الكتاب: هداية العباد
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة ( فتاوى المراجع )
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٧
المطبعة: نگين
الناشر: دار القرآن الكريم - قم المشرفة - إيران
ردمك:
ملاحظات:

هداية العباد
1

مقدمة المجلد الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى أكملهم
وأفضلهم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد، فقد كلفنا المرجع المرحوم المبرور آية الله العظمى السيد الگلپايگاني قدس
الله نفسه الزكية بصياغة تعليقاته على كتاب (وسيلة النجاة) وادماجها في المتن
لتسهيل الاستفادة منها. وقد اختار لهذا الكتاب اسم (هداية العباد) وقد توفقنا
لاكمال المجلد الأول وإصداره في حياته قدس سره. وأكملنا عمل المجلد الثاني
وراجعنا المؤلف في عدد من مسائله المشكلة وأردنا إصداره، لكن عاجلنا حضور
أجله تغمده الله برحمته الواسعة.
ونظرا لسعة هذه الرسالة وغناها بالفروع الفقهية، استجبنا لرغبة عدد من الفضلاء
بنشر المجلد الثاني، وكذا بالعمل في إعداد المجلد الرابع من كتاب (مجمع المسائل).
ولا بد هنا أن نسجل شكرنا لولده الخلف الصالح حجة الاسلام والمسلمين السيد
جواد الگلپايگاني الذي تكفل بنشر آثار المرحوم والده، وحفظ ومؤسساته الثقافية
والخيرية.
وللعلماء الفضلاء أعضاء هيئة الاستفتاء الشيخ علي النيري الهمداني والشيخ علي
الثابتي الهمداني والشيخ محمود الرزايني والشيخ علي الشاكري الگلپايگاني، على ما
بذلوا من أوقاتهم في تدقيق هذه المجلد وجلسات المباحثة في مسائله.
نسأله تعالى أن ينفع بآثار هذا المرجع الجليل بعد وفاته كما نفع بها في حياته،
وأن يتغمده بواسع رحمته ويحشره مع أجداده وأئمته الطاهرين صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين.
عن هيئة الاستفتاء
علي الكوراني العاملي
2

كتاب الجعالة
(مسألة 1) الجعالة هي جعل عوض على عمل محلل مقصود، ويقال للملتزم
" الجاعل " ولمن يعمل ذلك العمل " العامل "، وللمعوض " الجعل " و " الجعلية ".
وتحتاج إلى الايجاب، بكل لفظ أفاد ذلك الالتزام، وهو إما عام كما إذا
قال: من خاط ثوبي أو بنى حائطي مثلا فله كذا، وإما خاص كما إذا قال لشخص
: إن رددت سيارتي مثلا فلك كذا. ولا تحتاج إلى القبول القولي، وأما استغناؤها
عن القبول العملي فمحل إشكال.
(مسألة 2) الفرق بين الإجارة على العمل والجعالة أن المستأجر يملك
العمل على الأجير وهو يملك الأجرة على المستأجر بنفس العقد، أما الجعالة
فليس أثرها إلا استحقاق العامل الجعل المقرر بعد العمل، وثمة فروق أخرى
بينهما تعرف من مسائلهما.
(مسألة 3) إنما تصح الجعالة على العمل المحلل المقصود في نظر العقلاء،
كالإجارة، فلا تصح على المحرم، ولا على ما يكون لغوا عندهم، ويكون
بذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، وصعود الجبال الشاهقة،
والأبنية المرتفعة، والوثبة من موضع إلى آخر، ونحو ذلك مما ليس فيه غرض
عقلائي.
(مسألة 4) كما لا تصح الإجارة على الواجبات العينية والكفائية، لا
تصح الجعالة عليها، بالتفصيل الذي مر في الإجارة.
3

(مسألة 5) يعتبر في الجاعل أهلية الاستيجار من البلوغ والعقل والرشد
والقصد والاختيار وعدم الحجر، أما العامل فلا يعتبر فيه إلا إمكان تحصيل
العمل بحيث لا يكون هناك مانع منه عقلا أو شرعا، كما إذا كانت الجعالة
على كنس المسجد وكنسه الجنب أو الحائض، فلا يستحقان شيئا لأن عملهما
هذا ممنوع شرعا. ولا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فيجوز أن يكون
صبيا مميزا ولو بغير إذن الولي، بل ولو كان غير مميز أو مجنونا على الأظهر
إذا كان الجعل سببا لصدور العمل منهما، بل ولو لم يكن سببا على الأحوط،
بناء على كفاية جعل الجعل في اشتغال ذمته.
(مسألة 6) يغتفر في الجعالة من جهالة العمل ما لا يغتفر في الإجارة،
فإذا قال: من رد سيارتي فله كذا صح، وإن لم يعين المسافة، ولا المشخصات
الكاملة للسيارة، واختلفت الموارد جدا في سهولة الرد وصعوبته، وكذا يجوز
أن يوقع الجعالة على المردد أي على كل واحد بنحو التخيير مع اتحاد الجعل
، كما إذا قال: من رد سيارتي أو ساعتي أو دابتي فله كذا، أو بالاختلاف كما إذا
قال: من رد سيارتي فله عشرة، ومن رد ساعتي أو دابتي فله خمسة.
نعم لا يجوز جعل موردها مجهولا صرفا ومبهما بحتا، بحيث لا يتمكن
العامل من تحصيله، كما إذا قال من رد ما ضاع مني فله كذا، بل وكذا لو قال:
من رد حيوانا ضاع مني ولم يعين نوعه مثلا.
(مسألة 7) لا بد من تعيين العوض جنسا ونوعا ووصفا، بل كيلا أو وزنا
أو عدا إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلو قال من رد دابتي فله ما في
يدي، أو ما في هذا الإناء، ولم يكن ذلك معلوما، بطلت الجعالة. نعم الظاهر
أنه يصح أن يكون الجعل حصة معينة مما يرده ولو لم يشاهده العامل ولم يعرف
أوصافه، بأن قال: من رد سيارتي فله نصفها، وكذا يصح أن يجعل للدلال ما
زاد على ثمن معين: كما إذا قال بع هذا المال بكذا والزائد لك، كما سبق.
(مسألة 8) كل مورد بطلت الجعالة للجهالة، استحق العامل أجرة المثل،
4

والظاهر أنه من هذا القبيل ما هو متعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دله
على ولد ضائع أو دابة ضالة.
(مسألة 9) لا يعتبر أن يكون الجعل ممن له العمل، فيجوز أن يجعل
جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو رد دابته.
(مسألة 10) إذا عين الجعالة لشخص وأتى بالعمل غيره، لم يستحق
أحد منهما الجعل، ويكون الثاني كالمتبرع. نعم لو كانت الجعالة لشخص معين
على العمل، لا بقيد المباشرة وشملت صورة ما لو عمل له شخص بواسطة
الإجارة أو الاستنابة أو الجعالة، استحق المجعول له الجعل المقرر.
(مسألة 11) إذا جعل الجعل على عمل وكان وقوع عمله قبل إيقاع
الجعالة، أو كان عمله تبرعا، لم يستحق الجعل ولا الأجرة.
(مسألة 12) إذا عمل العامل لا لأجل الجعل، فالأحوط للجاعل
إعطاءه والأحوط عدم إجبار الجاعل على إعطاء الجعالة. ولو عمل اعتمادا على
مخبر بالجعالة ثم تبين كذب المخبر لم يستحق شيئا، نعم لا يبعد ضمان المخبر
أجرة المثل إذا أوجب قوله اطمئنان العامل وكان تغريرا.
(مسألة 13) إذا قال: من دلني على مالي فله كذا، فدله من كان ماله
في يده لم يستحق شيئا، لأنه واجب عليه شرعا، وأما لو قال: من رد مالي
فله كذا فإن كان المال مما في رده كلفة ومؤنة كالدابة الشاردة، وكانت يده عليه
يد محسن استحق الجعل المقرر، وأما إذا كانت يده عليه يد غاصب، أو لم
يكن في رده مؤونة كرد الدراهم، فلا يستحق شيئا.
(مسألة 14) إنما يستحق العامل الجعل بتسليم العمل، فلو جعل على
رد السيارة إلى مالكها، فجاء بها إلى بلده فسرقت قبل إيصالها لم يستحق
الجعل، نعم لو كان الجعل مجرد إيصالها، إلى البلد استحقه، وكذا لو كان الجعل
على مجرد الدلالة عليها وإعلام محلها فيستحق الجعل بمجرد الدلالة.
5

(مسألة 15) إذا قال: من رد سيارتي مثلا فله كذا فردها جماعة، اشتركوا
في الجعل المقرر بالسوية إن تساووا في العمل، وإلا يوزع عليهم بنسبة عملهم.
(مسألة 16) إذا جعل جعلا لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة
ثوب، فشاركه غيره في ذلك العمل تبرعا، سقط من الجعل ما يساوي عمل
المتبرع واستحق العامل الباقي. نعم لو لم يشترط على المجعول له المباشرة وكان
تبرع المتبرع بتسبيب من المجعول له أو إجازته، استحق المجعول له تمام الجعل.
(مسألة 17) الجعالة قبل تمام العمل جائزة من الطرفين ولو بعد شروع
العامل بالعمل، فللعامل رفع يده عن العمل، وللجاعل فسخ الجعالة، فإذا
فسخ العامل بعد الشروع في العمل فإن كان الجعل على إتمام العمل لم يستحق شيئا،
وإن كان على جز منه استحق بالنسبة، وإن كان مجملا فإن كان الجعل على مثل
الخياطة والبناء، استحق العامل من الجعل بنسبة عمله، وإن كان مثل الشروع في
مقدمات رد الضالة، لم يستحق شيئا، إلا إذا صدق عليه عنوان الغرر.
وإن كان الفسخ من صاحب العمل فإن كان قبل شروع العامل فليس
عليه شئ، وإن كان بعد شروع العامل فعليه له أجرة مثل ما عمل.
(مسألة 18) إذا كان فسخ العامل بعد الشروع يوجب ضررا على
الجاعل فلا يجوز له الفسخ، بل الواجب إما إتمام العمل وإما عدم الشروع فيه
، كما إذا جعل جعلا للطبيب الذي يجري له عملية جراحية، فلا يجوز للطبيب
الفسخ بعد الشروع في العمل، وذلك لأن المتعارف أن الجعل لاجراء كل العملية
وليس لبعضها. نعم إذا كان العمل قسمين أو مرحلتين يقوم كل طبيب بعمل
منهما وجعل لكل منهما جعلا، فيستحق كل منهما الجعل بالنسبة إلى عمله.
6

كتاب العارية
(مسألة 19) والظاهر أن حقيقتها اعتبار إضافة بين العين المستعارة
والمستعير، ثمرتها تسلط المستعير على الانتفاع بها تبرعا من دون عوض.
وهي من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول، فالايجاب كل لفظ له ظهور
عرفي في إرادة هذا المعنى كقوله: أعرتك أو أذنت لك في الانتفاع به أو انتفع به أو
خذه لتنتفع به ونحو ذلك.
والقبول كل ما أفاد الرضا بذلك، ويجوز أن يكون بالفعل بأن يأخذ العين
المعارة بعد إيجاب المعير بهذا العنوان.
بل الظاهر أنها لا تحتاج إلى لفظ أصلا فتقع بالمعاطاة، كما إذا دفع إليه
قميصا ليلبسه فأخذه لذلك أو دفع إليه إناء أو بساطا ليستعمله فأخذه لذلك.
(مسألة 20) يعتبر في المعير أن يكون مالكا للمنفعة وله أهلية
التصرف، فلا تصح إعارة الغاصب عينا أو منفعة. وإذا أعار مال غيره فضوليا
ثم أجاز مالكه فالإجازة تفيد فائدة الإعارة بعد الإجازة، لكنها لا تنفع في
رفع ضمان تلف العين قبل الإجازة ويحتاج إلى الابراء. ولا تصح إعارة الصبي
والمجنون، وكذا لا تصح إعارة المحجور عليه لسفه أو فلس إلا مع إذن الولي أو
الغرماء.
(مسألة 21) لا يشترط في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة
بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية، نعم إذا اشترط عليه في
الإجارة استيفاء المنفعة بنفسه فليس له الإعارة.
7

(مسألة 22) يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع بالعين، فلا
تصح إعارة المصحف إلى الكافر وإعارة الصيد إلى المحرم لا من المحل ولا من
المحرم. وكذا يعتبر فيه التعيين، فلو أعار شيئا إلى أحد هذين أو أحد هؤلاء
لم يصح. ولا يشترط أن يكون المستعير واحدا، فيصح إعارة شئ واحد إلى
جماعة، كما إذا قال: أعرت هذا الكتاب أو الإناء إلى هؤلاء العشرة، فيستوفون
المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة كالعين المستأجرة، والأقوى عدم جواز كونه
عددا غير محصور كما إذا قال: أعرت هذا الشئ إلى الناس، نعم لا مانع من
الإباحة كذلك.
(مسألة 23) يعتبر في العين المستعارة أن تكون مما يمكن الانتفاع به
منفعة محللة مع بقاء عينه كالعقارات والدواب والثياب والكتب والأمتعة
والحلي، بل وفحل الضراب والهرة والكلب للصيد والحراسة وأشباه ذلك، فلا
يجوز إعارة ما لا منفعة له محللة كآلات اللهو، وكذا آنية الذهب والفضة
لأجل الاستعمال، وكذا ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز والدهن والأشربة
وأشباهها.
(مسألة 24) يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها، والبئر للاستقاء
منها.
(مسألة 25) لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال
: أعرني أحد ثيابك فقال: خذ ما شئت منها وأخذه بقصد الاستعارة، صحت العارية
.
(مسألة 26) لا يلزم ذكر جهة الانتفاع في المستعار إذا كانت منحصرة
في منفعة خاصة كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة للاكتنان وأشباه
ذلك. وإن تعددت جهات الانتفاع كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس والبناء
والدابة ينتفع بها للحمل والركوب ونحو ذلك، فإن كانت إعارتها واستعارتها
8

لأجل منفعة أو منافع خاصة يجب التعرض لها وتختص الحلية بما خصصه المعير
. وأما لو أعاره مع التعميم والتصريح بالعموم، بأن يقول: أعرتك هذه السيارة
أو الدابة مثلا لأجل أن تنتفع بها كل انتفاع مباح يحصل منها، فيجوز له مطلق
الانتفاع، وكذا لو أطلق العارية وقال: أعرتك هذه الدابة، فيجوز للمستعير
الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلقة بها. نعم ربما يكون لبعض
الانتفاعات خفاء لا يندرج في الاطلاق، ففي مثله لا بد من النص عليه أو
التعميم على وجه يشمله، كالدفن في الأرض فإنه وإن كان من أحد وجوه
الانتفاعات منها، لكن لو أعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمه الاطلاق.
(مسألة 27) العارية جائزة من الطرفين، فللمعير الرجوع متى شاء
وللمستعير الرد متى شاء، حتى في إعارة الأرض للدفن يجوز للمعير بعد
الدفن والمواراة الرجوع عن الإعارة، لكن ليس له الاجبار على النبش، بل
له المطالبة بالأجرة لابقائه ولو نبشه نابش فلا يجوز دفنه إلا بإذن جديد منه
. وأما قبل الدفن فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته، وليس
عليه أجرة الحفر، كما أنه ليس على ولي الميت طم القبر بعد ما كان بإذن من
المعير.
(مسألة 28) تبطل العارية بموت المعير، بل بزوال سلطنته بجنون
ونحوه.
(مسألة 29) ليس للمستعير التعدي إلى غير المنفعة التي عينها المعير
ولو كانت أدنى وأقل ضررا على المعير، ويجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع
على ما جرت به العادة، فلو أعاره سيارة للحمل فلا يحملها إلا القدر المعتاد
بالنسبة إلى مثلها وظروف استخدامها، فلو تعدى نوعا أو كيفية كان غاصبا
وضامنا وعليه أجرة ما استوفاه من المنفعة. نعم إذا تعدى في زمان الانتفاع
9

فقط كما إذا أعارها للانتفاع بها نهارا فتعدى وانتفع بها ليلا، فالظاهر أنه
ليس عليه إلا أجرة ما استوفاه ليلا.
(مسألة 30) إذا أعاره أرضا للبناء أو الغرس، جاز له الرجوع، وله
إلزام المستعير بالقلع وليس عليه الأرش، وكذا في الزرع إذا رجع قبل إدراك
الزرع، ويحتمل عدم استحقاق المعير إلزام المستعير بقلع الزرع لو رضي
المستعير بالبقاء بالأجرة، والأحوط لهما التراضي والتصالح. ومثله ما إذا أعاره
حديدا للسقف ثم رجع بعدما استعمله المستعير في البناء.
(مسألة 31) العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها إذا تلفت إلا
بالتعدي
أو التفريط. نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن منه تعد ولا تفريط،
إلا إذا كانت العين المعارة ذهبا أو فضة فيضمنها سواء اشترط فيها الضمان أو
لم يشترط، نعم يسقط الضمان فيهما أيضا إذا اشترط السقوط.
(مسألة 32) لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلا
بإذن المالك، فتكون إعارته مع الإذن فسخا للأولى وتجديدا للثانية ويكون
المستعير وكيلا ونائبا عنه، فلو خرج المستعير الأول عن قابلية الإعارة بعد
ذلك بقيت العارية الثانية على حالها.
(مسألة 33) إذا تلفت العارية بفعل المستعير، فإن كان بسبب
الاستعمال المأذون فيه من دون تعد عن المتعارف فليس عليه ضمان، كما إذا
تلفت السيارة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملا متعارفا. أما إذا كان
بسبب آخر فيضمنها.
(مسألة 34) إنما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردها إلى
مالكها أو وكيله أو وليه، ولو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من
المالك ولا إذن منه لم يبرأ، كما إذا رد السيارة إلى محلها بلا إذن من المالك
فتلفت أو أتلفها متلف.
10

(مسألة 35) إذا استعار عينا من الغاصب، فإن لم يعلم بغصبه كان
قرار الضمان على الغاصب، فإن تلفت في يد المستعير أو في الأيادي المتعاقبة
غير يد الغاصب فللمالك الرجوع بعوض ماله على كل من الغاصب
والمستعير، فإن رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب، وإن رجع على
الغاصب لم يكن له الرجوع على المستعير. وكذلك بالنسبة إلى بدل المنافع سواء
استوفاها المستعير أو تلفت في يده، فإنه إذا رجع على المستعير يرجع هو على
الغاصب دون العكس.
أما إذا كان المستعير عالما بالغصب فلا يرجع على الغاصب لو رجع المالك
عليه، لكن يرجع الغاصب على المستعير لو رجع المالك عليه. ولا يجوز
للمستعير أن يرد العين إلى الغاصب بعدما علم بالغصبية، بل يجب أن يردها
إلى مالكها.
11

كتاب الوديعة
(مسألة 36) وهي استنابة في الحفظ، أو اعتبار إضافة بين المال
والودعي وتترتب عليها أحكام الوديعة من وجوب الحفظ وعدم الضمان عند
التلف بلا تفريط، وغير ذلك من أحكامها. وتطلق كثيرا على المال الموضوع
ويقال لصاحب المال " المودع " ولذلك الغير " الودعي " أو " المستودع ".
وهي عقد يحتاج إلى الايجاب، وهو كل لفظ دال على تلك الاستنابة كأن
يقول أودعتك هذا المال أو إحفظه أو هو وديعة عندك، ونحو ذلك.
والقبول بما يدل على الرضا بالنيابة في الحفظ. ولا يعتبر فيها العربية بل تقع
بكل لغة. ويجوز أن يكون الايجاب باللفظ والقبول بالفعل، بأن يقول له مثلا
هذا المال وديعة عندك فيتسلم المال لذلك. بل يصح وقوعها بالمعاطاة بأن
يسلم مالا إلى أحد بقصد أن يحفظه عنده فيتسلمه بهذا العنوان.
(مسألة 37) إذا طرح ثوبا مثلا عند أحد وقال هذا وديعة عندك، فإن
قبلها بالقول أو الفعل الدال عليه كانت وديعة وترتبت عليها أحكامها وفي
دلالة السكوت والاكتفاء به على فرض دلالته إشكال. أما إذا لم يقبلها ولو
طرحها المالك عنده بهذا القصد وذهب عنها، فلا تكون وديعة، فلو تركها
من قصد استيداعها وذهب فتلفت لم يكن عليه ضمان، وإن كان الأحوط القيام
بحفظها مع الامكان.
12

(مسألة 38) إنما يجوز قبول الوديعة لمن يقدر على حفظها، فمن كان
عاجزا لم يجز له قبولها على الأحوط إلا مع علم المودع وطلبه القبول والحفظ
حسب قدرته.
(مسألة 39) الوديعة جائزة من الطرفين، فللمالك استرداد ماله متى
شاء وللمستودع رده كذلك وليس للمودع الامتناع عن قبوله، ولو فسخها
المستودع عند نفسه انفسخت وزالت الأمانة المالكية وصار المال عند الودعي
أمانة شرعية، فيجب عليه رده إلى مالكه أو إلى من يقوم مقامه أو إعلامه
بالفسخ وكون المال عنده، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو شرعي ضمن.
(مسألة 40) يعتبر في كل من المستودع والمودع البلوغ والعقل، فلا
يصح الاستيداع للصبي ولا المجنون منهما ولا الايداع عندهما، من غير فرق
بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين، بل لا يجوز وضع اليد على ما
أودعاه، ولو أخذه منهما ضمنه ولا تبرأ ذمته برده إليهما بل برده إلى وليهما إن
كان المال لهما، وإلى صاحبه إن كان لغيرهما.
نعم لا بأس بأخذه منهما إذا خيف تلفه في أيديهما، فيؤخذ بعنوان الحسبة
في الحفظ، ولكن لا يصير بذلك وديعة وأمانة مالكية بل أمانة شرعية يجب
عليه حفظها والمبادرة على إيصالها إلى وليهما أو إلى صاحب المال أو إعلامهما
بكونها عنده، وليس عليه ضمان لو تلفت في يده.
(مسألة 41) إذا أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى
شخص ليكون وديعة عنده وأخذه منهما بهذا العنوان، فالظاهر أنه يصير
وديعة عنده، لأن الصبي والمجنون واسطة وآلة.
(مسألة 42) إذا أودع عند الصبي والمجنون مالا لم يضمناه بالتلف، بل
بالاتلاف أيضا إذا لم يكونا مميزين في وجه قوي، لكون المودع هو السبب
الأقوى في التلف.
14

(مسألة 43) يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها
به ووضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للنقود والحلي نحوها،
والمحل المضبوط المقفل للسيارة وأمثال ذلك مما لا يعد معه عند العرف مضيعا
ومفرطا وخائنا، بل حتى لو علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع
يجب عليه بعد قبوله إياها تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه، وكذا يجب عليه
القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيب أو التلف، كالثياب يخرجها
وينشرها عند الحاجة أو يضع لها دواء لمنع الأرضة، والدابة يعلفها ويسقيها
ويقيها من الحر والبرد، فلو أهمل من ذلك ضمن.
(مسألة 44) إذا عين المودع موضعا خاصا لحفظ وديعته بنحو التقييد
اقتصر عليه، فلو وضعه فيه لم يجز نقلها إلى غيره وإن كان غيره أحفظ، فلو
نقلها منه وتلفت ضمنها. نعم لو كانت في المحل المعين في معرض التلف جاز
نقلها إلى مكان آخر أحفظ ولا ضمان عليه حتى مع نهي المالك وقوله لا تنقلها
وإن تلفت، وإن كان الأحوط حينئذ أن يراجع المودع ويستأذنه في تغيير
المكان، أو يفسخ الوديعة ويرد إليه المال. وإن لم يمكن راجع الحاكم مع
الامكان.
(مسألة 45) إذا تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعد منه ولا
تفريط لم يضمنها، وكذا لو أخذها منه ظالم قهرا، سواء انتزعها من يده أو
أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرها. نعم إذا كان هو سبب التلف لأنه أخبر
الظالم بها مثلا أو أظهرها في محل فوصل الظالم إليه فالأقوى أن عليه الضمان لأنه
حينئذ سبب للاتلاف والأمين لا يضمن التلف فقط ويضمن الاتلاف
وإن كان عن قصور.
(مسألة 46) إذا تمكن من دفع الظالم بما يوجب سلامة الوديعة وجب،
بل لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على ذلك جاز بل
15

وجب، فإن لم يفعل ضمن، والأقوى أنه لا يجب عليه التورية مع إمكانها وإن
كان أحوط.
(مسألة 47) لا يجب على الودعي تحمل الضرر الحاصل من دفع
الظالم على بدنه من جرح وغيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله بل لا
يجوز تحمل غير الخسارة المالية، بل ولا بعض مراتبها أيضا. نعم إذا كان ما
يترتب على دفعه يسيرا جدا يتحمله غالب الناس، كما إذا تكلم معه بكلام
خشن يتأذى منه ولكن لا يكون هتكا له نظرا إلى مكانته وشرفه، فالظاهر
وجوب تحمله.
(مسألة 48) إذا توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره
وجب البذل، وكذا إذا توقف دفعه على دفع بعضها، فلو لم يفعل فأخذها الظالم
كلها ضمن المقدار الزائد على ما كان يندفع به فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل
فأخذها الظالم كلها ضمن النصف، ولو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل
ضمن الثلثين، وهكذا. وكذا الحال إذا كان عنده وديعتان لشخص وكان الظالم
يندفع بإعطائه إحداهما فلم يفعل فأخذهما فإن كان يندفع بإحداهما المعينة
ضمن الأخرى وإن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة.
ولو توقف دفعه على إعطائه مالا من الودعي لا يجب عليه أن يدفعه تبرعا.
وأما إذا أعطاه بعد الاستيذان من المالك أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم
الوصول إليه لزم ذلك على المالك، وأما إذا دفعه بلا استيذان فلا يستحق
الرجوع به عليه وإن كانت نيته ذلك، هذا إذا أمكنه الاستيذان، أما إذا لم يمكنه
الاستيذان فله أن يدفع ويرجع به على المالك إذا كان من نيته ذلك.
(مسألة 49) إذا كانت الوديعة دابة مثلا يجب عليه سقيها وعلفها ولو لم
يأمره المالك بل ولو نهاه، ولا يجب أن يكون ذلك بمباشرته أو يكون ذلك
16

في موضعها. فيجوز أن يسقيها بواسطة خادمه أو يخرجها من منزله للسقي، إن
جرت العادة بذلك وإن أمكن سقيها في موضعها.
نعم لو كان الطريق مخوفا لم يجز اخراجها، كما لا يجوز أن يسلمها بيد
غير مأمون. وبالجملة لا بد من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لا يعد عرفا
مفرطا ومتعديا.
وأما نفقتها فإن وضعها المالك عنده أو قيمتها أو أذن له في الانفاق عليها
من ماله على ذمته فلا إشكال، وإلا وجب الاستيذان من المالك أو وكيله،
فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحا ولو ببيع بعضها للنفقة،
فإن تعذر الحاكم فإن أمكنه ردها إلى المودع أو وكيله وجب، وإلا أنفق من
ماله بنية الرجوع على المالك ورجع عليه به.
(مسألة 50) تبطل الوديعة بموت كل من المودع والمستودع أو جنونه،
فإن مات المودع أو جن تصير في يد الودعي أمانة شرعية، فيجب عليه ردها
فورا إلى وارث المودع أو وليه أو إعلامهما بها، فإن أهمل لا لعذر شرعي
ضمن. وإذا لم يعلم أن من يدعي الإرث وارثا أو أن الإرث منحصر فيه،
فالأحوط الرجوع إلى الحاكم الشرعي. وإن كان الوارث متعددا سلمها إلى
الكل أو إلى من يقوم مقامهم، ولو سلمها إلى البعض من غير إذن الباقين ضمن
حصصهم.
وإن مات المستودع أو جن تصير أمانة شرعية في يد من كانت الوديعة
حينئذ بيده وإن لم يكن وارثا أو وليا له، ويجب عليه الرد إلى المودع أو
إعلامه فورا.
(مسألة 51) يجب رد الوديعة عند المطالبة في أول وقت الامكان وإن
كان المودع كافرا محترم المال، بل وإن كان حربيا مباح المال على الأحوط.
والواجب في الرد هو رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها لا نقلها إلى
المالك، فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي
وديعتك خذها فقد أدى تكليفه وخرج من عهدته.
17

كما أن الفورية الواجبة مع الامكان وعدم إجازة المودع التأخير هي
الفورية العرفية، فلا يجب عليه الركض ونحوه والخروج من الحمام فورا وقطع
الطعام والصلاة وإن كانت نافلة ونحو ذلك. والأقوى أن له تأخير التسليم حتى
يحضر الشهود إذا كان في معرض الخسارة مع عدم الاشهاد خصوصا إذا
كان الايداع مع الاشهاد.
(مسألة 52) إذا أودع اللص ما سرقه عند أحد، لم يجز له رده إليه مع
الامكان، بل يكون أمانة شرعية في يده، ويجب إيصاله إلى صاحبه إن
عرفه، وإلا عرفه سنة فإن لم يجد صاحبه تصدق به عنه، فإن جاء بعد ذلك
خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار أجر الصدقة كان له وإن اختار الغرامة
غرم له وكان الأجر للمتصدق.
(مسألة 53) كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك، يجب ردها إذا
خاف عليها من تلف أو سرقة أو حرق ونحو ذلك، فإن أمكن إيصالها إلى
المالك أو وكيله الخاص أو العام تعين. وإلا أوصلها إلى الحاكم إذا كان قادرا
على حفظها، ولو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضا في معرض التلف لسبب من
الأسباب، أودعها عند ثقة أمين متمكن من حفظها.
(مسألة 54) إذا ظهر للمستودع أمارة الموت بسبب المرض الخطير أو
غيره يجب عليه ردها إلى مالكها أو وكيله مع الامكان، وإلا فإلى الحاكم ومع
فقده يوصي بها ويشهد عليها، فلو أهمل ذلك ضمن. وليكن الايصاء
والاشهاد بنحو يؤمن حفظ الوديعة لمالكها، فلا بد من ذكر جنسها ووصفها
ومكانها واسم مالكها، فلا يكفي قوله عندي وديعة لبعض الناس.
نعم إذا كان الوارث مطلعا عليها وكان ثقة أمينا يرد الوديعة بلا إشهاد ولا
وصية فالأقوى عدم وجوب الوصية بها وعدم وجوب الاشهاد عليها.
18

(مسألة 55) يجوز للودعي أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها السابق
عند أهله وعياله ما دام لا يتوقف حفظها على حضوره، وإلا فإن لم يكن سفره
ضروريا فيلزم عليه إما ترك السفر وإما ردها إلى مالكها أو وكيله مع
الامكان، أو إيصالها إلى الحاكم مع التعذر، ومع فقده فالظاهر أنه يتعين عليه
ترك السفر، ولا يجوز أن يسافر بها ولو مع أمن الطريق ولا إيداعها عند أمين
على الأحوط إن لم يكن أقوى.
وإن كان سفره ضروريا، فإن تعذر ردها إلى المالك والقائم مقامه تعين
إيداعها عند أمين، فإن تعذر إيداعها عنده أيضا سافر بها محافظا عليها بقدر
الامكان وليس عليه ضمان.
نعم في الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر يجب أن يعاملها معاملة من ظهر له
أمارة الموت فيردها، وإلا فيوصي بها ويشهد عليها كما مر.
(مسألة 56) المستودع أمين لا يضمن إذا تلفت الوديعة أو تعيبت في
يده، إلا مع التفريط أو التعدي كما هو الحال في كل أمين.
أما التفريط فهو الاهمال في المحافظة عليها كما جرت العادة بحيث يعد عند
العرف مضيعا ومتسامحا، كما إذا وضعها في محل ليس حرزا ولم يراقبها، أو ترك
سقي الدابة وعلفها، أو ترك نشر الثوب الذي يلزمه النشر في وقته، أو
أودعها، أو سافر بها من غير ضرورة ولم يكن السفر بها مقدمة لحفظها، أو
ترك التحفظ من النداوة فيما تفسده كالكتب وبعض الأقمشة وغير ذلك.
وأما التعدي فهو أن يتصرف فيها بما لم يأذن له المالك مثل أن يلبس الثوب
أو يفرش الفراش أو يركب الدابة، إلا إذا توقف حفظها على التصرف، كما إذا
توقف حفظ الثوب والفراش على اللبس والافتراش، أو يصدر منه بالنسبة
إليها ما ينافي الأمانة وتكون يده عليها على وجه الخيانة، كما إذا جحدها لا
لمصلحة الوديعة ولا لعذر من نسيان ونحوه.
وقد يجتمع التفريط مع التعدي، كما إذا وضع الثوب أو القماش أو الكتب
19

ونحوها في موضع تتعفن فيه أو تفسد، ولعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا
في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه وشده من دون
ضرورة ومصلحة. ومن التعدي خلط الوديعة بماله، سواء كان بالجنس أو
بغيره، وسواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردأ، وأما لو خلطه بجنسه من
مال صاحبه كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين
فجعلهما كيسا واحدا، فإن كان ذلك مقدمة لحفظها أو لم يحرز أن غرض المودع
حفظهما منفصلين أو مخلوطين، فلا بأس به وإلا ففيه إشكال.
(مسألة 57) إذا فرط بالأمانة أو تعدى يصير ضمانها عليه لو تلفت
حتى لو لم يكن تلفها مستندا إلى تفريطه وتعديه، لأن يده الأمانية غير الضمانية
تتبدل إلى يد خيانة ضمانية.
(مسألة 58) إذا نوى التصرف في الوديعة ولم يتصرف فيها لم يضمن
بمجرد النية. نعم لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها والتغلب على
مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان، ولو رجع عن قصده
لم يزل الضمان. ومثله ما إذا جحدها أو طلبت منه فامتنع من ردها مع التمكن
عقلا وشرعا، فإنه يضمنها بمجرد ذلك، ولا يبرأ من الضمان لو عدل عن
جحوده أو امتناعه.
(مسألة 59) إذا كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها وأخذ بعضها
ضمن الجميع، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق، وأما إذا لم تكن مودعة
في حرز أو كانت في حرز الودعي ولم يضعها المودع فيه، وأخذ بعضها فإن
كان قصده الاقتصار عليه، فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي،
وإن كان قصده عدم الاقتصار بل أخذ الجميع شيئا فشيئا، فلا يبعد أن يكون
ضامنا للجميع.
20

(مسألة 60) إذا سلمها إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها،
ضمن إلا أن يكونوا كالآلة لكون ذلك بمحضر المودع ومشاهدته وسكوته
الكاشف عن رضاه بحسب العادة، وأما مع احتمال كون سكوته للحياء ففيه
إشكال، خصوصا إذا جرت العادة بحفظ أمثالها مباشرة.
(مسألة 61) إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه، بأن أعادها
إلى الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها، أو تعدى ثم رجع، كما إذا لبس
الثوب ثم نزعه - لم يبرأ من الضمان. ولو جدد المالك له الاستيمان فإن كان
بالايجاب والقبول فيكون وديعة جديدة محكومة بأحكامها، وإن كان بمجرد
الإذن في البقاء تحت يده فيرتفع الضمان لكن لا تترتب عليه أحكام الوديعة.
ولو أبرأه من الضمان فالأقوى عدم السقوط إلا إذا فهم منه الرضا ببقائها تحت
يده. نعم لو تلفت العين في يده واشتغلت ذمته بعوضها، يصح الابراء ويسقط
الحق به.
(مسألة 62) إذا أنكر الوديعة أو اعترف بها وادعى التلف أو الرد ولا
بينة، فالقول قوله بيمينه، وكذا لو تسالما على التلف، ولكن ادعى عليه المودع
التفريط أو التعدي.
(مسألة 63) إذا دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن من المالك فأنكر
المالك ولا بينة، فالقول قول المالك. أما لو صدقه على الإذن لكن أنكر
التسليم إلى من أذن له فهو كدعواه الرد إلى المالك مع إنكاره، فيكون القول
قول الودعي مع يمينه.
(مسألة 64) إذا أنكر الوديعة وأقام المالك البينة عليها فصدقها لكن
ادعى أنها تلفت قبل أن ينكرها، لم تسمع دعواه، فلا يقبل منه اليمين ولا
البينة على إشكال إلا إذا أبدى عذرا مسموعا عند العقلاء فلا يبعد السماع.
أما إذا ادعى تلفها بعد ذلك فتسمع دعواه ويحتاج إلى البينة لكنه لا أثر
لدعواه ولو ثبتت بالبينة إلا عدم إلزامه برد العين، وأما الضمان فقد استقر
21

عليه بإنكار الوديعة. نعم لو أذن له بعد الاثبات في إبقائها عنده وأثبت بالبينة تلفها
فلا ضمان عليه إلا مع التفريط.
(مسألة 65) إذا أقر بالوديعة ثم مات فإن عينها في عين شخصية معينة
موجودة حال موته، أخرجت من التركة، وكذا إذا عينها ضمن مصاديق من
جنس واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال إحدى هذه الشياه وديعة عندي
من فلان ولم يعينها، فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورث ولم يميزوا الوديعة
من غيرها أن يعاملوها كما لو علموا إجمالا بأن إحدى هذه الشياه لفلان.
وإذا عين الوديعة ولم يعين مالكها كانت من مجهول المالك، وقد مر ما يعلم منه
حكم الصورتين في المخلوط بالحرام من كتاب الخمس. وأن الحكم في الصورة
الأولى هو التصالح والتراضي مع المالك، وفي الصورة الثانية فيها تفصيل فراجع
. وإذا عينها المودع في معين واحتمل صدقه فالأقوى اعتبار قوله إن لم يكن له
معارض. وإن لم يعين المورث المالك ولا المال ولا محله بحيث تردد بين كونه في
تركته أو محل آخر، فلا اعتبار بقوله إذا لم يعلم الورثة بوجود الوديعة في تركته
حتى إذا ذكر الجنس ولم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلا واحد، إلا إذا علم
أن مراده ذلك الواحد.
خاتمة
(مسألة 66) الأمانة على قسمين مالكية وشرعية، فالأمانة المالكية ما
كانت باستئمان المالك وإذنه، سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك كالوديعة
22

أو تبعا لعنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة،
فإن العين بيد المرتهن والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية، حيث أن
المالك قد سلمها بعنوان الاستئمان وجعل حفظها على عهدتهم.
وأما الأمانة الشرعية فهي ما وقع تحت يد الآخر، لا باستئمان المالك وإذنه
ولا على وجه العدوان، بل إما قهرا كما إذا أطارت الريح ثوبا أو جاء به السيل
إلى ملكه مثلا فصار بحيث يصدق عليه أنه في يده، وإما بتسليم المالك لها
بدون اطلاعهما، كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه المشتري شيئا من مال
البائع بدون اطلاعه، أو تسلم البائع أو المشتري زائدا على حقهما بسبب الغلط
في الحساب، أو صارت في يده برخصة من الشرع كاللقطة والضالة وما ينتزع
من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للايصال إلى صاحبه، وكذا ما
يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ
، وما يؤخذ من معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة، كحيوان معلوم
المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك، فإن العين في جميع هذه الموارد تكون
تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها
وردها في أول أزمنة الامكان إلى صاحبها ولو مع عدم المطالبة، ولا يخلو
كفاية إعلامه أو التخلية بينه وبينها من قوة. ولو تلفت في يده فليس عليه
ضمان إلا مع التفريط أو التعدي كالأمانة المالكية.
وإذا كانت العين أمانة مالكية تبعا لعنوان آخر وارتفع ذلك العنوان،
كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدة الإجارة، والعين المرهونة بعد فك الرهن،
والمال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة، فالأرجح أنها أمانة مالكية إذا
بقيت العين عنده برضا المالك، أو بقيت مدة تستلزمها الإجارة أو المضاربة أو
الرهن، أما إذا كان التأخير لعجزه عن الوصول إلى مالكها فتكون أمانة
شرعية.
23

كتاب المضاربة
(مسألة 67) وتسمى القراض، وحقيقتها توكيل صاحب المال العامل
ليتجر بماله على أن يكون الربح بينهما وإذا جعل تمام الربح للمالك يقال له
البضاعة، فتكون المضاربة بمنزلة وكالة محدودة وجعالة مخصوصة لشخص معين
في عمل خاص بجعل مخصوص.
وحيث إنها عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب من المالك وقبول من
العامل، ويكفي في الايجاب كل لفظ يفيد هذا بالظهور العرفي كقوله " ضاربتك أو
قارضتك أو عاملتك على كذا " وما أفاد هذا المعنى، وفي القبول " قبلت " وشبهه.
(مسألة 68) يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار، وفي
المالك عدم الحجر. وفي رأس المال أن يكون عينا فلا تصح بالمنفعة ولا بالدين
سواء
كان على العامل أو على غيره إلا بعد قبضه، وأن يكون درهما أو دينارا
مسكوكا، أو أوراقا مالية كأوراق الاسكناس المتعارفة، فلا تصح بالذهب
والفضة غير المسكوكين فضلا عن العروض. وأن يكون معينا فلا تصح بالمبهم
كأن يقول: قارضتك بأحد هذين المالين أو بأيهما شئت، وأن يكون معلوما قدرا
ووصفا.
وفي الربح أن يكون معلوما فلو قال: على أن لك مثل ما شرط فلان لعامله،
ولم يعلما ما شرط بطل، وأن يكون مشاعا مقدرا بأحد الكسور كالنصف أو
24

الثلث فلو قال: على أن لك من الربح مائة والباقي لي أو بالعكس، أو على أن لك
نصف الربح وعشرة دراهم مثلا لم يصح، وأن يكون بين المالك والعامل ولا
يشاركهما غيرهما، فلو جعلا جزءا منه لأجنبي بطل إلا أن يكون له عمل
متعلق بتلك التجارة.
(مسألة 69) يشترط في المضاربة أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو
دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما، أو إلى الطباخ
أو الخباز أو الصباغ مثلا ليصرفوها في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما، لم
يصح ولم تقع مضاربة.
(مسألة 70) يجوز أن يوكل أحدا في استيفاء دينه ثم إيقاع عقد
المضاربة معه عليه، فيكون موجبا عن المالك وقابلا عن نفسه، وكذا لو كان
المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما كان في ذمته في مال معين، ثم
إيقاع عقد المضاربة عليها موجبا وقابلا.
(مسألة 71) إذا دفع إليه عروضا وقال بعها ويكون ثمنها مضاربة، لم
يصح إلا إذا أوقع عقد المضاربة بعد ذلك على ثمنها.
(مسألة 72) إذا دفع إليه شبكة مثلا على أن يكون ما وقع فيها من
السمك بينهما بالنصف أو الثلث مثلا، لم يكن مضاربة بل المعاملة فاسدة،
فيكون ما وقع فيها من الصيد للصائد وعليه أجرة مثل الشبكة لصاحبها، لكن
لو أذن له بالتصرف في شبكته بشرط أن يتملك لصاحب الشبكة نصف ما
يصيده بها فالظاهر أنه لا مانع منه، وإذا نوى ذلك في صيده يصير صاحب
الشبكة شريكا بمقدار ما نواه له.
(مسألة 73) إذا دفع إليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون
الثمرة والنتاج بينهما، لم يكن مضاربة، بل المعاملة فاسدة وتكون الثمرة والنتاج
لصاحب المال وعليه للعامل مثل أجرة عمله.
26

(مسألة 74) تصح المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كان مبلغ معلوم
من المال مشتركا بين اثنين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي من هذا المال،
صح مع العلم بمقدار حصته، وكذا لو كان عنده ألف دينار مثلا وقال قارضتك
بنصف هذه الدنانير.
(مسألة 75) لا فرق بين أن يقول: خذ هذا المال مضاربة ولكل منا نصف
الربح، أو يقول: والربح بيننا، أو يقول: ولك نصف الربح أو لي نصف الربح،
فإن الظاهر أنه جعل لكل منهما نصف الربح، وكذلك لا فرق بين أن يقول: خذه
قراضا ولك نصف ربحه أو يقول لك ربح نصفه، فإن مفاد الجميع واحد عرفا.
(مسألة 76) إذا اتحد المالك في المضاربة وتعدد العامل في مال واحد
فإن كان المقصود مثلا كون كل منهما عاملا في نصف المال فلا إشكال فيه،
فيكون عقدا واحدا معهما بمنزلة عقدين، سواء كان نصف كل منهما مميزا في
الخارج أو مشاعا، وسواء كانت حصة أحدهما أكثر أم لا. وإن كان المقصود
صدور العمل منهما معا لا من أحدهما منفردا، فلا يبعد صحته أيضا، ويجوز
التسوية بينهما في الحصة والتفاضل، ولكن لا يجوز لكل منهما العمل مستقلا،
وهما شريكان في الربح على ما جعل لهما في العقد.
أما إذا كان المقصود عمل كل منهما في جميع المال مستقلا أو منضما ولكن
كلما عمل أحدهما يكون الآخر شريكا له في ربحه سواء عمل أم لم يعمل، ففي
صحته تأمل واشكال سواء كانت حصتاهما متساويتين أو متفاوتتين.
وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل، كما إذا كان المال مشتركا بين اثنين
فقارضا واحدا بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسوية،
وكذا بالتفاضل بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر بالثلث
مثلا بشرط أن يكون المقصود معلوما ولو بالقرينة، فإذا كان الربح اثني عشر
27

استحق العامل خمسة واستحق أحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة. هذا إذا كان
رأس مال الشريكين متفاوتا، أما إذا كان متساويا، ووقعت المضاربة على
التفاضل بينهما في استحقاق الربح، فالأقوى البطلان.
(مسألة 77) المضاربة جائزة من الطرفين فللمالك الرجوع عن الإذن في
التصرف وللعامل الامتناع عن العمل في أي وقت، وأما الفسخ بعد تمام العمل
والرجوع إلى أجرة المثل لا إلى ما عيناه من الربح، فالأقوى عدم جوازه.
وإذا اشترطا فيها الأجل جاز لكل منهما فسخها قبل انقضائه، ولو اشترطا
فيها عدم الفسخ فإن كان المقصود لزومها بحيث لا ينفسخ بفسخ أحدهما بطل
الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، وإن كان المقصود التزامهما بأن لا
يفسخاها فلا بأس به وإن لم يلزم عليهما العمل به ولكن الأحوط العمل به أما
إذا جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع والصلح ونحوهما فيجب
العمل به تكليفا لكن إذا فسخها أحدهما تنفسخ.
(مسألة 78) الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة فتصح
بالمعاطاة، وإذا وقعت فضولا من المالك أو العامل تصح بإجازتهما كالبيع.
(مسألة 79) تبطل المضاربة بموت كل من المالك والعامل، والأقوى
أنها لا يصح بإجازة الورثة.
(مسألة 80) العامل أمين، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيب بيده
إلا مع التعدي أو التفريط، كما أنه لا يضمن خسارة التجارة، بل هي على
صاحب المال. ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في
الخسارة كما هو شريك في الربح، فالأقوى عدم صحة الشرط. نعم لو كان
مرجعه إلى اشتراط أنه
على تقدير وقوع الخسارة على المالك يخسر العامل نصفها مثلا من كيسه لا
بأس به، لكن لزوم الوفاء به على العامل يتوقف على إيقاع هذا الشرط ضمن
عقد لازم، فيجب العمل به حينئذ تكليفا.
28

(مسألة 81) يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته وهي ما
يقوم به التاجر عادة لنفسه في مثل تلك التجارة وذلك المكان والزمان وذلك
العامل، من عرض القماش والنشر والطي مثلا وقبض الثمن وإحرازه في حرزه،
واستئجار من جرت العادة باستئجاره كالدلال والوزان والحمال، ويعطي
أجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الأمور هو بنفسه لا بقصد
التبرع فالظاهر جواز أخذ الأجرة. نعم لو استأجر العامل لما يتعارف فيه
مباشرته بنفسه كانت عليه الأجرة ويضمن المال لو تلف في يد الأجير، إلا إذا
كان مأذونا في ذلك.
(مسألة 82) إذا كان عقد المضاربة مطلقا، جاز للعامل الاتجار بالمال
على حسب ما يراه مصلحة من حيث الجنس المشترى، ومن حيث البائع
والمشتري وغير ذلك، بل لا يتعين عليه أن يبيع نقدا، بل يجوز أن يبيع الجنس
بجنس آخر إلا أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الاطلاق. نعم لو شرط
عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني أو إلا الجنس الفلاني، أو لا يبيع من
الشخص الفلاني، أو الطائفة الفلانية، وغير ذلك من الشروط، لم يجز له
المخالفة، ولو خالف ضمن المال والخسارة، لكن لو حصل الربح وكانت
التجارة رابحة شارك المالك في الربح حسب عقد المضاربة.
(مسألة 83) لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره
إلا بإذن المالك عموما أو خصوصا، فلو خلط ضمن، وإذا اتجر بالمجموع
وحصل ربح فهو بين المالين بالنسبة.
(مسألة 84) إذا كان العقد مطلقا لا يجوز للعامل أن يبيع نسيئة
خصوصا في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص، إلا أن يكون متعارفا بين
التجار ولو بالنسبة إلى ذلك البلد أو الجنس الفلاني بحيث لا ينصرف عنه
الاطلاق، فلو خالف مقتضى الانصراف ضمن، ولكن لو استوفاه وحصل ربح
كان بينهما.
29

(مسألة 85) ليس للعامل أن يسافر بالمال برا أو بحرا والاتجار به في
بلد آخر غير بلد المال إلا أن يكون ذلك متعارفا أو يأذن المالك، فلو سافر
ضمن التلف والخسارة لكن لو حصل ربح يكون بينهما كما مر. وكذا لو أمره
بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
(مسألة 86) ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض شيئا وإن
قل، وأما في السفر بإذن المالك فله الانفاق من رأس المال إلا إذا اشترط عليه
المالك أن تكون نفقته من نفسه. بل لا يبعد أن يكون له الانفاق من رأس
المال إذا كان السفر بغير إذنه أيضا، ما دامت المضاربة باقية، ويكون الربح
بينهما. ولا ينافي ذلك كون الخسارة عليه لمخالفته المالك.
والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب
وآلات وأدوات وأجرة مسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على
وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه، ولو قتر على نفسه أو لم يحتج إليها لم
تحسب له. وليس من النفقة جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على
العامل إلا إذا كانت لمصلحة التجارة.
(مسألة 87) المراد بالسفر هنا السفر العرفي لا الشرعي، فيشمل ما
دون المسافة، كما أنه يشمل أيام إقامته عشرة أيام أو أكثر، بشرط أن تكون
الإقامة من شؤون السفر، كانتظار الرفقاء أو لخوف الطريق، أو للراحة من
تعبه، أو تكون لأمور متعلقة بالتجارة كدفع الضرائب وتخليص البضاعة أو
شرائها، وغير ذلك.
أما إذا كانت إقامته للتفرج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون
نفقته على نفسه، خصوصا إذا كان ذلك بعد تمام العمل.
(مسألة 88) إذا كان عاملا في سفره لنفسه وغيره ولم تكن المضاربة
علة مستقلة للسفر توزع النفقة، ولا يترك الاحتياط بمراعاة أقل الأمرين من
30

نسبة المالين أو العملين. أما إذا كانت المضاربة علة مستقلة للسفر فلا يبعد
جواز أخذ تمام النفقة من رأس مال المضاربة. وإذا كان عاملا لاثنين أو أكثر
فالأقوى توزيع النفقة بينهما بنسبة المالين، والأحوط التصالح معهما.
(مسألة 89) لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من
أصل المال وإن لم يكن ربح. نعم لو أنفق وحصل ربح فيما بعد يجبر ما أنفقه
كسائر الغرامات والخسارات.
(مسألة 90) الظاهر أنه يجب على العامل الشراء بعين مال المضاربة
ويشكل أن يشتري بالكلي في ذمة المالك، إلا أن يأذن المالك بذلك، كما لا
إشكال في عدم جوازه إذا اشترط المالك عدمه.
(مسألة 91) لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في أصل التجارة من دون
إذن المالك. نعم يجوز له التوكيل والاستيجار في بعض المقدمات المتعارف فيها
التوكيل فيها، وكذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلا بإذن
المالك. فإن أذن وكان قصده فسخ المضاربة الأولى انفسخت الأولى بإيقاع
المضاربة الجديدة. وإن كان قصده بقاء الأولى أيضا حتى يجوز لكل منهما العمل
في أي مقدار كان، فالظاهر أنه لا مانع منه نظير جعل الوكالة لاثنين في بيع ماله
أو جعل الجعالة لكل من رد ضالته مثلا، فكل منهما إذا عمل في مجموع المال أو
مقدار منه يستحق حصته من الربح، ولا يبقى للآخر شئ حتى يجوز له فيه
العمل.
أما لو كان المقصود أن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأول فالأقوى
عدم الصحة.
(مسألة 92) الظاهر أنه يصح أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن
عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا
أو يعطيه شيئا وبالعكس.
31

(مسألة 93) الظاهر أن العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره،
ولا يتوقف على تحويل البضاعة إلى نقد، ولا على القسمة، كما أن الظاهر أنه
يصير بالربح شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصح له
المطالبة بالقسمة والتصرف في حصته بالبيع والصلح ويترتب عليها حصول
الإرث على جميع الأقوال، غاية الأمر أن ما يورث ملك على تقدير وحق على
الآخر، وكذا يترتب عليها تعلق الزكاة وحق الغير وغير ذلك. أما الخمس
فالظاهر أن استقرار الملك شرط في تعلقه، وكذا حصول الاستطاعة للحج.
(مسألة 94) تجبر الخسارة الواردة على مال المضاربة بالربح ما دامت
المضاربة باقية، سواء كانت سابقة على الربح أو لاحقة، فتكون ملكية العامل
للربح بظهوره ملكية متزلزلة، وتستقر بتحويل البضاعة إلى نقد وفسخ
المضاربة والقسمة، فلا جبران بعد ذلك. وفي حصول الاستقرار بدون اجتماع
الثلاثة أقوال أقواها أنه يتحقق بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الانضاض،
بل لا يبعد تحققه بالفسخ والانضاض وإن لم تحصل القسمة، بل لا يبعد أيضا
كفاية إفراز حصة العامل من الربح ودفع الباقي إلى المالك برضاهما.
(مسألة 95) كما يجبر الخسران في المضاربة بالربح كذلك يجبر به التلف،
كما لو تلف بعض رأس المال بسبب غرق أو حريق أو سرقة أو غيرها وربح
بعضها فيجبر تلف البعض بربح البعض، نعم لو تلف كل رأس المال قبل
الشروع بالعمل تنفسخ المعاملة وينتفي موضوع الجبران.
(مسألة 96) إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فإن كان قبل
الشروع في العمل ومقدماته فلا إشكال ولا شئ للعامل ولا عليه، وكذا إن
كان بعد تمام العمل والانضاض أي تحويل البضاعة إلى نقد، إذ مع حصول
32

الربح يقتسمانه ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله ولا شئ للعامل ولا عليه.
أما إذا كان في الأثناء بعد الشروع في العمل، فإن كان قبل حصول الربح فليس
للعامل شئ ولا أجرة له لما مضى من عمله، سواء كان الفسخ منه أو من
المالك، أو حصل الانفساخ القهري. كما أنه ليس على العامل شئ مطلقا حتى
لو حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك بل وغير المأذون فيه أيضا
كما مر، فلا يضمن العامل ما صرفه في نفقته من رأس المال، ولا يجوز للعامل
التصرف بالبضاعة بدون إذن المالك، كما أنه ليس للمالك إلزامه بالبيع
والانضاض.
وإن كان بعد حصول الربح، فإن كان بعد الانضاض فقد تم العمل فيأخذ
كل منهما حقه، وإن كان قبل الانضاض فعلى ما مر من تملك العامل حصته من
الربح بمجرد ظهوره يشارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذه الحال
أو انتظرا إلى الانضاض فلا إشكال، وإن طلب أحدهما بيعها لم يجب على
الآخر إجابته، والظاهر كفاية القسمة برضاهما في استقرار الملك وإن لم يحصل
الانضاض، ولو لم تحصل القسمة وحدثت الخسارة قبلها وقبل الانضاض،
تجبر بالربح.
(مسألة 97) إذا كان في المال ديون على الناس فالأحوط إن لم يكن
أقوى أن على العامل استيفائها إلا إذا رضي المالك بتركها.
(مسألة 98) إذا انفسخت المضاربة وجب على العامل رد المال إلى
المالك، وتحقق الرد بالتخلية بينه وبينه بدون إيصال إليه مشكل خصوصا إذا لم
يكن الفسخ من المالك. أما إذا كان سافر برأس المال إلى بلد آخر بغير إذنه
فيجب إرجاعه إلى المالك، ويتحمل مؤونة إرجاعه.
(مسألة 99) إذا كانت المضاربة فاسدة، فإن كان العمل بإذن المالك
حتى لو كانت مضاربة باطلة أو أجازه بعد علمه ببطلانها، فالربح كله للمالك،
سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين. وإذا أذن له المالك بالاتجار
33

مقيدا بصحة المضاربة وكانت فاسدة فالمعاملة باطلة من أصلها ولا ربح، لكن
العامل يستحق أجرة المثل في جميع الصور إذا كان مأذونا بالتجارة وجاهلا
بالفساد، سواء كان المالك عالما به أو جاهلا.
وأما إذا عمل بدون إذن المالك فلا يستحق شيئا وإن أجاز المالك معاملاته
بعد وقوعها. وكذا لا يستحق شيئا إذا كان عالما بفساد المضاربة إلا إذا عمل
بأمر المالك ولو مع علمه بالفساد فيكون له الأجرة. وكذا له نفقة السفر إذا
سافر بأمر المالك.
وفي كل الأحوال لا يضمن العامل التلف والنقص الوارد على المال،
والأقوى أنه يضمن ما أنفقه على نفسه في السفر لا على التجارة وإن كان
جاهلا بفساد المضاربة.
(مسألة 100) إذا ضارب مع الغير بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة
وقع فضوليا، فإن أجازه المالك وقع له وكان الخسران عليه والربح بينه وبين
العامل على ما شرطاه، وإن رده فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه به، ويجب
على العامل رده إليه، وإن تلف أو تعيب كان له الرجوع على كل من المضارب
والعامل، فإن رجع على المضارب لم يرجع على العامل وإن رجع على العامل
رجع على المضارب، هذا إذا كان المضارب غارا والعامل مغرورا، وإلا فقرار
الضمان على من تلف المال عنده، وللمالك الرجوع على كل منهما.
وإن رد مضاربته بعد أن عومل بماله كانت المعاملة فضولية، فإن أمضاها
وقعت له وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردها رجع بماله على
كل من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يلاحظ
مصلحته فإذا رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردها.
وأما معاملة العامل مع المضارب، فإذا لم يعمل عملا لم يستحق شيئا، وكذا
إذا عمل وكان عالما بكون المال لغير المضارب، وأما إذا عمل ولم يعلم بكونه
لغيره استحق أجرة مثل عمله ورجع بها على المضارب.
34

(مسألة 101) إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتجار به
وتعطيله عنده أكثر مما جرت به العادة بحيث يعد متوانيا متسامحا، فإن عطله
كذلك لا لعذر موجه وكان الإذن بإمساكه مقيدا بالمعاملة، ضمنه لو تلف لكن لم
يستحق المالك عليه غير أصل المال، وليس له مطالبته بالربح على تقدير
الاتجار به.
(مسألة 102) إذا ضاربه على خمسمائة مثلا فدفعها إليه وعامل بها، وفي
أثناء التجارة بها دفع إليه خمسمائة أخرى للمضاربة، فالظاهر أنهما مضاربتان،
فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى. نعم لو ضاربه على ألف مثلا فدفع
إليه خمسمائة فعامل بها ثم دفع إليه خمسمائة أخرى فهي مضاربة
واحدة تجبر خسارة كل من المعاملتين بربح الأخرى.
(مسألة 103) إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثم
فسخ أحد الشريكين، فمقتضى القاعدة عدم الانفساخ بالنسبة إلى الآخر لأن
المضاربة مع الشريكين تنحل إلى مضاربتين.
(مسألة 104) إذا تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم
توجد بينة، قدم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو كان تالفا مضمونا
على العامل.
(مسألة 105) إذا ادعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول
الديون التي عند الناس ولم تكن مضمونة عليه، وادعى المالك خلافه ولم توجد
بينة، قدم قول العامل.
(مسألة 106) إذا اختلفا في الربح ولم توجد بينة قدم قول العامل، سواء
اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره، بل وكذا الحال إذا قال العامل ربحت
كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
(مسألة 107) إذا اختلفا في نصيب العامل من الربح وأنه النصف مثلا أو
الثلث ولم توجد بينة، قدم قول المالك.
35

(مسألة 108) إذا تلف المال أو وقعت خسارة فادعى المالك على العامل
الخيانة أو التفريط في الحفظ ولم تكن له بينة، قدم قول العامل، وكذا لو ادعى
عليه مخالفته لما شرط عليه، سواء كان النزاع في أصل الاشتراط أو في مخالفته
لما شرط عليه، كما إذا ادعى المالك أنه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس
الفلاني فاشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما
اشترط عليه. نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل
إلا بإذنه، كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر، فادعى العامل كونه
بإذن المالك وأنكره، قدم قول المالك.
(مسألة 109) إذا ادعى رد المال إلى المالك وأنكره قدم قول المالك.
(مسألة 110) إذا اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها
لنفسي وقال المالك اشتريتها للقراض، أو ظهر خسران فادعى العامل أنه
اشتراها للقراض وقال صاحب المال بل اشتريتها لنفسك، قدم قول العامل
بيمينه.
(مسألة 111) إذا حصل تلف أو خسارة، فادعى المالك أنه أقرضه
وادعى العامل أنه قارضه فلا يبعد تقدم قول العامل مع يمينه على نفي القرض،
لعدم الأثر في القراض بخلاف القرض. وأما لو حصل ربح فادعى المالك أنه
قارضه وادعى العامل أنه أقرضه، فيقدم قول المالك.
(مسألة 112) إذا ادعى المالك أنه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا
يستحق العامل شيئا من الربح، وادعى العامل المضاربة فله حصة منه،
فالظاهر أنه يقدم قول المالك مع يمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام
الربح لو كان، ولو لم يكن ربح أصلا فلا ثمرة في هذه الدعوى.
(مسألة 113) يجوز إيقاع الجعالة على الاتجار بمال وجعل الجعل حصة
من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلا: إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلك
36

نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها ما
يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون
عروضا أو دينا أو منفعة.
(مسألة 114) يجوز للأب والجد المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة،
والأحوط مراعاة وجود المصلحة أيضا. وكذا القيم الشرعي كالوصي والحاكم
الشرعي مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة، بل يجوز للوصي
على ثلث الميت أن يدفعه إلى الغير بالمضاربة ويصرف حصة الميت من الربح
في المصارف المعينة للثلث إذا أوصى الميت بذلك، بل وإن لم يوص به لكن
فوض أمر الثلث إلى نظر الوصي فرأى الصلاح في ذلك.
(مسألة 115) إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة، فإن علم
وجوده بعينه فيما تركه فلا إشكال، وإن علم بوجوده في تركته من غير تعيين
فالأقوى إجراء القرعة والأحوط المصالحة.
نعم لو علم المال جنسا وقدرا واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره فالظاهر
أنه بحكم المال المشترك فيكون المجموع مشتركا بين المالك وورثة الميت
بالنسبة، أما إذا علم أنه مميز في الواقع وكان مشتبها في الظاهر فيأتي فيه ما
تقدم من أن الأقوى إعمال القرعة والأحوط التصالح.
وأما إذا علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنه رده إلى مالكه أو تلف بتفريط
منه أو بغيره، فالظاهر أنه لا يحكم على الميت بالضمان ويكون الجميع
لورثته، وكذا لو احتمل بقاءه فيها.
كما أن الأقوى أن تكون التركة كلها موروثة فيما إذا علم بأن مقدارا من
مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها
ولم يعلم أنه هل بقي فيها أورده إلى المالك أو تلف.
37

كتاب الشركة
(مسألة 116) وهي كون شئ واحد لاثنين أو أكثر، وهي إما في عين
أو دين أو منفعة أو حق. وسببها قد يكون إرثا وقد يكون عقدا ناقلا، كما
إذا اشترى اثنان معا مالا أو استأجرا عينا، أو أخذا حق تحجير مثلا
بالمصالحة.
ولها سببان آخران يختصان بالشركة في الأعيان، أحدهما الحيازة، كما
إذا اقتلع اثنان معا شجرة مباحة أو اغترفا ماءا مباحا بآنية واحدة دفعة.
وثانيهما الامتزاج، كما إذا امتزج ماء أو خل لشخص بماء أو خل لشخص
آخر، سواء وقع قهرا أو عمدا واختيارا.
(مسألة 117) الامتزاج يوجب الشركة الواقعية إذا حصل فيه الامتزاج
التام بين ما يعين متجانسين كالماء بالماء والدهن بالدهن، بل وغير متجانسين
كدهن اللوز بدهن الجوز مثلا. بل لا يبعد كون الشركة واقعية أيضا فيما لا
يكون تميز للممتزجين عرفا وكانا بحيث يصيران شيئا واحدا كما في مثل خلط
الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير بل والجوز بالجوز واللوز باللوز، كما هو
المرتكز في الأذهان مع عدم ردع معلوم. وعند المزج الرافع للامتياز يعامل
المجموع معاملة المال المشترك فيجري فيه صحة التقسيم والافراز وسائر
أحكام المال المشترك.
أما إذا اختلطت القيميات ببعضها كالثياب والأغنام وغيرها، فلا تتحقق
38

الشركة لا ظاهرا ولا واقعا، حتى إذا لم يتميز المختلط، فيكون العلاج بالمصالحة
أو القرعة.
(مسألة 118) لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في المال المشترك إلا برضا
الباقين، بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرف جاز للمأذون ولم يجز
للآذن إلا أن يأذن له المأذون أيضا. ويجب أن يقتصر المأذون على المقدار
المأذون فيه كما وكيفا. نعم الإذن في الشئ إذن في لوازمه عند الاطلاق،
فإذا أذن له في سكنى الدار يلزمه الإذن في إسكان أهله وعياله وأطفاله وتردد
أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، فيجوز ذلك كله، إلا أن يمنع عنه كلا أو
بعضا، أو تكون قرينة مانعة عن التمسك بالاطلاق، فيقتصر حينئذ على القدر
المتيقن.
(مسألة 119) كما تطلق الشركة على المعنى المتقدم، وهو كون شئ
واحد لاثنين أو أكثر، تطلق أيضا على معنى آخر وهو العقد الواقع بين اثنين أو
أكثر على المعاملة بمال مشترك بينهم، وتسمى الشركة العقدية والاكتسابية، وثمرتها
عندما تتحقق بأسبابها الآتية جواز تصرف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسب
به وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما.
(مسألة 120) الشركة العقدية عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول،
ويكفي قولهما اشتركنا أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، ولا يبعد جريان
المعاطاة فيها، بأن يخلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب بهما ويصيرا شيئا
واحدا عند العرف كما مر.
(مسألة 121) يعتبر في الشركة العقدية كل ما اعتبر في العقود المالية،
من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه.
(مسألة 122) لا تصح الشركة العقدية إلا في الأعيان نقودا كانت أو
عروضا، فلا تصح في الديون ولا في الحقوق ولا في المنافع. وتسمى تلك
40

شركة العنان. ولا تصح في الأعمال، وهي المسماة بشركة الأبدان، بأن يوقع العقد
اثنان على أن تكون أجرة عمل كل منهما مشتركة بينهما، سواء اتفقا في العمل
كالخياطين أو اختلفا كالخياط والنساج. ومن ذلك تعاقد شخصين على أن كل
ما يحصل عليه كل منهما بالحيازة من الحطب أو الحشيش مثلا يكون مشتركا
بينهما، فلا تتحقق الشركة بذلك، بل يختص كل منهما بأجرته وبما حازه.
نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدة كذا مثل سنة أو سنتين
بنصف منفعة الآخر إلى تلك المدة، وقبل الآخر صح، واشترك كل منهما فيما
يحصل عليه الآخر في تلك المدة بالأجرة أو الحيازة.
وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدة بعوض معين
كدينار مثلا، وصالحه الآخر أيضا على نصف منفعته في تلك المدة بذلك
العوض. ولا تصح أيضا شركة الوجوه، وهي أن يوقع العقد اثنان وجيهان
عند الناس لا مال لهما، على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل ويكون ما
يبتاعه كل منهما بينهما فيبيعانه ويؤديان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما.
ولو أرادا الحصول على هذه النتيجة بوجه مشروع فلا بد أن يوكل كل منهما
الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه، بأن يشتري لهما وفي ذمتهما، فإذا اشترى
شيئا كذلك يكون لهما فيكون الربح والخسران بينهما.
ولا تصح أيضا شركة المفاوضة، وهي أن يعقد اثنان على أن يشارك كل
منهما الآخر في كل ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو فائدة زراعة أو
اكتساب أو إرث أو وصية، أو غير ذلك، وكذا كل غرامة وخسارة ترد على
أحدهما تكون عليهما.
فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المسماة بشركة الأعيان.
(مسألة 123) إذا آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأجرة
معينة، كانت الأجرة مشتركة بينهما، وكذا لو حاز اثنان معا مباحا، كما لو اقتلعا
41

معا شجرة أو اغترفا ماءا دفعة بآنية واحدة، فيكون ما حازاه مشتركا
بينهما، وليس ذلك من شركة الأبدان حتى تكون باطلة، وتقسم الأجرة
وما حازاه بنسبة عملهما، ولو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح.
(مسألة 124) حيث إن الشركة العنانية هي العقد على المعاملة والتكسب
بالمال المشترك، فلا بد من أن يكون رأس المال مشتركا بأحد أسباب الشركة،
فإن كان مشتركا قبل إيقاع عقدها كالمال الموروث قبل القسمة فهو، وإن كان
المالان ممتازين، فإن كانا مما تحصل الشركة بمزجهما على ما مر مزجاهما قبل
العقد أو بعده ليتحقق الاشتراك في رأس المال، وإن كانا من غيره، بأن كان
عند أحدهما جنس وعند الآخر جنس آخر، فلا بد من إيجاد أحد أسباب
الشركة غير المزج ليصير رأس المال مشتركا، كأن يبيع أو يصالح كل منهما
على نصف ماله بنصف مال الآخر.
وما اشتهر من أن في الشركة العقدية لا بد من خلط المالين قبل العقد أو
بعده مبني على ما هو الغالب من كون رأس المال من الدراهم أو الدنانير التي
تمتاز حصة كل منهما فيها عن حصة الآخر، وحيث أن الخلط والمزج فيها أسهل
أسباب الشركة، ذكروا أنه لا بد من امتزاج الدراهم بالدراهم والدنانير
بالدنانير حتى يحصل الاشتراك في رأس المال، لا بمعنى أن ذلك شرط حتى أنه
لو فرض كون الدراهم أو الدنانير مشتركة بين اثنين بسبب آخر غير المزج
كالإرث، أو فرض أن المالين مما لا يوجب خلطهما الاشتراك، لم تقع الشركة
العقدية.
(مسألة 125) الظاهر أن المنشأ بعقد الشركة هو التعهد والالتزام بلوازم
الشركة في التجارة، بأن يتجرا معا في المال المعين إلى زمان معين بشرائط معينة
من العامل والمعاملة ومكانها وكيفيتها، فإن كان العقد مشتملا على تعيين
العامل فهو، وإلا فتحتاج المعاملة بمال الشركة من كل منهما إلى إذن جديد.
42

وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما منضمين فهو المتبع.
وكذا من حيث العمل والتكسب، فمع اشتمال العقد على مطلقه، يجوز مطلقه
مما يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة، ولو عينا جهة خاصة، كبيع
وشراء الأغنام أو الطعام أو القماش أو غير ذلك، يقتصران على ذلك ولا
يتعديان إلى غيره.
(مسألة 126) حيث إن كل واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن
الآخر، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسب أو في تكسب خاص يقتصر
على المتعارف، فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلا مع الإذن الخاص،
وإن جاز له كل ما تعارف من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال
ذلك.
نعم لو عينا شيئا من ذلك لم يجز لهما التعدي عنه إلا بإذن من الشريك،
وإن تعدى أحدهما عما عينا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف، إلا إذا
أجاز الشريك المعاملة غير المأذون فيها.
(مسألة 127) إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على
الشريكين على نسبة مالهما، فإذا تساوى مالهما تساويا في الربح والخسران،
ومع التفاوت يتفاضلان فيهما على حسب تفاوت مالهما، من غير فرق بين
أن يكون العمل من أحدهما أو منهما، بالتساوي فيه أو الاختلاف.
ولو شرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال، أو شرطا تساويهما فيه
مع التفاوت في المال، فإن جعلت الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أكثر
صح بلا إشكال، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أكثر فالأقوى
بطلان العقد والشرط كليهما، لأن الشرط مخالف لمقتضى العقد لأنه يرجع إلى
تفكيك لوازم الشركة عنها، نعم لو كان الإذن في التجارة غير مقيد بالشرط
المذكور، فالأقوى صحة العقد وبطلان الشرط.
43

(مسألة 128) العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إذا لم يكن
منه تعد ولا تفريط. وإذا ادعى التلف قبل قوله مع اليمين، وكذا إذا ادعى
الشريك عليه التعدي أو التفريط وأنكر هو.
(مسألة 129) عقد الشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكل منهما فسخه،
فينفسخ لكن لا تبطل بذلك أصل الشركة إذا كانت تحققت بأسبابها، وكذا
ينفسخ بعروض الموت والجنون والاغماء والحجر بالفلس أو السفه، ويبقى
أيضا أصل الشركة.
(مسألة 130) إذا جعلا للشركة أجلا لم يلزم، فيجوز لكل منهما الرجوع
قبل انقضائه، وإذا اشترطاه في ضمن عقد لازم فلزومه مشكل، نعم لو شرطا
عدم الفسخ يجب الوفاء به تكليفا لكنها تنفسخ بالفسخ.
(مسألة 131) إذا تبين بطلان عقد الشركة فالمعاملات الواقعة قبله
محكومة بالصحة ولهما الربح وعليهما الخسران على نسبة المالين، ولكل منهما
أجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصة الآخر.
القول في القسمة
(مسألة 132) يحتمل أن يكون معنى الإشاعة أن سهم كل شريك دائر
بين مصاديق متعددة يشخص ويتعين بالقرعة، وذلك ليس ببعيد لولا الاجماع
على خلافه كما في الجواهر. وأما بناءا على كون الإشاعة استحقاق كل شريك
في كل جز يفرز فمع قطع النظر عن الاشكال في الجز الذي لا يتجزأ فالمناسب
في تعريف القسمة أن يقال: القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة التي بيد
شريكه إليه بإزاء سهم شريكه في الحصة التي بيده. وهذا لا يستقيم في قسمة
الرد، ولا تحتاج إلى تعديل القسمة لأنه معاوضة لا تحتاج إلى أكثر من رضا
الطرفين، لأن الناس مسلطون على أموالهم، ولا يدخل فيه الربا وإن عممناه
لجميع المعاوضات.
44

(مسألة 133) إذا كانت القسمة بتعديل السهام فيجب تعديلها، إما
بحسب الأجزاء والكمية كيلا أو وزنا أو عدا أو مساحة، وتسمى قسمة إفراز،
وهي جارية في المثليات كالحبوب والأدهان والخلول والألبان، وفي بعض
القيميات المتساوية الأجزاء كطاقة القماش، وقطعة الأرض البسيطة المتساوية
الأجزاء. وإما بحسب القيمة والمالية، كما في القيميات إذا تعددت كالأنعام
والعقار والأشجار إذا تساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك
اثنان في ثلاثة أغنام تساوي قيمة إحداها قيمة اثنتين منها فتكون الواحدة
سهما والاثنتين سهما، ويسمى ذلك قسمة التعديل.
وإما بضم مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل البعض الآخر، كما إذا
كان بين اثنين فرسان قيمة أحدهما خمسة دنانير والآخر أربعة، فإنه إذا ضم
إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأول، وتسمى هذه قسمة الرد.
(مسألة 134) يمكن التقسيم بالرد في أنواع الشركات حتى فيما يأتي فيه
قسمة الافراز، ولا يجبر أحد على غير الافراز مع إمكانه، ومع عدم إمكانه لا
يجبر إلا بتقسيم العدل فيما يمكن، والرد لا يجبر عليه إلا مع عدم إمكان قسيميه.
وأما جواز التقسيم بغير ما يجبر عليه فمشكل أيضا، لأن المتيقن من الأدلة
والدائر عند المتشرعة ذلك. أما التقسيم بالرد مع إمكان الافراز فهو نوع
معاوضة لا بأس بالمصالحة المفيدة لفائدته.
(مسألة 135) لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت
معدلة، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة فجعلها ثلاثة أقسام
معدلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم أرض متساوية الأجزاء فجعلها
ثلاثة أجزاء متساوية بخشبة أو حبل لا يدرى طوله بالذراع صح، لأن
القسمة ليست كالبيع والمعاوضة في ذلك.
(مسألة 136) إذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء كحنطة وشعير
وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمة كل نوع بانفراده قسمة إفراز أجبر الممتنع،
45

وإن طلب قسمتها بالتعديل بحسب القيمة لم يجبر، وكذا إذا كانت بينهما قطعتا
أرض أو داران أو دكانان، فإنه يجبر الممتنع لو طلب أحد الشريكين قسمة كل
منهما على حدة، ولا يجبر إذا طلب قسمتها بالتعديل.
نعم لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل، أجبر
الممتنع على الثانية إن طلبها أحد الشريكين دون الأولى.
(مسألة 137) إذا اشترك اثنان في دار ذات علو وسفل وأمكن قسمتها
على نحو يحصل لكل منهما حصة من العلو والسفل بنحو التساوي فهذه القسمة
مقدمة على غيرها، وبعدها فالتعديل مقدم بأن يعطى لأحدهما العلو
ولأحدهما السفل بالتعديل.
(مسألة 138) لو كانت دار أو بناية ذات غرف بين جماعة وطلب بعض
الشركاء القسمة أجبر الباقون، إلا إذا استلزم الضرر من جهة الضيق وكثرة
الشركاء.
(مسألة 139) إذا كانت بينهما بستان مشتملة على نخيل وأشجار
فقسمتها بأشجارها ونخيلها بالتعديل قسمة إجبار، إذا طلبها أحدهما يجبر
الآخر، بخلاف قسمة كل من الأرض والأشجار على حدة، فإنها قسمة تراض
لا يجبر عليها الممتنع.
(مسألة 140) إذا كانت بينهما أرض مزروعة، يجوز قسمة كل من
الأرض والزرع قصيلا كان أو سنبلا على حدة، وتكون القسمة قسمة إجبار،
وأما قسمتهما معا فهي قسمة تراض، لا يجبر الممتنع عليها إلا إذا انحصرت
القسمة الخالية عن الضرر فيها، فيجبر عليها. هذا إذا كان الزرع قصيلا أو
سنبلا، وأما إذا كان حبا مدفونا أو مخضرا في الجملة ولم يكمل نباته، فلا
إشكال في قسمة الأرض وحدها وبقاء الزرع على إشاعته، كما أنه لا إشكال
في عدم جواز قسمة الزرع مستقلا. نعم لا يبعد
جواز قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها، بحيث يصدق عرفا أنها
قسمة إفراز، وإلا فلا يترك الاحتياط بقسمة الأرض وحدها وقسمة الزرع
بالافراز.
46

(مسألة 141) إذا كانت بينهم دكاكين متعددة متجاورة أو منفصلة، فإن
أمكن قسمة كل منها بانفراده وطلبها بعض الشركاء، وطلب بعضهم قسمة
الجميع بالتعديل لكي يتعين حصة كل منهم في دكان تام أو أكثر، يقدم ما طلبه
الأول ويجبر البعض الآخر، إلا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في
النحو الثاني فيجبر عليه.
(مسألة 142) إذا كان بينهما حمام وشبهه مما لا يقبل القسمة الخالية عن
الضرر لم يجبر الممتنع. نعم لو كان كبيرا بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمامية من
دون ضرر ولو بإحداث موقد أو بئر آخر، فالأقرب الاجبار.
(مسألة 143) إذا كان لأحد الشريكين عشر من دار مثلا وهو لا يصلح
للسكنى ويتضرر هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب هو القسمة
لغرض صحيح يجبر شريكه، ولا يجبر هو لو طلبها الآخر.
(مسألة 144) يكفي في الضرر المانع عن الاجبار ترتب نقصان في العين
أو القيمة بسبب القسمة، بما لا يتسامح فيه في العادة، وإن لم يسقط المال عن
قابلية الانتفاع بالمرة.
(مسألة 145) لا بد في القسمة من تعديل السهام ثم القرعة: أما كيفية
التعديل فإن كانت حصص الشركاء متساوية - كما إذا كانوا اثنين ولكل منهما
نصف أو ثلاثة ولكل منهم ثلث وهكذا - يعدل السهام بعدد الرؤوس،
فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين وثلاثة أسهم متساويات إن كانوا
ثلاثة وهكذا، ويعلم كل سهم بعلامة تميزه عن غيره، فإذا كانت قطعة أرض
متساوية الأجزاء بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع متساوية بحسب المساحة
ويميز بينها أحدها الأولى والأخرى الثانية والثالثة ثالثة.
47

وإذا كانت دار لأربعة أشخاص وهي مشتملة على أربع غرف مثلا تجعل
أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة وتميز كل منها بمميز كالقطعة الشرقية
والغربية والشمالية والجنوبية المحدودات بحدود كذائية.
وإذا كانت الحصص متفاوتة، كما إذا كان المال بين ثلاثة: سدس لعمرو
وثلث لزيد ونصف لبكر، تجعل السهام على أقل الحصص، ففي المثال تجعل
السهام ستة معلمة كل منها بعلامة كما مر.
وأما كيفية القرعة ففي الأول - وهو ما إذا كانت الحصص متساوية - تؤخذ
رقاع بعدد رؤوس الشركاء رقعتان إذا كانوا اثنين وثلاث إن كانوا ثلاثة،
وهكذا. ويتخير بين أن يكتب فيها أسماء الشركاء على إحداها زيد، وعلى
أخرى عمرو، وعلى ثالثة بكر مثلا، أو أسماء السهام، على إحداها الأول،
وعلى الأخرى الثاني، وعلى ثالثة الثالث مثلا، ثم تشوش وتستر ويؤمر من لم
يشاهدها فيخرج واحدة واحدة، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعين السهم
كالأول ويخرج رقعة باسم ذلك السهم قاصدين أن يكون هذا السهم لمن خرج
اسمه، فكل من خرج اسمه يكون ذلك السهم له، ثم يعين السهم الثاني، ويخرج
رقعة أخرى لذلك السهم فكل من خرج اسمه كان السهم له، وهكذا.
وإن كتب عليها أسماء السهام يعين أحد الشركاء ويخرج رقعة، فكل سهم
خرج اسمه كان ذلك السهم له، ثم يخرج رقعة أخرى لشخص آخر، وهكذا.
وأما في الثاني وهو ما إذا كانت الحصص متفاوتة كما في المثال المتقدم الذي
قد تقدم أنه يجعل السهام على أقل الحصص وهو السدس - يتعين فيه أن تؤخذ
الرقاع بعدد الرؤوس فيكتب مثلا على إحداها زيد، وعلى الأخرى عمرو،
وعلى الثالثة بكر، وتستر كما مر، ويقصد أن كل من خرج اسمه على سهم كان
له ذلك مع ما يليه بما يكمل تمام حصته، ثم تخرج إحداها على السهم الأول،
فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعين له، ثم تخرج أخرى على السهم
الثاني فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني والثالث له، ويبقى الرابع
والخامس والسادس لصاحب النصف ولا يحتاج إلى اخراج الثالثة.
وإن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني والثالث والرابع، ويبقى
الأخيران لصاحب الثلث، وإن كان ما خرج على السهم الأول صاحب
الثلث كان الأول والثاني له. ثم تخرج أخرى على السهم الثالث فإن خرج اسم
48

صاحب السدس كان ذلك له، وتبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف. وإن
خرج صاحب النصف كان الثالث والرابع والخامس له ويبقى السادس
لصاحب السدس. وقس على هذا.
(مسألة 146) الظاهر أنه ليست للقرعة كيفية خاصة، وإنما تكون الكيفية
منوطة باتفاق القاسم والمتقاسمين وجعل تعيين السهام بأمر ليس لإرادة
المخلوق مدخلية فيه، بل هو بيد الخالق جل شأنه، سواء كان بكتابة رقاع
أو وضع علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.
(مسألة 147) الأقوى أنه إذا اتفقوا على التقسيم وعدلوا السهام وأوقعوا
القرعة فقد تمت القسمة ولا يحتاج إلى تراض آخر بعدها فضلا عن إنشائه،
وإن كان هو الأحوط في قسمة الرد.
(مسألة 148) إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة،
إما بحسب الزمان بأن يسكن هذا شهرا وذاك شهرا مثلا، وإما بحسب الأجزاء
بأن يسكن هذا في الفوقاني وذاك في التحتاني مثلا، لم يلزم على شريكه القبول
ولم يجبر إذا امتنع.
نعم يصح ذلك مع التراضي ولكنه ليس بلازم، فيجوز لكل منهما الرجوع.
هذا في شركة الأعيان، وأما في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة
لكنها فيها أيضا غير لازمة. نعم لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد لأجل
حسم النزاع والجدال، يجبر الممتنع وتلزم.
(مسألة 149) القسمة في الأعيان إذا وقعت. وتمت بالقرعة كما مر فقد
لزمت وليس لأحد من الشركاء إبطالها وفسخها، بل الظاهر أنه ليس لهم
فسخها وإبطالها بالتراضي، لأن الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها.
(مسألة 150) لا تشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد
وعمرو معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث، فأرادا تقسيمها
قبل استيفائها فعدلا بين الديون وجعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما وما على
49

البادي لأحدهما، لم يفرز بل تبقى على إشاعتها، فكل ما حصل عليه كل منهما
يكون له، وكل ما يبقى على الناس يكون بينهما.
بل لو اشتركا في دين على أحد واستوفى أحدهما حصته - بأن قصد كل من
الدائن والمديون أن يكون ما يأخذه وفاءا وأداءا لحصته من الدين المشترك،
فتعينه له مشكل أيضا سواء أجازه الشريك أو لم يجزه. نعم مع الإجازة
تكون تلك الحصة مشتركة بينهما، ومع عدم الإجازة تبقى ملكا للمدين،
فإن أراد إعطاء حصة أحد الشريكين فيحتال بمصالحته على شئ لابراء ذمته
.
(مسألة 151) إذا ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل
فيها وأنكر الآخر، فإن أقام البينة على دعواه نقضت القسمة واحتاجت إلى
قسمة جديدة، وإن لم تكن بينة، كان له إحلاف الشريك.
(مسألة 152) إذا قسم الشريكان الدار فصار قسم في حصة هذا وقسم
في حصة الآخر، وكان طريق أحدهما أو مجرى مائه على الآخر لم يكن للثاني
منعه إلا إذا اشترطا حين القسمة.
(مسألة 153) لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم. إلا إذا وقع
بينهم تشاح مؤد إلى خرابه بحيث لا ترتفع غائلته إلا بالتقسيم حتى بالنسبة إلى
البطون اللاحقة، وأما إذا أمكن ارتفاع الغائلة بالقسمة بالنسبة إلى زمان حياة
الموجودين حتى يبقى على اشتراكه بين البطون اللاحقة فهو المتعين.
نعم يصح قسمة الوقف عن الطلق، بأن يكون ملك واحد نصفه المشاع
وقفا ونصفه ملكا، بل الظاهر جواز قسمة وقف عن وقف، وهو فيما إذا كان
ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصته على ذريته مثلا والآخر حصته على ذريته
، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة، والمتصدي لذلك الموجودون من
الموقوف عليهم وولي البطون اللاحقة.
50

كتاب المزارعة
(مسألة 154) وهي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصة من حاصلها،
وحقيقتها اعتبار إضافة بين الأرض والعامل مستتبعة لسلطنته عليها بالزراعة
ببذره أو ببذر المالك أو غيره، وإضافة أخرى بين المالك والعامل مستتبعة
لسلطنته عليه بالعمل بإزاء حصة من الحاصل أو السلطنة على الأرض، فعقدها
بمنزلة إجارة الأرض والعامل، ومال الإجارة للأرض حصة من الزراعة إن
كان البذر من العامل مع التزامه بالعمل، ومجرد العمل إن كان البذر من المالك
أو غيره، وأجرة العامل حصة من الحاصل إن كان البذر للمالك، والانتفاع
من الأرض إن كان للعامل. وسيأتي في مسألة (163) صحة كون الأرض
والعمل من أحدهما والبذور والوسائل من آخر.
وهي عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض، وهو كل لفظ
يفيد إنشاء هذا المعنى وكان ظاهرا فيه ولو مع القرينة كقوله: زارعتك أو
سلمت إليك الأرض مدة كذا على أن تزرعها على كذا.. وأمثال ذلك.
وتحتاج إلى قبول من الزارع بلفظ يفيد إنشاء الرضا بالايجاب كسائر
العقود، والأحوط عدم الاكتفاء بالقبول الفعلي بعد الايجاب القولي، بأن يتسلم
الأرض بهذا القصد ويشتغل بها. ولا يعتبر فيها العربية، بل يقع عقدها بأي
لغة كان. والظاهر جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه بالمقاولة.
(مسألة 155) يعتبر فيها زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين في سائر
العقود من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد، وعدم الحجر حتى من
العامل إذا كان البذر له أو احتاج الزرع إلى صرف المال، أمور:
51

أحدها: جعل الحاصل مشاعا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما أو شرطا أن
يكون بعضه الخاص كالذي يحصل متقدما، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية
لأحدهما، والآخر للآخر، لم يصح.
ثانيها: تعيين حصة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك.
ثالثها: تعيين المدة بالأشهر والسنين، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة
واحدة فالأوجه الاكتفاء به عن تعيين المدة إذا كان عين مبدأ الشروع في
الزرع، وإذا عين المدة بالزمان فلا بد أن تكون مدة يدرك فيها الزرع بحسب
العادة، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراكه.
رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والاصلاح وطم الحفر،
وحفر النهر ونحو ذلك، فلو كانت سبخة لا تصلح للزرع أو لم يكن لها ماء ولا
يكفيه ماء المطر ولا يمكن تحصيل الماء لها ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو
الشراء، لم يصح.
خامسها: تعيين المزروع ولو بالانصراف إلى ما هو المتعارف، وأنه حنطة أو
شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه. نعم لو صرح بالتعميم صح،
فيتخير الزارع بين أنواعه.
سادسها: تعيين الأرض، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات أو
مزرعة من هذه المزارع، بطل. نعم لو عين قطعة معينة من الأرض التي لم
تختلف أجزاؤها وقال: زارعتك على جريب من هذه القطعة على نحو الكلي
في المعين، فالظاهر الصحة ويكون التخيير في تعيينه لصاحب الأرض.
سابعها: أن يعينا أن البذر وسائر المصارف على أي منهما إذا لم يكن في ذلك
تعارف.
(مسألة 156) لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل
يكفي كونه مالكا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها مع عدم اشتراط المباشرة
بالزراعة في عقد الإجارة، ويكفي أن يكون أخذها من مالكها بعنوان
المزارعة، أو تكون أرضا خراجية وقد تقبلها من السلطان أو غيره.
52

نعم لو لم يكن له فيها حق ولا عليها سلطنة أصلا كالموات، لم يصح
مزارعتها، وإن أمكن أن يتشاركا في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر،
لكنه ليس من المزارعة في شئ.
(مسألة 157) إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عاما، بأن قال: من
زرع أرضي أو مزرعتي فله نصف الحاصل مثلا، فأقدم أحد على ذلك، استحق
من المالك حصته.
(مسألة 158) إذا اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد اخراج الخراج أو
بعد اخراج البذر لصاحبه أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، فإن اطمئنا
ببقاء شئ من الحاصل بعد ذلك ليكون بينهما، صح، وإلا بطل.
(مسألة 159) إذا انقضت المدة المعينة ولم يدرك الزرع، لم يستحق
الزارع إبقاءه ولو بالأجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، وله
إبقاؤه مجانا أو بأجرة إن رضي الزارع بها.
(مسألة 160) إذا ترك الزارع الزرع حتى انقضت المدة، وكانت الأرض
تحت يده فالأوجه أن يضمن أجرة المثل، وإن لم تكن تحت يده فعدم الضمان
لا يخلو من قوة. هذا إذا لم يكن ترك الزرع لعذر عام كالثلوج الخارقة أو
صيرورة المحل معسكرا أو مسبعة ونحو ذلك، ففي مثل هذه الحالات تنفسخ
المزارعة.
(مسألة 161) إذا زارع على أرض ثم تبين للزارع أنه لا ماء لها فعلا
لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه، صحت المزارعة لكن للعامل خيار
الفسخ. وكذا لو تبين أن الأرض غير صالحة للزراعة إلا بالعلاج التام، كما إذا
كان مستوليا عليها الماء لكن يمكن قطعه عنها.
نعم لو تبين أنه لا ماء لها فعلا ولا يمكن تحصيله أو كان فيها مانع لا يمكن
إزالته ولا يرجى زواله، فالمزارعة باطلة.
53

(مسألة 162) إذا عين المالك له نوعا من الزرع كالحنطة أو الشعير أو
غيرهما فزرع غيره ببذره، كان له الخيار بين الفسخ والامضاء، فإن أمضاه
أخذ حصته، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه للمالك أجرة الأرض.
هذا إذا كان التعيين بنحو الاشتراط، وإن كان بنحو التقييد فهو بحكم من
ترك الأرض بغير زرع، فإن لم يرض المالك بما زرع فعليه أجرة مثل
الأرض وأرش نقصها، وأما الزرع فلمالك البذر، وإن رضي المالك بما زرع
فهو بمنزلة إقالة المزارعة الأولى وإنشاء مزارعة جديدة، أو بمنزلة رضا المالك
بالحصة من الزرع الموجود بدل أجرة الأرض، ولا مانع منه.
(مسألة 163) الأظهر عدم اعتبار كون الأرض من أحدهما والعمل من
الآخر، فيجوز أن يكون الأرض والعمل من شخص والبذور والعوامل من
الآخر. وإن كانت الأرض من أحدهما والعمل من الآخر فالبذر والعوامل
وسائر المصارف فبحسب ما يشترطانه، فيجوز جعلها كلها على المزارع أو
على الزارع، أو بعضها على هذا وبعضها على ذاك، ولا بد من تعيين ذلك
حين العقد، إلا إذا كان هناك عرف معتاد يغني عن التعيين.
(مسألة 164) يصح للمزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصة من
حصته له، كما يصح أن يزارع غيره بنحو يكون المزارع الثاني متلقيا من
المزارع الأول لا من المالك، نظير المستأجر من المستأجر. أما إذا أراد نقل
المزارعة بحيث يكون الثاني مزارعا للمالك بلا واسطة فلا يصح إلا بفسخ
المزارعة الأولى وإنشاء مزارعة جديدة. ولا يشترط في جواز تشريك غيره في
المزارعة ولا المزارعة الثانية إذن المالك، نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى الغير
إلا بإذنه. ولو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه بحيث لا يشارك غيره كان
هو المتبع.
(مسألة 165) المزارعة عقد لازم من الطرفين، فلا تنفسخ بفسخ أحدهما
إلا إذا كان له الخيار بسبب الاشتراط وغيره، وتنفسخ بالتقايل كسائر العقود
54

اللازمة. كما أنها تبطل وتنفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع
لانقطاع الماء عنها أو استيلائه عليها، ونحو ذلك.
(مسألة 166) لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين، فإن مات رب
الأرض أو العامل قام وارثه مقامه، فإما أن يتموا العمل ولهم حصة مورثهم،
وإما أن يستأجروا أحدا لاتمام العمل من مال المورث ولو من حصته المعينة،
فإن زاد شئ كان لهم. نعم إذا اشترط على العامل مباشرته للعمل وكانت
المباشرة مأخوذة في العمل قيدا فإنها تبطل بموت العامل، وأما إذا أخذت
شرطا فالظاهر أن للمالك أن يفسخ لتخلف الشرط، وأن يختار البقاء ويطالب
ورثة العامل بإتمام العمل من تركة العامل، ويكون الورثة شركا في الحصة.
(مسألة 167) إذا تبين بطلان المزارعة بعدما زرع الأرض فإن كان عمل
بأمر المالك ولو بعنوان المطالبة بحقه بتوهم صحة العقد، أو كان مغرورا من قبل
المالك، فحينئذ إن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له وعليه أجرة
العامل، وكذا أجرة العوامل إن كانت من العامل، وإن كان البذر من العامل
كان الزرع له وعليه أجرة الأرض، وكذا أجرة العوامل إن كانت من صاحب
الأرض، وليس عليه إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل ولو بالأجرة، فله أن يأمر
بقلعه. أما إذا لم يكن عمل بأمر المالك ولم يكن مغرورا فلا وجه لضمان أجرته
وكذا أجرة العوامل.
(مسألة 168) كيفية اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للاتفاق
الواقع بينهما، نعم لا بد أن يكون اشتراكهما من حين وجود المنفعة، إذ في
صحة اشتراط صيرورة المنفعة المشاعة مشتركة بينهما بعد مدة متأخرة عن
وجودها تأمل. وفي صورة صحة الاشتراك فتارة يشتركان في الزرع من حين
طلوعه وبروزه، فيكون حشيشه وقصيله وتبنه وحبه كلها مشتركة بينهما،
وأخرى يشتركان في خصوص حبه من حين انعقاده، فيكون الحشيش
55

والقصيل والتبن كلها لصاحب البذر. هذا مع التصريح منهما بذلك، وأما مع
عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الاطلاق الوجه الأول، فالزرع
بمجرد خروجه يكون مشتركا بينهما. ويترتب على ذلك أمور: منها: كون
القصيل والتبن أيضا بينهما. ومنها: تعلق الزكاة بكل منهما إذا كان حصة كل
منهما بالغا حد النصاب، وتعلقها بمن بلغ نصيبه حد النصاب إن بلغ نصيب
أحدهما، وعدم
تعلقها أصلا إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما. ومنها: أنه إذا فسخ
أحدهما بخيار أو فسخا كلاهما بالتقايل في الأثناء، كان الزرع بينهما، وليس
لصاحب الأرض على العامل أجرة أرضه، ولا للعامل عليه أجرة عمله
الماضي، وأما بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد، فإن وقع بينهما
تراض بالبقاء بلا أجرة أو معها أو على القطع قصيلا، فلا إشكال، وإلا فكل
منهما مسلط على حصته، فلصاحب الأرض المطالبة بالقسمة وإبقاء حصته
وإلزام الزارع بقطع حصته، كما أن للزارع المطالبة بها ليقطع حصته.
(مسألة 169) خراج الأرض ومال إجارة الأرض المستأجرة على
المزارع وليس على الزارع، إلا إذا شرط عليه كلا أو بعضا. وأما سائر المؤن
كشق الأنهار وحفر الآبار وإصلاح النهر وتهيئة آلات السقي ونصب الدولاب
والناعور ونحو ذلك، فلا بد من تعيين كونها على أي منهما إلا إذا كانت هناك
عادة تغني عن التعيين.
(مسألة 170) يجوز لكل من المالك والزارع عند بلوغ الحاصل تقبل
حصة الآخر بحسب الخرص بمقدار معين بالتراضي، والأقوى لزومه من
الطرفين بعد القبول، والمتيقن من الأخبار الواردة فيه أن يكون المقدار
المخروص المتفق عليه من حاصل ذلك الزرع لا من غيره. وإذا تم التقبل كما
ذكرنا فالأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول، وإن تبين بعد ذلك زيادتها أو
نقيصتها فعلى المتقبل تمام ذلك المقدار ولو تبين أن حصة صاحبه أقل، كما أن على
صاحبه قبول ذلك، وإن تبين كونها أكثر منه وليس له المطالبة بالزائد.
56

(مسألة 171) إذا بقيت في الأرض أصول الزرع بعد جمع الحاصل
وانقضاء المدة فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل، فإن كان القرار الواقع بينهما
على اشتراكهما في الزرع وأصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب
الزرع السابق، وإن كان القرار على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك
العام فهو لصاحب البذر، إلا إذا أعرض عنه فهو لمن سبق.
(مسألة 172) تجوز المزارعة على أرض بائرة يمكن زرعها بعد إصلاحها
وتعميرها على أن يعمرها ويصلحها ويزرعها سنة أو سنتين مثلا
لنفسه، ثم يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصة معينة في مدة مقدرة. وحينئذ
تكون المزارعة من حين الاشتراك، وأما قبله فالعامل يزرع لنفسه ملزما
بالشرط.
57

كتاب المساقاة
(مسألة 173) وهي المعاملة على سقي أصول ثابتة كما عن بعض،
فحقيقتها اعتبار إضافة بين المالك والعامل مستتبعة لتسلطه عليه لأن يعمل ما
عليه بإزاء الحصة من الثمر، نظير الإجارة بل هي نوع منها. وغاية ما يغتفر
فيها الجهالة الملازمة لها، ويصح أن يقال إن حقيقتها اعتبار إضافة بين الأصول
الثابتة والعامل مستتبعة لتسلطه على سقيها واصلاحها بإزاء الحصة من ثمرتها،
وإضافة أخرى بين المالك والعامل مستتبعة لتسلط المالك على العامل، بأن
يجبره على ما يأتي من الأعمال.
وهي عقد من العقود تحتاج إلى إيجاب وقبول. واللفظ الصريح في إيجابها أن
يقول صاحب الأصول: ساقيتك أو عاملتك أو سلمت إليك وما أشبه ذلك، وفي
القبول قبلت ونحو ذلك. ويكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور بأي لغة
كانت، ويشكل كفاية القبول الفعلي بعد الايجاب القولي كالمزارعة، لكن تجري
فيها المعاطاة كالمزارعة.
ويعتبر فيها - بعد شرائط المتعاقدين من البلوغ والعقل والقصد والاختيار
وعدم الحجر لسفه مطلقا أو فلس في المالك دون العامل - أن تكون الأصول
مملوكة عينا ومنفعة أو منفعة فقط أو كون المساقي نافذ التصرف فيها لولاية
أو وكالة أو تولية. وأن تكون معينة عندهما معلومة لديهما.
58

وأن تكون مغروسة ثابتة، فلا تصح في الفسيل قبل الغرس ولا على أصول
غير ثابتة كالبطيخ والخيار والباذنجان وأشباهها.
وأن تكون المدة معلومة مقدرة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر
والسنين، والظاهر كفاية جعل المدة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عين مبدأ
الشروع في السقي، وكان المنتهى معلوما ولو بحسب العادة كما هو المفروض.
وأن تكون الحصة معينة مشاعة بينهما مقدرة بمثل النصف أو الثلث أو
الربع ونحو ذلك، فلا يصح أن يجعل لأحدهما مقدار معينا والبقية للآخر،
أو يجعل لأحدهما أشجار معلومة وللآخر أخرى. أما إذا أرادا اختصاص
أحدهما بأشجار معينة فيتعين أن تكون هذه الأشجار خارجة عن المساقاة،
وإلا فمشكل. وكذا يشكل أن يشترط لأحدهما مقدار معين مع الاشتراك في
البقية إذا علم كون الثمر أكثر من ذلك المقدار وأنه تبقى منه بقية.
(مسألة 174) لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر، كما لا
إشكال في عدم الصحة بعد بلوغه وإدراكه بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ
والاقتطاف. والأقوى صحتها بعد الظهور وقبل البلوغ، خصوصا إذا كان
فيها بعض الأشجار التي لم يظهر ثمرها بعد.
(مسألة 175) لا يجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف
ونحوه. نعم لا يبعد جوازها على ما ينتفع منها بورقه أو ورده كالتوت الذكر
والحناء والورد ونحوهما.
(مسألة 176) يجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن صارت مثمرة
بشرط أن تجعل المدة بمقدار تصير مثمرة فيها كخمس سنين أو ست أو أكثر.
(مسألة 177) إذا كانت الأشجار لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء
السماء أو امتصاصها من رطوبات الأرض فتجوز المساقاة عليها إذا كانت
تحتاج إلى أعمال أخرى توجب زيادة الثمر كما وكيفا، وإلا فالأحوط وجوبا
عدم المساقاة عليها.
60

(مسألة 178) إذا اشتملت البستان على أنواع من الشجر والنخيل وعلما
مقدار كل واحد من الأنواع فيجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة
من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف من ثمرة النخل والثلث من الكرم والربع
من الرمان مثلا.
(مسألة 179) من المعلوم أن البساتين والنخيل والأشجار تحتاج في
استثمارها إلى أعمال كثيرة، فمنها: ما يتكرر كل سنة كإصلاح الأرض وتنقية
الأنهار وإصلاح مجرى الماء وإزالة الحشيش المضر وتشذيب الأشجار
والتلقيح واللقاط والتشميس وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة، وغير ذلك.
ومنها: ما لا يتكرر غالبا كحفر الآبار والأنهار وبناء الجدران ونصب آلات
السقي ونحو ذلك. فإذا أطلق عقد المساقاة فالظاهر أن القسم الثاني على
المالك، وأما القسم الأول، فما جرت العادة على كونه على المالك أو العامل كان
هو المتبع ولا يحتاج إلى التعيين، ولعل ذلك يختلف باختلاف البلاد، وإذا لم
يكن تعارف وعادة فلا بد من تعيين أنه على المالك أو العامل.
(مسألة 180) المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلا بالتقايل أو
الفسخ بخيار مشترط أو لتخلف بعض الشروط، ولا تبطل بموت أحدهما، بل
يقوم ورثتهما مقامهما. نعم لو كانت مقيدة بمباشرة العامل بطلت بموته.
(مسألة 181) لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا للعمل
بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال وتمامها ويكون عليه الأجرة،
وكذا يجوز أن يتبرع عنه متبرع بالعمل ويستحق العامل الحصة المقررة. نعم لو
لم يقصد التبرع عنه ففي كفايته إشكال، وأشكل منه إذا قصد التبرع عن
المالك، وكذا الحال إذا لم يكن عليه إلا السقي واستغنى عنه بالمطر ولم يحتج
إلى السقي أصلا. نعم لو كان عليه أعمال أخرى غير السقي واستغنى عنه بالمطر
وبقيت سائر الأعمال، فالظاهر استحقاق حصته بشرط أن يكون الباقي من
العمل مما يستزاد به الثمر، وإلا فالصحة محل إشكال.
61

(مسألة 182) يجوز أن يشترط للعامل مع الحصة من الثمر شيئا آخر من
مال أو غيره. أما اشتراط حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا فمشكل، بل
لا يبعد بطلانه، لأن الشرط المذكور على خلاف وضع المساقاة.
(مسألة 183) كل موضع يبطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك
وللعامل أجرة مثل عمله إذا كان مغرورا من قبل المالك أو عمل بأمره أو
وعده، سواء كان عالما بالفساد أو جاهلا، وإلا فلا وجه للاستحقاق عالما كان
أو جاهلا.
(مسألة 184) يملك العامل حصته من الثمر حين ظهوره، فإذا مات بعد
الظهور قبل القسمة - وبطلت المساقاة لأنه اشترط فيها مباشرته للعمل -،
انتقلت حصته إلى ورثته. وتجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته النصاب وكان
الموت بعد تعلق الزكاة.
(مسألة 185) الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في
الأراضي الخراجية على المالك، إلا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.
(مسألة 186) لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلا بإذن المالك
، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة أخرى للمالك مع شخص
ثالث بعد فسخ المساقاة الأولى، فلا يستحق العامل الأول شيئا.
(مسألة 187) المغارسة باطلة على الأحوط، وهي أن يدفع أرضا إلى غيره
ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط أن تكون حصة من
الأرض أيضا للعامل أو لا، وسواء كانت الأصول من المالك أو من العامل. فإن
كانت من مالك الأرض فعليه أجرة عمل الغارس إذا كان مغرورا منه أو عمل
بأمره كما مر نظيره، وإن كانت من الغارس فعليه أجرة الأرض للمالك، فإن
تراضيا على الابقاء بالأجرة أو بدونها فذاك، وإلا فلمالك الأرض الأمر بالقلع
وعليه أرش نقصان الأصول إن نقصت بسبب
62

القلع وكان الغارس مغرورا منه،
كما أن للغارس قلع أصوله وعليه طم الحفر ونحو ذلك مما حصل بالغرس، وليس
لصاحب الأرض إلزامه بالابقاء ولو بلا أجرة.
(مسألة 188) يمكن أن يتوصل إلى نتيجة المغارسة بإدخالها تحت عنوان
آخر مشروع، كأن يشتركا في الأصول إما بشرائها بالشركة، ولو بأن يوكل
صاحب الأرض الغارس في أن كل ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما
بالاشتراك ثم يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصة صاحب الأرض وسقيها
وخدمتها في مدة معينة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدة أو بنصف عينها، أو
بتمليك أحدهما للآخر نصف الأصول مثلا إذا كانت من أحدهما، فإذا كانت
من صاحب الأرض يجعل العوض الغرس والخدمة إلى مدة معينة شارطا على
نفسه بقاء حصة الغارس في أرضه مجانا إلى تلك المدة، وإذا كانت من الغارس
يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدة معينة شارطا على
نفسه غرس حصة صاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدة.
63

كتاب الدين والقرض
(مسألة 189) الدين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر،
بسبب من الأسباب. ويقال لمن اشتغلت ذمته به " المديون " والمدين "
وللآخر " الدائن والغريم ".
وسببه إما الاقتراض، أو أمور أخر اختيارية، كجعله مبيعا في السلم أو
ثمنا في النسيئة أو أجرة في الإجارة أو صداقا في النكاح أو عوضا للطلاق في
الخلع وغير ذلك، أو أمور قهرية كما في موارد الضمانات ونفقة الزوجة الدائمة
ونحو ذلك.
(مسألة 190) الدين إما حال، وهو ما كان للدائن المطالبة به
واقتضاؤه، ويجب على المديون أداؤه مع التمكن واليسار في كل وقت.
وإما مؤجل، وهو ما ليس للدائن حق المطالبة به، ولا يجب على المديون
أداؤه إلا بعد انقضاء المدة المضروبة وحلول الأجل. وتعيين الأجل تارة بجعل
المتداينين كما في السلم والنسيئة، وأخرى بجعل الشارع كالأقساط المقررة في
الدية (النجوم).
(مسألة 191) إذا كان الدين حالا أو مؤجلا وقد حل الأجل فيجب
على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن به، ويجب على الدائن تسلمه إذا
أراد المديون أداءه وتفريغ ذمته.
وأما الدين المؤجل قبل حلول الأجل فلا إشكال في أنه ليس للدائن حق
64

المطالبة به إذا كان مثل المثمن في السلم والثمن في النسيئة والأجرة المؤجلة في
الإجارة. أما في القرض المؤجل فللدائن المطالبة قبل حلول الأجل، من غير
فرق بين شرط الأجل ضمن عقد القرض، أو ضمن عقد خارج لازم. نعم إذا
شرط الدائن عدم المطالبة إلى أجل ضمن عقد لازم خارج يجب عليه العمل
بما شرط، لكن إذا تخلف وطلب يجب على المديون أداؤه، وكذلك الحكم في
كل دين حال اشترط تأجيله ضمن عقد لازم.
وإذا لم يجز له المطالبة قبل الأجل وتبرع المديون بأدائه فالأقوى أنه لا
يجب على الدائن القبول، إلا إذا علم بالقرائن أن التأجيل لمجرد الارفاق
بالدائن وليس حقا للدائن فيجب عليه القبول إذا أداه قبل الأجل. وكذا في
كل مورد يجوز للدائن المطالبة به قبل الأجل كالدين الحاصل من القرض.
(مسألة 192) قد عرفت أنه إذا أدى المديون الدين عند حلوله يجب
على الدائن تسلمه، فإذا امتنع أجبره الحاكم إذا طلب منه المديون، ولو تعذر
إجباره أحضر الدين عنده ومكنه منه بحيث صار تحت يده وسلطانه عرفا،
وبه تفرغ ذمته، ولو تلف بعد ذلك لا ضمان عليه وكان من مال الدائن.
ولو تعذر عليه ذلك له أن يسلمه إلى الحاكم وتفرغ ذمته. نعم الحكم
بوجوب قبول الحاكم ذلك مشكل. ولو لم يوجد الحاكم فلا يكفي أن يعين
الدين. في مال مخصوص ويعزله لتبرأ ذمته.
هذا إذا كان الدائن حاضرا وامتنع من تسلمه، ولو كان غائبا ولا يمكن
إيصال المال إليه وأراد المديون تفريغ ذمته أوصله إلى الحاكم إذا وجد،
ويشكل وجوب القبول عليه كما سبق، ولو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمته إلى
أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه.
(مسألة 193) يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا، وتبرأ به
ذمته وإن كان بغير إذنه، بل وإن منعه. ويجب على من له الدين القبول كما في
أدائه عن نفسه.
66

(مسألة 194) لا يتعين الدين فيما عينه المدين، ولا يصير ملكا للدائن ما
لم يقبضه، إلا إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الاقتناع في بعض الصور.
(مسألة 195) يحل الدين المؤجل إذا مات المديون قبل حلول الأجل. أما
لو مات الدائن فيبقى على حاله وينتظر ورثته انقضاء الأجل، فلو كان الصداق
مؤجلا إلى مدة معينة ومات الزوج قبل حلوله استحقت الزوجة المطالبة به بعد
موته، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدة.
ولا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلق زوجته يبقى صداقها المؤجل على
حاله. كما أنه لا يلحق بموت المديون التحجير عليه بسبب الفلس، فلو
كان عليه ديون حالة وديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب الديون الحالة، ولا
يشاركهم أرباب المؤجلة.
(مسألة 196) مجمل الكلام في بيع الدين بالدين: أن الدين الذي يقع في
البيع ثمنا ومثمنا لا يخلو من أن يكون حاصلا قبل البيع بسبب آخر أو حاصلا
بنفس البيع، وكل منهما إما أن يكونا حين البيع مؤجلين أو حالين لم يؤجلا
أصلا، أو أجلا ولكن حل أجلهما أو مختلفين، فإن كان كل من الثمن والمثمن
دينا مؤجلا بسبب آخر حين البيع فلا إشكال في عدم جوازه قبل حلول
أجلهما بل بعد حلول الأجل أيضا على الأحوط (وجوبا)، وإن كان كل منهما
دينا مؤجلا حاصلا بنفس البيع فلا إشكال أيضا في بطلانه، وهو المعبر عنه
ببيع الكالي بالكالي.
وأما إن كان أحدهما دينا مؤجلا والآخر دينا حالا غير مؤجل أصلا
كالكلي في الذمة نقدا، فالظاهر صحة البيع إن حصل اشتغال ذمته بالبيع، وأما
إن كان اشتغال ذمته به بسبب آخر، فالأحوط (وجوبا) تركه.
(مسألة 197) يجوز تعجيل الدين المؤجل بأقل منه مع التراضي، وهو ما
67

يسمى تنزيل السندات، ولا يجوز تأجيل الحال ولا زيادة أجل المؤجل
بزيادة. نعم لا بأس بالاحتيال بجعل الزيادة المطلوبة في ثمن مبيع مثلا ويجعل
التأجيل والتأخير إلى أجل معين شرطا على البائع، بأن يبيع الدائن من المدين
ما يساوي عشرة دراهم بخمسة عشر درهما على أن لا يطالب المشتري عن
الدين الذي عليه إلى وقت كذا، فيحرم عليه المطالبة لكن إذا طلب وجب على
المديون أداؤه، وكذا في تأخير الدين. ومثله ما إذا باع المديون من الدائن ما
يكون قيمته خمسة عشر درهما بعشرة شارطا عليه تأخير الدين إلى وقت كذا.
(مسألة 198) لا يجوز قسمة الدين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على
ذمم متعددة - كما إذا باعا عينا مشتركا بينهما من أشخاص، أو كان لمورثهما
دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمة بعضهم لأحدهما وما
في ذمة آخرين لآخر - لم يصح وبقي ما في الذمم على الاشتراك السابق، فكل
ما استوفى منها يكون بينهما وكل ما توى وتلف يكون منهما. وقد مر في
القسمة حكم القسمة في الدين المشترك.
(مسألة 199) يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن السعي
في أدائه بكل وسيلة ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره، أو مطالبة غريم له، أو
إجارة أملاكه، وغير ذلك، والأحوط وجوب التكسب اللائق بحاله من حيث
الشرف والقدرة، خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلف وفيمن شغله التكسب، بل
وجوبه حينئذ قوي جدا.
نعم يستثنى من ذلك بيع دار سكناه، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمل،
وسيارة ركوبه إذا كان من أهلها واحتاج إليها، بل وضروريات بيته من
فراشه وغطائه وأوانيه لأكله وشربه وطبخه ولو لأضيافه، مراعيا في ذلك كله
مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه وأنه بحيث لو كلف ببيعها لوقع في عسر
وشدة وحزازة ومنقصة، بل لا يبعد أن يعد من المستثنيات أيضا الكتب
العلمية لأهلها بمقدار ما يحتاج إليه بحسب حاله ومرتبته. والضابط في ذلك كل
ما يحتاج إليه المديون في ضروريات معاشه.
68

(مسألة 200) إذا كانت دار سكناه أكثر من حاجته، سكن فيما يحتاجه
منها وباع ما زاد منها، أو باعها واشترى أقل منها ثمنا مما يليق بحاله.
وإذا كانت له دور متعددة واحتاج إليها لسكناه لم يبع شيئا منها، وكذا
الحال في والمركوب والثياب.
(مسألة 201) لو كانت عنده دار موقوفة عليه. تكفي لسكناه ولم تكن
سكناه فيها نقصا لشرفه، وكانت له دار مملوكة، فالأحوط (وجوبا) إن لم يكن
أقوى أن يبيع المملوكة ويكتفي بالموقوفة.
(مسألة 202) لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيا،
أما لو مات ولم يترك غير دار سكناه فتباع وتصرف في الدين.
(مسألة 203) معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر
على بيعها لأجل أدائه ولا يجب عليه ذلك، أما لو رضي هو بذلك وقضى به
دينه جاز للدائن أخذه.
نعم ينبغي للدائن أن لا يرضى ببيع مسكنه ولا يكون سببا له وإن رضي
هو به وأراده، ففي خبر عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إن لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضي لي. فقال أبو عبد الله: أعيذك
بالله أن تخرجه من ظل رأسه.
(مسألة 204) لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات،
وكانت لا تباع إلا بأقل من قيمتها، يجب بيعها للدين عند حلوله ومطالبة
صاحبه، ولا يجوز له التأخير وانتظار من يشتريها بالقيمة. نعم لو كان ما
يشتري به أقل من قيمته بكثير جدا بحيث يصدق عليه أنه ضرري، أو يكون
البيع بأقل من القيمة حرجيا عليه، فلا يبعد عدم وجوب بيعه.
(مسألة 205) كما لا يجب على المعسر الأداء والقضاء، يحرم على الدائن
إعساره بالمطالبة، بل يجب أن ينظره إلى اليسار، فعن النبي صلى الله عليه وآله: وكما
69

لا يحل لغريمك أن يمطلك وهو موسر، لا يحل لك أن تعسره إذا علمت
أنه معسر.
وعن مولانا الصادق عليه السلام في وصية طويلة كتبها إلى أصحابه: إياكم
وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشئ يكون لكم قبله وهو معسر،
فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول: ليس للمسلم أن يعسر مسلما،
ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله.
وعن مولانا الباقر عليه السلام قال: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل
العرش، وجوههم من نور ورياشهم من نور جلوس على كراسي من نور - إلى أن قال
- فينادي مناد: هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين وينظرون المعسر حتى ييسر
. وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سره أن يقيه
الله من نفحات جهنم فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه. والأخبار في هذا المعنى
كثيرة.
(مسألة 206) مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة لرواية أعمش حيث
عد حبس الحقوق من غير عسر من الكبائر، وعن النبي صلى الله عليه وآله:
من مطل على ذي حق حقه وهو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار. بل
يجب عليه نية القضاء مع عدم القدرة، بأن يكون من قصده الأداء عند
المقدرة.
القرض
(مسألة 207) وهو تمليك مال لآخر بالضمان، بأن يكون على عهدته أداؤه
بمثله أو قيمته، ويقال للمملك " المقرض " وللمتملك " المقترض والمستقرض ". أما
إذا جعل على عهدته أداؤه بعينه ففيه إشكال.
(مسألة 208) يكره الاقتراض مع عدم الحاجة، وتخف كراهته مع
الحاجة، وكلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة، وكلما اشتدت خفت إلى أن
تزول، بل ربما وجب إذا توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه ونحو
ذلك، فعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار ومهمة
70

بالليل وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة. وعن مولانا الكاظم عليه السلام:
من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله،
فإن غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله ما يقوت به عياله. والأحوط لمن لم
يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقب حصوله عدم الاستدانة إلا عند
الضرورة، وإن استدان فالأحوط إعلام المستدان منه بحاله.
(مسألة 209) إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة، سيما صاحب
الحاجة، لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته، فقد قال النبي صلى الله عليه
وآله: من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربه يوم القيامة،
والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه. وعنه صلى الله عليه وآله: من
أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة
من الملائكة حتى يؤديه، ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل
أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدى على
الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكا إليه أخوه
المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين.
(مسألة 210) القرض عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب كقوله: أقرضتك،
وما يؤدي معناه، وقبول دال على الرضا بالايجاب، ولا يعتبر في عقده العربية
بل يقع بكل لغة، بل الظاهر جريان المعاطاة فيه، فيتحقق بإقباض العين
وقبضها وتسلمها بهذا العنوان من دون احتياج إلى صيغة.
ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات
والعقود من البلوغ والعقل والقصد والاختيار، أما عدم السفه وعدم الحجر
فهما شرط في المقرض خاصة.
(مسألة 211) يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا، فلا يصح إقراض
الدين ولا المنفعة ولا ما لا يصح تملكه كالخمر والخنزير.
71

ولا يعتبر كونه عينا شخصيا، فيصح إقراض الكلي بأن يوقع العقد على
الكلي وإن كان إقباضه لا يكون إلا بدفع عين شخصية.
ويعتبر مع ذلك كونه مما يمكن ضبط أوصافه وخصوصياته التي تختلف
باختلافها الرغبات، هذا في المثليات كالحبوب والزيوت ونحوها، أما في
القيميات كالأنعام واللحوم والجواهر ونحوها، فلا يبعد كفاية العلم بقيمتها حين
التسليم مع مشاهدتها وإن لم يمكن ضبط أوصافها بنحو يصح فيها السلم.
(مسألة 212) لا بد أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم
كأحد هذين، وأن يكون قدره معينا بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن
وبالعد فيما يعد، فلا يصح إقراض صبرة من طعام جزافا، نعم لو قدر بكيلة
معينة ومل إناء معين غير الكيل المتعارف أو وزن بحجر معينة غير العيار
المتعارف عند عامة الناس لم يبعد الاكتفاء به، لكن الأحوط (استحبابا)
خلافه.
(مسألة 213) يشترط في صحة القرض القبض والاقباض، فلا يملك
المستقرض المال المقترض إلا بعد القبض، ولا يتوقف على التصرف.
(مسألة 214) الأقوى أن القرض عقد لازم، فليس للمقرض فسخه
والرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة، ولا للمقترض، نعم للمقرض
عدم إنظار المقترض ومطالبته بالأداء والقضاء ولو قبل قضاء وطره أو مضي
زمان يمكن فيه ذلك. وللمقترض أيضا الأداء قبل قضاء وطره، وليس
للمقرض الامتناع.
(مسألة 215) لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة والشعير والذهب
والفضة ونحوها يثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض، ولو كان قيميا كالغنم
ونحوها ثبت في ذمته قيمته. والأقوى اعتبار قيمة وقت الاقتراض أي التسليم
إلى المقترض لا وقت الأداء.
72

(مسألة 216) لا يجوز شرط الزيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدي
المقترض أكثر مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع
القرض مبنيا عليه. وهذا هو الربا القرضي المحرم الذي ذكرنا في كتاب البيع
بعض ما ورد في الكتاب والسنة من التشديد عليه.
ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية كما إذا أقرضه عشرة دراهم على
أن يؤدي اثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعا كالانتفاع
بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤديها
صحيحة. وكذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربويا بأن كان من
المكيل والموزون، وغيره بأن كان معدودا كالجوز والبيض.
(مسألة 217) إذا أقرضه شيئا وشرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من
قيمته أو يؤاجره بأقل من أجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم لو باع
المقترض من المقرض مالا بأقل من قيمته أو آجره دارا مثلا بأقل من أجرتها و
شرط عليه أن يقرضه مبلغا معينا فلا بأس به وإن أفاد فائدة الأول، وبه يحتال
في الفرار من الحرام إلى الحلال.
(مسألة 218) إنما تحرم الزيادة مع الشرط، وأما بدونه فلا بأس به، بل
يستحب ذلك للمقترض، حيث أنه من حسن القضاء وخير الناس أحسنهم
قضاءا، بل يجوز ذلك إعطاءا وأخذا لو كان إعطاء الزيادة من أجل أن
يثبت للمقرض أنه حسن القضاء فيقرضه إذا احتاج إلى الاقتراض، أو كان
الاقراض لأن المقترض حسن القضاء والجزاء، بحيث لولا ذلك لما أقرضه،
نعم يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحب
أنه إذا أعطاه المقترض شيئا بعنوان الهدية ونحوها أن يحسبه من قرضه عليه.
(مسألة 219) إنما يحرم شرط الزيادة لمصلحة المقرض على المقترض،
ولا بأس به لمصلحة المقترض، كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي
ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤديها مكسورة، فما تداول بين
73

التجار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل وأخذ الحوالة من المدفوع إليه
بالأقل منه لا بأس به، كما إذا أعطاه مائة درهم على أن يعطيه الحوالة بتسعين
درهما في بلد آخر مثلا، فتكون التسعون درهما في ذمة التاجر وهو المقترض
والزيادة له.
أما إن كان بإعطاء الأقل وأخذ الحوالة بالأكثر فيكون من الربا، كما إذا
استقرض تسعين درهما على أن يعطيه الحوالة بمائة درهم في بلد آخر مثلا،
فلا بد لأجل التخلص من الربا من إعمال بعض الحيل الشرعية ولو بأن يجعل
عشرة دراهم أجرة عمله وهو إيصال الحوالة، فيأخذ المقرض العين وفاءا
لقرضه والعشرة أجرة لعمله.
(مسألة 220) المال المقترض إن كان مثليا كالدراهم والدنانير والحنطة
والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء بقي
على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ارتفع أو نزل، وهذا هو الوفاء
الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به وليس له
الامتناع ولو ارتفع سعره عما أخذه بكثير، كما أنه ليس للمقرض الامتناع لو
أعطاه المقترض ولو نزل بكثير. نعم لو نزلت قيمته كثيرا حتى صار كالتالف
عرفا فالأحوط (وجوبا) على المقرض والمقترض التصالح. أما أداء القرض
المثلي بقيمته أو بغير جنسه فيتوقف على تراضيهما.
وإن كان القرض قيميا فقد مر أنه تشتغل ذمة المقترض بالقيمة، وإنما تكون
بالنقود الرائجة، فأداؤه بإعطائها لا يتوقف على التراضي، ويمكن أن يؤدي
بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي.
ولو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو
أراد المقترض ذلك، فالأقوى جواز الامتناع، وإن كان الأحوط عدمه.
(مسألة 221) يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض
أن يؤديه من غير جنسه، ويلزمه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة أو كان
74

ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترض. هذا إذا لم يصدق عليه أنه قرض
يجر نفعا ولو كان النفع غير مالي، وإلا فمشكل لا يترك الاحتياط فيه
(وجوبا).
(مسألة 222) الأقوى أنه لو شرط التأجيل في القرض (في غير البيع
والشراء ونحوهما من المعاملات) لم يلزم العمل به.
(مسألة 223) إذا شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد
معين صح ولزم، وإن كان في حمله إليه مؤونة عليه، فإن طالبه في غير ذلك
البلد لم يلزم عليه الأداء، كما أنه لو أداه في غيره لم يلزم على المقرض القبول.
وإن أطلق القرض ولم يعين بلد الأداء، فإن فهم اشتراط بلد القرض ولو
بالانصراف كان بلد الأداء بلد القرض، واحتاج غيره إلى التراضي. ولكن
إذا أداه المقترض في غيره فالأقوى وجوب القبول على المقرض. وكذا إذا
طالبه المقرض بالأداء في غيره ولم يكن على المقترض مؤونة في حمله إليه
فالأقوى أن عليه القبول.
(مسألة 224) يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن
أو الكفيل، وكل شرط لا يكون فيه نفع للمقرض فهو جائز وإن كان مصلحة
له.
(مسألة 225) العملات المتعارفة في زماننا المسماة بالاسكناس أو النوط
لها مالية بنفسها بسبب اعتبار الدول والناس لها، وليست قيمتها بما تمثله من
قيمة ذهبية أو فضية، لذلك يقع التعامل عليها بنفسها من دون نظر إلى
الدراهم والدنانير. فلو سقطت عن الاعتبار فالأقوى لزوم أداء ما كان لها من
مالية قبل سقوطها لأن ذلك كتلف المثلي في المثليات. ولو نزلت قيمتها نزولا
فاحشا بحيث يحسب كالتلف فالأحوط (وجوبا) التصالح. ويجري ذلك في
المهور الواقعة عليها وغيرها من المعاملات.
75

كتاب الرهن
(مسألة 226) وهو اعتبار إضافة بين العين المرهونة والمرتهن مستتبعة
لتسلط المرتهن على استيفاء دينه منها على فرض امتناع الدائن عن الأداء.
ويقال للعين " الرهن والمرهون " ولدافعها " الراهن " ولآخذها " المرتهن ".
ويحتاج إلى العقد المشتمل على الايجاب والقبول، والايجاب من الراهن،
وهو كل لفظ أفاد المعنى المقصود في متفاهم أهل المحاورة كقوله: رهنتك أو
أرهنتك أو هذا وثيقة عندك على مالك ونحو ذلك. والقبول من المرتهن، وهو كل
لفظ دال على الرضا بالايجاب. ولا يعتبر فيه العربية، بل الظاهر عدم اعتبار
الصيغة فيه أصلا فيقع بالمعاطاة.
(مسألة 227) يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد
والاختيار، وفي الراهن عدم الحجر بالسفه والفلس، ويجوز لولي الطفل
والمجنون رهن مالهما والرهن لهما مع المصلحة والغبطة.
(مسألة 228) يشترط في صحة الرهن قبض المرتهن بإقباض الراهن
أو بإذن منه، ولو كان في يده شئ وديعة أو عارية بل ولو غصبا فأوقعا عقد
الرهن عليه كفى ولا يحتاج إلى قبض جديد، ولو رهن المشاع لا يجوز
تسليمه إلى المرتهن إلا برضا شريكه، ولكن لو سلمه إليه فالظاهر كفايته في
تحقق القبض الذي هو شرط لصحة الرهن وإن تحقق العدوان بالنسبة إلى حصة
شريكه.
76

(مسألة 229) إنما يعتبر القبض في الابتداء ولا يعتبر استدامته، فلو
قبضه المرتهن ثم صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضر ولم
يطرأ عليه البطلان. نعم الظاهر أن للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت
يده، فلا يجوز انتزاعه منه إلا إذا شرط في العقد كونه بيد الراهن أو يد ثالث
بعد القبض، مثل أن يشترط على المرتهن أن يعيد العين المرهونة بعد القبض
إلى نفس الراهن أو إلى الثالث، وأما قبل القبض فاشتراط كونها بيد الراهن
أو بيد ثالث غير جائز.
(مسألة 230) يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكة يمكن قبضها
ويصح بيعها، فلا يصح رهن الدين قبل قبضه ولا رهن الكلي في ذمة الراهن
ثم إقباض مصداقه، ولا المنفعة، ولا الرهن الانسان الحر، ولا الخمر والخنزير
، ولا مال الغير إلا بإذنه أو إجازته، ولا الأرض الخراجية كالمفتوحة عنوة
والتي صولح أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين وضرب عليهم الخراج، ولا
الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ولا الوقف ولو كان خاصا.
(مسألة 231) لو رهن ما يملك مع ملك غيره في عقد واحد، صح في
ملكه، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه.
(مسألة 232) لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في
صحة رهن ما فيها مستقلا، وكذا مع أرضها بعنوان التبعية بناء على أنها تملك
تبعا، لكن لا يصح رهن أرضها مستقلا.
(مسألة 233) لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين، فيجوز
لشخص أن يرهن ماله على دين شخص آخر تبرعا ولو من غير إذنه، بل
ولو مع نهيه، وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه، لكن لو
رهنه وقبضه المرتهن كان لمالكه مطالبة الراهن بالفك عند انقضاء الأجل
78

المأذون فيه، ومطلقا في غير المؤجل. ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكا
لمن عليه الدين، ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع
بالقيمة أو بالأكثر، وبقيمته تامة لو بيع بأقل من قيمته. ولو عين له أن يرهنه
على حق مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معين
لم يجز له مخالفته، ولو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع وتخير.
(مسألة 234) لو كان الرهن على دين مؤجل وكان مما يسرع إليه
الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه قبل أن يطرأ عليه الفساد صح الرهن،
ويبيعه الراهن أو يوكل المرتهن في بيعه وإن امتنع أجبره الحاكم، فإن تعذر
باعه الحاكم، ومع فقد الحاكم يبيعه المرتهن، فإذا بيع يجعل ثمنه رهنا.
وكذلك الحال لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه، وأما لو شرط عدم
البيع إلا بعد الأجل فيبطل الرهن. ولو رهن مالا يسرع إليه الفساد فعرض ما
صيره عرضة للفساد كالحنطة تبتل، لم ينفسخ الرهن بل يباع ويجعل الثمن رهنا
.
(مسألة 235) يعتبر في المرهون أن يكون معينا، فلا يصح رهن المبهم
كأحد هذين. وفي صحة رهن الكلي في المعين كصاع من الصبرة وشاة من
القطيع إشكال. والظاهر عدم صحة رهن المجهول من جميع الوجوه حتى من
حيث القيمة والمالية، كما إذا رهن ما في الصندوق المقفل. وإذا رهن
الصندوق بما فيه صح بالنسبة إلى الظرف دون المظروف.
وأما معلوم الجنس والنوع، مجهول المقدار كصبرة من حنطة مشاهدة،
فالظاهر صحة رهنه إذا كانت قيمته معلومة.
(مسألة 236) يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة لأنه
تحقق موجبه من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استيجار عين بالذمة
وغير ذلك، حالا كان الدين أو مؤجلا، فلا يصح الرهن على ما سيقترضه
أو على ثمن ما سيشتريه فيما بعد، ولو فعل لم يصر بذلك رهنا، ولا على
79

الدية قبل استقرارها بتحقق الموت وإن علم أن الجناية تؤدي إليه، ولا على
مال الجعالة قبل تمام العمل.
(مسألة 237) يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة التي
في ذمة المستأجر، وكذا يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في
ذمة المؤجر.
(مسألة 238) الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة
والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها.
أما الرهن على عهدة الثمن أو المبيع أو أجرته أو عوض الصلح عليه
فالأقوى عدم صحته قبل انكشاف أنها مستحقة للغير للشك في كونها من
الأعيان المضمونة. وأما بعد الانكشاف فلا إشكال في جواز أخذ الرهن في
مقابل المضمون، ثمنا أو مثمنا، دينا أو عينا أو مختلفين.
(مسألة 239) إذا اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على
الثمن.
(مسألة 240) إذا رهن على دينه رهنا ثم استدان مالا آخر من المرتهن
جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا وكان رهنا عليهما معا، سواء كان
الثاني مساويا للأول في الجنس والقدر أو مخالفا، وكذا له أن يجعله على دين
ثالث ورابع إلى ما شاء، وكذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن شيئا
آخر على ذلك الدين، وكانا جميعا رهنا عليه.
(مسألة 241) لو رهن شيئا عند زيد ثم رهنه عند آخر أيضا باتفاق
من المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول وأن
يكون رهنا على خصوص الدين الثاني.
(مسألة 242) لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا ثم رهنا عنده
مالا مشتركا بينهما ولو بعقد واحد ثم قضى أحدهما دينه، انفكت حصته من
80

الرهانة وصارت طلقا، ولو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا - بأن كان
عليه دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد - فلكل منهما رهن النصف مع
تساوي الدين، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقهما، فإن
قضي دين أحدهما انفك من الرهانة ما يقابل حقه.
هذا كله في التعدد ابتداءا، وأما التعدد الطاري فالظاهر أنه لا عبرة به،
فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين،
كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأخذ أحدهما نصيبه من الدين لم ينفك
بمقداره من الرهن.
(مسألة 243) لا يدخل حمل الحيوان في رهنه ولا الثمر في رهن النخل
والشجر وكذا ما يتجدد إلا إذا اشترط دخولها أو كانت قرينة على دخول
شئ منها ولو كانت هي العرف. نعم الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في
رهن الحيوان، وكذا الأوراق والأغصان حتى اليابسة في رهن الشجر، وأما
اللبن في الضرع ومغرس الشجر وأساس الجدار وأمثالها فدخولها في الرهن
وعدمه محول إلى القرائن الحالية والمتعارفة عند الناس.
(مسألة 244) الرهن لازم من جهة الراهن جائز من طرف المرتهن،
فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلا أن يسقط حقه من الارتهان أو
ينفك الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين بالأداء أو الابراء أو غير ذلك.
ولو برأت ذمته من بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي، إلا
إذا اشترطا التوزيع فينفك منه على مقدار ما برأ منه ويبقى رهنا على مقدار ما
بقي. كما أنهما إذا اشترطا كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفك
الجميع بالبراءة عن بعض الدين.
(مسألة 245) لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن،
سواء كان تصرفا ناقلا للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة، أو مجرد انتفاع به
81

ولا يضر به كالاستخدام والركوب والسكنى ونحوها، فإن تصرف بغير الناقل
أثم ولم يترتب عليه شئ، لكن لو أتلفه ألزم قيمته وتكون رهنا.
وإن كان التصرف بالبيع أو الإجارة وغيرهما من النواقل توقف على
إجازة المرتهن، ففي مثل الإجارة تصح بالإجازة وتبقى الرهانة على حالها،
بخلاف البيع فإنه يصح بها وتبطل الرهانة، كما أنها تبطل بالبيع إذا كان عن
إذن سابق من المرتهن.
(مسألة 246) لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن،
فلو تصرف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده
للتعدي، ولزمه أجرة المثل لما استوفاه من المنفعة، ولو تصرف فيه ببيع ونحوه
أو بإجارة، وقع فضوليا واحتاج إلى إجازة الراهن. فإن باعه للراهن بشرط
كون الثمن رهنا وأجاز الراهن، صح وكان الثمن رهنا. أما إذا باعه لنفسه أو
للراهن ولم يشترط كون ثمنه رهنا فيبطل الرهن بعد الإجازة، ولا يصير الثمن
رهنا إلا بعقد جديد. أما إذا آجره وأجاز الراهن فالأجرة المسماة للراهن،
وتبقى العين رهنا.
(مسألة 247) منافع الرهن كالسكنى، وكذا نماءاته المنفصلة كالنتاج
والثمر والصوف والشعر والوبر، والمتصلة كالسمن والزيادة في الطول
والعرض، كلها للراهن، سواء كانت موجودة عند الرهن أو وجدت بعده،
ولا يتبعه في الرهانة إلا نماءاته المتصلة.
(مسألة 248) لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صح، فلو كان
الدين مؤجلا وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل، فإن كان يمكن ابقاؤها
بالتجفيف مثلا جففت، وإلا فإن أذن الراهن ببيعها بشرط كون الثمن رهنا صح
بيعها وكان الثمن رهنا، وإلا فكون الثمن رهنا يحتاج إلى عقد جديد كما مر.
82

(مسألة 249) إذا كان الدين حالا أو حل وأراد المرتهن استيفاء حقه،
فإن كان وكيلا عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه، فله ذلك بدون
مراجعة. وإن لم يكن وكيلا عنه في ذلك فليس له أن يبيعه بل يراجعه ويطالبه
بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم
ليلزمه بالوفاء أو البيع، فإن لم يمكن للحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل
الغير ولو كان هو المرتهن نفسه.
ومع فقد الحاكم أو عدم قدرته على الالزام بالبيع وعلى البيع عليه لعدم
بسط اليد باعه المرتهن بإذن الحاكم إن أمكن ومع عدمه يبيع بنفسه ويستوفي
حقه إذا ساواه، أو بعضه إذا كان أقل من ثمنه، وإن كان أكثر كان الزائد عنده
أمانة شرعية يوصله إلى صاحبه.
(مسألة 250) إذا لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة لاثبات دينه وخاف لو
اعترف عند الحاكم بالرهن أن يجحد الراهن الدين فيؤخذ منه الرهن بموجب
اعترافه ويطالب بالبينة على حقه، فيجوز له بيع الرهن بأن يستأذن من الحاكم
من دون ذكر اسم الراهن لئلا يؤاخذ بإقراره، وإن لم يمكن الاستئذان يبيعه
بنفسه، وكذا إذا مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
(مسألة 251) لو كان بعض الرهن يفي بالدين اقتصر على بيعه على
الأحوط إن لم يكن أقوى، ويبقي الباقي أمانة عنده، إلا إذا لم يمكن التبعيض
ولو من جهة عدم وجود الراغب فيه، أو كان فيه ضرر على المالك، فيباع
الكل.
(مسألة 252) إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابة
ركوبه جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون، ولكن لا ينبغي
للمسلم أن يخرج المسلم من ظل رأسه.
(مسألة 253) إذا كان الراهن مفلسا أو مات وعليه ديون للناس، كان
المرتهن أحق من باقي الغرماء باستيفاء حقه من الرهن، فإن بقي شئ يوزع
83

على الباقين بالحصص، وإن نقص عن حقه استوفى بعض حقه من الرهن
ويشترك فيما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن إن كانت.
(مسألة 254) الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب
من دون تعد وتفريط. نعم لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية
مضمونة مثلا ثم ارتهن عنده لم يزل الضمان إلا إذا أذن له المالك في بقائه تحت
يده فيرتفع الضمان على الأقوى.
وإذا انفك الدين بسبب الأداء أو الابراء أو غير ذلك يبقى الرهن أمانة
مالكية في يد المرتهن لا يجب تسليمه إلى المالك إلا مع المطالبة كسائر
الأمانات.
(مسألة 255) لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن، فينتقل
الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورثهم وينتقل إلى ورثة المرتهن
حق الرهانة، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك، فإن اتفقوا على
أمين فهو، وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين.
(مسألة 256) إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية بالرهن
وتعيين المرهون والراهن والاشهاد كسائر الودائع، ولو لم يفعل كان مفرطا
وعليه ضمانه.
(مسألة 257) لو كان عنده رهن قبل موته ثم مات ولم يعلم بوجوده في
تركته لا تفصيلا ولا إجمالا ولم يعلم كونه تالفا بتفريط منه، لم يحكم أنه في
ذمته ولا بكونه موجودا في تركته، بل يحكم بكونها لورثته.
ولو علم أنه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته ولم يعلم أنه
الآن باق فيها أم لا، كما إذا كان سابقا في صندوقه مع أمواله التي كانت فيه
وبقيت إلى زمان موته ولم يعلم أنه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه
84

واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا، فلا يصح أن يحكم ببقائه فيها،
لأن الاستصحاب إبقاء ما كان ثابتا، وكون بعض التركة الموجودة للراهن
سابقا غير متيقن، وقد ذكرنا ذلك في المضاربة أيضا.
(مسألة 258) لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن ودينارا آخر
منه بلا رهن ثم دفع إليه دينارا بنية الأداء والوفاء، فإن نوى كونه عن
المرتهن عليه سقط وانفك رهنه، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفك الرهن
وبقي دينه، وإن لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن
ذي الرهن أو غيره، لم ينفك الرهن أيضا، ويشكل توزيعه على الدينين بحيث
إذا أكمل الراهن أداء دين المرتهن عليه انفك رهنه، لأن مقتضى الاستصحاب
بقاء الرهن حتى يعلم فكه.
85

كتاب الحجر
(مسألة 259) الحجر هو لغة بمعنى المنع، وهنا بمعنى كون الشخص ممنوعا
شرعا من التصرف في ماله بسبب من الأسباب، وهي كثيرة وما هو العمدة
منها: الصغر، والجنون، والسفه، والفلس، ومرض الموت.
(مسألة 260) الصغير - وهو الذي لم يصل إلى حد البلوغ - محجور
عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في أمواله ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة
وإيداع وإعارة وغيرها، وإن كان في كمال التمييز والرشد، وكان التصرف في
غاية الغبطة والصلاح، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي سابقا ولا إجازته
لاحقا عند المشهور. نعم يأتي حكم وصيته إذا بلغ عشرا إن شاء الله تعالى.
(مسألة 261) كما أن الصبي محجور عليه في ماله محجور عليه في ذمته
أيضا، فلا يصح أن يقترض أو يبيع أو يشتري في الذمة بالسلم والنسيئة وإن
كان وقت الأداء زمان البلوغ أو بعده.
وكذلك محجور عليه في نفسه أيضا، فلا ينفذ منه التزوج والطلاق ولا
إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة وغير
ذلك. نعم يجوز حيازته المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما ويملكها
بالنية، بل وكذا يملك الجعل بعمله إذا تحرك بجعل الجاعل كما مر في الجعالة،
وإن لم يأذن له الولي فيهما.
86

(مسألة 262) يعرف البلوغ في الذكر والأنثى بأحد أمور ثلاثة:
الأول: نبات الشعر الخشن على العانة، ولا اعتبار بالزغب والشعر
الضعيف.
الثاني: خروج المني، سواء خرج يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو
غيرهما.
الثالث: السن، وهو في الذكر خمس عشرة سنة هلالية وفي الأنثى تسع
سنين كذلك.
(مسألة 263) لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد معه
من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبينه.
(مسألة 264) ولاية التصرف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه
لأبيه وجده لأبيه، ومع فقدهما للقيم وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون
ناظرا في أمره، ومع فقد الوصي فالولاية للحاكم الشرعي.
وأما الأم والأخ والجد للأم فضلا عن الأعمام والأخوال فلا ولاية لهم عليه
بحال. نعم الظاهر ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم، وللموثقين منهم مع
فقدهم.
(مسألة 265) الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجد، فلا
ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر منهما الخيانة ولو بقرائن الأحوال
دون مجرد الضرر منهما على المولى عليه ولو عن اشتباه، عزلهما الحاكم ومنعهما
من التصرف في أمواله، ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبع سلوكهما.
(مسألة 266) الأب والجد مشتركان في الولاية فينفذ تصرف السابق
منهما ويلغى تصرف اللاحق، ولو اقترنا فالأقوى تقديم تصرف الجد على
الأب.
(مسألة 267) الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب والبعيد، فلو كان له
أب وجد وأب الجد وجد الجد، اشتركوا كلهم في الولاية.
88

(مسألة 268) يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة واقتضاء المصلحة،
فإن كان البائع هو الأب أو الجد جاز للحاكم تسجيله وإن لم يثبت عنده أنه
مصلحة، وكذا إذا كان البائع غيرهما كالوصي على الأقوى حملا لفعل المؤمن
على الصحة.
(مسألة 269) يجوز للولي المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة
العامل وأمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
(مسألة 270) يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة أو إلى من
يعلمه القراءة والخط والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم النافعة لدينه
ودنياه، وعليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما يضر بعقائده.
(مسألة 271) يجوز لولي اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله وأن
يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم فيوزع المصارف على عددهم بالنسبة في المأكل
والمشرب والمسكن، وأما الكسوة فيحسب على كل شخص كسوته.
وكذا الحال في اليتامى المتعددين، فيجوز لمن يتولى نفقتهم أن يخلطهم في
المأكول والمشروب ويوزع المصارف عليهم بالعدد، أما الكسوة فيشترى لكل
واحد حاجته منفردا.
(مسألة 272) إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه
عنه ببعضه مع المصلحة، ولكن لا يحل على المتصالح باقي المال، وليس للولي
إسقاطه بحال.
(مسألة 273) المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. إلا أنه إذا تجدد جنونه
بعد بلوغه ورشده فالأقوى أن الولاية عليه للحاكم، وإن كان الأحوط أن
يتراضى الحاكم مع سائر الأولياء.
(مسألة 274) ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالاسراف ولا بالتقتير
ملاحظا عادته ونظراءه وما يليق بشأنه.
89

(مسألة 275) لو ادعى الولي الانفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه
بالمقدار اللائق وأنكر بعد البلوغ أصل الانفاق أو كيفيته، فالقول قول الولي مع
اليمين إلا أن يكون للصبي بينة.
(مسألة 276) السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله
والاعتناء بحاله، فهو يصرفه ويتلفه في غير محله، ولا تكون معاملاته مبنية
على التحفظ من الوقوع في الغبن، ولا يبالي بالانخداع فيها. ويعرفه أهل
العرف والعقلاء بوجدانهم عندما يرونه خارجا عن طورهم ومسلكهم في
صرف أمواله وتحصيلها. وهو محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في ماله ببيع
أو صلح أو إجارة أو ايداع أو عارية وغيرها.
ولا يتوقف حجره على حكم الحاكم على الأقوى. فيحكم بكونه محجورا
عليه في أمواله مع العلم بسفاهته، وكذا لا يتوقف زوال الحجر عنه على حكمه
إذا علم زوال سفاهته. ومع الشك في الحدوث أو الزوال يحكم ببقاء الحالة
السابقة في الشبهة الموضوعية، ويرجع إلى المجتهد في الشبهة الحكمية لو
فرض تحققها.
ولا فرق بين أن يكون سفهه متصلا بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ، فلو
كان سفيها ثم حصل له الرشد ارتفع حجره، فإن عاد إلى حالته السابقة حجر
عليه، ولو زالت فك حجره، ولو عاد عاد الحجر عليه، وهكذا.
(مسألة 277) الولاية على السفيه للأب والجد ووصيهما إذا بلغ سفيها.
ومن طرأ عليه السفه بعد البلوغ فالولاية عليه للحاكم الشرعي.
(مسألة 278) السفيه محجور عليه في ذمته أيضا، كأن يتعهد مالا أو
عملا، فلا يصح اقتراضه وضمانه ولا بيعه وشراؤه بالذمة ولا إجارة نفسه ولا
جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة، وغير ذلك.
(مسألة 279) معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو كانت
بإذن الولي أو إجازته صحت ونفذت. نعم في مثل العتق والوقف مما لا يجري
فيه الفضولية يشكل صحته بالإجازة اللاحقة من الولي.
90

ولو أوقع معاملة في حال سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها هو، كانت
كإجازة الولي.
(مسألة 280) لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته، لكن
يصح طلاقه وظهاره وخلعه، ويقبل إقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر
بالنسب. لكن لا تترك مراعاة الاحتياط في لوازمه المالية كالنفقات.
وكذا يقبل إقراره بما يوجب القصاص ونحو ذلك، ولو أقر بالسرقة يقبل في
القطع دون المال.
(مسألة 281) لو وكل أجنبي سفيها في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز
ذلك ولو كان وكيلا في أصل المعاملة لا في مجرد إجراء الصيغة.
(مسألة 282) إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شئ أو تركه مما لا
يتعلق بماله انعقد حلفه ونذره، ولو حنث كفر كسائر ما أوجب الكفارة كقتل
الخطأ والافطار في شهر رمضان، والأحوط أنه يتعين عليه الصوم لو تمكن منه
ولا يتخير بينه وبين الكفارة المالية، بل لا يخلو من قوة. نعم لو لم يتمكن من
الصوم تعين غيره، نظير من فعل ما يوجب الكفارة المالية على التعيين كما في
كفارات الاحرام كلها أو جلها.
(مسألة 283) إذا كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه، بخلاف
الدية وأرش الجناية.
(مسألة 284) إذا اطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه ولم ير
المصلحة في إجازته، فإن لم يقع إلا بمجرد العقد ألغاه، وإن وقع تسليم وتسلم
للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده ويحفظه وما تسلمه وكان
موجودا يرده إلى مالكه. ومع عدم بقائه يضمنه السفيه مطلقا على ما اخترناه
من تعميم الضمان في المأخوذ بالعقد الفاسد وأنه لا فرق بين السفيه وغيره،
وكذا لا فرق بين التلف والاتلاف وبين جهل المالك بالحال وعلمه. وكذا الحال
لو اقترض السفيه وأتلف المال.
91

(مسألة 285) إذا أودع انسان وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على
الأقوى، سواء علم المودع بحاله أو جهل بها. نعم لو تلفت عنده لم يضمنها إلا
مع تفريطه في حفظها كغيره.
(مسألة 286) لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده، وإذا اشتبه
حاله يختبر، بأن يفوض إليه مدة معتدا بها بعض الأمور مما يناسب شأنه
كالبيع والشراء والإجارة والاستيجار، أو الرتق والفتق في بعض الأمور مثل
مباشرة الانفاق في مصالحه أو مصالح الولي ونحو ذلك مما يناسبه، ويفوض إلى
السفيهة ما يناسب النساء من إدارة بعض مصالح البيت والمعاملة مع النساء
بالإجارة والاستيجار للخياطة والنساجة وأمثال ذلك، فإن أنس منه الرشد
، بأن ظهر منه المداقة والتحفظ عن الغبن في معاملاته، وصيانة ماله من التضييع
، وصرفه في موضعه، والتصرف فيه كالعقلاء، دفع إليه ماله، وإلا فلا.
(مسألة 287) إذا احتمل حصول الرشد للصبي قبل البلوغ يجب
اختباره قبله لكي يسلم إليه ماله إذا بلغ وآنس منه رشدا، وإلا فيختبر عندما
يحتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده.
وأما غير الصبي فإن ادعى حصول الرشد له واحتمله الولي وجب اختباره،
وإن لم يدع حصوله فلا يترك الاحتياط بالاختبار مع الاحتمال.
(مسألة 288) المفلس: هو من حجر عليه التصرف في ماله لقصوره عن
ديونه.
(مسألة 289) من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز
له التصرف فيها بأنواعه، وينفذ أمره فيها ولو بإخراجها جميعا عن ملكه مجانا
أو بعوض، ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي.
نعم لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون فيشكل
الصحة، خصوصا إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه.
92

(مسألة 290) لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة: الأول:
أن تكون ديونه ثابتة شرعا. الثاني: أن تكون أمواله من عروض ونقود
ومنافع وديون على الناس ما عدا مستثنيات الدين قاصرة عن ديونه.
الثالث: أن تكون الديون حالة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة وإن لم
يف ماله بها لو حلت، ولو كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا فإن قصر ماله عن
الحالة يحجر عليه، وإلا فلا. الرابع: أن يرجع الغرماء كلهم أو بعضهم إلى
الحاكم ويطلبوا منه الحجر عليه بشرط أن يكون دين ذلك البعض أكثر من ماله
وإن عم الحجر حينئذ له ولغيره. أما مع عدم طلب أحد منهم فلا يحجر عليه
إلا أن يكون الدين لمن كان الحاكم وليه من يتيم أو مجنون أو نحوهما.
(مسألة 291) إذا تمت الشرائط الأربعة وحجر عليه الحاكم وحكم
بذلك، تعلق حق الغرماء بأمواله، ولا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع
والإجارة، وبغير عوض كالوقف والهبة إلا بإذنهم أو إجازتهم.
وإنما يمنع المفلس من التصرفات الابتدائية، فلو اشترى شيئا سابقا بخيار
ثم حجر عليه فالخيار باق وله فسخ البيع وإجازته. نعم لو كان له حق مالي
سابقا على الغير فليس له إسقاطه وإبراؤه كلا أو بعضا.
(مسألة 292) إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر
عليه، أما الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره
كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصية والهبة ونحو ذلك، فالأقوى عدم
شمول الحجر لها. نعم لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها.
(مسألة 293) لو أقر بعد الحجر بدين سابق صح وشارك المقر له
الغرماء، وكذا لو أقر بدين لاحق وأسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين
مثل الاتلاف والجناية ونحوهما، وأما لو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك
كالاقتراض والشراء بما في الذمة ونحو ذلك، فينفذ الاقرار في حقه لكن لا
يشارك المقر له الغرماء.
93

(مسألة 294) لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص نفذ إقراره
في حقه، والأقوى عدم نفوذه في حق الغرماء فلا تدفع إلى المقر له.
ولو سقط حق الغرماء وانفك الحجر لزمه تسليمها إلى المقر له أخذا بإقراره.
(مسألة 295) إذا حكم الحاكم بحجر المفلس ومنعه عن التصرف في أمواله
يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص على نسبة ديونهم، مستثنيا منها
مستثنيات الدين التي مرت في كتاب الدين، وكذا أمواله المرهونة فإن المرتهن
أحق باستيفاء حقه من الرهن الذي عنده ولا يحاصه فيه سائر الغرماء، ويوزع
الفاضل من دينه بين الغرماء كما مر.
(مسألة 296) إن كان في مال المفلس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمته،
فالبائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله أو يشترك مع الغرماء
بالثمن ولو لم يكن له مال سواها.
(مسألة 297) الظاهر أن الخيار المذكور لصاحب العين ليس فوريا فلا
يجب عليه أن يبادر بالرجوع في العين. نعم ليس له الافراط في تأخير
الاختيار بحيث يعطل أمر التقسيم على الغرماء، فإن أخر كذلك خيره الحاكم
بين الأمرين، فإن امتنع عن اختيار أحدهما أشركه مع الغرماء في الثمن.
(مسألة 298) يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين، فلا
رجوع في المؤجل غير الحال قبل قسمة الكل أو البعض، والأقرب في الحال
عندئذ الرجوع، كما أن الأقرب مشاركة الدين المؤجل الحال قبل القسمة
لسائر الديون.
(مسألة 299) إذا كانت العين من مستثنيات الدين فليس للبائع أن
يرجع فيها على الأظهر.
(مسألة 300) المقرض كالبائع في أن له الرجوع بالعين المقترضة لو
94

وجدها عند المقترض، بل وكذا المؤجر فله فسخ الإجارة إذا حجر على
المستأجر قبل استيفاء المنفعة.
(مسألة 301) إذا وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة،
كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصته من الدين والمشاركة بالباقي مع الغرماء،
كما أن لهما المشاركة بتمام دينهما معهم. وكذا إذا استوفى المستأجر بعض المنفعة
كان للمؤجر فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بقي من المدة ومشاركة الغرماء
بأجرة المنفعة المستوفاة، كما أن له مشاركتهم بتمام الأجرة.
(مسألة 302) إذا زادت العين المبيعة أو المقترضة زيادة متصلة كالسمن،
فلو كانت يسيرة بحيث يصدق عليها أنها عين ماله تتبع الأصل، وأما إذا
كانت الزيادة خطيرة بحيث يصدق عليها أنها ماله مع زيادة، فالأحوط التصالح
في الزيادة مع الغرماء.
وأما الزيادة المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر، فهي
للمشتري والمقترض، وليس للبائع والمقرض المطالبة بها.
(مسألة 303) لو تعيبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة سماوية
أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن وأن يشترك بالثمن مع
الغرماء، وأما إن كان بفعل أجنبي فالبائع بالخيار بين أن يشارك الغرماء بتمام
الثمن وبين أن يأخذ العين معيبة، وحينئذ فيحتمل أن يشارك الغرماء في جزء
من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، ويحتمل أن يضاربهم في
تمام الأرش، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان
أربعة (خمس القيمة) فعلى الأول يضاربهم في اثنين وعلى الثاني في أربعة.
ولو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين (
خمس العشرة) يشاركهم في أربعة على الأول وفي اثنين على الثاني، لكن
المسألة محل إشكال، فالأحوط للبائع أن يقتصر على أقل الأمرين وهو
الاثنان في الصورتين. كما أن الأحوط للغرماء أيضا أن يقتصروا على أقل الأمرين مما
95

يجوز لهم المشاركة فيه، وهو غير الأربعة في الصورتين، فينحصر
التخلص عن المحذور بالتصالح والتراضي. والظاهر أن البائع كالأجنبي في
جناياته.
(مسألة 304) لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناءا أو غرسا ثم فلس كان
للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء والغرس للمشتري وليس له حق البقاء
ولو بالأجرة، فإن تراضيا على البقاء مجانا أو بالأجرة فهو، وإلا فللبائع
إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أن للمشتري القلع لكن مع طم الحفر،
والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائها ولو بالأجرة إذا أراده
المشتري، كما أن الأحوط للمشتري أيضا القلع مع إبرام البائع ولو مع الأرش،
فالأحوط والأوفق لتخلص الطرفين إتمام العمل بالتصالح والتراضي.
(مسألة 305) إذا خلط المشتري ما اشتراه بماله، فإن خلطه بغير جنسه
ولم يصدق معه بقاء العين كخلط الملح أو السكر بالماء فليس للبائع الرجوع
ويبطل حقه من العين. أما إذا صدق عليه بقاء العين ولو معيوبة فتعامل معاملة
المعيوب كما لو خلط اللبن بقليل من الماء بحيث لا يخرجه عن اسم اللبن.
وإن خلطه بجنسه كما لو خلط الزيت بزيت فللبائع الرجوع عليه ويصير
شريكه في العين المخلوطة بنسبة ماله ويأخذ حصة من العين إذا اتحد الجنس في
الجودة والرداءة، ولم يكن الخلط مؤثرا في القيمة ويباع المجموع ويأخذ حصة
منه إذا تفاوت الجنس في الجودة والرداءة. هذا ولكن الأحوط عدم الرجوع إلا
مع رضا الغرماء.
(مسألة 306) لو اشترى غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره أو
صبغه، لم يبطل حق البائع من العين على إشكال في الأولين.
(مسألة 307) غريم الميت كغريم المفلس، فإذا وجد عين ماله في تركته
كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء، وإلا
فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء وإن كان الميت قد مات محجورا عليه.
(مسألة 308) يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة
من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته، ولو مات قدم كفنه بل
وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق
الغرماء، ويقتصر على الواجب على الأحوط، وإن كان القول باعتبار
المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة.
(مسألة 309) لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر
يحكم ببطلانها من رأس بعد انكشاف كونها بين بعض الشركاء.
منجزات المريض
96

(مسألة 310) المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف
في ماله بما شاء وكيف شاء، وتنفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه إلا فيما
أوصى بأن يصرف شئ بعد موته فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما
يتركه، وكذا الصحيح لا تنفذ وصيته بأكثر من الثلث.
وأما إذا اتصل مرضه بموته فلا تنفذ وصيته بما زاد على الثلث كغيره،
ولكن تنفذ عقوده المعاوضية المتعلقة بماله كالبيع بثمن المثل والإجارة بأجرة
المثل ونحو ذلك. ولا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل والشرب والانفاق
على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه وما يحفظ شأنه واعتباره، وكل
صرف يكون فيه غرض عقلائي مما لا يعد سرفا وتبذيرا بأي مقدار كان.
وإنما الاشكال والخلاف في مثل الهبة والعتق والوقف والصدقة والابراء
والصلح بغير عوض ونحو ذلك من التصرفات التبرعية في ماله مما لا يقابل
بالعوض ويكون فيه إضرار بالورثة، وهي المعبر عنها بالمنجزات، والأقوى
أنها تنفذ من الأصل وإن زادت على ثلث ماله بل وإن استوعبت بجميع ماله
بحيث لم يبق شئ للورثة.
(مسألة 311) لا إشكال ولا خلاف في أن الواجبات المالية التي يؤديها
المريض في مرض موته كالخمس والزكاة والكفارات تخرج من الأصل.
(مسألة 312) البيع والإجارة المحاباتيان بحكم الهبة بالنسبة إلى ما
حاباه، فلو باع المريض شيئا يساوي مئة بخمسين مثلا فقد أعطى المشتري
خمسين كما إذا وهبه. وكذا لو آجره بأقل من قيمته.
(مسألة 313) لا يلحق بالمرض ما إذا كان في معرض خطر وهلاك، كأن
يكون في حال المراماة في الحرب أو في سفينة تشرف على الغرق، أو
97

تكون المرأة في حال الطلق، فتنفذ تصرفاته حتى على القول بعدم نفوذ تصرفات
المريض.
(مسألة 314) لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو
أجنبي، فإن كان مأمونا غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقر به ولو كان زائدا
على ثلث ماله، بل وإن استوعبه، وإلا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.
والمراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها بكذبه، كأن يكون بينه وبين
الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له محبة شديدة
مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.
(مسألة 315) إذا لم يعلم حال المقر وأنه كان متهما أو مأمونا ففي الحكم
بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث وعدمه إشكال، فالأحوط التصالح بين الورثة
والمقر له.
(مسألة 316) إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات والاقرار بالنسبة
إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو حقا
ماليا يبذل بإزائه المال كحق التحجير، والأرجح أن الدية تحسب من التركة
وتضم إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع.
(مسألة 317) إذا أجاز الورثة الوصية فيما زاد على الثلث نفذت بلا
إشكال، ولو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصته، ولو أجازوا بعضا من الزائد عن
الثلث نفذ بقدره. وكذا حكم منجزات المريض على القول بعدم نفوذها في أكثر
من الثلث.
(مسألة 318) تصح إجازة الوارث بعد وفاته بلا إشكال، والأقوى أنها
تصح أيضا في حياة المورث فيكون ملزما بها، كما تصح بعد وفاته، خاصة في
الوصية. والأقوى أنه إذا رد في حال حياته فله أن يجيز بعد وفاته.
98

كتاب الضمان
(مسألة 319) وهو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر. وحيث أنه عقد
من العقود يحتاج إلى إيجاب صادر من الضامن وقبول من المضمون له، ويكفي
في الأول كل لفظ دال بالمتفاهم العرفي على التعهد المذكور ولو بضميمة القرائن
مثل أن يقول: ضمنت لك أو تعهدت لك الدين الذي لك على فلان ونحو ذلك.
ويكفي في الثاني كل ما دل على الرضا بذلك، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه.
(مسألة 320) يشترط في كل من الضامن والمضمون له أن يكون بالغا
عاقلا رشيدا مختارا، وأن لا يكون المضمون له محجورا لفلس، ولا يشترط
شئ من ذلك في المضمون عنه، فلا يصح ضمان الصبي ولا الضمان له ولكن
يصح الضمان عنه وهكذا.
(مسألة 321) يشترط في صحة الضمان أمور:
منها: التنجيز، فلو علق على أمر، كأن يقول: أنا ضامن ما على فلان إن أذن
لي أبي، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا أو إن لم يف أصلا، بطل.
ومنها: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه، سواء كان
مستقرا كالقرض والثمن أو المثمن في البيع الذي لا خيار فيه، أو متزلزلا
كأحد العوضين في البيع الخياري أو كالمهر قبل الدخول ونحو ذلك، فلو قال:
أقرض فلانا أو بعه نسيئة وأنا ضامن، لم يصح.
99

ومنها: تميز الدين والمضمون له والمضمون عنه، بمعنى عدم الابهام والترديد،
فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص معين، ولا ضمان
دين أحد الشخصين ولو لواحد معين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو على
واحد معين.
نعم لو كان الدين معينا في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره، أو كان
المضمون له أو المضمون عنه متعينا في الواقع ولم يعلم شخصه، صح الضمان
على الأقوى، خصوصا في الأخيرين. فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان، و
لم يعلم أنه درهم أو دينار أو أنه دينار أو ديناران، صح. وكذا لو قال:
ضمنت الدين الذي على فلان لصاحبه من هؤلاء العشرة وكان يعلم بأن صاحب
الدين واحد منهم ولم يعلم شخصه وبعد ذلك قبل صاحب الدين المعين، أو
قال: ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه، صح الضمان
على الأقوى.
(مسألة 322) إذا تحقق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحق من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن وبرئت ذمته، فإذا أبرأ المضمون له (صاحب
الدين) ذمة الضامن برئت ذمة الضامن والمضمون عنه معا، وإذا أبرأ ذمة
المضمون عنه كان لغوا لأن ذمته لم تشتغل بشئ حتى يبرئه.
(مسألة 323) الضمان لازم من طرف الضامن فليس له فسخه بعد
وقوعه مطلقا، وكذا من طرف المضمون له، إلا إذا كان الضامن معسرا
وكان المضمون له جاهلا بإعساره، فإنه يجوز له فسخ الضمان والرجوع بحقه
على المضمون عنه. والمدار على الاعسار حال الضمان، فلو كان موسرا في
تلك الحال ثم أعسر لم يكن له الخيار، كما أنه لو كان معسرا ثم أيسر لم يزل
الخيار.
(مسألة 324) يجوز اشتراط الخيار لكل من الضامن والمضمون له على
الأقوى، لكن حيث أن الفسخ بالخيار مستلزم لاشتغال ذمة المضمون عنه بعد
100

الحلول، وذلك بدون رضاه على خلاف القاعدة فالأحوط إن لم يكن الأقوى
عدم الفسخ إلا برضاه.
(مسألة 325) يجوز ضمان الدين الحال حالا ومؤجلا، وكذا ضمان الدين
المؤجل مؤجلا وحالا، وكذا ضمان الدين المؤجل مؤجلا بأكثر من أجله
وبأنقص منه.
(مسألة 326) إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه، فليس له الرجوع
عليه، وإن كان بإذنه فله الرجوع عليه لكن بعد أداء الدين لا بمجرد الضمان.
وإنما يرجع عليه بمقدار ما أداه، فلو صالح على الدين بنصفه أو ثلثه أو أبرأ
ذمته عن بعضه لم يرجع عليه بما سقط عن ذمته بالمصالحة أو الابراء.
(مسألة 327) إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فليس للضامن الرجوع
عليه بما أداه عنه قبل حلول أجله، إلا إذا كان ضمنه بإذنه حالا أو بأقل من
أجله، فإنه يرجع عليه بمجرد الأداء. ولو مات قبل انقضاء الأجل فحل الدين
وأداه الورثة من تركته، كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
(مسألة 328) لو ضمن بإذنه الدين المؤجل مؤجلا فمات الضامن قبل
انقضاء الأجلين وحل ما عليه فأخذ من تركته، فليس لورثته الرجوع إلى
المضمون عنه إلا بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه، ولا يحل الدين
بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن وإنما يحل بالنسبة إليه.
(مسألة 329) لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن
الضامن، برئت ذمته وليس له الرجوع عليه.
(مسألة 330) يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن مثلا عمرو عن زيد
ثم يضمن بكر عن عمرو ثم يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمة الجميع
ويستقر الدين على الضامن الأخير، فإن كانت جميع الضمانات بغير إذن
101

المضمون عنه وأدى الدين الضامن الأخير فلا يرجع أحد منهم على سابقه.
وإن كانت جميعها بإذن، رجع الضامن الأخير على سابقه وهو على سابقه إلى
أن ينتهي إلى المديون الأصلي، وإن كان بعضها بإذن وبعضها بدونه، فإن
كان الأخير بدون إذن، كان كالأول ولا يرجع أحد منهم على سابقه، وإن
كان بإذن رجع هو على سابقه وهو على سابقه إن كان ضمن بإذنه، وإلا انقطع
الرجوع. فكل ضامن أدى شيئا وكان ضمانه بإذن من ضمن عنه، يرجع
عليه بما أداه، وإلا فلا.
(مسألة 331) يجوز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، بأن يكون على
كل منهما بعض الدين، فتشتغل ذمة كل منهما بمقدار منه على حسب ما عيناه
ولو بالتفاوت، ولو أطلقا قسط عليهما بالتساوي بالنصف إن كانا اثنين وبالثلث
إن كانوا ثلاثة، وهكذا، ولكل منهما أداء ما عليه وتبرأ ذمته ولا يتوقف على
أداء الآخر ما عليه، وللمضمون له مطالبة كل منهما بحصته ومطالبة أحدهما أو
إبراؤه دون الآخر. ولو كان ضمان أحدهما بإذن دون الآخر رجع هو إلى
المضمون عنه بما أداه دون الآخر.
والظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين، كأن
يضمن أحدهما نصف الدين ثم يضمن الآخر نصفه الآخر، أو بعقد واحد كأن
يضمن عنهما وكيلهما في ذلك ويقبل المضمون له.
وأما ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال، بأن يكون كل منهما ضامنا تمام
الدين فالأقوى بطلانه.
(مسألة 332) يجوز الضمان بغير جنس الدين بأن يشترط الأداء من
غير جنسه، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فليس له الرجوع عليه إلا
بجنس الدين.
(مسألة 333) يجوز الضمان عن المنافع والأعمال المستقرة في الذمم
102

كالأعيان، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الأجرة كذلك يجوز
أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل. نعم لو كان اشترط مباشرة الأجير
لم يصح الضمان عنه.
(مسألة 334) لو ادعى شخص على شخص دينا فقال ثالث للمدعي:
علي ما عليه فرضي بذلك صح الضمان، بمعنى ثبوت الدين في ذمته على تقدير
ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرف الدعوى،
فإذا أقام المدعي البينة وجب على الضامن أداؤه، وكذا لو ثبت إقرار
المضمون عنه قبل الضمان. وأما إقراره بعد الضمان فإن كان الضمان بغير إذنه
لا يثبت به شئ لا على المقر لبراءة ذمته بالضمان حسب الفرض ولا على
الضامن لكونه إقرارا على الغير وإن كان الضمان بإذنه فهو إقرار على نفسه
يؤخذ به ويرجع الضامن بعد الأداء عليه.
(مسألة 335) الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة، كالمغصوب
والمقبوض بالعقد الفاسد، لمالكها عمن كانت في يده.
(مسألة 336) إذا قبض البائع الثمن يجوز ضمان عهدة الثمن للمشتري
عنه لو ظهر المبيع مستحقا للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط
صحته. وأما ضمان درك ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض
المشتراة إذا ظهرت مستحقة للغير وقلعه المالك، فالأقوى عدم جوازه.
(مسألة 337) إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فلا ينفك
بالضمان، إلا إذا شرط الضامن مع المضمون له انفكاكه.
(مسألة 338) إذا طلب من أحد أداء دين عليه إلى ثالث فأداه بلا ضمان
عنه للدائن، جاز للمؤدي الرجوع عليه بذلك.
103

كتاب الحوالة
(مسألة 339) وحقيقتها تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، وهي
متقومة بأشخاص ثلاثة: المحيل وهو المديون، والمحتال وهو الدائن، والمحال
عليه. ويعتبر في الثلاثة البلوغ والعقل والرشد والاختيار ويعتبر في المحتال
عدم الحجر لفلس وكذا في المحيل، إلا في الحوالة على البري.
وهي عقد تحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال، بل ومن
المحال عليه أيضا، ولا مانع أن يكون عقدها مركبا من إيجاب وقبولين.
ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود، ومنه التنجيز، فلو علقها على
شئ بطلت. ويكفي في الايجاب كل لفظ يدل عليها مثل: أحلتك بما في ذمتي
من الدين على فلان، وما يفيد معناه، وفي القبول ما يدل على الرضا نحو:
قبلت ورضيت، ونحوهما.
(مسألة 340) يشترط في صحة الحوالة مضافا إلى ما ذكر أمور:
منها: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل، فلا تصح في غير
الثابت في ذمته وإن وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل، فضلا عما لم يوجد
سببه كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد.
ومنها: تعيين المال المحال به بمعنى عدم الابهام والترديد، وأما معلومية
مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها، فلو كان
مجهولا عندهما لكن كان معلوما ومعينا في الواقع فلا بأس، خصوصا مع
104

فرض إمكان ارتفاع الجهالة بعد ذلك، كما إذا كان عليه دين لأحد قد أثبته
في دفتره ولم يعلما مقداره فحوله على شخص آخر قبل مراجعة الدفتر.
ومنها: رضى المحال عليه وقبوله، وإن اشتغلت ذمته للمحيل بمثل ما أحال
عليه على الأقوى.
(مسألة 341) لا يعتبر في صحة الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بالدين
للمحيل، فتصح الحوالة على البري على الأقوى.
(مسألة 342) لا فرق في المحال به بين أن يكون عينا ثابتة في ذمة
المحيل أو منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصح الإحالة بخياطة ثوب أو
زيارة أو صلاة أو حج أو قراءة قرآن ونحو ذلك على بري أو على من
اشتغلت ذمته بمثل ذلك.
وكذا لا فرق بين كونه مثليا كالحنطة والشعير، أو قيميا كالحيوان والسيارة
بعد أن يكون موصوفا بما يرفع الجهالة فإذا اشتغلت ذمته بشاة موصوفة مثلا
بسبب كالسلم، جاز له الإحالة بها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف،
أو كان بريئا.
(مسألة 343) لا اشكال في صحة الحوالة مع اتحاد الدين المحال به مع
الدين الذي على المحال عليه جنسا ونوعا، كما إذا كان عليه لرجل كتاب وله
على آخر كتاب من نفس الطبعة، أو كان عليه عملة معينة وله عملة من
نفسها، فيحيل الأول على الثاني.
وأما مع الاختلاف، بأن كان عليه عملة وله على آخر عملة أخرى
فيحيل الأول على الثاني فتارة يحيل الأول بتومانه على الثاني بالدينار، بأن
يأخذ منه ويستحق عليه بدل التومان دينارا. فالأقوى عدم صحة هذا النحو
ولو مع رضا المحال عليه بنقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فلا
وجه لاستحقاق المحتال الدينار من المحال عليه بحوالة التومان إلا بأن تكون
معاوضة لا حوالة. وتارة يحيله عليه بالتومان بأن يعطيه المحال عليه بدل ما
106

عليه من الدينار للمحيل تومانا فلا إشكال فيه مع رضا المحال عليه، نظير
الحوالة على البري ثم إذنه له في إعطاء ما عليه من الدنانير بدل التوامين
مع التراضي. وتارة يحيله عليه بالتومان ليأخذ منه التومان ويبقى ما عليه من
دينار على حاله فيصح ذلك ويكون من الحوالة على البري.
(مسألة 344) إذا تحققت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمة المحيل عن
الدين وإن لم يبرئه المحتال، واشتغلت ذمة المحال عليه للمحتال بما أحيل
عليه. وأما حال المحال عليه مع المحيل فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه، برئت
ذمته مما له عليه، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الثاني من
الأنحاء الثلاثة المتقدمة، وحيث أنه حوالة بمثل ما عليه فتبرأ ذمته بمجرد تحقق
الحوالة. وأما إن كانت الحوالة على بري، فتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه
بما أحال عليه.
(مسألة 345) لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على ملي
غير مماطل، ولو قبلها لزمت وإن كانت على فقير معدم. نعم لو كان جاهلا
بحاله ثم ظهر إعساره وفقره وقت الحوالة كان له الفسخ والعود على المحيل،
وليس له الفسخ بسبب الفقر الطاري، كما أنه لا يزول الخيار لو تبدل فقره
باليسار.
(مسألة 346) الحوالة لازمة بالنسبة إلى كل من الثلاثة إلا على المحتال
مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال، والمراد بالاعسار أن لا يكون عنده ما
يوفي به الدين زائدا على مستثنيات الدين، ويجوز اشتراط خيار فسخ الحوالة
لكل من الثلاثة.
(مسألة 347) يجوز الترامي في الحوالة بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال،
كما لو أحال المديون زيدا على عمرو، ثم أحال عمرو زيدا على بكر، ثم
أحال بكر زيدا على خالد، وهكذا. أو بتعدد المحتال مع اتحاد المحال
عليه، كما لو أحال زيد عمرا على بكر، فأحال عمرو خالدا على بكر، ثم
أحال خالد شخصا آخر له عليه دين على بكر.. وهكذا.
107

(مسألة 348) إذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة برئت ذمة المحال
عليه، فإن كان ذلك بطلبه رجع المحيل عليه، وإن تبرع لم يرجع عليه.
(مسألة 349) إذا أحال على بري وقبل المحال عليه، فالأقوى أنه
ليس له الرجوع على المحيل إلا بعد الأداء، كما مر نظيره في الضمان.
(مسألة 350) إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري، أو أحال
المشتري البائع بالثمن على شخص آخر، ثم تبين بطلان البيع بطلت الحوالة،
بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة، فتبقى الحوالة ولا تتبع البيع في
الانفساخ.
108

كتاب الكفالة
(مسألة 351) الظاهر أنها اعتبار إضافة بين الكفيل والمكفول له مستتبعة
لتسلط المكفول له على إلزام الكفيل بإحضار المكفول أو أداء ما عليه، بالعقد
المشتمل على الايجاب من الكفيل والقبول من المكفول له.
ويكفي في الايجاب كل لفظ دال على الإضافة المذكورة كأن يقول: كفلت لك
بدن فلان أو نفسه أو أنا كفيل لك بإحضاره، ونحو ذلك، وفي القبول كل ما يدل
على الرضا بذلك.
(مسألة 352) يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكن من
الاحضار، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل، فتصح الكفالة للصبي
والمجنون إذا قبلها الولي.
(مسألة 353) لا إشكال في اعتبار رضى الكفيل والمكفول له، وأما
المكفول ففي اعتبار رضاه تأمل واشكال، فالأحوط على المكفول له عدم إلزام
الكفيل بإحضار المكفول في صورة عدم قبوله ورضاه، لكن الأحوط على
الكفيل إحضار المكفول في تلك الصورة مع مطالبة المكفول له. وكذا الأحوط
على المكفول حضوره مع الكفيل ولو في صورة عدم قبوله. بل الأحوط أن
يكون عقدها مركبا من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول.
(مسألة 354) كل من عليه حق مالي تصح الكفالة ببدنه، ولا يشترط
العلم بمبلغ ذلك المال. نعم يشترط أن يكون ثابتا في الذمة بحيث يصح ضمانه،
109

فلو تكفل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه - كمن جعل الجعالة قبل أن
يعمل العمل - لم يصح، وكذا تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى
مجلس الشرع، بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البينة عليه بالحق.
ولا تصح كفالة من عليه عقوبة من حد أو تعزير إن لم تكن من حقوق
الناس، وأما إن كانت منها كالقصاص فتصح الكفالة فيها.
(مسألة 355) يصح إيقاع الكفالة حالة في الحقوق الحالة، ومؤجلة في
الحقوق الحالة والمؤجلة، ومع الاطلاق تكون معجلة في خصوص المعجلة دون
المؤجلة، ولو كانت مؤجلة يلزم تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة
ونقصا.
(مسألة 356) عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلا بالإقالة، ويجوز
جعل الخيار فيه لكل من الكفيل والمكفول له مدة معينة.
(مسألة 357) إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة المكفول
له الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة معجلة، أو كانت مطلقة وكان
الحق معجلا، والمطالبة بعد الأجل إن كانت مؤجلة.
فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل إحضاره، فإن أحضره
وسلمه تسليما تاما بحيث يتمكن المكفول له منه فقد بري مما عليه، وإن
امتنع عن ذلك كان له طلب حبسه من الحاكم حتى يحضره أو يؤدي ما عليه
فيما يمكن تأديته كالديون، أو بدله كالدية فيما إذا تراضيا عليها مع ورثة
المقتول.
وإن كان غائبا فإن كان موضعه معلوما يتمكن الكفيل من إحضاره منه
أمهل بقدر ذهابه ومجيئه فإذا مضى قدر ذلك ولم يأت به من غير عذر كان له
طلب حبسه من الحاكم كما مر، وإن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه
وانقطع خبره بحيث لا يرجى الظفر به بحسب العادة، لم يكلف الكفيل إحضاره،
والأقرب أنه يلزم بأداء ما عليه، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل،
بأن طالبه المكفول له وكان متمكنا منه فلم يحضره حتى
110

هرب. نعم لو علم أنه
لا يرجى الظفر به بحسب العادة فيشكل صحة الكفالة من أصلها. وكذا لو كان
الظفر به مرجوا ثم انكشف خلافه، فينكشف بطلانها.
(مسألة 358) إذا لم يحضر الكفيل المكفول فاستوفي منه المال، فإن لم
يأذن له المكفول لا في الكفالة ولا في الأداء فليس له الرجوع عليه بما أداه،
وإن أذن له في الأداء كان له أن يرجع به عليه، سواء أذن له في الكفالة أيضا
أم لا. وأما إذا أذن له في الكفالة دون الأداء فلا يبعد التفصيل بين ما إذا أمكن
له مراجعته واحضاره للمكفول له فلا يرجع عليه، وبين ما إذا تعذر له ذلك
فيرجع عليه.
(مسألة 359) إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين، فلا يجب
عليه تسليمه في غيره ولو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته، كما أنه لو
سلمه في مكان آخر لم يجب على المكفول له تسلمه.
ولو أطلق ولم يعين مكان التسليم فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد
استقراره انصرف إليه، وإن أوقعاه في برية أو بلد غربة لم يكن من قصده
الاستقرار فيه، فإن كانت قرينة على التعيين فهو بمنزلته، وإلا بطلت الكفالة
من أصلها.
(مسألة 360) يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لاحضار
المكفول، حتى أنه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر ولم يكن في ذلك
مفسدة أو مضرة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوب ذلك، ولو كان غائبا واحتاج
حمله إلى مؤنة فعلى المكفول نفسه، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرع، فله
أن يرجع بها عليه إذا أذن له المكفول في الصرف، وإلا فليس له الرجوع
عليه. ولو كانت الكفالة وصرف المؤنة بغير إذنه، أو كانت الكفالة بإذنه لكن لم
يكن يتوقف إحضاره على مؤونة من الكفيل، وسبق هو إلى الصرف بدون
استيذان من المكفول، فيشكل جواز رجوعه على المكفول.
111

(مسألة 361) تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليم
نفسه تسليما تاما، وكذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعا أو كرها
بحيث تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم، أو أبرأ المكفول عن
الحق الذي عليه، أو الكفيل من الكفالة.
(مسألة 362) إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف ما لو
مات المكفول له فتبقى الكفالة وينتقل حق المكفول له منها إلى ورثته.
(مسألة 363) لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى غيره
ببيع أو صلح أو حوالة، بطلت الكفالة.
(مسألة 364) من خلى غريما من يد صاحبه قهرا وإجبارا ضمن
إحضاره أو أداء ما عليه، مما يمكن أن يؤدى مثل الدين، أو الدية مع
التراضي أو تعذر الاحضار. ولو خلى قاتلا من يد ولي الدم لزمه إحضاره أو
إعطاء الدية وإن كان القتل عمدا.
(مسألة 365) يجوز ترامي الكفالات، بأن يكفل الكفيل كفيل آخر ثم
يكفل كفيل الكفيل كفيل آخر وهكذا، وحيث أن الكل فروع الكفالة الأولى
وكل فرع يلحق أصله، فلو أبرأ المستحق الكفيل الأول أو أحضر الأول
المكفول الأول أو مات أحدهما برؤوا أجمع، ولو أبرأ المستحق بعض من توسط
بري هو ومن بعده دون من قبله، وكذا لو مات، بري من كان فرعا له.
(مسألة 366) يكره التعرض للكفالات وقد قال مولانا الصادق عليه
السلام في خبر لبعض أصحابه: مالك والكفالات، أما علمت أنها أهلكت
القرون الأولى. وعنه عليه السلام: الكفالة خسارة غرامة ندامة.
الوكالة
112

كتاب الوكالة
(مسألة 367) وهي تولية الغير ما يملكه من إمضاء أمر أو استنابته في
تصرف يقبل الاستنابة، وحيث أنها من العقود فتحتاج إلى إيجاب وقبول،
ويكفي في الايجاب كل ما دل عليها كقوله: وكلتك أو أنت وكيلي في كذا أو
فوضته إليك أو استنبتك فيه ونحوها، ولو قال له: بع داري مثلا قاصدا به
الاستنابة في بيعها فالظاهر كفايته في صحة البيع، لكن يشكل ترتيب آثار
الوكالة عليه. ويكفي في القبول كل ما دل على الرضا، بل الظاهر أنه يكفي فيه
فعل ما وكل فيه كما إذا وكله في بيع شئ فباعه بقصد القبول، أو في شراء
شئ فاشتراه له. بل يقوى وقوعها بالمعاطاة، بأن يسلم إليه متاعا ليبيعه
فيتسلمه لذلك. بل لا يبعد تحققها بالكتابة من طرف الموكل والرضا بما فيها من
طرف الوكيل وإن تأخر وصولها إليه مدة، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها
وقبولها.
وقد قيل بأن الوكالة تتسع لما لا يتسع له غيرها من العقود ولكن المتيقن
من التوسعة فيها صحة الأمر الذي يستناب فيه، وأما أن ذلك من جهة
التوسعة في أمر الوكالة أو أن ذلك من جهة أنه إذن وإعلام وأمر، فلا دليل
عليه إلا دعوى الاجماع إن تم، وهو غير محقق.
(مسألة 368) يشترط فيها التنجيز، بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة
بشئ، كأن يقول مثلا: إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي في أمر كذا.
113

نعم لا بأس بتعليق متعلق الوكالة والتصرف الذي استنابه فيه، كما لو قال: أنت
وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكلتك في شراء كذا في وقت كذا.
(مسألة 369) يشترط في كل من الموكل والوكيل البلوغ إلا فيما يصح
صدوره منه كالوصية والصدقة والطلاق ممن بلغ عشرا على القول به كما سيأتي
كل في محله. وكذا يشترط فيهما العقل والقصد والاختيار، فلا يصح التوكيل ولا
التوكل من الصبي والمجنون والمكره.
ويشترط في الموكل أن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه، فلا يصح توكيل
المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليه فيه دون ما لم يحجر عليه فيه
كالطلاق ونحوه. وفي الوكيل كونه متمكنا عقلا وشرعا من مباشرة ما توكل فيه،
فلا يجوز توكيل المحرم فيما لا يجوز له كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد
النكاح.
(مسألة 370) لا يشترط في الوكيل الاسلام، فيصح توكيل الكافر، بل
والمرتد وإن كان عن فطرة، عن المسلم والكافر.
والأقوى صحة توكيله في ابتياع المصحف أيضا إذا كان لمسلم خصوصا إذا
كان التسليم والتسلم من الموكل دون الوكيل. أما توكيله لاستيفاء حق أو
مخاصمة مع مسلم ففيه تردد، خصوصا إذا كان الحق لمسلم.
(مسألة 371) تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غير
المحجور عليه، لاختصاص الحجر عليه بالتصرفات في مال نفسه.
(مسألة 372) ما يشترط في الموكل والوكيل ابتداءا يشترط فيهما
استدامة، فلو جنا أو أغمي عليهما أو حجر على الموكل بالنسبة إلى ما وكل
فيه، بطلت الوكالة. ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد.
(مسألة 373) يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه، وأن يكون
للموكل السلطنة شرعا على إيقاعه، فلا توكيل في المعاصي كالغصب
114

والسرقة والقمار ونحوها، ولا فيما ليس له السلطنة على إيقاعه كبيع مال الغير من دون
ولاية له عليه.
ولا يعتبر القدرة عليه خارجا مع كونه مما يصح وقوعه منه شرعا،
فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكل في أخذه من يقدر
عليه.
(مسألة 374) يجوز التوكيل فيما لا يتمكن شرعا أو عقلا من إيقاعه إلا
بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل، كتطليق امرأة ليست الآن في
عصمته وتزويج من هي الآن مزوجة أو معتدة، ونحو ذلك، فيوكله مثلا في
العقد له على امرأة ثم طلاقها أو شراء مال ثم بيعه ونحو ذلك مما يكون التوكيل
فيه مترتبا على ما يتمكن منه. والظاهر أنه يصح أن يوكله في كل ما هو أهل له
من غير فرق بين الموجود والمتجدد.
وأما التوكيل فيه استقلالا من دون التوكيل في المرتب عليه ففيه إشكال،
بل الظاهر عدم الصحة. نعم الظاهر أنه يصح أن يوكل شخصا ويستنيبه في
كل ما هو أهل له من غير فرق بين الموجود والمتجدد له من ملك وغيره، كما
لو وكله أن يبيع ما يدخل في ملكه بإرث أو هبة أو غيرهما، أو يزوجه امرأة
بعد عدتها، وهكذا.
(مسألة 375) يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة، بأن لا
تكون المباشرة شرطا في صحته كأكثر العبادات البدنية، فلا يصح التوكيل في
الطهارات الثلاث للقادر، وأما العاجز فيستنيب للغسلات والمسحات، وفي
التيمم للضرب والمسحات، كما لا يصح في الصوم مطلقا، ولا في الصلاة إلا فيما
شرعت فيه النيابة مثل صلاة الطواف وصلاة الزيارة المستحبة وبعض النوافل
كصلاة جعفر، وبعض مستحبات أخرى. أما العبادات المالية كالزكاة والخمس
والكفارات فلا يعتبر فيها المباشرة، فيصح التوكيل والنيابة فيها، إخراجا
وإيصالا إلى مستحقيها.
115

(مسألة 376) يصح التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة
والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن
والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح، إيجابا وقبولا في
الجميع، وكذا في الوصية، والوقف، والطلاق، والاعتاق، والابراء، والأخذ
بالشفعة وإسقاطها، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار، وإسقاطه. ولا يبعد
صحة التوكيل في الرجوع إلى المطلقة رجعيا لكن بشرط أن لا يكون التوكيل في
الرجوع رجوعا، مثل أن يوكل شخصا في تطليق زوجته ثلاثا فيكون الوكيل
وكيلا في الرجعتين بينهما، أو يوكل شخصا في تطليق زوجته بطلاق الخلع
والرجوع في صورة رجوعها في البذل، فيقول رجعت عنه إلى زوجته، فيكون
نظير صالحت عنه.
وفي صحة الوكالة في اليمين والنذر والعهد والظهار إشكال. ولا يصح في
اللعان والايلاء. أما التوكيل في الاقرار والشهادة فيمكن أن يقال بأنه إقرار
وشهادة والوكيل يشهد عليهما، لا أنه يقر ويشهد عنه.
(مسألة 377) يصح التوكيل في القبض والاقباض إذا كانا لازمين، كما
في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين، والسلم بالنسبة إلى الثمن،
وكذا في إيفاء الديون، واستيفائها، وغيرها.
(مسألة 378) يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا، بل
يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها بنفسها، أو بأن توكل الغير عن الزوج،
أو عن نفسها.
(مسألة 379) يجوز التوكيل والاستنابة في حيازة المباح كالاستقاء
والاحتطاب والاحتشاش وغيرها، فإذا وكل واستناب شخصا في حيازتها
وحازها بعنوان النيابة عنه كانت بمنزلة حيازة المنوب عنه، وصار ما حازه
ملكا له.
(مسألة 380) يشترط في الموكل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولا أو
116

مبهما، فلو قال وكلتك من غير تعيين، أو على أمر من الأمور أو على شئ
يتعلق به، ونحو ذلك، لم تصح. نعم لا بأس بالتعميم أو الاطلاق، كما سيأتي.
(مسألة 381) الوكالة إما خاصة وإما عامة وإما مطلقة:
فالخاصة ما تعلقت بتصرف معين في شئ معين، كما إذا وكله في شراء دار
شخصية معينة، وهذا لا إشكال في صحته.
والعامة، إما عامة من جهة التصرف وخاصة من جهة متعلقه، كما إذا
وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره المعينة من بيعها وهبتها وإجارتها
وغيرها، وإما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه. وإما عامة من
كلتا الجهتين، كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه، أو في
إيقاع جميع ما يحق له ويتعلق به بحيث يشمل التزويج والطلاق.
والمطلقة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقه، كما
إذا وكله في أنه إما يبيع داره المعينة بيعا لازما أو خياريا، أو يرهنها أو
يؤجرها، وأوكل التعيين إلى نظره بنحو يجعله وكيلا في جميعها ونائبا عنه في
كل ما يختار، فتصح الوكالة. أما إذا جعل له الوكالة التخييرية نظير الواجب
التخييري ففي صحتها إشكال بل منع. وقد تكون المطلقة بالعكس كما إذا
احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو سيارته أو غيرها فوكل
شخصا في أن يبيع أحدها وفوض الأمر في تعيينه إلى نظره وتشخيصه المصلحة،
وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين، كما إذا وكله في إيقاع أحد العقود
المعاوضية من بيع أو صلح أو إجارة مثلا على أحد أملاكه من داره أو دكانه
مثلا، وأوكل التعيين من الجهتين إلى نظره، فالظاهر صحتها أيضا.
(مسألة 382) يعتبر في الموكل فيه كما مر التعيين ولو بالاطلاق أو التعميم
فإنهما أيضا نحو من التعيين، ويقتصر الوكيل في التصرف على ما شمله عقد
الوكالة صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية، ولو
117

كانت هي العادة الجارية على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا، كالوكالة في
البيع بالنسبة إلى تسليم المبيع دون قبض الثمن، أو في الشراء بالنسبة إلى تسليم
الثمن دون قبض المثمن، إلا إذا شهدت قرائن الأحوال بأنه قد وكله في البيع
أو الشراء بجميع ما يترتب عليهما.
(مسألة 383) لو خالف الوكيل ما عين له وأتى بالعمل على نحو لم يشمله
عقد الوكالة، فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على
إجازة الموكل، وإلا بطل. ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة كما
إذا وكله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيات كما إذا وكله في أن يبيع
نقدا فباع نسيئة أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس،
أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا.
نعم لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضا صح، كما إذا وكله في أن
يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين بشرط أن يكون الكلام مع تلك القرائن
ظاهرا في إنشاء الوكالة في البيع بالدينار وأكثر. فكأنه قال إن ثمنها لا ينقص
عن دينار. ومن هذا القبيل ما إذا وكله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن
معين فباعها في غيرها بذلك الثمن، وكانت توجد قرينة على أنه ليس الغرض
إلا تحصيل الثمن، فيكون ذكر السوق المخصوص من باب المثال.
(مسألة 384) يجوز للولي كالأب والجد أن يوكل في أمور الصغير غيره
فيما له الولاية عليه.
(مسألة 385) لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره في إيقاع ما توكل فيه لا
عن نفسه ولا عن الموكل إلا بإذن الموكل، ويجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن
عين الموكل في إذنه أحدهما بأن قال مثلا: وكل غيرك عني أو عنك، فهو المتبع
ولا يجوز له التعدي عما عينه. ولو أطلق، فالمناط في تعيين أحد القسمين
هو الظهور العرفي ولو بقرينة المقام.
118

(مسألة 386) إذا كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل ولو بواسطة
فليس للوكيل الأول أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأول يبقى
الثاني على وكالته. أما لو كان وكيلا عن الوكيل فله أن يعزله وتكون وكالته
تبعا لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته، ولا يبعد أنه يحق للموكل أن يعزله دون
أن يعزل الوكيل الأول.
(مسألة 387) يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد،
فإن صرح الموكل أو ظهر كلامه عرفا ولو بالقرينة المقالية أو الحالية بانفراد كل
منهما جاز لكل منهما الاستقلال في التصرف من دون مراجعة الآخر، وإلا لم
يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرح
بالانضمام والاجتماع أو أطلق، بأن قال مثلا: وكلتكما أو أنتما وكيلاي ونحو
ذلك. ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأسا مع شرط الاجتماع أو الاطلاق
المنزل منزلته، وبقيت وكالة الباقي مع التصريح بالانفراد، أو بظهور الكلام عرفا
بذلك.
(مسألة 388) الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه في
حضور الموكل وغيبته، وكذا للموكل أن يعزله لكن انعزاله بعزله مشروط
ببلوغه خبره، فلو أنشأ عزله لكن لم يطلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى
أمرا قبل أن يبلغه العزل حتى بإخبار ثقة، كان ماضيا نافذا.
(مسألة 389) تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكل وإن لم
يعلم الوكيل بموته، وبعروض الجنون والاغماء على كل منهما، وبتلف ما تعلقت
به الوكالة، وبفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة كما لو وكله في بيع سلعة ثم
باعها قبل بيع الوكيل، أو بفعل ما ينافي الموكل فيه كما لو وكله في بيع دار ثم
أوقفها.
(مسألة 390) يجوز للمدعي أو المدعى عليه التوكيل في الخصومة والمرافعة، ويجوز قبول الوكالة
بشرط أن لا يكون الوكيل في الخصومة ظالما
119

باعتقاده سواء علم بأن موكله محق أو احتمل ذلك. ويكره لذوي المروات
من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم،
خصوصا إذا كان الطرف بذئ اللسان. ولا يعتبر رضا الطرف الآخر، فليس
له الامتناع عن خصومة الوكيل.
(مسألة 391) الوكيل بالخصومة إن كان وكيلا عن المدعي كانت وظيفته
بث الدعوى على المدعى عليه عند الحاكم وإقامة البينة وتعديلها وتحليف المنكر
وطلب الحكم على الخصم والقضاء عليه، وبالجملة كل ما يقع وسيلة إلى
الاثبات. وأما الوكيل عن المدعى عليه فوظيفته الانكار والطعن على الشهود
وإقامة بينة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها، وبالجملة السعي في
الدفع ما أمكن.
(مسألة 392) إذا ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته
عنه، الأداء أو الابراء انقلب مدعيا، وصارت وظيفة وكيله إقامة البينة على
هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم وصارت وظيفة وكيل خصمه
الانكار والطعن في الشهود وغير ذلك.
(مسألة 393) لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله، فإذا أقر
وكيل المدعي القبض أو الابراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو أن الحق
مؤجل أو أن البينة فاسقة، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي، لم
يقبل وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقر في مجلس الحكم أو في غيره،
لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة، لأنه بعد الاقرار ظالم في
الخصومة بزعمه.
(مسألة 394) الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحق ولا الابراء منه،
إلا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص.
(مسألة 395) يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الأمور،
فإن لم يصرح باستقلال كل واحد منهما ولم يكن ظهور عرفي باستقلاله لم
120

يستقل بها أحدهما، بل يتشاوران ويعضد كل واحد منهما صاحبه ويعينه على
ما فوض إليهما.
(مسألة 396) إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته
واستيفاء حقوقه مطلقا، أو في خصومة شخصية، ثم قدم الوكيل خصما لموكله
ونشر الدعوى عليه، يسمع الحاكم دعواه عليه. وكذا إذا ادعى عند الحاكم
أنه وكيل في الدعوى وأقام البينة عنده على وكالته.
وأما إذا ادعى الوكالة من دون بينة عليها فإن لم يحضر خصما عنده أو
أحضر ولم يصدقه الخصم في وكالته لم تسمع دعواه، وإذا صدقه فيها فالظاهر
أنه تسمع دعواه لكن لا تثبت بذلك وكالته عن موكله بحيث يكون حجة
عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحق المدعي يلزم المدعى عليه بالحق، وإذا
قضت بحق المدعى عليه فالمدعي على حجته، فإذا أنكر الوكالة ولم تثبت تبقى
دعواه على حالها.
(مسألة 397) إذا وكله في الدعوى وإثبات حقه على خصمه وأثبته، لم
يكن له قبض الحق، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى
الوكيل.
(مسألة 398) إذا وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه
الحق، لم يكن للوكيل مخاصمته وإثبات الحق عليه ما لم يكن وكيلا في الخصومة.
(مسألة 399) يجوز التوكيل بجعل وبغير جعل، وإنما يستحق الجعل
بتسليم العمل الموكل فيه، فلو وكله في البيع أو الشراء وجعل له جعلا، كان
للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة، وإن لم يتسلم الموكل الثمن أو
المثمن. وكذا لو وكله في المرافعة وإثبات حقه استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة
وثبوت الحق وإن لم يتسلمه الموكل.
121

(مسألة 400) إذا وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء، لم
يكن له مطالبة ورثته. نعم لو كانت عبارة الوكالة شاملة له، كما لو قال:
إقبض حقي الذي على فلان، كان له ذلك.
(مسألة 401) إذا وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة
فقال زيد للوكيل خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان يعني موكله فأخذها
صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه، وتبقى الدراهم على ملك زيد ما لم
يقبضها صاحب الدين، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل، ولو تلفت
عنده بقي الدين بحاله. هذا إذا كان مقصود المديون جعل الدراهم أمانة عند
الوكيل بحيث لا يكون له التصرف فيها إلا بأدائها إلى شخص الدائن، وإلا
جاز له قبضها عن موكله وبه تخرج عن ملك المديون.
أما لو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضا
للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد.
(مسألة 402) الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلا مع التفريط
أو التعدي، كما إذا لبس ثوبا توكل في بيعه أو حمل على سيارة توكل في بيعها،
لكن لا تبطل بذلك وكالته، فلو باع الثوب بعد لبسه صح بيعه وإن كان ضامنا
مثله أو قيمته وما استوفاه من منافعه لو تلف قبل أن يبيعه ويسلمه إلى
المشتري، وإذا سلم إلى المشتري برئ عن ضمانه، لكن يضمن ما استوفاه من
المنافع، وكذا يبرأ عن ضمانه إذا أذن له المشتري أن يكون المبيع عنده أمانة أو
عارية.
(مسألة 403) لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد
الودعي، لم يضمنه الوكيل. إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الاشهاد فأودع
بلا إشهاد، أو كان الايداع عند هذا الودعي بالخصوص بدون إشهاد يعد
تفريطا بحق صاحب المال، فإن الوكيل يضمن إذا لم يشهد، وكذا الحال إذا
وكله في قضاء دينه فقضاه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
122

(مسألة 404) إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع، فإن صرح بكون
البيع أو الشراء من غير الوكيل أو بما يعمه، فهو. وإن أطلق وقال: أنت وكيلي
في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني، فالأقوى أنه يعم نفس الوكيل
فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه، وإن كان
الأحوط عدم ذلك.
(مسألة 405) إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها، ولو اختلفا في
التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل، وإذا اختلفا في دفع المال إلى
الموكل فالظاهر أن القول قول الموكل، خصوصا إذا كانت بجعل.
وكذا الحال إذا اختلف الوصي والموصى له في دفع المال الموصى به إليه، أو
اختلف الأولياء حتى الأب والجد مع المولى عليه بعد زوال الولاية عنه في دفع
ماله إليه، فإن القول قول المنكر في جميع ذلك.
نعم لو اختلف الأولياء مع المولى عليهم في الانفاق عليهم، أو على ما
يتعلق بهم في زمان ولايتهم، فالظاهر أن القول قول الأولياء بيمينهم.
123

كتاب الاقرار
(مسألة 406) الاقرار وهو الاخبار الجازم بحق لازم على المخبر من غير
فرق بين حقوق الناس وحقوق الله تعالى، ومن غير فرق بين الاعتراف بنفس
الحق أو بملزومه كالاقرار بالنسب والقتل وشرب الخمر، ولا بين الأعيان
والمنافع والحقوق كحق الشفعة وحق الخيار ونحوهما، كقوله: له أو لك علي كذا،
أو عندي أو في ذمتي كذا، أو هذا الذي في يدي لفلان. وكذا الاخبار بنفي حق له
كقوله: ليس لي حق على فلان، وما أشبه ذلك.
ويصح بأي لغة كان، بل يصح إقرار العربي بالعجمي وبالعكس والهندي
بالتركي وبالعكس إذا كان عالما بمعنى ما تلفظ به في تلك اللغة.
ويعتبر فيه الجزم، بمعنى عدم إظهار الترديد وما ينافي الجزم به، فلو قال
أظن أو أحتمل أنك تطلبني كذا، لم يكن إقرارا.
(مسألة 407) يعتبر في صحة الاقرار بل في حقيقته وأخذ المقر بإقراره
كونه دالا على الاخبار المذكور بالصراحة أو الظهور، فإن احتمل إرادة غيره
احتمالا يخل بظهوره عند أهل المحاورة، لم يصح، وتشخيص ذلك راجع إلى
العرف وأهل اللغة كسائر المكالمات العادية، فكل كلام ولو لخصوصية مقام
يفهم منه أهل اللغة أنه أخبر بثبوت حق عليه أو سلب حق عن نفسه من غير
ترديد يكون إقرارا، وكل ما لم يفهم منه ذلك من جهة تطرق الاحتمال الموجب
للتردد والاجمال لا يكون إقرارا.
124

(مسألة 408) لا يعتبر في الاقرار صدوره من المقر ابتداءا وأن يكون
مقصودا بيانه، بل يكفي استفادته من كلامه بتصديقه كلام آخر مثلا، أو بأي
نوع من الاستفادة كقوله: نعم، أو أجل أو بلى في جواب من قال: لي عليك
كذا أو قال: بلى في جواب من قال: أليس لي عليك كذا، وكقوله في جواب من
قال استقرضت ألفا أو لي عليك ألف: رددتها أو أديتها، لأنه إقرار منه بأصل
ثبوت الحق عليه ودعوى منه بسقوطه. ومثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال
هذه الدار التي تسكنها لي: اشتريتها منك، فإن الاخبار بالاشتراء اعتراف منه
بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه. ومن ذلك ما إذا قال لمن يدعي ملكية
شئ معين: ملكني إياه.
نعم قد توجد قرائن على أن تصديقه لكلام الآخر ليس تصديقا حقيقيا
له، فلا يتحقق به الاقرار بل يدخل في عنوان الانكار، كما إذا قال في جواب
من قال لي عليك ألف دينار نعم أو صدقت محركا رأسه مع حركة منه تدل على
أنه في مقام التهكم والتعجب والانكار.
(مسألة 409) يشترط في المقر به أن يكون أمرا يثبت به للمقر له حق
إلزام على المقر ومطالبته به لو كان المقر صادقا في اخباره بأن يكون مالا في
ذمته عينا أو منفعة أو عملا أو ملكا تحت يده أو حقا يجوز مطالبته به كحق
الشفعة والخيار والقصاص وحق الاستطراق في درب وإجراء الماء في نهر
ونصب الميزاب على ملك ووضع الجذوع على حائط، أو يكون نسبا يوجب
نقصا في الميراث أو حرمانا في حق المقر وغير ذلك. أو يكون المقر به
موضوعا لحكم شرعي على ضرر المقر أو نفع للغير، مثل الاقرار بارتكاب ما
يوجب الحد أو الاقرار بكون ما في يده مسجدا ومباحا من دون حيازته
وأمثال ذلك. وإذا أقر بأنه جنب يجب منعه عن التوقف في المساجد، وكذا في
نظائره.
(مسألة 410) إنما ينفذ الاقرار على المقر فيما يكون ضررا عليه لا على
126

غيره، ولا فيما يكون فيه نفع له إذا لم يصدقه الغير، فإذا أقر بزوجية امرأة فلم
تصدقه ولم تنكره تثبت الزوجية بالنسبة إلى وجوب نفقتها عليه، لا بالنسبة
إلى وجوب تمكينها منه. أما لو أنكرت الزوجية فلا يجب عليه الانفاق، لكن
تثبت الزوجية بالنسبة إلى حرمة زواجه بأمها أو بأختها جمعا، أو زواج
الخامسة عليها.
(مسألة 411) يصح الاقرار بالمجهول والمبهم ويلزم المقر ويطالب
بالتفسير والبيان ورفع الابهام، ويقبل منه ما فسره به ويلزم به إذا طابق
تفسير المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن أن يكون مرادا منه، فلو قال: لك
علي شئ ألزم التفسير، فإذا فسره بأي شئ كان مما يصح أن يكون في الذمة
وعلى العهدة يقبل منه وإن لم يكن متمولا كحبة حنطة، وأما لو قال: لك علي
مال لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به من الأموال لا مثل حبة حنطة أو
حفنة تراب أو خمر أو خنزير.
(مسألة 412) إذا قال: لك علي أحد هذين مما كان تحت يده، أو لك
علي إما مئة تومان أو ريال، ألزم بالتفسير وكشف الابهام، فإن عين ألزم به
ولا يلزم بغيره. فإن لم يصدقه المقر له، وقال ليس لي ما عينت سقط حقه
بإقراره إذا كان المقر به في الذمة - إلا إذا قال ذلك بقصد الابراء وكان كلامه
ظاهرا فيه فيسقط حقه واقعا، لكنه خارج عن موضوع الاقرار - أما إذا كان
المقر به عينا فيكون بينهما مسلوبا بحسب الظاهر عن كل منهما ويبقى إلى أن
يتضح الحال، ولو برجوع المقر أو المنكر. ولو ادعى عدم المعرفة حتى يفسره،
فإن صدقه المقر له في ذلك وقال أنا أيضا لا أدري فلا محيص عن الصلح أو
القرعة ويحتمل الحكم باشتراكهما فيه بالسوية، والأحوط هو الأول. وإن ادعى
المعرفة وعين أحدهما فإن صدقه المقر فذاك وإلا فله أن يطالبه بالبينة، ومع
عدمها فله أن يحلفه، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا،
فلا محيص عن التخلص بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة.
127

(مسألة 413) كما أن الابهام والجهالة لا يضران في المقر به، كذلك لا
يضران في المقر له أيضا، فلو قال: هذه الدار التي بيدي لأحد هذين يقبل
ويلزم بالتعيين، فمن عينه يكون هو المقر له، فإن صدقه الآخر فذاك، وإلا
تقع المخاصمة بينه وبين من عينه المقر. ولو ادعى عدم المعرفة وصدقاه في ذلك
سقط عنه الالزام بالتعيين، ولو ادعيا أو أحدهما عليه العلم، كان القول قول
المقر مع يمينه.
(مسألة 414) يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا
اعتبار بإقرار الصبي والمجنون والسكران، وكذا الهازل والساهي والغافل،
وكذا المكره. نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بما يحق له أن يفعله إن
قلنا بصحته كالوصية بالمعروف ممن له عشر سنين.
(مسألة 415) السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل، ويقبل
فيما عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما، بمعنى أنه يقبل إقراره بطلاق الخلع
على ضرره، فيمنع عن رجوعه إلى زوجته قبل رجوعها إلى البذل. وإن أقر
بأمر مشتمل على مال وغيره كالسرقة، لم يقبل بالنسبة إلى المال، وقبل
بالنسبة إلى غيره، فيحد، ولا يلزم بأداء المال.
(مسألة 416) يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا ولاحقا، ويشارك المقر
له مع الغرماء على التفصيل الذي تقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 417) إذا ادعى الصبي البلوغ فإن ادعاه بالانبات فحص، ولا
يثبت بمجرد دعواه. وإن ادعاه بالسن يطالب بالبينة، وأما لو ادعاه بالاحتلام
في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محل تأمل واشكال.
(مسألة 418) يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق، فلو أقر
لدابة مثلا لغى إلا إذا رجع إلى الاقرار لصاحب الدابة، أو كانت الدابة موقوفة.
128

نعم لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال
فالظاهر قبوله وصحته، حيث أن المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته
ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها
ونحوها.
(مسألة 419) إذا كذب المقر له المقر في إقراره، فإن كان المقر به دينا
أو حقا لم يطالب به المقر وفرغت ذمته في الظاهر، وإن كان عينا كانت مجهول
المالك بحسب الظاهر فتبقى في يد المقر أو في يد الحاكم إلى أن يتبين
مالكها.
هذا بحسب الظاهر، وأما بحسب الواقع فعلى المقر - بينه وبين الله - تفريغ
ذمته من الدين وتخليص نفسه من العين بالايصال إلى المالك وإن كان بدسه في
أمواله، ولو رجع المقر له عن إنكاره ألزم المقر بالدفع إليه ما دام باقيا على
إقراره.
(مسألة 420) إذا أقر بشئ ثم عقبه بما يضاده وينافيه يؤخذ بإقراره
ويلغى ما ينافيه، فلو قال له علي عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة، ولو قال:
له علي كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار يلزم بالمال ولا يسمع منه ما
عقبه. وكذا لو قال: له عندي وديعة وقد هلكت، فإن اخباره بتلف الوديعة
وهلاكها ينافي قوله له عندي الظاهر في وجودها عنده. نعم لو قال كانت له
عندي وديعة وقد هلكت فهو بحسب الظاهر إقرار بالايداع عنده سابقا، ولا
تنافي بينه وبين طرو الهلاك عليها، لكن ادعاء هلاكها دعوى منه لا بد من
فصلها على الموازين الشرعية.
(مسألة 421) ليس الاستثناء من تعقيب الاقرار بالمنافي، بل يكون المقر
به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثنى إن كان
الاستثناء من المنفي، لأن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات. فلو قال:
لي عليك عشرة إلا درهما أو لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقرارا بنفي
حقه عن الدرهم الزائد على التسعة ونفي ملكية الغرفة، فلو ادعى ذلك بعده لم
يسمع منه. وكذلك أمر الاستثناء من النفي.
129

(مسألة 422) إذا أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر، كما إذا قال
هذه الدار لزيد ثم قال بل لعمرو، حكم بها للأول وأعطيت له، وأغرم
للثاني بقيمتها.
(مسألة 423) الاقرار بالنسب نافذ، كالاقرار بالبنوة والأخوة وغيرهما،
والمراد بنفوذه إلزام المقر بإقراره بالنسبة إلى ما يترتب عليه من وجوب إنفاق
أو حرمة نكاح أو مشاركة المقر له معه في إرث أو وقف ونحو ذلك.
وأما ثبوت النسب فإن كان الاقرار بالولد وكان صغيرا غير بالغ ولم يكذبه
الحس والعادة، ولا الشرع، ولم ينازعه فيه منازع، فحينئذ يثبت بإقراره أنه
ولده وتترتب عليه جميع آثاره، مثل كون ولد المقر به حفيدا للمقر وولد المقر
أخا للمقر به، ويقع التوارث بينهما وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض.
وكذا الحال لو كان المقر به كبيرا وصدق المقر في إقراره مع الشروط
المتقدمة.
أما إذا كان الاقرار بغير الولد حتى لو كان ولد ولد، فإن كان المقر به
كبيرا وصدقه، أو كان صغيرا وصدقه بعد بلوغه فيتوارثان إذا لم يكن لهما
وارث معلوم محقق، ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتى إلى
أولادهما، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقق، لا يثبت بينهما النسب
الموجب للتوارث إلا بالبينة.
(مسألة 424) إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر، لم يلتفت إلى
إنكاره.
(مسألة 425) إذا أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له وأنكر الآخر، لم
يثبت نسب المقر به، فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقر الثلث نصيبه
بمقتضى إقراره وهو الثلث، ويأخذ المقر به تكملة نصيب المقر وهو السدس.
130

(مسألة 426) إذا كان للميت إخوة وزوجة فأقرت بولد له، كان لها
الثمن وكان الباقي للولد إن صدقها الإخوة، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع
وللزوجة الثمن، وباقي حصتها للولد.
(مسألة 427) إذا مات صبي مجهول النسب فأقر انسان ببنوته ولم يكن
له منازع ينازعه. ثبت نسبه وكان ميراثه للمقر.
(مسألة 428) ينفذ إقرار المريض كالصحيح، إلا في مرض الموت مع
التهمة فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث، سواء أقر لوارث أو أجنبي، كما
تقدم في الحجر.
(مسألة 429) إذا أقر جميع الورثة بدين على الميت أو بشئ من ماله
للغير كان مقبولا لأنه كإقرار الميت، ولو أقر بعضهم وأنكر البعض فإن أقر
اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميت، وكذا العين للمقر له بشهادتهما، وإن
لم يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ إقرار المقر في حق نفسه خاصة،
فيؤخذ منه بنسبة نصيبه من التركة. وكذا لو أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى
لأجنبي بشئ وأنكر البعض.
131

كتاب الهبة
(مسألة 430) الهبة تمليك عين مجانا من غير عوض عن الموهوب، ولا
ينتقض بالهبة المعوضة، لأن العوض فيها عوض عن نفس الهبة دون
الموهوب، ويشترط في الهبة المصطلحة أن تكون منجزة مجردة عن القربة،
فتمتاز عن الوصية والصدقات. وقد يعبر عنها بالعطية والنحلة.
وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول، ويكفي في الايجاب كل لفظ دال على
التمليك المذكور مثل (وهبتك أو ملكتك أو هذا لك) ونحو ذلك، وفي القبول كل
ما دل على الرضا بالايجاب. ولا يعتبر فيها العربية، والأقوى وقوعها
بالمعاطاة بتسليم العين وتسلمها بعنوان التمليك والتملك.
(مسألة 431) يعتبر في كل من الواهب والموهوب له البلوغ والعقل
والقصد والاختيار، وفي الواهب عدم الحجر عليه بسفه أو فلس. نعم تصح
الهبة للصبي والمجنون بأن يقبل عنهما وليهما.
ويعتبر أيضا في الموهوب له قابلية تملك الموهوب، فلا تصح هبة المصحف
للكافر.
وتصح من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث على الأقوى كما
تقدم في كتاب الحجر.
(مسألة 432) يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصح هبة
المنافع. وأما الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحت وأفادت فائدة الابراء، ويعتبر
132

فيها القبول على الأحوط إن لم يكن أقوى، وإن لم يعتبر في الابراء
على الأقوى. لأن الابراء اسقاط لما في ذمة المديون وهذه تمليك له، وإن كان
يترتب عليها السقوط كبيع الدين لمن هو عليه.
أما إن كانت هبة الدين لغير من هو عليه فالأقوى عدم الصحة.
(مسألة 433) يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير
مجلس العقد، ويشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب. نعم لو وهب ما
كان في يد الموهوب له صح ولا يحتاج إلى قبض جديد ولا مضي زمان يمكن
فيه القبض، وكذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له كالأب والجد للولد
الصغير يهبه ما في يده فيصح بمجرد العقد لأن قبض الولي قبض عن المولى
عليه، والأحوط أن يقصد القبض عن المولى عليه بعد الهبة.
ولو وهب إلى الصغير غير الولي فلا بد من القبض، ويتولاه الولي.
(مسألة 434) القبض في الهبة كالقبض في البيع، وهو في غير المنقول
كالدار والبستان التخلية بينه وبينه، برفع يده عنه ورفع المنافيات والإذن له في
التصرف بحيث يصير تحت استيلائه. وفي المنقول تسلمه بيده أو ما هو بمنزلة
التسلم باليد كوضعه في حجره أو في جيبه، ونحو ذلك.
(مسألة 435) يجوز هبة المشاع لامكان قبضه ولو بقبض المجموع
بإذن الشريك، أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة عنه، بل الظاهر
تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء المتهب على المجموع
من دون إذن الشريك أيضا، وترتب الأثر عليه، فيكون المتهب غاصبا لحصة
الشريك، لكن يكفي مثل هذا القبض لصحة الهبة.
(مسألة 436) لا يعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد
فيجوز أن يكون بعد العقد ولو بزمان كثير، ولكن انتقال الموهوب له يحصل
من حين القبض، فما كان له من نمأ بعد الهبة وقبل القبض فهو للواهب.
134

(مسألة 437) إذا مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانفسخ
وانتقل الموهوب إلى ورثته ولا يقومون مقامه في الاقباض، فيحتاج إلى إيقاع
هبة جديدة بينهم وبين الموهوب له، كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم
ورثته مقامه في القبض.
(مسألة 438) إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم أبا كان أو أما
أو ولدا أو غيرهم، أو كانت للزوج أو الزوجة على الأقوى، لزمت ولم يكن
للواهب الرجوع فيها.
وإن كانت لأجنبي غير الزوج والزوجة كان له الرجوع فيها ما دامت
العين قائمة بعينها كما في الصحيح، فإن تلفت كلا أو بعضا بحيث لا تعد قائمة
بعينها فلا رجوع، وكذا لا رجوع إن عوض المتهب عنها ولو عوضا يسيرا،
ولا فرق بين أن يكون العوض مشترطا في الهبة أم كان العقد مطلقا، لكن
المتهب أثاب الواهب وأعطاه عوضا.
وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة، أو أراد بها وجه الله
تعالى.
(مسألة 439) يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع والهبة، أو المغير
للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه
والثوب يفصله أو يصبغه ونحو ذلك، دون التصرف غير المغير كالثوب يلبسه
والفراش يفرشه والدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها، فإن أمثال ذلك لا
يمنع من الرجوع.
أما الامتزاج الرافع للامتياز ولو بالجنس، فالظاهر أنه مغير للعين، وأما
مثل صبغ الثوب فالظاهر أنه غير مغير للعين إلا إذا حدث فيه نقص لا يصدق
معه أن الثوب ما زال قائما بعينه.
(مسألة 440) لا فرق فيما يجوز فيه للواهب الرجوع بين الكل والبعض،
فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهب
شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو مفروزا.
135

(مسألة 441) الهبة نوعان: معوضة وغير معوضة، فالمعوضة ما شرط
فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض، أو عوض عنها وإن لم يشترط
فيها العوض.
(مسألة 442) إذا وهب وأطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب
والعوض، سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس أو من المساوي للمساوي،
وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاء العوض. ولا يجب على
الواهب قبول العوض، وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم يكن له الرجوع فيما
وهبه. وفي جواز رجوع المتهب في ثوابه إشكال لعدم صدق المعوضة على
تلك الهبة وأنه أثيب في هبته إلا بالمسامحة العرفية. نعم مع الشك مقتضى
الاستصحاب عدم تأثير الرجوع بعد القبض.
(مسألة 443) إذا شرط الواهب على المتهب أن يهبه شيئا مكافأة وثوابا
لهبته فقبل ما اشترط وقبض الموهوب، لزم عليه دفع العوض، فإن دفع
لزمت الهبة الأولى على الواهب وإلا فله الرجوع. هذا إذا كان العوض معينا،
أما المطلق فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
إذا عين العوض في الهبة المشروطة بالعوض تعين ولزم على المتهب بذله،
ولو أطلق بأن شرط عليه أن يعوض ولم يعين، فإن اتفقا على قدر فذاك وإلا
وجب عليه أن يثيب مقدار الموهوب مثلا أو قيمة، ويجوز للموهوب له في
هذه الصورة أن يعطيه نفس الموهوب بعنوان العوض أو الثواب، بدل المثل أو
القيمة الذي عليه.
(مسألة 444) الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروطة بالعوض أن
يكون عوضها بعنوان الهبة، بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا، بل يجوز
أن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حق، فإذا صالحه عنه وتحقق منه
القبول فقد عوضه ولم يكن للواهب الرجوع في هبته. وكذا يجوز أن يكون
إبرأ عن حق أو إيقاع عمل له كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك، فإذا
أبرأه عن ذلك الحق أو عمل له ذلك العمل، فقد أثابه وعوضه.
136

(مسألة 445) إذا رجع الواهب في هبته حيث يجوز له الرجوع، وكان
للموهوب نمأ منفصل حدث بعد العقد والقبض كالثمرة والحمل واللبن في
الضرع فهو للمتهب ولا يرجع إلى الواهب، بخلاف النماء المتصل كالسمن فإنه
للواهب إذا كان يسيرا بحيث يصدق أن الموهوب قائم بعينه عرفا. وإلا فكونه
مانعا عن الرجوع لا يخلو من قوة.
(مسألة 446) إذا مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن
كانت لأجنبي ولم تكن معوضة، وليس لورثته الرجوع، وكذا لو مات
الموهوب له انتقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما.
(مسألة 447) إذا باع الواهب العين الموهوبة بعد قبض المتهب، فإن
كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة أو
خرجت العين عن كونها قائمة بعينها وقع البيع فضوليا، فإن أجاز المتهب
صح، وإلا بطل. وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع ووقوعه من الواهب
ويكون رجوعا في الهبة. هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، وأما لو كان ناسيا أو
غافلا وذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا تأمل واشكال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 448) الرجوع إما بالقول، كأن يقول: رجعت وما يفيد معناه،
وإما بالفعل كاسترداد العين وأخذها من يد المتهب، ومن ذلك بيعها بل
وإجارتها ورهنها، إذا كان ذلك بقصد الرجوع.
(مسألة 449) لا يشترط في الرجوع اطلاع المتهب، فلو أنشأ الرجوع
بدون اخباره صح.
(مسألة 450) يستحب العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيدا
بصلتهم ونهى شديدا عن قطيعتهم، فعن مولانا الباقر عليه السلام: قال: في
كتاب علي عليه السلام: ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن: البغي،
وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها. وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم،
وإن القوم
137

ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون، وإن اليمين الكاذبة
وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها.
ويتأكد استحبابها للوالدين اللذين أمر الله تعالى ببرهما، فعن مولانا
الصادق عليه السلام: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أوصني.
قال: لا تشرك بالله شيئا وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان،
ووالديك فأطعمهما وبرهما حيين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك
فافعل، فإن ذلك من الايمان.
وعن منصور بن حازم عنه عليه السلام قال: قلت: أي الأعمال أفضل؟
قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله.
ولا سيما الأم التي يتأكد برها وصلتها أكثر من الأب، فعن الصادق عليه
السلام: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله
من أبر؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من
؟ قال: أباك.
وعنه عليه السلام: إنه سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن بر الوالدين قال
: أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أمك، أبرر أباك، أبرر أباك، أبرر أباك. وبدأ بالأم قبل
الأب. والأخبار في هذه المعاني كثيرة.
(مسألة 451) يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية،
وربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدية إلى الفساد،
كما أنه ربما يفضل التفضيل إذا يؤمن من الفساد، ويكون لبعضهم خصوصية
موجبة لأولوية رعايته.
138

كتاب الوقف
(مسألة 452) الوقف تحبيس العين وتسبيل منفعتها، وفيه فضل كثير
وثواب جزيل، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به بعد
موته، وصدقة جارية. وفسرت الصدقة الجارية بالوقف. وفي الكافي عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث
خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وصدقة مبتولة لا تورث. أو
سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له. والأخبار في فضله
كثيرة.
(مسألة 453) يعتبر في الوقف الصيغة، وهي كل ما دل على إنشاء المعنى
المذكور مثل " وقفت وحبست وسبلت " بل و " تصدقت " إذا اقترن بما يدل على
إرادة المعنى المقصود كقوله: صدقة مؤبدة لا تباع ولا توهب، ونحو ذلك، وكذا
قوله: جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة أو محبسة أو مسبلة على كذا.
ولا يعتبر فيها العربية ولا الماضوية، بل يكفي الجملة الاسمية كقوله هذا
وقف أو أرضي هذه موقوفة أو محبسة أو مسبلة بل تكفي فيه المعاطاة في بعض
الموارد كما يأتي.
(مسألة 454) لا بد في وقف المسجد من نية عنوان المسجدية، فلو
وقف مكانا على صلاة المصلين وعبادة المتعبدين لم يصر بذلك مسجدا ما لم
ينو عنوان المسجدية. والظاهر كفاية: قوله جعلته مسجدا، وإن لم يذكر ما
139

يدل على وقفه وتحبيسه، وإن كان أحوط بأن يقول مثلا: وقفت هذا المكان أو هذا
البنيان مسجدا أو على أن يكون مسجدا.
(مسألة 455) الظاهر كفاية المعاطاة في المحبس على المصلحة العامة مثل
المساجد والمقابر والطرق والشوارع والقناطر والربط المعدة لنزول المسافرين
والأشجار المغروسة لانتفاع المارة بظلها أو ثمرها، بل ومثل البواري للمساجد
والقناديل للمشاهد وأشباه ذلك. فلو بنى بناءا بعنوان المسجدية وأذن في
الصلاة فيه للعموم وصلى فيه بعض الناس، كفى في وقفه وصيرورته مسجدا،
وكذا لو عين قطعة من الأرض لتكون مقبرة للمسلمين وخلى بينها وبينهم
وأذن أذنا عاما لهم في الاقبار فيها فأقبروا فيها بعض الأموات، أو بنى قنطرة
وخلى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها، وهكذا.
(مسألة 456) الظاهر عدم الفرق في الوقف المعاطاتي المذكور بين أن
يبني بناء بنية أحد العناوين المذكورة وبين أن يكون له بناء ويسلمه إلى أهله
بهذه النية. إذ الملاك في جميع الأمثلة هو الاقباض بنية الوقف ولا مدخلية للبناء
بهذه النية في صحة المعاطاة.
(مسألة 457) يجوز التوكيل في الوقف، أما الفضولية فلا يبعد جريانها في
الوقف الخاص المجرد عن قصد القربة على القول بصحته، أما الوقف الملازم
لقصد القربة فجريانها فيه بعيد، بل ممنوع.
(مسألة 458) الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة
كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها، وكذا الوقف على العناوين الكلية كالوقف
على الفقراء والفقهاء ونحوهم. والأحوط (استحبابا) رعاية القبول في الوقف
العام أيضا، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله. وأما الوقف الخاص
كالوقف على الذرية فالأقوى اعتباره فيه، فيقبله الموقوف عليهم، وإن كانوا
صغارا قام به وليهم، ويكفي قبول الموجودين ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد
منهم بعد وجوده.
140

(مسألة 459) الأحوط قصد القربة في الوقف حتى في الوقف الخاص
كالوقف على زيد وذريته ونحو ذلك.
(مسألة 460) يشترط في صحة الوقف القبض، ويعتبر فيه أن يكون
بإذن الواقف، ففي الوقف الخاص، وهو الوقف على أشخاص كالأولاد
والذرية، يعتبر قبض الموقوف عليهم أو وليهم، أو من جعله الواقف قيما
ومتوليا. ويكفي قبض الطبقة الأولى عن بقية الطبقات، بل يكفي قبض
الموجودين من الطبقة الأولى عمن يوجد منها فيما بعد، ولو كان الموجودون
جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض وبطل بالنسبة إلى
من لم يقبض.
وأما الوقف على الجهات والمصالح كالمساجد وما وقف عليها، فيكفي في
إقباضه لتلك الجهة أن يعين له متوليا ويقبضه، بل يكفي أن يفتح باب المسجد
مثلا ويأذن بالصلاة فيه ويصلون فيه ولو صلاة واحدة، والقنطرة للعابرين
فيعبرون عليها ولو لم يطلع على ذلك المتولي ولم يأذن به.
أما في الوقف على العناوين العامة كالفقراء والطلبة والعلماء، فيكفي أن يعين
له متوليا ويقبضه، والأقوى أنه يكفي قبض بعض المستحقين من أفراد ذلك
العنوان العام كما إذا سلم الدار الموقوفة على سكنى الفقراء إلى فقير بنية استيفاء
ما يستحق منها فسكنها. نعم لا يكفي مجرد استيفاء المنفعة والثمرة من دون
استيلاء على العين، فإذا وقف بستانا على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شئ
من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده.
(مسألة 461) إذا وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض
جديد، وكذا كل ولي إذا وقف على المولى عليه، لأن قبض الولي قبض المولى
عليه، والأحوط الأولى أن يقصد أن قبضه عنه.
(مسألة 462) إذا جعل الواقف التولية لنفسه في مثل الوقف على
الجهات العامة التي يكفي فيها قبض المتولي، فلا يحتاج إلى قبض آخر،
ويكفي قبضه الذي هو حاصل.
141

(مسألة 463) إذا كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف
بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر، لم يحتج إلى قبض جديد، نعم لا
بد أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف، وأن يكون تخلية يده بعنوان الوقف.
(مسألة 464) لا يشترط في القبض الفورية، فلو وقف عينا ثم أقبضها
بعد مدة متأخرة، كفى وتم الوقف من حينه.
(مسألة 465) إذا مات الواقف قبل الاقباض بطل الوقف وكان ميراثا.
(مسألة 466) يشترط في الوقف الدوام، بمعنى عدم توقيته بمدة، فلو
قال: وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة، بطل وقفا، والأوجه صحته حبسا
إلا إذا علم أنه قصد كونه وقفا إلى سنة.
(مسألة 467) إذا وقف على من ينقرض غالبا كما إذا وقف على
أولاده واقتصر على بطن أو عدة بطون ولم يذكر المصرف بعد انقراضهم
فالأقوى صحته ويكون وقفا منقطع الآخر إلى زمان انقراضهم، ويرجع بعد
ذلك إلى الواقف أو ورثته.
(مسألة 468) الفرق بين الوقف والحبس أن الوقف يوجب زوال ملك
الواقف أو منعه من جميع التصرفات فيه، وهو لا يورث. أما الحبس فيبقى
على ملك الحابس ويورث ويجوز للحابس التصرف فيه بأنواع التصرفات التي
لا تتنافى مع استيفاء المحبس عليه المنفعة. هذا في الحبس الموقت، أما الحبس
الدائم فالظاهر أنه يوجب زوال الملك ولا يجوز للحابس التصرف فيه مثل
الوقف.
(مسألة 469) إذا انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف
فالأظهر أنه يرجع إلى ورثته حين الموت لا حين الانقراض.
(مسألة 470) إذا وقف على زيد وأولاده وبعد انقراضهم على الكنائس
والبيع مثلا، يصح وقفا بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه ويبطل بالنسبة إلى
ما لا يصح، ويكون من الوقف المنقطع الآخر.
142

(مسألة 471) الوقف المنقطع أوله باطل كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر
الكذائي، أو وقف أولا على ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره، وأما
المنقطع الوسط فيصح بالنسبة إلى شطره الأول ويكون كالمنقطع الآخر ويبطل
بالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأول.
(مسألة 472) إذا وقف على غيره أو على جهة وشرط عوده إليه عند
حاجته صح على الأقوى، ومرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم يحتج إليه، فإذا
احتاج إليه ينقطع ويدخل في المنقطع الآخر وقد مر حكمه. وإذا مات
الواقف فإن كان بعد طرو الحاجة كان ميراثا، وإلا بقي على وقفيته.
(مسألة 473) يشترط في صحة الوقف التنجيز، ويبطل لو علقه على
شرط متوقع الحصول كمجئ زيد، أو على شئ غير حاصل لكنه يقيني
الحصول فيما بعد كما إذا قال: وقفت إذا جاء رأس الشهر. نعم لا بأس
بالتعليق على شئ حاصل مع القطع به فعلا، كما إذا قال: وقفت إن كان اليوم
يوم الجمعة، مع علمه به.
(مسألة 474) إذا قال: هو وقف بعد موتي، فإن لم يفهم منه الوصية
بطل، وإن فهم منه في متفاهم العرف أنه وصية بالوقف صح، فيجب على
الورثة وقفه إن كان بمقدار الثلث أو كان أكثر وأمضوه، ولا يتحقق الوقف
بمجرد تلك الوصية.
(مسألة 475) من شرائط صحة الوقف اخراج نفسه عن الوقف، فلو
وقف على نفسه لم يصح، ولو وقف على نفسه وعلى غيره فإن كان بنحو
التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه وصح بالنسبة إلى غيره، وإن كان بنحو
الترتيب فإن وقف على نفسه ثم على غيره كان من الوقف المنقطع الأول،
وإن كان بالعكس كان من المنقطع الآخر، وإن كان على غيره ثم على نفسه ثم
على غيره كان من المنقطع الوسط، وقد تقدم حكم هذه الصور.
143

(مسألة 476) إذا وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا وشرط أن
يقضي ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة والخمس، أو ينفق
عليه من غلة الوقف لم يصح وبطل الوقف، من غير فرق بين ما لو أطلق
الدين أو عين، وكذا بين أن يكون الشرط الانفاق عليه إلى آخر عمره أو
إلى مدة معينة، وكذا بين تعيين مقدار المؤنة وعدمه. نعم لو شرط ذلك على
الموقوف عليه من ماله ولو من غير منافع الوقف جاز، لكن الأحوط تركه
أيضا.
(مسألة 477) إذا شرط أن يأكل أضيافه من ثمرة الوقف جاز، وكذا لو
شرط مؤنة أهله وعياله ولو كانوا ممن يجب عليه نفقتهم حتى الزوجة الدائمة
إذا لم يكن ذلك بعنوان النفقة الواجبة عليه لكي تسقط عنه، وإلا رجع إلى
الوقف على نفسه مثل شرط أداء ديونه.
(مسألة 478) إذا آجر عينا ثم وقفها، صح الوقف وبقيت الإجارة على
حالها، وكان الوقف مسلوب المنفعة في مدة الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة
بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف، رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر ولا يملكها
الموقوف عليهم، فلو احتال للانتفاع بوقفه بأن آجر العين أولا مدة عشرين
سنة مثلا وشرط خيار الفسخ له ثم وقفها وتم الوقف ثم فسخ الإجارة،
رجعت إليه منفعة تلك المدة.
(مسألة 479) يجوز انتفاع الواقف بما وقفه على الجهات العامة كالمساجد
والمدارس والقناطر والأماكن المعدة لنزول الزوار والحجاج والمسافرين
ونحوها، وأما ما وقفه على العناوين العامة كالفقراء والعلماء إذا كان الواقف
داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه فيما بعد، فمرة يكون المقصود
من الوقف التوزيع عليهم فلا يجوز له الأخذ منه، بل يجب أن ينوي خروج
نفسه من الوقف ويقفه على من عدا نفسه. كأن ينوي مثلا وقف هذا الملك على
ذرية أبيه أو جده باستثناء نفسه.
144

ومرة يكون المقصود من الوقف المصرف على ذلك العنوان لا التوزيع كما
هو الغالب المتعارف في الوقف على العلماء والزوار والحجاج والطلبة، فإن نوى
خروج نفسه فلا إشكال، وإن نوى الاطلاق والعموم بحيث يدخل هو في
المنتفعين فالأقوى أنه يجوز له الانتفاع به، والأحوط عدم الانتفاع خصوصا إذا
نوى دخول نفسه في المنتفعين.
(مسألة 480) يعتبر في الواقف البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر
لفلس أو سفه، فلا يصح وقف الصبي وإن بلغ عشرا على الأقوى. نعم إذا
أوصى بالوقف صح وقف الوصي عنه، لأن الأقوى صحة وصيته.
(مسألة 481) لا يعتبر في الواقف أن يكون مسلما، فيصح وقف الكافر
فيما يصح وقفه من المسلم على الأقوى، وكذا فيما لا يصح من المسلم إن صح
في دينهم من باب إقرارهم على دينهم، لا بمعنى الصحة الواقعية.
(مسألة 482) يعتبر في الموقوف أن يكون عينا مملوكا طلقا، فلا يصح
وقف العين المرهونة. وأن يصح الانتفاع به منفعة محللة مع بقاء عينه مدة معتدا
بها، فلا يصح وقف الورد للشم والنار للاصطلاء. وأن يمكن قبضه، فلا يصح
وقف المنافع ولا الديون، ولا وقف ما لا يملك مطلقا كالحر أو ما لا يملكه
المسلم كالخنزير، ولا ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالأطعمة والفواكه، ولا ما
ينحصر الانتفاع به في المحرم كآلات اللهو والقمار. ويلحق به ما كانت المنفعة
المقصودة من الوقف محرمة، كما إذا وقف الدابة لحمل الخمر
أو الدكان لحرزه أو بيعه. وكذا لا يصح ما لا يمكن قبضه كالدابة الشاردة.
ويصح وقف كل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه كالأراضي والدور
والعقار والثياب والسلاح والآلات المباحة والأشجار والمصاحف والكتب
والحلي وصنوف الحيوان حتى الكلب المملوك والسنور ونحوهما.
(مسألة 483) لا يعتبر في العين الموقوفة كونها مما ينتفع بها فعلا، بل
يكفي كونها معرضا للانتفاع ولو بعد مدة وزمان، فيصح وقف الدابة
الصغيرة والأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد سنين.
145

(مسألة 484) المنفعة المقصودة في الوقف أعم من المنفعة المقصودة في
العارية والإجارة، فتشمل النماءات والثمرات، فيصح وقف الأشجار لثمرها
والشاة لصوفها ولبنها ونتاجها، وإن قلنا بعدم صحة إجارتها لذلك.
(مسألة 485) ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى قسمين: الوقف
الخاص وهو ما كان وقفا على شخص أو أشخاص، كالوقف على أولاده
وذريته أو على زيد وذريته. والوقف العام وهو ما كان على جهة ومصلحة
عامة، كالمساجد والقناطر والأماكن المعدة لنزول القوافل، أو على عنوان عام
كالفقراء والفقهاء والطلبة والأيتام.
(مسألة 486) يشترط في الوقف الخاص وجود موقوف عليه حين
الوقف، فلا يصح أن يكون الوقف أولا على معدوم أو من سيوجد أو على
حمل لم يولد، بأن يكون هو الموقوف عليه في الطبقة الأولى بدون مشاركة
موجود في تلك الطبقة. نعم لو جعل المعدوم أو الحمل مساويا في الوقف مع
الموجود أو جعل طبقة ثانية بعد الموجود صح، كما إذا وقف على أولاده
الموجودين ومن سيولد له على التشريك أو الترتيب. وبالجملة: لو وقف على
من سيولد له أولا ثم على الموجودين فلا يتحقق الوقف لأنه منقطع الأول، ولو
وقف على ولده الموجود ثم على أولاد ولده ثم على زيد، فتوفى ولده قبل أن
يولد له ثم ولد له انقطع الوقف بموته وكان من منقطع الوسط. ولو وقف على
ذريته نسلا بعد نسل وكان له أولاد وأولاد أولاد، ثم انقرضوا كان الوقف من
منقطع الآخر.
(مسألة 487) لا يعتبر في الوقف على العنوان العام وجوده في كل زمان،
بل يكفي في بعض الأزمان، فإذا وقف بستانا مثلا على فقراء البلد ولم يكن في
زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف ولم يكن من المنقطع
الأول، ولو كان موجودا حين الوقف ثم لم يوجد في زمان ثم وجد لم يكن من
المنقطع الوسط بل يكون الوقف باقيا، فتحفظ منافعه في حالة عدم وجود الفقير
إلى أن يوجد.
146

(مسألة 488) يشترط في الموقوف عليه التعيين، فلو وقف على أحد
الشخصين أو أحد المشهدين أو أحد المسجدين أو أحد الفريقين، لم يصح.
(مسألة 489) لا يصح الوقف على الكافر الحربي على المشهور ولا على
المرتد عن فطرة، وأما الذمي والمرتد لا عن فطرة فالظاهر صحته، سيما إذا
كان رحما للواقف.
(مسألة 490) لا يصح الوقف على الجهات المحرمة كالوقف على البيع
والكنائس ونشر كتب الضلال، ولا على ما فيه إعانة على المعصية كالمعونة
على الزنا وقطع الطرق. نعم يصح الوقف من الكافر على البيع والكنائس.
(مسألة 491) إذا وقف مسلم على الفقراء أو فقراء البلد، انصرف إلى
فقراء المسلمين، بل الظاهر أنه لو كان الواقف شيعيا انصرف إلى فقراء
الشيعة، وإذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، فاليهود إلى
اليهود والنصارى إلى النصارى وهكذا، بل الظاهر أنه لو كان الواقف سنيا
انصرف إلى فقراء أهل السنة. نعم الظاهر أنه لا يختص بمن يوافقه في المذهب،
فلو وقف الحنفي لم ينصرف إلى الحنفي فقط، وهكذا.
(مسألة 492) إذا كان أفراد العنوان الموقوف عليه أفرادا محصورين، كما
إذا وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة، توزع منافع الوقف على الجميع،
وإن كانوا غير محصورين لم يجب الاستيعاب، لكن لا يترك الاحتياط بمراعاة
الاستيعاب العرفي مع كثرة المنفعة، فيوزع على جماعة معتد بها بحسب مقدار
المنفعة.
(مسألة 493) إذا وقف على فقراء قبيلة كبني فلان وكانوا متفرقين، لم
يقتصر على الحاضرين، بل يجب تتبع الغائبين وحفظ حصتهم لايصالها إليهم
وتعامل حصصهم معاملة مال الغائب، ولا فرق بين أن يكونوا محصورين أو
غير محصورين. هذا إذا علم أن المقصود أعم من الحاضرين أو كان اللفظ
147

ظاهرا فيه ولو بمعونة القرائن وكان المقصود التوزيع، وأما إذا احتمل أن يكون المقصود
الحاضرين من فقرائهم أو احتمل أن يكون مقصود الواقف المصرف دون
التوزيع والتشريك كما هو المتعارف في الوقف على عنوان أفراد كثيرين متفرقين
في البلاد، ففي كلا الاحتمالين لا يجب التتبع بل لا يجوز التعدي من الحاضرين
إلا مع العلم أو الظهور في الأعم، لأن المتيقن حينئذ هو الحاضرون.
(مسألة 494) إذا وقف على المسلمين، كان لكل من أقر بالشهادتين ولم
يحكم بكفره من جهة النصب أو الغلو وأمثالهما مما يوجب الكفر. هذا إن كان
المقصود المسلم الواقعي، وأما إذا كان المقصود المسلم على مذهبه فيتبع مذهبه.
ولو وقف على المؤمنين اختص بالاثني عشرية لو كان الواقف إماميا، وكذا لو
وقف على الشيعة.
(مسألة 495) إذا وقف في سبيل الله، صرف في كل ما يكون وصلة إلى
الثواب، وكذلك لو وقف في وجوه البر.
(مسألة 496) إذا وقف على أرحامه أو أقاربه فالمرجع العرف، وإذا
وقف على الأقرب فالأقرب كان مرتبا على كيفية طبقات الإرث.
(مسألة 497) إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى،
ويكون التقسيم بينهم على السواء، وإذا وقف على أولاد أولاده عم أولاد
البنين والبنات ذكورهم وإناثهم بالسوية.
(مسألة 498) إذا قال: وقفت على ذريتي عم الأولاد بنين وبنات
وأولادهم بلا واسطة وبواسطة، ذكورا وإناثا، ويكون الوقف تشريكيا تشارك
فيه الطبقات اللاحقة مع السابقة، ويكون على الرؤوس بالسوية.
وأما إذا: قال وقفت على أولادي، أو قال: على أولادي وأولاد أولادي،
ففي ظهور ذلك في التعميم بنحو الاطلاق إشكال، بل يختلف ظهوره باختلاف
148

موارد استعماله، ولا كلية له، فقد يشمل البنين والبنات وقد يختص بالبنين،
وقد يشمل الأحفاد وقد لا يشمل.
(مسألة 499) إذا قال: وقفت على أولادي نسلا بعد نسل وبطنا بعد بطن
، فالظاهر المتبادر منه عند العرف أنه وقف ترتيب، فلا يشارك الولد أباه ولا
ابن الأخ عمه.
(مسألة 500) إذا قال: وقفت على ذريتي، أو قال: على أولادي وأولاد
أولادي ولم يذكر أنه وقف تشريك أو وقف ترتيب يحمل على التشريك. أما
لو علم من الخارج وقفية شئ على الذرية ولم يعلم أنه وقف تشريك أو
وقف ترتيب، فلا بد من التصالح والتراضي في الزائد عن سهم الطبقة الأولى،
وإلا فالرجوع إلى القرعة.
(مسألة 501) لو قال: وقفت على أولادي الذكور نسلا بعد نسل، فهو
تعبير يختلف بحسب الموارد فقد يختص بأولاده الذكور من الذكور وقد يشمل
الذكور من الإناث أيضا، والمرجع فيه متفاهم العرف ولو مع القرائن كما مر.
(مسألة 502) إذا كان الوقف ترتيبيا كانت الكيفية تابعة لجعل الواقف،
فتارة يجعل الترتيب بين الطبقة السابقة واللاحقة ويراعى الأقرب فالأقرب
إلى الواقف، فلا يشارك الولد أباه ولا ابن الأخ عمه وعمته ولا ابن الأخت
خاله وخالته، وأخرى يجعل الترتيب بين خصوص الآباء من كل طبقة
وأبنائهم، فإذا كانوا إخوة ولبعضهم أولاد لم يكن للأولاد شئ في حياة الآباء،
فإذا توفوا شارك الأولاد أعمامهم. ويمكن أن يجعل الترتيب على نحو آخر
ويتبع، فإن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها.
(مسألة 503) إذا قال (وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإن مات
أحدهم وكان له ولد فنصيبه لولده) صح ذلك، فلو مات أحدهم وله ولد
يكون نصيبه لولده، ولو تعدد الولد يقسم النصيب بينهم على الرؤوس، وإذا
149

مات من لا ولد له فنصيبه لمن كان في طبقته ولا يشاركهم الولد الذي أخذ
نصيب والده.
(مسألة 504) إذا وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة، فلا
يشمل غيرهم كعلماء الطب والنجوم والحكمة، إن لم يكونوا عالمين بعلم
الشريعة.
(مسألة 505) إذا وقف على أهل مشهد كالنجف أو كربلاء مثلا، اختص
بالمتوطنين والمجاورين ولا يشمل الزوار والمترددين.
(مسألة 506) إذا وقف على طلبة العلم في النجف مثلا من أهل البلد
الفلاني اختص بمن هاجر من ذلك البلد إلى النجف لطلب العلم، أما من
أعرض عن بلده ذاك واتخذ النجف وطنا فشمول هذا الوقف له تابع للصدق
العرفي عليه.
(مسألة 507) إذا وقف على مسجد، صرفت منافعه مع الاطلاق في
تعميره وضوئه وفرشه وخادمه ومؤذنه إذا كان معدا للأذان، ولو زاد شئ
يعطى لإمامه.
(مسألة 508) إذا وقف على مشهد تصرف منافعه في تعميره وضوئه
وفرشه ووسائل التدفئة في الشتاء والتبريد في الصيف، وسائر حوائجه من
وسائل الوضوء والتطهير، وتطهير أماكنه إذا تنجست، وأمثال ذلك. وكذا
على خدامه القائمين بالأعمال اللازمة لذلك المشهد.
(مسألة 509) إذا وقف وقفا للحسين عليه السلام وأطلق، صرف في
إقامة تعزيته، من أجرة القاري وما يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين.
أما إذا علم أن الواقف لم يقصد التعزية بل قصد الحسين عليه السلام فقط، فلا
يبعد جواز صرفه في أي خير له عليه السلام.
150

(مسألة 510) ليس للواقف بعد تمام الوقف التغيير في الموقوف عليه
باخراج بعض من كان داخلا أو إدخال من كان خارجا، هذا إذا لم يشترط
ذلك في ضمن عقد الوقف، أما إذا اشترط الادخال ففيه إشكال. وإذا اشترط
اخراج من يريد أو نقل الوقف من الموقوف عليهم إلى من سيوجد، فيبطل
الشرط بل الوقف أيضا على إشكال. نعم لو وقف على طلبة علم في بلد مثلا
إلى أن يوجد طلبة علم في بلد آخر، صح الوقف.
(مسألة 511) إذا علم أن هذا الشئ وقف ولم يعلم مصرفه ولو من
جهة نسيانه، فإن كان يوجد قدر متيقن صرف فيه، كما إذا لم يدر أنه وقف
على الفقراء أو على الفقهاء، فيقتصر على الفقهاء الفقراء، وإن لم يوجد قدر
متيقن وكان الاحتمال بين أمور محصورة، كما إذا لم يدر أنه وقف على المسجد
الفلاني أو المشهد الفلاني أقرع بينهما، وإذا دار الاحتمال بين العنوان الفلاني أو
الفلاني، فالأحوط التصالح والتراضي إذا أمكن وإلا فالقرعة. وإن كان مرددا
بين عناوين وأشخاص غير محصورين، كما إذا لم يدر أنه وقف على فقراء البلد
الفلاني أو فقهاء البلد الفلاني أو سادة البلد الفلاني أو ذرية زيد أو ذرية عمرو
أو ذرية خالد، وهكذا، كانت منافعه بحكم مجهول المالك فيتصدق بها. وإن كان
مرددا بين جهات غير محصورة، كما إذا لم يعلم أنه وقف على المسجد أو المشهد
أو القناطر أو إعانة الزوار أو تعزية سيد الشهداء عليه السلام، وهكذا، صرف
في وجوه البر، بشرط أن لا يجزم بخروج ذلك عن مصرفه.
(مسألة 512) إذا كانت للعين الموقوفة منافع متجددة ملكها الموقوف
عليهم جميعها مع إطلاق الوقف، كالشاة الموقوفة يملكون صوفها المتجدد ولبنها
ونتاجها، والشجر والنخل يملكون ثمرها وأوراقها وأغصانها إذا قطعت
لاصلاحها ويملكون فراخها وغير ذلك من جميع منافعها. وإذا خصص الواقف
الوقف ببعض المنافع دون بعض ففي صحة التخصص إشكال فلا يترك فيه
مراعاة الاحتياط.
151

(مسألة 513) إذا وقف على مصلحة فانتفت كما إذا وقف على مسجد أو
مدرسة فخربت ولم يمكن تعميرها أو لم يحتج المسجد إلى مصرف لعدم من
يصلي فيه والمدرسة لعدم الطلبة، صرف الوقف في وجوه البر، والأحوط
صرفه في مصلحة أخرى من جنس تلك المصلحة، ومع التعذر يراعى الأقرب
فالأقرب منها.
(مسألة 514) إذا خرب المسجد لم تخرج أرضه عن المسجدية، فتجري
عليها أحكامها، وكذا لو خربت القرية التي فيها المسجد، بقي هو على صفة
المسجدية، إلا في الأراضي المفتوحة عنوة والأراضي الموقوفة على غير المسجد،
فتزول المسجدية بخرابه.
(مسألة 515) إذا وقف دارا على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإن
أطلق فهو وقف منفعة، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو دكانا ونحوها
ملكوا منافعها وقسموا بينهم ما يحصل منها بإجارة وغيرها على حسب ما قرر
الواقف من الكمية والكيفية، وإن لم يقرر كيفية في القسمة قسموها بينهم
بالسوية.
وإن وقفها لسكناهم فهو وقف انتفاع وليس لهم إجارتها، فإن كفت
لسكني الجميع سكنوها وليس لبعضهم أن يستقل بها ويمنع غيره، وإذا وقع
بينهم التشاح في اختيار محل سكناهم فإن جعل الواقف متوليا وجعل له النظر
في تعيين المسكن للساكن كان له ذلك، ومع عدمه وعدم التراضي فالمرجع
القرعة. ولو سكنها بعضهم ولم يسكنها البعض فليس له مطالبة الساكن بأجرة
حصته إذا كان باذلا له السكن ولكنه لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي. وإن
لم تكف لسكني الجميع فالظاهر أن المتعين المهاياة، ومع التشاح يرجع إلى
القرعة، ويسكن من خرجت له القرعة وليس للآخر مطالبته بأجرة حصته.
152

(مسألة 516) لا يملك الموقوف عليهم الثمر الموجود حال الوقف على
النخل والشجر بل هو باق على ملك الواقف، وكذا الحمل الموجود حال
وقف الحامل. نعم في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال فلا يترك
الاحتياط.
(مسألة 517) إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي فقد تقدم
تفاوت ظهوره بحسب الموارد من حيث شموله لجميع البطون وعدمه، أما من
حيث الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو قيد الذكورية أو الأنوثية
أو غير ذلك فيكون تعيين الواقف هو المتبع، وإذا أطلق فمقتضاه التشريك
والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل.
ولو قال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي أفاد الترتيب بين
الأولاد وأولاد الأولاد قطعا، وأما شمول الترتيب للأحفاد فما بعدهم فلا كلية
له والموارد مختلفة والحكم دائر مدار الظهور العرفي ولو بمعونة القرائن.
(مسألة 518) إذا تم الوقف زال ملك الواقف عن العين الموقوفة، أما
الموقوفات على الجهات العامة كالمساجد والمشاهد والقناطر والمقابر والمدارس
وأوقاف المساجد والمشاهد وأمثالها، فلا يملكها أحد، بل وقفها فك ملك بمنزلة
التحرير بالنسبة إلى الرقبة وتسبيل للمنافع على جهات معينة.
وأما الوقف الخاص كالوقف على الأولاد، والوقف العام على العناوين
العامة، كالوقف على الفقراء والفقهاء والطلبة ونحوهم، فإن كان وقف منفعة
بأن وقف عليهم ليكون منافع الوقف لهم فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو
ببيع الثمرة وغير ذلك، فالظاهر أنهم كما يملكون المنافع ملكا طلقا يملكون
الرقبة أيضا ملكا غير طلق وذلك لأن اعتبار تسبيل المنافع لهم إلى الأبد
ملازم لاعتبار ملك الرقبة لهم عرفا، وإن كان وقف انتفاع كما إذا وقف الدار
لسكني ذريته أو الخان لسكني الفقراء فالأقوى فيه أيضا أنه كوقف المنفعة
فتكون الرقبة ملكا غير طلق لهم أيضا.
153

(مسألة 519) لا يجوز تغيير الوقف وإبطال رسمه وإزالة عنوانه ولو إلى
عنوان وقف آخر كجعل الدار دكانا أو بالعكس. نعم إذا كان الوقف وقف
منفعة يجوز تبديله إلى الأكثر منفعة، بل إذا صار مسلوب المنفعة أو قليلها
للغاية فلا يبعد جواز تبديله إلى الوقف النافع.
(مسألة 520) إذا خرب الوقف وانهدم وزال عنوانه، كأن يبست أشجار
البستان أو زالت وانهدمت الدار وعفت آثارها، فإن أمكن تعميره وإعادة
عنوانه ولو بصرف أصله بالإجارة ونحوها، لزم وتعين والأحوط أن يكون
ذلك بإذن الموقوف عليهم أو المتولي. وإلا فالأقوى عدم خروج الأرض عن
الوقفية فيستفاد منها بوجه آخر، وإن كان الأحوط أن يستأذن الواقف أو
ورثته ويجعل وقفا ويجعل مصرفه وكيفياته على حسب الوقف الأول.
(مسألة 521) إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى تعمير وترميم واصلاح
لبقائها واستثمارها، فإن عين الواقف لها ما يصرف عليها فهو، وإلا يصرف
على إصلاحها من نمائها مقدما على حق الموقوف عليهم. والأحوط أن يكون
ذلك بإذن الموقوف عليهم أو المتولي، بل إذا توقف بقاؤها على بيع بعضها جاز
ذلك أيضا.
(مسألة 522) لا يجوز بيع الأوقاف على الجهات العامة كالمساجد
والمشاهد والمدارس والمقابر والقناطر ونحوها، مهما جرى عليها، وحتى لو
خربت واندرست بحيث لا يرجى الانتفاع بها في الجهة المقصودة أصلا. فلو
خرب المسجد وخربت القرية التي هو فيها وانقطعت المارة عن الطريق الذي
يسلك إليه لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره.
وأما ما يتعلق بهذه الأوقاف من الأثاث والوسائل وأشباه ذلك، فلا يجوز
بيعها أيضا ما دام يمكن الانتفاع بها ولو بغير الانتفاع الذي أعدت له، كما لو
استغنى المحل عن الافتراش بالمرة لكن احتاج إلى ستر يقي أهله من الحر أو
البرد تجعل سترا لذلك المحل. ولو فرض استغناء المحل عنها بالمرة بحيث لا
154

يترتب على إبقائها فيه إلا الضياع والضرر والتلف، تجعل في محل آخر مماثل
له، فيجعل ما للمسجد لمسجد آخر وما للمشهد لمشهد آخر، فإن لم يكن
المماثل، أو استغني عنها بالمرة جعلت في المصالح العامة.
أما لو لم يمكن الانتفاع بها إلا ببيعها وكانت بحيث لو بقيت على حالها
ضاعت وتلفت، بيعت وصرف ثمنها في ذلك المحل إن احتاج إليه، وإلا ففي
المماثل، ثم المصالح كما مر.
(مسألة 523) الظاهر أنه لا يجوز إجارة تلك الأوقاف أيضا، ولو
غصبها غاصب واستوفى منها غير المنافع المقصودة منها، كما إذا جعل المسجد
أو المدرسة بيت سكن أو مخزنا، لم يكن عليه أجرة المثل. نعم لو أتلف
أعيانها متلف فالأحوط ضمانه، فتؤخذ منه القيمة وتصرف في شراء بدل التالف
ومثله.
(مسألة 524) الأوقاف الخاصة كالوقف على الأولاد والأوقاف
العامة على العناوين العامة كالفقراء وإن كانت ملكا للموقوف عليهم
كما مر لكنها ليست ملكا طلقا لهم حتى يجوز لهم بيعها ونقلها
بأحد النواقل متى شاؤوا وأرادوا كسائر أملاكهم، وإنما يجوز لهم ذلك
لعروض بعض العوارض وهي أمور:
أحدها: إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالتها الأولى ولا الانتفاع بها
إلا ببيعها، كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق، فتباع والأحوط
مع الامكان أن يشتري بثمنها شئ يمكن وقفه ويوقف عليهم، والأحوط
مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة.
الثاني: أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتد به بحيث
يكون الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى منفعة أمثاله، كما إذا انهدمت
الدار واندرست البستان فصارت أرضا لا يمكن الانتفاع بها إلا بمقدار جزئي
جدا يعتبر بحكم العدم بالنسبة إليهما، وكانت إذا بيعت يمكن أن يشتري بثمنها دار
155

أو بستان أخرى أو ملك آخر تكون منفعتها تساوي منفعة الدار والبستان
أو تقرب منها، فيجوز في هذه الصورة بيعها. أما إذا كانت بحيث لا يمكن أن
يشتري بثمنها إلا ما تكون منفعته بمقدار منفعة أرضها، فلا يجوز بيعها، بل
تبقى على حالها.
الثالث: إذا علم أو اطمأن أنه يؤدي بقاؤه إلى خرابه على وجه لا ينتفع به
أصلا أو ينتفع به انتفاعا قليلا ملحقا بالعدم، سواء كان ذلك بسبب
الاختلاف الواقع بين أربابه أو لأمر آخر. أما الظن بذلك ففيه إشكال.
الرابع: إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر مثل
قلة المنفعة أو كثرة الضرائب أو المصارف أو وقوع الاختلاف بين
أربابه أو حصول ضرورة أو حاجة لهم أو غير ذلك، فإنه لا مانع حينئذ
من بيعه عند
حدوث ذلك الأمر على الأقوى.
الخامس إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف
الأموال والنفوس ولا ينحسم ذلك إلا ببيعه، فيجوز حينئذ بيعه وتقسيم ثمنه
بينهم. نعم لو كان الاختلاف يرتفع بمجرد بيعه وصرف الثمن في شراء عين
أخرى لهم أو تبديل العين الموقوفة بعين أخرى تعين ذلك، فيشترى بالثمن
عين أخرى أو يبدل بملك آخر، فيجعل وقفا ويبقى لسائر البطون والطبقات.
(مسألة 525) لا إشكال في جواز إجارة الموقوف وقف منفعة، سواء
كان وقفا خاصا أو عاما كالدكاكين والمزارع والخانات الموقوفة على الأولاد أو
الفقراء أو الجهات والمصالح العامة، حيث أن المقصود استثمارها بإجارة
ونحوها ووصول نفعها ونمائها إلى الموقوف عليهم، بخلاف ما كان وقف
انتفاع كالدار الموقوفة على سكنى الذرية والمدرسة والمقبرة والقنطرة والأماكن
الموقوفة لنزول المارة، فالظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال.
(مسألة 526) إذا خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه
الآخر إلى تعمير ولو لأجل توفير المنفعة فإن أمكن تبديل الخراب بملك آخر
156

يجعل وقفا، فهو المتعين، وإن لم يمكن فلا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط
أن يصرف ثمن البعض الخراب في تعمير البعض الآخر.
(مسألة 527) إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك الطلق جاز
قسمة الوقف عنه، ويقوم بها مالك الطلق مع متولي الوقف أو الموقوف عليهم،
بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضا لو تعدد الوقف والموقوف عليه، كما
إذا كانت دار مشتركة بين شخصين فوقف كل منهما حصته على أولاده. بل لا
يبعد جواز القسمة إذا تعدد الوقف والموقوف عليه مع اتحاد الواقف، كما إذا
وقف نصف داره مشاعا على مسجد والنصف الآخر على مشهد.
وكذا يجوز قسمة الوقف بين أربابه إذا اتحد الوقف والواقف وكان الموقوف
عليهم بطونا متلاحقة، إذا كانت من أجل انتفاع كل منهم بقسم من الوقف ما
دام حيا. أما القسمة بغير هذا المعنى فالأقوى عدم جوازها بحال.
(مسألة 528) إذا آجر الوقف البطن الأول وانقرضوا قبل انقضاء مدة
الإجارة، بطلت بالنسبة إلى بقية المدة، والأقوى عدم تأثير إجازة البطن
اللاحق كما مر، لأنهم لم يكونوا مالكين حين العقد.
هذا إذا آجر البطن الأول، وأما إذا آجر المتولي ولاحظ في ذلك مصلحة
الوقف، أو لاحظ مصلحة البطن اللاحق ففي كلتا الصورتين إشكال إذ البطن
اللاحق لم يكونوا مالكين حين الإجارة حتى تنفذ إجارة المتولي في حقهم وإن
كانت لمصلحة الوقف، أو تؤثر إجازتهم في العقد الصادر من المتولي قبل
مالكيتهم، فإنه نظير إجارة الأب لولده الصغير ملكا لم يملكه بعد، فالأحوط
تجديد الإجارة في كلتا الصورتين.
(مسألة 529) يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه ما دام
حيا أو إلى مدة، مستقلا أو مشتركا مع غيره.
وكذا يجوز أن يجعلها للغير كذلك، بل يجوز أن يجعل أمر التولية بيد
شخص، فيكون المتولي كل من يعينه ذلك الشخص، أو يجعل التولية
157

لشخص ويجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده، وهكذا يجعل لكل متول أن يعين
المتولي بعده.
(مسألة 530) إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع
الوقف وفي ضمن عقده، وأما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف، فليس له
جعل التولية لأحد ولا عزل من جعله متوليا عن التولية إلا إذا اشترط لنفسه
ذلك، بأن جعل التولية لشخص وشرط أنه متى أراد أن يعزله عزله.
(مسألة 531) لا يشترط عدالة الواقف فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه،
وكذا لو جعلها لغيره على الأقوى. نعم الظاهر أنه يشترط فيه الأمانة والكفاية،
فلا يجوز جعل التولية، خصوصا في الجهات والمصالح العامة، لمن كان خائنا
غير موثوق به، وكذا من ليس له الكفاية في تولية أمور الوقف. فالأقوى
اعتبار التمييز والعقل فيه، فلا يصح تولية المجنون والصبي غير المميز، بل
والمميز على الأقوى.
(مسألة 532) إذا جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول، سواء كان
حاضرا في مجلس العقد أو غائبا ثم بلغه الخبر ولو بعد وفاة الواقف. فمع عدم
قبوله يكون الوقف بلا متول منصوب، ولو قبل فلا يترك الاحتياط بأن لا
يرفع يده ولا يعزل نفسه، ولو عزل نفسه فالأحوط أن يقوم بالتولية بعد أن
يراجع الحاكم الشرعي. وكذا لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل
بعضهم، لم يجب على الذي بعده القبول.
(مسألة 533) إذا شرط التولية لاثنين، فإن صرح باستقلال كل منهما
استقل ولا يلزم عليه مراجعة الآخر، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية
انفرد الآخر، وإن صرح باجتماعهما فليس لأحدهما الاستقلال، وكذا لو أطلق
ولم تكن قرينة على إرادة الاستقلال، وحينئذ فلو مات أحدهما أو خرج عن
الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصا على الأحوط إن لم يكن أقوى.
158

(مسألة 534) إذا حدد الواقف مسؤولية المتولي وعمله فهو المتبع، ولو
أطلق كان تكليفه ما هو المتعارف من تعمير الوقف وإجارته، وتحصيل أجرته
وقسمتها على أربابه، وأداء خراجه ونحو ذلك، كل ذلك على وجه الاحتياط
ومراعاة الصلاح، وليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم.
ويجوز أن ينصب الواقف متوليا في بعض الأمور وآخر في أمور أخرى،
كما إذا جعل أمر التعمير وتحصيل المنافع إلى أحد، وأمر حفظها وقسمتها على
أربابها إلى آخر، أو جعل الوقف وحفظه بيد أحد، والتصرف لآخر.
ولو فوض إلى واحد التعمير وتحصيل الفائدة وأهمل باقي الجهات من
الحفظ والقسمة وغيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متول
منصوب فيجري عليه حكمه الآتي.
(مسألة 535) إذا عين الواقف للمتولي شيئا من المنافع تعين، وكان ذلك
أجرة عمله وليس له أكثر منه وإن كان أقل من أجرة مثله. ولو لم يذكر شيئا
فالأقرب أن له أجرة المثل.
(مسألة 536) ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن
التصدي، إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متوليا. نعم يجوز له التوكيل
في بعض ما عليه من عمل إذا لم يشترط عليه المباشرة.
(مسألة 537) يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي، فإن أحرز أن
المقصود مجرد اطلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته ولا
يعتبر إذن الناظر في صحتها ونفوذها، نعم عليه اطلاعه.
وإن كان المقصود إعمال نظره وتصويب عمله لم يجز له التصرف إلا بإذنه
وتصويبه، ولو لم يحرز مراده، فالأحوط مراعاة الأمرين.
(مسألة 537) إذا لم يعين الواقف متوليا أصلا، فالأوقاف العامة
يتولاها الحاكم أو المنصوب من قبله على الأقوى، وأما الأوقاف الخاصة فما
كان راجعا إلى مصلحة الوقف ومراعاة البطون من تعميره وحفظ الأصول وإجارته
159

ونحوها، فهي كالأوقاف العامة توليتها للحاكم أو منصوبه، وما كان
راجعا إلى تنميتها وإصلاحاتها الجزئية المتوقف عليها استثمارها الفعلي كتنقية
أنهارها وكريها وحرثها وجمع حاصلها وتقسيمها، وأمثال ذلك، فأمرها راجع
إلى الموقوف عليهم الموجودين.
(مسألة 539) إذا لم يوجد الحاكم أو لم يمكن الوصول إليه، تكون تولية
الأوقاف العائدة إليه لعدول المؤمنين، ومع عدمهم للموثقين الأمناء منهم.
(مسألة 540) لا فرق فيما كان أمره راجعا إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين
الواقف متوليا، وبين ما إذا عين ولم يكن أهلا لها، أو خرج عن الأهلية،
فإذا جعل التولية للعادل من أولاده ولم يكن بينهم عادل، أو كان ففسق، كان
كأن لم ينصب متوليا.
(مسألة 541) إذا جعل التولية لعدلين من أولاده مثلا، ولم يكن فيهم إلا
عدل واحد، ضم الحاكم إليه عدلا آخر. وإذا لم يوجد فيهم عدل أصلا،
فالأقوى أنه يكفي للحاكم نصب عدل واحد، والأحوط نصب عدلين.
(مسألة 542) إذا احتاج الوقف إلى تعمير ولم يكن له ما يصرف فيه،
يجوز للمتولي أن يقترض له قاصدا أداءه من منافعه كما في البستان ونحوه، أو
من منافع موقوفاته كما في المسجد ونحوه، فيقترض متولي البستان مثلا ومتولي
المسجد أو المشهد أو المقبرة ونحوها، بقصد أن يؤدي دينه من عائداتها أو
عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في ذلك من ماله بقصد الاستيفاء مما
ذكر.
نعم لو اقترض له لا بقصد الأداء من الوقف، أو صرف من ماله لا بنية
الاستيفاء منه، لم يكن له استيفاؤه بعد ذلك.
(مسألة 543) تثبت الوقفية بالشياع إذا أفاد العلم أو الاطمئنان،
وبإقرار ذي اليد أو ورثته، وبكونه في تصرف الوقف، بأن يعامل المتصرفون
فيه معاملة الوقف بلا معارض، وكذا تثبت بالبينة الشرعية.
160

(مسألة 544) إذا أقر بالوقف ثم ادعى أن إقراره كان لمصلحة، تسمع
دعواه لكن تحتاج إلى إثبات، بخلاف ما إذا أوقع العقد وحصل القبض ثم
ادعى أنه لم يكن قاصدا فإنه لا يسمع منه أصلا، كما هو الحال في جميع العقود
والايقاعات.
(مسألة 545) المتصرفون بالشئ إذا عاملوه معاملة الوقف كان ذلك
دليلا على أصل الوقف ما لم يثبت خلافها، وكذلك كيفية عملهم فيه من
الترتيب أو التشريك والمصرف وغير ذلك دليل على كيفيته، ما لم يعلم
خلافها.
(مسألة 546) إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية،
وعلم أنه كان في السابق وقفا، لم ينتزع من يده ما لم تثبت وقفيته فعلا. وكذا
لو ادعى أحد أنه قد وقف على آبائه نسلا بعد نسل وأثبت ذلك من دون أن
يثبت كونه وقفا فعلا.
نعم لو أقر ذو اليد في مقابل خصمه بأنه كان وقفا إلا أنه حصل المسوغ
للبيع وأنه قد اشتراه، يسقط حكم يده وينتزع منه ويلزم بإثبات وجود
المسوغ للبيع، ووقوع الشراء.
(مسألة 547) إذا كان كتاب أو مصحف أو غيرهما بيد شخص يدعي
ملكيته وكان مكتوبا عليه أنه وقف لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك، فيجوز شراؤه
منه. نعم الظاهر أن وجود ذلك عيب ونقص في العين، فلو خفي على المشتري
ثم اطلع عليه كان له خيار الفسخ.
(مسألة 548) إذا ظهر في تركة الميت ورقة بخطه أن ملكه الفلاني وقف
وأنه وقع القبض والاقباض لم يحكم بوقفيته بمجرد ذلك ما لم يحصل العلم أو
الاطمئنان به، لاحتمال أنه كتب ذلك ليجعله وقفا ولم يوقفه كما يتفق ذلك
كثيرا.
161

(مسألة 549) إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالأنعام
الثلاثة، لم يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصة كل منهم حد
النصاب. أما إذا كان نماؤها زكويا كالعنب والتمر ففي الوقف الخاص تجب الزكاة
على كل من بلغت حصته النصاب من الموقوف عليهم لأنها ملك طلق لهم،
بخلاف الوقف العام وإن كان مثل الوقف على الفقراء، لعدم كونه ملكا لواحد
منهم إلا بعد قبضه. نعم لو أعطى الفقير مثلا حصة من الحاصل على الشجر أو
حصة من الزرع قبل وقت تعلق الزكاة، مثلا قبل إحمرار التمر أو اصفراره، أو
انعقاد الحب، وجبت عليه الزكاة إذا بلغت تلك الحصة حد النصاب.
(مسألة 550) الوقف المتداول بين الأعراب وأمثالهم حيث يعمدون إلى
نعجة أو بقرة ويتكلمون بألفاظ متعارفة بينهم ويكون المقصود أن تبقى ويذبح
أولادها الذكور وتبقى الإناث وهكذا، الظاهر بطلانه لعدم الصيغة وعدم
القبض وعدم تعيين المصرف وغير ذلك. إلا أن يكون المصرف عنده معلوما
بحسب المتعارف، وكان المتولي أيضا هو نفسه بحسب الارتكاز، وتكلم بقصد
الوقف كلمة ظاهرة فيه فيكون الوقف صحيحا.
الحبس وملحقاته
(مسألة 551) يجوز للانسان أن يحبس ملكه على كل ما يصح الوقف
عليه، لتصرف منافعه على ما عينه.
فلو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحال العبادات مثل الكعبة المعظمة
والمساجد والمشاهد المشرفة، فإن كان مطلقا أو صرح بالدوام فلا رجوع
بعد القبض ولا يعود ملكه إليه ولا يورث، وإن كان إلى مدة تبقى العين على
ملكه وتكون منافعها لما حبست عليه طول المدة المعينة وليس له الرجوع فيها،
وبعد المدة ترجع إليه أو إلى وارثه. وإن حبسه على شخص، فإن
162

عين مدة أو مدة حياته لزم في تلك المدة، ولو مات الحابس قبل انقضائها. وإن أطلق ولم
يعين وقتا لزم ما دام الحابس حيا فإن مات كان ميراثا. وهكذا الحال لو
حبس على عنوان عام كالفقراء، فإن حدده بوقت لزم إلى انقضائه، وإن لم
يوقت لزم ما دام الحابس حيا.
(مسألة 552) السكنى أن يجعل لأحد سكنى داره مثلا بأن يسلطه على
سكناها مع بقائها على ملكه، سواء أطلق ولم يعين مدة أصلا كما إذا قال:
أسكنتك داري، أو: لك سكناها أو قدره بعمر أحدهما كما إذا قال: لك سكنى
داري مدة حياتي، أو: لك سكنى داري مدة حياتك. أو قدره بسنة وسنتين مثلا.
ويسمى الاسكان مدى العمر أيضا ب‍ (العمرى) والاسكان لمدة محددة
ب‍ (الرقبى).
(مسألة 553) يحتاج كل من هذه الثلاثة إلى عقد بإيجاب المالك وقبول
الساكن، فالايجاب بكل ما أفاد التسليط المذكور بحسب المتفاهم العرفي، كأن
يقول في السكنى: أسكنتك هذه الدار، أو لك سكناها، وما أفاد معناهما بأي لغة
كان، وفي العمرى: لك سكناها مدة حياتك، وفي الرقبى: أسكنتكها سنة أو سنتين
، مثلا. وللعمرى والرقبى لفظان آخران: فللأولى: أعمرتك هذه الدار عمرك أو
عمري، أو ما بقيت أو بقيت، أو ما حييت أو حييت أو ما عشت أو عشت ونحوها،
وللثانية: أرقبتك مدة كذا.
والقبول بكل ما دل على الرضا والقبول من الساكن. والظاهر صحة
المعاطاة فيها، بأن يعطي داره إلى غيره ليسكن فيها المدة المعينة بالمقاولة
قبل تسليمها بقصد الرقبى أو العمرى أو السكنى.
(مسألة 554) يشترط في كل من الثلاثة قبض الساكن، فلو لم يقبض
حتى مات المالك، بطلت كالوقف.
(مسألة 555) هذه العقود الثلاثة لازمة وليس للمالك الرجوع
وإخراج
163

الساكن، ففي السكنى المطلقة حيث أن الساكن استحق مسمى
الاسكان ولو يوما يلزم العقد بهذا المقدار، وله الرجوع والأمر بالخروج بعده.
وفي العمرى تلزم مدة حياة من عيناه منهما، وفي الرقبى تلزم المدة المعينة،
فليس للمالك اخراجه قبل انقضائها.
(مسألة 556) إذا جعل داره سكنى أو عمري أو رقبى لشخص لم تخرج
عن ملكه وجاز له بيعها ولم يبطل الاسكان حتى في المطلقة منها إلا إذا رجع
فيه حيث يجوز له. ولا يبطل الأعمار أو الارقاب، بل يستحق الساكن
السكنى على النحو الذي جعلت له، وكذا لا يجوز للمشتري إبطال ذلك، نعم
لو كان جاهلا كان له الخيار بين فسخ البيع وإمضائه بجميع الثمن.
(مسألة 557) إذا جعل المدة في العمرى طول حياة المالك ومات الساكن
قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك، ولو جعل المدة طول حياة
الساكن ومات المالك قبله لم يكن لورثته إزعاج الساكن بل يسكن طول
حياته.
ولو مات الساكن لم يكن لورثته السكنى إلا إذا جعلت له السكنى مدة
حياته ولعقبه ونسله بعد وفاته، فلهم ذلك ما لم ينقرضوا فإذا انقرضوا رجعت
إلى المالك أو ورثته.
(مسألة 558) إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن من جعلت له السكنى
بنفسه
وأهله وأولاده، والأقرب جواز إسكان من جرت العادة بسكناه معه كغلامه
وجاريته ومرضعة ولده وضيوفه، بل كذا دابته إذا كان الموضع معدا لمثلها.
بل الأقوى جواز إسكان غيرهم وكذا تأجيره وإعارته، إلا إذا اشترط المالك
انتفاعا خاصا ولو من جهة الانصراف إلى المنافع المتعارفة.
الصدقة
164

كتاب الصدقة
(مسألة 559) وقد تواترت النصوص على استحباب الصدقة والحث
عليها خصوصا في أوقات مخصوصة كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وعلى
طوائف مخصوصة كالجيران والأرحام، بل ورد في الخبر لا صدقة وذو الرحم
محتاج.
وهي دواء المريض ودافعة البلا وقد أبرم إبراما، وبها يستنزل الرزق
ويقضى الدين، وتخلف البركة ويكثر المال، وبها تدفع ميتة السوء والداء
والحرق والغرق والهدم والجنون إلى سبعين بابا من السوء، وإذا تصدق في أول
كل يوم يدفع شر ذلك اليوم، وفي أول كل ليلة يدفع شر تلك الليلة.
ولا يستقل قليلها فقد ورد: تصدقوا ولو بقبضة أو ببعض قبضة ولو بشق تمرة
فمن لم يجد فبكلمة طيبة، ولا يستكثر كثيرها فإنها تجارة رابحة، ففي الخبر: إذا
أملقتم تاجروا الله بالصدقة، وفي خبر آخر: أنها خير الذخائر، وفي آخر: إن الله
تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم.
(مسألة 560) يعتبر في الصدقة قصد القربة، والأقوى أنه لا يعتبر فيها
الايجاب والقبول بل تكفي فيها المعاطاة، ويشترط فيها القبض والاقباض،
وتتحقق معاطاتها بكل لفظ أو فعل من إعطاء أو تسليط يقصد به التمليك مجانا
مع نية القربة، وتكون هنا لازمة بسبب نية القربة.
(مسألة 561) لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على
أجنبي على الأصح.
165

(مسألة 562) تحل صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقا حتى الزكاة
المفروضة والفطرة، وأما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة وتحرم
في الزكاة المفروضة والفطرة، وأما غير ذلك من الصدقات المفروضة كالمظالم
والكفارة ونحوها فلا يترك الاحتياط بعدم إعطائها لهم وتنزههم عنها.
(مسألة 563) يعتبر في المتصدق البلوغ والعقل وعدم الحجر لفلس أو
سفه. وفي صحة صدقة من بلغ عشر سنين إشكال.
(مسألة 564) لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا
الايمان، بل ولا الاسلام، فيجوز على الغني وعلى المخالف وعلى الذمي وإن
كانا أجنبيين. نعم لا يجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين.
(مسألة 565) الصدقة المندوبة سرا أفضل، فقد ورد: أن صدقة السر
تطفي غضب الرب وتطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار وتدفع سبعين بابا من البلا،
وفي خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله - إلى أن قال - ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما
تنفق شماله. نعم إذا اتهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو أراد حث
غيره على الصدقة فلا بأس بإظهارها، ولم يتأكد حينئذ إخفاؤها. أما الصدقة
الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا.
(مسألة 566) يستحب المساعدة والتوسط في إيصال الصدقة إلى
المستحق، فعن مولانا الصادق عليه السلام: لو جرى المعروف على ثمانين كفا
لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا. بل في خبر آخر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبة له: من تصدق بصدقة عن رجل إلى
مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف انسان ثم وصلت إلى
المسكين كان لهم أجر كامل.
(مسألة 567) يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به
عليه بشراء أو اتهاب أو بسبب آخر، بل قيل بحرمته. نعم إذا رجع ما تصدق
به إليه بالميراث، فلا بأس به.
166

(مسألة 568) يكره رد السائل ولو ظن غناه، بل يعطيه ولو شيئا
يسيرا، فعن مولانا الباقر عليه السلام: أعط السائل ولو كان على ظهر فرس.
وعنه عليه السلام قال: كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى عليه السلام قال: يا
موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل.
(مسألة 569) يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج، بل مع
الحاجة أيضا، وربما يقال بحرمة الأول ولا يخلو من قوة، فعن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر.
وعن مولانا الصادق عليه السلام، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام:
ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطر به المسألة يوما إلى أن
يسأل من حاجة.
وعن مولانا الباقر عليه السلام: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد
أحدا، ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا. ثم قال عليه السلام: إنه
من سأل وهو يظهر غنى لقي الله مخموشا وجهه يوم القيامة.
وفي خبر آخر: من سأل من غير فقر فإنما يأكل الخمر.
وفي خبر آخر: من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام لقي الله يوم القيامة
وليس على وجهه لحم.
وفي آخر قال أبو عبد الله عليه السلام: ثلاثة لا ينظر (الله) إليهم يوم
القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الديوث، والفاحش المتفحش، والذي يسأل
الناس وفي يده يظهر غنى.
167

كتاب الوصية
(مسألة 570) الوصية على أقسام، لأنها قد تكون تمليك عين أو منفعة،
وقد تكون جعل ولاية أو سلطنة أو وكالة، وقد تكون إبرأ لدين وإسقاطا
لحق، وقد تكون عهدا وإذنا وطلبا لتجهيزه وغسله والصلاة عليه وقضاء
صلاته وصومه وحجه ورد أماناته وأمثال ذلك. وقد ذكرنا تفصيل ذلك في
التعليق على كتاب الوصية من العروة الوثقى.
(مسألة 571) إذا ظهرت للانسان أمارات الموت تتضيق الواجبات التي
كانت موسعة عليه في حياته، فيحب عليه الاتيان بها فورا، وإذا لم يتمكن
من الاتيان بها بنفسه يجب عليه أن يوصي بها، خصوصا إذا كانت حقوقا تخفى
على الورثة، فيوصي بإيصال ما عنده من ودائع الناس وأموالهم وبضائعهم
ونحوها إلى أربابها، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق المالية للناس كالديون
والضمانات والديات وأرش الجنايات، أو حقوق لله تعالى كالخمس والزكاة
والمظالم والكفارات. بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه للواجبات
البدنية مما يصح فيه النيابة والاستئجار كقضاء الصوم والصلاة إذا لم يكن له
ولي يقضيها عنه، بل حتى لو كان له ولي وكان لا يصح منه العمل كالصبي، أو
كان ممن لا يوثق بأدائه، أو بصحة عمله.
(مسألة 572) إذا كان عنده أموال للناس أو كان عليه حقوق
وواجبات، وكان يعلم أو يطمئن بأن أخلافه يؤدونها، لم يجب عليه
الايصاء، وإن كان أحوط وأولى.
168

(مسألة 573) يكفي في الوصية كل ما دل عليها من الألفاظ من أي لغة
كان، ولفظها الصريح في التمليكية أن يقول: أوصيت لفلان بكذا أو أعطوا فلانا أو
ادفعوا إليه بعد موتي أو لفلان بعد موتي كذا، وهكذا. وفي العهدية: افعلوا بعد
موتي كذا وكذا وهكذا.
والأحوط عدم كفاية الإشارة إلا مع العجز عن النطق، كما أن الأحوط
الاقتصار في الكتابة وحدها من دون نطق على حال الضرورة.
(مسألة 574) أركان الوصية التمليكية ثلاثة: الموصي، والموصى به،
والموصى له. والوصية العهدية قوامها بأمرين: الموصي، والموصى به. نعم إذا
عين الموصي شخصا لتنفيذها تتقوم بثلاثة: الموصي، والموصى به، والموصى إليه
أي الوصي.
(مسألة 575) الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول، نعم لو عين وصيا
لتنفيذها لا بد من قبوله الوصاية لا أصل الوصية. أما الوصية التمليكية فإن
كانت تمليكا للنوع كالوصية للفقراء والسادة والطلبة فلعلها تحسب من العهدية
فيجب إعطاء ما أوصى به لهم، وإن كانت تمليكا لشخص فيعتبر فيها القبول
من الموصى له، وتبطل بالرد بعد الموت وقبل القبول.
(مسألة 576) يكفي في القبول بناءا على اعتباره كل ما دل على الرضا
قولا أو فعلا، كأخذه الموصى به والتصرف فيه، قاصدا قبول الوصية.
(مسألة 577) لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته،
كما أنه لا فرق في القبول الواقع بعد الموت بين أن يكون متصلا به أو متأخرا
عنه مدة.
(مسألة 578) إذا رد بعضا وقبل بعضا فالصحة مشكلة لعدم تطابق
الايجاب مع القبول. نعم بناء على عدم اعتبار القبول وكون الرد مبطلا صح
فيما قبله وبطل فيما رده، ولكن هذا القول ضعيف.
170

(مسألة 579) إذا مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن
يصدر منه رد أو قبول، قام ورثته مقامه في الرد والقبول، فيملكون الموصى
به بقبولهم كمورثهم، هذا إذا لم يرجع الموصي عن وصيته قبل موته.
(مسألة 580) الظاهر أن المال الموصى به ينتقل من الموصي نفسه إلى
ورثة الموصى له لا أنه ينتقل إلى الموصى له أولا ثم إليهم، وإن كانت القسمة
بينهم في صورة التعدد على حسب الإرث، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به
ديون الموصى له ولا تنفذ فيه وصاياه.
(مسألة 581) إذا كان الايجاب مركبا من إيجابين كأن يقول هذا لزيد
وهذا لعمرو وقبل بعض ورثة الموصى له ورد بعضهم، صحت الوصية فيمن
قبل وبطلت فيمن رد بالنسبة ولو كان الايجاب واحدا كأن يقول هذا لزيد
وعمرو فقد مر الاشكال في نظيره.
(مسألة 582) يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد،
فلا تصح وصية الصبي، نعم الأقوى صحة وصية البالغ عشرا إذا كانت في البر
والمعروف كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرات. وكذا لا تصح
وصية المجنون ولو أدواريا في دور جنونه، ولا السكران ولا المكره، وكذا
السفيه سواء كان قبل حجر الحاكم أو بعده في وصاياه المالية، أما في غير ما
يحتاج إلى صرف المال كالأمور الراجعة إلى تجهيزه وأمثاله، فتصح وصيته
كسائر عقوده غير المالية.
(مسألة 583) يعتبر في الموصي - مضافا إلى ما ذكر - أن لا يكون قاتل
نفسه متعمدا، فمن أوقع على نفسه جرحا أو شرب السم أو ألقى نفسه متعمدا
من شاهق مثلا مما يقطع أو يظن كونه مؤديا إلى الهلاك، لم تصح وصيته
المتعلقة بأمواله، وكذا وصيته غير المتعلقة بأمواله على إشكال. أما إذا فعل
ذلك خطأ أو كان مع ظن السلامة فاتفق موته به نفذت وصيته.
171

ولو أوصى ثم أحدث في نفسه ما يؤدي إلى هلاكه لم تبطل وصيته، وإن كان حين الوصية
بانيا على أن يحدث ذلك بعدها.
(مسألة 584) لا تبطل الوصية بعروض الاغماء والجنون للموصي وإن
استمرا حتى الوفاة.
(مسألة 585) يشترط في الموصى له وجوده حين الوصية، فلا تصح
الوصية للمعدوم كما إذا أوصى للميت أو لمن ستحمله المرأة في المستقبل أو لمن
سيوجد من أولاد فلان، ويجوز الوصية للحمل بشرط وجوده حين الوصية
وإن لم تلجه الروح، وبشرط انفصاله حيا فلو انفصل ميتا بطلت الوصية ورجع
المال ميراثا لورثة الموصي.
(مسألة 586) تصح الوصية للذمي وكذا للمرتد الملي إذا لم يكن المال مما
لا يملكه الكافر كالمصحف، ولا تصح للحربي ولا للمرتد عن فطرة على
إشكال فيهما.
(مسألة 587) يشترط في الموصى به في الوصية التمليكية أن يكون مالا
أو حقا قابلا للنقل كحقي التحجير والاختصاص، سواء كان المال عينا أو دينا
في ذمة الغير أو منفعة، وسواء كانت العين موجودة فعلا أو ستوجد، فتصح
الوصية بما ستحمله الدابة أو ستثمره الشجرة.
(مسألة 588) لا بد أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محللة
مقصودة حتى تكون مالا شرعا، فلا تصح الوصية بالخمر والخنزير وآلات
اللهو والقمار، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها. وأن تكون المنفعة
الموصى بها محللة مقصودة، فلا تصح الوصية بمنفعة المغنية وآلات اللهو، وكذا
منافع القردة ونحوها.
(مسألة 589) لا تصح الوصية بمال الغير وإن أجاز المالك، سواء كان
الايصاء به عن نفسه بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه، أو عن الغير
بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه.
172

(مسألة 590) يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا
سائغا مقبولا عند العقلاء، فلا تصح الوصية بصرف ماله في معونة الظلام
وقطاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها، وكذا الوصية بما
يكون صرف المال فيه سفها أو عبثا.
(مسألة 591) المدار في وجوب تنفيذ الوصية ما هو جائز عند الوصي
اجتهادا أو تقليدا، فلو أوصى بما هو جائز عنده وكان غير جائز عند الوصي
لم يجب عليه بل لم يجز له تنفيذه، والعكس بالعكس.
(مسألة 592) إذا أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزه كتغسيله والصلاة
عليه مع وجود الولي، فالأحوط أن يكون ذلك بإذن الولي، بأن يستأذن
الوصي من الولي ويأذن الولي للوصي.
(مسألة 593) إذا كانت الوصية بواجب مالي كأداء ديونه وأداء ما عليه
من الحقوق كالخمس والزكاة والمظالم والكفارات، تخرج من أصل المال بلغ ما
بلغ، بل تخرج من الأصل وإن استوعبت التركة ولم يوص بها. ويلحق به
الواجب المالي المشوب بالبدني كالحج الواجب ولو كان منذورا على الأقوى.
أما إذا كانت الوصية تمليكية أو عهدية تبرعية، كما لو أوصى بإطعام الفقراء
أو الزيارة أو إقامة التعزية ونحو ذلك، فتنفذ بمقدار الثلث، وفيما زاد عليه
يتوقف على إمضاء الورثة وإجازتهم، فإن أمضوا صحت وإلا بطلت، من غير
فرق بين أن تكون الوصية في حال الصحة أو في حال المرض.
وكذا الحكم إذا كانت بواجب غير مالي على الأقوى، كما إذا أوصى بقضاء
ما عليه من صلاة وصوم.
(مسألة 594) لا فرق في نفوذ الوصية في الثلث فقط بين أن تكون بسهم
مشاع أو بمال معين أو بمقدار من المال، فلو أوصى بالنصف نفذت بمقدار
الثلث ولم تصح في الزائد وهو السدس إلا بإجازة الورثة، ولو أوصى
173

بمال معين ينسب إلى مجموع التركة فإن كان بمقدار ثلث المجموع أو أقل نفذت في
تمامه وإن كان أكثر نفذت فيه بمقدار الثلث وتوقف الزائد على إمضاء
الورثة.
(مسألة 595) تنفذ إجازة الوارث بعد موت الموصي فيما زاد عن الثلث
حتى لو كان رد الوصية قبل الموت. وإذا أجاز الوصية قبل الموت وبقيت
إجازته إلى ما بعد الموت ثم ردها فالأقوى عدم تأثير رده.
(مسألة 596) إذا أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما
أجاز، فلو أوصى بثلثي ماله وأجاز الوارث النصف نفذت في المقدار المجاز
وبطلت في الزائد وهو سدس ماله.
(مسألة 597) إذا أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت الوصية في حق
المجيز وبطلت في حق غيره، فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف
ماله قسمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها وهو ستة، واحتاج الزائد وهو
ثلاثة إلى إمضاء الابن والبنت، فإن أمضيا معا نفذت في تمامها، وإن أمضى
الابن دون البنت نفذت في الاثنين وبطلت في واحد فكان للموصى له ثمانية،
وإن أمضت البنت كان للموصى له سبعة.
(مسألة 598) المدار في تقويم ماله ونفوذ وصيته بثلثه على قيمته عند
وفاته لا عند الوصية، وكذا العين الموصى بها، فلو نقص ماله أو نقصت قيمته
أو نقصت قيمة العين التي أوصى بها بعد الوصية حسب كل ذلك بقيمته عند
الوفاة.
فلو أوصى بعين لزيد وكان مقدارها نصف ماله عند الوصية ولكن نقصت
قيمتها أو زادت قيمة غيرها أو تجدد له مال آخر فصارت قيمتها عند موته
ثلث ماله نفذت الوصية فيها جميعا، ولو كانت العين الموصى بها بمقدار الثلث
عند الوصية لكن زادت عن ذلك عند الموت نفذت وصيته فيها بما يساوي
الثلث واحتاج الباقي إلى إجازة الورثة.
174

وإذا أوصى بثلث ماله مثلا ثم تجدد له مال بعد الوصية وقبل وفاته فالحكم
فيه يتبع ظاهر مراده، وظاهر المراد يختلف باختلاف الموارد، فإن ظهر
مقصوده ولو بالقرينة فبها، وإلا فيكتفي بالأقل لأنه المتيقن، والزائد محكوم
بكونه ملكا للورثة.
(مسألة 599) إجازة الوارث إمضاء وتنفيذ، فلا يكفي مجرد الرضا
وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلان على التنفيذ والامضاء. ولا يعتبر
فيها الفورية.
(مسألة 600) ما يملكه الميت بالموت كالدية، يحسب من التركة،
بل وكذا ما يملكه بعد موته إذا أوجد الميت سببه قبل موته، كالذي
يقع في شبكة نصبها في حياته، فيخرج منه الدين ووصاياه.
(مسألة 601) للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله
تفويض التعيين إلى الوصي فيتعين فيما عينه. ومع الاطلاق كما لو قال ثلث
مالي لفلان كان شريكا مع الورثة بالإشاعة، فلا بد أن يكون الافراز
والتعيين برضى الجميع كسائر الأموال المشتركة.
(مسألة 602) إنما يحسب الثلث بعد اخراج ما يخرج من الأصل كالدين
والواجبات المالية، فإن بقي بعد ذلك شئ يخرج ثلثه.
(مسألة 603) إذا أوصى بوصايا متعددة غير متضادة، فإن كانت من
نوع واحد كأن كانت كلها واجبات مالية أو واجبات بدنية كانت جميعها
بمنزلة وصية واحدة فتنفذ جميعها من الأصل في الواجب المالي إن لم يوص
بإخراجها من الثلث، أو لم يف بها وبسائر وصاياه. وتنفذ من الثلث في
الواجب البدني فإن وفي الثلث بالجميع نفذت في الجميع، وكذا إذا زادت عليه
وأجاز الورثة. أما إذا لم يجيزوا فيوزع النقص على الجميع بالنسبة إن لم يكن
بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر، بأن أوصى بواجباته البدنية
175

مجموعها بوصية واحدة فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ولم يف الثلث
بهما وكانت أجرة الصلاة ضعف أجرة الصوم، نقص من وصية الصلاة ضعف ما
ينقص من وصية الصوم، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر وأوصى بستة
لاستئجار الصلاة ثم أوصى بثلاثة لاستئجار الصوم، فإن أجاز الورثة نفذت
الوصيتان معا. وإن لم يجيزوا مطلقا نفذت في ثلاثة وتوزعت على الوصيتين
بالنسبة فينقص من الوصية الأولى اثنان ومن الثانية واحد، فيصرف في الصلاة
أربعة وفي الصوم اثنان.
وأما إذا كان بينها ترتيب - بأن أوصى بالصلاة أولا ثم بالصوم - فيبدأ بالأول
ثم الأول حتى يكمل الثلث. نعم في الواجبات المالية إن لم تكف التركة بمجموعها
يوزع النقص على المجموع أوصى أم لم يوص، إلا في الحج فإنه يقدم على
الواجبات المالية من أقرب ما يمكن، ثم يوزع البقية على غيره.
أما إذا كانت وصاياه كلها تبرعية ولم يكن بينها ترتيب، كما إذا قال:
أعطوا زيدا وعمروا وخالدا كلا منهم مائة كانت بمنزلة وصية واحدة، فإن
زادت على الثلث ولم يجز الورثة ورد النقص على الجميع بالنسبة.
وإن كان بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر، كما إذا قال: أعطوا زيدا
مائة، ثم قال: أعطوا عمروا مائة، ثم قال: أعطوا خالدا مائة، وكان
المجموع أكثر من الثلث ولم يجز الورثة، يبدأ بالأول فالأول إلى أن يكمل
الثلث، فإذا كان الثلث مائة نفذت الأولى ولغت الأخيرتان، وإن كان مائتين
نفذت الأوليان ولغت الأخيرة، وإن كان مائة وخمسين نفذت الأولى كلها
والثانية في نصف الموصى به، ولغت البواقي، وهكذا.
(مسألة 604) إذا أوصى بوصايا مختلفة بالنوع، فأوصى مثلا أن يعطى
مقدار معين خمسا وزكاة، ومقدار صوما وصلاة، ومقدار لاطعام الفقراء، فإن
أطلق ولم يذكر من أين تخرج يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل، فإذا
بقي شئ يخرج من ثلثه البدني والتبرعي فإن وفى بهما، أو لم يف وأجاز
الورثة، نفذت في كليهما، فإن لم يف بهما ولم يجز الورثة الزيادة يقدم
176

الواجب البدني ويرد النقص على التبرعي. وإن أوصى أن تخرج من الثلث يعين الثلث،
فيخرج منه المقدم ذكرا من الواجبات حتى يكمل الثلث، فإن بقي بعد ذلك
واجب مالي أو شئ منه يخرج من الأصل، وإن بقي واجب بدني لغت
الوصية بالنسبة إليه، وكذلك تلغى بالنسبة إلى التبرعي ما لم يؤت بالواجبات.
هذا إن كانت الوصايا مرتبة، وإلا فيلغى التبرعي ويوزع النقص على الجميع،
ويكمل الواجب المالي من أصل التركة.
(مسألة 605) إذا أوصى بوصايا متعددة متضادة، بأن كانت المتأخرة
منافية للمتقدمة، كما لو أوصى بعين شخصية أو بثلث ماله لواحد ثم أوصى
بها لآخر، يعمل باللاحقة. ولو أوصى بعين شخصية لواحد ثم أوصى بنصفها
مثلا لشخص آخر، فالظاهر كون الثانية عدولا بالنسبة إلى نصفها لا تمامها،
فيبقى النصف الآخر للأول.
(مسألة 606) إذا كان متعلق الوصية مشاعا من التركة كالثلث أو الربع
مثلا، ملكه الموصى له بالموت والقبول وشارك الورثة في التركة من حين ما
ملكه. هذا في الوصية التمليكية.
وأما في الوصية العهدية، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في
العبادات والزيارات، فالموصى به فيها يبقى بحكم مال الميت ويكون للميت
من كل شئ ثلثه أو ربعه مثلا والباقي للورثة، وهذه الشركة باقية حتى يفرز
الموصى به عن مال الورثة، فلو حصل نمأ متصل أو منفصل قبل القسمة كان
بينهما، ولو تلف من التركة شئ كان منهما.
(مسألة 607) إذا أوصى بمال معين يساوي الثلث أو دونه فهو للموصى
له ولا حاجة إلى إجازة الورثة، لكن إنما يستقر ملكية الموصى له أو الميت في
تمام الموصى به إذا وصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإن كان ما عدا
المال المعين للوصية غائبا توقف التصرف في تمامه على حصول المثلين بيد
177

الورثة لكون الغائب في معرض التلف، وأما التصرف في ثلثه فلا مانع منه إلا
إذن الشركاء فيما يتوقف على إذنهم لا مثل البيع والصلح وأمثاله، فإذا لم
يحصل بيدهم شئ من المال الغائب شاركوا الموصى له في المال المعين أثلاثا،
ثلث للموصى له وثلثان للورثة.
(مسألة 608) يجوز للموصي أن يعين شخصا لتنجيز وصاياه وتنفيذها،
فيتعين ويقال له (الموصى إليه أو الوصي) ويشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام
، فلا تصح وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم وإن كان
ذميا قريبا، ولا يبعد كفاية الوثاقة فيه، وإن كان الأحوط أن يكون عادلا
كما نسب إلى المشهور.
(مسألة 609) لا بأس بوصاية الصغير منضما إلى الكامل، فيستقل
الكامل بالتصرف إلى زمن بلوغ الصغير ولا ينتظر بلوغه، فإذا بلغ شاركه من
حينه وليس له اعتراض فيما أمضاه الكامل سابقا إلا ما كان على خلاف ما
أوصى به الميت فيرده إلى ما أوصى به، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل،
كان للكامل الانفراد بالوصاية وإن كان الأحوط الاستيذان من الحاكم الشرعي
إلا مع العلم بكونه وصيا مستقلا في هذه الصورة.
(مسألة 610) إذا طرأ الجنون على الوصي بعد موت الموصي، بطلت
وصايته، ولو أفاق بعد ذلك لم تعد واحتاج إلى نصب جديد من الحاكم، إلا
إذا صرح الموصي بوصايته بعد إفاقته.
(مسألة 611) لا يجب على الموصى إليه قبول الوصية وله أن يردها ما
دام الموصي حيا بشرط أن يبلغه الرد، فلو كان الرد بعد موت الموصي أو قبله
ولكن لم يبلغه حتى مات، لم يكن لرده أثر وكانت الوصية لازمة عليه، بل لو
لم يبلغه أنه جعله وصيا إلا بعد موت الموصي، لزمته الوصية وليس له ردها.
نعم الأحوط للموصى إليه عدم الرد إذا لم يتمكن الموصي من نصب
178

غيره ولو بالإشارة. ولا ينبغي للولد أن يرد وصية أبيه ولو في حال حياته، بل يجب
عليه القبول إذا أمره بذلك وكان رده ينجر إلى العقوق، وكذا الأم إذا انجر رد
وصيتها إلى العقوق. ولو رد الوصية في حياتهما وبلغهما ذلك، ولم يقبل حتى
ماتا فليس بوصي، وإن كان آثما في رده.
(مسألة 612) يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق، فإن
نص على الاستقلال والانفراد أو استظهر من كلامه ولو بمعونة القرائن فهو،
وإلا فليس لكل منهما الاستقلال بالتصرف لا في جميع ما أوصى به ولا في
بعضه، وليس لهما أن يقسما الثلث مثلا وينفرد كل منهما في نصفه، من غير
فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق، ولو تشاحا ولم يجتمعا
أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر نصب غيرهما.
(مسألة 613) إذا كان الوصيان مستقلين فمات أحدهما أو طرأ عليه
الجنون أو غيره مما يوجب ارتفاع وصايته، استقل الآخر ولا يحتاج إلى ضم
شخص آخر من قبل الحاكم، وأما في غير استقلالهما فالأحوط بل الأقوى أن
يضم الحاكم إليه شخصا آخر يعمل معه بالوصية مشتركا. نعم لو كانا مستقلين
وماتا معا فعلى الحاكم أن ينصب بدلهما، والأقوى جواز كونه واحدا إذا كان
كافيا، والأحوط نصب اثنين.
(مسألة 614) يجوز أن يوصي إلى واحد في شئ بعينه وإلى آخر في
غيره، ولا يشارك أحدهما الآخر.
(مسألة 615) إذا قال: أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو، صح
ويكونان وصيين، إلا أن وصاية عمرو موقوفة على موت زيد، وكذا لو
قال: أوصيت إلى زيد فإن كبر ابني، أو تاب عن فسقه، أو اشتغل بالعلم فهو وصيي.
(مسألة 616) إذا ظهرت خيانة الوصي فلا يبعد انعزاله بصدور الخيانة
فينصب الحاكم شخصا آخر مكانه. أما إذا ظهر منه العجز، فيضم الحاكم إليه
من يساعده إذا احتاج إلى المساعدة، وينصب مكانه إذا عجز رأسا.
179

(مسألة 617) إذا لم ينفذ الوصي ما أوصى إليه في زمن حياته، فليس له
أن يجعل وصيا لتنفيذه بعد موته، إلا إذا كان مأذونا من الموصي في الايصاء.
(مسألة 618) الوصي أمين، فلا يضمن ما في يده إلا بالتعدي أو
التفريط ولو بمخالفة الوصية، فيضمن حينئذ ما تلف فضلا عما أتلف.
(مسألة 619) إذا أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص أو كيفية
خاصة، اقتصر عليه ولم يتجاوز عنه إلى غيره، وأما لو أطلق، بأن قال: أنت
وصيي، من دون ذكر المتعلق، فالأقرب وقوعه لغوا إلا إذا كان هناك عرف
خاص يدل على المراد فهو المتبع كما إذا كان متعارف بلدهم الولاية على أداء
ما عليه من الديون واستيفاء ماله على الناس، ورد الأمانات والبضائع إلى
أهلها وأخذها، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه - ولو بنظر حاكم الشرع - من
استيجار على العبادات وأداء الحقوق والمظالم ونحوها.
نعم في شمول مثل هذا الاطلاق للقيمومة على الأطفال إشكال، فالأحوط
أن يكون تصدي الوصي لأمورهم بإذن الحاكم، إلا إذا كان العرف يشملها،
فإن العرف يختلف باختلاف الأعصار والأمصار.
(مسألة 620) ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ولا أن
يفوض أمر الوصية إلى غيره. نعم له التوكيل في بعض الأعمال التي يكون
الغرض وقوعها من أي مباشر كان، خصوصا إذا لم تجر العادة على مباشرة
أمثال هذا الوصي ولم يشترط عليه المباشرة.
(مسألة 621) إذا نسي الوصي مصرف الوصية صرف الموصى به في
وجوه البر المحتملة أن تكون مصرفا له، لا فيما يقطع بخروجه عنه، هذا
في غير المحصورة من المحتملات، وأما في المحصورة فلا بد من التراضي أو
التصالح القهري أو القرعة.
(مسألة 622) إذا أوصى الميت وصية عهدية ولم يعين وصيا ولم يوكلها
إلى الورثة، أو بطلت وصاية من عينه بموت أو جنون وغير ذلك، تولى
180

الحاكم أمرها أو عين من يتولاه، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه، تولاه من
المؤمنين من يوثق به.
(مسألة 623) يجوز للموصي أن يجعل ناظرا على الوصي، ووظيفته
تابعة لجعل الموصي، فتارة لأجل الاستيثاق بوقوع ما أوصى به كما أوصى به
فيجعل الناظر رقيبا على الوصي وتكون أعماله تحت علمه حتى إذا رأى منه
خلاف ما قرره الموصي اعترض عليه، ولعل هذا هو الغالب في النظارة.
وتارة لعدم الاطمئنان بصحة نظر الوصي والاطمئنان التام بنظر الناظر،
فيجعل على الوصي أن تكون أعماله بنظر الناظر فيكون الوصي وليا مستقلا في
التصرف لكنه غير مستقل في الرأي والنظر فلا يمضي من أعماله إلا ما وافق
نظر الناظر، فلو استبد الوصي بالعمل بنظره دون مراجعة الناظر واطلاعه
وكان عمله على طبق ما قرره الموصي فالظاهر صحة عمله ونفوذه على الأول
دون الثاني.
(مسألة 624) يجوز للأب مع عدم الجد وللجد للأب مع فقد الأب،
جعل القيم على الصغار، ومعه لا ولاية للحاكم، وليس لغير الأب والجد للأب
أن ينصب القيم عليهم حتى الأم.
(مسألة 625) يشترط في القيم على الأطفال ما يشترط في الوصي
على المال، والقول باعتبار العدالة هنا لا يخلو من قوة، وإن كان الاكتفاء
بالأمانة ووجود المصلحة غير بعيد.
(مسألة 626) إذا عين الموصي على القيم أن يتولى أمرا خاصا أو عين
له تصرفا مخصوصا اقتصر عليه ويكون أمره في غيره إلى الحاكم أو المنصوب
من قبله، فلو جعله قيما بالنسبة إلى حفظ أموال الصغير ونفقته، فليس له
الولاية على أمواله بالبيع والإجارة والمزارعة وغيرها، ولا على الصغير
بالإجارة ونحوها، ولا على ديونه بالوفاء والاستيفاء.
181

ولو أطلق وقال: فلان قيم على أولادي مثلا، كان وليا على جميع ما يتعلق
بهم مما كان للموصي الولاية عليه، فله الانفاق عليهم بالمعروف وحفظ
أموالهم واستثمارها، واستيفاء ديونهم وإيفاء ما عليهم كأرش ما أتلفوا من
أموال الناس، وكذا اخراج الحقوق المتعلقة بأموالهم وغير ذلك.
نعم الأحوط لغير الأب والجد عدم تزويج الصغير والصغيرة إلا مع
الضرورة.
(مسألة 627) يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد،
بالاستقلال والاشتراك، وجعل الناظر على الوصي، كالوصية بالمال.
(مسألة 628) ينفق الوصي على الصبي من غير إسراف ولا تقتير،
فيطعمه ويلبسه على عادة أمثاله ونظرائه، فإن أسرف ضمن الزيادة، ولو بلغ
فأنكر أصل الانفاق أو ادعى عليه الاسراف فالقول قول الوصي بيمينه، وكذا
لو ادعى عليه أنه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة. نعم لو اختلفا في دفع
المال إليه بعد البلوغ فادعاه الوصي وأنكره الصبي قدم قول الصبي إلا أن تكون
عند الوصي بينة.
(مسألة 629) يجوز للقيم الذي يتولى أمور اليتيم أن يأخذ من ماله
أجرة مثل عمله، سواء كان غنيا أو فقيرا، وإن كان الأحوط الأولى للأول
التجنب. وأما الوصي على الأموال، فإن عين الموصي مقدار المال الموصى به
وطبقه على مصرفه المعين المقدر بحيث لم يبق شيئا لأجرة الوصي، كما إذا
أوصى بأن يصرف ثلثه أو عينا معينة من تركته أو مقدارا من المال كألف
درهم في استيجار عشرين سنة عبادة كل سنة كذا مقدارا وإطعام خمسين فقيرا
بخمسين درهما، وتساوى المال الموصى به مع المصرف بحيث لو أراد أن يأخذ
شيئا لنفسه لزم إما الزيادة عن المال الموصى به أو النقصان في مصرفه المعين
فحينئذ لا يجوز له أن يأخذ الأجرة، ويكون مرجع هذه الوصية إلى أن يتولى
ذلك تبرعا وبلا أجرة. كما أنه لو نص الموصي في وصيته على عدم الأجرة
وقبل الوصي ذلك، لم يستحق شيئا.
182

وإن عين المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان كما لو أوصى أن
يصرف ثلثه أو مبلغ منه في تعمير المساجد ونشر الكتب، فيكون حال الوصي
حال متولي الوقف في أنه لو لم يعين له جعلا معينا جاز له أن يأخذ أجرة مثل
عمله.
(مسألة 630) الوصية جائزة من طرف الموصي، فله أن يرجع عن
وصيته ما دام فيه الروح وأن يبدلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفياتها
ومتعلقاتها، فله تبديل الموصى به كلا أو بعضا وتغيير الوصي والموصى له وغير
ذلك، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها، فلو أوصى بصرف ثلثه
في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثم بعد ذلك عدل عن وصاية زيد
وجعل الوصاية لعمرو يبقى أصل الوصية على حاله. وكذا لو أوصى بصرف
ثلثه في مصارف معينة على يد زيد ثم بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعين
مصارف أخر، وهكذا.
وكذلك له الرجوع في الوصية بالولاية على الأطفال.
(مسألة 631) يتحقق الرجوع عن الوصية بالقول، وهو كل لفظ دال
عليه بحسب متفاهم العرف بأي لغة كان، نحو (رجعت عن وصيتي أو أبطلتها أو
عدلت عنها أو نقضتها) ونحوها، وبالفعل وهو إما بإعدام موضوعها كإتلاف
الموصى به، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع أو جائز كالهبة مع القبض،
وإما بما يعد عند العرف رجوعا وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه، كما إذا
وكل شخصا على بيعه أو وهبه ولم يقبضه بعد.
(مسألة 632) إذا تمت الوصية تبقى على حالها ويعمل بها ما لم يرجع
الموصي، وإن طالت المدة، وكانت الوصية عند السفر الطويل أو في حال
المرض الشديد، ولو شك في الرجوع ولو بسبب الشك في كون لفظ
أو فعل رجوعا، يحكم ببقائها وعدم الرجوع، ويستصحب بقاء الوصية السابقة ما لم
يعلم أو لم يستظهر ولو بالقرائن أنها مقيدة بموته في ذلك السفر، ولم يعلم
183

رجوعه عنها.
نعم لو كانت مقيدة بموته في سفر كذا أو في مرض كذا ولم يتفق موته في
ذلك السفر أو في ذاك المرض، تبطل تلك الوصية ويحتاج إلى وصية جديدة.
(مسألة 633) لا تثبت الوصية بالولاية سواء كانت على المال أو على
الأطفال إلا بشهادة عدلين من الرجال، ولا تقبل فيها شهادة النساء لا
منفردات ولا منضمات إلى الرجال. وأما الوصية بالمال فهي كسائر الدعاوي
المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين وشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين،
وتمتاز من بين الدعاوي المالية بأمرين: أحدهما، أنها تثبت بشهادة النساء
منفردات بشرط عدالتهن ولو لم يكن أربع ولم تنضم اليمين، فيثبت ربع الوصية
بواحدة ونصفها باثنتين وثلاثة أرباعها بثلاث وتمامها بأربع. ثانيهما، أنها تثبت
بشهادة
رجلين ذميين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم وجود عدول المسلمين،
ولا تقبل شهادة غير أهل الذمة من الكفار.
(مسألة 634) إذا كان الورثة كبارا وأقروا كلهم بالوصية بالثلث وما
دونه لوارث أو أجنبي، أو بأن يصرف على الفقراء مثلا، تثبت في تمام الموصى
به ويلزمون بالعمل أخذا بإقرارهم ولا يحتاج إلى بينة، وإذا أقر بها بعضهم
دون بعض: فإن كان المقر اثنين عادلين ثبتت أيضا في الكل، وإلا ثبتت
بالنسبة إلى حصة المقر خاصة أخذا بإقراره، وأما بالنسبة إلى حصة الباقين
فيحتاج إلى البينة.
نعم لو كان المقر بالتمام عدلا واحدا وكانت الوصية بالمال لشخص أو
أشخاص كفى ضم يمين المقر له في إثبات التمام، بل لو كان المقر امرأة ثبتت في
ربع حصة الباقين إن كانت واحدة وفي نصفها إن كانتا اثنتين وفي ثلاثة أرباعها
إن كن ثلاثا وفي تمامها إن كن أربعا. وبالجملة بعدما كان المقر من الورثة
شاهدا بالنسبة إلى حصة الباقين كان كالشاهد الأجنبي، فيثبت به ما يثبت به.
184

(مسألة 635) إذا أقر الوارث بأصل الوصية كان كالأجنبي، فليس له
إنكار وصاية من يدعي الوصاية، ولا يسمع منه هذا الانكار كغيره. نعم لو
كانت الوصية متعلقة بالقصر أو العناوين العامة كالفقراء أو وجوه القرب
كالمساجد والمشاهد، أو الميت نفسه كاستيجار العبادات والزيارات له ونحو
ذلك، كان لكل من يعلم بكذب من يدعي الوصاية خصوصا إذا رأى منه
الخيانة، الانكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة، لكن الوارث
والأجنبي في ذلك سيان. نعم لا يبعد أولوية الوارث واختصاص حق الدعوى
به قبل غيره فيما إذا كانت الوصية متعلقة بأمور الميت.
(مسألة 636) إذا تصرف الانسان في مرض موته، فإن كان تصرفه
معلقا على موته، كما إذا قال أعطوا فلانا بعد موتي كذا، أو هذا المال المعين أو
ثلث مالي أو ربعه أو نصفه مثلا لفلان بعد موتي ونحو ذلك، فهو وصية، وقد
عرفت أنها نافذة مع اجتماع الشرائط ما لم تزد على الثلث، وفي الزائد تتوقف
على إجازة الورثة. وإن كان تصرفه منجزا، بمعنى كونه غير معلق على الموت
وإن كان معلقا على أمر آخر، فإن لم يكن مشتملا على المجانية والمحاباة كبيع
شئ بثمن المثل وإجارة عين بأجرة المثل فهو نافذ بلا إشكال، وإن كان
مشتملا على المجانية المحضة كالوقف والابراء والهبة غير المعوضة، أو غير
المحضة كالبيع بأقل من ثمن المثل والإجارة بأقل من أجرة المثل والهبة المعوضة
بما دون القيمة وغير ذلك، فالأقوى في هذا الفرض أيضا نفوذه مطلقا، وعدم
توقف ما زاد على الثلث على إمضاء الورثة.
(مسألة 637) إذا جمع في مرض الموت بين عطية منجزة ومعلقة
بالموت، فإن وفى الثلث بهما فلا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلقتا
به، وإن لم يف بهما فالأقوى أن المنجزة تخرج من الأصل وتخرج
المعلقة من ثلث ما بقي.
185

كتاب اليمين والنذر والعهد
اليمين
(مسألة 638) ويطلق على اليمين الحلف والقسم، وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: ما يقع تأكيدا للأخبار عما وقع في الماضي أو عن الواقع في الحال أو عما
سيقع في الاستقبال من غير التزام بإيقاعه، كأن يقول: والله جاء زيد بالأمس،
أو: هو في الدار، أو: سيجئ. الثاني: يمين المناشدة، وهي ما يقصد به الطلب
وحث المسؤول على إعطاء المطلوب، كقول السائل: أسألك بالله أن تعطيني كذا.
الثالث: يمين العقد، وهي ما يقع تأكيدا لما التزم به من إيقاع أمر أو تركه في
المستقبل، كقوله: والله لأصومن أو لأتركن شرب الدخان مثلا.
أما القسم الأول فلا ينعقد ولا يترتب عليه شئ سوى الإثم إذا كان
كاذبا في اخباره وعامدا، وكذا لا ينعقد القسم الثاني ولا يترتب شئ على
مخالفته، لا على الحالف ولا على المحلوف عليه.
وأما القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية، ويجب
الوفاء به ويحرم حنثه وتترتب عليه الكفارة.
(مسألة 639) لا تنعقد اليمين إلا باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة
الأخرس، وفي انعقادها بالكتابة للقادر على التكلم إشكال، وأما العاجز فلا
يترك الاحتياط بالبر في اليمين بالكتابة، والكفارة مع الحنث، والظاهر أنه
لا تعتبر فيها العربية، خصوصا في متعلقاتها.
186

(مسألة 640) لا تنعقد اليمين إلا إذا كان المقسم به هو الله جل شأنه،
إما بذكر اسمه العلم المختص به كلفظ الجلالة ويلحق به ما لا يطلق على غيره
كالرحمن، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصة به التي لا يشاركه فيها غيره
كقوله: ومقلب القلوب والأبصار، والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة، وأشباه ذلك، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق في
حقه تعالى وفي حق غيره، لكن الغالب إطلاقها في حقه بحيث ينصرف إطلاقها
إليه كقوله: والرب، والخالق، والباري، والرازق، والرحيم. وفي انعقادها بما لا
ينصرف إطلاقه إليه كالموجود والحي والسميع والبصير والقادر وإن نوى بها
الحلف بذاته المقدسة إشكال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 641) المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالى لا بغيره،
فكلما صدق عرفا أنه قد حلف به تعالى انعقدت اليمين به. والظاهر صدق ذلك
بأن يقول: وحق الله، وبجلال الله، وعظمة الله، وكبرياء الله، بل وبقوله: لعمر
الله، بل وبقوله: وقدرة الله، وعلم الله على الأحوط.
(
مسألة 642) لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه، بأن
يقول: والله أو بالله أو تالله لأفعلن، بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله:
أقسمت بالله أو حلفت بالله، انعقدت أيضا. نعم لا يكفي لفظي أقسمت
وحلفت بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
(مسألة 643) لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة عليهم السلام وسائر النفوس المقدسة المعظمة، ولا بالقرآن الشريف،
ولا بالكعبة المشرفة وسائر الأمكنة الشريفة المحترمة.
(مسألة 644) لا تنعقد اليمين بالطلاق، بأن يقول: زوجتي طالق إن
فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا، فلا تؤثر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق
بالحنث ولا في ترتب إثم أو كفارة عليه.
188

وكذا اليمين بالبراءة من الله أو من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو من
دينه أو من الأئمة، بأن يقول مثلا: برئت من الله أو من دين الاسلام إن فعلت
كذا أو إن لم أفعل كذا، فلا تؤثر في ترتب الإثم أو الكفارة على حنثه. نعم هذه
اليمين بنفسها حرام ويأثم حالفها، من غير فرق بين الصدق والكذب
والحنث وعدمه، ففي خبر يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام أنه قال:
يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا بري منا.
وفي خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمع رجلا يقول: أنا
بري من دين محمد، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ويلك إذا برئت من دين
محمد فعلى دين من تكون. قال: فما كلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
حتى مات. بل ينبغي مراعاة الاحتياط وتكفير الحالف إذا حنث بإطعام عشرة
مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله تعالى شأنه.
ومثل اليمين بالبراءة في عدم الانعقاد أن يقول: إن لم أفعل كذا أو لم أترك
فأنا يهودي أو نصراني مثلا، وأما في الإثم والكفارة فعلى الأحوط.
(مسألة 645) لو علق اليمين على مشيئة الله تعالى، بأن قال: والله
لأفعلن كذا إن شاء الله، وكان المقصود التعليق على مشيته تعالى لا مجرد
التبرك بهذه الكلمة، لم تنعقد اليمين، لكن الأحوط الأولى ترتيب أثر انعقادها
إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام. أما إذا علق على مشيئة غير
الله تعالى بأن قال: والله لأفعلن كذا إن شاء زيد مثلا، فإنها تنعقد على تقدير
مشيئته، فإن قال زيد: شئت أن تفعل كذا، انعقدت وتحقق الحنث بتركها، وإن
قال: لم أشأ لم تنعقد، وكذا لو لم يعلم أنه شاء أو لم يشاء. وكذا الحكم إذا علق
على شئ آخر غير المشيئة، فإنها تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه
ويحنث إذا لم يأت بالمحلوف عليه.
(مسألة 646) يعتبر في الحالف البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا
تنعقد يمين الصغير، والمجنون مطبقا أو أدواريا حال جنونه ولا المكره ولا
السكران، بل ولا الغضبان في شدة الغضب السالب للقصد.
189

(مسألة 647) الأقوى أنه يشترط في انعقاد يمين الولد إذن الوالد، وفي
يمين الزوجة إذن الزوج، إلا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك
حرام، فلو حلفا على مباح بدون اطلاع الوالد والزوج لم تنعقد اليمين من
أصلها، والأحوط (استحبابا) العمل باليمين ما لم يمنعا منها أو يحلاها.
(مسألة 648) تنعقد اليمين إذا تعلقت بفعل واجب أو مستحب أو بترك
حرام أو مكروه، ولا تنعقد إذا تعلقت بترك واجب أو مستحب أو بفعل حرام
أو مكروه. أما المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع، فإن ترجح فعله على
تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائية الدنيوية أو العكس فلا إشكال في
انعقادها إذا تعلقت بطرفه الراجح وعدم انعقادها إذا تعلقت بطرفه المرجوح.
وأما إذا تساوى طرفاه بحسب الدنيا أيضا وتعلقت به اليمين فعلا أو تركا،
فالأشهر والأحوط انعقادها، وهو لا يخلو من قوة.
(مسألة 649) إذا تعلقت اليمين براجح ثم صار مرجوحا، انحلت، ولو
عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى ولكن ينبغي الاحتياط
إذا عادت إلى الرجحان.
(مسألة 650) إنما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره، ولو كان مقدورا
ثم طرأ العجز عنه بعد اليمين بالمرة وكان العجز غير مستند إليه ولو بتسامحه في
الاتيان به عند ظن طرو العجز، انحلت اليمين، ويلحق بالعجز العسر والحرج
الرافعان للتكليف.
(مسألة 651) إذا انعقدت اليمين وجب الوفاء بها وحرمت مخالفتها،
ووجبت الكفارة بحنثها. والحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عمدا، فلو
خالفها جهلا بالموضوع أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها، فلا حنث ولا كفارة.
190

(مسألة 652) إذا كان متعلق اليمين فعلا كالصلاة والصوم، فإن عين له
وقتا تعين، ويتحقق الحنث بعدم الاتيان به في وقته، ولو أتى به في وقت
آخر. وإن أطلق ولم يعين له وقتا، كان الحنث بتركه بالمرة والوفاء بإيجاده في
أي وقت كان ولو مرة واحدة. ولا يجب التكرار ولا الفور. ويجوز له تأخيره
ولو اختيارا إلى أن يظن فواته لظن طرو العجز أو عروض الموت.
وإن كان متعلقها الترك، كما إذا حلف أن لا يأكل الثوم أو لا يشرب
الدخان، فإن قيده بزمان كان حنثها بفعله ولو مرة في ذلك الزمان، وإن
أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر، فلو أتى به ولو مرة في أي زمان، تحقق
الحنث.
(مسألة 653) إذا كان المحلوف عليه عملا كصوم يوم، سواء كان مقيدا
بزمان كصوم يوم من شعبان أو مطلقا من حيث الزمان، لم يكن له إلا حنث
واحد، فلا تتكرر فيه الكفارة، إذ مع الاتيان به في الوقت المعين أو مدة العمر
يتحقق الوفاء، ومع تركه في ذلك الوقت أو بالمرة يتحقق الحنث. وكذلك إذا
كان المحلوف عليه ترك عمل على الاطلاق، سواء كان مقيدا بزمان كما إذا
حلف على ترك شرب الدخان في يوم الجمعة، أو غير مقيد به كما إذا حلف
على تركه مطلقا، لأن الوفاء بهذه اليمين يكون بترك ذلك العمل بالمرة، وحنثها
بفعله أول مرة، ولا يتكرر الحنث والكفارة في المرات التالية. لكن إذا حلف
على أن يصوم كل خميس أو أن لا يأكل الثوم في كل جمعة مثلا، فالأقوى أنه
يتكرر الحنث والكفارة إذا ترك الصوم في أكثر من يوم خميس أو أكل الثوم في
أكثر من جمعة واحدة لأن ظاهر كل خميس أو جمعة الاستغراق، ومعه ينحل
اليمين إلى الأيمان.
(مسألة 654) كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو
كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام. وسيجئ بعض أحكامها في كتاب
الكفارات إن شاء الله تعالى.
191

(مسألة 655) الأيمان الصادقة كلها مكروهة ولو كانت على المستقبل،
وتتأكد الكراهة على الماضي. ففي خبر الخزاز عن مولانا الصادق عليه السلام:
لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنه يقول عز وجل (ولا تجعلوا الله عرضة
لأيمانكم) وفي خبر ابن سنان عنه عليه السلام: اجتمع الحواريون إلى
عيسى على نبينا وآله وعليه السلام فقالوا: يا معلم الخير أرشدنا،
فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين، وأنا آمركم أن لا
تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين.
نعم لو قصد بها رفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره من إخوانه، جازت
بلا كراهة ولو كذبا. ففي خبر زرارة عن الباقر عليه السلام: إنا نمر بالمال على
العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك؟
فقال: إحلف لهم، فهو أحلى من التمر والزبد.
بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه أو عن نفس مؤمن
أو عرضه، لكن إذا كان ملتفتا إلى التورية ويحسنها فالأحوط إن لم يكن
أقوى أن يوري، بأن يقصد باللفظ خلاف ظاهره من دون قرينة مفهمة.
(مسألة 656) الأقوى أنه يجوز الحلف بغير الله تعالى في الماضي
والمستقبل وإن لم يترتب على مخالفته إثم ولا كفارة، كما أنه ليس قسما فاصلا
في الدعاوي والمرافعات.
النذر
(مسألة 657) النذر هو الالتزام بعمل لله تعالى على نحو مخصوص.
ولا ينعقد بمجرد النية، بل لا بد من الصيغة، وهي كل ما أفاد إنشاء الالتزام
بفعل أو ترك لله تعالى، كأن يقول: لله علي أن أصوم، أو أن أترك شرب الخمر
، مثلا. والظاهر أنه يكفي غير لفظة (لله) من أسمائه المختصة به تبارك
192

وتعالى كما تقدم في اليمين، فكل ما دل على الالتزام بعمل لله جل شأنه يكفي
في الانعقاد، بل لا يبعد انعقاده بما يرادف القول المذكور من أي لغة، خصوصا
لمن لم يحسن العربية.
نعم لو اقتصر على قوله: علي كذا، لم ينعقد النذر وإن نوى في ضميره معنى لله،
ولو قال: نذرت لله أن أصوم مثلا أو لله على نذر صوم يوم مثلا، لم ينعقد على
إشكال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 658) يشترط في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء
الحجر في متعلق النذر، فلا ينعقد نذر الصبي وإن كان مميزا وبلغ عشرا، ولا
المجنون ولو أدواريا حال جنونه، ولا المكره ولا السكران، بل ولا الغضبان
غضبا رافعا للقصد، وكذا السفيه إن كان المنذور مالا ولو في ذمته، والمفلس
إن كان المنذور من المال الذي حجر عليه وتعلق به حق الغرماء.
(مسألة 659) لا يصح نذر الزوجة بدون إذن الزوج، حتى لو كان
متعلقا بمالها ولم يكن العمل به مانعا عن حق الاستمتاع. ولو أذن لها في النذر
فنذرت انعقد وليس له بعد ذلك حله ولا المنع عن الوفاء به.
والأقوى أن نذر الولد ينعقد بدون إذن الوالد ولكن له حله بأن ينهى عن
المنذور لا بما هو منذور، فيصير مرجوحا وينحل النذر إلا في فعل الواجب
وترك الحرام.
(مسألة 660) النذر: إما نذر بر، ويقال له: نذر المجازاة وهو ما علق
على أمر إما شكرا لنعمة دنيوية أو أخروية، كأن يقول: إن رزقت ولدا، أو إن
وفقت لزيارة بيت الله فلله على كذا. وإما استدفاعا لبلية، كأن يقول: إن شفى
الله مريضي فلله على كذا. وإما نذر زجر، وهو ما علق على فعل حرام أو
مكروه زجرا للنفس عن ارتكابهما مثل أن يقول: إن تعمدت الكذب أو أكلت
باليسرى فلله على كذا، أو على ترك واجب أو مستحب زجرا لها عن
193

تركهما، مثل أن يقول: إن تركت فريضة أو نافلة الليل فلله على كذا. وإما نذر تبرع، وهو
ما كان مطلقا ولم يعلق على شئ، كأن يقول: لله على أن أصوم غدا. ولا
إشكال في انعقاد النوعين الأولين، والأقوى انعقاد الأخير أيضا.
(مسألة 661) يشترط في متعلق النذر، سواء كان معلقا أو تبرعا، أن
يكون مقدورا للناذر، وأن يكون طاعة لله تعالى صلاة أو صوما أو حجا أو
صدقة أو عتقا ونحوها مما يعتبر في صحتها القربة، أو أمرا ندب إليه الشرع
ويصح التقرب به كزيارة المؤمنين وتشييع الجنائز وعيادة المرضى وغيرها،
فينعقد في كل واجب ولو كفائيا كتجهيز الموتى أو مندوب إذا تعلق بفعلهما،
وينعقد في كل حرام أو مكروه إذا تعلق بتركهما.
أما المباح، كما إذا نذر أكل طعام أو تركه، فإن قصد به معنى راجحا كما لو
قصد بأكله التقوي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة، فلا إشكال في
انعقاده، كما لا إشكال في عدم الانعقاد إذا صار متعلق النذر فعلا أو تركا
مرجوحا ولو دنيويا، بسبب اقترانه ببعض العوارض.
أما إذا لم يقصد به معنى راجحا ولم يطرأ عليه ما يوجب رجحانه أو
مرجوحيته، فالظاهر عدم انعقاد النذر به.
(مسألة 662) المعلق عليه في نذر الشكر إما أن يكون من فعل الناذر أو
من فعل غيره أو من فعل الله تعالى، ولا بد أن يكون في الجميع أمرا صالحا
لأن يشكر عليه حتى يقع المنذور مجازاة له، فإن كان من فعل الناذر فلا بد أن
يكون طاعة لله تعالى من فعل واجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه،
مثل أن يقول: إن حججت في هذه السنة أو زرت زيارة عرفة أو إن تركت الكبائر أو
المكروه الفلاني في شهر رمضان، فلله على أن أصوم شهرا، فلو علق النذر شكرا
على ترك واجب أو مندوب أو فعل حرام أو مكروه، لم ينعقد.
وإن كان من فعل غيره، فلا بد أن يكون مما فيه منفعة دينية أو دنيوية
194

للناذر، صالحة لأن يشكر عليها شرعا أو عرفا، مثل أن يقول: إن أقبل
الناس على الطاعات فلله على كذا أو يقول: إن قدم مسافري، أو إن لم يقدم
عدوي ومن يؤذيني فلله على كذا. فإن كان على عكس ذلك مثل أن يقول: إن
تجاهر الناس على المعاصي أو شاع بينهم المنكرات، فلله على صوم شهر مثلا، لم
ينعقد.
وإن كان من فعله تعالى لزم أن يكون أمرا يسوغ تمنيه ويحسن طلبه منه
تعالى كشفاء مريض أو اهلاك عدو ديني أو أمن في البلاد أو سعة على العباد
ونحو ذلك، فلا ينعقد إن كان على عكس ذلك، كما إذا قال: إن أهلك الله هذا
المؤمن الصالح، أو إن شفى الله هذا الكافر الطالح، أو قال: إن وقع القحط
في البلاد، أو شمل الخوف على العباد فلله على كذا.
وأما نذر الزجر فلا بد أن يكون الشرط والمعلق عليه فعلا أو تركا
اختياريا للناذر صالحا لأن ينزجر عنه حتى يقع النذر زاجرا عنه، كفعل
حرام أو مكروه كأن يقول: إن تعمدت الكذب، أو تعمدت الضحك في المقابر مثلا
فلله على كذا، أو ترك واجب أو مندوب كأن يقول: إن تركت الصلاة أو نافلة
الليل فلله على كذا.
(مسألة 663) إذا كان الشرط فعلا اختياريا للناذر فالنذر المعلق عليه
قابل لأن يكون نذر شكر ونذر زجر، والفرق بينهما بالنية، مثلا إذا قال: إن
شربت الخمر فلله على كذا، إن كان لغرض زجر النفس وصرفها عن الشرب فهو
نذر زجر فينعقد، وإن كان لتنشيط النفس وترغيبها وكان المنذور جزاءا لفعل
ذلك كان نذر شكر، فلا ينعقد.
(مسألة 664) إذا نذر صلاة أو صوما أو صدقة في زمان معين تعين،
وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان فلا يجزي في غيره وإن كان أفضل. وأما
لو نذرها في مكان ليس فيه رجحان فالأقوى انعقاده إذا تعلق النذر بالاتيان
بهذا الفرد من الصلاة.
195

ولو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض نوافله الراتبة في مكان أو بلد لا
رجحان فيه، ولم يتعلق النذر بأصل الصلاة والصيام بل تعلق بإيقاعهما في
المكان الخاص، فالظاهر عدم انعقاد النذر إلا إذا طرأ عليه عنوان راجح عند
العمل وكان معلوما له عند النذر، مثل كون المكان أفرغ للعبادة أو أبعد عن
الرياء ونحو ذلك.
(مسألة 665) إذا نذر صوما ولم يعين العدد كفى صوم يوم، وإذا نذر
صلاة ولم يعين الكيفية والكمية يكفي ركعتان ولا يكفي ركعة على الأقوى إن
كان المنذور غير الرواتب وإلا فلا يبعد كفاية مفردة الوتر. نعم في كفاية ركعة
الاحتياط تأمل.
ولو نذر صدقة ولم يعين جنسها ومقدارها كفى أقل ما يتناوله الاسم، ولو
نذر أن يفعل قربة أتى بعمل قربي ويكفي صيام يوم أو التصدق بشئ أو
صلاة، ولو مفردة الوتر، وغير ذلك.
(مسألة 666) إذا نذر صوم عشرة أيام مثلا، فإن قيد بالتتابع أو
التفريق تعين، وإلا تخير بينهما. ولو نذر صوم شهر لم يبعد ظهوره في التتابع،
ويكفي ما بين الهلالين من الشهر ولو ناقصا، وله أن يشرع فيه في أثناء الشهر،
وحينئذ فالأظهر كفاية التلفيق بأن يكمل من الشهر الثاني مقدار ما مضى من
الشهر الأول، والأحوط إكمال ثلاثين يوما. ولو نذر صوم سنة فالظاهر عدم
الفرق بينه وبين الشهر في وجوب التتابع، نعم لو نذر صوم اثني عشر شهرا
فالظاهر أنه يكفي الاتيان به متفرقا.
(مسألة 667) إذا نذر صيام سنة معينة، استثني منها العيدان فيفطر فيهما
ولا قضاء عليه. وكذا يفطر في الأيام التي عرض له فيها ما لا يجوز معه
الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر، لكن يحب القضاء على الأقوى.
نعم إذا نذر الصوم سفرا وحضرا، فله أن يسافر ويصوم في السفر.
196

(مسألة 668) إذا نذر صوم كل خميس مثلا فصادف بعضها أحد العيدين
أو طرأ فيها أحد العوارض المبيحة للافطار من مرض أو سفر أو حيض أو
نفاس، أفطر، ويجب عليه القضاء حتى في الأول على الأقوى.
(مسألة 669) إذا نذر صوم يوم معين فأفطر عمدا يجب قضاؤه مع
الكفارة.
(مسألة 670) إذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر وإن كان غير
ضروري، ويفطر ثم يقضيه ولا كفارة عليه.
(مسألة 671) إذا نذر زيارة أحد من الأئمة عليهم السلام أو بعض
الصالحين لزم، ويكفي الحضور والسلام على المزور، والظاهر عدم وجوب
غسل الزيارة وصلاتها مع الاطلاق وعدم ذكرهما في النذر. وإن عين إماما لم
يجز غيره وإن كانت زيارته أفضل. كما أنه لو عجز عن زيارة من عينه لم يجب
زيارة غيره بدلا عنه. وإن عين زمان الزيارة تعين، فلو تركها في وقتها عامدا
حنث وتجب الكفارة، والأحوط القضاء أيضا.
(مسألة 672) إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السلام ماشيا،
انعقد مع القدرة وعدم الضرر، فلو حج أو زار راكبا مع القدرة على المشي فإن
كان النذر مطلقا ولم يعين له وقتا أعاده ماشيا، وإن عين وقتا وفات الوقت
حنث ولزمته الكفارة، والأقوى وجوب القضاء أيضا، وكذا الحكم لو ركب
بعض الطريق ومشى بعضه.
(مسألة 673) ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشيا أن يركب البحر أو
يسلك طريقا يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور ونحوه، ولو
انحصر الطريق في البحر فإن كان كذلك من أول الأمر لم ينعقد النذر، وإن طرأ
ذلك بعد النذر فإن كان النذر مطلقا وتوقع التمكن من طريق البر فيما بعد
انتظر، وإن كان نذره معينا أو مطلقا ويئس من إمكان السفر في البر سقط عنه
ولا شئ عليه.
197

(مسألة 674) من نذر الحج أو الزيارة ماشيا إذا طرأ عليه العجز في
بعض الطريق دون البعض، فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يمشي مقدار ما
يستطيع ويركب في الباقي ولا شئ عليه، ولو اضطر إلى ركوب السفينة
فالأحوط إن لم يكن أقوى أن يقف فيها بقدر الامكان.
(مسألة 675) إذا نذر التصدق بعين شخصية تعينت، ولا يجزي مثلها أو
قيمتها مع وجودها، وإن تلفت بغير إتلاف منه انحل نذره ولا شئ عليه وإن
تلفت بإتلاف منه ضمنها بالمثل أو القيمة، فيتصدق ببدلها بل يكفر أيضا على
الأقوى.
(مسألة 676) إذا نذر الصدقة على شخص معين لزم، ولا يسقط عن
الناذر بإبراء المنذور له. والظاهر أنه لا يلزم على المنذور له القبول، فإذا امتنع
عن قبوله امتناعا دائما، انحل النذر، ولو امتنع ثم رجع إلى القبول في وقت
العمل بالنذر فالأقوى وجوب العمل به. وكذا إذا امتنع بعد انقضاء وقت
العمل على الأحوط. ولو مات الناذر قبل أن يفي بالنذر يخرج من أصل
تركته، وكذا كل نذر تعلق بالمال كسائر الواجبات المالية. ولو نذر أن يكون
مال معين صدقة على فلان بنحو نذر النتيجة، فمات قبل قبضه، فالأقوى قيام
وارثه مقامه.
(مسألة 677) إذا نذر شيئا لمشهد من المشاهد المشرفة، صرفه في
مصالحه كتعميره وضيائه وطيبه وفرشه وقوامه وخدامه ونحو ذلك، وإن
استغنى عن ذلك ففي معونة زواره. وأما لو نذر شيئا للإمام أو بعض أولاد
الأئمة كما لو نذر شيئا لأمير المؤمنين أو الحسين أو العباس عليهم السلام،
فالظاهر أن المراد صرفه في سبل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم، من غير فرق
بين الصدقة على المساكين وإعانة الزائرين ونحوهما من وجوه الخير كبناء مسجد
أو قنطرة، وإن كان الأحوط الاقتصار على معونة زوارهم وصلة من يلوذ بهم
من المجاورين المحتاجين والصلحاء من خدام مشاهدهم والمقيمين مجالس
198

تعازيهم. هذا إذا كان النذر مطلقا ولم يقصد الناذر جهة خاصة ولو بسبب
انصراف النذر إليها فإنه حينئذ يقتصر عليها.
(مسألة 678) إذا عين شاة للصدقة أو لأحد الأئمة أو المشاهد يتبعها
نماؤها المتصل كالسمن، وأما المنفصل كالنتاج واللبن، فالظاهر أنه ملك للناذر،
إلا إذا نذرها بنحو نذر النتيجة فيتبعها نماؤها.
(مسألة 679) إذا نذر التصدق بجميع ما يملكه لزم ذلك، فإن شق عليه
قوم الجميع بقيمة عادلة على ذمته وتصرف في أمواله كما يشاء ثم يتصدق عما
في ذمته شيئا فشيئا ويحسب منها ما يعطي إلى الفقراء والمساكين وأرحامه
المحتاجين، حتى يوفي تمام ما عليه، فإن بقي منه شئ أوصى بأن يؤدى من
تركته.
(مسألة 680) إذا عجز الناذر عن المنذور في وقته إذا كان موقتا، أو
عجز عنه مطلقا إذا كان مطلقا، انحل نذره ولا شئ عليه. نعم لو كان صوما
فعجز عنه تصدق عن كل يوم بمد من طعام على الأحوط الأولى، وأحوط منه
التصدق بمدين.
(مسألة 681) النذر كاليمين قد يكون معينا كما إذا تعلق بإيجاد عمل من
صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها وعين له وقتا، فيتحقق الحنث وتجب
الكفارة بتركه في ذلك الوقت، فإن كان صوما أو صلاة يجب قضاؤه أيضا على
الأقوى بل وإن كان غيرهما أيضا على الأحوط.
وقد يكون مطلقا فيكون وقته العمر ويجوز له التأخير إلى أن يظن بالوفاة
فيتضيق، ويتحقق الحنث بتركه مدة حياته.
وإذا كان المنذور ترك شئ فإن عين له وقتا كان حنثه بإيجاده فيه، وإن
كان مطلقا كان حنثه بإيجاده في حياته ولو مرة وحينئذ ينحل النذر، كما مر
في اليمين، إلا إذا نذر ترك جميع الأفراد بنحو الاستغراق فإنه يتكرر الحنث
والكفارة بتكرر الأفراد.
199

(مسألة 682) إنما يتحقق الحنث الموجب للكفارة بمخالفة النذر اختيارا،
فلو أتى بشئ تعلق النذر بتركه نسيانا أو جهلا بالموضوع أو اضطرارا، لم
يترتب عليه شئ. بل الظاهر عدم انحلال النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع
العذر لو كان النذر مطلقا أو مؤقتا وقد بقي الوقت.
(مسألة 683) إذا نذر: إن برئ مريضه أو قدم مسافره أن يصوم يوما
مثلا، فبان أن المريض بري أو أن المسافر قدم قبل النذر، لم يجب عليه وفاؤه
.
(مسألة 684) كفارة حنث النذر ككفارة من أفطر في شهر رمضان على
الأقوى، وستجئ في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى.
العهد
العهد
(مسألة 685) لا ينعقد العهد بمجرد النية بل يحتاج إلى الصيغة على
الأقوى، بأن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله، ويقع مطلقا ومعلقا على
شرط كالنذر، وإذا كان مشروطا فالظاهر أنه أن يعتبر فيه ما اعتبر في النذر
المشروط. ويعتبر فيما عاهد عليه أن لا يكون مرجوحا دينا أو دنيا كاليمين،
ولا يعتبر فيه الرجحان فضلا عن كونه طاعة كما اعتبر ذلك في النذر، فلو
عاهد على فعل مباح لزم كاليمين.
نعم إذا عاهد على فعل كان تركه أرجح أو على ترك أمر كان فعله أولى
ولو من جهة الدنيا لم ينعقد عهده. ولو لم يكن من أول الأمر كذلك ثم طرأ
عليه ذلك، انحل إذا لم يترقب زوال عنوان المرجوحية ولم يتسامح في العمل
بعهده قبل طروء تلك الحالة، خصوصا إذا كان في معرض ذلك، وإلا وجبت
عليه الكفارة.
(مسألة 686) مخالفة العهد بعد انعقاده توجب الكفارة، والأظهر أن
كفارته كفارة من أفطر في شهر رمضان، كما ستجئ في الكفارات.
كتاب الكفارات
200

كتاب الكفارات (مسألة 687) الكفارة على أقسام: مرتبة، ومخيرة، وما اجتمع فيه
الأمران، وكفارة الجمع.
أما المرتبة فهي ثلاث: كفارة الظهار، وكفارة قتل الخطأ يجب فيهما العتق،
فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا. وكفارة
من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وهي إطعام عشرة مساكين،
فإن عجز فصيام ثلاثة أيام متتابعات أو متفرقات، وإن كانت المتتابعات
أحوط.
وأما المخيرة فهي خمس: كفارة من أفطر في شهر رمضان كما مر في كتاب
الصوم، وكفارة حنث العهد، وكفارة حنث النذر، وكفارة جز المرأة شعرها في
المصاب، وكذا كفارة الاعتكاف على الأقوى، وإن كان الأحوط فيها الترتيب
.
والكفارة المخيرة هي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا مخيرا بينها على الأظهر.
وأما ما اجتمع فيه الأمران فهي: كفارة حنث اليمين، وكفارة نتف المرأة
شعرها وخدش وجهها في المصاب، وشق الرجل ثوبه في موت ولده أو
زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم
مخيرا بينها، فإن عجز عن الجميع صام ثلاثة أيام.
وأما كفارة الجمع فهي كفارة قتل المؤمن عمدا وظلما، وكفارة الافطار في
201

شهر رمضان بالمحرم على الأقوى، وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين
مع إطعام ستين مسكينا.
(مسألة 688) لا فرق في جز المرأة شعرها بين جز تمام شعر رأسها،
وجز بعضه بنحو يصدق عرفا أنها قد جزت شعرها، ولا فرق بين كونه في
مصاب زوجها ومصاب غيره، وبين القريب والبعيد، وإلحاق الحلق والاحراق
بالجز بعيد، وإن كان الاحتياط فيهما حسنا.
(مسألة 689) يكفي في خدش الوجه مسماه. نعم الظاهر أنه يعتبر فيه
الادماء، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الادماء، ولا بشق ثوبها وإن
كان على ولدها أو زوجها، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه ولا بجز شعره
ولا بشق ثوبه على غير ولده وزوجته. نعم لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى،
وفي شموله لولد الولد خصوصا ولد البنت إشكال فلا يترك الاحتياط. ولا
يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة، خصوصا لمن كانت مدتها طويلة كتسعين سنة.
أحكام الكفارات
(مسألة 690) يعتبر في الخصال الثلاث - العتق والصيام والاطعام - نية
القربة فيها وأنها كفارة، وأن يعين نوعها إذا كان عليه أنواع متعددة كأن يكون
عليه كفارة إفطار وكفارة يمين مثلا. نعم في المتعدد من نوع واحد يكفي قصد
النوع ولا يحتاج إلى تعيين آخر، فلو أفطر أياما من شهر رمضان من سنة أو
سنين متعددة، وصام شهرين بنية كفارة الافطار، كفى وإن لم يعين اليوم الذي
أفطر فيه. وإذا كان عليه كفارة ولا يدري نوعها كفى أن يأتي بإحدى الخصال
عما في ذمته.
(مسألة 691) بما أن موضوع العتق قد انتفى في زماننا - والحمد لله -
فيتحقق العجز عن الكفارة بالعتق لانتفاء موضوعها، ويتحقق العجز عن
202

صيام الكفارة بالمرض المانع منه أو بخوف حدوثه، أو زيادته، وبكون الصوم شاقا
عليه مشقة لا تتحمل فيتعين عليه الاطعام. والأرجح أن المدار في وجود المرض
خوف حدوثه أو زيادته على حالته الفعلية ولو مع رجاء الشفاء منه، فلا يعتبر
اليأس من الشفاء، نعم لو رجا البر بعد زمان قصير كيوم أو يومين يشكل
الانتقال إلى الاطعام.
وكيف كان فلو أخر الاطعام إلى أن بري من المرض وتمكن من الصوم
تعين عليه الصوم في مرتبته ولم يجز له الاطعام.
(مسألة 692) إذا اضطر في أثناء صوم الكفارة إلى السفر فلا يعتبر
عاجزا عن الصيام لعدم انقطاع التتابع بذلك، وكذا إذا حدث الحيض والنفاس.
(مسألة 693) المدار في العجز والقدرة حال الأداء لا حال الوجوب،
فلو كان عند وجوب الكفارة قادرا على بعض الخصال عاجزا عن بعضها
الآخر، ثم صار بالعكس، صار فرضه ما يقدر عليه فعلا. وإن كان آثما في
التأخير مع القدرة إذا كان في معرض طرو العجز.
(مسألة 694) إذا عجز عن الصيام فشرع في الاطعام ولو لفرد واحد ثم
تمكن من الصيام، لم يلزمه الرجوع إليه ويكفيه إتمام الاطعام.
(مسألة 695) يجب التتابع في الصوم الشهرين تعيينا وتخييرا، وفي صوم
كفارة اليمين على الأقوى، وفي صوم بقية الكفارات على الأحوط. ومعنى التتابع
أن لا يتخلل بين أيامه الافطار ولا صوم آخر غير الكفارة فإن أخل بالتتابع
وجب الاستئناف، ولا يجوز الشروع في الصوم من زمان يعلم بوجوب صوم
آخر بين أيامه، فلو شرع في صيام ثلاثة أيام قبل شهر رمضان أو قبل خميس
معين نذر صومه بيوم أو يومين لم يجز، بل وجب استينافه.
203

(مسألة 696) إذا وقع الافطار أثناء صوم الكفارة لعذر كالاكراه أو
الاضطرار، أو عروض المرض أو الحيض أو النفاس، لم يضر به. وكذا السفر
إذا كان ضروريا لا اختياريا، وكذا إذا نسي النية حتى فات وقتها، بأن
تذكرها بعد الزوال. وكذا إذا نسي فنوى صوما آخر ولم يتذكر إلا بعد الزوال،
وكذا تخلل الصوم
المنذور كما لو كان نذر صوم كل خميس فوجب عليه كفارة صوم شهرين
متتابعين، أما في صوم الثلاثة أيام فيجب عليه الشروع في زمان لا يتخلل فيه
الصوم المنذور، فإن أخل به وجب الاستئناف.
(مسألة 697) يكفي في تتابع الشهرين في الكفارة المرتبة والكفارة
المخيرة صيام شهر ويوم متتابعا، ويجوز له التفريق في البقية ولو اختيارا لا
لعذر، فيجوز له الشروع فيه قبل شعبان بيوم مثلا، ولا يجوز له الاقتصار على
شعبان لتخلل شهر رمضان قبل إكمال شهر ويوم.
(مسألة 698) إذا شرع في صيام الشهرين أول الشهر يجزي هلاليان وإن
كانا ناقصين، وإن شرع أثناء الشهر فالأقوى كفاية تكميل ما أفطر من الأول
من الشهر الثاني ثم الشروع في الثاني وتكميل ما احتسبه للأول من الثالث،
سواء كانا تامين أو ناقصين أو مختلفين، وإن كان الأحوط (استحبابا) في
الناقص جعله ثلاثين يوما. ويتعين جعله ثلاثين إذا تخلل الصوم ما لا يضر
بالتتابع كالحيض.
(مسألة 699) يتخير في الاطعام الواجب في الكفارة بين إشباع المساكين
وإعطائهم، ويجوز إشباع البعض والتسليم إلى البعض، ولا يتقدر الاشباع
بمقدار بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قل أو كثر، أما التسليم فلا بد أن
يكون لكل منهم مد من طعام لا أقل، والأفضل بل الأحوط مدان. ولا بد في
كل من النحوين كمال العدد ستين أو عشرة، فلا يجزي إشباع ثلاثين أو خمسة
مرتين، أو تسليم الواحد منهم مدين. ولا يجب الاجتماع لا في
204

التسليم ولا في الاشباع، فلو أطعم ستين مسكينا في أوقات متفرقة من بلاد مختلفة، ولو كان
البعض في سنة والبعض في سنة أخرى، كفى.
(مسألة 700) الواجب في إشباع الفقير مرة، وإن كان الأفضل إشباعه
في يومه وليله غداة وعشاءا.
(مسألة 701) يجزي في الاشباع كل ما يتعارف التغذي والتقوت به
لغالب الناس من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة، ومن الخبز المتعارف
من أي جنس كان، وإن كان بلا إدام، والأفضل أن يكون مع الإدام وهو كل
ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامدا أو مائعا وإن كان خلا أو ملحا أو
بصلا، وكل ما كان أفضل كان أفضل وإن كان الأحوط في كفارة اليمين أن
لا يكون أدون مما يطعمون أهليهم. ويجزي في التسليم بذل ما يسمى طعاما نيئا
أو مطبوخا من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأرز وغير ذلك، والأحوط
الحنطة أو دقيقها، ويجزي التمر والزبيب تسليما وإشباعا.
(مسألة 702) التسليم إلى المسكين تمليك له كسائر الصدقات، فيملك ما
قبضه ويفعل به ما شاء، ولا يتعين عليه صرفه في الأكل.
(مسألة 703) يتساوى الصغير والكبير إن كان إعطاء الكفارة بنحو
التسليم فيعطى الصغير مدا من الطعام كما يعطي الكبير، نعم يلزم في الصغير
التسليم إلى الولي. وإن كان إعطاء الكفارة بنحو الاشباع فالأحوط (وجوبا)
احتساب صغيرين بكبير واحد، فيلزم إشباع مائة وعشرين بدل ستين،
وعشرين بدل عشرة وأحوط منه (استحبابا) الاقتصار على الكبائر. والظاهر
أنه لا يعتبر في إشباع الصغير إذن الولي.
(مسألة 704) يجوز إعطاء كل مسكين أكثر من مد من كفارات
متعددة، من غير فرق بين الاشباع والتسليم، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له
205

إشباع ستين شخصا معينين في ثلاثين يوما، أو تسليم ثلاثين مدا من طعام
لكل واحد منهم وإن وجد غيرهم.
(مسألة 705) إذا تعذر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره، وإن
تعذر انتظر، ولو وجد بعض العدد كرر على الموجود حتى يستوفي المقدار،
ويقتصر في التكرار على مقدار التعذر، فلو تمكن من عشرة كرر عليهم ست
مرات، ولا يجوز حينئذ التكرار على خمسة اثنتي عشرة مرة. والأحوط عند
تعذر العدد الاقتصار على الاشباع دون التسليم، وأن يكون في أيام متعددة.
(مسألة 706) المراد بالمسكين في مصرف الكفارة الفقير الذي يستحق
الزكاة، وهو من لا يملك قوت سنته لا فعلا ولا قوة، ويشترط فيه الاسلام بل
الايمان على الأحوط، ومع عدم وجودهم يعطى الضعفاء من غير أهل الولاية
إلا الناصب، وأن لا يكون ممن تجب نفقته على الدافع كالوالدين والأولاد
والزوجة الدائمة دون المنقطعة ودون سائر الأقارب والأرحام حتى الإخوة
والأخوات، ولا يشترط فيه العدالة ولا عدم الفسق. نعم لا يعطى المتجاهر
بالفسق الذي ألقى جلباب الحياء، والأحوط الاقتصار في إعطاء غير الهاشمي
إلى الهاشمي على مورد الاضطرار الذي يحل معه أخذ الزكاة.
(مسألة 707) يعتبر في الكسوة في الكفارة أن تكون لباسا عرفا، من
غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن ممزقا أو مرقعا أو باليا بحيث لا يصلح
للاستعمال، فلا تكفي الكسوة بالعمامة والقلنسوة والحزام والخف والجورب،
والأحوط عدم الاكتفاء بثوب واحد خصوصا بمثل السراويل أو القميص
القصير. بل لا تكون أقل من قميص مع سراويل إلا عند عدم القدرة على
الثوبين فلا تبعد كفاية ثوب واحد يكسو ظهره ويواري عورته. ويعتبر فيها
العدد كالاطعام، فلو كرر على واحد مرات لم تحسب له إلا واحدة.
ولا فرق في المكسو بين الذكر والأنثى، والأحوط في الأنثى أن يوارى ما
يحرم منها كشفه، والأحوط (وجوبا) عدم الاكتفاء بكسوة غير البالغ.
والظاهر اعتبار كونها مخيطا أو مثل المخيط، فلو سلم إليه الثوب غير مخيط
لم يكن مجزيا. نعم الظاهر أنه لا بأس بأن يدفع له أجرة الخياطة ليخيطه
ويلبسه، ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس.
206

ولا فرق في جنسه بين كونه من صوف أو قطن أو كتان أو قنب أو حرير،
وفي الاجتزاء بالحرير المحض للرجال إشكال. ولو تعذر تمام العدد كسا
الموجود وانتظر الباقي.
(مسألة 708) لا تجزي القيمة في الكفارة لا في الاطعام ولا في الكسوة،
بل لا بد في الاطعام من بذل الطعام إشباعا أو تمليكا وكذلك في الكسوة. نعم
لا بأس بأن يدفع القيمة إلى المستحق ويوكله أن يشتري بها طعاما فيأكله أو
كسوة فيلبسها، لكن لا تسقط الكفارة إلا بالأكل واللبس أو التملك، فلو شك
يجب الفحص حتى يحصل له اليقين أو الحجة بالطريق المعتبر.
(مسألة 709) إذا وجبت عليه كفارة مخيرة لا يجزيه أن يكفر بنوعين،
بأن يصوم شهرا ويطعم ثلاثين في كفارة شهر رمضان، أو يطعم خمسة ويكسو
خمسة مثلا في كفارة اليمين. نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها،
كما لو أطعم بعض العدد طعاما خاصا وبعضه غيره، أو كسا بعضهم ثوبا من
جنس وبعضهم من جنس آخر، بل يجوز في الاطعام أن يشبع بعضا ويسلم
إلى بعض كما مر.
(مسألة 710) لا بدل شرعا للعتق في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة أو
كفارة جمع، فإن تعذرت سقطت. أما إذا تعذر عليه صيام شهرين متتابعين
والاطعام كليا فيصوم ثمانية عشر يوما في الظهار وفي غيره على الأحوط،
فإن عجز صام ما استطاع، أو تصدق بما وجد، فإن عجز عن ذلك استغفر
207

الله تعالى ولو مرة. أما كفارة إفطار شهر رمضان فالأحوط فيها للعاجز عن
الخصال الثلاث
التصدق بما يطيق، ومع العجز عنه فالأحوط (وجوبا) الجمع بين الممكن من
الصوم والاستغفار، ومع العجز يكفي الاستغفار ولو مرة واحدة. والأحوط
(وجوبا) في صوم الثمانية عشر يوما التتابع.
(مسألة 711) الظاهر أن وجوب الكفارات موسع، فلا تجب المبادرة
إليها، ويجوز التأخير ما لم يؤد إلى حد التهاون. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط
بالتعجيل.
(مسألة 712) يجوز التوكيل في اخراج الكفارات المالية وأدائها، ويتولى
الوكيل النية إذا كان وكيلا في الاخراج، والأحوط للمالك أن يتولى النية حين
دفعها للوكيل وأن يستمر في نيته إلى حين دفع الوكيل. وأما الكفارات البدنية
فلا يجري فيها التوكيل، ولا تجوز فيها النيابة على الأقوى، إلا عن الميت.
(مسألة 713) الكفارات المالية بحكم الديون، فإذا مات من وجبت عليه
تخرج من أصل المال، وأما البدنية فلا يجب على الورثة أداؤها ولا اخراجها
من التركة ما لم يوص بها الميت، فتخرج من ثلثه. نعم الأقوى وجوبها على
الولي وهو الولد الأكبر إذا كان تعين على الميت الصيام، وأما إذا تعين عليه
غيره كالاطعام أو كانت مخيرة وكان متمكنا من الصيام والاطعام فلا يجب
على الولي، بل يخرج مقدار الطعام من التركة.
208

كتاب الصيد والذباحة
أحكام الصيد
(مسألة 714) يذكى الحيوان ويحل أكل الحلال منه بالذبح على النحو
المعتبر شرعا، ويذكى أيضا بالصيد كما سيأتي، والصيد يكون بواسطة الحيوان
أو بواسطة آلة.
(مسألة 715) لا يحل من صيد الحيوان ومقتوله إلا ما كان بالكلب
المعلم، سواء كان سلوقيا أو غيره، أسود أو غيره، فلا يحل صيد بقية جوارح
السباع كالفهد والنمر وغيرهما، وجوارح الطير كالبازي والعقاب والباشق
وغيرها، وإن كانت معلمة. فما يأخذه الكلب المعلم ويقتله بالعقر أو بالجرح
مذكى حلال أكله من غير ذبح، فيكون عض الكلب وجرحه لأي موضع من
الحيوان بمنزلة ذبحه.
(مسألة 716) يعتبر في حلية صيد الكلب أن يكون معلما للاصطياد، و
يعرف أنه معلم بأن يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره، بل لا يبعد كفاية
الانزجار قبل الارسال في علامة كونه معلما، فلا يضر عدم انزجاره بعده.
209

(مسألة 717) يشترط في حلية صيد الكلب أمور:
الأول: أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون
إرسال لم يحل مقتوله. وكذا على الأحوط لو أغراه صاحبه بعد استرساله ولو
أثر إغراؤه، بأن زاد في عدوه بسببه. وكذا لو أرسله لأمر آخر من دفع عدو أو
طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا مثلا وصاده. والمعتبر قصد الجنس لا
الشخص، فلو أرسله قاصدا صيد غزال فصادف غزالا آخر وأخذه وقتله كفى
في حله، وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده وغيره، حلا معا.
الثاني: أن يكون المرسل مسلما أو بحكمه كالصبي الملحق به إن كان مميزا،
فلا يحل لو أرسله غير المميز، وكذا يشترط أن يكون عاقلا فلا يحل لو أرسله
المجنون. ولا يحل صيده إذا أرسله الكافر بجميع أنواعه، أو من كان بحكمه
كالنواصب.
الثالث: أن يذكر اسم الله عند إرساله، فلو ترك التسمية عمدا لم يحل صيده،
وإذا نسي حين الارسال ولم يتذكر أو تذكر قبل الإصابة وسمى، فالأقوى
حليته، وأما إذا ترك التسمية عند الارسال عمدا ثم سمى قبل الإصابة،
فالاكتفاء بها مشكل فلا يترك الاحتياط.
ا لرابع: أن يكون موت الحيوان مستندا إلى جرحه وعقره، فلو كان بسبب
صدمه أو خنقه أو إتعابه في العدو أو لشدة خوفه، لم يحل.
الخامس: أن لا يدرك صاحب الكلب الصيد حيا ويتمكن من تذكيته، فإن
لحق به بعدما أخذه وعقره وسلبه القدرة على الفرار، فإن أدركه ميتا كان
ذكيا وحل أكله، وكذا إن وجده حيا ولم يتسع الوقت لذبحه فمات، أما إن
اتسع لذبحه فلا يحل إلا بالذبح. وأدنى ما تدرك به ذكاته أن يجده يطرف بعينه
أو يركض برجله أو يحرك ذنبه أو يده ويتسع الوقت لذبحه فلو تركه حتى مات
كان ميتة. ويلحق بعدم اتساع الوقت ما إذا اتسع ولكن كان عدم الذبح بسبب
غير تقصيره، كما إذا لم يمكنه الحيوان من ذبحه حتى مات ونحو
210

ذلك، ولا يلحق
بعدم اتساع الوقت ما لو لم يكن عنده سكين على الأحوط إن لم يكن أقوى،
وكذا لو كان عنده ولم يمكنه استعماله لمانع كبرودة الهواء ونحوه بحيث لو لم يكن
ذلك المانع لأدرك تذكيته بالنحو المتعارف.
(مسألة 718) الظاهر أنه لا يجب على مرسل الكلب المسارعة إلى الصيد
من حين الارسال أو من حين إصابة الكلب الصيد ما دام على امتناعه وإن
كان أحوط، بل تجب المسارعة من حين إيقاف الكلب الصيد، فإذا أحس
بإيقافه إياه وعدم امتناعه وجبت عليه حينئذ المسارعة العرفية حتى إذا أدركه
حيا ذبحه، فلو لم يسرع ثم أدركه ميتا لم يحل أكله. أما إذا لم يحتمل ترتب أثر
على مسارعته لعلمه بعدم إدراكه حيا فلا تجب المسارعة ويحل أكله، نعم إذا
كان عدم ترتب الأثر لعدم وجود ما يذبح به فلا يترك الاحتياط بالاجتناب
عنه، وكذا لو توقف إحراز كون موته بسبب عقر الكلب لا بسبب آخر على
المسارعة إليه لزمت لأجل ذلك.
(مسألة 719) لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب
، فلو أرسل جماعة كلبا واحدا، أو أرسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت
صيدا، حل أكله، ما دام الاصطياد واجدا للشروط المعتبرة شرعا، فلو كان
المرسل
اثنين أحدهما مسلم والآخر كافر، أو سمى أحدهما دون الآخر، أو أرسل
كلبان أحدهما معلم والآخر غير معلم، لم يحل.
(مسألة 720) لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلا ما قتله
السيف والسكين والخنجر ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدها، أو الرمح
والسهم والنشاب مما يشكه بحده حتى العصا التي في طرفها حديدة محددة،
سواء صنع حدها كالنصل أو صنع قاطعا أو شائكا. بل لا يبعد عدم اعتبار
كون الآلة من الحديد فيكفي أن تكون سلاحا قاطعا أو شائكا من أي فلز
كانت حتى الصفر والذهب والفضة وحتى الخشب إذا صنعت منه آلة الصيد.
211

نعم الأحوط عدم حلية المقتول بغير السلاح الذي صنع للصيد كالمخيط والسفود.
والظاهر أنه لا يعتبر في المقتول بآلة الصيد ظهور الجرح فيه فلو قتل بالرمي أو
الطعن ولم يظهر فيه أثر حل.
(مسألة 721) لا يحل المقتول بالآلة غير المحددة ولا بمثل الحبالة والشبكة
والشرك ونحوها، ولا المقتول بالحيوان غير الكلب كالفهد والنمر والبازي
ونحوها، إلا إذا أدرك ذكاته وذكاه.
(مسألة 722) لا يبعد حلية ما قتل بالآلة المعروفة بالبندقية، إذا
سمى الرامي وكانت نافذة خارقة واجتمعت بقية الشرائط، خصوصا إذا
كان رصاصها يشبه المخروط وليس كرويا.
(مسألة 723) لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد ولا
وحدة الآلة، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسميا معا فقتلا صيدا
حل إذا اجتمعت الشرائط في كليهما، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ورماه
آخر بسهم فقتل بهما، حل أيضا.
(مسألة 724) يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما يشترط في الصيد
بالحيوان، من كون الصائد مسلما والتسمية عند استعمال الآلة، وأن يكون
استعمال الآلة للاصطياد فلو رمى إلى هدف أو إلى عدو أو إلى خنزير فأصاب
غزالا فقتله لم يحل، حتى لو كان سمي عند الرمي لغرض من الأغراض، وكذا
لو أفلت السهم من يده مثلا فأصاب صيدا فقتله.
وكذا يشترط أن لا يدركه حيا في زمان يتسع للذبح، فلو أدركه كذلك لم
يحل إلا بالذبح. وقد تقدم حكم المسارعة بعد إيقاف الصيد، وأن تستقل الآلة
المحللة في قتل الصيد، فلو شاركها فيه غيرها لم يحل كما لو سقط بعد إصابته
من جبل أو وقع في الماء ومات بسبب كليهما، وكذا إذا لم يعلم استقلال
إصابته في قتله، وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وسمى أحدهما ولم يسم
الآخر، أو كان أحدهما مسلما دون الآخر.
212

(مسألة 725) لا يشترط في حلية الصيد إباحة الآلة، فيحل الصيد
بالكلب أو السهم المغصوبين، وإن فعل حراما وعليه الأجرة، ويملكه الصائد
دون صاحب الآلة.
(مسألة 726) الحيوان الذي يحل بصيده بالكلب والآلة مع اجتماع
الشرائط، هو الحيوان الممتنع المستوحش، سواء كان كذلك بالأصل كالحمام
والظبي وبقر الوحش أو كان أليفا فتوحش أو استعصى كالبقر العاصي
والبعير الصائل، وضابطه ما لا يقدر عليه غالبا إلا بالعلاج، فلا تقع التذكية
بالصيد على الحيوان الأهلي المستأنس، سواء كان استيناسه أصليا كالدجاج أو
عارضا كالغزال المستأنس.
ولا تقع التذكية على ولد الوحشي قبل أن يقدر على العدو وفرخ الطير قبل
أن يطير، فلو رمى طائرا وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما، حل الطائر دون
الفرخ.
(مسألة 727) الظاهر أن التذكية بالصيد تقع أيضا على غير مأكول اللحم
القابل للتذكية، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به، لكن لا ينبغي ترك
الاحتياط فيه خصوصا في صيد الكلب.
(مسألة 728) إذا قطعت الآلة الحيوان قطعتين أو أكثر، فإن كانت الآلة
غير محللة للصيد فالجز الذي فيه الرأس ومحل التذكية يحل بالتذكية، أما بقية
الأجزاء فهي ميتة انفصلت من حي. وإن كانت الآلة محللة للصيد فإن زالت
الحياة عن القطع كلها بالضرب بها، حلت جميعا، وكذا إن بقيت الحياة في
القطعة التي فيها الرأس ومحل التذكية ولم يتسع الوقت للتذكية، أما إذا اتسع
الوقت فتحل هذه القطعة بالتذكية، والمفصول من الحي ميتة كما تقدم.
(مسألة 729) يملك الحيوان والطير الوحشيان بأحد أمور ثلاثة:
أحدها: وضع اليد عليه وأخذه بنية الاصطياد والتملك، أخذا حقيقيا كأن
يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو يشده بحبل ونحوه
213

ثانيها: أن يقع في آلة يصطاد بها عادة كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا
نصبها لذلك.
ثالثها: أن يسبب له ما يجعله غير قادر على الامتناع كأن يرميه فيجرحه
جرحا يمنعه من العدو أو يكسر جناحه فيمنعه من الطيران، سواء كان ذلك
بآلة محللة للصيد كالسهم والكلب المعلم أو بغيرها كالحجر والخشب والفهد
والباز والشاهين وغيرها. ويعتبر أيضا أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد
والتملك، فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه الرامي، فلو أخذه
شخص آخر بقصد التملك، ملكه.
(مسألة 730) الظاهر أنه يلحق بآلة الصيد كل ما كان وسيلة لاثبات
الحيوان وسلب امتناعه، ولو بحفر حفيرة ليقع فيها أو بإجراء الماء على أرض
ليتوحل فيها. أما فتح باب البيت وإلقاء الحب فيه لتدخل العصافير ونحوها
فيشكل حصول تملكها بمجرد دخولها الباب بل لا بد من القبض باليد أو بآلة
بنية التملك. ولو عشش الطير في داره لم يملكه بمجرد ذلك، وكذا لو توحل
حيوان في أرضه التي لم يجعلها موحلة لأجل ذلك. فلو أخذه انسان من
العش في داره أو أرضه ملكه، وإن عصى في دخول داره أو أرضه بغير إذنه.
(مسألة 731) إذا ركض خلف حيوان حتى أعياه ووقف عن العدو لم
يملكه ما لم يأخذه، فلو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه.
(مسألة 732) إذا وقع حيوان في شبكة منصوبة للاصطياد فانفلت منها لم
يملكه ناصبها، وكذا لو انفلت بها وبقي ممتنعا، فلو صاده غيره ملكه ورد
الشبكة إلى صاحبها. أما إذا كان غير ممتنع بها فهو لناصبها، حتى لو انفلت منها
بسبب خارجي، فلو أخذه غيره وجب رده إليه.
(مسألة 733) إذا رمى حيوانا فجرحه لكن لم يخرجه عن الامتناع فدخل
دارا فأخذه صاحب الدار، ملكه بأخذه لا بدخول الدار، كما أنه لو رماه ولم
يثبته فرماه شخص آخر فأخذه أو أثبته فهو للثاني.
214

(مسألة 734) إذا أطلق الصائد صيده من يده فإن لم يقصد الاعراض
عنه لم يخرج عن ملكه ولا يملكه غيره باصطياده، وإن قصد الاعراض وزوال
ملكه عنه فالظاهر أنه يصير كالمباح ويجوز لغيره اصطياده ويملكه، وليس
للأول الرجوع به عليه على الأقوى.
(مسألة 735) إنما يملك الحيوان طيرا كان أو غيره بالاصطياد إذا لم يعلم
كونه ملكا للغير ولو بوجود أمارة على الملك فيه، كالطوق في عنقه أو القرط
في أذنه أو الحبل في أحد قوائمه أو قص جناحه. أما إذا علم أنه ملك للغير ولو
بهذه الأمارات فيجب حينئذ رده إلى صاحبه إن عرفه، وإن لم يعرفه يكون
بحكم اللقطة ومجهول المالك.
(مسألة 736) إذا صنع برجا لتعشيش الحمام فعششت فيه لم يملكها،
خصوصا إذا كان غرضه غير التملك كحيازة ذرقها مثلا، فيجوز لغيره أن
يملكها بالصيد، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها وإن أثم لعدم استئذان
مالكه، وكذلك إذا عشش الطير في بئر مملوك، فلا يملكها صاحب البئر.
(مسألة 737) الظاهر أنه يكفي في تملك النحل غير المملوكة أخذ أميرها،
فمن أخذ أميرها ملكه وملك كل ما يتبعه من النحل التي تسير بسيره وتقف
بوقوفه، وتدخل الخلية وتخرج منها بدخوله وخروجه، ولا تكون مستعصية
أو متحيرة.
(مسألة 738) ذكاة السمك إما باخراجه من الماء حيا، أو بأخذه بعد
خروجه منه قبل موته، سواء كان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها، فلو
وثب إلى اليابسة أو نبذه الماء إلى الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه،
وأخذه انسان قبل أن يموت حل، ولو مات قبل الأخذ حرم وإن أدركه حيا
ناظرا إليه على الأقوى.
(مسألة 739) لا يشترط في تذكية السمك التسمية، كما أنه لا يعتبر في
صائده الاسلام، فلو أخرجه كافر أو أخذه، فمات بعد أخذه خارج الماء
215

حل، سواء كان كتابيا أو غيره. نعم لو وجده في يده ميتا لم يحل أكله ما لم يعلم
أنه قد مات خارج الماء بعد اخراجه أو أخذه قبل موته، ولا يحرز ذلك بكونه
في يده ولا بقوله لو أخبر به، بخلاف ما إذا كان في يد مسلم وعامله معاملة
الحلال، فإنه يحكم بتذكيته حتى يعلم خلافها.
(مسألة 740) إذا وثبت سمكة من البحر مثلا إلى السفينة لم تحل ما لم
تؤخذ باليد، فمن أخذها ملكها سواء كان السفان أو صاحب السفينة أو غيرهما.
نعم لو قصد صاحب السفينة الصيد وعمل شيئا ليثب السمك إلى سفينته فيملكه
بذلك ويكون وثوبه فيها بسبب هذا الصنع بمنزلة اخراجه حيا فتكون تذكيته
بذلك.
(مسألة 741) إذا نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك
فما يحتبس فيهما يملكه، فإن أخرجها من الماء وكان السمك فيها حيا حل، وكذا
لو نضب الماء بسبب جزره مثلا فمات السمك بعد ذلك. أما لو مات في الماء فلا
تبعد حليته أيضا، وإن كان الأحوط عدم ترتيب آثار الحلية. وكذا لو أخرج
الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها من السمك أو كله ميتا ولم يدر أنه مات في
الماء أو بعد خروجه، لا يبعد حلية أكله أيضا.
(مسألة 742) إذا أخرج السمك من الماء حيا ثم أعاده إلى الماء مربوطا
أو مطلقا فمات فيه، حرم.
(مسألة 743) إذا طفا السمك على الماء وزال امتناعه بسبب من
الأسباب، فإن أدركه وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن يموت، حل، وإن
مات على الماء حرم، وإن ألقى أحد في الماء دواء بقصد الاصطياد والتملك فأثر
في السمك وصار على وجه الماء ملكه الملقي ولو بدون أخذ على احتمال قوي و
لا يملكه غيره بالأخذ، لأنه كإثبات صيد البر وإزالة امتناعه بالرمي، وكذا لو
رمى السمك بالرصاص مثلا فطفا على الماء وفيه حياة، بل الأمر فيه أقوى.
216

(مسألة 744) لا يعتبر في حلية السمك بعد اخراجه من الماء حيا أو
أخذه بعد خروجه حيا أن يموت خارج الماء بنفسه، فلو مات بالتقطيع، بل
لو شواه حيا حل أكله، بل لا يعتبر في حله الموت من أصله، فيحل بلعه حيا،
بل لو قطع منه قطعة وأعيد الباقي إلى الماء حل ما قطعه، سواء مات الباقي في
الماء أم لا. نعم لو قطع منه قطعة وهو في الماء حي أو ميت، لم يحل ما قطعه
.
(مسألة 745) ذكاة الجراد أخذه حيا، سواء باليد أو بالآلة، فلو مات
قبل أخذه حرم. ولا تعتبر فيه التسمية ولا إسلام الأخذ. نعم لو وجده ميتا في
يد الكافر، لم يحل ما لم يعلم بأخذه حيا، ولا يجدي يده ولا اخباره في إحراز
ذلك، كما تقدم في السمك.
(مسألة 746) إذا أشعل نارا في أجمة ونحوها ليحرق ما فيها من جراد،
لم يحل وإن قصد أخذه بذلك. نعم لو أحرقه أو شواه أو طبخه بعد أخذه قبل
أن يموت، حل كما مر في السمك. أما لو جعل النار آلة لصيد الجراد فأججها
لذلك فاجتمع فيها الجراد وانشوى بها فلا تبعد حليته بذلك.
(مسألة 747) لا يحل من الجراد الدبا وهو ما تحرك ولم يستقل بالطيران
.
الذباحة
(مسألة 748) يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو بحكمه كالمتولد منه
، فلا تحل ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتى الكتابي على الأقوى. ولا
يشترط فيه الايمان، فتحل ذبيحة جميع فرق الاسلام عدا النواصب المحكوم
بكفرهم وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام وإن أظهروا الاسلام،
وكذا غيرهم من المنتحلين للاسلام المحكوم بكفرهم، مثل الغلاة والخوارج
وغيرهم.
217

(مسألة 749) لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك، فتحل
ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثى، وكذا الحائض والجنب والنفساء والأعمى
والأغلف وولد الزنا، وكذا الطفل إذا كان مميزا وأحسن الذبح، لكن لو شك
في صحة ذبحه لا يجري فيه أصالة الصحة، وفي اعتبار قوله إشكال.
(مسألة 750) لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره
مع التمكن منه لم يحل، وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب
والفضة وغيرها. نعم لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها أو
احتاج إلى ذبحها عاجلا، جاز بكل ما يفري أعضاء الذبح ولو كان قصبا أو
ليطة أو حجرا حادا أو زجاجة أو غيرها. نعم في وقوع الذكاة بالسن والظفر
مع الضرورة تأمل والأحوط عدم تحققه بهما حتى لو كانا منفصلين عن البدن.
(مسألة 751) الواجب في الذبح مع الامكان قطع تمام الأعضاء
الأربعة: الحلقوم، وهو مجرى النفس. والمري، وهو مجرى الطعام والشراب
ومحله تحت الحلقوم. والودجان، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو
المري. ويطلق عليها الأوداج الأربعة، ويجب فريها كاملا، فلا يكفي شقها
من دون فريها وفصلها.
(مسألة 752) محل الذبح هو الحلق تحت اللحيين على نحو تقطع به
الأوداج الأربعة. وقد ذكروا أن قطع هذه الأوداج لا يتحقق إلا بأن يكون
الذبح من تحت العقدة المسماة الجوزة، فإن كان كذلك أو لم يحرز الذابح قطع
الأوداج بتمامها بدونه وجبت مراعاته. كما يلزم أن يكون شئ من الأوداج
الأربعة مع الرأس حتى يعلم فريها وقطعها.
(مسألة 753) يشترط أن يكون الذبح من قدام، فلو ذبحه من الخلف
وقطع ما يعتبر قطعه من الأوداج، لم يحل. نعم لو قطعها من قدام بأن
218

أدخل السكين تحت الأعضاء وحزها إلى أعلى، لم تحرم الذبيحة، ولعل الأظهر أن
فعله هذا حرام.
(مسألة 754) يجب التتابع في الذبح، بأن يفري كل الأعضاء قبل موت
الذبيحة، فلو حز بعضها وأرسلها حتى ماتت ثم قطع الباقي، حرمت، بل لا
يترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها أكثر من المتعارف المعتاد بحيث يعد عمله
عملين لا عملا واحدا عرفا، وإن قطعها جميعا قبل خروج الروح.
(مسألة 755) إذا حز رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أوداجها، فإن بقيت
فيها حياة ذبحها من أمام وحلت، وإلا صارت ميتة. وتعرف حياتها بالحركة
بعد تمام الذبح ولو كانت يسيرة.
(مسألة 756) إذا أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء
الأربعة، فإن لم تبق فيها حياة حرمت، وإن بقيت وسارع وذبحها من تحت
العقدة وقطع الأوداج، حلت.
(مسألة 757) إذا أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان فأدركه حيا، فإن بقيت
أوداجه الأربعة وأدرك ذكاته حل، وإن لم يبق تمام أوداجه الأربعة سليمة ففي
حليته إشكال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 758) يشترط في التذكية مضافا إلى ما مر أمور: أحدها:
استقبال القبلة بالذبيحة حال الذبح، بأن يوجه مذبحها ومقاديم بدنها إلى
القبلة، فإن أخل به عامدا عالما حرمت، وإن كان ناسيا أو جاهلا أو أخطأ في
القبلة أو في العمل لم تحرم. ولو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيهها
إليها سقط هذا الشرط. ولا يشترط استقبال نفس الذابح القبلة على الأقوى،
وإن كان أحوط وأولى.
ثانيها: تسمية الذابح، بأن يذكر اسم الله عليها حينما يتشاغل بالذبح أو
متصلا به عرفا قبل الشروع به، فلو أخل بها عمدا حرمت، وإن كان
219

ناسيا لم تحرم. والأظهر إلحاق الجهل بالحكم بالعمد. والمعتبر في التسمية
وقوعها بعنوان كونها على الذبيحة، فلا تجزي التسمية لغرض آخر.
ثالثها: أن تتحرك الذبيحة بعد تمام الذبح ولو حركة جزئية، كأن تطرف
عينها أو تحرك أذنها أو ذنبها أو تركض برجلها، ونحوها. ولا يلزم خروج الدم
المتعارف، فلو تحركت ولم يخرج الدم أو خرج متثاقلا ومتقاطرا لا سائلا
معتدلا كفى في التذكية. والأقوى الاكتفاء بما ذكر من الحركة أو خروج الدم
المتعارف.
(مسألة 759) لا يعتبر في استقبال القبلة بالذبيحة كيفية خاصة، فلا فرق
بين أن يضعها على الجانب الأيمن، أو على الأيسر، أو معلقة في الهواء ومقاديم
بدنها ومذبحها إلى القبلة.
(مسألة 760) لا يعتبر في التسمية كيفية خاصة، بل يكفي صدق ذكر
اسم الله عليها، كقول: بسم الله، أو الله أكبر، أو الحمد لله، أو لا إله إلا الله
ونحو ذلك، ويشكل الاكتفاء بلفظ (الله) بدون أن يكون جزءا من كلام تام
دال على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد، وكذا تشكل التسمية بغير اسم الله تعالى
من الأسماء الحسنى كالرحمان والرحيم والخالق، وكذا يشكل الاكتفاء بمرادف لفظ
الجلالة من اللغات الأخرى مثل يزدان بالفارسية، فالأحوط عدم حلية الذبيحة
بذلك.
(مسألة 761) الأقوى عدم اشتراط الحياة المستقرة بمعنى أن يبقى لو لم
يذبح يوما أو نصف يوم، بل يكفي وجود أصل الحياة قبل الذبح ولو كانت
قرب
خروج روح الذبيحة لأي سبب، فإن علم وجود الروح فيها صح ذبحها، وإن
لم يعلم كشفت عنها الحركة بعد ذبحها وإن كانت جزئية يسيرة، أو خروج الدم
المعتدل على الأقوى.
(مسألة 762) لا يشترط في حلية أكل الذبيحة بعد ذبحها وفيها حياة،
220

أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثم وقعت
في نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك فماتت بذلك، حلت على
الأقوى.
(مسألة 763) تختص الإبل بأن تذكيتها بالنحر، ويختص غيرها بأن
تذكيته بالذبح، فلو ذبحت الإبل كانت ميتة إلا أن تبقى فيها حياة فينحرها، مع
اجتماع الشروط. وكذا لو نحر غيرها.
(مسألة 764) كيفية النحر أن يدخل سكينا أو رمحا ونحوهما من الآلات
الحادة الحديدية في لبة البعير أو الناقة، وهي المحل المنخفض الواقع بين أصل
العنق والصدر. ويشترط فيه كل ما يشترط في التذكية بالذبح، من شروط
الذابح وآلة النحر والتسمية عند النحر، والاستقبال بالمنحور كما يجب
بالذبيحة، وكذا اعتبار الحياة كما مر في الذبيحة.
(مسألة 765) يجوز نحر الإبل قائمة وباركة إلى جهة القبلة، بل يجوز
نحرها ساقطة على جنبها مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة، وإن
كان الأفضل كونها قائمة.
(مسألة 766) كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان، لاستعصائه أو
لوقوعه في موضع لا يتمكن فيه من ذبحه أو نحره كما لو تردى في بئر أو مكان
ضيق وخيف موته، يجوز أن يعقره بسيف أو سكين أو رمح أو غيرها مما
يجرحه ويقتله، ويحل أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية، ويسقط
شرط الذبح والنحر والاستقبال، ويجب مراعاة سائر الشروط من التسمية
وشروط الذابح والناحر. وأما الآلة فيعتبر فيها ما مر في آلة الصيد الجمادية
فراجع، والأقوى الاجتزاء هنا بعقر الكلب في المستعصى والصائل دون غيره
كالمتردي، أو المحصور في مكان ضيق.
(مسألة 767) الأحوط حرمة قطع رأس الذبيحة وإبانته قبل خروج
الروح، وكذا سلخ جلدها، لكن لا تحرم الذبيحة بفعلهما على الأقوى.
221

(مسألة 768) للذباحة والنحر آداب بين مستحبة ومكروهة، أما
المستحبة فمنها أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق رجله الأخرى
ويمسك
صوفه وشعره بيده حتى يبرد، ويعقل قوائم البقر الأربع ويطلق ذنبه، وأن
تكون الإبل قائمة ويربط يديها ما بين الخفين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق
رجليها، وأن يرسل الطير بعد الذبح حتى يرفرف.
ومنها: أن يكون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة.
ومنها: أن يعرض عليه الماء قبل الذبح أو النحر.
ومنها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح أو النحر ومقدماتهما بما هو الأسهل
والأروح وأبعد عن تعذيبه وأذيته، فيسوقه إلى الذبح أو النحر برفق ويضجعه
للذبح برفق، ويحد الشفرة ويسترها عنه حتى لا يراها، ويسرع في العمل ويمر
السكين في المذبح بقوة، فعن النبي صلى الله عليه وآله (إن الله تعالى شأنه
كتب عليكم الاحسان في كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا
الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) وفي نبوي آخر أنه صلى الله عليه
وآله أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم.
وأما المكروهة: فمنها: أن تنخع الذبيحة، أي إصابة السكين نخاعها، وهو
الخيط الأبيض وسط الفقار الممتد من الرقبة إلى عجز الذنب.
ومنها: أن يدخل السكين تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق، ولعل الأظهر حرمته
كما مر.
ومنها: أن يذبح الحيوان وحيوان آخر ينظر إليه.
ومنها: أن يذبح ليلا، وأن يذبح نهارا قبل زوال يوم الجمعة، إلا مع
الضرورة.
ومنها أن يذبح بيده ما رباه من النعم.
(مسألة 769) ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا خرج من بطنها ميتا وكان تام
الخلقة وقد أشعر أو أوبر، سواء ولجته الروح أم لا على الأقوى، بشرط أن
يكون موته مستندا إلى تذكيتها. أما إذا مات قبل التذكية بسبب ضربة
222

مثلا فحرام قطعا. أما إن خرج حيا فلا يحل إلا بالتذكية سواء كانت أمه مذكاة أو ميتة
أو حية.
(مسألة 770) إذا لم يبادر إلى اخراج الجنين الحي بعد تذكية أمه فمات
ولكن لم يتأخر أكثر من المقدار المتعارف فالأقوى حليته، وإن تأخر عن ذلك
ومات قبل اخراجه فالظاهر حرمته.
(مسألة 771) نجس العين كالكلب والخنزير ليس قابلا للتذكية، وكذا
المسوخ غير السباع كالفيل والدب والقرد ونحوها، والحشرات ومنها الفأرة،
ومنها الضب وابن عرس على الأحوط إن لم يكن أقوى. وأما السباع وهي
الحيوانات المفترسة التي تأكل اللحوم سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر
والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق
وغيرها، فالأقوى قبولها التذكية فتطهر بها لحومها وجلودها، ويحل الانتفاع
بها، بأن تلبس في غير الصلاة وتفترش، بل بأن تجعل وعاء للمائعات،
كقربة الماء وعكة السمن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى، وإن كان الأحوط
أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.
وكذا تصح تذكية الحيوان المحلل أكله وإن حرم بالعارض كالجلال
والموطوء، وأثر ذلك طهارة جلده ولحمه وإن بقي أكله حراما.
أما ما ليس له نفس سائلة فلا أثر للتذكية فيه لأنه طاهر، ويحرم أكله على
كل حال.
(مسألة 772) الظاهر أن جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل مما له نفس
سائلة غير ما ذكر من أنواع الوحوش والطيور المحرمة تقع عليها التذكية،
فتطهر بها لحومها وجلودها.
(مسألة 773) يشترط في تذكية ما يقبل التذكية من الحيوان المحرم
الأكل جميع الشروط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلل، وفي اصطياده بالآلة،
لكن تذكيته بالاصطياد بالكلب المعلم إشكال.
223

(مسألة 774) يعامل ما في يد المسلم - في غير سوق الكفار - من اللحوم
والشحوم والجلود معاملة المذكى وإن لم يعلم أنه مذكى، فيجوز بيعه وشراؤه
وأكله وسائر الاستعمالات المتوقفة على التذكية، ولا يجب الفحص والسؤال
عنه، بل ولا يستحب بل نهي عنه، وكذا ما يباع منها في سوق المسلمين، سواء
كان بيد المسلم أو مجهول الحال، بل وكذا ما كان مطروحا في أرض المسلمين إذا
كانت فيه أمارة تدل على وقوع اليد عليه، كما إذا كان الجلد مخيطا أو مدبوغا أو
اللحم مطبوخا.
بل وكذا إذا أخذ من الكافر وعلم كونه مسبوقا بيد المسلم على الأقوى.
أما المأخوذ من يد المسلم في سوق الكفار فالأحوط الاجتناب عنه.
وأما ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقا
بيد المسلم أو كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في
أرضهم، فيعامل معه معاملة غير المذكى، وهو بحكم الميتة. والمدار في كون
البلد أو الأرض منسوبة إلى المسلمين غلبة السكان والقاطنين بحيث تنسب
عرفا إليهم ولو كانوا تحت سلطنة الكفار، وهو المدار أيضا في بلد الكفار.
ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار.
(مسألة 775) لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا
أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ويستحل ذبائح أهل الكتاب ولا يراعي
الشروط التي اعتبرناها في التذكية. وكذا لا فرق بين كون الآخذ متفقا مع
المأخوذ منه في شروط التذكية اجتهادا أو تقليدا أو مخالفا له فيها إذا احتمل
تذكيته على وفق مذهب الآخذ، كما إذا كان المأخوذ منه يعتقد كفاية قطع
الحلقوم في الذبح ويعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة، إذا احتمل أن ما
بيده قد روعي فيه ذلك.
224

كتاب الأطعمة والأشربة
الحيوان المأكول وغير المأكول
(مسألة 776) لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك أو الطير الذي يحل
مثله في البر. وحرم غير ذلك من أنواع حيوانه، حتى ما يؤكل مثله في البر
كبقر البحر على الأقوى.
(مسألة 777) لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس وقشور بالأصل
وإن لم تبق وزالت بالعارض، كالكنعت فإنه على ما ورد فيه سمكة سيئة الخلق
تحتك بكل شئ فيذهب فلسها ولذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته. ولا
فرق بين أنواع السمك ذي القشور، فتحل جميعها صغيرها وكبيرها، ولا
يؤكل منها ما ليس له قشر في الأصل كالجري والزمار والزهو والمارماهي.
(مسألة 778) الأربيان المسمى بالروبيان أو الميگو من جنس السمك
الذي له فلس، فيجوز أكله.
(مسألة 779) بيض السمك تابع لسمكه، فبيض المحلل حلال وإن كان
أملس، وبيض المحرم حرام وإن كان خشنا. وإذا اشتبه أنه من المحلل أو
المحرم حل أكله، والأحوط عند الاشتباه عدم أكل ما كان أملس.
225

(مسألة 780) يحل من الحيوانات الأهلية جميع أنواع الغنم والبقر
والإبل، ويكره لحم الخيل والبغال والحمير وكراهة لحم الخيل أخف. ويحرم
منها غير ذلك كالكلب والهر وغيرهما.
ويحل من الحيوانات الوحشية الظبي والغزال والبقر والكباش الجبلية
واليحمور والحمر الوحشية، ويحرم منها السباع، وهي ما كان مفترسا وله
ظفر وناب قويا كان كالأسد والنمر والفهد والذئب، أو ضعيفا كالثعلب والضبع
وابن آوى. وكذا يحرم الأرنب وإن لم يكن من السباع، وتحرم الحشرات
كلها كالحية والفأرة والضب واليربوع والقنفذ والصراصير والجعل والبراغيث
والقمل وغير ذلك من أنواعها الكثيرة.
(مسألة 781) يحل من الطير الحمام بأنواعه، والدراج والقبج والقطا
والطيهوج والبط والكروان والحبارى والكركي، والدجاج بأنواعه،
والعصفور بأنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبرة وهي التي على رأسها القنزعة،
ويكره منه الهدهد والخطاف وهو الذي يأوي البيوت ويأنس بالناس. والصرد
وهو طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير، والصوام وهو طائر أغبر
اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل، والشقراق وهو طائر أخضر بقدر
الحمام.
ويحرم منه الخفاش والطاووس وكل ذي مخلب، سواء كان يقوى به على
افتراس الطير كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق، أو ضعيفا كالنسر
والبغاث.
(مسألة 782) الأقوى حرمة أكل الغراب بجميع أنواعه حتى الزاغ وهو
غراب الزرع، والغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون، خصوصا مع ما يقال
من أن الغربان كلها ذات مخالب.
(مسألة 783) يعرف ما يحل أكله من الطير وما يحرم، غير المنصوص
على حكمه، بأحد أمرين: أحدهما: الصفيف والدفيف، فكل ما كان صفيفه
وهو بسط جناحيه حال الطيران أكثر من دفيفه وهو تحريكهما عنده فهو
226

حرام، وما كان دفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال. ثانيهما: الحوصلة والقانصة
والصيصية، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال وما لم يكن فيه شئ منها
فهو حرام. والحوصلة كيس تحت العنق يجتمع فيه الحب وغيره، والقانصة في
الطير بمنزلة الكرش لغيره كما ذكروا، والصيصية هي الشوكة التي في رجل
الطير موضع العقب. ويتساوى طير الماء مع غيره في العلامتين المزبورتين،
فما كان دفيفه أكثر من صفيفه أو كان له حوصلة أو قانصة أو صيصية فهو
حلال وإن كان يأكل السمك، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ولم يكن له
إحدى الثلاثة، فهو حرام.
(مسألة 784) إذا تعارضت العلامتان - كما إذا كان صفيفه أكثر من دفيفه
وكان ذا حوصلة أو قانصة أو صيصية، أو كان دفيفه أكثر من صفيفه وكان
فاقدا لثلاثة - فالظاهر أن الاعتبار بالصفيف والدفيف فيحرم الأول، ويحل
الثاني.
(مسألة 785) إذا كان للطير صفيف ودفيف ولم يعلم أيهما أكثر تعين
الرجوع إلى العلامة الثانية، وهي وجود أحد الثلاثة وعدمه فيه، وكذا إذا
كان مذبوحا ولا يعرف صفيفه ودفيفه. وكذا إذا تساوى صفيفه ودفيفه على
الأحوط.
(مسألة 786) إذا لم يعرف حال الطير لا من العلامة الأولى ولا من
الثانية، فإن علم أنه يقبل التذكية فأكله حلال، وإن احتمل عدم قبوله التذكية
يحكم بحرمته بأصالة عدم قبوله التذكية، سواء كانت الشبهة موضوعية أو
حكمية.
(مسألة 787) بيض الطيور تابع لها في الحل والحرمة، فبيض المحلل
حلال وبيض المحرم حرام، وما اشتبه أنه من المحلل أو المحرم يؤكل ما
اختلف طرفاه مثل بيض الدجاج، دون ما تساوي طرفاه.
227

(مسألة 788) النعامة من الطيور، وهي حلال لحما وبيضا على الأقوى.
(مسألة 789) لم يرد نص على حرمة اللقلق ولا على حليته، فيرجع في
حكمه إلى علامات الحل والحرمة فإن تبين حاله من جهة الدفيف والصفيف
فهو، وإلا يرجع إلى العلامة الثانية وهي وجود إحدى العلامات الثلاث
وعدمها.
(مسألة 790) يحرم الحيوان المحلل بالأصل بأمور: منها، الجلل، وهو
أن يتغذى الحيوان عذرة الانسان بحيث يصدق عرفا أنها غذاؤه، ولو كان
يتغذى بها مع غيرها لم يصدق عليه الجلل فلا يحرم إلا أن يكون تغذيه بغيرها
نادرا جدا بحيث يكون عرفا بحكم العدم، وبأن يكون تغذيه بها مدة معتدا بها
. والظاهر عدم كفاية يوم وليلة، بل يشك في صدق الجلل عليه بأقل من ثلاثة
أيام. ولا يلحق بعذرة الانسان عذرة غيره، ولا سائر النجاسات.
(مسألة 791) يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير والسمك.
(مسألة 792) كما يحرم لحم الحيوان بالجلل يحرم لبنه وبيضه ويحلان بما
يحل به، ويكون كالحيوان المحرم بالأصل في جميع الأحكام قبل أن يستبري
ويزول حكمه، حتى عدم جواز الصلاة في فضلاته الطاهرة أو أجزائه وإن كان
ذكيا على إشكال.
(مسألة 793) الظاهر أن الجلل لا يمنع من التذكية، فيذكى الجلال
ويترتب على تذكيته طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوانات المحرمة بالأصل
القابلة للتذكية.
(مسألة 794) تزول حرمة الجلال بالاستبراء بترك التغذي بالعذرة
والتغذي بغيرها مدة: وهي في الإبل أربعون يوما، وفي البقر عشرون يوما
والأحوط ثلاثون، وفي الشاة عشرة أيام، وفي البط خمسة أيام، وفي الدجاج ثلاثة
228

أيام، وفي السمك يوم وليلة، والملاك في غير ما ذكر زوال اسم الجلل
بحيث لا يصدق عليه أنه يتغذى بالعذرة بل يصدق أن غذاءه غيرها.
(مسألة 795) يحرم الحيوان المحلل بالأصل إذا وطأه انسان قبلا أو دبرا
وإن لم ينزل، صغيرا كان الواطي أو كبيرا، عالما كان أو جاهلا، مختارا كان
أو مكرها فحلا كان الموطوء أو أنثى، فيحرم بذلك لحمه ولحم نسله المتجدد بعد
الوطي ولبنهما.
(مسألة 796) إذا كان الحيوان الموطوء مما يراد أكله كالشاة والبقرة يجب
أن يذبح ثم يحرق، ويغرم الواطي قيمته لمالكه. وإن كان مما يراد ركوبه أو
الحمل عليه ولا يعتاد أكله كالحمار والبغل والفرس، أخرج من المحل الذي فعل
به إلى بلد آخر فيباع ويعطى ثمنه للواطي ويغرم قيمته لمالكه.
(مسألة 797) إذا رضع حمل من لبن خنزيرة حتى قوي ونبت لحمه
واشتد عظمه يحرم لحمه ولحم نسله ولبنه ولبن نسله ولو من فحله، ولا يبعد
اختصاص ذلك بالغنم وإن كان تعميمه للعجل وغيره من الحيوانات المحللة
الأكل أحوط. ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة، وفي تعميم الحكم
للشرب بدون رضاع وللرضاع بعد الفطام إشكال، وإن كان أحوط. هذا إذا
اشتد، أما إذا لم يشتد برضاعه منها فيكره لحمه. وتزول الكراهة بالاستبراء
سبعة أيام، بأن يمنع عن التغذي بلبنها ويعلف إن استغنى عن اللبن، أو يرضع
من ضرع شاة مثلا سبعة أيام.
(مسألة 798) إذا شرب الحيوان المحلل الخمر حتى سكر، وذبح في تلك
الحال يؤكل لحمه لكن بعد غسله على الأحوط، ولا يؤكل ما في جوفه من
الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وإن غسل، ولو شرب بولا ثم ذبح
عقيب الشرب حل لحمه بلا غسل، ويؤكل ما في جوفه بعدما يغسل على
الأحوط.
229

(مسألة 799) لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتى فطم
وكبر، لم يحرم لحمه لكنه مكروه.
(مسألة 800) يحرم من الحيوان المحلل وإن ذكي أربعة عشر شيئا:
الدم، والروث، والطحال، والقضيب، والأنثيان والفرج ظاهره وباطنه،
والمثانة، والمرارة، والنخاع وهو خيط أبيض كالمخ في وسط فقار الظهر،
والغدد وهي كل عقدة في الجسد مدورة تشبه البندق في الأغلب، والمشيمة،
والعلباوان وهما عصبتان عريضتان صفراوان ممتدتان على الظهر من الرقبة إلى
الذنب، وخرزة الدماغ
وهي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة تميل إلى الغبرة يخالف لونها لون المخ
الذي في الجمجمة، والحدقة وهي الحبة الناظرة من العين لا جسم العين كله.
(مسألة 801) تختص حرمة الأشياء المذكورة بالذبيحة والمنحورة، فلا
يحرم شئ من المذكورات من السمك والجراد، ما عدا الرجيع والدم على
إشكال فيهما.
(مسألة 802) يحرم الرجيع والدم من مذكى الطيور، والأحوط (وجوبا)
عدم أكل المرارة والطحال والبيضتين وغيرها من المحرمات الأربعة عشر إن
وجدت فيها.
(مسألة 803) يحل من الذبيحة غير ما ذكر، كالقلب والكبد والكرش
والأمعاء والغضروف والعضلات وغيرها. نعم يكره الكليتان وأذنا القلب
والعروق خصوصا الأوداج، والأظهر جواز أكل الجلد والعظم مع عدم الضرر
، والأحوط عدمه. نعم لا إشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من
الطيور، وكذا عظم صغار الطيور كالعصفور.
(مسألة 804) يجوز أكل لحم ما يحل أكله نيئا ومطبوخا، بل ومحروقا
أيضا إذا لم يكن مضرا، ويكره أكله غريضا، أي نيئا طريا لم يتغير بشمس ولا
نار ولا بذر ملح عليه وتجفيفه في الظل وجعله قديدا.
230

(مسألة 805) الأحوط عدم حلية بول ما يؤكل لحمه كالغنم والبقر في
غير الضرورة، ويجوز شرب بول الإبل للاستشفاء.
(مسألة 806) يحرم رجيع كل حيوان ولو مما حل أكله. والظاهر عدم
حرمة فضلات الديدان العالقة بالفواكه ونحوها، وكذا ما في جوف السمك
والجراد إذا أكل معهما.
(مسألة 807) يحرم الدم من الحيوان ذي النفس حتى العلقة والدم في
البيضة، والأقوى حرمة الدم المتخلف في الذبيحة إلا إذا كان مستهلكا فلا
بأس به. ويحرم الدم من غير ذي النفس مما يحرم أكله كالوزغ والضفدع
والقرد.
وأما دم ما يحل أكله كالسمك الحلال فالظاهر حليته إذا أكل مع السمك،
بأن أكل السمك بدمه، أما إذا أكل منفردا ففيه إشكال.
(مسألة 808) يحل أكل ما لا تحله الحياة من الميتة، من اللبن والبيض
إذا اكتسى قشره السميك، والإنفحة.
(مسألة 809) لا إشكال في حرمة القيح والوسخ والبلغم والنخامة من
كل حيوان، وأما البصاق والعرق من غير نجس العين فالظاهر حليتهما،
خصوصا الأول وخصوصا إذا كان من الانسان أو مما يؤكل لحمه من الحيوان.
ما يحل أكله غير الحيوان وما يحرم
(مسألة 810) يحرم تناول الأعيان النجسة، وكذا المتنجسة قبل تطهيرها،
مائعة كانت أو جامدة.
(مسألة 811) يحرم تناول كل ما يضر بالبدن، سواء كان موجبا للهلاك
كشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أو ما يكون
231

سببا للمرض أو لتعطيل بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة أو لفقد بعض القوى
كأدوية إزالة القدرة الجنسية وأدوية العقم.
(مسألة 812) لا فرق في حرمة تناول المضر بين معلوم الضرر
ومظنونه، بل ومحتمله أيضا إذا كان احتماله معتدا به عند العقلاء بحيث يوجب
عندهم خوف الضرر، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه فعليا،
أو بعد مدة.
(مسألة 813) يجوز التداوي والمعالجة بما يحتمل فيه الخطر ويؤدي إلى
الهلاك أحيانا إذا كان النفع المترتب عليه بالتجربة وحكم أهل الخبرة غالبيا، بل
يجوز المعالجة بالمضر ضررا فعليا قطعيا إذا كان يندفع به ما هو أعظم ضررا
وأشد خطرا، كقطع بعض الأعضاء لمنع سراية المرض الأكثر ضررا وكذا
العمليات الجراحية والكي بالنار، إذا كانت على الموازين العقلائية بأن يكون
إجراء العملية لازما والطبيب حاذقا محتاطا غير متسامح ولا متهور.
(مسألة 814) ما كان يضر كثيره دون قليله يحرم كثيره المضر دون
قليله غير المضر، والعكس بالعكس، وكذا ما يضر منفردا لا منضما مع غيره
يحرم منفردا لا منضما، والعكس بالعكس.
(مسألة 815) إذا كان لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلا ولكن يضر
إدمانه والتعود عليه يحرم تكراره المضر خاصة، ومن ذلك الأفيون بابتلاعه
أو شرب دخانه، فإن الاعتياد عليه مضر غاية الضرر وفيه فساد وأي فساد،
بل
هو بلا عظيم وفساد كبير، أعاذ الله المسلمين منه. فمن أراد شربه لغرض من
الأغراض فليحذر أن يكثر أو يكرر فيتعود ويبتلي به، ومن ابتلي بالاعتياد به
يجب عليه الاجتهاد في تركه والعلاج بما يزيل عنه هذا الاعتياد، إن لم يكن في
تركه ضرر أعظم.
(مسألة 816) يحرم أكل الطين، وكذا المدر وهو الطين اليابس، ويلحق
232

بهما التراب أيضا على الأحوط. نعم لا بأس بما يختلط بالحنطة أو الشعير مثلا
من التراب والمدر إذا كان مستهلكا في الخبز بحيث لا يعد من أكل الطين عرفا،
وكذا ما يكون على وجه الفواكه إذا كان قليلا بحيث لا يعد أكلا للغبار
والتراب، وكذا الممزوج بالماء وغيره ولو أحس بطعم الطين حين شربه فإن
الظاهر أن الحكم دائر مدار الاستهلاك بنظر العرف، ولا اعتبار بالطعم أو
اللون، وإن كان الاحتياط بترك شربه إلى أن يصفو حسنا.
(مسألة 817) الأحوط إلحاق الأرض كلها بالطين حتى الرمل
والأحجار.
(مسألة 818) يستثنى من الطين طين قبر الحسين عليه السلام
للاستشفاء، فإن تربته المقدسة شفاء من كل داء، وهي من الأدوية المفردة،
ولا تمر بدأ إلا هضمته. ولا يجوز أكلها لغير الاستشفاء، ولا أكل ما زاد عن
قدر الحمصة المتوسطة. ولا يلحق به طين قبر النبي والأئمة عليهم السلام على
الأحوط إن لم يكن أقوى. نعم لا بأس بأن يمزج طينها بماء أو عصير والتبرك
والاستشفاء بذلك الماء أو العصير، ولا بد أن يستهلك التراب في السائل،
وكذا لا بأس بالاستشفاء بغير الأكل، بأن يمسح التراب بموضع الوجع أو
يحمله معه تبركا مع مراعاة احترامه.
(مسألة 819) لأخذ بالتربة الحسينية المقدسة والاستشفاء بها وتناولها
عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها، خصوصا في كتب المزار،
كمزار بحار الأنوار، والظاهر أنها جميعا شروط لسرعة تأثيرها لا لجواز
تناولها.
(مسألة 820) القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما
يقرب منه على وجه يلحق به عرفا، ولعل الحائر المقدس بأجمعه كذلك، لكن
في بعض الأخبار يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين
ذراعا،
233

وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل، وفي بعضها
أنه يستشفى مما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وفي بعضها على عشرة
أميال، وفي بعضها فرسخ في فرسخ، وروي إلى أربعة فراسخ. ولعل الاختلاف من
جهة تفاوت مراتبها في الفضل، فكل ما قرب إلى القبر الشريف كان أفضل،
والأحوط الاقتصار على ما حول القبر إلى سبعين ذراعا، وفيما زاد على ذلك
أن يستعمل ممزوجا بماء أو عصير على نحو لا يصدق عليه الطين، ويستشفى به
برجاء أن يكون منه، وإن كان الأقوى جواز تناول المشكوك منه في الشبهة
الموضوعية.
(مسألة 821) يجوز تناول التربة المقدسة للاستشفاء بابتلاعها، أو يحلها
في ماء أو عصير ويشربه بنية التبرك والدواء.
(مسألة 822) يكفي في إثبات أن هذا الطين من التربة المقدسة شهادة
البينة بل شهادة عدل واحد، بل يكفي إخبار شخص ثقة، ولا يبعد كفاية
إخبار ذي اليد أو بذله إياه على أنه من التربة المقدسة، لكن ينبغي أن يستشفى
بغير المتيقن أنه منها بحله في الماء ونحوه حتى يستهلك، ليسلم من الاستشفاء بما
يحتمل أن يكون حراما واقعا وإن كان حلالا بحسب الظاهر.
(مسألة 823) استثنى بعض العلماء من حرمة أكل الطين أيضا الطين
الأرمني للتداوي به، وهو غير بعيد، لكن الأحوط عدم تناوله إلا عند
انحصار العلاج به، أو ممزوجا بماء أو عصير بحيث لا يصدق معه أكل الطين.
(مسألة 824) تحريم شرب الخمر من ضروريات الدين، ومستحله في
زمرة الكافرين ومكذب للقرآن الكريم. هذا مع الالتفات إلى أنه تكذيب
للقرآن والنبي، وأما مع عدم الالتفات فالأحوط للمسلم أن يعامله معاملة
الكافر. بل عن مولانا الباقر عليه السلام أنه: لا يبعث الله نبيا ولا يرسل رسولا
إلا ويجعل في شريعته تحريم الخمر. وعن الرضا عليه السلام إنه: ما بعث الله نبيا
قط إلا بتحريم الخمر.
234

وعن الصادق عليه السلام: إن الخمر أم الخبائث ورأس كل شر، يأتي على
شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا يترك حرمة
إلا انتهكها ولا رحما ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها، وإن من
شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وإن شربها حتى سكر منها
نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة ولم تقبل صلاته
أربعين يوما، ويأتي شاربها يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه يسيل لعابه على
صدره ينادي العطش العطش. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من شرب
الخمر بعدما حرمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوج إذا خطب، ولا يشفع إذا
شفع، ولا يصدق إذا حدث، ولا يعاد إذا مرض، ولا يشهد له جنازة، ولا يؤتمن
على أمانة.
بل لعن رسول الله صلى الله عليه وآله فيها عشرة: غارسها، وحارسها،
وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها،
وآكل ثمنها. وقد ورد: إن من تركها ولو لغير الله بل صيانة لنفسه سقاه الله من
الرحيق المختوم.
وقد ورد في بعض الأخبار أنها من أكبر الكبائر وأن مدمنها كعابد وثن
وقد فسر المدمن في بعض الأخبار بأنه ليس الذي يشربها كل يوم ولكنه
الموطن نفسه أنه إذا وجدها شربها. هذا مع كثرة مضارها التي كشفها الطب في
عصرنا وأذعن بها المنصفون من غير ملتنا.
(مسألة 825) يلحق بالخمر موضوعا أو حكما كل مسكر، جامدا كان
أو مائعا. وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.
(مسألة 826) إذا انقلبت الخمر خلا حلت، سواء كان انقلابها بنفسها أو
بعلاج، وسواء كان العلاج بدون مزج شئ فيها أو بمزجه، وسواء استهلك
الخليط فيها قبل أن تنقلب خلا أو بقي منه فيها إلى ما بعد انقلابها، ويطهر ذلك
الباقي بالتبعية كما يطهر الإناء، لكن بشرط أن يكون أضيف إليها لتحويلها وأن
يصدق عليه أنه تابع لها، فلو صب قليل من الخمر في حب من الخل لتحويلها
لا يطهر الخل المتنجس بتبع صيرورة الخمر خلا، بخلاف
235

العكس فلو صب شئ من الخل في حب من الخمر لتحويلها يطهر المجموع
بصيرورته خلا حتى مثل حبات العنب التي في ذلك الخل.
(مسألة 827) يحرم الفقاع إذا غلا ونش وإن لم يظهر سكره، وهو
شراب
مخصوص كان يتخذ من الشعير في الأغلب، وليس منه ماء الشعير المعروف
الذي يصفه الأطباء.
(مسألة 828) يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو غلى بالنار، وإذا نش
فالأحوط الاجتناب عنه، أما عصير الزبيب وعصير التمر فالأقوى فيهما عدم
الحرمة وعدم النجاسة بالغليان إلا بالاسكار.
(مسألة 829) الظاهر أن الماء الذي في جوف حبة العنب بحكم
عصير العنب، فيحرم إذا غلى بنفسه أو بالنار. نعم لا يحكم بحرمته ما لم
يعلم بغليانه، ولا ملازمة بين غليان ماء القدر وغليان ما في جوفها، فمن
علم به حرم عليه ومن لم يعلم به حل له.
(مسألة 830) الظاهر أن ما غلى بنفسه من أقسام العصير لا تزول
حرمته إلا بالتخليل كالخمر حيث أنها لا تحل إلا بانقلابها خلا ولا أثر فيه
لذهاب الثلثين، وأما ما غلى بالنار فتزول حرمته بذهاب ثلثيه وبقاء ثلث
منه، والأحوط أن يكون ذلك بالنار لا بالهواء وطول المكث مثلا، ولا يبعد
أن يكون الغليان بحرارة القوة الكهربائية بمنزلة الغليان بالنار. نعم لا يلزم أن
يكون ذهاب الثلثين في حال غليانه، بل يكفي كون ذلك مستندا إلى النار ولو
بضميمة ما ينقص منه بعد غليانه قبل أن يبرد، فلو غلى حتى ذهب نصفه مثلا
ثم وضع القدر على الأرض فنقص منه سدسه بالتبخر قبل أن يبرد كفى في
الحلية.
(مسألة 831) إذا صار العصير المغلي دبسا قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفي
في حليته على الأحوط.
236

(مسألة 832) إذا خلط العصير بالماء ثم غلى يكفي في حليته ذهاب ثلثي
المجموع وبقاء ثلثه، فلو صب عشرين رطلا من ماء في عشرة أرطال من
عصير العنب ثم طبخه حتى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال، وبهذا
يمكن علاج بعض أقسام العصير الذي لا يمكن طبخه بدون إضافة ماء.
(مسألة 833) إذا صب على العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من
العصير غير المغلي وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأول مع ما صب
ثانيا، ولا يحسب ما ذهب من الأول قبل أن يصب عليه، فإذا كان في القدر
تسعة أرطال من العصير فغلى حتى ذهب منه ثلاثة وبقي ستة ثم صب عليه
تسعة أرطال أخر فصار خمسة عشر، يجب أن يغلي حتى يذهب عشرة ويبقى
خمسة، ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستة.
(مسألة 834) لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل
اليقطين والسفرجل والتفاح وغيرها ويطبخ فيه حتى يذهب ثلثاه، فإذا حل
حل ما طبخ فيه.
(مسألة 835) يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغلي بالعلم وبالبينة
وبإخبار ذي اليد المسلم، بل وبالأخذ من المسلم إذا كان ممن يعتقد حرمة ما
لم يذهب ثلثاه، بل وإذا لم يعلم اعتقاده أيضا. وإذا علم أنه ممن يستحل
العصير المغلي قبل أن يذهب ثلثاه، كأن يعتقد أنه يكفي في حليته صيرورته
دبسا، فالأقوى جواز الاعتماد على قوله إذا حصل الاطمئنان بصدقه.
(مسألة 836) يحرم تناول مال الغير وإن كان كافرا محترم المال بدون
إذنه ورضاه، حتى ورد: أن من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنما أكل قطعة من
النار.
(مسألة 837) يجوز أن يأكل الانسان ولو مع عدم الضرورة من بيوت
الذين تضمنتهم الآية الشريفة في سورة النور، وهم الآباء والأمهات
237

والإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وكذا يجوز لمن كان وكيلا
على بيت أحد مفوضا إليه أموره وحفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكله،
وهو المراد من (ما ملكتم مفاتحه) في الآية الشريفة، وكذا يجوز أن يأكل
الصديق من بيت صديقه، وكذا الزوجة من بيت زوجها والأب والأم من بيت
الولد.
وإنما يجوز الأكل من بيوت هؤلاء إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت،
فتكون ميزة هذه البيوت بعدم توقف جواز الأكل منها على إحراز الرضا
والإذن من أصحابها، فيجوز مع الشك، أما مع الظن بالكراهة فالأحوط
الاجتناب.
والأحوط اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه
والبقول ونحوها دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا لمواقع الحاجة
وللأضياف ذوي الشرف والعزة، والظاهر التعدية إلى غير المأكول من
المشروبات العادية من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها. نعم لا
يتعدى إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنه يقتصر على ما في البيت
من المأكول، فلا يجوز أن يأخذ مالا من البيت مثلا ويشتري به من الخارج
ويأكل.
(مسألة 838) تباح جميع المحرمات المذكورة - ما عدا أكل مال الغير
بدون رضاه - حال الضرورة، إما لتوقف حفظ نفسه وسد رمقه على تناول
المحرم، أو لأداء تركه إلى عروض مرض شديد لا يتحمل عادة، أو تخلف
المسافر عن رفقائه مع ظهور أمارة العطب له، أو خيف بتركه على نفس
أخرى محترمة، كخوف الحامل على جنينها والمرضع على طفلها. بل ومن
الضرورة أيضا خوف طول المرض الذي لا يتحمل عادة أو عسر علاجه بترك
التناول.
والمدار في الكل على الخوف الحاصل من العلم أو الظن بالترتب، لا مجرد
الوهم والاحتمال.
238

أما أكل مال الغير بدون رضاه فإنه لا يحل بالاضطرار، نعم يحل لحفظ
النفس والعرض لكونه أهم وليس للاضطرار.
(مسألة 839) من الضرورات المبيحة للمحرمات الاكراه والتقية ممن
يخاف منه على نفسه أو نفس محترمة، أو على عرضه أو عرض محترم، أما
إذا خاف على مال محترم يجب عليه حفظه فتختلف موارده.
(مسألة 840) إذا توقف حفظ النفس على ارتكاب محرم يجب ارتكابه،
ولا يجوز له التنزه عندئذ، ولا فرق بين الخمر والطين وبين سائر المحرمات في
هذا الحكم.
(مسألة 841) إذا اضطر إلى محرم وجب أن يقتصر على مقدار الضرورة
ولا يجوز له الزيادة، فلا يجوز أن يأكل من الميتة مثلا أكثر من سد رمقه، إلا
إذا فرض أن ضرورته لا تندفع إلا بالشبع، فيجوز له أن يأكل إلى حد الشبع.
(مسألة 842) يجوز التداوي بالمحرم لمعالجة الأمراض إذا انحصر به
العلاج ولو بحكم الحذاق الثقات من الأطباء، والمدار على انحصار العلاج به
بالنسبة لما في أيدي الناس من أدوية هذا الداء، أما الانحصار الواقعي فلا يحيط
به إدراك البشر.
(مسألة 843) الأقوى جواز التداوي بالخمر بل بكل مسكر مع
الانحصار، بشرط العلم بكون المرض قابلا للعلاج بذلك، والعلم بأن ترك
معالجته يؤدي إلى الهلاك أو ما يقرب منه، والعلم بانحصار العلاج به، نعم لا
يخفى شدة أمر الخمر، فلا يبادر إلى تناولها إلا إذا رأى من نفسه الهلاك لو
ترك التداوي بها، ولو كان ذلك بسبب إخبار الأطباء الحذاق المتدينين بذلك.
وإلا فليصطبر على المشقة لعل الباري تعالى شأنه يعافيه عندما يرى منه التحفظ
على دينه.
239

فعن الثقة الجليل عبد الله بن أبي يعفور أنه قال: كان إذا أصابته هذه
الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فتسكن عنه، فدخل على أبي
عبد الله عليه السلام فأخبره بوجعه وأنه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه
، فقال له: لا تشربه، فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم
يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب منه سكن عنه، فعاد إلى أبي عبد الله
عليه السلام فأخبره بوجعه وشربه، فقال له: يا ابن أبي يعفور لا تشرب فإنه
حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب. فلما أن رجع إلى الكوفة
هاج به وجعه أشد مما كان، فأقبل أهله عليه، فقال لهم: لا والله ما أذوق منه
قطرة أبدا، فأيسوا منه أهله، فكان يتهم على شئ ولا يحلف، وكان إذا
حلف على شئ لا يخلف، فلما سمعوا أيسوا منه واشتد به الوجع أياما، ثم
أذهب الله به عنه، فما عاد إليه حتى مات رحمة الله عليه.
(مسألة 844) إذا اضطر إلى أكل طعام الغير لسد رمقه وكان المالك أيضا
مضطرا لم يجب عليه بل لا يجوز له بذله، ولا يجوز للمضطر قهره، وإن لم يكن
المالك مضطرا يجب عليه بذله للمضطر، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره بل
مقاتلته وأخذه منه قهرا. ولا يتعين على المالك بذله مجانا، فله أن لا يبذله إلا
بالعوض وليس للمضطر قهره بدونه، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم يقدره
بمقدار كان له عليه ثمن مثل ما أكله أو مثله إن كان مثليا، وإن أراد تقديره لم
يتعين عليه تقديره بثمن المثل أو أقل بل له أن يقدره بأكثر منه، فإذا كان
المضطر قادرا على دفعه يجب عليه الدفع إذا طالبه به، وإن كان عاجزا يكون
في ذمته إلى أن يتمكن.
هذا إذا كان المالك حاضرا، أما إذا كان غائبا فله الأكل منه بمقدار سد
رمقه وتقدير الثمن وجعله في ذمته ولا يكون أقل من ثمن المثل، والأحوط
الرجوع إلى الحاكم إن وجد، ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
240

(مسألة 845) يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من الخمر، بل
وغيرها من المسكرات، وكذا الفقاع، بل ذهب بعض العلماء إلى حرمة كل
طعام يعصى الله تعالى به أو عليه.
خاتمة في آداب الطعام والشراب
(مسألة 846) يستحب في الطعام أمور:
منها: غسل اليدين معا قبل الطعام وبعده، مائعا كان الطعام أو جامدا،
وإذا كانت جماعة على المائدة يبدأ في الغسل قبل الطعام بصاحب
الطعام ثم بمن على يمينه ويدور إلى أن يتم الدور على من في
يساره. ويبدأ بالغسل بعد الطعام بمن على يسار صاحب الطعام ثم
يدور إلى أن يختم بصاحب الطعام.
ومنها: المسح بالمنديل بعد الغسل الثاني، وترك المسح به بعد الغسل
الأول.
ومنها: أن يسمي عند الشروع في الأكل، بل على كل لون على انفراده
عند الشروع في الأكل منه.
ومنها: أن يحمد الله تعالى بعد الفراغ.
ومنها: الأكل باليمين.
ومنها: أن يبدأ صاحب الطعام، وأن يكون آخر من يمتنع.
ومنها: أن يأكل بثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل بإصبعين، وقد ورد أنه
من فعل الجبارين.
ومنها: أن يأكل مما يليه إذا كان مع جماعة على مائدة، ولا يتناول من
قدام الآخرين.
ومنها: تصغير اللقمة.
ومنها: تجويد المضغ.
ومنها: طول الجلوس على الموائد وطول الأكل.
241

ومنها: لعق الأصابع ومصها وكذا، لطع القصعة ولحسها بعد الفراغ.
ومنها: الخلال بعد الطعام وأن لا يكون بعود الريحان وقضيب الرمان
والخوص والقصب.
ومنها: التقاط ما يسقط من الخوان خارج السفرة والطبق وأكله، فإنه
شفاء من كل داء إذا قصد به الاستشفاء، وينفي الفقر ويكثر الولد.
هذا في غير الصحراء ونحوها، وأما فيها فيستحب أن يترك للطير
والسبع، بل ورد أن ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة.
ومنها: الأكل غداءا وعشيا وعدم الأكل بينهما.
ومنها: الافتتاح بالملح والاختتام به، فقد ورد أن فيه المعافاة عن اثنين
وسبعين من البلا. وفي خبر آخر: إبدأوا بالملح في أول طعامكم،
فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب.
ومنها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها، ففي الخبر: إن لكل ثمرة سما فإذا
أتيتم بها اغمسوها في الماء، يعني اغسلوها.
ومنها: أن يستلقي بعد الأكل على قفاه ويجعل رجله اليمنى على اليسرى.
(مسألة 847) ويكره فيه أمور:
فمنها: الأكل على الشبع.
ومنها: التملي من الطعام، ففي الخبر: ما من شئ أبغض إلى الله من
بطن مملوء. وفي خبر آخر: أقرب ما يكون العبد إلى الله إذا خف
بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه. وفي خبر آخر:
لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.
بل ينبغي الاقتصار على ما دون الشبع، ففي الخبر: إن البطن إذا
شبع طغى. وفي خبر آخر عن مولانا الصادق عليه السلام: إن
عيسى بن مريم قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تأكلوا حتى
تجوعوا، وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا، فإنكم إذا شبعتم غلظت
رقابكم وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربكم.
242

ومنها: النظر في وجوه الناس عند الأكل على المائدة.
ومنها: أكل الحار.
ومنها: النفخ على الطعام والشراب.
ومنها: انتظار غير الخبز إذا وضع الخبز.
ومنها: قطع الخبز بالسكين.
ومنها: أن يوضع الخبز تحت إناء ويوضع الإناء عليه.
ومنها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظم.
ومنها: تقشير الثمرة.
ومنها: رمي بقية الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها.
(مسألة 848) يستحب في الشرب أمور:
فمنها: أن يشرب الماء مصا لا عبا، فإنه كما في الخبر: يوجد منه الكباد،
يعني وجع الكبد.
ومنها: أن يشرب قائما بالنهار، فإنه أقوى وأصح للبدن ويمري الطعام.
ومنها: أن يسمي عند الشروع ويحمد الله بعد الفراغ.
ومنها: أن يشرب بثلاثة أنفاس.
ومنها: التلذذ بالماء، ففي الخبر: من تلذذ بالماء في الدنيا لذذه الله من
أشربة الجنة.
ومنها: أن يذكر الحسين عليه السلام وأهل بيته ويلعن قاتله بعد شرب
الماء، فعن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ
استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه
ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص ذكر الحسين
عليه السلام للعيش، إني ما شربت ماءا باردا إلا ذكرت الحسين
عليه السلام، وما من عبد شرب
الماء فذكر الحسين عليه السلام وأهل بيته ولعن قاتله إلا كتب الله
عز وجل له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة ورفع له
مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم
القيامة ثلج الفؤاد.
243

(مسألة 849) ويكره أمور:
منها: الاكثار من شرب الماء، فإنه كما في الخبر: مادة لكل داء. وكان
مولانا الصادق عليه السلام يوصي رجلا فقال له: أقل شرب الماء فإنه يمد
كل داء، واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء. وعنه عليه السلام:
لو أن الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم.
ومنها: شرب الماء بعد أكل الطعام الدسم، فإنه كما في الخبر: يهيج الداء،
وعن الصادق عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا أكل الدسم أقل شرب الماء، فقيل له: يا رسول الله إنك لتقل
شرب الماء؟ قال: هو أمرأ لطعامي.
ومنها: الشرب باليسار.
ومنها: الشرب من قيام في الليل، فإنه كما في الخبر يورث الماء الأصفر.
ومنها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر، ومن عند عروته.
(مسألة 850) يستحب استحبابا مؤكدا سقي المؤمن وإطعامه ودعوته إلى
الطعام، فعن أبي جعفر عليه السلام: من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه الله من
الرحيق المختوم. وعن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه بكل شربة سبعين ألف حسنة
، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل.
وفي الأمالي بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن
كساه من عري كساه الله من إستبرق وحرير، ومن سقاه شربة من عطش سقاه الله
من الرحيق المختوم، ومن أعانه أو كشف كربته أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل
إلا ظله.
وفي المحاسن قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن عمل يعدل عتق
رقبة؟ فقال: لأن أدعو ثلاثة نفر من المسلمين فأطعمهم حتى يشبعوا وأسقيهم حتى
يرووا، أحب إلي من أن أعتق نسمة ونسمة حتى عد سبعا أو أكثر.
244

كتاب الغصب
(مسألة 851) وهو الاستيلاء على ما لغيره من مال أو حق عدوانا،
وقد تطابق العقل والنقل كتابا وسنة والاجماع على حرمته، وهو من أفحش
الظلم الذي استقل العقل بقبحه، وفي النبوي صلى الله عليه وآله: من غصب
شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة. وفي نبوي آخر: من خان
جاره شبرا من الأرض جعله الله طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقى
الله يوم القيامة مطوقا، إلا أن يتوب ويرجع. وفي آخر: من أخذ أرضا بغير حق
كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر. ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام: الحجر
الغصب في الدار رهن على خرابها.
(مسألة 852) المغصوب أنواع: فمنه، غصب العين والمنفعة معا، كغصب
الدار من مالكها، وغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر والمستأجر،
فهو غاصب للعين من المؤجر وللمنفعة من المستأجر.
ومنه: غصب العين دون المنفعة، كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة
من مالكها مدة الإجارة.
ومنه: غصب المنفعة فقط، كما إذا غصب المالك العين التي آجرها
ومنع المستأجر من استيفاء منفعتها مدة الإجارة.
ومنه: غصب الحق المالي المتعلق بالعين، كما إذا استولى على أرض محجرة
أو عين مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة، ومن
245

ذلك غصب المساجد والمدارس والربط والقناطر والطرق والشوارع العامة، وغصب
المكان الذي سبق إليه أحد في المساجد والمشاهد.
(مسألة 853) المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان
والمنافع المملوكة للأشخاص أو غصب الحقوق كذلك، وقد يكون هو النوع كما
في غصب مال تعين خمسا أو زكاة قبل أن يدفع إلى المستحق، وغصب الرباط
المعد لنزول القوافل، والمدرسة المعدة لسكني الطلبة، فإذا استولى على حجرة
سكنها أحد الطلبة وانتزعها منه فهو غاصب لحق الشخص، وإذا استولى على
أصل المدرسة ومنع أن يسكنها الطلبة، فهو غاصب لحق النوع.
(مسألة 854) للغصب حكمان تكليفيان هما: الحرمة، ووجوب رفع اليد
والرد إلى المغصوب منه أو وليه. وحكم وضعي وهو الضمان، بمعنى كون
المغصوب على عهدة الغاصب وكون تلفه عليه، ويقال لهذا الضمان ضمان اليد.
(مسألة 855) يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب،
فالغاصب في جميعها آثم ويجب عليه رفع اليد ورد المغصوب. وأما الحكم
الوضعي وهو الضمان، فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا أو
منفعة. أما غصب الحقوق فليس فيه ضمان اليد، لكن في الحقوق التي يبذل
بإزائها مال إشكال كحقي التحجير والاختصاص.
(مسألة 856) إذا استولى على حر فحبسه لم يتحقق الغصب لا بالنسبة
إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته وإن أثم بذلك وظلمه، سواء كان كبيرا أو
صغيرا فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب، فلو أصابه حرق
أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن، وكذا لا يضمن
منا فعه
، كما إذا كان صاحب صنعة ولم يشتغل بصنعته في تلك المدة، فلا يضمن أجرته
وسيأتي حكم الأجير. نعم لو استوفى منه بعض منافعه - كما إذا استخدمه -
لزمته أجرته، وكذا لو تلف بتسبيب منه، كما إذا حبسه في دار
246

فيه حية مؤذية
فلدغته، أو سبع فافترسه، ضمنه من جهة تسبيبه التلف لا لأجل الغصب
واليد.
(مسألة 857) إذا منع غيره من إمساك دابته المرسلة أو من الجلوس
على فراشه أو الدخول إلى داره أو بيع متاعه، لم يكن غاصبا لعدم وضع اليد
على مال الغير وإن كان عاصيا وظالما له من جهة منعه، فلو هلكت الدابة أو
تلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع
ضمان من جهة الغصب واليد، لكن إذا كان الهلاك والتلف والانهدام مستندا
إليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة ومنع المانع المالك عن حفظها فلم يقدر عليه و
وقع عليها الهلاك، فللضمان وجه بل لا يخلو من قوة.
(مسألة 858) المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب ظلما على
المغصوب وصيرورته تحت يده عرفا أما إذا استولى عليه إحسانا كمن استولى
على مال في معرض التلف ليرده على صاحبه أو ليحفظه له فلا يكون غاصبا
ولا ضامنا ولو تلف عنده بدون تقصير. لكن من كانت عنده أمانة إذا عزم
على خيانتها يكون غاصبا وضامنا.
ويختلف الاستيلاء باختلاف المغصوبات، ففي المنقول غير الحيوان يتحقق
بأخذه باليد أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكانه أو بحفظه في مكان آخر، سواء
فعل ذلك بنفسه أو فعله آخر بأمره، فلو نقل حمال بأمره متاع الغير بدون
إذنه إلى بيته مثلا كان بذلك غاصبا للمتاع.
ويلحق بالأخذ باليد قعوده على البساط والفراش بقصد الاستيلاء، إذا كان
مستوليا عليه عرفا. وفي الحيوان يكفي الركوب عليه أو أخذ مقوده وزمامه،
بل وكذا سوقه في غياب المالك أو بعد دفعه عنه.
وأما غير المنقول فيكفي في غصب الدار مثلا أن يسكنها أو يسكن غيره
ممن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو غيابه. وكذا لو أخذ مفتاحها
من صاحبها قهرا وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردد فيها. ويكفي في غصب
247

البستان المسورة أخذ المفتاح والتردد إليها بعنوان الاستيلاء، وإذا لم يكن لها
باب ولا حيطان يكفي دخولها والتردد فيها بعد طرد المالك عنها والاستيلاء
عليها، وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة.
هذا في غصب الأعيان، وأما غصب المنافع فيحصل بانتزاع العين ذات
المنفعة من مالك المنفعة وجعلها تحت يده كما لو استولى على العين المستأجرة
غصبا في مدة الإجارة، سواء استوفى تلك المنفعة أم لا.
(مسألة 859) إذا دخل الدار وسكنها مع مالكها، فإن كان المالك غير
قادر على دفعه وإخراجه فإن اختص استيلاؤه وتصرفه بقسم معين منها
اختص الغصب والضمان بذلك القسم دون بقيتها، وإن كان استيلاؤه وتصرفاته
في جميع الدار وأجزائها بنسبة واحدة متساوية مع يد المالك عليها، فالظاهر
كونه غاصبا للنصف فيكون ضامنا له خاصة، فلو انهدمت تمام الدار ضمن
الساكن نصفها، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، وكذا يضمن نصف
منافعها.
وإن كان المالك متعددا والغاصب واحدا وتساووا جميعا في التصرف ضمن
الغاصب بالنسبة، فإن كان المالك اثنين ضمن الغاصب الثلث، وإن كانوا ثلاثة
ضمن الربع، وهكذا.
أما إذا كان الساكن ضعيفا ولا يقدر على مقاومة المالك إن أراد اخراجه
من داره، فالظاهر عدم تحقق الغصب بمجرد السكنى بدون رضاه، بل ولا اليد،
فليس عليه ضمان اليد، نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار لو كان لها
بدل.
(مسألة 860) إذا أخذ بمقود الدابة فقادها وكان المالك راكبا عليها، فإن
كان المالك ضعيفا بمثابة المحمول عليها، كان القائد غاصبا لها بتمامها وعليه
الضمان. ولو كان المالك الراكب قويا قادرا على مقاومته ودفعه متى شاء،
فالظاهر عدم تحقق الغصب من القائد أصلا، فلا ضمان عليه لو تلفت في تلك
248

الحال. نعم يضمن لو تلفت بسبب قيادته لها، كما يضمن السائق لو تلفت بسبب
سوقه إياها.
(مسألة 861) إذا اشترك اثنان في الغصب، فالظاهر أن كلا منهما يضمن
النصف، سواء كان كل منهما قويا قادرا بمفرده على قهر المالك ودفعه
والاستيلاء على المغصوب، أو كان ضعيفا بانفراده وكان دفع المالك والاستيلاء
عليه بالتعاون والتعاضد.
(مسألة 862) غصب الأوقاف العامة كالمساجد والمقابر والمدارس
والقناطر والطرق والشوارع العامة ونحوها والاستيلاء عليها، حرام ويجب ردها
ورفع اليد عنها، لكن الظاهر أنه لا يوجب الضمان لا عينا ولا منفعة. نعم
الأوقاف العامة على العناوين الكلية كالفقراء والطلبة بنحو وقف المنفعة يوجب
غصبها الضمان عينا ومنفعة، كالأعيان المملوكة للأشخاص، فإذا غصب دكانا
أو بستانا أو مكانا موقوفا على الفقراء أو الطلبة فتلفت تحت يده كان ضامنا
لعينها وأجرة مثلها مدة غصبها، أما إذا بقيت تحت يده مدة ثم ردها، فعليه
أجرة مثلها.
(مسألة 863) إذا حبس حرا لم يضمن نفس الحر ولا منافعه ضمان اليد
حتى لو كان صاحب صنعة، فليس على الحابس أجرة صنعته مدة حبسه. نعم
لو كان أجيرا لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر، وكذا لو استخدمه واستوفى
منفعته كان عليه أجرة عمله. أما لو غصب دابة مثلا فيضمن منافعها سواءا
استوفاها الغاصب أم لا.
(مسألة 864) إذا منع حرا عن عمل له أجرة من غير تصرف واستيفاء
ولا وضع يده عليه، لم يضمن عمله ولم يكن عليه أجرته، إلا إذا كان أجيرا
لذلك العمل وفات، فإنه يضمن للمستأجر ما فوته بمنعه.
(مسألة 865) المبيع الذي يأخذه المشتري والثمن الذي يأخذه البائع في
249

البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب، سواء علما بالفساد أو جهلا به،
وكذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة. وأما المقبوض
بالعقد الفاسد غير المعاوضي كالهبة الفاسدة، فليس فيه ضمان. وكذا يلحق
بالغصب المقبوض بالسوم، والمراد به ما يأخذه الشخص ليطلع على
خصوصياته ويشتريه إذا أعجبه، فيكون في ضمانه، فلو تلف عنده ضمنه.
وكذا المقبوض بالقمار والمأخوذ أجرة للزنا وسائر المحرمات، على الأقوى.
(مسألة 866) يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا وإن كان في
رده مؤنة، بل وإن استلزم رده الضرر عليه، فلو جعل الحجر المغصوب في
بناء وجب عليه اخراجه إذا كان له بعد الاخراج قيمة ورده لو أراده المالك
وإن أدى ذلك إلى خراب البناء، وكذا اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه
نزعه إذا كان له بعد النزع قيمة إلا إذا خيف الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة
أو مال محترم لغير الغاصب العامد، فيصبر المالك حتى يرتفع ذلك المحذور،
وعلى الغاصب أجرته في المدة التي كان تحت يده. وإذا نقصت قيمة المغصوب
بسبب استعماله أو بسبب نزعه ضمن الغاصب النقص.
وكذا إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن بقيت للخيوط قيمة بعد نزعها
كان للمالك إلزامه بذلك ولو تعيب الثوب، وإن لم يبق للمغصوب قيمة بسبب
خرابه فالظاهر أنه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل وليس للمالك
مطالبته بالعين.
(مسألة 867) إذا مزج المغصوب بما يمكن تمييزه ولو بمشقة كما لو مزج
الحنطة بالشعير أو الحمص باللوبيا أو الذرة بالدخن، ولم يرض المالك به
مخلوطا يجب عليه أن يميزه ويرده إليه.
(مسألة 868) يجب على الغاصب مضافا إلى رد العين إعطاء بدل منفعتها
في تلك المدة إن كانت لها منفعة، سواء استوفاها أم بقيت العين معطلة.
250

(مسألة 869) إذا كانت للعين منافع متعددة وكانت معطلة فالمدار على
المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين ولا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض المنافع،
فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلة لأن تستعمل لمنافع
أخرى، فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين.
ولو فرض تعدد المنافع المتعارفة منها وكانت أجرة بعضها أكثر ضمن
الأكثر. والظاهر أن الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا، فمع تساوي المنافع في
الأجرة عليه أجرة ما استوفاه، ومع التفاوت عليه أجرة الأكثر، سواء استوفى
الأكثر أجرة أو الأقل.
(مسألة 870) إذا كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى وكيله
إن كان كاملا، وإلى وليه إن كان قاصرا، كالصبي والمجنون، فلو رده إليه لم
يرتفع عنه الضمان.
وإذا كان المغصوب منه هو النوع، كغصب الموقوف على الفقراء وقف منفعة
، فإن كان له متول خاص يرده إليه، وإلا فيرده إلى الولي العام وهو الحاكم،
وليس له أن يرده إلى بعض أفراد النوع كأحد الفقراء في المثال المذكور. نعم في
مثل المساجد والشوارع والقناطر يكفي في ردها رفع اليد عنها وإبقاؤها على
حالها، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس، فإذا غصب مدرسة يكفي
في ردها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة، لكن الأحوط الرد إلى
الناظر الخاص لو كان وإلا فإلى الحاكم، أو إلى الموقوف عليهم الساكنين فيه
قبل الغصب بإذن المتولي الشرعي.
(مسألة 871) إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب
فلا إشكال، وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب، فإنه
يجب عليه إعادة المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك. أما إذا كان المالك في
غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه إما بتسليمه له في
251

ذلك البلد، أو بنقله إلى بلد الغصب. وإن كان المالك في بلد آخر غير بلد الغصب وبلد المال
فله إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، وهل للمالك إلزامه بنقله إلى البلد الذي
هو فيه، فيه إشكال لكن لو ألزمه فالأحوط (وجوبا) قبول النقل إليه.
(مسألة 872) إذا حدث في المغصوب عيب وجب على الغاصب رده
معيبا مع أرش النقصان، وهو التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا وليس
للمالك إلزامه بأخذ المعيب ودفع تمام القيمة. ولا فرق على الظاهر بين العيب
المستقر والعيب الذي يتزايد شيئا فشيئا حتى يتلف المال بالمرة، فعليه رد المعيب
مع أرش ما تلف من قيمته، نعم إذا لم يكن لأحد فيه رغبة وصار مما لا يبذل
بإزائه مال، فهو في حكم التلف يضمن الغاصب مثله في المثلي وتمام قيمته في
القيمي.
(مسألة 873) إذا كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية، رده
الغاصب ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
(مسألة 874) إذا تلف المغصوب أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد
والمقبوض بالسوم قبل رده إلى المالك، ضمنه بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن
كان قيميا. والمراد بالمثلي ما تساوت قيمة أجزائه لتقاربها في غالب الصفات
والخواص كالحبوب من الحنطة والشعير والأرز والذرة والعدس وغيرها،
وكذا الأدهان والأدوية ونحوها، والمراد من القيمي ما يكون بخلافه كأنواع
الحيوان والثياب والجواهر الكبيرة.
(مسألة 875) إنما يحكم بأن هذا الشئ مثلي بملاحظة أفراد كل صنف
من أصنافه، فإذا كان له أصناف كثيرة لا بد أن يكون الضمان من صنف
التالف، فلا يجوز دفع الأرز المصري مثلا بدل الأرز البسمتي، وهكذا، نعم
لا ينظر إلى التفاوت اليسير بين أفراد الصنف الواحد.
252

(مسألة 876) إذا تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته، وإن تفاوتت قيمته
يوم التلف ويوم الغصب ويوم التعذر ويوم الدفع فالمدار على قيمة يوم الدفع
دون غيره.
(مسألة 877) يكفي في التعذر الذي يوجب دفع القيمة فقدانه في البلد
وما حوله مما ينقل منه إليه عادة.
(مسألة 878) إذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه شراؤه
ودفعه إلى المالك حتى لو كان حرجيا، لأن الحرج لا يجوز منع حق الغير ولا
التصرف في ماله.
(مسألة 879) إذا وجد المثل ولكن نزلت قيمته لم يكن على الغاصب إلا
إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت، بل ليس له الامتناع عن
الأخذ فعلا وإبقائه في ذمة الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد
الأداء وتفريغ ذمته فعلا.
(مسألة 880) إذا سقط المثل عن المالية بالمرة بسبب الزمان أو المكان
فالظاهر أنه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، فلو غصب منه ثلجا في
الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو غصب منه ماء في
صحراء فأراد أن يدفع إليه ماء في البلد، فليس له ذلك وللمالك الامتناع، فله
أن يصبر حتى يصير ذا قيمة فيطالبه بالمثل، وله أن يطالبه بالقيمة فعلا كما إذا
تعذر المثل، وحينئذ لا
يبعد ضمان قيمة مكان التلف وزمانه إذا كان تالفا، وأما مع بقائه فلا يبعد
وجوب قيمته في آخر زمان أو مكان سقط بعده عن القيمة.
(مسألة 881) إذا تلف المغصوب وكان قيميا ضمن قيمته، فإن تفاوتت
قيمته السوقية بأن كانت قيمته يوم الغصب أكثر من قيمته يوم التلف أو
العكس، فالأقوى مراعاة قيمة يوم التلف، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط
والتصالح فيما به التفاوت.
253

وأما إن كان تفاوت قيمته من جهة زيادة ونقص في العين كالسمن والهزال
فيراعى أعلى القيمة وأحسن الأحوال، بل لو فرض أن قيمته ارتفعت بعد
الغصب ثم زال ارتفاعها ثم تلف المغصوب، كأن كان الحيوان هزيلا حين
الغصب ثم سمن ثم عاد إلى الهزال وتلف، فإنه يضمن قيمته حال سمنه.
(مسألة 882) إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان، كما إذا كان المغصوب
في بلد الغصب بعشرة وفي بلد التلف بعشرين، فالظاهر اعتبار محل التلف.
(مسألة 883) إذا تعذر على الغاصب عادة تسليم المغصوب، وجب عليه
دفع مثله أو قيمته، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على اخراجه أو
شردت الدابة ونحو ذلك، ويسمى ذلك بدل الحيلولة ويملك المالك البدل ويبقى
المغصوب أيضا في ملكه، فإن أمكن بعد ذلك تسليم عين المغصوب رده
الغاصب إليه وأخذ البدل. ولو كان للبدل نمأ ومنافع في تلك المدة كان
للمغصوب منه، إلا نماؤه المتصل كالسمن فهو تابع للعين. وأما المبدل فنماؤه
ومنافعه لمالكه لأنه باق على ملكه، لكن الغاصب لا يضمن منافعه غير
المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.
(مسألة 884) القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات
عند تعذر المثل تكون نقد البلد الرائج، وكذا جميع الغرامات والضمانات،
فليس للضامن دفع غيره إلا بالتراضي.
(مسألة 885) الظاهر أن الفلزات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص
والنحاس كلها مثلية، حتى الذهب والفضة مضروبين أو غير مضروبين،
فتضمن جميعها بالمثل، وعند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات المتعذرة
المثل، ولكن الأحوط (وجوبا) في تقديم الذهب أو الفضة أن يكون بغير جنسه
حتى يبتعد عن الربا.
(مسألة 886) إذا تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثم تلفت ضمن
الجميع، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كل واحد منهم،
254

وعلى أكثر من واحد بالتوزيع متساويا أو متفاوتا، فلو كان الغاصبون بالتوالي
عشرة مثلا، فله أن يرجع على الجميع ويأخذ من كل منهم عشر ما يستحقه
من البدل، وله أن يأخذ من أحدهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع،
متساويا أو بالتفاوت.
هذا حكم المالك معهم، أما حكم بعضهم مع بعض، فالغاصب الأخير الذي
تلف المال عنده عليه قرار الضمان، بمعنى أنه لو رجع عليه المالك وغرمه لم
يرجع هو على غيره بما غرمه، إلا إذا كان مغرورا فيرجع على الغار. أما لو
رجع المالك على غيره من الغاصبين فله أن يرجع على الأخير الذي تلف المال
عنده، كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى الأخير.
(مسألة 887) إذا غصب شيئا مثليا مصنوعا صنعة محللة كالحلي من
الذهب والفضة وآنية النحاس وشبهها فتلف عنده أو أتلفه، ضمن مثل مادته
وقيمة صنعته، ويحتمل قريبا في المصنوع الذي لا توجد له أمثال بخصوصياته
أن يكون قيميا، فالأحوط التصالح.
أما المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدا، كالمصنوعات بالمكائن والمعامل
من أنواع الحلي والظروف والأدوات والثياب وغيرها، فالأقرب أنها مثلية
فتضمن كلها بالمثل مع مراعاة صنفها.
(مسألة 888) إذا غصب المصنوع وتلفت عنده هيأته وصنعته فقط
وبقيت عين مادته رد العين وعليه قيمة الصنعة، وليس للمالك إلزامه بإعادة
الصنعة، وليس عليه القبول لو بذل الغاصب إعادتها.
(مسألة 889) إذا كان المغصوب المثلي مصنوعا بصنعة محرمة كآلات
القمار والملاهي وآنية الذهب والفضة ونحوها، لم يضمن الصنعة، سواء أتلف
الصنعة وحدها أو أتلفها مع العين، فيرد مادة المغصوب فقط أو بدلها.
255

(مسألة 890) إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش
النقصان، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغيره.
(مسألة 891) إذا غصب شيئين وكانت قيمة كل واحد منهما منفردا أقل
منها إذا كانا مجتمعين كمصراعي الباب والخفين، فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن
قيمة التالف مجتمعا ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده، فلو كانت
قيمتهما مجتمعين عشرة وقيمة كل منهما منفردا ثلاثة رد الموجود وضمن التالف
بخمسة وضمن نقص الموجود اثنين. والأرجح أنه يضمن السبعة أيضا إذا
غصب أحدهما فقط فتلف عنده أو أتلفه.
(مسألة 892) زيادة العين المغصوبة بفعل الغاصب إما أن تكون أثرا محضا
، كخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام
وصياغة الفضة ونحو ذلك. أو عينية محضة، كغرس الأشجار والبناء في
الأرض المستوية ونحو ذلك. أو أثرا مشوبا بالعينية كصبغ الثوب ونحوه.
(مسألة 893) إذا كانت الزيادة أثرا محضا رد العين كما هي ولا شئ له
لأجل تلك الزيادة ولا لأجل عمله، وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما
كانت بدون إذن المالك. بل لو أزاله بدون إذنه ضمن له قيمته وإن لم تنقص
بذلك العين، وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الأولى للعين إذا كان
فيه غرض عقلائي، ولا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة. نعم لو ورد
نقص على العين ضمن أرشه.
(مسألة 894) إذا غصب أرضا فزرعها أو غرسها ببذره وغرسه فالزرع
والغرس ونماؤهما للغاصب وعليه أجرة الأرض ما دامت مزروعة أو
مغروسة، وعليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرر بذلك، وعليه أيضا طم
الحفر وأرش النقص إن نقصت الأرض بالزرع والقلع إلا أن يرضى المالك
بالبقاء مجانا أو بأجرة. ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب
على الغاصب
256

إجابته، وكذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على
صاحب الأرض قبولها. وكذا لو بنى بناء في الأرض المغصوبة وكانت مواد
البناء للغاصب فحكمه حكم الغرس بلا فرق.
ولو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمها إذا طلب المالك،
وليس له طمها إذا منعه من طمها بل مع عدم طلبه أيضا.
(مسألة 895) إذا غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغرس أو أجزاء
البناء لصاحب الأرض، كان الكل له، وليس للغاصب قلعها أو المطالبة
بالأجرة، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك.
وعلى الغاصب أيضا أرش النقص وكسر القيمة إن حدث.
(مسألة 896) إذا غصب ثوبا وصبغه بصبغه، فإن أمكن إزالته مع بقاء
مالية للصبغ كان له ذلك وليس لمالك الثوب منعه، كما أن للمالك إلزامه به،
ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب مالك
الثوب من الغاصب أن يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته، وكذا لا يجب
على المالك إجابة الغاصب إذا طلب منه أن يملكه الثوب. هذا إذا أمكن إزالة
الصبغ، وأما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب
المغصوب بنسبة القيمة بعد الصبغ لا قبله بشرط بقاء مالية لصبغه. فلو زادت
قيمة أحدهما بعد الصبغ كانت الزيادة له، ولو نقصت قيمة المصبوغ بالصبغ
فعلى الغاصب الأرش.
(مسألة 897) إذا صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب، وبقيت مالية
الصبغ حصلت الشركة بين صاحبي الثوب والصبغ بنسبة قيمة كل منهما بعد
الصبغ، ولا غرامة على الغاصب إذا لم تنقص قيمة الثوب أو الصبغ، وإن
نقصت ضمنه الغاصب لمن ورد عليه.
(مسألة 898) إذا مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير
اختياره، مزجا رافعا للتمييز بينهما، فإن كان بجنسه وكانا متماثلين
257

ومتساويين في الجودة، تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما وليس على الغاصب غرامة بالمثل
أو القيمة. وإن خلط المغصوب بما هو أجود منه أو أردأ، تشاركا أيضا بنسبة
المالين، وكان تقسيم العين أو الثمن بينهما بنسبة القيمة، والأحوط (استحبابا) في
اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة لا
التقسيم بالتفاضل بنسبتها، وذلك للابتعاد عن شبهة الربا في الثاني.
أما إذا اختلط بغير جنسه فإن كان يعد معه تالفا، كما إذا اختلط ماء
الورد المغصوب بالزيت، ضمن الغاصب المثل، وإن لم يعد تالفا، كما لو
خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل بالعسل، فالظاهر أنه بحكم
الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين
ويقسمان العين أو يوزعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما تقدم.
(مسألة 899) إذا خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قيمة
المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين، ضمن الغاصب النقص المالي
الوارد على المغصوب، فيستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن وما
بقي يكون للغاصب. ولو زادت قيمة المجموع بعد الخلط، فالظاهر أن الزيادة
لصاحب الأردأ.
(مسألة 900) فوائد المغصوب مملوكة لمالكه وإن تجددت بعد الغصب،
وهي كلها مضمونة على الغاصب أعيانا كانت كاللبن والولد والشعر والثمر أو
منافع كسكنى الدار وركوب الدابة. بل يضمن الغاصب أيضا كل صفة تزيد
بها قيمة المغصوب إذا وجدت في زمان الغصب ثم زالت ونقصت بزوالها
قيمته، وإن رد العين كما كانت قبل الغصب. فلو غصب دابة هزيلة ثم سمنت
الدابة فزادت قيمتها بسبب ذلك ثم هزلت، ضمن الغاصب تلك الزيادة التي
حصلت ثم زالت، وكذا لو زادت قيمتها لزيادة صفة ثم زالت تلك الصفة ثم
عادت، فإن الأقوى أن الغاصب يضمن تلك الصفة وإن عادت.
258

(مسألة 901) إذا حصلت في المغصوب صفة فزادت قيمته ثم زالت
فنقصت، ثم حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته، فلا يزول ضمان
الزيادة الأولى ولا ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية، كما إذا سمنت الدابة
المغصوبة ثم هزلت فنقصت قيمتها ثم دربها على العمل فزادت قيمتها بقدر
الزيادة الأولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الأولى.
(مسألة 902) إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته
مثلا كان الزرع والفرخ للمغصوب منه، وكذا لو غصب خمرا فصارت خلا أو
غصب عصيرا فصار خمرا عنده ثم صار خلا، فإنه ملك للمغصوب منه لا
الغاصب. أما لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى وأولدها، فالولد لصاحب
الأنثى وإن كان هو الغاصب، وعليه أجرة الضراب وإن لم يكن صاحب الأنثى.
(مسألة 903) جميع ما مر من أحكام الضمان وكيفيته وتفاصيله تجري
في كل يد وضعت على مال الغير بغير حق وإن لم تكن عادية أو غاصبة أو
ظالمة، إلا في موارد الأمانات، مالكية كانت أو شرعية كما تقدم في كتاب
الوديعة، فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة، وما وضعت عليه
اليد بسبب الجهل والاشتباه، كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباها، أو
أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله وغير ذلك.
(مسألة 904) كما أن اليد الغاصبة وما بحكمها توجب الضمان، ويسمى
ضمان اليد، كذلك يوجبه الاتلاف، سواء كان بالمباشرة أو التسبيب كما يأتي.
(مسألة 905) الاتلاف بالمباشرة كما لو ضرب إناء فكسره أو رمى شيئا
في النار فأحرقه، وأمثال ذلك. وأما الاتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شئ يترتب
عليه التلف ولو بالواسطة، كما لو حفر بئرا في الطريق فوقع فيها انسان أو
حيوان، أو طرح ما يعثر به ويزلق كقشور الموز والبطيخ، أو طرح مسامير
فأعطب سيارة وأضر بركابها أو أخرج ميزابا على الطريق
259

فأضر بالمارة أو ألقى صبيا أو حيوانا يضعف عن الفرار في صحراء
فهلك أو مسبعة فقتله السبع، ومن ذلك ما لو فك القيد عن الدابة
فشردت أو شغل سيارة وتركها فاصطدمت، أو فتح قفصا عن طائر فطار،
وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا ويكون عليه غرامة
التالف وبدله، إن كان مثليا فبالمثل وإن كان قيميا فبالقيمة، وإن صار سببا
لتعيب المال كان عليه الأرش، كما مر في ضمان اليد.
(مسألة 906) إذا غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا، أو حبس
مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها، لم يضمن بسبب التسبيب إلا
إذا انحصر غذاء الولد بالارتضاع من أمه وانحصر حفظ الماشية بحراسة راعيها
، فالأقوى حينئذ أن عليه الضمان.
(مسألة 907) من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح أنبوب ماء أو
سائل آخر فسال وتلف، ولو فتح غطاء إناء فيه مائع ثم قلبته الريح مثلا فسال
ما فيه وتلف، فالأقوى الضمان أيضا، خصوصا إذا كان الإناء في معرض ذلك.
(مسألة 908) إذا دل سارقا على مال فسرقه لم يكن على الدال ضمان،
أما إذا فتح بابا على مال فسرق، فهو يختلف باختلاف الموارد ويشكل القول
بأنه ليس تسبيبا موجبا للضمان.
(مسألة 909) إذا وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال أو
نفس لم يضمن صاحبه، إلا إذا كان بناه مائلا إلى الطريق أو مال إليه بعدما
كان مستويا وتمكن صاحبه من تقويمه أو الاعلام عن خطره ولم يفعل،
فالأقوى أن عليه الضمان في الصورتين.
(مسألة 910) إذا وضع إناءا مثلا على حائطه فسقط وتلف به مال أو
260

نفس، لم يضمن إلا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه بنحو يسقط مثله أو
يكون في معرض السقوط، بشرط أن لا يكون ذلك بإقدام من التالف أو
المتلف منه.
(مسألة 911) من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا أو نحوها في
ملكه وداره أكثر من قدر حاجته ويعلم أو يظن تعديها إلى ملك جاره، بل
الظاهر وجوب الضمان مع علمه أو ظنه بتعديها ولو كانت بمقدار الحاجة، بل لا
يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدية فتبين خلافه. نعم لو كانت شرائط
النار ونحوها بحيث يؤمن معها التعدي فصادف سبب آخر فتعدت فالأقوى عدم
الضمان.
(مسألة 912) إذا أرسل الماء في ملكه فتعدى إلى ملك غيره فأضر به
ضمن مطلقا ولو مع اعتقاده عدم التعدي فضلا عما لو علم أو ظن به،
بشرط أن لا يكون ذلك مستندا إلى فعل المتضرر وإلا فلا ضمان، وإن كان
مستندا إلى غيرهما فالضمان عليه.
(مسألة 913) إذا أسند الحمال حمله إلى الجدار بدون إذن صاحب الجدار
فوقع الجدار بسببه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه. ولو أسند حمله إلى
الجدار فأتلف شيئا ضمنه، سواء وقع في الحال أو بعد ساعة إذا كان التلف
مستندا إلى إسناده.
(مسألة 914) إذا فتح قفصا عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة
شخص مثلا ضمنها الفاتح، وكذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب
بخروجه فسقط القفص وانكسر ضمنه.
(مسألة 915) إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته، فإن كان
معها صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته، وإن لم يكن
معها، بأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره، ضمن ما أتلفته ليلا،
ولم يضمن ما أتلفته نهارا.
261

(مسألة 916) ما تتلفه الشاة أو الدابة إذا كانت بيد الراعي أو المستعير
أو المستأجر يضمنه الراعي والمستأجر والمستعير، لا المالك والمعير.
(مسألة 917) إذا اجتمع سببان للاتلاف بفعل شخصين، فإن لم يكن
أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، وإلا كان الضمان على المتقدم في
التأثير، فلو حفر شخص بئرا في الطريق ووضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر
به انسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر
، ويحتمل قويا اشتراكهما في الضمان مطلقا.
(مسألة 918) إذا اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون
فاعل السبب، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع آخر فيها إنسانا أو
حيوانا، كان الضمان على الدافع دون الحافر إن كان الدافع مختارا في دفعه،
وأما إذا خرج عن اختياره فالضمان على الحافر إن كان البئر موجبا للتلف، كما
أنه لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر، فلو
وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمد رجله فكسرها كان الضمان على
الواضع دون النائم.
(مسألة 919) لو أكره على إتلاف مال الغير ولم يكن ذلك المال في يده
أو كان في يده على غير ضمان كالوديعة كان الضمان على من أكرهه وليس عليه
ضمان، لكون ذي السبب أقوى من المباشر. وإذا كان المال مضمونا في يده،
كما إذا غصب مالا فأكرهه شخص على إتلافه، فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك
الرجوع على أيهما شاء، فإن رجع على المكره (بالكسر) لم يرجع على المكره
(بالفتح)، بخلاف العكس. أما لو أكرهه على قتل معصوم الدم فقتله فالضمان
على القاتل دون المكره وإن كان عليه العقوبة، فإنه لا إكراه في الدماء.
(مسألة 920) إذا غصب مأكولا مثلا وقال: لمالكه هذا ملكي وطعامي،
أو قدمه إليه ضيافة فأطعمه إياه وهو لا يعلم أنه ملكه، ضمن الغاصب.
262

نعم لو دخل المالك دار الغاصب مثلا ورأى طعاما فأكله باعتقاد أنه طعام الغاصب
فكان طعام الأكل، فالظاهر عدم ضمان الغاصب، وتبرأ ذمته.
(مسألة 921) إذا غصب طعاما من شخص وأطعمه غير المالك على أنه
ماله مع جهل الأكل بأنه مال غيره، ضمن كلاهما، فللمالك أن يغرم أيهما
شاء، فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الأكل، وإن أغرم الأكل رجع على
الغاصب لأنه قد غره.
(مسألة 922) إذا سعى إلى الظالم بأحد أو اشتكى عليه عنده بحق أو
بغير حق، فأخذ الظالم منه مالا بغير حق، لم يضمن الساعي والمشتكي ما
أخذه الظالم، لكن يأثم الساعي بسعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق، وإنما
الضمان على من أخذ المال.
(مسألة 923) إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم
تكن بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه بناء على المختار من اشتغال ذمة
الضامن بالقيمة بتلف العين المضمونة. وكذا لو تنازعا في
صفة يزيد بها الثمن، بأن ادعى المالك أنها كانت موجودة يوم غصبه أو
حدثت بعده، وإن زالت، وأنكرها الغاصب ولم تكن بينة، فالقول قول
الغاصب مع يمينه.
(مسألة 924) إذا كان على الدابة المغصوبة أو في السيارة المغصوب
رحل ونحوه واختلفا فقال المغصوب منه: هو لي، وقال الغاصب: هو لي ولم
توجد بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه صاحب يد فعلية عليه.
263

كتاب إحياء الموات والمشتركات
إحياء الموات
(مسألة 925) الموات هي الأرض العطلة التي لا ينتفع بها، إما لانقطاع
الماء عنها أو لاستيلاء الماء أو الرمل أو السبخ أو الأحجار عليها، أو
لاستيجامها والتفاف القصب والأشجار فيها أو لغير ذلك، وهي على قسمين:
الأول: الموات بالأصل، وهي ما لم يسبق بالاحياء، وإن لم يعلم ذلك
يعامل معاملة الموات بالأصل.
الثاني: الموات بالعارض، وهي ما عرض عليها الخراب والموتان بعد الحياة
والعمران، كالأراضي الدارسة التي فيها آثار المرور والأنهار والقرى الخربة
التي بقيت منها رسوم العمارة.
(مسألة 926) الموات بالأصل وإن كانت ملكا للإمام عليه السلام
لأنها من الأنفال، لكن يجوز في زمان الغيبة لكل أحد إحياؤها مع الشروط
الآتية ويملكها المحيي على الأقوى، سواء كانت في دار الاسلام أو في دار
الكفر، وسواء كانت في أرض الخراج كأرض العراق أو في غيرها، وسواء كان
المحيي مسلما أو كافرا.
(مسألة 927) الموات بالعارض على قسمين: الأول: ما باد أهلها
264

وصارت بسبب مرور الزمان بلا مالك، كالأراضي الدارسة والقرى والبلاد
الخربة والقنوات الطامسة التي كانت للأمم الماضية، الذين لم يبق منهم اسم
ولا رسم أو نسبت إلى أقوام أو أشخاص لم يعرف منهم إلا الاسم. وهذا بحكم
الموات بالأصل فهي من الأنفال يجوز إحياؤها ويملكها المحيي، ولا يحتاج إلى
الإذن من حاكم الشرع أو الشراء منه.
الثاني: ما كان مالكها موجودا لكن لم يعرف، ولم يعلم إعراضه عنها،
وتسمى مجهولة المالك، ولا إشكال في جواز إحيائها وتعميرها والتصرف فيها
بأنواع التصرفات، وفي جواز تملك عينها ومنفعتها إشكال فالأحوط أن
يتفحص عن صاحبها وبعد اليأس عنه تعامل معاملة مجهول المالك، فيشتري
عينها من حاكم الشرع ويصرف ثمنها على الفقراء، أو يستأجرها منه بأجرة
معينة، أو يقدر ما هو أجرة مثلها لو انتفع بها ويتصدق بها على الفقراء.
وأحوط منه أن يستأذن الحاكم في أصل الاحياء أيضا، فيأذن له على ما
يؤدي إليه نظره من التملك بالاحياء بعوض أو بلا عوض والانتفاع كذلك،
ويتصدق الحاكم بالعوض على الفقراء، كما أن الأحوط لصاحب الأرض التصالح
والتراضي مع المحيي إذا أحياها بقصد التملك.
نعم لو علم أن مالكها قد أعرض عنها أو انجلى عنها أهلها وتركوها لقوم
آخرين جاز إحياؤها وتملكها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم.
(مسألة 928) إذا كان ما طرأ عليه الخراب من أرض أو بناء مملوكا لمالك
معلوم وأعرض عنه جاز لكل أحد إحياؤه وتملكه. وإن لم يعرض عنه فإن أبقاه
مواتا للانتفاع به أرضا مرعى لدوابه أو لبيع حشيشها أو قصبها وخشبها ونحو
ذلك، فلا يجوز لأحد إحياؤها والتصرف فيها بدون إذن مالكها. وكذا إذا كان
هاما بإحيائها عازما عليه وإنما أخره لتهيئة الأسباب المتوقعة الحصول أو لانتظار
وقت مناسب لذلك.
وأما لو ترك تعميرها واصلاحها وأبقاها معطلة حتى خربت لعدم الاعتناء
266

بها، فإن كان سبب ملكه إياها غير الاحياء، كما لو ملكها بالإرث أو الشراء،
فليس لأحد وضع اليد عليها وإحياؤها والتصرف فيها إلا بإذنه. وإن كان
سبب ملكه إياها الاحياء - بأن كانت أرضا مواتا بالأصل فأحياها وملكها ثم
عطلها وترك تعميرها حتى آلت إلى الخراب - فجواز إحيائها لغيره مشكل، فلا
يترك الاحتياط بترك الاحياء بدون إذن المحيي الأول، كما أن الأحوط له أيضا
التراضي والتصالح مع المحيي الثاني لو أحياها بقصد التملك.
(مسألة 929) يجوز حيازة الأجزاء الباقية في الأرض التي يجوز إحياؤها
من أحجارها وأخشابها وآجرها وغيرها، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك
.
(مسألة 930) إذا كانت الأرض موقوفة على عنوان، وطرأ عليها
الموتان والخراب، فإن كانت وقفا قديما لا يعلم كيفية وقفها غير كونها وقفا
على قوم ماضين لم يبق منهم اسم ولا رسم، فالظاهر أنها من الأنفال، فيجوز
إحياؤها.
وإن علم أنها وقف على جهة إما على مسجد أو مشهد أو مقبرة أو
مدرسة أو غيرها، لكن لم تعرف الجهة بعينها، أو علم أنها وقف على أشخاص
لكن لم يعرفوا بأشخاصهم وأعيانهم، كما إذا علم أن مالكها قد وقفها على
ذريته ولم يعلم من الواقف ومن الذرية، فالأحوط عدم القيام بإحيائها
والتصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي مع عدم العلم بالمتولي المنصوص لها، ثم
لا تصرف أجرة المثل في وجوه البر فيما كان موقوفا على جهة، ولا على الفقراء
فيما كان موقوفا على أشخاص إلا بإذن الحاكم الشرعي.
وأما لو طرأ الموتان على الوقف الذي علم مصرفه أو الموقوف عليهم، فلا
يجوز لأحد أن يتصرف فيها أي تصرف إلا بإذن المتولي المنصوص أو الحاكم
أو الموقوف عليهم، وكذا لا يجوز صرف أجرة المثل في مصرفها إلا
267

بإذن المتولي أو الحاكم. نعم يعطى الموقوف عليهم حقهم إذا لم يكن للموقوفة متول
منصوص. ولو أقدم أحد على إحيائه وعمره وجب عليه صرف منفعته في
مصرفه المعين.
(مسألة 931) من أحيا مواتا بإحداث شئ من دار أو بستان أو مزرعة
أو غيرها تبع ذلك الشئ الذي أحدثه مقدار من الأرض الموات القريبة منه مما
يحتاج إليها لتمام الانتفاع به ويتعلق بمصالحه عادة، ويسمى حريما، ويختلف
مقدار الحريم زيادة ونقيصة باختلاف ذي الحريم، فما تحتاج إليه الدار من
المرافق بحسب العادة غير ما يحتاج إليه البئر والنهر مثلا، وهكذا باقي الأشياء
، بل يختلف باختلاف البلاد والعادات أيضا، فيكون الحريم تابعا للمحيا، ولا
يجوز لأحد إحياءه إلا برضا صاحبه، وإن أحياه لم يملكه وكان غاصبا.
(مسألة 932) حريم الدار مطرح ترابها وكناستها ورمادها ومصب مائها
ومطرح ثلوجها ومسلك الدخول والخروج منها في الصوب الذي يفتح إليه
الباب، فلو بنى دارا في أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حواليها،
فليس لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضى صاحب الدار. وليس المراد من
استحقاق الممر في قبالة الباب استحقاقه على الاستقامة وعلى امتداد الموات،
بل المراد أن يبقى مسلك له يدخل ويخرج إلى الخارج بنفسه وعياله وأضيافه
وما يتعلق به من دوابه وأحماله وأثقاله بدون مشقة بأي نحو كان، فيجوز
لغيره احياء ما في قبالة الباب من الموات إذا بقي له الممر ولو بانعطاف
وانحراف.
وحريم الحائط لو لم يكن حز من الدار - بأن كان مثلا جدار حصار أو
بستان أو غير ذلك - مقدار ما يحتاج إليه لطرح التراب والآلات وبل الطين
لو انتقض واحتاج إلى البناء والترميم.
وحريم النهر مقدار مطرح طينه وترابه إذا احتاج إلى التقية، والمجاز على
حافتيه للمواظبة عليه ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه.
268

وحريم البئر ما يحتاج إليه لأجل السقي منها والانتفاع بها من الموضع الذي
يقف فيه النازح إن الاستقاء منها باليد، وموضع الدولاب ومتردد البهيمة إن
كان الاستقاء بهما، ومصب الماء والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية أو
الزرع من حوض ونحوه، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منها من الطين
وغيره لو اتفق الاحتياج إليه.
وحريم العين ما يحتاج إليه لأجل الانتفاع بها أو اصلاحها وحفظها على
قياس وغيرها.
(مسألة 933) للمياه المستنبطة كالبئر والعين والقناة الجارية حريم بمعنى
آخر، وهو المقدار الذي لا يحق لأحد أن يستنبط فيه ماء آخر بدون إذن صاحبه،
وهو في البئر أربعون ذراعا إذا كان حفرها لأجل استقاء الماشية ونحوها، وستون
ذراعا إذا كان لأجل الزرع ونحوه، وفي العين والقناة خمسمأة ذراع في الأرض
الصلبة وألف ذراع في الأرض الرخوة. ولو فرض أن الثانية تضر بالأولى
وتنقص ماءها حتى مع البعد المذكور فالأحوط إن لم يكن أقوى زيادة البعد بما
يندفع به الضرر أو التراضي مع صاحب الأولى كما أن الأحوط لصاحب الأولى
أن لا يمنع الثاني من الحفر في مكان لا يعلم أنه مضر بالأولى.
(مسألة 934) الحريم المذكور للآبار والعيون إنما هو في استنباط الماء لا
في إحياء الأرض، فيجوز إحياء الأرض دون المسافة المذكورة مع حفظ
حريم البئر والعين الذي تحتاج إليه.
(مسألة 935) الظاهر أن البعد بالمسافة المذكورة إنما يعتبر بالنسبة إلى
البئر التي ينبع منها الماء سواء كانت واحدة أو أكثر. أما بالنسبة إلى سائر
الآبار التي هي مجرى المياه فقط فلا يعتبر ذلك، بل الملاك فيها هو عدم تضرر
القناة فيجب البعد عنها بما يندفع منه الضرر.
269

(مسألة 936) حريم القرية المبنية في الموات ما يتعلق بمصالحها ومصالح
أهلها من طرقها المسلوكة منها وإليها ومسيل مائها ومجمع ترابها وكناستها
ومطرح سمادها ورمادها ومشرعها، ومجمع أهاليها لمصالحهم على حسب مجرى
عاداتهم، ومدفن موتاهم، ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وغير ذلك. فليس لأحد
إحياؤه ولو أحياه لم يملكه.
والمراد بالقرية البيوت المجتمعة المسكونة، فلا يثبت هذا الحريم للضيعة
والمزرعة ذات المزارع والبساتين المتصلة إذا كانت خالية من المساكن
والسكنة، فلو استنبط شخص عينا أو قناة في فلاة وأحيا أرضا مبسوطة
بمقدار ما يكفيه ماء العين، وزرع فيها وغرس نخيلا وأشجارا، لم يكن
الموات المجاور لتلك المحياة حريما لها فضلا عن التلال والجبال القريبة منها، بل
لو أحدث في تلك الأرض بعد الاحياء دورا ومساكن حتى صارت قرية كبيرة
يشكل ثبوت الحريم لها، فالقدر المتيقن من ثبوت الحريم إذا أحدثت القرية في
أرض موات. نعم للمزرعة بنفسها أيضا حريم، وهو ما تحتاج إليه في مصالحها
ويكون من مرافقها من مسالك الدخول والخروج ومحل بيادرها وحظائرها
ومجتمع سمادها وترابها ومرعى مواشيها بمقدار الحاجة، وغير ذلك.
(مسألة 937) حد المرعى الذي هو حريم للقرية ومحتطبها مقدار حاجة
أهاليها بحسب العادة، بحيث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا في ضيق
وحرج، ويختلف ذلك بكثرة الأهالي وقلتهم وكثرة المواشي والدواب وقلتها.
(مسألة 938) إذا كانت موات بقرب العامر ولم تكن من حريمه ومرافقه
جاز لكل أحد إحياؤها ولم تختص بمالك ذاك العامر ولا أولوية له، فإذا ظهر
شاطي من النهر قرب أرض محياة أو بستان مثلا فهو كسائر الموات، فمن
سبق إلى إحيائه وحيازته كان له، وليس لصاحب الأرض أو البستان منعه.
(مسألة 939) الظاهر أن حريم القرية كحريم القناة ليس ملكا لسكانها
وأهليها، بل إنما لهم حق الأولوية والمنع عما يزاحم حقهم لا غير.
270

وأما حريم النهر والدار ففي مثل الممر والمدخل ومجاري المياه ومطرح الثلج
من حريم الدار مما يعد محيا عند العرف لا حريما فالظاهر أنه ملك لصاحبهما
فيجوز له بيعه منفردا. أما مثل مطرح التراب والكناسة فالظاهر عدم الفرق
فيه بين الدار والقرية.
(مسألة 940) حريم الأملاك المتقدم إنما هو في المبتكر في أرض موات،
وأما الأملاك المتجاورة فلا حريم لها، فلو أحدث أحد المجاورين في آخر حدود
ملكه بستانا أو نهرا لم يكن لهما حريم في ملك الآخر، وكذا لو استنبط
أحدهما ماء في ملكه كان للآخر استنباط ماء في ملكه وإن لم يكن بينهما الحد
المتقدم.
(مسألة 941) ذكر جماعة أنه يجوز لكل من المالكين المتجاورين
التصرف في ملكه بما شاء وحيث شاء وإن استلزم ضررا على الجار، لكنه
مشكل على إطلاقه، بل الحق عدم جواز ما يكون سببا لعروض فساد في
ملك الجار، كما إذا دق دقا عنيفا فأوجب خللا في حائط دار جاره، أو حبس
الماء في ملكه بحيث تسري نداوته في حائط جاره، أو أحدث بالوعة أو كنيفا
بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها، بل وكذا لو حفر بئرا بقرب بئره إذا
أوجب نقص مائها وكان ذلك من جهة جذب الثانية ماء الأولى، وأما إذا كان
من جهة أن الثانية أعمق وأن الماء يصل إليها من عروق الأرض قبل أن يصل
إلى الأولى، فالظاهر أنه لا مانع منه، والمرجع في ذلك أهل الخبرة.
وكذا لا مانع من تعلية البناء وإن كان مانعا من الشمس والقمر والهواء،
أو جعل داره مدبغة أو مخبزا مثلا إذا لم يكن بقصد الايذاء، وكذا فتح نافذة
في جداره مشرفة على دار جاره أو لسحب الهواء، فإن المحرم هو التطلع
على دار الجار لا مجرد فتح نافذة.
271

(مسألة 942) لا يخفى أن أمر الجار شديد، وقد حث الشرع الأقدس
على رعايته، والأخبار في وجوب كف الأذى عن الجار وفي الحث على حسن
الجوار كثيرة، فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ما زال جبرئيل يوصيني
بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله أمر عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر -
قال الراوي ونسيت آخر وأظنه المقداد - أن ينادوا في المسجد بأعلى صوتهم بأنه لا
إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثا.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام عن أبيه قال: قرأت في كتاب علي عليه
السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم
من أهل يثرب: أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار كحرمة أمه.
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حسن
الجوار يعمر الديار وينسي في الأعمار.
فينبغي لكل من يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله واليوم الآخر
الاجتناب عن كل ما يؤذي الجار وإن لم يكن مما يوجب فسادا وضررا في
ملكه.
(مسألة 943) يشترط في التملك بالاحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير
، فإن التحجير يفيد أولوية المحجر في الاحياء والتملك من غيره، فله منعه.
ولو أحياه قهرا على المحجر لم يملكه.
والمراد بالتحجير أن يحدث ما يدل على إرادة الاحياء، كوضع أحجار أو
جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه
وجوانبه، أو الشروع في إحياء ما يريد إحياءه، كما إذا حفر بئرا من آبار قناة
دارسة يريد إحياءها، فإنه تحجير لسائر آبار القناة، بل هو تحجير للأرض
الموات التي تسقى بمائها، فليس لأحد إحياء تلك القناة والأراضي، وكما إذا
أراد إحياء أجمة فيها ماء وقصب فعمد إلى قطع مائها فقط فهو تحجير لها،
فليس لأحد إحياؤها بقطع قصبها.
272

(مسألة 944) لا بد أن يكون التحجير مضافا إلى دلالته على إرادة أصل
الاحياء، دالا على مقدار ما يريد إحياءه أيضا، فلا بد أن يكون مثل وضع
الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب مثلا من جميع الجوانب. نعم تقدم في
مثل القناة الدارسة أن الشروع في حفر بئر منها تحجير للباقي وللأرض التي
تسقيها. بل إذا حفر بئرا في أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة، يمكن
القول بأن عمله تحجير بالنسبة إلى أصل القناة وبالنسبة إلى الأرض التي تسقى
بمائها، فليس لأحد إحياء ذلك إلا بعد أن يتم القناة ويتبين مقدار ما تحتاجه
من الأرض، نعم لا بأس بإحياء البعيد عنها الذي ليس من حريمها ولا من
الأرض التي يصل إليها ماؤها.
(مسألة 945) التحجير يفيد حق الأولوية ولا يفيد الملكية، فلا يصح
بيعه، نعم يصح الصلح عنه، ويورث، ويقع ثمنا في البيع لأنه حق قابل للنقل
والانتقال.
(مسألة 946) يشترط في مانعية التحجير أن يكون المحجر متمكنا من
القيام بإحيائه وإعماره فعلا ولو بالتسبيب، وأما تحجير العاجز فعلا برجاء
حصول القدرة في الأزمنة الآتية فغير مؤثر، بل وإن علم بأنه سوف يقدر على
إحيائه ولكن كان ذلك بعد زمان بحيث يعد فعلا عاجزا. وكذا لو حجر زائدا
على مقدار تمكنه من الاحياء فلا أثر لتحجيره إلا في مقدار ما يتمكن من
إحيائه.
(مسألة 947) لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة، بل يجوز أن
يكون بتوكيل الغير أو استيجاره، فيكون الحق الحاصل بسببه ثابتا للموكل
والمستأجر لا للوكيل والأجير، بل لا يبعد كفاية وقوعه من شخص نيابة عن
غيره ثم إجازة ذلك الغير.
(مسألة 948) إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجر بالتعمير،
فإن كان ذلك مستندا إلى طول الزمان والتهاون في الاحياء، بطل حقه وعاد
273

الموات إلى ما كان عليه قبل التحجير. وإن كان مستندا إلى فعل الغير أو بسبب
غير عادي كالسيل مثلا، فالظاهر بقاء حقه، إلا إذا علم بذلك ولم يجدد
التحجير.
(مسألة 949) ليس للمحجر تعطيل الموات المحجر عليه، بل اللازم أن
يشرع بالعمارة عقيب التحجير، فإن أهمل وطالت المدة وأراد شخص آخر
إحياءه فالأحوط أن يرفع الأمر إلى الحاكم مع وجوده وبسط يده، فيلزم
المحجر بأحد أمرين: إما العمارة أو رفع يده عنه ليعمره غيره، إلا أن يبدي
عذرا موجها مثل انتظار وقت صالح له، أو إصلاح آلاته أو حضور العمال،
فيمهل بمقدار ما يزول معه العذر، فإذا مضت المدة بطل حقه، وليس من العذر
عدم التمكن من تهيئة الأسباب لفقره منتظرا للغنى والتمكن حتى لو كان في
معرض ذلك عن قريب.
وإذا لم يكن حاكم فالظاهر أنه يسقط حقه أيضا إذا طال الاهمال مدة بحيث يعد
في العرف تعطيلا، فيجوز لغيره إحياؤه وليس له منعه، والأحوط (وجوبا)
مراعاة حقه ما لم يمض على مدة تعطيله وإهماله ثلاث سنين.
(مسألة 950) الظاهر أنه يشترط في التملك بالاحياء قصد التملك كالتملك
بالحيازة بالاصطياد والاحتطاب ونحوهما، فلو حفر بئرا في صحراء بقصد أن
يقضي منها حاجته ما دام هناك، لم يملكه، بل لم يكن له إلا حق الأولوية ما
دام مقيما، فإذا ارتحل زالت تلك الأولوية وصارت مباحا للجميع.
(مسألة 951) الاحياء المفيد للملك عبارة عن اخراج الأرض عن صفة
الخراب إلى العمران، إما بجعلها مزرعة أو بستانا، أو مسكنا ودارا، أو
حظيرة للأغنام والمواشي، أو لحوائج أخر متعددة، فلا بد في صدق إحيائها
من العمل فيها إلى حد يصدق عليها عرفا أنها عامرة بأحد عناوين العمران.
ويكفي تحقق أول مراتب وجود العنوان ولا يعتبر حد كماله، أما قبل أول
274

مرتبة من تحقق العنوان فلا يكون إحياء مهما صنع فيه، بل يكون تحجيرا مفيدا للأولوية لا
الملك.
(مسألة 952) يعتبر في إحياء الموات دارا ومسكنا، بعد إزالة الموانع لو
كانت، أن يدير عليها حائطا بما يعتاد في تلك البلاد ولو كان بخشب أو قصب
أو حديد أو غيرها، ويسقف ولو بعضها الذي يمكن أن يسكن فيه. ولا يعتبر
مع ذلك نصب الباب، ولا يكفي إدارة الحائط بدون التسقيف، نعم يكفي ذلك
في إحيائها حظيرة أو لتجفيف الثمار، أو ما شابه.
ولو بنى حائطا في الموات بقصد بناء الدار وتركها بلا سقف مع قصد تملكها
حظيرة، ملكها، وكذا العكس كما لو حوطها بقصد الحظيرة، فبدا له أن يجعلها
دارا، فبعد تتميم الحظيرة تصير ملكا له ويفعل في ملكه ما يشاء.
(مسألة 953) يعتبر في إحياء الموات مزرعة إزالة الموانع وتهيئة الأرض
بتسوية حفرها وإزالة تلالها المانعة عن الزرع، وترتيب مائها بشق ساقية أو
حفر بئر إن كانت تسقى بالماء، وبذلك يتم إحياؤها ويملكها المحيي، ولا يعتبر
حرثها فضلا عن زرعها. وإن كانت لا تحتاج إلى ترتيب ماء كفى تهيئتها للزرع
بدون ترتيب الماء.
وإن لم تحتج إلا إلى سوق الماء كفى في إحيائها إدارة التراب حولها مع
سوق الماء إليها. وإن لم تحتج إلى سوق الماء أيضا وكان يكفيها ماء السماء
فالظاهر أن إحياءها بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها، بل لا يبعد
الاكتفاء بالحرث في تملكها. وأما الاكتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففيه
إشكال، نعم يكون تحجيرا ويفيد الأولوية.
(مسألة 954) يعتبر في إحياء البستان، مضافا إلى ما مر في إحياء
الزرع، غرس أشجارها، ولا يبعد عدم اعتبار سقيها، كما لا يعتبر تحويطها
حتى في البلاد التي جرت عادتهم عليه.
275

(مسألة 955) يتم إحياء البئر في الموات بأن يحفرها حتى يصل إلى الماء
فيملكها بذلك، وقبل ذلك يكون تحجيرا لا إحياءا. والقناة بأن يحفر الآبار إلى
أن يجري ماؤها على الأرض، والنهر بإيصال حفره إلى قرب الماء المباح
كالنهر الكبير ونحوه، بحيث يكون الفاصل بينهما كالمرز، ولا يعتبر
فيه جريان الماء فيه فعلا، وإن اعتبر ذلك في تملك المياه.
المشتركات
(مسألة 956) وهي الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمياه
والمعادن.
(مسألة 957) الطريق نوعان نافذة وغير نافذة، فالطريق النافذة المسماة
بالشارع العام محبوسة على كل الناس وهم فيها شرع سواء، وليس لأحد
إحياؤها والاختصاص بها ولا التصرف في أرضها ببناء حائط أو دكة أو حفر
بئر أو نهر أو غير ذلك وإن لم تضر بالمارة، والظاهر أنه يجوز أن يحفر فيها
بالوعة ليجتمع فيها ماء المطر وغيره لكونها من مصالح الطريق ومرافقها، لكن
مع سدها في غير أوقات الحاجة حفظا للمستطرقين والمارة، بل الظاهر جواز
حفر سرداب تحتها إذا أحكم الأساس والسقف بحيث يؤمن معه من النقض
والخسف.
وأما التصرف في فضاء الطريق باخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط
أو فتح باب أو نصب ميزاب ونحو ذلك، فهو جائز إذا لم يضر بالمارة، وليس
لأحد منعه حتى من يقابل داره داره كما مر في كتاب الصلح.
نعم إذا كانت الطرق وسيعة بحيث تكفي لجميع حوائج المجتازين، ولا تضر
المذكورات بالمارة على حسب حوائجهم العادية، فلا مانع من بناء الحائط أو
حفر النهر أو غرس الأشجار في أطرافها، سيما إذا كان ذلك صلاحا لها كما هو
كذلك في الغالب، وليست هذه التصرفات إلا كإخراج الرواشن إذا لم تضر
بالمارة.
276

أما الطريق غير النافذة المسماة بالسكة المرفوعة أو الدريبة، وهي التي لا يسلك
منها إلى طريق أخرى أو إلى مباح، بل أحيطت من ثلاث جوانبها بالدور
والجدران، فهي ملك لأرباب الدور المفتوحة أبوابها إليها، وهي كسائر الأملاك
المشتركة يجوز لأربابها سدها وتقسيمها بينهم وإدخال كل منهم حصته في داره
على ما يأتي، ولا يجوز لأحد من غيرهم بل ولا منهم أن يتصرف فيها ولا في
فضائها إلا بإذن الجميع ورضاهم.
(مسألة 958) إذا علم أن أرباب الدور المفتوحة في الدريبة كلهم
مشتركون فيها
من أولها إلى آخرها حتى في آخرها الذي لم يفتح إليها باب، فلا يجوز لأحد
منهم التصرف بغير الاستطراق إلا بإذن الجميع، ولكل منهم حق الاستطراق
إلى داره من أي موضع من جداره. أما مع الشك في كيفية اشتراكهم، فلا
يحكم باشتراك الكل إلا فيما هو تحت يد الكل وهو من أول الدريبة إلى الباب
الأول، أما ما بعده فحيث أنه خارج عن يد صاحب الباب الأول فيختص به
غيره من سائر الشركاء، وهكذا إلى أن تنحصر الدريبة بباب واحد فيختص
بها صاحبه دون سائر الشركاء.
(مسألة 959) ليس لمن كان حائط داره إلى الدريبة فتح باب إليها
للاستطراق إلا بإذن أربابها. نعم له فتح شباك إليها وليس لهم منعه لكونه
تصرفا في جداره لا في ملكهم، بل له فتح باب إليها للاستضاءة والتهوية، بل
له أن يخرب جداره كله إذا كان له وفي ملكه، لكن يحرم عليه المرور والتصرف
في الدريبة إلا بإذن مالكيها.
(مسألة 960) يجوز لكل من أرباب الدريبة الجلوس فيها والاستطراق
والتردد منها إلى داره بنفسه وما يتعلق به من عياله ودوابه وأضيافه وعائديه
وزائريه، وكذا وضع الأحمال والأثقال عند إدخالها وإخراجها من دون إذن
الشركاء، بل وإن كان فيهم القصر والمولى عليهم، من دون رعاية المساواة مع
الباقين.
277

(مسألة 961) الشوارع والطرق العامة وإن كانت معدة لاستطراق عامة
الناس وكانت منفعتها الأصلية الاستطراق، لكن يجوز لكل أحد الانتفاع بها
بالجلوس والنوم والصلاة وغيرها لكن بشرط أن لا يضر بالمارة، نعم إذا
تضرر أحد بمثل عدم التمكن من وضع متاعه في مكان هذا الجالس مثلا فلا يحرم
جلوسه.
(مسألة 962) لا فرق في الجلوس غير المضر بين ما كان للاستراحة أو
النزهة، أو للحرفة والمعاملة إذا جلس في الرحاب والمواضع المتسعة، فلو
جلس فيها لأي غرض من الأغراض لم يكن لأحد إزعاجه.
(مسألة 963) إذا جلس في موضع من الطريق ثم قام عنه فإن كان
جلوس استراحة ونحوها بطل حقه وجاز لغيره الجلوس فيه، وكذا إن كان
لحرفة ومعاملة وقام بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود، فلو عاد فرأى غيره
جلس فيه لم يكن له دفعه، وأما لو قام قبل استيفاء غرضه ناويا للعود فإن
بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقه، وإن لم يكن له فيه
شئ ففي بقاء حقه بمجرد نية العود إشكال، فلا يترك الاحتياط.
(مسألة 964) كما لا يجوز مزاحمة الجالس للمعاملة في موضع جلوسه
كذا ما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، بل ليس
لغيره على الأحوط (وجوبا) أن يقعد بحيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول
المعاملين إليه. وأما المارة فلهم المرور في أي مكان من الطريق وإن صار مانعا
من رؤية متاع الغير مثلا.
(مسألة 965) يجوز للجالس للمعاملة أن يظلل على موضع جلوسه بما
لا يضر بالمارة بثوب أو بارية ونحوهما، وليس له بناء دكة ونحوها فيه.
(مسألة 966) إذا جلس في موضع من الطريق للمعاملة في يوم فسبقه في
يوم آخر شخص آخر وأخذ مكانه كان الثاني أحق به، فليس للأول إزعاجه.
278

(مسألة 967) إنما يصير الموضع شارعا عاما بأمور: أحدها: بكثرة
التردد والاستطراق ومرور القوافل في الأرض الموات، كالجادة الحاصلة في
البراري والقفار التي يسلك فيها من بلاد إلى بلاد. الثاني: أن يجعل انسان
ملكه شارعا ويسبله تسبيلا دائما لسلوك عامة الناس ويسلك فيه بعض الناس
، فإنه يصير بذلك طريقا عاما وليس للمسبل الرجوع بعد ذلك. الثالث: أن
يحيي جماعة أرضا مواتا قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن
ويفتحوا إليه الأبواب، والمراد بالنافذ أن يكون له مدخل ومخرج يدخل فيه
الناس من جانب ويخرجون من جانب آخر إلى جادة عامة أو أرض موات.
(مسألة 968) لا حريم للشارع العام إذا كان بين الأملاك، فلا يجب
على أصحاب الأملاك توسعته إذا ضاق على المارة. أما الشارع الذي على
جانبيه موات فقد ورد في عرضه سبعة أذرع، والأحوط في زماننا ترك إحياء
طرفي الشوارع العامة التي تعبر منها السيارات والوسائط الكبيرة بالمقدار
المحتاج إليه، لاحتمال أن يكون التحديد في الروايات وكلمات السابقين
بالخمسة أو السبعة بلحاظ أهل زمانهم، وإلا فحريم الطريق بحسب العرف ما
يحتاج إليه المارة، ولذا تختلف الشوارع والطرق سعة وضيقا بحسب اختلافها
احتياجا.
(مسألة 969) إذا استأجم الطريق، أو انقطعت عنها المارة حتى صارت
مهجورة متروكة بحيث يصدق عليه الموات، زال حكمها بل ارتفع موضوعها
وعنوانها، فيجوز لكل أحد إحياؤها كالموات، من غير فرق في سبب ذلك بين
أن يكون لعدم وجود المارة أو لمنع قاهر إياهم، أو لهجرهم إياها واستطراقهم
غيرها، أو لأسباب أخرى.
(مسألة 970) إذا زاد عرض الطريق عن حاجة المارة وكانت مسبلة فلا
يجوز لأحد أخذ الزائد وتملكه قطعا، وأما غير المسبل فالأحوط (وجوبا)
279

ترك إحيائها أيضا، إلا في مثل الرحاب التي لا يعد إحياء مقدار منها تصرفا في
الطريق عرفا.
(مسألة 971) من المشتركات المسجد، وهو المكان الموقوف للصلاة
وسائر العبادات. والمسجد من مرافق المسلمين يشترك فيه عامتهم وهم شرع
سواء في الانتفاع به إلا بما لا يناسبه، وبما نهى الشرع عنه كمكث الجنب فيه
ونحوه. فمن سبق إلى مكان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل
وتدريس أو وعظ أو إفتاء وغيرها، كان أحق به، وليس لأحد إزعاجه، سواء
توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه.
نعم لا يبعد تقدم الصلاة جماعة أو فرادى على غيرها من الأغراض، فلو
وقع تزاحم بين الصلاة وغيرها فالصلاة مقدمة، والظاهر مساواة الصلاة فرادى
مع الصلاة جماعة، فلا أولوية للثانية على الأولى، فمن سبق إلى مكان للصلاة
منفردا فليس لمن أراد الصلاة جماعة إزعاجه، وإن كان الأولى له تخلية المكان
إذا وجد مكانا آخر.
(مسألة 972) إذا فارق الجالس مكانه معرضا عنه بطل حقه وإن بقي
رحله، فلو جلس فيه غيره كان أولى وليس للأول إزعاجه. وإن قام ناويا
العود فإن كان رحله باقيا بقي حقه، وإلا فإن كان معلوما من حال الأول أنه
ينوي العود فالأحوط (وجوبا) مراعاة حقه خصوصا إذا كان خروجه
لضرورة. وإن لم يكن معلوما وجلس أحد مكانه لم يجز مزاحمته.
(مسألة 973) الظاهر أن وضع ما يصدق عليه الرحل مقدمة للجلوس
يفيد الأولوية كالجلوس، لكن لا يصدق الرحل على مثل وضع تربة أو سبحة
أو مفتاح وشبهها.
(مسألة 974) يعتبر أن لا يكون بين وضع الرحل ومجيئه زمان طويل
بحيث يستلزم تعطيل المكان، وإلا لم يفد حقا، نعم إذا وضع رحله
280

للاستفادة منه في زمن آت كأن يضع رحله بالليل لصلاة الظهر، فهو يفيد الحق، ولكن
هذا الحق لا يمنع الآخرين من الاستفادة من المكان الذي حجزه قبل استفادته
منه، فيجوز لغيره رفع رحله عن ذلك المكان والصلاة فيه مثلا، لكن يضمن
الرحل إلى أن يوصله إلى صاحبه.
(مسألة 975) المشاهد كالمساجد في جميع ما ذكر من الأحكام، فإن
المسلمين فيها شرع سواء، سواء العاكف فيها والباد والمجاور لها والمتحمل
إليها من بعد البلاد، ومن سبق إلى مكان منها لزيارة أو صلاة أو دعاء أو
قراءة كان أحق وأولى به وليس لأحد إزعاجه، وهل للزيارة أولوية على
غيرها كالصلاة في المسجد بالنسبة إلى غيرها لو قلنا بأولويتها؟ لا تخلو من
وجه، لكنه غير وجيه كأولوية من جاء إليها من البلاد البعيدة بالنسبة إلى
المجاورين، وإن كان ينبغي لهم مراعاتهم. وحكم مفارقة المكان ووضع الرحل
وبقائه كما سبق في المساجد.
(مسألة 976) من المشتركات المدارس بالنسبة إلى طالبي العلم أو
الطائفة الخاصة منهم إذا خصها الواقف بصنف خاص، كما إذا خصها بصنف
العرب أو العجم أو طالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه مثلا، فهي بالنسبة
إلى مستحقي السكنى بها كالمساجد، فمن سبق إلى سكنى حجرة منها فهو أحق
بها ما لم يفارقها معرضا عنها وإن طالت مدة السكنى، إلا إذا اشترط الواقف
له مدة معينة كثلاث سنين مثلا، فيلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم
يؤمر به، أو شرط اتصافه بصفة فزالت عنه تلك الصفة، كما إذا شرط كونه
مشغولا بالتحصيل أو التدريس فطرأ عليه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلك.
(مسألة 977) لا يبطل حق الساكن بالخروج لحاجة معتادة كشراء
مأكول أو مشروب أو كسوة ونحوها قطعا وإن لم يترك رحله، ولا يلزم تخليف
أحد مكانه، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة كالرواح للزيارة أو لتحصيل
المعاش أو للمعالجة مع نية العود وبقاء متاعه ورحله ما لم تطل المدة إلى
281

حد لم يصدق معه السكنى والإقامة عرفا ولم يشترط الواقف أو المتولي لذلك مدة
معينة، ولم يعطل المحل زائدا عن المتعارف مع وجود المحتاج إليه من الموقوف
عليهم.
(مسألة 978) من سكن في غرفة مدرسة وكان ممن له حق السكنى فيها،
له أن يمنع غيره من مشاركته، إذا كان المسكن معدا لواحد، إما بحسب قابلية
المحل أو بسبب شرط الواقف، أما لو كان معدا لأكثر من واحد فليس له منع
غيره، إلا إذا كمل العدد المعد له المكان فلهم منع الزائد.
(مسألة 979) من المشتركات المياه، والمراد بها مياه الأنهار الكبار
كدجلة والفرات والنيل، أو الصغار التي لم يجرها أحد بل جرت بنفسها من
العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج، وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو من
الأراضي الموات، والمياه المجتمعة في الوهاد من نزول الأمطار، فإن الناس في
جميع ذلك شرع سواء، ومن حاز منها شيئا بآنية أو مصنع أو حوض ونحوها
مع قصد الملكية ملكه، من غير فرق بين المسلم والكافر، أما بدون قصد
الملكية فلا يملكه.
وأما مياه العيون والآبار والقنوات التي حفرها شخص في ملكه أو في
الموات بقصد تملك مائها فهي ملك للحافر كسائر الأملاك، لا يجوز لأحد
التصرف فيها إلا بإذن المالك، وينتقل إلى غيره بالنواقل الشرعية قهرية كانت
كالإرث، أو اختيارية كالبيع والصلح والهبة وغيرها. نعم مر جواز بعض
التصرفات في الأنهار الكبيرة المملوكة.
(مسألة 980) إذا شق نهرا من ماء مباح وقصد التملك، ملك ما يدخل
فيه من الماء كما لو حاز الماء في آنية ونحوها، وتتبع ملكية الماء ملكية النهر،
فإن كان النهر لواحد ملك الماء بالتمام، وإن كان لجماعة ملك كل منهم من الماء
بمقدار حصته من ذلك النهر، ولا يتبع مقدار استحقاق الماء مقدار
282

الأراضي التي تسقى منه، فلو كان النهر مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي كان لكل منهم
ثلث الماء وإن كانت أراضي بعضهم أكثر من بعض، بل لو كان لأحدهم رحى
تدور بالماء تساوى مع كل من شريكيه في استحقاق الماء وإن لم يكن له أرض
أصلا.
(مسألة 981) يملك النهر المتصل بالمباح إما بحفره في أرض مملوكة له،
وإما بحفره في الموات بقصد إحيائه نهرا مع نية تملكه إلى أن يوصله بالمباح كما
مر، فإن كان الحافر واحدا ملكه بالتمام وإن كان جماعة كان بينهم على قدر ما
عملوا وأنفقوا، فمع التساوي بالتساوي ومع التفاوت بالتفاوت، والميزان
تساوي الموجب بنظر أهل الخبرة وإن كان العمل من بعض والنفقة من آخر.
(مسألة 982) لا يجوز لكل واحد من أصحاب النهر المشترك التصرف
فيه والسقاية به إلا بإذن باقي الشركاء، فإن وقع بينهم تعاسر فإن تراضوا
بالتناوب والمهاياة بحسب الساعات أو الأيام أو الأسابيع مثلا فهو، وإلا يقسم
بينهم بالأجزاء المتناسبة مع سهامهم.
(مسألة 983) الظاهر أن قسمة الماء أجزاء قسمة إجبار، فإذا طلبها
أحد الشركاء يجبر الممتنع منهم عليها، وهي لازمة، ليس لأحدهم الرجوع
عنها بعد وقوعها. وأما المهاياة فهي موقوفة على التراضي وليست لازمة،
فلبعضهم الرجوع عنها حتى إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته وإن
ضمن حينئذ مقدار ما استوفاه بالقيمة.
(مسألة 984) إذا اجتمعت أملاك على ماء مباح من عين أو واد أو نهر
ونحوها، بأن أحياها أشخاص عليه ليسقوها منه بواسطة السواقي أو الدوالي
أو النواعير أو المكائن المتداولة في هذه الأعصار، كان للجميع حق السقي
منه، فليس لأحد أن يشق نهرا فوقها يقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار حاجة
283

تلك الأملاك. وإن لم يف الماء ووقع بين أربابها التشاح والتعاسر يقدم
الأسبق فالأسبق في الاحياء إن علم السابق، وإلا يقدم الأعلى فالأعلى
والأقرب فالأقرب إلى فوهة الماء وأصله، ثم يرسله لمن يليه وهكذا. هذا في
الأراضي المنحدرة التي لا يقف فيها الماء، وأما في غيرها فالأحوط أن لا
يزيد في النخل عن أول الساق، وفي الشجر عن القدم، وفي الزرع عن الشراك.
(مسألة 985) الأنهار المملوكة المتفرعة من الأنهار الكبيرة ونحوها إذا
وقع
التعاسر بين أربابها، فحالها كحال اجتماع الأملاك على الماء المباح في المسألة
السابقة.
(مسألة 986) إذا احتاج النهر المملوك المشترك بين جماعة إلى تنقية أو
حفر أو إصلاح ونحو ذلك، فإن أقدم الجميع على ذلك كانت المؤنة على الجميع
بنسبة ملكهم للنهر، سواء كان إقدامهم بالاختيار أو بإجبارهم جميعا من
حاكم جائر أو بإلزام من الشرع، كما إذا كان مشتركا بين المولى عليهم ورأى
الولي المصلحة الملزمة في تعميره مثلا، لكن إذا أجبر الجائر بعضهم فليس لهم
الرجوع على غير الملزمين بمقدار سهامهم، وإن لم يقدم على ذلك إلا بعضهم لم
يجبر الممتنع على المشاركة، وليس للمقدمين مطالبته بحصته من النفقة ما لم يكن
إقدامهم بطلبه وتعهده بإعطاء حصته. نعم لو كان النهر مشتركا بين القاصر
وغيره وكان إقدام غير القاصر متوقفا على مشاركة القاصر وجب على ولي
القاصر مراعاة لمصلحته تشريكه في التعمير وبذل المؤنة من ماله بمقدار حصته.
(مسألة 987) من المشتركات المعادن، وهي: إما ظاهرة، وهي ما
لا يحتاج في استخراجها والوصول إليها إلى عمل ومؤنة، كالملح والقير
والكبريت والموميا والكحل، وكذا النفط إذا لم يحتج في استخراجه إلى الحفر والعمل.
284

وإما باطنة، وهي ما لا تظهر إلا بالعمل والعلاج، كالذهب والفضة
والنحاس والرصاص، وكذا النفط إذا احتاج في استخراجه إلى حفر آبار كما
هو المتعارف في هذه الأعصار.
فأما الظاهرة فهي تملك بالحيازة لا بالاحياء، فمن أخذ منها شيئا ملك ما
أخذه، قليلا كان أو كثيرا، وإن كان زائدا على ما يعتاد لمثله وعلى مقدار
حاجته، ويبقى الباقي مما لم يأخذه على الاشتراك.
وأما الباطنة فتملك بالاحياء، بأن ينهي العمل والتنقيب إلى أن يبلغ نيلها،
فيكون حالها حال الآبار المحفورة في الموات لأجل استنباط الماء، وقد مر
أنها تملك بحفرها حتى يبلغ الماء ويملك بتبعها الماء، ولو عمل فيها عملا لم يبلغ
به نيلها كان تحجيرا يفيد الأحقية والأولوية دون الملكية.
(مسألة 988) إذا شرع في إحياء معدن ثم أهمله وعطله أجبر على إتمام
العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذرا أنظر بمقدار زوال عذره إن لم يتجاوز
المتعارف، ثم ألزم بأحد الأمرين.
(مسألة 989) إذا أحيا أرضا مزرعة أو مسكنا مثلا، فظهر فيها معدن
ملكه تبعا لها، سواء كان عالما به حين إحيائها أم لا.
(مسألة 990) لو قال رب المعدن لآخر إعمل فيه ولك نصف الخارج
مثلا، بطل إن كان بعنوان الإجارة وصح إن كان بعنوان الجعالة.
285

كتاب اللقطة
(مسألة 991) اللقطة بمعناها الأعم: كل مال ضائع عن مالكه وليس
عليه يد، وهي إما حيوان أو غيره.
لقطة الحيوان
(مسألة 992) إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد
عليه أي حيوان كان، فمن أخذه ضمنه ووجب عليه حفظه من التلف والانفاق
عليه بما يلزم، وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق. ويجوز دفعه إلى
الحاكم. وإن كان شاة فلا يبعد جواز بيعها بعد حبسها ثلاثة أيام والتصدق
بثمنها، ويضمن إن لم يرض صاحبها بالصدقة. نعم إذا كان الحيوان في معرض
الخطر لمرض أو غيره جاز له أخذه من دون ضمان، ويجب عليه الانفاق عليه
ويجوز له الرجوع بما أنفقه على مالكه لو كان إنفاقه عليه بقصد الرجوع عليه،
وإن كان له منفعة من ركوب أو حمل أو لبن ونحوه جاز له استيفاؤها
واحتسابها بإزاء ما أنفق مع التساوي، ومع التفاضل فالفاضل لصاحبه سواء
كان المالك أو المنفق.
(مسألة 993) إذا أخذ الحيوان في العمران غير الشاة وصار تحت يده،
يجب عليه الفحص عن صاحبه في صورتي جواز الأخذ وعدمه، فإذا يئس
من صاحبه تصدق به أو بثمنه كغيره من مجهول المالك.
286

(مسألة 994) ما يدخل في دار الانسان من الحيوان ولا يعرف صاحبه
كالدجاج والحمام فالظاهر أنه ليس لقطة بل مجهول المالك، فيتفحص عن
صاحبه وإن يئس تصدق به. والفحص اللازم هو المتعارف في أمثال ذلك،
بأن يسأل الجيران والدور القريبة. نعم لا يبعد جواز تملك مثل الحمام من دون
فحص عن صاحبه إذا ملك جناحيه ولم يكن فيه أمارة على الملك ولم يعرف
صاحبه، كما مر في كتاب الصيد.
(مسألة 995) ما يوجد من الحيوان في غير العمران من الطرق
والشوارع والمفاوز والصحاري والبراري والجبال والآجام ونحوها إن كان مما
يحفظ نفسه بحسب العادة من صغار السباع مثل الثعلب وابن آوى والذئب
والضبع ونحوها، إما لكبر جثته كالبعير، أو لسرعة عدوه كالفرس والغزال،
أو لقوته وبطشه كالجاموس والثور، لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه إذا كان
في كلأ وماء أو كان صحيحا يقدر على تحصيل الماء والكلأ. وإن كان مما
تغلب عليه صغار السباع كالشاة وصغار الإبل والبقر والدواب جاز أخذه،
فإذا أخذه عرفه في المكان الذي أصابه وحواليه إن كان فيه أحد، بل في سائر
مظان الإصابة لصاحبه بل ومحتملها. فإن عرف صاحبه رده إليه، وإلا كان له
تملكه وبيعه وأكله مع الضمان لمالكه لو وجد، كما أن له إبقاؤه وحفظه
لمالكه، ولا ضمان عليه.
(مسألة 996) إذا أخذ الحيوان الضالة في مورد لا يجوز له أخذه ضمنه،
ويجب عليه الانفاق عليه وليس له الرجوع بما أنفقه على صاحبه وإن كان نوى
الرجوع عليه.
(مسألة 997) إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق أو
الصحاري والبراري، فإن كان بقصد الاعراض عنه، جاز لكل أحد أخذه
وتملكه، وإن لم يكن بقصد الاعراض بل من جهة العجز عن الانفاق عليه، أو
من
288

جهة جهد الحيوان وكلاله، فإن تركه في كلأ وماء وأمن فليس لأحد أن
يأخذه، فلو أخذه كان غاصبا ضامنا له، وإن أرسله بعد ما أخذه لم يخرج من
ضمانه، ويجب عليه حفظه والانفاق عليه، وليس له الرجوع على صاحبه - كما
مر - فيما يؤخذ في العمران. أما إذا تركه في خوف وعلى غير ماء وكلا فيجوز
أخذه والانفاق عليه، وهو للآخذ إذا تملكه.
(مسألة 998) إذا وجد دابة وعلم بالقرائن أن صاحبها قد تركها، ولم
يدر أنه تركها بقصد الاعراض أو بسبب آخر، فليس له أخذها وتملكها إلا
إذا كانت في مكان يخشى عليها فيه.
(مسألة 999) إذا وجد حيوانا في غير العمران ولم يدر أن صاحبه
تركه أو أضاعه أو فر منه، كان بحكم لقطة الحيوان ويجري عليه ما تقدم،
ويجوز أخذ مثل الشاة مطلقا.
لقطة غير الحيوان
(مسألة 1000) وهي اللقطة بالمعنى الأخص، ويعتبر فيها عدم معرفة
مالكها، فهي قسم من مجهول المالك له أحكام خاصة.
(مسألة 1001) يعتبر في اللقطة ضياعها عن المالك، فما يؤخذ من يد
الغاصب والسارق ليس من لقطة، بل لا بد في ترتيب أحكامها من إحراز
الضياع ولو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد ونحوها يشكل
ترتيب أحكام اللقطة عليه، وكذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام ونحوه سواء
كان تبدله اشتباها أو تعمد المالك في التبديل، فإنه يكون من مجهول المالك لا
من اللقطة.
(مسألة 1002) يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ
والالتقاط، فلو رأى شيئا وأخبر به غيره، فأخذه كان حكم اللقطة على
289

الآخذ دون الرائي وإن تسبب به، بل لو قال: ناولنيه، فنوى المأمور الأخذ
لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر.
أما لو أخذه لا لنفسه وناوله إياه فصدق الملتقط على الآمر مشكل، فلا
يترك الاحتياط بتعريف كل منهما على فرض ترك الآخر، وكذا في النائب في
الالتقاط، إذا كان التقاطه بنية النيابة.
(مسألة 1003) إذا رأى شيئا مطروحا على الأرض فظن أنه له فأخذه
فتبين أنه ضائع من غيره، صار بذلك لقطة وعليه حكمها، ولو رأى مالا
ضائعا فنحاه من جانب إلى آخر، فإن التقطه ثم نحاه صار لقطة وبدونه لا
يكون ملتقطا وإن كان ضامنا له بسبب هذا التصرف. نعم لو دفعه برجله
ليتعرفه فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطا بل ولا ضامنا، لعدم صدق اليد
والأخذ.
(مسألة 1004) المال المجهول المالك غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع
اليد عليه، فإن أخذه كان غاصبا ضامنا، إلا إذا كان في معرض التلف
فيجوز بقصد الحفظ، ويكون حينئذ في يده أمانة شرعية لا يضمنها إلا بالتعدي
أو التفريط. ويجب عليه إما أم يدفعه إلى الحاكم الشرعي، أو يفحص عن
مالكه على كلا التقديرين إلى أن ييأس من الظفر به، وحينئذ يتصدق به بإذن
الحاكم على الأحوط. هذا فيما يبقى ولا يفسد باقتنائه، وأما فيه فيبيعه ويتصدق
بثمنه أو يقومه ويتصرف به ويتصدق بثمنه بعد اليأس، والأحوط أن يكون
جميع ذلك بإذن الحاكم.
(مسألة 1005) يجوز على كراهة التقاط كل مال غير الحيوان إذا أحرز
أنه ضائع عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال، هذا إذا أخذه بقصد التعريف،
وإلا فلا يجوز أخذه ويضمنه إذا أخذه. أما لقطة حرم مكة زادها الله شرفا
فكراهة التقاطها شديدة، بل نسب إلى المشهور حرمته والاحتياط طريق
النجاة.
290

(مسألة 1006) اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم جاز تملكها في
الحال من دون تعريف وفحص عن مالكها، ولا يملكها بدون قصد التملك على
الأقوى، فإن جاء مالكها بعد ما التقطها دفعها إليه مع بقائها حتى لو تملكها
على الأحوط إن لم يكن أقوى، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط وليس عليه
عوضها إن كان بعد التملك. حتى لو كان تلفها بتفريط منه، بخلاف ما لو تلفت
قبل التملك فإنه يضمن مع التفريط.
أما إن كانت قيمتها درهما فما فوق فيجب على الملتقط تعريفها والفحص
عن صاحبها، فإن لم يجده، تخير في غير لقطة الحرم بين أمور أربعة: تملكها،
والتصدق بها والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي، وإبقائها بيده
أمانة ودفعها إلى الحاكم. فإن تصدق بها وظهر صاحبها ولم يرض بالتصدق
ضمنها. وإن أبقاها أمانة لم يضمنها إلا بالتفريط. أما لقطة الحرم فيجوز فيها
الوجوه المذكورة ما عدا التملك.
(مسألة 1007) الدرهم هو الفضة المسكوكة التي كانت رائجة في
المعاملة، والمقصود هنا ما وزنه اثنتا عشرة حمصة ونصف حمصة وعشرها،
وبعبارة أخرى نصف مثقال وربع عشر مثقال بالمثقال الصيرفي، الذي يساوي
أربعة وعشرين حمصة معتدلة، فالدرهم يساوي غرامين وستة وأربعين جزءا
من مئة جزء من الغرام تقريبا (46 / 2).
(مسألة 1008) المدار في قيمة اللقطة والدرهم على مكان الالتقاط
وزمانه فإن وجد شيئا في بلد وكانت قيمته فيه حين الالتقاط أقل من درهم،
جاز تملكه ولا يجب تعريفه.
(مسألة 1009) يجب التعريف فورا فيما يبلغ الدرهم فما فوق، فلو
أخره من أول زمن الالتقاط عصى إلا إذا كان لعذر، ولو أخره لعذر أو لا
لعذر لم يسقط التعريف.
291

(مسألة 1010) الأقوى أنه يجب التعريف وإن لم يكن ناويا للتملك
بعده، كأن تكون نيته التصدق، أو الحفظ لمالكها، أو لم يكن ناويا شيئا أصلا.
(مسألة 1011) مدة التعريف الواجب سنة قمرية كاملة، والأحوط
(وجوبا) فيها مراعاة التوالي بمعنى صدق التعريف إلى سنة عرفا، ولو
بالتعريف كل أسبوع أو أقل أو أكثر مرة واحدة، ولا يسقط وجوب التعريف
بتركه.
(مسألة 1012) لا يعتبر في التعريف المباشرة، بل يجوز للملتقط
استنابة غيره، مجانا أو بالأجرة مع الاطمئنان بإيقاعه، والظاهر أن أجرة
التعريف على الملتقط إلا إذا كان قصده أن تبقى اللقطة بيده ويحفظها لمالكه.
(مسألة 1013) إذا علم بأن التعريف لا فائدة فيه، أو حصل له
اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة، سقط التعريف، فالأحوط الاقتصار
على الوجوه الثلاثة ما عدا التملك، من دون فرق بين لقطة الحرم وغيرها.
(مسألة 1014) إذا تعذر التعريف أثناء السنة سقط عنه في مدة العذر
وأتم التعريف بقية السنة، وليس عليه أن يحسب السنة من وقت ارتفاع العذر.
(مسألة 1015) إذا علم بعد تعريف سنة أنه لو زاد عليها عثر على
صاحبها فالأقوى وجوب زيادة التعريف، إلا إذا كان فيه حرج عليه لزيادة
المدة، فالأحوط حينئذ دفعها إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 1016) إذا ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر لم
يجب عليه التعريف، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأول. نعم لو لم يعرفه
وجب عليه التعريف سنة طالبا به المالك أو الملتقط الأول، فأيا منهما عثر
عليه يجب دفعها إليه وإن عثر عليهما وجب عليه دفعها إلى المالك من غير
فرق بين أن يكون ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده.
292

(مسألة 1017) إذا كانت اللقطة مما لا يبقى سنة كالطبيخ واللحم
والفواكه والخضروات، جاز أن يقومها على نفسه في آخر وقت يخاف عليها
الفساد ويأكلها أو يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، والأحوط أن يكون بيعها بإذن
الحاكم مع الامكان، ولا يسقط التعريف بل يحفظ خصوصياتها وصفاتها قبل أن
يأكلها أو يبيعها ثم يعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه،
وإن أكلها غرمها بقيمتها، وإن لم يجي فلا شئ عليه. نعم له أن يتصدق بثمنها
أو قيمتها بعد الحول مع الضمان في لقطة غير الحرم، أو يحفظها لصاحبها بلا ضمان
من غير تفريط. أما لقطة الحرم فيتعين عليه التصدق بها مع الضمان أو حفظها بلا
ضمان. ويجوز له في صدقة الحرم وغيره أن يدفعها إلى الحاكم بلا ضمان.
(مسألة 1018) يتحقق التعريف سنة بأن يكون في مدة سنة متوالية أو
غير متوالية قائما بتعريفها بحيث لا يعد عرفا متسامحا في الفحص عن صاحبها في
هذه المدة، ولا يتقدر ذلك بمقدار معين، بل هو أمر عرفي. والظاهر كفاية
التعريف في الأسبوع الأول كل يوم مرة وبعده إلى آخر السنة في كل أسبوع مرة
.
(مسألة 1019) محل التعريف مجامع الناس كالأسواق والمشاهد ومحل
إقامة الجماعات ومجالس التعازي، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن
كره ذلك فيها، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو
خروجهم عنها.
(مسألة 1020) يجب تعريف اللقطة في موضع الالتقاط وفي مكان الذي
يظن وجود صاحبها فيه، بل والذي يحتمل وجوده فيه أيضا، إذا وجدها في
محل مأهول من بلد أو قرية ونحوهما. ولو أراد الخروج منه لم يجز أن يحملها
معه، بل يضعها عند أمين ثقة ليعرفها نيابة عنه. وإن وجدها
293

في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرفها لمن كان موجودا أو اجتاز منها وأمكنه
أن يتبعه، فإن لم يجد المالك أتم تعريفها في أي بلد احتمل وجود صاحبها فيه،
وينبغي أن يكون أقرب البلدان إلى مكانها فالأقرب مع الامكان.
(مسألة 1021) كيفية التعريف أن يقول المنادي مثلا (من ضاع له
ذهب أو فضة أو ثوب) وما شابه ذلك بلغة يفهمها الأغلب، ويجوز أن يقول
(من ضاع له شئ أو مال) بل ربما قيل إن ذلك أحوط وأولى، فإذا ادعى
أحد ضياعه سأله عن خصوصياته وصفاته وعلاماته من شكله وعدده
وصنعته وأمور يبعد اطلاع غير المالك عليها، فإذا توافقت الصفات فقد تم
التعريف واستحقه، ولا يضر جهله ببعض الخصوصيات التي لا يطلع عليها
المالك غالبا ولا يلتفت إليها إلا نادرا، ألا ترى الكتاب الذي يملكه الانسان
ويقرأ فيه مدة طويلة لا يعرف غالبا عدد أوراقه وصفحاته.
(مسألة 1022) إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف، بأن لم تكن لها علامة
وخصوصيات تميزها عن غيرها لكي يصفها بها من يدعيها، كما هو الحال
غالبا في العملة الورقية والمعدنية، سقط التعريف، وحينئذ فالأحوط أن يعاملها
معاملة مجهول المالك فيتصدق بها.
(مسألة 1023) إذا التقط شخصان لقطة واحدة، فإن كان المجموع
دون درهم جاز لهما تملكها في الحال من دون تعريف وكان بينهما بالتساوي،
وإن كانت بمقدار درهم فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصة كل منهما
أقل من درهم. ويجوز أن يتصدى للتعريف كلاهما أو أحدهما، أو يوزع
الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل، لأن وجوب التعريف واجب توصلي
كتطهير الثوب، ولا لزوم فيه للمباشرة. فإن توافقا
294

على أحد الأنحاء فقد تأدى
ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما، وإن تعاسرا يوزع الحول عليهما بالتساوي،
ويسقط بفعل كل منهما عن الآخر. وهكذا بالنسبة إلى أجرة التعريف إن كانت
عليهما. فإذا تم التعريف اتفقا على التملك أو التصدق أو الابقاء أمانة، أو يختار
أحدهما غير ما يختاره الآخر.
(مسألة 1024) إذا التقط الصبي أو المجنون ما دون درهم ملكاه إن
قصدا أو قصد وليهما التملك كما مر نظيره في الحيازة. أما درهم فما زاد
فالتعريف على وليهما، وبعد تمام الحول يختار من التملك لهما أو التصدق أو
الابقاء أمانة ما هو الأصلح لهما.
(مسألة 1025) اللقطة في مدة التعريف أمانة شرعية، لا يضمنها
الملتقط إلا مع التعدي أو التفريط إن قام بوظيفته الشرعية في استمرار التعريف
تمام الحول، وأما إذا ترك التعريف شهورا أو سنوات فهي مضمونة عليه، وإن
كان مخيرا بعد تكميل التعريف كما كان مخيرا في الأول. ولو اختار بعد تمام
الحول التملك أو التصدق بها صارت في ضمانه بالنحو الذي يأتي، وإن اختار
إبقاءها عنده أمانة لمالكها لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط.
(مسألة 1026) إذا وجد المالك بعد أن عرف اللقطة وتملكها، فإن
كانت العين باقية أخذها وليس لأحدهما إلزام الآخر ببدلها من المثل أو
القيمة، وإن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع ونحوه أخذ المالك بدلها من
الملتقط، وإن وجد المالك بعد أن تصدق به فليس له أن يرجع عليه بالعين وإن
كانت عينها موجودة عند المتصدق له، وإنما له أن يرجع على الملتقط ببدلها إن
لم يرض بالتصدق، وإن رضي به كان أجر الصدقة له.
(مسألة 1027) لا يسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم
وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف، ويجب على الحاكم حفظها إلى أن يتم
التعريف، ثم يوكل الأمر إلى الملتقط في اختيار ما كان مخيرا فيه، ولا يجوز
للحاكم التصدق بها إلا بإذن الملتقط.
295

(مسألة 1028) نمأ اللقطة المتصل يتبع العين فيأخذه المالك معها سواء
حصل النماء قبل تمام التعريف أو بعده، قبل التملك أو بعده. وأما النماء المنفصل،
فإن حصل بعد التملك كان للملتقط، فإذا كانت العين موجودة دفعها إلى المالك
دون نمائها، وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملك، كان للمالك.
(مسألة 1029) إذا حصل لها نمأ منفصل بعد الالتقاط وقبل التعريف،
فعرفها حولا ولم يجد المالك، فالأحوط عدم تملك النماء تبعا للعين بل يعامله
معاملة مجهول المالك فيتصدق به بعد اليأس عن المالك.
(مسألة 1030) ما يوجد مدفونا في الخربة الدارسة التي باد أهلها أو في
المفاوز، وفي كل أرض لا رب لها، فهو لواجده من دون تعريف، وعليه خمسه
إن كان يصدق عليه عرفا أنه كنز، وكذا ما كان مطروحا وعلم أو ظن
بشهادة بعض العلائم والخصوصيات أنه ليس لأهل عصره.
وأما ما علم أنه لأهل عصره فهو لقطة، فيجب تعريفها إن كانت بمقدار
الدرهم فما زاد.
(مسألة 1031) إذا علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده، لكن لم
يمكن إيصالها إليه ولا إلى وارثه، فالأقوى إجراء حكم مجهول المالك عليها
والتصدق بها، والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 1032) إذا مات الملتقط، فإن كان بعد التعريف والتملك تنتقل
اللقطة إلى وارثه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملك يتخير وارثه بين الأمور
الأربعة، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه يتولاه وارثه أو يتمه، ثم يعامله
بعد السنة معاملة مجهول المالك على الأحوط (وجوبا). ولو تعددت الورثة
كان حكمهم حكم الملتقط المتعدد مع وحدة اللقطة، وقد مر حكمه.
(مسألة 1033) لو وجد مالا في دار معمورة يسكنها الغير، سواء
كانت ملكا له أو مستأجرة أو مستعارة، بل أو مغصوبة، عرفه الساكن،
296

فإن ادعى ملكيته فهو له فليدفع إليه بلا بينة، وكذا لو قال لا أدري وكان لا يدخل
الدار غيره. وإن سلبه عن نفسه فقد نسب إلى المشهور أنه ملك للواجد، وفيه
إشكال، فالأحوط (وجوبا) إجراء حكم اللقطة عليه، وأحوط منه (استحبابا)
إجراء حكم مجهول المالك، فيتصدق به بعد اليأس عن المالك.
(مسألة 1034) لو وجد شيئا في جوف حيوان انتقل إليه من غيره،
فإن كان غير السمك كالغنم والبقر عرفه صاحبه السابق، فإن ادعاه دفعه إليه،
وإن أنكره كان للواجد وكذا إن قال لا أدري على الأقوى. وإن وجد شيئا -
لؤلؤة أو غيرها - في جوف سمكة اشتراها من غيره فهو له، والظاهر أن
الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق بحكم السمك، كما إذا اصطاد غزالا فوجد في
جوفه شيئا، وإن كان الأحوط إجراء حكم اللقطة أو المجهول المالك عليه.
(مسألة 1035) لو وجد في داره التي يسكنها شيئا ولم يعلم أنه ماله أو
مال غيره، فإن لم يدخلها غيره أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتفاق
كالمعدة لأهله وعياله، فهو له، وإن كانت مما يتردد فيها الناس كالبرانية المعدة
للأضياف والواردين والعائدين والمضائف ونحوها فهو لقطة يجري عليه حكمها،
وإن وجد في صندوقه شيئا ولم يعلم أنه ماله أو مال غيره فهو له إلا إذا كان
غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئا فيعرفه ذلك الغير، فإن أنكره كان له لا
لذلك الغير وإن ادعاه دفعه إليه، وإن قال لا أدري فالأحوط التصالح.
(مسألة 1036) لو أخذ من شخص مالا ثم علم أنه لغيره قد أخذ منه
بغير وجه شرعي وعدوانا ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا
اللقطة، لما مر أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذا الفرض.
نعم في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالا ثم تبين أنه مال
297

غيره ولم يعرفه يجب عليه أن يمسكه ولا يرده إلى السارق مع الامكان ثم هو بحكم
اللقطة فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها إليه وإلا تصدق بها،
والأحوط (وجوبا) عدم التصدق بها قبل اليأس ولو عرفها حولا. فإن جاء
صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله، وإن اختار
الغرم غرم له وكان الأجر له، وليس له أن يتملكه بعد التعريف فليس هو بحكم
اللقطة من هذه الجهة.
(مسألة 1037) لو التقط شيئا، فبعد ما صار في يده ادعاه شخص
حاضر وقال إنه مالي يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى البينة، إلا إذا
كان بحيث يصدق عرفا أنه في يده أو ادعاه قبل أن يلتقطه، فيحكم بكونه ملكا
للمدعي، ولا يجوز له أن يلتقطه.
(مسألة 1038) لا يجب دفع اللقطة إلى من يدعيها إلا مع العلم أو
البينة، وإن وصفها بصفات وعلامات لا يطلع عليها غير المالك غالبا إذا لم يفد
القطع بكونه المالك. نعم نسب إلى الأكثر أنه إن أفاد الظن جاز دفعها إليه،
فإن تبرع بالدفع عليه لم يمنع وإن امتنع لم يجبر ولا دليل عليه فالأقوى
الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البينة.
(مسألة 1039) لو تبدل حذاؤه بحذاء آخر في مسجد أو غيره أو
تبدلت ثيابه في حمام أو غيره بثياب أخر، فإن علم أن هذا الحذاء لمن أخذ
حذاءه، جاز له أن يتصرف فيه، وإن علم أن صاحبه بدله عمدا جاز له أن
يتملكه بعنوان المقاصة عن ماله، نعم إذا كان الموجود أجود مما أخذ منه يقومان
ويلاحظ التفاوت ويعطى لصاحبه، فإن يئس عنه تصدق به عنه. وفي غير هذه
الصورة كما إذا لم يعلم صاحبه أو علم أنه لثالث وغيرها من الصور فيعامل
المتروك معاملة مجهول المالك فيفحص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدق به.
298

خاتمة
(مسألة 1040) إذا وجد صبيا ضائعا لا كافل له، ولا يستقل بنفسه
على السعي فيما يصلحه، والدفع عما يضره ويهلكه، ويقال له (اللقيط) يجوز بل
يستحب التقاطه وأخذه، بل يجب إذا كان في معرض التلف، سواء كان منبوذا
قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما عجزا عن النفقة، أو خوفا من التهمة
أو غيره، بل وإن كان مميزا بعد صدق كونه ضائعا تائها لا كافل له، وبعد ما
أخذ اللقيط والتقطه يجب عليه حضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو
بغيره، وهو أحق به من غيره إلى أن يبلغ، فليس لأحد أن ينتزعه من يده و
يتصدى إلى حضانته نعم لو وجد من له حق الحضانة شرعا بحق النسب
كالأبوين والأجداد وسائر الأقارب، أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد - إذا
وجد أحد هؤلاء - فيخرج بذلك عن عنوان اللقيط لوجود الكافل. وكما لهؤلاء
حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه، كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا أجبروا
عليه.
(مسألة 1041) إذا كان للقيط مال من فراش أو غطاء زائدين على
مقدار حاجته أو غير ذلك، جاز للملتقط صرفه في إنفاقه بإذن الحاكم أو
وكيله، ومع تعذرهما فالأحوط الاستئذان من عدول المؤمنين، وإذا تعذر ذلك
جاز له ذلك بنفسه، ولا ضمان عليه. وإن لم يكن له مال فإن وجد من ينفق
عليه من حاكم بيده بيت المال، أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو
غيرها، أو متبرع كان له الاستعانة بهم في إنفاقه، أو الانفاق عليه من ماله،
وليس له حينئذ الرجوع على اللقيط بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى
الرجوع عليه، وإن لم يكن من ينفق عليه من أمثال ما ذكر تعين عليه وكان له
الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.
299

(مسألة 1042) يشترط في الملتقط البلوغ والعقل والحرية، وكذا
الاسلام إن كان اللقيط محكوما بالاسلام.
(مسألة 1043) لقيط دار الاسلام محكوم بالاسلام، وكذا لقيط دار
الكفر إذا وجد فيها مسلم احتمل تولد اللقيط منه، وإن كان في دار الكفر ولم
يكن فيها مسلم، أو كان ولم يحتمل كونه منه، يحكم بكفره، وفيما كان محكوما
بالاسلام لو أعرب من نفسه الكفر بعد البلوغ يحكم بكفره، لكن لا يجري عليه
حكم المرتد الفطري على الأقوى.
(مسألة 1044) اللقيط محكوم بالحرية ما لم يعلم خلافه، أو أقر على
نفسه بالرق بعد بلوغه، حتى فيما لو التقط من دار الكفر ولم يكن فيها مسلم
احتمل تولده منه، غاية الأمر أنه يجوز استرقاقه حينئذ، وهذا غير الحكم
برقيته كما لا يخفى.
300

كتاب النكاح
(مسألة 1045) النكاح من المستحبات الأكيدة، وقد ورد في الحث
عليه والذم على تركه أخبار كثيرة، فعن مولانا الباقر عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام أحب إلى الله عز وجل من
التزويج. وعن مولانا الصادق عليه السلام: ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من
سبعين ركعة يصليها عزب. وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: رذال موتاكم العزاب. وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله: أكثر
أهل النار العزاب.
ولا ينبغي أن يتركه لخوفه من الفقر والعيلة بعد ما وعد الله عز وجل
بالاغناء والسعة بقوله عز من قائل (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فعن
النبي صلى الله عليه وآله: من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله عز
وجل.
(مسألة 1046) ينبغي أن يهتم الانسان بصفات الزوجة والزوج، فعن
النبي صلى الله عليه وآله: اختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين. وفي خبر
آخر: تخيروا لنطفكم، فإن الأبناء تشبه الأخوال. وعن مولانا الصادق عليه
السلام لبعض أصحابه حين قال قد هممت أن أتزوج: أنظر أين تضع نفسك،
ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك، فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا تنسب
إلى الخير وحسن الخلق. وعنه عليه السلام: إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد، وليس
للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة
هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها. وعن مولانا
301

الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله
أنه قال: النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق
كريمته.
(مسألة 1047) ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصورا على
الجمال والمال، فعن النبي صلى الله عليه وآله: من تزوج المرأة لا يتزوجها إلا
لجمالها، لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم
بذات الدين. بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة وردت في
مدحها الأخبار، فاقدة لصفات ذميمة نطقت بذمها الآثار، وأجمع خبر في هذا
الباب ما عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خير نسائكم الولود الودود
العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي
تسمع قوله وتطيع أمره - إلى أن قال - ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها
العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها،
الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما
تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا ولا تقيل له ذنبا.
وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله: إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول
الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. أشار إلى كونها ممن
تنال آباءها وأمهاتها وعشيرتها الألسن، وكانوا معروفين بعدم النجابة.
(مسألة 1048) يكره التزوج بالزانية والزاني والمتولد من الزنا، وأن
يتزوج الشخص قابلته أو ابنتها.
(مسألة 1049) لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجا سي الخلق، ولا
المخنث والفاسق وشارب الخمر والمتولد من الزنا.
(مسألة 1050) يستحب الاشهاد في العقد والاعلان به والخطبة أمامه،
وأكملها ما اشتمل على التحميد والصلاة على النبي والأئمة المعصومين،
والشهادتين والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين، ويجزي الحمد لله والصلاة على
302

محمد وآله. ويستحب إيقاعه ليلا، ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب، وفي
محاق الشهر، وفي أحد الأيام المنحوسة في كل شهر المعروفة ب‍ (الكوامل)، وهي
سبعة: الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون
والرابع والعشرون والخامس والعشرون.
(مسألة 1051) يستحب أن يكون الزفاف ليلا، والوليمة في ليله أو
نهاره، فإنها من سنن المرسلين. وعن النبي صلى الله عليه وآله: لا وليمة إلا في
خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز. يعني: التزويج، أو ولادة الولد،
أو الختان، أو شراء الدار، أو القدوم من مكة.
وإنما تستحب الوليمة يوما أو يومين لا أكثر للنبوي: الوليمة أول يوم حق، و
الثاني معروف، والثالث رياء وسمعة. وينبغي أن يدعى لها المؤمنون، ويستحب لهم
الإجابة والأكل وإن كان المدعو صائما نفلا. وينبغي أن يعم صاحب الدعوة
الأغنياء والفقراء وأن لا يخصها بالأغنياء، فعن النبي صلى الله عليه وآله: شر
الولائم أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء.
(مسألة 1052) يستحب لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه
أن يصلي ركعتين ثم يدعو بعدهما بالمأثور، وأن يكونا على طهارة، وأن يضع
يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك
أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله ذكرا مسلما
سويا ولا تجعله شرك شيطان.
(مسألة 1053) للخلوة بالمرأة مطلقا ولو في غير ليلة الزفاف آداب،
وهي بين مستحب ومكروه:
أما المستحب، فمنها: أن يسمي عند الجماع، فإنه وقاية عن شرك الشيطان،
فعن الصادق عليه السلام: إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فإن لم يفعل وكان منه
ولد كان شرك شيطان. وفي معناه أخبار كثيرة. ومنها: أن يسأل الله تعالى أن يرزقه
303

ولدا تقيا مباركا زكيا ذكرا سويا. ومنها: أن يكون على وضوء، سيما إذا
كانت المرأة حاملا.
وأما المكروه: فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس،
ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة، وعند غروب الشمس حتى
يذهب الشفق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المحاق، وفي أول ليلة
من كل شهر ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من كل شهر، وليلة
الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر، ويستحب ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس
والجمعة، ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة بعد العصر.
ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع وهو عريان،
وعقيب الاحتلام قبل الغسل. نعم لا بأس بأن يجامع مرات من غير تخلل الغسل
بينها ويكون غسله أخيرا، لكن يستحب غسل الفرج والوضوء عند كل مرة،
وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتى الصبي والصبية، والجماع مستقبل القبلة
ومستدبرها وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله، والجماع وهو
مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام. فعن الصادق عليه السلام:
ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن: دخول الحمام على البطنة، والغشيان على الامتلاء،
ونكاح العجائز.
ويكره الجماع قائما، وتحت السماء، وتحت الشجرة المثمرة، ويكره أن تكون
خرقة الرجل والمرأة واحدة، بل يكون له خرقة ولها خرقة، ولا يمسحا بخرقة
واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، ففي الخبر أن ذلك يعقب بينهما العداوة.
(مسألة 1054) يستحب التعجيل في تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند
بلوغها، فعن الصادق عليه السلام: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته. وفي
الخبر: إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس
ونثرته الرياح، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة.
304

ويستحب أن لا يرد الخاطب إذا كان يرضى خلقه ودينه وأمانته، وكان عفيفا
صاحب يسار، ولا ينظر إلى شرافة الحسب وعلو النسب، فعن علي عليه
السلام عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه.
قلت: يا رسول الله وإن كان دنيئا في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه
فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
(مسألة 1055) يستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء
الطرفين، فعن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل
الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما. وعن الكاظم عليه
السلام قال: ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله: رجل
زوج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرا. وعن النبي صلى الله عليه وآله: من
عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما، زوجه الله ألف امرأة من الحور العين، كل
امرأة في قصر من در وياقوت، وكان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في
ذلك عمل سنة قام ليلها وصام نهارها، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه
غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة، وكان حقا على الله أن يرضخه بألف صخرة من
نار، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرق كان في سخط الله عز وجل ولعنته في الدنيا
والآخرة وحرم عليه النظر إلى وجهه.
(مسألة 1056) المشهور جواز وطي الزوجة والمملوكة دبرا على كراهية
شديدة، والأحوط تركه خصوصا مع عدم رضاها. ولا ينبغي ترك هذا
الاحتياط، ولو كان موجبا للاضرار لم يجز.
(مسألة 1057) لا يجوز وطأ الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان
النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم
والتفخيذ فلا بأس به حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضها
فالأحوط أنها تحرم عليه مؤبدا، وإن أفضاها بأن جعل مسلكي البول والحيض أو
305

مسلكي الحيض والغائط أو الجميع واحدا حرم عليه وطؤها أبدا، ولكن لم
تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة
الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها. ويجب عليه نفقتها ما دامت حية وإن
طلقها، بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط. ويجب عليه دية الافضاء،
وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي
استحقته بالعقد والدخول. ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع، فأفضاها لم تحرم
عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الانفاق عليها ما دامت حية وإن طلقها
وتزوجت بغيره.
(مسألة 1058) لا يجوز ترك وطي الزوجة الشابة أكثر من أربعة أشهر
إلا بإذنها حتى المنقطعة على الأقوى، أما الشائبة فعلى الأحوط. ويختص الحكم
بصورة عدم العذر، وأما معه فيجوز الترك مطلقا ما دام العذر، كما إذا خيف
الضرر عليه أو عليها، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو. والأظهر
أن ذلك الحكم مختص بالحاضر فلا بأس على المسافر وإن طال سفره بشرط
كون السفر ضروريا ولو عرفا كسفر التجارة والزيارة وتحصيل العلم، ونحو
ذلك، دون ما كان لمجرد الميل والأنس والتفرج ونحو ذلك.
(مسألة 1059) لا إشكال في جواز العزل، وهو اخراج الآلة عند
الانزال وإفراغ المني في الخارج، في غير الزوجة الدائمة الحرة وفي الدائمة الحرة مع
إذنها، وأما بدون إذنها ففيه قولان، أشهرهما الجواز مع الكراهة، وهو الأقوى،
ويمكن القول بعدم الكراهة في العقيم والعجوزة والسليطة والبذية والتي لا ترضع
ولدها، هذا في الزوج وأما الزوجة فالظاهر أنه يحرم عليها منع الزوج من
الانزال في فرجها مع عدم رضاه، ويمكن القول بوجوب دية النطفة عليها وهي
عشرة دنانير.
(مسألة 1060) يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر
306

ظاهره وباطنه حتى العورة، وكذا مس كل منهما بكل عضو منه كل عضو من
الآخر مع التلذذ وبدونه.
(مسألة 1061) لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من
مماثله، شيخا كان المنظور إليه أو شابا حسن الصورة أو قبيحها، ما لم يكن
بتلذذ وريبة، والعورة هي القبل والدبر والبيضتان كما سبق في أحكام التخلي من
كتاب الطهارة، وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من
مماثلها، وأما عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل.
(مسألة 1062) يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة
إذا لم يكن مع تلذذ وريبة، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن من جهة
النسب أو الرضاع أو المصاهرة، وكذا يجوز لهن النظر إلى ما عدا العورة من
جسده بدون تلذذ أو ريبة.
(مسألة 1063) لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه
والكفين من المرأة الأجنبية من شعرها وسائر جسدها، سواء كان فيه تلذذ
وريبة أم لا، وكذا الوجه والكفان إذا كان بتلذذ وريبة، وأما بدونهما
فالأحوط عدم النظر حتى نظرة واحدة.
(مسألة 1064) لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي، واستثناء الوجه
والكفين هنا أسهل كما يأتي.
(مسألة 1065) كل من يحرم النظر إليه يحرم مسه، فلا يجوز مس
الأجنبي الأجنبية وبالعكس، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفين من
الأجنبية لم نقل بجواز مسهما منها، فلا يجوز للرجل مصافحتها. نعم لا بأس بها
من وراء الثوب والأحوط أن تكون بدون غمز اليد على الأحوط.
(مسألة 1066) لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي والأجنبية.
نعم الظاهر أنه لا بأس بالنظر إلى السن والظفر والشعر المنفصلات.
307

(مسألة 1067) يستثنى من حرمة النظر واللمس في الأجنبي والأجنبية
مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل أو بالمحرم، كمعرفة النبض والفصد والحجامة
وجبر الكسر ونحو ذلك، مع انحصار المعالجة به وعدم إمكانها من وراء الثوب.
وكذا في مقام الضرورة كما إذا توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر
واللمس، وإذا اقتضت الضرورة أو توقف العلاج على النظر دون اللمس أو
العكس اقتصر على ما اضطر إليه، فلا يجوز الآخر.
(مسألة 1068) كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها
التستر من الأجانب، ولا يجب على الرجال التستر وإن كان يحرم على النساء
النظر إليهم. وإذا علم الرجل بأن النساء يتعمدن النظر إليه بريبة، فإن كان
عدم تستره بقصد الإعانة على الإثم فلا يجوز، وإن لم يكن قصده ذلك فما
جرت العادة على عدم ستره من زمان المعصومين عليهم السلام مثل الوجه لا
يجب ستره، وإن كان أحوط.
(مسألة 1069) لا إشكال في أن غير المميز من الصبي والصبية خارج
عن أحكام النظر واللمس والتستر.
(مسألة 1070) يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبية ما لم تبلغ إذا لم يكن
فيه تلذذ وشهوة. نعم الأحوط الاقتصار على مواضع لم تجر العادة على سترها
بالألبسة المتعارفة مثل الوجه والكفين وشعر الرأس والذراعين والقدمين، لا
مثل الفخذ والأليين والظهر والصدر والثديين، وكذا الأحوط عدم تقبيلها وعدم
وضعها في حجره إذا بلغت ست سنين.
(مسألة 1071) يجوز للمرأة النظر إلى الصبي المميز ما لم يبلغ، ولا
يجب عليها التستر عنه ما لم يبلغ مبلغا يترتب على النظر منه أو إليه ثوران
الشهوة.
(مسألة 1072) يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة، بل مطلق الكفار مع
عدم التلذذ والريبة، أي خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار على ما
308

كانت عادتهن على عدم ستره في زمان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام، وأما ما استحدث في زماننا من عدم ستر المحاسن بل والقبائح
نعوذ بالله فالأحوط ترك النظر، بل الأقوى في بعضها. وقد تلحق بهن نساء
أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهن اللاتي جرت عادتهن على عدم
التستر وإذا نهين لا ينتهين، وهو مشكل. نعم الظاهر أنه يجوز التردد في القرى
والأسواق ومواقع تردد تلك النسوة ومجامعهن ومحال معاملاتهن مع العلم عادة
بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض البصر في تلك المحال إذا لم يكن خوف
افتتان.
(مسألة 1073) يجوز لمن يريد الزواج من امرأة أن ينظر إليها في
الجملة بدون قصد التلذذ والريبة حتى لو علم أنه يحصل له ذلك، والأحوط
الاقتصار في النظر على وجهها وكفيها بشرط أن لا يكون عارفا بحالها. كما أن
الأحوط إن لم يكن أقوى الاقتصار على ما إذا كان قاصدا التزوج بالمنظورة
بالخصوص، أو محتملا ذلك فلا يشمل الحكم ما إذا كان ناويا مطلق الزواج
وكان يريد النظر لتعيين الزوجة. ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها
بالنظرة الأولى.
(مسألة 1074) الأقوى جواز سماع صوت الأجنبية بدون تلذذ و
ريبة، وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة، وإن كان
الأحوط الترك في غير مقام الضرورة، خصوصا في الشابة. نعم يحرم عليها
مكالمة الرجال بكيفية مهيجة بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت،
فيطمع الذي في قلبه مرض.
عقد النكاح وأحكامه
(مسألة 1075) النكاح على قسمين: دائم ومنقطع، وكل منهما يحتاج
إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين دالين على إنشاء المعنى المقصود
والرضا به، دلالة معتبرة عند أهل المحاورة، فلا يكفي مجرد الرضا القلبي من
309

الطرفين ولا المعاطاة الجارية في غالب المعاملات ولا الكتابة، وكذا الإشارة
المفهمة في غير الأخرس، والأحوط (وجوبا) كونه فيهما باللفظ العربي
للمتمكن منه، فلا يجزي غيره من سائر اللغات والظاهر كفاية غيره لغير
المتمكن منه، ولو مع التمكن من التوكيل، لكن بعبارة مفادها مفاد اللفظ العربي
بحيث تعد ترجمة له.
(مسألة 1076) الأقوى أن يكون الايجاب من طرف الزوجة والقبول من
طرف الزوج، والأحوط تقديم الأول على الثاني، وإن كان الأظهر جواز
العكس إذا لم يكن القبول بلفظ قبلت.
(مسألة 1077) الأحوط أن يكون الايجاب في النكاح الدائم بلفظي
أنكحت أو زوجت، ولا يبعد وقوعه بلفظ متعت إذا ذكر معه ما يدل على
الدوام. ولا يصح بألفاظ بعت أو وهبت أو ملكت أو آجرت.
وأن يكون القبول بلفظ قبلت أو رضيت، ويجوز الاقتصار في القبول بذكر
قبلت أو رضيت فقط بعد الايجاب من دون ذكر المتعلقات التي ذكرت فيه، فلو
قال الموجب الوكيل عن الزوجة للزوج أنكحتك موكلتي فلانة على المهر الفلاني،
فقال الزوج قبلت من دون أن يقول قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلاني، صح.
(مسألة 1078) يتعدى الانكاح والتزويج إلى مفعولين وتكون الزوجة
مفعولا أولا والزوج مفعولا ثانيا أو بالعكس، ويتعديان إلى المفعول الثاني
بنفسهما أو بواسطة من مثل (زوجت أو أنكحت هندا زيدا أو من زيد)
ويختص الانكاح بالتعدي باللام والتزويج بالباء، مثل (أنكحت هندا لزيد
وزوجت هندا بزيد) وربما استعملا على وجوه أخرى أيضا.
(مسألة 1079) قد يقع عقد النكاح بين الزوج والزوجة بمباشرتهما،
فبعد التقاول والتفاهم وتعيين المهر تقول الزوجة مخاطبة للزوج: أنكحتك نفسي
310

أو أنكحت نفسي منك أو لك على المهر المعلوم، فيقول الزوج بغير فصل معتد به:
قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم أو هكذا أو تقول: زوجتك نفسي أو زوجت نفسي
منك أو بك على المهر المعلوم، فيقول: قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم، أو
هكذا.
وقد يقع بين وكيليهما بأن يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج: أنكحت
موكلتي فلانة موكلك فلانا أو من موكلك أو لموكلك فلان على المهر المعلوم، ويجوز
العكس، فيقول: أنكحت موكلك موكلتي بتقديم الزوج، وكذا في سائر الصيغ.
فيقول وكيل الزوج: قبلت النكاح لموكلي على المهر المعلوم، أو هكذا، أو يقول وكيلها:
زوجت موكلتي موكلك أو من موكلك أو بموكلك فلان على المهر المعلوم، فيقول وكيله:
قبلت التزويج لموكلي على المهر المعلوم، أو هكذا.
وقد يقع بين ولييهما كالأب والجد، فيقول ولي الزوجة: أنكحت ابنتي أو ابنة
ابني فلانة مثلا ابنك أو ابن ابنك فلانا أو من ابنك، أو ابن ابنك، أو لابنك، أو لابن
ابنك، على المهر المعلوم، أو يقول: زوجت بنتي ابنك مثلا، أو من ابنك أو بابنك،
فيقول ولي الزوج: قبلت النكاح أو التزويج لابني، أو لابن ابني على المهر المعلوم.
وقد يكون بالاختلاف، بأن يقع بين الزوجة ووكيل الزوج وبالعكس أو
بينها وبين ولي الزوج وبالعكس أو بين وكيل الزوجة وولي الزوج وبالعكس،
وتعرف كيفية إيقاع العقد في هذه الصور الست مما ذكرناه في الصور الثلاث.
(مسألة 1080) لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب، بل
يصح الايجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر، فلو قال: زوجتك فقال: قبلت النكاح أو
قال: أنكحتك فقال: قبلت التزويج صح، وإن كان الأحوط المطابقة.
(مسألة 1081) إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيرا للمعنى بحيث يعد
اللفظ عبارة لمعنى آخر غير ما هو المقصود، لم يكف وإن كان عاميا مستعملا
مثل جوزت بدل زوجت وإن لم يكن مغيرا بل كان بحيث يفهم منه المعنى
311

المقصود ويعد لفظا لهذا المعنى إلا أنه يقال له لفظ ملحون وعبارة ملحونة من
حيث المادة أو الاعراب والحركات، فالاكتفاء به لا يخلو من قوة. وإن كان
الأحوط خلافه.
(مسألة 1082) يعتبر في العقد أن يكون العاقد عند إنشائه قاصدا
مضمونه، ويتوقف ذلك على فهم معنى لفظي أنكحت وزوجت وقصد إيقاع
العلاقة الخاصة المرتكزة في الأذهان التي يطلق عليها الزواج والنكاح في لغة
العرب وتقابلها عبارات أخرى في غيرها. والأحوط عدم الاكتفاء بعقد من لا
يكون عارفا بمعنى الجملة تفصيلا.
(مسألة 1083) يعتبر في العقد قصد الانشاء، بأن يقصد الموجب بقوله:
أنكحت أو زوجت إيقاع النكاح والزواج وإحداث وإيجاد ما لم يكن، لا الاخبار
والحكاية عن وقوع شئ في الخارج، وأن يقصد القابل بقوله: قبلت إنشاء
قبول ما أوقعه الموجب.
(مسألة 1084) يعتبر الموالاة العرفية بين الايجاب والقبول، وأن
لا يكون بينهما فصل معتد به.
(مسألة 1085) يشترط في صحة العقد التنجيز، فلو علقه على شرط
أو مجئ زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق الحصول كما إذا قال في يوم
الجمعة: أنكحت إذا كان اليوم يوم الجمعة، لم تبعد الصحة بشرط أن يكون عالما
بأن اليوم يوم الجمعة، أما إذا كان جاهلا فيبطل. وكذا لا تبعد الصحة إذا علقه
على أمر كانت صحة العقد متوقفة عليه، كما إذا قالت: إذا صح نكاحي معك ولم
أكن أختك فقد أنكحتك نفسي.
(مسألة 1086) يشترط في العاقد المجري للصيغة البلوغ والعقل، فلا
اعتبار بعقد الصبي غير المميز والمجنون ولو أدواريا حال جنونه، سواء عقدا
لنفسهما أو لغيرهما، ولا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بعقد المميز القاصد
312

للمعنى سواء كان لنفسه مع إذن الولي وإجازته أو أجاز هو بعد البلوغ أو عقد
لغيره وكالة أو فضولا وأجاز، فلا يترك الاحتياط (وجوبا) بتجديد العقد إذا
أرادا الزوجية أو بالطلاق.
وكذا يعتبر في العاقد القصد، فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران
وأشباههم. نعم ورد في السكران النص بالصحة إذا أجاز بعد الإفاقة، ولا بأس
بالعمل به إذا لم يكن السكر بحيث لا التفات معه إلى ما يقول، وأما معه فلا
يترك الاحتياط بتجديد العقد مع إرادة البقاء والطلاق مع إرادة التفريق.
(مسألة 1087) يشترط في صحة العقد تعيين الزوجين على وجه
يمتازان عن غيرهما بالاسم أو الإشارة أو الوصف الموجب لذلك، فلو قال
زوجتك إحدى بناتي، أو قال زوجت بنتي فلانة من أحد بنيك، أو من أحد
هذين، بطل. نعم يشكل فيما لو كانا معينين بحسب قصد المتعاقدين ومتميزين في
ذهنهما لكن لم يعيناهما عند إجراء الصيغة ولم يكن ما يدل عليه من لفظ أو فعل
أو قرينة خارجية مفهمة، كما إذا تقاولا وتعاهدا على تزويج بنته الكبرى من
ابنه الأكبر ولكن في مقام إجراء الصيغة قال: زوجت إحدى بناتي من أحد أبنائك،
وقبل الآخر فلا يترك الاحتياط (وجوبا) وأما إذا قال: زوجت بنتي من ابنك مع
القرينة المفهمة أنه أراد الكبرى والأكبر فلا تبعد الصحة.
(مسألة 1088) لو اختلف الاسم مع الوصف أو اختلفا أو أحدهما مع
الإشارة، يتبع العقد المقصود، ويلغى ما وقع غلطا وخطأ، فإذا كان المقصود
تزويج البنت الكبرى وتخيل أن اسمها فاطمة، وكانت المسماة بفاطمة هي
الصغرى وكانت الكبرى مسماة بخديجة، وقال زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة
وقع العقد على الكبرى التي اسمها خديجة، ويلغى تسميتها بفاطمة، وإن كان
المقصود تزويج فاطمة وتخيل أنها كبرى فتبين أنها صغرى وقع العقد
313

على المسماة بفاطمة، وألغي وصفها بأنها الكبرى. وكذا لو كان المقصود تزويج المرأة
الحاضرة وتخيل أنها كبرى واسمها فاطمة فقال زوجتك هذه وهي فاطمة وهي
الكبرى من بناتي، فتبين أنها الصغرى واسمها خديجة وقع العقد على المشار إليها،
ويلغى الاسم والوصف. ولو كان المقصود العقد على الكبرى فتخيل أن هذه
المرأة الحاضرة هي تلك الكبرى فقصد تزويج الكبرى وقال: زوجتك هذه
وهي الكبرى وقع العقد على تلك الكبرى وتلغى الإشارة أما إذا قصد عقد هذه
متخيلا أنها كبرى فالعقد يقع عليها دون الكبرى، ويصح مع إجازتها إن لم
يكن مأذونا منها قبل ذلك.
(مسألة 1089) يصح التوكيل في النكاح من طرف واحد أو من
طرفين، وذلك بتوكيل الزوج أو الزوجة إن كانا كاملين أو بتوكيل وليهما إذا كانا
قاصرين، ويجب على الوكيل أن لا يتعدى عما عينه الموكل من حيث الشخص
والمهر وسائر الخصوصيات، فإن تعدى كان فضوليا موقوفا على الإجازة.
وكذا يجب عليه مراعاة مصلحة الموكل، فإن تعدى وأتى بما هو خلافها كان
فضوليا. نعم إذا عين الموكل خصوصية تعينت ونفذ عمل الوكيل على طبقها
وإن كان ذلك على خلاف مصلحة الموكل.
(مسألة 1090) إذا وكلت المرأة رجلا في تزويجها، فليس له أن يزوجها
من نفسه إلا إذا صرحت بالتعميم أو كان كلامها بحسب متفاهم العرف ظاهرا في
العموم بحيث يشمل نفسه أيضا.
(مسألة 1091) الأقوى جواز تولي شخص واحد طرفي العقد، بأن
يكون موجبا وقابلا من الطرفين، أصالة من طرف ووكالة من آخر، أو ولاية
من الطرفين أو وكالة عنهما أو بالاختلاف، وإن كان الأحوط (استحبابا) مع
الامكان تولي الاثنين وعدم تولي شخص واحد للطرفين، خصوصا في تولي
الزوج طرفي العقد أصالة من طرفه ووكالة عن الزوجة في العقد المنقطع، فلا
ينبغي فيه ترك الاحتياط (استحبابا).
314

(مسألة 1092) إذا وكلا وكيلا في العقد في زمان معين لا يجوز لهما
المقاربة من ذلك الزمان ما لم يحصل لهما العلم بإيقاعه ولا يكفي الظن. نعم لو
أخبر الوكيل بالايقاع كفى، لأن قوله حجة فيما وكل فيه.
(مسألة 1093) لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح دواما أو
انقطاعا، لا للزوج ولا للزوجة، فلو شرطاه بطل الشرط، بل المشهور بطلان
العقد أيضا، وهو الأقوى.
(مسألة 1094) إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته، أو ادعت امرأة
زوجية رجل فصدقها، حكم لهما بذلك، وليس لأحد الاعتراض عليهما، من
غير فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين. وأما إذا ادعى أحدهما
الزوجية وأنكر الآخر، فالبينة على المدعي واليمين على المنكر جازما، فإن كان
للمدعي بينة حكم له، وإلا فيتوجه اليمين على المنكر، فإن حلف سقطت دعوى
المدعي، وإن نكل عن اليمين ثبتت دعواه، وإن رد اليمين على المدعي وحلف
ثبتت دعواه، وإن نكل سقطت. أما إذا لم يكن منكرا جزما، وكان يظهر
الشك، فالظاهر عدم السماع إلا بالبينة لعدم جواز الحلف مع الشك ولا الرد،
من غير فرق بين كون المنكر زوجا أو زوجة. هذا بحسب موازين القضاء
وقواعد الدعوى، وأما بحسب الواقع فيجب على كل منهما العمل على ما هو
تكليفه بينه وبين الله تعالى.
(مسألة 1095) إذا رجع المنكر عن إنكاره إلى الاقرار يسمع منه
ويحكم بالزوجية بينهما. أما إذا كان ذلك بعد الحلف فقد احتمل بعضهم أن
الحلف فسخ.
(مسألة 1096) إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت فالأقوى أن لها
أن تتزوج غيره وللغير أن يتزوجها قبل فصل الدعوى، خصوصا إذا تراخى
المدعي في الدعوى أو سكت عنها حتى طال الأمر عليها، وحينئذ إن أقام
315

المدعي بعد العقد عليها بينة، حكم له بها وبفساد العقد عليها. وإن لم يكن له بينة
فالظاهر عدم سماع الدعوى فيها وفي نظائرها بلا بينة.
(مسألة 1097) يجوز التزوج بامرأة تدعي أنها خلية من الزوج مع
احتمال صدقها من غير فحص. إلا في المتهمة فالأحوط وجوبا الفحص عن
حالها. وعدم الاعتماد على قولها. أما إذا ادعت أنها كانت ذات بعل ثم مات
بعلها أو طلقها، فالأحوط (وجوبا) عدم الاعتماد على قولها إلا إذا ادعت أنها
خلية.
(مسألة 1098) إذا تزوج امرأة تدعي أنها خلية عن الزوج، فادعى
رجل آخر زوجيتها، فهذه الدعوى متوجهة على كل من الزوج والزوجة، فإن
أقام المدعي بينة شرعية، حكم له عليهما وفرق بينهما وسلمت إليه، ومع عدم
البينة يتوجه اليمين عليهما، فإن حلفا معا على عدم زوجيته سقطت دعواه
عليهما، وإن نكلا عن اليمين أو رداها عليه وحلف، ثبت مدعاه. وإن حلف
أحدهما دون الآخر - بأن نكل عن اليمين أو رد اليمين على المدعي فحلف -
سقطت دعواه بالنسبة إلى الحالف، وأما بالنسبة إلى الآخر وإن ثبتت دعوى
المدعي بالنسبة إليه لكن ليس لهذا الثبوت أثر بالنسبة إلى من حلف، فإن كان
الحالف هو الزوج والناكل هي الزوجة ليس لنكولها أثر بالنسبة إلى الزوج، إلا
أنه لو طلقها أو مات عنها ردت إلى المدعي. وإن كان الحالف هي الزوجة
والناكل هو الزوج، سقطت دعوى المدعي بالنسبة إليها، وليس له سبيل إليها
على كل حال.
(مسألة 1099) إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ثم ادعت
بعد ذلك أنها كانت ذات بعل، لم تسمع دعواها. نعم لو ادعت ذلك قبل
الدخول، فالأحوط للزوج التفحص وإن كان الأقوى عدم لزومه. نعم لو
أقامت البينة على ذلك فرق بينهما، ولا يلزم أن تعين البينة الزوج، بل يلزم
316

أن تشهد بأنها ذات بعل غير هذا الرجل، أو أنها كانت ذات بعل حين وقع عليها
عقد هذا الرجل.
(مسألة 1100) يشترط في صحة العقد الاختيار، أعني اختيار
الزوجين، فلو أكرها أو أكره أحدهما على الزواج لم يصح. نعم لو رضي بعد
ذلك وأمضى العقد صح على الأقوى.
أولياء العقد
(مسألة 1101) للأب والجد من طرف الأب، أي أب الأب فصاعدا،
ولاية على الصغير والصغيرة والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ، وأما المنفصل عنه
فالأقوى فيه ولاية الحاكم، والأحوط (استحبابا) الاستئذان من أحدهما
أيضا. ولا ولاية للأم عليهم ولا للجد من طرف الأم ولو من قبل أم الأب،
بأن كان أبا لأم الأب مثلا، ولا للأخ والعم والخال وأولادهم.
(مسألة 1102) ليس للأب والجد للأب ولاية على البالغ الرشيد ولا
على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة، وأما إذا كانت بكرا فالأقوى استقلالها
وعدم الولاية لهما عليها مستقلا ولا منضما، ولكن مع ذلك لا يترك الاحتياط
(استحبابا) بالاستئذان منهما. نعم لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من
التزوج بمن هو كفؤ لها شرعا وعرفا مع ميلها، وكذا إذا كانا غائبين بحيث لا
يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزوج.
(مسألة 1103) ولاية الجد ليست منوطة بحياة الأب ولا موته، فعند
وجودهما يستقل كل منهما بالولاية، وإذا مات أحدهما اختصت بالآخر، وأيهما
سبق في تزويج المولى عليه عند وجودهما لم يبق محل للآخر. ولو زوج كل
منهما من شخص، فإن علم السابق منهما فهو المقدم ولغي الآخر، وإن علم
التقارن قدم عقد الجد ولغي عقد الأب. أما إذا جهل تاريخ العقدين
317

ولم يعلم السبق واللحوق والتقارن فيجب الاحتياط عليها بترك التمكين لهما وترك
الزواج بغيرهما قبل طلاقهما، وبأحدهما إلا بعد طلاق الآخر. وكذا يجب على
الرجال الآخرين الاحتياط قبل طلاقهما، وكذا على أحدهما بترك الزواج منها
إلا بعد طلاق الآخر للعلم الاجمالي بكونها زوجة لأحدهما من دون وجود
معين لأحدهما، واستصحاب عدم الزوجية لكل منهما. وإن علم تاريخ أحدهما
دون الآخر قدم معلوم التاريخ.
(مسألة 1104) يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم
المفسدة وإلا كان العقد فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على إجازة الصغير بعد
البلوغ، بل الأحوط (استحبابا) مراعاة المصلحة.
(مسألة 1105) إذا وقع العقد من الأب أو الجد على الصغير أو
الصغيرة مع مراعاة ما يجب مراعاته لا خيار لهما بعد بلوغهما، بل هو لازم
عليهما.
(مسألة 1106) لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل، أو زوج الصغير
بأكثر منه، فإن كانت توجد مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر ولزم، وإن
كانت المصلحة في نفس التزويج دون المهر، فالأقوى صحة العقد ولزومه
وبطلان المهر، بمعنى عدم نفوذه وتوقفه على الإجازة بعد البلوغ، فإن أجاز
استقر وإلا رجع إلى مهر المثل.
(مسألة 1107) لا يصح زواج السفيه المبذر إلا بإذن أبيه أو جده أو
الحاكم مع فقدهما، وكذا غير المبذر على الأحوط إذا كان سفيها في أمر الزواج
وتعيين المهر والمرأة إلى الولي. إذا بلغ سفيها، وأما إذا عرض عليه السفه بعد
البلوغ فأمره بيد الحاكم الشرعي وإن كان الأحوط (استحبابا) الاستيذان منهما.
ولو تزوج بدون إذن وقف على الإجازة، فإن رأى الولي مصلحة وأجاز جاز،
ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة.
(مسألة 1108) إذا زوج الولي المولى عليه بمن له عيب لم يصح العقد
318

ويكون فضوليا، سواء كان من العيوب الموجبة للخيار أو غيرها، كما إذا كان
منهمكا في المعاصي أو شارب الخمر أو بذي اللسان وسيئ الخلق وأمثال ذلك،
من غير فرق بين علم الولي بالعيب أو جهله ما دامت انكشفت المفسدة في ذلك
العقد، أما احتمال كفاية مراعاته المصلحة بحسب نظره حتى لو انكشف خلافه فهو
بعيد لا يعبأ به. نعم إذا كانت في العقد مصلحة ملزمة صح العقد، ولم يكن
للمولى عليه خيار الفسخ إلا في العيوب المجوزة للفسخ فالظاهر ثبوت الخيار له
بعد بلوغه.
(مسألة 1109) ينبغي بل يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن
أباها أو جدها، وإن لم يكونا فأخاها، وإن تعدد الأخ قدمت الأكبر.
(مسألة 1110) لا ولاية للوصي، أي القيم من قبل الأب أو الجد على
الصغير والصغيرة، وإن نص له الموصي على النكاح على الأحوط.
(مسألة 1111) الأحوط لغير الأب والجد من الأولياء عدم تزويج
الصغير أو الصغيرة إلا مع الضرورة اللازمة المراعاة بحيث يترتب على تركه
مفسدة يلزم التحرز عنها. والأحوط للحاكم فيمن تجدد فساد عقله الاستئذان
من الأب والجد أو من وصيهما إن كانوا.
(مسألة 1112) يشترط في ولاية الأولياء البلوغ والعقل والحرية
والإسلام إذا كان المولى عليه مسلما، فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما
من عبد أو أمة، بل الولاية حينئذ لوليهما، وكذا لا ولاية للأب والجد إذا جنا،
وإن جن أحدهما تختص الولاية بالآخر، وكذا لا ولاية للمملوك على ولده حرا
كان أو عبدا، وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم، فتكون للجد إذا
كان مسلما، والظاهر ثبوت ولايته على ولده الكافر إن لم يكن له جد مسلم
وإلا فالولاية له، وإن كانت أمه مسلمة فالولاية للحاكم الشرعي إن لم يكن له
ولي مسلم.
319

(مسألة 1113) العقد الصادر من غير الوكيل والولي المسمى بالفضولي،
يصح مع الإجازة، سواء كان فضوليا من الطرفين أو من أحدهما، وسواء كان
المعقود عليه صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا، وسواء كان العاقد قريبا للمعقود
عليه كالأخ والعم والخال أو أجنبيا. ومنه العقد الصادر من العبد أو الأمة
لنفسهما بدون إذن المولى، والصادر من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون
فيه، بأن أوقع الولي على خلاف المصلحة، أو الوكيل على خلاف ما عينه
الموكل.
(مسألة 1114) إذا كان المعقود له ممن يصح منه العقد لنفسه، بأن كان
بالغا عاقلا حرا، فإنما يصح العقد الصادر من الفضولي بإجازته. وإن كان
ممن لا يصح منه العقد وكان مولى عليه بأن كان صغيرا أو مجنونا أو مملوكا،
فإنما يصح إما بإجازة وليه في زمان قصوره أو إجازته بنفسه بعد كماله، فلو
أوقع الأجنبي عقدا على الصغير أو الصغيرة توقفت صحة عقده على إجازتهما له
بعد بلوغهما ورشدهما إن لم يجز أبوهما أو جدهما في حال صغرهما، فأي من
الإجازتين حصلت كفت. نعم يعتبر في صحة إجازة الولي ما يعتبر في صحة
عقده، فلو أجاز العقد الواقع على خلاف مصلحة الصغير لغت إجازته وانحصر
الأمر في إجازته بنفسه بعد بلوغه ورشده.
(مسألة 1115) لا يشترط في الإجازة الفور، فلو تأخرت عن العقد
زمنا طويلا صحت، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوعه أو لأجل
التروي أو للاستشارة أو غير ذلك.
(مسألة 1116) لا أثر للإجازة بعد الرد، وكذا لا أثر للرد بعد
الإجازة، فالعقد يلزم بها وينفسخ بالرد، سواء كان السابق من الرد أو
الإجازة واقعا من المعقود له أو وليه، فلو أجاز أو رد ولي الصغير العقد الواقع
عليه فضولا ليس له بعد البلوغ الرد في الأول ولا الإجازة في الثاني.
320

(مسألة 1117) إذا كان أحد الزوجين كارها حال العقد لكن لم يصدر
منه رد له، فالظاهر أنه يصح لو أجاز بعد ذلك. بل لو استؤذن فنهى ولم يأذن
ومع ذلك أوقع الفضولي العقد فالأقوى أيضا صحته بالإجازة.
(مسألة 1118) يكفي في الإجازة المصححة لعقد الفضولي كل ما دل على
إنشاء الرضا بذلك العقد، بل يكفي الفعل الدال عليه.
(مسألة 1119) لا يكفي الرضا القلبي في صحة العقد وخروجه عن
الفضولية، فلو كان حاضرا حال العقد راضيا به إلا أنه لم يصدر منه قول أو
فعل يدل على رضاه، فالظاهر أنه من الفضولي، فله أن لا يجيز ويرده. نعم في
خصوص البكر إذا ظهر من حالها الرضا وإنما سكتت ولم تنطق بالإذن لحيائها،
كفى ذلك وكان سكوتها إذنها.
(مسألة 1120) لا يعتبر في وقوع العقد فضوليا قصد الفضولية ولا
الالتفات إليها، بل المدار في الفضولية على كون العقد صادرا من غير مالك العقد
وإن تخيل خلافه، وفي غير الفضولية على كونه صادرا ممن يملك العقد وإن
تخيل خلافه. فلو تخيل كونه وليا أو وكيلا وأوقع العقد فتبين خلافه كان من
الفضولي وصح بالإجازة، كما أنه لو اعتقد أنه ليس بوكيل ولا ولي فأوقع العقد
بعنوان الفضولية فتبين خلافه، صح العقد ولزم بلا توقف على الإجازة، إذا وافق
ما شرط عليه الموكل وراعى مصلحة المولى عليه.
(مسألة 1121) إذا زوج الصغيرين أحد فضولا، فإن أجاز وليهما قبل
بلوغهما أو أجازا بعد بلوغهما أو أجاز ولي أحدهما قبل بلوغه وأجاز الآخر بعد
بلوغه، ثبتت الزوجية وترتبت جميع أحكامها، وإن رد وليهما قبل بلوغهما، أو
رد ولي أحدهما قبل بلوغه، أو ردا بعد بلوغهما أو رد أحدهما بعد بلوغه، أو
ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة، بطل العقد من أصله، ولم يترتب عليه أثر
أصلا من توارث وغيره من سائر الآثار. نعم لو بلغ
321

أحدهما وأجاز ثم مات
قبل بلوغ الآخر وإجازته، يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير
الزوجية، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه، لكن بعدما يحلف على أنه لم تكن إجازته
للطمع في الإرث وإنما هي للرضا بالتزويج، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف على
ذلك لم يدفع إليه بل يرد إلى الورثة. والظاهر أن الحاجة إلى الحلف إنما هي إذا
كان متهما بأن إجازته لأجل الإرث، وأما مع عدمه كما إذا أجاز مع الجهل
بموت الآخر، أو كان المتوفى الزوجة وكان المهر الذي عليه أكثر من إرثه منها،
فيدفع إليه بدون الحلف.
(مسألة 1122) كما يترتب الإرث على تقدير الإجازة والحلف، تترتب
الآثار الأخر المترتبة على الزوجية أيضا من المهر وحرمة الأم وحرمتها على
أب الزوج وابنه إن كانت الزوجة هي الباقية، وغير ذلك، بل يمكن أن يقال
بترتب تلك الآثار بمجرد الإجازة من غير حاجة إلى الحلف وإن كان متهما،
فيفكك بين الإرث وسائر الآثار على إشكال، خصوصا بالنسبة إلى استحقاق
المهر إذا كانت الباقية هي الزوجة.
(مسألة 1123) الظاهر جريان هذا الحكم في كل مورد مات من لزم
العقد من طرفه وبقي من يتوقف زوجيته على إجازته، كما إذا زوج أحد
الصغيرين الولي وزوج الآخر الفضولي فمات الأول قبل بلوغ الثاني وإجازته.
كما أنه هو المتجه إذا كانا كبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني
وإجازته.
(مسألة 1124) إذا كان العقد فضوليا من أحد الطرفين كان لازما من
طرف الأصيل، فلو كان الطرف الأصيل الزوجة فليس لها أن تتزوج بالغير
قبل أن يرد الآخر العقد ويفسخه، والأقوى أنه لا يثبت في حق الطرف الأصيل
تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر ورده، فلو كان زوجا لم يحرم عليه نكاح أم
المرأة وبنتها وأختها والخامسة إن كانت هي الرابعة. وإن كانت الحرمة أحوط
(استحبابا).
(مسألة 1125) إذا رد المعقود أو المعقودة العقد الواقع فضولا صار
العقد كأنه لم يقع، سواء كان العقد فضوليا من الطرفين ورداه معا أو رده أحدهما،
322

بل ولو أجاز أحدهما ورد الآخر، أو من طرف واحد ورد ذلك
الطرف، فتحل المعقودة على أب المعقود له وابنه، وتحل بنتها وأمها على المعقود
له.
(مسألة 1126) إذا زوج الفضولي امرأة برجل من دون اطلاعها
وتزوجت هي برجل آخر صح ولزم الثاني، ولم يبق محل لإجازة الأول. وكذا لو
زوج الفضولي رجلا امرأة من دون اطلاعه وتزوج هو بأمها أو بنتها، ثم علم.
(مسألة 1127) لو زوج فضوليان امرأة، كل منهما برجل، كانت بالخيار
في إجازة أيهما شأت، وإن شأت ردتهما، سواء تقارن العقدان أو تقدم
أحدهما على الآخر. وكذلك الحال إذا زوج أحد الفضولين رجلا بامرأة والآخر
بأمها أو بنتها أو أختها، فإن له إجازة أيهما شاء.
(مسألة 1128) لو وكلت رجلين في تزويجها فزوجها كل منهما برجل،
فإن سبق أحدهما صح السابق ولغي الآخر، وإن تقارنا بطلا معا، وإن لم يعلم
الحال فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما
فإن احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا في حق كل من الزوجة والرجلين، وإن
علم عدم التقارن فيعلم إجمالا بصحة أحد العقدين وتكون المرأة زوجة لأحد
الرجلين وأجنبية عن الآخر، فليس لها أن تتزوج بغيرهما ولا للغير أن يتزوج
بها، لكونها ذات بعل قطعا. وأما حالها بالنسبة إلى الرجلين فالأولى أن
يطلقاها ويجدد النكاح عليها أحدهما برضاها، وإن طلقها أحدهما وجدد الآخر
نكاحها صح. وإن تعاسرا وكان في التوقف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج
على الزوجة، أو كان لا يرجى ظهور الحال فالمتجه تعيين الزوج منهما بالقرعة
فيحكم بزوجية من وقعت القرعة عليه، ولكن الأحوط على الزوجة
إرضاؤهما بالطلاق مع التمكن، ولو بإعطاء شئ لهما وصرف النظر عن الصداق،
كما أن الأحوط عليهما التطليق.
323

(مسألة 1129) لو ادعى أحد الزوجين سبق عقده، فإن صدقه الآخر
وكذا الزوجة، أو صدقه أحدهما وقال الآخر لا أدري، أو قال كلاهما لا أدري
فالزوجة لمدعي السبق، وذلك لأن وكيلها يدعي إيقاع العقد الصحيح ولا
معارض له وقوله حجة، فيبقى استصحاب عدم حصول علاقة الزوجية في
الطرف الآخر من المعلوم بالاجمال بلا معارض. وإن صدقه الآخر ولكن كذبته
الزوجة وادعت أن عقد الآخر مقدم، كانت الدعوى بين الزوجة وكلا
الزوجين، فالزوج الأول يدعي زوجيتها وصحة عقده، وهي تنكر زوجيته
وتدعي فساد عقده، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني، حيث أنه
يدعي فساد عقده وهي تدعي صحته، ففي الدعوى الأولى تكون هي المدعية
والزوج هو المنكر، إن كان مصب الدعوى صحة العقد وعدمها دون السبق
وعدمه، إلا بناء على القول بكفاية لازم الدعوى إذا كان ذا أثر شرعي، وفي
الدعوى الثانية بالعكس. فإن أقامت البينة على فساد الأول المستلزم لصحة
الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأول. وإن أقام الزوج الثاني بينة على
فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوتها للأول، وإن لم تكن بينة يتوجه الحلف
على الزوج الأول في الدعوى الأولى وإلى الزوجة في الدعوى الثانية، فإن حلف
الزوج الأول ونكلت الزوجة ثبتت زوجيتها للأول، وإن حلفت هي دونه، حكم
بزوجيتها للثاني، وإن حلفا معا فالمرجع هي القرعة.
(مسألة 1130) إذا ادعى كل من الزوجين سبق عقده، فإن قالت
الزوجة لا أدري، تكون الدعوى بين الزوجين، فإن أقام أحدهما بينة دون
الآخر حكم له وكانت الزوجة له، وإن أقام كل منهما بينة تعارضت البينتان
فيرجع إلى القرعة، فيحكم بزوجية من وقعت عليه. وإن لم تكن بينة يتوجه
الحلف إليهما، فإن حلف أحدهما حكم له، وإن حلفا أو
324

نكلا يرجع إلى القرعة، وإن صدقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى
من لم تصدقه الزوجة، والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة، ويكون
الحكم مع إقامة البينة من أحد الطرفين أو من كليهما كما مر. وأما مع عدمها
وانتهاء الأمر إلى الحلف، فإن حلف من لم تصدقه الزوجة يحكم له على كل
من الزوجة والزوج الآخر، وأما مع حلف من صدقته فلا يترتب على حلفه
رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة، بل لا بد من حلفها أيضا.
(مسألة 1131) إذا زوجه أحد وكيليه بامرأة والآخر ببنتها، صح
السابق ولغي اللاحق، ومع التقارن بطلا معا، وإن لم يعلم السابق فإن علم
تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما فإن احتمل
تقارنهما، يحكم ببطلان كليهما، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحة أحد
العقدين وبطلان أحدهما، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما، كما أنه لا يجوز
لهما التمكين منه. نعم يجوز له النظر إلى الأم ولا يجب عليها التستر عنه للعلم بأنه
إما زوجها أو زوج بنتها، وأما البنت فحيث أنه لم يحرز زوجيتها وبنت الزوجة
إنما يحل النظر إليها إن دخل بالأم والمفروض عدمه، فلم يحرز ما هو سبب لحلية
النظر إليها، ويجب عليها التستر عنه. نعم لو فرض الدخول بالأم بعد العقد ولو
بالشبهة، كان حالها حال الأم.
أسباب التحريم
(مسألة 1132) المقصود بأسباب التحريم ما بسببه يحرم ولا يصح
تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج بينهما، وهي أمور: النسب، والرضاع،
والمصاهرة وما يلحق بها، والكفر، وعدم الكفأة، واستيفاء العدد، والاعتداد،
والاحرام:
325

التحريم بالنسب
(مسألة 1133) يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة
أصناف من الرجال:
الأم، وتشمل الجدات عاليات ونازلات، لأب كن أو لأم، فتحرم المرأة
على ابنها وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها
وابن بنت ابنها، وهكذا. وبالجملة تحرم على كل ذكر ينتمي إليها بالولادة، سواء
كان بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط، وسواء كانت الوسائط ذكورا أو إناثا، أو
بالاختلاف.
والبنت، وتشمل الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط، فتحرم هي على أبيها
ويشمل الجد، لأب كان أو لأم، فتحرم على الرجل بنته وبنت ابنه وبنت ابن ابنه
وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته. وبالجملة كل أنثى تنتمي إليه بالولادة
بواسطة أو وسائط، ذكورا كانوا أو إناثا أو بالاختلاف.
والأخت، سواء كانت لأب أو لأم أو لهما.
وبنت الأخ، سواء كان الأخ لأب أو لأم أو لهما، وهي كل امرأة تنتمي بالولادة
إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت، سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو
الأمهات، أو بالاختلاف، فتحرم عليه بنت أخيه وبنت ابنه وبنت ابن ابنه
وبنت بنته وبنت بنت بنته وبنت ابن بنته، وهكذا.
وبنت الأخت، وهي كل أنثى تنتمي إلى أخته بالولادة على النحو الذي ذكر في
بنت الأخ.
والعمة، وهي أخت أبيه لأب أو لأم أو لهما. والمراد بها ما يشمل العاليات،
أعني عمة الأب أخت الجد للأب، لأب أو لأم أو لهما، وعمة الأم أخت أبيها،
لأب أو لأم أو لهما، وعمة الجد للأب والجد للأم والجدة كذلك، فمراتب العمات
مراتب الآباء، فهي كل أنثى تكون أختا للذكر تنتمي إليه بالولادة من طرف أبيه
أو أمه.
326

والخالة، والمراد بها أيضا ما يشمل العاليات، فهي كالعمة، إلا أنها أخت
إحدى أمهاته ولو من طرف أبيه والعمة أخت أحد آبائه ولو من طرف أمه،
فأخت جدته للأب خالته حيث أنها خالة أبيه، وأخت جده للأم عمته حيث أنها
عمة أمه.
(مسألة 1134) لا تحرم عمة العمة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني
العمة والخالة ولو بالواسطة، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان، كما إذا كانت
عمته أختا لأبيه لأب وأم، أو لأب، وكان لأب أبيه أخت لأب أو أم أو لهما،
فهذه عمة لعمته بلا واسطة وعمة له معها. وكما إذا كانت خالته أختا لأمه لأمها
أو لأمها وأبيها وكانت لأم أمه أخت، فهي خالة لخالته بلا واسطة وخالة له معها
. وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان، كما إذا كانت عمته أختا لأبيه لأمه لا لأبيه
وكانت لأب الأخت أخت، فالأخت الثانية عمة لعمته وليس بينه وبينها نسب
أصلا، وكما إذا كانت خالتك أختا لأمك لأبيها لا لأمها، وكانت لأم الأخت
أخت، فهي خالة لخالتك وليست خالتك ولو مع الواسطة. وكذلك أخت الأخ
أو الأخت إنما تحرم إذا كانت أختا لا مطلقا، فلو كان لك أخ أو أخت لأبيك
وكانت لأمهما بنت من زوج آخر فهي أخت لأخيك أو أختك وليست أختا لك
لا من طرف أبيك ولا من طرف أمك، فلا تحرم عليك.
(مسألة 1135) النسب: إما شرعي، وهو ما كان بسبب وطء حلال
ذاتا بسبب شرعي من نكاح أو ملك يمين أو تحليل وإن حرم لعارض من
حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام ونحوها، ويلحق به وطأ الشبهة. وإما غير
شرعي، وهو ما حصل بالسفاح والزنا. والأحكام المترتبة على النسب الثابتة
في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصت بالأول لكن الظاهر بل المقطوع به أن
موضوع حرمة النكاح أعم فيعم غير الشرعي، فلو زنا بامرأة فولدت منه ذكرا
وأنثى حرمت المزاوجة بينهما، وكذا بين كل منهما وبين أولاد
327

الزاني والزانية
الحاصلين بالنكاح الصحيح أو بوطأ الشبهة أو الزنا ولو بامرأة أخرى، فلو زنا
رجل بامرأتين فولدت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى، فهما أخ وأخت من أب
واحد ويحرم ازدواجهما. وكذا تحرم الزانية وأمها وأم الزاني وأخواتهن على
الذكر، وتحرم الأنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه.
(مسألة 1136) المراد بوطأ الشبهة الوطأ الذي لا يحق له مع اعتقاد
حليته جهلا بالحكم أو بالموضوع، كما إذا وطأ أجنبية باعتقاد أنها زوجته.
ويلحق به وطأ المجنون والنائم وشبههما، دون السكران إذا كان سكره بشرب
المسكر عن معصية.
أحكام الرضاع
(مسألة 1137) يتوقف انتشار الحرمة بالرضاع على شروط: الأول: أن
يكون اللبن حاصلا من وطء جائز شرعا بالذات وإن كان حراما بالعرض
كوطء الحائض أو الصائم أو المحرم. ويشكل إلحاق وطأ الشبهة به، فلا يترك
الاحتياط فيه (وجوبا).
(مسألة 1138) لا يعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في عصمة الرجل،
فلو طلقها الزوج أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولدا نشر
الحرمة، وكذا إن تزوجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه أو حملت منه
ولم ينقطع اللبن. وكذا إذا حدثت في اللبن زيادة ولم يعلم أنها بسبب الحمل،
أما إن علم أنها بسببه فلا تنتشر الحرمة.
الثاني: أن يكون الرضاع بالامتصاص من الثدي، فلو حلب من الثدي في
حلقه أو شرب اللبن المحلوب من المرأة، لم ينشر الحرمة.
الثالث: أن تكون المرضعة حية، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب
حال موتها ولو رضعة لم ينشر الحرمة.
328

الرابع: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما، فلا عبرة
برضاعه بعدهما. أما بالنسبة إلى المرضعة فقد أفتى بعضهم بعدم اشتراط أن
يكون عمر ولدها دون السنتين وفيه تأمل، فلا يترك الاحتياط (وجوبا).
(مسألة 1139) المراد بالحولين أربع وعشرون شهرا هلاليا من حين
الولادة، ولو وقعت الولادة أثناء الشهر يكمل ما نقص منه من الشهر الخامس
والعشرين على الأظهر.
الشرط الخامس: الكمية، وهي بلوغه الحد المعين، فلا يكفي مسمى الرضاع
ولا رضعة كاملة. وله في الأخبار وعند فقهائنا الأخيار تحديدات ثلاثة: الأثر،
والزمان، والعدد. وأي واحد منها حصل كفى في نشر الحرمة:
فأما الأثر فهو أن يرضع بمقدار ينبت اللحم ويشد العظم.
وأما الزمان فهو أن يرتضع من المرأة يوما وليلة متصلين بأن يكون غذاؤه في
هذه المدة منحصرا بلبن المرأة.
وأما العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة.
(مسألة 1140) المعتبر في إنبات اللحم وشد العظم أن يكون الرضاع
سببا مستقلا لهما على وجه ينسبان إليه، فلو فرض ضم السكر ونحوه إليه على
نحو ينسبان إليهما فيشكل ثبوت التحريم. كما أن المدار على ما كان معتدا به منهما
على نحو بين يصدقان عرفا ولا يكفي حصولهما بالدقة العقلية. وإذا شك في
حصولهما بهذه المرتبة أو في استقلال الرضاع في حصولهما، يرجع إلى التقديرين
الآخرين.
(مسألة 1141) يعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة
منحصرا بلبن المرأة حسب ما يتعارف في الرضيع، فلا يضر أن يشرب أو
يأكل شيئا قليلا غيره بنحو يتعارف كثيرا. ولا يقدح شرب الماء للعطش
329

ولا ما يأكل أو يشرب دواءا. والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ
بالرضاع في أثناء الليل أو النهار.
(مسألة 1142) يعتبر في التقدير بالعدد أمور: منها: كمال الرضعة بأن
يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه، ولا تحسب الرضعة الناقصة، ولا تضم
الناقصات بعضها إلى بعض، بأن تحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات
ناقصات مثلا واحدة. نعم لو التقم الصبي الثدي ثم رفضه لا بقصد الاعراض
بأن كان للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير
ذلك، كان الكل رضعة واحدة. ومنها: توالي الرضعات، بأن لا يفصل بينها
إرضاع امرأة أخرى ولو كان ناقصا على الأحوط. ولا يقدح في التوالي تخلل
غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تغذى به. ومنها: أن يكون كمال العدد
من امرأة واحدة، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة وأكملها من امرأة
أخرى، لم تنشر الحرمة، وإن اتحد الزوج فلا تكون أي من المرضعتين أما
للمرتضع ولا الزوج أبا له. ومنها: اتحاد الزوج، بأن يكون تمام العدد من لبن
امرأة لرجل واحد، ولا يكفي اتحاد المرضعة، فلو أرضعت امرأة من لبن زوج
ثمان رضعات ثم طلقها وتزوجت بآخر وحملت منه، ثم أرضعت ذلك الطفل من
لبن الزوج الثاني تكملة العدد من دون تخلل إرضاع امرأة أخرى حتى رضعة
ناقصة على الأحوط (وجوبا) لم ينشر الحرمة، وكما لو تغذى الولد في المدة
المتخللة بالمأكول والمشروب لا بالرضاع.
(مسألة 1143) الشروط المذكورة شروط لناشرية الرضاع للحرمة،
فلو انتفى بعضها لم تنتشر الحرمة أصلا حتى بين الزوج والمرتضعة، وكذا بين
المرتضع والمرضعة، فضلا عن الأصول والفروع والحواشي.
(مسألة 1144) يشترط أيضا لنشر الحرمة بين المرتضعين أي الأخوة
الرضاعية شرط آخر وهو وحدة الزوج الذي ارتضع المرتضعان من لبن
زوجته، فلو ارتضع صبي من امرأة من لبن شخص رضاعا كاملا، وارتضعت
330

صبية من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك لم تحرم الصبية على ذلك الصبي،
ولا فروع أحدهما على الآخر، بخلاف ما إذا كان صاحب اللبن واحدا وتعددت
المرضعة، كما إذا كانت لشخص نسوة متعددة وأرضعت كل واحدة منهن من
لبنه طفلا رضاعا كاملا، فإنه يحرم بعضهم على بعض، وعلى فروعه لحصول
الأخوة الرضاعية بينهم.
(مسألة 1145) إذا تحقق الرضاع الجامع للشرائط صار الزوج
والمرضعة أبا وأما للمرتضع، وأصولهما أجدادا وجدات، وفروعهما إخوة وأولاد
إخوة له، ومن في حاشيتهما وفي حاشية أصولهما أعماما أو عمات وأخوالا أو
خالات له. وصار المرتضع ابنا أو بنتا لهما وفروعه أحفادا لهما. وإذا تبين ذلك
فكل عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة المتقدمة إذا تحقق مثله في الرضاع
يكون محرما: فالأم الرضاعية كالأم النسبية، والبنت الرضاعية كالبنت النسبية،
وهكذا. فلو أرضعت امرأة من لبن زوجها طفلا حرمت المرضعة وأمها وأم
زوجها على المرتضع بسبب الأمومة، وحرمت المرتضعة وبناتها وبنات المرتضع
على الزوج وعلى أبيه وأب المرضعة بسبب البنوة، وحرمت أخت الزوج وأخت
المرضعة على المرتضع لكونهما عمة وخالة له، والمرتضعة على أخ الزوج وأخ
المرضعة لكونها بنت أخ أو بنت أخت لهما، وحرمت بنات الزوج على المرتضع
، والمرتضعة على أبنائه نسبيين كانوا أم رضاعيين، وكذا بنات المرضعة على
المرتضع، والمرتضعة على أبنائها إذا كانوا نسبيين بسبب الأخوة. وأما أولاد
المرضعة الرضاعيون ممن أرضعتهم بلبن زوج آخر غير الزوج الذي ارتضع
المرتضع بلبنه، فلا يحرمون على المرتضع، لما مر من اشتراط اتحاد الزوج في نشر
الحرمة بين المرتضعين.
(مسألة 1146) يكفي في حصول العلاقة الرضاعية التي تنشر الحرمة
دخالة الرضاع في حصولها في الجملة، فقد تحصل به من دون دخالة
331

غيره فيها
كعلاقة البنوة والأمومة والأبوة الحاصلة بين المرتضع والمرضعة وزوجها
(صاحب اللبن) وكذا الحاصلة بينه وبين أصولهما الرضاعيين فيكون أبوهما
وأمهما من الرضاعة أباه وأمه أيضا. وقد تحصل بالرضاع مع دخالة النسب
كعلاقة الأخوة الحاصلة بين المرتضع وأولاد المرضعة وزوجها النسبيين.
وذلك: أن النسبة بين شخصين قد تحصل بعلاقة واحدة كالنسبة بين الولد
ووالده ووالدته، وقد تحصل بعلاقتين كالنسبة بين الأخوين فإنها تحصل بعلاقة كل
منهما مع الأب أو الأم أو كليهما، وكالنسبة بين الشخص وجده الأدنى، فإنها
تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه مثلا وعلاقة بين أبيه وبين جده، وقد تحصل بعلاقات
ثلاث كالنسبة بين الشخص وبين جده الثاني، وكالنسبة بينه وبين عمه الأدنى
فإنها تحصل بعلاقة بينه وبين أبيه وبعلاقة كل من أبيه وأخيه مع أبيهما مثلا،
وهكذا تتصاعد وتتنازل النسب، وتنشعب بقلة العلاقات وكثرتها، حتى أنه قد
تتوقف نسبة بين شخصين على عشر علائق أو أقل أو أكثر، وإذا تبين ذلك، فإن
كانت تلك العلائق كلها حاصلة بالولادة كانت العلاقة نسبية، وإن حصلت كلها
أو بعضها ولو واحدة من العشر بالرضاع كانت العلاقة رضاعية.
(مسألة 1147) لما كانت علاقة المصاهرة - التي هي أحد أسباب تحريم
النكاح كما يأتي - علاقة بين أحد الزوجين وبعض أقرباء الآخر، فهي تتوقف
على أمرين: الزواج والقرابة، والرضاع إنما يقوم مقام الثاني دون الأول،
فمرضعة ولدك لا تكون بمنزلة زوجتك حتى تحرم أمها عليك، لكن الأم والبنت
الرضاعيتين لزوجتك تكونان كالأم والبنت النسبيتين لها، فتحرمان عليك،
وكذلك حليلة الابن الرضاعي كحليلة الابن النسبي، وحليلة الأب الرضاعي
كحليلة الأب النسبي تحرم الأولى على أبيه الرضاعي والثانية على ابنه
الرضاعي.
(مسألة 1148) ظهر مما سبق أن العلاقة الرضاعية المحضة قد تحصل
332

برضاع واحد كالحاصلة بين المرتضع والمرضعة وصاحب اللبن. وقد تحصل
برضاعين كالحاصلة بين المرتضع وبين الأبوين الرضاعيين للمرضعة أو
زوجها (صاحب اللبن). وقد تحصل برضاعات متعددة. كما إذا كان لصاحب
اللبن مثلا أب من جهة الرضاع وكان لذلك الأب الرضاعي أيضا أب من
الرضاع وكان للأخير أيضا أب من الرضاع، وهكذا إلى عشرة آباء كان الجميع
أجدادا رضاعيين للمرتضع الأخير، وجميع المرضعات جدات له، فإن كانت
أنثى حرمت على جميع الأجداد وإن كان ذكرا حرمت عليه جميع الجدات. بل
لو كانت للجد الرضاعي الأعلى أخت رضاعية حرمت على المرتضع الأخير
لكونها عمته العليا من الرضاع، ولو كانت للمرضعة الأبعد التي هي الجدة العليا
للمرتضع أخت، حرمت عليه لكونها خالته العليا من الرضاع.
(مسألة 1149) إذا حصلت الأخوة الرضاعية بين المرتضعين، التي
تقدم فيها اشتراط وحدة صاحب اللبن (الزوج) يترتب عليها العمومة
والخؤولة بالرضاعة، لأن العم والعمة أخ وأخت للأب والخال والخالة أخ
وأخت للأم، فلو رضع أبوه أو أمه مع صبية من امرأة فإن اتحد الزوج (صاحب
اللبن) كانت الصبية عمته أو خالته من الرضاعة، بخلاف ما إذا لم يتحد، فلا
تحصل الأخوة الرضاعية بين أبيه أو أمه مع الصبية ولا تكون هي عمته أو خالته
ولا تحرم عليه.
(مسألة 1150) لا يجوز أن ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن
ولادة، بل ورضاعا على الأحوط. وكذا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا،
وأما أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن فيجوز نكاحهم في أولاد صاحب
اللبن وفي أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم، بل ونفس المرضعة أيضا وإن
كانت أم أخيهم، وإن كان الأحوط (استحبابا) الترك في الجميع.
(مسألة 1151) إذا أرضعت امرأة ابن شخص بلبن زوجها، ثم أرضعت
333

بنت شخص آخر من لبن ذلك الزوج، فتلك البنت وإن حرمت على ذلك
الابن، لكن أخوات كل منهما تحل لإخوة الآخر.
(مسألة 1152) كما يمنع الرضاع المحرم من النكاح لو كان سابقا، يبطله
لو حصل لاحقا، فلو كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها بنته أو أمه أو أخته أو
بنت أخيه أو بنت أخته أو زوجة أخيه رضاعا كاملا، بطل نكاحها وحرمت
عليه لأنها تصير بالرضاع بنتا أو أختا أو بنت أخ أو بنت أخت له. وكذا لو
كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة، تحرم عليه الكبيرة
لأنها صارت أم زوجته، وكذلك الصغيرة إن كان رضاعها من لبنه أو كان دخل
بالكبيرة لأنها تصير بنتا له في الأول وبنت زوجته المدخول بها في الثاني. وأما
إن كانت الكبيرة غير مدخول بها وكان اللبن من غيره، ففي بطلان نكاح
الكبيرة لكونها أم الزوجة دون الصغيرة لأنها ربيبته من التي لم يدخل بها، أو
بطلان نكاحهما لحرمة الجمع بين الأم والبنت احتمالان، فلا يترك الاحتياط
بتجديد نكاح الصغيرة إن أراد البقاء، وبالطلاق إن أراد التفريق.
(مسألة 1153) إذا كان أخوان في بيت واحد مثلا وكانت زوجة كل
منهما أجنبية عن الآخر وأرادا أن تصير زوجة كل منهما من محارم الآخر حتى
يحل له النظر إليها، يمكن أن يتزوج كل منهما بصبية في سن الرضاع وترضعها
زوجة الآخر رضاعا كاملا فتصير زوجة كل منهما أما لزوجة الآخر وتكون من
محارمه ويحل نظره إليها، ويبطل نكاح الصبية في الصورتين لأنها تصير بنت أخ
زوجها.
(مسألة 1154) إذا أرضعت امرأة ولد بنتها، أي جدته من طرف الأم،
حرمت بنتها أي أم الولد على زوجها وبطل نكاحها، سواء أرضعته بلبن أب
البنت أو بلبن غيره، وذلك لأن زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت
334

للمرضعة جدة الولد، وقد مر أنه يحرم على أب المرتضع نكاح أولاد المرضعة، وإذا منع
منه سابقا أبطله لاحقا. وكذا إذا أرضعت زوجة أب البنت من لبنه ولد البنت
بطل نكاح البنت، لما مر من أنه يحرم نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن
. وأما الجدة من طرف الأب إذا أرضعت ولد ابنها فلا يترتب عليه شئ، وكذا
لو وقع إرضاع الجدة من طرف الأم لولد بنتها بعد وفاة بنتها أو طلاقها أو وفاة
زوجها، لم يترتب عليه بطلان النكاح لانتفاء الموضوع، لكن يترتب عليه
حرمة المطلقة وأختها وأخت المتوفاة.
(مسألة 1155) إذا زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة وكانت أما
الصغيرين أختين، ثم أرضعت جدتهما من طرف الأب أو الأم أحدهما انفسخ
نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فإن أرضعته جدته من طرف الأب
صار عما لزوجته، وإن أرضعته جدته من طرف الأم صار خالا لزوجته، وإن
كان هو الأنثى صارت عمة لزوجها على الأول، وخالة له على الثاني، فيبطل
النكاح على أي حال.
(مسألة 1156) إذا حصل الرضاع الطاري المبطل للنكاح، فإما أن
يبطل نكاح المرضعة بإرضاعها كما في إرضاع الزوجة الكبيرة زوجته الصغيرة
بالنسبة إلى نكاحها، وإما أن يبطل نكاح المرتضعة كما في المثال نفسه بالنسبة إلى
نكاح الصغيرة، وإما أن يبطل نكاح غيرهما كما في إرضاع الجدة من طرف الأم
ولد بنتها. والظاهر بقاء استحقاق الزوجة للمهر في الجميع، إلا في الصورة الأولى
إذا كان الارضاع وانفساخ العقد قبل الدخول ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط
بالمصالحة. وكذا لا تترك المصالحة على ما يغرمه الزوج من المهر قبل الدخول
إذا كان إرضاعها مبطلا لنكاح غيرها.
(مسألة 1157) قد سبق أن العناوين المحرمة من جهة الولادة
والنسب سبعة: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ،
335

وبنات الأخت. فإن حصل بسبب الرضاع أحد هذه العناوين كان محرما
كالحاصل بالولادة. أما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين السبعة لكن
حصل عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان من تلك العناوين السبعة،
كما لو أرضعت امرأة ولد بنته فصارت أم ولد بنته، وأم ولد البنت ليست من
تلك السبعة، لكن لو كانت أمومة ولد البنت بالولادة كانت بنتا له، والبنت من
المحرمات السبعة. فالحق أن مثل هذا الرضاع لا يكون محرما فلا تحرم مرضعة
ولد البنت كالبنت، وقيل بحرمتها ويعبر عنه (بعموم المنزلة) ولنذكر لذلك بعض
الأمثلة:
أحدها: إذا أرضعت زوجته بلبنه أخاها فإنه يصير ولده وزوجته أخته،
فهل تحرم عليه من جهة أن أخت ولده إما بنته أو ربيبته وهما محرمتان عليه و
زوجته بمنزلتهما أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، ومن قال بالعدم كما
قلنا يقول لا.
ثانيها: إذا أرضعت زوجته بلبنه ابن أخيها فصار ولده وهي عمته، وعمة
ولده حرام عليه لأنها أخته، فهل تحرم من الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم
المنزلة يقول نعم ومن قال بالعدم يقول لا.
ثالثها: إذا أرضعت زوجته عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها فصارت
أمهم، فبما أن أم عم زوجته وعمتها حرام عليه لأنها جدتها من الأب، وكذا أم
خال زوجته وخالتها حرام عليه لأنها جدتها من الأم، فهل تحرم عليه زوجته
بسبب الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، ومن قال بالعدم
يقول لا.
رابعها: إذا أرضعت زوجته بلبنه ولد عمها أو ولد خالها فصار أبا لابن عمها
أو أبا لابن خالها، وهي تحرم على أب ابن عمها وأب ابن خالها لكونهما عمها
وخالها، فهل تحرم عليه من جهة الرضاع أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول
نعم، ومن قال بالعدم يقول لا.
336

خامسها: امرأة أرضعت أخاه أو أخته لأبويه فصارت أما لهما، والأم
محرمة عليه، فهل تحرم عليه من جهة الرضاع ويبطل نكاح المرضعة إن كانت
زوجته أم لا؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، ومن قال بالعدم يقول لا.
سادسها: امرأة أرضعت ولد بنته فصارت أما للولد، فهل تحرم عليه لكونها
بمنزلة بنته، ويبطل نكاح المرضعة إن كانت زوجته؟، فمن قال بعموم المنزلة
يقول نعم، ومن قال بالعدم يقول لا.
سابعها: امرأة أرضعت ولد أخته فصارت أما له، فهل تحرم عليه من جهة
أن أم ولد الأخت حرام عليه لأنها أخته، ويبطل نكاح المرضعة إن كانت
زوجته أم لا؟ فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، ومن قال بالعدم يقول لا.
ثامنها: امرأة أرضعت عمه أو عمته أو خاله أو خالته فصارت أمهم، وبما
أن أم عمه وعمته نسبا تحرم عليه لأنها جدته من طرف أبيه وكذا أم خاله
وخالته لأنها جدته من طرف أمه، فهل تحرم عليه المرضعة بسبب الرضاع و
يبطل نكاحها إن كانت زوجته؟، فمن قال بعموم المنزلة يقول نعم، ومن قال
بالعدم يقول لا.
(مسألة 1158) لو شك في وقوع الرضاع أو في حصول بعض شروطه
من الكمية أو الكيفية، بنى على العدم. نعم يشكل فيما لو علم بوقوع الرضاع
بشروطه ولم يعلم بوقوعه في الحولين أو بعدهما وعلم تاريخ الرضاع وجهل
تاريخ ولادة المرتضع، فحينئذ لا يترك الاحتياط (وجوبا).
(مسألة 1159) لا تقبل الشهادة على الرضاع إلا مفصلة، بأن يشهد
الشهود على الارتضاع في الحولين بالامتصاص من الثدي خمس عشرة رضعة
متواليات مثلا، إلى آخر ما تقدم من شروط الرضاع المحرم. ولا يكفي
الشهادة المطلقة والمجملة، بأن يشهد على وقوع الرضاع المحرم أو يشهد مثلا
على أن فلانا ولد فلانة أو فلانة بنت فلان من الرضاع، بل يطلب منه التفصيل.
337

(مسألة 1160) الأقوى أنه تقبل شهادة النساء العادلات في الرضاع،
مستقلات بأن تشهد أربع نسوة عليه، ومنضمات بأن تشهد به امرأتان مع
رجل واحد.
(مسألة 1161) يستحب أن يختار لرضاع الأولاد: المسلمة العاقلة
العفيفة الوضيئة ذات الأوصاف الحسنة، فإن للبن تأثيرا تاما في المرتضع، كما
يشهد به الاختبار ونطقت به الأخبار والآثار: فعن الباقر عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء، فإن اللبن
يعدي. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يغلب
الطباع. وعنه عليه السلام: أنظروا من ترضع أولادكم، فإن الولد يشب عليه. إلى
غير ذلك من الأخبار المستفاد منها رجحان اختيار ذوات الصفات الحميدة
خلقا وخلقا، وكراهة اختيار أضدادهن، لا سيما الكافرة، وإن اضطر إلى
استرضاعها فليختر اليهودية والنصرانية على المشركة والمجوسية، ومع ذلك لا
يسلم الطفل إليهن ولا يذهبن بالولد إلى بيوتهن، ويمنعها من شرب الخمر وأكل
لحم الخنزير، ومثل الكافرة أو أشد كراهة استرضاع الزانية باللبن الحاصل من
الزنا، والمرأة المتولدة من الزنا. فعن الباقر عليه السلام: لبن اليهودية
والنصرانية والمجوسية أحب إلي من ولد الزنا. وعن الكاظم عليه السلام سئل عن
امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع؟ قال: لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من
الزنا.
أحكام المصاهرة
(مسألة 1162) المصاهرة هي علاقة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر،
ويلحق بها غير الزوجين أيضا مثل المالك والمملوكة والزاني والزانية والواطئ
والموطوءة بالشبهة، وغيرها على ما يأتي تفصيله. وتوجب هذه العلاقة حرمة
النكاح إما عينا وإما جمعا كما سيأتي.
338

(مسألة 1163) تحرم معقودة الأب على ابنه وبالعكس فصاعدا في
الأول ونازلا في الثاني حرمة دائمية، سواء كان العقد دائميا أو انقطاعيا، وسواء
دخل المعقود له بالمعقودة أو لم يدخل بها، وسواء كان الأب والابن نسبيين أو
رضاعيين.
(مسألة 1164) إذا عقد على امرأة حرمت عليه أمها وإن علت نسبا أو
رضاعا، سواء دخل بها أو لا، وسواء كان العقد دواما أو انقطاعا، وسواء
كانت المعقودة صغيرة أو كبيرة. والأقوى عدم اعتبار شرط إمكان الاستمتاع
بالصغيرة وصحة عقدها ساعة أو ساعتين وإن لم تبلغ حد الاستمتاع، نعم
الاحتياط حسن.
(مسألة 1165) إذا عقد على امرأة حرمت عليه بنتها وإن نزلت إذا
دخل بالأم ولو دبرا، وأما إذا لم يدخل بها تحرم عليه ما دامت الأم في
حباله، فإذا خرجت بموت أو طلاق أو غير ذلك جاز له نكاحها.
(مسألة 1166) لا فرق في حرمة بنت الزوجة بين أن تكون البنت
موجودة في زمان زوجية الأم أو تولدت بعد خروجها عن الزوجية، فلو عقد
على امرأة ودخل بها ثم طلقها، ثم تزوجت وولدت من الزوج الثاني بنتا، تحرم
هذه البنت على الزوج الأول.
(مسألة 1167) من زنا بامرأة أو وطأها شبهة ترتبت عليه الحرمات
الأربع على الأقوى والأشهر، فتحرم على أبيه وابنه وتحرم عليه أمها وبنتها.
نعم الزنا الطاري على الزواج والدخول لا يوجب الحرمة فلو تزوج بامرأة
ودخل بها ثم زنا بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته، وكذا لو زنا الأب بزوجة
الابن لم تحرم على الابن، ولو زنا الابن بزوجة الأب لم تحرم على الأب، أما
إذا كان الزنا طارئا بعد الزواج وقبل الدخول فلا يترك الاحتياط (وجوبا)
وكذا الحكم في وطأ الشبهة.
339

(مسألة 1168) لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل والدبر، وكذا في
الوطأ بالشبهة.
(مسألة 1169) إذا علم بالزنا وشك في كونه سابقا على العقد أو طارئا
بنى على أنه طاري.
(مسألة 1170) إذا لمس امرأة أجنبية أو نظر إليها بشهوة حرمت
الملموسة والمنظورة على أب اللامس والناظر وابنهما على قول، بل قيل بحرمة
أم المنظورة والملموسة على الناظر واللامس أيضا، وهذا وإن كان أحوط لكن
الأقوى خلافه. نعم لو كانت للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة
حرمت على ابنه، وكذا العكس على الأقوى. بل الأحوط ذلك مع غير
الشهوة أيضا إلا إذا كان نظر منها إلى ما لا يحرم على غير المالك النظر إليه.
(مسألة 1171) لا يجوز نكاح بنت أخ الزوجة على عمتها ولا بنت
أخت الزوجة على خالتها إلا بإذنهما، من غير فرق بين كون النكاحين دائمين
أو منقطعين أو مختلفين، ولا بين علم العمة والخالة حال العقد وجهلهما، ولا بين
اطلاعهما على ذلك وعدم اطلاعهما أبدا، فلو وقع العقد عليهما بدون إذنهما كان
العقد الطاري كالفضولي على الأقوى يتوقف صحته على إجازة العمة والخالة،
فإن أجازتا جاز وإلا بطل. ويجوز نكاح العمة والخالة على بنتي الأخ والأخت
وإن كانت العمة والخالة جاهلتين، وليس لهما الخيار لا في فسخ عقد أنفسهما
ولا في فسخ عقد بنتي الأخ والأخت على الأقوى.
(مسألة 1172) الظاهر أنه لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما
والعليا، كما لا فرق بين النسبيتين منهما والرضاعيتين.
(مسألة 1173) إذا أذنتا ثم رجعتا عن الإذن، فإن كان رجوعهما بعد
العقد لم يؤثر في البطلان، وإن كان قبله بطل الإذن السابق، فلو لم يبلغه الرجوع
وتزوج اعتمادا على الإذن، توقفت صحته على الإجازة اللاحقة.
340

(مسألة 1174) الظاهر أن اعتبار إذنهما ليس حقا لهما كالخيار حتى
يسقط بالاسقاط، فلو اشترط في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما ذلك لم يؤثر
شيئا، ولو اشترط عليهما أن يكون للزوج العقد على بنت الأخ أو الأخت
فالظاهر أن الشرط المذكور بمنزلة الإذن، فيصح العقد عليهما إن لم تظهرا
الكراهة قبل العقد.
(مسألة 1175) إذا تزوج بالعمة وابنة الأخ وشك في السابق منهما،
حكم بصحة العقدين، وكذا إذا تزوج ببنت الأخ أو الأخت وشك في أنه هل
كان عن إذن من العمة أو الخالة أم لا، فيحكم بالصحة وحصول الإذن منهما.
(مسألة 1176) إذا طلق العمة أو الخالة، طلاقا بائنا، صح العقد على
بنتي الأخ والأخت بمجرد الطلاق، وإن كان رجعيا لم يجز إلا بعد انقضاء
العدة.
(مسألة 1177) لا يجوز الجمع في النكاح بين الأختين نسبيتين أو
رضاعيتين، دواما أو انقطاعا أو بالاختلاف، فلو تزوج بإحدى الأختين ثم
تزوج بالأخرى بطل العقد الثاني دون الأول، سواء دخل بالأولى أو لا. ولو
اقترن عقدهما، بأن تزوجهما بعقد واحد أو عقد هو على إحداهما ووكيله على
الأخرى في زمان واحد مثلا، بطلا معا.
(مسألة 1178) إذا تزوج بالأختين ولم يعلم العقد السابق من اللاحق،
فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر، وإن جهل تاريخهما فإن
احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معا، وإن علم عدم الاقتران فقد علم إجمالا
بصحة أحد العقدين وبطلان الآخر، فلا يجوز له وطأهما ولا وطأ إحداهما ما
دام الاشتباه. ويحتمل تعينها بالقرعة ولكن الأحوط (وجوبا) أن يطلقهما ثم
يتزوج
341

من شاء منهما بلا إشكال، أو يطلق الزوجة الواقعية منهما ثم يتزوج من
شاء منهما على إشكال، وله أن يطلق إحداهما ويجدد العقد على الأخرى بعد
انقضاء عدة الأولى إذا كانت مدخولا بها.
(مسألة 1179) إذا طلقهما والحال هذه، فإن كان قبل الدخول فعليه
للزوجة الواقعية نصف مهرها، وإن كان بعد الدخول فعليه تمام مهرها، فإن
كان المهران مثليين واتفقا جنسا وقدرا فقد علم من عليه الحق ومقدار الحق،
وإنما الاشتباه فيمن لها الحق، وفي غير ذلك يكون الاشتباه في الحق أيضا، فإن
اصطلحوا بما تسالموا عليه فهو، وإلا فلا محيص عن القرعة، فمن خرجت عليها
من الأختين كان لها نصف مهرها المسمى أو تمامه ولا تستحق الأخرى شيئا.
أما مع الدخول بها ففيه تفصيل لا يسعه المقام.
(مسألة 1180) الظاهر جريان حكم تحريم الجمع إذا كانت الأختان
كلتاهما أو إحداهما من الزنا.
(مسألة 1181) إذا طلق زوجته، فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز ولا
يصح نكاح أختها ما لم تنقض عدتها، وإن كان بائنا كالطلاق الثالث أو كانت
المطلقة ممن لا عدة لها كالصغيرة وغير المدخول بها واليائسة، جاز له نكاح
أختها في الحال. نعم لو كانت متمتعة وانقضت مدتها أو وهبها المدة فلا يجوز له
على الأحوط إن لم يكن أقوى نكاح أختها قبل انقضاء العدة وإن كانت بائنة.
(مسألة 1182) ذهب بعض الأخباريين إلى حرمة الجمع بين الفاطميتين
في النكاح، والحق جوازه وإن كان الترك أحوط وأولى، ولو قلنا بالحرمة
فهي تكليفية لا يترتب عليها غير الإثم والمعصية من دون أن تؤثر في بطلان
عقديهما، وجعله كالجمع بين الأختين إفراط من القول ضعيف في الغاية.
(مسألة 1183) الأحوط ترك تزوج الحر بالأمة دواما أو متعة إلا إذا لم
يتمكن من مهر الحرة وشق عليه الصبر على الشبق بحيث خاف الوقوع في
الزنا، فيجوز بلا إشكال.
342

(مسألة 1184) لا يجوز التزوج بالأمة على الحرة في موارد جوازه إلا
بإذنها، فلو نكحها عليها تتوقف صحة عقد الأمة على إجازة الحرة، فإن
أجازت جاز وإلا بطل. ويجوز العكس، وهو نكاح الحرة على الأمة، فإن
كانت الحرة عالمة بالحال لزم العقدان، وإن كانت جاهلة فلها الخيار في فسخ
عقدها لا في فسخ عقد الأمة.
(مسألة 1185) إذا زنت امرأة ذات بعل لم تحرم على زوجها، ولا يجب
على زوجها أن يطلقها وإن كانت مصرة على ذلك، إلا إذا صارت مشهورة
بالزنا فالأحوط (استحبابا) أن يعتزلها بمجرد اشتهارها بذلك ويجدد عقده عليها
إذا أظهرت توبتها، أو يطلقها.
(مسألة 1186) من زنا بذات بعل دواما أو متعة حرمت عليه أبدا،
سواء كانت حرة أو أمة، مسلمة أو كافرة، مدخولا بها من زوجها أو لا، فلا
يجوز له نكاحها بعد موت زوجها أو زوال عقدها بطلاق أو فسخ أو انقضاء
مدة وغيرها. ولا فرق على الظاهر بين أن يكون الزاني عالما بأنها ذات بعل أو
لا، ولو كان مكرها على الزنا فلا يترك الاحتياط (وجوبا) بحرمتها أبدا أيضا.
(مسألة 1187) إذا زنا بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه أبدا -
كذات البعل - دون البائنة وعدة الوفاة، ولو علم أنها كانت في العدة ولم يعلم
أنها كانت رجعية أو بائنة فلا حرمة ظاهرا ما دام شاكا. نعم لو علم بكونها في
عدة رجعية وشك في انقضائها فالظاهر الحرمة.
(مسألة 1188) من لاط بغلام فأوقبه ولو ببعض الحشفة حرمت عليه
أبدا أم الغلام وإن علت، وبنته وإن نزلت، وأخته، من غير فرق بين كونهما
صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، ولا تحرم على المفعول أم الفاعل وبنته وأخته
على الأقوى. وحكم الأم والبنت والأخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات.
343

(مسألة 1189) إنما يوجب اللواط حرمة المذكورات إذا سبق الزواج،
وأما إن كان بعد الزواج والدخول فلا يوجب الحرمة وبطلان النكاح، نعم إذا
كان بعد الزواج وقبل الدخول فالأحوط (وجوبا) جريان حكم الحرمة كما مر
في الزنا.
(مسألة 1190) لو شك في تحقق الايقاب حينما عبث بالغلام أو بعده بنى
على العدم.
أحكام النكاح في العدة
(مسألة 1191) لا يجوز نكاح المرأة لا دائما ولا منقطعا إذا كانت في
عدة الغير، رجعية كانت أو بائنة، عدة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو
منقطع، أو من وطء شبهة. وكذا لا يجوز التصريح بالخطبة في عدة الغير مطلقا،
وأما التعريض فيجوز في غير الرجعية.
ولو تزوجها في العدة فإن كانا عالمين بالموضوع والحكم - بأن علما بكونها في
العدة وعلما بأنه لا يجوز النكاح في العدة، أو كان أحدهما عالما بهما - بطل
النكاح وحرمت عليه أبدا، سواء دخل بها أو لا، وكذا إن جهلا بهما أو بأحدهما
ودخل بها ولو دبرا، وأما لو لم يدخل بها فيبطل العقد ولكن لا تحرم عليه أبدا،
فله استئناف العقد عليها بعد انقضاء العدة التي كانت فيها.
(مسألة 1192) إذا وكل أحدا في العقد له على امرأة ولم يعين الزوجة
فزوجه امرأة ذات عدة لم تحرم عليه بمجرد العقد وإن علم الوكيل بأنها في
العدة. بل لا تحرم عليه مع الدخول أيضا، لأن توكيله كان مختصا بالعقد
الصحيح، فعقد ذات العدة غير مستند إليه ودخوله مع الجهل بالعدة وطأ
بالشبهة لا يوجب الحرمة. ولو علم بكونها في العدة ومع ذلك دخل بها بدون
إمضاء العقد فهو زنا لا يوجب الحرمة إلا في الرجعية، وإن أمضى العقد
344

فدخل ففي ترتب أحكام العقد في العدة على إمضائه إشكال جدا، ولكن لا يترك
الاحتياط فيه (وجوبا).
وأما إذا عين للوكيل الزوجة فإن كان الموكل عالما بالحكم والموضوع حرمت
عليه وإن كان الوكيل جاهلا بهما بخلاف العكس. فالمدار على علم الموكل
وجهله لا الوكيل.
(مسألة 1193) لا يلحق بالتزوج في العدة وطأ الشبهة أو الزنا بالمعتدة،
فلو وطأ شبهة أو زنا بالمرأة في حال عدتها لم يؤثر في الحرمة الأبدية في أية عدة
كانت إلا العدة الرجعية فإن الزنا فيها يوجب الحرمة كما مر.
(مسألة 1194) إذا كانت المرأة في عدة الرجل ولم يكن مانع من
تزوجه بها كأن يكون طلاقه إياها ثالثا، جاز له العقد عليها في الحال ولا ينتظر
انقضاء العدة. نعم إذا كانت معتدة له بالعدة الرجعية يبطل عقده عليها لكونها
بمنزلة زوجته، ولا يصح عقد الزوج على زوجته، فلو كانت عنده متعة وأراد أن
يجعل عقدها دواما جاز أن يهب مدتها ويعقد عليها عقد الدوام في الحال،
بخلاف ما إذا كانت عنده زوجة دائمة وأراد أن يجعلها منقطعة فطلقها لذلك طلاقا
غير بائن، فإنه لا يجوز له إيقاع عقد الانقطاع عليها إلا بعد خروجها عن العدة.
(مسألة 1195) إذا عقد على امرأة في عدتها جهلا ودخل بها بعد
انقضاء عدتها فالأحوط (وجوبا) أن يطلقها.
(مسألة 1196) إذا شك في أنها معتدة أم لا، حكم بالعدم وجاز له
تزوجها ولا يجب عليه الفحص عن حالها، وكذا لو شك في انقضاء عدتها
وأخبرت هي بالانقضاء فإنها تصدق ويجوز العقد عليها.
(مسألة 1197) إذا علم أن زواجه كان في العدة مع الجهل موضوعا أو
حكما، ولكن شك في أنه قد دخل بها حتى تحرم عليه أبدا أم لا، بنى على
345

عدم الدخول فلا تحرم عليه. وكذا لو علم بعدم الدخول لكن شك في أن أحدهما
كان عالما أم لا، بنى على عدم العلم، فلا يحكم بالحرمة الأبدية.
(مسألة 1198) يلحق بالتزوج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية
التزوج بذات البعل، فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت عليه أبدا،
سواء دخل بها أم لا، ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم عليه إلا مع الدخول بها.
(مسألة 1199) إذا تزوج بامرأة عليها عدة ولم تشرع فيها لعدم تحقق
مبدئها، كما إذا تزوج بمن مات زوجها ولم يبلغها الخبر، فإن مبدأ عدتها من
حين بلوغ الخبر، فالأرجح أنها لا تحرم عليه أبدا، وإن كان الاحتياط
(الاستحبابا) مؤكدا بطلاقها وعدم الزواج بها.
أحكام العدد
(مسألة 1200) من كان عنده أربع زوجات دواما تحرم عليه الخامسة
ما دامت الأربع في عصمته، سواء كان حرا أو عبدا، وسواء كن حرائر أو إماء أو
مختلفات. وكذا يحرم على الحر أكثر من أمتين وعلى العبد أكثر من حرتين، وإن لم
تزد زوجاته على الأربع، فلا يجوز للأول الجمع بين ثلاث إماء وحرة ولا للثاني
الجمع بين ثلاث حرائر وأمة، ويجوز للأول الجمع بين أربع حرائر فضلا عن
ثلاث حرائر وأمة أو حرتين وأمتين، وأما الثاني فلا يجوز له إلا الجمع بين أربع
إماء أو حرتين، أو حرة وأمتين، ولا يجوز له الجمع بين ثلاث إماء وحرة وكذا
بين أمتين وحرتين بل ولا بين أمة وحرتين، فإن العبد إذا جمع بين حرتين فلا يجوز
له الزيادة لا من الحرائر ولا من الإماء.
(مسألة 1201) ما تقدم إنما هو في العقد الدائم، وأما في المنقطع فيجوز
الجمع بما شاء، وإن كانت عند الحر أربع دائميات حرائر وعند العبد أربع إماء
دائميات، فيجوز لكل منهما أن يزيد عليهن انقطاعا ما شاء ولو إلى ألف كملك
اليمين.
(مسألة 1202) إذا كانت عنده أربع فماتت إحداهن يجوز له أن يتزوج
بأخرى في الحال، وإذا فارق إحداهن بالفسخ أو الانفساخ أو بالطلاق البائن،
فالأحوط (وجوبا) الصبر إلى انقضاء العدة. وإذا لم تكن لها عدة كغير المدخول
بها أو اليائسة، فيجوز له التزوج بعد طلاقها. وإذا كان طلاقها رجعيا فلا يجوز
له التزوج بأخرى إلا بعد انقضاء عدتها.
346

(مسألة 1203) إذا طلق الرجل - حرا كان أو عبدا - زوجته الحرة
ثلاث طلقات لم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه، ولا يجوز له
نكاحها حتى تنكح زوجا غيره بالشروط الآتية في كتاب الطلاق. وكذا إذا
طلق زوجته غير الحرة طلقتين لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر، وإذا طلقها
تسعا للعدة بتخلل محللين - بأن نكحت غير المطلق بعد الثلاثة الأولى والثانية -
حرمت عليه أبدا، وسيأتي تفصيلها في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى.
أحكام الزواج من الكفار
(مسألة 1204) لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر دواما وانقطاعا،
سواء كان أصليا حربيا أو كتابيا، أو كان مرتدا عن فطرة أو عن ملة. وكذا لا
يجوز للمسلم التزوج بغير الكتابية من أصناف الكفار بالأصل، ولا بالمرتدة عن
فطرة أو ملة. وأما الكتابية اليهودية والنصرانية فجواز الزواج بهما لا يخلو من
قوة على كراهية خصوصا في الدائم، بل الاحتياط فيه لا يترك إن استطاع نكاح
المسلمة.
(مسألة 1205) الأحوط (وجوبا) ترك النكاح في المجوس إلا بملك
اليمين، وأما الصابئة فلم يتحقق لنا حقيقة دينهم فإن ثبت للمكلف أنهم
مشركون حرم عليه الزواج منهم، وإن ثبت له أنهم طائفة من النصارى كما
قيل كانوا بحكمهم، وإن لم يتحقق له حقيقة دينهم فالأحوط (وجوبا) عدم
الزواج منهم.
(مسألة 1206) العقد الواقع بين الكفار إذا وقع صحيحا عندهم وعلى
طبق مذهبهم، تترتب عليه آثار الصحيح عندنا، سواء كان الزوجان كتابيين
أو وثنيين أو مختلفين، حتى أنه لو أسلما معا دفعة أقرا على نكاحهما الأول ولم
يحتج إلى عقد جديد على طبق شرع الاسلام. بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضا
في بعض الصور الآتية. نعم لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي
347

الفساد ابتدأ واستدامة كنكاح إحدى المحرمات عينا أو جمعا، فيجري عليه بعد
الاسلام حكم الاسلام.
(مسألة 1207) إذا أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأول، سواء
كان كتابيا أو وثنيا، وسواء كان إسلامه قبل الدخول أو بعده. وإذا أسلم زوج
الوثنية وثنيا كان أو كتابيا، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال،
وإن كان بعده ينتظر انقضاء العدة لكن يفرق بينهما حتى يعلم الحال وكذا في
نظائره الآتية من النكاح المنفسخ، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على
نكاحهما، وإلا انفسخ النكاح، بمعنى أنه يتبين انفساخه من حين إسلام الزوج.
(مسألة 1208) إذا أسلمت زوجة الوثني أو الكتابي وثنية كانت أو
كتابية، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده وقف
على انقضاء العدة، فإن أسلم قبل انقضائها فهي امرأته، وإلا انكشف أنها بانت
منه حين إسلامها.
(مسألة 1209) إذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا دفعة قبل الدخول
وقع الانفساخ في الحال، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، وكذا بعد
الدخول إذا كان الارتداد من الزوج وكان عن فطرة، وأما إن كان ارتداده عن
ملة أو كان الارتداد من الزوجة مطلقا فيتوقف الانفساخ على انقضاء العدة،
فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، وإلا انكشف أنها بانت منه
عند الارتداد.
(مسألة 1210) العدة في ارتداد الزوج عن فطرة كعدة الوفاة، وفي
غيره كعدة الطلاق.
(مسألة 1211) لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل
البيت عليهم السلام، ولا الغالي المعتقد بألوهيتهم أو نبوتهم، وكذا لا يجوز
للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية، لأنهم بحكم الكفار وإن انتحلوا دين الاسلام
.
348

(مسألة 1212) لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة،
وأما نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب فالجواز مع الكراهة لا يخلو من قوة،
وحيث أنه نسب إلى المشهور عدم الجواز فلا ينبغي ترك الاحتياط (استحبابا)
مهما أمكن.
(مسألة 1213) مما يوجب الحرمة الأبدية العقد حال الاحرام دواما أو
انقطاعا، سواء كانت المرأة محرمة أو محلة، وسواء كان إيقاع العقد بمباشرة
الزوج أو بتوكيل الغير، محرما كان الوكيل أو محلا، سواء كان التوكيل قبل
الاحرام أو حاله. هذا مع العلم بالحرمة، وأما مع جهله بها فيبطل النكاح في
جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية.
(مسألة 1214) لا فرق في حكم العقد حال الاحرام بين أن يكون
الاحرام لحج واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة، ولا بين أن يكون
حجه وعمرته لنفسه أو نيابة عن غيره.
(مسألة 1215) إذا كانت الزوجة محرمة عالمة بالحرمة وكان الزوج محلا
وعقد عليها فالأحوط (وجوبا) أن لا يتزوج بها أبدا، بل لا يخلو من قوة.
(مسألة 1216) يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعية،
وكذا يجوز له أن يوكل محلا في أن يعقد له بعد إحلاله، بل وكذا أن يوكل محرما
في أن يعقد له بعد إحلالهما.
(مسألة 1217) من أسباب التحريم اللعان بشروطه المذكورة في بابه،
بأن يرميها الزوج بالزنا ويدعي المشاهدة بلا بينة، أو ينفي ولدها الجامع
لشرائط الالحاق به، وتنكر ذلك ويرفعا أمرهما إلى الحاكم فيأمرهما بالملاعنة
بالكيفية الخاصة، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف وعنها حد الزنا، وانتفى الولد
عنه، وحرمت عليه مؤبدا.
(مسألة 1218) نكاح الشغار باطل، وهو أن تتزوج امرأتان برجلين
على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الأخرى، ولا يكون بينهما مهر غير
349

النكاحين والتزويجين، مثل أن يقول أحد الرجلين للآخر: زوجتك بنتي أو
أختي على أن تزوجني بنتك أو أختك ويكون صداق كل منهما نكاح الأخرى،
ويقول الآخر: قبلت وزوجتك بنتي أو أختي هكذا. وأما لو زوج إحداهما
الآخر بمهر معلوم وشرط عليه أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم فيصح العقدان،
مثل أن يقول: زوجتك بنتي أو أختي على صداق مائة دينار على أن تزوجني
أختك أو بنتك هكذا، ويقول الآخر: قبلت وزوجتك بنتي أو أختي على مائة
دينار. بل وكذا لو شرط أن يزوجه الأخرى ولم يذكر مهرا أصلا، مثل أن
يقول زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال قبلت وزوجتك بنتي، فإنه
يصح العقدان، لكن حيث أنه لم يذكر المهر تستحق كل منهما مهر المثل، وسيأتي
في محله من أن ذكر المهر ليس شرطا في صحة النكاح الدائم، وأن المرأة إن لم
يذكر المهر تستحق مهر المثل.
الزواج المنقطع
(مسألة 1219) يسمى الزواج المنقطع: المتعة والنكاح المؤجل أيضا،
وهو كالدائم في أنه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين، وأنه لا
يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين، ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة، وهو
مثل الدائم أيضا في اعتبار العربية مع القدرة عليها، وفي كون الايجاب من طرف
الزوجة كما مر.
(مسألة 1220) ألفاظ الايجاب في هذا العقد ثلاثة (متعت) و (
زوجت) و (أنكحت) فأيها حصل وقع الايجاب به، ولا ينعقد بغيرها كلفظ
التمليك والهبة والإجارة. وألفاظ القبول كل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك
الايجاب كقوله (قبلت المتعة) أو (التزويج) أو (النكاح) ولو قال (قبلت) أو (
رضيت) واقتصر كفى. ولو بدأ بالقبول فقال تزوجتك، فقالت زوجتك نفسي
صح.
350

(مسألة 1221) لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، وكذا لا
يجوز تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار بالأصل، ولا بالمرتدة ولا
بالناصبية المعلنة بالعداوة.
(مسألة 1222) لا يتمتع بأمة وعنده حرة إلا بإذنها، ولو فعل وقف
على إجازتها، وكذا لا يتمتع على العمة ببنت أخيها ولا على الخالة ببنت أختها
إلا بإذنهما أو إجازتهما، وكذا لا يجوز فيه الجمع بين الأختين، كل ذلك
كالدائم.
(مسألة 1223) يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو أخل به بطل.
ويعتبر فيه أن يكون مما يتمول، سواء كان عينا خارجيا أو كليا في الذمة أو
منفعة أو عملا محللا صالحا للعوضية، بل وحقا من الحقوق المالية كحق
التحجير ونحوه، وأن يكون معلوما بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون والعد
في المعدود أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة، ويتقدر بالمراضاة قل أو
كثر، ولو كان كفا من طعام.
(مسألة 1224) تملك المتمتعة المهر بالعقد، فيلزم عليه دفعه إليها بعده لو
طالبته، وإن كان استقراره بالتمام مرتبطا بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام
المدة، فلو وهبها المدة فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده
لزمه الجميع، وإن مضت من المدة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام فلا يقسط
المهر على ما مضى منها وما بقي. نعم لو لم يهبها المدة ولكنها لم تف بها ولم تمكنه
من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر بنسبتها، إن نصفا فنصف وإن ثلثا
فثلث، وهكذا ما عدا أيام حيضها، فلا ينقص بسببها من المهر شيئا. والأرجح
إلحاق سائر الأعذار بها كالمرض المدنف ونحوه، والأحوط (استحبابا مؤكدا)
التصالح.
(مسألة 1225) إذا أوقع العقد ولم يدخل بها حتى انقضت المدة وكان
القصور من قبله، استقر عليه تمام المهر.
351

(مسألة 1226) إذا تبين فساد العقد - بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت
زوجته أو أمها مثلا - ولم يدخل بها فلا مهر لها، ولو قبضته كان له استعادته،
بل لو تلف كان عليها بدله. وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد، وأما إن
كانت جاهلة فلها مهر المثل، فإن كان ما أخذت أكثر منه استعاد الزائد، وإن
كان أقل، أكمله.
(مسألة 1227) يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل، فلو لم يذكره
متعمدا أو نسيانا بطل متعة وانعقد دائما. وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر،
ولا بد أن يكون معينا بالزمان مصونا من الزيادة والنقصان، ولو قدره بالمرة أو
المرتين من دون أن يقدره بزمان بطل متعة وصح دائما وإن كان الأحوط
(استحبابا) أن يهبها المدة ويطلقها ثم يجدد العقد عليها متعة أو دواما. وفي حكم
هبة المدة انقضاؤها.
(مسألة 1228) إذا قالت زوجتك نفسي إلى شهر أو شهرا مثلا
وأطلقت، اقتضى الاتصال بالعقد، ولو جعلا المدة منفصلة عن العقد، بأن عينا
المدة شهرا مثلا وجعلا مبدأها بعد شهر من حين وقوع العقد، فالأقوى عدم
صحة العقد.
(مسألة 1229) لا يصح تجديد العقد عليها دائما ومنقطعا قبل انقضاء
الأجل أو بذل المدة، فلو كانت المدة شهرا وأراد أن تكون شهرين لا بد أن
يهبها المدة ثم يعقد عليها ويجعل المدة شهرين، ولا يجوز أن يعقد عليها عقدا
آخر ويجعل المدة شهرا بعد الشهر الأول حتى يصير المجموع شهرين.
(مسألة 1230) يجوز أن يشترط عليها أو تشترط عليه الاتيان ليلا أو
نهارا، وأن يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان.
(مسألة 1231) يجوز العزل للمتمتع من دون إذنها وإن قلنا بعدم
جوازه في الدائم، ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل، لاحتمال سبق المني
من غير التفات. ولو نفاه عن نفسه واحتمل صدقه انتفى ظاهرا ولم يفتقر إلى
اللعان، ولكن لا يجوز له النفي بينه وبين الله إلا مع العلم بالانتفاء.
352

(مسألة 1232) لا يقع في المتعة طلاق وإنما تبين بانقضاء المدة أو
هبتها، ولا رجوع له بعد ذلك.
(مسألة 1233) لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين، ولو شرطا
التوارث أو توريث أحدهما فالظاهر التوريث على حسب شرطهما، وإن كان
الأحوط التصالح مع باقي الورثة.
(مسألة 1234) إذا انقضى أجلها أو وهبها مدتها قبل الدخول فلا عدة
عليها، وإن كان بعده وكانت بالغة غير يائسة فعليها العدة، وعدتها على الأشهر
الأظهر حيضتان، وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة
وأربعون يوما. والظاهر اعتبار حيضتين تامتين، فلو انقضى الأجل أو وهبها
المدة في أثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة منها، بل لا بد من حيضتين تامتين
بعد ذلك. هذا إذا كانت حائلا، وأما لو كانت حاملا فعدتها إلى أن تضع حملها
كالمطلقة على إشكال، فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل ومن
انقضاء خمسة وأربعين يوما أو حيضتين. وأما عدتها من الوفاة فهي أربعة أشهر
وعشرة أيام إن كانت حائلا، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت
حاملا كالدائمة.
(مسألة 1235) يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة، والسؤال
عن حالها وأنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا، وليس السؤال والفحص عن
حالها شرطا في الصحة.
(مسألة 1236) يجوز التمتع بالزانية على كراهية، ولو تمتع بها فليمنعها
من الفجور، بل الأحوط (استحبابا) الترك في المشهورات بالزنا إلا بعد
التوبة.
العيوب الموجبة لخيار الفسخ
(مسألة 1237) العيوب الموجبة للخيار قسمان مشتركة ومختصة، أما
المشتركة فهي الجنون، وهو اختلال العقل، وليس منه الاغماء ومرض الصرع
353

الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات، ولكل من الزوجين فسخ
النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقا، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل
المرأة به أو حدث بعده قبل الوطي أو بعده، هذا إذا كان جنونه بحيث لا يعرف
أوقات الصلاة وإلا فلا يترك الاحتياط بضم الطلاق إذا فسخت. وأما في المرأة
فإذا كان جنونها قبل العقد ولم يعلم الرجل، أما إذا حدث بعده فلا يوجب
الخيار. ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد
حال إفاقته، كما أن الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع.
وأما المختصة بالرجل فثلاث: الخصاء وهو سل الأنثيين أو رضهما، وتفسخ به
المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به. والجب وهو قطع الذكر، بشرط أن لا
يبقى منه ما يمكن معه الوطأ ولو قدر الحشفة، وتفسخ به المرأة، سواء سبق العقد
أو لحقه بشرط كونه قبل الوطأ لا بعده. والعنن وهو مرض تضعف معه الآلة عن
الانتشار بحيث يعجز عن الايلاج، وهو سبب لحق المرأة في الفسخ بشرط عجزه
عن وطئها ووطء غيرها، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وطء غيرها فلا
خيار لها، ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدد بعده، لكن بشرط أن
لا يكون وقع منه وطؤها ولو مرة، فلو وطأها ثم حدثت به العنة بحيث لم يقدر
على الوطأ بالمرة، فلا خيار لها.
وأما المختصة بالمرأة فستة: البرص، والجذام، والافضاء وقد مر تفسيره،
والقرن ويقال له العفل، وهو لحم أو عظم كالسن ينبت في فم الرحم يمنع من
الوطأ. بل وإن لم يمنع إذا أوجب الانقباض والانزجار لعدم تكميل التذاذ الوطأ
بسببه على الظاهر وإن كان الأحوط عدم الفسخ لذلك. والعرج البين وإن لم
يبلغ حد الاقعاد والزمانة على الأظهر. والعمى وهو ذهاب البصر من العينين وإن
كانتا مفتوحتين، ولا اعتبار بالعور ولا بالعشا، وهو عدم الابصار في الليل
خاصة، ولا بالعمش وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات.
354

(مسألة 1238) إنما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبين وجودها
قبل العقد، وأما ما يتجدد بعده فلا اعتبار به، سواء كان قبل الوطأ أو بعده.
(مسألة 1239) ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار لا من طرف
الرجل ولا من طرف المرأة.
(مسألة 1240) الأقوى أن الجذام والبرص ليسا من عيوب الرجل
الموجبة لخيار المرأة، فهما من العيوب المختصة بالمرأة كما مر، وإن قيل إنهما من
العيوب المشتركة.
(مسألة 1241) خيار الفسخ في كل من الرجل والمرأة على الفور، فلو
علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد. نعم الظاهر أن الجهل
بالخيار بل والفورية عذر، فلو كان عدم المبادرة بالفسخ من جهة الجهل
بأحدهما لم يسقط الخيار.
(مسألة 1242) إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إذا لم
يكن لمدعيه بينة، ويثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى إذا فرض علم
البينة بالعنن وإن كان الفرض نادرا، كما أن كل عيب يثبت بإقرار صاحبه أو
بالبينة على إقراره، وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات
كما في نظائرها.
(مسألة 1243) إذا ثبت عنن الرجل بأحد الوجوه المذكورة، فإن
صبرت فلا كلام، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص
نفسها منه، أجلها سنة كاملة من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها في
أثناء هذه المدة فلا خيار لها، وإلا كان لها الفسخ فورا عرفيا، وإن لم تبادر
بالفسخ فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريته لم يضر كما مر، وإلا سقط
خيارها، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الفسخ بعد ذلك، فإنه ليس لها
ذلك.
355

(مسألة 1244) الفسخ بالعيب ليس طلاقا، سواء وقع من الزوج أو
الزوجة، فليس له أحكامه ولا يترتب عليه لوازمه ولا يعتبر فيه شروطه، فلا
يحسب من الثلاثة المحرمة المحوجة إلى المحلل، ولا يعتبر فيه الخلو من الحيض
والنفاس ولا حضور العدلين.
(مسألة 1245) يجوز للرجل الفسخ بعيب المرأة بدون إذن الحاكم،
وكذا المرأة بعيب الرجل. نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم، لكن من جهة
ضرب الأجل حيث أنه من وظائفه لا من جهة نفوذ فسخها، فبعد ضرب
الأجل يحق لها الفسخ عند انقضائه وتعذر الوطأ في المدة من دون مراجعته.
(مسألة 1246) إذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة، فإن كان قبل
الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعده استقر عليه المهر المسمى. وكذا الحال إذا
فسخت المرأة بعيب الرجل، فتستحق تمام المهر إن كان بعد الدخول، وإن كان
قبله لم تستحق شيئا، إلا في العنن فإنها تستحق عليه فيه نصف المهر المسمى.
التدليس
(مسألة 1247) إذا دلست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها
الموجبة للخيار وتبين له بعد الدخول، فإن اختار البقاء فعليه تمام المهر كما مر، وإن
اختار الفسخ لم تستحق المهر، وإن دفعه إليها استعاده. وإن كان المدلس غير
الزوجة فالمهر المسمى وإن استقر على الزوج بالدخول واستحقت عليه الزوجة،
إلا أنه إذا دفعه إليها يرجع به على المدلس ويأخذه منه.
(مسألة 1248) يتحقق التدليس بتوصيف المرأة بالصحة عند الزوج للتزويج
بحيث يصير سببا لغروره وانخداعه، فلا يتحقق بإخباره لا لأجل
356

الزواج أو بإخباره غير الزوج. والظاهر تحققه أيضا في العيوب المجوزة للفسخ بالسكوت
عن العيب مع العلم به وخفائه على الزوج واعتقاده بالعدم.
(مسألة 1249) من يكون تدليسه موجبا للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند
إليه التزويج من وليها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدها وأمها وأخيها الكبير وعمها
وخالها ممن لا تصدر إلا عن رأيهم، ويتصدون تزويجها وترجع إليهم فيه في
العرف والعادة، ومثلهم على الظاهر بعض الأجانب الذي له علاقة بها بحيث
لا تصدر إلا عن رأيه ويكون هو المرجع في أمورها المهمة، بل لا يبعد أن يلحق
بمن ذكر الغير الذي يتصل بالطرفين ويعمل للتوفيق بينهما بحيث ينسب أمر
تزويجهما إليه.
(مسألة 1250) كما يتحقق التدليس في العيوب الموجبة للخيار كالجنون
والعمى وغيرهما، كذلك يتحقق في مطلق النقص كالعور ونحوه بإخفائه، وكذا في
صفات الكمال كالشرف والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيفها
بها مع فقدانها. أما أثر التدليس في العيوب الموجبة للخيار فهو رجوع الزوج على
المدلس بالمهر كما مر، وأما الخيار فإنما هو بسبب نفس وجود العيب ولو لم يكن
تدليس. وأما أثر التدليس في سائر أنواع النقص وفي صفات الكمال، فيوجب
الخيار إذا كان عدم النقص أو وجود صفة الكمال مذكورين في العقد بنحو
الاشتراط، ويلحق به توصيفها بذلك في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط، كما
إذا قال (زوجتك هذه البنت الباكرة أو غير الثيبة) بل الظاهر أنه إذا وصفها
بصفتي الكمال أو عدم النقص قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثم أوقع العقد مبنيا
على ما ذكر بحيث عد كالمذكور في العقد، فإنه يكون بمنزلة الاشتراط فيوجب
الخيار. وإذا تبين ذلك بعد العقد والدخول واختار الفسخ ودفع المهر، رجع به
على المدلس.
(مسألة 1251) ليس من التدليس الموجب للخيار سكوت الزوجة أو
وليها عن النقص مع وجوده واعتقاد الزوج عدمه في غير العيوب الموجبة
357

للخيار، وأولى بذلك سكوتهما عن فقد صفة الكمال مع اعتقاد الزوج وجودها.
(مسألة 1252) إذا تزوج امرأة على أنها بكر بأحد الوجوه الثلاثة
المتقدمة من اشتراط البكارة في العقد أو توصيفها بها أو إيقاع العقد بانيا عليها،
فوجدها ثيبا، لم يكن له الفسخ إلا إذا ثبت بالاقرار أو البينة سبق ذلك على
العقد فحينئذ له الفسخ. أما إذا تزوجها باعتقاد البكارة ولم يكن اشتراط ولا
توصيف وإخبار وبناء على ثبوتها، فبان خلافها، فليس له الفسخ وإن ثبت
زوالها قبل العقد.
(مسألة 1253) إذا فسخ حيث يكون له الفسخ، فإن كان قبل الدخول
فلا مهر، وإن كان بعده استقر المهر ورجع به على المدلس، وإن كانت هي المدلسة
لم تستحق شيئا، وإن لم يكن تدليس استقر عليه المهر ولا رجوع له على أحد،
وإذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ، كما في صورة اعتقاده البكارة من دون
اشتراط وتوصيف وبناء، أو في صورة احتمال تجدد الثيبوبة بعد العقد، فله أن
ينقص من مهرها شيئا، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكرا وثيبا، فإذا كان
المهر المسمى مائة وكان مهر مثلها بكرا ثمانين وثيبا ستين، ينقص من المائة ربعها
وهي خمسة وعشرون، ويبقى لها خمسة وسبعون.
أحكام المهر (الصداق)
(مسألة 1254) كل ما يملكه المسلم يصح جعله مهرا، عينا كان أو دينا
أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان، ويصح جعله منفعة الحر كتعليم
صنعة ونحوه من كل عمل محلل، بل الظاهر صحة جعله حقا ماليا قابلا للنقل
والانتقال كحق التحجير ونحوه. ولا يتقدر المهر بقدر، بل
358

يكون ما تراضى عليه
الزوجان كثيرا كان أو قليلا ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من حنطة.
نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم.
(مسألة 1255) لو جعل المسلم المهر ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير،
صح العقد وبطل المهر، فلا تملك شيئا بالعقد وإنما تستحق مهر المثل بالدخول.
(مسألة 1256) لا بد من تعيين المهر بما يخرجه عن الابهام، فلو أمهرها
أحد هذين، أو خياطة أحد ثوبين مثلا، بطل المهر دون العقد، وكان لها مع
الدخول مهر المثل. نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع ونحوه من
المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها أو عددها
أو ذرعها كصبرة من الطعام وقطعة من الذهب، وأمثال ذلك.
(مسألة 1257) ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد الدائم، فلو عقد
عليها ولم يذكر مهرا أصلا، بأن قالت الزوجة للزوج مثلا: زوجتك نفسي، أو
قال وكيلها: زوجت موكلتي فلانة، فقال الزوج: قبلت، صح العقد، بل لو
صرحت بعدم المهر بأن قالت: زوجتك نفسي بلا مهر، فقال: قبلت، صح،
ويقال لايقاع العقد بلا مهر تفويض البضع.
(مسألة 1258) إذا وقع العقد بلا مهر لم تستحق المرأة قبل الدخول
شيئا، إلا إذا طلقها حينئذ فتستحق عليه أن يعطيها شيئا بحسب حاله من الغنى
والفقر واليسار والاعسار، من دينار أو درهم أو ثوب أو دابة أو غيرها،
ويقال لذلك الشئ متعة، ولو انفسخ العقد قبل الدخول بأمر غير الطلاق، لم
تستحق شيئا لا مهرا ولا متعة. وكذا لو مات أحدهما قبل الدخول. وأما لو
دخل بها فتستحق عليه بسبب الدخول مهر أمثالها.
359

(مسألة 1259) يلزم في تقدير مهر المثل هنا وفي كل مورد يحكم بثبوته
شرعا، أن يلاحظ حال المرأة وصفاتها من السن والبكارة والنجابة والعفة
والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال وأضدادها، بل يلاحظ كل ما له
دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها
وبلدها وغير ذلك أيضا، ولو تردد بين الأقل والأكثر فالمتيقن أقل ما يصدق
عليه، وإن كان الأحوط (استحبابا) التصالح.
(مسألة 1260) إذا أمهر ما لا يملكه أحد كالحر، أو ما لا يملكه المسلم
كالخمر والخنزير، صح العقد وبطل المهر، واستحقت عليه مهر المثل بالدخول،
وكذا إذا جعل المهر شيئا باعتقاد كونه خلا فبان خمرا، بل وكذا إذا جعل المهر مال
الغير أو شيئا باعتقاد كونه ماله، فبان خلافه.
(مسألة 1261) إذا أشرك أباها في المهر، بأن سمى لها مهرا ولأبيها شيئا
معينا، تعين ما سمى لها مهرا لها، وسقط ما سمى لأبيها، فلا يستحق الأب شيئا بل
حتى لو وقع عليه العقد جزءا للمهر أو استقلالا، لاطلاق النص.
(مسألة 1262) ما تعارف في بعض البلاد من أنه يأخذ بعض أقارب
البنت كأبيها أو أمها أو أختها من الزوج شيئا وهو المسمى في إيران (شير بها أي
حق الرضاع) يؤخذ زائدا على المهر، وحكمه أنه إن كان إعطاؤه وأخذه بعنوان
الجعالة لعمل مباح، كما إذا أعطى شيئا للأخ لأن يتوسط بينهما ويرضي أخته
ويسعى في رفع بعض الموانع، فلا إشكال في جوازه وحليته بل في استحقاق
العامل له، وعدم جواز استرجاعه منه. وإن لم يكن بعنوان الجعالة فإن كان
إعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه ولو لأجل إرضاء زوجته، فالظاهر جواز
أخذه للقريب، لكن يجوز للزوج استرجاعه بشروط استرجاع الموهوب. وأما
مع عدم رضا الزوج
360

وكان إعطاء ذلك لاستخلاص البنت من أقربائها، مع رضاها بالزواج بدون
ذلك فيحرم أخذه وأكله، ويجوز للزوج الرجوع فيه، باقيا كان أو تالفا.
(مسألة 1263) إذا وقع العقد بلا مهر جاز أن يتراضيا بعد العقد على
شئ، سواء كان بقدر مهر المثل أو أقل منه أو أكثر، ويتعين ذلك مهرا ويكون
كالمذكور في العقد.
(مسألة 1264) يجوز أن يجعل المهر كله حالا أي بلا أجل، ومؤجلا،
وأن يجعل بعضه حالا وبعضه مؤجلا، وللزوجة مطالبة الحال في كل حال
بشرط مقدرة الزوج ويساره، بل لها أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتى
تقبض مهرها الحال، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا. نعم ليس لها الامتناع
إذا كان المهر مؤجلا كله، أو بعضه وقد أخذت بعضه الحال.
(مسألة 1265) يجوز أن يذكر المهر في العقد في الجملة ويفوض تقديره
وتعيينه إلى أحد الزوجين، بأن تقول الزوجة مثلا: زوجتك نفسي على ما
تحكم أو أحكم من المهر، فيقول: قبلت، فإن كان الحاكم الذي فوض إليه
تقدير المهر في العقد هو الزوج جاز أن يحكم بما شاء، ولا يتقدر بقدر لا في
طرف الكثرة ولا في طرف القلة ما دام متمولا، وإن كان الحكم إليها كان لها
الحكم في طرف القلة بما شأت، وأما في طرف الكثرة فلا يمضي حكمها فيما زاد
على مهر السنة وهو خمسمائة درهم.
(مسألة 1266) إذا طلق قبل الدخول سقط نصف المهر المسمى وبقي
نصفه، فإن كان دينا عليه ولم يكن دفعه برئت ذمته من نصفه، وإن كان عينا
صارت مشتركة بينه وبينها، ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقيا،
وإن كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا ونصف قيمته إن كان قيميا. وفي
حكم التلف نقله إلى الغير بناقل لازم. وأما لو كان انتقاله منها إلى الغير بناقل
جائز كالبيع بخيار تخيرت بين الرجوع ودفع نصف العين، وبين دفع بدل النصف
.
361

(مسألة 1267) إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول فالأقوى
استحقاق المرأة تمام المهر.
(مسألة 1268) تملك المرأة الصداق بنفس العقد وتستقر ملكية تمامه
بالدخول، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف،
فلها التصرف في تمام المهر بعد العقد بأنواع التصرفات، ولو حصل له نمأ كان
لها خاصة، وإن طلقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد، ولا
يستحق من النماء المتخلل شيئا.
(مسألة 1269) لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه ثم طلقها قبل
الدخول استحق معادل نصفه منها، وكذا لو كان الصداق عينا فوهبته إياها
رجع بنصفه مثلها عليها، أو قيمة النصف.
(مسألة 1270) الدخول الذي يستقر به تمام المهر هو مطلق الوطي ولو
دبرا، وإذا اختلف الزوجان بعدما طلقها فادعت وقوع المواقعة وأنكرها،
فالقول قوله بيمينه، وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البينة على العدم إن
أمكن، كما إذا ادعت المواقعة قبلا وكانت بكرا وكانت عنده بينة على بقاء
بكارتها، أو ادعت المواقعة ولو دبرا وشهدت البينة بعدم ملاقاته إياها بعد العقد
لكونه مسافرا أو تشهد بكونه مجبوبا أو غيره من الموانع.
(مسألة 1271) إذا اختلف الزوجان في أصل المهر فادعته الزوجة
وأنكر الزوج، فإن كان قبل الدخول فالقول قوله بيمينه، وإن كان بعد الدخول
كلفت بالتعيين، بل لا يبعد عدم سماع دعواها ما لم تفسر، وأنه لا يسمع منها مجرد
قولها (لي عليه المهر) ما لم تبين المقدار، فإذا فسرت وقالت إني أطلب منك
مهري وهو المبلغ الفلاني ولم يكن أكثر من مهر المثل، حكم لها عليه بما تدعيه،
ولا يسمع منه إنكار أصل المهر. نعم لو قال في جوابها: نعم قد كان علي كذا إلا أنه
قد سقط عني إما بالأداء أو الابراء، يسمع منه ذلك إلا أنه يحتاج إلى الاثبات،
فإن أقام البينة على ذلك ثبت
362

مدعاه، وإلا فله عليها اليمين، فإن حلفت على نفي
الأداء أو الابراء ثبتت دعواها، وإن نكلت سقطت دعواها بناء على سقوط
الدعوى بالنكول ولها رد اليمين على الزوج، فإن حلف على الابراء أو الأداء
سقطت دعواها وإن نكل عن اليمين ثبتت. هذا لو كان ما تدعيه بمقدار مهر المثل
أو أقل، وإن كان أكثر كان عليها الاثبات، وإلا فلها على الزوج اليمين.
(مسألة 1272) إذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره كان القول
قول الزوج بيمينه، إلا إذا أثبتت الزوجة خلافه بالموازين الشرعية. وكذا إذا
ادعت كون عين من الأعيان كدار أو بستان مهرا لها وأنكر الزوج، فإن القول
قوله بيمينه، وعليها البينة.
(مسألة 1273) إذا اختلفا في التعجيل والتأجيل فقالت المرأة إنه حال
معجل، وقال الزوج إنه مؤجل، ولم تكن بينة، كان القول قولها بيمينها. وكذا لو
اختلفا في زيادة الأجل، كما إذا ادعت أنه إلى سنة وادعى أنه إلى سنتين.
(مسألة 1274) إذا توافقا على المهر وادعى تسليمه ولا بينة، فالقول
قولها بيمينها.
(مسألة 1275) إذا دفع إليها قدر مهرها ثم اختلفا بعد ذلك فقالت
دفعته هبة، وقال بل دفعته صداقا، فالقول قوله بيمينه.
(مسألة 1276) إذا زوج ولده الصغير، فإن كان للولد مال فالمهر على
الولد إن لم يضمن والده، وإن لم يكن له مال فالمهر في عهدة الوالد
سواء ضمن أم لم يضمن، فلو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته سواء بلغ
الولد وأيسر أم لا.
(مسألة 1277) إذا دفع الوالد المهر الذي كان عليه من جهة إعسار
الولد، ثم بلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد نصف المهر، وكان له دون
والده.
363

الشروط في عقد النكاح
(مسألة 1278) يجوز أن يشترط ضمن عقد النكاح كل شرط سائغ،
ويجب على المشروط عليه الوفاء به كما في سائر العقود، لكن تخلفه أو تعذره لا
يوجب الخيار في عقد النكاح بخلاف سائر العقود. نعم لو كان الشرط التعهد
بوجود صفة في أحد الزوجين - مثل كون الزوجة باكرا أو كون الزوج حرا أو
مؤمنا - فتبين خلافه، أوجب الخيار كما مرت الإشارة إليه.
(مسألة 1279) إذا شرطت في عقد النكاح ما يخالف المشروع مثل أن لا
يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت وإلى أين شاءت، أو لا يعطي حق
ضرتها من المضاجعة أو المواقعة أو النفقة ونحو ذلك، بطل الشرط لكن صح العقد
والمهر حتى لو قلنا بأن الشرط الفاسد يفسد العقد، فبهذا أيضا امتاز عقد النكاح
عن سائر العقود. أما إذا شرطت أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فلا يترك
مراعاة الاحتياط (وجوبا).
(مسألة 1280) لو شرطت أن لا يفتضها لزم الشرط، ولو أذنت له
بعد ذلك جاز، من غير فرق في ذلك بين النكاح الدائم والمنقطع.
(مسألة 1281) إذا شرطت أن لا يخرجها من بلدها أو أن يسكنها في
بلد معلوم أو منزل مخصوص، لزم العمل بالشرط.
القسمة والنشوز والشقاق
(مسألة 1282) لكل واحد من الزوجين حق على صاحبه يجب عليه
القيام به وإن كان حق الزوج أعظم، حتى أنه قد ورد عن سيد البشر صلى الله
عليه وآله (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)
الخبر.
364

ومن حقه عليها أن تطيعه في غير معصية الله، والواجب منه ما يأتي في
النشوز، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في
عزائه، بل ليس لها أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر
في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها. بل أيما
امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك خيرا، فقد حبط
عملها، وأيما امرأة باتت وزوجها ساخط عليها في حق، لم تقبل منها صلاة حتى
يرضى عنها، وإن خرجت من غير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض
وملائكة الغضب وملائكة الرحمة، حتى ترجع إلى بيتها.
وأما حقها عليه فهو أن يشبعها ويكسوها، وأن يغفر لها إذا جهلت ولا يقبح
لها وجها، وفي الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وآله: أوصاني جبرئيل بالمرأة
حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة، وعيال الرجل أسراؤه وأحب
العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه.
(مسألة 1283) من كانت له زوجة واحدة فليس لها على زوجها حق
المبيت عندها والمضاجعة معها في كل ليلة، بل ولا في كل أربع ليال ليلة
على الأقوى، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلقة لا هي ذات
بعل ولا مطلقة. نعم لها عليه حق المواقعة في كل أربعة أشهر مرة كما مر. أما إن
كان عنده أكثر من واحدة فإذا بات عند إحداهن يجب عليه أن يبيت عند
غيرها أيضا، فإذا كن أربعا وبات عند إحداهن طاف عليهن في أربع ليال لكل
منهن ليلة، ولا يفضل بعضهن على بعض، وإن كان عنده ثلاث، فإذا بات عند
إحداهن يجب عليه أن يبيت عند الأخريين ليلتين، وله أن يفضل إحداهن
بليلتين، وإن كان عنده زوجتان وبات عند إحداهما بات في ليلة أخرى عند
الأخرى وله أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال ولأخرى واحدة. وبعد ذلك إن شاء
ترك المبيت عند الجميع وإن شاء شرع فيه على النحو المتقدم،
365

والمشهور أن للزوجة الواحدة ليلة من أربع، وللأربع لكل منهن ليلة وليس للزوج ليلة،
وللثلاث ثلاث ليال وله ليلة، وللاثنتين ليلتان وله ليلتان، والعمل بهذا القول
أحوط خصوصا في الأكثر من واحدة، ولكن الأقوى ما قدمناه خصوصا في
الواحدة.
(مسألة 1284) يختص وجوب المبيت والمضاجعة بالدائمة، فليس
للمتمتع بها هذا الحق، سواء كانت واحدة أو متعددة.
(مسألة 1285) يجوز للمرأة أن تهب حق المبيت للزوج بعوض أو بلا
عوض ليصرف ليلته فيما شاء، أو تهبه لضرتها فيصير الحق لها.
(مسألة 1286) تختص البكر أول عرسها بأنه يجوز للزوج أن يخصها
بسبع ليال، والثيب بثلاث تفضلان بذلك على غيرهما، ولا يجب عليه أن
يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة. وله أن يخص البكر بثلاث ليال مثل الثيب وله
أن لا يخصها بشئ، ولكن التخصيص أحسن.
(مسألة 1287) لا قسمة للصغيرة ولا للناشزة. أما المجنونة المطبقة
فالأحوط عدم ترك القسمة لها إذا كانت ملتفتة لذلك وتنتفع بها، إلا أن يكون
المبيت عندها غير مأمون. وتسقط القسمة وحق المضاجعة بالسفر، وليس عليه
القضاء.
(مسألة 1288) إذا شرع في القسمة بين نسائه كان له الابتداء بأي
منهن شاء، وإن كان الأولى والأحوط التعيين بالقرعة. وكذا بعد تمام القسمة
الأولى، ولكن الاحتياط بالقرعة فيه آكد.
(مسألة 1289) تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات
وإطلاق الوجه والمواقعة، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها، وأن
يأذن لها في حضور موت أبيها وأمها، وإن كان له منعها عن ذلك وعن
عيادة أبيها وأمها، فضلا عن غيرهما، وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب.
366

النشوز
(مسألة 1290) النشوز في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة
عليها، من عدم التمكين من نفسها، وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ
بها، بل وترك التنظف والتزين مع اقتضاء حال الزوج لها، وكذا خروجها من
بيته من دون إذنه وغير ذلك. ولا يتحقق النشوز بترك طاعته التي لا تجب
عليها، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع من
الكنس والخياطة والطبخ وغير ذلك حتى سقيه الماء وتمهيد الفراش، لم يتحقق
النشوز.
(مسألة 1291) إذا ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان بسبب تغيير
عادتها معه في القول أو الفعل - بأن صارت تجيبه بكلام خشن بعد ما كانت
تجيبه بكلام لين أو صارت تظهر عبوسا وتثاقلا ودمدمة بعد أن كانت على
خلاف ذلك وغير ذلك - فالأقوى عدم جواز هجرها قبل وقوع النشوز، فإذا
وقع يعظها فإن لم يؤثر يهجرها، فإن لم يؤثر جاز له أن يضربها. ولا بأس
بالموعظة قبل النشوز إذا ظهرت أماراته خصوصا إذا كان بلسان لين وتلطف،
ولكن ذلك لا يجزي عن الموعظة بعد النشوز. ويكون الهجر إما بأن يحول إليها
ظهره في الفراش أو يعتزل فراشها بعد أن يعظها، فإذا لم يؤثر ذلك فيها حتى وقع
منها النشوز جاز له ضربها، ويقتصر على ما يؤمل معه رجوعها، فلا يجوز
الزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن
مدميا ولا شديدا مؤثرا في اسوداد بدنها أو احمراره، واللازم أن يكون ذلك بقصد
الاصلاح لا التشفي والانتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم.
(مسألة 1292) كما يكون النشوز من طرف الزوجة يكون من طرف
الزوج أيضا بتعديه عليها وعدم القيام بحقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه النشوز
367

بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوهما، فلها المطالبة بها ووعظه، فإن لم يؤثر
رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها، وليس لها هجره ولا ضربه، وإذا اطلع
الحاكم على نشوزه وتعديه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب، فإن
نفع وإلا عزره بما يراه، وله أيضا الانفاق من ماله مع امتناعه من ذلك، ولو ببيع
عقاره إذا توقف عليه.
(مسألة 1293) إذا ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة أو هم بطلاقها
لكراهته لها لكبر سنها أو غيره، أو هم بالتزوج عليها فبذلت له مالا أو بعض
حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له، صح وحل له ذلك. وأما لو ترك
بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالا أو
تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقها أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها
فتخلص من يده، حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها إلى البذل
على الأقوى.
(مسألة 1294) إذا وقع نشوز من الزوجين وخيف استمراره وانجر أمرهما
إلى الحاكم، بعث حكمين حكما من جانبه وحكما من جانبها للاصلاح ورفع
الشقاق بما يريانه من الصلاح من الجمع أو الفراق بإذن الزوجين. ويجب عليهما
البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلة لحصول النشوز بينهما، ثم
يسعيان في أمرهما فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ولزم
عليهما الرضا به، بشرط كونه جائزا، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة
في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها، أو لا يسكن معها في الدار
أمه أو أخته ولو في غرفة منفردة، أو لا تسكن معها ضرتها في دار واحدة ونحو
ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل أو ترد عليه ما قبضته
قرضا ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير جائز كما إذا شرطا عليه ترك بعض
حقوق الضرة من قسم أو نفقة أو رخصة المرأة في خروجها من بيته حيث
شاءت وأين شاءت، ونحو ذلك.
368

(مسألة 1295) إذا اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلا إذا
شرطا على الزوجين بأنهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا، وحيث أن التفريق لا
يكون إلا بالطلاق فلا بد من وقوعه مع اجتماع شرائطه، بأن يقع في طهر لم
يواقعها فيه، وفي حضور العدلين، وغير ذلك.
(مسألة 1296) الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل
الطرفين، بأن يكون حكم من أهله وحكم من أهلها، فإن لم يكن لهما أهل أو
لم يكن أهلهما أهلا لهذا الأمر تعين من غيرهم. ولا يعتبر أن يكون من جانب
كل منهما حكم واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث أكثر من واحد تعين ذلك.
(مسألة 1297) ينبغي للحكمين إخلاص النية وقصد الاصلاح، فمن
حسنت نيته فيما تحراه أصلح الله مسعاه، كما يرشد إلى ذلك قوله جل شأنه في
هذا المقام (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
أحكام الأولاد
(مسألة 1298) إنما يلحق ما ولدته المرأة بزوجها عند الشك بشروط
ثلاثة: الأول: الدخول، ولو في الدبر وبه يتحقق الفراش ويلحق الولد بالزوج مع
احتمال كونه له وإمكانه من حيث المدة ومن حيث السبب، فباحتمال جذب المني
أو التزريق بالإبرة لا يلحق الولد به قبل الدخول، وإن كان ملحقا به مع القطع
بذلك. والشرط الثاني: مضي ستة أشهر أو أكثر من حين الوطأ إلى زمن
الولادة، والثالث: أن لا يتجاوز عن أقصى مدة الحمل وهو سنة على المختار.
فلو لم يدخل بها أصلا ولو في الدبر لم يلحق به قطعا، بل يجب نفيه عنه مع قطعه
بعدم كونه له. وأما مع احتمال كونه له، كما إذا أنزل في فرجها من غير دخول أو
حواليه أو أدخل الماء بوسيلة الإبرة واحتمل أن يكون
369

الولد منه، فلا يجوز له نفيه
وإن كان في إلحاقهما بالدخول في تحقق الفراش بهما إشكال. وكذا لا يلحق به لو
دخل بها وجاءت بولد حي كامل لأقل من ستة أشهر من حين الدخول، أو
جاءت به وقد مضى من حين وطئه إياها أكثر من سنة، كما إذا اعتزلها أو غاب
عنها سنة أو أكثر، أو ولدت بعد موت الزوج بأكثر من سنة.
(مسألة 1299) إذا تحققت الشروط الثلاثة لحق الولد به، ولا يجوز له
نفيه وإن وطأها واط فجورا فضلا عما لو اتهمها بالفجور، ولا ينتفي عنه لو نفاه
إن كان العقد دائما إلا باللعان، بخلاف ما إذا كان العقد منقطعا وجاءت بولد
أمكن إلحاقه به، فإنه وإن لم يجز له نفيه لكن لو نفاه ينتفي منه ظاهرا من غير
لعان، لكن عليه اليمين مع دعواها أو دعوى الولد النسب.
(مسألة 1300) لا يجوز نفي الولد لمكان العزل، فلو نفاه لم ينتف إلا
باللعان.
(مسألة 1301) الموطوءة بشبهة، كما إذا وطأ أجنبية بظن أنها زوجته،
يلحق ولدها بالواطي بشرط أن لا تكون ولادته لأقل من ستة أشهر، وأن
لا يتجاوز عن أقصى مدة الحمل إذا لم تكن موطوءة من غيره شبهة أيضا
بحيث يمكن إلحاقه بكل منهم، وإلا أقرع بين المحتملات.
(مسألة 1302) إذا اختلفا في الدخول الموجب لالحاق الولد وعدمه
فادعته المرأة ليلحق الولد به وأنكره، أو اختلفا في ولادته فنفاها الزوج وادعى
أنها أتت به من خارج، فالقول قوله بيمينه. وأما لو اتفقا في الدخول والولادة
واختلفا في المدة فادعى ولادتها لدون ستة أشهر أو لأكثر من أقصى الحمل،
وادعت هي خلافه، فالقول قولها بيمينها، ويلحق الولد به ولا ينتفي عنه إلا
باللعان.
370

(مسألة 1303) إذا طلق زوجته المدخول بها فاعتدت وتزوجت ثم
أتت بولد، فإن لم يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالأول - كما إذا ولدته دون
ستة أشهر من وطأ الثاني ولتمامها من غير تجاوز عن أقصى الحمل من وطأ
الأول - فهو للأول ويتبين بطلان نكاح الثاني لوقوعه في العدة وتحرم على الثاني
مؤبدا لوطيه إياها، وإن انعكس الأمر بأن أمكن لحوقه بالثاني دون الأول، لحق
بالثاني، كأن ولدته لأكثر من أقصى الحمل من وطأ الأول ولأقل الحمل إلى
الأقصى من وطأ الثاني، وإن لم يمكن لحوقه بأحدهما كأن ولدته لأكثر من أقصى
الحمل من وطأ الأول، ولدون ستة أشهر من وطأ الثاني، انتفى منهما. وإن أمكن
إلحاقه بهما بأن كانت ولادته لستة أشهر من وطأ الثاني ودون أقصى الحمل من
وطأ الأول فهو للثاني.
(مسألة 1304) إذا طلقها ثم وطئت بشبهة ثم أتت بولد فهو كالتزوج
بعد العدة، فتجئ فيه الصور الأربع المتقدمة حتى الصورة الأخيرة، وهي ما إذا
أمكن اللحوق بكل منهما، فإنه يلحق بالأخير هنا أيضا.
(مسألة 1305) إذا كانت تحت زوج ووطأها شخص آخر بشبهة ثم
أتت بولد، فإن أمكن لحوقه بأحدهما دون الآخر يلحق به، وإن لم يمكن لحوقه
بهما انتفى عنهما، وإن أمكن لحوقه بكل منهما أقرع بينهما.
أحكام الولادة والرضاع والحضانة
(مسألة 1306) للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها
مندوبة نذكر أهمها في المسائل التالية.
(مسألة 1307) يجب استقلال النساء في شؤون المرأة حين ولادتها
دون الرجال إذا استلزمت مساعدتهم النظر أو اللمس المحرم عليهم، هذا مع
الاختيار أما مع الاضطرار فلا بأس به، بل قد يجب. كما أنه لا بأس بالزوج وإن
وجدت النساء.
371

(مسألة 1308) يستحب غسل المولود عند وضعه مع الأمن من
الضرر، والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان
الرجيم، وتحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين عليه السلام، وتسميته بالأسماء
المستحسنة، فإن ذلك من حق الولد على الوالد، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله
جل شأنه كعبد الله وعبد الرحيم ونحو ذلك، ويليها أسماء الأنبياء والأئمة عليهم
السلام، وأفضلها اسم محمد صلى الله عليه وآله، بل يكره ترك التسمية به إذا
ولد له أربعة أولاد، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ولد له أربعة أولاد
ولم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني. ويكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه
محمدا، ويستحب أن يحلق رأس الولد يوم السابع، وأن يتصدق بوزن شعره
ذهبا أو فضة، ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع.
(مسألة 1309) تستحب الوليمة عند الولادة، وهي إحدى الخمس التي
سنت فيها الوليمة، وإحداها عند الختان، ولا يعتبر إيقاعها في يوم الولادة، فلا
بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، والظاهر أنه إن ختن في اليوم السابع أو قبله
فأولم في يوم الختان بقصدهما تتأدى السنتان.
(مسألة 1310) يجب ختان الذكور، بل ربما يعد من الضروريات،
ويستحب إيقاعه في اليوم السابع، ويجوز التأخير عنه، وإن تأخر إلى ما بعد
البلوغ يجب عليه أن يختن نفسه، حتى أن الكافر إذا أسلم غير مختون يجب
عليه الختان وإن كان مسنا. والأقوى أنه لا يجب على الولي أن يختن الصبي
فيجوز له تأخيره إلى ما بعد بلوغه ويجب حينئذ على الصبي، وقيل بوجوبه على
الولي وهو الأحوط.
(مسألة 1311) الختان واجب لنفسه وشرط لصحة طوافه في حج أو
عمرة واجبين أو مندوبين، وليس شرطا في صحة الصلاة على الأقوى فضلا عن
سائر العبادات.
372

(مسألة 1312) الظاهر أن الحد الواجب في الختان أن تقطع الجلدة
الساترة للحشفة المسماة بالغلفة بحيث تظهر ثقبة الحشفة ومقدار من بشرتها، وإن لم
تستأصل تلك الجلدة ولم تظهر تمام الحشفة، وبعبارة أخرى قطعها بحيث
لا يصدق عليه الأغلف الذي ورد أن الأرض تضج من بوله أربعين صباحا.
(مسألة 1313) لا بأس بكون الختان كافرا ذميا أو حربيا، فلا يعتبر فيه
الاسلام.
(مسألة 1314) لو ولد الصبي مختونا سقط الختان وإن استحب إمرار
الموسى على المحل لإصابة السنة.
(مسألة 1315) من المستحبات الأكيدة العقيقة للذكر والأنثى،
ويستحب أن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى، وأن يكون يوم السابع،
وإن تأخر عنه لعذر أو لغير عذر لم يسقط، بل لو لم يعق عن الصبي حتى بلغ
وكبر عق عن نفسه، بل لو لم يعق عن نفسه في حياته يستحب أن يعق عنه بعد
موته. ولا بد أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم ضأنا كان أو معزا، والبقر،
والإبل. ولا يجزي عنها التصدق بثمنها: ويستحب أن تجتمع فيها شروط
الأضحية. وفي الموثق (يذبح عنه كبش) وإذا لم يوجد كبش أجزأه ما يجزي في
الأضحية، بل يجزي وإن لم يكن واجدا لشرائط الأضحية. ويستحب أن تخص
القابلة منها بالثلث ودونه الربع، وإن كان مشتملا على الرجل والورك فهو
أفضل. ولو لم تكن قابلة أعطي ذلك للأم تتصدق به.
(مسألة 1316) يتخير في العقيقة بين أن يفرقها لحما أو مطبوخا أو تطبخ
ويدعى عليها جماعة من المؤمنين، لا أقل من عشرة، وإن زاد فهو أفضل
يأكلون منها ويدعون للولد، وأفضل أحوال طبخها أن يكون بماء وملح، ولا
بأس بإضافة شئ إليها من الحبوب كالحمص وغيره.
373

(مسألة 1317) لا يجب على الأم إرضاع ولدها لا مجانا ولا بالأجرة
مع عدم انحصار حفظ الولد وتغذيته بمقدار الحاجة بلبنها، كما أنه لا يجب عليها
إرضاعه مجانا وإن انحصر بها، بل لها المطالبة بأجرة إرضاعها من مال الولد إذا
كان له مال ومن أبيه إذا لم يكن له مال وكان الأب موسرا، ومن جده وإن علا
إذا كان موسرا. نعم لو لم يكن للولد مال ولم يكن الأب ولا الجد موسرين تعين
على الأم إرضاعه مجانا إما بنفسها أو باستئجار مرضعة أخرى، وتكون أجرتها
عليها لوجوب نفقته عليها في هذا الفرض.
(مسألة 1318) الأم أحق بإرضاع ولدها من غيرها إذا كانت متبرعة أو
تطلب ما تطلب غيرها أو أنقص، وأما لو طلبت زيادة أو طلبت أجرة
ووجدت متبرعة كان للأب نزعه منها وتسليمه إلى غيرها، والأقوى عدم
سقوط حق الحضانة الثابت للأم بذلك، فيبقى في حضانتها وترضعه الأخرى، إما
بأن تأتي لارضاعه عند الحاجة أو بأخذه إليها.
(مسألة 1319) إذا ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم ولم تكن له
بينة على وجودها، فالقول قولها بيمينها.
(مسألة 1320) يستحب أن يكون رضاع الصبي بلبن أمه، فإنه أبرك
من غيره، إلا إذا اقتضت بعض الجهات أولوية غيرها عليها من حيث شرافتها
وطيب لبنها وخباثة الأم.
(مسألة 1321) كمال الرضاع حولان كاملان أربع وعشرون شهرا،
ويجوز أن ينقص عن ذلك إلى ثلاثة شهور، بأن يفطم على واحد وعشرين
شهرا، ولا يجوز أن ينقص عن ذلك، ولو نقص عن ذلك مع الامكان ومن غير
ضرورة كان جورا على الصبي كما في الخبر.
(مسألة 1322) الأم أحق بحضانة الولد وتربيته وما يتعلق بها من
مصلحة حفظه مدة الرضاع حولين كاملين، ذكرا كان أو أنثى، سواء أرضعته
374

هي بنفسها أو بغيرها وذلك بشرط أن تكون حرة عاقلة، وأن تكون مسلمة إذا
كان الولد مسلما، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدة منها، فإذا فصل
وانقضت مدة الرضاع، فالأب أحق بالذكر بشرط أن يكون حرا عاقلا وأن
يكون مسلما إذا كان الولد مسلما، والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من
عمرها، ثم يكون الأب أحق بها. وإن فارق الأم بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ
سبع سنين لم يسقط حق حضانتها ما لم تتزوج بالغير، فلو تزوجت سقط حقها في
الصبي والصبية حتى في مدة الرضاع، وكانت الحضانة للأب، ولو فارقها الثاني
فالأرجح أن حضانتها لا تعود، والأحوط لهما التصالح والتسالم.
(مسألة 1323) إذا مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله، كانت الأم
أحق بحضانة الولد - وإن كانت متزوجة ذكرا كان الولد أو أنثى - من وصي أبيه
وكذا من باقي أقاربه حتى أب أبيه وأمه فضلا عن غيرهما، كما أنه لو ماتت الأم
في زمان حضانتها كان الأب أحق به من وصيها ومن أبيها وأمها فضلا عن باقي
أقاربها، وإذا فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب، وإذا عدم ولم يكن وصي له ولا
للأب، كانت الحضانة لأقارب الولد على ترتيب مراتب الإرث، الأقرب منهم
يمنع الأبعد، ومع التعدد والتساوي في المرتبة والتشاح يقرع بينهم، وإذا وجد
وصي لأحدهما ففي كون التعيين بالقرعة أو كون الحضانة للوصي ثم للأقارب
وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان، لكن لا يترك الاحتياط
(استحبابا) بالتصالح والتسالم، وأحوط منه الاستئذان من الحاكم أيضا.
(مسألة 1324) تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيدا، فإذا بلغ الرشد
فليس لأحد حق الحضانة عليه حتى الأبوين فضلا عن غيرهما، بل هو مالك
لنفسه وله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما، أو من غيرهما، ذكرا كان الولد أم
أنثى.
375

النفقات
(مسألة 1325) إنما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، والقرابة،
والملك.
(مسألة 1326) إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة
، فلا نفقة للمنقطعة، وأن تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له إذا طلب منها
الإطاعة في ذلك، فلا نفقة للناشزة، وقد مر بيان ما يتحقق به النشوز سابقا،
ولا فرق بين أن تكون مسلمة أو ذمية، ولا بين أن تكون حرة أو أمة.
(مسألة 1327) إذا نشزت ثم عادت إلى الطاعة لم تستحق النفقة حتى
تظهر الطاعة ويعلم بها الزوج، وينقضي زمان يمكن وصول الزوج إليها.
(مسألة 1328) إذا ارتدت الزوجة سقطت النفقة، وإن عادت في العدة
عادت، وإلا تبين أنها بانت منه حين ارتدادها، كما مر.
(مسألة 1329) المتيقن ممن تجب نفقتها هو الزوجة الكبيرة الممكنة
للزوج الكبير، فلا نفقة على الزوج للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع بها،
خصوصا إذا كان الزوج صغيرا غير قابل للتمتع والتلذذ، وكذا للزوجة الكبيرة
إذا كان زوجها صغيرا غير قابل لأن يستمتع بها، نعم لو كانت الزوجة مراهقة
وكان الزوج كبيرا ومكنته من نفسها بما يمكنه التلذذ والاستمتاع به منها،
فالأحوط الأولى (استحبابا) أن ينفق عليها.
(مسألة 1330) لا تسقط نفقتها بعدم تمكينها له من نفسها لعذر شرعي
أو عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض أو غير ذلك، وكذا
لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج، سواء كان السفر في واجب أو مندوب أو
مباح، وكذا إذا سافرت في واجب مضيق كالحج الواجب بغير
376

إذنه، بل ولو
مع منعه ونهيه، بخلاف ما إذا سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح فإنه تسقط
نفقتها، بل الأمر كذلك إذا خرجت من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر، فضلا عما
كان خروجها لسفر، لتحقق النشوز المسقط للنفقة.
(مسألة 1331) تثبت النفقة والسكنى لذات العدة الرجعية ما دامت في
العدة كما تثبت للزوجة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا، ولو كانت
ناشزة وطلقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة ما دامت باقية على النشوز،
فإن رجعت وأظهرت التمكين، فالظاهر وجوب نفقتها عليه. وأما ذات العدة
البائنة فتسقط نفقتها وسكناها، سواء كانت عن طلاق أو فسخ، إلا إذا كانت
عن طلاق وكانت حاملا فإنها تستحق النفقة والسكنى حتى تضع حملها. ولا
تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدتها، وكذا الحامل المتوفى
عنها زوجها، فإنه لا نفقة لها مدة حملها لا من تركة زوجها ولا من نصيب
ولدها على الأقوى.
(مسألة 1332) إذا ادعت المطلقة بائنا أنها حامل مستندة إلى وجود
الأمارات التي يستدل بها على الحمل عند النساء، صدقت وأنفق عليها يوما
فيوما إلى أن يتبين الحال، فإن تبين الحمل فهو، وإلا استعيد منها ما صرف
عليها، ولا يخلو عدم جواز مطالبتها بكفيل قبل تبين الحال من رجحان بعد أن
كانت مصدقة.
(مسألة 1333) لا تقدير للنفقة شرعا، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه
المرأة من طعام وأدام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج
إليها لشربها وطبخها وتنظيفها وغير ذلك، فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها
لشبعها، وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها
377

والمناسب لصحتها
وما تعودت عليه بحيث تتضرر بتركه. وأما الإدام فقدره وجنسه كالطعام
يراعى فيه ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يناسب صحتها وما هو معتاد
لها، حتى أنه لو كانت عادة أمثالها أو كان الإدام المناسب لصحتها دوام اللحم مثلا
وجب، وأما لو اعتادت على شئ خاص من الإدام بحيث تتضرر بتركه مما هو
غير متعارف، فلا يجب عليه. نعم الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من
غير الطعام والإدام كالشاي والقهوة ونحوهما، وأولى بذلك ما هو لازم من الفواكه
الصيفية التي يعد تناولها كاللازم في المناطق الحارة، وكذلك الحال في الكسوة
فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها، والفصول التي تحتاج إليها
شتاءا وصيفا، ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى
ذلك. بل لو كانت من ذوات التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب
للتجمل على حسب أمثالها، وهكذا الفراش والغطاء فإن لها ما تفرشه على
الأرض وما تحتاج إليه للنوم من لحاف ومخدة وفراش، ويرجع في قدرها
وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها. وتستحق في الاسكان أن يسكنها دارا
تليق بها بحسب عادة أمثالها ولها من المرافق ما تحتاج إليها، ولها أن تطالبه
بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها، من دار أو حجرة
منفردة المرافق إما بعارية أو إجارة أو ملك، ولو كانت من أهل البادية كفاها
كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها. وأما الاخدام فإنما يجب إن كانت ذات
حشمة وشأن ومن ذوي الاخدام، وإلا خدمت نفسها، وإذا وجبت الخدمة
فالزوج بالخيار بين أن يستأجر خادمة لها أو يستعيرها لها أو يأمر واحدة بأن
تخدمها أو يخدمها بنفسه على إشكال في الأخير. وأما الآلات والأدوات المحتاج
إليها فيلاحظ فيها أيضا ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التي
تسكن وتعيش فيه، ضرورة اختلافها بحسب البلد اختلافا فاحشا. أما اختلاف
مصاديق المتعارف من ذلك فيلاحظ المتوسط بحسب حالها شأنا وزمانا ومكانا.
(مسألة 1334) الظاهر أنه من الانفاق الذي تستحقه الزوجة أجرة
الحمام عند الحاجة، سواء كان للاغتسال أو للتنظيف إذا كان لا يتعارف في
بلدها الغسل والاغتسال لأمثالها في البيت أو يتعذر أو يتعسر ذلك لبرد أو
378

غيره ومنه أيضا الفحم والحطب في زمان الاحتياج إليهما، وكذا الأدوية المتعارفة التي
يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام التي قلما يخلو الشخص منها في
الشهور والأعوام. نعم الظاهر أنه ليس من المعالجة الواجبة عليه ما يصرف في
المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الصدفة، خصوصا إذا
احتاج إلى بذل مال خطير.
(مسألة 1335) تملك الزوجة على الزوج بشرط التمكين حق النفقة كل
يوم، من الطعام والإدام وغيرها مما يصرف ولا يبقى عينه في صبيحته، فلها أن
تطالبه بها عندها، فلو منعها وانقضى اليوم استقرت في ذمته وكانت دينا عليه،
وليست لها مطالبة نفقة الأيام الآتية. ولو مضت أيام ولم ينفق عليها فيها اشتغلت
ذمته بنفقة تلك المدة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها، وسواء قدرها الحاكم
وحكم بها أم لا، وسواء كان موسرا أو معسرا، غاية الأمر أنه مع الاعسار ينظر
في المطالبة إلى اليسار. ويتحقق الانفاق عليها إما بإباحتها لها، وإما بتمليكها
إياها، فإن ملكها تملكها مراعى بتمكينها، فإن نشزت تسترد البقية، وترد المثل
أو القيمة مع الصرف، وكذا لو أباحها لها، سواء بقيت النفقة أو أتلفتها.
(مسألة 1336) لو دفع إليها نفقة أيام كأسبوع أو شهر مثلا وانقضت المدة
ولم تصرفها على نفسها إما بأن أنفقت من غيرها أو أنفق عليها أحد كانت ملكا
لها وليس للزوج استردادها، وكذا لو استفضلت منها شيئا بالتقتير على نفسها
كانت الزيادة ملكا لها فليس له استردادها. نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل
انقضاء المدة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا، يوزع المدفوع على الأيام
الماضية والآتية، ويسترد منها بالنسبة إلى ما بقي من المدة، بل الظاهر ذلك أيضا
فيما إذا دفع لها نفقة يوم وعرضت أحد تلك العوارض في أثناء اليوم، فيسترد
الباقي من نفقة ذلك اليوم.
379

(مسألة 1337) كيفية الانفاق بالطعام والإدام، إما بمؤاكلتها مع الزوج في
بيته على العادة كسائر عياله، وإما بتسليم النفقة لها. وليس له إلزامها بالنحو
الأول، فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه وتطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما
تشاء، إلا أنه إذا أكلت وشربت معه على العادة سقط ما على الزوج من النفقة،
فليس لها أن تطالبه بها بعد ذلك.
(مسألة 1338) ما يدفع لها للطعام والإدام إما عين المأكول كالخبز
والتمر والطبيخ واللحم المطبوخ مما لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومزاولة
ومؤنة وكلفة، وإما عين تحتاج إلى ذلك كالحب والأرز والدقيق ونحو ذلك،
والظاهر أن الزوج بالخيار بين النحوين بشرط أن لا يخرج عن إمساك بمعروف أو
كان ذلك باختيارها له. نعم لو اختار النحو الثاني واحتاج إعداد ما يعطيها
للأكل إلى أجرة أو إلى مؤنة كالحطب وغيره كان عليه.
(مسألة 1339) إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام
وتسلمته، ملكته وسقط الواجب على الزوج، وليس لأحدهما إلزام الآخر به.
(مسألة 1340) إنما تستحق بالكسوة على الزوج أن يكسوها بما هو ملكه
أو بما استأجره أو استعاره، وللزوج أن يملكها ذلك لكن لا تستحق عليه أن
يدفع إليها بعنوان التمليك، ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إلى تلك
المدة فلبستها فخلقت قبل تلك المدة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها
، ولو انقضت المدة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أخرى، ولو خرجت في
أثناء المدة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا كانت باقية،
وكذلك الكلام في الفراش والغطاء واللحاف والآلات التي دفعها إليها من جهة
الانفاق مما ينتفع به مع بقاء عينه، فإنها تبقى على ملك الزوج تنتفع بها الزوجة،
فله استردادها إذا زال استحقاقها إلا مع التصريح بإنشاء التمليك لها، كما أن لها
المطالبة بتبديل هذه الوسائل إذا نزلت بطول الزمان عما يناسب شأنها مع بقاء
استحقاقها.
380

(مسألة 1341) إذا اختلف الزوجان في الانفاق وعدمه مع اتفاقهما على
الاستحقاق، فإن كان الزوج غائبا أو كانت الزوجة منعزلة عنه فالقول قولها
بيمينها إذا لم تكن له بينة، وإن كانت في بيته داخلة في عيالاته، فالظاهر أن
القول قول الزوج بيمينه إذا لم تكن لها بينة.
(مسألة 1342) إذا كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طلقت رجعيا
واختلفا في زمان وقوع الطلاق، فادعى الزوج أنه قبل الوضع وقد انقضت
عدتها بالوضع فلا نفقة لها الآن، وادعت هي أنه بعده لتثبت لها النفقة، ولم تكن
بينة، فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة، لكن يحكم عليه
بالبينونة وعدم جواز الرجوع من جهة اعترافه بأنها قد خرجت من العدة
بالوضع.
(مسألة 1343) إذا طالبته بالانفاق وادعى الاعسار ولم تصدقه بل
ادعت عليه اليسار، فالقول قوله بيمينه إذا لم يكن لها بينة، إلا إذا كان مسبوقا
باليسار وادعى تلف أمواله وصيرورته معسرا وأنكرته، فإن القول قولها بيمينها
إذا لم يكن للزوج بينة.
(مسألة 1344) لا يشترط في استحقاق الزوجة للنفقة فقرها
واحتياجها، فلها على زوجها الانفاق وإن كانت من أغنى الناس.
(مسألة 1345) إذا لم يكن له مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه
الواجبي النفقة، فهو نفسه مقدم على زوجته، وهي على أقاربه، فما فضل من
قوته صرفه إليها ولا يدفع إلى الأقارب إلا ما يفضل عن نفقتها.
القول في نفقة الأقارب
(مسألة 1346) لا يشترط في صحة النكاح تمكن الزوج من النفقة. نعم
لو زوج الصغيرة وليها بغير القادر عليها لم يلزم العقد عليها، فلها الرد بعد كمالها
، لما مر من أنه يعتبر في نفوذ عقد الولي على المولى عليه عدم المفسدة، وهذا
مفسدة إلا إذا زاحمتها مصلحة غالبة عليها.
381

(مسألة 1347) إذا كان الزوج متمكنا من النفقة حين العقد ثم تجدد
عجزه عنها بعد ذلك لم يكن للزوجة الفسخ لا بنفسها ولا بالحاكم على الأقوى.
نعم لو امتنع عن الانفاق مع يساره ورفعت أمرها إلى الحاكم ألزمه بأحد
الأمرين إما الانفاق أو الطلاق، فإذا امتنع عن الأمرين ولم يمكن الانفاق من
ماله ولا إجباره على الطلاق، فالظاهر أن للحاكم أن يطلقها إن أرادت
الطلاق.
(مسألة 1348) لا إشكال في جواز تزويج الحرة بالعبد والعربية
بالعجمي والهاشمية بغير الهاشمي وبالعكس، وكذا ذوات البيوتات الشريفة
بأرباب الصنائع الدنيئة كالكناس والحجام ونحوهما، لأن المسلم كفؤ المسلمة
والمؤمن كفؤ المؤمنة والمؤمنون بعضهم أكفأ بعض كما في الخبر. نعم يكره تزويج
الفاسق خصوصا شارب الخمر والزاني كما مر.
القول في نفقة الأقارب
(مسألة 1349) يجب الانفاق على الأبوين وآبائهما وأمهاتهما وإن
علوا، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا، ذكورا وإناثا، صغارا كانوا أو كبارا،
مسلمين كانوا أو كفارا، ولا تجب على غير العمودين من الأقارب كالإخوة
والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وغيرهم، وإن استحب
خصوصا على الوارث منهم.
(مسألة 1350) يشترط في وجوب الانفاق على القريب فقره
واحتياجه، بمعنى أن لا يجد ما يتقوت به فعلا، فلا يجب الانفاق على من يقدر
على نفقة نفسه فعلا وإن كان فقيرا لا يملك قوت سنة، وجاز له أخذ الزكاة
ونحوها. وأما غير الواجد لها فعلا القادر على تحصيلها بغير الاكتساب، فإن كان
بالاقتراض مع تيسره له وإمكان أدائه، فلا يجب على قريبه نفقته، وإن كان بمثل
السؤال فلا يجب عليه وتجب على قريبه نفقته.
382

أما إذا كان قادرا على تعلم صنعة تكفي لمعاشه كالبنت تقدر على تعلم الخياطة
والابن يقدر على تعلم الصياغة أو النجارة وقد تركا التعلم فبقيا بلا نفقة، فلا
إشكال في وجوب الانفاق عليهما حال عجزهما. وكذا الحال لو أمكن له
التكسب بما يشق عليه تحمله كحمل الأثقال أو لا يناسب شأنه كبعض الأشغال
لبعض الأشخاص ولم يتكسب لذلك، فإنه يجب على قريبه الانفاق عليه. وإن
كان قادرا على التكسب بما يناسب حاله وشأنه كالقوي القادر على حمل
الأثقال، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال، ومن كان كسوبا وله بعض
الأشغال والصنائع وقد ترك ذلك طلبا للراحة، فالظاهر عدم وجوب الانفاق
عليه. نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجا فعلا بالنسبة إلى يوم و
أيام غير قادر على تحصيل نفقتها، وجب الانفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد
حصل باختياره. كما أنه لو ترك التشاغل بالاكتساب لا لطلب الراحة بل
لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني مهم كطلب العلم الواجب، لم يسقط بذلك وجوب
الانفاق عليه.
(مسألة 1351) الأوجه أنه لا تسقط نفقة المرأة عمن تجب عليه كأبيها
وابنها بمجرد قدرتها على الزواج بمن يليق بحالها ما دامت لم تتزوج بعد.
(مسألة 1352) يشترط في وجوب الانفاق على القريب قدرة المنفق
على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة، فلو حصل له
قدر كفاية نفسه خاصة اقتصر على نفسه، ولو فضل منه شئ وكانت له زوجة
فلزوجته، فلو فضل منه شئ فللأبوين والأولاد.
(مسألة 1353) المراد بنفقة نفسه المقدمة على نفقة زوجته مقدار قوت
يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله وكل ما اضطر إليه من الآلات للطعام
والشراب والفراش والغطاء وغيرها، فإن زاد على ذلك شئ صرفه إلى
زوجته ثم إلى قرابته.
383

(مسألة 1354) إذا زاد عنده عن نفقته شئ ولم يكن عنده زوجة،
وكان عنده قريب من الذين تجب نفقتهم، فالظاهر التفصيل بين حاجته إلى
الزواج ولو لم تصل إلى حد الاضطرار وعدمها، فعلى الأول يصرفه في الزواج
لأنه يحسب من مؤنته، وعلى الثاني يصرفه في نفقة القريب.
(مسألة 1355) إذا لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه وجب عليه التوسل
إلى تحصيله بالاكتساب اللائق بالحال. وأما لو لم يكن عنده ما ينفقه على
زوجته أو قريبه فيجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه وحاله، ولا يجب
عليه التوسل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال. نعم لا يبعد وجوب
الاقتراض إذا أمكن من دون مشقة وكان يمكنه الوفاء فيما بعد، وكذا الشراء
نسيئة بالشرطين المذكورين.
(مسألة 1356) لا تقدير في نفقة الأقارب، بل الواجب قدر الكفاية من
الطعام والإدام والكسوة والمسكن مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان،
كما مر في نفقة الزوجة.
(مسألة 1357) لا يجب إعفاف من وجبت نفقته - ولدا كان أو والدا -
بالتزويج، أو إعطاؤه مهرا ليتزوج به، أو تمليكه أمة أو تحليلها عليه، وإن كان
أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته على الزواج والصداق، خصوصا في
الأب.
(مسألة 1358) يجب على الولد نفقة والده دون أولاد الأب لأنهم
إخوته، ودون زوجة الأب غير أمه. ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته.
نعم يجب عليه نفقة أولاده أيضا لأنهم أولاده.
(مسألة 1359) لا تقضى نفقة الأقارب ولا يجب تداركها لو فاتت في
وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق، ولا تستقر في ذمته بخلاف الزوجة كما
مر. نعم لو لم ينفق على القريب لغيبته أو امتنع عن الانفاق مع يساره، ورفع
المنفق عليه أمره إلى الحاكم فأمره بالاستدانة عليه فاستدان، اشتغلت
384

ذمته بما
استدانه ووجب عليه قضاؤه، وإن تعذر الحاكم فالأحوط (وجوبا) أن تكون
الاستدانة بعد رفع الأمر إلى العدول فتكون الاستدانة بأمرهم، فإن استدان على
نفسه وجب عليه الأداء، وإن استدان على من تجب عليه نفقته بأمر الحاكم أو
العدول وجب الوفاء على من تجب عليه نفقته. وتجزي في ذلك نية المستدين
واجب النفقة.
(مسألة 1360) قد ظهر مما مر أن وجوب الانفاق ثابت بشروطه في
عمودي النسب أي الأصول والفروع دون الحواشي كالإخوة والأعمام
والأخوال، وله ترتيب من جهتين: من جهة المنفق، ومن جهة المنفق عليه. أما
من جهة المنفق فتجب نفقة الولد ذكرا كان أو أنثى على أبيه، ومع عدمه أو فقره
فعلى جده للأب، ومع عدمه أو إعساره فعلى جد الأب، وهكذا متعاليا
الأقرب فالأقرب. ولو فقد الآباء أو كانوا معسرين فعلى أم الولد، ومع عدمها
أو إعسارها فعلى أبيها وأمها وآبائهما وأمهاتهما الأقرب فالأقرب. ومع
التساوي في الدرجة يشتركون في الانفاق بالسوية وإن اختلفوا في الذكورة
والأنوثة. وفي حكم آباء الأم وأمهاتها أم الأب وكل من تقرب إلى الأب بالأم
كأب أم الأب، وأم أم الأب، وأم أب الأب، وهكذا، فإنه تجب عليهم نفقة الولد
مع فقد آبائه وأمه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد، فإذا كان له أب و
جد موسران أو أب وأم موسران، كانت نفقته على الأب، وإذا كان له جد
لأب مع أم كانت نفقته على الجد، وإذا كان له جد لأم مع أم كانت نفقته على
الأم، وإذا كان له جد وجدة لأم تشاركا في الانفاق عليه بالسوية، وإذا كانت له
جدة لأب مع جد وجدة لأم تشاركوا فيه أثلاثا، هذا كله في الأصول.
وأما الفروع أي الأولاد فتجب نفقة الأب والأم عند الاعسار على الولد مع
اليسار ذكرا كان أم أنثى، ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد أي ابن الابن أو
البنت وبنت الابن أو البنت، وهكذا الأقرب فالأقرب، ومع التعدد والتساوي في
الدرجة يشتركون بالسوية، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن مثلا كانت نفقته
على الابن أو البنت، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن
385

وبنت اشتركا في الانفاق
بالسوية، وإذا اجتمعت الأصول مع الفروع يراعى الأقرب فالأقرب، ومع
التساوي يتشاركون. فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسوية، وإذا كان
له أب مع ابن ابن أو ابن بنت كانت نفقته على الأب، وإذا كان له ابن وجد لأب
كانت على الابن، وإذا كان له ابن ابن مع جد لأب تشاركا بالسوية، وإذا كانت له
أم مع ابن ابن أو ابن بنت مثلا كانت نفقته على الأم. ويشكل الأمر إذا اجتمعت
الأم مع الابن أو البنت، والأحوط (وجوبا) التراضي والتصالح على الاشتراك
بالسوية، بل الأحوط التراضي والتصالح في أكثر الفروع المذكورة مما لم يكن فيه
وجه صحيح لتقدم بعض على بعض.
وأما من جهة المنفق عليه، فإذا كان عنده زائدا على نفقته ونفقة زوجته ما
يكفي لنفقة جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع، وإذا لم يكف إلا
للانفاق على بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم، فإذا كان عنده ابن أو
بنت مع ابن ابن وكان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن أو البنت دون ابن
الابن، وإذا كان عنده أبواه مع ابن ابن وابن بنت أو مع جد وجدة لأب أو لأم
أو بالاختلاف، وكان عنده ما يكفي اثنين أنفق على الأبوين وهكذا. وأما إذا
كان عنده قريبان أو أكثر في مرتبة واحدة ولم يكن عنده ما يكفي الجميع
فالأقرب أنه يقسم بينهم بالسوية إن أمكن، وإلا يرجع إلى القرعة.
(مسألة 1361) لو كان له ولدان ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وكان
له أب موسر، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه
كالأقل نفقة اختص به، وكانت نفقة الآخر على أبيه جد الولدين، وإن اتفقا في
مقدار النفقة فإن توافق مع الجد في أن يشتركا في الانفاق عليهما أو تراضيا على
أن يكون أحدهما المعين في نفقة أحدهما والآخر في نفقة الآخر فهو، وإلا رجعا
إلى القرعة.
386

(مسألة 1362) إذا امتنع من وجبت عليه النفقة عن الانفاق أجبره
الحاكم، ومع عدمه فعدول المؤمنين، وإن لم يمكن إجباره فإن كان له مال وأمكن
للمنفق عليه أن يقتص منه مقدار نفقته جاز له لكن بإذن الحاكم على الأحوط،
وإلا أمره الحاكم بالاستدانة عليه، ومع تعذر الحاكم وتعذر العدول جاز له ذلك
كما مر.
(مسألة 1363) يجب على الانسان الانفاق على ما يملكه، إنسانا كان أو
غيره، حتى النحل ودود القز، ولا تقدير لنفقة البهيمة، بل الواجب القيام بما تحتاج
إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك، ومالكها بالخيار بين علفها وإطعامها
وبين تخليتها ترعى في خصب الأرض، فإن اجتزأت بالرعي، وإلا علفها بمقدار
كفايتها.
(مسألة 1364) لو امتنع المالك عن الانفاق على البهيمة ولو بتخليتها
للرعي الكافي لها، أجبر على بيعها أو الانفاق عليها، أو ذبحها إن كانت مما يقصد
بذبحها اللحم.
387

كتاب الطلاق
شروط الطلاق
(مسألة 1365) يشترط في الزوج المطلق البلوغ والعقل، فلا يصح
طلاق الصبي لا بالمباشرة ولا بتوكيل الغير. لكن لا يترك الاحتياط في
طلاقه إذا كان مميزا وله عشر سنين، ولا طلاق المجنون مطبقا أو أدوارا حال
جنونه، ويلحق به السكران ونحوه ممن زال عقله.
(مسألة 1366) كما لا يصح طلاق الصبي بالمباشرة والتوكيل لا يصح
طلاق وليه عنه كأبيه وجده، فضلا عن الوصي والحاكم.
(مسألة 1367) الأقوى فيمن بلغ فاسد العقل كون الولاية عليه للأب
والجد، وفيمن طرأ عليه الجنون كون الولاية عليه للحاكم، وإن كان الاحتياط
في استئذانهما في الفرض الأول من الحاكم واستئذانه في الفرض الثاني منهما
حسنا.
(مسألة 1368) يشترط في الزوج المطلق القصد والاختيار، بمعنى عدم
الاكراه والاجبار، فلا يصح طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط، بل
الهازل الذي لا يريد إيقاع الطلاق جديا بل يتكلم بلفظه هزلا. وكذا لا يصح
طلاق المكره الذي ألزم بإيقاعه بالتوعيد والتهديد على تركه.
388

(مسألة 1369) الاكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع
التوعيد على تركه بإيقاع ما يضر بحاله نفسا أو عرضا أو مالا أو بحال منسوبيه
ممن يجري مجرى نفسه كالولد والوالد والزوجة والعبد والخادم وكل من تعلق
به، بشرط أن يخاف إيقاع ما هدد به المكره (بالكسر) ويحتمل احتمالا عقلائيا
أنه ينفذ ما هدد به. ولو أمره بإيجاد ما يكرهه ولم يهدده، وخاف المأمور من
وقوع الضرر عليه لو خالف أمره، ففيه إشكال فلا يترك الاحتياط. أما لو
أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه فلا يكون
مكرها، فلو تزوج على امرأة ثم رأى أنه لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة
من بعض متعلقيها كأبيها أو أخيها فالتجأ إلى طلاقها فطلقها، فإنه يصح طلاقها.
(مسألة 1370) لو قدر المأمور على دفع ضرر الأمر ببعض التخلصات
التي ليس فيها ضرر أو مشقة كالفرار والاستعانة بالغير، لم يتحقق الاكراه، فلو
أوقع الطلاق مثلا حينئذ وقع صحيحا. نعم لو قدر على التورية وأوقع الطلاق
من دون تورية مع عدم الالتفات إليه لدهشة ونحوها، فالظاهر أنه يكون
مكرها ويقع طلاقه باطلا.
(مسألة 1371) لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق إحداهما
المعينة وقع مكرها عليه، ولو طلقهما معا فالأرجح وقوع طلاق إحداهما مكرها
عليه فتعين بالقرعة، وأما لو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلق إحداهما فالظاهر
أنه يقع مكرها عليه.
(مسألة 1372) لو أكرهه على أن يطلق زوجته ثلاث طلقات بينهما
رجعتان فطلقها واحدة أو اثنتين ففي وقوع ما أوقعه مكرها عليه إشكال، إلا
إذا كان ذلك بقصد التخلص ورجاء اكتفاء المكره به، أو كان تحمل تهديده
بترك الثالث أهون وأسهل.
390

(مسألة 1373) إذا أوقع الطلاق عن إكراه ثم تعقبه الرضا لم ينفع ذلك
في صحته، وليس كالعقد المكره عليه الذي يتعقبه الرضا.
(مسألة 1374) لا يعتبر في الطلاق اطلاع الزوجة عليه فضلا عن
رضاها به.
(مسألة 1375) يشترط في المطلقة أن تكون زوجة دائمة، فلا يقع
الطلاق على المتمتع بها. وأن تكون طاهرا من الحيض والنفاس، فلا يصح
طلاق الحائض والنفساء، والمراد بهما الحائض والنفساء فعلا، أما في النقاء
المتخلل الذي اخترنا وجوب الاحتياط فيه فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء
بطلاقهما فيه بالتسريح وبالعقد الجديد للامساك بعده. ولو نقيتا من الحيض
والنفاس ولم تغتسلا، صح طلاقهما. كما يشترط في المطلقة أن لا تكون في
طهر واقعها زوجها فيه.
(مسألة 1376) إنما يشترط خلو المطلقة من الحيض في المدخول بها
الحائل، دون غير المدخول بها ودون الحامل بناءا على مجامعة الحيض للحمل
كما هو الأقوى، فإنه يصح طلاقهما في حال الحيض. وكذا يشترط ذلك فيما إذا
كان الزوج حاضرا، بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق، وأما إذا كان غائبا
فيصح طلاقها وإن وقع في حال الحيض، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر
والحيض وتعذر أو تعسر عليه استعلامها، فإذا علم أنها في حال الحيض ولو من
جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر، أو تمكن من استعلام حالها وطلقها فتبين
وقوعه في حال الحيض، بطل الطلاق.
(مسألة 1377) إذا غاب الزوج، فإن خرج في حال حيضها لم يجز
طلاقها إلا بعد مضي مدة يقطع معها بانقطاع ذلك الحيض، فإن طلقها بعد ذلك
في زمان لا يعلم بكونها حائضا فيه صح طلاقها، وإن تبين وقوعه في حال
الحيض. وإن خرج في حال طهرها الذي لم يواقعها فيه طلقها في أي زمان لا
يعلم بكونها حائضا، وصح طلاقها وإن صادف زمان الحيض. وأما
391

إن خرج
في الطهر الذي واقعها فيه فيكفي أن يتربص شهرا إن لم يعلم بعدم انتقالها من
ذلك الطهر بتربص الشهر، والأولى أن يتربص ثلاثة شهور. فإذا أوقع الطلاق
بعد التربص لم يضر مصادفة الحيض في الواقع، بل الظاهر أنه لا يضر مصادفته
للطهر الذي واقعها فيه، بأن طلقها بعد شهر مثلا ثم تبين أنها لم تخرج من الطهر
الأول إلى ذلك الزمان.
(مسألة 1378) الحاضر الذي يتعذر أو يتعسر عليه معرفة حال المرأة
من حيث الطهر والحيض، كالغائب كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه
بحالها بلا تعسر فهو كالحاضر.
(مسألة 1379) يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة
والصغيرة وفي الحامل والمسترابة وهي المرأة التي في سن من تحيض وهي لا ترى
الحيض لخلقة أو عارض، لكن يشترط في المسترابة مضي ثلاثة أشهر من زمان
المواقعة، فإذا أراد تطليقها اعتزلها ثلاثة أشهر ثم طلقها، فلو طلقها قبل مضي
ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق.
(مسألة 1380) لا يشترط في تربص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون
اعتزاله عنها لأجل ذلك وبقصد أن يطلقها بعد ذلك، فلو لم يتفق له مواقعتها
بسبب من الأسباب إلى أن مضت ثلاثة أشهر ثم بدا له أن يطلقها، صح طلاقها
في الحال ولم يحتج إلى تجديد الاعتزال.
(مسألة 1381) إذا واقعها في حال الحيض لم يصح طلاقها في الطهر
الذي بعد تلك الحيضة، بل لا بد من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر، لأن ما
هو شرط في الحقيقة هو كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا مجرد وقوع الطلاق
في طهر غير طهر المواقعة.
(مسألة 1382) يشترط في صحة الطلاق تعيين المطلقة، بأن يقول:
فلانة طالق، أو يشير إليها بما يرفع الابهام والاجمال، فلو كانت له زوجة
392

واحدة فقال: زوجتي طالق، صح، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر
وقال: زوجتي طالق، فإنه لا يصح إلا إذا نوى في نفسه واحدة معينة، ويقبل
تفسيره بمعينة من غير يمين.
صيغة الطلاق
(مسألة 1383) لا يقع الطلاق إلا بصيغة خاصة وهي قوله: أنت طالق
أو: فلانة أو هذه، أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة، فلا يقع
بقوله: أنت أو هي مطلقة، أو: طلقت فلانة، ولا بقوله: أنت من المطلقات،
أو: أنت الطلاق، أو: أنت طلاق، فضلا عن بعض الكنايات كقوله: أنت خلية
أو برية، أو حبلك على غاربك، أو إلحقي بأهلك، وغير ذلك فإنه لا يقع بذلك
الطلاق وإن نواه، حتى قوله: إعتدي، وإن نوى به الطلاق على الأقوى.
(مسألة 1384) يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة
واحدة، فلو كانت عنده زوجتان أو ثلاث فقال: زوجتاي طالقان أو زوجاتي
طوالق، صح طلاق الجميع.
(مسألة 1385) لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المتقدمة من غير اللغة
العربية مع القدرة على إيقاعه بتلك الصيغة، وأما مع العجز عنها فيجزي إيقاعه
بما يرادفها بأي لغة كان. وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على
النطق، وأما مع العجز عنه كما في الأخرس فيصح إيقاعه بهما، والأحوط تقديم
الكتابة لمن يعرفها على الإشارة.
(مسألة 1386) يجوز للزوج أن يوكل غيره في تطليق زوجته بالمباشرة
أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا. بل وكذا له أن يوكل
نفس الزوجة في تطليق نفسها بنفسها أو بتوكيل غيرها.
393

(مسألة 1387) يجوز أن يوكلها على أنه إذا طال سفره أكثر من ثلاثة
شهور مثلا أو تسامح في الانفاق عليها أكثر من شهر مثلا، فلها أن تطلق نفسها،
لكن يشترط أن يكون الشرط قيدا للموكل فيه لا تعليقا في الوكالة فتبطل كما مر
في كتاب الوكالة.
(مسألة 1388) يشترط في صحة الطلاق التنجيز، فلو علقه على شرط
بطل، سواء كان مما يحتمل وقوعه كما إذا قال: أنت طالق إن جاء زيد، أو مما
يتيقن حصوله كما إذا قال: إذا طلعت الشمس. نعم لا يبعد جواز تعليقه على ما
يكون معلقا عليه في الواقع كما إذا قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق، سواء
كان عالما بأنها زوجته أو جاهلا به.
(مسألة 1389) إذا كرر صيغة الطلاق ثلاثا فقال: هي طالق، هي
طالق، هي طالق، من دون تخلل رجعة في البين قاصدا تعدد الطلاق، وقعت
واحدة ولغت الأخريان، ولو قال: هي طالق ثلاثا. وقصد به إيقاع ثلاث
طلاقات، لم تقع الثلاث قطعا والأشهر عندنا أنها تقع واحدة، ولكن الأقوى
عدم وقوعها أيضا وبطلان الطلاق.
(مسألة 1390) إذا كان الزوج من أهل مذهب يعتقد وقوع الطلاق
ثلاثا بثلاث مرسلة أو مكررة وأوقع الطلاق ثلاثا بأحد النحوين، ألزم بذلك،
سواء كانت المرأة شيعية أم لا، ونرتب نحن عليها آثار المطلقة ثلاثا، فلو رجع
إليها نحكم ببطلان الرجوع لبطلانه عندهم، فيجوز للشيعي أن يتزوج بها بعد
عدتها حتى لو كانت شيعية. ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثا وغيره مما هو
صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلق، والحلف بالطلاق، والطلاق في طهر
المواقعة والحيض، وبغير شاهدين، فإن المذكورات وإن كانت فاسدة عندنا
ولا نرتب عليها آثار الطلاق، ولكن إذا وقعت من أحد المخالفين القائلين
بصحتها نرتب على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق
394

الصحيح، وهذا
الحكم جار في غير الطلاق أيضا، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث مثلا مع
أنهما باطلان عندنا، والتفصيل لا يسع هذا المختصر.
(مسألة 1391) يشترط في صحة الطلاق زائدا على ما مر الاشهاد،
بمعنى إيقاعه بحضور عدلين ذكرين يسمعان الانشاء، سواء قال لهما إشهدا أو لم
يقل، ويعتبر اجتماعهما حين سماع الانشاء، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ثم
كرر اللفظ وسمع الآخر في مجلس آخر بانفراده لم يقع الطلاق. نعم لو شهدا بإقراره
بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما لا في تحمل الشهادة ولا في أدائها. ولا اعتبار بشهادة
النساء وسماعهن لا منفردات ولا منضمات إلى الرجال.
(مسألة 1392) لو طلق الوكيل عن الزوج لا يكتفي بشهادته مع شهادة
عدل آخر كما أنه لا يكتفي بشهادة الموكل مع عدل آخر.
(مسألة 1393) لا فرق بين العدل في باب الطلاق والعدل المذكور في
سائر أبواب الفقه الذي تترتب عليه بعض الأحكام، وهو من كانت له حالة
رادعة عن ارتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر، وهي التي تسمى بالملكة،
والكاشف عنها حسن الظاهر، بمعنى كونه عند الناس حسن الأفعال بحيث لو
سألوا عن حاله قالوا هو رجل خير لم نر منه إلا خيرا. ومثل هذا الرجل ليس
نادر الوجود.
(مسألة 1394) إذا كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلق أصيلا كان
أو وكيلا، فاسقين في الواقع، فلا يجوز لمن يطلع على فسقهما أن يرتب على ذلك
الطلاق آثار الطلاق الصحيح، وكذا إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون
الموكل.
أقسام الطلاق
(مسألة 1395) الطلاق نوعان: بدعي، وسني. فالأول هو غير الجامع
395

للشرائط المتقدمة، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا، فالبحث
عنها لا يهمنا. والثاني ما جمع الشرائط في مذهبنا، وهو قسمان: بائن ورجعي،
فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدة أم لا، وهو
ستة:
الأول: الطلاق قبل الدخول، الثاني: طلاق الصغيرة أي التي لم تكمل التسع
وإن دخل بها، الثالث طلاق اليائسة، وهذه الثلاث ليس لها عدة كما يأتي، الرابع
والخامس: طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت، وإلا كانت له
الرجعة، السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوع أو عقد بين الأول والثاني
ورجوع أو عقد بين الثاني والثالث، أو عقد ورجوع كما يأتي، وأما إذا أوقع
الثلاث متوالية بلا رجعة فيصح الطلاق ويقع واحدة فقط.
(مسألة 1396) إذا طلقها ثلاثا مع تخلل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد
جديد، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، فإذا نكحها غيره ثم فارقها
بموت أو طلاق وانقضت عدتها، جاز للأول نكاحها.
(مسألة 1397) كل امرأة حرة وإن كانت تحت عبد إذا استكملت
الطلاق ثلاثا مع تخلل رجعتين، حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره،
سواء واقعها بعد كل رجعة وطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة - وهذا يقال
له: طلاق العدة - أو لم يواقعها، وسواء وقع كل طلاق في طهر أو وقع الجميع في
طهر واحد، فلو طلقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها في
مجلس واحد حرمت عليه، فضلا عما إذا طلقها ثم راجعها ثم تركها حتى حاضت
وطهرت ثم طلقها وراجعها، ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلقها.
(مسألة 1398) العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلقها ثلاثا
بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، سواء لم
396

تكن لها
عدة، كما إذا طلقها قبل الدخول ثم عقد عليها ثم طلقها ثم عقد عليها ثم
طلقها، أو كانت ذات عدة وعقد عليها بعد انقضاء العدة.
(مسألة 1399) المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا آخر وفارقها بموت أو
طلاق، حلت للزوج الأول وجاز له العقد عليها بعد انقضاء العدة من الزوج
الثاني، فإذا طلقها ثلاثا حرمت عليه أيضا حتى تنكح زوجا آخر، وإن كان
ذاك الزوج هو الزوج الثاني في الثلاثة الأولى، فإذا فارقها حلت للأول، فإذا
عقد عليها وطلقها ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. وهكذا تحرم عليه
بعد كل طلاق ثالث وتحل له بنكاح الغير بعده وطلاقه، وإن طلقت مائة مرة.
نعم لو طلقت تسعا طلاق العدة بالنحو الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبدا، وذلك
بأن طلقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم
طلقها في طهر آخر، وهذا هو طلاق العدة، فإذا حلت للمطلق بنكاح زوج آخر
وعقد عليها ثم طلقها ثلاثا كالثلاثة الأولى، ثم حلت له بمحلل آخر، ثم عقد
عليها ثم طلقها ثلاثا كالأوليين، حرمت عليه أبدا.
وبالجملة إنما تحقق الطلقات التسع وتوجب الحرمة المؤبدة بأن يقع طلاق
العدة ثلاث مرات، ويعتبر فيه في كل مرة أمران: أحدهما: تخلل رجعتين، فلا
يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا وقوع رجعة وعقد مستأنف في البين. الثاني:
وقوع المواقعة بعد كل رجعة، فطلاق العدة مركب من ثلاث طلقات اثنتان
منها رجعية وواحدة منها بائنة، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات
حرمت عليه أبدا. هذا والأحوط الاجتناب عن المطلقة تسعا مطلقا وإن لم يكن
الجميع طلاق العدة.
(مسألة 1400) إنما توجب الطلقات الثلاث التحريم إذا لم تنكح بعدها
زوجا آخر، وأما إن تزوجت بالغير فينهدم حكم ما سبق وتكون كأنها غير
مطلقة، ويتوقف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة.
397

(مسألة 1401) يعتبر في زوال التحريم بالمحلل أمور ثلاثة: الأول: أن
يكون الزوج المحلل بالغا، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقا. الثاني:
أن يطأها قبلا وطيا موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها،
والأحوط (وجوبا) اعتبار الانزال. الثالث: أن يكون العقد دائما لا متعة.
(مسألة 1402) لو طلقها ثلاثا وانقضت مدة فادعت أنها تزوجت
وفارقها الزوج الثاني ومضت العدة واحتمل صدقها، صدقت ويقبل قولها بلا
يمين، فللزوج الأول أن ينكحها بعقد جديد وليس عليه الفحص والتفتيش، ما لم
تكن متهمة.
(مسألة 1403) إذا خلى المحلل بها فادعت الدخول ولم يكذبها،
صدقت وحلت للزوج الأول وإن كذبها لا يبعد قبول قولها أيضا ما لم تكن
متهمة. ولو ادعت المواقعة ثم رجعت عن قولها، فإن كان قبل أن يعقد الأول
عليها لم تحل له، وإن كان بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها.
(مسألة 1404) لا فرق في الوطأ المعتبر في المحلل بين المحرم والمحلل،
فلو وطأها في الاحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض، ونحو ذلك، كفى في
حصول التحليل للزوج الأول.
(مسألة 1405) إذا شك الزوج في إيقاع أصل الطلاق على زوجته لم
يلزمه الطلاق، بل يحكم ظاهرا ببقاء علقة النكاح، ولو علم بأصل الطلاق وشك
في عدده بنى على الأقل، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم
مع الشك بالحرمة غير المؤبدة في الأول وبالحرمة المؤبدة في الثاني. نعم لو شك
بين الثلاث والتسع يشكل البناء على الأول بحيث تحل له بالمحلل.
398

أحكام العدد
أحكام عدة الفراق بالطلاق وغيره
(مسألة 1406) إنما يجب الاعتداد بأمور ثلاثة: الفراق بين الزوج
والزوجة بطلاق أو فسخ أو انفساخ في العقد الدائم، وانقضاء مدة أو بذلها في
المتعة، وموت الزوج، ووطأ الشبهة.
(مسألة 1407) لا عدة على من لم يدخل بها في غير المتوفى عنها
زوجها ويأتي حكمها، نعم إذا سبق ماؤه في فرجها من غير وطي بالمساحقة أو
بالانزال أو بوسيلة الإبرة، فالظاهر وجوب العدة سواء حملت أم لا، فالموجب
لها أحد الأمرين: الدخول ولو بغير إنزال ودخول مائه ولو بغير وطأ. ولا عدة
على الصغيرة، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها، ولا على اليائسة، ولا
فرق في ذلك بين أن تبين بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها.
(مسألة 1408) يتحقق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلا أو دبرا،
وإن لم ينزل، بل وإن كان مقطوع الأنثيين.
(مسألة 1409) يتحقق اليأس ببلوغ ستين سنة قمرية في القرشية
وخمسين في غيرها، والأحوط مراعاة الستين مطلقا بالنسبة إلى التزويج بالغير
وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها.
(مسألة 1410) إذا طلقت ذات الأقراء قبل بلوغ سن اليأس ورأت
الدم مرة أو مرتين ثم يئست، أكملت العدة بشهرين في الأول وشهر في الثاني،
وكذا ذات الشهور إذا اعتدت شهرا أو شهرين ثم يئست، أتمت ثلاثة.
399

(مسألة 1411) المطلقة ومن ألحقت بها إن كانت حاملا فعدتها مدة
حملها، وتنقضي بوضع حملها ولو بعد الطلاق بلا فصل، سواء كان تاما أو غير
تام، ولو كان مضغة أو علقة إن تحقق أنه حمل.
(مسألة 1412) إنما تنقضي العدة بالوضع إذا كان الحمل ملحقا بمن له
العدة، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدتها منه، فلو كانت حاملا
من زنا قبل الطلاق أو بعده لم تخرج من العدة بالوضع، بل يكون انقضاؤها
بالأقراء أو الشهور كغير الحامل، فوضع هذا الحمل لا أثر له أصلا لا بالنسبة
إلى الزاني لأنه لا عدة له ولا بالنسبة إلى المطلق لأن الولد ليس له. نعم إذا
حملت من وطأ الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطي لا
بالزوج، فوضعه يكون سببا لانقضاء العدة، لكن بالنسبة إلى الواطي لا
بالنسبة إلى الزوج المطلق.
(مسألة 1413) لو كانت حاملا باثنين مثلا، بانت بوضع الثاني على
الأقوى، فلا يجوز لها الزواج قبل وضع الثاني، ويجوز للزوج الرجوع إليها بعد
وضع الأول والاحتياط بتركه حسن.
(مسألة 1414) إذا وطئت شبهة فحملت وألحق الولد بالواطي لبعد
الزوج عنها أو لغير ذلك، ثم طلقها الزوج أو طلقها ثم وطئت شبهة على نحو
ألحق الولد بالواطي، كان عليها عدتان: عدة لوطء الشبهة تنقضي بالوضع،
وعدة للطلاق بعده يكون مبدؤها بعد انقضاء نفاسها في النفاس المتصل بالولادة،
أما في المنفصل فتحسب النقاء بعد الولادة طهرا للعدة الثانية.
(مسألة 1415) إذا ادعت المطلقة الحامل أنها وضعت فانقضت عدتها،
وأنكر الزوج، أو انعكس فادعى الوضع وأنكرت هي، أو ادعت الحمل وأنكر،
أو ادعت الحمل والوضع معا وأنكرهما، يقدم قولها في الجميع بيمينها.
400

(مسألة 1416) إذا اتفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل
واختلفا في المتقدم والمتأخر فقال الزوج مثلا: وضعت بعد الطلاق فانقضت
عدتك، وقالت الزوجة وضعت قبل الطلاق والطلاق وقع وأنا حائل غير حامل
فأنا في العدة، أو انعكس فقال الزوج وضعت قبل الطلاق فأنت في العدة وأراد
الرجوع إليها وادعت الزوجة خلافه، فالظاهر أنه يقدم قول من يدعي بقاء
العدة، سواء كان هو الزوج أو الزوجة، من غير فرق بين اختلافهما في زمان
كليهما كما إذا ادعى أحدهما أن الطلاق كان في شعبان والوضع في رمضان وادعى
الآخر العكس، وبين اتفاقهما على زمان أحدهما كما إذا اتفقا على أن الطلاق وقع
في رمضان واختلفا في زمان الوضع فقال أحدهما إنه كان في شوال وادعى الآخر
أنه كان في شعبان، أو اتفقا على أن الوضع كان في رمضان واختلفا في أن الطلاق
كان في شوال أو شعبان.
(مسألة 1417) إذا طلقت الحائل أو انفسخ نكاحها، فإن كانت مستقيمة
الحيض، بأن كانت تحيض في كل شهر مرة كما هو المتعارف في الأغلب، كانت
عدتها ثلاثة قروء، وكذا إذا كانت تحيض في كل شهر أكثر من مرة أو ترى الدم
في كل شهرين مرة، وبالجملة كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقل من ثلاثة
أشهر. وإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض إما لكونها صغيرة السن لم
تبلغ السن الذي ترى فيه الحيض غالب النساء، وإما لانقطاع حيضها لمرض أو
حمل من زنا مثلا أو رضاع أو غيرها، فتكون عدتها ثلاثة أشهر. وتلحق بها من
تحيض ولكن طهرها الفاصل بين حيضتين ثلاثة أشهر أو أكثر.
(مسألة 1418) المراد بالقرء والقرأين والقروء في غير المتمتع بها: الطهر
والطهران والأطهار، ويكفي في الطهر الأول مسماه ولو قليلا، فلو طلقها وقد بقيت
من طهرها لحظة تحسب تلك اللحظة طهرا، فإذا رأت طهرين آخرين تامين
بتخلل حيضة بينهما في الحرة وطهرا آخر تاما بين حيضتين في
401

الأمة، انقضت
العدة، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث في الحرة أو الثاني في الأمة. نعم لو اتصل
آخر صيغة الطلاق بأول زمان الحيض صح الطلاق، لكن لا بد في انقضاء العدة من
أطهار تامة، فتنقضي برؤية الدم الرابع في الحرة ورؤية الدم الثالث في الأمة.
(مسألة 1419) بناء على كفاية مسمى الطهر في الطهر الأول ولو لحظة
وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أكثر من مرة فأقل زمان يمكن أن تنقضي
عدة الحرة ستة وعشرون يوما ولحظتان، بأن يكون طهرها الأول لحظة ثم
تحيض ثلاثة أيام، ثم ترى أقل الطهر عشرة أيام، ثم تحيض ثلاثة أيام، ثم ترى
أقل الطهر عشرة أيام، ثم تحيض، فبمجرد رؤية الدم الأخير لحظة من أوله
تنقضي العدة، وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدة، وإنما يتوقف عليها تمامية
الطهر الثالث. هذا في الحرة وأما في الأمة فأقل ما يمكن انقضاء عدتها لحظتان
وثلاثة عشر يوما.
(مسألة 1420) عدة المتعة في الحامل وضع حملها، وفي الحائل إذا كانت
تحيض قرءان، والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى، وإن كانت لا تحيض
وهي في سن من تحيض فخمسة وأربعون يوما. ولا فرق بين كون المتمتع بها حرة
أو أمة، والمراد من الحيضتين الكاملتان، فلو وهبت مدتها أو انقضت في أثناء
الحيض، لم تحسب بقية تلك الحيضة من الحيضتين.
(مسألة 1421) المدار في الشهور على الشهر الهلالي، فإن وقع الطلاق في
أول رؤية الهلال فلا إشكال، وأما إن وقع في أثناء الشهر فالأقوى جعل
الشهرين الوسطين هلاليين وإكمال الأول من الرابع بمقدار ما فات منه.
(مسألة 1422) إذا اختلفا في انقضاء العدة وعدمه قدم قولها بيمينها،
سواء ادعت الانقضاء أو عدمه، وسواء كانت عدتها بالأقراء أو الشهور.
402

أحكام عدة الوفاة
(مسألة 1423) عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا
كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها، مدخولا بها أو
غيرها، دائمة كانت أو منقطعة، من ذوات الأقراء أو غيرها. وأما إن كانت
حاملا فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والمدة المذكورة، فلو وضعت قبل
تلك المدة لم تنقض العدة، وكذا لو تمت المدة ولما تضع بعد.
(مسألة 1424) إذا مات زوجها عند رؤية الهلال اعتدت بأربعة أشهر
هلاليات وضمت إليها من الشهر الخامس عشرة أيام. وإن مات في أثناء الشهر
فالأظهر أنها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط وتكمل الأول بمقدار ما مضى
منه من الشهر الخامس، حتى تصير ثلاثة أشهر هلالية وشهرا ملفقا، وتضيف
إليها عشرة أيام.
(مسألة 1425) إذا طلقها ثم مات قبل انقضاء العدة، فإن كان الطلاق
رجعيا بطلت عدة الطلاق واعتدت به من حين موته عدة الوفاة فإن كانت
حائلا اعتدت أربعة أشهر وعشرا، وإن كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين منها
ومن وضع الحمل كغير المطلقة، وإن كانت مسترابة فالأحوط أن تعتد بأبعد
الأجلين من عدة المتوفى عنها زوجها والمطلقة المسترابة، وإن كانت بائنا اقتصرت
على إتمام عدة الطلاق، ولا عدة عليها بسبب الوفاة.
(مسألة 1426) يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في
العدة، والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحل والتطيب والخضاب وتحمير
الوجه والتخطيط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها.
وبالجملة ترك كل ما يعد زينة يتزين به للزوج وفي الأوقات المناسبة له في
العادة كالأعياد والأعراس ونحوها، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص
403

والأزمان
والبلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزين. نعم لا بأس
بتنظيف البدن واللباس وتسريح الشعر وتقليم الأظفار ودخول الحمام
والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزينة، وكذا لا بأس بتزيين
أولادها وخدمها.
(مسألة 1427) الأقوى أن الحداد ليس شرطا في صحة العدة، بل هو
تكليف مستقل في زمن العدة، فلو تركته عصيانا أو جهلا أو نسيانا في تمام المدة
أو بعضها لم يجب عليها استئناف العدة، ولا تدارك مقدار ما اعتدت بدون
حداد.
(مسألة 1428) لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمية، كما لا
فرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة. نعم لا يبعد عدم وجوبه على من
قصرت مدة تمتعها كساعة أو ساعتين بل يوم أو يومين، وهل يجب على ولي
الصغيرة والمجنونة تجنيبهما التزيين مدة العدة، فيه تأمل وإن كان أحوط.
(مسألة 1429) يجوز للمعتدة بعدة الوفاة الخروج من بيتها في زمان
عدتها والتردد في حوائجها، خصوصا إذا كانت ضرورية عرفا أو كان
خروجها لأمور راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ولا
سيما والديها. نعم ينبغي أن لا تبيت إلا في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة
زوجها أو انتقلت إليه بعد موته للاعتداد فيه، بل هو الأحوط.
(مسألة 1430) لا إشكال في أن مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه
حاضرا كان الزوج أو غائبا بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلقها غائبا ولم يبلغها
إلا بعد مدة ولو كانت سنة أو أكثر فقد انقضت عدتها وليس عليها عدة بعد
بلوغ الخبر إليها. ومثل عدة الطلاق عدة الفسخ والانفساخ على الظاهر، وكذا
عدة وطأ الشبهة، وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة، بل لا
يترك هذا الاحتياط إذا كان الوطأ بعد العقد شبهة. وأما عدة
404

الوفاة فإذا مات
الزوج غائبا فعدتها من حين بلوغ الخبر إليها، أما إذا كان حاضرا وخفي عليها
موته لمرض أو حبس أو غير ذلك، ففيه إشكال والأحوط أن تعتد من حين
إخبارها بموته.
(مسألة 1431) لا يعتبر في الاخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه
حجة شرعية، فلا يعتبر أن يكون من عدلين بل ولا عدل واحد، بشرط كونه
خبرا يعتمد عليه العقلاء من حيث كونه مفيدا للظن أو الاطمئنان على
الأحوط. نعم لا يجوز لها التزوج ما لم تقم حجة شرعية على موته، ولا تكتفي
بمجرد بلوغ الخبر. وفائدته إذا لم يكن حجة أنه بعد ما ثبت موته شرعا يكتفي
بالاعتداد من حين البلوغ ولا يحتاج إلى الاعتداد من حين الثبوت.
(مسألة 1432) إذا علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب
العدة من ذلك الوقت، اعتدت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخره عنه،
والأحوط أن تعتد من حين بلوغ الخبر إليها.
(مسألة 1433) إذا فقد الرجل وغاب ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه
أثر، فإن علمت زوجته حياته وجب عليها الصبر إلى أن تعلم طلاقه أو موته،
وإن طالت المدة. وإن لم تعلم موته ولا حياته، فإن بقي له مال تنفق منه أو
كان له من يتولى أموره ويتصدى لنفقتها أو كان متبرع بنفقتها وجب عليها
الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوج أبدا حتى تعلم بوفاة زوجها أو
طلاقه إياها. وإن لم يكن له مال ولا يوجد من ينفق عليها، فإن صبرت فلها
ذلك، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيؤجلها
أربع سنين من حين رفع الأمر إليه ثم يتفحص عنه في تلك المدة، فإن لم يتبين
موته ولا حياته فإن كان للغائب من يتولى أموره بتفويضه أو توكيله، يأمره
الحاكم بطلاق المرأة، وإن لم يقدم على الطلاق أجبره الحاكم
405

عليه، فإن لم يكن
له من يتولى أموره أو كان ولم يمكن إجباره عليه طلقها الحاكم، ثم تعتد أربعة
أشهر وعشرا عدة الوفاة، فإذا تمت هذه الأمور جاز لها التزوج بلا إشكال، وإن
كان اعتبار بعضها محل تأمل ونظر إلا أن مراعاة جميعها أحوط.
(مسألة 1434) ليس للفحص والطلب كيفية خاصة، بل المدار على ما
يعد طلبا وفحصا وتفتيشا، ويتحقق ذلك ببعث من يعرف المفقود باسمه
وشخصه أو حليته، إلى مظان وجوده، وبالكتابة والتلفون ونحوها مما هو
متداول في هذه الأعصار إلى من يعرفه ليفتش عنه في بلده، أو سؤال المسافرين
عنه، ونحو ذلك.
(مسألة 1435) لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم
من المسافرين العدالة، بل تكفي الوثاقة.
(مسألة 1436) لا يعتبر أن يكون الفحص عن الزوج الغائب من
الحاكم، بل يكفي من كل أحد حتى من الزوجة إذا كان الفحص بأمر الحاكم بعد
رفع الأمر إليه، فإذا رفعت أمرها إليه فقال تفحصوا عنه إلى أن تمضي أربع
سنين ثم تصدت الزوجة أو تصدى بعض أقاربها للفحص والطلب حتى مضت
المدة، كفى.
(مسألة 1437) مدة الفحص اللازم أربعة أعوام، ولا يعتبر فيها
الاتصال التام، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه
التصدي للطلب عنه بحيث يصدق عرفا أنه قد تفحص عنه في تلك المدة.
(مسألة 1438) المقدار اللازم من الفحص هو الأمكنة المتعارفة المعتادة
لمثل ذلك الغائب، فلا يعتبر استقصاء البلاد، ولا يعتني بمجرد إمكان وصوله
إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة، بل يتفحص عنه في مظان وجوده وما
يحتمل وصوله إليه احتمالا قريبا.
406

(مسألة 1439) إذا علم أن الزوج كان في بلد معين في زمان ثم انقطع
أثره، يتفحص عنه أولا في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقد عنه في جوامعه
ومجامعه وأسواقه ومنتزهاته ومستشفياته وخاناته المعدة لنزول الغرباء
ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش أو السؤال، بل يكتفي بالبعض
المعتد به من مشتهراتها، وينبغي ملاحظة زي المفقود وصنعته وحرفته، فيتفقد
عنه في المحال المناسبة له ويسأل عنه أبناء صنفه وحرفته. مثلا إذا كان من
طلبة العلم فالمحل المناسب له المدارس ومجامع العلم، وينبغي أن يسأل عنه
العلماء والطلبة، وهكذا فإذا تم الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولم يعلم
موته ولا حياته، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط
الفحص والسؤال واكتفى بانقضاء مدة التربص أربع سنين، وإن احتمل انتقاله
فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منها إليها تفحص عنه في تلك الجهات ولا
يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كل قرية قرية ولا في كل بلدة بلدة، بل يكفي بعض
المحال المهمة المشتهرة في كل جهة مراعيا الأقرب ثم الأبعد إلى البلد الأول.
وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محل الفحص ذلك البعض والاكتفاء
به، خصوصا إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره. وإذا علم أنه قد كان في بلد
كالهند أو إيران أو العراق أو سافر إليها ثم انقطع أثره، كفى أن يتفحص عنه
مدة التربص في مدنها المشهورة التي تشد إليها الرحال، وإن سافر إلى بلد معين
كالعراقي يسافر إلى خراسان، يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة في
طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن
الطريق فضلا عن البلاد الأخرى. وإذا خرج من منزله مريدا للسفر أو هرب و
لم يدر إلى أين توجه وانقطع أثره، تفحص عنه مدة التربص في الأطراف
والجوانب مما يحتمل قريبا وصوله إليه، ولا ينظر إلى ما بعد احتمال توجهه
إليه.
(مسألة 1440) إذا لم يمكن للزوجة الوصول إلى الحاكم لرفع أمرها
إليه، فإن كان للحاكم وكيل ومأذون في التصدي للأمور الحسبية الشاملة
لمثل ذلك، قام مقامه في هذا الأمر، ومع عدمه ففي قيام عدول المؤمنين مقامه
إشكال.
407

(مسألة 1441) إذا علم أن الفحص لا ينفع ولا يترتب عليه أثر،
فالظاهر سقوط وجوبه، وكذا لو حصل اليأس من الاطلاع على حاله في أثناء
المدة فيكفي مضي المدة في جواز طلاقها وزواجها.
(مسألة 1442) يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى
الحاكم قبل أن تطلق ولو بعد تحقق الفحص وانقضاء الأجل، فليست ملزمة
باختيار الطلاق، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذ
لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص، بل يكتفي بالأول.
(مسألة 1443) الظاهر أن عدة المفقود زوجها بعد الطلاق عدة طلاق،
وإن كانت بقدر عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، ويكون الطلاق رجعيا،
وليس عليها حداد، لكن الأحوط في النفقة والتوارث المصالحة. وإذا ماتت
يرثها لو كان في الواقع حيا، وإذا تبين موته فيها ترثه.
(مسألة 1444) إذا تبين موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق،
وجب عليها عدة الوفاة، وإذا تبين بعد انقضاء العدة اكتفت بها، سواء كان
التبين قبل زواجها أو بعده، وسواء كان موته المتبين وقع قبل العدة أو بعدها أو
في أثنائها أو بعد الزواج، وأما لو تبين موته أثناء العدة فالأحوط إن لم يكن
أقوى أن تستأنف عدة الوفاة من حين التبين.
(مسألة 1445) إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل، فإن كان
قبل الطلاق فهي زوجته، وإن كان بعد الطلاق وقد تزوجت بالغير فلا سبيل له
عليها، وإن كان في أثناء العدة فله الرجوع إليها، كما أن له إبقاءها على حالها
حتى تنقضي عدتها وتبين منه. وأما إن كان بعد انقضاء العدة وقبل زواجها
فالأقوى عدم جواز رجوعه إليها.
(مسألة 1446) إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم
الأمارات العلم بموته، جاز لها بينها وبين الله أن تتزوج بعد العدة من دون
حاجة إلى مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في
408

دعواها العلم. نعم في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد أن يتزوجها وكذا
لمن يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها، إشكال، والأحوط أن تتزوج بمن لم
يطلع على حالها ولا يعرف إلا أنها تقول توفي زوجها وأنها خلية، فيستند في
زواجه منها إلى دعواها ولا تكون متهمة عنده. وكذا من توكله في عقد
زواجها.
عدة وطأ الشبهة
(مسألة 1447) المراد بوطأ الشبهة وطأ الأجنبية باعتقاد أنها حليلته،
إما لشبهة في الموضوع كما إذا وطأ امرأة باعتقاد أنها زوجته فتبين أنها أجنبية،
وإما لشبهة في الحكم كما إذا عقد على أخت الموطوءة معتقدا صحة العقد ودخل
بها.
(مسألة 1448) لا عدة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على
الأقوى، وأما الموطوءة شبهة فعليها العدة سواء كانت ذات بعل أو خلية،
وسواء كانت الشبهة من الطرفين أو من طرف الواطي خاصة، وكذا إن كانت
من طرف الموطوءة خاصة على الأحوط.
(مسألة 1449) عدة وطأ الشبهة كعدة الطلاق بالأقراء أو الشهور
وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطأ على التفصيل المتقدم، ومن لم يكن عليها
عدة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدة أيضا.
(مسألة 1450) إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل، لا يجوز لزوجها
وطؤها في مدة عدتها والأقوى أنه يجوز له سائر الاستمتاعات بها، والظاهر أنه
لا تسقط نفقتها في أيام العدة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات عليه.
(مسألة 1451) إذا كانت خلية يجوز لواطئها أن يتزوج بها في زمن
عدتها، بخلاف غيره فإنه لا يجوز له ذلك على الأقوى.
409

(مسألة 1452) لا فرق في حكم وطأ الشبهة من حيث العدة وغيرها
بين أن يكون مجردا عن العقد أو يكون بعده، بأن وطأ المعقود عليها بشبهة
صحة عقده عليها مع فساده واقعا.
أحكام العدة
(مسألة 1453) إذا كانت معتدة بعدة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو
وطئت ثم طلقها أو مات عنها زوجها فعليها عدتان عند المشهور، وهو
الأحوط إن لم يكن أقوى، فإن كانت حاملا من أحدهما تقدم عدة الحمل وبعد
وضعه تستأنف العدة الأخرى أو تستكمل الأولى. وإن كانت حائلا تقدم
الأسبق منهما، وبعد تمامها تعتد العدة الأخرى من الآخر.
(مسألة 1454) إذا طلق زوجته بائنا ثم وطأها شبهة، اعتدت عدة
أخرى على التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.
(مسألة 1455) الموجب للعدة أمور: الوفاة، والطلاق بأقسامه،
والفسخ بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الاسلام أو الرضاع، والوطء
بالشبهة مجردا عن العقد أو معه، وانقضاء المدة أو هبتها. أما الوفاة فهي سبب
تام للعدة، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لا، وكذا الوطأ بشبهة، أما
غيرهما فيكون مع دخول الزوج سببا للعدة لا بدونه.
(مسألة 1456) إذا طلقها رجعيا بعد الدخول ثم رجع، ثم طلقها قبل
الدخول لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدة، من
غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعيا أو بائنا. وكذا إذا طلقها بائنا ثم جدد
نكاحها في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول، فإن الأقوى عدم جريان حكم
الطلاق قبل الدخول عليه أيضا. وبحكمه ما إذا عقد عليها بالعقد المنقطع ثم
وهبها المدة بعد الدخول ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول. وبه
410

يظهر فساد ما
ذكر من احتيال بعضهم في نكاح عدة رجال لامرأة واحدة غير يائسة في يوم
واحد، بأن يعقد عليها أحدهم متعة ويدخل ثم يهبها المدة ثم يعقد عليها دواما
ثم يطلقها بدون دخول، وهكذا يفعل الثاني، حيث يزعمون أن الطلاق الأول
لا يحتاج إلى عدة لوقوع العقد بعده، والثاني لا يحتاج إلى عدة لعدم الدخول.
(مسألة 1457) المطلقة بالطلاق الرجعي زوجة أو بحكم الزوجة ما
دامت في العدة، فيترتب عليها آثار الزوجية من استحقاق النفقة والسكنى
والكسوة إذا لم تكن ناشزة أو كانت ناشزة ورجعت عن نشوزها، ومن
التوارث بينهما لو مات أحدهما في العدة، وعدم جواز نكاح أختها والخامسة،
وكون كفنها وفطرتها عليه مع عيلولته إياها. أما البائنة كالمطلقة ثلاثا والمختلعة
والمباراة قبل رجوعهما بما بذلتاه، فلا يترتب عليها آثار الزوجية أصلا لا في
زمن العدة ولا بعده، لانقطاع العصمة بينهما بالمرة. نعم إذا كانت حاملا من
زوجها استحقت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتى تضع حملها كما مر في
النفقات.
(مسألة 1458) عرفت أنه لا توارث بين الزوجين في الطلاق البائن
مطلقا وفي الرجعي بعد انقضاء العدة، لكن إذا طلقها مريضا ترثه الزوجة ما
بين الطلاق وبين سنة، بمعنى أنه إن مات الزوج في المرض الذي طلقها فيه، فإن
كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوما أو أقل لا ترثه، وإن كان بمقدار
سنة وما دونها ترثه، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، وذلك بشروط ثلاثة:
الأول: أن لا تتزوج المرأة، فلو طلقها في حال المرض وتزوجت بعد انقضاء
العدة ثم مات الزوج قبل انقضاء سنة، لم ترثه. الثاني: أن لا يبرأ الزوج من
المرض الذي طلقها فيه، فلو بري من ذلك المرض. ثم مرض ثم مات في
أثناء السنة لم ترثه، إلا إذا كان موته في العدة الرجعية. الثالث: أن لا يكون
الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمبارأة، لأن الطلاق إنما كان بالتماس
منهما.
411

(مسألة 1459) لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج المطلقة من بيته حتى
تنقضي عدتها، إلا أن تأتي بفاحشة، أعلاها ما أوجب الحد وأدناها أن تؤذي
أهل البيت بالشتم وبذاءة اللسان بحيث ينجر ذلك إلى النشوز. وكذلك لا يجوز
لها الخروج إلا لضرورة أو لأداء واجب مضيق. وكذا مع إذن الزوج على
الأحوط (وجوبا).
أحكام الرجعة
(مسألة 1460) الرجعة هي رد المطلقة في زمان عدتها إلى نكاحها
السابق، فلا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء العدة.
(مسألة 1461) الرجعة تكون إما بالقول وهو كل لفظ دل على إنشاء
الرجوع كقوله: راجعتك أو رجعتك أو ارتجعتك إلى نكاحي، أو دل على
الامساك بزوجيتها كقوله رددتك إلى نكاحي أو أمسكتك في نكاحي، ويجوز في
الجميع اسقاط قوله إلى نكاحي وفي نكاحي. ولا يعتبر فيه العربية، بل يقع بكل
لغة إذا كان بلفظ يفيد المعنى المقصود في تلك اللغة. وإما بالفعل، بأن يفعل بها
ما يحل فعله للزوج بحليلته كالوطأ والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها.
(مسألة 1462) لا يتوقف حلية الوطأ وما دونه من التقبيل واللمس
على سبق الرجوع لفظا ولا على قصد الرجوع به، لأن المطلقة الرجعية
كالزوجة فيستباح منها للزوج ما يستباح من الزوجة، والأقوى أنه لا يعتبر
في كونه رجوعا أن يقصد به الرجوع، بل يحتمل قويا كونه رجوعا وإن قصد
العدم. نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا قصد فيه
للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو قبلها باعتقاد أنها
غيرها.
(مسألة 1463) لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدة، كان ذلك رجوعا
وإن علم كذبه.
412

(مسألة 1464) لا يعتبر الاشهاد في الرجعة وإن استحب دفعا لوقوع
التخاصم والنزاع، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها، فإن راجعها عند
نفسه من دون اطلاع أحد صحت الرجعة وعادت إلى النكاح السابق واقعا،
لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه، غاية
الأمر أن له عليها يمين نفي العلم لو ادعى عليها العلم بذلك. ولو ادعى الرجوع
الفعلي كالوطأ وأنكرته، كان القول قولها بيمينها، على نفي الفعل المدعى بنحو
قطعي بات، لا على نفي علمها به.
(مسألة 1465) إذا اتفقا على الرجوع وانقضاء العدة واختلفا في المتقدم
منهما فادعى الزوج أن المتقدم هو الرجوع وادعت هي أن المتقدم انقضاء العدة،
فإن تعين زمان الانقضاء وادعى الزوج أن رجوعه كان قبله فوقع في محله،
وادعت هي وقوعه بعده فوقع في غير محله، فالأقرب أن القول قوله بيمينه
وذلك لأن قوله مطابق لأصالة الصحة في الرجوع المتفق على وقوعه. وإن كان
بالعكس، بأن تعين زمان الرجوع وأنه يوم الجمعة مثلا وادعى أن انقضاء العدة
كان في يوم السبت وادعت هي أنه كان في يوم الخميس، فالقول قولها بيمينها،
وذلك لأن الاختلاف بينهما في الانقضاء في يوم الجمعة وعدمه، وأمر العدة بيدها
وقولها فيه مسموع.
(مسألة 1466) إذا طلق وراجع، فأنكرت هي الدخول بها قبل
الطلاق لئلا تكون عليها عدة ولا تكون له الرجعة، وادعى هو الدخول، كان
القول قولها مع يمينها.
(مسألة 1467) الظاهر أن جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم
شرعي غير قابل للاسقاط وليس حقا قابلا للا سقاط كالخيار في البيع الخياري،
فلو قال الزوج أسقطت ما كان لي من حق الرجوع لم يسقط، وكان له الرجوع
بعد ذلك، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو غير عوض.
413

كتاب الخلع والمباراة
أحكام الخلع
(مسألة 1468) الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها،
فهو قسم من الطلاق. ويعتبر فيه جميع شروط الطلاق المتقدمة، ويزيد عليها
بأنه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصة، فإن كانت الكراهة من الطرفين
كان مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعا ولا مباراة.
(مسألة 1469) الظاهر وقوع الخلع بكل من لفظي الخلع والطلاق
مجردا كل منها عن الآخر أو منضما، فبعد أن تنشئ الزوجة بذل الفدية
ليخلعها مثلا يقول: خلعتك على كذا، أو أنت مختلعة على كذا، ويكتفي به أو
يتبعه بقوله: فأنت طالق على كذا، أو يقول: أنت طالق على كذا، ويكتفي به
أو يتبعه بقوله: فأنت مختلعة على كذا. نعم صحته في صورة الجمع بين الصيغتين
مورد وفاق.
(مسألة 1470) الخلع وإن كان قسما من الطلاق والطلاق من
الايقاعات إلا أنه يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشائين: بذل شئ من
الزوجة ليطلقها الزوج، وإنشاء الطلاق من الزوج بما بذلت، ويقع ذلك
414

على
نحوين: الأول أن تبتدي الزوجة بالبذل، فيطلقها على ما بذلت. والثاني أن
يبتدي الزوج بالطلاق مصرحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده، والأحوط
أن يكون الترتيب على النحو الأول، بل لا يترك هذا الاحتياط (استحبابيا
مؤكدا).
(مسألة 1471) يعتبر في صحة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل
والطلاق بما يخل بالفورية العرفية، فلو أخل بها بطل الخلع ولم يستحق الزوج
العوض، ولكن لم يبطل الطلاق إذا كان إيقاعه بلفظ الطلاق مجردا أو منضما إلى
الخلع وكذا في كل مورد قلنا فيه بصحة الطلاق وبطلان الخلع، وحينئذ، يقع
رجعيا مع اجتماع شرائطه، وإلا يقع بائنا.
(مسألة 1472) يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو
بتوكيلهما الغير أو بوكالة من أحدهما وأصالة من الآخر، ويجوز أن يوكلا
شخصا واحدا ليبذل عنها ويطلق عنه، بل الظاهر أنه يجوز لكل منهما أن يوكل
الآخر فيما هو من طرفه، فيكون أصيلا فيما يرجع إليه ووكيلا فيما يرجع إلى
الآخر.
(مسألة 1473) يصح التوكيل في الخلع في جميع ما يتعلق به من شرط
العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع ما يتعلق بها من
طلب الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.
(مسألة 1474) إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإما أن تبدأ الزوجة
وتقول: بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشئ الفلاني لتطلقني،
فيقول فورا: أنت طالق أو مختلعة (بكسر اللام) على ما بذلت أو على ما
أعطيت. وإما أن يبتدي الزوج بعد اتفاقهما على الطلاق بعوض فيقول: أنت
طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا، فتقول فورا: قبلت أو رضيت. وإن وقع من
وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطبا وكيل الزوج: بذلت عن موكلتي فلانة
416

لموكلك
ما عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها وليطلقها، فيقول وكيل الزوج فورا:
زوجة موكلي طالق على ما بذلت، أو يقول خلعت عن موكلي موكلتك على ما
بذلت. وإن وقع من وكيل أحدهما مع الآخر كوكيل الزوجة مع الزوج يقول
وكيلها مخاطبا الزوج: بذلت لك عن موكلتي فلانة، أو عن زوجتك، ما عليك
من المهر أو الشئ الفلاني على أن تطلقها، فيقول الزوج فورا: هي، أو زوجتي،
طالق على ما بذلت. أو يبتدي الزوج مخاطبا وكيلها: موكلتك، أو زوجتي فلانة
، طالق على كذا، فيقول: قبلت ذلك عن موكلتي. وإن وقع من الوكيل عن
الطرفين يقول: بذلت عن موكلتي فلانة لموكلي فلان الشئ الفلاني ليطلقها، ثم
يقول فورا: زوجة موكلي طالق على ما بذلت. أو يبتدي من طرف الزوج
ويقول: زوجة موكلي طالق على الشئ الفلاني، ثم يقول من طرف الزوجة:
قبلت عن موكلتي. ولو فرض أن الزوجة وكلت الزوج في البذل يقول: بذلت
لنفسي عن موكلتي زوجتي كذا لأطلقها، ثم يقول فورا: هي طالق على ما بذلت.
(مسألة 1475) يجوز أن يكون البذل من الزوجة بطلبها الطلاق من
الزوج بعوض معلوم، بأن تقول له: طلقني أو اخلعني بكذا، فيقول فورا: أنت
طالق أو مختلعة بكذا، فيتم الخلع بشرط أن تتبعه بالقبول على الأحوط فتقول:
قبلت.
(مسألة 1476) يشترط في تحقق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق.
ويجوز الفداء بكل متمول من عين أو دين أو منفعة قل أو كثر وإن زاد عن
المهر المسمى، فإن كان عينا حاضرة يكفي فيها المشاهدة، وإن كان كليا في
الذمة أو غائبا ذكر جنسه ووصفه وقدره، فلو جعل الفداء ألفا ولم يذكر المراد
فسد الخلع. ويصح جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدة، وإذا
جعل كليا في ذمتها يجوز جعله حالا ومؤجلا مع تعيين الأجل بما لا إجمال فيه.
417

(مسألة 1477) يصح بذل الفداء منها ومن وكيلها، بأن يبذل وكالة
عنها من مالها الموجود أو من مال في ذمتها، والأرجح أنه لا يصح أن يكون
البذل ممن يضمنه في ذمته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل، بأن تقول لشخص
أطلب من زوجي أن يطلقني بألف درهم مثلا عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع
إلي. كما أن الظاهر أنه لا يصح من المتبرع الذي يبذل من ماله من دون
رجوع إليها، فلو قالت الزوجة لزوجها طلقني على دار زيد أو ألف في ذمته،
فطلقها على ذلك وقد أذن زيد في ذلك، أو أجاز بعد ذلك، لم يصح الخلع.
وكذا لو وكلت زيدا على أن يطلب من زوجها أن يطلقها على ذلك فطلقها على
ذلك.
(مسألة 1478) إذا قال أبوها طلقها وأنت بري من صداقها، وكانت
بالغة رشيدة فطلقها صح الطلاق وكان رجعيا ولم تبرأ ذمته بذلك ما لم تبرئه
الزوجة، ولا يجب عليها الابراء، ولا يضمنه الأب.
(مسألة 1479) لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم
كالخمر، مع علمهما بذلك، بطل البذل فبطل الخلع وكان الطلاق رجعيا. أما لو
جعلته مال الغير مع الجهل بأنه مال الغير، فالمشهور صحة الخلع وضمانها للمثل
أو القيمة، وفيه تأمل.
(مسألة 1480) يشترط في الخلع أن تكون الزوجة كارهة للزوج دون
العكس كما مر، والأحوط أن تكون الكراهة شديدة بحيث يخاف من قولها أو
فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والوقوع في المعصية.
(مسألة 1481) الظاهر أنه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في
الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير
ذلك، وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض مثل وجود الضرة وعدم إيفاء
الزوج بعض الحقوق المستحبة أو الواجبة كالقسم والنفقة. نعم إن
418

كانت الكراهة
وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسب والشتم والضرب ونحوها فتريد
تخليص نفسها منه فتبذل شيئا ليطلقها فيطلقها، لم يتحقق الخلع وحرم عليه ما
يأخذه منها، ولكن الطلاق يصح رجعيا.
(مسألة 1482) لو طلقها بعوض من غير كراهتها ومع توافق أخلاقهما،
لم يصح الخلع ولم يملك العوض ولكن صح الطلاق، فإن كان مورد الطلاق
الرجعي كان رجعيا، وإلا كان بائنا.
(مسألة 1483) طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة
فيما بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدة، فإذا رجعت كان له الرجوع
إليها.
(مسألة 1484) الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان
رجوعه بعد رجوعها، فلو لم يجز له الرجوع كالمطلقة ثلاثا والتي ليس لها عدة
كاليائسة وغير المدخول بها، لم يكن لها الرجوع في البذل، بل لا يبعد عدم
صحة رجوعها فيما بذلت مع فرض عدم علمه برجوعها إلى انقضاء محل
رجوعه، فلو رجعت عند نفسها ولم يطلع عليه الزوج حتى انقضت العدة، فلا
أثر لرجوعها.
أحكام المباراة
(مسألة 1485) المباراة قسم من الطلاق، فيعتبر فيها جميع شروطه
المتقدمة، ويعتبر فيها ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع
طلاق بعوض ما تبذله المرأة، وتقع بلفظ الطلاق مجردا، بأن يقول الزوج بعد ما
تبذل له المرأة شيئا ليطلقها: أنت طالق على ما بذلت، أو بلفظ: بارأتك، متبعا
بلفظ الطلاق فيقول: بارأتك على كذا فأنت طالق، ولا يقع بلفظ (بارأتك)
مجردا.
419

(مسألة 1486) المباراة وإن كانت كالخلع لكنها تفارقه بأمور ثلاثة:
إحداها: أنها تترتب على كراهة كل من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنه
يترتب على كراهة الزوجة خاصة كما مر. ثانيها: أنه يشترط فيها أن لا يكون
الفداء أكثر من مهرها بل الأحوط أن يكون أقل منه، بخلاف الخلع فإنه فيه على
ما تراضيا به ساوى المهر أو زاد عليه أو نقص عنه. ثالثها: أنه إذا أوقعها بلفظ
(بارأت) يجب اتباعه بالطلاق بقوله: فأنت أو هي طالق، بخلاف الخلع إذ يجوز
أن يوقعه بلفظ الخلع مجردا كما مر، وإن قيل فيه أيضا بوجوب اتباعه بالطلاق،
لكن الأقوى خلافه كما مر.
(مسألة 1487) طلاق المباراة بائن كالخلع، ليس للزوج فيه رجوع
إلا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدة، فله الرجوع حينئذ إليها، كما
تقدم في الخلع.
420

كتاب الظهار والايلاء واللعان
الظهار
(مسألة 1488) الظهار هو طلاق في الجاهلية كان يوجب الحرمة الأبدية
، وقد غير شرع الاسلام حكمه وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم
الكفارة بالعود، وحرم فعله بقوله تعالى (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا)
مع ما ورد في الرواية في شأن نزول الآية من التصريح بكونه معصية.
(مسألة 1489) صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطبا للزوجة: أنت
علي كظهر أمي، أو يقول بدل أنت: هذه، مشيرا إليها، أو زوجتي أو فلانة.
ويجوز تبديل علي بقوله: مني أو عندي أو لدي. بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة
علي وأشباهها أصلا، بأن يقول: أنت كظهر أمي، ويصح أن يوقعه بقوله: أنت
كظهر أمي إن فعلت كذا، أو فعلت كذا، فإن فعلت هي أو فعل هو وجبت
الكفارة وحرم عليه وطؤها بعد الفعل، أما قبله فلا تجب الكفارة ولو كان الوطأ
هو الشرط.
ولو شبهها بجزء آخر من أجزاء الأم غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي
وقوع الظهار قولان: أحوطهما ذلك، بل لا يخلو من قوة. ولو قال:
421

أنت كأمي أو
أمي، قاصدا به التحريم لا علو المنزلة والتعظيم أو كبر السن وغير ذلك لم يقع،
وإن كان الأحوط خلافه، بل لا يترك الاحتياط.
(مسألة 1490) لو شبهها بإحدى المحارم النسبية غير الأم كالبنت
والأخت فمع ذكر الظهر بأن قال مثلا: أنت علي كظهر أختي، يقع الظهار على
الأقوى، وبدونه كما إذا قال: كأختي، أو كرأس أختي، لم يقع على إشكال فلا
يترك الاحتياط (وجوبا).
(مسألة 1491) الظهار الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو
قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي أو أخي، لم يؤثر شيئا.
(مسألة 1492) يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول
المظاهر كالطلاق، وفي المظاهر البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من
الصبي والمجنون ولا المكره والساهي، ولا من الهازل والسكران والنائم، بل
ولا مع الغضب السالب للقصد، وفي المظاهرة خلوها من الحيض والنفاس
وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق، والأصح اشتراط
كونها مدخولا بها.
(مسألة 1493) الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجية في المظاهرة، بل يقع
على المتمتع بها.
(مسألة 1494) إذا تحقق الظهار بشرائطه حرم على المظاهر وطأ
المظاهرة، ولا يحل له وطؤها حتى يكفر فإذا كفر حل له. ولا تلزم كفارة
أخرى بعد وطئها، ولو وطأها قبل أن يكفر كانت عليه كفارتان وإذا تكرر
الوطأ تكررت الكفارة. وفي حرمة غير الوطأ من سائر الاستمتاعات قبل
التكفير، كالقبلة والملامسة إشكال.
(مسألة 1495) إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم يحل له وطؤها حتى
يكفر، بخلاف ما إذا تزوجها جديدا بعد انقضاء العدة أو في العدة إذا كان
الطلاق بائنا، فإنه يسقط حكم الظهار ويجوز له وطؤها بلا تكفير.
422

(مسألة 1496) كفارة الظهار - كما مر في كتاب الكفارات - أحد أمور
ثلاثة مرتبة: عتق رقبة، وإذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإذا عجز عنه
فإطعام ستين مسكينا.
(مسألة 1497) إذا صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض،
وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم، فيحضره ويخيره بين الرجعة بعد التكفير
وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما وإلا أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن
انقضت المدة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يختار أحدهما، ولا يجبره على خصوص أحدهما ولا يطلق عنه.
الايلاء
(مسألة 1498) الايلاء هو الحلف على ترك وطي الزوجة الدائمة المدخول
بها أبدا أو مدة تزيد عن أربعة أشهر للاضرار بها، فلا يتحقق الايلاء بالحلف
على ترك وطي المتمتع بها ولا غير المدخول بها، ولا بالحلف على ترك وطئها
مدة لا تزيد عن أربعة أشهر، ولا فيما إذا كان لملاحظة مصلحة كإصلاح لبنها أو
كونها مريضة أو غير ذلك، وإن انعقد اليمين في جميع ذلك مع اجتماع شروطه، و
تترتب عليه آثاره.
(مسألة 1499) لا ينعقد الايلاء كمطلق اليمين إلا باسم الله تعالى
المختص به أو الغالب إطلاقه عليه، ولا يعتبر فيه العربية ولا اللفظ الصريح في
كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل كإدخال الفرج في الفرج، بل المعتبر
صدق كونه حالفا على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور في ذلك، فيكفي قوله: لا
أطأك أو لا أجامعك أو لا أمسك، بل وقوله: لا جمعت رأسي ورأسك
وسادة أو مخدة، إذا قصد بذلك ترك الجماع.
423

(مسألة 1500) إذا تم الايلاء بشرائطه، فإن صبرت المرأة مع امتناعه
عن المواقعة فلا كلام، وإلا فلها المرافعة إلى الحاكم، فيحضره وينظره أربعة
أشهر، فإن رجع وواقعها في هذه المدة فهو، وإلا أجبره على أحد الأمرين إما
الرجوع أو الطلاق، فإن فعل أحدهما، وإلا ضيق عليه وحبسه حتى يختار
أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معينا.
(مسألة 1501) الأقوى أن الأربعة أشهر التي ينظر الزوج فيها ثم يجبر
على أحد الأمرين بعدها هي من حين الترافع.
(مسألة 1502) يزول حكم الايلاء بالطلاق البائن، فلو عقد عليها
جديدا في العدة أو بعدها كانت كأن لم يول عليها، بخلاف ما إذا طلقها رجعيا
فإنه وإن خرج بذلك من حقها فليس لها المطالبة والترافع إلى الحاكم، لكن لا
يزول حكم الايلاء إلا بانقضاء العدة، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم
الأول، فلها المطالبة بحقها والمرافعة.
(مسألة 1503) متى وطئها الزوج بعد الايلاء لزمته الكفارة، سواء
كان في مدة التربص أو بعدها أو قبلها لأنه قد حنث اليمين على كل حال، وإن
جاز له هذا الحنث بل وجب عليه بعد انقضاء المدة ومطالبتها وأمر الحاكم به
تخييرا بينه وبين الطلاق. وبهذا يمتاز هذا اليمين عن سائر الأيمان، كما أنه يمتاز
عن غيره بأنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلقه مباحا تساوى
طرفاه أو كان راجحا دينا أو دنيا.
اللعان
(مسألة 1504) اللعان مباهلة خاصة بين الزوجين، أثرها دفع حد أو
نفي ولد كما تعرف تفصيله.
424

(مسألة 1505) إنما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما إذا رمى الزوج
زوجته بالزنا، الثاني: إذا نفى ولدية من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به.
(مسألة 1506) لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريبة ولا مع
غلبة الظن ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع، ولا بإخبار شخص ثقة.
نعم يجوز مع اليقين، لكن لا يصدق إذا لم تعترف به الزوجة ولم يكن للزوج
بينة، بل يحد حد القذف مع مطالبتها، إلا إذا أوقع اللعان الجامع للشروط
الآتية فيدرأ عنه الحد.
(مسألة 1507) يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدعي المشاهدة،
فلا لعان فيمن لم يدعها ومن لم يتمكن منها كالأعمى فيحدان مع عدم البينة،
وأن لا تكون له بينة فإن كانت له بينة تتعين إقامتها لنفي الحد ولا لعان.
(مسألة 1508) يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة
بالغة، عاقلة، سالمة عن الصمم والخرس، فلا لعان في قذف الأجنبية بل يحد
القاذف مع عدم البينة، وكذا في المنقطعة على الأقوى، وأن تكون مدخولا
بها، فلا لعان فيمن لم يدخل بها، وأن تكون غير مشهورة بالزنا وإلا فلا
لعان، بل ولا حد حتى يدفع باللعان، بل عليه التعزير في غير المشهورة
المتجاهرة بالزنا إن لم يدفعه عن نفسه بالبينة، ولا حد في المشهورة المتجاهرة
بالزنا.
(مسألة 1509) لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولد في فراشه مع
إمكان لحوقه به، بأن دخل بأمه أو أدخل ماءه في فرجها بأي وسيلة، وقد
مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز عن أقصى مدة
الحمل، حتى لو فجر أحد بها فضلا عما إذا اتهمها، بل يجب عليه الاقرار
بولديته، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه،
احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الخلائق). نعم يجب عليه على الأحوط أن
ينفيه
425

ولو باللعان مع علمه بعدم تكونه منه من جهة علمه باختلال شروط
الالتحاق به، إذا كان بحسب ظاهر الشرع يلحق به لولا نفيه، لئلا يلحق بنسبه
من ليس منه، فيترتب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح والنظر إلى المحارم
وغير ذلك.
(مسألة 1510) إذا نفى ولدية من ولد في فراشه فإن علم أنه دخل
بأمه دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو أقر هو بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه
هذا النفي ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره، وأما لو لم يعلم ذلك ولم يقر به و
نفاه - إما مجردا عن ذكر السبب بأن قال: هذا ليس ولدي، أو مع ذكر السبب
بأن قال: لأني لم أدخل بأمه دخولا يمكن تكونه منه، فلا ينتفي عنه بمجرد نفيه
بل ينتفي باللعان إن تحقق شرط اللعان من الدخول أو إدخال مائه فيها، وإلا
فلا لعان.
(مسألة 1511) إنما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة زوجة
بالعقد الدائم، وأما ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان، وإن لم يجز له نفيه
مع عدم علمه بالانتفاء. نعم لو علم أنه دخل بها دخولا يمكن أن يتكون الولد
منه أو أقر بذلك ومع ذلك نفاه، لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه، كما هو الأمر
في الدائمة.
(مسألة 1512) لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملا
أو منفصلا.
(مسألة 1513) من المعلوم أن انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد
زنا لاحتمال تكونه عن وطأ شبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد
به وجاز له بل وجب عليه نفيه على الأحوط عن نفسه، فلا يجوز له أن يرميها
بالزنا وينسب ولدها بكونه ولد زنا، إلا إذا علم بكونه من زنا.
426

(مسألة 1514) إذا أقر بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك، سواء كان
إقراره صريحا أو كناية مثل أن يبشر به ويقال له: بارك الله لك في مولودك
فيقول آمين أو إن شاء الله تعالى، بل قيل إذا كان الزوج حاضرا وقت
الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعد ذلك، لكنه
مشكل، إلا إذا ظهر منه أمارات التصديق بكونه ولده.
(مسألة 1515) لا يقع اللعان إلا عند الحاكم الشرعي أو من نصبه
لذلك، وصورته: أن يبدأ الرجل ويقول بعد أن يقذفها أو ينفي ولدها: أشهد
بالله إني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو من نفي ولدها. يقول ذلك أربع مرات،
ثم يقول مرة واحدة: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين. ثم تقول المرأة بعد
ذلك أربع مرات: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي
الولد. ثم تقول مرة واحدة: أن غضب الله علي إن كان من الصادقين.
(مسألة 1516) يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور،
فلو قال أو قالت أحلف أو أقسم أو شهدت أو أنا شاهد، أو أبدلا لفظ الجلالة
بالرحمن أو بخالق البشر أو بصانع الموجودات، أو قال الرجل إني صادق أو
لصادق أو من الصادقين من غير ذكر اللام، أو قالت المرأة إنه لكاذب أو كاذب
أو من الكاذبين، لم يقع. وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب، والمرأة
بالعكس.
(مسألة 1517) يجب أن يكون إجراء كل منهما اللعان بعد أمر الحاكم
به، فلو بادر به قبل أن يأمر به الحاكم، لم يقع.
(مسألة 1518) يجب أن يكون النطق بالعربية مع القدرة، ويجوز
بغيرها مع التعذر.
(مسألة 1519) يجب أن يكونا قائمين على الأحوط عند التلفظ
بألفاظ الملاعنة الخمسة، والأحوط أن يكونا قائمين معا عند تلفظ كل منهما.
427

(مسألة 1520) إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه
أحكام أربعة، الأول: انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما. الثاني: الحرمة
الأبدية، فلا تحل له أبدا ولو بعقد جديد، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق
اللعان سواء كان للقذف أو لنفي الولد. الثالث: سقوط حد القذف عن الزوج بلعانه
وسقوط حد الزنا عن الزوجة بلعانها، فلو قذفها ثم لاعنها ونكلت هي عن
اللعان، تخلص الرجل عن حد القذف وتحد المرأة حد الزانية، لأن لعان الرجل
بمنزلة البينة في إثبات زنا الزوجة. الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن
تلاعنا لنفيه، بمعنى أنه لو نفاه وادعت الزوجة أن الولد له فتلاعنا، فلا يكون
توارث بين الرجل والولد، وكذا بين الولد وكل من انتسب إليه بالأبوة كالجد
والجدة والأخ والأخت للأب، وكذا الأعمام والعمات، بخلاف الأم ومن انتسب
إليه بها، حتى أن الإخوة للأب والأم بحكم الإخوة للأم.
(مسألة 1521) إذا كذب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد، لحق به الولد فيما
عليه لا فيما له، فيرثه الولد لكن لا يرث أقارب أبيه بإقراره إلا إذا أقروا به
أيضا، كما أنهم لا يرثونه إلا بإقراره. ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به.
وسيجئ تفصيله في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى.
428

كتاب الميراث
موجبات الإرث
(مسألة 1522) موجبات الإرث وأسبابه ثلاثة، الأول: النسب بالسبب
الشرعي أو ما بحكمه كالشبهة ونكاح الملل الفاسدة، دون مثل الزنا، بشرط
صدق الرحم والقرابة عرفا.
وهو ثلاث طبقات مرتبة، لا يرث واحد من المرتبة اللاحقة مع وجود
وارث من المرتبة السابقة:
الطبقة الأولى: وهي صنفان: الأبوان من غير ارتفاع والأولاد ذكرا أو أنثى
بلا واسطة أو معها.
الطبقة الثانية: وهي أيضا صنفان: الأجداد والجدات لأب أو أم وإن علوا،
والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا لأب كانوا أو لأم أو لهما.
الطبقة الثالثة: الأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم
وإن نزلوا، ويعد من في هذه الطبقة كلهم صنفا واحدا.
السبب الثاني: الزوجية، وبها يرث الزوجان كل من الآخر.
الثالث: الولاء، وهو ثلاث مراتب: ولا العتق، ثم ولا ضامن الجريرة،
ثم ولا الإمامة.
429

الوارث
(مسألة 1523) الوارث إما يرث بالفرض، وإما يرث بالقرابة.
والمراد بالفرض السهم المقدر والكسر المعين الذي سماه الله تعالى في كتابه
الكريم، والفروض ستة وأصحابها ثلاثة عشر: النصف: لبنت واحدة إن لم
يكن لها أخ أو أخت غير ممنوع الإرث (فإن ممنوع الإرث في جميع الفروض
كالمعدوم). وأخت وحيدة لأبوين أو لأب كذلك. والزوج إذا لم يكن للزوجة
ولد وإن نزل. والربع: للزوج إذا كان للزوجة ولد وإن نزل. وللزوجة إذا لم
يكن للزوج ولد وإن نزل، والثمن: للزوجة إذا كان للزوج ولد وإن نزل.
والثلث: للأم مع عدم الولد للميت وإن نزل، ولا الإخوة بالشرائط الآتية،
وللاثنين فصاعدا من ولد الأم. والثلثان: للبنتين فصاعدا مع عدم وجود الابن،
غير ممنوع الإرث وللأختين فصاعدا لأبوين مع عدم وجود أخ للأبوين، أو
الأختين لأب مع عدم وجود أخ للأب. والسدس: للأب مع وجود الولد وإن
نزل، وللأم مع الولد وإن نزل، أو وجود الإخوة للميت بالشروط الآتية، وللأخ
أو الأخت للأم مع عدم التعدد.
(مسألة 1524) ظهر مما ذكرنا أن أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب
لا فرض لهم، وإنما يكون إرثهم بالقرابة، وأن وراثة الزوجين بالفرض مطلقا.
وأما الطبقة الأولى والثانية فبعضهم لا فرض له أصلا كالابن والأخ للأبوين أو
الأب، وبعضهم له فرض مطلقا كالأم، وبعضهم له فرض في حال دون حال
كالأب، فإن له فرضا مع وجود ولد للميت وليس له فرض مع عدم الولد،
وكالبنت والبنتين، وكذا الأخت والأختان لأب أو أبوين، فإن لهن فرضا إذا
لم يكن معهن ذكر، وليس لهن فرض إذا كان معهن ذكر.
(مسألة 1525) ظهر مما ذكرنا أن من كان له فرض على قسمين:
أحدهما: من ليس له إلا فرض واحد ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدل
430

الأحوال، كالأب فإنه يكون ذا فرض في صورة وجود الولد، وفرضه ليس إلا
السدس مطلقا، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعدا مع عدم الابن، وكذا
الأخت والأختان لأب أو أبوين مع عدم الأخ، فإن فرضهن النصف أو
الثلثان مطلقا، وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض في حال دون حال، إلا أن
فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدل الأحوال. وقد يكون له فرض على كل حال
ولا يتغير بتبدل الأحوال، كالأخ أو الأخت للأم، فمع الوحدة يكون السدس
ومع التعدد الثلث، ولا يزيد على ذلك ولا ينقص في جميع الأحوال.
الثاني: من كان فرضه يتغير بتبدل الأحوال، كالأم فإن لها الثلث تارة
والسدس أخرى، وكذا الزوجان فإن للزوج النصف مع عدم الولد والربع مع
وجوده، وللزوجة الثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه.
موانع الإرث
(مسألة 1526) المشهور من موانع الإرث ثلاثة: الأول: الكفر بأصنافه
أصليا كان أو عن ارتداد، فلا يرث الكافر من المسلم أصلا وإن كان قريبا،
وإنما يختص إرثه بالمسلم وإن كان بعيدا، فلو كان له ابن كافر وللابن ابن مسلم
يرثه ابن الابن لا الابن، وكذا لو كان له ابن كافر وأخ أو عم أو ابن عم
مسلم، يرثه المسلم دون الابن الكافر. بل وكذا لو لم يكن له وارث من ذوي
الأنساب وكان له معتق أو ضامن جريرة مسلم يختص إرثه بهما دونه، ولو لم
يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات من ذوي الأنساب وغيرهم كان ممن لا
وارث له، واختص إرثه بالإمام عليه السلام، ولم يرث ابنه الكافر منه شيئا.
(مسألة 1527) إذا مات الكافر أصليا أو مرتدا عن فطرة أو ملة وله
وارث مسلم وكافر، ورثه المسلم وإن كان بعيدا كالمعتق وضامن الجريرة دون
الكافر وإن كان قريبا كالأب والابن. وإن لم يكن له وارث مسلم بل
431

كان
جميع ورثته كفارا يرثونه على قواعد الإرث، إلا إذا كان مرتدا فطريا أو مليا
فإن ميراثه للإمام دون ورثته الكفار.
(مسألة 1528) إذا مات مسلم أو كافر وكان له وارث كافر ووارث
مسلم غير الإمام، وأسلم بعد موته وارثه الكافر، فإن كان وارثه المسلم
متعددا وكان إسلام من أسلم منهم قبل قسمة الميراث، استحق إرثه منه، وإن
كان بعد القسمة لم يستحق الإرث.
وإن كان وارثه المسلم واحدا وهو الزوجة فالحكم كما تقدم، وإن كان
واحدا ولكنه غير الزوجة اختص بالإرث ولم يؤثر إسلام من أسلم بعد موت
المورث في الإرث منه.
أما إذا كان وارثه منحصرا بالإمام عليه السلام وأسلم الكافر من ورثته،
فهو أولى بإرثه من الإمام عليه السلام.
(مسألة 1529) إذا أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض
كان لكل منهما حكمه، فلا يرث فيما قسم ويختص بالإرث أو يشارك فيما لم
يقسم.
(مسألة 1530) إذا مات مسلم عن ورثة كفار ليس بينهم مسلم فأسلم
بعضهم بعد موته، اختص هو بالإرث ولم يرثه الباقون، ولم ينته الأمر إلى
الإمام، وكذا الحال لو كان الميت مرتدا وخلف ورثة كفارا وأسلم بعضهم بعد
موته، فإن الإرث يختص به.
(مسألة 1531) إذا مات كافر أصلي ولم يخلف إلا ورثة كفارا ليس
بينهم مسلم، فأسلم بعضهم بعد موته فالظاهر أنه لا أثر لاسلامه في الإرث،
فإن تقدمت طبقته على طبقة الباقين كما إذا كان ابنا للميت وهم إخوته اختص
الإرث به، وإن ساواهم في الطبقة شاركهم، وإن تأخرت طبقته كما إذا كان عما
للميت وهم إخوته اختص الإرث بهم، كما هو الحال قبل إسلامه.
432

(مسألة 1532) المراد بالمسلم والكافر وارثا وموروثا وحاجبا ومحجوبا
أعم منهما حقيقة ومستقلا أو حكما وتبعا، فكل طفل كان أحد أبويه مسلما حال
انعقاد نطفته مسلم حكما وتبعا فيلحقه حكمه، وإن ارتد بعد ذلك المتبوع فلا
يتبعه الطفل في الارتداد الطاري. نعم يتبعه في الاسلام إذا أسلم أحد أبويه قبل
بلوغه بعدما كانا كافرين حين انعقاد نطفته. وكل طفل كان أبواه معا كافرين
أصليين أو مرتدين أو مختلفين حين انعقاد نطفته يكون بحكم الكافر حتى يسلم
أحدهما قبل بلوغه أو يظهر الاسلام هو بعد بلوغه. فعلى ما ذكرنا لو مات كافر
وله أولاد كفار وله أطفال أخ مسلم أو أخت مسلمة يرثه أولئك الأطفال دون
أولاده، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه طفل ابنه دون ابنه. ولو مات
مسلم وله طفل ثم مات ذلك الطفل وليس له وارث مسلم في جميع الطبقات كان
وارثه الإمام كما هو الحال في الميت المسلم. ولو مات طفل بين كافرين وله مال
وكان ورثته كلهم كفارا ليس بينهم مسلم، ورثه الكفار على ما فرض الله تعالى
دون الإمام. هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين، وهو لا يخلو من قوة إذا كانا
مرتدين أيضا.
(مسألة 1533) المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والأصول
والعقائد. نعم الغلاة والخوارج والنواصب ومن أنكر ضروريا من ضروريات
الدين كوجوب الصلاة وصوم شهر رمضان كفار أو بحكمهم، فيرث منهم
المسلمون ولا يرثون هم من المسلمين.
(مسألة 1534) الكفار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل، فيرث
النصراني من اليهودي وبالعكس، بل ويرث الذمي من الحربي وبالعكس، لكن
يشترط في إرث الكافر من الكافر فقد الوارث المسلم، فإن وجد وإن كان بعيدا
يحجب الكافر وإن كان قريبا، كما تقدم.
(مسألة 1535) المرتد - وهو من خرج عن الاسلام واختار الكفر بعد
433

ما كان مسلما - على قسمين: فطري وملي، والأول، من كان أحد أبويه
مسلما حال انعقاد نطفته ثم أظهر الاسلام بعد بلوغه ثم خرج عنه، والثاني، من
كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ثم أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافرا أصليا
ثم أسلم ثم عاد إلى الكفر كنصراني أسلم ثم عاد إلى نصرانيته.
فالفطري: إن كان رجلا تبين منه زوجته وينفسخ نكاحها بغير طلاق وتعتد
عدة الوفاة ثم تتزوج بغيره إن أرادت وتقسم أمواله التي كانت له حين
ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميت، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته
ورجوعه إلى الاسلام في رجوع زوجته وماله إليه. نعم تقبل توبته باطنا على
الأقوى، بل ظاهرا أيضا بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه وتصح
عباداته ويملك الأموال الجديدة بأسباب التملك الاختيارية كالتجارة والحيازة،
والقهرية كالإرث، ويجوز له التزوج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على الزوجة
السابقة. وإن كان المرتد امرأة بقيت أموالها على ملكها ولا تنتقل إلى ورثتها إلا
بموتها، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها
ومع الدخول بها ينتظر إلى انقضاء عدة الطلاق، فإن تابت وهي في العدة بقيت
الزوجية، وإن لم تتب حتى انقضت العدة انكشف أنها بانت منه حين ارتدادها.
وأما الملي: سواء كان رجلا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلا بالموت،
وينفسخ النكاح بين المرتد وزوجته المسلمة، وكذا بين المرتدة وزوجها المسلم
بمجرد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، أما مع الدخول فينفسخ فينتظر
بها إلى انقضاء عدة الطلاق. فإن تاب أو تابت قبل انقضاء العدة بقيت الزوجية
وإلا فلا، كما عرفت في المرأة المرتدة عن فطرة.
(مسألة 1536) الثاني: من موانع الإرث: القتل، فلا يرث القاتل من
المقتول إذا كان القتل عمدا ظلما، ويرث منه إذا قتله بحق، كما إذا كان قصاصا
أو حدا أو دفاعا عن نفسه أو عرضه أو ماله، وكذا إذا كان خطأ
434

محضا كما إذا
رمى نحو طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنه يرثه، نعم لا يرث من ديته التي
تتحملها العاقلة على الأقوى. وأما شبه العمد - وهو ما إذا كان قاصدا إيقاع
الفعل على المقتول غير قاصد للقتل وكان الفعل مما لا يترتب عليه القتل في العادة
كما إذا ضربه خفيفا للتأديب فأدى إلى قتله - فالأقوى أنه لا يمنع عن الإرث
كالخطأ المحض.
(مسألة 1537) لا فرق في القتل العمدي ظلما في مانعيته من الإرث
بين ما كان بفعل القاتل مباشرة بيده أو بآلة أو سلاح، وبين ما كان بالتسبيب
كما إذا رماه في مسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان زمانا طويلا بلا
قوت فمات جوعا، أو أحضر عنده طعاما مسموما بدون علم المقتول فأكله،
إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب معها القتل إلى المسبب. نعم بعض
التسبيبات التي قد يترتب عليها التلف مما لا ينسب التلف إلى المسبب كحفر البئر
وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك وإن أوجب ذلك الضمان
والدية على مسببها، كما هو مذكور في كتابي الغصب والديات، إلا أنها غير مانعة
من الإرث، فيرث حافر البئر في الطريق من قريبه الذي وقع فيه ومات فيه.
(مسألة 1538) القاتل الممنوع من الإرث من المقتول لا يحجب من هو
دونه في الطبقة فوجوده كالعدم، فلو قتل شخص أباه وكان للقاتل ابن ولم يكن
لأبيه أولاد غير القاتل ورث ابن القاتل جده، وكذا إذا انحصر أولاد المقتول في
ابنه القاتل وكان له إخوة كان ميراثه لإخوته دون ابنه، بل لو لم يكن له غير
القاتل قريب وكان له معتق أو ضامن جريرة كان ميراثه لهما، وإن فقدا أيضا
ورثه الإمام.
(مسألة 1539) الدية بحكم مال المقتول، تقضى منها ديونه وتخرج
منها وصاياه أولا قبل الإرث، ثم يورث الباقي كسائر الأموال، سواء كان
435

القتل
عمدا وصالحوا عن القصاص بالدية، أو كان شبه عمد، أو خطأ محضا، ويرثها
كل ذي نسب وسبب حتى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حق
القصاص لكن إذا تصالحوا على الدية ورثا نصيبهما منها. نعم لا يرث الإخوة
والأخوات للأم من الدية شيئا كما ورد في الرواية، وأما غيرهما من المتقربين
بالأم، فالظاهر أنهم يرثون منها.
(مسألة 1540) الثالث: من موانع الإرث: الرق وهو مانع عن الإرث
في الوارث والموروث، فلا يرث الرق من الحر وكذا العكس. وهنا فروع
لا جدوى في التعرض لها لعدم الابتلاء بها.
(مسألة 1541) يلحق بموانع الإرث اللعان إذا وقع جامعا للشرائط بين
الزوجين يقطع التوارث بينهما، وإذا وقع لنفي الولد يقطع التوارث بين الأب والولد
، وكذا التوارث بين الولد وكل من تقرب إليه بواسطة الأب كالجد والجدة للأب
والأعمام والعمات وأولادهم، فينحصر التوارث بين الولد والأم ومن تقرب إليه
بالأم كالأخ والأخت للأم والأخوال والخالات وأولادهم، حتى أنه لو كان له أخ
للأب والأم وأخ للأم كان كمن له أخوان للأم فيرثان بالسوية. وإن اعترف الأب
بعد اللعان بولديته يرثه الولد دون العكس، إلا إذا أقر الولد به أيضا فيتوارثان.
ولو أقر الولد وحده يرث منه الأب فقط، وهكذا ينفذ الاقرار على المقر وحده.
(مسألة 1542) الحمل يرث ويورث إذا انفصل حيا وإن مات من
ساعته، وتعرف حياته بعد انفصاله قبل موته من ساعته بأن يتحرك أو يصيح
بعد سقوطه. ولا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورث، بل يكفي انعقاد
نطفته حينه، فإذا مات أحد وتبين الحمل في زوجته بعد موته وكان بحيث يلحق
به شرعا، يرثه إذا انفصل حيا. ولا يعتبر في وارثيته ومورثيته الصياح بعد
السقوط بعدما علم سقوطه حيا بالحركة البينة وغيرها.
436

(مسألة 1543) لا يرث الحمل ما دام حملا، ولكن يحجب من كان
متأخرا عنه في المرتبة فضلا عمن كان متأخرا عنه في الطبقة، فلو كان للميت
حمل وله أحفاد أو إخوة يحجبهم عن الإرث ولا يعطوا شيئا حتى يتبين الحال،
فإن سقط حيا اختص بالإرث، وإن سقط ميتا ورثوا. ولو كان للميت وارث
آخر في مرتبة الحمل وطبقته - كما إذا كان له أولاد أو أبوان - يعزل للحمل نصيب
ذكرين ويعطى الباقي للباقين مع مراعاة تغيير الفرض بوجود الحمل وعدمه كما
سيأتي، ولا يخفى أن العزل ليس قسمة بحيث لو تلف المعزول قبل انفصال الحمل
يحسب التلف عليه، بل يحسب على المجموع ويكون الحمل بعد انفصاله شريكا
للموجودين فيما بقي من التركة، وذلك لأنه ما دام حملا لم يملك شيئا حتى يتلف
عليه، والعزل احتياط لحفظ ما يمكن أن يصير له بعد الانفصال، وسائر الورثة
أيضا وإن كانوا لا يملكون بمقدار نصيب الحمل لكونهم محجوبين به، لكن المال
المحجوب مشاع في التركة، فيقع التلف على المجموع. فلو كان للميت ابن واحد
يعطى الثلث ويعزل للحمل الثلثان، ولو كانت له بنت واحدة تعطى الخمس
ويعزل للحمل أربعة أخماس، ولو كان له ابن وبنت تقسم التركة سبع حصص،
تعطى البنت حصة ويعطى الابن حصتين، وتعزل للحمل أربع حصص نصيب
ذكرين.
(مسألة 1544) إذا كان الذي في طبقة الحمل ذا فرض، فإن لم يتغير
فرضه على فرض وجود الحمل وعدمه يعطى كمال نصيبه، كما إذا كان له زوجة
أو أبوان وكان له ولد آخر غير الحمل، فإن نصيبهم، وهو الثمن للزوجة
والسدسان للأبوين، لا يتغير بوجود الحمل وعدمه بعدما كان له ولد آخر. وإن
كان ينقص على فرض وجوده، يعطى أقل ما يصيبه على تقدير ولادته حيا،
كما إذا كانت له زوجة مع الأبوين ولم يكن له ولد آخر، فتعطى الزوجة الثمن
ولكل من الأبوين السدس. وكذا لو ماتت الحامل، يعطى الزوج الربع وكل
من الأبوين السدس قبل تبين الحال.
437

(مسألة 1545) إنما يعطى الوارث الموجود أقل ما يصيبه على تقدير
كون الحمل ذكرين وانفصالهما حيين كما ذكرنا، فيما إذا طلب الوارث نصيبه الذي
يصيبه قبل الانفصال، وإلا فله الانتظار وعدم المطالبة بنصيبه إلى أن يتبين
الحال.
(مسألة 1546) إذا تولد الحمل وكان حيا في آن ثم مات، كان نصيبه
من الإرث لوارثه.
(مسألة 1547) لا فرق في وارثية الحمل أو مورثيته بعد انفصاله حيا
بين أن يولد لأقل من مدة الحمل أو لتمامها. وكذا لا فرق بين أن تكون ولادته
بسبب طبيعي أو غير طبيعي لضرب أمه مثلا فإنه في جميع هذه الصور يرث
ويورث. أما إذا خرج بعض الحمل حيا وصاح مثلا ثم مات قبل انفصاله فإنه
لا يرث لأن شرط الإرث الانفصال حيا.
(مسألة 1548) إذا غاب شخص غيبة منقطعة لا يعلم موته ولا
حياته، فأما بالنسبة إلى زوجته فقد تقدم الحكم في كتاب الطلاق، وأما بالنسبة
إلى أمواله فيفحص عنه أربع سنين، فإذا لم يظفر به فالأقوى خلافا للمشهور
أنه يقسمها من كان وارثا له بعد انقضاء أربع سنين بينهم، وكيفية الطلب
والفحص وما يتعلق بهما كما تقدم في الطلاق.
الحجب
(مسألة 1549) الحجب هو منع الوارث من نصيبه الذي كان يستحقه
لولا وجود الحاجب. وهو قسمان: حجب حرمان، وهو أن يمنع الحاجب
المحجوب من الإرث بالكلية، وحجب نقصان، وهو أن ينقص نصيبه عما كان
له لولا الحاجب.
(مسألة 1550) قد عرفت أن موجبات الإرث ثلاثة: نسب، وولاء،
438

وزوجية، وأن لكل من النسب والولا طبقات ثلاث: فأما طبقات النسب
فأولها: الأبوان بلا ارتفاع والأولاد وإن نزلوا. وثانيها: الإخوة والأخوات
وأولادهم وإن نزلوا، والأجداد والجدات وإن علوا. وثالثها: الأعمام والعمات
والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا. وأما طبقات الولاء،
فأولها ولا العتق، ثم ولا ضامن الجريرة، ثم ولا الإمامة.
فاعلم أن الزوجين لا يحجبان حجب حرمان بأي وارث كان، فهما
يشاركان كل وارث ذي نسب أو ذي ولا من أي طبقة كان. وأما البواقي فذو
النسب من أي طبقة كان يحجب ذا الولاء كذلك، فما دام أحد من ذوي
الأنساب موجودا لا يصل الأمر إلى ذوي الولاء. وكل طبقة سابقة من ذوي
النسب أو ذوي الولاء تحجب اللاحقة منهما، فمع وجود أحد الأبوين أو الأولاد
وإن نزلوا لا يرث الإخوة والأجداد، ومع وجود أحد الإخوة أو أولادهم وإن
نزلوا أو الأجداد وإن علوا لا يرث الأعمام والأخوال وأولادهم. وكذا إذا فقد
ذووا الأنساب جميعا وانتهى الأمر إلى ذوي الولاء، فمع المعتق لا يرث ضامن
الجريرة، ومعه لا يرث الإمام عليه السلام.
(مسألة 1551) كما أن للنسب طبقات كذلك لكل طبقة مراتب
ودرجات:
فأما الطبقة الأولى: فالأبوان بلا ارتفاع مرتبة واحدة، لكن الأولاد لهم
مراتب ودرجات متنازلة، أولها أولاد الميت (البنون والبنات) ثم أولادهم، ثم
أولاد أولادهم، وهكذا.
وأما الطبقة الثانية: فلكل من الأجداد والجدات والإخوة والأخوات مراتب
ودرجات، فمراتب الأجداد صعودا: الجد والجدة ثم أبواهما ثم أجدادهما،
وهكذا. ومراتب الإخوة والأخوات وأولادهم: الأخ والأخت، ثم أولادهما،
ثم أولاد أولادهما، وهكذا.
وأما الطبقة الثالثة: أي طبقة العمومة والخؤولة، فلها درجات متصاعدة:
العم والعمة أخ الأب وأخته، والخال والخالة أخ الأم وأختها، ثم عم الأب
439

وعمته وخاله وخالته، وعم الأم وعمتها وخالها وخالتها. ولكل منهم درجات
ومراتب متنازلة كأولاد عم الميت وعمته وأولاد خاله وخالته وأولاد
أولادهم متنازلين، وكأولاد عم أب الميت وعمته وخاله وخالته، وأولاد عم أم
الميت وعمتها وخالها وخالتها، وأولادهم متنازلين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن كل من كان في المرتبة السابقة من كل طبقة يحجب
من كان في المرتبة اللاحقة من تلك الطبقة حجب حرمان، وبعبارة أخرى من
كان أقرب إلى الميت يمنع الأبعد منه، فلا يرث مع الابن أو البنت ابن الابن ولا
ابن البنت ولا بنت الابن ولا بنت البنت. ولا يرث مع الأخ والأخت ابن الأخ
والأخت ولا بنتهما، ومع الجد والجدة (أي أبوا أب الميت وأبوا أمه) لا يرث جد
أبيه وجدة أبيه ولا جد أمه وجدة أمه، وهكذا، ولا يرث مع العم أو العمة
والخال أو الخالة أولادهم، ولا يرث مع أولادهم أولاد أولادهم، ولا يرث مع
عم الميت أو عمته وخاله أو خالته عم أبيه وعمته وخاله وخالته أو أحد من
أولادهم، وكذلك في كل درجة كما يأتي.
(مسألة 1552) قد عرفت أن الطبقة الثالثة أي العمومة والخؤولة
درجات متصاعدة، ولكل درجة مراتب متنازلة، فاعلم أن كل درجة سابقة
على درجة عليا صعودا تتبعها مراتبها النازلة، فهي أيضا سابقة على الدرجة
العليا، فكما أن العم والعمة والخال والخالة سابقون على عم الأب وعمته وخاله
وخالته، كذلك أولادهم وإن نزلوا سابقون عليهم، وكما أن عم الأب وعمته
وخاله وخالته سابقون على عم الجد وعمته وخاله وخالته كذلك أولادهم وإن
نزلوا سابقون عليهم. فلا يرث مع أولاد عم الميت وأولاد خاله وإن نزلوا عم
أب الميت وخاله، وكذا لا يرث مع أولاد عم أب الميت وإن نزلوا عم جده أو
خاله، وكذا لا يرث مع أولاد خال أب الميت، عم جده أو خاله. ولا فرق في
الحكم المذكور بين العم والعمة وأولادهما.
440

(مسألة 1553) إنما يحجب من كان في المرتبة السابقة من كان في المرتبة
اللاحقة ويمنع الأقرب الأبعد، إذا كانا من صنف واحد، وأما إذا كانا من صنفين
فلا حجب ولا منع. وقد أشرنا سابقا إلى أن كلا من الطبقة الأولى والثانية
صنفان، ففي الأولى: الأب والأم صنف، والأولاد وإن نزلوا صنف آخر، وفي
الثانية: الأجداد وإن علوا صنف والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا
صنف آخر. وأما الطبقة الثالثة أي العمومة والخؤولة وأولادهم، فهي صنف
واحد.
فعلى هذا يحجب الابن ابن الابن، ويحجب ابن الابن ابن ابن الابن، وهكذا.
وأما الأب والأم فلا يحجبان الأولاد وإن نزلوا بمراتب. وكذا يحجب الإخوة
والأخوات أولادهم، وهم يحجبون أولاد أولادهم، والجد الأدنى يحجب الجد
الأعلى، والأعلى بمرتبة يحجب الأعلى بمرتبتين، ولا يحجب الجد الأدنى أولاد
الإخوة وإن تنازلوا بمراتب، وكذا الأخ أو الأخت لا يحجبان الجد مهما علا.
وأما الأعمام والأخوال فحيث أنهم صنف واحد، فالعم يحجب ابن الخال كما
يحجب ابن العم، وكذا الخال يحجب ابن العم كما يحجب ابن الخال، وكذا ابن العم
يحجب ابن ابن الخال كما يحجب ابن ابن العم، وابن الخال يحجب ابن ابن العم كما
يحجب ابن ابن الخال. وكذا العم وأولاده يحجبون خال الأب كما يحجبون عم
الأب، والخال وأولاده يحجبون عم الأب كما يحجبون خال الأب، نعم الأعمام
والأخوال وإن كانوا صنفا واحدا من حيث تقدم الأقرب فالأقرب لكن من
حيث تقدم العم الأبويين على العم الأبوي كانوا في حكم صنفين، فالعم أخ
الأب للأب والأم يحجب أخ الأب للأب فقط لكن لا يحجب أخ الأم للأب
فقط وكذا أولادهما.
(مسألة 1554) في الطبقتين الأخيرتين يحجب المتقرب بالأبوين المتقرب
بالأب خاصة مع تساويهما في الدرجة والمرتبة، ولا يحجب المتقرب بالأم
خاصة، فالأخ والأخت للأب والأم يحجبان الأخ والأخت للأب دون الأخ
والأخت للأم. وكذا ابن الأخ أو الأخت للأبوين يحجبان ابن الأخ أو الأخت
للأب خاصة، ولا يحجب ابن الأخ أو الأخت للأبوين الأخ والأخت
441

للأم، بل
هما يحجبانهما بسبق درجتهما عليهما. وكذا العم للأبوين أي من كان أخ أبيه
لأبيه وأمه يحجب العم لأب فقط، يعني من كان أخ أبيه لأب، دون الخال لأب
أي من كان أخ أمه لأب، لما مر من أن الأعمام والأخوال من هذه الحيثية في
حكم صنفين. وكذا الخال للأبوين، أي من كان أخ أمه لأبيها وأمها يحجب
الخال لأب، أي من كان أخ أمه لأب فقط.
وأما ابن العم وابن الخال للأبوين فلا يحجبان الخال لأب بل هما محجوبان
به، وكذا ابن الخال للأبوين لا يحجب العم لأب بل هو محجوب به، وذلك
لعدم تساوي الدرجة. نعم خصوص ابن العم للأبوين يحجب العم للأب
خاصة. وهذه مسألة اجماعية خرجت عن الضابط المتقدم بالاجماع والمتيقن
منه ما إذا كانت الصورة بحالها، فيعتبر فيه الذكورية والوحدة وكونه بلا واسطة
وعدم اجتماعه مع غيره من الزوج أو الزوجة أو العمة أو الخالة، كما يعتبر فيه
وحدة العم وكونه عما للميت لا عما لأبيه أو جده فصاعدا.
(مسألة 1555) يحجب الولد مطلقا الزوج والزوجة عن نصيبهما الأعلى
وهو النصف والربع إلى الأدنى وهو الربع والثمن، فإن للزوج مع عدم الولد
للزوجة النصف، وللزوجة مع عدم الولد للزوج الربع، وهو نصيبهما الأعلى، ومع
وجود الولد للزوجة أو الزوج يكون للزوج الربع ولها الثمن، فهو يحجبهما حجب
نقصان.
(مسألة 1556) يحجب الولد وإن نزل - ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان
أو متعددا - الأبوين عما زاد عن سدسيهما، فهو حاجب لهما حجب نقصان،
حيث كان لهما مع عدم الولد للميت، ثلثان للأب وثلث للأم إن لم يكن للميت
إخوة. ولا يحجب الولد الأبوين عما زاد على السدس في صورتين:
الأولى: إذا كان الولد بنتا واحدة مع أحد الأبوين أو كليهما، فإن التركة تقسم
بين البنت مع أحد الأبوين أرباعا، فتأخذ البنت ثلاثة أرباع التركة، نصفها
بالفرض والزائد بالقرابة، ويأخذ أحد الأبوين ربع التركة، سدسها بالفرض
والزائد بالقرابة.
الثانية: إذا كان الولد بنتين فصاعدا مع أحد الأبوين، فإن التركة تقسم
442

أخماسا: أربعة أخماس للبنات: ثلثان بالفرض والباقي بالقرابة، وخمس لأحد
الأبوين، السدس بالفرض والباقي بالقرابة.
(مسألة 1557) يحجب الإخوة الأم عما زاد عن السدس مع وجود
الأب وعدم وجود ولد للميت، فإنه لو لم يكن للميت إخوة كان للأم ثلث
بالفرض وللأب ثلثان بالقرابة، حيث لا فرض له مع عدم الولد، وإذا كان له
إخوة كان للأم سدس والباقي للا ب بالقرابة.
(مسألة 1558) إنما يحجب الإخوة الأم عما زاد على السدس بشروط
سبعة:
الأول: وجود الأب، فإذا لم يكن وكانت الأم وحدها، كان لها المال كله،
ولا حجب.
الثاني: أن يكونوا ذكرين، أو ذكرا وأنثيين، أو أربع إناث فصاعدا، فلا يحجب
ذكر واحد وحده، أو مع أنثى واحدة، ولا ثلاث إناث. والخنثى في الحجب
كالأنثى بلا فرق.
الثالث: أن يكونوا إخوة أو أخوات لأب وأم أو لأب خاصة، فلا يحجب
كلالة الأم وإن كثرت.
الرابع: أن لا يكون فيهم موانع الإرث من الكفر أو الرق أو القتل، فلو كان
كلهم أو بعضهم كافرا، أو رقا، أو قاتلا للميت، لم يحجبوا.
الخامس: أن يكونوا منفصلين بالولادة، فلا يحجب من كان حملا حال موت
أخيه أو أخته.
السادس: أن يكونوا أحياءا حين موت المورث، فالإخوة الذين ماتوا قبل
موته لا يحجبون الأم عما زاد عن السدس، بل لو اقترن موتهم بموته أو اشتبه
تقدما وتأخرا لا يحجبون أيضا، فلو غرق ثلاثة إخوة وماتوا جميعا ولم يعلم تقدم
موت بعضهم على بعض، لا يحجبون الأم عما زاد عن السدس، وترث الأم
الثلث عن كل واحد منهم بلا حجب، إذا لم يكن لهم ولد، والباقي للأب.
443

السابع: تغاير الأم مع الإخوة، بأن لا تكون الأم أختا لأبيهم وإلا فلا
تحجب، كما يمكن فرضه في وطأ الشبهة وفي المجوس، حيث يمكن أن تكون أمهم
أخت أبيهم.
(مسألة 1559) يختص حكم الحجب بالإخوة، فلا يحجب أولاد الإخوة
ولا يقومون مقام آبائهم في هذا الحكم، وإن قاموا مقامهم في الإرث في طبقتهم.
(مسألة 1560) عرفت أن الوارث إما أن يكون ذا فرض أو لا، فإن
اتحد الوارث ولم يكن له فرض كان الإرث كله له بالقرابة، وكذا إن كان ذا
فرض إلا أنه يرث مقدار فرضه بالفرض والباقي بالرد بسبب القرابة، كما إذا
انحصر الوارث في بنت واحدة فترث النصف بالفرض والنصف الباقي بالقرابة، أو
انحصر في بنتين فصاعدا فيرثن ثلثين بالفرض والباقي بالقرابة.
وكذا لو انحصر الوارث في أم فإنها ترث الثلث بالفرض والباقي بالرد بالقرابة،
وكذا غيرها من أصحاب الفروض إذا كانت التركة زائدة على الفريضة وكان
الوارث منحصرا فيه ووارثا بالقرابة. وأما الوارث بالسبب كالزوج والزوجة
فلها حكم آخر.
(مسألة 1561) إن تعدد الوارث، فإن كانوا كلهم ممن لا فرض لهم،
يقسم المال بينهم بالتساوي أو التفاضل حسب حكمهم، وإن اجتمع ذو الفرض
مع غيره، يأخذ ذو الفرض فرضه ويكون الباقي لمن لا فرض له، كما إذا اجتمع ابن
مع أب أو أم، أو مع كليهما، فيأخذ كل منهما السدس والباقي للابن، أو اجتمع
زوج أو زوجة مع أب وأم ولم يكن ولد، فيعطى الزوج أو الزوجة نصيبهما
الأعلى أي النصف والربع، وتعطى الأم الثلث مع عدم الإخوة الحاجبين،
والسدس مع وجودهم، والباقي للأب. وكذا لو اجتمع أحد الزوجين مع الأب
وحده، يعطى نصيبه الأعلى، ويكون الباقي للأب.
444

(مسألة 1562) إذا تعدد الوارث من طبقة واحدة من ذوي الفروض ولم
يكن معهم من لا فرض له، وتساوت الفروض واستوعبت التركة ولم تزد عليها
ولم تنقص عنها، توزع التركة على الورثة بإعطاء كل ذي فرض فرضه، وذلك في
ثلاثة فروض:
الأول: بنتان فصاعدا مع الأبوين، فيكون ثلثان للبنتين وثلث للأبوين.
الثاني: زوج مع أخت واحدة للأب أو للأبوين، فيكون نصف للزوج،
ونصف للأخت.
الثالث: المتعدد من كلالة الأم مع أختين فصاعدا لأب أو لأبوين، فيكون
ثلث للكلالة وثلثان للأختين فصاعدا.
تم المجلد الثاني من هداية العباد
والحمد لله رب العالمين.
445