال في مال المضاربة إلا بعقد
جديد.
[المسألة 44:]
إذا اشترى العامل الشئ لنفسه وجعل ثمن البيع في ذمته، ولم
يقصد عند الشراء أن يفي ما في ذمته من مال المضاربة، ثم بدا له فدفع
الثمن من مالها، فلا ريب في صحة شرائه لنفسه، ولا يدخل الشئ الذي
اشتراه في مال المضاربة، فإذا باعه وربح فيه كان الربح له خاصة،
وإن كان غاصبا وآثما في دفع الثمن من مال المضاربة، إلا إذا أخذه
مقترضا، وكان المالك قد أذن له في الاقتراض من مال المضاربة.
[المسألة 45:]
إذا اشترى العامل شيئا وقصد إن ثمن المبيع في ذمته، ولكنه لم
380

يلتفت عند الشراء أن شراءه لنفسه أو للمالك، فالظاهر أن المبيع يكون
له لا من مال المضاربة، فإذا باعه وربح فيه يكون الربح له خاصة،
وإذا دفع الثمن من مال المضاربة كان عاصيا. وإذا علم من حالته
الوجدانية بحسب ارتكازه الاجمالي في نفسه وعادته التي يجري عليها
في غالب أحواله من حيث كونه عاملا يتجر بمال غيره أنه يشتري للمالك
وإن لم يلتفت إلى ذلك تفصيلا كان الشراء والربح من مال المضاربة،
وصح له أن يدفع الثمن من مال المضاربة.
[المسألة 46:]
عامل المضاربة أمين، فلا ضمان عليه، إلا إذا خان أمانته أو تعدى
أو فرط فيها، وقد بينا هذا في المسألة الثلاثين وأشرنا إليه في عدة مسائل أخرى
والخيانة هي أن يفعل ما يخالف الأمانة شرعا أو ينافيها شرعا
وعرفا، ومن أمثلة ذلك أن يأكل بعض مال المضاربة بغير عذر أو سبب
شرعي يحل له ذلك، أو يتصرف فيه تصرفا غير سائغ، كما إذا وطأ
الجارية المشتراة للمضاربة بغير سبب أو عذر يبيح له الوطء أو
استمتع بها بغير الوطء مما لا يجوز إلا بسبب محلل، وكما إذا استخدم
الفرش والأمتعة من مال المضاربة في منزله بغير إذن أو سبب مجوز.
والتفريط أن يهمل أو يتسامح في حفظ ما يجب حفظه من الأموال،
والتعدي أن يتجاوز ما حدد له الشارع أو أذن له المالك أو شرطه عليه
في عقد المضاربة شرطا صريحا، أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على
اشتراطه في العقد.
فإذا خان العامل أمانته أو تعدى أو فرط فيها كان ضامنا لرأس
المال، فإذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب كان عليه
ضمانه، وإن كان حدوث التلف أو العيب بسبب حدوث آفة سماوية
أوجبت ذلك.
وإذا كان تعدي العامل بمخالفته لما أمره به المالك أو لما نهاه عنه
381

أو لما اشترطه عليه في العقد ولو بدلالة القرائن الخاصة أو العامة على
اشتراطه، كان ضامنا للمال كما تقدم وكان ضامنا للخسارة إذا حدثت.
[المسألة 47:]
إذا خان العامل أو تعدى في أمانته أو فرط في حفظها، ثم رجع عن
خيانته وتعديه وتفريطه، حتى عادت له صفة الأمانة في نظر أهل العرف
والعقلاء من الناس، فالأقوى ارتفاع الضمان عنه، فلا يضمن ما يحدث
من تلف أو عيب أو خسارة بعد رجوع صفة الأمانة له، ولا يرتفع عنه
الضمان في ما حدث قبل ذلك، من غير فرق بين ضمان رأس المال وضمان
الخسارة، على النهج المتقدم.
[المسألة 48:]
إذا دعت المصلحة أن يبيع العامل جنس المضاربة في وقت فلم يبع،
وهو يعلم بوجود المصلحة الداعية ولا عذر له في ترك البيع، وكان
المالك قد شرط عليه مراعاة المصلحة أو دلت القرائن الخاصة أو
العامة على لزوم مراعاتها، كان العامل ضامنا للخسارة إذا حصلت بعد
ذلك، بل وكان ضامنا لرأس المال إذا تلف أو عاب.
[المسألة 49:]
إذا نوى العامل الخيانة والتعدي في المضاربة أو نوى التفريط في
حفظها، ولم يفعل ذلك فلا ضمان عليه بمجرد النية، سواء عزم على
ارتكاب ذلك بالفعل أم نوى أن يرتكبه في ما بعد.
[المسألة 50:]
إذا كان الرجل عاملا للمالك في مضاربتين تستقل إحداهما عن
الأخرى برأس مالها وبعملها، وخان العامل أو تعدى أو فرط في إحدى
المضاربتين كان ضامنا فيها، ولم تزل أمانته في المضاربة الثانية، فلا
ضمان عليه فيها.
وإذا كانت المضاربة واحدة وخان العامل أو تعدى أو فرط فيها
كان ضامنا فيها جميعا وإن تعددت فروعها ونواحيها، ومواضعها.
382

[الفصل الثالث]
[في نفقة العامل في سفر المضاربة]
[المسألة 51:]
ليس لعامل المضاربة وهو في الحضر أن ينفق على نفسه أو على
شؤونه من مال المضاربة قليلا ولا كثيرا، سواء كانت النفقة في منزله
أم في المتجر، كما إذا زاره في المتجر بعض أصدقائه وأراد تكريمه،
ولا يجوز له الانفاق منه كذلك على معامليه ومراجعيه في المتجر، إلا
إذا أذن المالك له بذلك أو شرطه العامل على المالك أو كان تعارف عام
يدل على الرخصة في تكريم المعاملين والمراجعين في مثله، فيجوز حين
ذاك ويتبع فيه مقدار ما يدل عليه الإذن وما يدل العرف على الرخصة
فيه، في كل من نوع الانفاق ومقداره.
[المسألة 52:]
إذا سافر العامل بتجارة المضاربة وكان سفره بإذن المالك، فنفقته
في السفر من مال المضاربة وتخرج من جميع المال، ويراد بالنفقة
ما يحتاج إليه العامل من مأكول ومشروب وملبوس، وأجرة وسائل نقل
وأجرة مسكن وأثاث وأمتعة وأدوات يحتاج إليها في سفره وفي موضع
إقامته في البلد الذي يتجر فيه، وأوان يحتاج إليها في طعامه وشرابه
ووسائل راحة، وغير ذلك مما يصدق عليه النفقة على النحو اللائق
بشأنه وبشرفه ومنزلته في المجتمع، وفي موضع الإقامة.
وليس من نفقته التي تخرج من مال المضاربة عطاياه ومصانعاته
الخاصة، والانفاق على ضيوفه وزواره، أو الانفاق على أهله إذا
صحبهم معه في سفره.
وأما ما ينفقه على التجارة نفسها من أجرة نقل وأجرة مخزن ومحل
للعرض والبيع، ورسوم وضرائب ومصارف أخرى لا بد منها، وأجرة
حراس ودلالين وحمالين وشبه ذلك فهو من مال المضاربة من غير فرق
بين السفر والحضر، وكذلك العطايا والمصانعات التي تتوقف عليها
التجارة في متفاهم أهل العرف وأهل المعاملات.
383

[المسألة 53:]
يجب على العامل أن يقتصر في النفقة على المقدار الذي يفي بحاجته
بحسب منزلته كما ذكرناه من غير سرف ولا تقتير، فإذا أسرف في الانفاق
لم يجز له ذلك وكان للمالك أن يرجع عليه بما زاد على الحاجة منه،
وإذا قتر على نفسه لم يحسب له ما نقص، وكذلك إذا ضيفه صديق
أو غيره، فلا تحسب له النفقة.
[المسألة 54:]
يراد بالسفر هنا مطلق قطع المسافة وإن لم يبلغ المسافة الشرعية
التي يجب فيها قصر الصلاة، فمتى صدق على العامل أنه مسافر في تجارته
صح له أن يأخذ نفقته من مال المضاربة وإن كان سفره فرسخين أو
ثلاثة فراسخ، وكذلك إذا نوى الإقامة عشرة أيام أو أكثر في موضع
وصوله، بل وإن امتدت إقامته أياما كثيرة ما دام يصدق عليه أنه مسافر
وكان مشغولا بالتجارة أو بشؤونها.
[المسألة 55:]
إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في بلد معين، واحتاج في
أثناء سفره إلى البقاء في بلد آخر مدة، لشؤون تتعلق بالسفر أو
بالتجارة، كما إذا أرهقه عناء السفر فاحتاج إلى الراحة أياما في ذلك
البلد، أو لينتظر رفقة يتم سفره معهم، أو لانتظار بعض وسائل
النقل التي تنقل له البضائع، أو لقضاء قوانين حكومية خاصة بالمكث
هناك فترة للكشف على المال، أو لتسجيل الأجناس أو لدفع بعض
الضرائب، فنفقة العامل مدة بقائه في ذلك البلد تكون من مال المضاربة
أيضا.
[المسألة 56:]
إذا أقام عامل المضاربة في البلد الذي سافر إليه، فاتجر فيه حتى
أتم العمل، ثم عزم الإقامة فيه فترة أخرى، فإن كانت إقامته
الثانية لأعمال تعود إلى التجارة أيضا، كتحصيل ديون للمضاربة من
بعض العملاء، وتوفية حقوق لأصحاب المخازن والمحلات التي استأجرها
384

في تلك المدة، وكاستئجار محلات ولوازم جديدة لسفر أخرى مقبلة
في المضاربة نفسها، ونحو ذلك، فنفقة العامل في هذه المدة من مال
المضاربة أيضا.
وإن كانت إقامته الجديدة لأعمال تعود له خاصة، كزيارة بعض
الأصدقاء أو التنزه في ضواحي البلد والاطلاع على مناظره، وكعقد
صفقات لنفسه مع بعض الشركات وبعض التجار، وهي لا تتصل
بتجارة المضاربة، فنفقته في تلك المدة من ماله خاصة لا من مال المضاربة.
وإن كانت إقامته الجديدة لأعمال تتعلق بالتجارة الأولى، ولأعمال
أخرى، تكون لغيرها، وهذا الفرض يمكن وقوعه على صورتين.
الصورة الأولى أن تكون أعمال التجارة بخصوصها سببا تاما لإقامته
في البلد تلك المدة، وأن تكون الأعمال الأخرى أيضا سببا تاما للإقامة،
بحيث لو انفردت أية واحدة منهما عن الأخرى لأقام العامل بسببها في
البلد ولم يسافر منه حتى يتمها، والأقوى في هذه الصورة أن نفقة
العامل في مدة بقائه كلها من مال التجارة لشمول النص له في هذا الحال.
الصورة الثانية: أن يكون السبب التام لإقامته الثانية في البلد هو
مجموع العملين، بحيث لو كان الداعي له هو عمل التجارة خاصة،
أو كان هو العمل الآخر خاصة، لما أقام العامل في البلد بسببه، ولكن
اجتماع السببين أوجب له أن يقيم حتى ينجزهما معا، والأقوى والأحوط
في هذه الصورة كون النفقة في مدة بقاء العامل عليه نفسه لا من مال
المضاربة ولا بالتوزيع.
[المسألة 57:]
إذا سافر العامل من بلده لبعض شؤون المضاربة ومقدماتها ولم يكن
سفره للتجارة نفسها كما فرضناه في المسائل المتقدمة، ومثال ذلك أن
يسافر من وطنه إلى البلد الذي يعزم على الاتجار فيه في ما بعد، ليتفاهم
مع بعض التجار والعملاء بشؤون تتعلق بتجارته المقبلة، أو ليستأجر
بعض المنازل والمخازن، أو ليشتري بعض الأثاث والأدوات مما يحتاج
إليه أو تحتاج إليه تجارته المقبلة، فالظاهر أن نفقته في هذا السفر
385

من ماله لا من مال المضاربة، وإن كان سفره بإذن المالك، والأحوط
المصالحة بين العامل والمالك عنها أو اشتراط كون النفقة على أحدهما.
[المسألة 58:]
إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في سفره ولم يأذن له المالك
بالسفر، فنفقته في السفر من ماله خاصة لا من مال المضاربة، وكذلك
الحكم إذا أذن له المالك في السفر بتجارته إلى بلد معين، فسافر العامل
إلى بلد غيره، أو اشترط عليه في السفر شرطا فخالف ما شرط المالك
عليه، كما إذا اشترط عليه أن يتجر في سفره بالأقمشة، فاتجر
بالحبوب، أو شرط عليه أن يتجر في البلد نفسه، فاتجر في القرى
التابعة له، فتكون نفقة العامل من ماله لا من مال المضاربة.
[المسألة 59:]
إذا كان الرجل عاملا لشخصين في مضاربتين مستقلتين، فسافر بهما
بإذن المالكين كانت نفقته على المالكين بالتوزيع، فإذا تساوى المالان
وتساوى العملان فالنفقة بينهما بالمناصفة، وإذا اختلف مقدار المالين
واختلف مقدار العمل فيهما، فالأحوط أن يتصالح المالكان والعامل
في مقدار توزيع النفقة، وكذلك الحكم إذا كان أرباب المال أكثر من
اثنين، فيجري في النفقة البيان المتقدم.
وإذا سافر العامل بمضاربة لغيره وبتجارة لنفسه، وزعت النفقة
كذلك على الأحوط، ويكون التوزيع على النهج المتقدم أيضا.
[المسألة 60:]
إذا سافر العامل ليتجر بمال المضاربة وكان سفره بإذن المالك استحق
النفقة من مال المضاربة وإن لم يظهر الربح في المال بعد، فينفق من
رأس المال سواء ربح المال أم لم يربح.
وإذا حصل للمال ربح بعد أخذ النفقة منه احتسبت النفقة جميعها
حتى الماضي منها من الربح، ويدفع إلى المالك رأس ماله تاما، وقسم
الباقي من الربح بين المالك والعامل بعد اخراج جميع نفقة العامل
منه، فإذا لم يبق من الربح شئ بعد النفقة فلا شئ لهما من الربح.
386

[المسألة 61:]
إذا مرض العامل في أثناء سفره، ولم يمنعه المرض من عمله في
السفر وفي التجارة، لم يسقط بذلك حقه من النفقة، ولا يعد من
النفقة ما يحتاج إليه العامل في علاج مرضه من أجرة طبيب أو قيمة
كشف أو دواء أو غير ذلك على الأحوط فيخرجها من ماله لا من مال
المضاربة.
وإذا منعه المرض من الاستمرار في عمله، فالأحوط له كذلك أن
يأخذ نفقته في حال مرضه من ماله لا من مال المضاربة.
[المسألة 62:]
رجوع العامل من سفره للمضاربة وذهابه فيه كلاهما من شؤون
المضاربة عرفا، وإن اختلفا في الوضوح والخفاء في ذلك، فإذا كان
السفر مأذونا فيه من المالك، استحق العامل النفقة من مال المضاربة
في رجوعه إلى أن يصل إلى بلده، كما استحقها في ذهابه إلى أن يصل إلى
مقصده، فيأخذ من المال أجرة الوسائط والمراكب التي تنقله في رجوعه
وبقية نفقاته، سواء كان عازما على السفر للمضاربة مرة أخرى أم لا.
وإذا كان رجوعه لغاية خاصة له كزيارة الأهل أو لقضاء بعض
الحاجات له أو بعض الواجبات عليه، ثم يعود لاتمام عمل المضاربة،
فنفقته من ماله لا من مال المضاربة.
[المسألة 63:]
إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة في أثناء سفر العامل، أو
انفسخ العقد لبعض الطوارئ، وأراد العامل الرجوع إلى بلده، فإن
كان أصل سفر العامل بتسبيب من المالك، وكان رجوعه من شؤون
سفر المضاربة وإن كانت مفسوخة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بين
العامل والمالك في أمر النفقة، وإذا كان الرجوع لا يعد من شؤون
سفر المضاربة عرفا، أو لم يكن سفر العامل بتسبيب من المالك فنفقة
العامل في رجوعه على نفسه.
387

[المسألة 64:]
إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال وقال له خذ هذا المبلغ
واعمل به مضاربة وجميع ربح المال لي خاصة، فمقتضى تصريح صاحب
المال بأن جميع الربح له وحده إن المعاملة بضاعة لا مضاربة وإن أنشأها
بلفظ المضاربة، وقد تقدم في أول الكتاب إن هذه هي الخاصة التي
تفترق البضاعة بها عن المضاربة، فالربح يكون جميعه للمالك في
البضاعة، ويكون مشتركا بين المالك والعامل في المضاربة.
ونتيجة لذلك فيكون العقد المذكور أبضاعا صحيحا لا مضاربة فاسدة،
ويكون جميع الربح لصاحب المال كما اشترط، فإذا عمل العامل استحق
على المالك أجرة المثل لاستيفائه منفعة العامل، إلا إذا علم بأن العامل
قد قصد التبرع بعمله أو دلت القرائن على ذلك، أو اشترطه المالك
عليه، فلا يستحق العامل على عمله شيئا.
[المسألة 65:]
إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال، وقال له خذ هذا المبلغ
واعمل به مضاربة وجميع ربح المال لك خاصة، فمقتضى تصريح مالك
المال بأن جميع ربح المال للعامل: إن العقد لا يكون مضاربة فقد علمت
أن المضاربة هي ما كان الربح فيها مشتركا بين المالك والعامل، لا خاصا
بأحدهما، ولا يكون بضاعة فقد تقدم إن البضاعة ما يكون ربح المال
فيها للمالك خاصة لا للعامل.
وإذا لم يكن العقد مضاربة ولا بضاعة، فإن علم من القرائن أن
المالك قد قصد بهذا العقد تمليك المال للعامل بالعوض صح ذلك قرضا،
فيملك العامل المال وعليه عوضه بعد ذلك ويكون ربح المال له خاصة
وإن لم يعلم ذلك، فظاهر عبارة العقد المذكور إن المالك قد ملك
العامل ربح المال الذي دفعه إليه قبل وجود الربح، ومن المعلوم أنه
لا أثر لهذا التمليك.
ونتيجة لذلك فلا يصح العقد قرضا ولا مضاربة ولا بضاعة، ويرجع
المال لمالكه، ويكون ربح المال له خاصة ولا يستحق العامل على المالك
388

شيئا، فإنه إنما عمل لنفسه لا للمالك، والأحوط لزوما الرجوع إلى
المصالحة فيه.
[المسألة 66:]
إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا معلوما من المال، وقال له خذ هذا
المبلغ واتجر به والربح كله لي، كان ذلك بضاعة، وإذا علم بأن المالك
قد قصد به المضاربة، كان مضاربة فاسدة وإذا ربح فالربح كله للمالك
أيضا، ويستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في كلتا الصورتين
ما لم يقصد التبرع بعمله.
وإذا قال للعامل خذ المبلغ واتجر به والربح كله لك، كان ذلك
قرضا، فإذا ربح فالربح للعامل، وإذا علم بأن المالك قد قصد به المضاربة،
كان مضاربة فاسدة، والربح كله للمالك، وفي استحقاق العامل أجرة
لمثل لعمله اشكال، والأحوط المصالحة عنها.
[المسألة 67:]
يجوز لمالك المال أن يضارب عاملين مضاربة واحدة، برأس مال
واحد، يشتركان في الاتجار به، ويجوز له أن يخصص لكل واحد من
العاملين حصة من رأس المال يتجر فيها، فيقول للعاملين: ضاربتكما
بهذا المال، على أن يكون لكل واحد منكما نصف المال، مثلا، ليتجر
به ويجوز للمالك أن يعين مبلغين محددين من المال، يدفع كل واحد
من المبلغين لأحد العاملين، ويعد المبلغين كليهما رأس مال واحدا
للمضاربة الواحدة، ويختلف الحكم ما بين هذه الصور.
فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال، مالا واحدا غير متميز،
كما في الصورة الأولى، اشتركا في الربح، وكانت مضاربتهما واحدة
يجبر ربح إحداهما خسارة الأخرى إذا حصلت.
فإذا اتجر أحد العاملين وربح، واتجر الثاني ولم يربح، أو اتجر
وخسر، اشتركا في الربح الحاصل في الفرض الأول، وجبر الربح
الخسارة في الفرض الثاني، وذلك هو مقتضى اشتراكهما في المضاربة،
وإذا كان ما بيد أحد العاملين من مال المضاربة متميزا عما بيد الآخر،
389

كما في الصورة الثانية والثالثة، اختص كل واحد من العاملين بربحه
وخسارته، فلا يشاركه العامل الآخر بربحه إذا ربح ولا تجبر بربح
الآخر خسارته إذا خسر، وتكون مضاربة المالك معهما بحكم مضاربتين
وعقدهما بمنزلة عقدين، وكذلك الحكم إذا ضارب المالك أكثر من
عاملين، فيجري فيه هذا التفصيل.
[المسألة 68:]
يجوز للمالك الواحد أن يضارب عاملين على الوجوه التي بيناها في
المسألة المتقدمة، ويشترط المالك على العاملين إن الربح الذي يحصل
من مضاربتهما يكون بينه وبينهما بالمناصفة مثلا، فيقول لهما:
ضاربتكما بهذا المبلغ لتتجرا به، أو ليتجر كل واحد منكما بالحصة
التي عينت له من المال، على أن يكون لي نصف الربح من المضاربة،
ولكما نصف الربح.
فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال مالا واحدا غير متميز كما
في الصورة الأولى من المسألة السابقة، كان نصف الربح للمالك، وكان
النصف الثاني منه للعاملين يقتسمانه بينهما بالمناصفة.
وإذا كان ما بيد أحد العاملين من المال متميزا عما بيد العامل الآخر،
كما في الصورة الثانية والثالثة، كان للمالك نصف الربح، ولكل
واحد من العاملين نصف الربح من مضاربته في المقدار الذي عين له من
المال، ولا يشارك أحدهما الآخر في ربحه.
ويجوز للمالك أن يجعل حصة أحد العاملين أوفر من حصة الآخر،
فيجعل لنفسه نصف الربح من مضاربة زيد والثلثين من مضاربة عمرو
وباقي الربح للعامل.
[المسألة 69:]
يجوز للمالكين أن يضاربا عاملا واحدا بمال مشترك بينهما، فيقول
الوكيل المفوض منهما للعامل: ضاربناك بهذا المال المشترك لتتجر به،
على أن يكون الربح بيننا وبينك بالمناصفة فإذا اتجر العامل بالمال وربح
كان نصف الربح للعامل، وكان النصف الآخر منه بين المالكين
390

بالمناصفة ويجوز لهما أن يشترطا على العامل التفاوت في استحقاقه من
الربح في حصتيهما من المال فيقول له الوكيل ضاربناك بهذا المبلغ،
على أن يكون لك نصف الربح من حصتي، وثلث الربح من حصة شريكي
فإذا قبل العامل صح العقد إذا كان مقدار الحصتين من المال معلوما.
وكذلك الحكم في المالكين الذين لا شركة بينهما، فيجوز لهما أن
يضاربا عاملا واحدا مضاربة واحدة على الوجه المتقدم ذكره، فيدفع
للعامل كل واحد منهما مبلغا معينا من ماله، ويأذنا له في أن يخلط
المالين، ويجريا معه عقد المضاربة، ويعينا له مقادير الحصص من
الربح على النحو المتقدم في المالكين الشريكين.
[المسألة 70:]
إذا ضارب الشريكان عاملا بالمال المشترك بينهما ليتجر به، ثم
فسخ أحد الشريكين مضاربة العامل في حصته من المال، فالظاهر بقاء
عقد المضاربة مع الشريك الآخر في حصته ولا ينفسخ بفسخ شريكه،
فإذا كان رأس مال المضاربة ألف دينار مثلا، وهو مشترك بين زيد
وعمرو بالمناصفة، ثم فسخ زيد المضاربة في نصفه، بقيت مضاربة
العامل مع عمرو في نصفه من المال، فإذا اتجر بالخمسمائة وربح،
استحق من الربح حصته المعينة له في عقد المضاربة، سواء كان المال
متميزا أم مشاعا.
[المسألة 71:]
إذا تم عقد المضاربة بين المالك والعامل، وقبض العامل رأس المال،
فلا يجوز له أن يترك الاتجار به إذا هو لم يفسخ العقد، ولا يجوز له
أن يؤخره بمقدار يعطل به مال المالك أو يعد متسامحا في حقه، وإذا
أخر الاتجار بالمال كذلك من غير عذر كان عاصيا لتعطيله مال الغير،
وإذا تلف المال أو نقص منه شئ أو حدث فيه عيب، كان العامل ضامنا
لذلك، وليس للمالك أن يطالبه بالربح الذي يحصل له لو أن العامل
اتجر بالمال.
391

[المسألة 72:]
إذا كان المال مشتركا بين مالكين وعملا به أو عمل به غيرهما،
فمقتضى القاعدة إن حصة كل من الشريكين من الربح بنسبة حصته
من المال، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، فالربح الحاصل
لهما يكون بالمناصفة بينهما كذلك، وإذا كان لأحدهما ثلث المال
وللآخر الثلثان منه، قسم الربح بينهما كذلك، إلا إذا كان أحدهما
عاملا، فيصح أن تشترط له زيادة من الربح على ما يستحقه بنسبة
ماله، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، واشترط للعامل نصف
الربح الحاصل، استحق الشريك العامل من الربح ثلاثة أرباعه، وكان
ربعه للشريك الآخر غير العامل، وهذا من الشركة لا من المضاربة.
[المسألة 73:]
إذا ضارب زيد وعمرو عاملا بمال مشترك بينهما بالمناصفة،
واشترطا أن يكون لعامل المضاربة نصف الربح، وأن يكون النصف
الآخر منه للمالكين بالمفاضلة ما بينهما لا بالمناصفة كما هو مقتضى
القاعدة، فثلثان منه لزيد وثلث لعمرو.
فإن كان قصد المالكين من ذلك أن يكون نصيب العامل من الربح
في حصة عمرو أكثر من نصيبه من الربح في حصة زيد بهذه النسبة،
ومن أجل ذلك دخل النقص على نصيب عمرو من الربح، وكان زيد
أوفر منه نصيبا مع تساويهما في مقدار المال، فالظاهر صحة المضاربة،
ونفوذها على حسب ما اشترط بينهم في العقد سواء أجري ذلك بعقد
واحد للمضاربة في مجموع المال ذكر فيه الشرطان معا، أم أجري في
مضاربتين مستقلتين ذكر كل واحد من الشريكين شرطه مع العامل في
مضاربة خاصة في حصته.
وإن كان المراد أن العامل اشترط في عقد المضاربة على عمرو أن
يكون مقدار من ربحه الخاص به لشريكه الآخر وهو زيد، ولذلك كان
زيد أوفر من عمرو نصيبا من الربح مع تساويهما في المال، ومقتضى
القاعدة أن يكون نصيب كل من المالكين من الربح نسبة حصته من المال.
392

فالظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، فقد تقدم في المسألة الثانية عشرة أنه
لا يصح أن يشترط دفع مقدار من الربح لغير عامل فيها، ويصح ذلك
إذا قصد به معاملة أخرى غير المضاربة يشترط العامل فيها ذلك، فإذا
قبل بها الطرفان صحت ونفذت على حسب ما ذكر فيها من الشرط.
[المسألة 74:]
ليس لعامل المضاربة أن يوكل أحدا أو يستأجر أجيرا في أصل التجارة
وفي الأعمال التي تخصه من أعمال المضاربة إلا بإذن المالك، ويجوز
له أن يوكل أو يستأجر أحدا في الأمور التي تعارف بين الناس التوكيل
أو الاستئجار لها من عامل المضاربة، وهي مقدمات الأعمال ونحوها،
فيكون التعارف المذكور بين العقلاء وأهل العرف قرينة على الإذن
بالتوكيل والاستئجار في تلك الأمور، وقد سبق التعرض لبعض ذلك
في المسألة الحادية والأربعين، ولا يجوز للعامل أن يضارب غيره في نفس
مضاربته، إلا إذا أذن له المالك بها.
[المسألة 75:]
إذا أذن المالك للعامل في أن يضارب أحدا غيره ليعمل بمال مضاربته
نفسها فها هنا صور تختلف أحكامها.
الصورة الأولى: أن يكون العامل الثاني عاملا للمالك أيضا، وأن
يكون العمل المقصود في كلتا المضاربتين الأولى والثانية، عملا واحدا
لا تعدد فيه، والحكم في هذه الصورة أن تنفسخ المضاربة الأولى بين
المالك والعامل الأول، من حيث إن العمل الواحد لا يقبل الصدور من
عاملين مستقلين، ولذلك فتكون المضاربة الثانية التي أوقعها العامل
بإذن المالك موجبة لفسخ المضاربة الأولى، ولازم ذلك أن يكون الربح
الذي يحصل من العمل في المضاربة الثانية مشتركا بين المالك والعامل
الثاني على الوجه الذي عين له في المضاربة الثانية، ولا شئ للعامل
الأول منه.
وإذا كان العامل الأول قد عمل في المضاربة الأولى وربح في عمله
393

قبل انشاء المضاربة الثانية كانت له حصته من ذلك الربح، وليس
للعامل الثاني منه شئ.
[المسألة 76:]
إذا ضارب العامل المأذون عاملا غيره على الوجه الذي ذكرناه في
المسألة السابقة، واشترط على العامل الثاني في العقد أن تكون له حصة
معينة في ربحه، لم يصح له هذا الشرط، لأن المفروض أن مضاربته
تنفسخ بذلك، ولا عمل له في المضاربة الثانية، فيكون الشرط له شرطا
لأجنبي غير عامل.
[المسألة 77:]
إذا كانت حصة العامل المأذون في المضاربة هي نصف الربح مثلا،
وضارب العامل على الوجه المتقدم ذكره، واشترط على العامل الثاني
في مضاربته أن للعامل الثاني الثلث من الربح أو الربع منه صحت
المضاربة وصح الشرط وكانت الزيادة للمالك، ولا يستحق العامل
الأول منها شيئا.
[المسألة 78:]
الصورة الثانية: أن يكون المقصود من المضاربة الثانية المأذون فيها
انشاء مضاربة للعامل الثاني لعمل آخر مستقل غير عمل العامل الأول
في مضاربته، وإن كان رأس المال في المضاربتين واحدا، ويكون كل
واحد من العاملين الأول والثاني عاملا مستقلا للمالك في مضاربة
مستقلة لعمل مستقل.
والظاهر صحة كلتا المضاربتين في هذه الصورة، ولا مانع منهما
ولا تنافي بينهما لاختلاف العمل، فإذا عمل أحد العاملين بالمال في
الأسبوع الأول مثلا وربح في عمله استحق حصته من الربح بمقتضى
العقد معه، وإذا عمل الآخر بالمال في الأسبوع الثاني وربح كذلك
استحق حصته من ربحه بمقتضى عقده ولم يشارك أحدهما الآخر في
الربح الخاص به، وهكذا، وعلى العاملين أن يتوافقا بينهما في مواعيد
العمل أو في مجالاته.
394

[المسألة 79:]
الصورة الثالثة: أن يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله
شريكا معه في عمله وفي حصته المعينة له من الربح، والظاهر الصحة
أيضا في هذه الصورة، فيفسخ المضاربة الأولى الخاصة به وينشئ عقد
مضاربه جديدة بين المالك والعاملين، وتكون الحصة المعينة من الربح
في المضاربة الأولى مشتركة بين العاملين حسب ما يتفقان عليه من تحديد،
ولهما أن يتفقا مع المالك على حصة أخرى من الربح أكثر من الأولى أو
أقل منها.
[المسألة 80:]
الصورة الرابعة: أن يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله
عاملا لنفسه لا للمالك بنصيب معين من حصته التي عينت له في المضاربة
الأولى، والظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، وللعامل أن يتخذ أجيرا أو
شريكا إذا كان بإذن المالك والمفروض هو ذلك.
[المسألة 81:]
إذا ضارب العامل في المضاربة عاملا آخر، ليتجر بالمال الذي بيده
وكان غير مأذون من المالك في أن يضارب غيره، كان عقده مع العامل
الثاني فضوليا، فإن أجاز المالك عقدهما كان صحيحا ونفذت المضاربة
الثانية، وجرت فيها الصور الأربع التي تقدم تفصيلها وبيان أحكامها
في المسائل المتقدمة، وإن لم يجز المالك عقدهما كان باطلا ولم تنفذ
المضاربة الثانية.
وإذا اتجر العامل الثاني بالمال ولم يجز المالك مضاربته، كانت
معاملاته بالمال فضولية أيضا، فإن أجاز المالك هذه المعاملات صحت
بإجازته، وإذا ربحت كان ربحها كله للمالك ولم يستحق العامل الأول
من الربح شيئا، واستحق العامل الثاني على المالك أجرة المثل على عمله
من حيث إن المالك قد استوفى منه منفعة عمله، سواء كان العامل الثاني
عالما أم جاهلا بالحال.
وإن لم يجز المالك معاملات العامل الثاني في ماله كانت باطلة فترد
395

المبيعات إلى مالكها وترد الأثمان إلى أصحابها، ولا يتحقق في المعاملات
ربح لينظر في من يستحقه، وذلك واضح غير خفي.
ولا فرق في هذه الأحكام بين أن يكون العامل الأول قد ضارب الثاني
على أن يكون عاملا للمالك أو يكون عاملا لنفسه.
وهذا كله إذا كان المالك قد اشترط على العامل الأول في مضاربته
الأولى أن يباشر عمل المضاربة بنفسه، وإن كان هذا الشرط مما دلت
عليه القرائن العامة أو الخاصة.
وإذا لم يشترط المالك عليه مباشرة العمل بنفسه، فقد يقال بصحة
المعاملات التي أجراها العامل الثاني على المال، وإن لم يجز المالك
مضاربته من العامل الأول، ولم يجز معاملاته التي أجراها على المال،
من حيث إن هذه المعاملات قد وقعت بإذن العامل الأول وقد استحقها
المالك عليه بمضاربته ولم يشترط عليه المباشرة، فتكون المعاملات له
ويستحق بها حصته المعينة له من ربحها، ويستحق عليه العامل الثاني
أجرة المثل ولكن المسألة موضع تردد واشكال، فلا يترك فيها الاحتياط.
[المسألة 82:]
إذا رد المالك مضاربة العامل الأول للعامل الثاني ولم يجزها،
وكان المال بيد العامل الثاني ولم يتجر به، جاز للمالك أن يطالبه به،
ويجب على العامل رده إليه، وإذا تلف المال أو نقص منه شئ أو حدث
فيه عيب، تخير المالك بين أن يرجع في ذلك على العامل الأول، وعلى
العامل الثاني، فإذا رجع بالغرامة على العامل الذي أوقع المضاربة لم
يرجع هذا على العامل الثاني بشئ وإن كان التلف أو التعيب حدث والمال
بيده إذا كان جاهلا بالأمر، وإذا كان العامل الثاني عالما بالحال وكان
التلف أو التعيب في يده رجع العامل الأول عليه بما غرمه المالك،
واستقر عليه الضمان.
وإذا رجع المالك بالغرامة على العامل الثاني فإن كان عالما بالحال لم
يرجع على العامل الأول بشئ، وإن كان جاهلا رجع بما اغترم للمالك
على العامل الأول لأنه مغرور من قبله.
396

وكذلك الحكم إذا اتجر العامل الثاني بالمال ولم يجز المالك المضاربة
ولم يجز المعاملات، فيجوز للمالك أن يرجع بماله على كل من العاملين
على النحو المتقدم ذكره، سواء كان المال موجودا أم تالفا.
[المسألة 83:]
إذا ضارب المالك العامل بمقدار معين من المال، كألف دينار مثلا،
ودفع إليه منه خمسمائة فعمل العامل بها مدة، ثم دفع إليه خمسمائة
أخرى، فهما مضاربة واحدة، فإذا خسرت أولاهما وربحت الثانية
جبر ربح الثانية خسارة الأولى، وكذلك الحكم إذا حدث الأمر بالعكس،
سواء خلطهما العامل في عمله أم عمل بهما منفردتين.
وإذا ضاربه بمبلغ معين كخمسمائة دينار مثلا، ثم دفع إليه مبلغا
آخر ليتجر به، فهما مضاربتان، فلا يجبر ربح إحداهما خسارة
الأخرى، سواء عمل العامل بالمبلغ الأول قبل دفع المبلغ الثاني إليه أم
لا، وإذا قصد المالك حين دفع المبلغ الثاني إلى العامل فسخ المضاربة
الأولى وانشاء مضاربة جديدة بالمجموع كانت مضاربة واحدة، ولا
يكفي مجرد مزج المالين والاتجار بمجموعهما في جعلهما مضاربة واحدة.
[الفصل الرابع]
[في حصة العامل من الربح]
[المسألة 84:]
إذا ظهر الربح في تجارة عامل المضاربة ملك حصته من الربح على
الأقوى، وإن كان المال لا يزال متاعا وعروضا، ولم يصر نقودا، ولا
يتوقف ملكه لحصته على قسمة المال، ولكن العامل محجور - على الأقرب -
عن بعض التصرفات في حصته من الربح، كما إذا أراد أن يبيع الحصة
أو ينقلها إلى ملك غيره بصلح ونحوه من العقود اللازمة، فإن حق المالك
لا يزال متعلقا به لاحتمال طروء تلف أو خسارة في رأس مال المضاربة
بعد ظهور الربح، وللعامل أن يطالب بالمالك بالقسمة، فإنها لا تمنع
397

من جبر الخسارة بالربح إذا حصلت بعد القسمة ما لم يتحقق فسخ
المضاربة كما سيأتي بيان ذلك.
[المسألة 85:]
إذا طرأ على رأس المال في المضاربة تلف، أو حدث فيه عيب، أو
حصلت فيه خسارة، وكان هذا الطارئ غير مضمون على أحد، جبر
ذلك من الربح الذي يحصل في التجارة، سواء كان الربح سابقا على
الخسارة أم لاحقا لها، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، ومن أجله
كان العامل محجورا عن التصرف في حصته من الربح تصرفا ينافي ذلك
ويمنع منه وإن كان مالكا للحصة كما ذكرناه في ما تقدم.
ولا يرتفع هذا الحجر عن العامل حتى تحصل القسمة ويتحقق
فسخ المضاربة، والمراد بالقسمة قسمة جميع المال فلا تكفي قسمة
الربح وحده، فإذا قسم الربح بين المالك والعامل ثم حصل خسران
أو تلف في المال أو أخذت منه نفقة للعامل في سفر، جبر بالربح وإن
كان مقسوما.
ولا تكفي قسمة جميع المال إذا لم تفسخ المضاربة، إلا إذا علم أن
القسمة لجميع المال فسخ عملي للمضاربة، فيكون ذلك فسخا مع قسمة،
ويرتفع به الحجر عن العامل فتصح له جميع التصرفات في حصته، وإذا
حصل بعد ذلك تلف أو عيب لم يجبر من الربح، بل يكون تلف كل
شئ من مال مالكه.
وإذا فسخت المضاربة بين المالك والعامل ولم تقع القمسة، فهل
يرتفع بذلك الحجر عن العامل؟ وإذا حدث بعد ذلك تلف أو عيب في
المال، فهل يجبر من الربح؟. فيه اشكال، فلا بد في هذا الفرض من
مراعاة الاحتياط.
ولا يعتبر في استقرار ملك العامل لحصته وارتفاع الحجر عنه أن
ينض المال، ونض المال هو أن تصير الأجناس والأمتعة في المضاربة
نقودا، فإذا حصلت القسمة وتحقق الفسخ ارتفع الحجز عن العامل
398

في التصرف في حصته ولم يجبر التلف الذي يكون بعد ذلك، بالربح،
وإن لم ينض المال بعد.
[المسألة 86:]
إذا ظهر الربح في تجارة المضاربة، جاز للمالك والعامل أن يتفقا
فيقتسما مقدار الربح بينها، ويبقى مقدار رأس المال بيد العامل
لتستمر المضاربة به، فإذا فعلا كذلك، وحدثت خسارة في رأس المال
بعد ذلك، فإن حصل بعد الخسارة أو قبلها ربح آخر جبرت الخسارة
بالربح الجديد، وإن لم تربح المضاربة شيئا أو كان الربح الجديد
لا يكفي لجبر الخسارة، كان على العامل أن يرد أقل الأمرين من الحصة
التي أخذها من الربح، وما يصيبه من الخسران.
وإذا طلب العامل قسمة الربح الحاصل بعد ظهوره في المضاربة،
وامتنع المالك من قسمته، لم يجبر عليها فلا تصح، وإذا طلب المالك
قسمة الربح كذلك وامتنع العامل أجبر عليها على الأقوى، وإذا حدثت
بعد ذلك خسارة في المال جرى الحكم السابق.
[المسألة 87:]
ذكرنا في المسألة الرابعة والثمانين: إن العامل يكون مالكا لحصته
المعينة له من الربح عند ظهور الربح في مال التجارة، سواء نض المال
وصار عينا ونقودا، أم لم يزل متاعا وعروضا، ولكن العامل محجور
عن التصرف في الحصة بما ينافي حق المالك كالبيع والصلح والمعاوضات
التي تنقلها إلى غيره نقلا لازما فإن حق المالك لا يزال متعلقا بالربح.
ونتيجة لذلك، فإذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهور الربح،
توقفت صحة البيع على إذن المالك قبله أو إجازته بعده، فإذا أذن المالك
للعامل ببيع حصته أو أجازه بعد وقوعه صح مع اجتماع شرائط البيع،
وإذا خسر مال التجارة بعد ذلك لم يبطل البيع، ووجب على العامل أن
يجبر الخسارة من قبله بدفع أقل الأمرين، وهما قيمة الحصة التي باعها
من الربح ومقدار نصيبه من الخسارة، وإذا لم يأذن المالك للعامل
ببيع حصته ولم يجزه بعد وقوعه ففي صحة البيع اشكال.
399

[المسألة 88:]
الخسارة هي النقيصة التي ترد على مال المضاربة في تقليبه
والاتجار به، فإذا اشترى العامل متاعا بثمن ثم باعه بأقل من ذلك
الثمن فقد خسر به، وتقابلها النقيصة التي ترد على المال بسبب تلف
بعضه بغرق أو حرق أو ما يشبههما، والنقيصة التي ترد عليه بسرقة
منه أو غصب، والنقيصة التي ترد عليه بحدوث عيب يوجب نقصان
قيمته، وجميع هذه النقائص خسارة بمعناها العام الشامل، وإن كان
الذي يسبق إلى الأذهان منها هو المعين الأول حين تسند الخسارة إلى
المال أو إلى المعاملة، فإذا قال أحد خسرت المعاملة أو خسر مال المضاربة
سبق إلى الذهن نقصان المال بسبب التعامل والمضاربة به.
ولا ريب في أن الخسارة التي ترد على مال المضاربة بالمعنى المذكور
يكون الربح جابرا لها، سواء كان حصول الربح متقدما على ورود
الخسارة على المال أم كان متأخرا عنه، فإذا خسرت التجارة في الأسبوع
الأول عشرين دينارا مثلا، ثم ربحت في الأسبوع الثاني عشرين دينارا،
كان الربح اللاحق جابرا للخسارة المتقدمة، فإذا فسخت المضاربة بعد
ذلك وجب دفع رأس المال تاما إلى مالكه ولم يستحق العامل منه نصيبا،
وكذلك إذا ربحت التجارة في الأسبوع الأول ثم خسرت في الأسبوع
الثاني، وإذا زاد الربح على مقدار الخسارة استحق العامل حصته
المعينة من الزيادة.
[المسألة 89:]
إذا تلف مال المضاربة جميعا أو تلف بعضه، وكان التلف بعد دوران
المال في التجارة بالتعامل به والأخذ والعطاء، فالظاهر أن هذا التلف
يجب جبره بربح التجارة إذا حصل، سواء كان حصول الربح سابقا
على التلف أم لاحقا له، فإذا كان رأس المال ألف دينار ودارت التجارة
به في الشهر الأول وربحت ألفا ثم تلف الألف في الشهر الثاني كان الألف
الباقي جابرا للتالف كما تقدم في الخسارة، سواء كان التلف بآفة من
الآفات أم باتلاف أجنبي أم باتلاف العامل نفسه.
400

وإذا كان التلف مضمونا، فدفع الشخص المتلف عوض المال الذي
أتلفه كان العوض المدفوع من مال المضاربة فإذا وفى برأس المال لم
يحتج إلى جبره من الربح.
[المسألة 90:]
إذا تلف مال المضاربة كله بعد شروع العامل في الاتجار به، فالأقوى
بطلان المضاربة، فإذ اشترى العامل سلعا وأمتعة في الذمة، وتلف مال
المضاربة قبل أن يدفع الثمن إلى البائع لم يصح الشراء، إلا إذا أجاز
المالك، وقد تقدم في المسألة الثالثة والأربعين إن اطلاق عقد المضاربة
إنما يقتضي الإذن للعامل في أن يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة،
على أن يكون الوفاء من مال المضاربة نفسه لا من أموال المالك الأخرى،
فإذا تلف مال المضاربة كما هو المفروض انتفى الإذن بالشراء في الذمة،
فلا يكون الشراء صحيحا، وقد تقدم تفصيل ذلك في المسألة المذكورة
فلتراجع.
وإذا تلف بعض مال المضاربة بعد الشروع في التجارة، واستمرت
المضاربة في بقية المال وحصل الربح جبر التلف بالربح.
[المسألة 91:]
إذا تلف بعض المال قبل أن يبتدئ العامل في التجارة واستمرت
المضاربة في بقية المال وحصل الربح جبر تلف التالف بهذا الربح كما
سبق في نظائره.
وإذا تلف جميع مال المضاربة قبل أن يبدأ العامل في الاتجار انفسخ
عقد المضاربة بذلك. وإذا أتلف المال أجنبي أو أتلفه العامل، ثم دفع
عوض التالف لم تنفسخ المضاربة في هذا الفرض ولا في نظائره مما
تقدم، ولم يحتج إلى الجبر من الربح إذا كان التالف بعض المال، ويكون
العوض المدفوع مالا للمضاربة.
وبحكم التلف ما إذا سرق المال أو نهب أو حدث فيه عيب يوجب
نقصان قيمته، فتجري فيه الفروض المتقدمة جميعا وتلحقها أحكامها.
401

[المسألة 92:]
الأجناس والأمتعة والعروض التي يشتريها العامل للمضاربة جميعا
ملك لمالك المال، سواء اشتراها العامل بمال المضاربة نفسه أم اشتراها
بثمن كلي في ذمة المالك أم في ذمة العامل لأنه وكيل عن المالك في أمر
المضاربة، ولذلك فلا يصح للمالك أن يشتري شيئا منها، ولا يجوز
أن يشتريها وكيل له وإن كان عاملا في مضاربة له أخرى، إلا إذا
اشتراها وكيله أو عامله لنفسه لا للمالك أو للمضاربة.
وإذا ظهر الربح في مال المضاربة جاز للمالك أن يشتري حصة العامل
من ربح المال، فقد بينا إن العامل يملك حصته عند ظهور الربح،
ولذلك فلا مانع من أن يشتريها المالك أو وكيله إذا علم مقدار الحصة،
وإذا حدثت بعد ذلك خسارة في مال المضاربة لم يبطل البيع، ووجب
على العامل أن يرد أقل الأمرين من الثمن الذي باع به حصته على المالك،
والنصيب الذي يلحقه من الخسارة، كما تقدم في بيع الحصة على غير
المالك بإذن المالك أو إجازته.
[المسألة 93:]
يجوز لعامل المضاربة أن يشتري لنفسه من المالك من أموال المضاربة
ما شاء، سواء ظهر الربح في المال أم لم يظهر بعد، وإذا كان الشراء
بعد ظهور الربح بطل الشراء في مقدار حصة العامل من ربح الشئ
الذي اشتراه خاصة، فإنه قد ملك الحصة فلا يصح له أن يشتري ما هو
ملكه، ويصح الشراء في الباقي.
وإذا لم يظهر الربح في المال، فاشترى العامل من مال المضاربة
أشياء بأكثر من قيمتها، فظهر الربح في المال بنفس شراء العامل،
فالظاهر صحة شرائه، فإنه اشترى مال المالك لا مال نفسه، وإنما
يملكه العامل بعد أن يملك المالك الثمن بالشراء، وبعد أن يتحقق
كونه ربحا.
[المسألة 94:]
إذا كانت للعامل دار أو أرض مشتركة بينه وبين شخص آخر،
402

فاشترى العامل حصة شريكه من الدار أو الأرض بمال المضاربة، جاز
له أن يأخذ لنفسه بحق الشفعة في الدار أو الأرض المشتراة لأنه شريك
فيها، فيحق له أن يشفع في حصة شريكه بمثل ما اشتراها به من الثمن،
وهذا إذا كان شراء حصة الشريك من الدار أو الأرض قبل ظهور الربح
في مال المضاربة.
[المسألة 95:]
إذا كانت لمالك المضاربة دار أو أرض مشتركة بينه وبين مالك
آخر، فاشترى عامله حصة الشريك منها بمال المضاربة لم يجز للمالك
أن يأخذ بحق الشفعة في الحصة المشتراة، فإن الشراء للمضاربة يكون
للمالك نفسه، فلا يحق له أن يأخذ بالشفعة ما هو ملكه.
[المسألة 96:]
الجارية التي يشتريها العامل بمال المضاربة مملوكة لمالك المضاربة
فلا يحل للعامل وطؤها لأنها ملك غيره، وإذا ظهر الربح في مال المضاربة
ملك العامل حصته من الربح في الجارية فتكون مشتركة بينه وبين
المالك، فلا يجوز له وطؤها كذلك، وإذا وطأها كان زانيا في كلتا
الحالتين إلا مع وجود الشبهة.
وإذا حلل المالك له وطأها قبل أن يظهر الربح جاز له ذلك، وكذلك
إذا حللها له بعد ظهور الربح على الأقوى، وإن أصبحت مشتركة بينهما
في هذا الحال، فإنه يصح لأحد الشريكين أن يحلل لصاحبه وطء الجارية
المشتركة بينهما، ولا يكفي الإذن من المالك به إذا لم يكن بصيغة
التحليل، ولا يكفي الإذن ولا التحليل من المالك إذا كان سابقا على
شراء الأمة، ومثال ذلك أن يقول للعامل في عقد المضاربة، أذنت لك
في أن تشتري جارية من مال المضاربة، وأحللت لك فرجها، فإذا اشترى
العامل الأمة بعد ذلك لم يحل له وطؤها، إلا إذا جدد المالك له صيغة
التحليل بعدما ملك الأمة.
ويجوز للمالك أن يطأ الجارية التي اشتراها العامل بمال المضاربة
403

قبل أن يظهر الربح، فإذا ظهر الربح في المال واستحق العامل الحصة
لم يجز للمالك وطء الجارية إلا إذا حللها له العامل كما تقدم.
[المسألة 97:]
إذا مات عامل المضاربة بطل عقد المالك معه فلا تنتقل المضاربة إلى
وارثه من بعده، فإذا تولى الوارث الاتجار بالمال بغير إذن المالك لم
تصح معاملاته إذا لم يجزها المالك، وكان ضامنا للمال إذا تلف أو
حدث فيه عيب، وإذا أجاز المالك معاملاته التي أجراها في المال وربح
فيها كان الربح جميعه للمالك واستحق الوارث عليها أجرة المثل.
وأما المعاملات التي أجراها العامل في حياته فيرجع إلى المالك في اتمام
ما نقص منها، وإذا ظهر الربح في شئ منها في حياة العامل استحق
نصيبه من ربحه وانتقل إلى وراثه من بعده، وإذا أراد المالك مضاربة
الوارث فلا بد من عقد جديد تجتمع فيه شرائط الصحة في المضاربة.
[المسألة 98:]
إذا مات مالك المال في المضاربة انتقل المال إلى وراثه من بعده،
وبطلت المضاربة مع العامل، فلا يجوز للعامل أن يتولى العمل فيها إلا
بعقد جديد مع الوارث، ويستحق العامل حصته من الربح في الأموال
التي ظهر ربحها في حياة المالك، ولا يستحق شيئا في المال إذا لم يظهر
ربحه وفي المعاملات التي لم تتم في حياة المالك، وإذا رغب الوارث في
مضاربة العامل فلا بد لهما من إنشاء عقد جديد تجتمع فيه شرائط
المضاربة.
[المسألة 99:]
إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة أو انفسخت المضاربة بينهما
لطروء أحد الأسباب التي توجب بطلانها وانفساخ عقدها، كموت أحد
المتعاقدين أو عروض الجنون عليه أو تلف مال التجارة في الموارد التي
يوجب ذلك انفساخها، وكان الفسخ أو الانفساخ قبل شروع العامل
في عمل المضاربة وقبل الدخول في مقدماتها، لم يستحق العامل على
المالك شيئا، ولم يستحق المالك عليه شيئا، ولا اشكال في ذلك، وإذا
404

حصل الفسخ أو الانفساخ بعد أن أتم العامل عمل المضاربة، وقد تحول
المال نقودا، فإن ظهر في المال ربح اقتسمه المالك والعامل على الوجه
الذي اشترطاه بينهما في العقد، وإن لم تربح المضاربة رد العامل رأس
المال على مالكه، ولم يستحق العامل على عمله شيئا، وإذا خسرت التجارة
لم يكن على العامل من الخسارة شئ، وإن كان المالك قد شرط عليه
في عقد المضاربة أن يشاركه في الخسارة كما يشاركه في الربح، فقد
تقدم أن الأقوى عدم صحة هذا الشرط.
وإذا كان قد شرط عليه في العقد أن يدفع له من ماله ما يتدارك به
نصيبا من الخسارة أو جميعه نفذ الشرط ولزم العمل إذا كنت المضاربة
باقية، وإذا فسخت المضاربة أو انفسخت كما هو المفروض سقط
الشرط، وقد تقدم بيان هذا الشرط وما قبله في المسألة الثلاثين.
[المسألة 100:]
إذا اشترط العامل على المالك في ضمن العقد أن يدفع له شيئا إذا
لم يحصل في المضاربة ربح، وقبل المالك بالشرط وجب على المالك أن
يفي له بهذا الشرط إذا كان عقد المضاربة لا يزال باقيا، وإذا فسخ
العقد أو انفسخ كما هو المفروض سقط الشرط ولم يجب على المالك
الوفاء به.
[المسألة 101:]
إذا فسخ العامل عقد المضاربة بعد أن قام بشئ من عمل المضاربة،
وقبل أن يظهر الربح في المال، لم يستحق على المال شيئا، ولا أجرة
له على العمل، وكذلك الحكم إذا فسخ المالك المضاربة أو انفسخت
لطروء بعض موجبات الانفساخ وكان ذلك في أثناء العمل وقبل حصول
الربح في المال، فلا حصة للعامل ولا أجرة.
[المسألة 102:]
إذا سافر العامل ليتجر بالمال في سفره، وكان سفره بإذن المالك
وصرف مبلغا من رأس المال لنفقاته، ثم فسخ العامل عقد المضاربة
قبل أن يتجر بالمال أو بعد الشروع في التجارة وقبل حصول الربح في
405

المال: فلا ضمان على العامل للنفقات التي صرفها على نفسه من المال،
وأولى من ذلك بعدم الضمان ما إذا كان الفسخ من المالك.
[المسألة 103:]
إذا فسخ العامل أو المالك عقد المضاربة وقد شرع العامل في العمل ولم
يحصل الربح في المال فلا يجوز للعامل أن يبيع العروض والأمتعة الموجودة
من مال المضاربة بغير إذن المالك، وإن وجد الراغب الذي يمكن أن
يزيد في الثمن لرغبته فيحصل الربح في المال، بل وإن كان الراغب
عازما على الشراء بأكثر من القيمة، فلا يجوز للعامل البيع في جميع
هذه الصور إذا لم يأذن المالك بالبيع، ولا يجبر المالك على البيع وإذا
آذن المالك فباع العامل وربح، أو باعه المالك بنفسه فربح استحق
العامل حصته من الربح.
[المسألة 104:]
إذا فسخت المضاربة أو انفسخت قبل أن يظهر الربح، وطلب المالك
من العامل أن يبيع الأمتعة والعروض الموجودة، ليكون رأس المال عينا
ونقدا، لم يجب ذلك على العامل، فإذا هو رد المالك العروض
والأمتعة التي اشتراها بإذنه فقد رد إليه ماله.
[المسألة 105:]
إذا فسخت المضاربة أو انفسخ بعدما ظهر الربح في المال وملك
العامل حصته وكان في المال عروض وأمتعة فللمالك والعامل أن يتراضيا
فيقتسما المال الموجود بينهما، فيدفع إلى العامل مقدار حصته عروضا
وأمتعة، ويدفع الباقي إلى المالك وهو رأس ماله ومقدار حصته عروضا
وأمتعة كذلك، سواء كان الفسخ في أثناء عمل المضاربة أم كان بعد
اتمام العمل.
وإذا طلب العامل أن تباع العروض والأمتعة وتجعل نقودا لم يجب
على المالك أن يجيبه إلى ذلك، وإذا طلب المالك من العامل أن ينض
المال الموجود ويجعله نقودا لم تجب على العامل إجابته كذلك، وإذا
حصل الفسخ وحصلت القسمة استقر ملك العامل لحصته من الربح
406

وارتفع عنه الحجر، فإذا حدث بعد ذلك نقص أو تلف أو عيب في المال
لم يجب على العامل أن يدفع حصته من الربح ليجبر بها نقصان المال
كما تقدم في المسألة الخامسة والثمانين.
[المسألة 106:]
إذا فسخت المضاربة أو انفسخت وكانت في مال المضاربة ديون على
الناس وجب على العامل أخذها وجبايتها من المدينين على الأحوط، إن
لم يكن ذلك هو الأقوى، وخصوصا إذا كان الفاسخ هو العامل،
وخصوصا إذا كانت الديون بغير إذن المالك.
[المسألة 107:]
إذا مات مالك المضاربة أو مات العامل فيها انفسخت المضاربة كما
بينا في المسألة الثامنة والتسعين وما بعدها، وثبت لوارثهما بالموت
جميع ما ذكرناه للمورث من الأحكام بعد حصول الفسخ أو الانفساخ
وينتفي عن الوارث ما قلنا بنفيه عن الميت المورث.
[المسألة 108:]
إذا فسخت المضاربة أو انفسخت وجب على العامل أن يرد مال
المضاربة إلى مالكه، والمدار في ذلك على ما يصدق معه أنه قد رد المال
إلى مالكه في نظر أهل العرف، ولا يكتفي بمجرد التخلية بين المالك
وماله على الأحوط، وإذا توقف رد المال إلى صاحبه على دفع أجرة أو
بذل مال لم يجب ذلك على العامل بل يكون على صاحب المال.
[المسألة 109:]
إذا سافر العامل بمال المضاربة إلى بلد آخر وكان سفره بغير إذن
المالك، ثم حصل الفسخ أو الانفساخ، وجب على العامل رد المال، وإذا
توقف رد المال على دفع أجرة أو بذل مال وجب ذلك على العامل وإذا
تلف المال أو نقص أو حدث فيه عيب قبل وصوله إلى المالك كان العامل
ضامنا له، فإنه بحكم الغاصب شرعا وإن كان جاهلا بعدم جواز السفر
بالمال إذا لم يأذن له المالك.
407

[المسألة 110:]
إذا أوقع المالك والعامل مضاربة فاسدة، وسارا في العمل عليها،
فأخذ العامل المال من المالك واتجر به وربح، فالمعاملات التي أجراها
العامل بالمال صحيحة، لوجود الإذن بها من المالك، ولا يضر في صحة
الإذن ولا في اطلاقه أنه وقع في مضاربة فاسدة، إلا أن تدل قرينة خاصة
على أن إذن المالك للعامل بايقاع المعاملات في ماله مقيد بالمضاربة،
فإذا دلت القرينة على هذا التقييد كان الإذن باطلا لبطلان المضاربة
فلا تصح المعاملات حين ذاك من العامل إلا إذا أجازها المالك، وإذا
بطلت المعاملات لعدم الإذن بها وعدم الإجازة من المالك وجب رد الأموال
إلى بائعها والأثمان إلى المشتري ولا تتحقق الأرباح.
وإذا حصل الإذن كما أوضحناه لعدم القرينة على التقييد، أو حصلت
الإجازة بعد ذلك من المالك صحت المعاملات، فإذا ربحت كان الربح
جميعه لمالك المال.
ولا فرق في جريان هذه الأحكام بين أن يكون المالك والعامل جاهلين
بفساد المضاربة وأن يكونا عالمين به وأن يكون أحدهما عالما بالفساد
ويكون الآخر جاهلا به.
ويستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في جميع الصور المذكورة،
فإن المالك قد استوفى من العامل منفعة العمل بأمره، فلا يسقط حقه
من الأجرة وإن كان عالما بفساد المعاملة، إلا إذا علم بأن العامل قد
قصد التبرع بعمله، وعلمه بفساد المعاملة لا يدل على ذلك.
ولا يضمن العامل تلف المال ولا نقصه إذا تلف بيده أو نقص في
جميع الصور المذكورة، ويستثنى من ذلك ما إذا سافر العامل بالمال
وأنفق على نفسه من المال في سفره، فإنه يكون ضامنا للنفقة فيجب
عليه دفع بدلها إلى المالك.
[المسألة 111:]
إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة فها هنا صور متعددة ولكل
صورة حكمها.
408

الصورة الأولى: أن يعرف مال المضاربة بعينه ويتميز عن بقية
أموال التركة، وحكم هذه الصورة واضح، فمال المضاربة لمالكه
خاصة ولا شئ منه لورثة العامل، إلا إذا علم أن في مال المضاربة
ربحا، وإن للعامل حصة من الربح لم يقبضها في حياته، فإن حصته تعود
ميراثا لورثته، فتقسم الحصة عن بقية المال، وتضم إلى أموال التركة
ليرثها الورثة.
[المسألة 112:]
الصورة الثانية: أن يعلم بأن مال المضاربة موجود في ضمن الأموال
التي تركها العامل من بعده ولا يعرف بعينه من بقية الأموال، والحكم
في هذه الصورة إن مال المضاربة إذا امتزج بمال التركة حتى انتفى
التمييز بين المالين، كان مالك المضاربة شريكا لورثة العامل الميت في
الأموال المتروكة بنسبة ماله من المجموع، فإذا كان مال المضاربة ألف
دينار مثلا وكان مال التركة ألفي دينار، وقد امتزج الجميع فلم يتميز
بعضه عن بعض، كان لمالك المضاربة ثلث الأموال الموجودة، واحتاج
في تمييزه إلى القسمة مع الورثة.
وإن لم يمتزج المال بالمال حتى تحصل الشركة، ولكنه اشتبه بعضه
ببعض فلم يمكن تعيينه، رجع في تعيين مال المالك عن مال التركة إلى
القرعة أو إلى المصالحة بين المالك والوارث.
وإن لم يعلم شئ من ذلك كان لمالك المضاربة أسوة الغرماء إن
وجدوا، فيأخذ مقدار ماله إذا وفت التركة بالديون أو زادت عليها،
ويقتسم مع بقية الغرماء مال التركة بنسبة ماله من مجموع الديون
إذا ضاقت التركة عن الوفاء بالديون.
[المسألة 113:]
الصورة الثالثة: أن يعلم بأن مال المضاربة لا يوجد في أموال التركة
ولا في يد الميت، فلعل عامل المضاربة قد رد المال إلى مالكه قبل أن يموت،
ولعل المال قد تلف في يد العامل وهو حي بتفريط منه أو بدون تفريط،
والحكم في هذه الصورة عدم الضمان، فلا شئ على ورثة العامل،
وتعود التركة الموجودة كلها ميراثا لهم.
409

[المسألة 114:]
الصورة الرابعة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل
إلى وقت موته، ثم لا يعلم هل المال موجود في جملة أموال التركة أولا،
فلعل العامل أودع المال في مكان مجهول، ولعله دفعه وديعة إلى شخص آخر
والحكم في هذه الصورة موضع اشكال، فمقتضى العلم الاجمالي بأن
بعض ما في يد العامل حين موته هو مال غيره أن يسقط اعتبار يده في
جميع المال المتروك من بعده، فلا تدل يده على أنه مالك للمال، ونتيجة
لذلك فلا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة حتى يتخلصوا من مال
مالك المضاربة وينحل العلم الاجمالي المذكور.
[المسألة 115:]
الصورة الخامسة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل
إلى حين وقت موته ويعلم كذلك بأن مال المضاربة غير موجود في جملة
أموال التركة
الصورة السادسة: أن يشك في أن مال المضاربة بقي في يد العامل
إلى حين موته أو لم يبق في يده، والأقوى في هاتين الصورتين عدم
الضمان، إلا إذا ثبت تفريط العامل، فلا شئ على الورثة، ويكون
المال المتروك كله ميراثا لهم.
[الفصل الخامس]
[في جملة من أحكام المضاربة]
[المسألة 116:]
إذا خسر المال أو تلف، فادعى مالك المال أنه قد دفعه إلى العامل
قرضا، ولازم دعواه هذه إن العامل مدين له بالمال الذي اقترضه وعليه
أن يؤدي إليه عوضه، وأن العامل لا يستحق على عمله في المال أجرة،
فإن المال قد أصبح ماله بسبب القرض، ولا أجرة له على العمل بماله،
وأنكر العامل ذلك وادعى أن المعاملة بينه وبين المالك كانت مضاربة
فاسدة، ولازم قوله هذا أنه يستحق على المالك أجرة العمل له في المال
410

لأن العمل له وبطلب منه، وأنه لا ضمان على العامل لخسارة المال أو
تلفه لأنه أمين وإن كانت المضاربة فاسدة، فلا يكون ضامنا، فيكون
ذلك من التداعي بين المالك والعامل والحكم في التداعي هو التحالف.
فإذا حلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر سقطت الدعويان
معا، وكان على العامل ضمان المال ولم يستحق العامل على المالك شيئا،
إذا لم يحرز بوجه من الوجوه أن عمله كان بإذن المالك وبطلب منه
ليستحق عليه أجرة المثل.
[المسألة 117:]
إذا ربح المال، فادعى مالكه أن المعاملة بينه وبين العامل كانت
مضاربة فاسدة ولازم دعوى المالك هذه أن جميع ربح المال له خاصة،
ولا حصة للعامل من الربح وإنما يستحق عليه أجرة المثل لعمله بالمال،
وأنكر العامل ذلك، وادعى أن المالك قد دفع المال إليه قرضا، ولازم
قوله هذا إن جميع الربح للعامل، فإنه ملك المال بسبب القرض فيكون
ربح ماله له، ولا شئ للمالك سوى عوض دينه، فيكون ذلك من التداعي،
بينهما، والحكم فيه هو التحالف.
فإذا تحالفا على الوجه المتقدم ذكره سقطت الدعويان معا، وكان على
العامل أن يدفع جميع المال وجميع ربحه للمالك، وفي استحقاق العامل
أجرة المثل لعمله اشكال، فإن المالك قد ادعى أن المعاملة مضاربة
فاسدة، والعامل في المضاربة الفاسدة يستحق أجرة المثل لعمله، فالمالك
يعترف للعامل بذلك في ضمن دعواه، ولكن العامل نفسه قد أنكر
استحقاقه للأجرة لما ادعى أنه ملك المال بالقرض، فلا تكون له أجرة
على عمله بماله، ويكون المقام من صغريات ما إذا تعارض اقرار المقر
مع إنكار المقر له، ولا يترك الاحتياط فإنهما متفقان على أن مقدار
أجرة المثل قد استحقها العامل أما لأنه عامل مضاربة فاسدة وأما لأنه
قد استحقها مع بقية المال بالقرض.
[المسألة 118:]
إذا ربح المال، فادعى مالك المال أنه قد دفعه إلى العامل بضاعة يتجر
411

له بها، ولازم هذه الدعوى أن العامل لا يستحق على المالك شيئا، لا حصة
من الربح ولا أجرة على العمل، وهذا بناء على أنه هو الحكم في عامل
البضاعة، ولازم هذه الدعوى أيضا أن جميع الربح يكون لمالك المال،
وأنكر العامل ذلك وادعى أن المعاملة بينه وبين المالك كانت مضاربة
فاسدة، فتكون له أجرة المثل لعمله، والحكم في ذلك هو التحالف فإنه
من التداعي.
فإذا تحالف المالك والعامل سقطت الدعويان، وكان المال وربحه
كله للمالك لاتفاق الطرفين على ذلك وثبتت للعامل أجرة المثل لعمله،
فإن المالك قد استوفى منه منفعة عمله سواء كانت المعاملة بضاعة أم
مضاربة فاسدة.
[المسألة 119:]
إذا ادعى أحد الرجلين أنه قد دفع إلى الآخر مبلغا من المال مضاربة
ليتجر به وأنكر الآخر ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، إلا أن يثبت
المدعي صدق قوله بإقامة البينة على ما يدعي.
[المسألة 120:]
إذا اختلف المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي دفعه المالك إلى
العامل، فادعى أحدهما أنه ألف دينار مثلا وذكر الآخر أن مقداره
تسعمائة دينار فقط وأنكر الزيادة، فالقول قول من ينكر الزيادة
مع يمينه.
[المسألة 121:]
إذا اختلف المالك والعامل في المضاربة بينهما فادعى أحدهما أنها
ربحت وأنكر الآخر حصول الربح فيها فالقول قول العامل مع يمينه
سواء كان هو الذي ادعى وجود الربح أم ادعى عدم حصوله، وكذلك
إذا اختلفا في مقدار الربح، أهو خمسون دينارا مثلا أم هو ثمانون،
فالقول قول العامل مع يمينه سواء ادعى الزيادة أم النقيصة، ومثله
ما إذا قال العامل ربحت عشرين ثم خسرت عشرين فذهب الربح،
فيصدق قوله في جميع ذلك مع يمينه لأنه أمين.
412

[المسألة 122:]
إذا تنازع العامل مع المالك، فادعى العامل أن المال قد تلف في يده،
ولازم قوله إن مالك المال لا يستحق عليه شيئا، لأنه غير ضامن لما
يتلف، وأنكر المالك تلف المال، فعلى العامل أن يدفعه إليه، فالقول
قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع يمينه، وكذلك إذا ادعى العامل
خسارة التجارة أو ادعى عدم ربحها وأنكر المالك ما يدعيه، وإذا كان
المالك قد أذن للعامل بالبيع في الذمة، فباع كذلك، ثم ادعى إنه طالب
المشترين بما في ذممهم من أثمان المبيعات فلم يوفوا ديونهم وأنكر المالك
ذلك، فيقدم قول العامل مع يمينه في جميع ذلك سواء كانت الدعوى
قبل فسخ المشاربة أم كانت بعده، وحتى إذا ادعى حدوث تلف المال
بعد فسخ المضاربة.
[المسألة 123:]
إذا تلف مال المضاربة في يد العامل فادعى المالك أن العامل قد
خان الأمانة أو فرط في حفظها فتلف المال، فيكون ضامنا للتلف،
وأنكر العامل الخيانة والتفريط، فالقول قول العامل مع يمينه.
وإذا ادعى المالك على العامل إنه قد خالف شرطا اشترطه عليه في
العقد، فيكون ضامنا للتلف، فإن كان الشئ الذي فعله العامل وعده
المالك بسببه مخالفا لشرطه مما يجوز للعامل فعله ويكون الإذن فيه
محرزا بحسب القرائن الخاصة أو العامة والمتعارف بين أصحاب
المعاملات من أمثالهما وبحسب اطلاق العقد، كالبيع والشراء من رجل
معين أو لجنس معين أو في وقت معين، وادعى المالك أنه قد شرط على
العامل ما يخالف ذلك، فعلى المالك اثبات دعواه وإذا لم يقم على ما يدعيه
بينة فالقول قول العامل المنكر لذلك مع يمينه.
وإذا كان الشئ الذي فعله العامل مما لا يجوز فعله ولا يكون اطلاق
العقد دالا على الإذن فيه كالسفر بمال المضاربة وكالبيع نسيئة، فادعى
العامل أن المالك قد أذن له بذلك وأنكر المالك الإذن فالقول قول المالك
المنكر له مع يمينه.
413

[المسألة 124:]
إذا اختلف المالك والعامل في مقدار حصة العامل من الربح أهي
النصف مثلا أم الثلث؟.
فالقول قول منكر الزيادة، وهو المالك غالبا.
[المسألة 125:]
إذا أوقع المتعاقدان عقد المضاربة ثم اختلفا بعد ذلك فادعى أحدهما
صحة المضاربة، وادعى الثاني بطلانها، فالقول قول من يدعي الصحة
مع يمينه.
[المسألة 126:]
إذا فسخت المضاربة بين المتعاقدين وادعى العامل أنه رد مال
المضاربة إلى مالكه وأنكر المالك الرد فالقول قول المالك مع يمينه.
[المسألة 127:]
إذا فسخت المضاربة وقبض المالك جميع المال ثم ادعى المالك أنه
قد دفع حصة العامل من الربح إليه، وأنكر العامل ذلك فالقول قول
العامل مع يمنيه.
[المسألة 128:]
إذا اشترى العامل شيئا وادعى أنه قد اشتراه لنفسه، وادعى المالك
أنه اشتراه للمضاربة فالقول قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع
يمينه ولأنه أبصر بنيته، ومثله ما إذا اشترى شيئا وادعى أنه اشتراه
للمضاربة، وأنكر المالك وادعى أنه اشتراه لنفسه، فيقدم قول العامل
مع يمينه.
[المسألة 129:]
إذا مات مالك المال وانفسخت المضاربة لموته كما تقدم في المسألة
الثامنة والتسعين، وبقي المال في يد العامل لبعض الأعذار فهو لا يزال
أمينا على المال إذا لم تقع منه خيانة ولا تفريط ولا تقصير في رد المال
إلى أهله ما أمكن، فلا ضمان عليه إذا تلف المال في يده أو نقص منه
414

شئ أو حدث فيه عيب، وكذلك إذا انفسخت المضاربة بأحد الأسباب
الأخرى الموجبة للانفساخ فلا ضمان على العامل.
[المسألة 130:]
إذا اشترط عامل المضاربة على مالك المال في ضمن العقد أن لا يكون
الربح جابرا للخسارة التي تحصل في التجارة، فإذا حصل أي ربح في
المال اقتسماه بينهما وإن خسرت التجارة قبل حصول الربح أو بعده،
ففي صحة هذا الشرط اشكال.
وكذلك إذا اشترط عليه أن لا يكون الربح جابرا للخسارة التي
تحصل قبله فقط، أو لا يكون جابرا للخسارة التي تحصل بعده فقط،
فيشكل الحكم بصحة هذه الشروط في المضاربة.
وإذا أوقعا بينهما معاملة أخرى مستقلة غير المضاربة، واشترطا
فيها تلك الشروط صحت المعاملة ونفذت الشروط بمقتضى عمومات
الوفاء بالعقود، ولا تترتب عليها آثار المضاربة.
[المسألة 131:]
لا يشترط في مال المضاربة أن يكون عينا مشخصة في الخارج، فيجوز
للمالك أن يضارب العامل بمبلغ كلي يكون في الذمة أو بمبلغ كلي في
المعين، ومثال ذلك أن يضاربه بألف دينار في ذمة المالك أو بألف دينار
من المال المعين الموجود في الصندوق، ثم يعين المالك فردا من الكلي
ويدفعه للعامل ليعمل فيه، ولعل الغالب من المضاربات التي تقع بين
الناس في هذه الأزمان من هذا القبيل.
[المسألة 132:]
تقدم في المسألة السادسة أنه يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن
يكون عاقلا وأن يكون غير محجور عليه لسفه، وهذان الشرطان معتبران
في صحة المضاربة في ابتدائها وفي بقائها، فإذا عرض للمالك أو للعامل
الجنون المطبق أو السفه الذي يوجب الحجر من التصرفات بطلب
المضاربة بذلك.
وإذا عرض لأحدهما الجنون أدوارا أشكل الحكم ببطلان عقد المضاربة
415

بسبب ذلك، نعم يكون ذلك مانعا له من التصرف في ساعات جنونه،
والمسألة مشكلة لا يترك فيها الاحتياط.
وقال الأصحاب قدس سرهم تبطل المضاربة أيضا بعروض الاغماء للمالك
أو للعامل، ولهذا الحكم وجه إذا استمر الاغماء مدة طويلة ذهب فيها
شعوره ومنعته من التصرف، وأما إذا كانت المدة قصيرة، فيشكل
الحكم بالبطلان، كما في الجنون غير المطبق، ولا يترك الاحتياط.
[المسألة 133:]
تصح المضاربة من المالك إذا أوقعها وهو في مرض موته، فإذا اتجر
العامل بمال المضاربة وربح، واستحق حصته من الربح وإن كانت
الحصة أكثر من أجرة المثل، ولا اشكال في ذلك بناء على نفوذ منجزات
المريض من أصل التركة كما هو المختار.
[المسألة 134:]
اشترط جماعة من الأكابر في صحة المضاربة أن تكون منجزة، فلا
تكون عندهم صحيحة إذا علقها الموجب على حصول شئ يتوقع حصوله،
سواء كان الشئ الذي علقت عليه متيقن الوقوع في ما يأتي أم كان محتمل
الوقوع وعدمه، ومثال الأول أن يقول المالك للعامل: إذا جاء يوم الفطر
ضاربتك بألف دينار لتتجر به، ومثال الثاني أن يقول له: إذا شفى
الله زيدا من مرضه ضاربتك، ومثله ما إذا علق المضاربة على أمر
حاصل وهو لا يعلم بحصوله ومثال ذلك أن يقول للعامل: إذا كان
أبي قادما من سفره ضاربتك بألف دينار، وكان أبوه قادما من
سفره وهو لا يعلم به، وقد ادعى الاجماع على الحكم المذكور والمسألة
مشكلة لعدم الدليل على ذلك سوى هذه الدعوى، والأحوط استحبابا
مراعاة هذا الشرط.
[المسألة 135:]
إذا اشترط العامل على المالك أن يضاربه، وكان اشتراطه ذلك عليه
في ضمن عقد لازم وجب على المالك أن يفي له بما شرط، وكذلك إذا
اشترطه المالك على العامل، أو اشترط أحدهما على الآخر أن يضارب
416

زيدا وهو غيرهما، فيكون ذلك الغير هو الذي اشترطت المضاربة معه،
فيجب على المشروط عليه أن يفي بالشرط في جميع هذه الصور.
ولا يكفي في الوفاء بالشرط أن يعقد معه المضاربة ثم يفسخها بعد
ذلك، فإن الظاهر أن العقلاء وأهل العرف لا يقصدون في هذا الشرط
ومثله مجرد اجراء عقد المضاربة، ليصح فسخه بعد ايقاعه، بل لا بد
من الجري عليه بعد العقد، ولذلك فالأحوط أن تذكر للمضاربة
المشترطة بينهما مدة معينة.
[المسألة 136:]
إذا ضارب أحد عاملا بمبلغ معين من المال ودفعه إليه ليتجر به، ثم
ظهر أن رأس المال المدفوع إليه مملوك لغير من ضاربه، فإن كان المال
موجودا جاز لمالكه أن يأخذه، ويجب على العامل أن يرد المال إليه
وإذا تلف المال جاز للمالك أن يأخذ عوض ماله التالف من كل من منشئ
المضاربة والعامل، ويتخير في الرجوع به على أيهما شاء، فإذا هو
رجع بالعوض على العامل وكان جاهلا بالأمر، رجع العامل على من
ضاربه بما غرمه المالك، وإذا رجع بالعوض على منشئ المضاربة
رجع منشئ المضاربة بالغرامة على العامل إذا كان العامل عالما بالحال
وكان التلف بيده، ولا يرجع عليه بشئ إذا كان جاهلا بالحال أو لم
يكن التلف في يده، ويجوز لمالك المال أن يجيز المضاربة الواقعة على ماله
فتكون المضاربة له ويكون الربح مشتركا بينه وبن العامل، وتراجع
المسألة الحادية والثمانون في ما يتعلق بذلك، ولا فرق في المضارب
بالمال بين أن يكون غاصبا للمال أو جاهلا يعتقد بأنه هو المالك له.
[المسألة 137:]
لا يلحق الخسران حكم التلف في المسألة المتقدمة، وذلك لأن الخسران
إنما يتحقق إذا اشتريت السلعة بثمن معين ثم بيعت بأقل من ثمنها
الذي اشتريت به، ومن الواضح أن شراء السلعة ثم بيعها لا يكونان
صحيحين إلا بإذن مالك المال أو بإجازته بعد البيع، وإذا أذن المالك
أو أجاز ذلك نفذ الشراء والبيع له، فلا يكون له حق الرجوع على أحد
417

بخسارة المال إذا خسر، كما أنه يختص بجميع ربح المال إذا ربح،
وإذا لم يأذن المالك ولم يجز بطلت المعاملة وكان له جميع المال لا
خصوص الخسارة.
[المسألة 138:]
يصح للأب وللجد أبي الأب أن يضارب أحدا للعمل بمال الصغير
أو المجنون الذي اتصل جنونه بصغره، فيجري مع العامل عقد المضاربة
بمال المولي عليه، ويجعل للعامل حصة معينة من ربح ماله وللمولى عليه
الحصة الأخرى، ويصح ذلك للوصي القيم على مال الصغير إذا اقتضت
المصلحة فعل ذلك وأمن من تلف المال.
ويجوز للأب أو الجد أن يأذن لنفسه بحسب ولايته على المال بالاتجار
بمال المولى عليه بحصة معينة يستحقها من ربح المال، فيتولى بنفسه
العمل بالمال، ويتملك الحصة، ويكفي في صحة ذلك الإذن في قصده
ونيته.
ويشكل أن يجري بنفسه مع نفسه عقد المضاربة بمال المولى عليه
فيكون هو الموجب والقابل في العقد، وهو مشكل، ويتخلص من هذا
الاشكال بالتوكيل عن أحد الطرفين، وكذلك الحال في الوصي فيصح
فيه جميع ما تقدم.
[المسألة 139:]
يجوز للأب وللجد أبي الأب أن يوصي إلى وصيه القيم بأن يضارب
عاملا غيره بمال المولى عليه، فينشئ الوصي مع العامل عقد المضاربة
ويدفع إليه مبلغا من مال المولى عليه ليتجر به بحصة من الربح يعينها
الولي الموصي أو الوصي القيم.
ويجوز لأحدهما أن يوصي الوصي بأن يعقد لنفسه المضاربة بمال
المولى عليه فيكون الوصي نفسه هو العامل، ويتخلص من اشكال اتحاد
الموجب والقابل بالتوكيل عن أحد الطرفين.
ويجوز للأب أو الجد أن يوصي إلى الوصي بأن يعقد المضاربة بحصة
418

المولى عليه من ميراث الموصي نفسه، فيعقد الوصي المضاربة بالمال
المذكور لنفسه أو مع عامل غيره كما سبق في الفرض المتقدم.
[المسألة 140:]
إذا أوصى الانسان بثلث تركته بعد موته لينفق في مصارف عينها
في وصيته، وعزل الثلث، فيصح له أن يوصي إلى وصيه بأن يدفع
الثلث المعين مضاربة إلى عامل غيره ليتجر به بحصة من الربح للعامل
وينفق الوصي حصة الميت من الربح في مصارف الثلث المعينة في
الوصية.
ويجوز له أن يوصي إلى الوصي بأن يتجر هو بالثلث بحصة معينة
له من الربح ويفعل بحصة الميت كما تقدم.
[المسألة 141:]
يكره للمسلم أن يضارب الذمي أو يبضعه بضاعة، سواء كان يهوديا
أم نصرانيا أم مجوسيا وسواء كان الذمي هو العامل في المضاربة أم
كان هو مالك المال، إلا إذا كان المسلم حاضرا في أوقات التجارة، حذرا
من أن يرتكب الذمي في معاملاته ما لا يجوز في الاسلام.
419

[الشركة وأحكامها]
421

[الشركة وأحكامها]
[المسألة الأولى:]
الشركة هي أن يكون شئ واحد لشخصين أو لأكثر على نحو الإشاعة،
فليس من الشركة أن يكون بعض الحجر المعينة من الدار مملوكة لشخص
والبعض الآخر مملوكة لغيره، وليس من الشركة أن تكون أرض الدار
مملوكة لأحد وبناؤها مملوكا لآخر، أو يكون آجرها مملوكا لانسان
ويكون حديدها وخشبها مملوكين لغيره فلا بد في تحقق الشركة من
الإشاعة.
والشئ المشترك فيه قد يكون عينا من الأعيان كالدار والأرض يشتريها
الرجلان من مالكها على وجه الإشاعة بينهما، أو تنتقل إليهما بالإرث
من مورثهما، وقد يكون دينا كما إذا أقرض المالكان شخصا مبلغا من
المال مشتركا بينهما فيصبح الشخص مدينا لهما معا ويكون الدين في
ذمته مشتركا بينهما، وكما إذا اشترى منهما سلعة أو متاعا مشتركا
بينهما بثمن في ذمته، وقد يكون منفعة كما إذا استأجر الرجلان دارا
للسكنى فيها مدة معينة، فتكون سكنى الدار في المدة المعلومة مشتركة
بينهما، وقد يكون حقا من الحقوق، كما إذا صالحهما صاحب الحق
عن حق تحجيره للأرض، أو ورثا الحق فانتقل إليهما من مورثهما.
[المسألة الثانية:]
سبب حدوث الشركة قد يكون أحد العقود التي توجب انتقال الشئ
إلى الشريكين على نحو الإشاعة كالبيع والصلح والهبة، وقد ذكرنا في
المسألة السابقة بعض الأمثلة لذلك، وقد يكون أحد العقود التي توجب
انتقال حصة مشاعة من الشئ إلى الشخص، فيصبح بعد تملكه للحصة
شريكا في ذلك الشئ كما إذا باعه المالك نصف الدار أو ملكه إياه
423

بالصلح، أو دفعه إلى المرأة صداقا أو غير ذلك من العقود المملكة وقد
يكون السبب إرثا من مالك واحد كما إذا مات الأب فورث ولداه داره،
أو ورثا منه حقه في أرض حجرها، أو دينه في ذمة مدينه، أو منفعته
المملوكة له في دار أو محل استأجره.
وقد يكون السبب حيازة، كما إذا اشترك الشخصان في احياء أرض
موات أو في حفر بئر أو اخراج عين أو في اصطياد سمك أو غير ذلك
من الحيازة المشتركة للشئ الواحد.
وقد يكون السبب امتزاج مال أحدهما بمال الآخر امتزاجا تاما
بحيث لا يتميز أحد المالين عن الآخر، كما إذا امتزج الماء بالماء والدهن
بالدهن.
[المسألة الثالثة:]
إذا امتزج المائعان المتجانسان امتزاجا تاما بحيث لا يتميز أحدهما
عن الآخر في نظر الناس، كما إذا امتزج الماء بالماء، أو الخل بالخل
أو الدهن بالدهن، حصلت الشركة الواقعية على الأقوى بين مالكي
المائعين، بل تحصل الشركة الواقعية حتى إذا اختلف صنف المالين كما
إذا امتزج دهن الحيوان بدهن النبات، ودهن اللوز بدهن الجوز بل
والخل بالدبس، فضلا عن أن يمتزج دهن البقر بدهن الغنم، وكذلك
إذا امتزجت الأدقة بعضها ببعض، كما إذا امتزج دقيق الحنطة بدقيق
الحنطة أو بدقيق الشعير، فإن المالين بسبب هذا الامتزاج وعدم امكان
التمييز يكونان مالا واحدا في نظر العقلاء وتحصل فيه الشركة الواقعية
بين المالكين.
[المسألة الرابعة:]
إذا امتزجت الحبوب الناعمة بجنسها كالسمسم بالسمسم والدخن بالدخن
وأمثالهما تحققت فيها الشركة الحكمية، ومعنى ذلك أنه تجري على
المال المختلط أحكام المال المشترك واقعا، فتصح قسمته ويكون موردا
للشركة العقدية التي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى، وأمثال ذلك من
أحكام الشركة الواقعية في المال.
424

وكذلك إذا اختلطت الحنطة بالحنطة واختلط الشعير بالشعير،
والجوز بالجوز واللوز باللوز، والدراهم بالدراهم، والدنانير بالدنانير
وكانت متماثلة في الصفات أو متقاربة فيها، بحيث ينتفي الامتياز
بينها عرفا، فتتحقق فيها الشركة الحكمية، وتجري فيها أحكام الشركة
الواقعية كما ذكرناه.
[المسألة الخامسة:]
إذا اختلط المال بالمال من جنسه وكانا مختلفين في الوصف، كما
إذا امتزجت الحنطة الحمراء بالحنطة الصفراء، أو اختلط المال بغير
جنسه، فالأحوط لزوما التخلص بالمصالحة، وإذا أراد المالكان أن يجريا
بينهما الشركة العقدية في هذا المال المختلط، فالأحوط لهما أن يصالح
أحدهما صاحبه عن بعض أحد المالين ببعض المال الآخر حتى تحصل
الشركة الواقعية بين المالين، ثم يجريا عقد الشركة.
[المسألة السادسة:]
إذا اختلط المالان بعضهما ببعض وكانا من القيميات كالثياب والغنم
والدواب المتشابهة في الصفات، فلا يكون اختلاط المالين موجبا للشركة
بل يكون من المال المشتبه فيرجع في تمييزه إلى القرعة أو إلى المصالحة
بين المالكين.
[المسألة السابعة:]
قد تحصل الشركة بين الرجلين بتشريك أحدهما صاحبه في المال بعد
أن يشتريه، فإذا اشترى السلعة وطلب منه صاحبه أن يشركه فيها،
فقال له شركتك فيها بالنصف مثلا، ودفع له صاحبه نصف الثمن، ملك
نصف السلعة، وهكذا إذا شركه فيها بالثلث أو بالربع ودفع له ثلث
الثمن، أو ربعه، وقد يكون الطالب للتشريك هو المشتري، ومثال
ذلك أن يشتري الرجل السلعة ولا يكون لديه ثمنها، فيقول للآخر
ادفع عني ثمن السلعة وأشركك في نصفها مثلا، فإذا دفع صاحبه الثمن
وشركه المشتري في السلعة أصبح شريكا له في السلعة، بالحصة التي
اتفقا عليها.
425

[المسألة الثامنة:]
إذا باع المالك على المشتري منا من الصبرة، ملك المشتري هذا
المقدار الكلي في ضمن الصبرة المعينة، ولكن المالك والمشتري لا يكونان
شريكين في الصبرة لذلك، ولا تترتب عليهما أحكام الشركة، فإذا أراد
المالك أن يبيع منا معينا من الصبرة على مشتر آخر، جاز له ذلك ولا
يلزمه أن يستأذن المشتري الأول في البيع على الثاني، وإذا كان المبيع
الثاني كليا وأراد المالك أن يزن للمشتري الثاني مقدار المن الذي
اشتراه جاز له ذلك ولم يجب عليه أن يستأذن المشتري الأول في افراز
المبيع عن المجموع، وإذا باع المالك بعض الصبرة بأكثر من الثمن الأول
لم يدخل في المبيع شئ من المن الذي يملكه المشتري الأول، ولم يستحق
شيئا من الربح.
وإذا تلف من الصبرة مقدار، لم يسقط من حق المشتري الأول شئ
كما يسقط من المال المشترك، فيجب على مالك الصبرة أن يدفع له
مقدار المن تاما من بقية الصبرة إذا طلب منه افراز ماله، إلى غير ذلك
من لوازم الشركة وأحكامها.
[المسألة التاسعة:]
إذا تحققت الشركة بين الشخصين أو الأشخاص بأحد الأسباب
الموجبة لحدوثها، لم يجز لبعض الشركاء أن يتصرف في المال المشترك
إلا إذا رضي بقية الشركاء بتصرفه، وإذا أذن أحد الشريكين لصاحبه
بالتصرف في المال جاز للمأذون ذلك ولم يجز للآذن إلا إذا رضي المأذون
بتصرفه أيضا.
وإذا أذن الشريك في نوع من التصرف أو حدد له حدا أو شرطه
بشرط، فلا يسوغ للمأذون أن يتجاوز عن النوع المأذون به من التصرف،
ولا عن حده، ولا عن شرطه، فإذا قال له أسكن الدار في شهر رمضان
لم تجز له السكنى فيها في غير الشهر، وإذا قال له أسكن الدار مع زيد
لم يجز له أن يسكنها منفردا أو مع غير زيد وإذا قال له أسكن الدار
تناول الإذن أن يسكن معه في الدار من جرت العادة باسكانه معه من
أهله وعائلته وأولاده التابعين له، وزواره وضيوفه، إلا أن يصرح
426

له الشريك بالمنع أو التحديد، أو تقوم القرائن الخاصة على ذلك.
[المسألة العاشرة:]
إذا كان الاشتراك في شئ تابع للدار كالبئر والدهليز والطريق غير
النافذ والعين الخاصة بين الدارين، لم يجب على الشريك أن يستأذن
من شريكه في التصرف المتعارف فيه كالأخذ من ماء البئر والعين،
والعبور في الطريق أو الدهليز.
[المسألة 11:]
إذا تعاسر الشريكان في الدار أو الأرض أو المحل فمنع أحدهما من
جميع التصرفات فيها، وأدى ذلك إلى الضرر أو احتمل وقوع الضرر
احتمالا يعتد به، رجع في حل المشكلة إلى الحاكم الشرعي.
[المسألة 12:]
الشركة العقدية في مصطلح الفقهاء (قدهم) هي أن يتعاقد شخصان على
المعاملة بمال مشترك بينهما، فإذا تم العقد وجرت المعاملة حسب
اتفاقهما وربح المال فيها كان الربح مشتركا بينهما على نسبة حصتيهما
من المال، وإذا خسرت المعاملة كانت الخسارة موزعة عليهما على نسبة
حصتيهما أيضا، وكذلك إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، فإذا كانا
شريكين وكان لأحدهما ثلثا المال المشترك، وللثاني ثلثه فقط، وربح
المال في معاملة الشركة استحق الأول ثلثي الربح الحاصل واستحق
الثاني ثلثه، وإذا خسر المال كان على الأول ثلثا الخسارة وعلى الثاني
ثلثها.
وإذا كان الشركاء في العقد ثلاثة، ولأحدهم نصف المال، ولكل واحد
من الآخرين ربعه، فالربح والخسران بينهم كذلك.
[المسألة 13:]
الشركة عقد من العقود، ولذلك فلا بد فيه من الايجاب والقبول،
ويكفي في الايجاب والقبول كل ما يدل على الشركة من قول أو فعل،
فإذا قال الشريكان معا بعد اجتماع الشرائط المعتبرة: اشتركنا في
المعاملة بهذا المال، كان ذلك ايجابا وقبولا منهما، وصح به العقد،
427

ومثله إذا قالا تشاركنا، وكذلك إذا قال أحدهما للآخر شركتك معي
في المعاملة بالمال، أو اشتركت معك فيها، ويقول الآخر قبلت أو رضيت
وتجري فيه المعاطاة على الظاهر كما إذا خلط المالكان ماليهما بقصد
انشاء الشركة في المعاملة والتكسب بالمال.
[المسألة 14:]
يشترط في عقد الشركة أن يكون المتعاقدان بالغين، عاقلين،
مختارين، غير محجور عليهما لسفه أو لفلس، وأن يكونا قاصدين
لانشاء المعاملة غير غافلين ولا هازلين.
[المسألة 15:]
يشترط في الشركة العقدية أن يمتزج مال أحد الشريكين بمال
الآخر مزجا تاما حتى لا يتميز أحد المالين عن الآخر، سواء كانا من
النقود أم من العروض على الوجه الذي بيناه في المسألة الثالثة والمسألة
الرابعة، وإذا كان المالان مختلفين في الجنس أو مختلفين في الوصف
وأراد المالكان اجراء الشركة العقدية بينهما باع أحد المالكين حصة
مشاعة من ماله بحصة مشاعة من مال صاحبه أو صالحه عن إحدى
الحصتين بالأخرى، أو وهب كل منهما صاحبه حصة مشاعة من ماله
حتى تحصل الشركة الواقعية في المالين ويتحقق الشرط للعقد.
[المسألة 16:]
لا تصح الشركة العقدية في الديون، فإذا كان لزيد دين على أحد،
وكان لعمرو دين على آخر، فلا يصح لهما أن يوقعا عقد الشركة بينهما
ليكون كل من الدينين مشتركا بينهما بالنصف مثلا أو بالنسبة.
ولا تصح الشركة العقدية في المنافع، فإذ كانت لكل من زيد وعمرو دار،
فلا يصح لهما أن يوقعا عقد الشركة بينهما لتكون منفعة كل واحدة
من الدارين مشتركة بينهما كذلك.
ويصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره بنصف منفعة
دار لزيد، فإذا تم الصلح كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما
على التنصيف، ويصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره
428

بعشرة دنانير مثلا ويدفع له العوض، ثم يصالح عمرو زيدا عن نصف
منفعة داره بعشرة دنانير، ويدفع له العوض، فإذا تم الصلح كذلك
كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما، ويصح لهما أن يوقعا
ذلك بنحو الهبة المشروطة بالعوض فيهب أحدهما نصف منفعة داره
لصاحبه بشرط أن يهبه صاحبه نصف منفعة داره، فإذا حصلت الهبتان
وقعت الشركة في منفعة الدارين، ولكن الشركة في المنفعة بأحد هذه
الوجوه غير الشركة العقدية في المنافع.
[المسألة 17:]
لا تصح الشركة في الأعمال على الأحوط، وهي أن يوقع الشخصان
عقد الشركة بينهما لتكون أجرة عمل كل واحد من الشخصين مشتركة
بينهما، فلا يصح ذلك، سواء كان عقد الشركة على عمل معين من
الشخصين أم على جميع أعمالهما في مدة معينة أم على مطلق أعمالهما
ما داما حيين.
ويجوز لأحد الرجلين أن يصالح صاحبه عن نصف منفعته المعينة أو
عن نصف منافعه في مدة معلومة، بنصف منفعة المصالح كذلك، فتكون
منفعتهما مشتركة بينهما حسب اتفاقهما كما تقدم في المصالحة على
منفعة الدار، ولكن ذلك غير الشركة العقدية في الأعمال.
[المسألة 18:]
لا تصح الشركة في الوجوه، وهي أن يتعاقد شخصان بينهما على أن
يشتري كل واحد منهما بعض العروض والأمتعة بثمن يبقى في ذمته
ويكون ما يشتريه مشتركا بينهما، ويبيعان بعد ذلك ما اشترياه
ويؤديان ثمنه ويقتسمان ربحه بينهما، فلا يصح ذلك على الأحوط.
ويصح أن يوكل كل واحد منهما صاحبه على المعاملة والشراء في
الذمة والبيع، فيشتري كل منهما لهما وفي ذمتهما معا ثم يبيعان ما
اشترياه.
[المسألة 19:]
ولا تصح شركة المفاوضة، وهي أن يتعاقد شخصان على أن يكون
429

جميع ما يحصل لأي واحد منهما من فائدة أو ربح في تجارة أو زرع
أو غرس أو عمل أو ميراث أو هدية أو غير ذلك فهو مشترك بينهما،
وإن جميع ما يرد على أحدهما من غرامة أو ضريبة أو خسارة أو نقص
فهو مشترك بينهما.
[المسألة 20:]
إذا عين الشريكان في ضمن عقد الشركة أيهما هو العامل في التكسب
برأس المال، أو ذكرا أن كليهما يعملان فيه كان ذلك تعيينا وإذنا في
التصرف، وإذا كان العقد بينهما مجرد التزام منهما بلوازم الشركة
التجارية ولم يعينا عاملا، فلا بد من الإذن لأحدهما أو لكليهما بعد
العقد ليتصرف المأذون حسب ما يتفقان.
وإذا ذكرا أن كلا من الشريكين يعمل في رأس المال وبينا أن كل
واحد منهما مستقل في العمل والتصرف عن صاحبه، أو شرطا أن ينضم
أحدهما إلى الآخر في التصرف فيكون مجال عملهما واحدا بعد المشاورة
بينهما وجب أن يجريا حسب ما شرطا ولم يجز التعدي عنه.
وإذا حدد لأحدهما أو لهما نوعا من التجارة، أو كيفية من الاتجار
أو موضعا أو وقتا وجبت مراعاة ذلك، وإن أطلقا في العقد والشرط
ولم يحددا شيئا وجب على العامل منهما أن يجري على ما هو المتعارف
في أمثال تلك الشركة وتلك التجارة وبين أصحابها، وكذلك الحكم إذا
لم يعينا في ضمن العقد عاملا ثم أذنا بعد العقد لأحدهما أو لكليهما
بالعمل فيجب على المأذون أن يراعي في تصرفه الأحكام المتقدمة.
[المسألة 21:]
يجري في العامل من الشريكين وفي المأذون بالعمل منهما ما سبق في
عامل المضاربة فلا يجوز له السفر بالمال، ولا يجوز له الشراء والبيع
بالنسيئة إلا إذا أذن له الشريك بذلك.
[المسألة 22:]
يجب على العامل من الشريكين سواء كان معينا منهما في عقد الشركة
430

أم مأذونا في العمل بعد العقد أن يلاحظ المصلحة والفائدة في تصرفاته
ومعاملاته ولا يكفي عدم وجود المفسدة.
[المسألة 23:]
إذا تعدى عامل الشركة في معاملته عما حدد له في العقد أو الإذن لم
تنفذ معاملته التي أجراها إلا بإجازة شريكه، فإن أجاز المعاملة نفذت
ولم يضمن العامل الخسارة إذا حصلت، وإن لم يجز شريكه المعاملة
بطل البيع في حصة الشريك ورجع بعين ماله إذا كان موجودا وببدله
إذا كان تالفا.
[المسألة 24:]
العامل في الشركة سواء كان معينا في العقد أم مأذونا بالعمل بعد
العقد، أمين على المال فلا يكون ضامنا له إذا تلف بيده أو نقص منه
أو حدث فيه عيب إلا إذا تعدى أو فرط.
[المسألة 25:]
ذكرنا في المسألة الثانية عشرة إن الربح والخسران في الشركة العقدية
يصيب الشريكين بنسبة حصتيهما من رأس مال الشركة، فإذا تساوت
حصتاهما من رأس المال تساوت حصتاهما من الربح إذا حصل،
وتساوى نصيباهما من الخسارة إذا حدثت، وإذا تفاوتت الحصتان
في المقدار كان الربح والخسران الذي يصيبهما على حسب نسبتهما،
وهذا هو مقتضى القاعدة في الشركة، من غير فرق بين العامل من
الشريكين وغيره، ولا بين من كان عمله في الشركة أكثر وغيره.
وإذا شرطا في ضمن عقد الشركة أن تكون للعامل منهما زيادة معينة
من الربح على المقدار الذي يستحقه في أصل الشركة، صح الشرط
ووجب الوفاء به ما دام عقد الشركة باقيا، وكذلك إذا شرطا أن تكون
الزيادة لمن كان عمله أكثر، فيصح الشرط ويجب الوفاء به إذا كان
الشخص معلوما حين العقد.
وإذا لم يكن الشخص الذي اشترطت له الزيادة معلوما حين العقد
وقد ذكر الشرط للترغيب في كثرة العمل فالظاهر عدم صحة الشرط،
431

للجهل بالمستحق، ويصح الدفع إليه بعد ذلك على نحو المكافاة إذا كان
الدفع برضى الجميع.
[المسألة 26:]
إذا اشترط الشريكان أو أحدهما في ضمن عقد الشركة أن يكون
لزيد - وهو أحد الشريكين - زيادة معينة من الربح على المقدار الذي
يستحقه بمقتضى أصل الشركة، وكان زيد هذا غير عامل في الشركة أو كان
غيره أكثر منه عملا فيها، فالظاهر عدم صحة هذا الشرط، فإن كان
الشرط في ضمن عقد لازم ألغي الشرط، ولم يبطل العقد الذي هو في
ضمنه، وإن كان قد اشترط في ضمن عقد الشركة، فالظاهر بطلان
عقد الشركة ببطلان الشرط، فإن الشرط الذي يذكر في الشركة العقدية
يكون عوضا للإذن في التصرف ومقوما للعقد، فإذا بطل الشرط المقوم
بطل الإذن والعقد.
وكذلك الحكم إذا شرطا في ضمن العقد أن تكون الخسارة كلها على
أحد الشريكين بخصوصه، أو اشترط أن تكون حصته من الخسارة أكثر
من نسبة حصته في المال، فلا يصح الشرط ولا يجب الوفاء به إلا إذا
كان المراد بالشرط عليه أن يتحمل مقدار الخسارة من ماله الخاص،
لا من حصته في الشركة.
[المسألة 27:]
يصح للشريكين أن يستأجرا أجيرا لمساعدة العامل منهما في الشركة،
وكاتبا لتسجيل واردات التجارة وصادراتها وضبط حساباتها بين
الشريكين وبينها وبين المتعاملين معها، ويصح لهما أن يستأجرا عاملا
يوكلان إليه إدارة الشركة والعمل فيها، وتنفذ تصرفاته ومعاملاته
إذا هما أذنا له بذلك، وتخرج أجرة هؤلاء الأجراء والعمال وغيرهم
ممن يحتاج إليهم في العمل من مال الشركة وربحها ويصيب كل واحد
من الشريكين منها بنسبة حصته من رأس المال.
[المسألة 28:]
لا اشكال في جواز أن يرجع كل من الشريكين في إذنه لصاحبه في
432

التصرف في المال المشترك، ولا اشكال أيضا في جواز أن يطالب كل واحد
منهما صاحبه بقسمة المال المشترك سواء حصلت الشركة بينهما بمزج
المالين أم بانشاء عقد الشركة ما بينهما، وهذا لا يدل على أن الشركة
من العقود الجائزة، ورجوع الشريك في إذنه ومطالبته بالقسمة لا
يعني فسخ الشركة التي حصلت أو أنشئت بينهما، وأما الشركة التي
تحصل بالبيع على الشريكين معا أو التي تحصل بتشريك أحدهما صاحبه
في المعاملة بعد وقوعها فهي لازمة ولا يجوز فسخها.
[المسألة 29:]
العامل في الشركة أمين كما ذكرناه في المسألة الرابعة والعشرين،
فلا ضمان عليه إذا تلف المال بيده بغير تعد منه ولا تفريط، وإذا ادعى
تلف المال بيده وأنكر شريكه التلف قبل قول العامل مع يمينه لأنه أمين.
[المسألة 30:]
إذا ادعى أحد الشريكين على الآخر الخيانة أو التعدي أو التفريط
فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، سواء كان المنكر عاملا أم لا.
[المسألة 31:]
إذا مات أحد الشريكين أو حجر عليه لسفه أو لفلس بطلت الشركة
العقدية، فلا يجوز التصرف بعد ذلك وكذلك إذا عرض على أحدهما
جنون أو اغماء على الأحوط فيهما، وأما أصل الشركة فهي باقية ما دام
المال ممتزجا لم يقسم.
[المسألة 32:]
إذا تبين بطلان الشركة، فالظاهر بطلان المعاملات التي أوقعها
الشريك بعد عروض المبطل وقبل التبين لانتفاء الإذن من الشريك
بعروض المبطل.
[المسألة 33:]
إذا اشترى الشريك متاعا وادعى أنه اشتراه لنفسه وأنكر الآخر
قوله وادعى أنه اشتراه للشركة فالقول قول الأول مع يمينه لأنه أعرف
433

بنيته، وكذلك إذا اشتراه وادعى أنه اشتراه للشركة وأنكر صاحبه
وادعى أنه اشتراه لنفسه فيكون القول قول الأول مع يمينه.
[المسألة 34:]
إذا اشترك شخصان في حيازة شئ مباح، كما إذا أحييا أرضا أو
اصطادا سمكا أو طيرا كان ذلك الشئ مشتركا بينهما، ويرجع إلى
الصلح على الأحوط في تعيين حصة أحدهما عن الآخر.
ومثل ذلك ما إذا استأجر الانسان أجيرين لعمل واحد بأجرة واحدة،
فإذا قاما بالعمل كانت الأجرة المعينة مشتركة بينهما ورجع إلى الصلح
في تعيين إحدى الحصتين عن الأخرى.
[فصل، في القسمة]
[المسألة 35:]
قسمة الشئ تقابل الشركة فيه، فإذا كان معنى الشركة هو شيوع
أجزاء الشئ بين ملاكه وأصحاب الحق فيه، بحيث يكون كل جزء من
الشئ - مهما قل الجزء وصغر - مستحقا لجميعهم، فلكل فرد من
الشركاء حصة من الجزء تساوي نسبة حصته إلى مجموع الشئ، فإذا
كان له الربع أو الثمن من الشئ كان له الربع أو الثمن من كل جزء
فيه، فالقسمة هي أفراد تلك الحصة من الأجزاء ومن مجموع الشئ،
بحيث يرتفع الشيوع من الحصة ويحصل التعيين.
وليست القسمة بيعا ولا معاوضة، ولذلك فلا تجري فيها أحكام
البيع ولا أحكام المعاوضات الأخرى فلا يجري فيها خيار المجلس مثلا
ولا خيار الحيوان، ولا تجري فيها أحكام الربا ولا تشترط فيها شروطه
ولا شروط بيع الصرف أو بيع الثمار.
[المسألة 36:]
لا تتحقق القسمة حتى تتعدل السهام التي يستحقها الشركاء،
وتعديل السهام في المثليات وما يشبهها يحصل بضبط مقادير الأجزاء
في السهم، بالكيل أو الوزن إذا كان الشئ الذي تراد قسمته مما يكال
434

أو يوزن، وبالعدد إذا كان مما يعد، وبقياس طوله وعرضه بالذراع
أو المتر إذا كان مما يقاس بذلك، فإذا ضبطت مقادير السهام كذلك
فقد عدلت، وهذه هي قسمة الافراز.
والمثليات هي الأجناس التي تتقارب أجزاؤها في الصفات والفوائد
المطلوبة، ومن أجل ذلك تكون أجزاؤها متساوية في القيمة، كالحبوب
وأمثالها وكالثياب المتساوية الأجزاء ويلحق بها الأشياء التي تنتجها
المصانع الحديثة متشابهة في الأوصاف والمنافع والأحجام من أمتعة وثياب
ونسائج وآلات وأجهزة وغيرها، وقد تعرضنا للفرق بين المثلي والقيمي
في المسألة التاسعة والتسعين من كتاب التجارة.
وتعديل السهام في القيميات قد يحصل بضبط مقدار كل سهم منها
بحسب القيمة، فإذا اشترك ثلاثة رجال في عشر شياه مثلا، ولكل رجل
منهم ثلث المجموع، وكانت قيمة مجموع الشياه تسعين دينارا، وضبطت
السهام بحسب القيمة فبلغت قيمة شاتين كبيرتين منها ثلاثين دينارا،
وكانت قيمة ثلاث شياه متوسطة منها ثلاثين دينارا، وكانت قيمة خمس
شياه صغيرة منها ثلاثين دينارا، فقد عدلت السهام بين الشركاء، وهذه
هي قسمة التعديل.
وقد لا يحصل التعديل بين السهام حتى يرد بعض المال من أحد
الشركاء على آخر، ومثال ذلك أن يشترك ثلاثة رجال في عشر شياه،
ولأحد الشركاء نصف المجموع، ولكل واحد من الشريكين الآخرين
الربع، وتكون قيمة كل شاة عشرة دنانير، فإذا أفرد للشريك الأول
منها خمس شياه وهي تساوي خمسين دينارا، وأفرد للشريك الثاني
ثلاث شياه وبقي للشريك الثالث شاتان لم تتعدل السهام حتى يرد
الشريك الثاني على الثالث خمسة دنانير وهي المقدار الزائد على حصته
والناقص من حصة شريكه، وإذا رد عليه ذلك فقد عدلت السهام بين
الشركاء، وهذه هي قسمة الرد.
[المسألة 37:]
الأموال المشتركة مختلفة في قبول أنواع القسمة المذكورة، فبعض
435

الأموال تمكن فيه قسمة الافراز وحدها، وبعضها تمكن فيه قسمة
التعديل وحدها، وبعضها تمكن فيه قسمة الرد وحدها، وبعض الأموال
يمكن فيه نوعان منها، فتمكن فيه قسمة الافراز والتعديل فقط، أو
قسمة الافراز والرد فقط، أو قسمة التعديل والرد فقط وبعضها
يمكن فيه كل من قسمة الافراز والتعديل والرد، واخراج الأمثلة
لجميع ذلك غير عسير على الذكي.
فإذا قبل المال المشترك القسمة على بعض الوجوه المذكورة وتراضي
بها الشركاء فلا ريب في الصحة، وتستثنى من ذلك قسمة الرد إذا أمكن
غيرها، فالأحوط لزوما الاجتناب عنها والرجوع إلى غيرها أو الرجوع
إلى المصالحة.
[المسألة 38:]
إذا اشترك رجلان أو أكثر في صبرة من الطعام ولم يعلم وزن الصبرة،
وكانت حصص الشركاء فيها معلومة، كفى في تعديل السهام بينهم
أن يعتمد على مكيال مجهول المقدار، فإذا كان الشركاء ثلاثة أشخاص
ولكل واحد منهم ثلث الصبرة، كفى في التعديل أن تقسم الصبرة
أثلاثا متساوية بذلك المكيال، وإذا كان لأحد الشركاء نصف الصبرة
ولكل واحد من الآخرين الربع، قسمت الصبرة نصفين بذلك المكيال،
فأخذ الأول أحدهما، ثم قسم النصف الآخر قسمين، متساويين ودفع
أحد القسمين إلى الشريك الثاني، ودفع القسم الباقي إلى الثالث.
وإذا اشتركوا في عرصة أرض متساوية الأجزاء وكانت حصصهم
معلومة، كفى أن يعتمد على حبل أو على خشبة مجهولة المقدار في
الطول، فتقسم العرصة أثلاثا أو أرباعا بذلك المقياس على النهج المتقدم،
ولا تضر هذه الجهالة بصحة القسمة فقد ذكرنا إن القسمة ليست بيعا
ولا معاوضة.
[المسألة 39:]
إذا طلب أحد الشركاء قسمة الشئ المشترك وكانت القسمة التي
يطلبها تحتوي على رد مال أو تستلزم ضررا، فإن رضي الشريك الآخر
436

بهذه القسمة صحت، وإن امتنع عن قبولها جاز له الامتناع ولم يجبر
على الإجابة إليها، ومثال ذلك أن يشترك رجلان في دار لا يمكن قسمتها
قسمة تعديل حتى يرد أحد الشريكين على صاحبه بعض المال، أو
يشتركا في دكان إذا قسم بين الشريكين لزم الضرر لصغره، فلا يجبر
الشريك إذا امتنع عن قبول القسمة في كلا الفرضين، وتسمى هذه
القسمة قسمة التراضي.
[المسألة 40:]
إذا طلب أحد الشريكين قسمة الافراز للمال المشترك، وكانت قسمة
الافراز فيه ممكنة ولا تستلزم ضرار، وجبت الإجابة إليها على الشريك
الثاني، وإذا امتنع عن الإجابة أجبر عليها، ومثال ذلك أن يشترك
رجلان في عشرة أمنان من الحنطة وهي متساوية القيمة، أو يشتركا في
عرصة أرض متساوية الأجزاء كذلك في القيمة، فإذا قسمت أمنان
الحنطة بين الشريكين بالكيل أو الوزن، وقسمت عرصة الأرض بقياس
مساحتها ومساحة الحصتين بالأمتار، صحت القسمة وأجبر الشريك
إذا امتنع عن قبولها، وتسمى هذه القسمة قسمة الاجبار، ولا فرق
في الفرض المذكور وفي حكمه بين أن يكون المال مما تمكن فيه قسمة
التعديل أيضا أولا.
[المسألة 41:]
إذا كان المال المشترك يقبل قسمة التعديل وحدها، أو كان يقبل
قسمة التعديل وقسمة الرد معا ولا يقبل قسمة الافراز، ومثال الفرض
الأول أن يشترك رجلان في خمس شياه بالمناصفة، وقيمة مجموع الشياه
خمسون دينارا، وكانت قيمة شاتين كبيرتين منها خمسة وعشرين
دينارا، وقيمة الثلاث الباقية خمسة وعشرين دينارا فإذا قسمت الشياه
بين الشريكين كذلك، كانت من قسمة التعديل، ومثال الفرض الثاني
أن يشترك رجلان في أربع شياه بالمناصفة، وقيمة شاة كبيرة منها
خمسة عشر دينارا، وقيمة شاتين متوسطتين عشرون دينارا، كل واحدة
عشرة دنانير، وقيمة شاة صغيرة خمسة دنانير ومجموع ذلك أربعون دينارا،
فإذا جعلت الشاتان المتوسطتان سهما، وجعلت الشاة الكبيرة مع الصغيرة
437

سهما، كان ذلك من قسمة التعديل، وإذا جعلت الشاة الكبيرة مع
إحدى المتوسطتين لأحد الشريكين، وجعلت الشاة المتوسطة الثانية مع
الصغيرة للشريك الآخر، لم تصح القسمة حتى يرد الشريك الأول على
الثاني خمسة دنانير وتكون من قسمة الرد.
فإذا كان المال المشترك كذلك وطلب أحد الشريكين أن يقسم المال
بينهما قسمة تعديل وجب على الشريك الآخر أن يجيبه إلى ذلك، وإذا
امتنع عن إجابته أجبر عليها، وكانت من قسمة الاجبار.
[المسألة 42:]
إذا كان المال المشترك يقبل قسمة الافراز وقسمة التعديل كلتيهما،
ومثال ذلك أن يشترك رجلان في من من الحنطة ومنين من الشعير بالمناصفة
وتكون قيمة من الحنطة عشرة دنانير، وقيمة كل من من الشعير خمسة
دنانير، فإذا دفع لكل من الشريكين نصف من من الحنطة، ومن من
الشعير كان من قسمة الافراز، وإذا دفعت الحنطة كلها لواحد والشعير
كله للآخر كان من قسمة التعديل، فإذا طلب أحد الشريكين في مثل
هذا الفرض قسمة الافراز وجبت على الشريك الآخر إجابته إليها،
وكانت من قسمة الاجبار، وقد ذكرنا هذا في المسألة الأربعين. وإذا
طلب الشريك قسمة التعديل في هذا الفرض لم تجب إجابة الآخر إليها
ولم يجبر عليها إذا امتنع وكان الفرض من قسمة التراضي.
[المسألة 43:]
إذا كانت الدار المشتركة ذات طابقين أعلى وأسفل، وأمكنت قسمتها
قسمة افراز، بحيث يصل إلى كل من الشريكين حقه كاملا من الطابق
الأعلى ومن الطابق الأسفل، وأمكنت قسمتها قسمة تعديل، فيكون لأحدهما
الطابق الأعلى وللثاني الطابق الأسفل، كان الحكم كما تقدم، فإذا طلب
أحدهما قسمة الافراز وجبت الإجابة وأجبر الممتنع، وإذا لم يمكن
ذلك رجع إلى قسمة التعديل، وإذا أوجبت القسمة ضررا على الشريك
أو كانت قسمة رد لم يجبر عليها.
[المسألة 44:]
تجب قسمة الدار أو الخان الذي يحتوي على بيوت وحجر متعددة إذا
438

كان مشتركا وطلب بعض الشركاء قسمته على أحد الوجوه المتقدمة
ولا تجب إذا أوجبت الضرر أو كان قسمة رد.
[المسألة 45:]
إذا اشترك شخصان أو أكثر في دكاكين متعددة وأمكنت قسمة كل
واحد من الدكاكين بانفراده مستقلا وأمكنت قسمتها جميعا بنحو التعديل
لينفرد كل شريك بدكان تام أو أكثر، وطلب بعض الشركاء القسمة
على الوجه الأول وجبت إجابته وأجبر الممتنع إلا إذا أوجبت الضرر.
[المسألة 46:]
إذا كانت لأحد الشريكين في الدار حصة صغيرة فيها لا تصلح للسكنى
إذا قسمت، والقسمة لا تضر الشريك الثاني لكبر حصته من الدار،
فإذا طلب الشريك الثاني قسمة الدار لم يجبر الأول عليها لتضرره
بالقسمة، وإذا اتفق للشريك الأول غرض خاص فطلب القسمة وجبت
على الثاني إجابته وأجبر إذا امتنع عنها.
[المسألة 47:]
الضرر الذي يسقط معه اجبار الشريك على قبول القسمة هو أن
تكون القسمة موجبة لنقصان في العين أو نقصان في القيمة بما لا يتسامح
به عادة، فإذا أوجبت القسمة ذلك لم يجبر الشريك على تحمله.
[المسألة 48:]
إذا اشترط أحد الشركاء على الآخرين أن لا يقتسم المال المشترك
مدة معينة وكان الشرط في ضمن عقد لازم وجب الوفاء بالشرط، فلا
تجوز لهم القسمة، وإذا طلبوا منه القسمة لم تجب عليه الإجابة ولم
يجبر عليها إذا امتنع، حتى تنقضي المدة.
[المسألة 49:]
إذا كانت حصص الشركاء في المال المشترك متساوية، فتعديل السهام
فيها: أن يجعل المال سهاما متساوية في المقدار بعدد الشركاء، فإذا كانت
الشركة بالمناصفة، جعل المال سهمين متساويين، لكل واحد من الشريكين
سهم يساوي سهم صاحبه في المقدار، وإذا كانت الشركة أثلاثا، جعل
439

المال ثلاثة أسهم متساوية بعدد الشركاء الثلاثة، وكذلك إذا كانت
الشركة أرباعا أو أخماسا أو أكثر من ذلك، فيجعل المال سهاما متساوية
المقدار بعدد الشركاء، ثم يجعل لكل سهم من السهام المعدلة علامة خاصة
تميزه عن بقية السهام ليعرف بها عند اجراء القرعة، وطريق تحديد
السهام في المقدار هو ما تقدم بيانه في قسمة الافراز وقسمة التعديل
وقسمة الرد.
فإذا عدلت السهام وجعلت لها العلامات المميزة وأريد اجراء القرعة
أخذت رقاع متشابهة الشكل والمقدار بعدد الشركاء، ويتخير القاسم
بين أن يكتب على الرقاع أسماء الشركاء، فيكتب على كل رقعة اسم
واحد منهم، وأن يكتب عليها أسماء السهام، فيكتب على كل رقعة اسم
سهم خاص منها مع علامته المميزة له كما تقدم، وتوضع الرقاع في
كيس ونحوه مما يسترها وتجال الرقاع فيه وتشوش حتى تختلط فلا
تتميز، ثم تخرج واحدة بعد واحدة ويقصد القاسم عند اخراج الرقعة
إن من يخرج اسمه من الشركاء في الرقعة، فله السهم الأول، وهذا إذا
كانت الرقاع قد كتبت بأسماء الشركاء، ويقصد أن ما يخرج اسمه من
السهام فهو لفلان من الشركاء وهذا إذا كانت الرقاع مكتوبة بأسماء
السهام وهكذا يقصد عند اخراج كل رقعة، فإذا أخرجت الرقعة كانت
الحصة المعينة نصيبا لذلك الشريك المعلوم، ثم يخرج الرقعة الثانية
ثم الثالثة حتى تتم القرعة وتتم القسمة.
[المسألة 50:]
إذا كانت حصص الشركاء مختلفة متفاوتة في المقدار، كما إذا كان
لأحد الشريكين ربع المال وللآخر ثلاثة أرباعه، وكما إذا كان لأحد
الشركاء نصف المال وللثاني ثلثه، وللثالث سدسه، فتعديل السهام
فيها أن تجعل السهام على مقدار أقل الحصص، ففي المثال الأول يجعل
المال أربعة سهام متساوية، ثم تجعل لكل سهم منها علامة مميزة له كما
تقدم، وفي المثال الثاني يجعل المال ستة سهام متساوية، وتجعل لكل سهم
علامة تميزه كذلك.
440

فإذا أريد اجراء القرعة، أخذت الرقاع على النحو الذي تقدم بيانه
بعدد الشركاء في المال، وكتب على كل رقعة اسم أحد الشركاء، وصنع
بالرقاع كما تقدم، ويخرج القاسم إحدى الرقاع بعد أن يقصد إن
من خرج اسمه في الرقعة فله السهم الأول ثم ما يليه حتى تتم حصته،
فإذا أخرجت الرقعة الأولى في المثال الأول وكانت باسم زيد، وهو
الذي يستحق الربع، كان له السهم الأول، وكانت السهام الثلاثة
الباقية للشريك الثاني، وإذا كانت الرقعة باسم عمرو، وهو الذي
يستحق الثلاثة أرباع، كان له السهم الأول والثاني والثالث، وبقي
السهم الرابع لزيد، وهكذا في المثال الثاني، فإذا خرج في الرقعة اسم
زيد على السهم الأول وهو يستحق السدس تعين إليهم له، ثم أخرجت
الرقعة الثانية على السهم الثاني فإذا خرج فيها اسم عمرو، وهو يستحق
الثلث كان له السهم الثاني والثالث، وبقي السهام الرابع والخامس
والسادس للشريك الثالث وهو الذي يستحق النصف، وإذا انعكس
الفرض انعكست النتيجة، وهكذا.
[المسألة 51:]
الأحوط أنه لا بد في القسمة بعد تعديل السهام من القرعة، فلا
تترك مراعاته.
[المسألة 52:]
إذا بنى الشركاء في ما بينهم على تقسيم المال المشترك، وعدلوا
السهام، ثم أوقعوا القرعة تمت القسمة ولم يحتج إلى التراضي بعد
ذلك، وإن كان الأحوط استحبابا أن يحصل التراضي بعد القرعة أيضا
وخصوصا إذا كانت القسمة قسمة رد.
[المسألة 53:]
إذا تمت القسمة في الأعيان على النهج الذي مر ذكره كانت لازمة،
فلا يجوز لأحد الشركاء فسخها ولا ابطالها، بل ولا يجوز ذلك وإن
رضي جميعهم بابطال القسمة وفسخها.
[المسألة 54:]
إذا وقعت القسمة بين الشريكين وادعى أحدهما وقوع غلط في
441

القسمة أو ادعى عدم التعديل في السهام، وأنكر الشريك الآخر ذلك،
فالقول قول المنكر مع يمينه، وإذا أقام المدعي بينة على صحة ما يقول،
نقضت القسمة واحتاجا إلى قسمة غيرها.
[المسألة 55:]
إذا كانت العين مشتركة بين شخصين أو أكثر، وطلب أحد الشخصين
أن يكون انتفاع الشركاء بالعين بنحو المهاياة، فيسكن الدار أحد الشريكين
شهرا مثلا، ثم يسكنها الآخر شهرا، أو يكتسب هذا الشريك في الدكان
المشترك ثلاثة أشهر ثم يسلمه إلى شريكه ثلاثة أشهر، أو يسكن أحد
الشريكين في الطابق الأعلى من الدار ويسكن الثاني في الطابق الأسفل
منها، أو يؤجر الدار هذا الشريك شهرا ثم يؤجرها صاحبه شهرا،
لم يجب على الآخر قبول ذلك ولا يجبر عليه إذا امتنع، وإذا تراضيا
بالمهاياة صح ولم يجب عليهما الاستمرار عليه فيجوز لهما الرجوع عنه
وأما المنافع المشتركة، فالغالب فيها أن تكون تقسيمها بين الشركاء
بالمهاياة، وإن كانت لا تنحصر بذلك، فالآلات الحديثة إذا استؤجرت
للتدفئة أو التبريد أو الإنارة فيمكن تقسيمها بغير المهاياة، وقسمة
المنافع بالمهاياة أو بغيرها غير لازمة فيجوز الرجوع فيها.
[المسألة 56:]
لا تصح قسمة الديون المشتركة، فإذا كانت للرجلين ديون مشتركة
بينهما على بعض الناس لم يصح لهما أن يجعلا ما في ذمة زيد لأحدهما
وما في ذمة عمرو للآخر، أو يقسما ديوانهما بصورة ثانية، بل تبقى
الديون مشاعة بينهما، فما يحصل من الدين يكون لهما معا وما يبقى
منه يكون بينهما.
والحمد لله رب العالمين وصلواته الدائمة المباركة على سيدنا محمد
وآله الطاهرين.
442

[المسائل المستحدثة]
فتاوى المرجع الديني
سماحة
الشيخ محمد أمين زين الدين
دام ظله
443

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلواته التامة الزاكية المباركة
على سيد الأولين والآخرين، محمد وآله الطيبين المنتجبين
وبعد فهذه مواضيع جدت مع العصر الحديث في ما جد
فيه من أشياء وأمور، طلب مني بعض إخواني في الله أن
أنظر في أحكامها في الشريعة الاسلامية المقدسة، حسب ما
ظهر لي من قواعدها وموازينها، الواردة في فقه أهل البيت المطهرين
عليهم السلام، وقد حررت في هذه الأوراق
نتائج نظري في هذه المسائل المستحدثة، لتكون لي
ولإخواني في ديني تذكرة وتبصرة، ومن الله سبحانه أسأل
لي ولهم دوام التوفيق والسداد في العلم والعمل، والنجاة
والفوز في الدنيا والآخرة إنه سميع الدعاء مجيب النداء.
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير.
محمد أمين زين الدين
445

[التأمين]
وهو اتفاق يحصل في الغالب بين شركة أو دولة من أحد
الجانبين، وشخص أو أشخاص من الجانب الآخر، يلتزم
الشخص بموجب هذا الاتفاق: أن يدفع للشركة مبلغا محددا
من المال، يسلمه إليها دفعة واحدة، أو يقسطه أقساطا
معينة ومرتبة حسب ما يتراضى عليه الطرفان من التقسيط
والمواعيد.
وتتعهد الشركة للشخص في قبال ذلك بأن تدفع له أو لورثته
مبلغا من المال يعوضه عن خسارته عند حدوث خطر يؤدي
بحياته، أو مرض يلم به، أو عند حدوث حادث يتلف
أو يعيب بسببه بعض ما يملكه، حسب ما يوضحه الطرفان
في بوليصة التأمين ويعينانه في الوثيقة. ولذلك فقد يكون
التأمين على حياة ضد موت مثلا. وقد يكون على صحة،
ضد مرض أو عجز، وقد يكون على مال منقول أو غير
منقول، ضد حرق أو سرقة، أو غيرهما من الطوارئ،
وقد يكون على نقل تجارة أو مال في بر أو بحر أو جو، وقد
يكون على وسيلة من وسائل النقل: سيارة أو طائرة، أو
سفينة، وقد يكون على أشياء أخرى تشبه ذلك مما تتعرض
في بقائها أو في عملها للأخطار والطوارئ، ويمكن أن
يكون المتعهد في التأمين شخصا تتوفر فيه الكفاءة والمقدرة
على ذلك.
446

[المسألة 1: -]
الظاهر صحة هذا المعاملة ونفوذها على المتعاملين،
فيلزمهما الوفاء بها حسب ما يتفقان عليه من اللوازم،
ويوقتان له من المدة.
والتأمين - على الأقوى - عقد من العقود يشتمل على
الايجاب والقبول، يمكن للطرفين أن يوقعاهما باللفظ إذا
أحسنا التعبير عن جميع بنود المعاملة باللفظ، ولكنهما في
الغالب يقعان بالفعل، ولا مانع من ذلك.
فيدفع وكيل الشركة المفوض (بوليصة التأمين) إلى
الشخص المستأمن بعد اتفاقهما على المعاملة وشروطها
ويكون دفعه إياها بقصد الايجاب، فيوقعها الشخص
المستأمن، ويكون توقيعه عليها قبولا للمعاملة.
ويمكن أن يكون توقيع (البوليصة) من الشخص المستأمن
ايجابا منه للمعاملة ويكون دفع الوثيقة إليه من وكيل
الشركة بعد ذلك قبولا للايجاب، وعلى أي النحوين أجري
العقد بين الطرفين كان صحيحا، ووجب الوفاء به بمقتضى
آية الوفاء بالعقود.
[المسألة 2: -]
يصح للطرفين بعد أن يتفقا على تعيين المبلغ والأقساط
والشروط أن يجريا معاملة التأمين بينهما بصورة الهبة
المعوضة، فيقول الشخص المستأمن لوكيل الشركة حينما
يدفع له قسط التأمين، وهبتك هذا المبلغ من المال، على
شرط أن تتدارك خسارتي إذا حدثت لي الحادثة المعينة التي
اتفقنا عليها، ويقبل الوكيل ذلك عن الشركة.
447

[المسألة 3: -]
ويمكن لهما أن يجريا المعاملة بصورة المصالحة بينهما،
فيقول الوكيل للمستأمن: صالحتك على أن تدفع للشركة
المبلغ المعين على أن تعوضك الشركة عن الخسارة التي
تحدث عليك إذا حدثت لك الحادثة التي اتفقنا عليها، فيقبل
المستأمن ذلك، أو يكون المستأمن هو الموجب، ووكيل
الشركة هو القابل. والمعاملة صحيحة نافذة على أي وجه
أجريت من الوجوه المذكورة.
[المسألة 4: -]
وللتأمين صورة أخرى غير الصورة المتقدم ذكرها
وتسمى هذه الصورة (التأمين بالتقابل)، وهي أن يتفق
أشخاص معينون فيؤسسوا ما بينهم شركة خاصة يسهم
فيها كل واحد منهم بدفع مبلغ من المال ليتكون من مجموع
هذه الأسهم رأس مال مشترك وغرضهم من تأسيس هذه
الشركة أن تقوم بتعويض ما يحدث من خسارة تحصل لأحد
الأعضاء المشتركين إذا ألمت به أو بماله حادثة ما.
وهذا النوع من التأمين صحيح كذلك إذا أجريت المعاملة فيه
على صورة عقد الشركة المعروف في الشريعة، واشترط
في عقد الشركة التأمين لكل عضو من الأعضاء فتعوضه
الشركة عن خسارته إذا حدثت له الحادثة في نفسه أو في
ماله، ويكون الشرط نافذا وإذا كانت هذه الشركة
المؤسسة مخولة من قبل الأعضاء في الاكتساب، فاكتسبت
برأس المال وربحت كان الربح بين أعضائها بنسبة ما
للعضو من سهم في رأس المال.
448

[المسألة 5: -]
إذا خشيت شركة التأمين على نفسها من وقوع بعض
الأخطار عليها فأرادت أن تؤمن نفسها عند شركة أخرى
لتعوضها هذه عن الخسارة التي قد تحدث لها، أمكن لها
ذلك فتجري مع الشركة الثانية معاملة التأمين بإحدى
الصور المتقدم ذكرها، وتصح منها.
[المسألة 6: -]
إذا أرادت الشركة أن تنقل بعض عملائها الذين أجرت هي
معهم معاملة التأمين إلى شركة ثانية، أو أرادت أن تدخل
الشركة الثانية في عقدها مع العملاء ليكون التعويض عن
خسائرهم مفروضا على الشركتين معا، لم يصح لها ذلك
إلا برضى العملاء، فيفسخ العقد الأول، وتجري المعاملة
مع الشركة الثانية أو مع الشركتين معا بعقد جديد.
[السرقفلية]
وهي معاملة جرى عليها عرف أصحاب المتاجر
والحوانيت ومحلات الكسب في الأزمنة الأخيرة، فهم
يعتبرون أن للمستأجر الأول للحانوت أو المحل حقا عرفيا
في ذلك الحانوت أو المحل، بعد أن يستأجره من مالكه،
ويصبح أحق به من غيره، وليس للمالك اخراجه من ذلك
المحل بغير رضاه، وإن انقضت مدة الإجارة المتفق عليها
بينهما، وليس له الزيادة عليه في بدل الايجار، ونتيجة
لذلك فلهذا المستأجر في نظرهم أن يتفق مع شخص آخر
فيتنازل له عن ذلك المحل، ويأخذ منه مبلغا معينا بينهما
449

عوضا عن تنازله، ويخلى له المحل بمقدار الأجرة السابقة
التي كانت بينه وبين المالك دون زيادة، ويكون للمستأجر
الجديد نفس الحق الذي كان للمستأجر الأول، وليس للمالك
الاعتراض على ذلك.
هذا هو موضوع السرقفلية، ولهذا الموضوع صور مختلفة،
وأحكامه في الشريعة الاسلامية تختلف باختلاف صوره
فلتلاحظ المسائل الآتية.
[المسألة 7: -]
الصورة الأولى: أن يجري عقد الإجارة بين المالك
والمستأجر الأول من غير أن تجري بينهما معاملة أو شرط
في شأن الاختصاص والحق المذكور، فلم يذكرا في العقد
سوى إجارة الموضع من ذلك الشخص المدة المعينة بينهما
بدل الايجار المعين، فيجب على الطرفين في هذه الصورة
الوفاء بعقد الإجارة ما دامت المدة، فإذا انتهت المدة، فليس
للمستأجر حق في البقاء في المحل إلا بإجارة جديدة أو إذن
من المالك بالبقاء، وللمالك الحق في أن يزيد في بدل الايجار
إذا شاء، وللمستأجر أن يقبل بالزيادة فيبقى في الموضع
وأن لا يرضى بها فيخلى عنه، وليس له أن يتنازل إلى
مستأجر غيره إلا إذا رضي المالك.
[المسألة 8: -]
الصورة الثانية: أن يشترط في عقد الإجارة بين المالك
والمستأجر الأول أن للمستأجر حق البقاء في المحل بعد
انتهاء مدة العقد، وليس للمالك اجباره على الخروج منه،
وأن للمستأجر أن يجدد عقد الإجارة بعد انقضاء المدة كما
450

أجري في المرة الأولى وليس للمالك أن يمتنع من ذلك أو
يزيد عليه في بدل الايجار.
فيجب على المالك أن يفي للمستأجر بالشرط، ونتيجة لذلك
فيجوز للمستأجر أن يتنازل لشخص آخر عن البقاء في المحل
ليستأجره من المالك إذا رضى بإجارته، ويجوز للمستأجر
أن يأخذ من ذلك الشخص مبلغا من المال يتفقان على مقداره
عوض تنازله هذا، فيستحق المستأجر هذا المبلغ منه، سواء
رضي المالك بإجارة المحل منه أم لا.
[المسألة 9: -]
الصورة الثالثة: أن يتفق المالك والمستأجر الأول على
أن يؤجره المحل مدة سنة كاملة بمائة دينار مثلا، وأن يدفع
المستأجر للمالك غير ذلك مبلغ ألف دينار، ويجعل المالك
للمستأجر في قبال ذلك أن يكون له حق البقاء في المحل بعد
مدة العقد إذا شاء، وأن يكون بدل الايجار محددا بمائة
دينار عن كل سنة يمكثها المستأجر في المحل دون زيادة ولا
نقيصة، وأن يكون له الحق في أن يتنازل لغيره عن حقه في
المحل فيؤجر المحل عليه، وأن تكون للشخص الذي يتنازل له
المستأجر نظير الحقوق المذكورة التي كانت للمستأجر.
وإذا تمت المعاملة بين الطرفين كذلك، جاز للمستأجر أن
يتفق مع شخص ثالث فيتنازل له عن حقه ويأخذ منه عوض
تنازله مبلغا من المال سواء كان بمقدار ما دفعه للمالك
أم أقل أم أكثر.
وإذا تنازل له المستأجر كذلك، وجب على المالك أن يعامله
معاملة المستأجر الأول.
451

[المسألة 10: -]
المبلغ الذي يقبضه المالك من المستأجر عوضا عن
الحقوق التي جعلها له في عقد الإجارة كما مر بيانه في
المسألة السابقة يعد من أرباح المالك السنوية فيجب الخمس
في ما زاد منه ومن سائر أرباحه على مؤنه سنته.
[المسألة 11: -]
ما يدفعه المستأجر للمالك (السرقفلية) التي سبق
بيانها في المسألة المتقدمة يعد بالنسبة إليه من مؤن التجارة،
فلا يجب عليه اخراج خمسه إذا كان من أرباح سنته تلك،
وكذلك ما يدفعه المستأجر الثاني للمستأجر الأول من
السرقفلية، وكذلك الحكم في كل مستأجر لاحق يدفع
السرقفلية للمستأجر قبله إذا كان دفعه على النهج المتقدم
بيانه.
[المسألة 12: -]
إذا دفع المستأجر المبلغ المتقدم ذكره إلى المالك أصبحت
السرقفلية حقا من حقوقه وعدت قيمتها من أرباحه في تلك
السنة، فإذا زادت قيمتها مع سائر أرباحه عن مؤنته في
السنة وجب عليه اخراج خمس الزائد، سواء كانت قيمتها
مساوية للمبلغ الذي دفعه إلى المالك أم زادت عليه أم
نقصت عنه.
وإذا تنازل في أثناء سنته لشخص آخر عن حقه في المحل
وأخذ منه عوض السرقفلية تعلق الخمس بهذا العوض
وانتقل حق السرقفلية إلى المستأجر الجديد، وشمله الحكم
المتقدم في المستأجر الأول، وهكذا الحكم في كل مستأجر
يأتي في السلسلة إذا انتقل الحق إليه من سابقه على
452

الوجه المذكور.
[التلقيح الصناعي]
قد تطرأ في المرأة حالات معينة يعرفها الطب، تمنع
نطفة الزوج أن تأخذ مستقرها من جهاز المرأة التناسلي إذا
أدخلت فيه على النحو المألوف، فلا توجب لها التلقيح
والحمل، وقد تكون الحالة الحادثة آتية من الزوج نفسه،
لضعف فيه أو مرض ونحوهما، فتحتاج المرأة إذا أرادت
الحمل إلى التلقيح الصناعي.
والتلقيح الصناعي هو أن يدخل ماء الرجل في الجهاز
التناسلي للمرأة بواسطة أنبوب أو إبرة حاقنة ونحوهما
حتى يصل إلى المنطقة المرادة من الجهاز فيحصل به التلقيح
للبويضة وتحمل منه المرأة. والغالب أن القائم بعملية
التلقيح يترصد مواعيد نزول بويضة المرأة إلى الرحم، أو
إلى موضع قريب منه، حتى يكون التلقيح مضمونا أو
مظنونا، ونحن ها هنا نتعرض لأحكام هذا التلقيح.
[المسألة 13: -]
يجوز أن تلقح المرأة بنطفة زوجها، وإذا انعقدت هذه
النطفة وحصل الحمل فحكم الطفل الذي يولد حكم سائر
الأولاد الذين يتولدون من الزوجين على النهج الطبيعي
المألوف سواء كان النكاح بينهما دائما أم منقطعا.
وبحكمها الأمة حين تلقح بنطفة مالكها، إذا لم تكن
متزوجة، أو محللة لشخص آخر، أو ذات عدة من رجل
آخر، ولم تكن مشتركة بين ذلك السيد ومالك آخر، ولا
مكاتبة، ولم تكن مشركة ولا وثنية ولا مرتدة.
453

وكذلك الأمة المحللة للغير إذا لقحت بنطفة من حللت له.
[المسألة 14: -]
لا يجوز أن يكون القائم بعملية تلقيح المرأة غيرها وغير
من يحل له لمسها والنظر إلى عورتها، سواء كان رجلا
أم امرأة.
نعم إذا أمكن له أن يقوم بعملية التلقيح من غير لمس
ولا نظر لما يحرم ولا وقوع في محرم آخر، فالظاهر
الجواز.
[المسألة 15: -]
يحرم تلقيح المرأة بماء رجل لا يحل له وطؤها، وإن
رضي الزوج بذلك، بل وإن باشر عملية التلقيح بنفسه،
ويحرم تلقيحها - إذا كانت أمة غير مزوجة، ولا محللة -
بماء غير سيدها، وإن أذن السيد بذلك، إلا إذا قصد بذلك
تحليلها لصاحب النطفة وكانت في موضع يصح فيه التحليل.
[المسألة 16: -]
إذا لقحت المرأة بنطفة غير من يحل له وطؤها تلقيحا
صناعيا فحملت منه، ألحق الولد بها وبصاحب النطفة
وجرى عليه حكم سائر أولادهما، وإن أثمت المرأة بالتلقيح
إذا كانت مختارة في اجرائه، وأثم صاحب النطفة إذا كان
عالما مختارا في ذلك.
[المسألة 17:]
إذا ساحقت المرأة ضرتها بعد أن جامعها الزوج فدخلت
بسبب ذلك نطفة الزوج في جهاز الضرة وحملت منه، ألحق
454

الولد بالأب والأم التي حملت به وأن أثمت المرأتان بما
اكتسبتا، وإذا زنى الرجل بامرأة ثم ساحقت الزانية
زوجة الرجل، فانتقلت بسبب ذلك نطفة الرجل إلى زوجته
وحملت منه فالولد لهما وإن ارتكب الرجل والمرأتان تلك
الكبائر العظيمة.
[المسألة 18: -]
قد تكون لبعض النساء حالات ثابتة أو مؤقتة، يعجز
فيها جهاز المرأة التناسلي عن الاحتفاظ بالجنين طيلة أيام
حمله، فتجهض بعد فترة قصيرة أو طويلة من الحمل وقد
يعجز الجهاز عن صيانة الجنين أو عن تغذيته فيموت في
بطنها، وتضطر إلى القائه، وقد اخترع العلم الحديث
جهازا صناعيا ينوب عن الجهاز الطبيعي في المرأة في
احتضان الجنين وصونه وامداده بما يحتاج إليه من غذاء
وحرارة وطاقة، حتى يستكمل نموه ويستتم فترة حمله
فينقل الجنين بعد أيام من انعقاده في بطن أمة وقبل أن
يحل موعد الخطر إلى هذا الجهاز الصناعي ليحتضنه ويقوم
بتغذيته وتنميته إلى أن يحين وقت ولادته، فيستخرج منه.
ولا اشكال في جواز ذلك، بل ولا ريب في رجحانه،
إذا كان فيه حفظ لحياة الجنين وحياة أمة من الأخطار،
وربما يستخدم هذا الجهاز كذلك في حالات الاختيار تفاديا
عن الأتعاب والآلام والمضاعفات الأخرى التي يسببها طول
الحمل وثقله وانفاق الطاقات وآلام الوضع للمرأة، فتنقل
جنينها بعد أيام من حمله في بطنها إلى هذا الجهاز وتكتفي
بذلك عن المتاعب، والظاهر جواز ذلك.
455

ويجوز في الحالات الأولى الضرورية أن يتولى الطبيب
الحاذق عملية النقل المذكورة إذا لم توجد الطبيبة التي تقوم
بذلك، وأما في الحالات الأخيرة غير الضرورية فلا يجوز
أن يتولاها الرجل إلا إذا أمكن له القيام بالعمل من غير
نظر ولا لمس لما يحرم، بل وكذا المرأة، فيتولاها الزوج
إذا كان ممن يمكنه ذلك ولو بارشاد الخبير، فإذا لم
يستطع الزوج لم تجر العملية.
[منع الحمل]
وقد يسميه بعض الناس تنظيم النسل، وهي رغبة شاعت
في كثير من الأوساط، وتنوعت الوسائل لتحقيقها، وانقسم
الناس في الدعوة إليها والتنديد بها، واختلف الداعون
إليها في أساليب الدعوة.
فالاقتصاد السليم في رأي فريق من الناس يدعو إلى
تنظيم الحمل، فإذا أكثر النسل وتضخمت العائلة اضطرب
الاقتصاد ولم تكف الموارد لسد الحاجة. والتوجه
الصحيح للتربية الناجحة في رأي آخرين يدعو إلى تنظيم
الحمل، فإذا كثر الولد لم يستطع الأبوان أن يتوجها إلى
أبنائهما بالتوجه المثمر المجدي في تربيتهم وتوجيههم.
والتوزع العاطفي في رأي جماعة يدعو إلى تقليل الحمل
فإذا كثرت الأطفال توزعت العاطفة، ولم يملك الأبوان
وأفراد الأسرة أن ينظروا الجميع بمنظار واحد، فينشأ
بسبب ذلك الاختلاف بين الأطفال وتنشأ الأحقاد والأضغان.
وهكذا، فالخيال يمد والدعوة تمتد. وشارك الطب
والصيدلة في الأمر فوضعا بين أيدي الناس أنواعا من
456

الحبوب، وأنواعا من المستحضرات وأنواعا من الوسائل
لهذه الغاية.
ويرغب بعض الأزواج في منع زوجته الجديدة من الحمل،
ليتمتع بجمالها وبشبابها مدة أطول، بعد أن نال قسطا
من الذرية من زوجته الأولى، أما أن تحرم هذه الجديدة -
بسبب رغبته - من الذرية، فهذا ما لا يفكر به الزوج، أو
لا يريد التفكير به، وترغب بعض الزوجات الشابات أن
تمنع نفسها من الحمل، للتفادي من آلام الحمل والولادة
وأتعابهما كما تسمع من صديقاتها ومن بعض النساء
المتقدمات في السن، ثم لا تلتفت ولا تأسف إلا بعد فوات
الأوان.
وأما التعلق بالاقتصاد فهو فكرة قديمة في الزمان،
وقد تكرر في القرآن ذكر الذين يقتلون أولادهم خشية
املاق، ولقد كان الانسان وحشيا وحيوانا حين ما قتل
أولاده بالسيف أو الخنجر لهذه الغاية، ولكنه أصبح يعد
لطيفا وحكيما حينما يقتلهم بالأقراص والحبوب للغاية
نفسها!
وحديث التربية يتعلق به المستسلمون، الذين
يستكثرون بذل بعض الجهد في تربية أطفالهم، وإلا فمن
المعلوم أن التمرن في تربية الطفل بعد الطفل يسهل أمرها
على المربي الناجح، وأما العاطفة فأمرها أوضح، فإن
العاطفة التي لا تضيق عن العديد من الأحباء والأصدقاء
والأرحام وأطفالهم، لا يمكن أن تضيق عن أطفال المرء
نفسه، إذا هو أحسن النظرة، وأحسن الاندفاع والتصرف
مهما كثر عددهم.
وعلى أي حال فقد كانت هذه الرغبة الشائعة مثارا
لسؤال كثير من الناس عن حكم الشريعة فيها وتبيين ما
يجوز منها وما يمنع.
457

[المسألة 19: -]
لا يجوز للمرأة أن تتناول الأقراص والحبوب المانعة
للحمل، ولا استعمال غيرهما من الوسائل المانعة، بعد
انعقاد النطفة في رحمها وحصول التلقيح وتحقق مبادئ
نشوء الجنين، فإن استعمال ذلك يوجب قتل الجنين
وسقوطه، سواء رضي الزوج بذلك أم لا، وإذا تناولت
شيئا من ذلك فمات الجنين وجب عليها دفع الدية المقررة
شرعا للجنين، نطفة أم علقة أم مضغة، أم غيرهما من
أطوار نشوء الجنين، حسب ما فصل في كتاب الديات من
فقه أهل البيت عليهم السلام.
[تنبيه: -]
المراد بموت الجنين هو انعدام طاقة النمو الطبيعي فيه،
وإن كان ذلك قبل زمان ولوج الروح فيه، فإذا انعدمت
الطاقة ووقف النمو فقد مات الجنين ووجبت الدية على
قاتله، وإن تأخر سقوطه أو احتاج إلى تدخل الطب في
إخراجه.
[المسألة 20: -]
يشكل جواز استعمال الوسائل التي تمنع حمل المرأة
مطلقا ما دامت في الحياة، من دون حاجة تضطرها إلى
ذلك، ومثال الحاجة الملزمة به: ما إذا أصابت المرأة قرحة
أو علة احتاجت معها إلى اجراء عملية تستأصل فيها بعض
458

أجزاء الجهاز أو تسد المجرى، وتوجب لها العقم، أو
احتاجت إلى تناول أدوية فعالة تفسد المبيض أو تعطل نمو
البويضات فيه ما دامت الحياة، أو نحو ذلك. وفي غير
هذه الحالات الضرورية فالأحوط لها أن لا تستعمل الحبوب
والوسائل التي تمنع حملها ما دامت في الحياة وإن رضي
الزوج بذلك ورغب فيه.
[المسألة 21: -]
يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للحمل مؤقتا
عند طروء بعض الحالات الصحية التي تحتم عليها أن
تؤخر فرصة امكان الحمل، كما إذا عرض لها مرض أو
ضعف يتضاعف أثره عليها مع وجود الحمل، فيجوز لها
أن تتناول الحبوب، حتى تبرأ من المرض وتقوى من الضعف
ثم تتركها.
[المسألة 22: -]
الظاهر أنه يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة من
الحمل مؤقتا، اختيارا، وفي الحالات العادية لها، تفاديا
عن تتابع الحمل، أو لغير ذلك من الغايات، والأحوط أن
يكون ذلك برضى الزوج، والأولى لها في هذه المسألة وفي
سابقتها أن تسترشد الطبيب الموثوق عما إذا كان استعمال
الحبوب المانعة يسبب لها بعض الآثار غير المحمودة، وعن
النوع الذي يرجح لها أن تستعمله وعن المدة التي ينبغي
أن لا تزيد عليها، فيكون تناولها بارشاده.
459

[المسألة 23: -]
يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته جماعها، حتى إذا
كانت حرة ودائمة، إذا كان ذلك برضاها أو كان قد اشترط
عليها في عقد التزويج بها أن يعزل عنها في الجماع،
ويجوز له كذلك أن يعزل عنها إذا لم تأذن ولم تشترط عليها
في عقد التزويج، ولكن العزل في هذه الحال يكون مكروها،
وأما إذا كانت أمة أو كانت متمتعا بها فيجوز العزل عنها
من غير كراهة.
والعزل عن المرأة هو أن يخرج ذكره منها في جماعها
فيقذف ماءه في الخارج، وبحكم ذلك أن يستعمل الكيس
الخاص الذي أعد حديثا لمثل هذه الغاية، فيلبسه الذكر قبل
الجماع فإذا جامع كان انزاله فيه، ثم يخرجه مع الذكر بعد
الفراغ، وهو إحدى الوسائل القديمة لمنع الحمل وإن لم
يكن مضمونا.
[ملاحظة: -]
ذكر بعض الأطباء أن للمرأة فرصة معينة، سماها
الطبيب (فترة الأمان)، فإذا جامعها الزوج في هذه الفترة
لم تحمل.
وخلاصة ما ذكره في بيان ذلك: أن الميعاد المحدد لنزول
بويضة المرأة من مبيضها هو منتصف ما بين الحيضتين من
الزمان، فإذا كانت المدة المعتادة للمرأة ما بين نهاية
حيضها السابق وابتداء حيضها اللاحق هي اثنان وعشرون
يوما مثلا، فآخر اليوم الحادي عشر من هذه المدة هو الموعد
المحدد لنزول البويضة، والفترة التي تبقى فيها البويضة
460

بحسب العادة سليمة صالحة للقاح هي ثلاثة أيام، فإذا
لم تلقح في هذه الفرصة فسدت، والفترة الممكنة لاخصاب
المرأة وتعرضها للحمل هي هذه الأيام الثلاثة، والأيام
الثلاثة السابقة عليها، ذلك أن الحوين المنوي الذي يقذفه
الرجل قد يبقى سليما صالحا للتلقيح ثلاثة أيام، وهي
أقصى مدة يعيش فيها الحوين، فإذا جامع الرجل زوجته
في الأيام الثلاثة التي تعيشها البويضة أو الأيام الثلاثة
التي تسبقها أمكن حصول التلقيح، وهذه هي (فترة
الاخصاب) كما يقول.
والأيام المتقدمة على ذلك، والأيام المتأخرة عنه، لا
يمكن أن يحصل فيها تلقيح، لفساد البويضة، أو لموت
الحوين، وهي (فترة الأمان) كما يرى هذا الطبيب.
وهو رأي يعتمد على التخمين، فلا يكون من الوسائل
المضمونة لمنع الحمل.
[المسألة 24: -]
يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب التي تؤخر نزول الحيض
عليها عن عدتها المحددة لها، لتتم الصوم في شهر رمضان
مثلا فلا تفتقر إلى الافطار فيه، أو لتكمل عمرة التمتع
وحج التمتع كما أمرت بهما، فلا ينقلب نسكها إلى حج
افراد، أو لغير ذلك من المقاصد.
[التشريح]
[المسألة 25: -]
يحرم تشريح بدن الميت المسلم وتقطيع أجزائه وإذا
جرحه أحد أو شق بطنه أو قطع بعض أوصاله، أو قطع
بعض أعضائه، أو بعض أجهزته، أو بعض عظامه، أو
كسرها، وجبت عليه الدية المقدرة شرعا لذلك الشئ
والمذكورة في كتاب الديات، وبحكم الميت المسلم الطفل الميت
المتولد من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم،
والمجنون الميت الذي يكون أبواه مسلمين أو يكون أحدهما
مسلما، وكذلك اللقيط الذي يوجد في دار الاسلام ولم يعرف
نسبه، فلا يجوز تشريحه ولا قطع جزء منه.
461

[المسألة 26: -]
يستثنى من حرمة تشريح بدن الميت المسلم ومن
بحكمه، ما إذا توقفت على تشريحه حياة أحد مسلم، ومثال
ذلك ما إذا ادعى بعض أولياء الميت أنه مقتول بالسم أو
بنحوه من الأسباب التي تخفى على عامة الناس، وارتقب
أن تحدث من ذلك فتنة توجب إراقة دم وجعلت كلمة الفصل
في ذلك للطبيب الموثوق، وتوقفت معرفة سبب الموت على
تشريح بدن الميت ولا طريق سوى ذلك، فيجوز للطبيب
تشريح البدن ليعرف سبب الموت ويقول كلمته في الأمر.
[المسألة 27: -]
لا يسقط الحكم بحرمة تشريح الميت المسلم إذا أوصى هو
قبل موته بأن يشرح بدنه بعد الموت، ولكن إذا شرحه أحد
بعد الموت كما أوصى لم تجب عليه الدية.
[المسألة 28: -]
يجوز أن يشرح بدن الميت الكفر سواء كان كتابيا أم
غيره من أصناف الكفار وبحكمه الطفل والمجنون إذا كان
كلا أبويهما كافرين، وكذلك الحكم في الميت المشكوك في
اسلامه وكفره، فيجوز تشريح بدنه.
462

[المسألة 29: -]
إذا توقف تعلم علم الطب على تشريح بدن الميت، ولم
تكف عنه وسيلة أخرى ولم يوجد بدن ميت كافر أو مشكوك
الاسلام والكفر، ولم يمكن التعلم بالحضور عند من
يشرح الميت وهو ينظر إليه، جاز حين ذاك تشريح بدن
المسلم، ويجب أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة
التي تقتضيها التعلم، ولا تسقط الدية بذلك عن المباشر
للتشريح، وإذا كان الميت قد أوصى في حياته بتشريح جسده
بعد موته فلا دية له.
[المسألة 30: -]
إذا توقف تعلم علم الطب على النظر إلى العورات
المحرمة أو لمسها كالفروع التي تختص بأمراض الأجهزة
البولية أو الأجهزة التناسلية، أو التوليد، ولم تكف عن
النظر، واللمس وسيله أخرى يضعها العلم بأيدي الطلاب.
لهذه الغاية كالأجهزة الصناعية، جاز حين ذلك النظر
واللمس للعورة المحرمة، كما يجوز للطبيب النطر واللمس
كذلك عند الفحص والعلاج للأمراض التي تتعلق بها ويجب
أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة التي يقتضيها
التعلم، أو يقتضيها الفصح والعلاج، ولا تجوز الزيادة
على ذلك.
463

[الترقيع]
ويسمى كذلك عملية التجميل، وهو عملية جراحية
يقوم بها جراح مختص، يعوض فيها عن جزء مفقود من
بدن الانسان الحي بجزء مماثل له من بدن انسان آخر، حي
أو ميت، يضعه في موضع الجزء المفقود من بدن ذلك
الانسان ليقوم مقامه ويؤدي وظيفته العضوية.
ومثال ذلك: أن تقطع إحدى شفتي الانسان فتوضع
مكانها شفة مماثلة من بدن انسان ميت، أو تقلع إحدى
عينيه، فتنقل إليه عين مماثلة من إنسان آخر، أو تبتر
إحدى كفيه أو إحدى قدميه، ويعوض عنها بكف أو قدم
مماثلة.
[المسألة 31: -]
ذكرنا في المسألة الخامسة والعشرين: أنه يحرم قطع
بعض أوصال الميت المسلم، أو بعض أعضائه، أو بعض
أجهزته، أو بعض عظامه، وذكرنا أنه تجب في قطع أي جزء
من أجزائه الدية المقدرة لذلك الجزء شرعا.
ونتيجة مقطوعة لذلك، فلا يجوز أن يقطع شئ من
أجزائه ليرقع به بدن المسلم الحي، إلا إذا توقفت على ذلك
حياة المسلم، فيجوز قطع العضو والترقيع به حين ذاك،
ويجب على من يباشر قطع العضو دفع ديته وإذا كان الميت
قد أوصى بذلك في حياته لم تجب الدية في هذه الصورة.
[المسألة 32: -]
إذا ارتكب الانسان هذا المحرم، فقطع الجزء الذي
أراده من بدن الميت، أثم بذلك، ولزمته الدية كما ذكرنا،
وجاز أن يرقع به بعد القطع بدن الحي، وإذا تم الترقيع
464

به، وبرء الجرح الذي تقتضيه العملية أصبح ذلك الجزء
عضوا من بدن المسلم الحي وشملته جميع أحكامه فيكون
طاهرا إذا خلا من النجاسات العرضية، ويجب غسله في
الأغسال الواجبة، ويجب غسله أو مسحه في الوضوء
الواجب إذا كان من أعضاء الوضوء.
[المسألة 33: -]
ذكرنا في المسألة السابعة والعشرين: أن حرمة تشريح
الميت المسلم وحرمة قطع أعضائه وأوصاله لا تسقط بوصيته
قبل أن يموت بأن يشرح بدنه أو تقطع أعضاؤه بعد موته،
نعم تسقط ديته إذا كان قد أوصى بذلك، فلا دية على
من قطع عضوه وإن كان آثما بذلك.
[المسألة 34: -]
يجوز قطع أي عضو يراد من بدن الميت الكافر أو مشكوك
الاسلام والكفر، ويجوز أن يرقع به بدن المسلم الحي، فإذا
أجريت العملية والتأم الجرح، أصبح ذلك العضو جزءا من
بدن المسلم الحي، وحكم بطهارته إذا خلا من نجاسة عرضية،
وشملته أحكام المسلم الحي، فيجب غسله في الأغسال
الواجبة، ويجب غسله أو مسحه في الوضوء الواجب إذا
كان من أعضاء الوضوء التي تغسل أو تمسح، ويستحب
غسله في الأغسال والوضوءات المستحبة، وكذلك تجري عليه
أحكام التيمم إذا كان من أعضائه. ويجوز أن يقطع العضو
من بدن الطفل الميت إذا كان متولدا من كافرين، ليرقع به بدن
طفل مسلم حي، وتجري عليه الأحكام المتقدمة بعد الترقيع
والتئام الجرح.
465

[المسألة 35: -]
لا يجوز قطع شئ من الأعضاء المهمة من بدن إنسان
حي ليرقع به بدن مسلم حي، وإن رضي الشخص المقطوع
منه بذلك، أو عوض عنه بالمال، سواء كان مسلما أم
كافرا، ذميا أو معاهدا. ويجوز أخذ أجزاء غير مهمة إذا
رضي المأخوذ منه بقطعها من بدنه كقطعة من اللحم يرقع
بها نقص في الشفة أو في موضع آخر، وإذا أريد تعويضه
عنها بالمال فالأحوط أن يكون ذلك على وجه المصالحة.
[المسألة 36: -]
المراد بالأعضاء المهمة من بدن الانسان هي ما يوجب
فقدها نقصا ملحوظا في جسد ذلك الشخص كاليد والرجل
والعين، والقدم والكف، فضلا عما إذا كان نقصها يوجب
خطرا أو موتا محققا، فلا يجوز قطع شئ من ذلك وإن
رضي الشخص الذي يؤخذ منه، كما ذكرنا.
والظاهر أنه يجوز أخذ الكلية الواحدة من المسلم الحي
لتوضع لمسلم آخر، إذا شهد الطب بأن نقص الكلية الواحدة
منه لا يسبب خطرا عليه ولا يوجب نقصا ملحوظا في
الوظيفة التي يقوم بها جهازه، وهي في الوقت ذاته تنقذ
المسلم الآخر من خطر معلوم.
فيجوز للشخص أن يتبرع بها للآخر، إذا شهد له الطب
بذلك، وإذا أريد التعويض عنها بالمال فالأحوط أن يكون على
وجه المصالحة كما تقدم.
[المسألة 37: -]
الظاهر أنه يجوز قطع الأعضاء حتى المهمة من الانسان
الحي إذا كان كافرا محاربا لترقيع بدن المسلم الحي بها،
466

فإذا رقع بدن المسلم بعضو منه، جرت فيه الأحكام السابقة
في المسألة الرابعة والثلاثين.
[المسألة 38: -]
يجوز أخذ الدم للمريض الذي يحتاج إليه من المسلم وغير
المسلم إذا رضي المأخوذ منه بذلك، وتجوز المعاوضة عليه
بالمال ببيع أو صلح أو غيرهما، ويحسن التبرع به
للمحتاجين والمرضى ممن لا يضر بهم ذلك، وإذا أدخل في
أوردة المريض وجرى في بدنه عد من دمه ولحقه حكمه،
وإن كان مأخوذا من كافر نجس العين.
[الأوراق النقدية]
وهي عملة ورقية درجت على استعمالها عامة الدول
في عامة البلاد، واستبدلت بها عن مسكوكات الذهب
والفضة، ومصدر مالية هذه الأوراق هو اعتبار الدولة
التي تحكم البلد، أو البنك الذي تعتمده الدولة في هذا
الأمر، أو الهيئة الخاصة التي تخولها الدولة ذلك، فتصبح
الأوراق بسبب هذا الاعتبار نقدا رسميا للدولة تقوم به
الأشياء، وتجري به المعاملات في بلاد تلك الدولة وقد
تتعدى إلى خارجها بمقدار ما للدولة من مكانة ونفوذ.
وللعملة غطاء تعتمد عليه الدولة في اعتبارها لأوراقها
النقدية، وهذا الغطاء قد يكون ذهبا وفضة تملكهما الدولة
وتدخره في خزائنها مسكوكين، أو غير مسكوكين، وقد
يكون ذهبا تودعه في بنك عالمي مع دول أخرى تشترك
معها في الايداع في ذلك البنك، وقد يكون الغطاء من
ثروات طبيعية تمتاز بها بلاد الدولة من نفط وكبريت
وغيرهما من المعادن.
467

[المسألة 39: -]
لا تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا ملك المكلف منها
قيمة النصاب في الذهب أو الفضة أو أكثر، وحال عليها
الحول وهي في ملكه وتصرفه، وهو واضح جدا في البلاد
التي يكون غطاء العملة فيها من النفط والكبريت ونحوهما
من الثروات الطبيعية، فإن الأوراق ليست في نفسها ذهبا
ولا فضة، ولا عوضا عنهما.
وكذلك في البلاد التي يكون غطاء العملة فيها من
الذهب والفضة غير المسكوكين فإن الزكاة إنما تجب في
الذهب والفضة المسكوكين.
وكذلك الحكم في البلاد التي يكون رصيد العملة فيها
من الذهب والفضة المسكوكين، فإن الورق النقدي في
هذه البلاد وإن كان عوضا عن الذهب والفضة والمسكوكين،
إلا أن الذهب والفضة المذكورين ليسا في يد المكلف بحيث
يتمكن من التصرف فيهما طول الحول، وهذا أحد شروط
وجوب الزكاة، ولذلك فلا تجب على المكلف فيه الزكاة.
[المسألة 40: -]
ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من عدم وجوب الزكاة في
الأوراق النقدية إذا بلغ ما يملكه المكلف منها قيمة النصاب،
لا يعني أنه لا يكفي دفع الأوراق النقدية قيمة للزكاة التي
تجب عليه في أحد النصب الزكوية الأخرى.
فإذا كان المكلف مالكا لنصاب زكوي من أحد الغلات
أو الأنعام أو النقدين ووجبت عليه الزكاة فيه، وأراد
أن يدفع قيمة الزكاة من الأوراق النقدية فإنه يصح له
ذلك ويجزيه عن الواجب، وهذا واضح ونحن نذكره للتنبيه.
468

[المسألة 41: -]
لا يجوز أن يقرض المكلف غيره عددا من الأوراق
النقدية بشرط الزيادة، فيقرضه مائة دينار عراقي مثلا
إلى مدة سنة بمائة وعشرين دينارا عراقيا، فإن ذلك من
الربا المحرم، وتحريم الربا في القرص لا يختص بالذهب
والفضة، ولا بالمكيل والموزون، بل يشمل حتى المعدود،
فلا يجوز أن يقرض الانسان غيره عشرين بيضة من بيض
الدجاج مثلا إلى مدة شهر باثنتين وعشرين بيضة منها،
ولا يختلف هذا الحكم باختلاف رصيد العملة الورقية.
[المسألة 42: -]
يجوز بيع عدد معين من الأوراق النقدية بأكثر منه من
عملة واحدة، إذا كان الرصيد الذي اعتمدت عليه الدولة
في اصدار تلك العملة من الثروة الطبيعية في بلادها كالنفط
وشبه، ومثال ذلك: أن يبيع الرجل على غيره خمسين
دينارا عراقيا مثلا بأربعة وخمسين دينارا عراقيا، فيصح
هذا البيع منه ولا يكون التفاضل بين العوضين من الربا
الممنوع في المعاملة.
وذلك لأن العملة نفسها ليست من المكيل والموزون،
وهي بهذا الاعتماد لا تكون عوضا عن أحدهما، والربا
الممنوع في المعاملة مشروط أولا: بأن يكون العوضان من
جنس واحد، وثانيا: بأن يكون الجنس من المكيل أو الموزون،
والشرط الثاني مفقود في المعاملة المذكورة، فلا مانع من
البيع المتقدم ذكره.
وكذلك الحكم إذا كانت مالية العملة مستندة إلى اعتبار
الدولة ونفوذها فقط ولم يكن لها رصيد آخر، من ذهب
469

وفضة أو من ثروة طبيعية، كالعملة الورقية التي تصدرها
بعض الدول أيام الحروب العامة، فيجري فيها الكلام المتقدم
سواء بسواء.
[تنبيه: -]
قد تكون لدى المكلف أوراق نقدية من العملة المتقدم
ذكرها في المسألة السابقة، ويكون له غرض خاص بابدال
هذه الأوراق بأكثر منها من العملة ذاتها إلى مدة معينة،
وقد بينا في المسألتين المتقدمتين: إن ذلك لا يصح إذا
أجريت المعاملة بنحو القرض، ويكون أخذ الزيادة فيها
من الربا المحرم، ويجوز ذلك إذا أجريت المعاملة بنحو
البيع، ويحل له أخذ الزيادة ولا يكون من الربا الممنوع،
فلا بد للمتعاملين إذا أرادا اجراء المعاملة بينهما أن يلتفتا
إلى ما يقصدان في إنشاء معاملتهما، فإن قصدا بها البيع
إلى أجل حل ذلك، وإن قصدا بها القرض إلى مدة لم يحل،
كما يقول سبحانه: وأحل الله البيع وحرم الربا.
[المسألة 43: -]
إذا كان للعملة رصيد من الذهب والفضة مسكوكين أو
غير مسكوكين، مخزونين عند الدولة أو في بنك عالمي
معين، وقد اعتمدت الدولة عليهما وأصدرت أوراقها
النقدية عوضا عنهما، سواء كانت الدولة أو المؤسسة
المخولة من الدولة قد تعهدت لمن يملك هذه الأوراق بأن
تعطيه العوض من الذهب والفضة إذا شاء، أم لم تتعهد
له بذلك، إذا كانت العملة كذلك أصبحت الورقة منها عوضا
عن الذهب والفضة، والمعاملة بها معاملة بالذهب والفضة.
470

ونتيجة لذلك فلا يصح أن يباع عدد من هذه الأوراق
بأكثر منه من هذه العملة نفسها، لأن الذهب والفضة
اللذين تحكي عنهما الورقة مما يكال ويوزن، سواء كانا
مسكوكين أم غير مسكوكين فتكون الزيادة في الثمن من
الربا الممنوع في المعاملة، فيبطل البيع.
وهذا كله على الأحوط في هذا الصنف من العملة
الورقية، فإن من المحتمل القريب أن يكون الرصيد الذهبي
والفضي الذي اعتمدت عليه تلك الدولة وأصدرت بسببه
أوراقها، إنما هو اعتماد دولي خالص وليس أعواضا
للأوراق، والورقة إنما هي نقد رسمي أصدرته الدولة
اعتمادا على ما لديها من رصيد مخزون، وليست عوضا
عن ذهب أو فضة فيكون سبيل هذه العملة سبيل العملة
التي ذكرناها في المسألة السابقة. ويسند هذا الاحتمال
ويقويه ما تذيعه الإذاعات العالمية عن أسعار الذهب
صعودا ونزولا بالعملات المختلفة للدول الكبري، وبعض
العملات المحلية ولو كانت العملة الورقية عوضا عن مقدار
معين من الذهب لما اختلف سعر الذهب فيها ولا في العملات
المرتبطة بها وإن اختلفت قيمته في العملات الأخرى،
ويسنده ويقويه كذلك ما تذيعه الإذاعات عن ارتفاع أسعار
العملات وهبوطها بعضها عن بعض حتى مع وقوف الذهب
على سعر واحد. ولكن هذا كله إنما يسقط الاحتمال الأول
في أكثر العملات العالمية الموجودة ولا يسقطه في جميعها.
471

فلا يترك الاحتياط في العملة التي يظن أن الدولة قد أعدت
الذهب والفضة عوضا عن الأوراق وليس مجرد اعتماد،
ويصح البيع في ما عدا ذلك من العملات مع التفاضل.
[المسألة 44: -]
لا يشترط في صحة بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض
أن يحصل التقابض، بين المتبايعين قبل أن يفترقا، فإن
ذلك أنما هو شرط في صحة بيع الصرف، وهو بيع الذهب
والفضة بعضهما ببعض، سواء كانا مسكوكين أم غير
مسكوكين، وليس منه بيع الأوراق، وإن كانت نقودا،
فلا يبطل البيع إذا افترق المتبايعان قبل التقابض، ولا يترك
الاحتياط في العملة المذكورة في المسألة المتقدمة.
[المسألة 45: -]
ربما تصدر بعض الحكومات عملة ورقية تنفق في
بلادها وبعض البلاد الأخرى، ويكون رصيد هذه العملة
مبالغ تملكها الحكومة من عملة ورقية لبعض الدول الكبرى،
تودعها حكومة ذلك البلد في أحد البنوك العالمية، أو يكون
الاعتماد على تعهد إحدى الدول الكبرى بعملة تلك
الحكومة، فتكون تلك المبالغ المودعة، أو المتعهد من
الدولة الكبيرة هو الرصيد المعتمد لتلك العملة.
ولا تجب الزكاة في هذه العملة كما تقدم في نظائرها
ويصح أن يباع عدد من هذه الأوراق بأكثر منه من هذه
العملة ولا يلزم منه الربا، فهي ليست مما يكال أو يوزن
ولا عوضا عن الذهب والفضة، وليس بيع بعضها ببعض
من بيع الصرف، فلا يشترط فيه التقابض قبل أن يفترق
المتبايعان.
472

نعم يجري فيها ربا القرض، فلا يجوز أن يقرض الانسان
غيره عددا منها بشرط الزيادة كما تقدم في غيرها.
[أحكام اللقطة]
[المسألة 46: -]
إذا وجد الانسان أوراقا نقدية في طريق أو في موضع
عام، ولم يعرف مالكها وليس عليها يد أمينة، فهي لقطة
كسائر الأموال الضائعة التي يجدها كذلك، فتجري عليها
أحكام اللقطة.
وليست فاقدة للعلامات المائزة التي يمكن الملتقط أن يتعرف
بسببها على المالك، فعدد الأوراق مثلا، وكونها من الفئة
ذات الدينار الواحد أو النصف دينار، أو الخمسة دنانير
أو العشرة أو الخمسة والعشرين دينارا، وكونها في
حافظة نقود وصفتها كذا، أو في كيس لونه كذا، أو في
خرقة أو منديل وصفهما كذا، كل هذا وأشباهها علامات
يمكن الملتقط أن يتعرف بسببها على مالك الأوراق، فلا
فرق من هذه الجهة بينها وبين غيرها من النقود والمسكوكة
التي تضيع من أصحابها وتجري عليه أحكام اللقطة.
[المسألة 47: -]
لا فرق بين لقطة الأوراق النقدية وغيرها في الأحكام،
فإذا وجدها في الحرم المكي حرم عليه أخذها، وإذا أخذها
كان آثما وضامنا، إلا إذا كان أخذه إياها بقصد التعريف
بها فلا يأثم ولا يضمن حين ذاك، وإذا أخذها كذلك وجب
عليه أن يعرف بها سنة كاملة من يوم التقاطها، فإذا هو لم
يعرف مالكها وجب عليه على الأحوط أن يتصدق بها عن
473

مالكها، والأحوط كذلك أن يكون تصدقه بها بإذن الحاكم
الشرعي، ولا يجوز. للملتقط أن يتملكها بعد انتهاء
التعريف، إلا إذا كان فقيرا فيجوز له تملكها بنية الصدقة
عن المالك بإذن الحاكم الشرعي كما ذكرنا.
وإذا وجد اللقطة في غير الحرم وكانت للقطة علامة
مائزة يمكنه أن يتعرف بسببها على المالك وجب عليه أن
يعرف بها مدة سنة كاملة من يوم الالتقاط، فإذا تمت السنة
مع التعريف ولم يعرف مالكها تخير بين أن يتصدق بها عن
المالك، وأن يبقيها في يده أمانة لمالكها يحفظها له كما
يحفظ ماله.
ويجوز له أن يتملكها، فإذا عرف صاحبها بعد ذلك فعليه
ضمانها له، فيردها عليه إذا كانت موجودة، ويرد عليه
مثلها إذا كانت تالفة، وليرجع إلى كتاب اللقطة في بقية
المسائل التي تتعلق بها.
[المسألة 48:]
إذا كان الانسان مدينا لأحد بمبلغ من الأوراق النقدية،
ثم ألغت الدولة اعتبار تلك الأوراق، وجب عليه أن يدفع
لدائنه قيمة ما عليه من الأوراق يوم التلف، وهو اليوم
الذي ألغي فيه اعتبارها وقبل أن تسقط عن المالية، من
غير فرق بين أن يكون الدين ثمنا لمبيع اشتراه منه في الذمة
أو وفاء مال استقرضه منه إلى أجل أو بدل عين ضمنها
له بالغصب أو بالاتلاف، أو بغير ذلك من أسباب شغل
الذمة بالمال، ولا اعتبار بالقيمة التي قد تكون لها بعد ذلك
عند بعض الناس الذين يقتنونها ويحتفظون بأمثالها لأنها
آثار أو للتاريخ أو للفن.
474

[الشوارع التي تفتحها الدولة]
[المسألة 49: -]
يجوز المرور في الشوارع والأرصفة والطرق التي
تفتحها الدولة أو توسعها من أملاك الناس ودورهم
ومحلاتهم، سواء أعوضت الدولة أهل الأملاك عما أخذته
منهم بالمال أم أخذته منهم بغير تعويض، وسواء أكانت
المحلات والدور مملوكة أم موقوفة، كالمساجد والحسينيات
والموقوفات العامة أو الخاصة، فيجوز للناس المشي
والاجتياز فيها بعد أن تصبح شوارع وطرقا وأرصفة
ولا فرق بين أن تكون أرض الشارع والرصيف قد بلطت
بالقير والزفت والاسمنت ونحوها أم لم تبلط.
[المسألة 50: -]
لا يجوز ابتياع ما يفضل عن الشارع من أرض الدور
والمحلات المملوكة إلا برضى أصحابها التي كانت لهم،
وإذا اشتريت أو بنيت محلات أو دكاكين أو غير ذلك بدون
رضى أصحابها فهي مغصوبة.
[المسألة 51: -]
ما يفضل عن الشارع من أرض المسجد المهدوم لا يخرج
عن كونه مسجدا وإن صغرت مساحته، وتجري عليه أحكام
المسجد، فلا يجوز تنجيسه، ويجب تطهيره إذا تنجس،
إلا إذا تعذر ذلك أو لزم منه الحرج، ويحرم مكث الجنب
والحائض والنفساء فيه.
475

[المسألة 52: -]
ما يبقى من الحسينية المهدومة للشارع إن أمكن جعله
حسينية صغيرة ينتفع بها على النحو الذي أراده الواقف
في أصل الوقف، وجب جعله كذلك، وإن لم يمكن ذلك، بحيث
زال عنه عنوان الحسينية، صح بيعه والمعاوضة عليه، وإن
أمكن انتفاع الوقف به في جهة أخرى، وكذلك إذا طرأ على
تلك الزيادة أحد المسوغات الأخرى لبيع الوقف، فيجوز
بيعها.
وكذلك الحكم في الموقوفات الأخرى العامة أو الخاصة
إذا أخذ منها للشارع، وبقيت منها فضلة، فإن أمكن
الانتفاع بهذه البقية على النهج الذي عينه الواقف في
أصل الوقف، تعين العمل بها كذلك، وإن لم يمكن ذلك
وعلم من الشواهد والقرائن أن مقصود الواقف مطلق
الانتفاع للجهة الموقوف عليها، صح أن تجعل هذه البقية
دكاكين أو محلات، تؤجر وتصرف حاصلاتها على الجهة
التي أرادها الواقف، وإذا طرأ أحد المسوغات لبيع الوقف
صح بيعها والمعاوضة عليها، ويلاحظ لبيان ذلك ما ذكرناه
في كتاب التجارة في مسوغات بيع الوقف.
[المسألة 53: -]
إذا جاز بيع ما يفضل من الحسينيات أو الموقوفات
الأخرى التي تهدمها الدولة للشوارع، فالمتولي لبيعها
هو الحاكم الشرعي أو وكيله، وإذا كان الوقف على
أشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط أن يرجع
في بيعه إلى كل من الحاكم الشرعي والموقوف عليهم.
476

[المسألة 54: -]
إذا بيع الموقوف أو عوض عنه بمعاوضة أخرى غير
البيع كالصلح ونحوه، فالأحوط أن يشتري بثمنه ملكا
ويقفه على نهج الوقف الأول.
[المسألة 55: -]
يجوز المرور في الشارع الذي تتخذه الدولة أو توسعه
من مقبرة المسلمين، سواء أكانت المقبرة عامة في البلد أم
خاصة بفرد أو أسرة، وسواء أكانت مملوكة سبلها
مالكها ليدفن فيها المسلمون موتاهم، أم موقوفة عليهم
لذلك، أم مباحة، والأحوط ترك المرور والاستطراق في
الشارع حتى تسوى أرضه وتهدم الشواهد والعلامات
والأبنية التي تكون للقبور.
[المسألة 56: -]
إذا استملكت الدولة قسما من مقبرة المسلمين، فأخذت
بعضه للشارع، وبقيت منه فضلة أرادت أن تجعلها دورا
أو حوانيت ومحلات، فإن كان الموضع خاليا من القبور،
وكانت المقبرة مباحة جاز للانسان أن يتملك الموضع ويجعله
دارا أو محلا، وإذا كان الموضع محجرا لم يجز تملكه إلا
بإذن صاحبه الذي حجره لنفسه، وإذا كان الموضع يحتوي
على قبور ومدافن للموتى، لم يجز تملكه حتى تبلى أجساد
الموتى المدفونة فيه وتتلاشى.
وإذا كانت المقبرة مملوكة، لم يجز لأحد تملك شئ منها
إلا برضى مالكها، سواء كان الموضع الذي يريد تملكه
477

خاليا من القبور أم لا، وإذا كان الموضع يحتوي على قبور
ومدافن للموتى لم يجز تملكه وإن رضى مالكها الأول وإذا
كانت المقبرة موقوفة وكانت الفضلة خالية من القبور جرى
فيها حكم الزيادة من سائر الموقوفات، وقد تقدم بيانه في
المسألة الثانية والخمسين، وإذا كان الموضع يحتوي على
قبور، لم يجز بيعه، وإن طرأ عليه بعض مسوغات بيع
الوقف.
[المسألة 57: -]
لا يجوز أن يستولي الانسان على شئ من مقبرة
المسلمين ليتخذ منه دارا أو محلا أو حانوتا، ويمنع
المسلمين من الدفن فيها، وخصوصا إذا كان الموضع الذي
يريد الاستيلاء عليه يحتوي على قبور للموتى، فإنها بعد
أن جعلت مقبرة واعتبرت كذلك يكون حق الدفن فيها عاما
لمن يريد الدفن فيها من المسلمين، فلا يجوز منعهم من هذا
الحق، بل تكون الأرض ذاتها متعلقا لحقهم، فيكون
الاستيلاء عليها لغير الدفن غصبا محرما، وإن كان
الموضع خاليا من القبور بالفعل، وإذا دفن أحد فيه كان
موضع جسد ذلك الميت المسلم ملكا له ما لم يبل جسده
ويتلاش ويصبح معدوما، فلا يجوز تملك الموضع قبل ذلك
فإنه اغتصاب محرم.
[المسألة 58: -]
إذا منعت الدولة من الدفن في المقبرة، أو ترك الدفن
فيها لبعض الموانع الأخرى وكانت المقبرة مباحة، جاز
الاستيلاء على المواضع الفارغة منها من القبور، وجاز
478

اتخاذها دورا ومحلات للسكنى والإجارة، وسقط حكم
التحجير إذا كانت محجرة للدفن.
وإذا كانت مملوكة، فالأمر فيها لأربابها، وإذا كانت
موقوفة جرى في المواضع الفارغة منها حكم الموقوفات
المتقدم بيانه.
وأما مواضع القبور فلا يصح تملكها قبل أن تبلى
الأجساد المدفونة فيها وتتلاشى، سواء كانت المقبرة مباحة
أم مملوكة أم موقوفة.
[اليانصيب]
وهو وسيلة تستخدمها بعض الشركات والمؤسسات
لمساعدة مشاريع تقوم بها أو تتبناها، وهذه المشاريع
قد تكون انسانية أو خيرية، وقد لا تكون كذلك.
فتطبع الشركة أو المؤسسة باسمها وبشعارها الخاص بها
أوراقا متسلسلة الأرقام تدعو فيها إلى مساندة المشروع
الذي تريد، وتجعل للورقة ثمنا خاصا من النقد، تبيع
الورقة به، على من يريد الاشتراك في المساعدة، وتتعهد
الشركة أو المؤسسة بها ستقرع بين المشتركين الذين
يشترون هذه الأوراق ويدفعون أثمانها، فمن تعينه القرعة
منهم، فإن الشركة تدفع له جائزة من المال، قدرها
(كذا دينارا)، وقد تجعل الجوائز متعددة، فللفائز الأول
جائزة أولى بمبلغ (كذا)، وللفائز الثاني جائزة ثانية
بمبلغ (كذا)، وهكذا بحسب ما يقتضيه اهتمام الشركة
بالمشروع، وسعة دائرة الاشتراك، وكثرة ثمن الورقة،
479

وقد تكون الجائزة جهازا معينا مثلا، أو سيارة من فئات
خاصة أو غير ذلك من الأمور المرغوب فيها بين الناس.
والشركة تعلن عن تعهدها بذلك في أوراق اليانصيب،
وتوزعها على من يريد الاشتراك في الصفقة، فعلى الفرد
منهم أن يدفع الثمن المعين للورقة، وعلى الشركة أو الموزع
أن يدفع له الورقة ذات الرقم الخاص بها، وعلى المشترك
أن يحتفظ بالورقة وبالرقم المعين فيها، لتكون سندا له
إذا واتاه النصيب فعينته القرعة من بين ألوف
المشتركين.
[المسألة 59: -]
السبيل لتصحيح هذه العملية أن يدفع المشترك القيمة
المعينة لورقة اليانصيب، بقصد التبرع للمشروع،
وخصوصا إذا كان انسانيا أو خيريا، ولا يقصد به شراء
الورقة لما سنذكره في المسألة الآتية، فإذا عينت القرعة
اسمه بعد ذلك، ودفعت له الجائزة فإن كانت الشركة أهلية
جاز له قبول الجائزة منها، فإن الشركة تدفع إليه مالها
برضاها، ولا مانع من قبوله، وإن كانت مؤسسة حكومية،
كان المال المدفوع إليه من مجهول المالك فتتوقف إباحته له
على استيذان الحاكم الشرعي أو وكيله.
[المسألة 60: -]
ليست ورقة اليانصيب عملة ورقية تعتبرها الدولة نقدا،
أو شيئا تتوقف عليه مصلحة عامة ملحوظة للدولة وللناس
على السواء كطوابع البريد وطوابع المال، فتكون من
أجل ذلك لها قيمة مالية، وليست لها في نفسها قيمة تذكر،
480

ولذلك فيكون شراء المشترك إياها بالثمن المحدد لها معاملة
سفهية، وإذا هو اشتراها لاحتمال أن يفوز بسببها
بالحصول على الجائزة التي تدفعها الشركة كانت المعاملة
غررية، وقد تكون في بعض صورها ربوية وعلى أي
الحالين فالمعاملة عليها باطلة لا تنفذ.
[البنوك]
تنقسم البنوك المعروف وجودها في بلاد المسلمين إلى
عدة أصناف:
1 - بنوك أهلية، وهي التي يقوم بانشائها جماعة من أهل
البلاد المسلمين، فيشترك كل واحد منهم بدفع سهم
واحد أو أكثر من المال الذي أرادوا جمعه لتمويل البنك،
حتى يجتمع من مجموع هذه السهام رأس المال المحدد،
أو المفتوح لكل من يريد الاشتراك، ويؤسس منه البنك
ليقوم بأعماله وحركته الاقتصادية كسائر البنوك،
وقد يشترك معهم غير المسلم في المساهمة، وهذا لا
يعني أن البنك أصبح لغير المسلمين بعد أن كان الأكثر
منهم، فلا يختلف الحكم بذلك، وتقسم الأرباح بين
المشتركين على نسبة ما يملكه المشترك من السهام
في رأس المال.
وقد يتفق أن يكون البنك الأهلي كله لشخص واحد
فيضع هو رأس ماله ويقوم بتأسيسه وتمويله وتكون
له أرباحه.
2 - بنوك حكومية، وهي التي تؤسسها الحكومات المسلمة
في البلاد، فهي التي تضع رأس المال وتنشئ المؤسسة،
481

وتعين موظفيها وعمالها، وتشرف على حركتها،
وتقوم باللوازم التي تحتاج إليها المؤسسة في نشاطها
وبقائها.
3 - بنوك مشتركة بين الأهلين والحكومة، فيسهم كل
منهما بمقدار من رأس المال، وعلى ذلك يتم الانشاء
وتسير الأعمال وتقسم الأرباح.
4 - وقد تفتح في البلاد فروع لبنوك مسلمة ولكنها أجنبية،
فرأس مالها ومؤسسوها من بلاد مسلمة أخرى، وهي
كذلك أهلية، وحكومية، ومشتركة، ولا يختلف حكم
هذه عما تقدم، فللأهلية منها حكم البنوك الأهلية
في البلاد، وللحكومية والمشتركة حكم نظيرها في
البلاد، وكذلك إذا جرت المعاملة مع هذه البنوك في
بلادها.
5 - وقد تفتح في البلاد فروع لبنوك غير مسلمة، فتكون
رؤوس أموالها لغير المسلمين حكومية أو أهلية أو
مشتركة، وتقوم بأعمالها وحركتها الاقتصادية
كسائر المؤسسات في البلد.
والخط الذي تسير عليه هذه الأصناف كلها متحد في
الغالب، وهو أخذ الفائدة من العميل حين يقترض من
البنك مبلغا من المال، ودفع الفائدة إليه حين يقرض
البنك ويودع ماله فيه، فيسأل الناس عن أخذ هذه
الفوائد أو دفعها إلى البنك، وهي من الربا المحرم في
شريعة الاسلام، ويسألون عن أعمال يقوم بها البنك
في حركته الاقتصادية لمساعدة عملائه ويأخذ منهم
482

بإزاء ذلك شيئا معينا من المال، ويسألون عن أمور
تشابه ذلك في معاملة البنك مع الناس ومعاملتهم معه.
6 - وقد تفتح بنوك ومصارف اسلامية، ومثل هذه
المؤسسات لا ينبغي السؤال عنها، فإن هذه
المؤسسات إذا كانت اسلامية كما تقول، فإن معنى
ذلك أنها تسير على الخط الذي وضعته الشريعة
الاسلامية للاقتصاد والعمل فيه، فهي لا تعترف بالربا
المحرم ولا تتعامل به ولا تقترب من الأموال المحرمة
في الاسلام، ولا من الأعمال المحرمة فيه أبدا.
وإذا كان الأمر كما تقول، فلا اشكال في صحة التعامل
معها.
[مع البنك الأهلي]
[المسألة 61: -]
لا يجوز الاقتراض من البنك بشرط الزيادة، لأن ذلك
من الربا المحرم، ولا فرق في هذا الحكم بين البنك الأهلي
وسائر البنوك والمؤسسات والمقرضين، وإنما ذكرنا
النبك الأهلي لأنه مورد حديثنا في المقام، وإذا كانت
المعاملة مع النبك الأهلي أو ما يشبهه من المؤسسات
والمتاجر الأهلية، والمقرضين فيمكن التخلص من الربا
بأحد هذه الوجوه الآتي بيانها: -
1 - أن تجري المعاملة بصورة البيع، فيشتري الشخص
من البنك بضاعة لها قيمة معينة بأكثر من قيمتها
بمقدار الفائدة التي يطلبها البنك، فيشتري منه سلعة
قيمتها مائة دينار مثلا بمائة وعشرة دنانير إلى مدة
483

سنة، فإذا قبض العميل السلعة من البنك وتملكها
بالبيع باعها منه أو من غيره بمائة دينار نقدا، فيكون
قد قبض مائة دينار نقدا واشتغلت ذمته للبنك بمائة
وعشرة دنانير إلى سنة.
2 - أن يشتري العميل من البنك سلعة قيمتها عشرون
دينارا مثلا بثلاثين دينارا حالة أو مؤجلة، ويشترط على
البنك في عقد البيع: أن يقرضه مائة دينار من غير فائدة
إلى مدة سنة، فإذا تم البيع وأقرضه البنك مائة دينار وفاء
بالشرط كان للبنك في ذمة العميل مائة دينار عوض
القرض وحصل منه على الفائدة بالربح من قيمة المبيع.
3 - أن يبيع العميل على البنك سلعة بأقل من قيمتها
المعروفة لها بمقدار الفائدة ويشترط على البنك في عقد
البيع أن يقرضه المبلغ المعين بينهما مثلا بمثل إلى مدة
سنة فإذا تم البيع وقبض البنك السلعة وتم القرض كما
اشترط كان القرض قد تحقق من غير فائدة، وملك
البنك الفائدة بالربح من السلعة المبيعة.
4 - أن يقرضه البنك المبلغ الذي أراده ولا يشترط عليه
الزيادة، ويهب المقترض مقدار الفائدة للبنك هبة مستقلة
لا دخل لها في القرض، فلا يكون ذلك من الربا وللعميل
أن يهب مقدار الفائدة للبنك أولا ويشترط عليه في عقد
الهبة أن يقرضه المبلغ إلى المدة المعينة مثلا بمثل، فإذا
أقرضه كما اشترط حصلت النتيجة المتقدمة من غير ربا.
484

5 - إذا كان المبلغ الذي يريد الشخص أن يقترضه من البنك
من الأوراق النقدية وكان من الصنف الذي تعتمد
الدولة في اصداره واعتباره على الثروة الطبيعية في
بلادها، فيصح للبنك أن يبيع على الشخص المقدار الذي
أراده بمثله مع الزيادة. فيبيع عليه مائة دينار معينة
مما يملكه البنك بمائة وعشرة دنانير تبقى في ذمته إلى
مدة سنة، فتصح المعاملة بيعا لا قرضا ولا يكون ذلك
من الربا المحرم في المعاملة لأن الثمن والمثمن ليسا
من المكيل والموزون، وقد بينا هذا في مبحث الأوراق
النقدية في المسألة الثانية والأربعين.
[المسألة 62: -]
الوديعة هي المال الذي يتركه الانسان عند غيره لينوب
عنه في حفظه من التلف والسرقة وغيرهما، وعقد
الوديعة هو الايجاب والقبول الذي يستنيب به الرجل
صاحبه في حفظ وديعته، فيقبل صاحبه منه هذه الاستنابة
وهذا الايتمان.
فالوديعة في حقيقتها أمانة بيد المؤتمن يجب عليه حفظها،
ولا يجوز له التصرف فيها ولا التفريط فيها وفي حفظها،
ويكون صدور ذلك منه موجبا لضمانها إذا تلفت أو سرقت
أو تعيبت، وهي بغير تعد ولا تفريط لا تكون مضمونة
على الأمين، فإذا تلفت عنده أو سرقت لم يجب عليه دفع
بدلها، وإذا تعيبت لم يجب عليه دفع أرشها.
وإذا تصرف المستودع فيها، فباع واشترى وربح لم يصح
ذلك إلا بإجازة المالك وإذنه، وإذا أجاز، فالأرباح كلها لمالك
الوديعة، ولا يستحق المستودع منها شيئا.
485

هذه هي الوديعة، وتفصيل هذا المجمل من أحكامها يراجع
في كتاب الوديعة وكتاب البيع من الفقه الاسلامي، وهذه الأحكام
واللوازم لا تتفق مطلقا مع الوديعة المعروفة في
البنوك، فإن الوديعة في نظام البنوك - بعد أن يتم ايداع
المبلغ من العميل - تكون ملكا للبنك الذي أودعت فيه،
يعمل فيها ما يشاء وتكون أرباحها له، ولا يستحق المودع
منها شيئا، غير الفائدة التي يدفعها له البنك، سواء كان
الايداع ثابتا أم متحركا.
ويراد بالايداع الثابت أن تكون للوديعة مدة معينة بين
العميل والبنك، فلا يلزم البنك بوضعها تحت طلب صاحبها
قبل أن تنتهي المدة المعينة، ولا يحق لصاحب الوديعة أن
يطلبها من البنك أو يطلب شيئا منها قبل انتهاء المدة،
والايداع المتحرك أن يكون البنك ملزما بوضع المبلغ تحت
طلب المودع فيدفع له منه ما أراد متى أراد.
ومعنى ما تقدم أن صاحب الوديعة قد ملك البنك المبلغ الذي
أودعه إياه، فيكون للبنك حق التصرف فيه وتكون الأرباح
له، وإن على البنك أن يدفع عوض المبلغ للمالك بعد انتهاء
المدة أو عند الطلب، وإذن فهو اقراض للبنك وإن سمي في
نظام البنوك ايداعا، والفائدة التي يدفعها البنك لصاحب
المال إنما هي فائدة للقرض.
[المسألة 63: -]
لا يجوز للشخص أن يقرض البنك بشرط الزيادة، وقد
تقدم في المسألة السابقة إن الايداع في البنك إنما يعني
اقراضه، فإذا كان الايداع بشرط الزيادة كان محرما
486

سواء كان شرط الزيادة صريحا أم ضمنيا، بأن يكون ذلك
معلوما لكل من الطرفين وقد تبانيا في عقد القرض بينهما
عليه، وإن لم يذكراه صريحا، فتكون الزيادة المشترطة
ربا محرما.
ويمكن لهما التخلص من الوقوع في الربا بأحد الوجوه
التي تقدم بيانها في المسألة الحادية والستين.
ولا يحرم اقراض البنك والايداع فيه إذا لم تشترط فيه
الزيادة، أما بأن يصرح المقرض والمودع لصاحب البنك
أو وكيله المفوض بأنه لا يريد الفائدة، وأما بأن يبني في
نفسه على عدم الزيادة، وأنه يرد الفائدة إلى صاحب البنك
أو وكيله إذا دفعت إليه.
[تنبيه: -]
إذا أراد العميل أن يجري أحد الوجوه المتقدمة للتخلص
من الربا في اقتراضه من البنك أو في اقراضه أو ايداعه،
فلا بد وأن يجري المعاملة مع صاحب البنك أو مع وكيله
المفوض، ولا يكفي أن يجريها مع أحد الكتاب أو الموظفين
في البنك إذا لم يكن مفوضا من المالك.
وقد ذكرنا في ما تقدم إن البنوك الأجنبية إذا كان
مؤسسوها ومالكوا رأس مالها من الأهالي المسلمين فلها
حكم البنوك الأهلية المسلمة في البلاد فتجري فيها الأحكام
السابقة في القرض والاقراض والايداع.
487

[البنك الحكومي]
[المسألة 64: -]
لا يجوز الاقتراض من البنك الحكومي بشرط الزيادة،
لأنه من الربا المحرم، كما تقدم في البنك الأهلي، ولا تجري
الوجوه التي ذكرناها للتخلص من الربا مع البنك الأهلي،
ويجوز للشخص أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك
فيباح له التصرف فيه بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله
المأذون من باب المال المجهول مالكه. فإذا انتهت المدة
المضروبة وطالبه البنك بتسديد العوض دفع إليه المبلغ مع
الزيادة القانونية، إذا لا يمكنه التخلف عن ذلك قانونا.
[المسألة 65: -]
لا يجوز اقراض البنك أو الايداع فيه بشرط الزيادة
فهو من الربا المحرم، وله أن يودع المال فيه ولا يشترط
الزيادة بأن يبني في نفسه على عدم الزيادة، وإذا دفع
البنك المبلغ إليه مع الفائدة عند المطالبة بالوديعة أو بمال
القرض جاز له أن يأخذهما منه بإذن الحاكم الشرعي كما
تقدم في المسألة السابقة.
وكذلك الحكم مع البنك الحكومي لبلد مسلم آخر فتجري
فيه أحكام المسألتين.
[المسألة 66: -]
تجري الأحكام المتقدمة في المسألتين السابقتين في
البنك المشترك بين الحكومة والافراد في كل من الاقتراض
والاقراض والايداع، فيراعى تطبيقها على النهج المتقدم
بيانه، وكذلك البنوك المشتركة بين الحكومة والافراد
المسلمين من بلاد أخرى.
488

[بنوك غير المسلمين]
[المسألة 67: -]
لا يجوز للمسلم أن يقترض من بنوك الكفار بشرط
الزيادة، فإن حرمة الربا تشمل المعاملة التي تقع بين
المسلم والكافر، إذا كان الدافع للفائدة هو المسلم. وإذا
كان البنك الذي يراد الاقتراض منه أهليا، فيمكن للمسلم
أن يتخلص من الوقوع في الربا معه بأحد الوجوه التي تقدم
بيانها في المسألة الحادية والستين.
[المسألة 68: -]
يجوز للمسلم أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك
الحكومي أو البنك المشترك من بنوك الكفار لا بعنوان
الاقتراض، ولا يحتاج في إباحة التصرف فيه إلى إذن
الحاكم الشرعي، وإذا انتهت المدة التي عينها البنك
وطالبه بالعوض والفائدة ولم يمكنه إلا التسديد جاز له
أن يدفعهما للبنك.
[المسألة 69: -]
يجوز للمسلم أن يقرض بنوك الكفار وأن يودع ماله
فيها بشرط الفائدة، ويجوز له أخذ الفائدة منها، فإنه لا
ربا بين المسلم والكافر إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الفائدة
سواء كان البنك أهليا أم حكوميا أم مشتركا.
[المسألة 70: -]
يجوز للمسلم أخذ الفائدة من الكافر، سواء كان الربا
في معاملة أم في قرض إذا كان الكافر غير ذمي، والأحوط
لزوما عدم جواز المعاملة الربوية والقرض الربوي بين
489

المسلم والذمي، ولكن إذا جرى ذلك بينهما، جاز للمسلم
أن يأخذ الفائدة إذا كان دين الذمي يبيح ذلك، لقاعدة
الالزام.
[التوفير]
[المسألة 71: -]
التوفير هو أن يودع الشخص ماله في البنك أو في
مؤسسة أخرى بشرط الفائدة وبقصد توفير المال وحصول
الربح عليه، فهو نوع من الايداع وقد تقدم بيان حكمه.
فإذا كان البنك الذي يريد الشخص اجراء المعاملة معه
أهليا مسلما لم يجز ذلك، إلا إذا أجريت المعاملة معه على
أحد الوجوه التي تقدم بيانها للتخلص من الربا.
وإذا كان حكوميا أو مشتركا بين الحكومة والافراد
المسلمين، لم يجز ذلك ولكن إذا حصل الايداع، ودفع البنك
إليه الفائدة، فله أن يأخذها بإذن الحاكم الشرعي من باب
المال المجهول مالكه.
وإذا كان من بنوك غير المسلمين جاز للمسلم الايداع
فيه بقصد التوفير وجاز له أخذ الفائدة من البنك، وهكذا
حكم التوفير في المؤسسات الأخرى التي قد تتبنى هذا
المشروع، فالمؤسسة الأهلية إذا كان مالكها مسلما، لها
حكم البنك الأهلي، والمؤسسة الحكومية لها حكم البنك
الحكومي، والمؤسسة التي يكون مالكها كافرا أو تكون
لحكومة كافرة يكون لها حكم بنك غير المسلمين.
490

[السحب على المكشوف]
[المسألة 72: -]
الحساب الجاري في نظام البنوك هو أن يحق للشخص
أن يسحب من البنك أي مبلغ يريد، وهذا الحق ثابت لكل
شخص يملك رصيدا في البنك، بشرط أن لا يزيد المبلغ الذي
يريد سحبه على الرصيد إلى يملكه في البنك، وبشرط أن
لا يكون ايداعه ثابتا فإن هذا لا يحق سحبه من البنك قبل
أن تنتهي المدة المعينة في ايداعه وقد يكتسب بعض الأفراد
ثقة خاصة عند البنك، فيسمح له أن يسحب مبلغا يزيد على
رصيده المودع في البنك، أو يسحب مبلغا أو مبالغ
معينة، ولا رصيد له في البنك، ويسمي هذا: (السحب على
المكشوف)، ولكنه يحتسب على الشخص فوائد علي المبلغ
أو المبالغ التي يسحبها من غير رصيد.
ولا شك في أن هذه الفوائد التي يحتسبها عليه من الربا
في القرض وهو محرم في الاسلام ويمكن التخلص من ذلك
إذا أجريت المعاملة على أحد الوجوه التي ذكرناها للتخلص
من الربا، وهذا إذا كان البنك للأهالي المسلمين، وإذا كان
حكوميا أو مشتركا روعي ما ذكرناه في المسألة الرابعة
والستين.
[التحويل]
[المسألة 73: -]
قد يكون للشخص رصيد مالي في بنك البلد، ويحتاج
إلى مبلغ من المال يستلمه هو أو وكيله على بنك في بلد آخر، فيعطيه
البنك صكا يحوله به أو يحول وكيله على بنك البلد الآخر،
ليدفع له المبلغ الذي يريد، ويأخذ من الشخص مقدارا
معينا من المال، ويصح ذلك بأحد وجوه:
491

1 - أن يحول البنك عميله على البنك الآخر بالمبلغ المعين
وفاء لدين العميل الثابت على البنك، ويأخذ البنك الزيادة
منه: لأنه قام له بخدمة تستحق المكافأة، فتكون الزيادة
أجرة له على العمل، أو جعالة له من العميل، ولأنه قام
بتسديد الدين في بلد آخر كما طلب العميل منه، وكان
من حقه أن لا يجيبه إلى ذلك، ولا سيما إذا كان التسديد
من عملة أخرى.
2 - أن يبيع البنك المبلغ المعين - إذا كان من الأوراق
النقدية - على العميل، بمقداره من العملة مع الزيادة
التي يطلبها البنك، ويحوله على بنك البلد الآخر ليقبض
منه المبيع، ويتقاضى البنك الثمن من رصيد العميل
الموجود في البنك.
3 - أن يحضر البنك المبلغ المطلوب من الأوراق النقدية،
ويضيف إليه الزيادة التي يطلبها البنك، ويدفع جميع
ذلك للعميل وفاء لبعض دينه على البنك، فإذا قبضه
العميل وتملكه من البنك، باع الجميع على البنك بمقدار
المبلغ بدون زيادة، بشرط أن يحوله بالثمن على البنك
الآخر فتصح المعاملة والتحويل ويملك البنك الزيادة
المذكورة، ولا فرق في هذه الصورة وسابقتها بين أن
يكون المبلغ المحول به من العملة نفسها أو من عملة
ورقية أخرى.
492

[المسألة 74: -]
قد يطلب الشخص من البنك أن يدفع له قرضا بمبلغ
معين في بلد آخر، ويجيبه البنك إلى ذلك، فيحوله بالمبلغ
الذي يطلبه على بنك ذلك البلد الآخر، ويأخذ منه زيادة
معينة بإزاء هذه الخدمة التي يقوم بها، فتكون الزيادة
أجرة له على العمل ويصح أن يجعلها الشخص جعالة له
على ذلك ولا سيما إذا كان المبلغ المحول به من عملة أجنبية
عن عملة بلد البنك المحيل.
ويمكن أن تجري المعاملة بينهما بنحو البيع، فيحضر
البنك المبلغ الذي أراده العميل وتضاف إليه الزيادة التي
يريدها البنك ويقرض جميع ذلك للعميل فإذا قبضه العميل
وتملكه باعه على البنك بمقدار المبلغ بدون الزيادة واشترط
عليه أن يحوله بالثمن على البنك الآخر، فيتم القرض ويصح
البيع والتحويل ويملك البنك الزيادة.
[المسألة 75: -]
قد يدفع الشخص إلى البنك مبلغا من المال، ويطلب منه
تحويله بهذا المبلغ على بنك في بلد آخر، فيقوم البنك له
بهذه الخدمة، فيحوله بالمبلغ على البنك الذي أراد، ويأخذ
منه مقدارا من المال، فيصح هذا التحويل، ويستحق البنك
هذه الزيادة لقيامه بهذه الخدمة، أما بأن يعتبرها الشخص
أجرة له على عمله أو جعالة، ولا سيما إذا كان التحويل
بعملة أجنبية غير العملة التي دفعها للبنك.
1 -
ويمكن أن تجرى المعاملة بنحو البيع، فيضيف
الشخص الزيادة التي يطلبها البنك إلى المبلغ الذي
493

بيده، ويبيع المجموع على البنك بمقدار المبلغ بدون
الزيادة، بشرط أن يحوله البنك بالثمن على بنك البلد
الآخر.
2 - ويصح للشخص أن يدفع المبلغ الذي بيده إلى البنك
بعنوان القرض، فيحوله على البنك الآخر بالمبلغ وفاءا
بدينه، ويأخذ البنك الزيادة من الشخص، ولا يكون
ذلك من الربا المحرم في القرض، فإن المحرم في القرض
هي الزيادة التي تؤخذ فيه لمصلحة الدائن، والزيادة
ها هنا إنما يأخذها البنك وهو المدين، فلا يشملها
التحريم.
[المسألة 76: -]
قد يعلم البنك أن لهذا الشخص رصيدا ماليا في بنك
آخر، وليس لذلك البنك فرع أو معاملة في هذا البلد
فيقرض البنك ذلك الشخص مبلغا من المال، ويحوله
الشخص بالمبلغ على البنك الآخر الذي أودعه ماله، فيصح
هذا القرض وهذا التحويل ويجوز للبنك أن يأخذ من
الشخص زيادة معينة أجرة أو جعالة لقيامه بهذه الخدمة،
ولأنه قبل من الشخص أن يقوم بتسديد الدين في بلد آخر.
[المسألة 77: -]
صك البنك يعني ورقة خاصة يحول فيها العميل حامل
الصك (زيد ابن عمرو) على البنك بالمبلغ المذكور في
الصك، وهو يأمر فيه البنك بأن يدفع المبلغ المعين لحامل
الصك، ويجريه من رصيده الموجود في البنك، وقد يكون
الصك تحويلا للشخص من البنك على بنك آخر في البلد
494

أو في الخارج.
وقد لا يتمكن الشخص الذي سجل باسمه التحويل من
استلام المبلغ بنفسه من البنك المعين، فيرجع في ذلك إلى
تاجر، أو إلى مصرف أو بنك آخر، ويوقع له في ظهر
الصك، ويدفع له البنك أو المصرف أو التاجر ذلك المبلغ
المعين، ويقبض منه الصك ليستلم ما فيه من البنك الذي
عليه التحويل، عوضا عما دفعه لحامل الصك ويتقاضى
بإزاء ذلك مقدارا معينا من المال من ذلك الشخص.
وتصح المعاملة بأن يحضر البنك الذي تجري معه المعاملة
مبلغا من المال يساوي المبلغ المحول به في الصك، ويبيعه
على حامل الصك بمقداره مع الزيادة التي يطلبها منه، فإذا
تم البيع وقبض الشخص جميع المبيع، دفع الشخص إلى
البنك مقدار الزيادة وهو بعض الثمن، ودفع إليه الصك
بعد أن يوقع في ظهره، ووكله في أن يستلم بالنيابة عنه
ما في الصك من البنك المحول عليه، ثم يقبضه لنفسه بقية
للثمن في المعاملة.
ويمكن للبنك أن يدفع له ما يساوي المبلغ المذكور في الصك
قرضا بدون زيادة ويدفع الشخص إليه الصك ويوكله في
أن يقبض بالنيابة عنه ما في الصك من البنك المحول عليه،
ثم يقبضه لنفسه وفاء للقرض، ويهبه الشخص مقدار
الفائدة هبة مستقلة لا دخل لها في عقد القرض كما ذكرنا
في المسألة الحادية والستين.
ويمكن أن تجري كذلك بعض الوجوه المذكورة هناك
لتصحيح المعاملة بصورة القرض.
495

[المسألة 78: -]
قد يكون الانسان مدينا لأحد البنوك في خارج البلاد أو
لإحدى الشركات هناك بمبلغ من المال، فيدفع إلى بنك بلده
ما يساوي ذلك المبلغ من نقد بلده ويطلب منه أن يحيل
دائنه بالمبلغ المذكور على فرعه الموجود في بلاد الدائن أو
على وكيله هناك، فيكتب له صكا بتحويل الدائن بالمبلغ
كما أراد.
فيكون العميل قد حول دائنه على بنك بلده بالمبلغ المعين،
ثم يكون البنك قد حول هذا الدائن على فرعه في تلك البلاد
أو على وكيله هناك بالمبلغ أو بما يعادله من عملة بلاد
الدائن. ولا ريب في صحة المعاملة، ويجوز للبنك المحيل أن
يأخذ من العميل شيئا من المال بإزاء ذلك. فإن من حق
البنك أن يمتنع من تسديد دينه في بلد آخر وبغير تلك العملة
ويضاف إلى ذلك أن الفائدة المعينة إنما يأخذها البنك وهو
المدين فلا يشملها دليل تحريم الربا، فإنه الفائدة التي
تكون للدائن كما ذكرنا سابقا.
496

[تحصيل الصكوك والأوراق التجارية]
[المسألة 79: -]
قد يستلم الانسان صكا من بعض معامليه أو من بعض
المصارف يحوله فيه على أحد البنوك بمبلغ معين من المال
في بلده أو في الخارج، ولا يرغب ذلك الانسان أن يحصل
ما في الصك بنفسه، فيدفع الصك إلى البنك الذي يتعامل
معه، ليقوم بتحصيل المبلغ، فيتصل البنك بالبنك المحول
عليه ويذكر له الصك، ورقمه وتاريخه ومصدر التحويل،
وحامل الصك والمبلغ المحول به، وغير ذلك، حتى يحصل
المبلغ لعميله، ويدونه في حسابه أو يدفعه إليه نقدا،
ويتقاضى على ذلك عمولة معينة.
ولا ريب في صحة هذه المعاملة، فإن حامل الصك حين
دفع الصك إلى البنك يكون قد وكله على تحصيل ما فيه
وايصاله إليه، ويكون قد استأجره على أن يقوم له بهذا
العمل، فيكون المبلغ الذي يأخذه البنك منه أجرة مثلية له
على العمل، أو يكون دافع الصك قد جعل ذلك المبلغ جعالة
له على هذه الخدمة.
[المسألة 80:]
قد تكون للانسان ديون مالية على بعض الناس، ولديه
أوراق تجارية (كمبيالات) تثبت هذه الديون عليهم
وتعين مقاديرها ومواعيد استحقاقها، فإذا قرب ميعاد
استحقاق الدين في بعض الأوراق، دفع الورقة:
(الكمبيالة) إلى البنك ليقوم له بتحصيلها.
فيرسل البنك إلى الشخص المدين اخطارا قبل حلول الموعد
497

يذكر له فيه المبلغ والدائن وتأريخ الورقة وتاريخ
استحقاقها، وإن الدائن قد دفع الورقة إلى البنك ليقوم
بتحصيلها، ليكون على علم من جميع ذلك، فإذا حل موعد
الاستحقاق طالبه بالمبلغ، فإذا حصل منه المبلغ أدرجه في
حساب الدائن إذا رغب في ذلك أو دفعه إليه نقدا، وأخذ
من الدائن عمولة معينة على عمله.
ولا ريب في صحة المعاملة، فإن الدائن حين قدم الورقة
إلى البنك يكون قد وكله على مطالبة المدين وقبض المبلغ
منه وايصاله إليه وقد استأجره على ذلك أو جعل له جعالة
عليه، فتكون العمولة التي يأخذها البنك أجرة مثلية له
على الوجه الأول، وجعالة على الوجه الثاني.
[ملاحظة: -]
إنما يحكم بصحة العملية المذكورة من البنك، وجواز
أخذه الأجرة أو الجعالة عليها: إذا طالب البنك بالدين
وحده وحصله للدائن، ولا تصح العملية إذا هو طالب
بالمبلغ وبفوائده الربوية.
[المسألة 81: -]
تتضمن (الكمبيالة) بحسب المعتاد اعتراف المدين
للدائن بالمبلغ المعين فيها، وأنه ملزم بوفائه بعد المدة
المعينة، وقد تتضمن بالإضافة إلى ذلك، أن للبنك عند حلول
موعد الاستحقاق أن يقتطع المبلغ المذكور من حسابه
الجاري في البنك، ويدفعه للدائن نقدا أو يدخله في حسابه
الجاري في البنك.
ومعنى هذا التخويل للبنك: أن المدين قد حول دائنه
498

على البنك بالمبلغ ليدفعه له من رصيد المالي الموجود فيه،
فيلزم على البنك في هذه الصورة أن يقوم بذلك، ولا يجوز
له أن يأخذ بذلك عمولة من الدائن، لأن البنك إنما يسدد
بذلك دينه.
وكذلك إذا حول المدين دائنه على البنك بصك غير
الكمبيالة أو بلسانه إذا اعتمد البنك على ذلك. وإنما
تصح المعاملة على الوجه المتقدم في المسألة السابقة إذا
لم يكن للمدين رصيد مالي في البنك أو لم يحول دائنه
على البنك بالمبلغ وإن كان يملك فيه رصيدا.
[بيع الأسهم والسندات]
[المسألة 82: -]
قد تحتاج شركة مساهمة إلى بيع بعض سهامها، كما
إذا استقال أحد الأعضاء منها، وكما إذا كان بعض
الأعضاء يملك في الشركة أكثر من سهم واحد، واحتاج
إلى بيع بعض سهامه، وقد تحتاج الشركة إلى بيع بعض
السندات، كما إذا كانت لها أوراق تجارية تثبت لها ديونا
مؤجلة على بعض المتعاملين معها، واحتاجت إلى نقد حاضر.
قد تحتاج الشركة إلى ذلك، فتوسط البنك في بيع هذه
الأشياء فيعلن البنك ذلك لعملائه، ويتولى البيع عن
الشركة، ويأخذ منها عمولة يتفقان عليها.
وتصح المعاملة إما بأن تهب الشركة للبنك مقدار المعمولة
المتفق عليها، وتشترط عليه في عقد الهبة أن يبيع لها
الأسهم والسندات المعينة، وإما بأن تستأجره على بيع
الأسهم والسندات، وتدفع له مقدار العمولة المعينة بدلا عن
499

الايجار، وإما بأن تدفع له مقدار العمولة جعالة له إذا قام
بالبيع، وإنما يستحق البنك المبلغ المحدد منها، هبة أو
أجرة أو جعالة إذا حصل منه البيع بالفعل، ولا يستحق
ذلك بمجرد التصدي والاعلان.
[المسألة 83: -]
إنما تصح المعاملة بأحد الوجوه المتقدم بيانها، إذا لم
تكن المعاملات التي تقوم بها الشركة، والحصص التي
تسهم فيها، والسندات التي تثبت ديونها تعتمد على الربا
المحرم في الاسلام، وإذا كانت كذلك فلا يجوز بيعها ولا
شراؤها، ولا تصح معاملة البنك مع الشركة على ذلك.
500

[بيع العملة الأجنبية وشراؤها]
[المسألة 84: -]
ذكرنا في المسألة الثانية والأربعين وما بعدها أنه يجوز
بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع التفاضل في العدد
وإن كانت من عملة واحدة، ولا يلزم من ذلك الربا المحرم في
المعاملة، لأن ذلك مشروط بأمرين: أن يكون المثمن والثمن
من جنس واحد، وأن يكون الجنس من المكيل أو الموزون
والعملة الورقية ليس مما يكال أو يوزن، ويجوز كذلك
مع اختلاف العملة، كالدينار العراقي بالدينار الكويتي
أو الدولار الأمريكي وغيرهما، فيصح للبنك أو الصراف
أن يبيع عشرة دنانير عراقية بأحد عشر دينارا عراقيا إلى
مدة شهر مثلا، ويصح أن يبيع عشرين دينارا كويتيا
بخمسة وعشرين دينارا بحرانيا، وهكذا.
نعم، الأحوط أن يجتنب بيع العملة التي يكون رصيدها
ذهبا أو فضة، ويظن أن الدولة جعلت الذهب والفضة
اعواضا للأوراق النقدية وليس مجرد اعتماد، فلا يباع
عدد من أوراق هذه العملة بأكثر منه أو أقل من العملة
نفسها، ولا يبدل عدد من هذه العملة بعدد من عملة أخرى،
تماثلها في الشرط المذكور مع التفاضل بين العوضين.
وأما بيع هذه العملة بغير ذلك فيجوز مطلقا.
[المسألة 85: -]
المسكوكات الفضية أو النحاسية أو النيكلية وشبهها،
إنما يتعامل أهل العرف العام فيها بالعد لا بالوزن، ولا
يلتفتون إلى الوزن أبدا بل يجهل أكثرهم مقادير وزنها
501

وهي كذلك في مختلف البلدان ومختلف الدول، فهي عندهم
من المعدود لا من الموزون، وإن كانت موادها مما يوزن
ولذلك فالأصح أنه لا تجري على هذه المسكوكات أحكام
الربا في المعاملة حين ما تصرف إلى أبعاضها أو تباع
بسكة أخرى من جنسها وإن تفاضلت في الوزن، فالروبية
حين ما تصرف بنصفي روبية فالمعاملة صحيحة وإن كانت
الروبية تنقص عن النصفين في الوزن أو تزيد عليهما،
وكذلك إذا صرف الريال الفضي بنصفي ريال، أو صرفت
الروبية بالريال فيصح الصرف لأن الجميع من المعدود
وإن تفاضلت في الوزن.
وبهذا تختلف هذه المسكوكات عن المسكوكات الذهبية،
فإن عامة أهل العرف ينظرون في التعامل بها إلى مقادير
ما فيها من الذهب وخصوصا عندما تباع بسكة ذهبية
أخرى، فهي عندهم من الموزون فلا يجوز بيعها بجنسها مع
التفاضل في الوزن بين العوضين كما هو الحكم في سائر
الموزونات والمكيلات.
وإذا كان العوضان من الفضة أو من الذهب فلا تصح
المعاملة حتى يحصل التقابض بين المتعاقدين قبل أن يتفرقا،
فإن ذلك شرط في صحة بيع الصرف.
[خصم الكمبيالة]
الكمبيالات إنما هي أوراق تجارية تثبت أن المبلغ
المذكور فيها دين لحامل الكمبيالة على موقعها وليست
في نفسها ورقة نقدية ذات قيمة تباع بها وتشترى، ومن
أجل ذلك فلا تبرأ ذمة المدين بمجرد التوقيع في الكمبيالة
وتسليمها إلى الدائن، وإن تلفت الورقة في يده أو سرقت،
502

ولا تبرأ ذمته إذا دفع للدائن كمبيالة تتضمن دينا للمدين
على شخص آخر ولا تبرأ ذمة المدين كذلك إذا أعاد الدائن
إليه الورقة الموقعة باسمه لبعض الأغراض ما لم يكن المدين
قد أدى إليه الدين الذي تحتويه، أو أبرأ الدائن ذمته منه، أو
حوله المدين بالمبلغ على غيره حوالة صحيحة نافذة. ولا
تبرأ ذمة المدين كذلك إذا دفع إلى الدائن مبلغا من المال
يساوي مبلغ الدين، حتى يفهمه - ولو بالقرائن - إنه وفاء
للدين، بل يكون المبلغ المدفوع أمانة في يد الدائن، وتبقى
ذمة المدين مشغولة بمبلغ الدين، وهذا كله واضح لا ينبغي
الاشكال فيه.
وخصم الكمبيالة الذي نتحدث عنه هنا ونتعرض لحكمه،
هو ما يدور بين حاملي الكمبيالات والبنوك أو المصارف
أو الناس الآخرين، من تنزيل الكمبيالة عند البنك أو
المصرف مثلا بأقل من المبلغ المذكور فيها، قبل حلول الموعد
المعين، فإذا دفع البنك ذلك إلى حامل الكمبيالة حولت
الكمبيالة باسم البنك وأصبح هو الدائن، فيتسلم المبلغ
تاما من المدين بعد حلول الموعد.
والكمبيالات التي تتعارف بين الناس ويتداولون
التنزيل فيها، على نوعين:
1 - كمبيالات تدل على دين حقيقي ثابت لحامل الورقة
على موقعها.
2 - وكمبيالات مجاملة تدل على معاملة صورية لا واقع
لها، ولا دائن في الحقيقة ولا مدين، وإنما كتبت لتنزل
وتقضى بها حاجات مؤقتة بين حامل الورقة والمدين
503

الصوري والطرف الثالث الذي يقضي حاجتهما
ويستفيد من التنزيل.
[المسألة 86: -]
يجوز خصم الكمبيالة التي تحتوي على دين حقيقي ثابت
لحامل الورقة في ذمة المدين (الموقع في الورقة)، إذا
أجريت المعاملة بصورة البيع.
والصورة هي أن يبيع الدائن على البنك أو على التاجر
المبلغ الذي يملكه في ذمة المدين قبل أن يحل موعد استحقاق
المطالبة به بثمن أقل منه نقدا، فإذا كان مبلغ الدين الذي
تحتوي عليه الورقة مائة دينار مثلا، وهو مؤجل إلى سنة
من تأريخها، فيجوز للدائن أن يبيع هذا المبلغ على البنك
مثلا بخمسة وتسعين دينارا يدفعها البنك إلى الدائن نقدا،
فإذا جرى البيع بينهما كذلك كان المشتري وهو البنك مالكا
للمبلغ المذكور في الورقة وهو المائة دينار بالثمن الذي نقده
للدائن وهو الخمسة والتسعون دينارا، فإذا حل موعد
الاستحقاق أخذ المبلغ تاما من المدين.
وصحة هذه المعاملة تتوقف على أمرين تجب مراعاتهما:
الأول: أن يكون المبلغ الذي تحتوي عليه الورقة من الأوراق
النقدية، فإن المبلغ إذا كان من الذهب مثلا، كان من
الموزون، فلا يصح بيعه إذا كان الثمن من جنسه مع
التفاضل بين العوضين لأنه ربا.
وإذا كان المبلغ من الفضة المسكوكة كانت المعاملة من
الصرف، فلا تصح مع كون الثمن مؤجلا، فإن بيع الصرف
504

يشترط في صحته التقابض قبل التفرق، فيبطل بدون ذلك.
والشرط الثاني: أن يكون الثمن الذي يدفعه البنك إلى
الدائن نقدا، فإنه إذا كان مؤجلا وكان المثمن مؤجلا كذلك
بحسب الفرض بطل البيع، لأنه من بيع الدين بالدين.
[المسألة 87: -]
لا يجوز خصم الكمبيالة إذا أجريت المعاملة بين الدائن
والطرف الثالث بصورة القرض، فإذا كان للرجل دين على
رجل آخر بمائة دينار إلى مدة ستة أشهر، بموجب كمبيالة
تثبت له ذلك، فلا يجوز للدائن أن يستقرض من البنك أو
من التاجر خمسة وتسعين دينارا معجلة، ويحوله على المدين،
ليستوفي منه المبلغ المذكور في الكمبيالة وهو المائة دينار
عند حلول موعد الاستحقاق فإن ذلك من الربا المحرم.
[المسألة 88: -]
قد أوضحنا أن كمبيالات المجاملة لا تدل على دين
حقيقي ثابت في ذمة موقع الكمبيالة لحاملها، وإنما تحكي
عن دين صوري، وقد كتبت كذلك لتنزل وتقضى بالمبلغ
الذي يحصل من هذا التنزيل بعض الحاجات المؤقتة.
وخصم هذه الكمبيالة يمكن حصوله بأحد وجهين،
وكلاهما بصورة البيع:
الأول: أن تجري المعاملة بين البنك وحامل الكمبيالة:
(الدائن الصوري)، فيبيع البنك عليه خمسة وتسعين
دينارا يدفعها إليه نقدا، بمائة دينار مؤجلة إلى مدة ستة
أشهر (المدة المعينة) في الكمبيالة، فإذا تم هذا البيع
كانت الخمسة والتسعون دينارا ملكا (للدائن الصوري)،
505

وملك البنك في ذمته مائة دينار، ودفع إلى البنك الكمبيالة
ليستلم بموجبها المبلغ من (المدين الصوري) عند حلول
موعد الاستحقاق، وكان ذلك حوالة من الدائن على المدين
(الصوريين)، ويكون توقيع المدين، الموجود في الكمبيالة
قبولا منه لهذه الحوالة.
وإذا أراد الدائن أن يملك المدين المبلغ الذي اشتراه
من البنك، باعه الخمسة والتسعين دينارا، بمائة دينار
تبقى في ذمته دينا إلى موعد الاستحاق، فيملك بذلك
المبلغ الذي اشتراه، ويصبح مدينا حقيقيا بالمائة دينار بعد
أن كان مدينا صوريا، وعليه أن يسلمها للبنك في موعد
الاستحقاق بمقتضى التحويل.
ويجوز للدائن أن يدفع إليه الخمسة والتسعين دينارا
بنحو القرض فيكون مدينا له بهذا المبلغ وحده ولا يجوز
أن يأخذ منه الزيادة لأنها من الربا، فإذا حل موعد
الاستحقاق وطلب البنك دينه أخذ من المدين خمسة وتسعين
دينارا، ووجب على الدائن أن يدفع الزيادة منه فيتم المبلغ
مائة دينار ويدفع وفاء لمدين البنك.
[المسألة 89: -]
الوجه الثاني لخصم هذه الكمبيالة أن تجري المعاملة بين
البنك والمدين، فيبيع عليه البنك خمسة وتسعين دينارا
معجلة بمائة دينار مؤجلة إلى موعد الاستحقاق في الكمبيالة
كما تقدم مع الدائن، وللدائن أن يتولى أجراء المعاملة
من البنك بالوكالة من المدين، ويتم الخصم على نهج
ما سبق.
وإذا أراد المدين بعد ذلك أن يملك الدائن المبلغ، باعه
506

الخمسة والتسعين دينارا التي انتقلت إليه بالشراء من
البنك، بمائة دينار مؤجلة في ذمة الدائن إلى الموعد المعين،
فيملك الدائن المبيع ويكون مدينا بمائة دينار، ويجري فيه
القول المتقدم في المسألة السابعة والثمانين.
وإذا دفع إليه الخمسة والتسعين دينارا بنحو القرض كان
الحكم فيه على نهج ما سبق أيضا في المسألة المتقدمة.
[المسألة 90: -]
لا يجوز خصم هذه الكمبيالة إذا أجري بنحو القرض
من البنك سواء أجري ذلك مع الدائن أم مع المدين، بأن
يقرض البنك أحدهما خمسة وتسعين دينارا، ويأخذ منه
الكمبيالة محولة باسم البنك ليستوفي بموجبها مائة دينار
عند موعد الاستحقاق، فإن ذلك من الربا في القرض.
[المسألة 91: -]
قد يكون للرجل دين حاضر على شخص آخر، فيطلب
المدين من الدائن أن يؤخره إلى أجل، ويدفع له بإزاء
ذلك زيادة في المبلغ، أو يطلب الدائن ذلك من المدين، رغبة
منه في الزيادة، ومثال ذلك أن يكون الدين مائة دينار
حاضرة، فيطلب المدين أو الدائن: أن يوجل الدين إلى ستة
أشهر ويكون الدين مائة وعشرة دنانير، والحكم هو عدم
الجواز في كلتا الصورتين.
507

وقد يكون الدين مائة دينار مثلا، مؤجلة إلى شهر، فيطلب
المدين من الدائن أن يزيده في الأجل ويزيده هو في المقدار،
فيكون الدين مائة وعشرة دنانير مثلا إلى ستة أشهر، أو
يطلب الدائن ذلك من المدين رغبة في الزيادة، والحكم
أيضا هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين.
وقد يكون الدين مائة دينار مثلا مؤجلة إلى شهر، فيطلب
المدين من الدائن أن يؤجله في ثمانين دينارا من الدين إلى
ستة أشهر ويعجل له هو بإزاء ذلك عشرين دينارا من الدين،
أو يطلب الدائن ذلك من المدين لحاجته إلى النقد الحاضر،
والحكم هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين أيضا.
[المسألة 92: -]
قد يكون للرجل دين مؤجل على شخص إلى مدة شهر
أو أكثر، ويطلب الدائن من المدين أن يعجل له وفاء الدين،
ويسقط هو للمدين بإزاء ذلك مقدارا من الدين بصلح أو
ابراء، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، والحكم هو جواز
ذلك في كلتا الصورتين.
وقد يكون الدين مؤجلا، وهو من الأوراق النقدية أو شبهها
مما لا يكال ولا يوزن، فيطلب الدائن من المدين أن يبيع عليه
الدين بأقل منه حاضرا، فيبيعه المائة دينار المؤجلة بثمانين
دينارا حاضرة، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، والحكم
جواز ذلك في كلتا الصورتين.
[المسألة 93: -]
إذا كان للرجل دين من الأوراق النقدية في ذمة رجل
آخر، فيجوز لهما إذا اتفقا، أن يحولا المبلغ الذي
في ذمة المدين إلى عملة ورقية أخرى، وأن لم يتقابضا، فإذا
قال الدائن للمدين حول ما أملكه في ذمتك من ألف دينار
كويتي إلى ألف وخمسمائة دينار عراقي، وقبل المدين ذلك
صح وتحول الدين من عملة إلى عملة حسب ما اتفقا عليه
من المبلغ.
508

[كفالة البنك]
قد يتعهد أحد لجهة معينة، حكومية أو أهلية أن يقوم
لها بانشاء مشروع معين، كبناء مدرسة أو مستشفى،
أو دار حضانة، أو غير ذلك، وتوضع له المواصفات بين
الطرفين، والتصاميم الهندسية، وتعين لانشائه مقادير
المال، والأقساط التي تستوفي بها المبالغ. والآجال التي
تدفع بها الأقساط والمدة التي ينجز بها المشروع، وغير
ذلك من الملابسات، ويتم التعهد والالتزام بين المتعاقدين.
وتشترط الجهة على المتعهد (المقاول) في عد المعاملة:
أن يقدم لها ضمانا ماليا، يعوضها عما أصابها من
خسائر، إذا اتفق أن المتعهد (المقاول) نكل فلم يقم بما
تعهد به، أو انسحب قبل أن يتم المشروع، أو كان ما
صدر منه مخالفا لما اتفقا عليه في العقد بينهما، وتطلب
منه كفيلا معتمدا يكفله بذلك.
والمتعارف في ذلك أن يرجع المتعهد إلى البنك ليكفيه بذلك
للجهة المتعهد لها، فإذا كان المتعهد (المقاول) موثوقا
عند البنك أصدر البنك كتابا إلى الجهة يتعهد فيه بأنه
كفيل للمتعهد وضامن للمبلغ الذي تطلبه الجهة منه إذا هو
لم يقم بانجاز المشروع حسب ما اتفق عليه الطرفان.
ومن المتعارف كذلك أن البنك يأخذ من المتعهد مبلغا معينا
من المال بإزاء كفالته وتزويده بهذا المستند.
509

[المسألة 94: -]
تصح هذه المعاملة بين الطرفين إذا أجريت بينهما بنحو
عقد الإجارة أو الصلح، وذكرت في العقد البنود التي
يتفقان عليها بينهما، وذكرت فيه الشروط التي تشترطها
الجهة على المتعهد، أو يشترطها المتعهد (المقاول) على
الجهة، ويجب على كل واحد منهما الوفاء بالعقد وبما
التزم به لصاحبه من شرط وضمان. ويجب على المتعهد
(المقاول) أن يتولى إنشاء المشروع إما بالمباشرة بنفسه،
أو بتهيئة العمال الذين يباشرون العمل حسب ما يتفق عليه
الطرفان.
ويجب عليه كذلك أن يقدم الضمانات التي اشترطتها عليه
الجهة المتعهد لها، والكفالة التي طلبتها، ويجب على الجهة
المتعهد لها أن تفي له بكل ما التزمت به في العقد من بنود،
ودفع مبالغ، وأقساط، ومواعيد والتزامات.
[المسألة 95: -]
تصح كفالة البنك أو المصرف أو التاجر للمتعهد
(المقاول) في ضماناته والتزاماته للجهة المتعهد لها حسب
ما يتفق عليه الكفيل والمكفول، وترضى به الجهة المكفول
لها، وتتأدى هذه الكفالة بالايجاب من الكفيل والقبول من
الجهة المتعهد لها ولو بالكتابة، ثم تزويد المكفول بمستند
الكفالة الذي يصدره البنك الكفيل وتعتمد عليه الجهة
المكفول لها.
510

[المسألة 96: -]
يجوز للبنك أو الصراف أو التاجر إذا قام بكفالة المتعهد
(المقاول) عند الجهة المتعهد لها: أن يأخذ من المتعهد
المبلغ الذي اتفقا عليه من المال عوضا عما قام به من كفالة،
أما بأن يجعله الطرفان أجرة للكفيل على العمل، وأما
بأن يكون جعالة له على قيامه به.
[المسألة 97: -]
إذا لم يقم المتعهد بانجاز المشروع للجهة المتعهد لها
حسب ما اتفقا عليه في المعاملة بينهما وجب عليه أن يدفع
المبلغ الذي اشترط عليه في العقد، وإذا هو لم يف به
رجعت الجهة المتعهد لها إلى البنك (الكفيل) فأخذت منه
ذلك وفاء بكفالته وضمانه، فإذا دفعه البنك (الكفيل) إلى
الجهة المتعهد لها رجع به الكفيل إلى المتعهد (المقاول)
فأخذه منه، فإن تعهد البنك وكفالته إنما كانا بطلبه فعليه
ضمان المبلغ.
511

[فتح الاعتماد]
من المعروف أن الحكومات لا تسمح لأحد باستيراد أي
بضاعة من الخارج إلى البلاد، ولا لتصديرها من البلاد
إلى الخارج إلا بتوسط البنك، وسبب ذلك أن الحكومات
- محافظة على اقتصاد البلاد - لا تسمح بتحويل المال إلى
الخارج إلا بإذنها وتحت اشرافها، ومن البين إن
الاستيراد لا يكون إلا بتحويل الثمن إلى الجهة المصدرة
وكذلك التصدير، فإن المصدر لا يمكنه أن يستلم ثمن
البضاعة من التاجر الذي يشتريها إلا من طريق البنك.
ولذلك فلا بد لأي تاجر أو جهة تريد استيراد بضاعة من أن
تطلب من البنك أن يفتح لها اعتمادا مستنديا لذلك، وكذلك
الشركة أو التاجر الذي يريد التصدير.
فالتاجر الذي يريد استيراد البضاعة، عليه أن يتفق أولا
مع الشركة المصدرة لتلك البضاعة أو وكيلها، فيعينان
نوع البضاعة التي يطلبها التاجر، وأوصافها، والشروط
التي يشترطها التاجر أو تشترطها الشركة، والمقادير
المطلوبة، والأسعار المحددة، فإذا تم الاتفاق بينهما وتبادلا
ارسال القوائم: رجع التاجر المستورد إلى البنك، فأطلعه
على الاتفاق وطلب منه فتح الاعتماد، ودفع إليه بعضا من
ثمن البضاعة، فيبتدئ بعد ذلك دور البنك في العمل فيتصل
بالشركة المصدرة، ويدفع لها ثمن البضاعة كاملا، وتسجل
البضاعة باسم البنك وتشحن ويتم تصديرها والتأمين
عليها وارسالها.
512

فإذا وصلت البضاعة المرسلة، وعلم البنك بوصولها أعلم
التاجر المستورد بذلك، فإذا حضر هو أو وكيله سلم إليه
البنك مستندات البضاعة، ودفع إلى البنك ما بقي عليه
من الثمن، وهو القسم الذي دفعه البنك من ماله إلى
الشركة، ثم حول البنك البضاعة من اسمه إلى اسم التاجر،
وأخذ منه مبلغا معينا بإزاء خدماته وأعماله التي قام بها
للمستورد، وأخذ منه فائدة لبقية الثمن التي دفعها البنك
من ماله إلى الشركة، من يوم تسليمه المبلغ إلى الشركة
إلى يوم قبضه من التاجر.
[المسألة 98: -]
يصح أن تجري هذه المعاملة بين التاجر المستورد والبنك،
بنحو عقد الإجارة فيستأجر التاجر البنك ليقوم له بالأعمال
المتقدم ذكرها حتى تصل إليه البضاعة وتسجل باسمه
ويجعل المبلغ المعين الذي يطلبه البنك أجرة له على ذلك.
وأما الفائدة التي يأخذها البنك لبقية الثمن التي دفعها من
ماله للشركة، فالظاهر أنها ليست من الربا المحرم فيجوز
للتاجر دفعها ويحل للبنك أخذها، فإن البنك لا يقرض المال
المذكور للتاجر المستورد وإنما يدفعه إلى الشركة من ماله
بأمر التاجر حين طلب منه فتح الاعتماد، فجيب على التاجر
أن يدفع للبنك عوض ذلك المال، لأنه السبب في نقله
إلى ملك الشركة، فإذا طلب البنك على هذا المال فائدة
فهي ليست فائدة على قرض فلا تكون محرمة.
513

[المسألة 99: -]
ويصح أن تجري المعاملة المذكورة بين التاجر المستورد
والبنك بنحو عقد الجعالة، فيجعل التاجر المبلغ المعين الذي
يطلبه البنك منه جعالة للبنك إذا قام له بالعمل حتى أتمه
وأكمل الاستيراد، وقد تقدم حكم الفائدة.
[المسألة 100: -]
ويصح أن تجري المعاملة بينهما بصورة عقد البيع،
فيحضر البنك المقدار الذي يحتاج إليه في ثمن البضاعة من
عملة بلد التصدير، فيبيع ذلك على التاجر المستورد بما
يعادله من عملة بلد الاستيراد ويضيف إليه المبلغ الذي
يطلبه البنك من المستورد بإزاء أعماله وخدماته، ويضيف
إليه كذلك الفائدة التي يطلبها لبقية الثمن التي تبقى في
ذمة المستورد إلى وقت التسليم، فيكون جميع ذلك ثمنا
للمبيع، فإذا تم البيع كذلك، وأصبحت العملة المبيعة ملكا
للمستورد أخذها البنك ليدفعها إلى الشركة المصدرة ثمنا
للبضاعة وملك البنك في ذمة المستورة جميع ثمن هذا المبيع،
وملك في ضمنه المبلغ الذي يطلبه من المستورد وملك معه
الفائدة فإنهما جزء من ثمن هذه الصفقة، وعلى المستورد
أن يدفع ذلك كله للبنك عند وصول البضاعة وتسجيلها
باسمه.
[المسألة 101: -]
لا تصح هذه المعاملة إذا أجريت بين البنك والمستورد
بنحو القرض، وصورة ذلك أن يقرض البنك التاجر المستورد
بقية الثمن بشرط الفائدة ثم يقبض هو بالوكالة عنه ليدفعه
إلى الشركة ثمنا للبضاعة حين تصديرها، فإن ذلك يكون
514

من الربا المحرم، ولذلك فلا تصح المعاملة ولا يجوز للبنك
أخذ العمولة عليها.
[المسألة 102: -]
الاعتماد في التصدير كالاعتماد في الاستيراد،
فكلاهما توسيط للبنك في اتمام العملية، فيتعهد البنك
بموجب الاعتماد بقبض البضاعة وايصالها وتأدية ثمنها
وما يرتبط بذلك وما يتوقف عليه من أعمال، فيصح بأحد
الوجوه المتقدم ذكرها وتلحقه أحكامها.
[المسألة 103: -]
قد لا يكون للشركة أو الجهة المصدرة وكيل أو فرع في
بلد الاستيراد، ليتفق معه المستورد على البضاعة التي
يريدها، فيطلب المصدر أو المستورد وساطة البنك، فيرسل
المصدر إلى بنك ذلك البلد قوائم البضاعة الموجودة لديه
والمشتملة على أوصافها وكمياتها وأسعارها، ويطلب
منه عرضها على المستوردين هناك، فإذا عرضها البنك
وقبلها المستورد تفاهم مع المصدر بالمخابرة أو المراسلة
أو بواسطة البنك، فإذا حصل الاتفاق بينهما فتح الاعتماد.
ولا ريب في أن البنك يستحق على المصدر بعمله هذا عمولة
معينة غير ما يستحقه بفتح الاعتماد.
وكذلك الشأن في المستورد فإنه قد يرسل إلى البنك قوائم
البضاعة التي يرغب فيها ويذكر أوصافها وكمياتها
ويطلب منه أن يعرضها على الشركة المصدرة، فإذا
عرضا البنك ورغب المصدر اتصل بالمستورد وبدأ
التفاهم بينهما، واستحق البنك بذلك من المستورد العمولة
المعينة.
515

[المسألة 104: -]
إذا وصلت البضاعة إلى الميناء وأعلم البنك بذلك، أخبر
المستورد بوصولها، ليحضر هو أو وكيله فيسلمه البنك
مستندات البضاعة، ويدفع هو للبنك بقية الثمن وتسجل
البضاعة باسمه ويسلمها له ويعين لذلك موعدا، فإذا لم
يحضر المستورد في الموعد أو وكيله ولم يتسلم البضاعة
قام البنك بخزن البضاعة وحفظها على حساب المستورد إلى
أن يستلمها، وعليه أن يدفع إلى البنك أجرة معينة لقيامه
بذلك، وليس له الامتناع من ذلك، فإنه أحد شروط البنك
على المستورد في فتح الاعتماد، وكذلك الحكم على الجهة
المصدرة إذا اتفق لها نظير ذلك فخزن البنك البضائع على
حسابها، فعليها أن تدفع له الأجرة لقيامه بخزن البضائع
وحفظها وفاء بالشرط.
[المسألة 105: -]
إذا تخلف مالك البضاعة: (المستورد أو المصدر) عن
استلامها ودفع المبالغ المستحقة للبنك عليه، فإن البنك
يحدد له موعدا، وينذره بأنه إذا لم يتسلم البضاعة في
الموعد المعين، ولم يدفع للبنك ديونه المستحقة عليه، فإن
البنك يتولى بيع البضاعة ويستوفي ديونه من أثمانها.
والظاهر جواز ذلك للبنك، فإنه أحد الشروط التي
يأخذها البنك على التاجر في العقد الصادر بينهما في فتح
الاعتماد، فيكون البنك وكيلا عنه بموجب هذا الشرط في
بيع البضاعة وقبض ثمنها ويصح هذا البيع ويملكها
المشتري.
516

[المسألة 106: -]
ما ذكرنا من أحكام المعاملة مع البنك إنما تجري في
البنوك الأهلية، وأما البنوك الحكومية والمشتركة، فتتوقف
صحة المعاملة على إجازة الحاكم الشرعي كما ذكرناه
سابقا في المسألة الرابعة والستين وما بعدها.
[المسألة 107: -]
قد يعزم الانسان على السفر إلى بلد معين أو إلى عدة
بلاد، وهو يحتاج في سفره إلى مقادير من المال، ويخشى
على المال إذا صحبه معه من التلف أو الضياع، فيرجع في
ذلك إلى البنك ويدفع له مبلغا من المال، فيزوده بكتاب إلى
بنك معين أو إلى بنوك عالمية ن يسددوا له حاجته من المال،
بمقادير لا تتجاوز حدا يعينه لهم في الكتاب، ويسمى هذا
الكتاب في عرف البنوك خطاب الاعتماد، ويأخذ البنك من
ذلك الشخص عمولة معينة بإزاء تزويده بهذا الخطاب.
والظاهر صحة هذه المعاملة، فإن الشخص قد أقرض البنك
بحسب المفروض قرضا لا زيادة عليه، والعمولة التي
تؤخذ منه إنما هي فائدة ترجع إلى البنك وهو المدين، فلا
يشملها دليل التحريم كما سبق بيانه.
517

[العمل في البنك]
[المسألة 108: -]
لا يجوز للانسان الدخول في العمل للبنك إذا كان العمل
هو اجراء المعاملات الربوية، أو ضبطها وتدوينها، أو
التسهيل لها، أو كان من الأعمال المحرمة الأخرى، كشراء
البضائع المحرمة وبيعها، وغير ذلك مما هو محرم في
شريعة الاسلام، ولا يجوز له أخذ الأجرة على هذه الأعمال.
ويجوز له الدخول في أعمال البنك غير المحرمة، كما يجوز
له أخذ الأجرة عليها، فإذا كان من البنوك الأهلية أو بنوك
غير المسلمين أخذ الأجرة من البنك، وإذا كان من البنوك
الحكومية أو المشتركة احتاج في قبض الأجرة منه وفي
صحة التصرف فيها إلى إذن الحاكم الشرعي.
[المسألة 109: -]
لا يجوز للانسان الدخول في العمل إذا كان بعض مباحا
وبعضه محرما، وكان البعض المحرم جزءا ملحوظا من
وظيفته التي يستحق بها الأجرة من البنك، وإذا لم يكن
العمل المحرم جزءا ملحوظا في الوظيفة لم يحرم عليه
الدخول فيها، وحرم عليه ذلك العمل نفسه.
[المسألة 110: -]
إذا كان عمله في المعاملات الربوية وكانت مهمته هي
توجيه هذه المعاملات واجراؤها على الوجوه الصحيحة في
الاسلام، بحيث لا يجري مع الميل معاملة محرمة، لم يكن
في دخوله بأس، بل كان مثابا ومأجورا على ذلك إن شاء
الله تعالى.
518

[الصلاة في الطائرة]
[المسألة 111: -]
تصح الصلاة في الطائرة إذا تمكن المكلف فيها من
تعيين القبلة، واستطاع أن يأتي بالصلاة تامة بواجباتها
وشرائطها، وتجزيه، فلا تجب عليه إعادتها إذا نزل من
الطائرة وإن كان الوقت باقيا.
وإذا لم يستطع الاتيان بالصلاة التامة، وكان في سعة
من الوقت بحيث يمكنه أن يأتي بالصلاة التامة بعد نزوله
من الطائرة قبل أن يخرج الوقت، وجب عليه تأخير الصلاة
ولم يجز له الاتيان بها في الطائرة في أول الوقت، ولم
تجزه إذا صلاها كذلك، سواء كان الخلل في صلاته لعدم
تعيين القبلة أم لعدم امكان الاستقبال أم لفقد بعض
الشرائط أو الواجبات الأخرى، ولو لعدم الاستقرار أو
الاستقلال في القيام أو في الركوع أو السجود ونحو ذلك.
[المسألة 112: -]
إذا ضاق على المكلف وقت الصلاة وهو في الطائرة
وجب عليه أن يأتي بالصلاة بما يمكنه منها، فإذا عين
القبلة في جهة وجبت عليه الصلاة إلى تلك الجهة، وإذا لم
يحصل له ذلك اعتمد على الأمارات والعلامات التي توجب
الظن، فإذا ظن في جهة أنها القبلة صلى إليها وإذا لم
يمكنه ذلك صلى إلى أربع جهات على الأحوط، وإذا ضاق
الوقت إلا عن صلاة واحدة صلاها إلى أي جهة شاء، وإذا
لم يمكنه الصلاة مستقرا أو مستقلا في قيامه أو في ركوعه
أو سجوده لاضطراب الطائرة، صلى معتمدا على شئ أو
بما يمكنه كما يفعل المعذور في غير الطائرة.
519

[المسألة 113: -]
إذا كان المكلف في سعة من الوقت، ولكنه علم أنه لا
ينزل من الطائر ولا يتمكن من الصلاة التامة قبل أن يخرج
الوقت، جاز له أن يأتي بالصلاة في الطائرة في أول وقتها
بما يستطيع من صلاة المعذور، فإذا استمر به العذر حتى
خرج وقت الصلاة أجزأته صلاته التي أتى بها، وإذا اتفق
أنه نزل من الطائرة قبل أن يخرج الوقت وتمكن من الاتيان
بالصلاة التامة وجبت عليه إعادة الصلاة.
[المسألة 114: -]
إذا دخل وقت الصلاة على المكلف، وتمكن من الاتيان
بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط، فأخر صلاته متعمدا
حتى دخل الطائرة، فاضطر إلى أن يأتي فيها بصلاة المعذور
أتي بالصلاة كذلك، ولا يترك الاحتياط بقضاء هذه الصلاة
بعد نزوله من الطائرة، وخصوصا إذا كان يعلم من أول
الأمر أنه لا يتمكن في الطائرة إلا من صلاة المعذور، وإن
كان الظاهر صحة صلاته.
والحمد لله حق حمده في المبدأ والختام وصلواته الدائمة
على سيد رسله محمد وآله أجمعين.
محمد أمين
520