الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٧
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

ينابيع الفقهية
الحج
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
الحج
الجزء الأول
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

الينابيع الفقهية
الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع
2

بسم الله الرحمن الرحيم
باب الحج وما يستعمل فيه
اعلم يرحمك الله أن الحج فريضة من فرائض الله جل وعز، اللازمة الواجبة على من
استطاع إليه سبيلا، وقد وجب في طول العمر مرة واحدة ووعد عليها من الثواب الجنة
والعفو عن الذنوب وسمي تاركه كافرا وتوعد على تاركه بالنار فنعوذ بالله من النار.
وروي أن مناديا ينادي بالحاج إذا قضوا مناسكهم: قد غفر لكم ما مضى فاستأنفوا
العمل.
روي عن العالم ع أنه لا يقف أحد من موافق أو مخالف في الموقف إلا
غفر له، فقيل له: إنه يقفه الشادي والناصب وغيرهما فقال: يغفر للجميع حتى أن
أحدهم لو لم يعاود إلى ما كان عليه ما وجد شيئا مما تقدم وكلهم معاود قبل الخروج من
الموقف. وروي أن حجة غير مقبولة خير من الدنيا بما فيها، وجعلها في شهر معلوم مقرون
العمرة إلى الحج فأدنى ما يتم به فرض الحج: الإحرام بشروطه والتلبية والطواف والصلاة
عند المقام والسعي بين الصفا والمروة والموقفين وأداء الكفارات والنسك والزيارة وطواف
النساء والذي يفسد الحج ويوجب الحج من قابل، الجماع للمحرم في الحرم، وما سوى
ذلك ففيه الكفارات وهي مثبتة في باب الكفارات ثم يجب عليه بالسنة الحج نافلة بقدر
اتساعه وصحة جسمه وقوته على السفر والذي فرض الله على عباده الحج والعمرة ممن
وجد طولا فقال: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج.
والحاج على ثلاثة أوجه: قارن ومفرد للحج ومتمتع بالعمرة إلى الحج. ولا يجوز لأهل
3

مكة وحاضريها التمتع بالعمرة إلى الحج وليس لهما إلا الإقران والإفراد لقول الله تبارك
وتعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، ثم قال جل وعز: ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، مكة ومن حولها على ثمانية وأربعين ميلا
من كان خارجا من هذا الحد فلا يحج إلا متمتعا والعمرة إلى الحج ولا يقبل الله غيره منه
فإذا أردت الخروج إلى الحج فوفر شعرك شهر ذي القعدة وعشرة من ذي الحجة واجمع
أهلك وصل ركعتين ومجد الله عز وجل وصل على النبي ع وارفع يديك إلى الله
وقل:
اللهم إني أستودعك اليوم ديني ومالي ونفسي وأهلي وولدي وجميع جيراني
وإخواننا المؤمنين الشاهد منا والغائب عنا. فإذا خرجت فقل: بحول الله وقوته أخرج.
فإذا وضعت رجلك في الركاب فقل: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله. فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل:
الحمد لله الذي هدانا إلى الاسلام ومن علينا الإيمان وعلمنا القرآن ومن علينا
بمحمد صلى الله عليه وآله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون والحمد لله رب العالمين.
وعليك بكثرة الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والصلاة على محمد وعلى آله
وحسن الخلق وحسن الصحابة لمن صحبك وكظم الغيظ وقلة الكلام وإياك والمماراة،
فإذا بلغت أحد المواقيت التي وقتها رسول الله ص فإنه ع
وقت لأهل العراق العقيق وأوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق وأوله أفضل،
ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل المدينة ذات الحليفة وهي مسجد
الشجرة، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل الشام المهيعة وهي الجحفة، ومن
كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه أن يحرم من منزله ولا يجوز الإحرام
قبل بلوغ الميقات ولا يجوز تأخيره على الميقات إلا لعلل أو تقية، فإذا كان الرجل عليلا أو
اتقى فلا بأس بأن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق، فإذا بلغت الميقات فاغتسل أو توضأ
4

والبس ثيابك وصل ست ركعات تقرأ فيها فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون، فإن كان وقت صلاة الفريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة، ثم صل
الفريضة. وروي أن أفضل ما يحرم الانسان في دبر الصلاة الفريضة، ثم أحرم في دبرها
ليكون أفضل وتوجه في الركعة الأولى منها.
فإذا فرغت فارفع يديك ومجد الله كثيرا وصل على محمد كثيرا وقل:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك
صلى الله عليه وعلى آله فإن عرض لي عرض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي
قدرت على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة.
ثم تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات تقول:
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك
لك.
هذه الأربعة مفروضات. وتقول:
لبيك ذا المعارج لبيك تبدي وتعيد والمعاد إليك لبيك لبيك داعيا إلى دار السلام
لبيك لبيك كشاف الكرب العظام لبيك لبيك يا كريم لبيك لبيك عبدك ابن عبدك بين
يديك لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد لبيك. وأكثر من ذي المعارج.
واتق في إحرامك الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال الذي نهاه الله واتق
الصيد. والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله، فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت
صادق، فلا شئ عليك، فإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة، وإن جادلت
مرة وأنت كاذب، فعليك دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة، وإن جادلت
ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة، والفسوق الكذب فاستغفر الله منه وتصدق
بكف طعام.
والرفث الجماع، فإن جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل،
5

ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك حتى تؤدي المناسك ثم تجتمعا، فإذا حججتما من قابل
وبلغتما الموضع الذي واقعتما فرق بينكما حتى تقضي المناسك ثم تجتمعا فإن أخذتما على
غير الطريق الذي كنتما أحدثتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما، وتلزم المرأة بدنة إذا
جامعها الرجل، فإن أكرهها لزمه بدنتان ولم يلزم المرأة شئ، فإن كان الرجل جامعها
دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، فإن كان الرجل جامعها بعد وقوفه
بالمشعر فعليه دم وليس عليه الحج من قابل.
وإن لبس ثوبا من قبل أن يلبي فأنزعه من فوق وأعاد الغسل ولا شئ عليه، وإن
لبسه بعد ما لبى فينزعه من أسفله وعليه دم شاة، وإن كان جاهلا فلا شئ عليه، وإذا
لبيت فارفع صوتك بالتلبية ولب متى ما سعدت أكمة أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو
انتبهت من نومك أو ركبت أو نزلت وبالأسحار، فإن أخذت على طريق المدينة لبيت
قبل أن تبلغ الميل الذي على يسار الطريق، فإذا بلغت فارفع صوتك بالتلبية، ولا تجوز
الميل إلا ملبيا، فإذا نظرت إلى بيوت مكة فارفع التلبية، وحد بيوت مكة من عقبة المدنيين
أو بحذائها ومن أخذ على طريق المدينة قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكة وهو عقبة ذي
طوى، فإذا بلغت الحرم فاغتسل قبل أن تدخل مكة وامش هنيهة وعليك السكينة
والوقار، فإذا دخلت مكة ونظرت إلى البيت فقل: الحمد لله الذي عظمك وشرفك
وكرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا وهدى للعالمين.
ثم ادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، وإن كنت مع قوم تحفظ عليهم
رحالهم حتى يطوفوا ويسعوا كنت أعظمهم ثوابا جزيلا، وادخل المسجد من باب بني
شيبة فقل: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه. ثم تطوف بالبيت وتبدأ
بركن الحجر الأسود وقل:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، آمنت بالله عز وجل وكفرت
بالجبت والطاغوت واللات والعزى والهبل والأصنام وعبادة الأوثان والشيطان وكل ند
يعبد من دون الله جل سبحانه عما يقولون علوا كبيرا.
6

وتطوف أسبوعا وتقارب بين خطاك وتستلم الحجر في كل شوط، فإن لم تقدر عليه
فأشر إليه بيدك وقل عند باب البيت:
سائلك مسكينك ببابك عبدك بفنائك فقيرك نزل بساحتك تفضل عليه بجنتك.
فإذا بلغت مقابل الميزاب فقل:
اللهم أعتق رقبتي من النار وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم وأظلني تحت ظل
عرشك واصرف عني شر كل ذي شر وشر فسقة الجن والإنس، وتقول في طوافك:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على الماء كما يمشي على جدد الأرض
وباسمك المخزون المكنون عندك وباسمك الأعظم الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت
وإذا سئلت به أعطيت أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تغفر لي وترحمني
وتقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك وموسى كليمك وعيسى روحك ومحمد
حبيبك.
فإذا بلغت الركن اليماني فاستلمه فإن فيه بابا من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح
وتشير منه إلى زاوية المسجد مقابل الركن وتقول: أصلي عليك يا رسول الله، وتقول بين
الركن اليماني وبين ركن الحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار.
فإذا كنت في الشوط السابع فقف عند المستجار وتعلق بأستار الكعبة وادع الله
كثيرا وألح عليه وسل حوائج الدنيا والآخرة فإنه قريب مجيب.
فإذا فرغت من أسبوعك فات مقام إبراهيم وصل ركعتين للطواف فاقرأ فيهما فاتحة
الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم تخرج إلى الصفا ما بين الأسطوانتين
تحت القناديل فإنه طريق النبي ع إلى الصفا فابتدئ بالصفا وقف عليه وأنت
مستقبل القبلة فكبر بسبع تكبيرات وأحمد الله وصل على محمد وعلى آله وادع لنفسك
ولوالديك وللمؤمنين.
ثم تنحدر إلى المروة وأنت تمشي، فإذا بلغت حد السعي وهي الميلين الأخضرين
7

هرول واسع مل ء فروجك وقل: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الأعز
الأكرم. فإذا جزت حد المسعى فاقطع الهرولة، وامش على السكون والتؤدة والوقار وأكثر
من التسبيح والتكبير والتهليل والتمجيد والتحميد لله والصلاة على رسوله صلى الله عليه
وعلى آله حتى تبلغ المروة فاصعد عليه وقل ما قلت على الصفا وأنت مستقبل البيت.
ثم انحدر منها حتى تأتي الصفا تفعل ذلك سبع مرات ويكون وقوفك على الصفا
أربع مرات، وعلى المروة أربع مرات، والسعي ما بينهما سبع مرات تبدأ بالصفا وتختم
بالمروة.
ثم تقصر من شعر رأسك من جوانبه وحاجبيك ومن لحيتك وقد حللت من كل شئ
أحرمت منه.
ويستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستين شوطا فإن سهوت فطفت
طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط وصل عند مقام إبراهيم ركعتي
الطواف ثم اسع بين الصفا والمروة ثم تأتي المقام فصل خلفه ركعتي الطواف واعلم أن
الفريضة هو الطواف الثاني والركعتين الأولتين لطواف الفريضة والركعتين الأخريين
للطواف الأول، والطواف الأول تطوع، فإن شككت فلم تدر سبعة طفت أم خمسة وأنت
في الطواف فابن على سبعة وأسقط واحدة واقطعه، وإن لم تدر ستة طفت أم سبعة فأتمها
بواحدة، وإن نسيت شيئا من الطواف فذكرته بعد ما سعيت بين الصفا والمروة فابن على
ما طفت وتمم طوافك بالبيت إن كنت قد طفت أربعة أشواط أو طفت أقل من أربعة
أشواط أعدت الطواف وإن نسيت الطواف كله ثم ذكرته بعد ما سعيت فطف أسبوعا
وصل ركعتين وأعد السعي بين الصفا والمروة، وإن نسيت الركعتين خلف المقام ثم
ذكرتها وأنت تسعى فافرغ منه ثم صل ركعتين وليس عليك إعادة السعي.
وإن سهوت وسعيت بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا فليس عليك شئ وإن
سعيت ستة أشواط وقصرت ثم ذكرت بعد ذلك أنك سعيت ستة أشواط فعليك أن تسعى
شوطا آخر، وإن جامعت أهلك وقصرت سعيت شوطا آخر وعليك دم بقرة، وإن سعيت
ثمانية فعليك الإعادة وإن سعيت تسعة فلا شئ عليك، وفقه ذلك أنك إذا سعيت
8

ثمانية كنت بدأت بالمروة وختمت بها وكان ذلك خلاف السنة، وإذا سعيت تسعا
كنت بدأت بالصفا وختمت بالمروة، وكلما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن
تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر وإن شئت
أخرته إلى أيام التشريق فتنحره بمنى وقد روي ذلك أيضا، وإذا وجب عليك في متعة وما
أشبه مما يجب عليك فيه من جزاء الحج فلا تنحره إلا بمنى، فإن كان عليك دم واجب
قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى، وإذا أردت أن تشعر بدنتك
فاضربها بالشفرة على سنامها من جانب الأيمن، فإن كانت البدن كثيرة فأدخل بينها
واضربها بالشفرة يمينا وشمالا، وإذا أردت نحرها فانحرها وهي قائمة مستقبل القبلة
وتشعرها وهي باركة وكل من أضحيتك وأطعموا القانع والمعتر، القانع الذي يقنع بما
تعطيه، والمعتر الذي يعتريك، ولا تعطي الجزار منها شيئا ولا تأكل من فداء الصيد إن
اضطررته فإنه من تمام حجك.
وأكثر الصلاة في الحجر وتعمد تحت الميزاب وادع عنده كثيرا وصل في الحجر على
ذراعين من طرفه مما يلي البيت فإنه موضع شبر وشبير ابني هارون ع، وإن
تهيأ لك أن تصلي صلواتك كلها عند الحطيم فافعل فإنه أفضل بقعة على وجه الأرض،
والحطيم ما بين الباب والحجر الأسود وهو الموضع الذي فيه تاب الله على آدم
ع، وبعده، الصلاة في الحجر أفضل، وبعده ما بين الركن العراقي والباب وهو
الموضع الذي كان فيه المقام في عهد إبراهيم ع إلى عهد رسول الله ص
، وبعده خلف المقام الذي هو الساعة وما قرب من البيت فهو أفضل إلا أنه
لا يجوز أن تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة، ولا بأس
أن تصلي ركعتين لطواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام.
وإذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبيك اللذين للإحرام وأت المسجد حافيا
عليك السكينة والوقار وصل عند المقام الظهر والعصر واعقد إحرامك دبر العصر وإن
شئت في دبر الظهر بالحج مفردا تقول:
اللهم إني أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك ع فإن
9

عرض لي عارض حبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على.
ولب مثل ما لبيت في العمرة، ثم اخرج إلى منى وعليك السكينة والوقار واذكر الله
كثيرا في طريقك، فإذا خرجت إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية، فإذا أتيت منى فبت
بها وصل بها الغداة واخرج منها إلى عرفات وأكثر من التلبية في طريقك فإذا زالت
الشمس فاغتسل أو قبيل الزوال وصل الظهر والعصر بأذان وإقامة ثم ائت الموقف فادع
بدعاء الموقف واجتهد في الدعاء والتضرع وألح قائما وقاعدا إلى أن تغرب الشمس ثم
أفض منها بعد المغيب وتقول: لا إله إلا الله، وإياك أن تفيض قبل الغروب فيلزمك دم،
ولا تصل المغرب ولا العشاء الآخرة ليلة النحر إلا بمزدلفة، وإن ذهب ربع الليل.
فإذا أتيت المزدلفة وهي الجمع صليت بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم
تصلي نوافلك للمغرب بعد العشاء، وإنما سميت الجمع المزدلفة لأنه يجمع فيها المغرب
والعشاء بأذان واحد وإقامتين، فإذا أصبحت فصل الغداة وقف بها كوقوفك بعرفة وادع
الله كثيرا، فإذا طلعت الشمس على جبل ثبير فأفض منها إلى منى وإياك أن تفيض منها
قبل طلوع الشمس، ولا من عرفات قبل غروبها فيلزمك الدم، وروي أنه يفيض من
المشعر إذا انفجر الصبح وبان في الأرض خفاف البعير وآثار الحوافر.
فإذا بلغت طرف وادي محسر فاسع فيه مقدار مائة خطوة، وإن كنت راكبا فحرك
راحلتك قليلا، فإذا أتيت منى فاشتر هديك واذبحه، فإذا أردت ذبحه أو نحره فقل:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من
المسلمين اللهم هذا منك وبك ولك وإليك بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر اللهم
تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد حبيبك صلى الله
عليهم.
ثم أمر السكين عليها ولا تنخعها حتى تموت ولا يجوز في الأضاحي من البدن إلا
الثني وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية، ومن الضأن الجذع لسنته وتجزئ البقرة عن
10

خمسة، وروي عن سبعة إذا كانوا من أهل بيت واحد، وروي أنها لا تجزئ إلا عن
واحد فإذا نحرت أضحيتك أكلت منها وتصدقت بالباقي، وروي أن شاة تجزئ سبعين
إذا لم يوجد شئ.
وإذا عجزت عن الهدي ولم يمكنك صمت قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم
عرفة، وسبعة أيام إذا رجعت إلى أهلك، وإن فاتك صوم هذه الثلاثة أيام صمت
صبيحة ليلة الحصبة ويومين بعدها. وإن وجدت ثمن الهدي ولم تجد الهدي فخلف
الثمن عند رجل من أهل مكة يشترى لك في ذي الحجة ويذبح عنك، فإن مضت ذو
الحجة ولم يشتر لك أخرها إلى قابل ذي الحجة فإنها أيام الذبح ثم احلق شعرك. وإذا
أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة وابدأ بالناصية واحلق من العظمين النابتين بحذاء
الأذنين وقل: اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة. وادفن شعرك بمنى وخذ
حصيات الجمار من حيث شئت. وروي أن أفضل ما يؤخذ الجمار من المزدلفة ويكون
منقطة كحلية مثل رأس الأنملة واغسلها غسلا نظيفا ولا تأخذ من الذي رمى مرة وارم
إلى الجمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات، وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة
يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمسة عشر خطوة وتقول وأنت مستقبل القبلة
والحصى في كفك اليسرى: اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي عندك وارفعهن في
عملي.
ثم تتناول منها واحدة وترمي من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها وتكبر مع كل
حصاة، وترمى اليوم الثاني والثالث والرابع في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة إلى
الجمرة الأولى بسبعة وتقف عليها وتدعو، وإلى الجمرة الوسطى بسبعة وتقف عندها
وتدعو، وإلى الجمرة العقبة بسبعة ولا تقف عندها.
فإن جهلت ورميت مقلوبة فأعد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة، وإن سقطت
منك حصاة فخذ من حيث شئت من الحرم ولا تأخذ من الذي قد رمى، وإن كان معك
مريض لا يستطيع أن يرمي الجمار فاحمله إلى الجمرة ومره أن يرمي من كفه إلى الجمرة
وإن كان كسيرا أو مبطونا أو ضعيفا لا يعقل ولا يستطيع الخروج ولا الحملان فارم أنت
11

عنه، وإن جهلت ورميت إلى الأول بسبع وإلى الثانية بستة وإلى الثالث بثلاث فارم
إلى الثانية بواحدة وأعد الثالثة، ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، ومتى ما
جزت النصف فابن على ذلك، وإن رميت إلى الجمرة الأولة دون النصف فعليك أن تعيد
الرمي إليها وإلى بعدها من أوله، فإذا رميت يوم الرابع فأخرج منها إلى مكة ومطلق لك
رمى الجمار من أول النهار إلى زوال الشمس، وقد روي من أول النهار إلى آخره.
وأفضل ذلك ما قرب من الزوال وجائز للخائف والنساء الرمي بالليل فإن رميت ووقعت
في محمل وانحدرت منه إلى الأرض أجزأت عنك، وإن بقيت في المحمل لم تجزء عنك،
وارم مكانها أخرى، وزر البيت يوم النحر أو من الغد وإن أخرتها إلى آخر اليوم أجزأك.
وتغتسل لزيارة البيت، وإن زرت نهارا فدخل عليك الليل في طريقك أو في طوافك
أو في سعيك فلا بأس به ما لم ينقض الوضوء، وإن نقضت الوضوء أعدت الغسل،
وكذلك إذا خرجت من منى ليلا وقد اغتسلت وأصبحت في طريقك أو في طوافك
وسعيك فلا شئ عليك فيما لا ينقض الوضوء، فإن نقضت الوضوء أعدت الغسل وطفت
في البيت طواف الزيارة وهو طواف الحج سبعة أشواط وصليت عند المقام ركعتين
وسعيت بين الصفا والمروة كما فعلت عند المتعة سبعة أشواط، ثم تطوف بالبيت أسبوعا
وهو طواف النساء. ولا تبت بمكة ويلزمك دم، واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك
كل شئ إلا الطيب والنساء.
وإذا طفت طواف الحج حل لك كل شئ إلا النساء، فإذا طفت طواف النساء حل
لك كل شئ إلا الصيد فإنه حرام على المحل في الحرم وعلى المحرم في الحل والحرم، ثم
ترجع إلى منى فتقيم بها إلى يوم الرابع، فإذا رميت الجمار في يوم الرابع عند ارتفاع النهار
فأفض منها إلى مكة، فإذا بلغت مسجد الحصباء دخلته واستلقيت فيه على قفاك بقدر ما
تستريح ثم تدخل مكة وعليك السكينة والوقار فتطوف بالبيت ما شئت تطوعا.
وإذا كان الرجل حاضر المسجد الحرام أفرد بالحج، وإن شاء ساق الهدي ويكون
على إحرامه حتى يقضي المناسك كلها، وليس على المفرد الهدي ولا على القارن إلا ما
ساقه، وكل شئ أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم أو أتيت في الحل وأنت محرم
12

فليس عليك شئ إلا الصيد فإن عليك فداه، فإن تعمدته كان عليك فداه وإثمه، وإن
علمت أو لم تعلم فعليك فداه، فإن كان الصيد نعامة فعليك بدنة، فإن لم تقدر عليها،
أطعمت ستين مسكينا لكل مسكين مد، فإن لم تقدر صمت ثمانية عشر يوما فإن
أكلت بيضها فعليك دم، وكذلك إن وطئتها وكان فيها فراخ تتحرك فعليك أن ترسل
فحولة من البدن على عددها من الإناث بقدر عدد البيض فما نتج منها فهو هدي لبيت
الله، وإن كان الصيد بقرة أو حمار وحش فعليك بقرة، فإن لم تقدر أطعمت ثلاثين
مسكينا، فإن لم تقدر صمت تسعة أيام، وإن كان الصيد ظبيا فعليك دم شاة، فإن لم
تقدر أطعمت عشرة مساكين، فإن لم تقدر صمت ثلاثة أيام.
فإن رميت ظبيا فكسرت يده أو رجله فذهب على وجهه لا تدري ما صنع فعليك
فداه، فإن رأيت بعد ذلك ترعى وتمشي فعليك ربع قيمته، وإن كسرت قرنه أو جرحته
تصدقت بشئ من الطعام، فإن قتلت جرادة تصدقت بتميرات وتميرات خير من
جرادة، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت الشاة. واليعقوب الذكر والحجلة الأنثى ففي الذكر
شاة. وإن قتلت زنبورا تصدقت بكف طعام، والحجلة أو بلبل أو عصفور وأصنافه دم شاة،
وإن أكلت جرادة واحدة فعليك دم شاة، وفي الثعلب والأرنب دم شاة، وفي القطاة حمل
قد فطم من اللبن ورعى من الشجر وفي بيضه إذا أصبته قيمته، فإن وطئتها وفيها فراخ
يتحرك فعليك أن ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض
فما نتج فهو هدي لبيت الله، وفي اليربوع والقنفذ والضب جدي، والجدي خير منه، ولا
بأس للمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة ولا بأس برمي الحدأة، وإن كان الصيد
أسدا ذبحت كبشا. ومتى أصبت شيئا من الصيد في الحل وأنت محرم فعليك دم على ما وصفناه،
ومتى ما أصبته في الحرم وأنت محل فعليك قيمة الصيد فإن أصبته وأنت محرم في الحرم فعليك
الفداء والقيمة، فإن كان الصيد طيرا اشتريت بقيمته علفا علفت به حمام الحرم، وإن
كنت محرما وأصبته وأنت محرم في الحرم فعليك دم، وقيمة الطير درهم، فإن كان فرحا
فعليك دم ونصف درهم، فإن كان أكلت بيضه تصدقت بربع درهم، وإن كان بيض
13

حمام فربع درهم، وإن كان الصيد قطاة فعليك حمل قد رضع وفطم من اللبن ورعى
الشجر، وإن كان غير طائر تصدقت بقيمته وإن كان فرحا تصدقت بنصف درهم، فإن
أكلت بيضه تصدقت بربع درهم، وإن نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة
وإن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة.
وإذا فرغت من المناسك كلها وأردت الخروج تصدقت بدرهم تمرا حتى تكون كفارة
لما دخل عليك في إحرامك من الخلل والنقصان وأنت لا تعلم، فإن قرن الرجل الحج
والعمرة فأحصر، بعث هديا مع هدية أصحابه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ
محله أحل وانصرف إلى منزله وعليه الحج من قابل، ولا تقرب النساء حتى تحج من قابل،
وإن صد رجل عن الحج وقد أحرم، فعليه الحج من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء لأن هذا
مصدود وليس كالمحصور، ولو أن رجلا حبسه سلطان جائر بمكة وهو متمتع بالعمرة إلى
الحج، ثم أطلق عنه ليلة النحر فعليه أن يلحق الناس بجمع ثم ينصرف إلى منى ويذبح
ويحلق ولا شئ عليه. وإن خلى يوم النحر بعد الزوال فهو مصدود عن الحج إن كان دخل
مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح
شاة، وإن كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا شئ عليه وإن نسي المتمتع
التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم، وروي: يستغفر الله وإذا حلق المتمتع رأسه بمكة
فليس عليه شئ إن كان جاهلا وإن تعمد في ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما منها
فليس عليه شئ وإن تعمد بعد الثلاثين الذي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دم.
فإذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج
حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج، فإن علم وخرج ثم رجع في الشهر الذي خرج
فيه دخل مكة محلا، وإن رجع في غير تلك الشهور دخلها محرما.
وإذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم فعليها أن تحتشي إذا بلغت الميقات وتغتسل
وتلبس ثياب إحرامها وتدخل مكة وهي محرمة ولا تقرب مسجد الحرام، فإن طهرت ما
بينهما وبين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها فعليها أن تغتسل وتطوف البيت
وتسعى بين الصفا والمروة وتقضي ما عليها من المناسك، وإن طهرت بعد الزوال يوم
14

التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة.
وإن حاضت بعد ما سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها إلا الطواف
بالبيت فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج وعليها ثلاثة
أطواف: طواف للمتعة وطواف للحج وطواف للنساء. ومتى لم يطف الرجل طواف
النساء لم يحل له النساء حتى يطوف، وكذلك المرأة لا يجوز أن تجامع حتى تطوف طواف
النساء، ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت من المسجد فإن كانت طافت ثلاثة
أشواط فعليها أن تعيد وإن كانت طافت أربعة أقامت على مكانها فإذا طهرت بنت
قضت ما بقي عليها ولا تجوز على المسجد حتى تتيمم وتخرج منه.
وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو في الطواف لم يقدر إتمامه خرج وأعاد بعد ذلك
طوافه ما لم يجز نصفه، فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف، وإن احتلم في المسجد
الحرام تيمم ولا يخرج منه إلا متيمما وكذلك يفعل في مسجد رسول الله
ص.
وإذا أردت الخروج من مكة فطف بالبيت أسبوعا طواف الوداع وتتسلم الحجر
والأركان كلها في كل شوط وتسأل الله أن لا يجعله آخر العهد منه، فإذا فرغت من
طوافك فقف مستقبل القبلة بحذاء ركن الحجر الأسود وادع الله كثيرا واجتهد في الدعاء
ثم تفيض وتقول: آئبون تائبون لربنا حامدون وإلى الله راغبون وإليه راجعون، واخرج
من أسفل مكة فإذا بلغت باب الحناطين تستقبل الكعبة بوجهك وتسجد واسأل الله أن
يتقبل منك ولا يجعل آخر العهد منك ثم تزور قبر محمد المصطفى فإنه قال ص:
من حج ولم يزرني فقد جفاني، وتزور قبور السادة في المدينة ع وأنت على
غسل إن شاء الله تعالى وبالله الاعتصام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
15

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى
بن بابويه القمي الملقب بالصدوق
المتوفى 381 ه‍. ق
17

المقنع:
الحج باب الحج:
اعلم أن الحج على ثلاثة أوجه: قارن ومفرد للحج ومتمتع بالعمرة إلى الحج. وليس
لأهل مكة وحاضريها إلا القران والإفراد وليس لهم التمتع إلى الحج لأن الله عز وجل
يقول: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي. ثم قال: ذلك لمن لم
يكن أهله حاضري المسجد الحرام. وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها
على ثمانية وأربعين ميلا، ومن كان خارجا عن هذا الحد فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة
إلى الحج فلا يقبل الله غيره.
فإذا أردت الخروج إلى الحج فاجمع أهلك وصل ركعتين ومجد الله كثيرا وصل على
النبي ص وقل:
اللهم إني أستودعك اليوم ديني ونفسي ومالي وأهلي وولدي وجيراني
وأهل حزانتي الشاهد منا والغائب وجميع ما أنعمت به على، اللهم اجعلنا
في كنفك ومنعك وعزك وعياذك، عز جارك وجل ثناؤك وامتنع عائذك ولا
إله غيرك توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة
ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا،
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
فإذا خرجت من منزلك فقل:
بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم إني
19

أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال
والولد، اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل بما يرضيك عني،
اللهم اقطع عني بعده ومشقته وأصحبني فيه واخلفني في أهلي بخير.
فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرءان ومن علينا بمحمد صلى
الله عليه وآله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون والحمد لله رب العالمين، اللهم أنت الحامل على الظهر والمستعان
على الأمر.
وإذا بلغت أحد المواقيت التي وقتها رسول الله ص فإنه وقت لأهل
الطائف قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام المهيعة وهي الجحفة، ولأهل
المدينة ذا الحليفة وهي مسجد الشجرة، ولأهل العراق العقيق وأول العقيق المسلخ
ووسطه غمرة وآخره ذات عرق. ولا تؤخر الإحرام إلى آخر وقت إلا من علة وأوله
أفضل، وإذا بلغت فاغتسل والبس ثوبي إحرامك ولا تقنع رأسك بعد الغسل ولا تأكل
طعاما فيه الطيب.
ولا بأس بأن تحرم في أي وقت بلغت الميقات فإن أحرمت في دبر الفريضة فهو
أفضل، فإن لم يكن وقت المكتوبة صليت ركعتي الإحرام وقرأت في الأولى: الحمد
وقل هو الله أحد وفي الثانية: الحمد وقل يا أيها الكافرون، وإن كان في وقت صلاة
مكتوبة فصل ركعتي الإحرام قبل الفريضة ثم صل الفريضة وأحرم في دبرها ليكون
أفضل.
فإذا فرغت من صلاتك فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي ص
وقل: اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك
وإني عبدك وفي قبضتك لا أوقي إلا ما أوقيت ولا أخذ إلا ما أعطيت، اللهم
إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك
20

صلواتك عليه وآله فإن عرض لي عارض فحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري وبشري
ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب أبتغي بذلك
وجهك الكريم والدار الآخرة.
ويجزئك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم.
ثم قم فامض هنيئة فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أم ماشيا فقل:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك لبيك. هذه الأربع مفروضات، ثم تقول:
لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك، لبيك داعيا إلى دار
السلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك،
لبيك أنت الغني ونحن الفقراء إليك لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك،
لبيك إله الخلق لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك، لبيك
كشاف الكرب العظام لبيك، لبيك عبدك ابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك،
لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله لبيك، بحجة
وعمرة معا لبيك، لبيك فهذه متعة عمرة إلى الحج لبيك، لبيك تمامها
وبلاغها عليك لبيك.
تقول هذه في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك أو علوت شرفا
أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك أو ركبت أو نزلت أو
بالأسحار، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أنها أفضل، وأكثر من ذي المعارج.
ولا بأس أن تدهن حين تريد أن تحرم بدهن الحناء والبنفسج وسليخة البان وبأي
دهن شئت إذا لم يكن فيه مسك أو عنبر أو زعفران أو ورس قبل أن تغتسل للإحرام ولا
تجمر ثوبا لإحرامك.
والسنة في الإحرام تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة. وإذا اغتسل الرجل
بالمدينة لإحرامه ولبس ثوبين ثم نام قبل أن يحرم فعليه إعادة الغسل، وروي: ليس عليه
21

إعادة الغسل. وإن لبست ثوبا من قبل أن تلبي فانزعه من فوق وأعد الغسل ولا شئ
عليك، وإن لبسته بعد ما لبيت فانزعه من أسفل وعليك دم شاة، وإن كنت جاهلا فلا
شئ عليك، ولا بأس أن تمسح رأسك بمنديل إذا اغتسلت للإحرام.
واعلم أن غسل ليلتك يجزئك ليومك وغسل يومك يجزئك لليلتك ولا بأس للرجل أن
يغسل بكرة ويحرم عشية.
واتق في إحرامك الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال واتق الصيد
والجدال وقول الرجل: لا والله وبلى والله، فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا
شئ عليك وإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم بقرة فإن جادلت مرة كاذبا
فعليك دم شاة فإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة فإن جادلت ثلاث مرات كاذبا
فعليك بدنة، والفسوق الكذب فاستغفر الله منه والرفث الجماع.
فإن جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل ويجب أن تفرق بينك
وبين أهلك حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعا فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما
أخذتما فيه عام أول لم يفرق بينكما، وعلى المرأة إذا جامعها الرجل بدنة فإن أكرهها
لزمته بدنتان ولم يلزم المرأة شئ، فإن كان جماعك دون الفرج فعليك بدنة وليس عليك
الحج من قابل، وإن وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام وقبل أن تلبي فليس عليك
شئ واغتسل النبي ص بذي الحليفة للإحرام وصلى ثم قال: هاتوا ما
عندكم من لحوم الصيد فأتي بحجلتين فأكلهما قبل أن يحرم، وإن كان معك أم ولد لك
فأحرمت قبل أن تحرم فإن لك أن تنقض إحرامها وتواقعها إن أحببت.
ووضع عن النساء أربعا: الإجهار بالتلبية والسعي بين الصفا والمروة ودخول
الكعبة واستلام الحجر الأسود. ولا بأس أن تلبي وأنت على غير طهر وعلى كل حال،
ولا بأس أن تحرم في ثوب له
علم، ولكل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه فإن كان عندك ثوب مصبوع بالزعفران
وأحببت أن تحرم فيه فاغسله حتى تذهب ريحه ويضرب إلى البياض ثم أحرم فيه، ولا
بأس أن تحرم في ثوب مصبوع ممشق، وإذا أصاب ثوبك جنابة وأنت محرم فلا تلبسه حتى
22

تغسله وإحرامك تام، ولا بأس أن تحرم في خمصة سداها من إبريسم ولحمتها من خز إنما
يكره الخالص منها.
ولا بأس أن تلبس الطيلسان المزرور وأنت محرم وإنما كره أمير المؤمنين ع
ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه وأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه، فإن اضطررت إلى لبس
القباء وأنت محرم ولم تجد ثوبا غيره فألبسه مقلوبا ولا تدخل يديك في يد القباء، وإن
لبست في إحرامك ثوبا لا يصلح لبسه فلب وأعد غسلك، وإن لبست قميصا فشقه
وأخرجه من تحت قدميك.
ولا بأس أن يلبس المحرم الجوربين والخفين إذا اضطر إليهما، ويكره أن ينام
المحرم على الفراش الأصفر والمرفقة، ولا بأس أن يلبس المحرم السلاح إذا خاف، ولا
يجوز أن يحرم في الملحم، ولا بأس للمحرم أن يلبس مع ثوبيه ما شاء من طيلسان أو
كساء حتى يستدفئ، ولا بأس أن تحرم في ثوب فيه حرير.
والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين، ويكره النقاب ولا بأس
أن تسدل الثوب على وجهها إلى طرف الأنف قدر ما تبصر، ولا تلبس المحرمة الحلي ولا
الثياب المصبغة إلا صبغا لا يردع وإن مر بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها
من الشمس، ولا بأس أن تلبس الخز والقز، ولا بأس أن تلبس المرأة القميص وتزر
عليها والديباج وتلبس المسك والخلخالين ولا تتلثم، ولا بأس أن تحرم في الذهب
والفضة، ولا بأس أن تسدل الثوب على وجهها من أعلاه إلى النحر إذا كانت راكبة
وتلبس السراويل وهي محرمة لأنها تريد بذلك الستر ولا يجوز للمرأة أن تتنقب لأن
إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه.
وإياك أن تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن، واتق الطيب وأمسك
على أنفك من الريح الطيبة ولا تمسك عليه من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن
يتلذذ بريح طيبة، واتق الطيب في زادك فمن ابتلي بشئ من ذلك فليعد الغسل
وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر
والزعفران والورس. غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلا للمضطر إلى الزيت أو
23

شبهه ولا بأس أن يتداوى به.
وإن أكلت زعفرانا متعمدا وأنت محرم أو طعاما فيه طيب فعليك دم شاة وإن كنت
ناسيا فاستغفر الله وتب إليه ولا شئ عليك، وكل من أكل طعاما لا ينبغي له أكله
وهو محرم ساهيا أو ناسيا فلا شئ عليه ومن فعله متعمدا فعليه دم كما ذكرناه، ولا
بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامي والشيخ وأشباهه وأنت محرم، وإن أكلت
خبيصا فيه زعفران حتى شبعت منه وأنت محرم فإذا فرغت من مناسك وأردت الخروج
من مكة فابتع بدرهم تمرا وتصدق به فيكون كفارة لذلك ولما دخل عليك في إحرامك
مما لا تعلم.
وروي عن إسماعيل بن جابر أنه عرضت له ريح في وجهه من علة أصابته وهو محرم
فقال لأبي عبد الله: إن الطيب يعالجني. ووصف لي سعوطا فيه مسك قال: استعط
به.
ولا تنظر في المرآة وأنت محرم فإنه من الزينة، ولا بأس أن يكتحل المحرم إذا كان
رمدا بكحل ليس فيه طيب ولا بأس إن يكتحل بصبر ليس فيه زعفران ولا ورس،
وروي: أنه لا بأس للمرأة المحرمة أن تكتحل بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة. ولا
بأس أن يحتجم المحرم إذا خاف على نفسه ولا يحلق قفاه وإذا جرحت بالمحرم جروح فلا
بأس أن يتداوى بدواء فيه زعفران إذا كان ريح الأدوية غالبة على الزعفران وإذا كانت
ريح الزعفران غالبة على الدواء فلا يجوز أن يتداوى به، ولا بأس أن يعصر المحرم الدمل
ويربط عليه الخرقة وكذلك إذا كانت به شجة أو كانت في جسده قروح فلا بأس أن
يداويها ويعصبها بخرقة وإذا آذى المحرم ضرسه فلا بأس أن يقلعه.
ولا يجوز للمحرم أن يركب في القبة إلا أن يكون مريضا وأما النساء فلا بأس أن
تستظل المرأة وهي محرمة، ولا بأس أن يضرب على المحرم الظلال ويتصدق بمد لكل
يوم، ولا بأس أن تضرب القبة على النساء والصبيان وهم محرمون ولا يرتمس المحرم في
الماء ولا الصائم، ولا بأس أن يضلل المحرم على محمله إذا كانت به علة أو خاف المطر
فإذا أصابه حر الشمس وتأذى به فلا بأس أن يستتر بطرف رأسه ما لم يصب برأسه،
24

وروي: أن لا يتغطى المحرم من البرد والحر. ولا بأس أن يمشي تحت ظل المحمل
ولا بأس أن يضع ذراعيه على وجهه من حر
الشمس وإذا غطى المحرم رأسه ساهيا أو ناسيا فليلق القناع وليلب وليس عليه شئ،
ولا بأس أن ينام المحرم على وجهه وهو على راحلته، ولا بأس أن يمسح وجهه من الوضوء
متعمدا.
وسئل أبو جعفر ع: ما الفرق بين الفسطاط وبين ظل المحمل؟ فقال: لا
ينبغي أن تستظل في ظل المحمل والفرق بينهما أن المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي
الصيام ولا تقضي الصلاة فقال: صدقت جعلت فداك. قال مصنف هذا الكتاب:
معناه أن السنة لا تقاس.
ولا بأس للمحرم أن يلبس الهميان فيشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته، ولا
بأس أن يشد العمامة على بطنه ولا يرفعهما إلى صدره، ولا بأس أن يضع المحرم عصام
القربة على رأسه إذا استقى ولا يجوز للمحرم أن يعقد إزاره في عنقه.
وإذا قلم المحرم أظفاره فعليه في كل إصبع مد من طعام، فإن هو قلم عشرتها فعليه
دم شاة، فإن قلم أظفار يديه ورجليه جميعا في مجلس واحد فعليه دم شاة، وإن كان فعله
في مجلسين فعليه دمان، وإن كان جاهلا أو ناسيا أو ساهيا فلا شئ عليه، وسئل
أبو عبد الله ع عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ذلك. قال: لا
يقص منها شيئا إن استطاع وإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من
طعام.
وإذا نتف الرجل إبطه بعد الإحرام فعليه دم، ومر رسول الله ص على
كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له: أ يؤذيك هوامك؟
قال: نعم، فأنزلت هذه الآية: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك. فأمره رسول الله ص أن يحلق رأسه وجعل عليه
الصيام ثلاثة أيام.
والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان والنسك شاة، وكل شئ في القرآن
25

بلفظ أو فصاحبه بالخيار.
فإذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه أن يتصدق بكف أو بكفين
من طعام، وإذا حككت رأسك فحكه حكا رقيقا ولا تحك بالأظفار ولكن بأطراف
الأصابع.
والمحرم تلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده وإن أحب أن يحول قملة
من مكان إلى مكان فلا يضر، وسئل الصادق ع: يجوز للمحرم أن يحك رأسه أو
يغتسل بالماء؟ فقال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصب
على رأسه ما لم يكن ملبدا فإن كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام.
وسأل ابن سنان أبا عبد الله ع فقال: إني وجدت علي قرادا وحلمة
أطرحهما عني وأنا محرم؟ فقال: نعم وصغارا لهما أنهما رقيا في غير مرقاهما. ولا بأس أن
يدخل المحرم الحمام ولكن لا يتدلك.
وليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلا فإن زوج أو تزوج فتزويجه باطل، فإن ملك
رجل بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل فعليه أن يخلى سبيلها وليس نكاحه بشئ فإذا
أحل خطبها إن شاء فإن شاء أهلها زوجوه وإن شاؤوا لم يزوجوه، فإذا تزوج المحرم مرأة
فرق بينهما ولها المهر إن كان دخل بها.
وإن وقع رجل على امرأة وكانا محرمين فإن كانا جاهلين فليس عليهما شئ وإن
كانا عالمين فعلى كل واحد منهما بدنة وإن استكرهها فعليه بدنتان وليس عليها شئ.
وسأل ابن مسلم أبا عبد الله ع عن الرجل يحمل امرأة ويمسها فأمنى أو
أمذى. فقال: إذا حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة
يهريقه، وإن حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شئ أمنى أو لم يمن. وسأله أبو بصير
عن رجل واقع امرأة وهو محرم. قال: عليه جزور كوماء. فقال: لا يقدر. فقال: ينبغي
لأصحابه أن يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجه.
وإن نظر محرم إلى غير أهله فأنزل فعليه جزور أو بقرة وإن لم يقدر فشاة، وإن نظر
المحرم إلى المرأة نظر شهوة فليس عليه شئ فإن لمسها فعليه دم شاة فإن قبلها فعليه بدنة،
26

وإن أتى المحرم أهله ناسيا فلا شئ عليه وإنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو
ناس.
وسأل أبو بصير أبا عبد الله ع عن رجل محرم نظر إلى ساق امرأة أو إلى
فرجها فأمنى. فقال: إن كان موسرا فعليه بدنة وإن كان وسطا فعليه بقرة وإن كان
فقيرا فعليه شاة. وقال: إني لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى ولكن جعلته عليه لأنه نظر إلى
ما لا يحل له. ومن واقع امرأة دون المزدلفة وقبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل.
والقارن إذا أحصر وقد اشترط وقال: حلني حيث حبستني. فلا يبعث بهديه ولا
يستمتع من قابل ولكن يدخل في مثل ما خرج منه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وإذا
بلغ الهدي محله أحل وانصرف إلى محله وعليه الحج من قابل.
والمحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه وقد فعل رسول الله
ص ذلك يوم الحديبية حين رد المشركون بدنه وأبوا أن يذبحوها مبلغ
النحر فأمر بها فنحرت مكانه، وقال أبو عبد الله ع، المحصور غير المصدود.
وقال: المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله
ص وأصحابه ليس من مرض، والمصدود يحل له النساء والمحصور لا يحل
له.
وسأل سماعة أبا عبد الله ع عن رجل أحصر في الحج. قال: فليبعث
بهديه إذا كان مع أصحابه ومحله أن يبلغ الهدي محله ومحله منى يوم النحر إذا كان في حج
وإن كان في عمرة نحر بمكة وإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما فإذا كان ذلك اليوم فقد
وفى فإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله.
وإذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة، فأما الفأرة فإنها
توهي السقاء وتضرم على أهل البيت وأما العقرب فإن نبي الله ص مد يده
إلى جحر فلسعته العقرب فقال: لعنك الله لا تذرين برا ولا فاجرا. والحية إذا أرادتك
فاقتلها فإن لم تردك فلا تردها.
والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما وإن لم يريداك فلا تؤذهما، والأسود
27

الغدر فاقتله على كل حال، وارم الغراب رميا والحدأة على ظهر بعيرك والذئب إذا أراد
قتلك فاقتله، ومتى عرض لك سبع فامتنع منه فإن أبي فاقتله إن استطعت، وإن عرضت
لك لصوص امتنعت منهم.
ولا بأس أن يذبح المحرم الإبل والبقر والغنم وكل ما لم يصف من الطير، ولا تذبح
الصيد في الحرم وإن صيد في الحل، فإن أصاب المحرم نعامة أو حمار وحش فعليه بدنة فإن
لم يقدر عليها أطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر على ما يتصدق به فليصم ثمانية عشر
يوما، وإن أصاب بقرة فعليه بقرة وإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر
فليصم تسعة أيام، وإن أصاب ظبيا فعليه شاة وإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين
فإن لم يقدر فعليه صيام ثلاثة أيام.
فإن رمى محرم ظبيا فأصاب يده فعرج منها فإن كان مشى عليها ورعى فليس عليه
شئ وإن كان ذهب على وجهه لا يدري ما صنع فعليه فداؤه لأنه لا يدري ما صنع لعله
هلك وإن تعمد ذلك فعليه فداؤه وإثمه، وفي الثعلب وفي الأرنب دم شاة.
وإذا وجبت على الرجل بدنة في كفارة ولم يجدها فعليه سبع شياة فإن لم يقدر صام
ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله.
وإذا قتل المحرم نعامة فعليه بدنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا فإن كانت قيمة
البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا.
وإن قتل حمامة من حمامات الحرم خارجا من الحرم فعليه شاة فإن قتلها في الحرم
وهي حلال فعليه ثمنها، وإن قتل فرخا من فراخ الحرم فعليه حمل قد فطم، وإن أصاب
قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر.
وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض فإن لم يجد
شاة فعليه صيام ثلاثة أيام فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين، وإذا وطئ بيض نعام
ففدغها وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض فما لقح وسلم
حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة، فإن وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه أن يرسل
الفحل من الغنم في مثل عدد البيض كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل، وما
28

وطئت أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه.
واعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في
عمرتك إلا الصيد فإن فيه الفداء بجهالة كان أو تعمد فإن أصبته وأنت حلال في الحرم
فعليك الفداء مضاعفا، وإن قتلت طيرا وأنت محرم في غير الحرم فعليك دم شاة وليس
عليك قيمته لأنه ليس في الحرم.
وإن اشترى رجل لرجل بيضا فأكله المحرم فعلى المحل الجزاء قيمة البيض لكل
بيضة درهم وعلى المحرم لكل بيضة شاة، وفي الحمامة درهم إذا أصابها المحل وفي الفرخ
نصف درهم وفي البيضة ربع درهم.
وإن أصاب محل صيدا فأتى به رجلا محرما فلا يجوز أن يأكل منه، وإذا اضطر المحرم
إلى صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي، وإذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه ويتصدق
بالصيد على مسكين فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه وينتقم الله منه في
الآخرة وهو قول الله عز وجل: ومن عاد فينتقم الله منه.
ولا بأس أن يصيد المحرم السمك ويأكل طريه ومالحه ويتزوده، وإن قتل جرادة
فعليه تمرة وتمرة خير من جرادة فإن كان كثيرا فعليه دم شاة ومر أبو جعفر ع على
أناس يأكلون جرادا وهم محرمون فقال: سبحان الله وأنتم محرمون. قالوا: إنما هو صيد
البحر. فقال لهم: أرمسوه في الماء إذا.
فإن قتل قطاية فعليه أن يتصدق بكف من طعام، فإن قتل زنبورا خطأ فلا شئ
عليه وإن كان عمدا فعليه أن يتصدق بكف من طعام، وإن أصاب المحرم صيدا خارجا
من الحرم فذبحه ثم أدخله الحرم مذبوحا وأهدى إلى رجل محل فلا بأس أن يأكل إنما
الفداء على الذي أصابه وسئل الصادق ع عن المحرم يصيب الصيد فيفديه
يطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون عليه فداء آخر. قيل: فأي شئ يصنع به؟ قال:
يدفنه.
وكل من وجب عليه فداء شئ أصابه وهو محرم فإن كان حاجا نحر هديه الذي
يجب عليه بمنى وإن كان معتمرا نحره بمكة قبال الكعبة، فإن قتل محرم فرخا في غير الحرم
29

فعليه حمل وليس عليه قيمة لأنه ليس في الحرم ويذبح الفداء إن شاء في منزله بمكة وإن
شاء بالحزورة بين الصفا والمروة قريب من موضع النخاسين وهو معروف.
فإذا بلغت الحرم فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ وإن اغتسلت بمكة فلا بأس، فإذا
نظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية وحدها عقبة المدنيين أو بحذائها، ومن أخذ على طريق
المدينة قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكة وهي عقبة ذي طوى وعليك بالتكبير والتهليل
والتمجيد والتسبيح والصلاة على النبي ص.
فإذا أردت أن تدخل المسجد فادخل من باب بني شيبة بالسكينة والوقار وأنت
حاف فإنه من دخله بخشوع غفر له وقل وأنت على باب المسجد:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته بسم الله وبالله ومن الله وما
شاء الله والسلام على أنبياء الله ورسله والسلام على رسول الله صلى الله عليه
وآله والسلام على إبراهيم والحمد لله رب العالمين.
فإذا دخلت المسجد فانظر إلى الكعبة وقل:
الحمد لله الذي عظمك وشرفك وكرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا
مباركا وهدى للعالمين.
ثم ارفع يديك وقل:
اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي وتتجاوز
عن خطيئتي وتضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني
أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى
للعالمين.
ثم انظر إلى الحجر الأسود وارفع يديك وأحمد الله واثن عليه وصل على النبي وآله
واسأله أن يتقبله منك، ثم استلم الحجر وقبله فإن لم تقدر عليه فامسحه بيدك اليمنى
وقبلها وإن لم تقدر فأشر إليه بيدك وقل:
اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة آمنت بالله
وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وعبادة الشياطين وعبادة الأوثان
30

وعبادة كل ند يدعى من دون الله. فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه.
وتقول وأنت في طوافك:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض وأسألك باسمك المخزون عندك وأسألك باسمك الذي يهتز له
العرش وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك وأسألك باسمك الذي
دعاك به موسى من جانب الطور الأيمن فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك
وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدم من ذنبه
وما تأخر وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا.
فإذا بلغت مقابل الميزاب فقل:
اللهم أعتق رقبتي من النار وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة
الجن والإنس.
فإذا بلغت الركن اليماني فالتزمه وصل على النبي ص في كل شوط
وقل بين هذا الركن والركن الذي فيه الحجر:
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار.
فإذا كنت في الشوط السابع فقم بالمستجار وتعلق بأستار الكعبة وهو مؤخر الكعبة مما
يلي الركن اليماني بحذاء باب الكعبة وابسط يديك على البيت وألصق خدك وبطنك
بالبيت ثم قل:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار.
ثم استلم الركن الذي فيه الحجر واختم به وقل:
اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني إنك على كل شئ قدير.
ثم ائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واقرأ فيهما الحمد وقل يا أيها الكافرون وقل هو
الله أحد، ثم تشهد ثم أحمد الله واثن عليه وصل على النبي ص واسأله أن
يتقبله منك فهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات
شئت عند طلوع الشمس أو عند غروبها ما لم يكن وقت صلاة مكتوبة فإن دخل عليك
31

وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها ثم صل ركعتي الطواف.
ثم تقوم فتأتي الحجر الأسود فتقبله أو تستلمه أو تومئ إليه فإنه لا بد لك من ذلك
فإن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل وتقول حين تشرب:
اللهم اجعله لي علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم إنك
قادر يا رب العالمين.
ثم اخرج إلى الصفا وقم عليه حتى تستقبل وتنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي
فيه الحجر الأسود وأحمد الله واثن عليه وقل:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو
على كل شئ قدير. ثلاث مرات.
ثم انحدر عن الصفا وأنت كاشف عن ظهرك وتقول:
يا رب العفو يا من أمرنا بالعفو يا من يحب العفو يا من يثيب على العفو يا من
هو أولى بالعفو العفو العفو العفو يا جواد يا كريم يا قريب يا بعيد أردد على
واستعملني طاعتك ومرضاتك.
ثم انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى وهرول
واسع ملأ فروجك وقل:
بسم الله والله أكبر اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز
الأكرم. حتى تجوز زقاق العطارين.
وتقول إذا جاوزت المسعى:
يا ذا المن والفضل والكرم ذا النعماء والجود صل على محمد وآل محمد
واغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة وتصعد عليها حتى يبدو لك البيت
واصنع عليها مثل ما صنعت على الصفا، فإذا بلغت حد زقاق العطارين فاسع ملأ
فروجك إلى المنارة الأولة التي تلى الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم
بالمروة.
32

ثم قصر من رأسك من جوانبه ومن حاجبيك وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق
منها لحجك، ثم اغتسل فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه وطف
بالبيت تطوعا ما شئت، وإن طفت بالبيت والصفا والمروة وقد تمتعت ثم عجلت فقبلت
أهلك قبل أن تقصر من رأسك فإن عليك دما تهريقه، وإن جامعت فعليك جزور أو
بقرة، وإن كنت جاهلا فلا شئ عليك.
فإن نسي المتمتع التقصير حتى يهل بالحج فإن عليه دما يهريقه وروي: يستغفر الله.
وإن عقص رجل رأسه وهو متمتع فقدم مكة وحل عقاص رأسه وقصر وأحل وادهن فإن
عليه دم شاة، وإن تمتع رجل بالعمرة إلى الحج فدخل مكة وطاف وسعى ولبس ثيابه
وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات فلا بأس به يبني على العمرة وطوافها
وطواف الحج على أثره، فإن أراد المتمتع أن يقصر فحلق رأسه فإن عليه دما يهريقه فإذا
كان يوم النهر أمر الموسي على رأسه حين يريد أن يحلق، وروي: إذا حلق المتمتع رأسه
بمكة فليس عليه شئ إن كان جاهلا وناسيا وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين
يوما منها فليس عليه شئ وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه
دما يهريقه.
وسأل رجل أبا عبد الله ع فقال: إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي
ولم أقصر. قال: عليك بدنة. فقال: إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت
فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها. فقال: رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة
وليس عليها شئ.
وإن قدمت مكة وأقمت على إحرامك فقصر الصلاة ما دمت محرما، فإذا دخلت
الحرمين فانو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة ولا تدخل مكة إلا بإحرام إلا من به مطر أو
وجع شديد، فإذا دخل الرجل مكة في السنة مرة ومرتين وثلاثا فمتى ما دخل لبى ومتى
خرج أحل، وإذا قضى المتمتع متعته وعرضت له حاجة أراد أن يخرج فليغتسل للإحرام
وليهل بالحج وليمض في حاجته فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات وإن
عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا
33

بالحج فلا يزال كذلك على إحرامه.
فإن رجع إلى مكة محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على
إحرامه، فإن شاء كان وجهه إلى منى، فإن جهل وخرج إلى المدينة ونحوها بغير إحرام ثم
رجع في أيام الحج في أشهر الحج مريدا للحج فإن رجع في شهره دخل بغير إحرام وإن
دخل في غير شهره دخل محرما.
والعمرة الأخيرة عمرته وهو محتبس بما يلبي ويلبي بحجة، والفرق بين المفرد وبين
عمرته المتعة إذا دخل في أشهر الحج أبدا أحرم بالعمرة وهو ينوي العمرة ثم أحل منها ولم
يكن عليه دم ولم يكن محتبسا بها لأنه لم يكن نوى الحج.
وإذا حاضت المرأة قبل أن تحرم فإذا بلغت الوقت فلتغتسل ولتحتش ولتخرج وتلب
ولا تصل وتلبس ثياب الإحرام، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأخرى حتى
تطهر، فإذا دخلت مكة وقفت حتى تطهر فإذا طهرت طافت بالبيت وقضت نسكها.
وإذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا وبالمروة وجاوزت النصف
فلتعلم على الموضع الذي بلغت فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي
أعلمته، وإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله،
وروي: أنها إن كانت طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثم رأت الدم حفظت مكانها فإذا
طهرت طافت واعتدت بما مضى.
وسئل أبو عبد الله ع عن الطامث. قال: تقضي المناسك كلها غير أنها لا
تطوف بين الصفا والمروة. فقيل: إن بعض ما تقضي من المناسك أعظم من الصفا والمروة
فما بالها تقضي المناسك ولا تطوف بين الصفا والمروة؟ قال: لأن الصفا والمروة تطوف
بينهما إذا شاءت وهذه المواقف لا تقدر أن تقضيها إذا فاتها.
وإن قدم المتمتع يوم التروية فله أن يتمتع ما بينه وبين الليل، فإن قدم ليلة عرفة
فليس له أن يجعلها متعة يجعلها حجا مفردا، وإن دخل المتمتع مكة فنسي أن يطوف
بالبيت وبالصفا والمروة حتى كانت ليلة عرفة فقد بطلت عمرته يجعلها حجا مفردا.
وكل من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي، فإذا أراد أن يحج عن
34

نفسه أو يعتمر بعد ما انصرف من عرفات فليس له أن يحرم بمكة ولكن يخرج إلى الوقت،
والمجاور بمكة إذا كان صرورة فله أن يحرم في أول يوم من العشر الأول وإن لم يكن
صرورة فإنه يخرج لخمس مضين من الشهر.
فإن طفت بالبيت المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف وروي: يضيف إليها ستة
فيجعل واحدا فريضة والآخر نافلة، وإن طفت طواف الفريضة بالبيت فلم تدر ستة
طفت أو سبعة فأعد طوافك فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شئ، وإن طفت ستة
أشواط طفت شوطا آخر فإن فاتك ذلك حتى أتيت أهلك فمر من يطوف عنك. وسئل
أبو عبد الله ع عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة. فقال: طواف نافلة أو
فريضة؟ قيل: أجبني عنهما جميعا قال: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت وإن
كان طواف فريضة فأعد الطواف.
فإذا كان يوم التروية فاغتسل، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد وعليك السكينة
والوقار فطف بالبيت أسبوعا إن شئت، ثم صل ركعتين لطوافك عند مقام إبراهيم
ع أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس فصل المكتوبة
وقل مثل ما قلت يوم أحرمت بالعقيق، ثم اخرج وعليك السكينة والوقار فإذا انتهيت إلى
الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى، ثم تقول وأنت متوجه
إلى منى:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي.
فإذا أتيت منى فقل:
اللهم إن هذا مني وهي مما مننت علينا به من المناسك فأسألك أن
تمن على فيها بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك.
ثم صل بها العصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثم تمضى إلى عرفات وتقول
وأنت متوجه إليها:
اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في
أجلي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني.
35

ثم تلبي وأنت مار إلى عرفات.
فإذا أتيت عرفات فاضرب خباءك بنمرة قريبا من المسجد فإن ثم ضرب رسول الله
ص خباءه وقبته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية وعليك
بالتهليل والتحميد والثناء على الله، ثم اغتسل وصل الظهر والعصر وتجمع بينهما لتفرع
نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة واعمل بما في كتاب دعاء الموقف من الدعاء
والتمجيد والتهليل والصلاة على النبي ص وجميع ما فيه.
الإفاضة من عرفات:
إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس فيلزمك دم شاة فإذا غربت الشمس
فأفض، فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر على يمين الطريق فقل:
اللهم ارحمني وارحم ضعفي وموقفي وزد في عملي وسلم ديني وتقبل
مناسكي.
فإذا أتيت المزدلفة وهي الجمع فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين ولا
تصلهما إلا بها وإن ذهب ربع الليل وبت بالمزدلفة، فإذا طلع الفجر فصل الغداة ثم
قف بها بسفح الجبل إلى أن تطلع الشمس على جبل ثبير وقف بها فإن الوقف بها فريضة
فاحمد الله وهلله وسبحه ومجده وكبره وصل على النبي ص وادع لنفسك ما
بينك وبين طلوع الشمس على ثبير، فإذا طلعت ورأت الإبل مواضع أخفافها في الحرم
فاقض حتى تأتي واد محسر فأرمل فيه مقدار مائة خطوة وقل كما قلت بالمسعى بمكة.
ثم امض إلى منى فإن أحببت أن تأخذ حصاك الذي ترمى به من مزدلفة فعلت،
وإن أحببت أن تكون من رحلك بمنى فأنت في سعة فاغسلها واقصد إلى الجمرة القصوى
وهي جمرة العقبة فارمها سبع حصيات من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها ويكون بينك
وبين الجمرة عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا وتقول والحصى في يديك:
اللهم إن هذه حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي. ثم تقول مع كل
حصاة إذا رميتها: الله أكبر. ولتكن الحصاة مثل الأنملة منقطة كحلية.
فإذا أتيت رحلك ورجعت من رمى الجمار فقل:
36

اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب أنت ونعم المولى ونعم النصير.
ثم اشتر هديك إن كان من البدن أو من البقر وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا فإن
لم تجد فحلا فموجوء من الضأن فإن لم تجد فتيسا فحلا فإن لم تجد فحلا فما تيسر لك،
وعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، ولا تعط الجزار جلودها ولا قلائدها ولا جلالها
ولا شيئا منها ولكن تصدق بها ولا تعط السلاخ منها شيئا.
وقال والدي رحمه الله في رسالته إلى: يا بني اعلم أنه لا يجوز في الأضاحي من البدن
إلا الثني وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية. ويجزئ من المعز والبقر الثني وهو الذي
تم له خمس سنين ودخل في السادسة ويجزئ من الضأن الجذع لسنة ويجزئ البقرة عن
خمسة نفر إذا كانوا من أهل البيت، وروي: أن البقرة لا تجزئ إلا عن واحد فإذا
عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين. وإذا اشتريت هديك فانحره أو اذبحه وقل:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك بسم الله وبالله والله أكبر
اللهم تقبل مني.
ثم اذبح وانحر ولا تنخع حتى يموت، ثم كل وتصدق وأطعم وأهد إلى من شئت،
وسئل الصادق ع عن قول الله تبارك وتعالى: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها
وأطعموا القانع والمعتر. قال: القانع الذي يقنع بما تعطيه والمعتر الذي يعتريك.
وسئل عن لحوم الأضاحي فقال: كان علي بن الحسين وأبو جعفر ع
يتصدقان بثلث على جيرانهم وثلث على السؤال ويمسكان الثلث الآخر لأهل البيت.
وكره أبو عبد الله أن يطعم المشرك من لحوم الأضاحي، وكان علي بن الحسين ع
يطعم من ذبيحته الحرورية ويعلم أنهم حرورية، ولا بأس باخراج الجلد والسنام من
الحرم، ولا يجوز اخراج اللحم منه وسئل الصادق ع عن فداء الصيد يأكل
صاحبه من لحمه؟ فقال: يأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء.
37

الحلق:
فإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة والحلق إلى العظمين النابتين من الصدغين
قبالة وتد الأذنين فإذا حلقت فقل:
اللهم أعطني لكل شعرة نورا يوم القيامة.
وادفن شعرك بمنى فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه قال: إن المؤمن إذا
حلق رأسه بمنى ثم دفن شعره جاء يوم القيامة وكل شعرة لها لسان مطلق تلبي باسم
صاحبها. وقال رسول الله ص: رحم الله المحلقين. قيل: يا رسول الله
والمقصرين؟ قال: رحم الله المحلقين. قيل: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: رحم الله
المحلقين. قيل: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: والمقصرين.
وإذا لبد الرجل رأسه أو عقصه بخيط في الحج والعمرة فليس له أن يقصر وعليه
الحلق، وإذا عقص المحرم رأسه وهو متمتع فقام فقضى نسكه وحل عقاصه وقصر وادهن
وأحل فعليه شاة.
واعلم أن الصرورة لا يجوز له أن يقصر وعليه الحلق إنما التقصير لمن قد حج حجة
الاسلام، ولا تلق شعرك إلا بمنى فإن جهلت أن تقصر من رأسك أو تحلقه حتى ارتحلت
من منى فارجع إلى منى فألق شعرك بها حلقا كان أو تقصيرا، ولا تغسل رأسك
بالخطمي حتى تحلقه فإن أبا عبد الله ع نهى عن ذلك وفي حديث آخر سئل يجوز
للرجل أن يغسل رأسه بالخطمي قبل أن يحلقه؟ قال: يقصر ويغسله. وسئل أبو جعفر
ع عن قول الله عز وجل: ثم ليقضوا تفثهم. قال: هو حفوف الرجل من
الطيب.
وروي: أن التفث هو الحلق وما في جلد الانسان. وروي: أن التفث هو ما يكون
من الرجل في حال إحرامه. فإذا دخل مكة وطاف وتكلم بكلام طيب كان ذلك كفارة
لذلك، وسئل أبو عبد الله ع عن رجل زار البيت ولم يحلق رأسه. قال: يحلقه
بمكة ويحمل شعره إلى منى وليس عليه شئ. ولا تحلق رأسك حتى تذبح فإن الله عز وجل
يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. وروي: إذا اشترى الرجل
38

هديه وقمطه في رحله فقد بلغ محله.
وإن جهلت فحلقت رأسك قبل أن تذبح فليس عليك شئ، وإن نسيت أن تذبح
بمنى حتى زرت البيت فاشتر بمكة وانحر بها وليس عليك شئ وقد أجزأت عنك، وكل
من زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنه لا ينبغي فعليه دم شاة فإن كان جاهلا فلا شئ
عليه، وإذا تمتع الرجل بالعمرة ووقف بعرفة وبالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق فلا يجوز
له أن يغطى رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة فإن كان قد فعل فلا شئ عليه.
وإذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب، فإذا
زار البيت فطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم إلا النساء، فإذا
طاف طواف النساء فقد أحل من كل شئ أحرم منه.
وروي: عن إدريس القمي أنه قال لأبي عبد الله ع: إن مولى لنا تمتع
فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت. قال: بئس ما صنع. قلت: عليه شئ؟
قال: لا. قلت: فإني رأيت أن أبي سماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفان وقباء
ومنطقة. فقال: بئس ما صنع. قلت: عليه شئ؟ قال: لا.
ويكره للمتمتع أن يطلى رأسه بالحناء حتى يزور البيت، وإن وقع رجل على امرأة قبل أن
يطوف طواف النساء فعليه جزور سمينة وإن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن أحل
رجل من إحرامه ولم تحل امرأته فعليها بدنة يغرمها زوجها، وروي: إذا وقع الرجل على
المرأة وقد طاف بالبيت والصفا والمروة طوافا واحدا للحج ما عليه؟ قال: يهريق دم
جزور أو بقرة أو شاة.
ومن كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام يوما قبل التروية ويوم التروية
ويوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام صام بمكة ثلاثة
أيام، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، فإن كان له مقام بمكة فأراد أن
يصوم السبع ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام.
وروي: أن رسول الله ص بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل
أورق فأمره أن ينهى الناس عن صيام أيام منى فتخلل بديل الفساطيط ينادي بأعلى
39

صوته: أيها الناس لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال، والبعال الجماع.
وروي: إذا لم يجد المتمتع الهدي حتى يقدم أهله أن يبعث بدم. ومن لم يتهيأ له
صيام الثلاثة الأيام بمكة فليصمها بالمدينة وسبعة إذا رجع إلى أهله، وإذا تمتع الرجل
بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام ثلاثة في الحج ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل
أن يصوم السبعة فليس عليه ولا على وليه أن يقضي عنه.
وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع أنه قال: من مات ولم يكن له
هدي لتمتعه فليصم عنه وليه. فإن صام المتمتع ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم
خروجه من منى فقد أجزأه صيامه وليس عليه شئ، فإن صام يوم التروية ويوم عرفة
فإنه يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق، وسئل أبو عبد الله ع عن صوم أيام
التشريق فقال: أما بالأمصار فلا بأس وأما بمنى فلا.
وسأل معاوية بن عمار أبا عبد الله ع عن رجل دخل متمتعا في ذي القعدة
وليس معه ثمن هدي يصوم ثلاثة أيام حتى يحول الشهر.
قال: فإن تحول الشهر يصوم قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. قال:
فالسبعة الأيام متى يصومها إذا كان يريد المقام؟ قال: يصومها إذا مضت أيام التشريق.
وسأله حماد بن عثمان عمن ضاع ثمن هديه يوم عرفة ولم يكن معه ما يشترى به. قال:
يصوم ثلاثة أيام أولها يوم الحصبة.
التكبير أيام التشريق:
التكبير من صلاة الظهر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق إن أنت أقمت بمكة
وإن أنت خرجت من منى فليس عليك التكبير، والتكبير أن تقول:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله
أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على
ما أبلانا.
40

الصلاة في مسجد الخيف:
وصل في مسجد الخيف وهو مسجد منى فإن رسول الله ص صلى فيه،
وروي: أنه صلى فيه ألف نبي. وإنما سمي الخيف لأنه مرتفع عن الوادي وكلما كان
مرتفعا أعلى الوادي يسمى خيفا.
فإذا أتيت البيت يوم النحر قمت على باب المسجد فقلت:
اللهم أعني على نسكي وسلمني منه وتسلمه مني أسألك مسألة العليل الذليل
المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي وأن ترجعني بحاجتي اللهم إني عبدك والبلد
بلدك والبيت بيتك جئتك أطلب رحمتك وأبتغي مرضاتك متبعا لأمرك راضيا
بقولك أسألك مسألة المضطر إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف
لعقوبتك أسألك أن تلقيني عفوك وتجيرني برحمتك من النار.
إتيان الحجر الأسود:
ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه فإن لم تستطعه فاستلمه بيدك وقبل يدك فإن لم
تستطع فاستقبله وأشر إليه بيدك وقبلها وكبر وقل مثل ما قلت حيث طفت بالبيت يوم
قدمت مكة وطفت بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم ع تقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، ثم ارجع إلى الحجر
الأسود فقبله إن استطعت واستلمه وكبر للخروج إلى الصفا، ثم اخرج إلى الصفا واصعد
عليه واصنع عليه كما صنعت يوم قدمت مكة تطوف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا
وتختم بالمروة فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه إلا النساء.
ثم ارجع إلى البيت فطف به أسبوعا وهو طواف النساء، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم ع أو حيث شئت من المسجد فإنه قد حل لك النساء وفرغت من حجك
كله إلا رمى الجمار وأحللت من كل شئ أحرمت منه، ثم ارجع إلى منى ولا تبت ليالي
أيام التشريق إلا بها فإن بت في غيرها فعليك دم شاة وإن خرجت بعد نصف الليل فلا
41

يضر لك الصبح في غيرها.
رمى الجمار:
وارم الجمار في كل يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال وكلما قرب من الزوال كان
أفضل وقل كما قلت يوم رميت جمرة العقبة يوم النحر وابدأه بالجمرة الأولى فارمها بسبع
حصيات من يسارها في بطن الوادي وقل مثل ما قلت يوم النحر حيث رميت جمرة
العقبة، ثم قف على يسار الطريق واستقبل البيت وأحمد الله واثن عليه وصل على النبي
ص، ثم تقدم قليلا وادع الله واسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم قليلا، ثم
افعل ذلك عند الوسطى ترميها بسبع حصيات، ثم اصنع كما صنعت بالأولى وتقف
وتدعو الله كما دعوت في الأولى، ثم امض إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارمها
بسبع حصيات ولا تقف عندها فإذا كان يوم النفر الأخير وهو اليوم الرابع من الأضحى
فاخرج وارم الجمار كما رميت في اليوم الثاني والثالث تمام سبعين حصاة فإذا فرغت
منها فاستقبل مني بوجهك واسأل الله أن يتقبل منك وادع بما بدا لك.
الإفاضة من منى:
ثم أفض منها إلى مكة مهللا ممجدا داعيا فإذا بلغت مسجد النبي ص
وهو مسجد الحصباء فاستلق فيه على قفاك واسترح فيه هنيئة، ثم ادخل مكة وعليك
السكينة والوقار وقد فرغت من كل شئ لزمك من حج أو عمرة وابتع بدرهم تمرا وتصدق
به ليكون كفارة لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم.
فإن أحببت أن تدخل الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ثم قل:
اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فأمني من النار.
ثم تصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين تقرأ فالركعة الأولى حم
السجدة وفي الثانية عدد آيها من القرآن ثم تقول:
42

يا الله يا الله يا الله يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم أن
تغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم لا إله إلا أنت. ولا
تدخلها بحذاء ولا خف ولا تبزق فيها ولا تمتخط.
وداع البيت:
إذا أردت وداع البيت فطف به أسبوعا، ثم صل ركعتين حيث أحببت من المسجد
وائت الحطيم - والحطيم ما بين باب البيت والحجر الأسود - فتعلق بالأستار وأنت قائم
فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي ص وأهل بيته ثم قل:
اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملته على دوابك وسيرته في بلادك
حتى أقدمته بيتك الحرام وقد كان في أملي ورجائي أن تغفر لي فإن كنت
يا رب قد فعلت ذلك فازدد عني رضا وقربني إليك زلفى وإن لم تكن فعلت
يا رب ذلك فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى داري عن بيتك الحرام غير راغب
عنه ولا مستبدل به هذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي اللهم فاحفظني من
بين يدي ومن خلفي ومن تحتي ومن فوقي وعن يميني وعن شمالي حتى تقدمني
أهلي صالحا فإذا أقدمتني أهلي فلا تخل مني واكفني مؤونة عيالي ومؤونة
خلقك.
فإذا بلغت باب الحناطين فانظر إلى الكعبة وخر ساجدا واسأل الله أن يتقبل منك ولا
يجعله آخر العهد منك ثم تقول وأنت مار:
آئبون تائبون حامدون لربنا شاكرون إلى الله راغبون وإلى الله راجعون
وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم
الوكيل.
43

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
45

باب الحج:
الحاج على ثلاثة أوجه: قارن ومفرد ومتمتع بالعمرة إلى الحج.
ولا يجوز لأهل مكة وحاضريها التمتع إلى الحج لأن الله عز وجل يقول: فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي. ثم قال: ذلك لمن لم يكن أهله
حاضري المسجد الحرام. وحاضري المسجد أهل مكة وجوانبها على ثمانية وأربعين
ميلا ومن كان خارجا عن هذا الحد فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة إلى الحج ولا يقبل الله
عز وجل غيره.
فإذا أردت الخروج إلى الحج فوفر شعرك شهر ذي القعدة وعشرة من ذي الحجة واجمع
أهلك وصل ركعتين وارفع يديك وأحمد الله كثيرا وصل على محمد وآل محمد وقل:
اللهم إني أستودعك اليوم ديني ونفسي وأهلي ومالي وولدي وجميع حزانتي
الشاهد منا والغائب وجميع ما أنعمت به على.
فإذا خرجت عن منزلك فقل:
بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فإذا وضعت رجلك في الركاب فقل:
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله الله أكبر.
فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرءان ومن علينا بمحمد صلى
47

الله عليه وآله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون والحمد لله رب العالمين.
باب المواقيت:
فإذا بلغت أحد المواقيت التي وقتها رسول الله ص فإنه ع
وقت لأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل
المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة، ولأهل العراق العقيق وأول العقيق المسلخ ووسطه
غمرة وآخره ذات عرق.
ولا تؤخر الإحرام ولا تقنع رأسك بعد الغسل ولا تأكل طعاما فيه طيب ولا بأس أن
تحرم في أي وقت بلغت الميقات وإن أحرمت في دبر المكتوبة فهو أفضلها وإن لم يكن
وقت المكتوبة صليت ركعتي الإحرام وقرأت في الأولى الفاتحة وقل هو الله أحد وفي
الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون فإن كان وقت صلاة مكتوبة فصل ركعتي الإحرام
ثم صل المكتوبة وأحرم في دبرها.
فإذا فرغت من صلاتك فاحمد الله واثن عليه وصل على محمد وآل محمد ثم تقول:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك صلواتك عليه وآله فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت على اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري وبشري ولحمي
ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب أبتغي بذلك وجهك
الكريم والدار الآخرة. ويجزئك أن تقول هذا مرة واحدة حين نحرم.
التلبية:
ثم قم فامض هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فقل:
اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والملك لك لا شريك لك
لبيك هذه الأربع مفروضات تلبي بهن سرا.
48

وتقول:
لبيك ذا المعارج لبيك لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك لبيك داعيا إلى دار
السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك لبيك
أنت الغني ونحن الفقراء إليك لبيك لبيك أهل التلبية لبيك لبيك ذا الجلال
والإكرام لبيك لبيك إله الحق لبيك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل
لبيك لبيك كشاف الكرب العظام لبيك لبيك عبدك ابن عبديك لبيك لبيك
يا كريم لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله صلوات الله عليه وعليهم لبيك
لبيك بحجة وعمرة معا لبيك لبيك هذه متعة عمرة الحج لبيك لبيك تمامها
وبلاغها عليك لبيك.
تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك أو علوت شرفا
أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك أو ركبت أو نزلت وبالأسحار
وأكثر ما استطعت منها وأجهر بها وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أنها أفضل.
واعلم أنه لا بد لك من التلبيات الأربع التي في أول الكتاب وهي الفريضة وهي
التوحيد وبها لبى المرسلون وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله ص
كان يكثر منها فإذا بلغت الحرم فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ وإن اغتسلت من
منزلك بمكة فلا بأس.
دخول مكة:
أجهد أن تدخلها على غسل فإذا نظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية وحدها عقبة
المدنيين أو بحذائها، ومن أخذ على طريق المدينة قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكة
وهي عقبة ذي طوى.
دخول المسجد:
فإذا أرد ت أن تدخل المسجد فادخل من باب بني شيبة بالسكينة والوقار وأنت
49

حاف فإن من دخله بخشوع غفر الله له فإذا دخلت المسجد فانظر إلى الكعبة وقل:
الحمد لله الذي عظمك وشرفك وكرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا
مباركا وهدى للعالمين.
النظر إلى الحجر الأسود:
ثم انظر إلى الحجر الأسود وارفع يديك وأحمد الله تعالى واثن عليه وصل على النبي
وآله واسأل الله أن يتقبل منك.
استلام الحجر:
ثم استلم الحجر وقبله في كل شوط فإن لم تقدر عليه فافتح به واختم به وإن لم تقدر
عليه فامسحه بيدك اليمنى وقبلها وقل:
اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة آمنت بالله
وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وعبادة الشيطان وعبادة الأوثان
وعبادة كل ند يدعى من دون الله.
فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه.
الطواف:
ثم طف بالبيت سبعة أشواط فإذا بلغت باب البيت قلت:
سائلك فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة
وتقول في طوافك:
اللهم أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على جدد
50

الأرض فأسألك باسمك المكنون المخزون عندك وأسألك باسمك الأعظم الأعظم
الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تفعل بي كذا وكذا.
فإذا بلغت مقابل الميزاب فقل:
اللهم أعتق رقبتي من النار ووسع على من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة
العرب والعجم وشر فسقة الجن والإنس.
وتقول وأنت تجوز:
اللهم إني إليك فقير وإني منك خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل
اسمي ولا تستبدل بي غيري.
فإذا بلغت الركن اليماني فالتزمه وقبله وصل على محمد وآل محمد في كل شوط وقل
بينه وبين الركن الذي فيه الحجر:
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار.
فإذا كنت في الشوط السابع فقف بالمستجار وهو مؤخر الكعبة مما يلي الركن
اليماني فابسط يديك على البيت وألصق خدك وبطنك بالبيت ثم قل:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك هذا مكان العائذ بك من النار. وتقول:
اللهم قد حللت بفنائك فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما بيني وبينك
واستوهبني من خلقك.
وادع بما شئت ثم أقر لديك بما عملت من الذنوب وتقول:
اللهم من قبلك الروح والراحة والفرج والعافية اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه
لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك. وتستجير بالله من النار وتكثر
لنفسك من الدعاء.
51

ثم استلم الركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به فإن لم تستطع ذلك فلا يضرك
ولا بد أن تفتح بالحجر الأسود وتختم به وتقول:
اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني.
إتيان مقام إبراهيم ع:
ثم ائت مقام إبراهيم ع فصل ركعتين واجعله أمامك واقرأ في الأولى
منهما قل هو الله أحد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ثم تشهد ثم أحمد الله واثن عليه
وصل على النبي وآله واسأله أن يتقبله منك، فهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره
لك أن تصليها في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس أو عند غروبها فإنما وقتهما
عند فراغك من الطواف ما لم يكن وقت صلاة مكتوبة فإن كان وقت صلاة مكتوبة
فابدأ بها ثم صل ركعتي الطواف.
إتيان الحجر الأسود:
ثم تأت الحجر الأسود فتقبله أو تستلمه أو تومئ إليه فإنه لا بد لك من ذلك وإن
قدرت أن تشرب من زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل وتقول حين تشرب:
اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم إنك قادر يا رب
العالمين.
الخروج إلى الصفا:
ثم اخرج إلى الصفا وقم عليه حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر
الأسود وأحمد الله واثن عليه واذكر من آلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت عليه وتقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على
كل شئ قدير. ثلاث مرات.
52

ثم انحدر عن الصفا وقل وأنت كاشف عن ظهرك:
يا رب العفو يا من أمر بالعفو يا من هو أولى بالعفو يا من يحب العفو يا من يثيب
على العفو العفو العفو العفو يا جواد يا كريم يا قريب يا بعيد أردد على نعمتك
واستعملني بطاعتك ومرضاتك.
ثم انحدر ما شئت وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى فاسع
مل ء فروجك وقل:
بسم الله وبالله والله أكبر وصلى الله على محمد وآل محمد. وقل: اللهم
اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم. حتى تجوز زقاق العطارين وتقول
إذا جاوزت المسعى:
يا ذا المن والكرم والفضل والجود والنعماء صل على محمد وآل محمد
واغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
المروة:
ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة فتصعد عليها حتى يبدو لك البيت
فاصنع عليها كما صنعت على الصفا ثم انحدر منها إلى الصفا، فإذا بلغت قرب زقاق
العطارين فاسع مل ء فروجك إلى المنارة الأولة التي تلى الصفا وطف بينهما سبعة أشواط
يكون وقوفك على الصفا أربعا وعلى المروة أربعا والسعي بينهما سبعا تبدأ بالصفا
وتختم بالمروة.
ثم قصر من شعر رأسك من جوانبه أو من لحيتك أو من شاربك وقلم أظافيرك وأبق
منها لحجك، ثم اغتسل فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه فطف
بالبيت تطوعا ما شئت.
فإذا كان يوم التروية فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد الحرام حافيا
وعليك السكينة والوقار فطف بالبيت أسبوعا تطوعا إن شئت ثم صل ركعتين لطوافك
53

عند مقام إبراهيم ع أو في الحجر ثم اقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت فصل
المكتوبة وقل مثل ما قلت يوم أحرمت بالعقيق.
ثم اخرج وعليك السكينة والوقار فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع
صوتك بالتلبية حتى تأتي منى ثم تقول وأنت متوجه إلى منى:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي.
فإذا أتيت منى فقل:
اللهم هذه منى مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على فيها
بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك.
ثم صل بها العصر والمغرب والعشاء الآخر والفجر، ثم امض إلى عرفات وتقول
وأنت متوجه إليها:
اللهم إليك حمدت وعليك اعتمدت وقولك صدقت وأمرك اتبعت ووجهك
أردت أسألك أن تبارك لي في أجلي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن
تباهي به اليوم من هو أفضل مني.
ثم تلبي وأنت مار إلى عرفات، فإذا أتيت عرفات فاضرب خباءك بنمرة قريبا من
المسجد فإن رسول الله ص ضرب خباءه وقبته فيه، فإذا زالت الشمس يوم
عرفة فاقطع التلبية وعليك بالتهليل والتحميد والثناء على ربك، ثم اغتسل وصل الظهر
والعصر بأذان واحد وإقامتين وإنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرع نفسك إلى الدعاء
فإنه يوم دعاء ومسألة وادع بما في كتاب دعاء الموقف من التهليل والتمجيد والدعاء إن
شاء الله تعالى.
الإفاضة من عرفات إلى جمع:
وإياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس فيلزمك دم فإذا غربت الشمس فامض،
فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل:
اللهم ارحم موقفي وزك عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.
54

فإذا أتيت مزدلفة وهي جمع فصل بها المغرب والعتمة بأذان واحد وإقامتين ولا
تصلها إلا بها وإن ذهب ربع الليل وبت بمزدلفة، فإذا طلع الفجر فصل الغداة ثم قف
بها بسفح الجبل إلى أن تطلع الشمس على ثبير فإن الوقوف بها فريضة وأحمد الله وهلله
وسبحه ومجده وكبره واثن عليه بما هو أهله وصل على النبي ص ثم ادع
لنفسك ما بينك وبين طلوع الشمس على ثبير، فإذا طلعت الشمس ورأت الإبل مواضع
أخفافها في الحرم فامض حتى تأتي محسر فأرمل فيه قدر مائة خطوة وقل كما قلت في
السعي بمكة ثم امض إلى منى.
رمى الجمار:
فإن أحببت أن تأخذ حصاك الذي ترمى بها من مزدلفة فعلت وإن أحببت أن تكون
في رحلك بمنى فأنت في سعة فاغسلها واقصد إلى الجمرة القصوى وهي جمرة العقبة فارمها
بسبع حصيات من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها ويكون بينك وبين الجمرة عشرة
أذرع أو خمسة عشر، وتقول وأنت مستقبل القبلة والحصى في يدك اليسرى:
اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي. وتقول مع كل حصاة:
الله أكبر اللهم ازجر عني الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
صلى الله عليه وآله، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا
وذنبا مغفورا.
ولتكن الحصاة كالأنملة منقطة كحلية مثل حصى الخزف. فإذا أتيت رحلك وفرغت
من رمى الجمار فقل:
اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب أنت ونعم المولى ونعم النصير.
55

شرى الهدي وإضافة الإعطاء منه:
ثم اشتر منه هديك إن كان من البدن أو من البقر وإلا فاجعله كبشا سمينا
فحلا، فإن لم تجد كبشا فحلا فموجوء من الضأن، فإن لم تجد فتيسا فحلا، فإن لم
تجد فما تيسر لك وعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ولا تعط الجزار جلودها ولا
قلائدها ولا جلالها ولكن تصدق بها ولا تعط السلاخ منها شيئا.
فإذا اشتريت هديك فاستقبل القبلة وانحره أو اذبحه وقل:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر اللهم تقبل
مني.
ثم اذبح وانحر ولا تنخع حتى يموت ثم كل وتصدق وأطعم وأهد إلى من شئت ثم
احلق رأسك.
باب الأضاحي:
لا يجوز في الأضاحي من البدن إلا الثني وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في
السادسة، ويجزئ من المعز والبقر الثني وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ
من الضأن الجذع لسنة، وتجزئ البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت وروي:
أنها تجزئ عن سبعة والجزور عن عشرة متفرقين والكبش تجزى عن الرجل وعن أهل
بيته وإذا عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين.
الحلق:
فإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة وابدأ بالناصية واحلق إلى العظمين
الناتئين من الصدغين قبالة الأذنين فإذا حلقت فقل: اللهم أعطني بكل شعرة نورا
56

يوم القيامة. وادفن شعرك في منى ثم اغتسل للنحر.
ثم زر البيت يوم النحر فإن أخرته إلى الغداة فلا بأس ولا تؤخر أن تزوره من يومك أو
من الغد فإنه ليس للمتمتع أن يؤخره وإن زرت بعد ذلك اغتسل للزيارة.
زيارة البيت:
فإذا أتيت البيت يوم النحر وقمت على باب المسجد قلت:
اللهم أعني على نسكي وسلمني له وتسلمه مني أسألك مسألة القليل الذليل
المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي وأن ترجعني بحاجتي، اللهم إني عبدك والبلد
بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وأبتغي طاعتك متبعا لأمرك راضيا
بعدلك أسألك مسألة المضطر إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف
لعقوبتك أسألك أن تلقيني عفوك وتجيرني بوجهك من النار.
إتيان الحجر الأسود:
ثم تأتي الحجر الأسود وتستلمه فإن لم تستطع فاستلمه بيدك وقبل يدك فإن لم
تستطع فاستقبله وأشر إليه بيدك وقبلها وكبر وقل مثل ما قلت حيث طفت بالبيت يوم
قدمت مكة وطف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك، ثم تصلي ركعتين عند مقام
إبراهيم ع تقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، ثم ارجع إلى
الحجر الأسود وقبله إن استطعت أو استلمه وكبر.
الخروج إلى الصفا:
ثم اخرج إلى الصفا واصعد عليه واصنع كما صنعت يوم قدمت مكة تطوف بينهما
سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت
منه إلا النساء.
57

طواف النساء:
ثم ارجع إلى البيت فطف به أسبوعا وهو طواف النساء، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم ع أو حيث شئت من المسجد، ثم قد حل لك النساء وفرغت من حجك
كله إلا رمى الجمار وأحللت من كل شئ أحرمت منه.
الرجوع إلى منى:
ثم ارجع إلى منى ولا تبت أيام التشريق إلا بها فإن بت في غيرها فعليك دم شاة،
فإن خرجت أول الليل فلا تنصف الليل إلا وأنت بها وإن خرجت بعد نصف الليل فلا
يضرك الصبح في غيرها.
رمى الجمار:
وارم الجمار في كل يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال وكلما قرب من الزوال فهو
أفضل وقل كما قلت يوم رميت جمرة العقبة.
وابدأ بالجمرة الأولى فارمها بسبع حصيات من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها فقم
في بطن الوادي وقل مثل ما قلت يوم النحر يوم رميت جمرة العقبة، ثم قف على يسار
الطريق واستقبل البيت وأحمد الله واثن عليه وصل على النبي ص، ثم تقدم
وادع الله واسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا قليلا فادع الله، ثم تقدم أيضا قليلا.
ثم افعل ذلك عند الوسطى ترميها بسبع حصيات ثم اصنع كما صنعت بالأولى
وتقف وتدعو الله كما دعوت بالأولى.
ثم امض إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارمها بسبع حصيات ولا تقف عندها.
فإذا كان يوم النفر الأخير وهو اليوم الرابع عشر من الأضحى فاعمد إلى رحلك
واخرج وارم الجمار كما رميتها في اليوم الثاني والثالث تمام سبعين حصاة، فإذا
فرغت منها فاستقبل مني بوجهك واسأل الله أن يتقبل منك وادع بما بدا لك.
58

الإفاضة من منى:
ثم أفض منها إلى مكة مهللا ممجدا داعيا فإذا بلغت مسجد النبي ص
وهو مسجد الحصباء فاستلق فيه على قفاك واسترح فيه هنيئة، ثم ادخل مكة وعليك
السكينة والوقار وقد فرغت من كل شئ لزمك في حج أو عمرة وابتع بدرهم تمرا وتصدق
به يكون كفارة لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم.
دخول الكعبة:
وإن أحببت أن تدخل الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ثم تقول:
اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فأمن على من عذاب النار.
ثم تصلي ركعتين من بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء تقرأ في الركعة الأولى
حم السجدة وفي الثانية عدد آيها من القرآن وتصلي في زواياه ثم تقول:
اللهم من تهيأ وتعبأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده ونوافله
وجائزته فإليك يا سيدي تهيئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك
وجائزتك فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل ولا
يبلغ مدحته قائل فإني لم آتك بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوتها
ولكني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي أتيتك لا حجة لي ولا عذر
فأسألك يا من هو كذلك أن تعطيني مسألتي وتقبلني برغبتي ولا تردني محروما ولا
خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم وأسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب
العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم لا إله إلا أنت.
ولا تدخلها بحذاء ولا تبزق فيها ولا تمخط.
وداع البيت:
فإذا أردت وداع البيت فطف به أسبوعا ثم صل ركعتين حيث أحببت من المسجد
59

وأت الحطيم والحطيم ما بين الكعبة وزمزم وتعلق بالأستار وأنت قائم فاحمد الله واثن
عليه وصل على محمد وآل محمد ثم قل:
اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملته على دوابك وسيرته في بلادك
وقد أقدمته المسجد الحرام، اللهم وقد كان في أملي ورجائي أن تغفر لي فإن
كنت يا رب قد فعلت ذلك فازدد عني رضا وقربني إليك زلفى وإن لم تكن
فعلت يا رب فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى داري عن بيت غير راغب عنه ولا
متبدلا به هذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي، اللهم احفظني من بين يدي
ومن خلفي ومن تحتي ومن فوقي وعن يميني وعن شمالي حتى تقدمني أهلي
صالحا فإذا أقدمتني أهلي يا ر ب فلا تخل مني واكفني مؤونة عيالي ومؤونة
خلقك.
فإذا بلغت باب الحناطين فانظر إلى الكعبة وخر ساجدا واسأل الله أن يتقبله منك
ولا يجعله آخر العهد عنك ثم تقول وأنت مار:
آئبون تائبون حامدون لربنا شاكرون وإلى الله راغبون وإلى الله راجعون
وصلى الله على محمد وآله.
زيارة قبر النبي ص والأئمة صلوات الله عليهم بالمدينة:
ثم تزور قبر النبي ص وقبور الأئمة ع بالمدينة وأنت على
غسل فإن النبي ص قال: من حج بيت ربي ولم يزرني فقد جفاني.
وقال الصادق ع: ابدأوا بمكة واختموا بالمدينة.
وروي: أن الحسين بن علي ع قال لرسول الله ص:
يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال: من زارني حيا أو ميتا أو
زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقا على أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من الذنوب.
60

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم 336 - 413 ه‍ ق
61

كتاب المناسك
باب وجوب الحج:
قال الله عز وجل: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. فأوجب
تعالى الحج، وفرضه على كل حر بالغ مستطيع إليه السبيل.
والاستطاعة، عند آل محمد ص للحج بعد كمال العقل وسلامة الجسم
مما يمنعه من الحركة التي يبلغ بها المكان، والتخلية من الموانع بالإلجاء والاضطرار
وحصول ما يلجأ إليه في سد الخلة من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من
متاع أو عقار أو مال، ثم وجود الراحلة بعد ذلك والزاد.
روى أبو الربيع الشامي عن الصادق ع قال: سئل عن قول الله عز وجل:
من استطاع إليه سبيلا. قال: ما يقول فيها هؤلاء؟ فقيل له: يقولون: الزاد والراحلة.
فقال ع: قد قيل ذلك لأبي جعفر ع فقال: هلك الناس إذا كان من
له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس
فقد وجب عليه أن يحج بذلك. ثم يرجع فيسأل الناس بكفه، لقد هلك إذا. فقيل له: فما
السبيل عندك؟ فقال: السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض
يقوت به نفسه وعياله. ثم قال: أ ليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك
مائتي درهم.
فأما من قدر على الحج ماشيا، أو تمكن منه على وجه غير ما قدمناه، فقد رغب وندب
إليه، فإن فعله أصاب خيرا كثيرا، وإن تركه لم يكن عاصيا لله. بذلك جاء الأثر عن
63

أئمة الهدي ع أيضا.
باب كيفية لزوم فرض الحج من الزمان:
وفرضه عند آل محمد ص على الفور بالتراخي بظاهر القرآن وما جاء
عنهم ع.
روى عبد الرحمن بن أبي نجران عن أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله
ع قال: قلت له: التاجر يسوف الحج قال: إذا سوفه وليس له عزم ثم مات فقد
ترك شريعة من شرائع الاسلام.
روى صفوان بن يحيى عن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من
مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق الحج
معه أو سلطان يمنعه، فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا.
باب ثواب الحج:
روي عن آل محمد ص: أن رجلا أتى النبي ص حين
قضى حجه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني خرجت من أهلي وأنا أريد الحج
معك ففاتني ذلك وأنا رجل ميل فخبرني بشئ إذا فعلته كان لي مثل أجر الحاج فقال. له
النبي ص: أنظر إلى هذا الجبل - يعني أبا قبيس - لو أنفقت زنته في
سبيل الله ما أدركت فضل الحج.
وروي عن زين العابدين ع أنه قال: إذا كان عشية عرفة ينزل الله ملائكته
إلى السماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي آتوني شعثا غبرا، أرسلت إليهم رسولا
فصدقوه ثم قصدوني فسألوني ودعوني، اشهدوا أن حقا على أن أجيبهم اليوم قد شفعت
محسنهم في مسيئهم وتقبلت من محسنهم فليفيضوا مغفورا لهم، ثم يأمر ملكين بالمأزمين
فيقف هذا من هذا الجانب وهذا من هذا الجانب يقولان: اللهم سلم سلم، فما يكاد
يرى صريعا ولا كسيرا.
64

وروي عن أبي جعفر ع أنه قال: إن العبد إذا أخذ في حجه لم يرفع قدما
ولا يضع قدما إلا كتب الله بها حسنة حتى إذا قضى الحج مكث ذا الحجة والمحرم
وصفر، يكتب ملكاه له الحسنات ولا يكتبان عليه السيئات إلا أن يأتي بكبيرة.
وروي عن الصادق ع أنه قال: إن حملان الحاج وضمانه على الله عز وجل
فإذا دخل المسجد الحرام وكل الله به ملكين يحصيان عليه طوافه وسعيه وصلاته، فإذا
كان عشية عرفة ضربا على منكبه الأيمن يقولان: يا هذا ما مضى قد كفيته، فانظر كيف
تكون فيما تستقبل.
وروي عنه ع أنه قال: الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: فمعتق من
النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصنف يخلف في أهله وماله، فذلك
أدنى ما يرجع به.
وروي عنه ع: أنه سأله رجل فقال له: عتق نسمة أفضل أم حجة؟ قال:
حجة، قال: فرقبتين؟ قال: بل حجة. فلم يزل يزيد وهو يقول: بل حجة حتى بلغ ثلاثين
رقبة، فقال: الحج أفضل.
وروي عن أبي الحسن ع أنه قال: من قدم مكة حاجا فطاف بالبيت
أسبوعا وصلى ركعتين، كتب الله له سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع
الله له سبعين ألف درجة وشفعه في سبعين ألف حاجة وكتب له عتق سبعين ألف رقبة
قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم.
وروي عن الصادق ع أنه قال: ليس من عبد يتوضأ، ثم يستلم الحجر ثم
يصلى ركعتين عند مقام إبراهيم ع ثم يرجع فيضع يده على باب الكعبة فيحمد
الله عز وجل ثم يسأله شيئا إلا أعطاه.
باب ضروب الحج:
والحج على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران في الحج، وإفراد للحج.
فأما التمتع بالعمرة إلى الحج: فهو فرض الله تعالى على سائر من نأى عن المسجد
65

الحرام ولم يكن أهله من حاضريه، لا يسعهم مع الإمكان غيره، ولا يقبل منهم سواه.
قال الله عز وجل: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي.
إلى قوله: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
ومن وجب عليه الحج من جميع أهل الأمصار سوى مكة وحاضريها فإن الفرض
عليهم القران والإفراد - كما قدمناه - وعلى من عداهم التمتع - حسب ما بيناه.
وقال رسول الله ص: دخلت العمرة في الحج هكذا: وشبك بين
أصابعه - إلى أن تقوم الساعة.
وقال ع لما نزل عليه فرض التمتع بالعمرة إلى الحج، وقد كان ساق الهدي
وحج قارنا قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ثم أمر مناديه
فنادى: من لم يسق هديا فليحل وليجعلها عمرة.
وصفة التمتع بالعمرة إلى الحج أن يهل الحاج من الميقات بالعمرة، فإذا دخل مكة
طاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبعا ثم أحل من كل شئ أحرم منه، فإذا
كان يوم التروية عند زوال الشمس، أحرم بالحج من المسجد الحرام وعليه طوافان
بالبيت ينضافان إلى الأول وسعى آخر بين الصفا والمروة ينضاف إلى سعيه المتقدم،
فيكون فرض الطواف عليه بالبيت للحج والعمرة ثلاثة أطواف والفرض من السعي
سعيان وعليه دم يهرقه لا بد له من ذلك، فإن عدم الهدي وكان واجدا ثمنه تركه عند من
يثق به من أهل مكة ليبتاع له به هديا يذبحه أو ينحره عنه في ذي الحجة، فإن لم يتمكن
من ذلك أخرجه عنه من ذي الحجة من العام المقبل عند حلول وقت النحر، فإن لم يكن
واجدا طولا للهدي، كان عليه صيام العشرة الأيام المذكورة في القرآن قال الله تعالى:
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة.
وأما القران: فهو أن يهل الحاج من الميقات الذي هو لأهله ويقرن إلى إحرامه سياق
ما تيسر من الهدي، وإنما سمي قارنا، لسياق الهدي مع الإهلال فمتى لم يسق من
الميقات لم يكن قارنا، وعليه في قرانه طوافان بالبيت وسعى واحد بين الصفا والمروة،
ويجدد التلبية عند كل طواف.
66

وأما الإفراد: فهو أن يهل الحاج من ميقات أهله بالحج مفردا ذلك من السياق
والعمرة وليس عليه هدي ولا تجديد للتلبية عند كل طواف، ثم مناسك المفرد ومناسك
القارن سواء لا فرق بينها. والمتمتع بالعمرة إلى الحج يحل بعد طوافه بالبيت وسعيه -
كما قدمناه - ثم ينشئ الإحرام. والقارن والمفرد لا يحل أحدهما حتى يقضي مناسكه
كما وصفناه.
با ب العمل والقول عند الخروج:
فإذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فإن حلقه كان عليه دم يهرقه.
وإذا عزم على الخروج إلى الحج وآن وقت رحيله من وطنه فليجمع أهله وليصل ركعتين
بالحمد وما تيسر من القرآن. ثم ليحمد الله كثيرا وليصل على النبي ص
وليقل بعد الصلاة عليه:
اللهم إني خرجت في وجهي هذا بلا ثقة مني بغيرك ولا رجاء يأوى بي إلا
إليك ولا قوة أتكل عليها ولا حيلة ألجأ إليها إلا طلب رضاك وابتغاء رحمتك
وتعرضا لرزقك وسكونا لحسن إلى حسن عائدتك وأنت أعلم بما سيق لي في
علمك في وجهي هذا مما أحب وأكره، اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء
ومقضي كل لأواء وابسط علي كنفا من رحمتك ولطفا من عفوك وحرزا من
حفظك وسعة من رزقك وتماما من نعمتك وجماعا من معافاتك ووفق لي فيه يا
رب جميع قضائك على موافقة جميع هواي وحقيقة في حسن أملي وادفع عني
ما أحذر فيه وما لا أحذر على نفسي مما أنت أعلم به مني واجعل ذلك خيرا
لي لآخرتي ودنياي مع ما أسألك أن تخلفني في من خلفت ورائي من ولدي
وأهلي ومالي وإخواني وجميع حزانتي بأفضل ما تخلف به غائبا من
المؤمنين في تحصين كل عورة وحفظ كل مضيعة وتمام كل نعمة ودفاع كل
سيئة وكفاية كل محذور وصرف كل مكروه وكمال ما تجمع لي به الرضا
والسرور في الدنيا والآخرة ثم ارزقني ديني ونفسي ومالي وأهلي وجميع
67

إخواني اللهم اجعلنا في جوارك ولا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من
نعمة وعافية وفضل.
فإذا خرج من منزله فليقل وهو على بابه:
لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم،
اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد ومن كل شيطان مريد بسم الله وبالله والله
أكبر. يقولها ثلاث مرات ويقول:
بالله أخرج وبالله أدخل وعلى الله أتوكل اللهم افتح لي في وجهي هذا الخير
واختم لي فيه الخير وعافني من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط
مستقيم.
فإذا ركب راحلته فليقل:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد صلى الله عليه
وآله خير الأنام سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون
والحمد لله رب العالمين.
ويجب أن يستكثر من الاستغفار والتسبيح والتكبير والتهليل والتمجيد والصلاة على
محمد وآله صلى الله عليهم أجمعين فإذا أشرف على القرية التي يريد دخلوها فليقل حين
يعاينها:
اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب
الشياطين وما أظلت ورب الرياح وما ذرت ورب البحار وما جرت أسألك خير هذه
القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم يسر لي ما كان فيها من
خير ووفق لي ما كان فيها من يسر وأعني على حاجتي يا قاضي الحاجات يا مجيب
الدعوات أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا
نصيرا.
68

ب
أب المواقيت:
فإذا بلغت ميقات مصرك أو ميقات الطريق الذي أخذت فيه فأحرم منه للحج بما
نشرحه إن شاء الله.
واعلم أن رسول الله ص وقت لكل قوم ميقاتا يحرمون منه، لا يجوز لهم
التقدم في الإحرام من قبل بلوغه ولا التأخر عنه.
فوقت لأهل المدينة مسجد الشجرة وهو ذو الحليفة فأهل المدينة وكل من حج على
طريق المدينة يجب أن يحرموا منه، لأنه ميقاتهم.
ووقت لأهل العراق بطن العقيق وأوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق.
فكل من حج وخرج من العراق وأخذ على الجادة وسلك مع أهل العراق هذا
الطريق ولم يكن عراقيا فإنه يحرم من أحد هذه الثلاثة المواضع وأوله المسلخ والإحرام
منه أفضل وإن لم يمكنه الإحرام منه، أحرم من الميقات الأوسط وهو غمرة فإن لم يمكنه،
أحرم من ذات عرق ولا يجوز له التقدم بالإحرام على المسلخ، ولا التأخر عن ذات عرق.
ووقت لأهل الشام الجحفة وهي ميقاتهم لا يتقدمونها ولا يتأخرون عنها، وهي لكل
من سلك طريقهم.
ووقت لأهل اليمن يلملم وهي ميقاتهم وميقات كل من صحبهم من الحاج في
طريقهم ومر عليه.
ووقت لأهل الطائف، قرن المنازل فهو ميقاتهم وميقات من أخذ على طريقهم إلى
الحج فمر عليه.
وهذه المواقيت هي لجميع أهل الأمصار على اختلاف بلادهم، فإنهم لا يصلون إلى
مكة إلا من طريق هذه البلاد الذي جعل رسول الله ص المواقيت لأهلها،
ومن كان منزله دون المواقيت فميقاته منزله فيحرم منه. والمجاور بمكة إذا أراد الحج
والعمرة، خرج منها إلى ميقات أهله فأحرم منه، فإن لم يتمكن من ذلك أحرم من
خارج الحرم.
69

باب صفة الإحرام:
فإذا بلغ المتوجه إلى الحج ميقات أهله فلينظف في ذلك المكان وإن كان على عورته
شعر فليزله ولينظف إبطيه أيضا من الشعر وليقص من شاربه وليقص من أظفاره ولا
يمس شيئا من شعر رأسه ولا شعر لحيته. ثم ليغتسل وليلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما
ويتوشح بالآخر، أو يرتدي، به، ولا يحرم في ديباج ولا حرير ولا خز مغشوش بوبر
الأرانب أو الثعالب، ولا يحرم في ثياب سود. وأفضل الثياب للإحرام، البيض من
القطن أو الكتان. وإن كان وقت فريضة وكان متسعا قدم نوافل الإحرام وهي ست
ركعات، ويجزئ منها ركعتان ثم صلى الفريضة وأحرم في دبرها، وهو أفضل وإن لم
يكن وقت الفريضة صلى ست ركعات، فإذا فرع منها قال:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك
صلى الله عليه وآله فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني من النساء
والطيب والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك
لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وإن كان يريد القران قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على مناسكي أحرم لك جسدي -
إلى آخر الكلام.
فإذا أحرم بما ذكرناه فليكشف ظلال محمله إن كان له ظلال، ولا يجلس تحته،
وليجتنب النساء وشم الطيب وكل طعام فيه طيب، ولا يلبس قميصا ولا يغط رأسه ولا
يحك جسده ولا رأسه حكا يدميه، ولا يرم بشئ من شعره، ولا يلق القملة عن بدنه ولا
ينظر وجهه في مرآة، ولا يرتمس في الماء، وليجتنب الصيد والجدال، وهو قول القائل: والله
ما كان كذا، ووالله ليكون كذا ويجتنب الكذب وأشباهه من القبيح، قال الله عز وجل:
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق. يعني الكذب وغيره
من معاصي الله عز وجل، والجدال هو اليمين على ما بيناه. ولا يزال المحرم على ما وصفناه
في توجهه فإن خالف في شئ مما ذكرناه فإن عليه في جميعه أحكاما على ما وصفناه.
70

وليكثر التلبية بما أثبتناه ويقول:
لبيك ذا المعارج لبيك سيدي والمعاد إليك لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك
لبيك كاشف الكرب العظام لبيك لبيك يا كريم لبيك لبيك عبدك وابن عبدك
لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله لبيك.
وليلب كلما صعد علوا أو هبط سفلا أو نزل من بعيره أو ركب وعند انتباهه من
منامه وبالأسحار، فإذا عاين بيوت مكة قطع التلبية. وحد بيوت مكة عقبة المدنيين، ثم
أخذ في التهليل والتكبير وإن كان قاصدا إليها من طريق المدينة فإنه يقطع التلبية إذا بلغ
عقبة ذي طوى.
باب دخول مكة:
فإذا قرب من الحرم اغتسل قبل دخوله فإن لم يمكن وشغل عنه فليغتسل قبل دخول
مكة فإن تعذر ذلك عليه فليغتسل بعد دخولها قبل دخوله المسجد سنة مؤكدة وليدخل
مكة من أعلاها إذا كان داخلا من طريق المدينة، فليأتها وعليه السكينة والوقار.
فإذا نظر إلى البيت فليستقبله بوجهه ويقول:
الحمد لله الذي عظمك وشرفك وكرمك وجعلك مثابة للناس وأمنا مباركا
وهدى للعالمين.
ثم ليحرز رحله ويخرج إلى المسجد حافيا وعليه السكينة والوقار فإذا أراد الدخول إليه
فليكن دخوله من باب بني شيبة فإن رسول الله ص دخل منه.
فإذا انتهى إليه وقف عليه وقال:
بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله ص
وخير الأسماء لله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام على
محمد بن عبد الله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله
ورسله السلام على إبراهيم خليل الله السلام على المرسلين السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين والحمد لله رب العالمين.
71

ثم ادخل وقدم رجلك اليمنى قبل اليسرى، فإذا دخلته فارفع يدك واستقبل البيت
وقل:
اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي وأن تجاوز عن
خطيئتي وأن تضع عني وزري الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام اللهم إني أشهد أن
هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين، اللهم إني
عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا
بقدرك أسألك مسألة المضطر إليك الخائف لعقوبتك اللهم افتح لي أبواب رحمتك
واستعملني لطاعتك ومرضاتك.
باب الطواف:
ثم يستفتح الطواف بالحجر الأسود فليستقبله بوجهه ثم يرفع يديه ويقول:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ثم يدنو منه فيقبله: فإن لم يتمكن من تقبيله فليمسحه بيده ثم يقبلها، فإن لم يقدر
على ذلك أومئ بيده إليه ثم قال:
أمانتي أديتها وميثاقي تعهدته لتشهد لي عندك بالموافاة اللهم إيمانا بك
وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وعبادة
الشيطان وعبادة كل ند يدعى من دون الله، اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك
عظمت رغبتي فاقبل إحساني واغفر لي وارحمني، اللهم إني أعوذ بك من الكفر
والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة.
فإذا بلغ باب الكعبة فليقل:
اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم أدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم
وأوسع على من رزقك الحلال الطيب وادرء عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة
72

العرب والعجم.
فإذا استقبل الميزاب فليقل:
اللهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب وادرء عني شر فسقة
الجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.
ويقول بين الركن الغربي واليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني.
ويقول كلما استقبل الحجر:
الله أكبر، السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله: ويقبله في كل شوط فإن
لم يقدر فليفتتح به وليختم فإن لم يقدر فليمسح بيده عليه ويقبلها فإن لم يقدر على ذلك
فليشر إليه ويقول في طوافه: "
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدم من
ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا.
ويسأل ما أحب ويقول عند باب البيت:
سائلك فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة.
فإذا بلغ الركن اليماني فليستلمه ويقبله فإن فيه بابا من أبواب الجنة. وليشر منه
إلى زاوية المسجد مقابل هذا الركن ويقول:
السلام عليك يا رسول الله ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
برحمتك عذاب النار.
فإذا كان في الشوط السابع فليقم على المستجار وهو دون الركن اليماني ويبسط
يديه على البيت ويلصق بطنه وخده ويقول:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك.
وليتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله كثيرا ويسأله حوائجه للدنيا والآخرة ويقبل
الركن اليماني في كل شوط ويعانقه وليقل:
73

اللهم تب على حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود.
فإذا فرع من أسبوعه فليأت مقام إبراهيم ع وليصل ركعتي الطواف ويقرأ
في الأولى منها، الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية، الحمد وقل يا أيها الكافرون.
باب الخروج إلى الصفا:
ثم ليخرج إلى الصفا من باب المقابل للحجر الأسود حتى يقطع الوادي وعليه
السكينة والوقار ثم ليصعد عليه وليستقبل البيت بوجهه ثم يكبر الله سبعا ويهلله سبعا
ويحمده سبعا ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي
لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. ثلاث مرات ويصلى على النبي ويقول:
اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط فإن عدت فعد على بالمغفرة فإنك أنت الغفور
الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني وإن
تعذبني فإنك غنى من عذابي وأنا محتاج إلى رحمتك فيا من أنا محتاج إلى رحمته
ارحمني، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولن
تظلمني، أصبحت أتقى عدلك ولا أخاف جورك فيا من هو عدل لا يجور ارحمني.
ثم لينحدر إلى المروة وهو يمشي فإذا بلغ حد المسعى الأول وهو المنارة فليهرول وليسع
مل ء فروجه ويقول:
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم.
فإذا بلغ حد المسعى الثاني وهو أن يجوز زقاق العطارين فليقطع الهرولة وليمش على
سكون حتى يصعد المروة ويستقبل البيت بوجهه ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت
ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، ثلاث مرات.
ويقول: اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال وصدق النية في
التوكل عليك.
74

ثم ينحدر منها حتى يأتي الصفا يفعل ذلك سبع مرات ويكون وقوفه على الصفا
أربع مرات وعلى المروة أربعا ويسعى بينهما سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وإذا جاء
منها إلى الصفا فليبدأ من عند الزقاق بالهرولة فإذا انتهى إلى الميل الذي دون الصفا بعد
ما يجاوز الوادي كف عن السعي ومشى مشيا.
ويستحب أن يطوف الحاج ثلاثمائة وستين أسبوعا في مقامه بمكة عدد أيام السنة فإن
لم يقدر عليه، طاف ثلاثمائة وستين شوطا فإن لم يتمكن من ذلك فليطف ما تيسر من
الأسابيع تطوعا فإن شغله عن التطوع بالطواف شاغل فليطف الفرض وإذا طاف بالبيت
سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبع مرات، قصر من شعر رأسه من جوانبه أو من حاجبيه
أو من لحيته إن كان ذا لحية وقد أحل من كل شئ أحرم منه.
باب الإحرام للحج:
فإذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه ويقلم أظفاره ويغتسل ويلبس ثوبيه ثم
يأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار فليطف أسبوعا إن شاء ثم ليصل ركعتين
لطوافه عند مقام إبراهيم ع ثم ليقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت فليصل
ست ركعات ثم ليصل المكتوبة ويدعو الله عز وجل كثيرا بالعون ثم يقول:
اللهم إني أريد الحج فيسره لي وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على،
أحرم لك وجهي وشعري وبشري ولحمي ودمي وعظمي وعصبي ومخي من النساء
والثياب والطيب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
ثم ليلب حين ينهض به بعيره ويستوي به قائما وإن كان ماشيا فليلب من عند
الحجر الأسود ويقول:
لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة تمامها عليك. ويقول وهو متوجه إلى منى:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي. فإذا انتهى إلى
الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى.
75

باب نزول منى:
فإذا أتى منى فليقل:
الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغني هذا المكان في عافية اللهم هذه منى
وهي ما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على فيها بما مننت به على
أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك.
ثم يصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ولا بأس أن يصلى
بغيرها إن لم يقدر ليدرك الناس بعرفات.
باب الغدو إلى عرفات:
فإذا طلع الفجر فليصل بمنى ثم يتوجه إلى عرفات ويقول وهو متوجه إليها:
اللهم إليك صمدت وعليك اعتمدت ولوجهك أردت أسألك أن تبارك لي في
رحلي وأن تقضي لي حاجتي اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط أقربها من رضوانك
وأبعدها من سخطك.
ثم ليلب وهو غاد إلى عرفات، فإذا أتاها ضرب خباءه بنمرة قريبا من المسجد فإن
رسول الله ص ضرب قبته هناك ونمرة هي: بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة فإذا زالت الشمس يوم
عرفة فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل والتمجيد
والتكبير ثم يصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين يبدأ فيؤذن ويقيم ويصلى الظهر،
فإذا فرع منها أقام وصلى العصر، ثم يأتي الموقف ويكون وقوفه في ميسرة الجبل، - فإن
رسول الله ص وقف هناك - وليستقبل القبلة فيحمد الله ويثني عليه
ويهلله مائة مرة ويسبحه كذلك ويكبره كذلك وليقل:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله مائة مرة ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا
يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. مائة مرة، وليقرأ عشر آيات من أول سورة
البقرة وآية الكرسي وآخر البقرة من قوله: لله ما في السماوات وما في الأرض، إلى
76

آخرها وآية السخرة: إن ربكم الله الذي خلق السماوات إلى قوله إن رحمة الله
قريب من المحسنين. وثلاث آيات من آخر الحشر، وليقرأ المعوذتين وليقل:
اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك وارحم مسيري إليك، اللهم رب
المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من
رزقك وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم إني أسألك بحولك وقوتك ومجدك
وجودك ومنك وفضلك يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا
أرحم الراحمين أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا
وكذا.
ويذكر حاجته ويقر بجميع ذنوبه ما ذكره منها فليعترف به ذنبا ويستغفر وما لم
يذكره فليستغفر منه في الجملة، ثم ليرفع رأسه إلى السماء ويقول:
اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم
ينفعني ما أعطيتني فكاك رقبتي من النار، اللهم إني عبدك ناصيتي بيدك وأجلي
بعلمك وأسألك أن توفقني لما يرضيك عني وأن تسلم لي مناسكي التي أريتها
إبراهيم خليلك ودللت عليها نبيك محمدا صلى الله عليه وآله، اللهم اجعلني ممن
رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة الحمد لله على نعمائه التي
لا تحصى بعدد ولا تكافئ بعمل الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا
وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله الذي رزقني ولم أك أملك شيئا
الحمد لله على حمله بعد علمه الحمد لله على عفوه بعد قدرته الحمد لله على رحمته
التي سبقت غضبه.
ثم ليكثر من حمد الله والثناء عليه وتمجيده والاستغفار إن شاء ثم يدعو دعاء الموقف
فيقول:
لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد عبدك
77

ورسولك وخيرتك من خلقك وعبادك الذي اصطفيته لرسالاتك واجعله إلهي أول شافع
وأول مشفع وأول قائل سائل اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل
محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل
إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنك تجيب المضطر إذا دعاك وتكشف السوء وتغيث
المكروب وتشفي السقيم وتغني الفقير وتجبر الكسير وترحم الصغير وتعين الكبير
وليس فوقك أمير أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الأسير ويا رازق الطفل الصغير
ويا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير.
اللهم إنك أقرب من دعي وأسرع من أجاب وأكرم من عفا وخير من أعطى وأوسع
من سئل رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ليس كمثلك شئ مسؤول ولا معط، دعوتك
فأجبتني وسألتك فأعطيتني وفزعت إليك فرحمتني وأسلمت لك نفسي فاغفر لي ذنوبي
ولوالدي ولأهلي وولدي ولكل سبب ونسب في الاسلام لي ولجميع المؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك به أحد من
خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة في عصمة
ديني وخاصة نفسي وقضاء حاجتي وتشفيعي في مسائلي وإتمام النعمة على وصرف
السوء عني وإلباسي العافية وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك إنك
جواد كريم.
اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى
تبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام والزوار لقبر نبيك عليه وآله السلام في أعفى
عافيتك وأتم نعمتك وأوسع رحمتك وأجزل قسمك وأسبغ رزقك وأفضل الرجاء وأنا لك
على أحسن الوفاء إنك سميع الدعاء اللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي
وارحم تضرعي وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا
معافاة ولا تشريفا إلا بك ومنك فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل وأنا معافى
من كل مكروه ومحذور من جميع البوائق وأعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين
78

اصطفيتهم من خلقك لخلقك.
اللهم صل على محمد وآل محمد وسلمني في ديني وامدد لي في أجلي وأصح لي
جسمي يا من رحمني وأعطاني سؤلي فاغفر لي ذنبي إنك على كل شئ قدير اللهم
صل على محمد وآل محمد وتمم على نعمتك فيما بقي من أجلي حتى تتوفاني وأنت
عني راض اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تخرجني من ملة الاسلام فإني
اعتصمت بحبلك ولا تكلني إلى غيرك اللهم صل على محمد وآل محمد وعلمني ما
ينفعني واملأ قلبي علما وخوفا من سطوتك ونقمتك اللهم إني أسألك مسألة المضطر
إليك المشفق من عذابك الخائف من عقوبتك أن تغفر لي وتعيذني بعفوك وتحنن على
برحمتك وتجود على بمغفرتك وتؤذي عني فريضتك وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد
من خلقك وأن تجيرني من النار برحمتك اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح له
فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا.
اللهم صل على محمد وآل محمد وأظهر حجته بوليك وأحي سنته بظهوره حتى
يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفي أحد بشئ من الحق مخافة أحد
من الخلق، اللهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة الكريمة التي تعز بها الاسلام
وأهله وتذل بها الشرك وأهله اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا فيها من الدعاة
إلى طاعتك والعابرين في سبيلك وارزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة اللهم ما أنكرنا
من الحق فعرفناه وما قصرنا عنه فبلغناه اللهم صل على محمد وآل محمد واستجب لنا
جميع ما دعوناك وسألناك واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى وأعطني اللهم سؤلي
في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير.
وليجتهد في الدعاء، فإنه يوم مسألة وطلب ولا يشتغل بالنظر إلى الناس، وليقبل
قبل نفسه ويتعوذ بالله من الشيطان وليكثر من الاستغفار إن شاء الله تعالى.
باب الإفاضة من عرفات:
فإذا غربت الشمس فليفض منها بالاستغفار وعليه السكينة والوقار فإن الله تعالى
79

يقول: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
فإذا أتى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فليقل:
اللهم ارحم موقفي وزك عملي وسلم ديني وتقبل مناسكي اللهم لا تجعله آخر
العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني.
باب نزول المزدلفة:
ولا يصل المغرب ليلة النحر إلا بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل، فإذا نزل المزدلفة
صلى بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين ثم صلى نوافل المغرب بعد العشاء
الآخرة فإذا أصبح يوم النحر فليصل الفجر ويقف كوقوفه بعرفة، يحمد الله ويثني عليه
ويذكر من آلائه وبلائه ما قدر عليه وصلى على النبي وآله عليهم السلام ثم يقول:
اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار وأوسع على من الرزق الحلال وادرأ
عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول
ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي
وتجاوز عن خطيئتي واجعل التقوى من الدنيا زادي يا أرحم الراحمين.
فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى، فإذا بلغ طرف وادي محسر فليسع فيه
بهرولة حتى يجوزه، ولا يفيض منها قبل طلوع الشمس إلا مضطرا، لكنه لا يجوز وادي
محسر إلا بعد طلوعها ولا يفيض من عرفات قبل غروبها، ويأخذ الحصى لرمي الجمار من
المزدلفة أو من الطريق وإن أخذه من رحله بمنى أجزأه فإذا نزل منى فإن قدر على الوضوء
لرميه الجمار فليتوضأ وإن لم يقدر أجزأه عنه غسله، ولا يجوز له رمى الجمار إلا وهو على
طهر، ثم يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة فليقم من قبل وجهها ولا يقم من
أعلاها، وليكن بينه وبينها قدر عشرة أذرع أو خمس عشرة ذراعا، ويأخذ لرميه سبع
حصيات ويقول والحصى في يده:
اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي. ثم ليرم حذفا يضع الحصاة
على باطن إبهامه ويدفعها بظاهر سبابته ويقول مع كل حصاة:
80

بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد الله أكبر اللهم ادحر عني الشيطان
وجنوده، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم اجعله حجا
مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وذنبا مغفورا.
باب الذبح والنحر:
ثم يشترى هديه الذي فيه متعته إن كان من البدن أو من إناث البقر، فإن لم يجد
ففحلا، ومن المعز تيسا، ويعظم شعائر الله عز وجل، واعلم أنه لا يجوز في الأضاحي من
البدن إلا الثني وهو الذي قد تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ولا يجوز من البقر
والمعز إلا الثني وهو الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ من الضأن الجذع
لسنته، وتجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت، وإذا اشترى هديه استقبل به القبلة
فذبح وقال حين يتوجه به:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا
من المسلمين اللهم منك ولك وعلى ملة إبراهيم حنيفا مسلما بسم الله والله أكبر
اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.
ثم يمر الشفرة ولا ينخع حتى تبرد الذبيحة فإن لم يقدر أن يذبح عن علة ذبح له غيره
وهو مستقبل القبلة ويقول هذا الكلام وهو حين يذبح وتكون يده مع يد من يذبح له فإذا
ذبحه أو ذبح له فليستقبل القبلة وليحمد الله وليثن عليه وليصل على محمد وآله الطاهرين
أجمعين، وإن كان هديه بدنة فليوجهها إلى القبلة قائمة ويعقل يدها اليسرى ثم يأخذ
الحربة بيمينه ويقول: بسم الله والله أكبر، ويضرب بها نحرها وإن لم يحسن ذلك أو
ضعف عنه ناب غيره فيه.
باب الحلق:
وليحلق رأسه بعد الذبح وليقل:
81

اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفات إنك على كل
شئ قدير.
وإذا جلس يحلق رأسه فليكن متوجها إلى القبلة ويأمر الحلاق أن يبدأ بناصيته في
الحلق من جانبه الأيمن ولا يجزئ الصرورة غير الحلق ومن لم يكن صرورة أجزأه
التقصير، والحلق أفضل.
باب زيارة البيت من منى:
ثم ليتوجه إلى مكة وليزر البيت يوم النحر فإن شغله شاغل فلا يضره أو يزوره من
الغد ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر الزيارة والطواف عن اليوم الثاني من النحر، ويوم النحر
أفضل ولا بأس للمفرد والقارن أن يؤخر ذلك فإذا أتى مكة فليقم على باب المسجد
وليقل:
اللهم أعني على نسكي وسلمه لي وتسلمه مني أسألك مسألة الذليل المعترف
بذنبه أن تغفر لي ذنبي، اللهم إني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك جئتك أطلب
رحمتك وأؤم طاعتك متبعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك مسألة المضطر إليك المطيع
لأمرك المشفق من عذابك والخائف لعقوبتك فأسألك أن تلقيني عفوك وتجيرني من
النار برحمتك.
ثم يأتي الحجر الأسود فيقبله ويستلمه ويكبر الله جل اسمه ويقول كما قال يوم
دخل مكة وليجتهد في الدعاء لنفسه ثم ليطف بالبيت سبعة أشواط ثم يصلى ركعتين
عند مقام إبراهيم ع يقرأ فيها بعد الفاتحة، قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيقبله إن استطاع أو يستلمه وإلا فليستقبله ويكبر، ثم يأتي
زمزم ويشرب منها للتبرك بذلك ويدعو ويقول:
اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل سقم.
ثم ليخرج إلى الصفا وليصعد عليه ثم يصنع كما صنع يوم قدم مكة ويقف على
المروة ويسعى بينهما سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإذا فعل ذلك فقد أحل من
82

كل شئ أحرم منه إلا النساء، ثم ليرجع إلى البيت فليطف أسبوعا آخر ثم يصلى
ركعتين عند مقام إبراهيم ع ثم قد فرع من حجه وحل من كل شئ أحرم منه،
ثم ليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى، وإن بات في غيرها فعليه دم شاة.
باب الرجوع إلى منى ورمى الجمار:
وإذا أتى رحله بمنى فليقل:
اللهم بك وثقت وبك آمنت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير.
ويرمي الثلاث جمرات، اليوم الثاني والثالث والرابع، كل يوم بإحدى وعشرين
حصاة تكون ذلك من عند طلوع الشمس موسعا له إلى غروبها وأفضل ذلك ما قرب إلى
الزوال وجائز للخائف والنساء الرمي للجمار بالليل، ويرمي الجمرة الأولى بسبع
حصيات ويقف عندها ويدعو، والجمرة الوسطى بسبع حصيات ويقف عندها ويدعو،
والجمرة الثالثة بسبع حصيات ولا يقف عندها.
فإن نسي أو جهل فرماها مقلوبة فليعد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة.
باب النفر من منى:
فإذا أراد الخروج من منى في النفر الأول فوقته بعد الزوال من اليوم الثاني من
النحر، والنفر الأخير يوم الرابع من النحر فإذا ابيضت الشمس فإن السنة أن يأتي مسجد
الخيف فيصلي فيه ست ركعات، وليتعهد بصلاته عند المنارة التي في وسط المسجد ثم
يحمد الله ويثني عليه ويصلى على محمد وآله صلى الله عليهم ويدعو بما أحب.
فإذا رجع من مسجد منى وجاوز جمرة العقبة فليحول وجهه إلى منى ويرفع يديه إلى
السماء وليقل:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان وارزقنيه أبدا ما أبقيتني يا أرحم
الراحمين.
فإذا بلغ مسجد الحصباء وهو مسجد النبي ص فليدخله وليصل فيه
83

ويدعو بما بدا له وليسترح فيه قليلا. ولتكن استراحته بالاستلقاء فيه على ظهره فإن في
ذلك تأسيا بالنبي ص ثم يدخل مكة وعليه السكينة والوقار فإذا دخلها
طاف بالبيت ما شاء تطوعا.
باب دخول الكعبة:
فإذا أراد أن يدخل الكعبة فليغتسل قبل أن يدخلها وليقل:
بسم الله وبالله وإلى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله ص
وخير الأسماء لله والحمد لله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام
على محمد بن عبد الله والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام على
أنبياء الله ورسله والسلام على إبراهيم خليل الله السلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم
محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد الحمد لله الذي جعلني من وفده ومن زواره اللهم إني عبدك وزائرك في
بيتك وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره وأنت خير مأتي وأكرم مزور فأسألك يا
رحمان بأنك أنت الله وأنت الرحمن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وبأنك أحد
صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تجعل تحفتك إياي من زيارتي فكاك رقبتي من النار اللهم إنك قلت ومن دخله كان
آمنا فأمني من عذاب النار ومن الفتنة في الدنيا والآخرة، اللهم إني أعوذ بك من
سفعات النار.
وليجتهد في الدعاء.
باب مواضع الصلاة في الكعبة:
ثم يصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء التي بين العمودين ركعتين، يقرأ في
الركعة الأولى الحمد وحم السجدة، وفي الثانية الحمد وبعدد آي السجدة من القرآن،
84

ويصلى في زوايا الكعبة ويقول وهو ساجد:
يا رب يا رب يا رب ليس يرد غضبك إلا حلمك ولا يجير من عقابك إلا رحمتك ولا
منجى منك إلا بالتضرع إليك فهب لي يا إلهي فرجا بالقدرة التي تحيي بها أموات
العباد وتنشر ميت البلاد ولا تهلكني يا إلهي غما حتى تستجيب دعائي وتعرفني
الإجابة يا إلهي وترزقني العافية إلى منتهى أجلي ولا تشمت بي عدوي ولا تمكنه
من عنقي من ذا الذي يرفعني إن وضعتني يا رب ومن ذا الذي يضعني إن رفعتني وإن
أهلكتني فمن ذا الذي يتعرض لك في عبدك أو يسألك عنه وقد علمت يا إلهي أنه ليس
في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة وإنما يعجل من يخاف الفوت وإنما يحتاج
إلى الظلم الضعيف وقد تعاليت يا إلهي في ذلك فلا تجعلني للبلاء عرضا ولا لنقمتك
نصبا ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي ولا ترد كيدي في نحري ولا تشمت بي عدوي ولا
حاسدي بك أعوذ يا سيدي فأعذني وأستجير بك من غضبك فأجرني وأستعين بك على
الضر فأعني وأستعصمك فاعصمني وأتوكل عليك فاكفني.
وليجتهد في الدعاء لنفسه وأهله وإخوانه بما أحب وليذكر حوائجه ويتضرع وليكثر
من التعظيم لله والتحميد والتكبير والتهليل وليكثر من المسألة ثم يصلى أربع ركعات
أخر يطيل ركوعها وسجودها ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الدرجة فيقرأ سورة من
سور القرآن ثم يخر ساجدا ثم يصلى أربع ركعات أخر يطيل ركوعها، وسجودها ثم يحول
وجهه إلى الزاوية الغربية فيصنع كما صنع ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الركن
اليماني فيصنع كما صنع ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الحجر الأسود فيصنع كما
صنع، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء فيقوم عليها ويرفع رأسه إلى السماء فيطيل الدعاء
بذلك جاءت السنة فإذا خرج من باب الكعبة فليقل:
اللهم لا تجهد بلائي ولا تشمت بي أعدائي فإنك أنت الضار النافع. يقولها ثلاث مرات.
باب الوداع:
فإذا أراد الرحيل من مكة فليودع البيت، يطوف به سبعة أشواط يستلم الحجر الأسود
85

والركن اليماني في كل شوط إن استطاع ذلك وتمكن منه.
فإذا كان في الشوط السابع فليأت المستجار وهو في مؤخر الكعبة قريبا من الركن
اليماني فيصنع عنده كما صنع يوم دخل مكة ويتخير لنفسه ما شاء من الدعاء ثم يلصق
خده وبطنه بالبيت فيما بين الحجر الأسود وباب الكعبة ويضع يده اليمنى مما يلي
باب الكعبة ويده اليسرى مما يلي الحجر الأسود فيحمد الله ويثني عليه ويصلى على
محمد وآله عليهم السلام، ويقول:
اللهم اقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي بأفصح - ل ما رجع به أحد من خلقك
وحجاج بيتك الحرام من المغفرة والرحمة والبركة والرضوان والعافية وفضل من عندك
تزيدني عليه، اللهم إن أمتني فاغفر لي وإن أحييتني فارزقني الحج من قابل، اللهم لا
تجعله آخر العهد من بيتك الحرام.
وليجتهد في الدعاء ويقول:
يا رب هذا وداع من يخاف أن لا يؤوب إلى بيتك رب فحرمني وأهلي على
جهنم، اللهم إنك استفززت إلى أداء ما افترضت فخرجت بغير منة عليك وأنت
أخرجتني اللهم فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي وأصلحت لي عيوبي وطهرت قلبي
وكتبت لي البراءة من أمر دنياي وآخرتي فلن ينقلب المنقلبون إلا بفضل فيما
جنيت على نفسي فاغفر لي وارحمني قبل أن تنائى عن بيتك داري يا أرحم الراحمين.
باب الصلاة في مقام إبراهيم ع:
ثم يأتي المقام فيصلي ركعتين فإذا فرع منهما فليقل:
اللهم إني خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام قاصدا إليك أريدك ولا أريد غيرك
وأنت الذي رزقتنيه ومننت به على اللهم إني أريد تصديقا بكتابك وسنة نبيك صلى
الله عليه وآله وقضاء حق من حقوقك وأنا عبدك وزائرك في حرمك والنازل بك وعلى
كل مأتي حق على من أتاه وزاره وأنت خير مأتي وأكرم مزور وخير من طلبت إليه
86

الحاجات وأكرم من سئل وأرحم من استرحم وأجود من أعطى وأرأف من عفا وأسمع
من دعا وأكرم من اعتمد عليه، اللهم وبي إليك فاقة وعندي لك طلبات أنا مرتهن بها
أثقلت ظهري وأفقرتني إلى رحمتك اعتمدتك فيها تائبا إليك منها فاغفرها لي وذنوبي
كلها قديمها وحديثها سرها وعلانيتها خطأها وعمدها وصغيرها وكبيرها قليلها وكثيرها
وكل ذنب أذنبته مغفرة عزما يا عظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم.
وليجتهد في الدعاء لنفسه ولإخوانه المؤمنين إن شاء الله.
باب الصلاة نحو الأركان:
من السنة أن يصلى بإزاء كل ركن من أركان البيت، ركعتين وليكن آخرها الركن
الذي فيه الحجر وإن زاد على الركعتين فهو أفضل فإذا فرع من الصلاة إلى الأركان
فليلتصق بالحطيم فيحمد الله ما استطاع ويصلى على محمد وآله الطاهرين ويقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ولا من هذا الموقف اللهم أردني إليه
ببر وتقوى وإخبات.
ثم ينصرف فيأتي زمزم فيشرب منه تبركا بذلك ثم يخرج إن شاء الله تعالى فإذا
خرج وكان قريبا من باب المسجد فليستقبل القبلة ثم يخر ساجدا ويقول:
سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ولا إله إلا أنت ربي حقا حقا اللهم اغفر لي
ذنوبي وتقبل حسناتي وتب على إنك أنت التواب الرحيم.
ثم يرفع رأسه فيحمد الله ويثني عليه ويصلى على النبي وآله عليهم السلام ويقول:
اللهم إني انقلبت على أن لا إله إلا أنت ثم يرفع يديه ويستقبل الكعبة ويقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام فإذا خرج فليضع يده على الباب وليقل:
المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة.
فإذا توجه إلى أهله فليقل:
تائبون عابدون حامدون لربنا شاكرون وإلى ربنا راغبون وإلى الله راجعون.
87

باب تفصيل فرائض الحج:
وفرض الحج الإحرام، والتلبية، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفو المروة
وشهادة الموقفين وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض ومن دخل مكة يوم التروية
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة، فإن
غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له فليقم على إحرامه ويجعلها حجة مفردة، فإذا
انقضت أيام الحج خرج إلى خارج الحرم فأحرم للعمرة واعتمر ومن حصل بعرفات قبل
طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدركها وإن لم يحضرها حتى يطلع الفجر فقد فاتته، فإن
حضر المشعر الحرام قبل طلوع الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج وإن لم يحضره حتى
تطلع الشمس فقد فاته الحج.
وقد جاءت رواية أنه إن أدركه قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج غير أن هذه
الرواية جاءت من نوادر الأخبار وما ذكرناه متواتر ظاهر من الآثار.
باب ما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه:
فقد تقدم القول بطرف من ذلك وأنا أورده في هذا الباب على الكمال إن شاء الله.
فمن أحرم وجب عليه القيام بشرائط الإحرام. فمن ذلك اجتناب النساء والطيب كله
إلا خلوق الكعبة خاصة فإنه لا بأس أن يشمه المحرم وينال منه، واللباس الذي يزيد
على ثوبي الإحرام كالقميص والسراويل وما يحمى به الرأس للرجل، وتغطية المرأة
وجهها، والزينة، والجدال، والكذب يفسد الإحرام، وصيد البر محرم في الإحرام.
قال الله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون.
ولا يكتحل المحرم بالسواد، فإنه زينة ويكتحل بالصبر والحضض وما أشبهها إذا
شاء ولا يدهن بالطيب من الرائحة ويدهن بالزيت والشيرج والسمن إذا شاء.
ولا يشم شيئا من الرياحين الطيبة ويمسك أنفه من الرائحة الطيبة، ولا يمسكه من
الرائحة الخبيثة، ولا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا يحتجم، ولا يفتصد إلا أن يخاف
88

على نفسه التلف، ولا يرتمس في الماء ولا يغطى رأسه ولا يظلل على نفسه إلا أن يخاف
الضرر العظيم فيفعل ذلك فإن ظلل على نفسه مختارا فعليه فداء.
ولا يدمي نفسه بحك جسده، ولا يستقصي في سواكه لئلا يدمي فاه ولا يدلك وجهه
في غسله في الوضوء، ولا في غيره لئلا يسقط من شعره شئ ولا يقلم أظفاره ولا يأكل من
صيد البر وإن صاده غيره محلا كان الصائد أو محرما، كما لا يأكل من صيد نفسه، ولا
يدل على صيد. وليتق الله عز وجل وليتحفظ من ارتكاب ما نهاه عنه إن شاء الله تعالى.
باب الكفارات عن خطأ المحرم وتعديته الشروط:
فإذا جامع المحرم قبل وقوفه بعرفة فكفارته بدنة وعليه الحج من قابل وليستغفر الله
عز وجل، وإن جامع بعد وقوفه الموقف فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، فإن كان
جماعه دون الفرج قبل وقوفه بالموقف فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل، وإنما يلزم
الأمران جميعا.
من كان جماعه في الفرج على ما بيناه ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فإنه يجب عليه
بدنة إن كان موسرا، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه دم شاة ويستغفر
الله عز وجل، وإن لم يجد شيئا مما ذكرناه لفقره في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام.
ومن نظر إلى أهله فأمنى أو مذي فلا كفارة عليه ويستغفر الله عز وجل. وكذلك إن
حملها، فكان منه ما ذكرناه فلا شئ عليه إلا أن يضمها إليه بشهوة فيمني فيجب عليه دم
شاة. ومن تزوج وهو محرم فرق بينه وبين المرأة وكان نكاحه باطلا، فإن كان يعلم أن
ذلك محرم، ثم أقدم عليه لم تحل له المرأة أبدا. والمحرم لا يعقد النكاح وإن عقده لم يتم.
وإذا وجبت الكفارة على المحرم لجماعه، وجب مثلها على المرأة إن كانت طاوعته على
ذلك، فإن كان أكرهها فعليه كفارتان، وليس على المرأة كفارة.
ومن قبل امرأته وهو محرم، فعليه بدنة، أنزل أو لم ينزل، فإن هويت المرأة ذلك كان
عليها مثل ما عليه، ويكره للمحرم أن يأكل من يد امرأته شيئا تلقمه إياه كذلك يكره
له أن يأكل من يد جاريته لما يتخوف عليه من تحرك شهوته بذلك.
وإذا سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط وظن أنه طاف سبعة فقصر وجامع، وجب
89

عليه دم بقرة ويسعى شوطا آخر. فإن لم يجامع النساء سعى شوطا ولا شئ عليه
وإذا قلم المحرم من أظفاره فعليه أن يطعم من كل ظفر مسكينا مدا من طعام فإن قلم
أظفار يديه جميعا فعليه دم شاة فإن قلم بعد ذلك أظفار رجليه كان عليه دم آخر. فإن قلم
أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد ومن حلق رأسه من أذى لحقه فعليه دم
شاة أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مد من طعام، أو صيام ثلاثة أيام، فإن ظلل
على نفسه مختارا فعليه دم أيضا.
فإن لبس قميصا بعد ما أحرم فليشق جيبه وينزعه من قبل رجليه. ومن جادل وهو
محرم مرة صادقا أو مرتين، فليس عليه كفارة وليستغفر الله عز وجل فإن جادل، ثلاث
مرات، صادقا وما زاد عليه، فعليه دم شاة، فإن جادل مرة كاذبا فعليه دم شاة وإن
جادل مرتين كاذبا، فعليه دم بقرة، فإن جادل ثلاثا وما زاد كاذبا فعليه دم بدنة. ومن
نزع من جسده قملة وقتلها أو رمى بها، فليطعم مكانها كفا من طعام لمسكين.
ومن أسبغ وضوءه فسقط شئ من شعره فعليه أيضا كف من طعام يتصدق به فإن
كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة فإن صاد المحرم نعامة فقتلها فعليه بدنة، فإن
لم يجد أطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر على ذلك صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
ذلك صام ثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر على شئ من ذلك كله، استغفر الله عز وجل،
فإن صاد بقرة وحش أو حمار وحش، فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا فإن لم
يستطع، صام تسعة أيام. فإن صاد ظبيا فعليه شاة، فإن لم يجد أطعم عشرة مساكين، فإن
لم يستطع صام ثلاثة أيام، وفي الثعلب والأرنب مثل ما في الظبي، وفي القطاة وما
أشبهها، حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر، وفي القنفذ واليربوع والضب وما
أشبهها جدي، وفي الحمامة وما أشبهها درهم، وفي بيضها ربع درهم وفي فراخها نصف
درهم، ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة، فإن لم يرجع فعليه لكل طائر دم شاة، ومن
دل على صيد وهو محرم فأخذ وقتل فعليه فداؤه. ولو اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه،
وجب على كل واحد منهم الفداء، وعلى المحرم في صغار النعام بقدره من صغار الإبل في
سنه كذلك في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء، وإذا كسر المحرم بيض النعامة،
90

فعليه أن يرسل من فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر فما نتج كان هديا لبيت الله
عز وجل. فإن لم يجد فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة
مساكين. فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام فإن كسر بيض القطاة وشبهها أرسل
فحولة الغنم في إناثها، فما نتج كان هديا لبيت الله. وقد روي أن رجلا سأل أمير
المؤمنين ع فقال: يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطئت ناقتي بيض نعام
وكسرته فهل على كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني الحسن عنها وكان بحيث يسمع
جوابه فتقدم إليه الرجل، فسأله فقال له الحسن ع: يجب عليك أن ترسل فحولة
الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض فما نتج فهو هدي لبيت الله عز وجل فقال له
أمير المؤمنين ع: يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو
كان فيها ما يزلق؟ فقال: يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق وكان فيه ما يمرق فتبسم
أمير المؤمنين ع وقال له: صدقت يا بني ثم تلا، ذرية بعضها من بعض والله
سميع عليم.
ومن رمى شيئا من الصيد فجرحه ومضى لوجهه فلم يدر أ حي هو أم ميت، فعليه
فداؤه، فإن رآه بعد ذلك حيا وقد صلح وزال منه العيب وعاد إلى ما كان عليه، تصدق
بشئ واستغفر الله عز وجل، وإن بقي معيبا، فعليه مقدار ما بين قيمة فدائه صحيحا وما
بين ذلك العيب.
ومن قتل جرادة فعليه كف من طعام، فإن قتل جرادا كثيرا، فعليه دم شاة ومن قتل
زنبورا تصدق بتمرة، فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر.
ومن اضطر إلى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة.
ومن لبس ثوبا لا يحل له لبسه أو أكل طعاما لا يحل له، فإنه إن كان تعمد ذلك
كان عليه دم شاة وإن كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ وليستغفر الله عز وجل.
والمحرم إذا صاد في الحل كان عليه الفداء، وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء
والقيمة مضاعفة. ومن وجب عليه فداء الصيد وكان محرما للحج، ذبح ما وجب عليه أو نحره بمنى.
91

وإن كان محرما للعمرة ذبح أو نحر بمكة، وكل شئ أصله في البحر ويكون في البر
والبحر ينبغي للمحرم أن لا يقتله، فإن قتله فعليه فداؤه، ولا بأس أن يأكل المحل ما
صاده المحرم، وعلى المحرم فداؤه - على ما ذكرناه - والمحرم لا يأكل الجراد ولا يقتله
على ما بيناه، ولا بأس بأكل الدجاج الحبشي لأنه ليس من الصيد الذي حظره الله على
المحرم.
ومن نتف ريشا من طير من طيور الحرم، فعليه أن يتصدق على مسكين ويعطي
الصدقة باليد التي نتف بها الطير، ومن قتل حمامة في الحرم، وجب عليه أن يشترى
بقيمتها علفا ويلقيه لطيور الحرم. والشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل،
فهي حرام لأن أصلها حرم فرعها. كذلك إذا كان أصلها في الحل وفرعها في الحرم
فأصلها كفرعها لأن حكم الحرم أغلب. والمحل إذا قتل صيدا في الحرم فعليه فداؤه.
كذلك إن قتله فيما بين البريد والحرم.
والمحرم إذا فقأ عين الصيد أو كسر قرنه، تصدق بصدقة وقد بينا كيف يكون ذلك
فيما سلف، والمحرم إذا أمر غلامه وهو محل بالصيد فقتله فعلى السيد الفداء. وإن كان
الغلام محرما، فقتل صيدا بغير إذن سيده فعلى السيد أيضا الفداء إذا كان هو الذي أمره
بالإحرام.
وإذا وقع المتمتع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء، فعليه جزور وإن كان
جاهلا فليستغفر الله عز وجل ولا شئ عليه وإذا قبل المحرم امرأته وقد طاف طواف
النساء، وهي لم تطف، فعليها دم تهريقه إن كانت آثرت ذلك منه وإن كان أكرهها
غرم عنها ذلك، والمحرم يطلق ولا يتزوج على ما قدمناه. وإذا مات المحرم، غسل كتغسيل
المحل غير أنه لا يقرب الطيب.
باب من الزيادات في فقه الحج:
ومن طاف بالبيت فلم يدر أ ستا طاف أو سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن أنه قد
طاف سبعا، فإن لم يدر أ سبعا طاف أو ثمانية فلا شئ عليه ومن طاف على غير وضوء
92

ناسيا ثم ذكر فإن كان طواف الفريضة فليتوضأ وليعد الطواف وليصل ركعتين وإن كان
الطواف نافلة فليتوضأ ويعد الصلاة وليس عليه إعادة الطواف، وإذا طاف الرجل
بالبيت بعض الطواف ثم قطعه واشتغل بغيره ناسيا كان أو متعمدا فإنه إن كان ما طافه
يزيد على النصف بنى على ما مضى، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف. وإذا
حاضت المرأة وهي في الطواف قطعت وانصرفت، فإن كان ما طافته أكثر من النصف
بنت عليه إذا طهرت وإن كان أقل استأنفت.
والحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت فإنها لا تقربه حتى تطهر لأن
الطواف حكم الصلاة، وله صلاة مفروضة، وحكم السعي في النصف وأقل منه وأكثر
حكم الطواف سواء. والمستحاضة تطوف بالبيت ولكن لا تدخل الكعبة.
ومن نسي وسعى بين الصفا والمروة تسعة أشواط كان ختامها بالمروة فلا حرج عليه.
فإن سعى بينهما ثمانية أشواط كذلك وجب عليه الإعادة، والفرق بينهما أنه إذا
سعى تسعا يختمها بالمروة فقد بدأ بما بدأ الله به وهو الصفا وختم بالمروة، وإن كان مضيفا
إلى المشروع من السعي طوافين على السهو أو تيقن لم يسعهما، وإذا سعى ثمانية على ما
وصفناه كان ابتداؤه بالمروة وذلك بخلاف الفرض وضد السنة.
ومن اشترى هديا فسرق منه وجب عليه أن يشترى مكانه غيره إلا أن يكون الهدي
تطوعا فلا حرج عليه أن لا يشترى مكانه غيره.
ومن بدأ في الرمي بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى رجع فرمى جمرة الوسطى ثم
العقبة.
ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا فمشى بعض الطريق ثم عجز، فليركب ولا شئ
عليه، ما جعل الله على خلقه في الدين من حرج.
والرجل إذا زامل امرأته في المحمل فلا يصليا معا، ولكن إذا صلى أحدهما وفرع
صلى الآخر، ويقطع المحرم من الشجر ما شاء حتى يبلغ الحرم فإذا بلغه فلا يقطع منه
شيئا.
ومن وجب عليه الحج فمنعه منه مانع حتى مات ولم يحج، وجب أن يحج عنه من
93

أصل ماله، فإنه دين الله تعالى.
ومن أسلم وأراد الحج فلا يجوز له ذلك حتى يختتن والمرأة رخص لها في ترك ذلك.
ويجرد الصبيان للإحرام من فخ، بذلك جاءت السنة ومن وصى بحجة فلا بأس أن
يحج عنه من غير بلده إذا كان دون الميقات.
ومن وجب عليه الحج فمنعه منه مانع فلا بأس أن يخرج عنه من يحج عنه. فإن تمكن
هو بنفسه بعد ذلك من الحج فالواجب أن يحج.
فإن لم يتمكن إلى أن يموت فقد أجزأت عنه الحجة التي أخرجها عن نفسه عن حجة
الاسلام.
ومن وجب عليه الحج فلا يجوز له أن يحج عن غيره، ولا بأس أن يحج الصرورة عن
الصرورة إذا لم يكن للصرورة مال يحج به عن نفسه.
وإذا أخذ الرجل حجة ففضل منها شئ فهو له وإن عجزت فعليه. وقد جاءت رواية:
أنه إن فضل مما أخذه فإنه يرده إن كانت نفقته واسعة وإن كان قتر على نفسه لم يرده
وعلى الأول العمل، وهو أفقه.
وإذا حج الانسان عن غيره، فصد في بعض الطريق عن الحج كان عليه مما أخذه
بمقدار نفقته ما بقي عليه من الطريق والأيام التي تؤدي فيها الحج إلا أن يضمن العود
لأداء ما وجب عليه. فإن مات النائب في الحج وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم فقد
سقط عنه عهدة الحج، وأجزأ ذلك عمن حج عنه. وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم
كان على ورثته إن خلف في أيديهم شيئا بقية ما عليه من نفقة الطريق، ولم يجزئ
المحجوج عنه سعيه الذي اقتطع دون الحج عن تمامه.
وإذا حج الانسان عن غيره، فليقل بعد فراغه من غسل الإحرام: اللهم ما أصابني
من تعب أو نصب أو شعث أو لغوب فأجر فلان بن فلان فيه وأجرني في قضائي عنه
فإذا لبى بعد الإحرام فليقل في آخر تلبيته:
لبيك اللهم لبيك لبيك عن فلان بن فلان لبيك.
وليقل عندكل منسك ينسكه:
94

اللهم تقبل من فلان بن فلان وأجرني في نيابتي عنه.
ومن نسي أن يحرم حتى دخل الحرم فإنه يجب عليه أن يخرج إلى ميقات أرضه فيحرم
منه فإن خاف أن يفوته الحج أحرم من مكانه ولا حرج عليه. ولا يجوز الإحرام في الثوب
الأسود، ولا يكفن به الميت. ولا بأس بالإحرام في الثوب المعلم.
والمتمتع إذا طاف وسعى ثم قبل امرأته قبل أن يقصر فإن عليه دم شاة، فإن جامعها
فعليه دم بقرة. ولا يجوز لأحد أن يأخذ من تربة البيت ولا ما حوله. فإن أخذ منه انسان
شيئا وجب عليه أن يرده. وقال الصادق ع: لا أحب للرجل أن يقيم بمكة سنة
وكره المجاورة بها، وقال: ذلك يقسي القلب ونهى أن يرفع الانسان في مكة بناء فوق
الكعبة.
وقال ع: الإحرام في كل وقت من ليل أو نهار، جائز وأفضله عند الزوال
الشمس.
وقال ع: من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم
فقد سقطت عنه الحجة، وإن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجة وليقض عنه
وليه.
وقال ع: تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن، إنما هو تحريك لسانه
وإشارته بإصبعه.
وقال ع: المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في
رأسه.
وقال ع: التكبير لأهل منى في خمس عشرة صلاة: أولها، الظهر من يوم
النحر، وآخرها الغداة من يوم الرابع. وهو لأهل الأمصار كلها في عشرة صلاة: أولها
الظهر من يوم النحر، وآخرها الغداة من يوم الثالث.
وقال ع: أحب للصرورة أن يدخل الكعبة وأن يطأ المشعر الحرام، ومن
ليس بصرورة فإن وجد سبيلا إلى دخول الكعبة وأحب ذلك، فعل وكان مأجورا وإن
كان على باب الكعبة زحام فلا يزاحم الناس.
95

وقال ع: المحصور بالمرض إن كان ساق هديا، أقام على إحرامه حتى يبلغ
الهدي محله، ثم يحل ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان في
حجة الاسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد حل مما كان أحرم منه فإن شاء
حج من قابل، وإن لم يشأ لم يجب عليه الحج. والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه
بمكانه يقصر من شعر رأسه ويحل، وليس عليه اجتناب النساء، سواء كانت حجته
فريضة أو سنة.
وقال ع: من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس
له أن يأكل منه ويتصدق به على المساكين وعليه مكانه بدل منه، وإن كان تطوعا لم
يكن عليه بدله، وكان لصاحبه أن يأكل منه.
وقال ع: كفارة مس الطيب للمحرم أن يستغفر الله عز وجل.
وقال ع: العليل الذي لا يستطيع الطواف بنفسه يطاف به، وإذا لم
يستطع الرمي رمى عنه، والفرق بينهما أن الطواف فريضة والرمي سنة.
وقال ع: إذا دخل الطائر الأهلي إلى الحرم فلا يمس إن الله تعالى يقول:
ومن دخله كان آمنا.
وقال ع: من أهدي إليه حمام وهو في الحرم، فإن كان مستوي الجناح
خلي سبيله، وإن كان مقصوصا أحسن إليه حتى إذا استوى خلي سبيله.
وقال ع: لا تصلي المكتوبة جوف الكعبة، ولا بأس أن يصلى فيها
النافلة.
وقال ع: ينبغي للمتمتع إذا حل أن لا يلبس قميصا ويتشبه بالمحرمين،
وكذلك ينبغي لأهل مكة أيام الحج.
وقال ع: تكره الصلاة في طريق مكة في ثلاث مواضع: أحدها البيداء،
والثانية ذات الصلاصل، والثالثة ضجنان.
وقال ع: من أصاب صيدا فعليه فداؤه من حيث أصابه.
وقال ع: من مات ولم يكن له هدي لمتعته، صام عنه وليه.
96

وقال ع: ويل لهؤلاء القوم الذين يتمون الصلاة بعرفات أما يخافون الله؟
فقيل له: فهو سفر؟ قال: وأي سفر أشد منه؟.
وقال ع: من عرضت عليه نفقة الحج فاستحى، فهو ممن ترك الحج
مستطيعا إليه السبيل.
وقال ع: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تلب حتى تنتهي إلى
البيداء.
وقال ع: ينبغي لمن أحرم يوم التروية عند المقام أن يخرج حتى ينتهي إلى
الردم ثم يلبي بالحج.
وسئل عن المرأة أ يجوز لها أن تخرج بغير محرم، فقال: إذا كانت مأمونة فلا بأس.
وسئل عن المرأة يجب عليها حجة الاسلام يمنعها زوجها من ذلك أ عليها الامتناع؟
فقال: ليس للزوج منعها من حجة الاسلام وإن خالفته وخرجت لم يكن عليها حرج.
وسئل ع عمن أحرم في رجب هل عليه دم إذا عزم الحج؟ فقال: إن أقام
بمكة حتى يحرم منها فعليه دم، وإن خرج منها فأحرم من غيرها فليس عليه دم.
وسئل ع عن الماشي متى يقطع مشيه؟ فقال: إذا رمى جمرة العقبة فلا
حرج عليه أن يزور البيت راكبا. والمعنى في ذلك أن من نذر الحج ماشيا، كان ذلك
حكمه.
وسئل ع عن الملبي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحج متى يقطع تلبيته؟
فقال: إذا زار البيت.
وسئل ع عمن لم يجد هديا وجهل أن يصوم الثلاثة الأيام كيف يصنع؟
فقال: أما إنني لا آمر بالرجوع إلى مكة ولا أشق عليه ولا آمره بالصيام في السفر ولكن
يصوم إذا رجع إلى أهله.
وقال ع: من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم بعد ذلك،
فليضف إليها ستة أشواط.
وسئل ع: عن رجل أهدي له قلبي مذبوح فأكله فقال: يجب عليه ثمنه.
97

وسئل ع عن الرجل يجد به السير أ يصلى على راحلته؟ قال: لا بأس بذلك
ويومئ إيماءا. وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة.
وسئل ع عن قتل الذئب والأسد؟ فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إذا
أراداه، وكل شئ أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله.
وسئل الصادق ع عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى أحرم للحج
فقال: يستغفر الله عز وجل.
وسئل عن المرأة هل يجوز لها أن تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو بعير؟ فقال: لا
بأس.
وسئل ع عن الرجل يسعى أيضا راكبا؟ فقال: لا بأس بذلك والمشي
أفضل.
وقال ع: أفضل البدن والنعم ذوات الأرحام من البقر وقد يجزئ الذكور
من البدن وأفضل الضحايا من الغنم الفحولة.
وسئل ع: عن الرجل يهدي الهدي والأضحية وهي سمينة فيصيبها مرض
أو تفقأ عينها أو تنكسر قرنه فتبلغ يوم النحر وهي حية، أ تجزئ عنه؟ قال: نعم.
وقال ع: يجزئ عن الأضاحي جذع الضأن ولا يجزئ جذع المعز.
وسئل ع عن رجل اشترى أضحية فسرقت منه فقال: إذا اشترى مكانها
فهو أفضل، وإن لم يشتر مكانها فلا شئ عليه.
وقال ع: الأضحية تجزئ في الأمصار عن أهل بيت واحد لم يجدوا
غيرها، والبقرة تجزئ عن خمسة إذا كانوا أهل خوان واحد.
وقال ع: المحرم لا يأكل الصيد وإن صاده الحلال وعلى المحرم في صيده
في الحل، الفداء وعليه في الحرم القيمة مضاعفة، ويأكل الحلال من صيد المحرم لا
حرج عليه في ذلك.
وسئل ع عن قول الله عز وجل: واذكروا الله في أيام معدودات. ما
هي؟ قال: أيام التشريق.
98

وقال ع: المحرم يهدي فداء الصيد من حيث صاده.
وسئل عن متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام ثم جاور مكة حتى يصوم السبعة
الأيام فقال ع: ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة وأراد الحج أن يخرج إلى
خارج الحرم فيحرم من أول يوم من العشر. وإن كان مجاورا وليس بصرورة فإنه يخرج
أيضا من الحرم ويحرم في خمس تمضى من العشر. وليكن هذا آخر كتاب الحج.
99

جمل العلم والعمل
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
101

جمل العلم والعمل
فصل: في وجوب الحج والعمرة وشروط ذلك وضروبه:
الحج واجب على كل حر مسلم بالغ متمكن من الثبوت على الراحلة إذا زالت
المخاوف والمقاطع ووجد من الزاد والراحلة ما ينهضه في طريقه وما يخلفه في عياله من
النفقة. والحج واجب في العمر مرة واحدة وكذلك العمرة تجب مرة واحدة وما زاد على
المرة فهو فضل عظيم، ويجب على المرأة بهذه الشروط ولا تفتقر إلى محرم. وأشهر الحج:
شوال وذو القعدة وعشرون من ذي الحجة.
وليس للعمرة وقت مخصوص وأفضل الأوقات للعمرة المفردة رجب وهي جائزة في
سائر أيام السنة وقد روي: أنه لا يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام. وروي: أنها
لا تجوز في كل شهر إلا مرة. والحج على الفور دون التراخي لمن تكاملت شرائطه.
والأركان في الحج خمسة: الإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام وطواف
الزيارة والسعي بين الصفا والمروة. وقد ألحق قوم من أصحابنا بهذه الأركان التلبية.
وضروب الحج ثلاثة: تمتع بالعمرة إلى الحج وإقران في الحج وإفراد.
والتمتع بالعمرة هو فرض الله على كل ناء عن المسجد الحرام فلا يجوز منه سواه
وصفته أن يحرم من الميقات بالعمرة، وإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعا وسعى بين
الصفا والمروة سبعا ثم أحل من كل شئ أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند الزوال
أحرم بالحج من المنزل وعليه بهذا الحج المتعقب للعمرة طوافان أحدهما الطواف المعروف
بطواف النساء وهو الذي تحل معه النساء لأن بالطواف الأول الذي هو طواف الزيارة
103

يحل المحرم من كل شئ إلا النساء، وعليه بهذا الإحرام بالحج سعى بين الصفا والمروة
وعليه دم، فإن كان عدم الهدي وكان واجدا ثمنه تركه عند من يثق به حتى يذبح منه
في طول ذي الحجة فإن لم يتمكن من ذلك أخره إلى أيام النحر من العام القابل، ومن لم
يجد الهدي ولا ثمنه كان عليه صوم عشرة أيام قبل يوم التروية ويوم عرفة فمن فاته ذلك
صام ثلاثة أيام التشريق وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله.
وأما الإقران فهو أن يهل من الميقات بالحج ويقرن إلى إحرامه سياق الهدي وإنما
سمي إقرانا لاقتران سياق الهدي بما يأتي به، وعليه طوافان بالبيت وسعي واحد بين
الصفا والمروة ويجدد التلبية عند كل طواف.
فأما الإفراد فهو أن يحرم بالحج من الميقات مفردا ذلك من سياق الهدي وليس عليه
هدي ولا تجديد التلبية عند كل طواف، ومناسك المفرد والقارن متساوية.
فصل: في مواقيت الإحرام:
ميقات أهل المدينة مسجد الشجرة وهو ذو الحليفة، وميقات أهل العراق وكل من
حج من هذا الطريق بطن العقيق وأوله المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق،
وميقات أهل الشام ومن حج بهذا الطريق الجحفة، وميقات أهل اليمن يلملم،
وميقات أهل الطائف قرن المنازل. ولا يجوز الإحرام من قبل الميقات ومن كان منزله
دون الميقات فميقاته منزله.
ومن جاور بمكة إذا أراد الحج والعمرة خرج من ميقات أهله وأحرم منه فإن لم
يتمكن أحرم من خارج الحرم.
فصل: فيما يجتنبه المحرم:
على المحرم اجتناب الرفث وهو الجماع، وكل ما يؤدى إلى نزول المني من قبلة أو
ملامسة أو نظر بشهوة، ويجتنب الفسوق وهو الكذب والسباب، والجدال وهو الحلف بالله
104

صادقا أو كاذبا، ويجتنب الطيب كله إلا خلوق المسجد، ولا يلبس المخيط من
الثياب، ولا يحتجم ولا يفصد إلا عند الضرورة، ولا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، ولا
يدمي جلده كله، ولا يظلل على نفسه إلا أن يخاف الضرورة، ولا ينكح المحرم، ولا
يأكل من صيد البر وإن صاده المحل، ولا يأكل من صيد نفسه، ولا يقتل صيدا ولا يدل
عليه، ولا يغطى رأسه إلا من ضرورة.
فصل: في سيرة الحج وترتيب أفعاله:
إذا بلغ الحاج إلى ميقاته فليكن إحرامه منه، وليغتسل، وينشر ثوبي إحرامه يأتزر
بأحدهما ويتوشح بالآخر، ولا يحرم بالإبريسم وأفضل الثياب للإحرام القطن والكتان،
ويصلى ركعتي الإحرام ثم يقول إذا فرع منهما:
اللهم إني أريد ما أمرتني به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت
على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك جسدي وبشري وشعري من النساء
والطيب والثياب أبتغي وجهك والدار الآخرة.
ثم يلبي فيقول:
لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.
وإن كان يريد القران قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديتي وأعني على مناسكي أحرم لك
جسدي إلى آخر الكلام.
فإن كان يريد الحج مفردا قال:
اللهم إني أريد الحج مفردا فيسره لي أحرم لك جسدي إلى آخر الكلام.
وليلب كلما صعد علوا أو هبط سفلا أو نزل من بعيره أو ركب وعند انتباهه وفي
الأسحار، فإن كان قصده إلى مكة من طريق المدينة قطع التلبية إذا عاين بيوت مكة عند
105

عقبة المدنيين وإن كان قصده إليها من طريق العراق قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى.
فإذا بلغ مكة فمن السنة الاغتسال قبل دخول المسجد فإذا دخله فليفتتح الطواف من
الحجر الأسود ثم يستقبله بوجهه ويدنو إليه فيستلمه ويكون افتتاحه من طوافه به
واختتامه به أيضا، فإذا بلغ الركن اليماني فليستلمه وليقبله فإن فيه بابا من أبواب
الجنة، فإذا كان في الشوط السابع فليقف عند المستجار وهو دون الركن اليماني ويبسط
يديه على البيت ويلصق به بطنه وخده ويقول:
اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار.
ويتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله تعالى ويسأله حوائجه للدنيا والآخرة ويقبل الركن
اليماني في كل شوط ويعانقه.
فإذا فرع من الطواف سبع دفعات فليأت مقام إبراهيم ع وليصل ركعتي
الطواف ثم يخرج من الباب المقابل للحجر الأسود إلى الصفا فيسعى منه إلى المروة سبع
مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، وإذا بلغ من السعي حد المسعى الأول وهو المنارة
فليهرول، وإذا بلغ حد المسعى الثاني وهو بعد جوازه زقاق العطارين قطع الهرولة، فإذا
فرع من الطواف والسعي قصر من شعر رأسه أو من حاجبيه وقد أحل به من كل شئ
أحرم منه.
فإذا كان يوم التروية فليغتسل وينشئ الإحرام للحج من المسجد ويلبي ثم يمضى
إلى منى فليصل فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ويغدو إلى عرفات،
فإذا زالت الشمس من يوم عرفة اغتسل وقطع التلبية وأكثر من التهليل والتحميد
والتكبير ثم يصلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم يأتي الموقف وأفضله ميسرة
الجبل ويدعو الله سبحانه بدعاء الموقف وهو معروف وبما أحب من الأدعية.
فإذا غربت الشمس فليفض من عرفات ولا يصلى المغرب ليلة النحر إلا بالمزدلفة،
فإذا نزل المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، فإذا أصبح يوم النحر
وصلى الفجر وقف بالمزدلفة كوقوفه بعرفة، فإذا طلعت الشمس فليفض ولا يفيض قبل
طلوع الشمس إلا مضطرا.
106

ويأخذ الحصى لرمي الجمار من المزدلفة أو من الطريق فإن أخذه من رحله بمنى
جاز، ولا يرمي الجمار إلا وهو على طهر ثم يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة فيقوم
من قبل وجهها لا من أعلاها ويحذفها بسبع حصيات.
ثم يبتاع هدي متعته من الإبل أو البقر أو الغنم، ولا يجوز في الأضحية من الإبل إلا
الثني وهو الذي قد تمت له خمس سنين، ويجوز من البقر والمعز الثني وهو الذي تمت له
سنة ودخل في الثانية، ويجزئ من الضأن لسنة، والأولى أن يتولى ذبح هديه بنفسه فإذا
ذبح هديه حلق رأسه أو قصر من شعره.
ثم يتوجه إلى مكة لزيارة البيت من يومه أو غده، ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر زيارة
البيت عن اليوم الثاني من النحر ويوم النحر أفضل، ولا بأس للمفرد والقارن بأن يؤخرا
ذلك.
وقد تقدم كيفية الطواف فإذا طاف طواف الزيارة وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل
من كل شئ أحرم منه إلا النساء، فإذا رجع إلى البيت وطاف سبعا فقد أحل من كل
شئ وفرع من حجه كله.
ثم يرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى فإن لم يبت بمنى فعليه دم شاة،
فإذا رجع إلى منى رمى الجمرات الثلاث اليوم الأول والثاني والثالث في كل يوم بإحدى
وعشرين حصاة، ووقت ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها.
ويجوز للنساء والخائف الرمي بالليل، فإذا أرادوا الخروج من منى في النفر الأول
فوقته من بعد الزوال من يوم الثالث من النحر، والنفر الأخير اليوم الرابع من النحر إذا
ابيضت الشمس.
ويستحب دخول الكعبة لا سيما للصرورة ويستحب عند الرحيل من مكة أن يودع
البيت بسبع طوافات وصلاة ركعتين عند المقام.
107

فصل: فيما يلزم المحرم عن جنايته من كفارة وفدية وغير ذلك:
إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة فعليه بدنة والحج من قابل، وإن جامع بعد
الوقوف فعليه بدنة ولا حج عليه، وإن كان جماعه دون الفرج فعليه بدنة ولا حج عليه من
قابل.
ويجب على المرأة عدم المطاوعة في الجماع وإلا فعليها مثل ما يجب على الرجل فإن
أكرهها سقطت عنها الكفارة وتضاعفت على الرجل، ومن قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة
أنزل أم لم ينزل، ومن نظر إلى أهله فأمنى فلا كفارة عليه فإن ضمها مع الشهوة فأمنى
فعليه دم شاة، ومن تزوج وهو محرم بطل نكاحه فإن لم يعلم أن ذلك محرم وأقدم عليه لم
تحل له المرأة أبدا، ولا يعقد المحرم النكاح لغيره فإن عقد لم يتم عقده.
فإذا قلم المحرم شيئا من أظفاره فعليه عن كل ظفر إطعام مسكين وقدره مد من
طعام، فإن قلم أظفار رجليه كان عليه دم آخر، فإن جمع بين تقليم يديه ورجليه في حال
واحدة كان عليه دم واحد.
ومن أظل رأسه من أذى فعليه دم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام،
ومن ظلل على نفسه مختارا فعليه دم، وعليه في لبس المخيط من الثياب دم شاة إن كان
متعمدا وإن كان ناسيا فلا شئ عليه.
ومن جادل وهو محرم مرة صادقا أو مرتين فعليه دم بقرة، فإن جادل ثلاثا فدم
بدنة، ومن ألقى من جسده قملة فقتلها أو رمى بها فعليه كف من طعام، ومن سقط عن
فعله شئ من شعره فعليه كف من طعام فإن كان كثيرا فعليه دم شاة، وعلى المحرم من
صيد النعامة وقتلها بدنة فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر صام شهرين
متتابعين فإن تعذر ذلك صام ثمانية عشر يوما.
وعليه من صيد بقرة وحشية بقرة فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر
صام سبعة أيام، وإن صاد ظبيا فعليه دم شاة فإن تعذر أطعم عشرة مساكين فإن لم
يستطع صام ثلاثة أيام، وفي الثعلب والأرنب مثل ما في الظبي، وفي القطاة وما جانسها
حمل قد فطم من اللبن ورعى الشجر، وفي القنفذ واليربوع والضب وما شابهها جدي،
108

وفي الحمامة وما شابهها درهم وفي فرخها نصف درهم وفي بيضها ربع درهم.
ومن دل على صيد وهو محرم لزمه فداؤه، وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد فقد وجب
على كل واحد منهم الفداء، وعلى المحرم في صغار النعام بقدره من صغار الإبل في سنه،
وفي كسر بيض النعام عليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر فما نتج كان
هديا للبيت وإن لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة شاة فإن لم يجد فإطعام عشرة مساكين
فإن لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.
ومن رمى صيدا فجرحه ومضى بوجهه فلم يدر أ حي هو أم ميت فعليه فداؤه، ومن
قتل جرادة فعليه كف من طعام وفي الكثير دم شاة، وفي الزنبور تمرة وفي قتل الكثير مد من
طعام أو تمر، ومن اضطر إلى أكل صيد أو ميتة فليأكل الصيد ويفديه ولا يقرب الميتة،
وإذا صاد المحرم في الحل كان عليه الفداء وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء والقيمة
مضاعفة، ومن وجب عليه فداء الصيد وكان محرما بالحج ذبح ما وجب عليه بمنى فإن
كان محرما بالعمرة ذبحه بمكة.
ولا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم وعلى المحرم فداؤه على كل ما ذكرناه،
وليس الدجاج الحبشي من الصيد المحظور على المحرم، ومن نتف ريشا من طير من طيور
الحرم فعليه أن يتصدق على مسكين ويعطي الصدقة باليد التي نتف بها الطائر، والمحل
إذا قتل صيدا في الحرم فعليه جزاؤه. أو كلما أتلفه المحرم من عين حرم عليه إتلافها فعليه مع تكرار الإتلاف الفدية سواء
كان في مجلس واحد أو في مجالس كالصيد الذي يتلفه من جنس واحد ومن أجناس
مختلفة وسواء كان فدى العين الأولى أو لم يفدها وهذا هو حكم الجماع بعينه.
فأما ما لا نفس له كالشعر والظفر فحكم مجتمعة بخلاف حكم متفرقة على ما
ذكرناه في قص أظفار اليدين والرجلين مجتمعة ومتفرقة، فأما إذا اختلف النوع كالطيب
واللبس فالكفارة واجبة على كل نوع منه وإن كان المجلس واحدا.
وهذه جملة كافية.
109

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم علي بن الحسين
الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
111

الانتصار:
الحج مسائل الحج:
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب الوقوف بالمشعر الحرام وأنه ركن من أركان
الحج جار مجرى الوقوف بعرفة في الوجوب وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبه واحد
منهم.
دليلنا بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام. والأمر على الوجوب ولا يجوز أن يوجب ذكر الله تعالى فيه إلا وقد
أوجب الكون فيه ولأن كل من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف، فإن قالوا: نحمل ذلك
على الندب. قلنا: هو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دلالة، وأيضا فإن من وقف في المشعر
وأدى سائر أركان الحج سقط الحج عن ذمته بلا خلاف وليس كذلك إذا لم يقف به.
فإن قيل: هذه الآية تدل على وجوب الذكر وأنتم لا توجبونه وإنما توجبون الوقوف
مثل عرفة.
قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية وبعد فإن الآية تقتضي وجوب
الكون في المكان المخصوص والذكر جميعا، وإذا دل الدليل على أن الذكر مستحب غير
واجب أخرجناه عن الظاهر وبقي الآخر يتناوله الظاهر وتقدير الكلام فإذا أفضتم من
عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله تعالى فيه.
113

فإن قيل: الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب لأنه إنما يراد له من
أجله فإذا ثبت أن الذكر مستحب فكذلك الكون.
قلنا: لا نسلم أن الكون في ذلك المكان تابع للذكر لأن الكون عبادة مفردة عن
الذكر والذكر عبادة أخرى وإحديهما لا تتبع الأخرى كما لا يتبع الذكر لله سبحانه
وتعالى في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به لأن الذكر مستحب والوقوف بعرفات
واجب بلا خلاف على أن الذكر إن لم يكن واجبا فشكر الله تعالى على نعمه واجب
على كل حال وقد أمر الله عز وجل بأن نشكره عند المشعر الحرام فيجب أن يكون الكون
بالمشعر واجبا كما أن القول إذا أمرنا بإيقاعه عنده واجب.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المشعر ليس بمحل الشكر وإن كان محلا للذكر وإن
عطف الشكر على الذكر.
قلنا: الظاهر بخلاف ذلك لأن عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوى حكمهما في
المحل وغيره وجرى ذلك مجرى قول القائل: اضرب زيدا في الدار وقيده. في أن الدار محل
للفعلين معا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر
الحرام يوم النحر فقد أدرك الحج وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا بعد الاجماع المتقدم أنا قد دللنا على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام وكل
من قال من الأمة كلها بوجوب ذلك قال: إن الوقوف به إذا فات الوقوف بعرفة يتم معه
الحج والتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الإحرام قبل الميقات لا ينعقد وقد شاركها في
كراهية ذلك مالك والشافعي إلا أنهما لا ينتهيان إلى نفي انعقاده وذهب أبو حنيفة
114

وأصحابه والشعبي وابن حي إلى أن أفضل الإحرام أن تحرم من دويرة أهلك.
دليلنا بعد الاجماع الذي مضى أن معنى ميقات في الشريعة هو الذي يتعين فلا يجوز
التقدم عليه مثل مواقيت الصلاة فتجويز التقدم على الميقات يبطل معنى هذا الاسم،
وأيضا فلا خلاف في أنه إذا أحرم من الميقات انعقد حجه وليس كذلك إذا أحرم قبله،
وينبغي أن يكون من انعقاد إحرامه على يقين، فإن عارض المخالف بما يروونه عن
أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: وأتموا
الحج والعمرة لله. إن إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك.
فالجواب: إن هذا خبر واحد وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب عملا كما لا
توجب علما ثم ذلك محمول على من منزله دون الميقات فعندنا أن كل من كان كذلك
فميقاته منزله. فإن اعترضوا بما يروونه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله
ص أنه قال: من أحرم من بيت المقدس غفر الله له ذنبه. وفي خبر آخر: من أهل
بعمرة أو حجة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وجبت له الجنة.
فالجواب عنه: بعد أنه خبر واحد حمله على أن من عزم على ذلك ونواه وقصد من
المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له وقد يسمى القاصد إلى الأمر باسم الفاعل له أو الداخل فيه وهذا أكثر في اللسان العربي من أن يحصى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج وهي شوال
وذي القعدة وتسع من ذي الحجة لم ينعقد إحرامه. والشافعي يوافق الإمامية في أن إحرامه
بالحج لا ينعقد لكنه يذهب إلى أنه ينعقد له عمرة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري وابن حي: إنه إذا أحرم بالحج قبل أشهر
الحج انعقد إحرامه ولزمه. وقد روي عن أبي حنيفة مع ذلك كراهيته.
والحجة لنا إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: الحج أشهر معلومات. ومعنى ذلك
وقت الحج أشهر معلومات لأن الحج نفسه لا يكون أشهرا والتوقيت في الشريعة يدل على
115

اختصاص الموقت بذلك الوقت وأنه لا يجزئ في غيره.
وأيضا فقد ثبت أن من أحرم في أشهر الحج انعقد إحرامه بالحج بلا خلاف وليس
كذلك من أحرم قبل ذلك فالواجب إيقاع الإحرام في الزمان الذي يحصل العلم بانعقاده
فيه، فإن تعلق المخالف بقوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس
والحج. فظاهر ذلك يقتضي أن الشهور كلها متساوية في جواز الإحرام فيها.
والجواب: إن هذه آية عامة تخصصها بقوله تعالى: الحج أشهر معلومات. وبحمل
لفظة الأهلة على أشهر الحج خاصة على أن أبا حنيفة لا يمكنه التعلق بهذه الآية لأن الله
تعالى قال: مواقيت للناس والحج. والإحرام عنده ليس من الحج، وبعد فتوقيت
العبادة يقتضي جواز فعلها بغير كراهية وعند أبي حنيفة وأصحابه أنه مكروه تقديم
الإحرام على أشهر الحج، وقد أجاب بعض الشافعية على التعلق بهذه الآية بأن قوله
تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس. أي لمنافعهم وتجاراتهم.
ثم قال: والحج. فاقتضى ذلك أن يكون بعضها لهذا وبعضها لهذا وهكذا نقول
ويجري ذلك مجرى قوله: هذا المال لزيد وعمر. وأن الظاهر يقتضي اشتراكهما فيه وهذا
ليس بمعتمد لأن الظاهر من قوله تعالى: للناس والحج. يقتضي أن يكون جميع الأهلة
على العموم لكل واحد من الأمرين وليس كذلك قولهم: المال لزيد وعمر. لأنه لا يجوز أن
يكون جميع المال لكل واحد منهما فوجب الاشتراك لهذه العلة وجرت الآية مجرى أن يقول
هذا الشهر أجل لدين فلان ودين فلان في أنه يقتضي أن يكون الاشتراك إلا لهذه العلة
كون الشهر كله أجلا للدينين جميعا ولا ينقسم كانقسام المال فوجب الاشتراك لهذه العلة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن التمتع بالعمرة إلى الحج هو فرض الله تعالى على
كل من نأى عن المسجد الحرام لا يجزئه مع التمكن سواه وصفته أن يحرم من الميقات
بالعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبعا ثم أحل
من كل شئ أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس أحرم بالحج من
116

المسجد الحرام وعليه دم المتعة، فإن عدم الهدي وكان واجدا لثمنه تركه عند من يثق به
من أهل مكة حتى يذبح عنه طول ذي الحجة، فإن لم يتمكن من ذلك أخره إلى أيام
النحر من العام المقبل، ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه كان عليه صوم عشرة أيام قبل
التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة فمن فاته ذلك صام ثلاثة أيام من أيام التشريق
وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك كله إلا أنهم اختلفوا في الأفضل من ضروب الحج
فقال أبو حنيفة وزفر: القرآن أفضل من التمتع والإفراد. وقال أبو يوسف: التمتع بمنزلة
القران. وهو قول ابن حي. وكره الثوري أن يقال: بعضها أفضل من بعض. وقال مالك
والأوزاعي: الإفراد أفضل. وللشافعي قولان: أحدهما أن الإفراد أفضل والآخر أن
التمتع أفضل. وهو قول أحمد بن حنبل وأصحاب الحديث.
دليلنا الاجماع المتردد، ويمكن أن يستدل أيضا على وجوب التمتع بأن الدليل قد دل
على وجوب الوقوف بالمشعر وأنه مجزئ في تمام الحج عن الوقوف بعرفة إذا فات وكل من
قال بذلك أوجب التمتع بالعمرة إلى الحج والقول بوجوب أحدهما دون الآخر خروج عن
إجماع المسلمين، ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله.
وأمره تعالى على الوجوب والفور فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور بأن يبدأ بالحج ويثني
بالعمرة أو يبدأ بالعمرة ويثني بالحج أو يحرم بالحج والعمرة معا، والأول يفسد بأن أحدا
من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة، والقسم
الأخير باطل عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحج والعمرة كما لا يجمع في
إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين فلم يبق إلا وجوب القسم الأخير وهو التمتع الذي
ذهبنا إليه.
فإن قيل: قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطاب وأمسكت الأمة
عنه راضية بقوله.
قلنا: نهى من ليس بمعصوم عن الفعال لا يدل على قبحه، والإمساك عن النكير لا
يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه له إلا الرضا وقد بينا
117

إ ذلك وبسطناه في كثير من كتبنا.
وبعد فإن الفقهاء والمحصلين من مخالفينا حملوا نهى عمر عن هذه المتعة على وجه
الاستحباب لا على الحظر وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن: إن نهى
عمر يحتمل أن يكون لوجوه: منها أنه أراد أن يكون الحج في أشهر مخصوصة به والعمرة في
غير تلك الشهور، ومنه أنه أحب عمارة البيت وأن يكثر زواره في غير الموسم، ومنها أنه
أراد إدخال الرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم. ورووا في تقوية هذا المعنى
أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها، وفيهم من حمل نهي عمر عن المتعة
على فسخ الحج إذا طاف له قبل يوم النحر.
وقد روي عن ابن عباس رحمة الله عليه: أنه كان يذهب إلى جواز ذلك وأن النبي
ص كان أمر أصحابه في حجة الوداع بفسخ لحج من كان منهم لم يسق
هديا ولم يحل هو ع لأنه كان ساق الهدي. وزعموا أن ذلك منسوخ بقوله
تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب لأن فسخ
الحج لا يسمى متعة وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله
وصفته.
وأما التأويل الأول فيبطله قوله: أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما. وتشدده في ذلك
وتوعده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب على أن نهيه عن متعة النساء
كان مقرونا بنهيه عن متعة الحج فإن كان نهيه عن متعة الحج استحبابا فالمتعة الأخرى
كذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الجدال الذي منع منه المحرم بقوله تعالى: ولا
جدال في الحج. هو الحلف بالله صادقا أو كاذبا وأنه إن جادل وهو محرم صادقا مرة
أو مرتين فليس عليه كفارة وليستغفر الله تعالى، وإن جادل ثلاث مرات صادقا فما زاد
فعليه دم شاة، فإن جادل مرة واحدة كاذبا فعليه دم شاة، وإن جادل مرتين كاذبا فدم
118

بقرة، فإن جادل ثلاث مرات كاذبا فعليه دم بدنة وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة لنا إجماع الطائفة عليه ولأن اليقين ببراءة الذمة في قولنا دون قولهم،
فإن قيل: ليس في لغة العرب أن الجدال هو الحلف. قلنا: ليس ينكر أن يقتضي عرف
الشريعة ما ليس في وضع اللغة على أن الجدال إذا كان الخصومة والمراء والمنازعة وهذه
أمور تستعمل للدفع والمنع والقسم بالله تعالى قد يفعل لذلك وفيه معنى المنازعة والخصومة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من جامع بعد الإحرام وقبل التلبية لا شئ
عليه. وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة فيه إجماع الطائفة عليه، والوجه فيه أن التلبية عندهم بها يتم انعقاد الإحرام
فإذا لم يحصل فما انعقد وما فعله كان رجوعا عن الإحرام قبل تكامله لا أنه نقض له
بعد انعقاده ويجب على هذا إذا أراد الإحرام أن يستأنفه ويلبي فإن الإحرام الأول قد
رجع عنه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر
فعليه بدنة والحج من قابل ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة وإن وطئ
بعد الوقوف بالمشعر لم يفسد حجه وكان عليه بدنة. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك لأن
أبا حنيفة وأصحابه يقولون: إنه إن وطئ قبل الوقوف بالمشعر لم يفسد حجه.
والشافعي يقول: إنه يفسد. غير أنه يقول: فإن وطئ بعد وقوفه بالمشعر وقبل
التحليل الأول يفسد أيضا حجه. ونحن لا نقول ذلك فالانفراد بما ذكرناه صحيح.
ودليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أنه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر وأنه
ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة عمن لم يدركه، وكل من قال بذلك أوجب
بالجماع قبله فساد الحج ولم يفسده بالجماع بعده فالتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع،
119

فإن اعترضوا بما يروونه عن النبي ص: من وقف بعرفة فقد تم حجه. وفي
خبر آخر: الحج عرفة.
فالجواب: إن هذه أخبار آحاد وهي معارضة بما يروونه عن النبي ص
أنه قال لعروة بن مضرس بمزدلفة: من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه
الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من الليل أو نهارا فقد تم حجه. فشرط في
تمام الحج الوقوف بالموقفين، ويمكن حمل الخبرين اللذين رووهما على أن معظم الحج
عرفة، ومعنى تم حجه قارب التمام. وهذا نظير قوله ع: إذا رفع الإمام رأسه
من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته. فالتفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الإمامية.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية ولها في بعضها موافق القول: بأن من وطئ عامدا زوجته
أو أمته فأفسد بذلك حجه يفرق بينهما ولا يجتمعان إلى أن يعودا إلى المكان الذي وقع
عليها فيه من الطريق، وإذا حجا من قابل فبلغا ذلك المكان فرق بينهما ولم يجتمعا
حتى يبلغ الهدي محله.
وقال الشافعي والثوري: إن من وطئ زوجته فأفسد بذلك حجه ثم حج بها من
قابل فبلغا الموضع الذي وطئها فيه فرق بينهما، وهذا شطر ما قالته الإمامية. وروي عن
مالك وسفيان مثل ذلك، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يفرق بينهما بحال من الأحوال.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فإن ينهى ويزجر عن فعل مثله وكأنه عقوبة على جنايته.
وقد روى مخالفونا عن عمرو ابن عباس رضي الله عنه أنهما قالا: إذا وطئ الرجل
زوجته فقضيا من قابل وبلغ الموضع الذي وطئها فيه فرق بينهما ولم يعرف لهما مخالف.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به ولهم فيه موافق القول: بأن المحرم لا يجوز له أن يستظل
120

في محمله من الشمس إلا عن ضرورة وذهبوا إلى أنه يفدي ذلك إذا فعله بدم ووافق مالك
في كراهية ذلك إلا أننا ما نظنه يوجب في فعله شيئا وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة فيه إجماع الطائفة والاحتياط لليقين بسلامة إحرامه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من تزوج امرأة وهو محرم عالما بأن ذلك محرم
عليه بطل نكاحه ولم تحل المرأة أبدا. وهذا لم يوافق فيه أحد من الفقهاء ولأن
الشافعي ومالكا وإن أبطلا نكاح المحرم وجوز ذلك أبو حنيفة فإنهما لا يقولان أنه إذا فعل
ذلك على بعض الوجوه حرمت عليه المرأة أبدا.
دليلنا الاجماع المتردد، ويمكن أن نقول للشافعي ومالك الموافقين لنا في تحريم نكاح
المحرم: إذا ثبت فساد نكاح المحرم باتفاق بيننا وثبت أن ما صح فساده أو صحته في
أحكام الشريعة لا يجوز تغير أحواله باجتهاد أو استفتاء مجتهد لأن الدليل قد دل عندنا
على فساد الاجتهاد الذي يعنونه في الشريعة فلم يبق إلا أن الفاسد يكون أبدا كذلك
والصحيح يكون على كل حال كذلك.
وإذا ثبتت هذه الجملة وجدنا كل من قال من الأمة أن نكاح المحرم أو إنكاحه
فاسد على كل وجه ومن كل أحد يذهب إلى أن ما فصلناه من أنه إذا فعل ذلك عالما
بطل نكاحه ولم تحل له المرأة أبدا لأن أحدا من الأمة لم يفرق بين الموضعين والفرق
بينهما خروج عن إجماع الأمة، فإن عارضونا بما يروونه عن أن النبي ص
: أنه نكح ميمونة وهو محرم. فالجواب: إنه خبر واحد وتعارضه أخبار كثيرة رووها
أنه تزوجها وهو حلال.
وقيل: يمكن أن يتناول خبر ميمونة على أن ابن عباس رضي الله عنه كان يرى أن
من قلد الهدي كان محرما فلما رآه قلد الهدي اعتقد أنه محرم، وأيضا فيحتمل أن يكون
أراد أنه تزوجها في الشهر الحرام والعرب تسمى من كان في الشهر الحرام بأنه محرم
واستشهدوا بقول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
121

ولم يكن عاقد الإحرام بلا خلاف وإنما كان في الشهر الحرام، ومما يمكن
الاستدلال به على أن أصل المسألة أن النكاح سبب لاستباحة الوطئ بيقين ولا يقين في
أن عقد المحرم للنكاح سبب في الاستباحة فواجب تجنبه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به وهو أحد قولي الشافعي: إن من وطئ ناسيا لم يفسد
ذلك حجه ولا كفارة عليه. وذهب أبو حنيفة إلى أنه مع النسيان يفسد الحج وفيه الكفارة
وهو أحد قولي الشافعي.
دليلنا الاجماع المتردد ويجوز أن يعارضوا بما يروونه عن النبي ص من
قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ومعلوم أنه ص
لم يرد رفع هذه الأفعال وإنما أراد رفع أحكامها، فإن حملوا ذلك على رفع الإثم وهو
حكم قلنا: هذا تخصيص بغير دليل على أن رفع الإثم عن الخاطئ مستفاد من قوله
تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به. وحملوا كلامه تعالى على فائدة ولم
تستفد أولى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المحرم إذا قتل صيدا متعمدا عليه جزاءان.
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة لنا فيه إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط واليقين ببراءة الذمة لأنه لا خلاف
في أنه بالقتل قد وجب لله في ذمته حق وإذا فعل ما ذكرناه سقط ذلك الحق بيقين وليس
كذلك إن اقتصر على جزاء واحد.
ويمكن أن يقال: قد ثبت أن من قتل صيدا ناسيا يجب عليه الجزاء والعمد أغلظ
من النسيان في الشريعة فيجب أن يتضاعف الجزاء عليه مع العمد.
122

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن المحرم إذا صاد في الحرم تضاعف عليه الفدية.
والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة أنه قد جمع بين وجهين يقتضي على كل واحد
منهما الفداء وهو الصيد مع الإحرام ثم إيقاعه في الحرم، ألا ترى أن المحرم إذا صاد في
غير الحرم يلزمه الفدية والمحل إذا صاد في الحرم لزمته الفدية واجتماع الأمرين يوجب
اجتماع الجزاءين.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من كسر بيض النعام وهو محرم وجب عليه أن
يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر فما نتج من ذلك كان هديا للبيت، فإن لم
يجد ذلك فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فإطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام عن
كل بيضة ثلاثة أيام، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن البيض مضمون
بقيمته، وقال مالك: يجب في البيضة عشر قيمة الصيد. وقال داود والمزني: لا شئ في
البيض.
دليلنا بعد إجماع الطائفة أن اليقين ببراءة الذمة بعد العلم باشتغالها لا يحصل إلا بما
ذكرناه وأيضا فهو أحوط في منفعة الفقراء فيجب أن يكون أولى.
فإن عارضونا بما يروونه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: في بيض النعامة ثمنها.
قلنا: هذا خبر واحد ويجوز أن يكون لفظة ثمنها محمولة على الجزاء، فإن الجزاء والبدل في
الشرع يجوز وصفهما بالثمن لأنه في مقابلة الثمن فيكون تقدير الكلام في بيض النعامة
الجزاء الذي قررته الشريعة وهو ما ذكرناه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن من اضطر إلى أكل ميتة أو لحم صيد وجب
123

أن يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة. وأبو يوسف يوافق في ذلك لأنه قال: يذبح
الصيد ويأكله ويفديه. وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه
ومحمد بن الحسن: يأكل الميتة ولا يأكل الصيد.
دليلنا إجماع الطائفة، وأيضا فإن الصيد له فداء في الشريعة يسقط إثمه وليس
كذلك الميتة ولأن في الناس من يقو: إن الصيد ليس بميتة وأنه يذكى وأكله مباح
والميتة متفق على حظرها. وربما رجحوا الميتة على الصيد بأن الحظر في الصيد ثبت من
وجوه: منها تناوله ومنها قتله ومنها أكله. وكل ذلك محظور وليس في الميتة إلا حظر واحد
وهو الأكل وهذا ليس بشئ لأنا لو فرضنا أن رجلا غصب شاة ثم وقذها وضربها حتى
ماتت ثم أكلها لكان الحظر هاهنا من وجوه كما ذكرتم في الصيد وأنتم مع ذلك لا
تفرقون بين أكل هذه الميتة وبين غيرها عند الضرورة وتعدلون إليها عن أكل الصيد.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن كفارة الجزاء على الترتيب دون التخيير.
ومثاله أنهم يوجبون في النعامة مثلا بدنة، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر
صام شهرين متتابعين.
والرواية الموافقة للإمامية عن ابن عباس وابن سيرين أنهما قالا ذلك على الترتيب،
فلا يجوز أن يطعم مع القدرة على اخراج المثل ولا أن يصوم مع القدرة على الإطعام وباقي
الفقهاء يقولون ذلك على التخيير.
دليلنا إجماع الطائفة، فإن قيل: ظاهر القرآن يخالف مذهبكم لأنه تعالى قال:
فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو
كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما. ولفظة " أو " تقتضي التخيير. قلنا ندع
الظاهر للدلالة كما تركنا ظاهر إيجاب الواو للجمع وحملناها على التخيير في قوله تعالى:
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. ويكون معنى أو كذا
إذا لم يجد الأول.
124

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة
سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة وسواء كفر عن الأول أو لم يكفر
وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
فقال أبو حنيفة: إذا جامع مرارا في مقام واحد فعليه كفارة واحدة وإن كان في
أماكن متعددة فعليه لكل واحد كفارة. وقال أحمد: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن
الأول. وقال الثوري مثل ذلك. وقال مالك والشافعي: إذا جامع مرارا في مقام واحد
فعليه كفارة واحدة.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا طريقة اليقين ببراءة الذمة وليس لهم أن يقولوا: إن
الجماع الأول أفسد الحج والثاني لم يفسده. وذلك أن الحج وإن كان قد فسد بالأول
فحرمته باقية ولهذا وجب المضي فيه فجاز أن تتعلق الكفارة بما يستأنف من ذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب التلبية فعندهم أن الإحرام لا ينعقد إلا بها
إلا أن أبا حنيفة وإن وافق في وجوب التلبية فعنده أن الإحرام ينعقد بغيرها من تقليد
الهدي وسوقه مع نية الإحرام.
وقال مالك والشافعي: التلبية ليست بواجبة ويصح الدخول في الإحرام بمجرد
النية.
دليلنا الاجماع المتكرر لأنه إذا لبى دخل في الإحرام وانعقد بلا خلاف وليس كذلك
إذا لم يلب، ويمكن الاستدلال على ذلك بأن فرض الحج مجمل في القرآن وفعل النبي
ص إذا ورد في مورد البيان كان واجبا لأن بيان الشئ في حكم وجوبه.
وقد روى الناس كلهم: أن النبي لبى لما أحرم. فيجب بذلك وجوب التلبية
ويقوى ذلك بما يروونه عنه ص من قوله: خذوا عني مناسككم. ورووا
عنه ص قال: أتاني جبرئيل ع فقال: مر أصحابك بأن يرفعوا
125

أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج.
ورووا عنه ع أنه قال لعائشة: انفضي رأسك وامتشطي واغتسلي ودعي
العمرة وأهلي بالحج. والإهلال التلبية فالأمر دل على الوجوب، فإن خالفوا بأن المراد
بالإهلال التلبية وادعوا أن المراد بها الإحرام كان ذلك واضح البطلان لأن اللغة تشهد
بما ذكرناه وكل أهل العربية قالوا: استهل الصبي إذا رفع صوته عند الولادة صارخا.
قالوا: ومثله استهلال الحج الذي هو رفع الصوت بالتلبية وكذلك استهلال السماء بالمطر
إنما هو صوت وقعه على الأرض.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من طاف طواف الزيارة فقد تحلل من كل
شئ كان به محرما إلا النساء فليس له وطؤهن إلا بطواف آخر متى فعله حللن له وهو
الذي يسمى طواف النساء. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فإذا قيل: هذا هو طواف
الصدر، وعند أبي حنيفة أنه واجب ومن تركه لغير عذر كان عليه دم شاة، والشافعي في
أحد قوليه يوافق به أبا حنيفة في أنه واجب، قلنا: من أوجب طواف الصدر وهو طواف
الوداع فإنه لا يقول: إن النساء يحللن به. بل يقول: إن النساء حللن بطواف الزيارة
فانفرادنا بذلك صحيح.
والحجة لنا الاجماع المتردد وأنه لا خلاف في أن النبي ص فعله وقد
روي عنه ع أنه قال: خذوا عني مناسكك. وروي عنه ص
أيضا أنه قال: من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف. وظاهر الأمر الوجوب.
فإن قالوا: لو كان هذا الطواف واجبا لأثر في التحلل. قلنا:
يؤثر عندنا في التحلل على ما شرحناه، وإنما يلزم هذا الكلام أبا
حنيفة. وكذلك إن قالوا: كان يجب أن يلزم المكي لأنه يلزم عندنا
المكي إذا أراد التحلل وإتيان النساء.
126

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من السنة المؤكدة استلام الركن اليماني
وتقبيله. ووافق الشافعي في استلامه دون تقبيله، وقال: إذا وضع يده عليه قبل يده ولم
يقبله. وقال أبو حنيفة: ليس استلام الركن اليماني من السنة ولا تقبيله. وقال مالك:
يستلمه ويضع يده على فيه ولا يقبلها. وروي عن جابر وابن الزبير وأنس أنهم قالوا:
من السنة استلام الأركان كلها.
دليلنا الاجماع المتردد ويمكن معارضتهم بالأخبار التي رووها أن النبي استلم
الركن اليماني وركن الحجر وهي كثيرة.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به وقد ذهب إليه مالك القول: بأن من رمى صيدا وهو
محرم فجرحه وغاب الصيد فلم يعلم هل مات أو اندملت جراحته فعليه فداؤه. وخالف
باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا إجماع الطائفة ولأن فيما ذهبنا إليه الاحتياط واليقين ببراءة الذمة، فإذا
قيل: يجوز أن تكون الجراحة اندملت. قلنا: يجوز أن تكون ما اندملت وانتهت إلى
الإتلاف فالأظهر والأحوط ما ذهبنا إليه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن المحرم إذا تلوط بغلام أو أتى بهيمة أو أتى
امرأة في دبرها فسد حجه وعليه بدنة وأن ذلك جار مجرى الوطئ في القبل. والشافعي
يوافق في ذلك، وأبو حنيفة وأصحابه يقولون: أنه لا يفسد الحج.
دليلنا الاجماع المتردد، وأيضا فقد ثبت أن ذلك كله يوجب الحد وكل ما أوجب به
الحد أفسد به الحج والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع، ويمكن أن يقال لهم: قد اتفقنا
127

على أن ما ذكرناه أغلظ من الوطئ في القبل لأن وطئ الغلام لا يستباح بحال ولا
وطئ البهيمة والوطئ في القبل يجوز استباحته في حال فكيف يجوز أن يفسد الحج
الأخف ولا يفسده الأغلظ.
فإن قالوا: لو تعلق بالوطئ في الدبر فساد الحج لتعلق به وجوب المهر. قلنا: هكذا
نقول.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: أن المحرم إذا اشترط فقال عند دخوله في الإحرام: فإن
عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني. جاز له أن يتحلل عند العوائق
من مرض وغيره بغير دم وهذا أحد قولي الشافعي. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وباقي
الفقهاء إلى أن وجود هذا الشرط كعدمه.
دليلنا الاجماع المتقدم، ويعارضون بما يروونه عن النبي ص أنه قال
لضباعة بنت الزبير: حجي واشترطي وقولي: اللهم فحلني حيث حبستني. ولا فائدة
لهذا الشرط إلا التأثير في ما ذكرناه من الحكم، فإن احتجوا بعموم قوله تعالى: وأتموا
الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي. قلنا: نحمل ذلك على
من لم يشترط.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به وهو مذهب الشافعي القول: بأن رمى الجمار لا يجوز إلا
بالأحجار خاصة دون غيرها من الأجسام. وقال أبو حنيفة: يجوز بكل شئ من جنس
الأرض كالزرنيخ والنورة والكحل فأما الذهب والفضة والخشب فلا يجوز. وقال أهل
الظاهر: يجوز بكل شئ.
دليلنا الاجماع المتردد وطريقة الاحتياط واليقين لأنه لا خلاف في إجراء الرمي
128

بالحجر وليس كذلك غيره.
ويجوز أن نعارض مخالفينا في هذه المسألة بما يروونه عن الفضل بن عباس أنه قال:
لما أفاض رسول الله ص من عرفة وهبط وادي محسر قال: يا أيها الناس
عليكم بحصى الحذف. والأمر على الوجوب، وتفرقة أبي حنيفة بين الذهب والفضة
والخشب وبين الزرنيخ والكحل باطلة لأن الكحل وإن كان مستحيلا من جوهر الأرض
فإن استحالته قد سلبته إطلاق اسم الأرض عليه فإذا جاز الرمي به وإن لم يسم أرضا
لأنه من جوهر الأرض فإن الخشب كله والذهب والفضة مستحيل من جوهر الأرض.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بوجوب الحذف بحصى الجمار وهو أن يضع الرامي
الحصاة على إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر إصبعه الوسطى ولم يراع ذلك أحد من
الفقهاء.
والذي يدل على ما قلناه إجماع الطائفة ولأن النبي ص في أكثر
الروايات أمر بالحذف والحذف كيفية في الرمي مخالفة لغيرها.
129

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
131

كتاب الحج
المسألة السادسة والثلاثون والمائة:
الاستطاعة هي الزاد وصحة البدن. عندنا أن الاستطاعة التي يجب معها الحج صحة
البدن وارتفاع الموانع والزاد والراحلة، وزاد كثير من أصحابنا أن يكون له سعة يحج
ببعضها ويبقى بعضها لقوت عياله. وقال الشافعي في استطاعة الحج مثل قولنا بعينه
واعتبر صحة الجسم والتمكن من الثبوت على الراحلة والزاد ونفقة طريقه إلى حجه ذاهبا
وجائيا إن كان السفر من بلده ونفقة عياله مدة غيبته. وروي عن عمرو ابن عباس
وسعيد بن جبير والحسن البصري والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق: اعتبار
الزاد والراحلة وصحة الجسم والتمكن من الثبوت على الراحلة، وقال مالك: إن الراحلة
لا يعتبر في وجوب الحج ومن أطاق الحج لزمه الحج ماشيا فأما الزاد فلا يعتبر القدرة عليه
وحصوله بل إن كان ذا صنعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه لزمه الحج وإن لم يكن ذا
صنعة وكان يحسن السؤال وجرت عادته به لزمه أيضا الحج فإن لم تجر عادته به لم
يلزمه، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتكرر ذكره أنه لا خلاف في أن من
حاله ما ذكرناه أن الحج يلزمه. فمن ادعى أن الصحيح الجسم إذا خلا من سائر الشرائط
التي ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعى وجوب حكم شرعي في الذمة وعليه الدليل، لأن
الأصل براءة الذمة وأيضا قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا. والاستطاعة في عرف الشرع وعهد اللغة أيضا عبارة عن تسهيل الأمر وارتفاع
المشقة فيه وليست بعبارة عن مجرد القدرة، ألا ترى أنهم يقولون: ما أستطيع النظر إلى
133

فلان إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه وإن كانت معه قدرة على ذلك،
وكذلك ما يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء يريدون إنني أنفر منه ويثقل على النظر
إليه وإن كانت معه قدرة على ذلك. وقال الله تعالى: إنك لن تستطيع معي صبرا. وإنما
أراد هذا المعنى لا محالة فإذا تقرر ما ذكرناه، وكان الصحيح الجسم يشق عليه المشي
الطويل إلى الحج لم يكن مستطيعا له في العرف الذي ذكرناه، وكذلك من وجد الراحلة
ولم يجد نفقة لطريقه ولا لعياله يشق عليه السفر ويضعف وتنفر نفسه لا يسمى مستطيعا
فوجب أن تكون الاستطاعة ما ذكرناه لارتفاع المشاق والتكلف معه، ومما يدل على
بطلان مذهب مالك أيضا، ما روي من أن النبي ص سئل عن قوله: ولله
على الناس الآية فقيل له: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد والراحلة من استطاع
إليه سبيلا، فقيل له: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد والراحلة.
المسألة السابعة والثلاثون والمائة:
الأمر بالحج على التراخي. الذي يذهب إليه أصحابنا أن الأمر بالحج على الفور
ووافقنا على ذلك أبو يوسف ورواه عن أبي حنيفة ووافق المزني عليه، وقال الشافعي:
الحج على التراخي، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره أن الأمر
المطلق وإن لم يكن من مذهبنا أنه يوجب فورا ولا تراخيا في أصل وضع اللغة، وذهبنا إلى
أنه على الوقوف فقد قطع الشرع العذر بوجوب حمل الأمر المطلق على الفور كما قطع العذر
بحمله على الوجوب وإن كان في وضع اللغة ولا يقتضي ظاهره وجوبا ولا ندبا، وقد دللنا
على هذه الجملة في مواضع من كلامنا في أصول الفقه وبينا أن الصحابة والتابعين ثم
تابعي التابعين إلى وقتنا هذا يحملون أوامر الشرع في الأحكام الشرعية من كتاب وسنة
على الوجوب والفور، وإن أحدا منهم لا يتوقف في ذلك طلبا لدليل فصار هذا العرف
الشرعي موجبا لحمل الأوامر الشرعية على الفور، وقد أمر الله بالحج أمرا مطلقا فيجب أن
يكون محمولا على الفور، وأيضا ما روي عن النبي من قوله: من وجد من الزاد والراحلة
ما يبلغه الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا.
134

المسألة الثامنة والثلاثون والمائة:
والعمرة واجبة من جهة الاستطاعة كالحج. الصحيح عندنا أن العمرة إنما تجب في
العمر مرة واحدة وما زاد على ذلك فهو فضل وهو قول الشافعي في أصح قوليه، وذهب
إلى ذلك الثوري وأحمد وإسحاق وقال مالك وأبو حنيفة: إنها غير واجبة، دليلنا على صحة
ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المذكور قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. والأمر بالإتمام
يقتضي الأمر بالابتداء. وروي عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟
فقال: نعم فقلت: فما ذلك الجهاد؟ قال: الحج والعمرة.
المسألة التاسعة والثلاثون والمائة:
لا تصح العمرة في الشهر إلا مرة واحدة. الذي يذهب إليه أصحابنا أن العمرة جائزة
في سائر أيام السنة، وقد روي أنه لا يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام وروي أنها لا
تجوز إلا في كل شهر مرة وقال الشافعي تجوز العمرة في السنة مرتين وأكثر، وحكي عن
مالك أنه قال: لا تجوز إلا دفعة، وهو قول سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين، دليلنا
على جواز فعلها على ما ذكرناه قوله ص: العمرة إلى العمرة كفارة لما
بينهما، ولم يفصل ع بين أن يكون ذلك سنة أو سنتين أو شهرا أو شهرين.
المسألة الأربعون والمائة:
ميقات أهل المدينة الشجرة وميقات أهل العراق العقيق. هذا صحيح وإليه يذهب
أصحابنا ويقولون: إن ميقات أهل العراق وكل من حج من المشرق معهم على طريقهم
بظن العقيق وأوله المسلح وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق، والأفضل أن يكون إحرام من
حج من هذه الجهة من المسلح، ورأيت الشافعي يوافق على هذا ويقول: إن إحرام أهل
المشرق من المسلح أحب إلى. وباقي الفقهاء يقولون: ميقات أهل العراق ذات عرق فأما
ميقات أهل المدينة فلا خلاف في أنه مسجد الشجرة وهو ذو الحليفة، دليلنا على صحة ما
ذهبنا إليه الاجماع المقدم ذكره، وأيضا ما رواه ابن عباس أن النبي وقت لأهل المشرق
135

العقيق والعقيق أبعد من ذات عرق، فإن تعلقوا بما روى من أنه عليه السلام وقت
لأهل المشرق ذات عرق فالجواب عنه إنا نقول: إنه ميقات لكنه آخر ميقات أهل
العراق والميقات الأول أفضل لأنه أشق.
المسألة الحادية والأربعون والمائة:
التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من القران والإفراد. هذا صحيح وإليه يذهب
أصحابنا وقال الشافعي في قوله الجديد: التمتع أفضل من الإفراد وله قول قديم: إن
الإفراد أفضل، وقال أحمد وأصحاب الحديث: التمتع أفضل، وقال أبو حنيفة وأصحابه:
القران أفضل من الجميع، دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره أن التمتع
بالعمرة إلى الحج مشقته أكثر وكلفته أوفر والثواب على قدر المشقة فثبت أن التمتع
أفضل. فإن احتجوا بأن النبي ع في حجته حج مفردا أو قارنا على ما اختلفت
به الرواية وهو ع لا يفعل إلا الأفضل فلو كان التمتع أفضل لما عدل عنه،
والجواب عنه: إنا إذا سلمنا أنه ع لم يحج متمتعا كان لنا أن نقول: إنه لم
يتمتع لعذر أو لخوف فوت الحج على أنه ع قد يفعل الأفضل من الأفعال وغير
الأفضل.
المسألة الثانية والأربعون والمائة:
وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. هذا صحيح، ويجوز عندنا أن يرمي
النساء والخائف بالليل وقال الشافعي: يجوز رمى جمرة العقبة ليلة النحر بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز قبل طلوع الشمس. وقال الشافعي: لا يجوز الرمي في أيام
التشريق إلا بعد الزوال. وقال أبو حنيفة: إذا رمى في اليوم الثالث قبل الزوال أجزأه.
دليلنا بعد الاجماع المتقدم ذكره على جواز الرمي بالليل ما روته عائشة من
أنه ص أرسل ليلة النحر أم سلمة فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، فإن قيل: إنه قد روي
عنه ع أنه رمى من ضحى يوم النحر وقال: خذوا عني مناسككم، قلنا: قد بينا
136

أن المستحب الرمي في هذا الوقت وإنما نجيزه في غيره للخائف والنساء.
المسألة الثالثة والأربعون والمائة:
القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين. أما لفظة القارن عندنا فلا يقع إلا على من
قرن بإحرامه سوق الهدي وعندنا أن من ساق هديا مقترنا بإحرامه فعليه طوافان بالبيت
وسعي واحد بين الصفا والمروة فإن كان القارن في المسألة المذكورة التي حكيناها من
ساق الهدي مقترنا بإحرامه فقد زيد فيها سعى ليس بواجب عندنا وعلى من ادعى شرعا
زائدا لدليل، فإن كان يراد بالقارن ما يريده جميع الفقهاء من أنه الجامع بين الحج
والعمرة في إحرام واحد فعندنا أنه لا يجوز الجمع بينهما في إحرام واحد بل لا بد من إفراد
العمرة من الحج، والتمتع بالعمرة إلى الحج هو الذي يحرم أولا بالعمرة، ويطوف للعمرة
ويسعى ثم يحرم للحج ويطوف لحجته ويسعى فإن كان المراد في المسائل بالقارن هو
التمتع فقد عبر عن الشئ بخلاف عبارته، ولعمري أن المتمتع بالعمرة إلى الحج مع إفراد
العمرة من الحج يجب عليه طوافان وسعيان: طواف وسعى لعمرته، وطواف وسعي
لحجته. فأما الدليل على أن القارن هو السائق للهدي لا يجب عليه طواف زائد على طواف
المفرد فهو إجماع الطائفة وفيه الحجة. وقد بينا أن من ادعى في هذا الموضع سعيا زائدا
فعليه الدليل.
المسألة الرابعة والأربعون والمائة:
من أخطأ في قتل الصيد فلا شئ عليه. عندنا أن من قتل صيدا متعمدا قاصدا
فنقض إحرامه كان عليه جزاءان، وإن قتله خطأ وجهلا فعليه جزاء واحد وقال
الشافعي: لا فرق في وجوب جزاء الصيد إذا فعله بين العمد والنسيان، وهو قول باقي
الفقهاء غير أنهم لا يوجبون في العامد جزاءين كما أوجبناه والذي يدل على أنه يلزم
المخطئ في قتل الصيد الجزاء الاجماع المتقدم ذكره وأظن أن لا خلاف فيه بين باقي
الفقهاء.
137

المسألة الخامسة والأربعون والمائة:
من أوصى بالحج حج من جميع ماله بمنزلة الدين إن كان صرورة فإن كان قد حج
فمن الثلث. هذا صحيح والدليل على صحته إجماع الطائفة لأنه إذا
مات وعليه الحج فقد مات وفي ذمته دين الله يجب قضاؤه فعلى وصيه أن يخرج من ماله ما ينصرف إلى من يحج
عنه فإن تبرع متبرع بالحج عنه لم يخرج الوصي من ماله شيئا فأما من حج فلا شئ عليه
ولا في ذمته من الحج لله تعالى وما وصى به إنما يتبرع ويصرف ويجب أن يكون ذلك من
ثلثه.
المسألة السادسة والأربعون والمائة:
الاستئجار على فعل الحج والعمرة جائز. الذي نذهب إليه أنه يجوز الاستئجار على
الحج عن المعضوب والميت وإذا حج الأجير استحق الأجرة المسماة وسقط الفرض عن
المحجوج عنه ووافقنا على ذلك الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاستئجار على الحج فإذا
استأجر من يحج عنه فالحج عن الفاعل له وثوابه له وإنما يحصل للمستأجر ثواب نفقته،
والذي يدل على جواز النيابة في الحج وسقوط الفرض عن المحجوج عنه بعد الاجماع المتردد
ما روي من أن امرأة من خثعم أتت النبي ص فقالت: يا رسول الله إن
فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على
الراحلة أ فأحج عنه؟ فقال ع: نعم، قالت: فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم كما
لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه.
المسألة السابعة والأربعون والمائة:
من نذر حجة وعليه حجة الاسلام أجزأته حجة واحدة. عندنا أن من نذر حجة
الاسلام فلا بد من أن يحج حجتين ولا يسقط عنه الفرضان بحجة واحدة، الدليل على
ذلك أن النذر سبب للوجوب، ووجوب الحج بالنذر يخالف سببه سبب الحج الأول
الأصلي فلا يسقط الواجبان بفعل أحدهما وليس يجري هذا مجرى ما يتداخل من
138

الكفارات والحدود فيسقط بعضه بفعل بعض لأن تلك عقوبات فجاز أن يسقط بعضه
بفعل بعض وليس كذلك الواجبات التي هي مصالح وعبادات.
139

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
141

الكافي:
كتاب الحج
باب حقيقة الحج وأحكامه وشروطه:
يجب العلم من هذا التكليف بأمور ستة: أولها حقيقة الحج وثانيها ضروبه وثالثها
تعين مكلفة ورابعها بيان أحكامه وخامسها شروطه وسادسها كيفية فعله.
الفصل الأول:
الحج في أصل الوضع القصد، وفي الشريعة مناسك مقصودة في زمان ومكان
مخصوصين، فالمناسك: الإحرام والتلبية والطواف والسعي وشهادة الموقفين ونزول المني
والذبح والحلق والرمي. واشترطناها بالقصد إذ به تكون مناسك.
والزمان للإحرام أشهر الحج والحج يوم التروية للمتعة والذي يليه الوقوف بعرفة
والذي يليه الوقوف بالمشعر ونزول المني والذبح والحلق ورمى جمرة العقبة والطواف
والسعي وأيام التشريق بعده لرمي الجمرات.
والمكان البيت للطواف به والصفا والمروة للسعي بينهما وعرفة والمشعر للوقوف بهما
ومنى للذبح والحلق والرمي.
الفصل الثاني:
الحج على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران من الحج وإفراد للحج.
فصفة المتعة أن يضيف المتمتع إلى مناسك الحج عمرة يحل منها ويستأنف الإحرام
للحج، والقران أن يقرن إحرام الحج بسياق الهدي، والإفراد أن يفرد الحج من العمرة
143

وسياق الهدي. والحج من حيث كان حجا لا يختلف مناسكه وإنما تضاف إليه في
التمتع عمرة هي طواف وسعي، وفي القران سياق الهدي، ويتجرد في الإفراد منهما،
وأما التمتع ففرض من نأى عن مكة وحاضريها لا يجزئهم في حجة الاسلام غيره
والتطوع به أفضل من الإقران والإفراد.
فأما الإقران والإفراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن كانت داره اثني عشر ميلا
من أي جهاتها كان، وهو على ضربين: واجب ومندوب. والواجب ضروب ثلاثة: حج
الاسلام وحج النذور وحج الكفارة. والتطوع ما ابتدأ به.
والفرق بين حج الفرض والنفل أن الفرض يجب الابتداء به والنفل بخلاف ذلك،
فإذا دخل فيه بالإحرام له وجب المضي فيه وساوت أحكامه بعد الإحرام في الوجوب
لأحكام ما وجب الدخول فيه من ضروب الحج الواجبة.
الفصل الثالث:
العلم بالحج واجب على كل مكلف لكون ذلك من جملة الإيمان المتعين على كل
مكلف من حر وعبد ومسلم وكافر وذكر وأنثى وغنى وفقير ومستطيع وممنوع.
وفرض أدائه يختص بكل حر بالغ كامل العقل مستطيع له بالصحة والتخلية والأمن
ووجود الزاد والراحلة والكفاية له ولمن يعول والعود إلى كفاية من صناعة أو تجارة أو
غير ذلك سواء كان مؤمنا أو كافرا. لكون الكفار مخاطبين بالشرائع مسؤولين عن
الإخلال بها لصحة وقوعها بأن يؤمنوا وجروا في ذلك مجرى المحدث المخاطب بالصلاة
الملوم على تركها لكونه متمكنا من فعلها بتمكنه من رفع الحدث.
وصحة الحج موقوفة على ثبوت الاسلام، والعلم بتفصيل أحكام الحج، وشروطه،
وتأديته لوجهه الذي له شرع مخلصا به، مع كون مؤديه مطهرا بالختانة من حيث كانت
صحته من دون الاسلام محالا، ومع ثبوته وحصول الجهل به إذ كان العلم شرطا في
صحة العمل، ومع ثبوت الأمرين وفعل الحج لغير وجهه والإخلاص به لا يكون عبادة
صحيحة بالاتفاق، ومع فقد الإحرام لا يصح كما لا تصح الصلاة من دون الطهارة،
ومع تكامل ما قدمناه من الشروط وكون الحاج أغلف لا يصح حجه بإجماع آل محمد
144

ع.
الفصل الرابع:
أحكام الحج: التلبية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر ونزول منى
والمبيت بها لياليها والرمي والذبح والحلق.
فأما التلبية من أركان الحج وهي على ضربين: مفروض ومسنون.
والمفروض أربع:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك
لبيك.
والمسنون:
لبيك ذا المعارج لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك لبيك مبدئ
الخلق ومعيده لبيك لبيك غافر الذنوب لبيك لبيك قابل التوبة لبيك لبيك
كاشف الكرب العظام لبيك لبيك فاطر السماوات والأرض لبيك لبيك أهل
التقوى وأهل المغفرة لبيك.
وأوقات التلبية أدبار الصلوات وحين الانتباه من النوم وبالأسحار وكلما علا نجدا
أو هبط غورا أو رأى راكبا، والسنة فيها على الرجال رفع الصوت وابتداء فرضها عقيب
الإحرام، وآخر وقتها للمتمتع إذا عاين بيوت مكة ولكل حاج زوال الشمس من يوم
عرفة وللمعتمر عمرة مبتولة إذا عاين البيت.
ويجوز فعلها للمحدث كالطاهر وعلى طهارة أفضل، وتعمد الإخلال بها يفسد الحج
والسهو عنها من دون عقد الإحرام بغيرها كذلك، ولا يصح شئ في التلبية إلا بنية هي
العزم عليها بوجهها على جهة القربة إليه سبحانه.
وأما الطواف فسبعة أشواط حول البيت مشيا فوق الهوينا ودون الهرولة بما يشتمل
عليه من الأفعال والأذكار التي نبينها ولكل طواف صلاة ركعتين قد بيناهما وهو على
ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض على ثلاثة أضرب: طواف المتعة وطواف الزيارة
وطواف النساء. والمسنون ثلاثمائة وستون شوطا. وروي: أن رسول الله
145

ص كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع.
فأما طواف المتعة فوقته من حيث يدخل المتمتع مكة وإلى أن تغرب الشمس من يوم
التروية للمختار، وللمضطر إلى أن يبقى من الزمان ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها،
فإن فاته بخروج وقته وتفريطه بطلت متعته وبطل حجه إن كان فرض العمرة أو واجبا
عن نذر أو كفارة تعينا وإن كان تطوعا فهو مأزور وعليه أيضا الإحرام للحج وقضاء
المتعة بعد الفراع منه وإن كان فوته لضرورة فحجه ماض على كل حال وعليه قضاؤه بعد
الفراع من مناسك الحج.
وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج ووقته للمتمتع بعد الرمي والحلق والذبح
من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وللمفرد والقارن من حين دخولهما مكة إلى انقضاء
أيام التشريق فمن أخل به على حال بطل حجه ولزمه استئنافه من قابل.
وأما طواف النساء فمن مناسك الحج وأول وقته يوم النحر إلى آخر أيام التشريق
فإن خرج وقته ولما يطفه لم تحل له النساء حتى يطوف من قابل أو يطاف عنه ويأثم
إن كان ذلك عن إيثار ولا إثم عليه إن كان لسهو أو لضرورة.
ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة أو لضرورة، فإن قطعه لصلاة فريضة بنى
على ما طاف ولو شوطا واحدا، وإن كان لضرورة أو سهو وكان ما طاف أكثر من
النصف بنى عليه وإن كان أقل منه استأنف منه، وإن قطعه مختارا أثم وعليه استئنافه
على كل حال فإن مسها في شئ منه فليبن على ما تيقنه أو ظنه فإن كان شاكا فليبن
على الأقل وإن لم يحصل له شئ أعاده، وإن ذكر وهو في السعي أنه قد ترك شيئا من
أسبوعه فليقطعه ويعد إلى البيت فيطوف ما تركه إن كان أقل من النصف وإن كان
أكثر منه استأنفه، وإن لم يستطع المكلف الطواف ماشيا فليطف راكبا ومحمولا.
ولا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث ويلزم مريده افتتاحه بالعزم على أدائه بصفته
المخصوصة لكونه مصلحة متقربا به إليه سبحانه فإن أخل بالنية لم يكن طوافه عبادة ولا
مجزئا فليستأنفه مفتتحا بالنية.
فأما السعي بين الصفا والمروة فمن أركان الحج ولا مسنون فيه وهو على ضربين:
146

سعي المتمتع للمتعة وسعي الحج بعد طواف الزيارة. ووقت كل منهما ممتد بامتداد وقت
طوافه، وحكم المخل به حكم المخل بطوافه، والسنة فيه الابتداء بالصفا والختام بالمروة
والسعي بينهما سبعة أشواط يمشي في كل شوط طرفيه ويهرول وسطه يبدأ المشي من
الصفا إلى الميل ثم يهرول حتى يقطع سوق العطارين ثم يمشي من الميل إلى المروة ثم يعود
منها ماشيا إلى الميل ثم يهرول من السوق إلى الميل ثم يمشي منه إلى أن يصعد الصفا
حتى يكمل سبعا.
ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة، ويجوز الوقوف عند الإعياء حتى تستريح، ويجوز
الجلوس على الصفا والمروة فإن عجز عن المشي أو الهرولة فليركب، ويجوز له السعي
راكبا من غير عجز والمشي أفضل وإذا سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة
ويجب افتتاحه بالنية. وحكم من قطعة من إيثار أو اضطرار أو لسهو حكم الطواف فليتأمل
ويعمل بحسبه، ويصح السعي من المحدث وطاهرا أفضل.
وأما الوقوف بعرفة وحدها من المأزمين إلى الموقف فمن أركان الحج، ووقته للحج
للمختار من زوال الشمس من التاسع إلى غروبها وللمضطر إلى طلوع الفجر من يوم
النحر، فإن فات الوقوف بها عن إيثار بطل الحج وإن كان عن اضطرار وأدرك المشعر
الحرام في وقت المضطر فحجه ماض، ويلزم افتتاحه بالنية وقطع زمانه بالدعاء والتوبة
والاستغفار، وأفضل المواقف ميسرة الجبل، ولا يفيض منه المختار حتى تغرب الشمس،
ويجوز الوقوف به للمحدث وطاهرا أفضل.
وأما الوقوف بالمشعر الحرام وهو من جمع وهي المزدلفة وحدها من المأزمين إلى وادي
محسر يصح الوقوف بكل منهما وأفضله ما قرب من المشعر، ووقت المختار من طلوع
الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس يلزمه افتتاحه بالنية وقطع هذا الزمان بالدعاء
والتوبة والاستغفار، ووقت المضطر ممتد إلى الليل كله وإلى أن تزول الشمس من نهاره
أقل ما يقع عليه اسم الوقوف داعيا فإن فات الوقوف به على حال بطل الحج ووجب
استئنافه، ولا يجوز للمختار أن يفيض منه حتى تطلع الشمس فإن اضطر إلى الإفاضة فلا
يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس، ويجوز للنساء إذا خفن مجئ الدم الإفاضة ليلا
147

وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير ودخول مكة يوم النحر لطواف الزيارة والسعي
وطواف النساء، ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر، ويصح الوقوف به للمحدث وطاهرا
أفضل.
وأما نزول منى فمن وكيد السنة المبيت بها ليلة عرفة وصلاة المغرب وعشاء الآخرة
والغداة ليكون الإفاضة منها إلى عرفات ولا يفيض أمام الصلاة منها حتى تطلع
الشمس، ومن مناسك الحج المبيت بها ليالي أيام التشريق إلى حين الإفاضة منها فإن
بات بغيرها مختارا لغير عبادة فعليه دم، ويجوز الخروج منها للبائت بها بعد مضى النصف
الأول من الليل والتصبح بها أفضل، وإذا عاد إليها قبل أن يمضى النصف الأول فهو
بائت بها ونزولها قبل غروب الشمس أفضل، وحدها من طرف وادي محسر إلى العقبة،
والنفر الأول يوم الثالث من النحر والأخير اليوم الرابع، ولا يجوز للصرورة أن ينفر في
الأول ويجوز ذلك لغيره وتأخيره النفر إلى الأخير أفضل.
وأما رمى الجمار فهو سبعون حصاة تؤخذ من الحرم دون المسجد الحرام ومسجد
الخيف، والحصاة المقذوف به مرة وأفضله المشعر الحرام، ومقدار الحصاة رأس الأنملة
ملتقطة غير مكسورة، وأفضل الحصاة البرش ثم البيض والحمر وتكره السود، يرمي منها
يوم النحر جمرة العقبة وهي القصوى بسبع ويرمي في كل يوم بعده بإحدى وعشرين
حصاة يبدأ بالجمرة الأولة وهي العظمى فيرميها بسبع ثم الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع
فإن خالف الترتيب استدركه، فإن رمى حصاة فوقعت في محمل أو على ظهر ثم سقطت
على الأرض أجزأت وإلا فعليه أن يرمي عوضها عنها.
ولا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس ولا بعد غروبها إلا للمرأة الخائفة من مجئ الدم
وفوت الطواف لمجيئه وأفضل الأوقات للرمي قبل الزوال، فإن فات رمى يوم فليرم في
اليوم الثاني ما فاته في صدر النهار وليومه بعد الزوال، ومن عجز عن الرمي فليرم عنه
وليه، ويجوز للمحدث أن يرمي الجمار وعلى طهارة أفضل.
وإذا أفاض في النفر الأول فليدفن ما بقي من الحصى بمنى، فإن خرجت أيام
التشريق ولما يرم ما وجب عليه قبل النفر أو بعضه فليرمه من قابل في أيام التشريق إن
148

تمكن بنفسه وإلا استناب من يرمي عنه، فإن أخل برمي الجمار أو شئ منه ابتداءا أو
قضاءا أثم بذلك ووجب عليه تلافي ما فاته فرطه وحجه ماض.
وأما الهدي فعلى ضربين: مفروض ومسنون. والمفروض على ضروب أربعة: هدي
النذر وهدي الكفارة وهدي القران وهدي التمتع.
فأما هدي النذر فيجب سياقه من حيث نذر سياقه منه، فإن لم ينذر شيئا ابتاعه
بحيث نذر ذبحه وذبحه وكل منهما مضمون يلزم الناذر عوض ما انكسر منه أو مات أو
ضل ولا يحل له أن يأكل منه شيئا.
وأما هدي الكفارة عن قتل الصيد فسياقه واجب من حيث قتل الصيد إن أمكن
ذلك وإلا فمن حيث أمكن، ويذبح أو ينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام
المتعة أو العمرة المبتولة بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى، وإن كان لتعد في الإحرام
عدا الصيد فسياقه غير واجب، وإن تعذر السياق أو الابتياع بحيث يجب الذبح والنحر في
عامه فعليه ذلك من قابل أو عدله صياما أو صدقة حسب ما نبينه، وحكم هذا الهدي
في الضمان وتحريم الأكل منه حكم هدي النذر.
وأما هدي القران فابتداؤه تطوع فإذا أشعر أو قلد لزمه سياقه، فإن انكسر أو هلك
قبل بلوغ محله فعليه بدله، فإن لم يتمكن فلا شئ عليه غير ذبح المنكسر والتصدق
بلحمه، وإذا بلغ محله سليما ذبح أو نحر فأكل منه وأطعم.
وأما هدي التمتع فأدناه شاة والفضل فيما زاد عليها بحسب الإمكان، والسنة أن
يأكل بعضها ويطعم الباقي، ولا يجوز إعطاء الجزار شيئا من جلال شئ من الهدي ولا
قلائده ولا إهابه ولا لحمه على جهة الأجر ويجوز على وجه الصدقة.
ومن السنة أن يتولى مهدي الأنعام ذبحها أو نحرها بيده أو يشارك الذابح، ولا يجوز
لمن ذبح هديا بمنى أن يخرج منها شيئا من لحومه ويجوز ذلك للمتصدق عليه.
والمسنون ما تبرع المكلف بهديه وليس بمضمون، والسنة فيه أن يأكل منه مهديه
ويتصدق بالباقي.
وأما الحلق فمن مناسك الحج ومحله منى يوم النحر بعد رمى جمرة العقبة ويجوز قبل
149

الرمي وتأخيره إلى آخر أيام التشريق، ولا يجزئ الصرورة من الرجال غير الحلق ويجزئ
من عداه التقصير وكذلك حكم النساء، والسنة فيه أن يبدأ الحلاق بالناصية ثم الجانب
الأيمن ثم الأيسر ويدفن الشعر بمنى فإن حلق بغيرها أثم ولزمه أن يدفنه بها، ولا يجوز
الحلق قبل محله مختارا فإن اضطر لأذى يلحقه جاز الحلق والتكفير بشاة أو إطعام ستة
مساكين أو صيام ثلاثة أيام، ويلزم افتتاح الرمي وسياق الهدي وذبحه وحلق الرأس
بالنية كسائر الفرائض.
الفصل الخامس:
شروط الحج التي بها يصح ويفسد لاختلال بعضها: الاسلام لفساد كل عبادة من
دونه لما بيناه، والعلم بأحكامه وشروطه، وكيفية فعله لوجوهه لما ذكرناه، وتأديته للوجه
الذي له شرع مخلصا به لما أوجبناه، والختنة، والإحرام وصحته موقوفة على العلم
بالوقت المشروع لعقده، والميقات المنصوص على تعلق مخصوصية فعله به، وما ينعقد به
ليقصد إليه، وبيان ما يجتنبه المحرم لكون فعله مفسدة فيه، وكفارة ما يأتيه لتبرأ ذمته
من تبعته.
فأما الوقت للإحرام فأشهر الحج: شوال وذو القعدة وثمان من ذي الحجة، فإن أهل
بالحج من دونها لم ينعقد ووجب تجديده فيها، فإن لم يفعل فلا إحرام له.
وأما الميقات فلكل أهل إقليم ميقات فميقات أهل العراق بطن العقيق وأوله
المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق، وميقات أهل المدينة مسجد الشجرة وهو
ذو الحليفة ومرخص لصبيانهم وضعفائهم أن يحرموا من الجحفة، وميقات أهل الشام
الجحفة، وميقات أهل الطائف قرن المنازل، وميقات أهل اليمن يلملم.
فمن سلك طريق أحد هذه المواقيت فميقاته ميقاتهم، فمن أحرم من دون ميقاته لم
ينعقد إحرامه وعليه إذا انتهى إليه أن ينعقد الإحرام منه فإن لم يفعل فلا حج له، وإن
تجاوزه من غير إحرام فعليه الرجوع إليه ليهل منه فإن لم يتمكن أحرم من موضعه، ويجوز
لمن منزله دون الميقات أن يحرم منه وخروجه إلى الميقات أفضل وميقات المجاور ميقات
150

بلده، ويجوز له أن يحرم من الجعرانة وإن ضاق عليه الوقت فمن خارج الحرم، وميقات
المعتمر ميقات أهله فإن اعتمر من مكة فمن خارج الحرم وميقات أهله أفضل، وأهل
مكة مخيرون بين سائر المواقيت.
وأما ما ينعقد به الإحرام فالتلبية أو إشعار الهدي أو تقليدها لا ينعقد بشئ سوى
هذا مما يتقدم ذلك أو يصاحب أو يتأخر من الصلاة، والتجرد، ولبس ثوبي الإحرام،
وقول وفعل ولا يصح إلا بنية هي العزم عليه موجبا أفعالا مخصوصة هي ما قدمناه من
المناسك، واجتناب أمور نذكرها لوجوبه مخلصا له سبحانه.
وأما ما يجتنبه فالنساء رؤية وسماعا وضما وتقبيلا ومباشرة، والطيب كله،
والأدهان الزكية وما خالطه شئ من ذلك، والصيد والدلالة عليه، والجدال، والكذب،
وحك الجلد حتى يدمي، وإماطة الشعر عن الجسم، وقص الأظفار، وطرح القمل عنه
وقتله، ولبس المخيط، وتغطية الرجل رأسه والمرأة وجهها، والتظلل في المحمل، وعقد
النكاح له ولغيره، وقطع شجرة الحرم واختلاء خلاه، وقتل شئ من الحيوان عدا الحية
والعقرب والفأرة والغراب ما لم يخف شيئا منه، والفصاد، والحجامة من غير ضرورة،
والنظر في المرآة، والاغتسال للتبريد، وحمل السلاح وإشهاره إلا للمدافعة.
وأما كفارة ما يأتيه المحرم فعلى ضربين: أحدهما موجب لها بشرط الذكر للإحرام
دون السهو والخطأ، والثاني موجب لها على كل حال وهو الصيد. والأول ما عداه مما
ذكرناه ولكل كفارة تخصه.
ففي النظر إلى المرأة بشهوة والإصغاء إلى حديثها أو حملها أو ضمها الإثم فإن أمنى
فدم شاة، وفي القبلة دم شاة فإن أمنى فعليه بدنة، وفي الوطئ في إحرام المتعة قبل
طوافها أو سعيها فساد المتعة وكفارته بدنة، وفي إحرام الحج قبل العرفة بدنة فإن كان في
الفرج فسد الحج ولزمه استئنافه، وبعد عرفة بدنة، وفي الاستمناء والتلوط وإتيان
البهائم بدنة.
وفي أكل الصيد أو بيضه أو شم مسك أو عنبر أو زعفران أو ورس أو أكل طعام فيه
151

شئ منه دم شاة وفيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة، وفي تظليل المحمل
وتغطية رأس الرجل ووجه المرأة مختارا لكل يوم دم شاة ومع الاضطرار بجملة المدة دم
شاة، وفي قص ظفر كف من طعام، وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم
شاة وكذلك حكم أظفار رجليه، فإن قص أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم
واحد، وفي قص الشارب أو حلق العانة والإبطين دم شاة، وفي حلق الرأس دم شاة أو
إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام.
وفي المجادلة وهي قوله: لا والله ثلاث مرات فما فوقهن صادقا دم شاة وفي مرة
كاذبا شاة ومرتين دم بقرة وفي ثلاثة مرات فما فوقهن دم بدنة، وفي حك الجسم حتى
يدمي مد من طعام لمسكين، وفي قطع بعض شجر الحرم من أصله دم شاة ولقطع بعضها أو
اختلاء خلاها ما تيسر من الصدقة، وفي لبس المخيط بعد الإحرام شقه وإخراجه من قبل
الرجلين وللإحرام فيه نزعه وفي كل منهما دم شاة، وفي قلع الضرس دم شاة، وعقد
النكاح فاسد وعاقده آثم.
وفي إتيان ما عدا ما بيناه لزوم الكفارة منه مما يلزم المحرم اجتنابه الإثم، فأما
الصيد فيلزم من قتله أو ذبحه أو شارك في ذلك أو دل عليه فقتل إن كان محلا في الحرم أو
محرما في الحل فداؤه بمثله من النعم وإن كان محرما في الحرم فالفداء والقيمة، وروي:
الفداء مضاعفا.
وكفارة العبد والأمة إن كان إحرامهما بإذن السيد عليه وبغير إذنه عليهما بالصوم
دون الهدي والإطعام، وكفارة الصغير والمأوف العقل على وليه ووقوع ذلك عن قصد
يقتضي مع الكفارة استحقاق العقاب وعن خطأ أو سهو الكفارة حسب والندم يجب من
المقصود وهو مقسط للذم والعقاب دون الكفارة.
وتكرير القتل يوجب تكرير الكفارة، فإن كان المقتول نعامة ففيها بدنة فإن لم يجد
فقيمتها فإن لم يجد فض القيمة على البر وصام لكل نصف صاع يوما، وإن كان حمار
وحش أو بقرة وحش فعليه بقرة فإن لم يجدها تصدق بقيمتها فإن لم يجد فض القيمة
على البر وصام لكل نصف صاع يوما، وإن كان ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا فعليه شاة فإن
152

لم يجدها فقيمتها فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما.
ويجوز له إن فقد الفداء أو القيمة أن يصوم للنعامة ستين يوما وللبقرة ثلاثين يوما
وللظبي ثلاثة أيام وإن صام بالقيمة أقل من هذه المدة أجزأ وإن زادت القيمة عليها لم
يتجاوزها، وإن كان المقتول لا مثل له من الأنعام كالطير والوحش ففيه القيمة أو عدلها
صياما على ما بينا وصفه، وفي قتل الزنبور كف من طعام فإن قتل زنابير فصاع وفي قتل
الكثير دم شاة، وفي كل حمامة من حمام الحرم شاة وفي فراخها حمل وفي بيضها درهم، وفي
حمامة الحل درهم وفي فراخها نصف درهم وفي بيضها ربع درهم.
وفي القنفذ والضب واليربوع حمل قد فطم ورعى من الشجر، وفي صغار الصيد مثله
من صغار الأنعام، وفي بيض النعام إذا تحرك فيها الفراخ لكل بيضة فصيل وإن لم
يتحرك فيها الفراخ فارسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر فما نتج كان هديا فإن
لم تكن له إبل فلكل بيضة شاة، ولبيض القبج والدجاج إرسال فحولة الغنم على إناثها
فما نتج كان هديا.
ومن رمى صيدا فأصابه فمر لوجهه ولم يعرف حاله فعليه فداؤه وإن رآه بعد ذلك
كسيرا فعليه ما بين قيمته سليما وكسيرا وإن رآه سليما تصدق بشئ، وإذا اشترك
جماعة في قتل صيد والدلالة عليه فعلى كل منهم فداؤه.
وسياق فداء الصيد واجب من حيث قتل إلى محله، ومحل فداء ما أتاه في إحرام المتعة
أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج منى، فإن تعذر السياق فمن حيث أمكن
لميقاته أو من قابل أو عدل ذلك من الإطعام أو الصوم.
الفصل السادس:
إذا أراد المكلف الحج فليصل ركعتي الاستخارة، وبعدهما ركعتي الحاجة، يسبح
بعدهما تسبيح الطاهرة، ويدعو ويستخير الله سبحانه، ويستحفظه دينه ونفسه وأهله،
ويعفر، ويجمع أهله فيوصي إليهم وصية مفارق لا يظن إيابا، وليكثر في سفره من ذكر
الله تعالى وتلاوة القرآن والصلاة على محمد وآله ص، وليحسن صحبة من
153

صحبه من رفيق ومعين، وليوطن نفسه على حمل الأذى وليجهد في فعل الخير.
فإذا انتهى إلى الميقات فليقص أظفاره وشاربه، ويحلق إبطيه وعانته، ويغتسل غسل
الإحرام، ويلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر وأفضل ذلك ثياب
البياض الجدد من القطن والكتان، ولا يجوز الإحرام فيما لا تجوز فيه الصلاة من
اللباس.
ثم يصلى ركعتي الإحرام يتوجه لها كتوجهه للفرائض، فإن كان وقت فريضة قدم
صلاة الإحرام ثم الفريضة وأحرم دبرها، فإن كانت الوقت ضيقا بدأ بالفرض ثم صلى
صلاة الإحرام وأحرم وقال إن كان يريد التمتع بالعمرة إلى الحج:
اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فيسر لي
أمري وبلغني قصدي وأعني على أداء مناسكي فإن عرض لي عارض يحبسني
فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على اللهم إن لم تكن حجة فعمرة
اللهم إن لم تكن عمرة فحجة أحرم لك لحمي ودمي وعصبي وعروقي وشعري وبشري
من النساء والطيب والصيد ومن كل ما حرم على المحرمين أبتغي بذلك وجهك والدار
الآخرة.
وإن كان قارنا قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على مناسكي إلى آخر
الكلام.
وإن كان مفردا قال:
اللهم إني أريد الحج مفردا فسلم لمناسكي وأعني على أدائها إلى آخر
الكلام.
ثم يعقد إحرامه بالتلبية الواجبة أو بإشعار هديه أو تقليده إن كان قارنا، وليفتح
ذلك بالنية على الوجه الذي بيناه، وليلب بالواجبة كلما علا هضبة أو هبط واديا وفي
الأسحار وأدبار الصلوات وعند اليقظة من النوم وهو مرغب في التلبية المسنونة وليكثر
من: لبيك ذا المعارج لبيك. وليقل المتمتع: لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج
154

لبيك. ولا يقل: بحجة وعمرة تمامها عليك. لأن ذلك تعليق منه للإحرام بالحج
والعمرة وهو فاسد باتفاق.
فإذا عاين المتمتع بيوت مكة قطع التلبية وأكثر من حمد الله تعالى على بلوغها، فإذا
انتهى إلى الحرم فليغتسل ويدخله ماشيا عليه السكينة والوقار ويجوز راكبا وليدخل مكة
من أعلاها وليغتسل قبل دخولها، فإذا عاين البيت فليقل: الحمد لله إلى آخر الدعاء.
ثم ليحرز رحله ويغتسل لدخول المسجد ويأتيه ماشيا ذاكرا لله تعالى عليه ذلة
وخشوع، فإذا انتهى إلى باب بني شيبة فليقف عليه وليقل قبل دخوله:
بسم الله وبالله إلى آخر التقديس.
ثم يدخل المسجد فإذا عاين البيت فليقل:
اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا
وهدى للعالمين إلى آخر الدعاء.
ثم يفتتح الطواف بالحجر الأسود فيستقبله بوجهه ويرفع يديه ويقول:
الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
ص.
ثم يدنو منه فيقبله فإن لم يتمكن من تقبيله فليمسحه بيديه ويقبلهما ويقول:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة عند الله تعالى اللهم
إيمانا بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الأئمة من ذريته " ويسميهم " حججه في
أرضه وشهداؤه على عباده إلى آخر الدعاء.
ثم يستلمه ويطوف وهو ذاكر فإذا بلغ الكعبة فليقل:
اللهم صل على محمد وآله وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع
على من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس.
وإذا استقبل الميزاب فليقل:
155

اللهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن
والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.
ويقول بين الركن الغربي واليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واعف عني وأقلني عثرتي واقبل توبتي أتوب إلى
الله. ثلاث مرات ويطابق ذلك بالندم والعزم ويقول ثلاث مرات: أستغفر الله.
ويقول كلما استقبل الحجر الأسود:
الله أكبر الله أكبر السلام على رسول الله وآله الطاهرين. ويقبله في كل
شوط، فإن لم يقدر فليفتتح به ويختم، فإن لم يتمكن منه فليمسحه بيده ويقبلها، فإن
لم يقدر على ذلك فليشر إليه بيده ويقبلها.
ويقول في طوافه:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض وأسألك بكل اسم عظمته أن تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وتجاوز عن
زلتي وتشكر سعيي في مرضاتك وتضاعف ثوابي على طاعتك وتوسع على من رزقك
الحلال.
ويدعو في أثناء ذلك بما أحب ويسأل الله تعالى ما أحب ويقول عند باب الكعبة:
سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة.
فإذا بلغ الركن اليماني فليستلمه ويقبله وليشر منه إلى زاوية المسجد مقابلة
ويقول:
السلام عليك يا رسول الله السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار.
يصنع هذا في كل شوط، فإذا كان في الشوط السابع فليقف على المستجار ويبسط
يديه على البيت وليلصق بطنه وخده به ويقول:
اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللائذ
بعفوك من سخطك المستجير برحمتك من عذابك فارحم اللهم ذل موقفي بين يديك
156

وارزقني في مقامي هذا الفوز بالجنة وأجرني من النار وزوجني من الحور العين.
ويتعلق بأستار الكعبة ويدعو ويتضرع ويلج في المسألة للدنيا والآخرة ويقبل
الركن اليماني في كل شوط ويعاقبه ويقول:
اللهم تب على حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود وأتوب إلى الله أتوب إلى
الله أتوب إلى الله اللهم إني تائب إليك مما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت
وسهوت عنه وأحصيته علما نادم على ما مضى عازم ألا أعود إلى مثله أبدا أبدا
فاقبل توبتي واعف عني واغفر لي ما بيني وبينك وتحمل عني جرائر خلقك
بجودك وكرمك وسعة رحمتك يا أرحم الراحمين.
فإذا فرع من أسبوعه فليأت مقام إبراهيم ع فيجعله أمامه ويصلى ركعتي
الطواف على الوجه الذي تقدم ذكره وليعقب بعدهما ويدعو ويجتهد ويعفر ثم ينهض
خاشعا ذاكرا حتى يخرج من الباب المقابل للحجر الأسود إلى الصفا، فإذا انتهى إلى
الصفا فليصعد عليه ويستقبل البيت بوجهه ثم يكبر الله سبعا ويحمده سبعا ويهلله
سبعا ويسبحه سبعا ويصلى على محمد وآله ما تيسر ثم يدعو ربه وينحدر إلى السعي
فيفتتحه بالنية ويمشي إلى الميل، فإذا انتهى إليه هرول ملأ فروجه حتى يقطع سوق
العطارين وينتهي إلى الميل فيقطع الهرولة ويمشي حتى يصعد المروة فيستقبل البيت
بوجهه ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت
ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. ثلاث مرات.
ثم يقول:
اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال وصدق النية في التوكل
عليك.
ثم ينحدر منها حتى يفعل ذلك سبع مرات يهرول في كل شوط ما بين الميلين ويمشي
بين كل منهما إلى ما يليه من الصفا والمروة وليكثر قوله في سعيه:
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
157

فإذا فرع من سعيه فليقطع من شعر رأسه ولحيته وشاربه أو من إحديهما ويحل له كل
شئ أحرم منه والأولى أن يتشبه بالمحرمين إلى يوم التروية، فإذا زالت الشمس منه
فليغتسل ويلبس ثوبي إحرامه ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار
فيطوف بالبيت أسبوعا ثم يصلى ركعتي الطواف ثم يحرم بعدهما ويجزئه أن يصلى
ركعتي الإحرام حيث شاء من المسجد الحرام وأفضله تحت الميزاب أو عند المقام، فإذا
سلم فليقل:
اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني على مناسكي فإن عرض لي عارض
يحبسني فحلني حيث حبستني أحرم لك وجهي وشعري وبشري ولحمي ودمي
وعصبي وعروقي ومخي من النساء والطيب والثياب والصيد وكل محرم على
المحرم أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
ثم يلبي مستسرا، فإذا نهض به بعيره أعلى بالتلبية وإن كان ماشيا فليجهر بها من
عند الحجر الأسود وليلب بالواجبة والمندوبة ثم يتوجه إلى منى وهو يقول:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي وتقبل مني
وأعطني سؤلي من رضوانك وأجرني من عذابك.
فإذا انتهى إلى الرقطاء دون الردم وأشرف الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي
منى، فإذا انتهى إليها فليقل:
الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغني هذا المكان في عافية اللهم هذه
مني وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تتم على فيها بما مننت به
على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك حيث أطلب رحمتك وأؤم رضوانك
فاجعل حظي منها أوفر حظ برحمتك يا أرحم الراحمين.
وليصل بها المغرب وعشاء الآخرة والفجر من يوم عرفة ويجوز أن يصلى بغيرها إذا
تعذر ذلك بها وليقطع ليله أو أكثره بالصلاة والدعاء والتقديس، فإذا طلع الفجر فليصل
الفرض ويفض إلى عرفات ولا يجوز له أن يفيض منها قبل الفجر مختارا ولا يفيض منها
الإمام حتى تطلع الشمس.
158

فإذا توجه إلى عرفات فليلب ويقول:
اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ولوجهك أردت أسألك أن تصلي على
محمد وآله وبارك لي في رحلتي. إلى آخر الدعاء.
وليلب إلى أن تزول الشمس من يوم عرفة، فإذا أتى عرفات فليضرب خباءه بنمرة
قريبا من المسجد اقتداء برسول الله ص ونمرة هي بطن عرنة، فإذا زالت
الشمس فليقطع التلبية ويغتسل ويصلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان واحد
وإقامتين أمام الدعاء والعمل.
ثم يأتي الموقف وأفضله ميسرة الجبل فيستقبل القبلة فيهلل الله سبحانه مائة مرة
ويكبر مائة مرة ويسبح مائة مرة ويصلى على محمد وآله ص مائة مرة
ويستغفر سبعين مرة ويقول:
أتوب إلى الله أتوب إلى الله " حتى ينقطع نفسه " أتوب إلى الله تعالى من
جميع ذنوبي صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها توبة نصوحا.
وليقرن ذلك بالندم على ماضي القبائح لوجه قبحها والعزم على اجتناب أمثالها في
المستقبل لكون ذلك مصلحة له مخلصا له سبحانه.
اللهم فصل على محمد وآله واقبل توبتي وامح حوبتي واغفر لي اللهم ما بيني
وبينك وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك، العفو العفو " سبعين مرة " ما
شاء الله لا قوة إلا بالله " مائة مرة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك إلى
آخرها مائة مرة، ويقرأ من أول البقرة عشر آيات وآية الكرسي وآخر البقرة: لله ما في
السماوات وما في الأرض إلى آخرها، وآيات السخرة: إن ربكم الله الذي خلق
السماوات والأرض إلى قوله: إن رحمة الله قريب من المحسنين. وثلاث آيات في
آخر الحشر وسورتي القدر والإخلاص والمعوذتين ثم يدعو بدعاء الموقف حتى تغرب
الشمس.
ثم ليفض إلى المشعر الحرام وعليه السكينة والوقار مستغفرا، فإذا انتهى إلى الكثيب
الأحمر الذي عن يمين الطريق فليقل:
159

اللهم صل على محمد وآل محمد وزك عملي وارحم ذل موقفي وسلم لي ديني
وتقبل مني مناسكي اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا
ما أبقيتني.
فإذا انتهى إلى المزدلفة فلينزل قريبا من المشعر وليصل بها المغرب وعشاء الآخرة
يجمع بينهما ويصلى نوافل المغرب بعد الفراع من عشاء الآخرة وليقطع الليلة أو أكثرها
بالعبادة.
ويستحب له أن يطأ المشعر الحرام وذلك في حجة الاسلام آكد، فإذا صعده فليكثر
من حمد الله تعالى على ما مر به ويجتهد في الدعاء، فإذا طلع الفجر من يوم النحر فليؤذن
وليقم لصلاة الغداة، فإذا سلم منها فليقف داعيا إلى أن تطلع الشمس.
وليفتتح وقوفه بعرفة والمشعر الحرام بالنية ثم ليفض إلى منى خاشعا داعيا مقدسا،
فإذا انتهى إلى وادي محسر فليقطعه ماشيا مهرولا أو أكثره ويجزئه أن يهرول فيه مائة
خطوة وليلقط من المشعر حصى الجمار سبعين حصاة كرأس الأنملة أفضلها البرش وتكره
السود، فإذا انتهى إلى منى فلينزل بها ويأت جمرة العقبة فليقف من قبل وجهها ولا
يقف من أعلاها وليكن بينه وبينها قدر عشر أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ويقول والحصى
في يده:
اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
ثم ليرم حذفا يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها بظاهر مسبحته ويقول مع
كل حصاة إذا رميها:
بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد الله أكبر اللهم ادحر عني
الشيطان وجنوده اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله عليه
وآله اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا. حتى يرمي بسبع حصيات.
ثم يرجع إلى منى فيشتري هديا لمتعته إن كان متمتعا أعلاه بدنة وأدناه شاة
تستقبل بما يذبح أو ينحر من هدي متعته أو ما ساق منه إن كان قارنا القبلة ويقول:
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم
160

ودين محمد وولاية أهل بيته الطاهرين وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين
اللهم بك ومنك وإليك بسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني إنك أنت السميع
العليم.
ثم يمر الشفرة ويذبح ولا ينخع وينحر في اللبة لما ينحر وهو معقول اليد اليسرى وهو
قائم في الجانب الأيمن ولا يمسها حتى تبرد، فإن ضعف عن ذلك أو لم يحسنه فليستنب
مسلما يجعل يده مع يده ويقول ما ذكرناه وليأكل من هديه ويطعم الباقي ولا يعطي
الجزار منها ولا من جلالها ولا قلائدها شيئا.
ثم ليحلق رأسه يجلس متوجها إلى الكعبة ويأمر الحلاق أن يبدأ بالناصية من
الجانب الأيمن لا يجزئ في حج الاسلام غير الحلق وفيما عداه التقصير والحلق أفضل،
وفرض النساء التقصير على كل حال وليقل:
اللهم أعطني بكل شعرة يوم القيامة نورا وحسنات مضاعفات وكفر عني
السيئات إنك على كل شئ قدير.
وليفتتح الرمي والذبح والحلق بالنية، ثم ليدخل مكة لطواف الزيارة وهي طواف
الحج ويصنع قبل دخولها والمسجد ما فعله حين دخل مكة في الابتداء وليطف بالبيت
طواف الزيارة ويسعى بعده بين الصفا والمروة ويرجع إلى البيت فيطوف به طواف
النساء يصنع في كل ذلك ما صنعه حين طاف وسعي للمتعة، فبالطواف الأول والسعي
يحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء وبالطواف الآخر يحل منهن.
ثم ليخرج ليومه إلى منى فيبيت بها وليرم في غده الجمرات الثلاث يبدأ بالعظمى
فيرميها بسبع حصيات ثم الوسطى ثم العقبة ويرمي في اليوم الذي يليه كذلك وفي
الثالث كذلك على الوجه الذي ذكرناه، ثم لينفر منها إلى مكة وقد قضى جميع المناسك.
ومن السنة أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه ست ركعات عند المنارة التي في
وسطه، ثم يسبح تسبيح فاطمة ع ويدعو بما أحب فإذا جاوز جمرة العقبة
فليحول وجهه إلى منى ويرفع يديه إلى السماء ويقول:
161

اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المقام وارزقنيه أبدا ما أبقيتني.
فإذا بلغ مسجد الحصباء فليدخله ويصل فيه ويدع ويسترح بالاستلقاء فيه على
ظهره، ثم ينهض حتى يدخل مكة فيطوف بالبيت ما شاء تطوعا، ويستحب له أن
تطوع بطواف بثلاثمائة وستين أسبوعا، ويجوز تأدية جميع مناسك الحج بمكة محدثا
وطاهرا أفضل إلا الطواف بالبيت فمن شرطه أن يكون الطائف طاهرا.
فإذا أراد المسير عن مكة فليأت المسجد فيطوف بالبيت ويدخله ويصلى في زواياه
وعند المقام وعلى الرخامة الحمراء ويدعو ويجتهد ويأتي زمزم ويشرب من مائها ويدعو
بدعاء الوداع ويودع.
فإن كان الحاج قارنا أو مفردا أقام على إحرامه حتى يقضي المناسك ولا يقطع
التلبية حتى تزول الشمس من يوم عرفة، ومناسكهما كمناسك المتمتع بعد المتعة إذ
كانت مناسك ضروب الحج لا تختلف وإنما يتميز المتمتع بالمتعة التي هي طواف وسعي
والقارن بسياق الهدي.
وحكم النساء في فروض الحج وشروطه وكيفية فعله حكم الرجال إلا في التجرد
للإحرام والحلق، ويلزمهن كشف الوجوه والتقصير بعد الذبح حسب، ولا يرفعن
أصواتهن في التلبية كرفع الرجال.
فإن حاضت المرأة أو نفست قبل الإحرام اغتسلت وشدت ولبست ثيابا طاهرة
وأحرمت ولبثت، فإن طهرت قبل فوات المتعة اغتسلت وطافت وسعت، وإن خافت
الفوت قبل الطهر فلتسع بين الصفا والمروة فإذا قضت المناسك قضت الطواف.
وإن حاضت بعد ما أحرمت فلتقض جميع المناسك إلا الطواف، فإذا طهرت في زمان
الحج أدت، وإن خرج الزمان ولما تطهر فلتقض ما فاتها من طواف.
ويجوز للمرأة إذا خافت مجئ الدم أن تقدم طواف الزيارة والسعي على شهادة
الموقفين وتقف بالمشعر ليلا وتفيض منه وتأتي منى فترمي الجمرة وتذبح وتقصر وتدخل
مكة لطواف الزيارة والسعي إن لم تكن قدمتهما.
وإذا صد المحرم بالعدو أو أحصر بالمرض عن تأدية المناسك فلينفذ القارن هديه
162

والمتمتع والمفرد ما يبتاع به شاة فما فوقها، فإذا بلغ الهدي محله وهو يوم النحر فيحلق رأسه
ويحل المصدود بالعدو من كل شئ أحرم منه ويحل المحصور بالمرض من كل شئ إلا
النساء حتى يحج من قابل أو يحج عنه.
فصل في النيابة في الحج:
ومن تعلق عليه التمكن بالسعة في المال فمنعه مانع فليخرج عنه نائبا يدفع إليه من
ماله ما يكفيه لنفسه وأهله في مدة سفره ذاهبا وراجعا وفضلا يرجع إليه، ويجوز إعطاؤه
ما يرضى به وإن قل والأفضل ما ذكرناه، ومن حق النائب أن يكون عارفا بالحج
وأحكامه وما يبني عليه من المعارف العقلية ظاهر الورع والعدالة باعتقاد الحق واجتناب
القبائح، وتصح نيابة من لم يحج ما لم يكن مخاطبا بالحج وتجزئ من قد حج للنيابة
أولى.
ويستحب لمن قد حج أو حج عنه إذا كان ذا سعة أن يخرج عنه في كل سنة نائبا
من بلده ويجوز من ميقات أهله، فإذا تمكن المستنيب من الحج بنفسه وجب عليه أداؤه
ويلزم النائب إذا أراد الإحرام أن ينوي به الحج على جهة النيابة عن مستنيبه وليقل:
اللهم ما أصابني في سفري هذا من نصب ولغوب فأجر فلان ابن فلان فيه
وأجرني بنيابتي عنه.
وليقصد بكل منسك يؤديه من أركان الحج وفرائضه تأديته لوجوبه عليه في حق
النيابة فيه عن مستنيبه مخلصا له لله تعالى، فإن صد أو مات النائب أو أحصر قبل أن
يؤدى المناسك فله من المال بحسب ما قطع من المسافة ولم تجز الحجة عن المستنيب إلا
أن يضمن العود، وإن مات بعد ما أحرم ودخل الحرم لم يرجع على ورثته بشئ من مال
النيابة وأجزأت الحجة عن المستنيب، وإذا أتى النائب في إحرامه ما
يوجب الكفارة أو ما يوجب الحج من قابل فهو لازم من ماله دون مال مستنيبه، وإذا فضل من نفقة الحج شئ
فهو له، وإن عجزت عن النفقة فعليه إلا أن يشترط فيكون لهما ما اشترطاه.
163

فصل في العمرة المبتولة: العمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر متمتعة بالعمرة إلى الحج
يجزئه مثل عمرة مفردة وكل منهم مرغب بعد تأدية الواجب عليه إلى الاعتمار في كل
شهر مرة أو في كل سنة مرة وأفضل أوقات السنة للاعتمار شهر رجب، وصفتها أن يحرم
حاضروا مكة من أي المواقيت ويحرم أهل كل مصر من ميقاتهم بعد الغسل ولبس ثوبي
الإحرام وصلاة ركعتين يقول بعدهما مريده:
اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وأعني على أدائها فإن عرض لي عارض
فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على أحرم لك شعري وبشري إلى آخر
الكلام الذي قلناه في إحرام الحج.
ثم ينهض فيلبي ولا يزال ملبيا لتلبية الواجبة والمندوبة ويقول في تلبيته:
لبيك اللهم بعمرة تمامها عليك لبيك.
فإذا عاين البيت قطع التلبية وأتى المسجد فوقف على بابه ودعا بما ذكرناه في طواف
الحج، ثم يدخل المسجد ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة على الوجه الذي
تقدم شرحه، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طوافا آخر وهو طواف النساء لازم في العمرة
المبتولة كالحج، ثم يحلق رأسه ويذبح إن كان قد ساق هديا أو تبرع بالذبح إن شاء،
وحكم هدي العمرة حكم هدي الحج في السياق إلا أنه ينحر أو يذبح هدي العمرة قبالة
الكعبة وقد أحل من كل شئ أحرم منه، فإن أحصر بمرض أو صد بعدو فحكمه ما
قدمناه في المحصور والمصدود عن الحج.
فصل في الزيارة:
زيارة رسول الله ص عند قبره وكل واحد من الأئمة ع من
بعده في مشاهدهم من السنن المؤكدة والعبادات المعظمة في كل جمعة أو في كل شهر أو
في كل سنة إن أمكن ذلك وإلا فمرة في العمر، ويلزم قاصد الزيارة أن يخرج من منزله
عازما عليها لوجهها مخلصا بها له سبحانه، فإذا انتهى إلى مسجد رسول الله
164

ص أو مشهد الإمام ع فليغتسل قبل دخوله ويلبس ثيابا طاهرة
جددا إن أمكن أو مغسولة ويأت القبر مما يلي الرأس وظهره إلى القبلة ووجهه تلقاء وجه
المزور ع ويسلم عليه ويذكره بما هو أهله.
فإذا فرع من الزيارة فليضع خده الأيمن على القبر ويدعو الله تعالى ويتضرع إليه
بحقه ويرغب إليه أن يجعله من أهل شفاعته، ثم يضع خده الأيسر ويدعو ويجتهد، ثم
يتحول إلى عند الرأس فيسلم عليه ويعفر خديه على القبر ويدعو، ثم يصلى عنده
ركعتين يعقبهما بتسبيح فاطمة ع ويدعو ويتضرع، ثم يتحول إلى عند
الرجلين فيسلم ويدعو ويعفر خديه على القبر ويودع وينصرف.
وإذا كانت زيارة أمير المؤمنين ع فليبدأ بالتسليم على آدم ونوح ثم عليه
ع لكون الجميع مدفونا في لحد واحد، فإذا فرع من الزيارة فليصل عند الرأس
ست ركعات لزيارة كل حجة منهم ركعتان.
وتفصيل ما أجملناه من الزيارات وشرح أذكارها موجود في غير موضع من كتب
السلف رضي الله عنهم من طلبه وجده.
ومن لم يتمكن من زيارة النبي ص والأئمة ع بحيث
قبورهم لبعد داره أو لبعض الموانع فليزر من شاء منهم من حيث هو مصحرا أو من علو
داره أو من مصلاه في كل يوم أو في كل جمعة أو في كل شهر.
ومن السنة زيارة أهل الإيمان أحياء وأمواتا، ومن زار أخاه فلينزل على حكمه ولا
يحتشمه ولا يكلفه، ومن زاره أخوه فليستقبله ويصافحه ويعتنقه ويقبل كل واحد منهما
موضع سجود الآخر وليكرم كل واحد منهما صاحبه ويخفي له وعلى المزور الاعتراف
بحق زائره وليتحفه بما يحضره من طعام وشراب وفاكهة وطيب أو ما تيسر من ذلك وأدناه
شرب الماء أو التوضؤ وصلاة ركعتين عنده والتأنيس بالحديث والتشييع له عند
الانصراف.
وإذا زار قبر بعض الأموات فليستظهره ويجعل وجهه إلى القبلة ويقرأ سورة الإخلاص
سبعا وسورة القدر سبعا ويدعو له بالرحمة والرضوان ويستغفر الله لذنبه وينصرف.
165

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
167

النهاية:
كتاب الحج
باب وجوب الحج ومن يجب عليه وكيفية وجوبه:
الحج فريضة على كل حر بالغ مكلف مستطيع للحج رجلا كان أو امرأة.
ذكرنا كونه بالغا لأن من ليس ببالغ من الرجال ومن النساء لا يجب عليه الحج،
فإن حج وهو غير بالغ أو حج به غيره وهو طفل لم يجزئه ذلك من حجة الاسلام وكان
عليه الإعادة بعد البلوغ.
وذكرنا كونه حرا لأن العبد لا يجب عليه الحج، فإن حج في حال العبودية ثم أعتق
بعد ذلك لم يجزئه ذلك عن حجة الاسلام وكانت عليه الإعادة وسواء كانت
الحجة التي حجها بإذن مولاه أو بغير إذنه اللهم إلا أن يلحقه العتاق قبل أن يفوته الوقوف بأحد
الموقفين، فإن أدرك أحد الموقفين بعد العتق فقد أجزأه عن حجة الاسلام.
وذكرنا كونه مكلفا لأن من ليس بمكلف من المجانين وغيرهم لا تقع حجتهم
الموقع الصحيح ولا تجزئ عنهم وكانت الحجة في ذمتهم إن عادوا إلى حال الصحة
وكمال العقل.
وذكرنا كونه مستطيعا لأن من ليس بمستطيع لا يجب عليه الحج، والاستطاعة هي
الزاد والراحلة والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب من جميع الموانع، فإن ملك الزاد والراحلة
ولم يكن معه غيره لم يجب عليه الحج اللهم إلا أن يكون صاحب حرفة وصناعة يرجع
إليها ويمكنه أن يتعيش بها، فإن حصلت الاستطاعة ومنعه من الخروج مانع من سلطان
أو عدو أو مرض ولم يتمكن من الخروج بنفسه كان عليه أن يخرج رجلا يحج عنه،
169

فإذا زالت عنه بعد ذلك الموانع كان عليه إعادة الحج لأن الذي أخرجه إنما كان يجب
عليه في ماله وهذا يلزمه على بدنه وماله، وإن لم تزل الموانع عنه وأدركه الموت كان ذلك
مجزئا عنه.
فإن لم يخرج أحدا عنه والحال هذه أو يكون متمكنا من الخروج فلا يخرج وأدركه
الموت وجب أن يخرج عنه من صلب ماله وما بقي بعد ذلك يكون ميراثا، فإن لم يخلف
إلا قدر ما يحج به عنه وكانت الحجة قد وجبت عليه قبل ذلك وجب أن يحج به عنه
وكذلك الحكم إذا ترك قدر ما يحج به من بعض المواقيت وجب أيضا أن يحج عنه من
ذلك الموضع، وإن خلف قدر ما يحج به عنه أو أقل من ذلك ولم يكن قد وجب عليه الحج
قبل ذلك كان ميراثا لورثته.
ومن لم يملك الاستطاعة وكان له ولد له مال وجب عليه أن يأخذ من مال ابنه قدر ما
يحج به على الاقتصاد ويحج فإن لم يكن له ولد وعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه
من مؤونة الطريق وجب عليه أيضا الحج.
ومن ليس معه مال وحج به بعض إخوانه فقد أجزأه ذلك عن حجة الاسلام وإن أيسر
بعد ذلك إلا أنه يستحب له أن يحج بعد يساره فإنه أفضل، ومن فقد الاستطاعة أصلا
وكان متمكنا من المشي كان عليه الحج استحبابا مؤكدا وكذلك إن كان معه من
النفقة ما يركب بعضا ويمشي بعضا يستحب له أن يخرج أيضا إلى الحج وإن خرج
وتسكع في الطريق حتى يحج كان ذلك أيضا جائزا إلا أنه متى حج والحال على ما
وصفناه ثم وجد بعد ذلك المال كان عليه إعادة الحج.
ومتى كان الرجل مستطيعا للزاد والراحلة وأراد أن يحج ماشيا فإن كان ذلك لا
يضعفه ولا يمنعه من أداء الفرائض كان المشي أفضل له من الركوب وإن أضعفه ذلك عن
إقامة الفرائض كان الركوب أفضل له، ومتى عدم الرجل الاستطاعة جاز له أن يحج عن
غيره وإن كان صرورة لم يحج بعد حجة الاسلام وتكون الحجة مجزئة عمن يحج عنه وهو
إذا أيسر بعد ذلك كان عليه إعادة الحج.
ومتى نذر الرجل أن يحج لله تعالى وجب عليه الوفاء به فإن حج الذي نذر ولم يكن
170

قد حج حجة الاسلام فقد أجزأت حجته عن حجة الاسلام وإن خرج بعد النذر بنية
حجة الاسلام لم يجزئه عن الحجة التي نذر بها وكانت في ذمته، ومن نذر أن يحج ماشيا ثم
عجز عنه فليسق بدنة وليركب وليس عليه شئ وإن لم يعجز عن المشي كان عليه
الوفاء به فإذا انتهى إلى مواضع العبور فليكن فيها قائما وليس عليه شئ.
ومن حصلت معه الاستطاعة وجب عليه الحج على الفور والبدار دون التراخي فإن
أخره وهو متمكن من تقديمه كان تاركا فريضة من فرائض الاسلام.
ومن حج وهو مخالف لم يعرف الحق على الوجه الذي يجب عليه الحج ولم يخل بشئ من
أركانه فقد أجزأته عن حجة الاسلام ويستحب له إعادة الحج بعد استبصاره وإن كان
قد أخل بشئ من أركان الحج لم يجزئه ذلك عن حجة الاسلام وكان عليه قضاؤها فيما
بعد.
باب أنواع الحج:
الحج على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد:
فأما التمتع: فهو فرض الله تعالى على جميع المكلفين ممن ليس هو من أهل مكة
وحاضريها وهو من يكون بمكة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا، ومن وجب
عليه التمتع لا يجزئه إفراد ولا قران إلا عند الضرورة وفقد التمكن من التمتع فإن
كان متمكنا وحج قارنا أو مفردا كان عليه إعادة الحج.
وأما الإفراد والقران: فهو فرض أهل مكة وحاضريها وهم الذين قدمنا ذكرهم ولا
يجوز لهم التمتع.
ومن جاور بمكة سنة واحدة أو سنتين جاز له أن يتمتع فيخرج إلى الميقات ويحرم
بالحج متمتعا فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع وكان حكمه حكم أهل
مكة وحاضريها، ومن كان من أهل مكة أو حاضريها ثم نأى عن منزله إلى مثل المدينة
أو غيرها من البلاد ثم أراد الرجوع إلى مكة وأراد أن يحج متمتعا جاز له ذلك.
فإذا أراد الانسان أن يحج متمتعا فعليه أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة
171

وهو لا يمس شيئا منهما، فإذا جاء إلى ميقات أهله أحرم بالحج متمتعا ومضى إلى
مكة، فإذا شاهد بيوت مكة فليقطع التلبية ثم ليدخلها، فإذا دخلها طاف بالبيت سبعا
وصلى عند المقام ركعتين ثم سعى بين الصفا والمروة وقصر من شعر رأسه وقد أحل من
جميع ما أحرم منه من النساء والطيب وغير ذلك إلا الصيد فإنه لا يجوز له ذلك لكونه في
الحرم ثم يكون على هيئته هذه إلى يوم التروية عند الزوال، فإذا كان ذلك الوقت صلى
الظهر وأحرم بعده بالحج ومضى إلى منى.
ثم ليعد إلى عرفات فيصلي بها الظهر والعصر فيقف بها إلى غروب الشمس، ثم
يفيض إلى المشعر الحرام فيقف بها تلك الليلة فإذا أصبح غدا منها إلى منى فقضى مناسكه
هناك، ثم يجئ يوم النحر أو من الغد لا يؤخر ذلك إلى مكة ويطوف بالبيت طواف
الحج ويصلى ركعتي الطواف ويسعى بين الصفا والمروة وقد فرع من مناسكه كلها وحل
له كل شئ إلا النساء والصيد وبقي عليه لتحلة النساء طواف فليطف أي وقت شاء في
مدة مقامه بمكة، فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء وعليه هدي واجب ينحره بمنى
يوم النحر فإن لم يتمكن منه كان عليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج يوم قبل التروية
ويوم التروية ويوم عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله.
والمتمتع إنما يكون متمتعا إذا وقعت عمرته في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة، فإن وقعت عمرته في غير هذه الأشهر لم يجز له أن يكون متمتعا بتلك العمرة
وكان عليه لحجته عمرة أخرى يبتدئ بها في الأشهر التي قدمناها وكذلك لا يجوز الإحرام
بالحج مفردا ولا قارنا إلا في هذه الأشهر، فإن أحرم في غيرها فلا حج له اللهم إلا أن
يجدد الإحرام عند دخول هذه الأشهر عليه فيكون ذلك مجزئا عنه.
وأما القارن فعليه أن يحرم من ميقات أهله ويسوق معه هديا يشعره من موضع
الإحرام يشق سنامه ويلطخه بالدم ويعلق في رقبته نعلا مما كان يصلى فيه وليسق
الهدي معه إلى منى، ولا يجوز له أن يحل إلى أن يبلغ الهدي محله، فإن أراد أن يدخل مكة
جاز له ذلك لكنه لا يقطع التلبية، وإن أراد أن يطوف بالبيت تطوعا فعل إلا أنه كلما
طاف بالبيت لبى عند فراغه من الطواف ليعقد إحرامه بالتلبية وإنما يفعل ذلك
172

لأنه لو لم يفعل دخل في كونه محلا وبطلت حجته وصارت عمرة، وقد بينا أنه ليس
له أن يحل إلى أن يبلغ الهدي محله من يوم النحر وليقض مناسكه كلها من الوقوف
بالموقفين وما يجب عليه من المناسك بمنى ثم يعود إلى مكة فيطوف بالبيت سبعا ويسعى
بين الصفا والمروة سبعا ثم يطوف طواف النساء وقد أحل من كل شئ أحرم منه
وكانت عليه العمرة بعد ذلك.
والمتمتع إذا تمتع سقط عنه فرض العمرة لأن عمرته التي يتمتع بها بالحج قامت
مقام العمرة المبتولة ولم يلزمه إعادتها، فأما المفرد فإن عليه ما على القارن سواء لا يختلف
حكمها في شئ من مناسك الحج وإنما يتميز القارن من المفرد بسياق الهدي، فأما باقي
المناسك فهما مشتركان فيه على السواء ولا يجوز لهما أن يقطعا التلبية إلا بعد الزوال من
يوم عرفة وليس عليهما هدي وجوبا فإن ضحيا استحبابا كان لهما فيه فضل وليس ذلك
بواجب.
باب المواقيت:
معرفة المواقيت واجبة لأن الإحرام لا يجوز إلا منها، فلو أن إنسانا أحرم قبل ميقاته
كان إحرامه باطلا واحتاج إلى استئناف الإحرام من الميقات اللهم إلا أن يكون قد نذر
لله تعالى على نفسه أن يحرم من موضع بعينه فإنه يلزمه الوفاء به حسب ما نذره، ومن
أراد أن يحرم بالعمرة في رجب وقد قارب تقضيه قبل أن يبلغ الميقات جاز له أن يقدم
إحرامه قبل أن يبلغ الميقات.
ومن عرض له مانع من الإحرام جاز له أن يؤخره أيضا عن الميقات فإذا زال المنع
أحرم من الموضع الذي انتهى إليه، وإذا أحرم قبل الوقت وأصاب صيدا لم يكن عليه
شئ، وإن أخر إحرامه عن الميقات وجب عليه أن يرجع إليه ويحرم منه متعمدا كان أو
ناسيا فإن لم يمكنه الرجوع إلى الميقات وكان قد ترك الإحرام متعمدا فلا حج له، وإن
كان قد تركه ناسيا فليحرم من الموضع الذي انتهى إليه فإن كان قد دخل مكة ثم ذكر
أنه لم يحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات للخوف أو لضيق الوقت وأمكنه الخروج إلى
خارج الحرم فليخرج إليه وإن لم يمكنه ذلك أيضا أحرم من موضعه وليس عليه شئ.
173

وقد وقت رسول الله ص لكل قوم ميقاتا على حسب طرقهم:
فوقت لأهل العراق ومن حج على طريقهم العقيق وله ثلاثة أوقات: أولها المسلخ
وهو أفضلها ولا ينبغي أن يؤخر الانسان الإحرام منه إلا عند الضرورة، وأوسطه غمرة،
وآخره ذات عرق. ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا عند الضرورة والتقية ولا يتجاوز
ذات عرق إلا محرما على حال.
ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة، ووقت لمن حج على هذا
الطريق عند الضرورة الجحفة، ولا يجوز أن يجوز الجحفة إلا محرما، ولا يجوز لمن خرج من
المدينة أن يحرم إلا من ميقات أهلها وليس له أن يعدل إلى العقيق فيحرم منها.
ووقت لأهل الشام الجحفة وهي المهيعة، ولأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل
اليمن يلملم، ومن كان منزله دون هذه المواقيت إلى مكة فميقاته منزله فعليه أن يحرم
منه.
والمجاور بمكة إذا أراد أن يحج فعليه أن يخرج إلى ميقات أهله وليحرم منه فإن لم
يتمكن فليخرج إلى خارج الحرم ويحرم منه وإن لم يتمكن من ذلك أيضا أحرم من
مسجد الحرام، ومن جاء إلى الميقات ولم يقدر على الإحرام لمرض أو غيره فليحرم عنه وليه
ويجنبه ما يجتنبه المحرم وقد تم إحرامه.
باب كيفية الإحرام:
الإحرام فريضة لا يجوز تركه فمن تركه متعمدا فلا حج له، وإن تركه ناسيا كان
حكمه ما ذكرناه في الباب الأول إذا ذكر، فإن لم يذكر أصلا حتى يفرع من جميع
مناسكه فقد تم حجه ولا شئ عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام.
فإذا أراد الانسان أن يحرم بالحج متمتعا فإذا انتهى إلى ميقاته تنظف وقص أظفاره
وأخذ شيئا من شاربه ولا يمس شعر رأسه حسب ما قدمناه ويزيل الشعر من جسده
وتحت يديه وإن كان قد تنظف وأطلى قبل الإحرام بيوم أو يومين إلى خمسة عشر يوما كان
أيضا جائزا إلا أن إعادة ذلك أفضل في الحال.
ثم ليغتسل ويلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر أو يرتدي به ولا
174

بأس أن يغتسل قبل بلوغه إلى الميقات إذا خاف عوز الماء، وأن يلبس قميصه وثيابه فإذا
انتهى إلى الميقات نزع ثيابه ولبس ثوبي إحرامه وإن لبس ثوبي إحرامه من الموضع
الذي اغتسل فيه كان أفضل وإن وجد الماء عند الإحرام أعاد الغسل فإنه أفضل.
وإذا اغتسل بالغداة كان غسله كافيا لذلك اليوم أي وقت أراد أن يحرم فيه فعل
وكذلك إذا اغتسل في أول الليل كان جائزا له إلى آخره ما لم ينم، فإن نام بعد الغسل
قبل أن يعقد الإحرام كان عليه إعادة الغسل استحبابا، ومتى اغتسل للإحرام ثم أكل
طعاما لا يجوز للمحرم أكله أو لبس ثوبا لا يجوز له لبسه يستحب له إعادة الغسل
استحبابا، ولا بأس أن يلبس المحرم أكثر من ثوبي إحرامه ثلاثة أو أربعة إذا اتقى
بذلك الحر أو البرد، ولا بأس أيضا أن يغير ثيابه وهو محرم، فإذا دخل إلى مكة وأراد
الطواف فلا يطوفن إلا في ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
وأفضل الأوقات التي يحرم الانسان فيها عند زوال الشمس ويكون ذلك بعد
الفراع من فريضة الظهر فإن اتفق أن يكون في غير هذا الوقت كان أيضا جائزا،
والأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة فإن لم تكن صلاة فريضة صلى ست
ركعات من النوافل وأحرم في دبرها فإن لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان فليصلهما
وليقرأ في الأولة منهما بعد التوجه الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا أيها
الكافرون، فإذا فرع منهما أحرم عقيبهما بالتمتع إلى الحج فيقول:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك ص فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري وجسدي وبشري
من النساء والطيب والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
وإن كان قارنا فليقل:
اللهم إني أريد ما أمرت به من الحج قارنا. وإن كان مفردا فليذكر ذلك في
إحرامه.
ومن أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل، ولا بأس
175

أن يصلى الانسان صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة
قد تضيق فإن تضيق الوقت بدأ بالفريضة ثم بصلاة الإحرام وإن لم يكن قد تضيق بدأ
بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفريضة.
ويستحب للإنسان أن يشترط في الإحرام بالحج إن لم تكن حجة فعمرة وأن يحله
حيث حبسه سواء كانت حجته تمتعا أقرانا أو إفرادا وكذلك الحكم في العمرة ولم
يكن الاشتراط لسقوط فرض الحج في العام المقبل، فإن من حج حجة الاسلام وأحصر
لزمه الحج من قابل وإن كانت تطوعا لم يكن عليه ذلك، ولا بأس أن يأكل الانسان
لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب بعد عقد الإحرام ما لم يلب فإذا لبى حرم عليه
جميع ذلك، وإن كان الحاج قارنا فإذا ساق وأشعر البدنة أو قلدها حرم أيضا عليه ذلك
وإن لم يلب لأن ذلك يقوم مقام التلبية.
والإشعار هو أن يشق سنام البدنة من الجانب الأيمن، فإن كانت بدنا كثيرة جاز
للرجل أن يدخل بين كل بدنتين فيشعر إحديهما من جانبها الأيمن والأخرى من جانبها
الأيسر، وينبغي إذا أراد الإشعار أن يشعرها وهي باركة وإذا أراد نحرها نحرها وهي
قائمة. والتقليد يكون بنعل قد صلى فيه ولا يجوز غيره.
وإذا أراد المحرم أن يلبي وكان حاجا على طريق المدينة فإن أراد أن يلبي من
الموضع الذي صلى فيه جاز له ذلك والأفضل أن يلبي إذا أتى البيداء عند الميل فأما
الماشي فلا بأس به أن يلبي من موضعه والأفضل للراكب أن يلبي إذا علت به راحلته
البيداء، وإذا كان حاجا على طريق المدينة لبى من موضعه إن أراد وإن مشى خطوات
ثم لبى كان أفضل فإذا أراد التلبية فليرفع صوته بها.
والتلبية فريضة لا يجوز تركها على حال والجهر بها سنة مؤكدة للرجال وليس ذلك
على النساء ويقول:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. فهذه
التلبيات الأربع فريضة لا بد منها وإن زاد عليها من التلبيات الأخر كان فيه فضل
كثير، وأفضل ما يذكره في التلبية الحج والعمرة معا فإن لم يمكنه للتقية أو غيرها
176

واقتصر على ذكر الحج جاز.
فإذا دخل مكة طاف وسعى وقصر وجعلها عمرة كان أيضا جائزا، فإن لم يذكر لا
حجا ولا عمرة ونوى التمتع لم يكن به بأس، وإن لبى بالعمرة وحدها ونوى التمتع
لم يكن به بأس، وإذا لبى بالتمتع ودخل إلى مكة وطاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن
يقصر فقد بطلت متعته وكانت حجة مبتولة هذا إذا فعل ذلك متعمدا فإن فعله ناسيا
فليمض فيما أخذ فيه وقد تمت متعته وليس عليه شئ، ومن لبى بالحج مفردا ودخل
مكة وطاف وسعى جاز له أن يقصر ويجعلها عمرة ما لم يلب بعد الطواف فإن لبى بعده
فليس له متعة وليمض في حجته.
وينبغي أن يلبي الانسان في كل وقت وعند كل صلاة وإذا هبط واديا أو صعد تلعة
وفي الأسحار، والأخرس يجزئه في تلبيته تحريك لسانه وإشارته بالإصبع، ولا بأس أن
يلبي الانسان وهو على غير طهر، ولا يقطع المتمتع التلبية إلا إذا شاهد بيوت مكة فإذا
شاهدها قطعها، وإن كان قارنا أو مفردا فليقطع تلبيته يوم عرفة بعد الزوال، وإذا كان
معتمرا فليقطع تلبيته إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم فإن كان المعتمر ممن قد خرج
من مكة ليعتمر فلا يقطع التلبية إلا إذا شاهد الكعبة.
ويجرد الصبيان من فخ إذا أرادوا الحج بهم ويجنبون كل ما يجتنبه المحرم ويفعل بهم
ما يجب على المحرم فعله، وإذا فعلوا ما يجب فيه الكفارة كان على أوليائهم أن يكفروا
عنهم، فإن كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتى له لبى عنه وليه وكذلك يطوف به
ويصلى عنه إذا لم يحسن ذلك، وإن حج بهم متمتعين وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا
صغارا وإذا كانوا كبارا جاز أن يؤمروا بالصيام، وينبغي أن يوقف الصبي بالموقفين معا
ويحضر المشاهد كلها ويرمى عنه ويناب عنه في جميع ما يتولاه الرجل بنفسه وإذا لم
يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم كان على وليهم أن يصوم عنهم.
باب ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب:
إذا عقد المحرم إحرامه بالتلبية أو الإشعار أو التقليد حرم عليه لبس الثياب المخيطة
177

والنساء والطيب والصيد لا يحل له شئ من ذلك، وأفضل ما يحرم الانسان فيه من
الثياب ما يكون قطنا محضا بيضا، فإن كان غير بيض كان جائزا إلا أن تكون سودا
فإنه لا يجوز الإحرام فيها أو تكون مصبوغة بصبغ فيه طيب مثل الزعفران وما أشبهه، فإن
كان الثوب قد صبغ بطيب وذهبت رائحته لم يكن به بأس وكذلك إذا أصاب الثوب
طيب وذهبت رائحته لم يكن به بأس، ويكره الإحرام في الثياب المصبغة بالعصفر وما
أشبهه لأجل الشهرة وإن لم يكن ذلك محظورا.
وكل ثوب يجوز الصلاة فيه فإنه يجوز الإحرام فيه وما لا يجوز الصلاة فيه لا يجوز
الإحرام فيه مثل الخز المغشوش والإبريسم المحض وما أشبههما، ولا يحرم الانسان إلا في
ثياب طاهرة نظيفة فإن كانت وسخة غسلها قبل الإحرام وإن توسخت بعد الإحرام فلا
يغسلها إلا إذا أصابها شئ من النجاسة، ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال الإحرام غير
أنه إذا طاف لا يطوف إلا فيما أحرم فيه، ولا بأس أن يلبس المحرم طيلسانا له أزرار
غير أنه لا يجوز له أن يزره على نفسه، ويكره للمحرم النوم على الفرش المصبوغة وإن
أصاب ثوب المحرم شئ من خلوق الكعبة وزعفرانها لم يكن به بأس.
وإذا لم يكن مع الانسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه
في يدي القباء، ولا يجوز له أن يلبس السراويل إلا إذا لم يجد الإزار فإن لم يجده لم يكن
عليه بأس بلبسه، ويكره لبس الثياب المعلمة في حال الإحرام، ولا يجوز أن يلبس
الرجل الخاتم يتزين به فإن لبسه للسنة لم يكن به بأس، ولا يجوز للمحرم أن يلبس
الخفين وعليه أن يلبس النعلين فإن لم يجدهما واضطر إلى لبس الخف لم يكن به بأس.
ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ويحل لها
ما يحل له، ولا يجوز لها أن تلبس القفازين ولا شيئا من الحلي مما لم يجر عادتها بلبسه
فأما ما كانت تعتاد لبسه فلا بأس به غير أنها لا تظهره لزوجها ولا تقصد به الزينة فإن
قصدت به الزينة كان أيضا غير جائز، ويكره لها أن تلبس الثياب المصبوغة المقدمة وقد
وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء والأصل ما قدمناه، فأما السراويل فلا بأس
بلبسه لهن على كل حال، ولا بأس أن تلبس المرأة الخاتم وإن كان من ذهب، ويجوز
178

للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النجاسات.
ويحرم على المحرم الرفث وهو الجماع وتقبيل النساء ومباشرتهن ولا يجوز له ملامسة
شئ من أجسادهن بالشهوة ولا بأس بذلك من غير شهوة، ويحرم أيضا عليه الفسوق وهو
الكذب، والجدال وهو قول الرجل: لا والله وبلى والله، ولا يجوز له قتل شئ من
الدواب، ولا يجوز له أن ينحي عن بدنه القمل والبراغيث وما أشبههما ولا بأس أن ينحي
عنه القراد والحلمة.
ولا يجوز له أن يمس شيئا من الطيب، والطيب الذي يحرم مسه وشمه وأكل طعام
يكون فيه المسك والعنبر والزعفران والورس والعود والكافور. فأما ما عدا هذا من الطيب
والرياحين فمكروه يستحب اجتنابه وإن لم يلحق في الحظر بالأول، فإن اضطر إلى أكل
طعام يكون فيه طيب أكله غير أنه يقبض على أنفه، ولا بأس بالسعوط وإن كان فيه
طيب عند الحاجة إليه، ومتى أصاب ثوب الانسان شئ من الطيب كان عليه إزالته،
ومتى اجتاز المحرم في موضع يباع فيه الطيب لم يكن عليه فيه شئ فإن باشره بنفسه
أمسك على أنفه منه ولا يمسك على أنفه من الروائح الكريهة.
ولا بأس للمحرم باستعمال الحناء للتداوي به ويكره ذلك للزينة، ويكره للمرأة
الخضا ب إذا قاربت حال الإحرام، ولا يجوز للإنسان الصيد ولا الإشارة إليه ولا أكل ما
صاده غيره، ولا يجوز له أن يذبح شيئا من الصيد فإن ذبحه كان ميتا ولم يجز لأحد
أكله، ولا يجوز للرجل ولا للمرأة أن يكتحلا بالسواد إلا عند الحاجة الداعية إلى ذلك
ولا بأس بأن يكتحلا بكحل ليس بأسود إلا إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز له ذلك على
حال.
ولا يجوز للمحرم النظر في المرآة ولا استعمال الأدهان التي فيها طيب قبل أن يحرم
إذا كان مما تبقى رائحته إلى بعد الإحرام، ولا بأس باستعمال سائر الأدهان التي
ليست طيبة في تلك الحال وبعد الإحرام ما لم يلب فإذا لبى حرم عليه استعمال الأدهان
كلها إلا عند الضرورة فإنه لا بأس باستعمال ما ليس بطيب منه مثل الشيرج والسمن فأما
أكلها فلا بأس به على جميع الأحوال، والأدهان الطيبة إذا زالت عنها الرائحة جاز استعمالها.
179

ولا يجوز للمحرم أن يحتجم إلا إذا خاف ضررا على نفسه، ولا يجوز له إزالة شئ من
الشعر في حال الإحرام فإن اضطر إلى ذلك بأن يريد مثلا أن يحتجم ولا يتأتى له ذلك
إلا بعد إزالة شئ من الشعر فليزله وليس عليه شئ.
ولا يجوز للمحرم أن يرتمس في الماء، ولا يجوز له أن يغطى رأسه فأما المرأة فلا بأس بها
أن تغطى رأسها غير أنها تسفر عن وجهها وتطرح ثوبا على رأسها وتسدله إلى أطراف
أنفها ولا تنقب على حال، فإن غطى الرجل رأسه ناسيا ألقى القناع عن رأسه وجدد
التلبية وليس عليه شئ ولا بأس أن يغطى وجهه ويعصب رأسه عند حاجته إليه.
ولا يجوز للمحرم أن يظلل على نفسه إلا إذا خاف الضرر العظيم ويجوز له أن يمشي
تحت الظلال، والمحرم إذا كان مزاملا لعليل جاز له أن يظلل على العليل ولا يظلل على
نفسه وقد رخص في الظلال للنساء على كل حال واجتنابه أفضل.
ولا يحك المحرم جلده حكا يدميه ولا يستاك سواكا يدمي فاه ولا يدلك وجهه ولا
رأسه في الوضوء والغسل لئلا يسقط منهما شئ من الشعر ولا يجوز له قص الأظافير على
حال.
ولا يجوز للمحرم أن يتزوج أو يزوج فإن فعل كان العقد باطلا، ولا يجوز له أيضا أن
يشهد العقد، ولا بأس به أن يشترى الجواري، ويجوز له تطليق النساء، ويكره للمحرم
دخول الحمام فإن دخله فلا يدلك جسده بل يصب عليه الماء صبا، والمحرم إذا مات
غسل كتغسيل المحل ويكفن تكفينه غير أنه لا يقرب شيئا من الكافور، ويكره
للمحرم أن يلبي من دعاه بل يقول: يا سعد. ولا يجوز للمحرم لبس السلاح إلا عند
الضرورة والخوف، ولا بأس أن يؤدب الرجل غلامه وخادمه وهو محرم غير أنه لا يزيد
على عشرة أسواط.
باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله عمدا أو خطأ:
إذا صاد المحرم نعامة فقتلها كان عليه جزور، فإن لم يقدر على ذلك قوم الجزاء وفض
ثمنه على الحنطة وتصدق به على كل مسكين نصف صاع فإن زاد ذلك على إطعام ستين
180

مسكينا لم يلزمه شئ أكثر منه وإن كان أقل منه فقد أجزأه، فإن لم يقدر على إطعام
ستين مسكينا صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر
يوما.
فإن صاد بقرة وحش أو حمار وحش فقتله كان عليه دم بقرة، فإن لم يقدر عليه قومها
وفض ثمنها على الطعام وأطعم كل مسكين نصف صاع فإن زاد ذلك على إطعام ثلاثين
مسكينا لم يكن عليه أكثر من ذلك، فإن لم يقدر على ذلك أيضا صام عن كل نصف
صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام.
ومن أصاب ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا كان عليه دم شاة، فإن لم يقدر على ذلك قوم
الجزاء وفض ثمنه على البر وأطعم كل مسكين منه نصف صاع فإن زاد ذلك على إطعام
عشرة مساكين فليس عليه غير ذلك وإن نقص عنه لم يلزمه أيضا أكثر منه، فإن لم يقدر
عليه صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام.
ومن أصاب قطاة وما أشبهها كان عليه حمل قد فطم ورعى من الشجر، ومن أصاب
يربوعا أو قنفذا أو ضبا وما أشبهه كان عليه جدي، ومن أصاب عصفورا أو صعوة أو
قنبرة وما أشبهها كان عليه مد من طعام، ومن قتل زنبورا خطأ لم يكن عليه شئ فإن
قتله عمدا كان عليه كف من طعام.
ومن أصاب حمامة وهو محرم في الحل كان عليه دم، فإن أصابها وهو محل في الحرم
كان عليه درهم، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم والقيمة.
وإن قتل فرخا وهو محرم في الحل كان عليه حمل، فإن قتله في الحرم وهو محل كان
عليه نصف درهم، وإن قتله وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء والقيمة.
وإن أصاب بيض الحمام وهو محرم في الحل كان عليه درهم، فإن أصابه وهو محل في
الحرم كان عليه ربع درهم، وإن أصابه وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء والقيمة معا.
ولا يختلف الحكم في هذا سواء كان الحمام أهليا أو من حمام الحرم إلا أن حمام الحرم
يشترى بقيمته علف لحمام الحرم والطير الأهلي يتصدق بثمنه على المساكين. وكل من كان معه شئ من الصيد وأدخله الحرم وجب عليه تخليته فإن كان معه طير
181

وكان مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ثم يخليه ولا يجوز صيد حمام الحرم وإن
كان في الحل، ومن نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة يتصدق بها باليد التي
نتف بها، ولا يجوز أن يخرج شئ من حمام الحرم من الحرم فمن أخرج شيئا منه كان
عليه رده فإن مات كان عليه قيمته، ويكره شرى القماري وما أشبهها وإخراجها من
مكة، ومن أدخل طيرا الحرم كان عليه تخليته وليس له أن يخرجه منه فإن أخرجه كان
عليه دم شاة.
ومن أغلق بابا على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فهلكت فإن كان أغلق عليها
قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهما ولكل فرخ نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم،
وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طير شاة ولكل فرخ حملا ولكل بيضة
درهما، ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إذا رجعت فإن لم ترجع فعليه لكل طير شاة،
ومن دل على صيد فقتل كان عليه فداؤه.
وإذا اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه وجب على كل واحد منهم الفداء ومتى
اشتروا لحم صيد وأكلوه كان أيضا على كل واحد منهم الفداء، وإذا رمى اثنان صيدا
فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر كان على كل واحد منهما الفداء، وإذا قتل اثنان صيدا
أحدهما محل والآخر محرم في الحرم كان على المحرم الفداء والقيمة وعلى المحل القيمة.
ومن ذبح صيدا في الحرم وهو محل كان عليه دم لا غير، وإذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها
طائر ولم يكن قصدهم ذلك كان عليهم كلهم فداء واحد وإن كان قصدهم ذلك كان
على كل واحد منهم الفداء.
وفي فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء وقد روي: أن فيه من صغار الإبل،
والأحوط ما قدمناه. وإذا أصاب المحرم بيض نعامة فعليه أن يعتبر حال البيض فإن كان
قد تحرك فيه الفرخ كان عليه عن كل بيضة بكارة من الإبل وإن لم يكن تحرك فعليه أن
يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما خرج كان هديا لبيت الله تعالى، فإن لم
يقدر على ذلك كان عليه عن كل بيضة شاة، فإن لم يقدر على ذلك كان عليه إطعام
عشرة مساكين، فإن لم يقدر على ذلك كان عليه صيام ثلاثة أيام، وإذا اشترى محل
182

لمحرم بيض نعام فأكله المحرم كان على المحل لكل بيضة درهم وعلى المحرم لكل بيضة
شاة.
وكل ما يصيبه المحرم من الصيد في الحل كان عليه الفداء لا غير وإن أصابه في الحرم
كان عليه الفداء والقيمة معا، ومن ضرب بطير على الأرض وهو محرم في الحرم فقتله
كان عليه دم وقيمتان قيمة لحرمة الحرم وقيمة لاستصغاره إياه وكان عليه التعزير، ومن
شرب لبن ظبية في الحرم كان عليه دم وقيمة اللبن معا، وما لا يجب فيه دم مثل العصفور
وما أشبهه إذا أصابه المحرم في الحرم كان عليه قيمتان، وما يجب فيه التضعيف هو ما لم
يبلغ بدنه فإذا بلغ ذلك لم يجب عليه غير ذلك، وكل ما تكرر من المحرم الصيد كان عليه
الكفارة إذا كان ذلك منه نسيانا فإن فعله متعمدا مرة كان عليه الكفارة وإن فعله
مرتين فهو ممن ينتقم الله منه وليس عليه الجزاء.
ومن وجب عليه جزاء صيد أصابه وهو محرم فإن كان حاجا نحر ما وجب عليه بمنى
وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة، فإن أراد أن ينحر أو يذبح بمنى فلينحره أي
مكان شاء وكذلك بمكة ينحر هدية بها حيث شاء غير أن الأفضل أن ينحر قبالة الكعبة
في الموضع المعروف بالحزورة، وما يجب على المحرم بالعمرة في غير كفارة الصيد جاز له
أن ينحره بمنى.
ومن قتل صيدا وهو محرم في غير الحرم كان عليه فداء واحد فإن أكله كان عليه فداء
آخر، والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه.
وإذا كسر المحرم قرني الغزال كان عليه نصف قيمته فإن كسر أحدهما كان عليه
ربع القيمة، فإن فقأ عينيه كان عليه القيمة فإن فقأ واحدة منهما كان عليه نصف
القيمة، فإن كسر إحدى يديه كان عليه نصف قيمته فإن كسرهما جميعا كان عليه
قيمته، فإن كسر إحدى رجليه كان عليه نصف قيمته فإن كسرهما جميعا كان عليه
قيمته، فإن قتله لم يكن عليه أكثر من قيمة واحدة.
وإذا أصاب المحرم بيض القطاة أو القبج فعليه أن يعتبر حال البيض فإن كان قد
تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم فإن لم يكن تحرك فيها شئ
183

كان عليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله
تعالى، فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء.
وقد بينا ما يلزم من كسر بيض الحمام وينبغي أن يعتبر حاله، فإن كان قد تحرك
فيه الفرخ لزمته عن كل بيضة شاة، وإن لم يكن قد تحرك لم يكن عليه إلا القيمة
حسب ما قدمناه.
ومن رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه ومشى مستويا لم يكن عليه شئ وليستغفر الله
تعالى، فإن لم يعلم هل أثر فيه أولا ومضى على وجهه كان عليه الفداء، فإن أثر فيه
بأن دماه أو كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك قد صلح كان عليه ربع الفداء.
ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد والصيد يؤم الحرم وإن كان محلا فإن رماه أو أصابه
ودخل الحرم ثم مات كان لحمه حراما وعليه الفداء، ومن ربط صيدا بجنب الحرم
فدخل الحرم صار لحمه وثمنه حراما ولا يجوز له اخراجه منه، ومن أصاب صيدا وهو محل
فيما بينه وبين الحرم على بريد كان عليه الفداء فإن أصاب شيئا منه بأن فقأ عينه أو
كسر قرنه فيما بين البريد إلى الحرم كان عليه صدقة، والمحل إذا كان في الحرم فرمى
صيدا في الحل كان عليه الفداء.
ومن كان معه صيد فلا يحرم حتى يخليه ولا يدخله معه الحرم، فإن أدخله وجب
عليه أن يخليه حسب ما قدمناه، فإن لم يفعل ومات كان عليه الفداء، فإن لم يكن
الصيد معه حاضرا بل يكون في منزله لم يكن عليه شئ.
ومن أصاب جرادة فعليه أن يتصدق بتمرة فإن أصاب جرادا كثيرا أو أكله كان
عليه دم شاة، ومن قتل الجراد على وجه لا يمكنه التحرز منه بأن يكون في طريقه ويكون
كثيرا لم يكن عليه شئ.
وكل صيد يكون في البحر فلا بأس بأكله طريه ومالحه، وكل صيد يكون في البر
والبحر معا فإن كان مما يبيض ويفرخ في البحر فلا بأس بأكله وإن كان مما يبيض
ويفرخ في البر لم يجز صيده ولا أكله.
وإذا أمر السيد غلامه بالإحرام فأصاب صيدا كان على السيد الفداء وكذلك إذا أمر
184

المحرم غلامه بالصيد كان عليه الفداء وإن كان الغلام محلا، ومن قتل زنبورا أو زنابير
خطأ لم يكن عليه شئ فإن قتله عمدا فليتصدق بشئ، وجميع ما قدمناه من الصيد
يجب فيه الفداء ناسيا كان من أصابه أو متعمدا كان عالما أو جاهلا.
ولا بأس أن يقتل الانسان جميع ما يخافه في الحرم وإن كان محرما مثل السباع والهوام
والحيات والعقارب ويرمي الغراب رميا ولا يجوز له قتله، ومن قتل أسدا لم يرده كان
عليه كبش، ولا يجوز للمحرم أن يقتل البق والبرغوث وما أشبههما في الحرم فإن كان
محلا لم يكن به بأس، وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم كان أيضا ذلك
للمحرم جائزا مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج الحبشي، وكل ما يدخله المحرم الحرم
أسيرا من السباع أو اشتراه فيه فلا بأس باخراجه مثل السباع والفهود أو ما أشبههما.
وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ولا يأكل الميتة فإن لم
يتمكن من الفداء جاز له أن يأكل الميتة، وإذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم أو ذبحه
محل في الحرم لم يجز أكله وكان حكمه حكم الميتة سواء.
وإذا جامع المحرم امرأته متعمدا قبل الوقوف بالمزدلفة:
فإن كان جماعه في الفرج كان عليه بدنة والحج من قابل سواء كانت حجته حجة
الاسلام أو كانت تطوعا وتكون حجته الأولى له والثانية تكون عقوبة، فإن كان قد
استكره امرأته على الجماع كان عليه كفارة أخرى وإن طاوعته كان على كل واحد
منهما بدنة والحج من قابل، وينبغي أن يفترقا إذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما
أحدثا إلى أن يقضيا المناسك، وحد الافتراق ألا يخلوا بأنفسهما إلا ومعهما ثالث.
وإن كان جماعه فيما دون الفرج كان عليه بدنة ولم يكن عليه الحج من قابل.
وإن كان جماعه في الفرج بعد الوقوف بالمشعر الحرام كان عليه بدنة وليس عليه الحج
من قابل، وإن كان مجامعته ناسيا لم يكن عليه شئ.
وإذا جامع الرجل أمته وهي محرمة بأمره وكان الرجل محلا كان عليه بدنة وإن
كان إحرامها من غير إذنه لم يكن عليه شئ، فإن لم يقدر على بدنة كان عليه دم شاة أو
صيام ثلاثة أيام.
185

ومتى جامع الرجل قبل طواف الزيارة كان عليه جزور فإن لم يتمكن كان عليه
بقرة فإن لم يتمكن كان عليه شاة، ومتى طاف الانسان من طواف الزيارة شيئا ثم
واقع أهله قبل أن يتمه كان عليه بدنة وإعادة الطواف وإن كان سعى من سعيه شيئا
ثم جامع كان عليه الكفارة ويبني على ما سعى وإن كان قد انصرف من السعي ظنا
منه أنه تممه ثم جامع يلزمه الكفارة وكان عليه تمام السعي.
ومتى جامع الرجل بعد قضاء مناسكه قبل طواف النساء كان عليه بدنة، فإن كان
قد طاف من طواف النساء شيئا فإن كان أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم
تلزمه الكفارة وإن كان قد طاف أقل من النصف كان عليه الكفارة وإعادة الطواف.
ومن جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة قبل أن يفرع من مناسكها فقد بطلت عمرته
وكان عليه بدنة والمقام بمكة إلى الشهر الداخل إلى أن يقضي عمرته ثم ينصرف إن شاء.
ومن عبث بذكره حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في اعتبار ذلك
قبل الوقوف بالمشعر في أنه يلزمه الحج من قابل، وإن كان بعد ذلك لم يكن عليه غير
الكفارة شئ.
ومن نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة، وإذا
نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى لم عليه شئ إلا أن يكون نظر إليها بشهوة فأمنى فإنه
تلزمه الكفارة وهي بدنة فإن مسها بشهوة كان عليه دم يهريقه أنزل أو لم ينزل وإن
مسها من غير شهوة لم يكن عليه شئ أمنى أو لم يمن.
ومن قبل امرأته من غير شهوة كان عليه دم شاة فإن قبلها بشهوة كان عليه جزور،
ومن لاعب امرأته فأمنى من غير جماع كان عليه الكفارة، ومن تسمع لكلام امرأة أو
استمع على من يجامع من غير رؤية لهما فأمنى لم يكن عليه شئ، ولا بأس أن يقبل
الرجل أمه وهو محرم.
ومن تزوج امرأة وهو محرم فرق بينهما ولم تحل له أبدا إذا كان عالما بتحريم ذلك
عليه فإن لم يكن عالما به جاز له أن يعقد عليها بعد الإحلال، والمحرم إذا عقد لمحرم
على زوجة ودخل بها الزوج كان على العاقد بدنة، ولا يجوز للمحرم أن يعقد لغيره على
186

امرأة فإن فعل ذلك كان النكاح باطلا.
ومن قلم ظفرا من أظفاره كان عليه مد من طعام وكذلك الحكم فيما زاد عليه، وإذا
قلم أظفار يديه جميعا كان عليه دم شاة، فإن قلم أظفار يديه ورجليه جميعا وكان في
مجلس واحد كان عليه دم وإن كان ذلك منه في مجلسين كان عليه دمان، ومتى كان
تقليمه للأظفار نسيانا لم يكن عليه شئ، ومن أفتى غيره بتقليم ظفره فقلمه المستفتي فأدمى إصبعه كان عليه دم شاة.
ومن حلق رأسه لأذى كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة
مساكين لكل مسكين مد من طعام أي ذلك فعل فقد أجزأه، وقد روي: أن الإطعام
يكون على عشرة مساكين، وهو الأحوط. ومن ظلل على نفسه كان عليه دم يهريقه.
ومن جادل محرما صادقا مرة أو مرتين فليس عليه شئ وليستغفر الله، فإن جادل
ثلاث مرات فصاعدا صادقا كان عليه دم شاة، وإن جادل ذلك كاذبا مرة كان عليه
دم شاة، فإن جادل مرتين كاذبا كان عليه دم بقرة، فإن جادل ثلاث مرات كاذبا
كان عليه بدنة.
ومن نحى عن جسمه قملة فرمى بها أو قتلها كان عليه كف من طعام، ولا بأس أن
يحولها من موضع من جسده إلى موضع آخر، ولا بأس أن ينزع الرجل القراد عن بدنه وعن
بعيره.
وإذا مس المحرم لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ من شعره كان عليه أن يطعم كفا
من طعام أو كفين فإن سقط شئ من شعر رأسه أو لحيته بمسه لهما في حال الوضوء لم
يكن عليه شئ، والمحرم إذا نتف إبطه كان عليه أن يطعم ثلاث مساكين فإن نتف
إبطيه جميعا كان عليه دم شاة، ومن لبس ثوبا لا يحل لبسه له وهو محرم أو أكل طعاما لا
يحل له أكله كان عليه دم شاة.
والشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل لم يجز قلعها وكذلك إذا كان
أصلها في الحل وفرعها في الحرم لا يجوز قلعها على حال، وكل شئ ينبت في الحرم من
الأشجار والحشيش فلا يجوز قلعه على حال إلا النخل وشجر الفواكه والإذخر، ولا بأس
187

أن تقلع ما أنبته أنت في الحرم من الأشجار، ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الانسان
بعد بنائه لها إذا كانت ملكه فإن كان نابتا قبل بنائه لها لم يجز له قلعه، ولا بأس أن
يخلى الانسان إبله لترعى ولا يجوز له أن يقلع الحشيش ويعلفه إبله.
ومن قلع شجرة من الحرم كان عليه كفارة بذبح بقرة وحد الحرم الذي لا يجوز قلع
الشجرة منه بريد في بريد، ومن رمى طيرا على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل
كان عليه الفداء وإن كان الطير في الحل.
وإذا لبس المحرم قميصا كان عليه دم شاة، فإن لبس ثيابا جماعة في موضع واحد
كان عليه أيضا دم واحد، فإن لبسها في مواضع متفرقة كان عليه لكل ثوب منها فداء.
ومن قلع ضرسه كان عليه دم يهريقه، وإذا استعمل المحرم دهنا طيبا كان عليه دم
وإن استعمله في حال الاضطرار.
باب دخول مكة والطواف بالبيت:
يستحب للمحرم إذا أراد دخول الحرم أن يكون على غسل إن تمكن من ذلك فإن لم
يتمكن جاز له أن يؤخر الغسل إلى بعد الدخول ثم يغتسل إما من بئر ميمون أو فخ فإن لم
يتمكن اغتسل في منزله، ويستحب لمن أراد دخول الحرم أن يمضغ شيئا من الإذخر
ليطيب به فمه.
وإذا أراد دخول مكة فليدخلها من أعلاها وإذا أراد الخروج منها خرج من أسفلها،
ويستحب له أن لا يدخل مكة إلا على غسل ويستحب له أن يخلع نعليه ويمشي حافيا
على السكينة والوقار، فإن اغتسل لدخول مكة ثم نام قبل دخولها أعاد الغسل، فإذا أراد
دخول المسجد الحرام فليغتسل أيضا وليكن دخوله من باب بني شيبة ويدخله حافيا على
سكينة ووقار فإذا انتهى إلى الباب فليقل:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخر الدعاء الذي ذكرناه في
كتاب تهذيب الأحكام.
فإذا أراد الطواف بالبيت فليفتتحه من الحجر الأسود، فإذا دنا منه رفع يديه وحمد الله
188

وأثنى عليه وصلى على النبي ص وسأله أن يتقبل منه ويستلم الحجر
الأسود ويقبله فإن لم يستطع استلمه بيده فإن لم يقدر على ذلك أيضا أشار إليه بيده
وقال:
أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك
إلى آخر الدعاء.
ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط ويقول في طوافه:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على
جدد الأرض إلى آخر الدعاء.
وكلما انتهيت إلى باب الكعبة صليت على النبي ص ودعوت، فإذا
انتهيت إلى مؤخر الكعبة وهو المستجار دون الركن اليماني في الشوط السابع بسطت
يديك على الأرض وألصقت خدك وبطنك بالبيت وقلت:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك إلى آخر الدعاء. فإن لم بقدر على ذلك لم يكن
عليه شئ، فإن جاز الموضع ثم ذكر أنه لم يلتزم لم يكن عليه الرجوع.
وينبغي أن يختم الطواف بالحجر الأسود كما بدأ به ويستحب له أن يستلم
الأركان كلها وأشدها تأكيدا الركن الذي فيه الحجر الأسود ثم الركن اليماني فإنه لا
يترك استلامها مع الاختيار، ومن كان مقطوع اليد استلم الحجر بموضع القطع فإن كان
مقطوعا من المرفق استلمه بشماله، وينبغي أن يكون الطواف بالبيت فيما بين المقام
والبيت ولا يجوزه فإن جاز المقام أو تباعد عنه لم يكن طوافه شيئا، وينبغي أن يكون
الطواف بالبيت على سكون لا سرع فيه ولا إبطاء.
ومن طاف بالبيت ستة أشواط ناسيا وانصرف فليضف إليه شوطا آخر ولا شئ
عليه، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه، فإن ذكر أنه طاف أقل من
سبعة وذكر في حال السعي رجع فتمم إن كان طوافه أربعة أشواط فصاعدا وإن كان
أقل منه استأنف الطواف ثم عاد إلى السعي فتممه.
ومن شك في طوافه فلم يدر أ ستة طاف أم سبعة وهو في حال الطواف فإن كان
189

طوافه طواف فريضة أعاد من أوله وإن كان نافلة بنى على الأقل وتمم أسبوعا، وإن
كان شكه بعد الانصراف لم يلتفت إليه ومضى على طوافه والحكم فيما نقص من الستة
أشواط إذا شك فيه حكمه على السواء في أنه يعيد الطواف إذا كان طواف فريضة وإن
كان طواف نافلة بنى على الأقل حسب ما قدمناه. أو من طاف ثمانية أشواط متعمدا كان عليه إعادة الطواف، فإن طافه ناسيا أضاف
إليها ستة أشواط أخر وصلى معها أربع ركعات يصلى ركعتين منها عند الفراع من
الطواف لطواف الفريضة ويمضى إلى الصفا فيسعى فإذا فرع من سعيه عاد فصلى ركعتين
أخراوين، ومن ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنه طاف سبعا قطع
الطواف وإن لم يذكر حتى يجوزه تمم أربعة عشر شوطا حسب ما قدمناه.
ومن شك فلم يعلم سبعة طاف أم ثمانية قطع الطواف وصلى ركعتين وليس عليه
شئ، ومن شك فلم يعلم ستة طاف أم سبعة أم ثمانية أعاد الطواف حتى يستيقن أنه
طاف سبعا.
ولا يجوز أن يقرن بين طوافين في فريضة ولا بأس بذلك في النوافل وإن كان الأفضل
أن يفصل بين كل طوافين بصلاة فإن كان في حال تقية فلا بأس أن يقرن في الطواف ما
شاء، ومن زاد على أسبوع في طواف النافلة فالأفضل أن لا ينصرف إلا على المفرد ولا
ينصرف على الشفع مثلا أن ينصرف على أسبوعين بل يتمم ثلاثة أسابيع.
ومن طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فإن كان طوافه طواف فريضة توضأ أو
اغتسل وأعاد الطواف وإن كان نافلة اغتسل أو توضأ وصلى وليس عليه إعادة الطواف،
ومن أحدث في طواف الفريضة بما ينقض الوضوء وقد طاف بعضه فإن كان قد جاز
النصف فليتوضأ ويتمم ما بقي وإن كان حدثه قبل أن يبلغ النصف فعليه إعادة
الطواف من أوله.
ومن طاف طواف الفريضة وصلى ثم تبين أنه كان على غير وضوء توضأ وأعاد
لطواف والصلاة وإن كان طوافه طواف النافلة توضأ وأعاد الصلاة، ومن قطع طوافه
بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره فإن كان قد جاز النصف بنى عليه وإن
190

لم يكن جاز النصف وكان طواف الفريضة أعاد الطواف وإن كان طواف نافلة بنى
عليه على كل حال.
ومن كان في الطواف فدخل عليه وقت الصلاة فليقطعه وليصل ثم يتمم الطواف
من حيث انتهى إليه وكذلك من كان في حال الطواف وتضيق عليه الوتر وقارب طلوع
الفجر أو طلع عليه الفجر أوتر وصلى الفجر ثم بنى على طوافه.
والمريض الذي يستمسك الطهارة فإنه يطاف به ولا يطاف عنه وإن كان مرضه
مما لا يمكنه معه استمساك الطهارة ينتظر به فإن صلح طاف هو بنفسه وإن لم يصلح
طيف عنه ويصلى هو الركعتين وقد أجزأه، ومن طاف بالبيت أربعة أشواط ثم اعتل
ينتظر به يوم أو يومان فإن صلح تمم طوافه وإن لم يصلح أمر من يطوف عنه ما بقي عليه
ويصلى هو الركعتين وإن كان طوافه أقل من ذلك وبرأ أعاد الطواف من أوله وإن لم
يبرأ أمر من يطوف عنه أسبوعا.
ومن حمل غيره فطاف به ونوى لنفسه أيضا الطواف كان ذلك مجزئا عنه، ولا يجوز
للرجل أن يطوف بالبيت وهو غير مختون ولا بأس بذلك للنساء، ولا يجوز للرجل أن يطوف
وفي ثوبه شئ من النجاسة فإن لم يعلم به ورأى في حال الطواف النجاسة رجع فغسل
ثوبه ثم عاد فتمم طوافه فإن علم بعد فراغه من الطواف كان طوافه جائزا ويصلى في
ثوب طاهر، ويكره الكلام في حال الطواف إلا بذكر الله تعالى وقراءة القرآن.
ومن نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع أهله يجب عليه بدنة والرجوع إلى
مكة وقضاء طواف الزيارة، وإن كان طواف النساء وذكر بعد رجوعه إلى أهله جاز له أن
يستنيب غيره فيه ليطوف عنه فإن أدركه الموت قضى عنه وليه.
ومن طاف بالبيت جاز له أن يؤخر السعي إلى بعد ساعة ولا يجوز أن يؤخر ذلك إلى
غد يومه، ولا يجوز تقديم السعي على الطواف فإن قدم سعيه على الطواف كان عليه أن
يطوف ثم يسعى بين الصفا والمروة، فإن طاف بالبيت أشواطا ثم قطعه ناسيا وسعى بين
الصفا والمروة كان عليه أن يتمم طوافه وليس عليه استئنافه، فإن ذكر أنه لم يكن أتم
طوافه وقد سعى بعض السعي قطع السعي وعاد فتمم طوافه ثم تمم السعي.
191

والمتمتع إذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى إلا بعد أن يأتي منى ويقف
بالموقفين إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يقدر على الرجوع إلى مكة أو مريضا أو امرأة تخاف
الحيض فيحول بينها وبين الطواف فإنه لا بأس بهم أن يقدموا طواف الحج والسعي.
وأما المفرد والقارن فإنه لا بأس بهما أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات.
وأما طواف النساء فإنه لا يجوز إلا بعد الرجوع من منى مع الاختيار فإن كان هناك
ضرورة تمنعه من الرجوع إلى مكة أو امرأة تخاف الحيض جاز لهما تقديم طواف النساء ثم
يأتيان الموقفين ومنى ويقضيان المناسك ويذهبان حيث شاءا، ولا يجوز تقديم طواف
النساء على السعي فمن قدمه عليه كان عليه إعادة طواف النساء وإن قدمه ناسيا أو
ساهيا لم يكن عليه شئ وقد أجزأه.
ولا بأس أن يعول الرجل على صاحبه في تعداد الطواف وإن تولى ذلك بنفسه كان
أفضل ومتى شكا جميعا في عدد الطواف استأنفا من أوله، ولا يجوز للرجل أن يطوف
وعليه برطلة.
ويستحب للإنسان أن يطوف بالبيت ثلاثمائة وستين أسبوعا فإن لم يتمكن من
ذلك طاف ثلاثمائة وستين شوطا فإن لم يتمكن من ذلك طاف ما تيسر منه، ومن نذر
أن يطوف على أربع كان عليه طوافان أسبوع ليديه وأسبوع لرجليه.
فإذا فرع الانسان من طوافه أتى مقام إبراهيم ويصلى فيه ركعتين يقرأ في الأولى
منهما الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون، وركعتا طواف
الفريضة فريضة مثل الطواف على السواء " وموضع المقام حيث هو الساعة " فمن نسي
هاتين الركعتين أو صلاهما في غير المقام ثم ذكرهما فليعد إلى المقام فليصل فيه ولا يجوز له
أن يصلى في غيره، فإن خرج من مكة وكان قد نسي ركعتي الطواف وأمكنه الرجوع
إليها رجع وصلى عند المقام وإن لم يمكنه الرجوع صلى حيث ذكر وليس عليه شئ،
وإذا كان في موضع المقام زحام فلا بأس أن يصلى خلفه فإن لم يتمكن من الصلاة
هنا ك فلا بأس أن يصلى حياله.
ووقت ركعتي الطواف إذا فرع منه أي وقت كان من ليل أنهار سواء كان ذلك
192

بعد العصر أو بعد الغداة اللهم إلا أن يكون الطواف نافلة فإنه متى كان كذلك وطاف ب
عد الغداة أو بعد العصر أخر الصلاة إلى بعد طلوع الشمس أو بعد الفراع من المغرب،
ومن نسي ركعتي الطواف وأدركه الموت قبل أن يقضيها كان على وليه القضاء عنه.
باب السعي بين الصفا والمروة:
إذا أراد الانسان الخروج إلى الصفا يستحب له أن يستلم الحجر الأسود أولا ثم يأتي
زمزم فيشرب منها ويصب على بدنه دلوا من مائه ويكون ذلك من الدلو الذي بحذاء
الحجر.
فإذا أراد الخروج إلى الصفا فليكن خروجه من الباب المقابل للحجر الأسود حتى
يقطع الوادي، فإذا صعد إلى الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر
فحمد الله وأثنى عليه وذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع به ما قدر، ويستحب له أن
يطيل الوقوف على الصفا فإن لم يمكنه وقف بحسب ما تيسر له وليكبر الله سبعا ويهلله
سبعا ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على
كل شئ قدير.
ثلاث مرات. ثم ليصل على النبي ص وليدع بالدعاء الذي ذكرناه في كتاب
تهذيب الأحكام إن شاء الله ثم لينحدر إلى المروة ماشيا إن تمكن منه فإن لم يتمكن منه
جاز أن يركب، فإذا انتهى إلى أول زقاق عن يمينه بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة سعى،
فإذا انتهى إليه كف عن السعي ومشى مشيا، فإذا جاء من عند المروة بدأ من عند الزقاق
الذي وصفناه، فإذا انتهى إلى الباب قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي كف عن السعي
ومشى مشيا.
والسعي هو أن يسرع الانسان في مشيه إن كان ماشيا وإن كان راكبا حرك دابته في
الموضع الذي ذكرناه وذلك على الرجال دون النساء. والسعي بين الصفا والمروة فريضة
لا يجوز تركه فمن تركه متعمدا فلا حج له ومن تركه ناسيا كان عليه إعادة السعي لا
193

غير، فإن خرج من مكة ثم ذكر أنه لم يكن قد سعى وجب عليه الرجوع والسعي بين
الصفا والمروة فإن لم يتمكن من الرجوع جاز له أن يأمر من يسعى عنه، وإن ترك الرمل
بين الصفا والمروة لم يكن عليه شئ، ويجب البداءة بالصفا قبل المروة والختم بالمروة
فمن بدأ بالمروة قبل الصفا وجب عليه إعادة السعي لا غير.
والسعي المفروض بين الصفا والمروة سبع مرات فمن سعى أكثر منه متعمدا فلا سعي
له ووجب عليه إعادته فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا طرح الزيارة واعتد بالسبعة، ومن
سعى ثماني مرات ويكون قد بدأ بالصفا فإن شاء أن يضيف إليها ستا فعل وإن شاء
أن يقطع قطع وإن سعى ثماني مرات وهو عند المروة، أعاد السعي لأنه بدأ من المروة
وكان يجب عليه البداءة بالصفا، ومن سعى تسع مرات وكان عند المروة في التاسعة
فليس عليه إعادة السعي لأنه بدأ بما بدأ الله به وختم بما ختم به.
ومتى سعى الانسان أقل من سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر أنه نقص منه شيئا
رجع فتمم ما نقص منه فإن لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي، وإن كان
قد واقع أهله قبل إتمامه السعي وجب عليه دم بقرة وكذلك إن قصر أو قلم أظفاره كان
عليه دم بقرة وإتمام ما نقص من السعي، ولا بأس أن يسعى الانسان بين الصفا والمروة
على غير وضوء غير أن الوضوء أفضل.
فإذا دخل وقت صلاة الفريضة والإنسان في حال السعي قطع السعي وصلى في
بعض المساجد هناك ثم عاد فتمم السعي، ولا بأس أن يجلس الانسان بين الصفا والمروة
للاستراحة، ولا بأس أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمم ما
قطع عليه، ومن نسي الرمل في حال السعي حتى يجوز موضعه ثم ذكر فليرجع القهقري
إلى المكان الذي يرمل فيه.
ومتى فرع من السعي قصر فإذا قصر أحل من كل شئ أحرم منه وأدنى التقصير أن
يقص أظفاره ويجز شيئا من شعر رأسه وإن كان يسيرا، ولا يجوز له أن يحلق رأسه كله
فإن فعله كان عليه دم يهريقه، وإذا كان يوم النحر أمر الموسي على رأسه حين يريد أن
يحلق هذا إذا كان حلقه متعمدا فإن كان حلقه ناسيا لم يكن عليه شئ فإن نسي
194

التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم يهريقه.
وينبغي للمتمتع أن لا يلبس الثياب ويتشبه بالمحرمين من بعد إحلاله قبل
الإحرام بالحج ندبا واستحبابا فإن لبسها لم يكن مأثوما.
ومتى جامع الرجل قبل التقصير كان عليه بدنة إن كان موسرا وإن كان متوسطا
فبقرة وإن كان فقيرا فشاة، ومن قبل امرأته قبل التقصير كان عليه دم شاة، ولا بأس
بمواقعة النساء بعد التقصير وشم الطيب وفعل جميع ما كان يحرم عليه في حال الإحرام إلا
الصيد خاصة لأنه في الحرم ويحل له أن يأكل ما صيد وذبح في غير الحرم.
ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج من مكة قبل أن يقضي مناسكه كلها
إلا لضرورة فإن اضطر إلى الخروج خرج إلى حيث لا يفوته الحج ويخرج محرما بالحج فإن
أمكنه الرجوع إلى مكة وإلا مضى إلى عرفات، فإن خرج بغير إحرام ثم عاد فإن كان
عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام فإن دخل في غير
الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج وتكون عمرته الأخيرة هي التي
يتمتع بها إلى الحج، ولا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما أي وقت كان وقد رخص
للمريض والحطابة دخولها من غير إحرام.
باب الإحرام للحج:
إذا أراد الانسان أن يحرم للحج فليكن ذلك عند زوال الشمس بعد أن يصلى
الفرضين ويكون على غسل هذا إذا تمكن منه وكان عليه وقت فإن لم يتمكن جاز له أن
يحرم بقية نهاره أي وقت شاء، ومتى دخل انسان يوم التروية إلى مكة طاف وسعى
وقصر وأحل ثم عقد الإحرام للحج فإن لم يلحق مكة إلا ليلة عرفة جاز له أن يفعل ذلك
أيضا فإن دخلها يوم عرفة جاز له أن يحل أيضا ما بينه وبين زوال الشمس، فإذا زالت
الشمس فقد فاتته العمرة وكانت حجة مفردة هذا إذا علم أنه يلحق عرفات فإن غلب
على ظنه أنه لا يلحقها فلا يجوز له أن يحل بل يقيم على إحرامه ويجعل حجته مفردة.
وإذا أراد الإحرام فليغتسل وليتنظف ويزيل الشعر من جسده ويأخذ من شاربه
195

ويقلم أظفاره ويفعل جميع ما فعله عند الإحرام الأول، ثم ليلبس ثوبي إحرامه وليدخل
المسجد حافيا وعليه السكينة والوقار، وليصل ركعتين عند مقام إبراهيم ع أو في
الحجر وإن صلى ست ركعات كان أفضل وإن صلى فريضة الظهر ثم أحرم في دبرها
كان أفضل وأفضل المواضع التي يحرم منها المسجد الحرام وفي المسجد من عند المقام فمن
أحرم من غير المسجد كان أيضا جائزا.
وإذا صلى ركعتي الإحرام أحرم بالحج مفردا ويدعو بالدعاء كما كان يدعو عند
الإحرام الأول إلا أنه يذكر الحج مفردا لأن عمرته قد مضت فإن كان ماشيا لبى من
موضعه الذي صلى فيه وإن كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم
وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية ثم ليخرج إلى منى ويكون تلبيته إلى زوال
الشمس من يوم عرفة فإذا زالت الشمس قطع التلبية.
ومن سها في حال الإحرام فأحرم بالعمرة عمل على أنه أحرم بالحج وليس عليه شئ
وإذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى فإن سها فطاف
بالبيت لم ينتقض إحرامه غير أنه يعقده بتجديد التلبية، ومن نسي الإحرام بالحج إلى أن
يحصل بعرفات جدد الإحرام بها وليس عليه شئ فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده فإن
كان قد قضى مناسكه كلها لم يكن عليه شئ.
باب نزول منى:
يستحب لمن أراد الخروج إلى منى ألا يخرج من مكة حتى يصلى الظهر يوم التروية
بها، ثم يخرج إلى منى إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى الظهر والعصر يوم التروية
بمنى ويقيم بها إلى طلوع الشمس من يوم عرفة، ثم يغدو إلى عرفات فإذا اضطر الانسان
إلى الخروج بأن يكون عليلا يخاف ألا يلحق أو يكون شيخا كبيرا أو يخاف الزحام جاز
له أن يتعجل قبل أن يصلى الظهر.
فإذا توجه إلى منى فليقل:
اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي.
196

فإذا نزل منى فليقل:
اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن على
بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك. وحد منى من العقبة إلى
وادي محسر.
باب الغدو إلى عرفات:
يستحب للإمام أن لا يخرج من منى إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة ومن عدا
الإمام يجوز له الخروج بعد أن يصلى الفجر بها وموسع له أيضا إلى طلوع الشمس، ولا
يجوز له أن يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس ومن اضطر إلى الخروج قبل طلوع الفجر
جاز له أن يخرج ويصلى في الطريق.
فإذا توجه إلى عرفات فليقل:
اللهم إياك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في
رحلي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني.
ويكون على تلبيته على ما ذكرناه إلى زوال الشمس، فإذا زالت اغتسل وصلى
الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه ولإخوانه
المؤمنين والأدعية في ذلك كثيرة لم نوردها ههنا مخافة التطويل.
ويستحب أن يضرب الانسان خباءه بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة
وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ولا يرتفع إلى الجبل إلا عند الضرورة
إلى ذلك ويكون وقوفه على السهل ولا يترك خللا إن وجده إلا سده بنفسه ورحله، ولا
يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في ذي المجاز فإن هذه المواضع
ليست من عرفات فمن وقف بها فلا حج له، ولا بأس بالنزول فيها غير أنه إذا أراد
الوقوف جاء إلى الموقف فوقف هناك.
باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام ونزول منى:
إذا غربت الشمس من يوم عرفة فليفض الحاج من عرفات إلى المزدلفة ولا يجوز
197

الإفاضة قبل غيبوبة الشمس، فمن أفاض قبل مغيبها متعمدا كان عليه بدنة ينحرها يوم
النحر بمنى فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما إما في الطريق أو إذا رجع إلى أهله، وإن
كانت إفاضته قبل مغيب الشمس على طريق السهو أو يكون جاهلا بأن ذلك لا يجوز لم
يكن عليه شئ.
فإذا أراد أن يفيض فليقل:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني وأقلبني
اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من
وفدك عليك وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان
والمغفرة وبارك لي فيما أرجع إليه من مال أو أهل أو قليل أو كثير وبارك لهم في.
واقتصد في السير وسر سيرا جميلا، فإذا بلغت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق
فقل:
اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.
ولا يصلى المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة وإن ذهب من الليل ربعه أو ثلثه،
فإن عاقه عائق عن المجئ إلى المزدلفة إلى أن يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له
أن يصلى المغرب في الطريق، ولا يجوز ذلك مع الاختيار وينبغي أن يجمع بين الصلاتين
بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين، ولا يصلى بينهما نوافل بل يؤخر نوافل المغرب إلى بعد
العشاء الآخرة وإن فصل بين الفرضين بالنوافل لم يكن مأثوما غير أن الأفضل ما
قدمناه.
وحد المشعر الحرام ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر فلا ينبغي أن يقف
الانسان إلا فيما بين ذلك فإن ضاق عليه الموضع جاز له أن يرتفع إلى الجبل، فإذا أصبح
يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء إن شاء قريبا من الجبل وإن شاء في موضعه الذي
بات فيه، وليحمد الله تعالى وليثن عليه وليذكر من آلائه وحسن بلائه ما قدر عليه
ويصلى على النبي ص.
ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ولا يتركه مع الاختيار، فإذا كان قبيل
198

طلوع الشمس بقليل رجع إلى منى، ولا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.
ولا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر إلا بعد طلوع الشمس وإن أخر غير الإمام
الخروج بعد طلوع الشمس لم يكن به بأس، ولا يجوز الخروج من المشعر الحرام قبل طلوع
الفجر فإن خرج قبل طلوعه متعمدا كان عليه دم شاة وإن كان خروجه ناسيا أو ساهيا
لم يكن عليه شئ، ومرخص للمرأة والرجل الذي يخاف على نفسه أن يفيضا إلى منى
قبل طلوع الفجر.
فإذا بلغ وادي محسر وهو واد عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب فليسع فيه حتى
يجاوزه ويقول:
اللهم سلم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني في من تركت بعدي.
فإن ترك السعي في وادي محسر فليرجع وليسع فيه إن تمكن منه وإن لم يتمكن فليس
عليه شئ.
وينبغي أن يأخذ حصى الجمار من جمع وإن أخذه من منى أو من بعض الطريق كان
أيضا جائزا، ويجوز أخذ حصى الجمار من سائر الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف
ومن حصى الجمار، ولا يجوز أخذ الحصى من غير الحرم، ولا يجوز أن يرمي الجمار إلا
بالحصى، ويكره أن تكون صما، ويستحب أن يكون برشا ويكون قدرها مثل الأنملة
منقطة كحلية، ويكره أن يكسر من الحصى شئ بل يلتقط بعدد ما يحتاج إليه.
ويستحب أن لا يرمي الانسان الجمار إلا على طهر فإن رماها على غير طهر لم يكن
عليه إعادة، فإذا أراد رمى الجمار فليرمها خذفا يضع كل حصاة منها على بطن إبهامه
ويدفعها بظفر السبابة ويرميها من بطن الوادي، وينبغي أن يرمي يوم النحر الجمرة
القصوى بسبع حصيات يرميها من قبل وجهها، ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة
قدر عشرة أذرع إلى خمس عشر ذراعا ويقول حين يريد أن يرمي الحصى:
اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
ويقول مع كل حصاة:
199

اللهم ادحر عني الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
ص، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا.
باب الذبح:
الهدى واجب على المتمتع بالعمرة إلى الحج ومن ليس بمتمتع فلا يجب عليه ذلك
فإن تطوع به كان له فيه فضل كبير وثواب جزيل وإن لم يفعل فليس عليه شئ، ومن
وجب عليه الهدي ولا يقدر عليه فإن كان معه ثمنه خلفه عند من يثق به حتى يشترى له
هديا ويذبح عنه في العام المقبل في ذي الحجة فإن أصابه هو في مدة مقامه بمكة إلى
انقضاء ذي الحجة جاز له أن يشترى ويذبح وإن لم يصبه فعل ما ذكرناه.
ومن لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه وجب عليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج
وسبعة إذا رجع إلى أهله، وصوم ثلاثة أيام يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة
فإن فاته صوم هذه الثلاثة أيام فليصم يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومان بعده متواليات
فإن فإنه ذلك أيضا صامهن في بقية ذي الحجة، فإن أهل المحرم ولم يكن قد صامهن
وجب عليه دم شاة وليس له صوم.
فإن مات من وجب عليه الهدي ولم يكن معه ثمنه ولا يكون قد صام أيضا صام عنه
وليه الثلاثة أيام وليس عليه قضاء السبعة أيام وإذا صام الثلاثة أيام ورجع إلى أهله
كان عليه بقية الصيام من السبعة أيام، فإن جاوز بمكة انتظر مدة وصول أهل بلده إلى
البلد أو شهرا ثم صام بعد ذلك السبعة أيام، ولا يجوز أن يصوم الثلاثة أيام بمكة في أيام
التشريق.
ومن فاته صيام يوم قبل يوم التروية صام يوم التروية ويوم عرفة ثم صام يوما آخر
بعد انقضاء أيام التشريق، فإن فاته صوم يوم التروية فلا يصومن يوم عرفة بل يصوم
الثلاثة أيام بعد انقضاء أيام التشريق متتابعات وقد رخص في تقديم صوم الثلاثة أيام
من أول العشر.
200

ومن ظن أنه إن صام يوم التروية ويوم عرفة أضعفه عن القيام بالمناسك جاز له أن
يؤخر صوم هذه الأيام إلى بعد انقضاء أيام التشريق، ومن صام هذه الثلاثة أيام بعد
أيام التشريق فلا يصمهن إلا متتابعات وكذلك إن قدم صومهن على ما ذكرناه من
الرخصة.
ومن لم يصم هذه الثلاثة أيام وخرج عقيب أيام التشريق فليصمها في الطريق فإن
لم يتمكن من ذلك صام مع السبعة أيام إذا رجع إلى أهله ولا بأس بتفريق صوم السبعة
أيام، ومن لم يصم الثلاثة أيام بمكة ولم يصمها أيضا في الطريق حتى رجع إلى أهله
وكان متمكنا من الهدي فليبعث به إلى مكة فإنه أفضل من الصيام، ومن صام ثلاثة أيام
ثم أيسر أو وجد ثمن الهدي فالأفضل أن يشترى الهدي وإن صام ما بقي عليه كان أيضا
جائزا.
فإن كان المتمتع مملوكا وكان قد حج بإذن مولاه كان مولاه مخيرا بين أن يذبح عنه
أو يأمره بالصيام أي ذلك فعل فقد أجزأه، فإن لحق العبد عتق قبل انقضاء الوقوف
بالموقفين وجب عليه الهدي ولم يجزئه الصيام إلا إذا لم يجد ذلك، وإذا لم يصم العبد إلى
أن يمضى أيام التشريق فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ولا يأمره بالصيام وإن أمره لم يكن
به بأس وإنما يكون مخيرا قبل انقضاء هذه الأيام.
ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج إلا بمنى وما ليس بواجب جاز ذبحه أو
نحره بمكة، ومن ساق هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى وإن ساقه في العمرة فلينحره
بمكة قبالة البيت بالحزورة.
وأيام النحر بمنى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وفي غيره من البلدان ثلاثة
أيام: يوم النحر ويومان بعده. هذا لمن أراد أن يتطوع بالأضحية فأما هدي المتعة فإنه يجوز
ذبحه طول ذي الحجة على ما بيناه.
وأفضل ما يكون الهدي البدن فإن لم يجد فمن البقر فإن لم يجد ففحلا من الضأن
فإن لم يجد فتيسا من المعز فإن لم يجد إلا شاة كان ذلك جائزا عند الضرورة، ولا يجوز
201

الهدي إذا كان خصيا ولا التضحية به أيضا فإن كان موجوءا لم يكن به بأس وهو
أفضل من الشاة والشاة أفضل من الخصي، وأفضل الهدي والأضاحي من البدن والبقر
ذوات الأرحام ومن الغنم الفحولة، ولا يجوز من الإبل إلا الثني فما فوقه، ولا يجوز
التضحية بثور ولا جمل بمنى ولا بأس بهما في البلاد والإناث أفضل.
ويستحب أن تكون الأضحية من الغنم فحلا سمينا أقرن ينظر في سواد ويمشي في
سواد، فإن اشترى أضحيته على أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، فإن اشتراها
على أنها مهزولة فخرجت سمينة كانت أيضا جائزة، وإن اشتراها على أنها مهزولة
فكانت كذلك لم تجزء عنه.
وإذا لم يجد الهدي والأضحية بالصفة التي ذكرناها فليشتر ما تيسر له وقد بينا أنه لا
يجوز من البدن إلا الثني وهو الذي قد تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ولا يجوز من
البقر والمعز إلا الثني وهو الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية، ويجزئ من الضأن
الجذع لسنته، ولا يجوز التضحية بمنى إلا بما قد أحضر عرفات فإن اشتراه على أنه قد عرف
به فقد أجزأه ولا يلزمه هو أن يعرف به.
ولا يجوز الهدي الواجب البقرة والبدنة مع التمكن والاختيار إلا عن واحد وقد يجوز
ذلك عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين وكلما أقل المشتركون فيه كان
أفضل، وإذا كان الهدي تطوعا جاز أن يشتركوا فيه جماعة إذا كانوا أهل خوان واحد مع
الاختيار ويجوز أن يشتركوا فيه عند الضرورة وإن لم يكونوا من أهل خوان واحد، ولا
بأس أن يضحي بالجاموس فإن كان ذكرا ضحى به عن واحد وإن كانت أنثى جازت
عن سبعة.
وقد بينا أنه لا يجوز في الهدي الخصي فمن ذبح خصيا وكان قادرا على أن يقيم بدله
لم يجزئه ذلك ووجبت عليه الإعادة فإن لم يتمكن من ذلك فقد أجزأ عنه، وقد بينا أنه
ينبغي أن يكون الهدي سمينا ولا يجزئ إذا كان مهزولا وحد الهزال الذي لا يجزئ في
الهدي أن لا يكون على كليتيه شئ من الشحم، ومن اشترى هديه ثم أراد أن يشترى
أسمن منه اشتراه وباع الأول إن شاء وإن ذبحهما كان أفضل.
202

ولا يجوز في الهدي والأضحية العرجاء البين عرجها ولا العوراء البين عورها ولا
العجفاء ولا الخرماء ولا الجذاء وهي المقطوعة الأذن ولا العضباء وهي المكسورة القرن
فإن كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس به وإن كان ما ظهر منه مقطوعا فلا بأس به
وإن كانت أذنه مشقوقة أو مثقوبة إذا لم يكن قطع منها شئ، ومن اشترى هديا على أنه
تام، فوجده ناقصا لم يجزئ عنه إذا كان واجبا فإن كان تطوعا لم يكن به بأس.
وجميع ما يلزم الحاج المتمتع وغير المتمتع من الهدي والكفارات في الإحرام لا يجوز
ذبحه ولا نحره إلا بمنى وكل ما يلزمه في إحرام العمرة فلا ينحره إلا بمكة، ومن اشترى
هديه فهلك فإن كان واجبا أو مضمونا وجب عليه أن يقيم بدله وإن كان تطوعا فليس
عليه شئ.
والهدي إذا كان واجبا لا يجوز أن يأكل الانسان منه وهو كل ما يلزمه في النذور
والكفارات، وإن كان تطوعا فلا بأس أن يأكل منه.
وإذا هلك الهدي قبل أن يبلغ المنحر فلينحره أو يذبحه وليغمر النعل في الدم
ويضرب به صفحة سنامه ليعلم بذلك أنه هدي، وإذا أصاب الهدي كسر فلا بأس
ببيعه ولكن يتصدق بثمنه ويقيم آخر بدله وإن ساقه على ما به إلى المنحر فقد أجزأه،
وإذا سرق الهدي من موضع حصين فقد أجزأ عن صاحبه وإن أقام بدله كان أفضل.
ومن وجد هديا ضالا فليعرفه يوم النحر والثاني والثالث فإن وجد صاحبه وإلا ذبح
عنه وقد أجزأ عن صاحبه إذا ذبح بمنى فإن ذبح بغيرها لم يجزئه، وإذا عطب الهدي في
موضع لا يوجد فيه من يتصدق به عليه فلينحر ويكتب كتاب ويوضع عليه ليعلم من يمر
به أنه صدقة.
وإذا ضاع من الانسان هديه واشترى بدله ثم وجد الأول كان بالخيار إن شاء ذبح
الأول وإن شاء الأخير إلا أنه متى ذبح الأول جاز له بيع الأخير ومتى ذبح الأخير لزمه
أن يذبح الأول ولا يجوز له بيعه وهذا إذا كان قد أشعره، فإن لم يكن قد أشعره ولا قلده
جاز له بيع الأول بعد ذبح الثاني.
ومن اشترى هديا وذبحه فاستعرفه رجل وذكر أنه هديه ضل منه وأقام بذلك
203

شاهدين فإن له لحمه ولا يجزئ عن واحد منهما، وإذا نتج الهدي كان حكم ولده
حكمه في وجوب نحره، ولا بأس بركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به ولا بولده.
وإذا أراد الانسان أن ينحر بدنته فلينحرها وهي قائمة من قبل اليمين ويربط يديها
ما بين الخف إلى الركبة ويطن في لبتها، ويستحب أن يتولى الذبح بنفسه فإن لم يحسنه
جعل يده مع يد الذابح ويسمي الله تعالى ويقول:
وجهت وجهي إلى قوله وأنا من المسلمين. ثم يقول: اللهم منك ولك بسم الله
والله أكبر اللهم تقبل مني. ثم يمر السكين ولا ينخعه حتى يموت.
ومن أخطأ في الذبيحة فذكر غير صاحبها كانت مجزئة عنه بالنية، وينبغي أن يبدأ
أيضا بالذبح قبل الحلق وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح فإن قدم الحلق على الذبح ناسيا
لم يكن عليه شئ.
ومن السنة أن يأكل الانسان من هديه لمتعته ومن الأضحية ويطعم القانع والمعتر
يأكل ثلثه ويطعم القانع والمعتر ثلثه ويهدي لأصدقائه الثلث الباقي وقد بينا أنه لا يجوز
أن يأكل من الهدي المضمون إلا إذا كان مضطرا فإن أكل منه من غير ضرورة كان عليه
قيمته، ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها، ولا يجوز أن يخرج من
منى من لحم ما يضحيه ولا بأس باخراج السنام منه، ولا بأس أيضا باخراج لحم قد
ضحاه غيره، ويستحب أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي بل يتصدق بها
كلها ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزار وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك
تصدق بثمنه.
ولا يجوز أن يحلق الرجل رأسه ولا أن يزور البيت إلا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي
محله وهو أن يحصل في رحله فإذا حصل في رحله بمنى وأراد أن يحلق جاز له ذلك ومتى
فعل ذلك ناسيا لم يكن عليه شئ، ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجدها
كان عليه سبع شياة فإن لم يجد صام ثمانية عشر يوما إما بمكة أو إذا رجع إلى أهله.
والصبي إذا حج به متمتعا وجب على وليه أن يذبح عنه، ومن لم يتمكن من شراء
هدي إلا ببيع بعض ثيابه التي يتجمل بها لم يلزمه ذلك وكان الصوم مجزئا عنه،
204

ويجزئ الهدي عن الأضحية وإن جمع بينهما كان أفضل، ومن لم يجد الأضحية جاز له
أن يتصدق بثمنها فإن اختلفت أثمانها نظر إلى الثمن الأول والثاني والثالث وجمعها ثم
يتصدق بثلثها وليس عليه شئ.
ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة فإن سمى الموضع الذي ينحرها فيه وجب عليه
الوفاء به وإن لم يسم الموضع لم يجز له أن ينحرها إلا بفناء الكعبة، ويكره الانسان أن
يضحي بكبش قد تولى تربيته ويستحب أن يكون ذلك مما يشتريه.
باب الحلق والتقصير:
يستحب أن يحلق الانسان رأسه بعد الذبح وإن كان صرورة لا يجزئه غير الحلق وإن
كان ممن حج حجة الاسلام جاز له التقصير والحلق أفضل اللهم إلا أن يكون قد لبد
شعره فإن كان كذلك لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.
ومن ترك الحلق عامدا أو التقصير إلى أن يزور البيت كان عليه دم شاة وإن فعله
ناسيا لم يكن عليه شئ وكان عليه إعادة الطواف، ومن رحل من منى قبل الحلق
فليرجع إليها ولا يحلق رأسه إلا بها مع الاختيار فإن لم يتمكن من الرجوع إليها فليحلق
رأسه في مكانه ويرد شعره إلى منى ويدفنه هناك فإن لم يتمكن من رد الشعر لم يكن
عليه شئ، والمرأة ليس عليها حلق ويكفيها من التقصير مقدار أنملة.
وإذا أراد أن يحلق فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا
حلق:
اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة.
ومن لم يكن على رأسه شعر فليمر الموسي عليه وقد أجزأه، وإذا حلق رأسه فقد حل
له كل شئ أحرم منه إلا النساء والتطيب إن كان متمتعا فإن كان حاجا غير متمتع
حل له كل شئ إلا النساء، فإذا طاف طواف الزيارة حل له كل شئ إلا النساء، فإذا
طاف طواف النساء حلت له أيضا النساء.
ويستحب ألا يلبس الثياب إلا بعد الفراع من طواف الزيارة وليس ذلك بمحظور
205

وكذلك يستحب ألا يمس الطيب إلا بعد الفراع من طواف النساء وإن لم يكن ذلك
محظورا على ما قدمناه.
باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمى الجمار:
فإذا فرع من مناسكه بمنى فليتوجه إلى مكة وليزر البيت يوم النحر ولا يؤخر إلا لعذر
فإن أخره لعذر زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك هذا إذا كان متمتعا، فإن كان
مفردا أو قارنا جاز له أن يؤخر إلى أي وقت شاء غير أنه لا تحل له النساء وتعجيل
الطواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.
ويستحب لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطواف بالبيت
ويقلم أظفاره ويأخذ من شاربه ثم يزور، ولا بأس أن يغتسل الانسان بمنى ثم يجئ إلى
مكة فيطوف بذلك الغسل بالبيت، ولا بأس أن يغتسل بالنهار ويطوف بالليل ما لم
ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم فإن نقضه بحدث أو نوم فليعد الغسل استحبابا حتى
يطوف وهو على غسل، ويستحب للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطواف.
وإذا أراد أن يدخل المسجد فليقف على بابه ويقول: اللهم أعني على نسكك إلى
آخر الدعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدم ذكره، ثم يدخل المسجد ويأتي الحجر
الأسود فيستلمه ويقبله فإن لم يستطع استلمه بيده وقبل يده فإن لم يتمكن من ذلك
أيضا استقبله وكبر وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكة، ثم يطوف بالبيت
أسبوعا كما قدمنا وصفه ويصلى عند المقام ركعتين، ثم ليرجع إلى الحجر الأسود فيقبله
إن استطاع ويستقبله ويكبر، ثم ليخرج إلى الصفا فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكة،
ثم يأتي المروة ويطوف بينهما سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
فإذا فعل ذلك فقد حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء، ثم ليرجع إلى البيت
فيطوف به طواف النساء أسبوعا يصلى عند المقام ركعتين وقد حل له النساء.
واعلم أن طواف النساء فريضة في الحج وفي العمرة المبتولة وليس بواجب في العمرة
التي يتمتع بها إلى الحج، فإن مات من وجب عليه طواف النساء كان على وليه القضاء
206

عنه، وإن تركه وهو حي كان عليه قضاؤه فإن لم يتمكن من الرجوع إلى مكة جاز له أن
يأمر من ينوب عنه فإذا طاف النائب عنه حلت له النساء، وطواف النساء فريضة على
النساء والرجال والشيوخ والخصيان لا يجوز لهم تركه على حال.
فإذا فرع الانسان من الطواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بها فإن
بات في غيرها كان عليه دم شاة، فإن بات بمكة ليالي التشريق ويكون مشتغلا بالطواف
والعبادة لم يكن عليه شئ وإن لم يكن مشتغلا بهما كان عليه ما ذكرناه، وإن خرج
من منى بعد نصف الليل جاز له أن يبيت بغيرها غير أنه لا يدخل مكة إلا بعد طلوع
الفجر وإن تمكن ألا يخرج منها إلا بعد طلوع الفجر كان أفضل.
ومن بات الثلاث ليال بغير منى متعمدا كان عليه ثلاثة من الغنم والأفضل أن لا
يبرح الانسان أيام التشريق من منى، فإن أراد أن يأتي من مكة للطواف بالبيت تطوعا
جاز له ذلك غير أن الأفضل ما قدمناه.
وإذا رجع الانسان إلى منى لرمي الجمار كان عليه أن يرمي ثلاثة أيام: الثاني من
النحر والثالث والرابع. كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ويكون ذلك عند الزوال فإنه
الأفضل، فإن رماها ما بين طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن به بأس.
فإذا أراد أن يرمي فليبدأ بالجمرة الأولى فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع
حصيات يرميهن خذفا ويكبر مع كل حصاة ويدعو بالدعاء الذي قدمناه، ثم يقوم عن
يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلى على النبي وآله
ص ثم ليتقدم قليلا ويدعو ويسأله أن يتقبل منه ثم يتقدم أيضا ويرمي الجمرة
الثانية ويصنع عندها كما صنع عند الأولى ويقف ويدعو، ثم يمضى إلى الثالثة
فيرميها كما رمى الأولين ولا يقف عندها.
وإذا غابت الشمس ولم يكن قد رمى بعد فلا يجوز له أن يرمي إلا في الغد فإذا كان
من الغد رمى ليومه مرة ومرة قضاء لما فاته ويفصل بينهما بساعة، وينبغي أن يكون
الذي يرمي لأمسه بكرة والذي ليومه عند الزوال، فإن فاته رمى يومين رماها كلها يوم
النفر وليس عليه شئ، وقد بينا أنه لا يجوز الرمي بالليل وقد رخص للعليل والخائف
207

والرعاة والعبيد الرمي بالليل.
ومن نسي رمى الجمار إلى أن أتى مكة عاد إلى منى ورماها وليس عليه شئ وحكم
المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرجل سواء، فإن لم يذكر إلى أن يخرج من مكة لم يكن
عليه شئ إلا أنه إن حج في العام المقبل أعاد ما كان قد فاته من رمى الجمار، وإن لم
يحج أمر وليه أن يرمي عنه فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك
عنه.
والترتيب واجب في الرمي يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة
فمن خالف شيئا منها أو رماها منكوسة كان عليه الإعادة، ومن بدأ بجمرة العقبة ثم
الوسطى ثم الأولى أعاد على الوسطى ثم جمرة العقبة وقد أجزأه، فإن نسي فرمى الجمرة
الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخريين على التمام كان عليه أن يعيد عليها
كلها وإن كان قد رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات ثم رمى الجمرتين على التمام
كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى
أقل من أربعة أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن رماها بأربعة تممها وليس عليه شئ من
الإعادة على الثالثة.
ومن رمى جمرة بست حصيات وضاعت عنه واحدة أعاد عليها بحصاة وإن كان من
الغد ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها، ومن علم أنه قد نقص حصاة
واحدة ولم يعلم من أي الجمار هي أعاد على كل واحدة منها بحصاة فإن رمى بحصاة
فوقعت في محمله أعاد مكانها حصاة أخرى فإن أصابت إنسانا أو دابة ثم وقعت على
الجمرة فقد أجزأه، ولا بأس أن يرمي الانسان راكبا وإن رمى ماشيا كان أفضل، ولا بأس
أن يرمي عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصبي.
وينبغي أن يكبر الانسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة يبدأ بالتكبير يوم النحر من
بعد الظهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق، وفي الأمصار عقيب عشر
صلوات يبدأ عقيب الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني من أيام
التشريق ويقول في التكبير:
208

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا
والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت:
لا بأس أن ينفر الانسان من منى اليوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثالث من
يوم النحر، فإن أقام إلى النفر الأخير وهو اليوم الثالث من أيام التشريق والرابع من يوم
النحر كان أفضل، فإن كان ممن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم يجز له أن ينفر في
النفر الأول ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير.
وإذا أراد أن ينفر في النفر الأول فلا ينفر إلا بعد الزوال إلا أن تدعوه ضرورة إليه
من خوف وغيره فإنه لا بأس أن ينفر قبل الزوال وله أن ينفر بعد الزوال ما بينه وبين
غروب الشمس فإذا غابت الشمس لم يجز له النفر وليبت بمنى إلى الغد، وإذا نفر في
النفر الأخير جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشمس أي وقت شاء فإن لم ينفر وأراد المقام
بمنى جاز له ذلك إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى الظهر بمكة.
ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها جاز له أن لا يدخل مكة، وإن كان
قد بقي عليه شئ من المناسك فلا بد له من الرجوع إليها وهو الأفضل على كل حال
لتوديع البيت وطواف الوداع.
ويستحب أن يصلى الانسان بمسجد منى وهو مسجد الخيف وكان رسول الله ص
مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين
ذراعا وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك فإن استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل،
ويستحب أن يصلى الانسان ست ركعات في مسجد منى فإذا بلغ مسجد الحصباء وهو
مسجد رسول الله ص فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.
فإذا جاء إلى مكة فليدخل الكعبة إن تمكن من ذلك سنة واستحبابا والصرورة لا
يترك دخولها على حال مع الاختيار فإن لم يتمكن من ذلك لم يكن عليه شئ، فإذا أراد
دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنة مؤكدة فإذا دخلها فلا يمتخط فيها ولا يبصق ولا
209

يجوز دخولها بحذاء ويقول إذا دخلها:
اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فأمنى من عذابك عذاب النار.
ثم يصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى منهما حم
السجدة وفي الثانية عدد آياتها ثم ليصل في زوايا البيت كلها ثم يقول: اللهم من تهيأ
وتعبأ إلى آخر الدعاء.
فإذا صلى عند الرخامة على ما قدمناه وفي زوايا البيت قام فاستقبل الحائط بين
الركن اليماني والغربي ويرفع يديه ويلتصق به ويدعو ثم يتحول إلى الركن اليماني
فيفعل به مثل ذلك ثم يأتي الركن الغربي ويفعل به أيضا مثل ذلك ثم ليخرج، ولا
يجوز أن يصلى الانسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار فإن اضطر إلى ذلك لم يكن
عليه بأس بالصلاة فيها فأما النوافل فالصلاة فيها مندوب إليه.
فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة صلى عن يمينه ركعتين، فإذا أراد الخروج من
مكة جاء إلى البيت فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنة مؤكدة فإن استطاع أن يستلم
الحجر والركن اليماني في كل شوط فعل وإن لم يتمكن افتتح به وختم به وقد أجزأه
فإن لم يتمكن من ذلك أيضا لم يكن عليه شئ، ثم يأتي المستجار فيصنع عنده كما
صنع يوم قدم مكة ويتخير لنفسه من الدعاء ما أراد ثم يستلم الحجر الأسود ثم يودع
البيت ويقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك.
ثم ليأت زمزم فيشرب منه ثم ليخرج ويقول:
آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلى ربنا راغبون إلى ربنا راجعون.
فإذا خرج من باب المسجد فليكن خروجه من باب الحناطين فيخر ساجدا ويقوم
مستقبل الكعبة فيقول:
اللهم إني أنقلب على لا إله إلا الله.
ومن لم يتمكن من طواف الوداع أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج لم يكن عليه
شئ، فإذا أراد الخروج من مكة فليشتر بدرهم تمرا وليتصدق به ليكون كفارة لما دخل
210

عليه في الإحرام إن شاء الله.
باب فرائض الحج:
فرائض الحج: الإحرام من الميقات والتلبيات الأربع والطواف بالبيت إن كان
متمتعا ثلاثة أطواف: طواف للعمرة وطواف للزيارة وطواف للنساء. وإن كان قارنا أو
مفراد طوافان: طواف للحج وطواف للنساء. ويلزمه مع كل طواف ركعتان عند المقام
وهما أيضا فرضان والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بالموقفين عرفات والمشعر الحرام
وإن كان متمتعا كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.
فمن ترك الإحرام متعمدا فلا حج له وإن تركه ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه
أن يرجع إليه ويحرم منه إذا تمكن منه، فإن لم يتمكن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى
مجراهما من أسباب الضرورات أحرم من موضعه وقد أجزأه، فإن كان قد دخل مكة
وأمكنه الخروج إلى خارج الحرم فليخرج وليحرم منه فإن لم يستطع ذلك أحرم من
موضعه.
ومن ترك التلبية متعمدا فلا حج له وإن تركها ناسيا ثم ذكر فليجدد التلبية وليس
عليه شئ.
ومن ترك طواف الزيارة متعمدا فلا حج له وإن تركه ناسيا أعاد الطواف أي وقت
ذكره، ومن ترك طواف النساء متعمدا لم يبطل حجه إلا أنه لا تحل له النساء حتى
يطوف أو يطاف عنه حسب ما قدمناه وركعتا الطواف متى تركهما ناسيا كان عليه
قضاؤهما حسب ما قدمناه.
ومن ترك السعي متعمدا فلا حج له فإن تركه ناسيا كان عليه قضاؤه حسب ما
قدمناه، ومن ترك الوقوف بعرفات متعمدا أو بالمشعر الحرام فلا حج له فإن ترك الوقوف
بعرفات ناسيا كان عليه أن يعود فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر فإن
لم يذكر إلا بعد طلوع الفجر وكان قد وقف بالمشعر فقد تم حجه وليس عليه شئ.
وإذا ورد الحاج ليلا وعلم أنه إذا مضى إلى عرفات وقف بها وإن كان قليلا ثم عاد
211

إلى المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وجب عليه المضي إليها والوقوف بها ثم يجئ إلى
المشعر الحرام، فإن غلب على ظنه أنه إن مضى إلى عرفات لم يلحق المشعر قبل طلوع
الشمس اقتصر على الوقوف بالمشعر وقد تم حجه وليس عليه شئ.
ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج وإن أدركه بعد طلوع
الشمس فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفات ثم قصد المشعر فعاقه في الطريق عائق فلم
يلحق إلى قرب الزوال فقد تم حجه ويقف قليلا بالمشعر ويمضى إلى منى، ومن لم يكن
قد وقف بعرفات وأدرك المشعر بعد طلوع الشمس فقد فاته الحج لأنه لم يلحق أحد
الموقفين في وقته.
ومن فاته الحج فليقم على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق ثم يجئ إلى مكة فيطوف
بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويجعل حجته عمرة، وإن كان قد ساق معه هديا
فلينحره بمكة وكان عليه الحج من قابل إن كانت حجته حجة الاسلام وإن كانت حجة
التطوع كان بالخيار إن شاء حج وإن شاء لم يحج، ومن حضر المناسك كلها ورتبها في
مواضعها إلا أنه كان سكرانا فلا حج له وكان عليه الحج من قابل.
باب مناسك النساء في الحج والعمرة:
قد بينا فيما تقدم من أن الحج واجب على النساء كوجوبه على الرجال فمتى كانت
المرأة لها زوج فلا تخرج إلا معه، فإن منعها زوجها من الخروج في حجة الاسلام جاز لها
خلافه ولتخرج وتحج حجة الاسلام، وإن أرادت أن تحج تطوعا فمنعها زوجها فليس لها
مخالفته.
وينبغي أن لا تخرج إلا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عم أو خال فإن لم يكن لها
أحد ممن ذكرناه جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.
وإذا كانت المرأة في عدة الطلاق جاز لها أن تخرج في حجة الاسلام سواء كان
للزوج عليها رجعة أو لم تكن وليس لها أن تخرج إذا كانت حجتها تطوعا إلا أن تكون
العدة لزوجها عليها فيها رجعة، فأما عدة المتوفى عنها زوجها فلا بأس بها أن تخرج فيها
212

إلى الحج فرضا كان أو نفلا.
وإذا خرجت المرأة وبلغت ميقات أهلها فعليها أن تحرم منه ولا تؤخره، فإن كانت
حائضا توضأت وضوء الصلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت إلا أنها لا تصلي ركعتي
الإحرام، فإن تركت الإحرام ظنا منها أنه لا يجوز لها ذلك وجازت الميقات كان عليها
أن ترجع إلى الميقات فتحرم منه إذا أمكنها ذلك فإن لم يمكنها أحرمت من موضعها إذا
لم تكن قد دخلت مكة، فإن كانت قد دخلت مكة فلتخرج إلى خارج الحرم وتحرم من
هناك فإن لم يمكنها ذلك أحرمت من موضعها وليس عليها شئ.
فإذا دخلت المرأة مكة وكانت متمتعة طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة
وقصرت وقد أحلت من كل ما أحرمت منه مثل الرجل سواء.
فإن حاضت قبل الطواف انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج إلى عرفات،
فإن طهرت طافت وسعت وإن لم تطهر فقد مضت متعتها وتكون حجة مفردة تقضي
المناسك كلها ثم تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة، فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثم
حاضت كان حكمها حكم من لم يطف وإذا طافت أربعة أشواط ثم حاضت قطعت
الطواف وسعت بين الصفا والمروة وقصرت ثم أحرمت بالحج وقد تمت متعتها.
فإذا فرغت من المناسك وطهرت تممت الطواف، وإن كانت قد طافت الطواف
كله ولم تكن قد صلت الركعتين عند المقام فلتخرج من المسجد ولتسع وتعمل ما قدمناه
من الإحرام بالحج وقضاء المناسك ثم تقضي الركعتين إذا طهرت، وإذا طافت بالبيت
بين الصفا والمروة وقصرت ثم أحرمت بالحج وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد فلا
تتمكن من طواف الزيارة وطواف النساء فجائز لها أن تقدم الطوافين معا والسعي بين
الصفا والمروة ثم تخرج فتقضي المناسك كلها ثم ترجع إلى منزلها.
فإن كانت قد طافت طواف الزيارة وبقي عليها طواف النساء فلا تخرج من مكة
إلا بعد أن تقضيه، وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج جاز لها أن
تخرج وإن لم تتم الطواف.
والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت وتصلي عند المقام وتشهد المناسك كلها
213

إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، والفرق بينها وبين الحائض أن الحائض لا يحل لها
دخول المسجد فلا تتمكن من الطواف ولا يجوز لها أيضا الصلاة والطواف لا بد فيه من
الصلاة وليس هذا حكم المستحاضة، وإذا أرادت الحائض وداع البيت فلا تدخل
المسجد ولتودع من أدنى باب من أبواب المسجد وتنصرف إن شاء الله.
وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطواف طيف بها وتستلم الأركان والحجر فإن
كان عليها عليه زحمة فتكفيها الإشارة ولا تزاحم الرجال، وإن كان بها علة تمنع من
حملها والطواف بها طاف عنها وليها وليس عليها شئ وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل
عند الإحرام أحرم عنها وليها وجنبها ما يجتنب المحرم وقد تم إحرامها، وليس على
النساء حلق ولا دخول البيت فإن أرادت دخول البيت فلتدخله إذا لم يكن هناك
زحام، ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.
باب من حج عن غيره:
من وجب عليه الحج لا يجوز له أن يحج عن غيره إلا بعد أن يقضي حجته التي وجبت
عليه فإذا قضاها جاز له بعد ذلك أن يحج عن غيره، ومن ليس له مال يجب عليه الحج
جاز له أن يحج عن غيره فإن تمكن بعد ذلك من المال كان عليه أن يحج عن نفسه وقد
أجزأت الحجة التي حجها عمن حج عنه.
وينبغي لمن يحج عن غيره أن يذكره في المواضع كلها فيقول عند الإحرام:
اللهم ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان وأجرني
في نيابتي عنه.
وكذلك يذكره عند التلبية والطواف والسعي وعند الموقفين وعند الذبح وعند قضاء
جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع وكانت نيته الحج عنه كان جائزا.
ومن أمر غيره أن يحج عنه متمتعا فليس له أن يحج عنه مفردا ولا قارنا فإن حج عنه
كذلك لم يجزئه وكان عليه الإعادة، وإن أمره أن يحج عنه مفردا أو قارنا جاز له أن يحج
عنه متمتعا لأنه يعدل إلى ما هو الأفضل.
214

ومن أمر غيره أن يحج عنه على طريق بعينها جاز له أن يعدل عن ذلك الطريق إلى
طريق آخر، وإذا أمره أن يحج عنه بنفسه فليس له أن يأمر غيره بالنيابة عنه فإن جعل
الأمر في ذلك إليه جاز له أن يستنيب غيره فيه، وإذا أخذ حجة عن غيره لا يجوز له أن
يأخذ حجة أخرى حتى يقضي التي أخذها، وإذا حج عن غيره فصد عن بعض الطريق
كان عليه مما أخذه بمقدار ما بقي من الطريق اللهم إلا أن يضمن الحج فيما يستأنف
ويتولاه بنفسه.
فإن مات النائب في الحج وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم فقد سقطت عنه
عهدة الحج وأجزئ عمن حج عنه، وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم كان على
ورثته إن خلف في أيديهم شيئا مقدار ما بقي عليه من نفقة الطريق.
وإذا أخذ حجة فأنفق ما أخذه في الطريق من غير إسراف واحتاج إلى زيادة كان على
صاحب الحجة أن يتممه استحبابا فإن فضل من النفقة شئ كان له وليس لصاحب
الحجة الرجوع عليه بالفضل، ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكة إلا أن يكون
الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطواف بنفسه ولا يمكن حمله والطواف به وإن كان
غائبا جاز أن يطوف عنه.
وإذا حج الانسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن فإن ثواب ذلك
يصل إلى من حج عنه من غير أن ينقص من ثوابه شئ، وإذا حج الانسان عمن يجب
عليه الحج بعد موته تطوعا منه بذلك فإنه يسقط عن الميت بذلك فرض الحج.
ومن كان عنده وديعة فمات صاحبها وله ورثة ولم يكن قد حجت حجة الاسلام
جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحج عنه ويرد الباقي على ورثته إذا غلب على ظنه أن ورثته
لا يقضون عنه حجة الاسلام، فإن غلب على ظنه أنهم يتولون القضاء عنه فلا يجوز له أن
يأخذ منها شيئا إلا بأمرهم.
ولا بأس أن تحج المرأة عن الرجل إذا كانت قد حج حجة الاسلام وكانت عارفة
وإذا لم تكن حجت حجة الاسلام وكانت صرورة لم يجز لها أن تحج عن غيرها على
حال، ولا يجوز لأحد أن يحج عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد اللهم إلا أن يكون
215

أباه فإنه يجوز له أن يحج عنه.
باب العمرة المفردة:
العمرة فريضة مثل الحج لا يجوز تركها، ومن تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرضها
وإن لم يتمتع كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحج إن أراد بعد انقضاء أيام التشريق
وإن شاء أخرها إلى استقبال المحرم، ومن دخل مكة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحج لم
يجز له أن يتمتع بها إلى الحج فإن أراد التمتع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحج، وإن
دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها ويخرج إلى بلده أو أي موضع
شاء والأفضل له أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة، وإذا دخلها بنية التمتع لم يجز له أن
يجعلها مفردة وأن يخرج من مكة لأنه صار مرتبطا بالحج وأفضل العمرة ما كانت في
رجب، وهي تلى الحج في الفضل.
ويستحب أن يعتمر الانسان في كل شهر إذا تمكن من ذلك وقد روي: أنه يجوز أن
يعتمر في كل عشرة أيام. فمن عمل على ذلك لم يكن به بأس.
وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنه محرم بالعمرة المفردة وإذا دخل الحرم
قطع التلبية حسب ما قدمناه، فإذا دخل مكة طاف بالبيت طوافا واحدا للزيارة ويسعى
بين الصفا والمروة ثم يقصر إن شاء وإن شاء حلق والحلق أفضل ويجب عليه بعد ذلك
لتحلة النساء طواف وقد أحل من كل شئ أحرم منه.
باب المحصور والمصدود:
المحصور هو الذي يلحقه المرض في الطريق فلا يقدر على النفوذ إلى مكة، فإذا كان
كذلك فإن كان قد ساق هديا فليبعث به إلى مكة ويجتنب هو جميع ما يجتنبه المحرم إلى
أن يبلغ الهدي محله ومحله منى يوم النحر إن كان حاجا وإن كان معتمرا فمحله مكة
بفناء الكعبة.
216

فإذا بلغ الهدي محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شئ إلا النساء ويجب عليه الحج
من قابل إذا كان صرورة، وإن لم يكن صرورة كان عليه الحج من قابل استحبابا ولم
تحل له النساء إلى أن يحج في القابل إن كان ممن يجب عليه ذلك أو يأمر من يطوف عنه
طواف النساء إن كان متطوعا.
فإن وجد من نفسه خفة بعد أن بعث هديه فليلحق بأصحابه فإن أدرك مكة قبل أن
ينحر هديه قضى مناسكه كلها وقد أجزأه وليس عليه الحج من قابل، وإن وجدهم قد
ذبحوا الهدي فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل وإنما كان الأمر على ذلك لأن
الذبح إنما يكون يوم النحر فإذا وجدهم قد ذبحوا الهدي فقد فاته الموقفان وإن لحقهم قبل
الذبح يجوز أن يلحق أحد الموقفين فمتى لم يلحق واحدا منهما فقد فاته أيضا الحج.
ومن لم يكن قد ساق الهدي فليبعث بثمنه مع أصحابه ويواعدهم وقتا بعينه بأن
يشتروه ويذبحوا عنه ثم يحل بعد ذلك، فإن ردوا عليهم الدراهم ولم يكونوا وجدوا الهدي
وكان قد أحل لم يكن عليه شئ ويجب عليه أن يبعث به في العام القابل ويمسك مما
يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه، وإن كان المحصور معتمرا فعل ما ذكرناه وكانت
عليه العمرة فرضا في الشهر الداخل إذا كانت واجبة وإن كانت نفلا كان عليه العمرة
في الشهر الداخل تطوعا.
وأما المصدود فهو الذي يصده العدو من الدخول إلى مكة كما صدوا رسول الله ص
، فإذا كان ذلك ذبح هديه في المكان الذي صد فيه ويحل من كل شئ
أحرم منه من النساء وغيره.
والمحصور إن كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا فليس له أن يحج في المستقبل
متمتعا بل يدخل بمثل ما خرج منه.
ومن أراد أن يبعث بهدي تطوعا فليبعثه ويواعد أصحابه يوما بعينه ثم ليجتنب جميع
ما يجتنبه المحرم من الثياب والنساء والطيب وغيره إلا أنه لا يلبي فإن فعل شيئا مما
217

يحرم عليه كانت عليه الكفارة كما يجب على المحرم سواء فإذا كان اليوم الذي واعدهم
أحل، وإن بعث بالهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه بإشعاره وتقليده فإذا
كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله ثم إنه قد أحل من كل
شئ أحرم منه.
باب آخر من فقه الحج:
إذا وصى الرجل بحجة وكانت حجة الاسلام أخرجت من أصل المال، وإن كانت
نافلة أخرجت من الثلث فإن لم يبلغ الثلث ما يحج به عنه من موضعه حج عنه من
بعض الطريق فإن لم يمكن أن يحج به أصلا صرف في وجوه البر.
ومن نذر أن يحج لله تعالى ثم مات قبل أن يحج ولم يكن أيضا قد حج حجة الاسلام
أخرجت عنه حجة الاسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثه، فإن لم يكن المال إلا
تقدر ما يحج به عنه حجة الاسلام حج به ويستحب لوليه أن يحج عنه ما نذر فيه.
ومن وجبت عليه حجة الاسلام فخرج لأدائها فمات في الطريق فإن كان قد دخل
الحرم فقد أجزأ عنه وإن لم يكن قد دخل الحرم كان على وليه أن يقضي عنه حجة
الاسلام من تركته.
ومن أوصى أن يحج عنه كل سنة من وجه بعينه فلم يسع ذلك المال الحج في كل سنة
جاز أن يجعل مال سنتين لسنة واحدة، ومن أوصى أيحج عنه ولم يذكر كم مرة ولا
بكم من ماله وجب عليه أن يحج عنه ما بقي من ثلثه شئ يمكن أن يحج به.
ومن أحدث حدثا في غير الحرم فلجأ إلى الحرم فليضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يخرج فيقام عليه الحد فإن أحدث في الحرم ما يجب عليه إقامة الحد أقيم عليه فيه، ولا
ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من دور مكة ومنازلها لأن الله تعالى قال: سواء العاكف
فيه والباد. ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة.
218

ومن وجد شيئا في الحرم فلا يجوز له أخذه فإن أخذه فليعرفه سنة فإن جاء صاحبه
وإلا تصدق به وكان ضامنا إذا جاء صاحبه ولم يرض بفعله، وإذا وجد في غير الحرم
فليعرفه سنة ثم هو كسبيل ماله يعمل به ما شاء إلا أنه ضامن له إذا جاء صاحبه، وتكره
الصلاة في ثلاثة مواضع في طريق مكة: البيداء وذات الصلاصل وضجنان.
ويستحب الإتمام في الحرمين مكة والمدينة ما دام مقيما وإن لم ينو المقام عشرة أيام
فإذا لم يفعل وقصر لم يكن عليه شئ وكذلك يستحب الإتمام في مسجد الكوفة والحائر
وقد رويت رواية في الإتمام في حرم أمير المؤمنين ع وحرم الحسين ع
فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام في نفس المشهد بالنجف وخارج الحير إلا أن الأحوط ما
قدمناه، ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات.
ويستحب لمن حج على طريق العراق أن يبدأ أولا بزيارة النبي ع بالمدينة
فإنه لا يأمن أن لا يتمكن من العود إليها فإن بدأ بمكة فلا بد له من العود إليها للزيارة.
وإذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن يجبرهم على ذلك وكذلك إن تركوا
زيارة النبي كان عليه إجبارهم عليها، ولا بأس أن يستدين الرجل ما يحج به إذا كان من
ورائه ما إن مات قضي عنه فإن لم يكن له ذلك كره له الاستدانة للحج، ويستحب
الاجتماع يوم عرفة والدعاء عند مشاهد الأئمة ع وليس ذلك بواجب،
ويستحب للرجل إذا انصرف من الحج أن يعزم على العود إليها ويسأل الله تعالى ذلك.
وأشهر الحج قد بينا أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة، والأيام المعلومات أيام
التشريق، والأيام المعدودات هي عشر ذي الحجة.
ومن جاور بمكة فالطواف له أفضل من الصلاة ما لم يجاوز ثلاث سنين فإن جاوزها
أو كان من أهل مكة كانت الصلاة له أفضل، ولا بأس أن يحج الانسان عن غيره تطوعا
إذا كان ميتا فإنه يلحقه ثواب ذلك إلا أن يكون مملوكا فإنه لا يحج عنه، وتكره
المجاورة بمكة.
ويستحب للإنسان إذا فرع من مناسكه الخروج منها، ومن أخرج شيئا من حصى
219

المسجد الحرام كان عليه رده إليه، ويكره للإنسان أن يخرج من الحرمين بعد طلوع
الشمس قبل أن يصلى الصلاتين فإذا صلاهما خرج إن شاء.
فإذا خرج الانسان من مكة فليتوجه إلى المدينة لزيارة النبي ع فإذا بلغ إلى
المعرس فليدخله وليصل فيه ركعتين استحبابا ليلا كان أو نهارا فإن جازه ونسي فليرجع
وليصل فيه ركعتين وليضطجع فيه قليلا، وإذا انتهى إلى مسجد الغدير فليدخله وليصل
فيه ركعتين، واعلم أن للمدينة حرما مثل حرم مكة وحده ما بين لابتيها وهو من ظل
عائر إلى ظل وعير لا يعضد شجرها ولا بأس أن يؤكل صيدها إلا ما صيد بين الحرتين.
ويستحب ألا يدخل الانسان المدينة إلا بغسل وكذلك إذا أراد دخول مسجد النبي
ص فإذا دخله أتى قبر النبي ص وزاره فإذا فرع من زيارته
أتى المنبر فمسحه استحبابا ويمسح أيضا رمانتيه، ويستحب أن يصلى ما بين القبر والمنبر
ركعتين فإن فيه روضة من رياض الجنة وقد روي: أن فاطمة ع مدفونة
هناك. وقد روي: أنها مدفونة في بيتها. وقد روي: أنها مدفونة بالبقيع. وهذا بعيد،
والروايتان الأوليان أشبه وأقرب إلى الصواب، وينبغي أن يزور فاطمة ع من
عند الروضة.
ويستحب المجاورة في المدينة وإكثار الصلاة في مسجد النبي ص،
ويكره النوم في مسجد النبي عليه وآله السلام، ويستحب لمن له مقام بالمدينة أن يصوم
ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة. ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة
وهي أسطوانة التوبة ويقعد عندها يوم الأربعاء ويأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلى
مقام رسول الله ص ومصلاه ويصلى عندها ويصلى ليلة الجمعة عند مقام
النبي ص، ويستحب أن تكون هذه الثلاثة أيام معتكفا في المسجد ولا
يخرج منه إلا لضرورة.
ويستحب إتيان المشاهد كلها بالمدينة مسجد قباء ومشربة أم إبراهيم ومسجد
220

الأحزاب وهو مسجد الفتح ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء كلهم ويأتي قبر حمزة بأحد
ولا يتركه إلا عند الضرورة إن شاء الله.
221

الجمل والعقود
للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
223

الجمل والعقود
كتاب الحج
فصل في " ذكر " وجوب
الحج وكيفيته وشرائط وجوبه: الحج في اللغة هو القصد وفي الشريعة كذلك إلا أنه يخصص بقصد البيت الحرام
لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بوقت مخصوص، وهو على ضربين: واجب ومندوب.
فالواجب على ضربين: مطلق ومقيد.
فالمطلق هو حجة الاسلام وهي واجبة بشروط ثمانية: البلوغ وكمال العقل والحرية
والصحة ووجود الزاد والراحلة والرجوع إلى كفاية إما من المال أو الصناعة أو الحرفة
وتخلية السرب من الموانع وإمكان المسير. ومتى اختل واحد من هذه الشروط سقط
الوجوب ولم يسقط الاستحباب.
ومن شرط صحة أدائها: الاسلام وكمال العقل. وعند تكامل " هذه " الشروط يجب
في العمر مرة واحدة وما زاد عليها مستحب، ووجوبه على الفور دون التراخي.
وما يجب عند السبب فهو ما يجب بالنذر أو العهد وذلك بحسبهما إن كان واحدا
فواحدا وإن كان أكثر فأكثر، ولا يتداخل الفرضان وإذا اجتمعا لا يجزئ أحدهما عن
الآخر. وقد روي: أنه إذا حج بنية النذر أجزأ عن حجة الاسلام والأول أحوط. ولا
ينعقد النذر به إلا من كامل العقل الحر ولا يراعى " فيه " باقي الشروط.
فصل في ذكر أقسام الحج:
الحج على ثلاثة أضرب: تمتع وقران وإفراد.
225

فالتمتع: " هو " فرض من لم يكن " من " حاضري المسجد الحرام.
والقران والإفراد فرض من كان " من " حاضريه، وحده من كان بينه وبين المسجد
الحرام اثنا عشر ميلا من أربع جوانب البيت.
فصل في ذكر أفعال الحج:
أفعال الحج على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض على ضربين: ركن وغير ركن في الأنواع الثلاثة التي ذكرناها.
فأركان المتمتع عشرة: النية والإحرام من الميقات في وقته وطواف العمرة والسعي
بين الصفا والمروة لها والنية والإحرام بالحج والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر وطواف
الزيارة والسعي للحج.
وما ليس بركن فثمانية أشياء: التلبيات الأربع مع الإمكان أو ما يقوم مقامها مع
العجز وركعتا طواف العمرة والتقصير بعد السعي والتلبية عند الإحرام بالحج أو ما يقوم
مقامها " مع العجز " والهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم مع العجز وركعتا طواف الزيارة
وطواف النساء وركعتا الطواف له.
وأركان القارن والمفرد ستة: النية والإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر
وطواف الزيارة والسعي للحج.
وما ليس بركن فيهما أربعة أشياء: التلبية " بالحج " أو ما يقوم مقامها من تقليد أو
إشعار وركعتا طواف الزيارة وطواف النساء وركعتا الطواف له. ويتميز القارن من
المفرد بسياق الهدي ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف.
وأما المسنون فسنذكر عند ذكر كل ركن ما يتعلق به إن شاء الله.
فصل في كيفية الإحرام وشرائطه:
الإحرام يشتمل على أفعال وتروك، وكل واحد منهما ينقسم إلى مفروض ومسنون،
226

ولا يصح الإحرام بالحج إلا بشرطين: أحدهما أن يقع في أشهر الحج وهي شوال
وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة، ويجوز الإحرام بالعمرة المبتولة في أي شهر شاء. والآخر
أن يقع في الميقات والمواقيت سبعة: لأهل العراق ثلاثة أولها المسلخ وأوسطها غمرة
وآخرها ذات عرق، ولأهل المدينة ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة وعند الضرورة الجحفة،
ولأهل الشام الجحفة وهي المهيعة، ولأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم،
ومن كان منزله دون الميقات إلى مكة فميقاته منزله.
وأفعال الإحرام المفروضة أربعة: النية واستدامة حكمها، ولبس ثوبي الإحرام أو
ثوب واحد عند الضرورة مما يجوز الإحرام فيه، والتلبيات الأربع التي بها ينعقد
الإحرام مع القدرة أو ما يقوم مقامها مع العجز من الإشعار والتقليد، والإيماء للأخرس.
والمسنونات ستة عشر فعلا: توفير شعر الرأس من أول ذي القعدة إذا أراد الحج،
وتنظيف البدن من الشعر عند الإحرام، وقص الأظفار، وأخذ شئ من الشارب دون
الرأس، والغسل، وركعتا الإحرام والأفضل أن يكون عقيب فريضة الظهر أو غيرها من
الفرائض، أو ست ركعات وأقله ركعتان، والدعاء عند الإحرام، وذكر التمتع في اللفظ
إذا كان متمتعا وذكر القران أو الإفراد إذا كان كذلك، وأن يشرط على ربه، والجهر
بالتلبية، والإكثار من التلبية الزائدة على الأربع، وأن لا يقطع التلبية إذا كان متمتعا
إلا إذا رأى بيوت مكة، وإن كان مفردا أو قارنا إلى يوم عرفة عند الزوال، وإن كان
معتمرا إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم، وأن يكون ثيابه من قطن محض.
وأما التروك المفروضة فتسعة وثلاثون " تركا ": أن لا يلبس مخيطا، ولا يتزوج، ولا
يزوج، ولا يشهد على عقد " نكاح "، ولا يجامع، ولا يستمني، ولا يقبل " بشهوة "، ولا
يلامس بشهوة، ولا يصطاد، ولا يأكل لحم صيد، ولا يذبح صيدا، ولا يدل على صيد،
ولا يقتل شيئا من الجراد، ولا يغطى رأسه، ولا يرتمس في الماء، ولا يغطى محمله، والمرأة
تسفر عن وجهها وتغطى رأسها، ولا يقطع شجرا ينبت في الحرم إلا شجر الفواكه
والإذخر، ولا حشيشا إذا لم ينبت فيما هو ملك للإنسان، ولا يكسر بيض صيد، ولا
يذبح فرخ شئ من الطير، ولا يأكل ما فيه طيب، ويجتنب الخمسة الأنواع من الطيب:
227

المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود. ويجتنب الأدهان الطيبة، ولا يتختم للزينة
ويجوز للسنة، ولا يلبس الخفين، ولا ما يستر ظهر القدمين مع الاختيار، ويجتنب الفسوق
وهو الكذب على الله، والجدال وهو قول لا والله وبلى والله، ولا ينحي عن نفسه شيئا من
القمل، ولا يقبض على أنفه من الروائح الكريهة، ولا يدهن إلا عند الضرورة، ولا يقص
شيئا من شعره، ولا من أظفاره، ولا يلبس شيئا من السلاح إلا عند الضرورة.
وأما التروك المكروهة فعلها خمسة عشر نوعا: الإحرام في الثياب المصبوغة
المقدمة، والنوم على مثلها، ولبس الثياب المعلمة، ولبس الحلي التي لم تجر عادة المرأة
بها، ولبس الثياب المصبوغة لها، وشم " جميع " أنواع الطيب سوى ما ذكرناه من
المحرمات، واستعمال الحناء للزينة، والنقاب للمرأة، والاكتحال بالسواد، أو بما فيه
طيب، والنظر في المرآة، واستعمال الأدهان الطيبة قبل الإحرام إذا كانت رائحتها
تبقى إلى بعد الإحرام، والسواك الذي يدمي فاه، وحك الجسد على وجه يدميه، ودخول
الحمام المؤدى إلى الضعف.
وقد بينا في النهاية ما يلزم المحرم بمخالفة هذه الأفعال والتروك من الكفارات
مشروحا لا يحتمل ذكرها ههنا.
فما يلزمه منها في إحرام الحج على اختلاف ضروبه فلا ينحره إلا بمنى وما يلزمه في
إحرام العمرة المبتولة لا ينحره إلا بمكة قبالة البيت بالحزورة، ويلزم المحل في الحرم القيمة
والمحرم في الحل الجزاء والمحرم في الحرم الجزاء والقيمة حسب ما بيناه في الكتاب.
وأما الجماع فإن كان في الفرج قبل الوقوف بالمشعر " فقد " بطل حجه وعليه إتمامه
والحج من قابل وإن كان بعد الوقوف بالمشعر أو كان فيما دون الفرج قبل الوقوف
بالمشعر لم يكن عليه الحج من قابل وكان عليه الكفارة، ومن فعل ذلك في العمرة المفردة
لزمه إتمامها وعليه قضاؤها في الشهر الداخل، وحكم الاستمناء باليد حكم الجماع
سواء. فجميع ما يفعله المحرم ويتركه " من " المفروض والمسنون أربعة وسبعون نوعا. فإن
نسي الإحرام حتى جاوز الميقات رجع فأحرم من الميقات مع الإمكان فإن لم يتمكن
أحرم من موضعه.
228

فصل في أحكام الطواف ومقدماته:
للطواف مقدمات مندوب إليها وهي عشرة أشياء: الغسل عند دخول الحرم،
وتطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره، ودخول مكة من أعلاها، والغسل عند دخول مكة،
والمشي حافيا على سكينة ووقار، والغسل عند دخول المسجد الحرام، والدخول من باب
بني شيبة، والصلاة على النبي والتسليم عليه عند الباب والدعاء بما روي، ويكون
حافيا.
فإذا أراد الطواف فيجب عليه أشياء ويستحب له أشياء، فالواجبات أربعة أشياء:
الابتداء بالحجر الأسود، وأن يطوف سبعة أشواط، وأن يكون على طهر، ويصلى عند
المقام ركعتين.
والمندوبات عشرة: استلام الحجر في كل شوط، والتقبيل له أو الإيماء إليه، والدعاء
عند الاستلام، والدعاء في الطواف، والتزام المستجار، ووضع الخد عليه، والبطن،
والدعاء عنده، واستلام الركن اليماني، واستلام الأركان كلها.
والسهو في الطواف على ثمانية أقسام: ثلاثة منها توجب الإعادة أولها من زاد في
الطواف متعمدا إذا كان فريضة، وإن شك فيما دون السبعة فلا يدري كم طاف أعاد
إذا كان فريضة، وإن شك بين الستة والسبعة والثمانية أعاد. وخمسة منها لا توجب
الإعادة: أولها من نقص طوافه عن سبعة ثم ذكر ما نقص تمم وليس عليه شئ، فإن
رجع إلى بلده أمر من يطوف عنه، ومن شك بين السبعة والثمانية قطع وليس عليه
شئ، ومن شك فيما دون السبعة في النافلة بنى على الأقل، ومن زاد في طواف النافلة
تمم أسبوعين. ولا يجوز القران في طواف الفريضة ويجوز ذلك في النافلة والأفضل
الانصراف على وتر.
فصل في ذكر السعي وأحكامه ومقدماته:
للسعي مقدمات مندوب إليها وهي أربعة أشياء: استلام الحجر إذا أراد الخروج إلى
229

السعي، وإتيان زمزم والشرب منه والصب على البدن، ويكون ذلك من الدلو المقابل
للحجر، ويكون الخروج من الباب المقابل للحجر.
فإذا أراد السعي يجب عليه أفعال ويستحب له أفعال، فالواجبات ثلاثة: أن يسعى
سبع مرات بينهما، وأن يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة. والمسنونات خمسة: الإسراع في موضع
السعي راكبا كان أو ماشيا للرجال والمشي أفضل من الركوب، والدعاء عند الصفا،
والدعاء عند المروة، والدعاء فيما بينهما، وأن يكون على طهر.
والسهو في السعي على ستة أضرب: ثلاثة منها توجب الإعادة: من زاد فيه متعمدا
أعاد، ومن سعى ثماني مرات ناسيا وهو عند المروة أعاد لأنه بدأ بالمروة، ومن لم يدر
كم نقص أعاد السعي. وثلاثة " لا " توجب الإعادة: من زاد ناسيا وقد بدأ بالصفا طرح
الزيادة وإن أراد أن يتم سعيين فعل، ومن سعى تسع مرات وهو عند المروة لم يعد، ومن
نقص شوطا أو ما زاد عليه ثم ذكر تمم ولم يعد.
فإذا فرع من السعي قصر وهو على ستة أضرب: فأدنى التقصير أن يقص من أظفاره
شيئا، أو يقص شيئا من شعره، ولا يحلق رأسه فإن فعله كان عليه دم ويمر الموسي على
رأسه يوم النحر، فإن نسي التقصير حتى يحرم بالحج كان عليه دم، فإذا فعل ذلك فقد
أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد، ويستحب له أن يتشبه بالمحرمين في ترك لبس
المخيط.
فصل في " ذكر " الإحرام بالحج:
الإحرام بالحج ينبغي أن يكون يوم التروية عند الزوال، فإن لم يمكن أحرم في الوقت
الذي يعلم أنه يلحق الوقوف بعرفات.
وكيفية الإحرام وشرائطه وأفعاله مثل ما قدمناه في إحرام العمرة سواء، غير أنه
يذكر إحرامه بالحج فقط ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال، فإن سها فأحرم بالعمرة
أجزأه ذلك بالنية إذا أتى بأفعال الحج، فإن نسي الإحرام حتى يحصل بعرفات أحرم
بها، فإن لم يذكر حتى يقضي المناسك " كلها " لم يكن عليه شئ.
230

فصل في ذكر نزول منى وعرفات والمشعر:
ينبغي للإمام أن يصلى الظهر والعصر يوم التروية بمنى ومن عداه لا يخرج من مكة
إلا بعد أن يصلى الظهر والعصر بها.
وينبغي أن لا يخرج الإمام من منى إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة وغير الإمام
يجوز له الخروج بعد طلوع الفجر، ويجوز للعليل والكبير الخروج قبل ذلك، والدعاء
يستحب في طريق عرفات، وينبغي أن يصلى الظهر والعصر بعرفات يجمع بينهما بأذان
واحد وإقامتين ويقف إلى غروب الشمس للدعاء، وينبغي أن يكون نزوله ببطن عرنة
ولا يقف تحت الأراك.
فإذا غابت الشمس أفا ض منها إلى المشعر فإن أفاض قبل ذلك عامدا لزمه دم بدنة،
ولا يصلى المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمشعر وإن صار إلى ربع الليل يجمع بينهما
ويقف بالمشعر ويدعو، ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر " برجله "، ولا يخرج الإمام من
المشعر إلا بعد طلوع الشمس وغير الإمام يجوز له " الخروج " بعد طلوع الفجر غير أنه لا يجوز
عن وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، ومن خرج قبل طلوع الفجر لزمه دم شاة إلا
النساء والمضطر والخائف والعليل، والسعي في وادي محسر مستحب.
فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها:
المناسك بمنى يوم النحر ثلاثة: أولها رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم الذبح ثم
الحلق.
والرمي يحتاج إلى شروط ثمانية مسنونة كلها لأن الرمي مسنون العدد وهو: سبع
حصيات، " و " يلتقطها، ولا يكسرها، وتكون برشا ولا يجوز غير الحصيات، ويكون
على وضوء، ويرميها حذفا " ويرميها " من قبل وجه الجمرة، ويكون بينه وبينها نحو من
عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، ويدعو إذا رمى.
وأما الذبح فعلى ثلاثة أقسام: هدي المتمتع، والأضحية، وما يلزم من الكفارات
والنذور.
231

فهدي المتمتع فرض مع القدرة ومع العجز فالصوم بدل منه، والهدي له شروط
وأحكام يتعلق بها وهي أربعة وعشرون حكما:
إن كان من البدن " أن " يكون إناثا ويكون ثنيا فما فوقه وكذلك إن كان من
البقر، وإن كان من الغنم ففحلا من الضأن فإن لم يجد فتيسا من المعزى، ولا يكون
ناقص الخلقة، ولا يجزئ مع الاختيار واحد إلا عن واحد وعند الضرورة عن خمسة وعن
سبعة وعن سبعين، ويكون مما قد عرف به، ولا يذبح إلا بمنى، ويقسمه ثلاثة
أقسام: قسم يأكله وقسم يهديه وقسم يتصدق به، ويجوز اخراج اللحم من منى، ويجوز
أيضا ادخاره، ويدعو عند الذبح ويكون يده مع يد الذابح ويذكر صاحبه على الذبح
فإن لم يذكره أجزأت النية " عنه " وإذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند من
يثق به حتى يذبحه عنه في " طول " ذي الحجة، فإذا عجز عن ثمنه صام بدله ثلاثة أيام
في الحج يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، فإن فاته صام ثلاثة أيام بعد انقضاء
أيام التشريق.
وأما الأضحية فمسنونة غير واجبة وشروط استحبابها شروط استحباب الهدي سواء.
وأيام ذبح الأضاحي بمنى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وفي الأمصار ثلاثة
أيام: يوم النحر ويومان بعده.
وأما الهدي الواجب فهو كل ما يلزم المحرم من كفارة وجبران في حال الإحرام وقد
فصلناه في كتاب النهاية أو ما نضيفه، فإن كان الإحرام للحج ذبحه بمنى وإن كان
للعمرة المفردة ذبحه بالحزورة قبالة الكعبة، ولا يأكل منه شيئا ولا يخرجه " من الحرم " ولا
يدخره إلا ما يقيم ثمنه فيتصدق به، والهدي الواجب يجوز ذبحه " في " طول ذي الحجة.
وأما الحلق فمستحب للصرورة، وغير الصرورة يجزئه التقصير والحلق أفضل، فإن
نسي " الحلق " حتى رحل من منى فليعد وليحلق بها فإن لم يمكنه حلق من موضعه وبعث
شعره إلى منى ليدفن هناك، وليس على النساء حلق ويكفيهن التقصير، ويبدأ
بالناصية ويحلق إلى الأذنين.
فإذا فرع من ذلك مضى في يومه إلى مكة وزار البيت وطاف طواف الحج أو من الغد
232

إذا كان متمتعا فإن كان غير متمتع جاز له تأخيره عن ذلك، ويفعل عند دخول
المسجد الحرام و " عند " الطواف مثل ما فعله يوم قدم مكة سواء ويطوف أسبوعا
ويصلى ركعتين عند المقام، ثم يخرج إلى الصفا والمروة ويسعى بينهما سبع مرات كما
فعل في أول مرة سواء فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء.
ثم يطوف " بالبيت " طواف النساء رجلا كان أو امرأة أو خصيا أسبوعا ويصلى
ركعتين عند المقام مثل طواف الحج سواء فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه "
إلا الصيد "، ثم يعود إلى منى ويقيم بها أيام التشريق ولا يبيت لياليها إلا بمنى فإن
بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة " دم " شاة، ويرمي كل يوم من أيام التشريق
ثلاث جمرات بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة بسبع حصيات على ما وصفناه سواء يبدأ
بالجمرة الأولى ويرميها عن يسارها ويكبر ويدعو عندها ثم بالجمرة الثانية ثم بالثالثة
مثل ذلك سواء.
ويجوز له أن ينفر في النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق فإذا أراد ذلك
دفن حصيات يوم الثالث، ومن فاته رمى يوم قضاه من الغد بكرة ويرمي ما يخصه عند
الزوال، ومن نسي رمى الجمار حتى جاء إلى مكة عاد إلى منى ويرمي بها فإن لم يذكر
فلا شئ عليه.
والترتيب واجب في الرمي يبدأ بالعظمى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة فإن رماها
منكوسة أعاد، ويجوز الرمي راكبا والمشي أفضل، ويجوز بغير طهارة والوضوء أفضل، ويجوز
أن يرمى عن ثلاثة: العليل والمغمى عليه والصبي.
والتكبير عقيب خمس عشرة صلاة بمنى واجب أولها " عقيب " صلاة الظهر يوم
النحر " إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق " وفي الأمصار عقيب عشر
صلوات أولها عقيب " صلاة " الظهر يوم النحر، وفي النفر الأول لا ينفر إلا بعد الزوال
وفي الثاني يجوز قبل الزوال، ويعود إلى مكة لوداع البيت ويدخل مسجد الحصبة
ويصلى فيه وليستلق على قفاه وكذلك مسجد الخيف.
ويستحب للصرورة دخول الكعبة وغير الصرورة يجوز له تركه، فإذا صلى في
233

زوايا البيت وبين الأسطوانتين وعلى الرخامة الحمراء ولا يبصق فيه ولا يمتخط، فإذا
خرج ودع البيت ويخرج من المسجد من باب الحناطين ويسجد عند باب المسجد
ويدعو " الله تعالى " ويشترى بدراهم تمرا ويتصدق به وينصرف إن شاء الله " تعالى ".
فصل في ذكر مناسك النساء:
الحج واجب على النساء مثل الرجال وشروط وجوبه عليهن " مثل " شروط وجوبه
عليهم، وليس من شرطه وجود محرم، ويجوز لها مخالفة الزوج في حجة الاسلام ولا يجوز لها
في التطوع.
وما يلزم الرجال بالنذر يلزم مثله النساء. فإن حاضت وقت الإحرام فعلت ما يفعله
المحرم وتؤخر الصلاة، فإن حاضت قبل أن تطوف طواف العمرة ويفوتها ذلك جعلت
حجتها مفردة وتقضي العمرة بعد ذلك، فإن حاضت " في " خلال الطواف وقد طافت
أكثر من النصف تركت بقية الطواف وقضتها بعد ذلك وتسعى وتقصر وقد تمت
متعتها، وإن كان أقل من ذلك جعلت حجتها مفردة، وإن خافت من الحيض جاز لها
تقديم طواف الحج وطواف النساء قبل الخروج إلى عرفات.
والمستحاضة يجوز لها الطواف بالبيت إذا فعلت ما تفعله المستحاضة وتصلي عند
المقام ركعتين، وإذا أرادت الوداع وهي حائض ودعت من باب المسجد.
فصل في ذكر العمرة المبتولة:
العمرة فريضة مثل الحج وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج والمطلق مرة واحدة
والمشروط بحسب الشرط مثل الحج، فإذا تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرضها، ومن
حج قارنا أو مفردا قضى العمرة " بعد ذلك " ويجوز العمرة في كل شهر وأقله في كل عشرة
أيام.
234

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
235

المراسم:
كتاب الحج
الحج واجب على كل حر بالغ مستطيع إليه السبيل وهو على ثلاثة أضرب: تمتع
بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد.
فالتمتع: فرض كل ناء عن المسجد الحرام لا يجزئه مع التمكن غيره، وصفته أن
يحرم الحاج من الميقات بالعمرة، فإذا دخل مكة طاف وسعى ثم قصر وقد أحل من كل
شئ أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس أحرم بالحج من المسجد وعليه
طوافان بالبيت ينضافان إلى الأول وسعى آخر بين الصفا والمروة وعليه دم واجب.
وأما القران: فهو أن يهل الحاج من الميقات الذي هو لأهله ويقرن إلى إحرامه سياق
ما تيسر من الهدي ولا بد من سياقه من الميقات وإلا لم يكن قارنا وعليه طوافان بالبيت
وسعي واحد ويجدد التلبية عند كل طواف.
وأما الإفراد: فهو أن يهل الحاج من الميقات بالحج مفردا ذلك من سياق هدي
وعمرة. ولا فرق بين مناسك القارن والمفرد، فأما المتمتع فقد بينا أنه يحل من إحرامه
بعد الطواف والسعي الأول ثم يحرم بالحج على ما نبين.
واعلم أن أشهر الحج: شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة فمن عقد الإحرام
بالحج وإلا كان لغوا.
فأما العمرة فلا وقت لها مخصوص وأفضل الأوقات لمفردها رجب، وروي: أنه لا
يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام، وروي: أنها لا تكون في كل شهر إلا مرة.
والحج واجب على الفور.
237

ذكر مراسم الحج جملة:
وهي على ضربين: فعل وكف.
فالفعل: النية والدعاء المرسوم عند الخروج من المنزل وركوب الراحلة والمسير
والإحرام من الميقات والتلبية والإشعار والتقليد ولبس ثياب الإحرام والقص من
الشارب والأظفار وتنظيف الإبطين وصلاة ست ركعات والدعاء بعدها بالمرسوم والغسل
عند الإحرام وعند دخول مكة والبيت والطواف والسعي ولثم الحجر واستلام الركن
اليماني ونزول منى والصلاة بها والغدو إلى عرفات والإفاضة من عرفات ونزول المزدلفة
والذبح والحلق وزيارة البيت والرجوع إلى منى ورمى الجمار والنفر من منى ودخول
الكعبة والوداع والصلاة في مقام إبراهيم ع.
وهذه الأفعال على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: النية والمسير والإحرام ولبس ثيابه والطواف والسعي والتلبية وسياق
الهدي للقارن وللمتمتع ولثم الحجر واستلام الركن اليماني والوقوف بالموقفين ونزول
المزدلفة والذبح والحلق والرجوع إلى منى ورمى الجمار. وما عدا ذلك فهو ندب.
وينقسم الواجب إلى قسمين: ركن وغير ركن.
فالركن: الإحرام والتلبية أو ما يقوم مقامها من الإشعار والتقليد والوقوف بالموقفين
والطواف والسعي، وما عدا ذلك فليس بركن.
ذكر الكف:
وهو على ضربين: أحدهما فعله يفسد الحج ويوجب الكفارة والآخر لا يفسده بل
يوجب الكفارة.
فالأول: الكف عن الجماع قبل الوقوف.
والثاني: العقد على النساء والنظر إليهن يستوي في محرماتهن ومحللاتهن وحلق
الرأس والطيب إلا خلوق المسجد ولبس المخيط والجدال صادقا وكاذبا وصيد البر
والكحل الأسود والدهن الطيب الريح وتغطية الرأس والحجامة وتقليم الأظفار والتظليل
238

من غير ضرورة وحك الجلد حتى يدميه وفعل ما يسقط معه شعر لحيته وإخراج دم وأكل
صيد صاده محل أو محرم والدلالة على الصيد فهذا كله واجب.
والندب: اجتناب كل ما ينقص ثواب الحج.
ذكر المواقيت:
المواقيت خمسة: ميقات أهل العراق بطن العقيق وأوله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره
ذات عرق، فمن أحرم من أوله فهو أكمل ومن أوسطه دونه في الفضل ومن آخره دونه،
ومن نسي الإحرام من الميقات حتى جازه رجع إليه وأحرم منه إن أمكنه وإلا أحرم من
حيث ذكر.
وميقات أهل المدينة ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة، وميقات أهل الشام الجحفة
وميقات أهل اليمن يلملم، وميقات أهل الطائف قرن المنازل.
ومن كان منزله دون الميقات فإحرامه منه، وكل من حج على طريق قوم فميقاته
ميقاتهم لا ميقات أهل إقليمه، والمحرم على هذا على ضربين: محرم من أهل الحرم ومحرم
ليس من أهل الحرم. فالمحرم من أهل الحرم ومن في حكمه بالمجاورة إحرامه من بيته،
ومن ليس من أهل الحرم على ضربين: محرم بالحج خاصة ومحرم بحج أفضي إليه من عمرة
تمتع بها. فالأول لا يحرم إلا من الميقات والثاني يحرم من تحت الميزاب. فأما العمرة فلا
ينعقد الإحرام بها إلا من الميقات على كل حال.
واعلم أنه لا يبقى بعد شرح ما ذكرناه جملة إلا ذكر الكفارة عن الخطأ غير أنا لولا
أننا اتبعنا سنة المصنفين وإلا كنا قد ذكرنا ذلك في كتاب الكفارات فلهذا نذكره في
كتاب الحج ثم نعود إلى تفصيل ما أجملناه شيئا فشيئا إن شاء الله تعالى.
شرح الإحرام:
الإحرام على ضربين: إحرام عن نذر وإحرام عن غير نذر. فما كان عن نذر فإنه
يجب من حيث عقد به ولو نذر من أبعد بعد عن الميقات، وأما ما هو من غير نذر فلا يجوز
239

أن يعقد إلا من الميقات أو مما حكمه حكم الميقات.
فمن أراد الإحرام اغتسل وأزال شعر إبطيه وقص شاربه وأظفاره ولا يمس ما وفره من
شعر رأسه ولا شعر لحيته ويأتزر بأحد ثوبي إحرامه ويتوشح بالآخر أو يغتدي به.
ولا يجوز الإحرام فيما لا تجوز الصلاة فيه وأفضل الثياب القطن والكتان ثم يصلى
ست ركعات نوافل الإحرام وتجزئ ركعتان، ثم يعقد إحرامه إما بالتلبية إن كان مفردا
أو الإشعار والتقليد إن كان قارنا، ثم يقول:
اللهم إني أريد ما أتقرب به من التمتع بالعمرة إلى الحج أو الحج
على كتابك وسنة نبيك ص فإن عرض لي ما
يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على اللهم إن لم تكن
حجة فعمرة أحرم لك جسدي وبشري وشعري من النساء والطيب
والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة لبيك اللهم لبيك لبيك لا
شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.
وإن كان يريد قرانا قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فيسره لي وسلم لي هديي وأعني على
مناسكي أحرم لك... إلى آخر الكلام. وإن أراد الحج مفردا ذكره.
وليكثر من التلبية كلما صعد علوا أو هبط واديا أو نزل من بعيره أو ركبه وعند
انتباهه من منامه وبالأسحار، فإذا عاين بيوت مكة قطع التلبية - وحد بيوت مكة عقبة
المدنيين - ثم يأخذ في التهليل والتكبير، وإن قصدها من طريق العراق قطع التلبية إذا
بلغ عقبة ذي طوى.
ذكر دخول مكة:
من متأكد السنن الاغتسال قبل دخول الحرم فإن شغل عنه اغتسل قبل دخول مكة
فإن لم يمكنه فقبل دخول المسجد، وليدخل مكة من أعلاها إن دخل من طريق المدينة
وليس عليه ذلك إن دخلها من غير ذلك الطريق، فإذا نظر للبيت فليستقبله وليدع
240

بالدعاء المرسوم أو بما تيسر، فإذا أراد دخوله فليدخل من باب بني شيبة.
ذكر الطواف:
إنما يفتتح الطواف من الحجر الأسود فليستقبله بوجهه وليقل المرسوم ثم يقبله فإن
تعذر فليمسحه بيده ثم يقبل يده فإن لم يكن أومأ إليه ثم يقول:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عند ربك بالموافاة...
إلى آخر مرسوم القول، فإذا بلغ باب الكعبة دعا بما رسم وإذا استقبل الميزاب فليدع
أيضا بالمرسوم ويدعو أيضا بين الركن الغربي واليمنى وكلما استقبل الحجر قال: الله
أكبر السلام على رسول الله. ويقبله في كل شوط ويدعو عند باب البيت وليستلم
الركن اليمنى فإن فيه بابا من أبواب الجنة، فإذا كان في الشوط السابع فليقم على
المستجار وهو دون الركن اليمنى وليلصق به بطنه وخده. وليقل:
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار.
وليتعلق بأستار الكعبة ويدعو بما يحب، فإذا فرع من طوافه وهو سبعة أشواط فليصل
في مقام إبراهيم ع ركعتي الطواف يقرأ في الأولى " الحمد والإخلاص " وفي
الثانية " الحمد وقل يا أيها الكافرون ".
ذكر السعي:
ثم يخرج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود ندبا حتى يقطع الوادي خاشعا
وليصعد على الصفا ويستقبل البيت، ويكبر ويحمد سبعا سبعا ويدع بالمرسوم أو بما
سنح، ثم ليسع إلى المروة فإذا بلغ حد السعي الأول وهو المنارة هرول ويقول:
رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
فإذا بلغ حد السعي الثاني وهو زقاق العطارين فليقطع الهرولة وليمش على سكون
حتى يصعد المروة ويستقبل البيت بوجهه ويقول ما رسم، ثم يتمم السعي سبعا يبدأ
بالصفا ويختم بالمروة فإذا فرع من السعي قصر وقد أحل من كل شئ أحرم منه، ثم
241

ليحرم بالحج يوما ذكرنا إن كان متمتعا وإلا قد قضى حجه.
ذكر نزول منى:
فإذا جاءها فليقل:
الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغني هذا المكان في عافية اللهم
هذه منى وهي مما مننت بها علينا من المناسك فأسألك أن تمن على
فيها بما به مننت على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك.
وليصل بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر يوم عرفة فإن خاف فوات
إدراك عرفات جاز أن يرحل عن منى قبل الفجر فإن لم يخف فلا يجوز مع الاختيار.
ذكر الغدو إلى عرفات:
فإذا ارتحل بعد الفجر من منى مضى إلى عرفات وليدع بما رسم وليلب وهو غاد، فإذا
جاءها نزل بنمرة قريبا من المسجد إن أمكنه ندبا - ونمرة بطن عرنة - فإذا زالت
الشمس فليغتسل ويقطع التلبية وليكثر من التهليل والتحميد والتكبير وليصل الظهر
والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثم ليأت الموقف وليختر الوقوف في ميسرة الجبل، ثم
يستقبل الكعبة فيحمد الله تعالى ويثني عليه ويهلله مائة مرة ويسبحه مائة مرة ويكبره
مائة مرة وليقل ما رسم ثم يدعو دعاء الموقف المتلقى عن الأئمة ع.
فإذا غربت الشمس فليفض من عرفات بالسكينة والوقار وليكثر الاستغفار فإذا أتى
الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فليقل:
اللهم ارحم موقفي وزك عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي اللهم لا
تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني.
ذكر المضي إلى مزدلفة:
فإذا أتى المزدلفة فليصل بها المغرب ليلة النحر ولا يصلى المغرب إلا بها وله أن
242

يصليها إلى ربع الليل ويصلى أيضا بها العشاء الآخرة ثم ليبت بها، فإذا طلع الفجر
من يوم النحر فليصل الفجر بها أيضا ثم ليقف كوقوفه بعرفة بالتحميد والتمجيد والثناء
وتعديد الآلاء والصلاة على النبي المصطفى وعلى آله مصابيح الدجى ع ثم
ليدع بالمرسوم، فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى ولا يفض قبل طلوع الشمس
إلا مضطرا فإن اضطر فلا يتجاوز وادي محسر إلا بعد طلوعها، فإذا بلغ طرف وادي محسر
فليهرول حتى يجوزه.
ويأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من الطريق أو من رحله بمنى ثم ليتوضأ إن
أمكنه، ثم يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة فليقم من قبل وجهها ولا يقم من
أعلاها وليكن بينه وبينها قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا وليقل وفي يده الحصى:
اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.
ثم ليرم حذفا يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها بسبابته ثم ليقل مع كل
حصاة:
بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم ادحر عني
الشيطان وجنوده اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ص
اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وذنبا
مغفورا.
ذكر الذبح:
إذا اشترى هديه فليكن إناثا من البدن أو من البقر فإن لم يجد ففحلا من الضأن أو
تيسا من المعزى ولا يجزئ إلا الثني من الإبل وهو الذي له خمس سنين وقد دخل في
السادسة، ومن البقر والمعز الثني وهو ما دخل في السنة الثانية، ومن الضأن الجذع
لسنته.
وتجزئ بقرة عن خمسة نفر، ثم ليوجه الذبيحة وليقل ما أمر، ثم يمر الشفرة فإن لم
يحسن الذبح ذبح عنه ويترك يده مع يد الذابح، فإذا ذبح فليستقبل القبلة وليحمد الله
243

ويصلى على النبي ص، ثم يحلق رأسه بعد الذبح وليقل ما رسم،
وليتوجه إلى مكة وليزر البيت ولا يؤخر الزيارة عن يوم النحر فإن شغل فأخره إلى الغد
فلا حرج، ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر الزيارة والطواف عن ثاني النحر فأما القارن
والمفرد فإن أخرا ذلك عن الثاني فلا جناح.
فإذا أتى مكة فليقم على باب المسجد وليقل ما رسم، ثم ليأت الحجر الأسود فيقبله
ويستلمه ويكبر ويدع، ثم ليطف بالبيت سبعة أشواط وليصل ركعتي الطواف عند
مقام إبراهيم ع كما تقدم، ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيقبله إن استطاع
ويستلمه وإن لم يستطع فليستقبله ويكبر، ثم يأتي زمزم فيشرب منها، ثم يخرج إلى
الصفا ويصعد عليه كما عمل أولا وليسع سبعا.
فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، ثم ليطف أسبوعا آخر
وتحل له النساء، ثم يرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التشريق إلا بها وإن بات بغيرها فعليه
دم، فإذا رجع إلى رحله بمنى فليقل:
اللهم بك وثقت وبك آمنت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى
ونعم النصير.
ويرمي الثلاث جمرات اليوم الثاني والثالث والرابع كل يوم بإحدى وعشرين حصاة
يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها وأفضل ذلك ما قرب من زوال الشمس، ولا
حرج على النساء والخائفين أن يرموا بالليل، فإن نفر في النفر الأول دفن باقي الحصى
هناك وليرم كل جمرة بسبع يبدأ بالأولى ويقف ويدعو ويرمي الوسطى بسبع ثم يقف
ويدعو فأما الجمرة الثالثة فليرمها بسبع ولا يقف عندها، ومن رمى مقلوبا أعاد على
الوسطى وجمرة العقبة.
ذكر النفر من منى:
من نفر في النفر الأول فوقته بعد الزوال من ثاني النحر والنفر الأخير يوم رابع النحر
إذا انتصبت الشمس، والسنة أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه ست ركعات ولتكن
244

صلاته عند المنارة التي في وسط المسجد ثم ليحمد الله تعالى ويثن عليه ويصل على نبيه
وعلى آله ويدعو بما يريد، فإذا رجع من مسجد منى وجاز جمرة العقبة فليحول وجهه إلى
منى ويرفع يده إلى السماء وليقل:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان وارزقنيه أبدا ما أحييتني
يا أرحم الراحمين.
فإذا بلغ مسجد الحصباء وهو مسجد النبي ص فليدخله ثم يدخل
مكة، وإن شاء انتفل بما شاء من الطواف.
ذكر دخول الكعبة:
من أراد دخول الكعبة فليغتسل وليقل ما رسم وليجتهد في الدعاء، ثم ليصل بين
الأسطوانتين على الرخامة الحمراء التي بين العمودين ركعتين يقرأ في أولاهما الحمد وحم
السجدة وفي أخريهما الحمد وبعدد آي السجدة من القرآن ويصلى في زوايا الكعبة وليقل
في سجوده ما رسم، ثم يصلى أربع ركعات أخر يطيل ركوعها وسجودها، ثم يحول
وجهه إلى الزاوية التي فيها الدرجة فيقرأ سورة من القرآن، ثم يخر ساجدا، ثم يصلى
أربع ركعات أخر، ثم يحول وجهه إلى الزاوية الغربية فيصنع كما صنع أولا، ثم يحول
وجهه إلى الزاوية التي فيها الركن اليماني ويصنع مثل ذلك، ثم يفعل عند الزاوية
التي فيها الحجر الأسود مثل ذلك أيضا، ثم يعود إلى الرخامة فيقوم عليها ويرفع رأسه
إلى السماء ويطيل الدعاء، فإذا خرج من باب الكعبة فليقل:
اللهم لا تجهد بلائي ولا تشمت بي أعدائي فإنك أنت الضار النافع "
يقولها ثلاثا " وقد تأكد الندب للصرورة في دخول الكعبة وإن كان العائد مندوبا
لذلك أيضا.
245

ذكر وداع البيت:
رسم توديع البيت ندبا يطوف سبعة أشواط يستلم في كل شوط الحجر والركن
اليماني إن أمكنه وليأت في الشوط السابع المستجار - وهو في مؤخر الكعبة قريبا من
الركن اليماني - ثم ليصنع عنده كما صنع يوم دخول مكة وليدع بما شاء، ثم ليلصق
بالبيت خده وبطنه فيما بين الحجر وباب الكعبة ويده اليسرى مما يلي الحجر وليقل ما
رسم وإن تضرع وابتهل بما سنح فلا حرج، ثم يأتي المقام ويصلى فيه ركعتين، ثم ليدع
بما رسم أو ما يعن.
ومن السنن المتأكدة صلاة ركعتين بإزاء كل ركن آخرها الركن الذي فيه الحجر
الأسود وإن زاد على الركعتين فجائز فضلا، فإذا قضى الصلاة فليلصق جسده بالحطيم ثم
ليعد ويحمد ويثن ويدع بما شاء ثم يأت زمزم فيشرب منها، فإذا خرج فليستقبل القبلة
قريبا من باب المسجد ويخر ساجدا ويقول ما رسم، فإذا خرج فليضع يده على الباب
وليقل:
المسكين ببابك فتصدق عليه بالجنة.
فإذا توجه إلى أهله فليقل:
تائبون آئبون حامدون لربنا شاكرون وإلى ربنا راغبون وإلى الله
راجعون.
ذكر أقسام الحجاج:
وهو على ثلاثة أضرب: مختار ومحصور ومصدود:
فأما المختار فقد ذكرنا أقسامه وبينا أحكامه.
وأما المحصور بالمرض فهو على ضربين: أحدهما في حجة الاسلام والآخر في التطوع
فالأول يجب بقاؤه على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل من كل شئ أحرم منه إلا
النساء فإنه لا يقربهن حتى يقضي مناسكه من قابل، والثاني ينحر هديه وقد أحل من
كل شئ أحرم منه.
246

وأما المصدود بالعدو فإنه ينحر الهدي حيث انتهى إليه ويقصر من شعره وقد أحل
من كل شئ أحرم منه.
ذكر أحكام الخطأ:
الخطأ من المحرم على ضربين: أحدهما فيما يجب اجتناب المحرم له والآخر في أفعال
الحج. فأما الأول فعلى ضربين: أحدهما يفسد الحج والآخر لا يفسده.
فما يفسد الحج: هو أن يجامع المحرم قبل الوقوف بعرفة في الفرج فعليه بدنة والحج
من قابل ويتمم المناسك، وحكم المرأة في ذلك على ضربين: حكم مطاوعة ومقهورة.
فالمطاوعة حكمها حكم من طاوعته، والمقهورة لا شئ عليها بل تتضاعف على مكرهها
الكفارة.
وأما ما لا يفسد الحج فعلى ضربين: أحدهما يجب فيه دم والآخر لا دم فيه. فما فيه
دم على أربعة أضرب:
أوله: ما فيه بدنة: من جامع قبل الوقوف فيما دون الفرج أو بعد الوقوف في الفرج
أو قبل امرأته محرما فأمنى وكذلك حكم المطاوع من النساء فعليه بدنة، ومن جادل ثلاث
مرات كاذبا فعليه بدنة، ومن قتل نعامة كبيرة فعليه بدنة وفي الصغيرة من صغار الإبل في
سنه، ومن وقع على أهله قبل طواف النساء فعليه جزور، ومن نظر إلى غير أهله فأمنى وهو
موسر فعليه بدنة، ومن كسر بيض نعام أرسل فحولة الإبل على إناثها فما نتج كان هديا.
ثم هذا الضرب ينقسم قسمين: أحدهما له بدل مع فقده والآخر لا بدل له.
فالأول: من قتل كبير النعام فوجب عليه بدنة فلم يجد أطعم ستين مسكينا، فإن لم يجد
صام شهرين متتابعين، فإن لم يطق صام ثمانية عشر يوما فإن لم يطق استغفر الله تعالى.
فأما باقي ما ذكرنا أن فيه بدنة لم يأت نص بذلك بالبدل فيه ولولا أنا نقتفي آثار
المراسم لم نقسمه وقلنا بالبدل فيه كله إذ كل منه تجب فيه بدنة بل الواجب في كل من
لم يجد الكفارة أن يعزم على فعلها عند المكنة.
وثاني الدم: ما يجب فيه بقرة: وهو الجدال مرتين كاذبا وفي قتل البقرة الوحشية
247

والجماع لامرأته بعد الطواف والسعي وقبل التقصير وفي النظر إلى غير أهل الناظر المتوسط
في كل منه دم بقرة. ثم هذا الضرب أيضا على ضربين: أحدهما له بدل والآخر لا بدل
له. فما له بدل: كفارة قتل بقرة الوحش خاصة وبدله إلى النصف من بدل البدنة في
الإطعام والصيام الأوفى والأدنى.
وثالثه: ما فيه دم شاة: من صاد ظبيا فعليه دم شاة فإن لم يجد أطعم عشر مساكين
فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وكذلك في الثعلب والأرنب، وفي المجادلة مرة كاذبا،
وفي من نفر حمام الحرم فإن لم يرجع ففي كل حمامة منه دم شاة، ومن كسر بيض نعام
والإبل له فيرسل فحولتها في إناثها فإن لم تكن الإبل له فعليه لكل بيضة دم شاة.
ومن حلق رأسه من أذى فعليه دم شاة ومن أسقط كثيرا من شعره فعليه دم شاة،
وإن قتل كثير الجراد فعليه دم شاة، وإن تعمد لبس ما لا يحل له لبسه فعليه دم شاة، وإن
جادل ثلاث مرات صادقا فعليه دم شاة، وإن نظر إلى غير أهله فأمنى وهو فقير فعليه دم
شاة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، فإن ضم أهله فأمنى فعليه دم شاة، فإن قلم أظفار يديه
أو رجليه فعليه دم شاة.
وكفارة القطاة وما ماثلها حمل فطيم قد رعى الشجر وفي كسر بيضها إرسال ذكارة
الغنم في إناثها وجعل ما ينتج هديا، وفي القنفذ واليربوع جدي.
ورابعه: ما فيه دم مطلق: من ظن أنه قد تمم السعي فقصر وجامع فعليه دم ويتمم
السعي، ومن قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم، ومن قبل امرأته وقد طاف
طواف النساء وهي لم تطف وهو مكره لها فعليه دم فإن كانت مطاوعة فالدم عليها
دونه، ومن أحرم في رجب إذا عزم على الحج فأقام بمكة حتى يحرم منها فعليه دم، ومن
ظلل على نفسه مختارا فعليه دم.
وأما القسم الثاني من القسمة الأولى وهو مالا دم فيه فعلى خمسة أضرب:
أوله: ما فيه الفداء مطلقا: من دل على صيد وهو محرم فعليه الفداء، وإن اشترك
جماعة محرمون في جناية فعلى كل واحد منهم الفداء، وإن رمى صيدا فجرحه ولم يدر
أ حي هو أم ميت فعليه الفداء فإن رمى صيدا فجرحه ورآه بعد ذلك حيا معيبا فعليه من
248

الفداء بقدر ما بين قيمته صحيحا ومعيبا وحكمه إذا رآه صحيحا يجئ بمشيئة الله تعالى.
ومن اضطر إلى أكل صيد وميتة فدى الصيد وأكله وإن صاد محرم في الحرم فعليه
الفداء والقيمة مضاعفة وإن صاد في الحل فعليه الفداء، ومن قتل غلامه صيدا بأمره
والغلام محل أو بلا أمره والغلام محرم فعلى السيد الفداء، وكل شئ أصيد في البحر
ويكون في البر والبحر فعليه فداؤه.
فأما الدجاج الحبشي فليس من الصيد فجائز أكله للمحرم، وكل ما يجب من
الفدية على المحرم بالحج فإنه يذبحه أو ينحره بمنى وإن كان محرما بالعمرة ذبح أو نحر
بمكة، قد جعلنا هذا قسما داخلا فيما لا دم فيه لأجل اللفظ ولو أدخلناه فيما فيه دم
مطلق لكان جائزا.
والثاني: ما فيه الإطعام: قد بينا على عادم البدنة أو البقرة أو الشاة إذا وجب شئ
من ذلك عليه من الإطعام فلا وجه لإعادته، ومن قلم شيئا من أظفاره فعليه لكل ظفر مد
من طعام لمسكين، ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة وإن كثر تصدق بمد من تمر، ومن قتل
جرادة فعليه كف من طعام، فإن قتل قملة أو رمى بها من جسده فعليه كف من طعام،
وإن أسقط بفعله شيئا من شعره فعليه كف من طعام، وإن نتف ريش طائر من طيور
الحرم تصدق على مسكين باليد التي نتف بها، وإن قتل حمامة فليشتر بثمنها علفا لحمام
الحرم، ومن رأى ما جرحه حيا سويا فعليه صدقة، فإن فقأ عين الصيد أو كسر قرنه
تصدق بصدقة.
وثالثه: ما فيه الفراق المؤبد وغير المؤبد: وهو المحرم إذا عقد على امرأة وهو عالم
بتحريم ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا، وإن كان غير عالم بذلك فرق بينهما لبطلان
العقد وله أن يستأنف إذا أحل، وليس في هذا القسم غير هذا.
ورابعه: ما فيه ورق: في الحمامة درهم وفي فراخها في كل فرخ نصف درهم وفي
بيضها ربع درهم في كل بيضة، ولا شئ غير هذا إلا أثمان ما يجب من الكفارات إذا
لم توجد.
وخامسه: وهو ما عدا ذلك وفيه الاستغفار كفارة لمن نظر إلى أهله بغير شهوة فأمنى
249

أو أمذى، ومن أكل من يد امرأته شيئا، ومن جادل مرة أو مرتين صادقا، ومن لم يقدر
على شئ من الإبدال، ومن لبس ثوبا لا يحل له لبسه ناسيا، ومن جامع أهله قبل
طواف النساء جاهلا بتحريمه، وكل ما يفعله ناسيا وعن غير عمد فليستغفر الله تعالى منه
كما يستغفر الله تعالى من كل جرم سالفا وآنفا.
فأما قتل السباع والدواب والهوام وكل مؤذ فإن كان على وجه الدفع عن المهجة فلا
شئ عليه وإن كان على خلافه فلا نص في كفارته فليستغفر الله تعالى منه.
ذكر النسيان في أفعال الحج:
من طاف ولم يحصل كم طاف فعليه الإعادة فإن قطع على السبعة وشك أنه ثمان
فلا إعادة عليه ولا حرج، وإن طاف غير متوض ناسيا ثم ذكر فإن كان الطواف طواف
الفرض توضأ وأعاده وإن كان نفلا فلا إعادة عليه وروي: أنه يتوضأ ويصلى
ركعتين. وإن قطع الطواف قبل إتمامه ناسيا أو متعمدا فإنه لا يخلو: أن يكون جاوز
نصفه أو لم يبلغ النصف، فإن كان جاوزه تمم من حيث قطع وإن لم يكن بلغه
استأنف طوافه.
وكذلك لو أتى امرأة الحيض في الطواف لكان حكمها حكم القاطع طوافه سواء لأن
المرأة تقضي كل المناسك وهي حائض إلا الطواف والصلاة فلا تقربهما حتى تطهر،
وأما المستحاضة فإنها تطوف وتصلي على ما بينا إلا في أيام حيضها المعتاد غير أنها لا
تدخل الكعبة بوجه.
ومن وجد نفسه عند ظنه نقصان السعي على الصفا فلا يخلو: أن يقوى في ظنه ما بدأ
به أو لا يقوى. فإن تيقن أو قوى في ظنه أنه بدأ بالصفا سعى سبعا أخر ثم يتمم أسبوعا
على مرة الغلط، فإن لم يقطع ولا قوى في ظنه بما بدأ به، فإن وجد نفسه في الشوط الثامن
على المروة أعاد لأنه يكون قد بدأ بالمروة وإن كان في الشوط التاسع لم يعد، وحكم قطع
السعي حكم قطع الطواف في اعتبار تجاوزه النصف في البناء وإن لم يجاوزه استأنف.
250

ومن بدأ برمي جمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى استأنف أي الجمرة الوسطى ثم
العقبة، وقد بينا أن من نسي الإحرام حتى جاوز الميقات يرجع إليه فيحرم منه إن تمكن
وأنه إن خاف فوات الحج أو غير ذلك أحرم من مكانه الذي ذكر فيه، ومن قضى عمرته
ونسي التقصير حتى أحرم بالحج فلا حرج عليه فليستغفر الله تعالى، ولا بأس بالسعي
راكبا وكذلك الطواف.
251

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
253

الحج
من جواهر الفقه
باب مسائل يتعلق بالحج:
مسألة: إذا أحرم المستأجر في الحج عمن استأجره، ثم أراد نقل الإحرام إلى نفسه،
هل يجوز له ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح هذا النقل، فإن مضى على هذه النية لم يقع حجه إلا عمن بدا
بنية لأن صحته نقل ذلك يفتقر فيه إلى دليل يقتضي علما بذلك.
مسألة: إذا ارتد عن الاسلام، وقد كان حج قبل ارتداده، ثم عاد إلى الاسلام بعد
ذلك، هل يجب عليه الحج أم لا؟
الجواب: يجب عليه الحج لأن إسلامه الأول لم يكن عندنا صحيحا لأنه لو كان
صحيحا لما جاز تعقب الكفر له على ما قدمناه، فيلزمه من إعادة الحج ما ذكرناه.
مسألة: إذا عقد على امرأة النكاح، ولم يعلم هل كان العقد في حال الإحرام أو
الإحلال، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الاحتياط يقتضي تجديد العقد لأنه لا يأمن أن يكون قد وقع في حال
الإحرام وذلك لا يجوز.
مسألة: إذا اختلف الرجل والمرأة في العقد، فقال الرجل: عقدت وأنا محل وقالت
المرأة: بل كنت محرما، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك قول الرجل لأنه أعلم بنفسه، والمرأة مدعية لكونه محرما
فعليها البينة، ولا يجب عليه ذلك لأنها مقرة بالعقد له وادعت عليه ما يبطله وهي مفتقرة
255

في دعواها إلى البينة، ومتى ادعت المرأة أنها كانت محرمة وأنكر الرجل ذلك، كان
الحكم ما تقدم فإن قال الرجل، كنت محرما وقالت المرأة: بل كنت محلا كان على
الرجل البينة لأنه مقر لها بالعقد ومدع لما يفسده عن نفسه صداق النكاح وغيره من
مستحقات العقد.
مسألة: إذا استأجر اثنان رجلا ليحج عنهما هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يجزئ ذلك عنهما جميعا، ولا عن واحد منهما لأن حجة واحدة لا يجوز
عن اثنين فإن حج عن أحدهما فليس الواحدة أولى بها من الآخر لأنهما جميعا استأجراه
ليحج عنهما، فإن أفرد أحدهما بالحجة لم يصح لما ذكرناه فإن أراد الأجير نقلها إلى نفسه
لم يصح لأنه ما نواها عن نفسه ونقلها لا دليل عليه.
مسألة: إذا أحرم قبل الميقات وأصاب صيدا هل يجب عليه جزاء أو قيمته أو لا
يجب عليه شئ؟
الجواب: لا يجب عليه شئ لأن إحرامه وقع من غير الميقات، ومن شرط صحته أن
يقع من الميقات.
مسألة: إذا استأجر وهو صحيح متمكن من ينوب عنه في حجة الاسلام هل يكون
هذه مجزئة عنه أم لا؟
الجواب: لا تجزئ هذه الحجة عنه لأن الاجماع حاصل على ذلك.
مسألة: إذا مات وكانت حجة الاسلام قد وجبت عليه وعليه دين، ما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إن كان ما خلفه فيه الكفاية للجميع حج عنه وقضي عنه الدين فإن
فضل بعد ذلك شئ كان ميراثا، وإن لم يفضل من ذلك فلا ميراث، وإن كان ما خلفه
ما لا يتسع لذلك قسم بينهما لأنهما دينان قد وجبا عليه، وليس أحدهما أولى من الآخر
وإن قلنا بتقديم الحج لأن حق الله سبحانه أولى من حق غيره كان جائزا.
مسألة: إذا كان عليه حجتان: حجة الاسلام وحجة بالنذر، وحج واحدة هل
تكون مجزئة عن الأخرى أم لا؟
256

الجواب: لا يجزئ عنهما لأنهما فرضان قد وجبا عليه أحدهما غير الآخر، ويجب
عليه أداء كل واحد منهما بنية تخصه، وأيضا فإن القول ههنا بالإجزاء شرع ويفتقر في
إثباته إلى دليل، ولا دليل عليه.
مسألة: هل يجوز أن ينعقد الإحرام بالحج أو عمرة متمتع بها إلى الحج في غير أشهر
الحج، أم لا يجوز ذلك إلا فيها؟
الجواب: لا يجوز ذلك إلا فيها لأنه لا خلاف في أن ذلك لا ينعقد في هذه الأشهر،
وليس لمن ادعى انعقاده في غير هذا دليل ولأن إجماع الطائفة حاصل على ذلك.
مسألة: كيف يجوز القول بأن أشهر الحج هي ما ذكرتموه وهذه اللفظة لا يقع إلا
على ثلاثة أو أكثر، وعندكم أنها ليست أكثر من شهرين وعشرة أيام؟
الجواب: إن الحج لا يصح انعقاده إلا في هذين الشهرين والعشرة أيام من الشهر
الثالث، فإذا كمل فيها فما وقع إلا في ثلاثة أشهر.
مسألة: إذا وجب عليه الهدي، هل يجوز له اخراجه قبل يوم النحر أو لا؟
الجواب: لا يجوز له ذلك لأن الاجماع حاصل على أنه إذا أخرجه يوم النحر كان
مجزئا عنه وليس على جواز اخراجه قبل ذلك دليل.
مسألة: هل ينعقد الإحرام بمجرد النية أم لا؟
الجواب: لا ينعقد الإحرام بمجرد النية، ولا بد في انعقاده من أن ينضاف إلى مجرد
النية التلبية أو التقليد أو الإشعار أو سياق الهدي لأن ما ذكرناه مجمع على صحته، وليس
على ما خالفه دليل، وعليه أيضا إجماع الطائفة.
مسألة: إذا حكم على المحرم العاقد للنكاح ببطلان النكاح، العقد هل يحتاج في
لتفرقة بين الزوج، والزوجة إلى طلاق أم لا؟
الجواب: لا يفتقر في التفرقة بينهما إلى طلاق، بل التفرقة كافية في ذلك لأن
صحة الطلاق فرع على ثبوت العقد، وإذا لم يثبت لم يصح أن يطرأ الطلاق عليه وأيضا
فالنهي قد ورد بذلك وهو دال على فساد المنهي عنه، وأيضا فإجماع الطائفة حاصل على
ذلك.
257

مسألة: إذا جعل البيت في طوافه على يمينه، هل يكون مجزئا له أم لا؟
الجواب: لا يجزئه ذلك لأنه خلاف لما فعله رسول الله ص فأسنه
قال: خذوا عني مناسككم وأيضا فطريقة الاحتياط يقتضي ما ذكرناه، وإجماع الطائفة
أيضا عليه.
مسألة: هل ركعتا الطواف واجبتان أم لا؟
الجواب: ركعتا الطواف واجبتان لقوله سبحانه: " واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى " فأمر بالصلاة عند مقام إبراهيم، والأمر الشرعي يقتضي الوجوب ويقتضيه أيضا
طريقة الاحتياط.
مسألة: إذا سعى هل يجوز له ترك الصعود على الصفا والمروة؟
الجواب: يجوز له ذلك وإن كان الأفضل الصعود عليها لقوله تعالى: " فلا جناح
عليه أن يطوف بهما " وقد ورد عن كافة المفسرين من أنه أراد الطواف بينهما، ومن انتهى
في طوافه إليهما فقد طاف بينهما وأيضا فعلى ذلك إجماع الطائفة.
مسألة: إذا سعى بين الصفا والمروة سبعا وكان في الشوط السابع عند الصفا هل
يجب عليه الإعادة أم لا؟
الجواب: عليه إعادة السعي من أوله، لأنه إذا كان في السابع عند الصفا فقد بدأ
بالمروة، والابتداء بذلك لا يجوز ولأن الاحتياط يقتضي ما ذكرناه لأنه إذا استأنفه من
أوله تيقن براءة ذمته وعلى ذلك إجماع الطائفة أيضا.
مسألة: إذا كان أصلع أو أقرع ليس على رأسه شعر هل يجب عليه إمرار الموسي على
رأسه بدلا من الحلق أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه ذلك، وإنما هو مستحب له، ولأن الأصل براءة الذمة،
وإيجاب ذلك عليه يفتقر إلى دليل، ولا دليل في الشرع عليه، ولأن إجماع الطائفة على من
ذكرناه.
مسألة: إذا فاته الوقوف بعرفات وقف بالمشعر هل يكون ذلك مجزئا له أم لا؟
الجواب: يكون ذلك مجزئا له في صحة حجته لأن إجماع الطائفة حاصل عليه.
258

مسألة: إذا كانت الحصاة قد رمى هو بها أو غيره هل يجوز له أن يرمي بها أم لا؟
الجواب: لا يجوز له ذلك وعليه الرمي بغير هذه الحصاة، لأن طريقة الاحتياط
تقتضي ذلك وإجماع الطائفة عليه.
مسألة: هل يجوز الرمي أيام التشريق قبل الزوال أو لا يجوز إلا بعد الزوال؟
الجواب: الرمي في الأيام المذكورة لا يجوز إلا بعد الزوال، لأن الاحتياط يقتضي
ذلك من حيث أنه إذا فعل ذلك فلا خلاف في إجزائه، وليس كذلك إذا فعله قبل الزوال
ولأن إجماع الطائفة عليه.
مسألة: إذا نسي واحدة من الحصيات ولم يعلم من أي الجمار هي، ما حكمه في
ذلك؟
الجواب: إذا نسي ذلك على الوجه المذكور كان عليه أن يرمي كل واحدة من
الجمار الثلاثة بحصاة لأن الاحتياط يقتضي ما ذكرناه، وأيضا إجماع الطائفة عليه.
مسألة: إذا رمى الجمرة الواحدة بسبع حصيات في دفعة واحدة، هل يجزئه ذلك عن
الرمي لها متفرقا أو يعتد بواحدة أو لا يعتد بشئ؟
الجواب: عليه أن يعتد بواحدة لأن الاحتياط يقتضي ولأن إجماع الطائفة عليه.
مسألة: إذا رمى ما فاته بقية يومه قبل رميه بالأمس هل يجزئ عن يومه أو عن
أمسه أو لا يجزئ عن واحدة منهما؟
الجواب: لا يجزئ ذلك عن واحدة منهما، لأنه يجب عليه الترتيب في ذلك،
والاحتياط يقتضي ما ذكرناه وإجماع الطائفة أيضا عليه.
مسألة: إذا كان وليا لصبي فأحرم بالصبي فهل نفقته الزائدة على نفقته بالحضر
واجبة على الولي دون مال الصبي أو يجب في مال الصبي دون مال الولي؟
الجواب: هذه الزائدة يجب عليه الولي دون مال الصبي لأن الولي هو المدخل له في
ذلك وهو مما لا يجب عليه، والقول بأنها يجب في مال الصبي يفتقر فيه إلى
دليل ولا دليل عليه.
مسألة: إذا وطئ في الفرج قبل الوقوف بعرفات هل يفسد حجه بذلك أم لا؟
259

الجواب: هذا يفسد حجه بلا خلاف، وعليه المضي في حجه وإعادة الحج من قابل
ويلزمه مع إعادة الحج بدنة لأن الاحتياط يقتضيه وعليه إجماع الطائفة.
مسألة: إذا وطئ وهو صبي عامدا في الفرج قبل الوقوف بعرفات، هل يفسد
بذلك حجه، ويتعلق به كفارة، ويلزمه الحج من قابل أم لا يفسد حجه ولا يلزمه ذلك؟
الجواب: هذه المسألة فيها وجهان: أحدهما أن يقول متى حملنا ذلك على أن عمد
الصبي وخطأه سواء لم يفسد بذلك حجه، ولا يتعلق به كفارة. وإن لم نقل بذلك وقلنا
بأنه عمد حملناه على عموم الأخبار في من وطئ عامدا فسد حجه ولا يلزمه القضاء لأنه
غير مكلف، ووجوب القضاء لا يتوجه إلا إلى مكلف وهذا الوجه الثاني أقوى من
الأول.
مسألة: إذا وطئ قبل الوقوف بالمشعر أو بعده في الفرج هل يجب عليه شئ أم
لا؟
الجواب: إذا وطئ قبل الوقوف بالمشعر، كان حكمه حكم من وطئ قبل
الوقوف بعرفات، وقد تقدم ذلك، وأما وطؤه بعد الوقوف بالمشعر فلا يجب عليه شئ غير
البدنة لأن كل من قال: بأن الوقوف بالمشعر من أركان الحج قال بما ذكرناه وإجماع
الطائفة أيضا عليه.
مسألة: إذا نحر ما يجب عليه في الحل، وفرق اللحم في الحرم هل يجزئه ذلك أو لا
يجزئه؟
الجواب: لا يجزئه ذلك لقوله تعالى: " ثم محلها إلى البيت العتيق " وأيضا فطريقة
الاحتياط يتناول ما ذكرناه، وأيضا عليه إجماع الطائفة.
مسألة: إذا نحر ما يجب عليه نحره في الحرم، وفرق لحمه في الحل، هل يجزئه أم لا؟
الجواب: لا يجزئه ذلك لأنه إذا نحره في الحرم، وفرق اللحم في الحرم فلا خلاف في
إجزائه وليس كذلك إذا نحره في الحرم، وفرق اللحم في الحل، والاحتياط يتناول ما
ذكرناه.
مسألة: المستأجر في الحج إذا أحصر أو مات قبل الإحرام، هل يستحقه أجرة أم
260

لا؟
الجواب: يستحق من الأجرة بحساب ما قطع من المسافة، لأنه إذا كان مستأجرا
في أفعال الحج وكان ذلك لا يمكنه إلا بقطع المسافة فهو مستأجر على ذلك فله من الأجرة
بحساب ما ذكرناه.
مسألة: إذا استأجر غيره ليحج عنه متمتعا فحج عنه قارنا أو مفردا، هل يعتد بذلك
الأجير أم لا؟
الجواب: لا يعتد بذلك، وحجة التمتع باقية في ذمته لأنه إذا حج قارنا أو مفردا
فلم يأت بما استؤجر عليه إذا لم يأت به وأتى بغيره لم يعتد له به، ولأن الاحتساب
والاعتداد له بذلك يفتقر إلى دليل، ولا دليل في الشرع عليه.
مسألة: إذا استأجر على أن يحج عنه قارنا أو مفردا فحج عنه متمتعا هل يعتد له
بذلك أم لا؟
الجواب: هذا صحيح ويعتد له بذلك لأنه أتى بالنيابة عنه بالأفضل.
مسألة: إذا قال: من حج عني فله عشرة، هل يصح ذلك؟
الجواب: يصح ذلك من حج عنه كانت العشرة له لأن قوله بما ذكرناه شرط،
وجزاء محض، ولا يمنع من ذلك مانع، فوجب القول بصحته.
مسألة: إذا أصاب المحرم صيدا وغاب عنه فلم يعلم هل يلزمه جزاء أم لا؟
الجواب: يلزمه الجزاء لأن الاحتياط يقتضي ذلك، وعليه أيضا إجماع الطائفة.
مسألة: إذا ذبح صيدا وهو محرم، هل يجوز للمحل أكله أم لا؟
الجواب: لا يجوز أكله لأحد من الناس، وهو بحكم الميتة لأن الاحتياط يتناول
ذلك، وعليه أيضا إجماع الطائفة.
مسألة: إذا أصاب طائرا وهو على غصن من شجرة وأصلها في الحرم والغصن في
الحل، هل عليه الضمان أم لا؟
الجواب: عليه الضمان لأن الاحتياط يقتضي ذلك، وعليه أيضا إجماع الطائفة.
مسألة: إذا أحرم ومعه صيد، هل يزول ملكه عنه أم لا؟
261

الجواب: ما معه من الصيد يزول ملكه بالإحرام عنه وما هو من ذلك في بلده أو
منزله لا يزول ملكه عنه، أما الأول فلأن إجماع الطائفة عليه، وأما الثاني فيفتقر في زوال
الملك عنه إلى دليل ولا دليل في الشرع عليه.
مسألة: ما يتوالد بين ما يجب فيه الجزاء وبين ما لا يجب ذلك مثل حمار الوحش
وحمار الأهلي والضبع والذئب، هل يجب فيه الجزاء أم لا؟
الجواب: لا يجب ذلك فيه لأن الأصل براءة الذمة، والقول بوجوب الجزاء في ذلك
يفتقر في صحته إلى دليل، ولا دليل عليه في الشرع.
مسألة: إذا نذر هديا بعينه هل يزول ملكه عنه، أم لا؟ أو يجوز له بيعه وإخراج بدله
أم لا؟
الجواب: إذا نذر هديا بعينه زال ملكه عنه، ولم يصح تصرفه فيه ببيع ولا غيره،
ولا اخراج بدله لأن الاحتياط يقتضي ما ذكرناه، وثبوت شئ مما ذكرناه فيه يحتاج إلى
دليل، ولا دليل على ذلك.
مسألة: إذا رمى وهو محل في الحل صيدا رأسه في الحرم وقوائمه في الحل فقتله، هل
عليه الجزاء أم لا؟
الجواب: عليه الجزاء لأن طريقة الاحتياط تقتضي ذلك، وعليه إجماع الطائفة
أيضا.
مسألة: إذا ضرب صيدا حاملا ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا ضرب صيدا حاملا فلا يخلو من أن يكون لم يؤثر بضربته فيه، ولا في
الجنين قتلا ولا جرحا، أو يكون أثر فيه شيئا من ذلك، فإن لم يؤثر فيه ولا في الجنين
فليس عليه شئ، وإن كان أثر فيه وفي الجنين بأن تكون الأم ألقت الجنين حيا وماتت
الأم بعد ذلك كان عليه جزاء المثل عن الأم، وجزاء المثل عن الجنين صغيرا، وإن ألقت
الأم الجنين وعاشت ومات الجنين كان عليه الجزاء عن الجنين دون الأم، وإن عاش
الجنين وماتت الأم كان عليه الجزاء عن الأم دون الجنين، وإن ألقت الأم الجنين ميتا
كان عليه ما ينقص من قيمة الأم، فينظر في قيمتها حاملا وبين قيمتها غير حامل بعد
262

الإسقاط ويلزمه ذلك في المثل، هذا كله إذا لم يكن أثر بضربه في الأم شيئا، فإن كان
قد أثر فيها جرحا كان عليه بحساب ذلك. كل ذلك لقوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل
من النعم " ولأنه بالجرح ضامن من الأرش.
مسألة: إذا بات عن منى ما حكمه؟
الجواب: إن بات عنها ليلة كان عليه دم، فإن بات عنها ليلتين كان عليه دمان،
فإن بات عنها الليلة الثالثة لم يكن بها عليه شئ لأن له النفر الأول، والنفر الأول
يكون في اليوم الثاني من أيام التشريق بغير خلاف.
مسألة: إذا تكرر منه الوطئ في الفرج، هل يتكرر عليه الكفارة بتكرره أم لا؟
الجواب: إذا تكرر منه ذلك تكررت الكفارة عليه، لأن الاحتياط يقتضي ذلك،
فإن قيل: إن الجماع الأول قد أفسد الحج وما بعده لم يفسده، قلنا: الحج وإن كان قد
فسد بالأول فحرمته باقية، ولهذا وجب المضي في الحج وصح تعلق الكفارة به فيما يستقل
من ذلك.
263

المهذب
في الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
265

الحج
المهذب لابن براج:
قال الله عز وجل:
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله
غنى عن العالمين.
وقال تبارك وتعالى:
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج.
وقال سبحانه:
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات
فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله
لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور
رحيم، فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد
ذكرا.
وقال تعالى:
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه
أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم.
وقال تعالى:
وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا
267

رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم
تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
وقال عز اسمه:
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من
بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا
نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق.
وقال سبحانه:
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله
عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر
كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون.
وقال الله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم
متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره.
وروي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أنه قال: من مات ولم
يحج حجة الاسلام إن لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو
سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا.
باب ضروب الحج وأقسامه:
الحج على ضربين: واجب ومندوب. والواجب على ضربين: مطلق والآخر غير
مطلق.
268

والمطلق: هو ما يجب منه من غير سبب، وما ليس بمطلق: هو ما يجب منه عند
سبب. فالذي يجب من غير سبب هو حجة الاسلام ويجب في العمر مرة واحدة، وما
يجب عند سبب هو ما يتعلق منه بنذر أو ما أشبهه.
وأما المندوب فهو ما ندب المكلف إلى فعله منه بعد حجة الاسلام، وضروبه ثلاثة:
تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد. وفرائض هذه الضروب على قسمين:
أركان وغير أركان. والأركان على ضربين: أركان التمتع والآخر أركان القران والإفراد.
فأما التمتع فهي النية بالعمرة إلى الحج والإحرام لها والطواف لها والسعي بين
الصفا والمروة لها، والنية للحج والإحرام له والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام
وطواف الحج والسعي له.
وأما أركان القران والإفراد فهي النية للحج والإحرام له والوقوف بعرفات والوقوف
بالمشعر الحرام وطواف الحج والسعي له.
وأما ما ليس بركن فهو التلبيات الأربع مع التمكن منها أو ما قام مقامها مع العجز
عنها، وركعتا طواف العمرة، والتقصير بعد السعي، والتلبية عند الإحرام بالحج أو ما
قام مقامها، والهدي أو ما قام مقامه من الصوم مع العجز عنه، وركعتا طواف الزيارة،
وطواف النساء، وركعتا طواف النساء.
باب صفة التمتع بالعمرة إلى الحج:
التمتع بالعمرة إلى الحج فرض كل من نأى عن مكة ولم يكن من أهلها
وحاضريها، وينبغي لمن أراد ذلك أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة الحرام
ولا يمس شيئا منه، فإذا وصل إلى ميقات أهله أحرم منه بالحج متمتعا وعقد نية لذلك
في حال الإحرام وعقد إحرامه بالتلبية ومضى بعد ذلك إلى مكة، فإذا شاهد بيوتها قطع
التلبية ثم دخلها.
فإذا وصل إلى المسجد الحرام دخله من باب بني شيبة فطاف بالكعبة سبعة أشواط
للعمرة المتمتع بها وصلى ركعتين عند فراغه من الطواف خلف مقام إبراهيم ع
269

، ثم خرج إلى الصفا فيسعى بينه وبين المروة سبعا ثم قصر من شعر رأسه وقد
أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد فإنه في الحرم، والأفضل له أن يبقى على إحرامه
إلى يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة.
فإذا حضر هذا اليوم وزالت الشمس صلى الظهر وأحرم بعد ذلك بالحج ومضى إلى
منى ملبيا ثم غدا منها إلى عرفات، فإذا كان وقت الزوال من يوم عرفة قطع التلبية وجمع
بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ووقف إلى غروب الشمس، فإذا
غربت أفاض منها إلى المشعر الحرام، فإذا وصل إليه جمع فيه بين العشائين بأذان
وإقامتين ووقف به تلك الليلة.
فإذا أصبح يوم النحر صلى الغداة ووقف على المشعر الحرام إلى طلوع الشمس، فإذا
طلعت أفاض منه إلى منى فإذا وصلها رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ثم ينحر أو يذبح
ويحلق بمنى ثم يمضى إلى مكة من يومه ومن الغد ولا يؤخر ذلك فيطوف بالبيت سبعة
أشواط وهو طواف الحج ويسعى بين الصفا والمروة سبعا وهو سعي الحج.
فإذا تمم ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء والصيد، وأما الصيد فإنه
لا يجوز له لأنه في الحرم حتى يخرج منه وأما النساء فلطوافهن الذي بقي عليه فإذا طافه
حللن له، ثم يخرج من يوم إلى منى فيقيم بها ليالي التشريق ويرمي في كل يوم من
أيام التشريق الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة لكل واحدة سبع حصيات، ثم
ينفر بعد ذلك فإذا وصل ما ذكرناه فقد قضى حجه متمتعا وقضى مناسكه كذلك.
باب صفة القران في الحج:
فأما القران فهو فرض من كان من أهل مكة وحاضريها. وصفة ذلك أن يحرم من
يريده من ميقات أهله، ويعقد نيته لذلك في حال الإحرام، ويسوق هديه بعد أن
يشعره أو يقلده وذلك أن يشق سنامه ويلطخه بالدم ويقلده بنعل والأفضل أن يكون قد
صلى فيه فإن كان معه بدن كثيرة صفها صفين ووقف بينهما وأشعرها عن يمينه ويساره
ثم يسوقه من موضع الإحرام إلى منى ولا يحمل عليه ولا يجحف به بالكد في طريقه
270

ويمضى ملبيا.
فإذا وصل إلى مكة وأراد دخولها جاز له ذلك إلا أنه يقطع التلبية بها ولا يقطعها إلى
زوال الشمس من يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة، وإن أراد أن يطوف بالبيت
تطوعا جاز له ذلك إلا أنه كلما طاف جدد التلبية ليعقد بها إحرامه لأنه لو ترك ذلك
لدخل في كونه محلا وبطلت حجته وصارت عمرة، ثم يقف بالموقفين وينحر هديه بمنى
فإن صد أو أحصر فسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
ويرمي الجمار كما يرميها المتمتع سواء ويدخل إلى مكة ويطوف بالبيت طواف
الحج سبعة أشواط ويسعى سعيه بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضا ثم يطوف طواف
النساء، فإذا فعل ذلك فقد تم حجه قارنا وقضى مناسكه كذلك وعليه بعد هذا العمرة
وسيأتي ذكرها فيما بعد بمشيئة الله تعالى، والمتمتع لا يجب قضاؤها لأن تمتعه بها إلى
الحج سقط عنه فرضها، والقارن إنما سمي قارنا لسياقه الهدي.
باب صفة الإفراد:
ومن أراد الحج مفردا فليس عليه هدي وعليه أن يفعل مثل ما ذكرناه في صفة القران
لأن مناسك القارن والمفرد على حد سواء وإنما ينفصل القارن من المفرد بسياق الهدي،
ويستحب للمفرد تجديد التلبية عند كل طواف.
باب ضروب العمرة وصفتها:
العمرة واجبة كالحج والمطلق منها كالمطلق منه وما ليس بمطلق منها مثل ما ليس
بمطلق منه.
وهي على ضربين: عمرة متمتع بها إلى الحج والآخر عمرة مفردة منه، وفرائض
ذلك على ضربين: أركان وغير أركان، فالأركان هي: النية والإحرام والطواف
والسعي. وأما ما ليس بركن فهو التلبية وركعتا الطواف والتقصير. فطواف النساء
وركعتا هذا الطواف والعمرة المتمتع بها لا تصح إلا في أشهر الحج والتي لا يتمتع بها
271

يجوز فعلها في شهور الحج وغيرها وسيأتي فيما بعد ذكر شهور الحج بعون الله سبحانه.
وأفضل العمرة ما كان في رجب وقد ورد في شهر رمضان، ويستحب للإنسان أن
يعتمر في كل شهر أو في كل عشرة أيام إن تمكن من ذلك، وصفتها أن يحرم المعتمر من
خارج الحرم ويعقد إحرامه بالتلبية، فإذا دخل الحرم قطعها، فإن كان قد خرج من مكة
ليعتمر قطعها إذا شاهد الكعبة ثم يطوف بالبيت سبعا ويسعى بين الصفا والمروة سبعا،
فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه وعليه لحلية النساء طوافهن فإذا طافه
حللن له.
باب الإحرام وأحكامه:
أحكام الإحرام تتبين بذكر أشياء منها ما يجوز الإحرام به وما لا يجوز، ومنها ذكر
الزمان الذي يصح الإحرام فيه، ومنها ما ينعقد به الإحرام، ومنها ما ينبغي للمحرم
اجتنابه، ومنها ذكر ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة.
باب ما يجوز الإحرام فيه على كل حال وما لا يجوز:
الذي يجوز فيه الإحرام على كل حال هو الثياب البياض من القطن والكتان المحض
إذا لم يكن مختلطا ولا مما لا يجوز الإحرام فيه، وسيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء
الله، وكل ما جازت فيه الصلاة على ما سنذكره، والقطن والبياض من أفضل ثياب
الإحرام.
وأما ما لا يجوز فيه ما نقص عن ثوبين إلا في حال الضرورة فإنه يجوز له في هذه
الحال الإحرام في واحد، والثياب المخيطة إلا السراويل يجوز لبسه للنساء إذا لم يقدر
على غيره، والثوب المصبوغ بالزعفران أو نسي فيه ذلك، وكل ثوب فيه طيب لم تذهب
رائحته، والعمامة للرجال وما قام مقامها في ستر الرأس، والطيلسان إذا كان له أزرار
وزره المحرم على نفسه، والقباء إلا أن يكون له غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في
أكمامه، والخفان إلا أن تدعوه الضرورة إلى لباسها، والقفازان، والحلي الذي
لم تجر
272

عادة المرأة بلبسه أو جرت بذلك مع القصد به إلى الزينة، والخاتم إذا لبسه للزينة أيضا
فإن كان ذلك للسنة كان جائزا.
وقد ذكر جواز لبس المخيط من الثياب للنساء دون الرجال والأصل أن الذي يحرم
لباسه على الرجال في الإحرام يحرم لباسه على النساء إلا السراويل كما قدمنا القول به،
وجميع ما لا يجوز فيه الصلاة لا يجوز الإحرام فيه.
ويكره في ذلك كل ثوب كان معلما أو أسود مقدما أو كان من مصبغات النساء
لهن، والطيلسان الذي له أزرار إذا لم يزره على نفسه، وكل ثوب أصابه طيب وذهبت
رائحته إلا أن يغسل، والحلي للمرأة التي لم تجر عادتها بلبسه إذا لم تقصد به الزينة، وما
تكره الصلاة فيه أيضا، وكلما ذكرنا الآن أنه مكروه فإنه يجوز لباسه غير أن الأفضل ما
ذكرناه.
باب الزمان الذي يصح الإحرام فيه:
الزمان الذي يصح الإحرام فيه للتمتع بالعمرة إلى الحج والقران فيه والإفراد له هو
شهور الحج وهي: شوال وذو القعدة والتسعة الأيام الأول من ذي الحجة. فأما أحكام
ذلك فمفروضة وهي إعادة الحج إذا أحرم في غير هذه الأشهر وتجديد الإحرام في هذه
الأشهر إذا كان قد أحرم في غيرها وأن لا يحرم إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج أو
قارنا أو مفردا إلا في هذه الأشهر.
باب المكان الذي يصح الإحرام منه وأحكامه:
الأمكنة التي يجب الإحرام فيها هي التي وقتها النبي ص وهي: ذو
الحليفة وهو مسجد الشجرة وذلك ميقات أهل المدينة ومن حج على طريقهم،
والجحفة وهي المهيعة وذلك ميقات أهل الشام ومن حج على طريقهم، والعقيق وأوله
المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق وذلك ميقات أهل العراق ومن حج على
طريقهم، ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حج على طريقهم، وقرن المنازل وذلك
273

ميقات أهل الطائف ومن حج على طريقهم.
فأما أحكام ذلك فهي أن يحرم من الميقات الذي هو ميقات أهله ولا يجوز أن يحرم من
غيره إلا ما نذكره فيما بعد، ويجب عليه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه إذا كان قد ترك
ذلك ناسيا ولم يذكره حتى سار من الميقات وإن وصل إلى مكة، ويجب عليه الإحرام
من المكان الذي وصل إليه إذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات ليحرم منه إما للخوف
أو لضيق الوقت.
وكذلك يجب عليه إعادة الحج إذا ترك الإحرام من الميقات متعمدا أو الخروج إلى
خارج الحرم ليحرم منه إذا كان قد وصل إلى مكة وأمكنة الخروج إلى ذلك لأنه إن لا
يتمكن من ذلك أحرم من موضعه والإحرام من المنزل إذا كان منزله دون ميقات إلى
مكة، وكذلك خروج المجاور بمكة إذا أراد الحج إلى ميقات أهله ليحرم منه مع التمكن
من ذلك وكذلك إحرامه من خارج الحرم إذا لم يتمكن من ذلك أو من المسجد الحرام إذا
لم يتمكن من الخروج إلى خارج الحرم.
والإحرام من ولي المريض عنه إذا لم يستطع هو الإحرام وأن يجنبه ما يجتنبه المحرم،
ولا يترك الإحرام من الميقات ولا يجوز ذات عرق إلا وهو محرم والأفضل أن يحرم من
المسلخ فإن لم يتم ذلك له فليحرم من غمرة.
باب ما يقارن حال الإحرام من الأحكام:
الأحكام التي تقارن هذه الحال على ضربين واجب ومندوب:
فأما الواجب فهو: النية واستمرار حكمها إلى حين الإحلال، ولبس ثوبين مع
التمكن أو واحد مع الضرورة، وعقد الإحرام بالتلبية أو ما قام مقامها من الإيماء ممن لا
يستطيع الكلام أو الإشعار أو التقليد من القارن والمفرد، وتجريد الصبيان من فخ إذا أراد
أهلوهم الحج بهم، وأن لا يعقد الإحرام بأقل من أربع مرات من التلبية، ولا يلبس
سلاحا في هذه الحال إلا لضرورة، ولا تصلي المرأة صلاة الإحرام إذا عرض لها الحيض
في وقته حتى تطهر بل تفعل ما تفعله الحائض وتمضى.
274

ويستحب له توفير شعر الرأس واللحية من أول ذي القعدة، وتنظيف الجسد من
الشعر بالحلق والإطلاء، وأخذ شئ من الشارب والأظفار دون الرأس، والغسل، وصلاة
ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة وأفضل ذلك فريضة الظهر، والذكر للفظ التمتع إن
كان المحرم متمتعا والقران أو الإفراد إن كان قارنا أو مفردا، والاشتراط على الله
سبحانه أن يحله حيث حبسه لأنه إن لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له
الإحلال، وأن لا يمس شعر رأسه بعد توفيره من أول ذي القعدة وإلى هذه الحال ولا يمس
أيضا شيئا من لحيته إلا ما ذكرناه من الأخذ بشئ من الشارب.
باب ما ينعقد به الإحرام:
ينعقد بالتلبية أو ما قام مقامها من الإيماء ممن لا يستطيع الكلام والتقليد والإشعار
وهي على ضربين: واجب ومندوب.
وأما الواجب فهو:
لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.
وأما المندوب فهو:
لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك لبيك غفار
الذنوب لبيك لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك لبيك لبيك تبدي والمعاد إليك
لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك لبيك أهل التلبية لبيك لبيك ذا
الجلال والإكرام لبيك لبيك له الحق لبيك لبيك ذا النعماء والفضل
الحسن الجميل لبيك كاشف الكرب العظيم لبيك لبيك عبدك وابن عبديك
لبيك لبيك يا كريم لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله لبيك لبيك بحجة
وعمرة معا لبيك لبيك تمامها وبلاغها عليك.
فإن كان قارنا أو مفردا قال عوض قوله: بحجة وعمرة معا لبيك لبيك بحجة
لبيك لبيك إلى آخر التلبية. فإن كان نائبا من غيره قال:
لبيك عن فلان بن فلان لبيك لبيك بكذا وكذا لبيك. ثم يذكر ما هو فيه
275

من تمتع بالعمرة إلى الحج أو القران أو الإفراد ثم يأتي بباقي التلبية.
فأما التقليد والإشعار فقد سلف ذكرهما.
وأما أحكام التلبية فهو على ضربين: واجب ومندوب.
فالواجب هو: اللفظ بالتلبيات الأربع المفروضة حين عقد الإحرام بها وتحريك
اللسان أو الإشارة ممن لا يقدر على الكلام، وأن يعيد المحرم بحجة مفردة إذا كان قد
لبى بالتمتع بالعمرة إلى الحج ودخل مكة وطاف وسعى ثم لبى بالحج متعمدا قبل أن
يقصر لأن متعته تبطل هذه التلبية، وأن يمضى في حجه وإن كان متمتعا إذا وقع منه مثل
هذه التلبية ناسيا لأنه لا شئ عليه في ذلك، وأن يلبي أولياء الصبيان أو من لا يحسن
التلبية عنهم إذا أرادوا الحج بهم، وأن يلبي المحرم إذا كان حاجا على طريق المدينة من
الموضع الذي يصلى فيه للإحرام أو إذا أتى البيداء وهذا هو الأفضل، وأن لا يجعل ما فيه
عمرة إذا كان قد لبى بحجة مفردة ودخل مكة وطاف ثم لبى بعد الطواف لأنه إنما يجوز
له أن يجعل ذلك عمرة إذا قصر بعد السعي فإذا لم يكن ذلك ولبى بعد الطواف فلا يصح
له أن يجعل ما هو فيه عمرة، وأن لا يترك شيئا من التلبيات الأربع الواجبة إذا كان قد
أحرم بالحج يوم التروية ولا يقطع التلبية حتى يشاهد بيوت مكة وحد هذه البيوت من
عقبة المدنيين إلى ذي طوى إذا كان قد لبى متمتعا ولا يقطعها إذا كان معتمرا حتى
تضع الإبل خفافها في الحرم ولا يقطعها أيضا إذا كان قد خرج من مكة ليعتمر حتى
يشاهد الكعبة.
وأما المندوب فهو: التلفظ بالمندوب من التلبية، والإكثار من قول: لبيك ذا
المعارج ومن قول: لبيك بحجة وعمرة إن كان متمتعا، ورفع الصوت بذلك
إن تمكن منه ولم يكن عليه تقية فإن لم يتمكن نواه في نفسه، والجهر بالتلبية من
الرجال دون النساء، والإكثار من التلبية في كل حال من الأوقات وبالأسحار
عند هبوط الأودية وصعود التلال، ولا يلبي المحرم إلا وهو على طهارة.
276

باب كيفية الإحرام:
الإحرام هي أن يأخذ من يريده ثوبي إحرامه بعد الفراع من الاغتسال فليأتزر كما
قدمناه بأحدهما ويتشح بالآخر فإن لحقه برد جاز أن يزيده على الذي اتشح به ما يقي
نفسه به من البرد، والأفضل له أن يلبس ثوبي الإحرام بعد صلاة فريضة، فإن لم
يتمكن صلى ست ركعات أو ركعتين إن لم يتمكن من الست ويقرأ في الأولى بعد
الحمد: قل هو الله أحد وفي الثانية بعد الحمد أيضا: قل يا أيها الكافرون وقد تقدم
ذكر ذلك في كتاب الصلاة، فإذا فرع من صلاته حمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على
النبي ص وذكر الأئمة ع وقرأ سورة: إنا أنزلناه ودعا بعدها
فقال:
اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك اللهم
إني عبدك وفي قبضتك لا أوقي إلا ما وقيت ولا أخذ إلا ما أعطيت وقد عزمت
على التمتع بالعمرة إلى الحج. إن كان متمتعا، وإن لم يكن متمتعا ذكر ما عزم
عليه إن كان قارنا قال: وقد عزمت على الحج قارنا. وإن كان مفردا ذكر ذلك ثم
يقول:
فأسألك أن تعينني عليه وعلى ما ضعفت عنه وتسلم مني مناسكي في يسر
منك وعافية واجعلني من وفدك الذين رضيتهم وارتضيتهم وسميتهم
وكفيتهم اللهم فتمم لي ما قصدت له.
فإن كان متمتعا قال عقيب ذلك:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك ص فإن عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني
لقدرك الذي قدرت على اللهم إن لم يكن حجة فعمرة أحرم لك جسدي وشعري
وبشري من النساء والطيب والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة فأعني
وتقبل مني.
وإن كان قارنا قال بدل قوله التمتع بالعمرة إلى الحج. قارنا فسلم لي هديي
277

وأعني على مناسكي أحرم لك جسدي وشعري وبشري إلى آخر الكلام.
وإن كان مفردا قال بدلا من ذلك:
اللهم إني أريد الحج مفردا فيسره لي وسلم لي مناسكي أحرم لك جسدي
وبشري إلى آخر الكلام.
فإذا فرع من ذلك وكان متمتعا عقد إحرامه بالتلبيات الأربع الواجبة وهو جالس
في مكانه فيقول عقيب الكلام الذي تقدم:
لبيك لبيك اللهم لبيك إن النعمة والحمد لك والملك لا شريك لك
لبيك. ولا يعلن بها، ثم يستوي على مركوبه ويعلن بالمفروض والمندوب من التلبية وقد
تقدم ذكر ذلك، فإن كان قارنا عقد إحرامه بالتلبية كما ذكرناه والإشعار والتقليد وقد
بيناهما أيضا فيما سلف.
وإن كان المحرم امرأة حاضت أو نفست وقت الإحرام فعلت ما تفعله الحائض وتترك
الصلاة والقران وأحرمت وقضت مناسكها إلا الطواف بالبيت ودخول المساجد حتى
تطهر وتقضي ذلك.
وينبغي للمحرم إذا حصل في ميقات أهله أن يتنظف ويقص أظفاره ويأخذ من
شاربه ولا يمس شعر رأسه ويزيل الشعر من جسده، وإن تنظف وأطلى قبل ذلك بيوم
إلى خمسة عشر لم يكن به بأس والأفضل له إعادة ذلك عند الإحرام، فإن عدم الماء تيمم
ولبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتشح بالآخر كما قدمناه أو يرتدي به.
ومن اغتسل بالغداة أجزأ ذلك ليومه أي وقت أحرم فيه، وإن اغتسل أول الليل
أجزأه ذلك إلى آخر الليل ما لم ينم فإن نام أعاده استحبابا إلا أن يكون عقد الإحرام
بعد الغسل، ومن اغتسل وأكل بعد ذلك طعاما لا يجوز للمحرم أكله أو لبس ثوبا لا
يجوز للمحرم لبسه أعاد الغسل استحبابا.
ويجوز للمحرم أن يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن
وقت فريضة قد تضيق، فإذا كان قد تضيق بدأ بالفرض الحاضر ثم يصلى صلاة الإحرام
بعد ذلك، وإن كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم صلاة الفرض، ويستحب له أن
278

يشترط في الإحرام أن يحله حيث حبسه كما ذكرناه.
ويجوز لمن أحرم أن يأكل لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب ثم يعقد الإحرام
بالتلبية أو سياق الهدي وإشعاره وتقليده، فإن عقده بشئ من ذلك حرم عليه سائر ما
ذكرناه.
والإشعار هو أن يشق سنام البعير من الجانب الأيمن فإن كان له بدن كثيرة جاز أن
يدخل بين كل بدنتين فيشعر إحديهما من الجانب الأيمن والأخرى من الأيسر وهي
باركة وينحرها وهي قائمة.
والتقليد يكون بنعل قد صلى فيه.
ومن أحرم ولم ينو حجا ولا عمرة وكان إحرامه في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج
والعمرة أي واحد منهما أراد كان له فعله، وإن كان إحرامه في غير أشهر الحج لم ينعقد
إحرامه إلا بالعمرة.
باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه:
ما ينبغي للمحرم اجتنابه: لباس الثياب المخيطة، والملامسة بشهوة، والتقبيل بشهوة
أيضا، والاستمتاع، والجماع، والتزويج، وعقد ذلك لنفسه ولغيره فإن فعل ذلك كان
العقد باطلا، ولا يشهد عقدا، والمقام على عقد امرأة عقد عليها بل يفرق بينهما ولا تحل
له أبدا إذا كان عالما وقت العقد بتحريم ذلك عليه فإن لم يكن عالما بذلك جاز له
الرجوع إليها بعد إحلاله من إحرامه، والصيد، والذبح بشئ منه، والدلالة عليه،
والإشارة إليه، وأكل لحم الصيد وإن كان من صيد غيره، وكسر بيضه، وذبح فراخ شئ
من الطيور.
والتظليل على نفسه أو محمله، وتغطية رأسه إلا أن يكون امرأة فإنها تغطى رأسها
وتكشف وجهها، وقطع شئ من الحشيش والشجر النابت في الحرم إلا الفاكهة والإذخر
إلا أن يكون هو الذي غرس ذلك في ملكه أو نبت في داره بعد أن بناها فإنه إن كان
كذلك جاز له قطعه وحد الحرم الذي لا يجوز قطع الشجر منه بريد في بريد، والادهان بما
279

فيه طيب وكلما فيه ذلك أيضا واستعمال المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران
والقرب من شئ من هذه الأجناس على ثيابه وإن كان أصابها أزاله في الحال.
ولباس ما يستر ظاهر القدم مثل الجورب وما أشبهه مع الاختيار فأما عند الضرورة
فجائز، والتختم للزينة والرفث وهو الجماع، والفسوق وهو الكذب على الله وعلى رسوله أو
على أحد الأئمة ع، والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، وقص شئ من
شعره وأظفاره، وإزالة القمل عن نفسه ويجوز له نقل ذلك من موضع إلى آخر فأما إزالته
عن نفسه جملة فلا يجوز، وقتل البراغيث والبق وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم فإذا كان
في غيره جاز له، وسد أنفه من الرائحة الكريهة، وإدماء جسده أو فمه بحك أو سواك،
ودلك رأسه أو وجهه في وضوء أو غسل لئلا يسقط شئ من شعره.
ولبس السلاح إلا لضرورة، وقتل جراد أو زنابير مع تمكنه من أن لا يفعل ذلك،
وإخراج حمام الحرم منه والإمساك له أيضا فإن أخرجه رده إليه، وإمساك شئ من الطير
أيضا إذا دخل الحرم وهو معه بل يخليه يمضى حيث شاء إلا أن يكون مقصوص الجناح
فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه، ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس
المقدم ذكرها، ولا يستعمل الحناء للزينة، والكحل بما فيه طيب، والنظر في المرآة، ولا
يخرج القماري وما أشبهها من الحرم ويجوز اخراج الفهود منه على كل حال، ولا يستعمل
الأدهان الطيبة قبل الإحرام إلا أن يكون مما لا يبقى رائحته والصلاة بالبيداء وذات
الصلاصل ووادي ضجنان ووادي الشقرة، وتأديب الغلام فإن أدبه فلا يزيد على عشرة
أسواط، وتلبية من دعاه فإن كان أراد إجابته فليقل: يا سعد.
واجتناب المحرم لجميع ما ذكرناه على ضربين: أحدهما واجب والآخر مندوب،
فأما الواجب فهو الاجتناب عن جميع ما ذكرناه من أول الفصل إلى قولنا: إلا أن
يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه.
وأما المندوب فهو الاجتناب بكل ما يتلوه ذلك من قولنا: ولا يشم شيئا من الطيب
المخالف للخمسة الأجناس إلى آخره فليتأمل ذلك إن شاء الله.
280

باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة:
الذي يلزم المحرم على جناياته من الكفارة على ضربين: أحدهما يجب فيه الكفارة
بحيوان والآخر بغير حيوان.
فالذي يجب فيه بحيوان ستة أضرب: أولها: تجب بدنة وثانيها: بقرة وثالثها: شاة
ورابعها: كبش وخامسها: حمل وسادسها: جدي.
فأما ما تجب فيه بغير حيوان فهو أربعة أضرب: أولها: يجب فيه مقدار من الطعام
وثانيها: القيمة وثالثها: مقدار من التمر ورابعها: صدقة غير معينة.
فأما ما يجب فيه بدنة فهو: أن يصيب المحرم نعامة أو يصيب شيئا من بيضها
ويكون قد تحرك فيه فرخ، فإن لم يكن تحرك فيها فرخ أرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد
البيض فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى، أو يجامع في الفرج متعمدا أو فيما دونه
قبل الوقوف بالمزدلفة وعليه زائدا على البدنة إعادة الحج من قابل.
وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت محرمة وطاوعته فإن كان أكرهها على ذلك كان عليه
كفارتان ولم يكن عليها شئ، أو يجامع في الفرج متعمدا بعد الوقوف بالمشعر الحرام، أو
يجامع مملوكة له محرمة باذنه وهو محل لأنه إن كان إحرامها بغير إذنه لم يكن عليه شئ،
أو يجامع قبل طواف الزيارة وهو قادر على البدنة.
وكذلك يلزمه إذا جامع قبل التقصير وهو موسر، أو جامع بعد المناسك قبل طواف
النساء، أو يجامع وهو محرم بعمرة مبتولة قبل الفراع من مناسكها وعليه مع ذلك المقام
بمكة إلى الشهر الداخل ليعيد العمرة، أو يعبث بذكره فيمني وحكمه فيما زاد على البدنة
حكم المجامع قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده في إعادة الحج من قابل أو سقوط ذلك عنه.
أو ينظر إلى غير أهله فيمني ويكون قادرا على البدنة، أو ينظر إلى أهله بشهوة، أو
يلاعبها بشهوة فيمني أيضا، أو يعقد المحرم على امرأة ويدخل بها المعقود عليها، أو
يجادل ثلاث مرات كاذبا، أو ينسى طواف الزيارة ولا يذكره حتى يرجع إلى أهله وعليه
مع البدنة الرجوع إن تمكن ليقضيه بنفسه.
281

أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب الشمس متعمدا وهو جاهل بذلك، أو
يجامع وهو في طواف ولم يتمه وعليه مع البدنة إعادته، أو يجامع وهو في طواف النساء ولم
يجز نصفه وعليه مع البدنة إعادته أيضا فإن كان جاز نصفه بنى على ما تقدم ولم يعده،
أو ينذر الحج ماشيا ويعجز عن المشي فيركب وعليه مع البدنة أن يكون قائما مواضع
العبور، أو يجامع وقد سعى بعض السعي وعليه مع البدنة إتمامه فإن كان قد ظن أنه تممه
وجامع بعد ذلك تمم السعي ولم يلزمه غير ذلك.
وأما ما يجب فيه بقرة فهو: أن يصيب حمار وحش أو بقرة وحش أو يجادل مرتين
كاذبا أو يقلع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ولا ينبت في داره بعد
بنائه لها أو لا يكون قادرا على البدنة التي تجب عليه في الجماع قبل طواف الزيارة أو لا
يكون قادرا على البدنة أيضا التي تجب عليه متى نظر إلى غير أهله فأمنى إن لا يكون
موسرا.
فأما الذي يجب فيه شاة فهو: أن يصيب طائرا من حمام الحرم أو يخرج شيئا من هذا
الحمام منه أو ينفر ذلك فيرجع فإن لم يرجع كان عليه لكل طائر شاة أو يصيب ظبيا أو
ما جرى مجرى ذلك وهو محرم في الحل أو يأكل جرادا كثيرا أو يصيبه وهو يتمكن من أن
لا يصيبه أو يذبح طائرا من الصيد في الحرم وهو محل أو يصيب حجلة أو حمامة أو شيئا
من بيضها ويكون قد تحرك فيه الفراخ فإن لم يكن تحرك فيها أرسل فحولة الغنم في إناثها
بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى أو يغلق على حمام الحرم بابا وداخله
فراخ وبيض فهلك ويكون عليه عن كل طائر شاة وأما الفراخ والبيض فسنذكرهما فيما
بعد بمشيئة الله سبحانه.
أو يأكل بيضة نعامة اشتراها له غيره فإن أكل أكثر من ذلك واشترى له غيره كان
عليه لكل بيضة شاة فأما المشتري فسيأتي ذكر ما يلزمه في ذلك أو لا يقدر على البقرة
التي تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تلزمه على الجماع وقبل طواف الزيارة أو لا
يقدر على البقرة أيضا التي تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تجب عليه إذا نظر إلى غير
أهله فأمنى أو جادل ثلاث مرات صادقا أو جادل مرة واحدة كاذبا أو قبل زوجه من
282

غيره شهوة فأما تقبيل الولد والوالدة فلا شئ عليه أو قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس
واحد أو قلم أظفار رجليه في مجلس واحد وإن قلم شيئا من الأظفار ناسيا لم يلزمه على
ذلك شئ أو أفتاه غيره بتقليم ظفره فأدمى إصبعه فالشاة على المفتي.
أو يحلق رأسه لأذى أو يظلل على نفسه أو يستعمل دهنا فيه طيب أو يلبس ما لا يحل
له لبسه أو يأكل ما لا يحل له أكله أو ينتف إبطيه جميعا أو يقلع ضرسا له أو يخرج من
المشعر قبل طلوع الفجر أو يلبس قميصا أو يلبس ثيابا جماعة في مجلس واحد فإن لبسها
متفرقة كان عليه لكل واحد شاة أو يحلق متعمدا قبل يوم النحر أو ينسى التقصير حتى
يهل بالحج أو يقبل زوجته قبل التقصير أو يترك الحلق أو التقصير حتى يزور البيت أو يهل
عليه المحرم ولم يكن صام الثلاثة الأيام المتعلقة بدم المتعة ولا عوضها في النفر ويومين
بعده ولا في بقية ذي الحجة.
أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير منى أو يضرب بطائر الأرض في الحرم فيقتله
فعليه مع الشاة قيمتان والتعزير لاستصغاره الحرم أو يوقد جماعة نارا فيقع فيها طائر فإن
كان قصدهم ذلك كان على كل واحد منهم فداء وإن لم يكن قصدهم ذلك كان على
جميعهم فداء واحد.
وأما ما يجب فيه كبش فهو: أن يصيب أسدا لم يرده لأنه إن أراده ودفعه عن نفسه
فأصابه لم يكن عليه شئ.
فأما ما يجب فيه حمل: أن يغلق على حمام الحرم بابا ومعها فرخ فهلك الفرخ فإن كان
معها من الفراخ أكثر من واحد فهلكت كان عليه لكل فرخ حمل فأما ما ليس بفرخ فقد
تقدم ذكر ما تجب فيه أو يصيب قطاة وما أشبهها، وينبغي أن يكون الحمل في كل ما
ذكرناه قد فطم ورعى من الشجر.
وأما ما يجب فيه مقدار من طعام فهو: أن يصيب عصفورا أو قنبرة أو ما جرى مجرى
ذلك فعليه الصدقة بمد من طعام أو ينتف إبطه فعليه إطعام ثلاثة مساكين أو يمس رأسه أو
لحيته لغير طهارة فيسقط شئ من شعرهما بذلك فعليه كفان من طعام فإن كان مسهما
لطهارة لم يكن عليه شئ وقد ذكر أنه إن سقط ذلك في حال وضوء كان عليه كف من
283

طعام وإن كان كثيرا فدم شاة أو يصيب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام أو يرمي عن
نفسه قملة أو يقتلها فعليه كف من طعام أو يقلم ظفرا من أظفاره أو أكثر منه فعليه مد
من طعام إلا أن يكون ناسيا فلا يكون عليه شئ.
وأما ما يجب فيه القيمة فهو: أن يصيب بيض حمام وهو محرم في الحل فعليه لكل
بيضة درهم أو يصيب ذلك وهو محل في الحرم فعليه لكل بيضة ربع درهم ولا فرق بين أن
يكون أهليا أو من حمام الحرم إلا أن حمام الحرم يشترى بها بذلك علفا وقيمة بيض
الأهلي يتصدق بها على المساكين أو يخرج طائرا من الحرم فليرده فمتى لم يفعل ومات
فيه كان عليه القيمة أو يشترى محل لمحرم بيض نعام فيأكله المحرم وقد تقدم ذكر ما عليه
في ذلك فيما وجب فيه شاة أو يقتل اثنان صيدا أحدهما محرم والآخر محل في الحرم فعلى
المحل القيمة فأما المحرم فيتضاعف عليه الجزاء والقيمة وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله.
أو يفقأ عين غزال فعليه قيمته وفي الواحدة منهما نصف القيمة أو يكسر يديه
جميعا فعليه القيمة وفي الواحدة منهما نصف القيمة وهكذا الحكم في كسر رجليه أو
يكسر قرنيه جميعا وعليه نصف القيمة وفي الواحد منهما ربع القيمة وليس في قتله أكثر
من قيمة واحدة أو يغلق بابا وهو محرم على حمام الحرم حتى هلكت ومعها بيض فعليه
لكل بيضة درهم فأما ما عدا البيض فقد سلف ذكره وإن كان أغلق عليها بابا قبل أن
يحرم كان عليه لكل طائر درهم ولكل فرخ نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم ولو قتل
المحل فرخا في الحرم على غير هذا الوجه لوجب عليه نصف درهم.
فأما ما يجب فيه مقدار من تمر فهو: أن يصيب جرادة أو يأكلها فعليه تمرة يتصدق
بها.
فأما ما يجب فيه صدقة غير معينة فهو: أن ينتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة
يتصدق بها باليد التي نتف الريشة بها أو يصيب صيدا وهو محل فيما بين البريد إلى
الحرم بأن يكسر قرنه أو يفقأ عينه فأما إن أصابه على بريد فسنذكر فيما بعد إن شاء
الله.
284

باب: ما يتعلق بذلك:
البدنة إذا وجبت على انسان ولم يقدر عليها قوم الجزاء وفض ثمنه على البر وأطعم
ستين مسكينا كل مسكين نصف صاع فإن نقص عن ذلك فقد أجزأه وإن زاد عليه لم
يجب عليه أكثر من ذلك، فإن لم يقدر على إطعام ستين مسكينا صام عن كل نصف
صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر يوما.
ومن وجبت عليه بقرة ولم يقدر عليها قومها وفض ثمنها على الطعام وأطعم ثلاثين
مسكينا كل مسكين نصف صاع فإن زاد على ذلك لم يكن عليه أكثر من ذلك وإن
نقص فقد أجزأه، فإن لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام.
وإذا وجبت عليه شاة ولم يقدر عليها قومها وفض ثمنها على الطعام وأطعم عشرة
مساكين كل مسكين نصف صاع فإن زاد على ذلك لم يلزمه غيره وإن نقص لم يجب
عليه أكثر منه، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام، وحكم الحمل والجدي يجري هذا المجرى.
وكل من تكرر منه الصيد ناسيا تكررت عليه الكفارة فإن تعمد ذلك مرة لزمته
الكفارة مرة واحدة وإن تعمد مرتين لم يلزمه كفارة بل ينتقم الله منه كما قال الله تعالى،
وكل محرم أصاب صيدا في الحرم وجب عليه الجمع بين الجزاء والقيمة إلا من ضرب
بطائر الأرض فقتله فعليه مع الجزاء قيمتان والتعزير وقد تقدم ذكر ذلك فأما إن أصاب
وهو محل في الحرم أو محرم في الحل فقد بيناه فيما تقدم ذكره.
والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه الفداء وكذلك يجب عليه إذا ذبحه، ومن
دل على صيد فعليه الفداء، والجماعة المحرمون إذا قتلوا صيدا وجب على كل منهم
الفداء.
والمحرم يلزمه فداء الصيد كما قدمناه فإن أكله كان عليه فداء آخر وإن لم يصده
هو، فإذا رمى صيدا بشئ ومضى الصيد لوجهه ولم يؤثر فيه شيئا لم يكن عليه شئ فإن
أثر فيه فأدماه فإن كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح كان عليه ربع فإن لم
يعلم أصابه أو لم يصبه فعليه الفداء، وإذا كان محلا أو محرما وأصاب صيدا ماضيا إلى
285

الحرم برمي أو غيره ثم دخل الصيد الحرم ومات كان عليه الفداء وكان لحم الصيد
حراما، وإذا أصاب صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على بريد فعليه الفداء وكذلك
يجب عليه إذا كان في الحرم ورمى صيدا في الحل.
وإذا أحرم الغلام بإذن سيده وأصاب صيدا كان على السيد الفداء وكذلك يجب
عليه إذا أمره بالصيد وهو محرم وإن كان الغلام محلا، ومن يلي أمر صبي فعليه الكفارة
فيما يجنيه الصبي إذا كان قد حج به صيدا كان ما جناه أو غير صيد، ومن رمى طائرا
وهو على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل فعليه الفداء ولا فرق بين أن يكون الطير
على فرع من فروعها التي في الحل أو في الحرم.
وكلما يخافه الانسان مثل السباع، والحيات والعقارب وما يجري مجرى ذلك فإنه
يجوز للمحرم قتله وإن كان في الحرم إلا الأسد إذا لم يرده وقد سلف ذكره، ويجوز أيضا
قتل القراد ورميه عن نفسه وإزالته عن بعيره.
وكل ما أخذ من السباع مثل الفهود وما يجري مجراها بابتياع أو غيره ودخل به في
الحرم فإنه يجوز للمحرم اخراجه منه ولا فرق بين أن يكون الذي دخل إلى الحرم محرما أو
محلا.
ومن ربط صيدا خارج الحرم فدخل الحرم كان ثمنه ولحمه حراما ولم يجز إحرامه
إلا ما قدمنا ذكره من الفهود وما أشبهها وما قدمنا ذكره في باب الكفارة.
نبذة من لزوم إعادة الحج من قابل:
من تعمد ووطأ في الفرج أو استمنى قبل الوقوف بالمشعر الحرام وذلك لازم له سواء
كان الحج الذي فعل ذلك فيه واجبا أو تطوعا، وقد قيل: إن الحجة الأولى والثانية
عقوبة على ما جناه. وينبغي لمن فعل ذلك إذا عاد إلى الحج والمرأة معه أن يفترقا إذا
وصلا إلى الموضع الذي كان وطئها فيه، وقد ذكر أن حد الافتراق وهو أن لا يخلوا
بأنفسهما بل يكون معهما غيرهما من الناس.
وكل من تجسس أو استمع على من يجامع من غير أن ينظر إلى الذي يفعل فأمنى
فليس عليه شئ، وإذا كان أصل شجرة في الحل وفرعها في الحرم أو يكون أصلها في
286

الحرم وفرعها في الحل فلا يجوز قلعها إلا ما يكون الانسان قد أنبته وغيره مما ذكرناه فيما
مضى، وقد ذكرنا أيضا فيما تقدم أنه لا يجوز قلع الحشيش في الحرم وإن كان له إبل جاز
له تركها لترعى فيه ولم يجز له هو قلعه.
وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم مثل الإبل والبقر والغنم و الدجاج
الحبشي وغير الحبشي فإنه يجوز أيضا للمحرم، وكل صيد يكون في البحر والبر معا وهو
يبيض ويفرخ في البحر فلا بأس للمحرم أن يأكل طريه ومملوحه وإن كان يبيض
ويفرخ في البر لم يجز أكله ولا صيده، وإذا ذبح المحرم صيدا في الحل أو الحرم كان ميتة
لم يجز أكله لأحد وكذلك الحكم إذا ذبحه المحل في الحرم، والتضعيف عن الفداء
والقيمة إنما يكون فيما لا يبلغ بدنة ويلحق بذلك من شرب لبن ظبية في الحرم فعليه دم
وقيمة اللبن معا.
وكل ما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما جرى مجراه إذا أصابه المحرم في الحرم كان
عليه قيمتان، وفي صغار النعام مثل ما في كبارها وقد ذكر أن الصغير منها يجب فيه
الصغير من الإبل في سنه وكذلك القول في البقر والغنم والكبار أفضل، وجميع ما تقدم
ذكره من الصيد يجب فيه الكفارة متعمدا كان ما يصيبه أو ناسيا أو عالما أو جاهلا.
وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وكان قادرا على فداء الصيد فليأكل الصيد ويفديه
ولا يأكل الميتة، فإن لم يكن قادرا على ذلك جاز له أكل الميتة. وكل من كان محرما
بحج ووجب عليه جزاء صيد أصابه وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى، وإن
كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها والأفضل أن يكون فعله لذلك بالحزورة
مقابل الكعبة، والذي يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة الصيد فله يجوز نحرها
وذبحها بمنى.
باب الطواف وما يتعلق به من الأحكام:
الطواف على ضربين: واجب ومندوب، فالواجب ثلاثة أطواف وهي: طواف
العمرة وطواف الزيارة وطواف النساء. وأما المندوب فهو ما ندب المكلف إلى فعله منه
287

وقد ذكر في ذلك ثلاثمائة وستون أسبوعا أو ثلاثمائة وستون شوطا فإن لم يتمكن من
ذلك فما تيسر منه.
وأحكام الطواف على ضربين: واجب ومندوب.
فالواجب: إيقاعه على طهارة والابتداء به من الحجر الأسود والختم به، ويكمله
سبعة أشواط، وصلاة ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم ع، وطواف أسبوعين
إذا نذر الناذر الطواف على أربع، والطواف عن المريض إذا كان غير قادر عليه وكذلك
من جرى مجراه ممن يحج به.
فإن كان المرض عرض له بعد أن طاف أربعة أشواط انتظر به يوم أو يومان فإن صلح
تمم طوافه لنفسه وإن لم يصلح أمر من يطوف عنه وصلى هو ركعتي الطواف، وإن كان
طوافه أقل من أربعة وبرئ من مرضه أعاد الطواف من أوله فإن لم يصح ولم يبرأ من
مرضه أمر من يطوف عنه أسبوعا، والطواف أيضا إذا كان قادرا على إمساك الطهارة
فإن لم يقدر على ذلك انتظر به صلاحه فإذا صلح طاف بنفسه وإن لم يصلح طيف عنه
وصلى هو ركعتي الطواف.
وإعادته إذا زاد فيه متعمدا أو جامع متعمدا قبل إتمامه وهو طواف الزيارة وكذلك إن
كان طواف النساء وجامع قبل نصفه، فإن كان ذلك بعد جواز نصفه جاز له البناء بعد
أن يتطهر، وقد ذكرنا ما يلزم على الجماع في الطواف من الكفارة فيما تقدم.
وإعادته إذا أحدث ما ينقض الوضوء قبل نصفه وإن كان بعد النصف جاز له البناء
على ما تقدم منه، أو قطعه لغرض قبل نصفه، أو طاف وعلى ثوبه نجاسة وهو عالم بها
فإن لم يكن عالما بها قبل الابتداء به وعلم أزالها وتمم ما بقي، أو قطعة لغرض من
دخول البيت أو غيره فإن كان ذلك بعد نصفه بنى على ما تقدم منه، وأن يقطعه إذا حضر
وقت صلاة واجبة وليصل ثم يبني بعد الفراع من الصلاة على ما مضى.
وأن يقطعه إذا كانت امرأة وحاضت بعد جواز نصفه وتقضي الباقي بعد السعي
والتقصير، وأن تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه، وكذلك يجب
عليها إذا حاضت قبله وكان طواف العمرة وعليها بعد الحج قضاء العمرة، وأن يقضي
288

المولى ما فرط فيه وليه ويلحق بذلك إعادة الحج من قابل إذا ترك طواف الزيارة متعمدا
وإن كان طواف النساء لم يفسد الحج بتركه.
ولا يطوف وهو غير مختتن إلا أن تكون امرأة فإنه يجوز لها، ولا يطوف إلا ما بين المقام
والبيت فإن خرج عن المقام لم يصح، ولا يطوف وعلى رأسه برطلة، ولا يقرن بين طوافين
في فريضة ويجوز له ذلك في التطوع، ولا يطوف إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر
منى والموقفين إلا أن يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها تقديمه على
ذلك.
والقارن والمفرد يجوز لهما تقديم الطواف قبل عرفات، ولا يطوف طواف النساء
متمتعا كان أو قارنا أو مفردا إلا بعد الرجوع من منى والموقفين إلا لضرورة تمنع من ذلك
أو يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها التقديم قبل الموقفين، ولا يقرب
النساء إذا ترك طوافهن حتى يقضيه، ولا يقدم طواف النساء على السعي.
فأما المندوب فهو: الاغتسال إذا أراد الطواف، والمشي حافيا بسكينة ووقار،
والدخول لأجله إلى المسجد من باب بني شيبة، والصلاة على النبي ص،
ويطيب الفم بالأذخر أو غيره، واستلام الحجر الأسود في كل شوط، والإيماء إليه إذا لم
يتمكن من تقبيله، والدعاء عند استلامه، والدعاء أيضا في الطواف، وذكر الله تعالى
وقراءة القرآن، والتزام المستجار ووضع البطن والخد عليه، والدعاء عند المستجار أيضا،
واستلام الأركان كلها، والانصراف على وتر إذا كان في طواف نافلة وزاد على طواف
بأن ابتدأ طوافا ثانيا، ولا يتكلم في الطواف بغير ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والدعاء،
ولا يعول على غيره في ضبط عدد الطواف فإن فعل ذلك وشكا جميعا وجب الإعادة له
من أوله.
باب كيفية الطواف:
قد ذكرنا فيما سلف أن المريد للطواف ينبغي أن يكون على الطهارة وينبغي أن
يبتدئ بالحجر الأسود ويختم به وكلما فعل ذلك مرة فقد طاف شوطا ولا يزال كذلك حتى
289

يتم سبعة أشواط، ويجب أن يكون طوافه بين المقام والبيت ولا يطوف من داخل الحجر
بل يطوف من خارجه، ولا يشتغل عن الدعاء فيه بالنظر إلى الناس، وإذا ابتدأ به من
الحجر الأسود وصار مقابل باب الكعبة دعا فقال:
سائلك ببابك، مسكينك ببابك، فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة. اللهم
صل على محمد وآل محمد وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع
على من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة الجن
والإنس.
وإن كان نائبا عن غيره ذكره ودعا له ومضى حتى يقابل المقام، وإذا جاز باب
الكعبة وصار محاذيا للمقام قال:
السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك الطاهرين من الأنام، السلام
على إبراهيم الداعي إلى البيت الحرام ومسمع من في الأصلاب والأرحام،
السلام على أنبياء الله وملائكته الكرام.
ثم يقول في طوافه بين كل موضعين يقف بينهما للدعاء:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به
على جدد الأرض وباسمك المخزون المكنون عندك، وباسمك الأعظم الذي إذا
دعيت به أجبت وإن سئلت به أعطيت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن
تفعل بي كذا وكذا.
ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ويكثر من قراءة سورة إنا أنزلناه في ليلة القدر في
طوافه حتى يقابل الركن الشامي فإذا قابله وصار محاذيا لطرف الحجر قال:
السلام عليك غير مقلو ولا مهجور، اللهم صل على محمد وآل محمد
وافتح لي أبواب رحمتك.
ثم يتقدم حتى يصير محاذيا للميزاب فإذا صار محاذيا لذلك من خارج الحجر في
ظهره نظر إليه وصلى على النبي ص وقال:
اللهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني
290

شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم
الراحمين. ويدور حول الحجر حتى يصير عند طوافه الآخر محاذيا للركن الغربي فإذا
صار محاذيا لذلك قال:
اللهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين أمرتهما برفع أركان بيتك وأن
يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود فيما سألاك أن تتقبل منهما
فتقبل ذلك مني إنك أنت السميع العليم.
ثم يقول بعد أن يجاوز الركن الغربي قبل وصوله إلى الركن اليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني واعف عني وارزقني ووفقني.
ثم يتقدم حتى يصل إلى المستجار وهو دون الركن اليماني قليلا فإذا صار كذلك
فليقل:
اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي
اجترم، هذا مكان المستغيث المستجير من النار مكان من لا يدفع عن نفسه
سوءا ولا يجر إليها نفعا، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبا وراهبا، بك
أستعيذ من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أذنت له يا رب
العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين وسلمني من هول ذلك
اليوم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم يتقدم إلى الركن اليماني فإذا صار عنده التزمه ووضع خده عليه، فإن لم يتمكن
مسحه بيده ثم يمسح بها وجهه وقال:
يا سيدي إلى من يطلب العبد إلا إلى مولاه ولمن يرجو إلا سيده فأسألك أن
تصلي على محمد نبيك وعلى آله الطاهرين وأن تقبل مناسكي وتنجح حوائجي
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا ص
عبده ورسوله آمنت بما جاء به واتبعت النور الذي أنزل معه.
ثم يجوزه حتى يصير بينه وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود ويقول:
اللهم إني حللت بفنائك فاجعل قراي مغفرتك وأرض عني خلقك اللهم
291

آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ثم يتقدم إلى الحجر الأسود فإذا وصل إليه فقد تمم شوطا فيستلمه فإن لم يتمكن
أشار إليه بيده ويقبلها وقال:
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا رب العالمين وأهلك
أعداءهم أجمعين، اللهم تب على توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمري
وارزقني من رزقك الحلال وأدخلني الجنة برحمتك وأعذني من عذاب النار.
ويتم سبعة أشواط على هذا الترتيب ويقف في الشوط السابع عند المستجار ويلصق
خده وبطنه عليه ويدعو فيقول:
اللهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآل محمد
المنتجبين والطف لي في الدين والدنيا بلطف من عندك يا رب العالمين، اللهم
هذا مقام العائذ بكرمك اللائذ ببيتك وحرمك رب إن البيت بيتك والعبد
عبدك فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما بيني وبينك وأرض عني خلقك.
ويتعلق هنا بأستار الكعبة ويقول:
اللهم بك استجرت فأجرني وبك استغثت فأغثني، يا رسول الله يا أمير
المؤمنين يا فاطمة بنت رسول الله يا حسن بن علي يا حسين بن علي.
ويذكر الأئمة ع واحدا واحدا إلى المهدي ع فإن لم يتمكن
من ذكرهم للتقية أسر ذلك في نفسه وقال:
بالله ربي أستغيث وبكم إليه تشفعت أنتم عمدتي وإياكم أقدم
بين يدي حوائجي فكونوا شفعائي إلى الله تعالى في إجابة دعائي وتبليغي
في الدين والدنيا مناي اللهم ارحم بهم عبرتي واغفر بشفاعتهم خطيئتي واقبل
مني مناسكي واغفر لي ولوالدي واحفظني في نفسي وأهلي وولدي وجميع
إخواني وأشركهم في صالح دعائي إنك على كل شئ قدير.
ثم يمضى إلى الركن اليماني فإذا صار عنده استلمه والتزمه وسأل حوائجه ثم يكثر
من التضرع إلى الله تعالى في ذلك ويقول:
292

اللهم صل على محمد وآل محمد وقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما
آتيتني وارحمني إذا توفيتني.
ثم يمضى إلى الحجر الأسود فإذا صار في الشوط السابع عنده فقد تم طوافه، وينبغي أن
يفعل في تقبيله كما تقدم القول به ثم يقول:
اللهم أعني على تمام مناسكي ووفقني لما يرضيك عني وتقبل مني صالح
عملي واغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وصل على محمد وآله الطاهرين.
فإن كان نائبا عن غيره ذكره في طوافه فقال:
اللهم هذا الطواف عن فلان بن فلان فتقبله مني وأجرني على أدائي له
وعنه.
ثم يصلى ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم ع، ثم يقف متوجها إليه من
ورائه حتى تكون الكعبة أمامه ويكون متوجها إليه ويفتتح الصلاة ركعتين ويقرأ فيهما
بما قدمنا ذكره في كتاب الصلاة فإذا سلم منها رفع يديه وقال:
إلهي قد مد إليك الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك، إلهي قد جلس
المسئ بين يديك مقرا لك بسوء عمله وراجيا منك الصفح عن زلله، إلهي
قد رفع الظالم كفيه إليك راجيا فيما لديك فلا تخيبه برحمتك من فضلك،
إلهي قد جثا العائذ إلى المعاصي بين يديك خوفا من يوم يجثو فيه الخلائق
بين يديك، إلهي قد جاءك العبد الخاطئ فزعا مشفقا ورفع إليك طرفه حذرا
راجيا وفاضت عبرته مستغفرا نادما، إلهي فصل على محمد وآل محمد واغفر
لي برحمتك يا خير الغافرين.
ويقرأ سورة إنا أنزلناه وإن كان نائبا عن غيره قال:
اللهم إن طوافي هذا وصلاتي هذه من فلان بن فلان فاقبل منه وأثبه
وإياي في نيابتي عنه في ذلك.
فإذا فعل ذلك فقد تم طوافه للتمتع وعليه بعد ذلك الخروج إلى الصفا والسعي.
باب السهو والشك في الطواف:
293

السهو والشك في الطواف على ضربين أحدهما يوجب إعادته والآخر لا يوجب ذلك.
والذي يوجب إعادته: أن يسهو في طواف فريضة ويذكر أنه طاف أقل من أربعة أشواط
أو يشك فيه فلا يعلم هل طاف أو لم يطف أو يشك في حال الطواف ولا يدري كم
طاف جملة أو يشك بين ستة وسبعة وثمانية ولا يدري كم طاف من ذلك وهو في حال
الطواف أيضا أو يشك بين ستة وسبعة ولا يدري كم طاف منهما وهو في حال الطواف
أو يسهو فيطوف على غير طهارة ثم يذكر ذلك أو يسهو فيطوف من خارج المقام حيث هو
الآن أو يزيد فيه متعمدا أو يسهو عنه وهو في طواف الزيارة ولا يذكره حتى عاد إلى أهله
فيرجع ويقضيه مع التمكن من ذلك فإن لم يتمكن من الرجوع أمر من يطوف عنه أو
يتعمد تقديم طواف النساء على السعي فليعده أو يستعين بغيره في حصر عدد الأشواط
فشكا جميعا في ذلك.
وأما الذي لا يوجب إعادته فهو: أن يسهو عن الشوط السابع ثم يذكر بعد الانصراف
فعليه أن يعيد شوطا بدله فإن لم يكن ذكر ذلك حتى عاد إلى بلده أمر من يطوف عنه أو
يسهو فيطوف ثمانية أشواط فليضف إلى ذلك ستة أشواط أخر ويصلى أربع ركعات
ركعتين فيما بعد الطواف ثم يسعى ويصلى الركعتين الأخيرتين بعد السعي أو يسهو
ويذكر في الشوط الثامن أنه طاف سبعا فإن ذكر ذلك قبل بلوغه الحجر الأسود قطعه
وإن كان ذكر ذلك بعد أن جاوزه تمم أربعة أشواطا أو شك فلا يعلم هل طاف
سبعة أو ثمانية فليقطعه ويصلى ركعتين.
أو يسهو فيقطعه ويصلى ركعتين أو يسهو فيقطعه ويمضى إلى السعي ثم يذكر ذلك
فإن ذكره قبل أن يسعى ستا يتمم الطواف وإن كان قد سعى ستا قطع السعي وعاد إلى
الطواف فتممه ورجع فتمم السعي، وإتمامه الطواف إنما يصح إذا كان قطعه له أزيد من
النصف فأما إن كان في أقل من النصف أعاد كما قدمناه أو يسهو فيقدم طواف النساء
على السعي فلا شئ عليه إلا أن يتعمد ذلك فقد تقدم ذكره أو يشك بين ستة وسبعة بعد
الانصراف من الطواف فلا شئ عليه أو يشك فيما دون السبعة في طواف النافلة فليبن
فيه على الأقل إذا كان شكه في حال الطواف فإن ذكر بعد انصرافه لم يكن عليه شئ.
294

باب السعي وأحكامه:
أحكام السعي على ضربين: واجب ومندوب.
فأما الواجب فهو: السعي بين الصفا والمروة سبع مرات والابتداء به من الصفا
والختم بالمروة، وقطعه إذا تضيق وقت فريضة حاضرة وذكر أنه يقطعه إذا دخل وقتها
ويصلى ثم يعود فيتممه وإتمامه بعد الفراع من الصلاة التي قطعه لأجلها وأن يعيد الحج
من قابل إذا تركه متعمدا، ولا يسعى إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى
والموقفين إلا أن يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها تقديمه ولا يتمه إذا
كان فيه وحضر وقت فريضة حاضرة بل يقطعه ويصلى كما قدمنا القول به.
وأما المندوب فهو: الطهارة للسعي بغسل أو وضوء، واستلام الحجر الأسود إذا أراد
السعي، والحضور عند بئر زمزم للشرب من مائها والغسل منه والصب منه على الجسد إذا
لم يتمكن من الغسل، وينبغي أن يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر الأسود والخروج
إليه من الباب المقابل للحجر أيضا، والإسراع في موضع السعي إذا كان الذي يسعى
رجلا ماشيا أو راكبا، والدعاء عند الصفا والمروة وفيما بينهما، والدعاء في حال
السعي، ولا يكون راكبا في حال سعيه مع تمكنه من ذلك، ولا يقطعه إذا عرضت له
حاجة بل يؤخرها حتى يفرع منه إن تمكن من تأخيرها وإذا قطعه لحاجة تممه بعد ذلك.
باب كيفية السعي:
ينبغي لمن قصد إلى السعي بعد الفراع من الطواف أن يأتي زمزم فيشرب من مائها
ويصب منه على جسده من الدلو المقابل للحجر الأسود كما قدمناه، ويخرج من باب
الصفا وعليه السكينة والوقار حتى يأتي الصفا فيصعد عليها، ويستقبل القبلة بوجهه،
ويكبر الله تعالى ويحمده ويهلله سبعا سبعا ويقول بعد ذلك:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو
حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير. ثلاث مرات.
295

ويصلى على النبي ص والأئمة صلوات الله عليهم كذلك ويقرأ
سورة إنا أنزلناه ويقول بعد ذلك:
اللهم العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته
وإن عدت فعد على بالمغفرة إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم أظلني بظل عرشك
يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم استعملني بطاعتك وسنة رسولك ص
وتوفني على ملته واحشرني في زمرته، اللهم إنك تكفلت بأرزاقنا ورزق كل
دابة فأتنا من فضلك وأوسع علينا من رزقك وبارك لنا في الأهل والمال
والولد، اللهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق وارزقنا منك رحمة نستغني
بها عن رحمة من سواك، اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي
ولجميع المؤمنين والمؤمنات.
ثم ينحدر إلى المروة ويقول في انحداره:
يا رب العفو يا من أمر بالعفو وأولى بالعفو العفو.
ثم يمضى حتى يصل إلى المنارة فإذا وصل إليها هرول طالبا إلى حد الهرولة الآخر
وهو زقاق العطارين ثم يدعو فيقول: اللهم اهدني للتي هي أقوم واغفر لي وارحم
وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
ويكرر هذا القول حتى يصل إلى الزقاق فإذا وصل إليه قطع الهرولة ومشى إلى المروة
وقال:
يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآل محمد واغفر ذنوبي
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم.
ويكرر ذلك حتى يصل إلى المروة فإذا وصل إليها كبر الله سبحانه وحمده وهلله
سبعا وصلى على النبي وآله ص وقال:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو
حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، اللهم إني أسألك حسن الظن
296

بك وصدق النية في التوكل عليك، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل
بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني.
ويقر بذنوبه ويقرأ سورة إنا أنزلناه فإذا فعل ذلك فقد تمم من السعي شوطا، ثم
ينحدر من المروة ماضيا إلى الصفا ويقول فيما بين المروة والزقاق مثل ما قاله أولا في
هذا الموضع ويقول أيضا في حال الهرولة من الزقاق إلى المنارة ومن المنارة في حال المشي
إلى الصفا مثل ما قاله أولا من دعاء وغيره ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط، فإذا
تمم ذلك قصر والتقصير ههنا هو أن يأخذ من جوانب شعره ورأسه ولحيته ولا يحلق رأسه
ويقلم أظفاره والأفضل له أن يبقى منها ما يأخذه عند تقصيره للحج، فإذا أتى على ذلك
فقد أحل من كل ما أحرم منه إلا الصيد، وجاز له لبس الثياب المخيطة غير
أن الأفضل أن يقيم على إحرامه إلى يوم التروية فإذا حضر هذا اليوم جدد الإحرام للحج فيه.
باب السهو والشك في السعي:
السهو والشك في السعي ضربان: أحدهما يجب منه إعادته والآخر لا يجب منه ذلك.
فأما الذي يجب منه إعادته فهو: أن يسهو فيقدمه على الطواف أو يشك وهو فيه فلا
يدري كم سعى، أو يسعى ثماني مرات ويكون في الثامنة عند المروة، أو يزيد فيه
متعمدا، أو يسهو عنه فلا يذكره حتى صار في بلده، فعليه الرجوع لقضائه فإن لم يتمكن
من ذلك أمر من يسعى عنه.
وأما الذي لا يجب منه إعادته فهو: أن يسهو فيزيد فيه وقد بدأ بالصفا فليطرح الزيادة
ويتمم سبعين إن شاء ذلك أو يسعى تسع مرات ويكون في التاسع عند المروة فلا شئ
عليه أو يسهو فينقص شوطا أو أكثر ثم يذكره فعليه إتمامه أو يسهو عن الرمل ويذكر ذلك
في حال السعي فليعد إلى المكان الذي سها عنه فيه ثم يأتي به إن شاء الله.
باب التقصير بعد سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج:
إذا فرع المتمتع من هذا السعي فليقصر وذلك أن يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ولا
297

يحلق رأسه فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد والأفضل له البقاء
على إحرامه وترك لبس المخيط من الثياب إلى أن يجدد الإحرام بالحج فأما ما يلزمه على
حلق رأسه ههنا وما عليه أيضا إذا نسي التقصير حتى أحرم بالحج من الدم فقد تقدم
ذكره.
باب تجديد الإحرام بالحج في يوم التروية:
أحكام هذا الإحرام وشروطه كأحكام وشروط الإحرام المتقدم إلا فيما نذكره الآن
وهو أن هذا الإحرام ينبغي أن يعقده يوم التروية عند الزوال فإن لم يتمكن من ذلك
ففي الوقت الذي يعلم أنه يلحق معه الوقوف، ويذكر المحرم بالحج في إحرامه الحج
فقط، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال فإن نسي وأحرم بالعمرة وقد كان أتى بأركان
الحج أجزأه ذلك بالنية فإن نسي الإحرام ولم يذكره حتى صار بعرفات أحرم بها فإن لم
يذكر ذلك حتى قضى مناسكه كلها لم يلزمه شئ.
والمتمتع بالعمرة إلى مكة ليلة عرفة جاز له أن يعقد الإحرام بالحج بعد أن يطوف
ويسعى، فإن دخلها يوم عرفة جاز له ذلك أيضا إلى زوال الشمس فإذا زالت فقد فاتته
العمرة وبطل كونه متمتعا وكانت حجته مفردة هذا إذا علم أنه يلحق عرفات فإن لم
يعلم ذلك وغلب ظنه أنه لا يلحقها لم يجز له أن يحل بل عليه أن يقيم على إحرامه الأول
ويجعل حجته مفردة لأنه لا يصح مع ما ذكرناه غير ذلك.
باب كيفية هذا الإحرام:
قد ذكرنا فيما تقدم أن يوم التروية هو الثامن من ذي الحجة فإذا حضر هذا اليوم
فينبغي لمن يريد تجديد الإحرام أن يغتسل ويلبس ثوبي إحرامه ويمضى إلى المسجد الحرام
فيصلي فيه ويعقد إحرامه عند المقام فإذا قصد المسجد فيقول:
اللهم إني خرجت إليك راضيا ولما قلت مسلما وبمن أرسلت مصدقا ولما
298

مننت شاكرا وبما أنعمت عارفا فصل على محمد وآل محمد واجعل توجهي
إليك سببا لكل خير وجملني بلباس التقوى فارزقني الخشوع والخضوع
وجنبني الرياء والسمعة برحمتك.
ثم يدخل المسجد فإذا دخله فليكن دخوله بسكينة ووقار، فإذا أراد أن يطوف
بالبيت تطوعا جاز له ذلك ثم يصلى عند المقام ركعتين ويجلس إلى زوال الشمس، فإذا
زالت صلى ست ركعات أو ركعتين كما قدمناه ويصلى فريضتي الظهر والعصر إن
تمكن من ذلك وإلا صلى الظهر، فإذا فرع دعا الله تعالى بما أراد وصلى على النبي وآله
صلى الله عليهم ثم عقد النية للإحرام بالحج وصار إلى عند المقام وهو أفضل المواضع
التي يعقد الإحرام منها، فإذا وصل إليها فقال:
صدق الله الذي لا إله إلا هو وبلغت رسله الكرام ونحن على ذلك من
الشاهدين والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني
ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع كتابك وسنة نبيك فإنما أنا عبدك وفي
قبضتك، اللهم إني أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك ص فقوني
عليه ويسره لي وسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية
واجعلني من وفدك وحجاج بيتك الذين رضيت عنهم وارتضيتهم اللهم إن
عرض على عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على
أحرم لك جسدي وشعري وبشري ولحمي ودمي وعصبي وعظامي من النساء
والطيب والثياب.
ثم يأتي بالتلبيات الأربع المفروضة وقد سلف ذكرها ثم يقول:
لبيك بحجة تمامها عليك.
ولا يرفع صوته بذلك، وإن كان نائبا عن غيره قال: اللهم إني أريد الحج عن فلان
على كتابك وسنة نبيك فيسره لي وسهله على.
ويقول بعد الإحرام:
299

اللهم ما أصابني من تعب أو نصب فأجر فلانا فيه وأجرني في قضائي
عنه.
وإذا لبى قال في آخر التلبية:
لبيك عن فلان بن فلان لبيك. ثم يخرج متوجها إلى منى.
باب الخروج إلى منى بعد الإحرام بالحج:
إذا أراد الحاج بعد إحرامه كما قدمنا القول به الخروج إلى منى فالأفضل له أن لا
يخرج من مكة إليها حتى يصلى الظهر يوم التروية إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى
الظهر والعصر بمنى ويقيم بها إلى طلوع الشمس من يوم عرفة ثم يمضى إلى عرفات، وإذا
توجه من مكة إلى منى فينبغي له أن يقرأ سورة إنا أنزلناه فإذا بلغ الرقطاء دون الردم
وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبيات الأربع المفروضة وأتبعها بالمندوبة وقد سلف
بيان جميع ذلك ويقول:
اللهم إياك أرجو ولك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي.
حتى يصل إلى منى فإذا وصل إليها قال:
الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا وبلغنيها في عافية سالما، اللهم هذه منى
وهو مما مننت به علينا فأسألك أن تمن على ما مننت به على أنبيائك وأوليائك
وأهل طاعتك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك فصل على محمد وآل محمد واغفر
لي ذنوبي واقض حوائجي.
ثم ينزل ويصلى العشائين والفجر فإذا صلى الفجر غدا إلى عرفات.
باب الغدو إلى عرفات والوقوف بها وما يتعلق بذلك من الأحكام:
فإذا غدا إلى عرفات قال:
اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت وأمرك اتبعت وقولك
صدقت فأسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وتنجح لي
300

طلبتي وأن تباهي بي اليوم من هو أفضل مني، اللهم صل على محمد وآل محمد
وأعني على تمام مناسكي وزك عملي واجعلها خير غدوة غدوتها أقربها من
رضوانك وأبعدها من سخطك.
ثم يلبي التلبيات كلها ويرفع صوته ويقرأ إنا أنزلناه ولا يزال ملبيا حتى يصل
إلى عرفات فإذا وصل إليها ضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة ولا يقطع التلبية بها إلى
زوال الشمس من يوم عرفة، فإذا زالت قطعها واغتسل ودعا عند غسله فقال:
بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله ص اللهم طهرني من
الذنوب والخطايا والعيوب حتى تتوفاني وأنت عني راض.
ويكبر الله سبحانه ويهلله، ثم يصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم يتوجه إلى
الموقف فيقف به وأفضل مواضع الوقوف بها ميسرة الجبل قريبا من الميل، ولا يجوز أن
يقف بنمرة ولا بثوية ولا ذي المجاز ولا يرتفع إلى الجبل إلا لضرورة شديدة فإذا وقف
توجه إلى القبلة وسبح الله تعالى مائة مرة وحمده مائة مرة وهلله مائة مرة وكبر مائة مرة
وقال:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي
ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير.
ويقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله:
لله ما في السماوات وما في الأرض... إلى آخرها. ويقرأ آية السخرة وهي:
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على
العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات
بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ادعوا ربكم تضرعا
وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه
خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين.
ويقرأ قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق. وقل أعوذ برب الناس. ويقول:
301

اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك وارحم مسيري إليك، اللهم
رب المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع
على من رزقك وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم إني أسألك بحولك
وقوتك ومجدك وكرمك ومنك وفضلك يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين
ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تغفر
لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا.
ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ويقر بما يعرفه من ذنوبه ويعترف به ذنبا ذنبا
ويستغفر الله تعالى في الجملة لما يعرفه ولا يذكره ويرفع يديه إلى السماء ويقول:
اللهم حاجتي التي إن أعطيتها لم يضرني ما منعتني فإن منعتنيها لم
ينفعني ما أعطيتني فكاك رقبتي من النار، اللهم إني عبدك ناصيتي بيدك
وأجلي بعلمك أسألك أن توفقني لما يرضيك عني وأن تسلم لي مناسكي التي
أريتها خليلك إبراهيم ع ودللت عليها نبيك محمدا ص،
اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الممات
حياة طيبة الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد ولا تكافأ بعمل الحمد
لله على عفوه بعد قدرته الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه.
ويكثر من الدعاء ويحذر أن يشغله الشيطان عن الدعاء بالنظر إلى الناس فقد ذكر
أنه ليس شئ أحب لله من أن يذهل الناس في الموقف عن ذلك ويدعو بعد ما ذكرناه
بدعاء الموقف إن أراد ذلك.
باب دعاء الموقف:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد عبدك
ورسولك وخيرتك من خلقك وعبدك الذي اصطفيته لرسالاتك واجعله يا إلهي
302

أول شافع وأول مشفع وأبرك قائل وأنجح سائل، اللهم صل على محمد وآل
محمد أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد.
اللهم إنك تجيب المضطر إذا دعاك وتكشف السوء وتغيث المكروب
وتشفي السقيم وتغني الفقير وتجبر الكسير وترحم الصغير وتعين الكبير وليس
فوقك أمير وأنت العلي الكبير، يا مطلق المكبل الأسير يا رازق الطفل الصغير
يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير، اللهم إنك أعظم من
دعي وأسرع من أجاب وأكرم من عفا وخير من أعطى وأوسع من سئل ورحمان
الدنيا والآخرة ورحيمهما ليس كمثلك شئ مسؤول ولا معط دعوتك فأجبتني
وسألتك فأعطيتني وفزعت إليك فرحمتني وأسلمت نفسي إليك فاغفر لي
ولوالدي وولدي وكل سبب ونسب في الاسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات.
اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل
ثنائك وخاصة آلائك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل عشيتي هذه
أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة في عصمة من ديني وخاصة
نفسي وقضاء حوائجي وتشفيعي في مسائلي وإتمام النعمة على وصرف السوء
عني وإلباس ثوب العافية وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك
إنك جواد كريم.
اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى
تبلغها من قابل مع حجاج بيتك الحرام والزوار لقبر نبيك ع في أعفى
عافيتك وأعم نعمتك وأوسع رحمتك وأجزل قسمك وأسبغ رزقك وأفضل
الرجاء وأنا لك على أحسن الوفاء إنك سميع الدعاء.
اللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي وارحم تضرعي وتذللي
واستكانتي وتوكلي عليك وأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا إلا
303

بكرمك فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل وأنا معافى من كل مكروه
ومحذور من جميع البوائق وأعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم
من خلقك لخلقك، اللهم صل على محمد وآل محمد وسلمني في ديني وامدد لي
في أجلي وأصلح لي جسمي يا من رحمني وأعطاني سؤلي فاغفر لي ذنبي إنك على
كل شئ قدير.
اللهم صل على محمد وآل محمد وتمم لي نعمتك فيما بقي من عمري حتى
تتوفاني وأنت عني راض، اللهم صل على محمد وآل محمد ولا تخرجني عن ملة
الاسلام فإني اعتصمت بحبلك ولا تكلني إلى غيرك، اللهم صل على محمد وآل
محمد وعلمني ما ينفعني واملأ قلبي علما وخوفا من سطوتك ونقمتك، اللهم
إني أسألك مسألة المضطر إليك المستجير من عذابك الخائف من عقوبتك أن
تغفر لي بعفوك وتحنن على برحمتك وتجود على بمغفرتك وتؤدي عني فريضتك
وتغنيني بفضلك عمن سواك من أحد من خلقك وأن تجيرني من النار برحمتك.
اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح له فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا،
اللهم صل على محمد وآل محمد وأظهر حجته بوليك وأحي سنته بطهوره حتى
يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفي أحد بشئ من الحق مخافة
أحد من الخلق، اللهم إني أرغب إليك في دولته الكريمة الشريفة التي تعز بها
الاسلام وأهله وتذل بها الشرك وأهله، اللهم صل على محمد وآل محمد
واجعلني فيها من الدعاة إلى طاعتك والعابرين في سبيلك فارزقني كرامة الدنيا
والآخرة.
اللهم ما أنكرناه من الحق فعرفناه وما قصرنا عنه فبلغناه، اللهم صل على
محمد وآل محمد واستجب لنا ما دعوناك وسألناك واجعلنا ممن يتذكر
فتنفعه الذكرى وأعطني اللهم سؤالي في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ
قدير.
ثم يجتهد في الدعاء فإذا فرع منه وغربت الشمس أفاض من عرفات إلى المشعر الحرام.
304

باب أحكام الوقوف بعرفات:
هذه الأحكام على ضربين واجب ومندوب.
فأما الواجب فهو: الوقوف بالموقف إلى غروب الشمس، والإفاضة منه إلى المشعر
الحرام عند غروبها، وإعادة الحج من قابل إذا تركه متعمدا، فإن نسيه أعاده ما بينه
وبين طلوع الفجر من يوم النحر فإن لم يذكر ذلك إلا بعد طلوع الفجر وكان قد وقف
بالمشعر الحرام كان حجه ماضيا ولا شئ عليه، ولا يخرج أحد من منى إلى عرفات إلا
بعد طلوع الفجر من يوم عرفة إلا أن يكون مضطرا إلى ذلك، ولا يجوز الحاج منها وادي
محسر إلا بعد طلوع الشمس من هذا اليوم أيضا، ولا يرتفع إلى الجبل إلا لضرورة، ولا
يقف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في ذي المجاز.
وأما المندوب فهو: الدعاء في التوجه من منى إلى عرفات، والغسل عند زوال
الشمس قبل الوقوف بها، وضرب الخباء بنمرة وهي بطن عرنة، والجمع في عرفات بين
الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، وأن لا يخرج الإمام من منى إليها إلا بعد طلوع
الشمس من يوم عرفة ومن سواه يجوز له الخروج قبل ذلك.
باب الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام:
ينبغي لمن أراد الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام أن لا يفيض منها إلى غيرها
حتى تغرب الشمس فإذا غربت وأفاض منها قال:
اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني واقلبني
مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك
عليك وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبر والرحمة والرضوان
والمغفرة وبارك لي فيما أرجع إليه من مال أو أهل أو قليل أو كثير وبارك لهم
في.
ويقتصد في مسيره حتى يصل إلى الكثيب الأحمر فإذا وصل إليه وهو عن يمين
الطريق قال:
305

اللهم ارحم موقفي وزك عملي وسلم ديني وتقبل مناسكي.
ثم يمضى حتى يصير عند المأزمين فإذا صار عنده قال:
الله أكبر. أربع مرات ثم يقول:
اللهم صل على محمد وآل محمد خيرتك من خلقك وآله الطاهرين إلهي إلى
ههنا دعوتني وبما عندك وعدتني وقد أجبتك بتوفيقك وفضلك فارحمني
وتجاوز عني بكرمك.
ثم ينزل المشعر الحرام فإذا وصل إليه نزل به إن وجد فيه خللا وإن لم يجد ذلك
لكثرة الناس نزل قريبا منه، ويصلى فيه العشائين بأذان واحد وإقامتين ويؤخر نوافل
المغرب إلى بعد الفراع من العشاء الآخرة ولا يصليها إلا فيه ولو مضى ربع الليل أو ثلثه
فإن لم يبلغ إليه إلى ثلث الليل جاز له أن يصلى المغرب في الطريق، فإذا فرع من صلاته
بالمشعر قال:
اللهم هذه جمع فأسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تجمع لي
فيها جوامع الخير الذي جمعت لأنبيائك وأهل طاعتك من خلقك وقد أمرت
عبادك بذكرك عند المشعر الحرام فصل على محمد وآل محمد ولا تؤيسني من
خيرك وعرفني في هذا المكان ما عرفت أولياءك ولا تخيبني فيما رجوتك
وأعتقني ولوالدي وجميع المؤمنين من النار برحمتك.
ثم يجتهد في الصلاة والدعاء طول ليلته إن تمكن من ذلك إلى الفجر، فإذا طلع الفجر
صلى الفريضة وتوقف متوجها إلى القبلة ودعا بما نورده الآن من دعاء الموقف بالمشعر
الحرام ويجتهد في ذلك إلى طلوع الشمس، فإذا لم يتمكن من ذلك لضرورة فإنه يستحب
له أن يطأ المشعر برجله مع التمكن منه.
باب الدعاء في الموقف بالمشعر الحرام:
ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر أن يقف منه بسفح الجبل
متوجها إلى القبلة ويجوز له أن يقف راكبا، ثم يكبر الله سبحانه ويذكر من آلائه
306

وبلائه ما تمكن منه، ويتشهد الشهادتين، ويصلى على النبي وآله والأئمة ع
وإن ذكر الأئمة واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل ويقول بعد ذلك:
اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار وأوسع على من الرزق الحلال
وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير
مسؤول ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل
معذرتي وتجاوز عن خطيئتي ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي
برحمتك.
ثم يكبر الله سبحانه مائة مرة ويحمده مائة مرة ويسبحه مائة مرة ويهلله
مائة مرة ويصلى على النبي ص
ويقول:
اللهم اهدني من الضلالة وأنقذني من الجهالة واجمع لي خير الدنيا
والآخرة وخذ بناصيتي إلى هداك وانقلني إلى رضاك فقد ترى مقامي بهذا
المشعر الذي انخفض لك فرفعته وذل لك فأكرمته وجعلته علما للناس فبلغني
فيه مناي ونيل رجائي، اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري
وبشري على النار وأن ترزقني حياة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك
واتباعا لأوامرك وخير الدارين جامعا وأن تحفظني في نفسي وولدي وأهلي
وإخواني وجيراني برحمتك.
ويجهد في الدعاء والمسألة والتضرع إلى الله سبحانه إلى حين ابتداء طلوع الشمس فإذا
طلعت أفاض من المشعر الحرام إلى منى ويأخذ حصى الجمار منه أو من الطريق، ولا
يفيض قبل طلوع الشمس، ويسير بسكينة ووقار، ويذكر الله سبحانه، ويصلى على
النبي وآله ع، ويجتهد في الاستغفار حتى يصل وادي محسر فإن وصل إلى
هذا الوادي سعى فيه فإن كان راكبا حرك دابته حتى يجوزه وهو يقول:
اللهم سلم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني في من تركت بعدي.
ثم يمضى إلى منى.
307

باب أحكام الوقوف بالمشعر الحرام:
هذه الأحكام على ضربين: واجب وندب.
فالواجب هو: الوقوف به، وذكر الله سبحانه، والصلاة على النبي وآله
ع، والرجوع إلى منى بعد ذلك، وإعادة الحج من قابل إذا ترك هذا الوقوف متعمدا
وكذلك يجب عليه إذا أدرك المشعر بعد طلوع الشمس فإن أدركه قبل ذلك كان الحج
ماضيا، ولا يرتفع الواقف بالمشعر الحرام إلى الجبل إلا لعائق من ضيق أو ما أشبهه، ولا
يخرج أحد من المشعر قبل طلوع الفجر، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس أيضا،
ولا يخرج الإمام من المشعر إلا بعد طلوع الشمس مع التمكن من ذلك.
وأما المندوب فهو: الدعاء عند الإفاضة إلى المشعر الحرام والاقتصاد في السير إليه،
والدعاء عند الكثيب الأحمر، والسعي عند وادي محسر حتى يجوزه، والدعاء عند هذا
الوادي ويجمع بين العشائين بأذان واحد وإقامتين وأن لا يصلى بين العشائين نوافل بل
يؤخر ذلك إلى بعد صلاة العشاء الآخرة.
باب الرجوع من المشعر الحرام إلى منى ليقضى المناسك بها:
ينبغي للحاج إذا فرع من الوقوف بالمشعر الحرام الرجوع إلى منى ويقضي مناسكه بها
وهذه المناسك ثلاثة وهي: رمى الجمار والذبح والحلق.
باب رمى الجمار:
إذا أردنا أن نبين رمى الجمار فينبغي أن نبين ما يجوز الرمي به من الحصى فهو الذي
يؤخذ من جمع أو من منى أو من الطريق إذا عاد من المشعر الحرام إلى منى ولم يتمكن من
أخذها من جمع ولا من منى ويجوز أخذها من جميع الحرم إلا ما سنذكره، وينبغي أن
يكون برشا منقطة كحلية ولا يكسرها ويكره أن يكون صما، ولا يؤخذ الحصى للرمي
من خارج الحرم ولا حصى المسجد الحرام ولا مسجد الخيف.
وينبغي للعائد من المشعر إلى منى يوم النحر أن يرمي الجمرة القصوى بسبع حصيات
308

ولا يرمي غيرها في هذا الوقت بل يرمي الجمار الثلاث بعد رجوعه من مكة وفراغه من
طواف الحج وسعيه في أيام التشريق وهي الثاني والثالث والرابع من
يوم النحر في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة كل واحدة بسبع حصيات فتكون جملة الحصى سبعين حصاة
يرمي منها يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات ويبقى منه ثلاث وستون حصاة يرمي في
أيام التشريق الجمار الثلاث في كل يوم بإحدى وعشرون حصاة لكل واحدة سبع
حصيات.
وإذا أراد الحاج رمى الجمار بهذه الحصيات فينبغي أن يكون على طهر ويقف
متوجها إلى القبلة ويجعل الجمرة عن يمينه ويكون بينه وبينها مقدار عشرة أذرع إلى خمسة
عشر ذراعا من بطن الميل ويأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالمسبحة
وقيل:
بل يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة، ويقول:
اللهم هذه حصياتي فأحصهن وارفعهن في عملي بسم الله وبالله اللهم صل
على محمد وآل محمد الله أكبر اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك اللهم
اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وذنبا مغفورا.
ويقول ذلك مع كل حصاة ويجزئه أن يذكر ذلك مع الأولى ويكبر مع كل واحدة أو
يكبر مع الكل لكل واحدة تكبيرة ويفعل ذلك حتى يتم رمى السبع حصيات فإذا تم
ذلك رجع إلى رحله بمنى وهو يقول:
اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير.
فإذا كان نائبا عن غيره قال عند رمى الجمرة:
اللهم إن هذه الحصيات عن فلان بن فلان فأحصهن له وارفعهن في عمله
واجعله له حجا مقبولا وسعيا مشكورا وعملا مبرورا وأثبني على أدائي عنه.
ويدعو له ولنفسه بما أراد ثم يبتاع الهدي.
باب السهو في رمى الجمار وغيره:
إذا لم يرم الحاج الجمار إلى أن غابت الشمس لم يجز له الرمي إلا من الغد بكرة ولا
309

يرمي ليلا إلا لضرورة من خوف أو غيره إلا أن يكون امرأة أو عبدا فإنه يجوز لهما ذلك،
وينبغي أن يرمي عمن يحج به من صبي ومن لا يقدر على ذلك لمرض أو غيره، وإذا نسي
الرمي حتى أتى مكة كان عليه أن يرجع ليقضي ذلك وإن لم يذكره حتى عاد إلى أهله
لم يكن عليه شئ فإن عاد حاجا قضاه فإن لم يحج أمر من يقضي عنه.
وإذا بدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى أعاد على الوسطى وجمرة العقبة، فإذا
سها فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام أعاد
عليها كلها، فإن كان قد رمى الأولى بأربع تمم الرمي على الأخيرتين أعاد على الأولى
بثلاث حصيات ولم يعد على الباقي وكذلك إذا رمى الوسطى بأقل من أربع أعاد عليها
وعلى ما بعدها فإن كان رماها بأربع تممها ولا إعادة عليه الثالثة.
وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمار هي أعاد على كل واحدة منهن
بحصاة، ومن كان عليه رمى يومين رماها كلها يوم النفر، وإذا فاته رمى لأمسه رمى ما
فاته من ذلك من الغد بكرة وما كان مخصوصا بيومه رماه عند الزوال، وإذا رمى جمرة
بحصاة فوقعت في محمله أعاد مكانها غيرها فإن أصابت شيئا ووقعت على الجمرة فلا
إعادة عليها.
باب أحكام الهدي وذبحه أو نحره:
الهدي لا يكون إلا من الإبل أو البقر أو الغنم، فإن كان من الإبل فيجب أن يكون
ثنيا من الإناث وهو الذي تمت له خمس سنين ودخل في السادسة، وإن كان من البقر
فيكون ثنيا من الإناث أيضا فما فوق ذلك والثني منها هو الذي تمت له سنة ودخل في
الثانية، وإن كان من الضأن فجذعا فما فوقه وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.
ويجب أن لا يكون ناقص الخلقة ولا أعور بين العور ولا أعرج بين العرج ولا عجفاء
ولا أجذم ولا أجذع وهو المقطوع الأذن ولا خصيا إلا أن لا يقدر على غيره ولا أعضب
وهو المكسور القرن إلا أن يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا فإنه يجوز إذا كان
كذلك، ويحضر به عرفات، ولا يجزئ الهدي الواحد عن أكثر من واحد إلا في حال
310

الضرورة فإنه يجزئ عن أكثر من ذلك.
وإذا ظل الهدي عن صاحبه فوجده غيره فذبحه بغير منى كان على صاحبه العوض
لأنه إنما يجزئ عنه إذا ذبحه بمنى وينبغي لصاحب الهدي أن لا يأكل منه إذا كان قد
وجب عليه في نذر أو كفارة فإن أكله لغير ضرورة فعليه الفداء، ولا يبتاعه مهزولا وهو
عالم بذلك منه وحد الهزال الذي لا يجوز معه ذلك فهو أن لا يكون على كليتيه شحم وإن
اشتراه على أنه سمين فخرج مهزولا كان مجزئا ولا يجزئ المهزول إلا بأن لا يقدر على
غيره، وينبغي أن يجعل حكم ما ينتج من الهدي حكم أمه في وجوب النحر أو الذبح.
وإذا ضاع الهدي بعد تقليده وإشعاره واشترى عليه ثم وجد الأول وأراد ذبح الثاني
فعليه ذبح الأول معه لأنه إنما يجوز له بيع الثاني إذا اختار ذبح الأول فإن لم يكن أشعر
الأول ولا قلده كان مخيرا وذبح أيهما شاء والأفضل ذبحهما جميعا، ولا ينبغي تأخير
الذبح بمنى إلى بعد الحلق إلا أن يكون ناسيا.
وإذا لم يقدر على ابتياع الهدي فينبغي أن يترك ثمنه عند ثقة يشتريه به ويذبحه عنه
في العام المقبل، وإذا لم يقدر المتمتع على هدي التمتع كان عليه صوم عشرة أيام سبعة
منها إذا رجع إلى أهله وثلاثة في الحج وهي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة
فإن لم يتمكن من ذلك صام ثلاثة أيام بعد التشريق فإن لم يقدر صام باقي ذي الحجة
فإن دخل عليه المحرم ولم يكن صام من ذلك شيئا كان عليه دم.
والسيد إذا أمر عبده بالحج متمتعا كان عليه أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم فإذا
انعتق قبل الوقوف بالموقفين كان عليه الهدي والحاج يصوم صوم الهدي عمن يلي أمره إذا
مات قبل أن يصومه، ومن نذر ذبح هدي في مكان معين وجب عليه ذبحه في ذلك
المكان فإن لم يعين ذلك ذبحه بفناء الكعبة، وهدي المتعة ينبغي أن يذبح في أيام ذي
الحجة ولا يتجاوز به ذلك وإن كان أحرم بالحج ذبحه بمنى وإن كان للعمرة المفردة ذبحه
بالحزورة مقابل الكعبة.
وأيام الذبح بمنى أربعة وهي يوم النحر وثلاثة بعدها، وفي سائر الأمصار ثلاثة أيام
أولها يوم النحر ويومان بعده، ويستحب له أن يتطوع بالهدي إذا لم يكن متمتعا، وإن
311

صام ثلاثة الأيام بمكة ثم تمكن من الهدي فليهده، وينبغي أن ينحر ما يجب نحره
قائما مربوط اليدين بين الخف والركبة ولا يأخذ من جلده شيئا بل يتصدق به.
والذابح ينبغي أن يتولى الذبح بنفسه فإن لم يستطع ذلك وضع يده مع الذابح
ويسمي بسم الله عند الذبح، ولا يترك التسمية فإنها واجبة ومتى تعمد تركها لم يجز
أكل ما ينحره أو يذبحه فإن كان ناسيا جاز له ذلك، ويدعو عند الذبح، وإن جمع بين
الهدي والأضحية كان أفضل، وإن كان نائبا عن غيره ذكره عند الذبح.
وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام يأكل الواحد إلا أن يكون هدي نذرا أو كفارة
فإنه إن كان كذلك لم يجز أكل شئ منه، ويهدي قسما آخر، ويتصدق بالثالث.
فأما الأضحية فهي مندوبة وشروطها شروط ذبح الهدي سواء، والأيام التي ينبغي
نحرها أو ذبحها فيها هي الأيام التي ينبغي نحر الهدي أو ذبحه فيها وقد سلف ذكر
ذلك.
باب الحلق:
إذا ذبح الحاج هديه أو نحره اغتسل وقصر من شعره أو حلق، والتقصير هو الواجب
والحلق مندوب فإن كان الحاج صرورة فقد ذكر أنه لا يجزئه إلا الحلق ومن لم يكن
صرورة فالتقصير يجزئه إلا أن الحلق أفضل، والحلق يجب أن يكون بمنى فإن نسي حتى
خرج منها رجع إليها ليقصر أو يحلق بها فإن لم يتمكن من ذلك حلق في موضع الذكر له
وينفذ شعره ليدفن بها، وليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير.
وينبغي لمن أراد التقصير أو الحلق أن يغتسل ويستقبل القبلة ويقصر من شعر رأسه
ولحيته وأظفاره وإن شاء حلق، ويكون الابتداء بالحلق من الناصية من القرن الأيمن إلى
الأذنين فإن لم يكن على رأسه شعر أمر الموسي عليه ويدعو عند ذلك ويقول:
اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفة. فإن كان نائبا
عن غيره قال:
اللهم هذا عن فلان اللهم حرم شعره وبشره من النار.
312

فإذا فرع من ذلك فينبغي أن يدخل مكة لزيارة البيت ويرجع إلى منى.
باب الدخول إلى مكة من منى لزيارة البيت والرجوع إلى منى:
من فرع من التقصير والحلق فينبغي أن يتوجه إلى مكة من يومه أو من الغد ولا يؤخر
ذلك ليزور البيت بطواف الزيارة وهو طواف الحج ويسعى سعيه، وينبغي أن يغتسل إن
توجه إلى زيارة البيت في اليوم الثاني من يوم النحر فإن كان توجهه إلى ذلك يوم النحر
كان الغسل الذي فعله عند الحلق مجزئا له عن ذلك ويذكر الله سبحانه في توجهه إلى
مكة ويأتي من حمده والثناء عليه بما أمكنه ويصلى على النبي وآله ع بما
أمكن أيضا ويدعو فيقول:
اللهم إني أريد بتوجهي هذا زيارة بيتك الحرام غير راغب عن مشاعرك
العظام فأسألك أن تعينني على نسكي ولا تجعله آخر العهد مني يا ذا الجلال
والإكرام. ويقرأ سورة إنا أنزلناه.
فإذا دخل إلى مكة قال:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم
تسليما، اللهم إني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك حيث أطلب رحمتك متبعا
لأمرك راضيا بقدرك فأسألك مسألة المضطر الخائف المشفق من عذابك أن
تلبسني عفوك وتجيرني من النار برحمتك.
ثم يمضى، فإذا وصل إلى باب المسجد وهو باب بني شيبة وقف على عتبته وقد ذكر
أنها الصنم الذي كان يسمى هبلا ثم يقول:
السلام على رسول الله وعلى أهل بيته الطاهرين السلام على أنبياء الله ورسله
وملائكته وحججه، اللهم صل على محمد وآله أجمعين وسلم عليهم تسليما
يا مقيل العثرات يا مكفر السيئات أسألك أن تقيلني عثرتي وأن ترحم عبرتي
وتجاوز عن زلتي، اللهم هذا مقام العائذ بك من النار فأعذني منها ووالدي
وولدي وجميع أهلي وإخواني بقدرتك إنك على كل شئ قدير.
313

ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ويقول:
بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد.
ثم يمضى حتى يقف عند الحجر الأسود فيستلمه ويدعو عنده كما دعا يوم قدم مكة
ويبتدئ منه بطواف الزيارة وهو طواف الحج كما ذكرناه يفعل فيه كما فعل في طواف
التمتع من الابتداء بالحجر الأسود والختم به والدعاء وغير ذلك، فإذا فرع من ذلك مضى
إلى الصفا وسعى سعي الحج يفعل فيه كما فعل في السعي الأول الذي هو سعي التمتع،
فإذا فرع من سعي الحج طاف طواف النساء ويجوز له تأخيره عن هذا اليوم إلا أنه لا تحل
له النساء حتى يطوف، فإذا فرع مما ذكرناه رجع إلى منى لرمي الجمار الثلاث بها في
أيام التشريق ويبيت بها ليالي هذه الأيام الثلاث.
باب الرجوع من مكة إلى منى لرمي الجمار الثلاثة بها وغير ذلك:
إذا فرع مما قدمنا ذكره من طواف الحج أو سعيه خرج عائدا إلى منى فإذا وصل
إليها بات بها ليالي التشريق فإن بات بغيرها ليلة من هذه الليالي كان عليه شاة، ثم
يرمي الجمار الثلاث في كل يوم من هذه الأيام الثلاث بإحدى وعشرين حصاة
ويفعل في حال الرمي مثل ما قدمنا ذكره في رمى الجمرة القصوى يوم النحر، ويأتي من
أحكام الرمي والدعاء بما ذكرناه هناك، ويكبر في أيام التشريق بمنى عقيب خمس عشرة
صلاة أولها الظهر من يوم النحر وآخرها صلاة الغداة من يوم الرابع منه يقول:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله
أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام. ثم
ينفر من منى بعد ذلك.
باب النفر:
النفر نفران أول وثان، فأما الأول فيومه اليوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث
314

من يوم النحر، وأما الثاني فيومه اليوم الثالث من أيام التشريق وهو الرابع من يوم النحر
أول النهار. وأما إذا انتصبت الشمس فمن أراد النفر من منى فليصل بمسجد الخيف
ست ركعات أو ركعتين عند المنارة فإذا فرع منها دعا فقال:
الحمد لله حقا حقا وقولا وصدقا وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعلى
آله الطاهرين وسلم تسليما، اللهم أنت الله لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما
منعت ولا مضل لمن هديت ولا هادي لمن أضللت ولا معز لمن ذللت ولا مذل
لمن أعززت ولا مقدم لما أخرت ولا مؤخر لما قدمت وأسألك يا الله
يا رحمان يا رحيم أن تصلي على محمد وعلى آله الطاهرين وأن تفعل بي كذا
وكذا. وتذكر حوائجك للدنيا والآخرة.
ثم يخرج ما بقي عليه رمى الجمار وينفر بعد ذلك ثم يمضي إلى مكة.
وكل من أصاب النساء أو شيئا من الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول وعليه
أن يقيم إلى النفر الأخير، ومن لم يصب ذلك فله أن ينفر في النفر الأول والأفضل له أن
يقيم إلى النفر الأخير، وإذا أراد أن ينفر في النفر الأول فلا ينفر حتى تزول الشمس،
ومن كانت به ضرورة من خوف وغيره فإنه يجوز له تقديم ذلك قبل الزوال وليس له ذلك
مع ارتفاع الضرورة عنه.
ومن أراد النفر بعد الزوال في النفر الأول فله أن ينفر ما بينه وبين غروب الشمس
فإذا غربت لم يجز له النفر وعليه أن يبيت بمنى إلى الغد، وإذا نفر في النفر الأخير فيجوز
له أن ينفر من بعد طلوع الشمس أي وقت شاء وإن لم ينفر وأراد المقام جاز له ذلك إلا
الإمام وحده فإن عليه أن يصلى الظهر بمكة، ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه
كلها جاز له أن لا يدخل مكة، وإن كان قد بقي عليه شئ من المناسك لم يكن له بد
من الرجوع إليها والأفضل دخول مكة على كل حال.
فإذا مضى إلى مكة ووصل إلى مسجد الخيف وهو مسجد رسول الله ص
فيدخله ويستلقي على ظهره، فإذا استراح توجه إلى مكة فإذا وصل إليها فليغتسل
315

ويدخل بعد ذلك الكعبة، فإن كان صرورة من الرجال دون النساء لم يجز له ترك ذلك
مع الاختيار فإن لم يمكن من ذلك لضرورة فلا شئ عليه، ومن دخلها فينبغي أن يكون
حافيا ولا يدخلها بحذاء ولا يمتخط ولا يبصق ثم يدعو عند دخولها فيقول:
بسم الله وبالله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله ص، السلام
على محمد بن عبد الله رسول الله السلام على أمير المؤمنين ع وصي
نبي الله. ويسلم على الأئمة ع ويقول:
الحمد لله الذي جعلني من وفد بيته وزواره، اللهم إني أسألك بلا إله إلا
أنت وحدك لا شريك لك يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفك رقبتي من النار، اللهم إنك
قلت: ومن دخله كان آمنا. فأمني من عذابك ومن الفتنة في الدنيا والآخرة
برحمتك.
ويصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى الفاتحة وحم
السجدة وفي الثانية الفاتحة وعدد آيات السجدة وإن قرأ غير ذلك كان جائزا، ويصلى
في كل زاوية من زواياها ركعتين يبدأ بالزاوية التي فيها الدرجة ثم بالغربية ثم التي
فيها الركن اليماني ثم التي فيها الحجر الأسود فإذا فرع من ذلك دعا فقال:
اللهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده
وجوائزه ونوافله وفواضله فإليك يا سيدي تهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء
رفدك ونوافلك وفواضلك وجائزتك فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب
عليه سائل ولا ينقصه نائل فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة
مخلوق رجوته ولكني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي لا حجة لي ولا
عذر فأسألك يا من هو كذلك أن تعطيني مسألتي وتقيلني عثرتي وتقبل رغبتي
ولا تردني ممنوعا ولا خائبا يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم أن
تغفر لي الذنب العظيم لا إله إلا أنت يا رب العالمين.
وينبغي أن يلتصق بالحائط بين الركن اليماني والغربي ويرفع يديه عليه ويجتهد في
316

الدعاء عنده ويفعل عند كل ركن مثل ذلك، ثم يخرج من الكعبة ويمضى إلى بئر زمزم
ويشرب من مائها فإذا خرج منها قال عند خروجه ثلاث مرات:
اللهم لا تجهد بلائي ولا تشمت بي أعدائي ولا تجعل النار مثواي.
ويصلى في موضع المقام الذي كان على عهد رسول الله ص ركعتين
وهو أن يجعل مقام إبراهيم ع خلف ظهره ويكون قريبا من حائط الكعبة،
فإذا فرع من الصلاة مضى إلى بئر زمزم فاستقى بها بالدلو المقابل للحجر الأسود إن تمكن
من ذلك وشرب منه وصب على رأسه وبدنه إن قدر على ذلك ودعا فقال:
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك ونجيك
وخيرتك من خلقك كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك وأوذي في
جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين، اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي
بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان
والعافية اللهم إن أمتني فاغفر لي وإن أحييتني فارزقنيه من قابل.
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك اللهم إني عبدك وابن أمتك حملتني على
دابتك وسيرتني في بلادك حتى أقدمتني حرمك وأمنك وقد كان في حسن ظني
بك أن تغفر لي ذنوبي فازدد علي رضا وقربني إليك زلفى ولا تباعدني من
رضاك فإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل تنائى عن بيتك داري فهذا
أوان انصرافي إن كنت أذنت لي غير راغب عنك ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا
به، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني
أهلي فاكفني مؤونة عبادك وعيالي فإنك ولي ذلك من خلقك وأمنى برحمتك.
ويصلى ركعتين عند المقام لطواف الوداع فإذا فرع منهما رفع يديه للدعاء فقال:
اللهم إني خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام قاصدا إليك أريدك لا أريد غيرك
وأنت الذي رزقتني ذلك ومننت على به، اللهم إني أردت اتباع كتابك وسنة
نبيك ص وأداء فرضك وقضاء حقك وأنا عبدك وضيفك وفي
حرمك نازل بك وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره وأنت أفضل مأتي وأكرم
317

مزور وخير من طلبت إليه الحاجات وأكرم من سئل وأرحم من استرحم
وأجود من أعطى وأرأف من عفا وأسمع من دعي وأكرم من اعتمد عليه.
اللهم وبي فاقة إليك وعندي الطلبات أنا مرتهن بها قد أثقلت ظهري
وأفقرتني إلى رحمتك أعتمد عليك فيها، وأسألك مسامحتها وغفرانها قديمها
وحديثها عمدها وخطأها كبيرها وصغيرها قليلها وكثيرها وكل ذنب
أذنبته مغفرة عنها يا عظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم اللهم
إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وعيشا هنيئا كان صالحا وسرورا جامعا.
ويجتهد في الدعاء لنفسه ولوالديه وأهله وجميع المؤمنين ويصلى بعد ذلك عند
الأركان كلها ويدعو أيضا عند الحطيم بما قدر عليه وإن قدر على أن يتعلق بحلقة الباب
فليفعل ويقول:
المسكين ببابك فتصدق عليه بالجنة.
ثم يشرب من ماء زمزم ولا يصب على رأسه منه شيئا، ثم يخرج بعد ذلك من
المسجد ويجعل خروجه من باب الحناطين وإذا أتى إلى هذا الباب وقف قبل خروجه منه
ثم استقبل القبلة وخر ساجدا وقال:
سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا إله إلا أنت ربي حقا حقا اللهم اغفر لي
ذنوبي وتقبل حسناتي وتب على إنك أنت التواب الرحيم.
ثم يرفع رأسه ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلى على النبي وآله ع ويقول:
اللهم إني أنقلب على قول لا إله إلا الله.
وإن كان نائبا عن غيره قال:
اللهم أنت العالم بأن فلان بن فلان قد ائتمنني على النيابة عنه في هذه
الحجة اللهم وقد أديتها وبذلت مجهودي فيها ولم أشرك معه غيره فيها اللهم
فإني أشهدك وكفى بك شهيدا أنها لفلان بن فلان وأني نائب عنه فاجعلها اللهم
مكتوبة له عندك وأثبني في أدائي لها وقيامي بها برحمتك.
318

ثم يخرج من باب المسجد وهو يقول:
آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون وله شاكرون وإلى ربنا راغبون وإلى
ربنا راجعون.
ثم يشترى بدرهم أو ما قدر عليه تمرا ويتصدق به قبضة قبضة ويتوجه إلى زيارة
النبي ص إن لم يكن زاره في توجهه إلى الحج وسنذكر زيارته ص
فيما يأتي من الزيارات إن شاء الله تعالى.
باب ما يفعله من وجب عليه الحج ولم يتمكن من أدائه لمانع أو يفعل عنه وما
يلحق بذلك:
إذا وجب الحج على المكلف ومنعه من الخروج لأدائه مانع من سلطان أو مرض أو
عدو على وجه لا يمكنه معه الخروج لذلك بنفسه كان عليه اخراج نائب عنه، فإذا ارتفع
المانع وجب عليه الحج بنفسه فإن لم يرتفع ذلك المانع حتى مات كانت حجة النيابة
مجزئة عنه. ومن كان مملوكا أو طفلا فحج به وليه لم تجزه هذه الحجة عن حجة
الاسلام وكان على المملوك إذا انعتق والطفل إذا بلغ الحج بنفسه، فإذا انعتق المملوك
قبل الوقوف بأحد الموقفين كان ذلك مجزئا له من إعادته.
وإذا وجب الحج على الانسان ومنعه من الخروج بنفسه لأدائه مانع ولم يقم نائبا
ينوب عنه في ذلك أو كان متمكنا من الخروج ولم يخرج ثم مات وجب أن يخرج من
ماله قبل قسمة ميراثه مقدار ما يحج به عنه، فإن لم يخلف إلا مقدار الحج حج عنه
بذلك وكذلك يجب أن يفعل إذا لم يخلف إلا مقدار ما يحج به عنه من بعض المواضع.
ومن لم يقدر على الزاد والراحلة وكان له ولد له مال جاز أن يأخذ من ماله مقدار ما
يحج به على الاقتصاد، ومن لا يكون متمكنا من الاستطاعة ومكنه بعض إخوانه من
ذلك وجب عليه الحج فإن أيسر بعد ذلك كان عليه إعادة الحج استحبابا، ومن وجب
عليه وأقام في النيابة عنه من هو صرورة وهو الذي لم يحج قط كانت نيابته عنه صحيحة
إلا أنها لا تجزئ هذا النائب عن حجة الاسلام ويجب عليه إذا تمكن من الاستطاعة
319

الحج عن نفسه.
ومن نذر حجة وجب ذلك عليه وإن كانت حجة الاسلام قد وجبت عليه وجب أن
يحجها أيضا وليس يجزئ إحدى هاتين الحجتين عن الأخرى، وإذا كان الانسان
مخالفا للحق وأتى بجميع أركان الحج لم تجزه هذه الحجة عن حجة الاسلام وعليه
الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق وقد ذكر أنها مجزئة له.
باب ما يتعلق بمن حج عن غيره على وجه النيابة وغير ذلك:
ومن أراد أن يحج عن غيره لم يجز له ذلك حتى يقضي ما يجب عليه منه إن كان
ذلك قد وجب عليه، ومن لم يكن له مال فإنه يجوز له الحج عن غيره فإذا تمكن من المال
بعد ذلك كان عليه أن يحج عن نفسه.
ومن أمر غيره أن يحج عنه متمتعا وكان هذا المأمور نائبا بأجرة لم يجز له أن يحج
عنه إلا كذلك، فإن حج عنه قارنا أو مفردا لم يجز له ذلك وكان عليه الحج عنه
متمتعا، فإن أمره أن يحج عنه قارنا أو مفردا فحج عنه متمتعا كان ذلك جائزا ولم
يكن عليه شئ، فإن أمره أن يحج عنه من طريق بعينه جاز له المسير في غيرها، وإن أمره
أن يحج عنه بنفسه لزمه الحج كذلك ولم يجز أن يستنيب غيره في ذلك إلا أن يأذن له
المستنيب فيه فإذا أذن له فيه كان جائز.
وإن أخذ انسان حجة من غيره لم يجز له أن يأخذ حجة أخرى حتى يقضي الأولى،
ومن كان نائبا عن غيره فصد عن بعض الطريق فعليه أن يرد من أجرة النيابة بقدر ما
بقي عليه إلا أن يضمن الحج في المستقبل، ومن كان نائبا عن غيره ومات قبل الإحرام
ودخول الحرم وترك موروثا كان على وارثه أن يرد من تركته مقدار ما بقي عليه من نفقة
الطريق إلى من استنابه في الحج عنه وإن كان مات بعد الإحرام ودخل الحرم فقد برئ
من الحج ولم يجب على ورثته شئ وكانت حجته مجزئة عمن استنابه.
وإذا أخذ انسان حجة وأنفق على نفسه في طريقه نفقة على وجه الاقتصاد ثم فضل له
شئ كان له، وإن لم يفضل له شئ واحتاج إلى زيادة يستحب لصاحب الحجة أن
320

يدفع ذلك إليه، وإن لم يدفعه إليه لم يجب عليه شئ.
وإذا تطوع الانسان بالحج عن ميت وقد كان هذا الميت وجب الحج عليه فقد سقط
عنه فرض الحج بحجة التطوع، وإذا ترك انسان عند غيره وديعة ثم مات فعلى المودع أن
يأخذ منها مقدار ما يحج به عنه فيصرفه إلى من ينوب عنه في الحج هذا من علم أو غلب
على ظنه أن وارثه لا يقضي عنه فأما إن لم يعلم ولا غلب على ظنه ذلك فإن الواجب عليه
أن لا يتعرض لأخذ شئ من الوديعة على حال وأن يعيدها إلى وارثه على حالها.
ومن كان مخالفا في الاعتقاد فلا يجوز الحج عنه قريبا كان في النسب أو بعيدا إلا
الأب خاصة فقد ذكر جواز ذلك عنه وإن كان مخالفا وذلك عندي لا يصح، وليس يجوز
للمرأة الحج عن غيرها إلا أن تكون عارفة وقد حجت حجة الاسلام فإن لم تكن كذلك
لم يجز لها الحج عن غيرها، والنائب عن غيره في الحج ينبغي أن يذكره في أدعيته
ومواقفه وما يتعلق به وإن لم يذكره واعتقد ذلك في نفسه كان جائزا ولم يفسد بترك
ذلك حجه.
باب ما يتعلق بالنساء في الحج:
إذا كان للمرأة زوج وعزمت على الحج ينبغي لها أن لا تخرج إلا معه، فإن منعها من
ذلك لم يجز لها مخالفته إلا أن يكون الحجة التي تريد الخروج إليها هي حجة الاسلام وقد
وجبت عليها فإنه لا يجوز لزوجها منعها من ذلك فإن منعها جاز لها مخالفته في ذلك، فإن
كان الحج تطوعا ومنعها من الخروج لم يجز لها مخالفته، وإذا لم يخرج زوجها معها أو لم
يكن لها زوج ينبغي لها أن لا تخرج إلا مع ذي رحم محرم مثل الأب أو الأخ أو العم أو
الخال فإن لم يكن لها ذلك جاز لها الخروج مع من تثق بدينه وأمانته من المؤمنين.
فإن كانت المرأة في عدة من طلاق فلها أيضا الخروج فيها إذا كانت الحجة التي
تريد الخروج إليها حجة الاسلام سواء كان للزوج عليها في العدة رجعة أو لم يكن له
عليها ذلك، فإن كان له عليها فيها رجعة وكانت الحجة التي تريد الخروج إليها تطوعا
لم يجز لها الخروج إلا باذنه، وإن كانت العدة من وفاة جاز لها الخروج إلى الحج واجبا
321

كان أو تطوعا.
باب الصد والإحصار:
الحاج إنما يكون مصدودا بأن يمنعه العدو ويصده عن الدخول إلى مكة فإذا كان
كذلك كان عليه أن يذبح هديه في هذا الموضع الذي صده العدو فيه ويحل من جميع ما
أحرم فيه.
والمحصور هو الذي يلحقه من المرض ما لا يتمكن معه من الوصول إلى مكة فإذا
لحقه ذلك على هذا الحد فينبغي له إن كان قد ساق هديا أن يبعث به إلى مكة ثم
يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى يبلغ الهدي محله، ومحله منى يوم النحر إن كان حاجا أو
كان معتمرا فمحله مكة بفناء الكعبة.
وإذا بلغ هديه محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شئ اجتنبه إلا النساء، فإن
كان صرورة وجب عليه الحج من قابل، فإن لم يكن صرورة لم يكن عليه ذلك
ويستحب له إعادته فإن لم يعده فليس عليه شئ، ولا يحل له النساء إلى أن يحج من
قابل إن كان ممن يجب عليه الحج أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء إن كان متطوعا.
فإن وجد من نفسه خفة بعد إنفاذه الهدي فعليه أن يلحق أصحابه، فإن أدرك مكة
قبل أن ينحر هديه فليقض مناسكه كلها وليس عليه حج في القابل إن لحق أحد الموقفين وإن
لم يلحقه كان عليه الحج من قابل، فإن لم يدرك أصحابه إلا بعد أن ينحروا هديه فقد
فاته الحج فوجب عليه إعادته في العام المقبل.
فإن كان هذا المحصور لم يسق هديا فليبعث ثمنه مع أصحابه ويواعدهم أن يشتروه
في وقت معين ويذبحوه عنه ثم يحل هو بعد ذلك، وإذا عاد أصحابه ولم يجدوا هديا
يشترونه له به ويذبحونه عنه وكان قد أحل لم يكن عليه شئ إلا إنفاذ الثمن في العام
المقبل يشترى به ويجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يذبح وينحر عنه.
والمحصور إذا كان معتمرا فعل ما قدمنا ذكره ووجب عليه أن يعتمر في الشهر
الداخل إن كان اعتمر عمرة مفروضة، وإن كان متطوعا كان عليه أن يتطوع في الشهر
322

الداخل أيضا.
ومن أحصر وكان قد أحرم بالحج قارنا فلا يجوز له أن يحج في المستقبل متمتعا بل
يجب عليه الدخول في مثل ما خرج عنه، وإذا أراد أن يبعث هديا تطوعا واعد أصحابه
على يوم معين واجتنب ما يجتنبه المحرم إلا أنه لا يلبي ومتى فعل شيئا مما يحرم على المحرم
كان عليه الكفارة كما يكون المحرم، وإذا حضر اليوم الذي واعد أصحابه عليه أحرم
منه، وإذا بعث الهدي من بعض الآفاق واعدهم أيضا على يوم معين ليشعروه ويقلدوه
فإذا حضر ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله فإذا بلغ ذلك أحل
من كل شئ أحرم منه.
باب ما يتعلق بالعمرة:
إذا حج الانسان متمتعا بالعمرة إلى الحج سقط فرض العمرة بعد ذلك عنه، فإن حج
قارنا أو مفردا لم يسقط فرضها عنه وكان عليه القضاء لها بعد أيام التشريق وفي
استقبال المحرم، ومن اعتمر عمرة غير متمتع بها إلى الحج في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى
أن أدرك يوم التروية كان عليه أن يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج
ويصير بعد ذلك متمتعا فإذا اعتمر في غير أشهر الحج لم يلزمه
ذلك.
ومن دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها إلى الحج فإن أراد
التمتع كان عليه تجديدها في أشهر الحج، ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز
له أن يقضيها ويخرج إلى أي موضع أراد ما لم يدركه يوم التروية والأفضل له أن يقيم
حتى يحج ويجعلها متعة، ومن دخل مكة بنية التمتع لم يجز له أن يجعلها مفردة ولا أن
يخرج من مكة حتى يحج لأنه قد صار بذلك مرتبطا بالحج،
فإذا كان الانسان معتمرا وساق هديا ذبحه أو نحره في الموضع الذي
قدمنا ذكره وقد قدمنا أيضا ذكر أفضل العمرة والمستحب منها فلا حاجة إلى ذكر
ذلك.
323

باب أحكام الحرم:
من ظفر في الحرم بلقطة فعليه أن يعرف بها سنة فإن ظفر بصاحبها دفعها إليه وإن لم
يظفر به تصدق بها عنه، وإن حضر صاحبها بعد ذلك ورضي بالصدقة لم يكن عليه شئ
فإن لم يرض بها كان عليه ضمانها، فإذا دخل انسان الحرم بسلاح فلا يشهره ولا يحمله
ظاهرا بل يستره.
ومن جنى جناية يجب بها إقامة الحد عليه وكان خارج الحرم ثم هرب إلى الحرم
خوفا من إقامته عليه لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه، وينبغي في مدة مقامه أن لا
يبايع ولا يعامل ويضيق عليه في المنع من الطعام والشراب
حتى يخرج فإذا خرج أقيم الحد عليه، وإذا جنى في
الحرم جناية يجب فيها الحد أقيم عليه فيه وليس يكون حكمه حكم من جنى في
غيره.
ومن أراد أن يبني شيئا بمكة فلا يرفعه فوق الكعبة، وليس لأحد أن يمنع الحاج
موضعا من دور مكة ومنازلها لقول الله عز وجل: سواء العاكف فيه والباد.
وأما ما يتعلق بالحرم من أحكام الطير الذي لا يجوز صيده فيه، ولا يجوز قتله فيه من
السباع والهوام وما يجوز، وأحكام الشجر النابت فيه، وما يجوز فعله وما لا يجوز فقد تقدم
ذكر جميعه ما يغني عن إعادته ههنا.
باب حد الحرم ومكة وعرفات والمشعر الحرام:
حد الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق اليمن على سبعة أميال ومن
طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال ومن طريق الطائف على
عرفة أحد عشر ميلا من بطن نمرة، وحد مكة من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى،
وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز، وحد المشعر الحرام هو ما بين
المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر.
324

باب زيارة رسول الله ص:
الحاج إذا لم يكن زار النبي ص في مسيره إلى الحج كان عليه أن
يزوره بعد الفراع وكذلك من لم يزره وإن لم يكن حاجا مع تمكنه من ذلك، فمن توجه
إلى زيارته ص من مكة بعد حجه فينبغي له إذا أتى مسجد الغدير وهو على
يسار المتوجه من مكة إلى المدينة دون الجحفة قليلا وقد ذكر أنه بينه وبينها ثلاثة أميال
فليدخله ويصلى من ميسرته ما تيسر له ثم يمضى إلى المدينة.
وإذا أتى في طريقه معرس النبي ص فلينزل به وإن كان وقت صلاة
مكتوبة أو نافلة صلاها فيه واضطجع به يسيرا، وإن لم يكن وقت صلاة نزل به ولا
يترك ذلك ليلا كان أو نهارا ثم يمضى حتى يصل إلى المدينة، فإذا قاربها فليغتسل
لدخولها فإن لم يتمكن من ذلك اغتسل بعد دخولها ثم يجر رجله ويلبس أنظف ثيابه
ويدخل، فإذا وصل إليه دخل من باب جبرئيل ع، فإذا صار بالباب وقف به
ثم قال:
بسم الله وبالله السلام على رسول الله ص أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ص.
ثم يقدم رجله اليمنى ويدخل إلى قبره ص فإذا صار عنده زاره عليه
وآله السلام.
باب كيفية زيارة النبي ص:
إذا صار عند قبره عليه وآله السلام وقف عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر
الأيمن عند زاويته من رأسه ويكون منكبه الأيمن مما يلي من موضع المنبر والأيسر إلى
جانب القبر، فإذا استقر في وقوفه كما ذكرناه قال:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ص وأشهد أنك رسول الله وأنك محمد بن عبد الله وأشهد أنك قد
325

بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وجاهدت في سبيل الله حق جهاده داعيا
إلى طاعة الله وزاجرا عن معصيته وأنك لم تزل بالمؤمنين رؤوفا رحيما وعلى
الكافرين غليظا حتى أتاك اليقين فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين الحمد
لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلال.
اللهم فاجعل صلاتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين
وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ممن سبح لك يا رب العالمين من
الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك
وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك اللهم ابعثه مقاما محمودا
يغبطه به الأولون والآخرون.
اللهم امنحه أشرف محل ومرتبة وارفعه إلى أسنى درجة ومنزلة وأعطه الوسيلة
والفضيلة والرتبة العالية الجليلة كما بلغ ناصحا وجاهد في سبيلك وصبر على الأذى
في جنبك وأوضح دينك وأقام حججك وهدى إلى طاعتك وأرشد إلى مرضاتك
اللهم صل عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذريته والصفوة الأخيار من عترته وسلم
عليهم أجمعين تسليما.
اللهم إني لا أجد سبيلا إليك سواهم ولا أرى شفيعا مقبول الشفاعة عندك
غيرهم فبهم أتقرب إلى رحمتك وبولايتهم أرجو جنتك وبالبراءة من أعدائهم أمل
الخلاص من عذابك اللهم فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة وارحمني
يا أرحم الراحمين.
ثم يستقبل بوجهه النبي ص ويجعل القبلة خلف ظهره والقبر أمامه
ويقول: السلام عليك يا نبي الله ورسوله السلام عليك يا صفوة الله وخيرته من خلقه
السلام عليك يا أمين الله وحجته السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين
السلام عليك أيها البشير النذير السلام عليك أيها الداعي إلى الله باذنه والسراج
المنير السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا.
326

أشهد أنك يا رسول الله أتيت بالحق وقلت الصدق والحمد لله الذي وفقني
للإيمان بك والتصديق بنبوتك ومن على بطاعتك واتباع سبيلك وجعلني الله من
أمتك والمجيبين لدعوتك وهداني إلى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذريتك أتقرب
إلى الله بما يرضيك وأبرأ إلى الله مما يسخطك مواليا لأوليائك معاديا
لأعدائك جئتك يا رسول الله زائرا وقصدتك راغبا متوسلا إلى الله سبحانه وأنت
صاحب الوسيلة والمنزلة الجليلة والشفاعة المقبولة والدعوة المسموعة فاشفع لي
إلى الله تعالى في الغفران والرحمة والتوفيق والعصمة فقد غمرت الذنوب
وشملت العيوب وأثقل الظهر وتضاعف الوزر وقد أخبرتنا وخبرك الصدق أنه
تعالى قال وقوله الحق: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.
وقد جئتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي تائبا من معاصيي وسيئاتي
وإنني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي فاشفع لي يا شفيع الأمة
وأجرني يا نبي الرحمة صلى الله عليك وعلى آلك الطاهرين. ويجتهد في المسألة ثم
يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه ويجعل القبر من خلفه ويقول:
اللهم إليك ألجأت أمري وإلى قبر نبيك ورسولك أسندت ظهري وإلى القبلة
التي ارتضيتها استقبلت بوجهي اللهم إني لا أملك لنفسي خير ما أرجو ولا أدفع
عنها سوء ما أحذر والأمور كلها بيدك فأسألك بحق محمد وعترته وقبره
الطيب المبارك وحرمته أن تصلي عليه وآله وأن تغفر لي ما سلف من جرمي
وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمري وتثبت على الإيمان قلبي وتوسع على
رزقي وتسبغ على النعم وتجعل قسمي من العافية أوفر القسم وتحفظني في أهلي
ومالي وولدي وتكلأني من الأعداء وتحسن لي العافية في الدنيا ومنقلبي في
الآخرة اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك على كل شئ قدير.
327

ويقرأ سورة إنا أنزلناه في ليلة القدر إحدى وعشرين مرة ثم يزور في الروضة
مولاتنا السيدة فاطمة صلوات الله عليها.
باب زيارة مولاتنا السيدة فاطمة ص:
الروضة هي ما بين القبر والمنبر إلى الأساطين التي تلى صحن المسجد وليس في
الصحن من الروضة شئ فإذا صار بالروضة فليقل:
السلام على البتول الشهيدة ابنة نبي الرحمة وزوج الولي الحجة وأم السادة
الأئمة السلام عليك يا فاطمة الزهراء بنت النبي المصطفى السلام عليك وعلى
أبيك وبعلك وبنيك السلام عليك أيتها الممتحنة السلام عليك أيتها
المظلومة الصابرة لعن الله من منعك حقك ودفعك عن إرثك ولعن الله من
كذبك وأغمك وغصك بريقك وأدخل بيتك ولعن الله من رضي بذلك وشايع فيه
واختاره وأعان عليه وألحقهم بدرك الجحيم أتقرب إلى الله سبحانه بولايتكم
أهل البيت وبالبراءة من أعدائكم من الجن والإنس وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين.
ثم يعود إلى المنبر ويمسح رمانتيه بيده ويمسح بهما وجهه وعينيه ويقف مستقبل القبلة
فيحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلى على النبي وآله ع ويقول:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
ثم يقف عند المقام.
باب الوقوف عند مقام النبي ص وما يفعل ويقال فيه:
فإذا صار عند مقام النبي ص وهو بين القبر والمنبر في الروضة وقف
328

عند الأسطوانة المخلفة التي تلى المنبر وجعله ما بين يديه وصلى أربع ركعات فإن لم
يتمكن فركعتين للزيارة فإذا سلم منها قال:
اللهم هذا مقام نبيك وخيرتك من خلقك جعلته روضة من رياض جنتك
وشرفته على بقاع أرضك وقد أقمتني فيه بلا حول كان مني في ذلك إلا رحمتك
فأسألك في هذا المقام الطاهر أن تصلي على محمد وعلى آل محمد وأن تعيذني
من النار وتمن على بالجنة وترحم موقفي وتغفر زلتي وتزكى عملي وتوسع لي
رزقي وتديم عافيتي وتسبغ نعمتك على وتحرسني من كل متعد على وظالم لي
وتطيل عمري وتوفقني لما يرضيك عني وتعصمني عما يسخطك على.
اللهم إني أتوسل إليك بنبيك وأهل بيته حججك على خلقك وأمنائك في
أرضك أن تستجيب دعائي وتبلغني من الدين والدنيا أملي ورجائي يا سيدي
ومولاي قد سألتك فلا تخيبني ورجوت فضلك فلا تحرمني وأنا الفقير إلى
رحمتك الذي ليس له غير إحسانك وبفضلك أسألك أن تحرم شعري وبشري على
النار وتأتيني من الخير ما علمته منه وما لم أعلم وادفع عني من الشر ما علمت
منه وما لم أعلم اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات.
ثم يقف عند مقام جبرئيل ع ويدعو ويقول:
أي جواد أي كريم أي قريب أي بعيد أسألك أن تصلي على محمد وعلى
آل محمد وأن توفقني لطاعتك ولا تزيل عني نعمتك وأن ترزقني الجنة
برحمتك وتوسع على من فضلك وتغنيني عن شرار خلقك وتلهمني شكرك وذكرك
ولا تخيب يا رب دعائي ولا تقطع رجائي بحق محمد وآل محمد
صلى الله عليهم أجمعين.
باب زيارة الأئمة ع في البقيع:
فإذا أراد المضي إلى البقيع فليغتسل ويزور الأئمة ع بزيارة واحدة
329

والذين بالبقيع من الأئمة ع هم: أبو محمد الحسن بن علي وأبو محمد علي
بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد بن علي الباقر وأبو عبد الله جعفر بن محمد
الصادق صلوات الله عليهم أجمعين وجميعهم في موضع واحد وقبر واحد، فإذا أتى هذا
القبر جعله من بين يديه وقال:
السلام عليكم أئمة الهدي السلام عليكم أيها الحجج على أهل الدنيا
السلام عليكم أيها القوامون في البرية بالقسط السلام عليكم أهل الصفوة
السلام عليكم أهل النجوى.
أشهد أنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله عز وجل وكذبتم وأسئ
إليكم فغفرتم.
وأشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون وأن طاعتكم مفروضة وأن
قولكم الصدق وأنكم دعوتم فلم تجابوا وأمرتم فلم تطاعوا وأنكم دعائم الحق
وأركان الأرض لم تزالوا بعين الله جل وعز ينسخكم في أصلاب كل مطهر
وينقلكم في الأرحام الطاهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم يسر فيكم
فتن الأهواء طبتم وطهرتم فمن الله بكم علينا ديان يوم الدين فجعلكم في
بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلاتنا عليكم رحمة لنا
وكفارة لذنوبنا فاختاركم لنا فطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم وكنا
عنده مسلمين.
وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقر بما جنى يرجو بمقامه الخلاص
وأن يستنقذه الله بكم مستنقذ الهالكين فكونوا له شفعاء فقد وفدت إليكم
إذ رغب مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا واتخذوا آيات الله هزوا واستكبروا
عنها.
يا من هو قائم لا يسهو ودائم لا يلهو ومحيط بكل شئ لك المن بما وفقتني
وعرفتني بما أعنتني عليه إذ صد عنه عبادك وجهلوا معرفتهم واستخفوا بحقهم
ومالوا إلى سواهم فكانت المنة لك على ومنك إلى فلك الحمد إذ كنت عندك
330

في مقامي مذكورا مكتوبا فلا تحرمني ما رجوت ولا تخيبني فيما دعوت.
وليدع بما أراد ثم يزور الشهداء بأحد بعد ذلك.
باب زيارة الشهداء بأحد:
ينبغي لمن أراد ذلك مع التمكن أن يبتدئ في زيارة الشهداء بأحد بزيارة حمزة
ع.
باب زيارة قبر حمزة ع:
إذا أتى قبر حمزة ع فليقل:
السلام عليك يا عم رسول الله ص السلام عليك يا خير
الشهداء السلام عليك يا أسد الله وأسد رسوله أشهد أنك قد جاهدت في الله
عز وجل وجدت نفسك ونصحت رسول الله ص وكنت فيما عند
الله سبحانه راغبا بأبي أنت وأمي أتيتك متقربا إلى الله عز وجل بزيارتك
ومتقربا إلى رسول الله ص بذلك راغبا إليك في الشفاعة وأبتغي
بزيارتك خلاص نفسي متعوذا بك من نار استحققتها بما جنيت على نفسي هاربا
من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري فزعا إليك رجاء رحمة ربي.
أتيتك أستشفع بك إلى مولاي وأتقرب به إلى إلهي ليقضي بك حوائجي
أتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار وقد أوقرت ظهري ذنوبي
وأتيت ما أسخط ربي ولم أجد أحدا أفزع إليه خيرا لي منكم أهل البيت
والرحمة وكن لي شفيعا يوم حاجتي وفاقتي فقد أتقرب إليك محزونا وأتيتك
مكروبا وزرتك مغموما وسكنت عندك باكيا وخرجت إليك منفردا أنت
ممن أمرني الله بصلته وحثني على بره ودلني على فضله وهداني بحبه ورغبني
331

في الوفادة إليه وألهمني طلب الحوائج عنده أنتم أهل البيت لا يشقى من
يتولاكم ولا يخيب من أتاكم ولا يخسر من يهواكم ولا يسعد من عاداكم.
ثم يستقبل القبلة ولا يجعل القبر بين يديه ويصلى، فإذا فرع من صلواته فلينكب
على القبر وليقل:
اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم إني تعرضت لرحمتك بلزومي لقبر
عم نبيك ص لتجيرني من نقمتك وسخطك وتقيلني يوم يكثر فيه الأصوات ويشتغل
فيه كل نفس بما قدمت وتجادل عن نفسها فإن ترحمني
اليوم فلا خوف على ولا حزن ولا تعاقب فولى له القدرة على عبده.
اللهم فلا تخيبني بعد اليوم ولا تصرفني بغير حاجتي فقد لصقت بقبر عم
نبيك وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك فتقبل مني وعد بحلمك
على جهلي وبرأفتك على جناية نفسي فقد عظم جرمي وما أخاف أن تظلمني
ولكن أخاف سوء الحساب فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيك عليهما السلام
فبهما فكني من النار ولا تخيب سعيي ولا يهون عليك ابتهالي ولا يحجبن عنك
صوتي ولا تقلبني بغير حوائجي يا غياث كل مكروب ومحزون يا مفرجا عن
الملهوف الحيران الغريق المشرف على الهلكة صل على محمد وآل محمد وانظر
إلى نظرة لا أشقى بعدها أبدا وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي فقد رجوت
رضاك وتخيرت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك فلا ترد أملي.
اللهم إن تعاقب فهو لمولى له القدرة على عبده وجزاء سوء فعله فلا
أخيبن اليوم ولا تصرفني بغير حاجتي ولا تخيبن شخوصي ووفادتي فقد أنفدت
نفقتي وأتعبت بدني وقطعت المفازات وخلفت الأهل والمال وما خولتني
وآثرت ما عندك على نفسي ولذت بقبر عم نبيك ص وتقربت
به إليك ابتغاء مرضاتك فعد بحلمك على جهلي وبرأفتك على ذنبي فقد عظم
جرمي برحمتك يا كريم.
332

باب زيارة قبور الشهداء بأحد بعد حمزة:
إذا أتى قبور الشهداء بأحد فليقل:
السلام عليكم يا أنصار الله وأنصار رسوله عليه وآله السلام سلام عليكم بما
صبرتم فنعم عقبى الدار السلام عليكم يا أهل الدار وأنتم لنا فرط وإنا بكم
لاحقون اللهم انفعني بزيارتهم. ويقرأ سورة إنا أنزلناه.
باب ذكر المشاهد الشريفة:
وينبغي أن يصلى في المشاهد المعظمة إن تمكن من ذلك ويبتدئ منها بمسجد قباء
وهو الذي أسس على التقوى فيصلي فيه عند الأسطوانة التي عند المحراب ويدعو الله
تعالى بما أراد ومنها مشربة أم إبراهيم وهي مسكن النبي ص ومنها
مسجد الفضيخ فقد ذكر أنه الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين ع لما نام
النبي ص في حجره ومنها مسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح، فإذا فرع
من الصلاة فيه قال:
يا صريخ المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين يا مغيث المهمومين اكشف
همي وكربي وغمي كما كشف ذلك عن نبيك صلواتك عليه وآله في هذا المكان.
ومنها مسجد أمير المؤمنين ع المقابل لقبر حمزة والذي عنده مسجد الفتح
ومنها دار زين العابدين علي بن الحسين ع ومنها مسجد سلمان رضي الله
عنه فإذا أراد المجاورة بالمدينة فليجاور ففي ذلك فضل كثير.
باب المجاورة بالمدينة:
المجاورة بالمدينة مستحبة وبمكة مكروهة، فمن جاور بالمدينة وأقام بها فينبغي له أن
يكثر من الصلاة في مسجد النبي ص ويعتكف فيه ثلاثة أيام أربعاء
وخميسا وجمعة، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة ويقعد
333

عندها يوم الأربعاء، ويصلى ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلى مقام النبي
ص ويزور الأئمة ع بالبقيع ويتوجه حيث شاء إن شاء الله تعالى،
ويصلى ليلة الجمعة عند مقام النبي ص ويودع الأئمة ع
بالبقيع ويتوجه حيث شاء إن شاء الله تعالى.
باب وداع النبي ص:
ومن أراد الخروج من المدينة ووداع النبي ص فليغتسل بعد فراغه من
حوائجه، فإن كان نائبا عن غيره ذكر من هو نائب عنه عند غسله ودعا له ثم يدخل إلى
قبره ع ويفعل عنده مثل ما فعل عنده لزيارته وليقل:
اللهم لا تجعله آخر العهد مني لزيارة قبر نبيك ص فإن توفيتني قبل
ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن
محمدا عبدك ورسولك ص.
وإن كان نائبا عن غيره دعا له وذكر أنه نائب عنه في هذا الوداع.
باب وداع الأئمة ع بالبقيع:
من أراد وداع الأئمة ع بالبقيع فليأته فإذا وقف على قبرهم جعله بين
يديه وقال:
السلام عليكم أئمة الهدي ورحمة الله وبركاته آمنت بالله والرسول وبما
جئتم به ودللتم عليه اللهم اكتبنا مع الشاهدين اللهم لا تجعله آخر العهد مني
لزيارتهم وارزقنيها أبدا ما أحييتني فإذا توفيتني فاحشرني معهم وفي
زمرتهم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام.
وإن كانت له حاجة ذكرها وتوجه حيث يشاء.
334

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
335

فقه القرآن:
كتاب الحج
قال الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله.
فأوجب سبحانه بهذه الآية حجة الاسلام وعمرة الاسلام لأنه تعالى أمر من المكلفين
جميع من توجه إليه وجوب الحج أن يتم الحج والعمرة ووجوب الإتمام يدل على أنه
واجب بل هذا آكد في الإيجاب من حجوا أو اعتمروا، كما أن " أقيموا الصلاة " آكد من
صلوا، و " آتوا الزكاة " آكد من زكوا. وهي واجبة بشروط ثمانية بينها رسول
الله ص، وقوله " أتموا " أمر بإيقاعهما تامة فإن نسكها كثيرة ولا يجوز أن يقضي
بعضها دون بعض.
وقيل: من دخل في الحج أو العمرة على سبيل التطوع وأحرم فإنه يجب عليه أن يتمه.
ومثاله الاعتكاف لأنه يستحب للمكلف أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة، فإذا
اعتكف فإنه يجب عليه أن يتمه.
فصل:
ولما قرن تعالى العمرة بالحج وأمر بإتمامهما وفعلهما أمرا واحدا فهي في الوجوب مرة
واحدة كالحج.
والحج في اللغة القصد، وفي الشرع هو القصد إلى البيت الحرام لأداء مناسك بها
مخصوصة في أوقات مخصوصة.
والعمرة في اللغة الزيارة، وفي الشريعة عبارة عن زيارة البيت لأداء مناسك مخصوصة،
337

فإن كانت مما يتمتع بها إلى الحج فتكون أيضا في وقت مخصوص، وإذا كانت مبتولة
ففي أي وقت كان من أيام السنة جازت. وقيل في قوله: وأتموا الحج والعمرة لله، أي أقيموها إلى آخر ما فيهما وهو
المروي عن أمير المؤمنين وزين العابدين ع، وقوله " لله " أي اقصدوا بهما
التقرب إلى الله.
فصل:
وقال تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.
سئل أبو عبد الله ع عن قوله: من استطاع إليه سبيلا، فقال: ما يقول فيها
هؤلاء؟ قيل: يقولون الزاد والراحلة، فقال ع: قد قيل ذلك لأبي جعفر
ع، فقال: هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار
ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه الحج ثم يرجع فيسأل
الناس بكفه، لقد هلك إذا، فقيل له: فما السبيل عندك؟ فقال: السعة في المال وهو أن
يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله، ثم قال: أ ليس قد فرض
الله الزكاة فلم تجعل إلا على من يملك مائتي درهم؟
وإنما أورد ع هذه اللفظة على وجه المثال لا على جهة الحمل والأمثلة مما
توضح به المسائل، قال الله تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم.
باب في أنواع الحج:
معلوم أن الحج ليس المراد به القصد والحضور فقط وإنما هو مجمل يحتاج إلى
التفصيل كالصلاة وتفصيله يدرك بالكتاب والسنة والله سبحانه قد بين بعض ذلك
كالوقوف والدفع والسعي والطواف كما ذكر في سورة البقرة، وبين أيضا ما يجب أن
يمتنع منه كالرفث والفسوق والجدال وقتل الصيد. والذي يدرك بالسنة فقد بينها
338

رسول الله لقوله:
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم.
ثم اعلم أن الحج ضروب ثلاثة: مفرد لأهل مكة، وقارن لمن حكمه حكم أهل
مكة وإن كان منزله خارج مكة من بواديها ثم النوعان للفريقين، وتمتع لمن نأى من
الحرم.
فالإفراد فرض ساكني مكة ومجاوريها الذين جاوروا ثلاث سنين فصاعدا لم يجز
لهم التمتع ويجوز لهم القران، فأما من كان بحكم حاضري المسجد الحرام فهو كل من
كان على اثني عشر ميلا فما دونها إلى مكة من أي جانب كان ففرضه الإفراد والقران
ولأن يحرم أغنياؤهم فالاقران أولى.
وفرض التمتع عندنا هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام وهو كل
من كان على أكثر من اثني عشر ميلا من أي جانب كان إلى مكة، فمن خرج عنها
فليس من الحاضرين لا يجوز له مع الإمكان غير التمتع، قال الله تعالى:
فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج... الآية.
فصل:
روى ابن عمار عن أبي عبد الله ع: أن النبي ص أقام
بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عليه: وأذن في الناس بالحج... الآية، فأمر
المؤذنين أن يؤذنوا على أصواتهم بأن رسول الله يحج من عامه هذا فعلم به من حضر المدينة
وأهل العوالي والأعراب فاجتمعوا فخرج رسول الله في أربع بقين من ذي القعدة فلما
انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد عند الشجرة
فصلى فيه الظهر وأحرم بالحج ثم ساق الحديث إلى أن قال: فلما وقف رسول الله بالمروة
بعد فراغه من السعي قال: إن هذا جبريل - وأومئ بيده إلى خلفه - يأمرني أن آمر
من لم يسق هديا أن يحل، ثم قال: ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل
339

ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله،
فقال عمر: أ نخرج حجاجا ورؤوسنا تقطر؟ فقال ع: إنك لن تؤمن بها أبدا،
فقام إليه سراقة فقال: فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال ع:
بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ونزل رسول الله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزلوا الدور
فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج، وكانت
قريش تفيض من المزدلفة - وهي جمع والمشعر الحرام - ويمنعون الناس أن يفيضوا
منها، فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، يعني إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم من قريش، ثم مضى إلى الموقف بعرفات
فوقف حتى وقع القرص، إلى آخر الحديث.
فصل:
ومما يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو فرض الله على كل من نأى عن المسجد
الحرام ولا يجزئه مع التمكن سواه - بعد إجماع الطائفة عليه - قوله تعالى: وأتموا
الحج والعمرة لله. فأمره تعالى شرعا على الوجوب والفور فلا يخلو من أن يأتي بهما
على الفور بأن يحرم بالحج أو العمرة معا أو يبدأ بالحج ويثني بالعمرة أو يبدأ بالعمرة
ويثني بالحج، فالأول يفسد ويبطل لأن عندنا أنه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين
الحج والعمرة كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجتين أو عمرتين، والقسم الثاني أيضا
باطل لأن أحدا من الأمة لا يوجب على من أحرم بالحج مفردا أن يأتي عقيبه بلا فصل
بالعمرة فلم يبق إلا وجوب القسم الأخير الذي ذكرناه وهو التمتع الذي ذهبنا إليه.
فإن قيل: قد نهى عمر عن هذه المتعة مع متعة النساء وأمسكت الأمة عنه راضية
بقوله.
قلنا: من ليس بمعصوم عن الفعل القبيح لا يدل على قبحه قوله بالنهي عن التمتع،
والإمساك عن النكير لا يدل عند أحد من العلماء على الرضا إلا بعد أن يعلم أنه لا وجه
له إلا الرضا.
340

وروى الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ع عن الحج، فقال: تمتع دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة لأن الله يقول: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي، فليس لأحد أن يتمتع إلا لحاضري المسجد الحرام لأن الله تعالى
أنزل ذلك في كتابه وجرت بها السنة من رسول الله ص، ثم قال: إنا إذا
وقفنا بين يدي الله قلنا: يا ربنا عملنا بكتابك، وقال الناس: رأينا ورأينا، ويفعل الله
بنا وبهم ما أراد، ثم قال: إنا لا نتقي أحدا في التمتع بالعمرة إلى الحج واجتناب المسكر
والمسح على الخفين.
فصل:
وسياق التمتع أن يحرم من الميقات بالعمرة في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة
وتسع من ذي الحجة ويلبي ثم يدخل مكة فيطوف بالبيت للعمرة ويصلى ركعتي
الطواف لها ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر وقد حل، فيتمتع حينئذ بلبس الثياب إن
شاء وعمل كل ما يعمله الحلال من الطيب والنساء وغيرهما إلا الصيد لأنه في الحرم إلى
أن يحرم بالحج يوم التروية فهذه المدة التي بينهما متعة له.
ثم ينشئ إحراما آخر بالحج من المسجد الحرام ويلبي ويخرج إلى عرفات ويقف
هناك ويفيض إلى المشعر الحرام ويقف هناك ويغدو منها إلى منى ويذبح الهدي بها مع باقي
المناسك يوم النحر، ثم يأتي مكة يوم النحر أو من الغد لا غير اختيارا ويطوف طواف
الزيارة ويصلى ركعتيه ويسعى ويطوف طواف النساء ويصلى ركعتيه وقد أحل من كل
شئ، ويعود إلى منى فيبيت ليالي منى بها ويرمي الجمار.
وفرائض الحج المتمتع ثماني عشرة يدل عليها ظواهر القرآن وفحواه، وفرائض الحج
القارن والمفرد عشر، ومن أفرد أو قارن فعليه أن يعتمر بعد الفراع عمرة الاسلام مبتولة
من حجه متى شاء.
341

باب في تفصيل أفعال الحج المتمتع:
أولها النية لأن من خرج من بيته قاصدا بيت الله يجب عليه وقت نهوضه أن ينوي
أنه يخرج لحجة الاسلام، ثم هو في قطع الطريق يؤدى الواجبات لأن ما لا يتم الواجب
إلا به فهو أيضا واجب، فإذا بلغ الميقات أحرم به للعمرة التي يتمتع بها إلى الحج ونوى
ولبس ثوبي الإحرام ولبى أربع كلمات واجبا. فالدليل على وجوب النية قوله تعالى:
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. فهذه الآية تدل على أن النية للحج
ولجميع العبادات واجبة لأن الإخلاص بالديانة هو القربى إلى الله تعالى بعملها مع
ارتفاع الشوائب والتقرب إليه تعالى لا يصح إلا بالعقد عليه والنية له ببرهان، والنية
إرادة مخصوصة محلها القلب، وبين ع ذلك بقوله: إنما الأعمال بالنيات.
وأما الإحرام فريضة من تركه متعمدا فلا حج له، فإذا أراد الإحرام تنظف واتزر
بثوب وتوشح بآخر أو ارتدى به ولا يلبس مخيطا، وروي عن ابن مسعود أنه لقي رجلا
محرما وعليه ثيابه القميص والسروال فقال له: انزع هذا عنك، فقال الرجل: اقرأ علي
آية في هذا من كتاب الله، فقرأ عليه قوله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا. والآية عامة في كل ما أتى رسول الله وما نهى عنه وإن كان أمر
النبي متصلا به، ولا خلاف بين الفقهاء أن الآية إذا نزلت في أمر لا تكون مقصورة
عليه.
فصل:
وقوله تعالى: وأذن في الناس بالحج الآية.
عن ابن عباس أن إبراهيم ع قام في المقام فنادى: يا أيها الناس إن الله قد
دعاكم إلى الحج، فأجاب الحاضرون: بلبيك لبيك اللهم لبيك لبيك. والشئ إذا علم
أنه كان في شرع ولم ينسخ فهو على ما كان.
وقال مجاهد: نزل قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم
342

تسؤكم، حين سألوا عن أمر الحج لما أنزل الله: ولله على الناس حج البيت،
فقالوا: في كل عام؟ قال: لا ولو قلت نعم لوجبت.
وقال ابن عباس: كان رجل مطعون في نسبه يقال له: عبد الله فقال: يا رسول الله من
أبي؟ فقال ع: حذافة، فنزلت الآية. وكان السؤال الأول والثاني وقعا في
مجلس واحد فخاطب الله المؤمنين بهذه الآية ونهاهم عن مسألة الأشياء التي إذا ظهرت
ساءت وأحزنت من أظهرت له.
وروي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع أنه قال: إن الله فرض الحج
على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله: ولله على الناس حج البيت، فقال أخوه
علي بن جعفر: قلت ومن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا ولكن من قال ليس هذا هكذا
فقد كفر.
ومعناه أنه يجب على أهل الجدة في كل عام على طريق البدل لأن من وجب عليه
الحج في السنة الأولة فعلى هذا في كل سنة إلى أن يحج ولم يعن ع وجوب
ذلك عليهم في كل عام على طريق الجمع، ونظير ذلك ما نقوله في وجوب الكفارات
الثلاث من أنه متى لم يفعل واحدة منها فإنا نقول: إن كل واحدة منها له صفة
الوجوب فإذا فعل واحدة منها خرج الباقي من أن يكون واجبا فكذلك القول فيما
تضمن هذا الحديث.
والمراد بقوله: ولله على الناس حج البيت، الأمر دون الخبر كقوله: ومن دخله
كان آمنا فإن معناه الأمر أيضا أي أمنوه لأنه لو كان خبرا لكان كذبا.
فصل:
ومن أحرم بالحج أو بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج في غير أشهر الحج وهي شوال
وذو القعدة وعشر من ذي الحجة لم ينعقد إحرامه. والحجة لنا - بعد الاجماع المكرر -
قوله تعالى: الحج أشهر معلومات، ومعنى ذلك وقت الحج أشهر معلومات لأن الحج
343

نفسه لا يكون أشهرا، والتوقيت في الشريعة يدل على اختصاص الموقت بذلك الوقت
وإنه لا يجزئ إلا في وقته.
فإن تعلق المخالف بقوله: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج،
وأن ظاهر ذلك يقتضي أن الشهور كلها متساوية في جواز الإحرام فيها.
الجواب: إن هذه الآية عامة نخصصها بقوله: الحج أشهر معلومات، ونحمل لفظ "
الأهلة " على أشهر الحج خاصة، على أن أبا حنيفة لا يمكنه التعلق بهذه الآية لأن الله
تعالى قال: مواقيت للناس والحج، والإحرام عنده ليس من الحج، وقد أجاب بعض
الشفعوية عن التعلق بهذه الآية بأن قال: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت
للناس، أي لمنافعهم وتجاراتهم، ثم قال: " والحج " فاقتضى ذلك أن يكون بعضها لهذا
وبعضها لهذا وهكذا نقول. ويجري ذلك مجرى قولهم: هذا المال لزيد وعمرو، أن الظاهر
يقتضي اشتراكهما فيه.
وهذا ليس بمعتمد لأن الظاهر من قوله: للناس والحج، يقتضي أن يكون جميع
الأهلة على العموم لكل واحد من الأمرين، وليس كذلك قولهم: المال لزيد وعمرو، لأنه
لا يجوز أن يكون جميع المال لكل واحد منهما فوجب الاشتراك لهذه العلة، وجرت الآية
مجرى أن نقول: هذا الشهر أجل لدين فلان ودين فلان، في أنه يقتضي كون الشهر كله
أجلا للدينين جميعا ولا ينقسم لانقسام المال فوجب أن لا يكون الاشتراك لهذه العلة.
فصل:
والطواف بالبيت فريضة وهو سبعة أشواط يبتدأ به من عند الحجر الأسود قال
تعالى: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين. والطائف الدائر
حول الكعبة. وقال: وليطوفوا بالبيت العتيق. وقال: ومن ذريتنا أمة مسلمة
لك. وقال: أرنا مناسكنا. قال قتادة: أراهما الله الطواف بالبيت والسعي بين
الصفا والمروة وغير ذلك من أعمال الحج والعمرة.
وقال تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. قال الشعبي وقتادة: أمروا أن
344

يصلوا عنده، وهو المروي في أخبارنا وبذلك يستدل على أن صلاة الطواف فريضة مثل
الطواف لأن الله أمر بذلك والأمر في الشرع يقتضي الإيجاب وليس ههنا صلاة يجب
أداؤها عنده غير هذه.
وقال تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم... الآية. قال
مجاهد: إنما ذكر اللباس ههنا لأن المشركين كانوا يتعرون في الطواف حتى تبدو
سوآتهم، وقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها، هو التعري في
الطواف، كانوا يقولون: لا نخدم الله في ثياب أذنبنا فيها. ويقال أيضا بالتعري من
الذنوب. وكانت المرأة تطوف أيضا عريانة إلا أنها تشد في حقوها سيرا.
فصل:
السعي بين الصفا والمروة فرض عندنا في الحج والعمرة وبه قال الحسن وعائشة
والشافعي، قال الله: إن الصفا والمروة من شعائر الله، وهما جبيلان معروفان بمكة
وهما من الشعائر أي معالم الله، وشعائر الله أعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر
مأخوذ من " شعرت به " أي علمت، وكل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة وأداء فريضة
فهو مشعر لتلك العبادة، وإنما قال: فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن
يطوف بهما. وهو طاعة من حيث أنه جواب لمن توهم أن فيه جناحا لصنمين كانا
عليهما أحدهما أساف والآخر نائلة وروي ذلك عنهما ع وكان ذلك في
عمرة القضاء ولم يكن فتح مكة بعد وكانت الأصنام على حالها حول الكعبة.
وقال قوم: سبب ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بينهما فكره المسلمون ذلك
خوفا أن يكون من أفعال الجاهلية فأنزل الله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما. وقال
آخرون على عكس ذلك وذكروا أن أهل الجاهلية كانوا يكرهون السعي بينهما فظن قوم
أن في الاسلام مثل ذلك فأنزل الله الآية. وجملته أن في الآية ردا على جميع ما
كرهه من كرهه لاختلاف أسبابه على الأجوبة الثلاثة.
345

فصل:
قوله تعالى: ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر، لا يدل على أن السعي بين الصفا
والمروة مستحب متطوع لأن معناه ومن تطوع خيرا بالصعود على الصفا والمروة فهو المجازى
بالثواب على تطوعه، وفي من لم يصعد ولم يقف على رؤوسهما وسعى وطاف بينهما من
طرف هذا إلى طرف تلك ومن طرف تلك إلى طرف هذا هكذا سبعا فقد أدى الواجب
فلا جناح عليه.
وقال أنس وعطاء: إن جميع ذلك تطوع، وبه قال أبو حنيفة. وعندنا أن من ترك
الطواف بينهما متعمدا فلا حج له حتى يعود ويسعى وبه قالت عائشة والشافعي. وقال
أبو حنيفة: إن عاد فحسن وإلا جبره بدم. وقال عطاء ومجاهد: يجزئه ولا شئ عليه.
وقال المفسرون في معنى قوله: ومن تطوع خيرا، ثلاثة أقوال: أولها من تطوع
خيرا أي الحج أو العمرة بعد الفريضة، والثاني ومن تطوع خيرا أي بالطواف بهما عند
من قال: إنهما نفل، والثالث ومن تطوع خيرا بعد الفرائض كمن طاف بالبيت
الطوافات النافلة بعد الفراع من مناسك الحج، وهذا هو الأولى لأنه أعم.
وقال الجبائي: التقدير فلا جناح عليه أن يطوف بهما، وهو غير صحيح لأن الحذف
يحتاج إلى دليل، والفرق بين الفرض والتطوع أن الفرض يستحق بتركه الذم والعقاب
والتطوع لا مدخل لهما في تركه. وعن الصادق ع: أن آدم الصفي نزل على
الصفا وحواء على المروة وهي مرأة تسميا بهما. والتقصير بعد الفراع من هذه العمرة
واجب، قال تعالى: محلقين رؤوسكم ومقصرين.
فصل:
وإذا كان يوم التروية وقد فرع من العمرة التي يتمتع بها إلى الحج وأراد الإحرام
للحج وهو واجب نوى وأحرم عند مقام إبراهيم ولبى، وكل هذه الثلاثة واجب يدل
عليه الآيات التي تلوناها من قبل وقال تعالى أيضا: ما آتاكم الرسول فخذوه.
346

ويتوجه إلى عرفات، فإذا زالت الشمس بها وقف هناك بعد الظهر والعصر إلى
غروب الشمس وهذا الموقف فريضة في الحج، قال تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض
الناس. كانت قريش في الجاهلية لا تخرج إلى عرفات ويقولون لا نخرج من الحرم
وكانوا يقفون يوم عرفة بالمشعر الحرام وليلة العيد أيضا بها، وكان الناس الذين يحجون
غيرهم يقفون بعرفات يوم عرفة كما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق يفعلون، فأمر الله
أن يقف المسلمون كلهم يوم عرفة بعرفات ويفيضوا منها عند الغروب إلى المشعر بقوله
تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، والإفاضة منها لا يمكن إلا بعد الوقوف أو
الكون بها.
فصل:
وقوله: فإذا أفضتم من عرفات. بين تعالى فرض الموقفين عرفات والمشعر أي إذا
دفعتم من عرفات بعد الاجتماع بها فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
أوجب الله على الحاج كلهم أن يذكروا الله بالمشعر لأن الأمر شرعا على الوجوب ولا
يجوز أن يوجب الذكر فيه إلا وقد أوجب الكون فيه ففي هذا دلالة على أن الوقوف
بالمشعر الحرام ليلة العيد فريضة كما ذهبنا إليه، وتقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات
فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه أي اذكروه تعالى بالثناء والشكر حسب نعمائه
عليكم بالهداية فإن الشكر يجب أن يكون على حسب النعمة في عظم المنزلة كما يجب أن
يكون على مقدارها لو صغرت النعمة، ولا يجوز التسوية بين من عظمت نعمته ومن
صغرت نعمته، يعني اذكروه ذكرا فيه بمثل هدايته إياكم وإن كنتم قبل محمد وقبل
الهدي لمن الضالين عن النبوة والشريعة هداكم إليه.
فإن قيل: " ثم " للترتيب متراخيا فما معنى الترتيب بين قوله: واذكروا الله عند
المشعر الحرام وبين قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، ولا خلاف أن
الوقوف بعرفات مقدم على الوقوف بالمشعر.
347

قلنا: هذا يوجب الترتيب في الإخبار بهما لا بالعمل فيهما ونحوه قوله تعالى: ثم
كان من الذين آمنوا، بعد قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة، ولا خلاف أن الإيمان
يجب أن يكون قبل الإطعام.
وقد روى أصحابنا أن ههنا تقديما وتأخيرا وتقديره: ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات
فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
وأجاب المتأولون بأن قالوا: رتبت الإفاضة بعد المعنى الذي دل الكلام الأول عليه
كأنه قيل: أحرموا بالحج على ما بين لكم ثم أفيضوا يا معشر قريش من حيث أفاض
الناس بعد الوقوف بعرفة، وهذا قريب مما قلناه وإنما عدل من تأوله على الإفاضة من
مزدلفة لأنه رآه بعد قوله: فإذا أفضتم من عرفات، قال: فأمروا أن يفيضوا من المزدلفة
يوم الوقوف بها كما أمروا بعرفة، وما قدمناه هو التأويل المختار.
فإذا أصبح يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء بالمشعر إلى طلوع الشمس، ثم
يفيض إلى منى لأداء المناسك بها كما بينها رسول الله، لقوله: وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس.
فصل:
والهدي واجب على المتمتع بالعمرة إلى الحج ومن لم يقدر عليه وجب عليه صيام
عشرة أيام، قال تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة.
فالهدي على الحاج المتمتع واجب بلا خلاف لظاهر القرآن وخالفوا في أنه نسك أو
جبران والصحيح أنه نسك وكذلك هو عندنا، فإن لم يجد الهدي ولا ثمنه صام ثلاثة
أيام متتابعة في أول ذي الحجة رخصة ووقت صومها يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم
عرفه، فإن فاتته صام ثلاثة أيام بعد أيام التشريق في ذي الحجة متتابعة وصام سبعة الأيام
348

إذا رجع إلى أهله، وهذا أصح من قول من قال: إذا رجع عن حجه في طريقه.
وقوله: تلك عشرة كاملة، عن أبي جعفر ع: أن المعنى كاملة من الهدي إذا
وقعت بدلا منه استكملت ثوابه، ثم إنه لإزالة الإبهام لئلا يظن أن الواو بمعنى أو كأنه
قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج أو سبعة أيام إذا رجعتم كقوله: فانكحوا ما طاب لكم
من النساء مثنى وثلاث ورباع.
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. أي ما تقدم ذكره من التمتع
بالعمرة إلى الحج ليس لأهل مكة ومن يجري مجراهم وإنما هو لمن لم يكن من حاضري
مكة.
فصل:
وقال تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله.
يجب على كل من حج أن يوفر شعر رأسه من أول ذي القعدة إلى يوم النحر بمنى
فيحلقه هناك والمعنى لا تزيلوا شعر رؤوسكم حتى ينتهي الهدي إلى المكان الذي يحل
نحره فيه وهو مني.
وقال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. عن ابن عباس: أنه تعالى
أمره بمناسك الحج الوقوف بعرفة والمشعر والإفاضة ورمى الجمار والطواف والسعي وغير
ذلك من مناسكه فأتمهن أي وفي بهن. والابتلاء الاختبار وهو مجاز يعني أنه تعالى يعامل
العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم لأنه تعالى لو جازاهم بعلمه فيهم كان ظلما لمن أدخله
النار، وعلى هذا قوله تعالى: والفجر وليال عشر عن ابن عباس والحسن وجماعة: الليالي
العشر هي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء
الشر، والشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة. ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم بعده.
ولا يجوز للمتمتع مع الإمكان طواف الحج وركعتاه والسعي بين الصفا والمروة للحج
إلا في هذين اليومين، فالطواف للحج وركعتاه والسعي له وطواف النساء وركعتاه فهذه
349

الخمسة كلها فريضة وقد بينها رسول الله لقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما
نزل إليهم، وقال: ما آتاكم الرسول فخذوه.
وأما قوله تعالى: وليطوفوا بالبيت العتيق. قال قوم: هو طواف العمرة الذي يقال
له: طواف الصدر، لأنه تعالى أمر به عقيب المناسك كلها. وقيل: هو طواف الإفاضة بعد
التعريف إما يوم النحر وإما بعده وهو طواف الزيارة. وروى أصحابنا: أن المراد به ههنا
طواف النساء الذي يستباح به وطء النساء وهو زيادة على طواف الزيارة للحج، والعموم
يتناول الجميع.
باب فرائض الحج وسننه وما يجري مجراها:
اعلم أن فرائض الحج المفرد والقارن عشر احتججنا من القرآن تصريحا وتلويحا
وتبيينا وإشارة، فإن الثمانية الأشياء التي وجبت في العمرة التي يتمتع بها إلى الحج
تسقط في الإفراد والقران، ومن حج مفردا فعليه عمرة الاسلام بعد الحج مبتولة منه.
وقوله تعالى: الحج أشهر معلومات. أي أشهر الحج أشهر معلومات أو الحج حج
أشهر معلومات ليكون الثاني هو الأول في المعنى فحذف المضاف أي لا حج إلا في هذه
الأشهر، وقد يجوز أن يجعل " الأشهر " الحج على الاتساع لكونه فيها ولكثرته من الفاعلين
له لقول الخنساء: فإنما هي إقبال وإدبار أي أشهر الحج أشهر مؤقتة معينة لا يجوز فيها
التبديل والتغيير بالتقديم والتأخير اللذين كان يفعلهما النساء، قال الله تعالى: إنما
النسئ زيادة في الكفر. وقد ذكر أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي
الحجة عندنا على ما روي عن أبي جعفر ع وقيل: هو شوال وذو القعدة وذو
الحجة. وروي ذلك أيضا في أخبارنا، وروي: تسع من ذي الحجة. ولا تنافي بينها لأن
على الرواية الأخيرة لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها، وعندنا لا يصح الإحرام بالعمرة
التي يتمتع بها إلى الحج إلا بالرواية الأولى. ومن قال: إن جميع ذي الحجة من أشهر
الحج، قال لأنه يصح أن يقع فيها بعض أفعال الحج مثل صوم الأيام الثلاثة وذبح
الهدي.
350

واختلف المفسرون فيه فقال قوم: المعنى في جميع ذلك واحد. وقال آخرون: هو
مختلف من حيث أن الثاني معناه أن العمرة لا ينبغي أن تكون في الأشهر الثلاثة على
التمام لأنها من أشهر الحج، والأول على أنها ينبغي أن يكون في شهرين وعشرا وتسع من
الثالث.
فإن قيل: كيف جمع شهرين وعشرة أيام ثلاثة أشهر.
قلنا: لأنه قد يضاف الفعل إلى الوقت وإن وقع في بعضه، ويجوز أن يضاف الوقت
إليه كذلك كقولك: صليت يوم الجمعة، وصليت يوم العيد، وإن كانت الصلاة في
بعضه، وقدم زيد يوم كذا، وقدومه في بعض اليوم، فكذلك جاز أن يقال: ذو الحجة
شهر الحج وإن كان في بعضه وإنما يفرض الإحرام بالحج في البعض.
فصل:
وقوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.
فمن فتح الجميع فقد نفى جميع الرفث والفسوق والجدال، كقوله تعالى: لا ريب
فيه، فقد نفى جميع الريب. ومن رفع فعلى الابتداء وخبره في الحج، ويعلم من الفحوى
أنه ليس المنفى رفثا واحدا ولكنه جميع ضروبه.
والرفث ههنا عندنا كناية عن الجماع وهو قول ابن عباس وقتادة وأصله الإفحاش
في المنطق في اللغة، وعن جماعة المراد ههنا المواعدة للجماع والتعريض للجماع أو المداعبة
كله رفث.
والفسوق قيل: هو التنابز بالألقاب، لقوله: بئس الاسم الفسوق. وقيل: هو
السباب، لقوله ع: سباب المؤمن فسوق. وروى بعض أصحابنا: أن المراد به
الكذب، والأولى أن نحمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها، وبه قال ابن عمر.
وقد يقول القائل: ينبغي أن تقيد لسانك في شهر رمضان لئلا يبطل صومك، فيخصه
بالذكر لعظم حرمته.
وقوله: ولا جدال في الحج. فالذي رواه أصحابنا: أنه قول: لا والله وبلى والله،
351

صادقا وكاذبا. وللمفسرين فيه قولان: أحدهما أنه لا مراء بالسباب والإغضاب على
وجه اللجاج، والثاني أنه لا جدال في أن الحج قد استدار لأنهم أنسوا الشهور فقدموا
وأخروا فالآن قد رجع إلى حاله. والجدال المخاصمة، ولا رفث إن خرج مخرج النفي
والإخبار فالمراد به النهي، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، أي يجازيكم عليه لأنه
عالم به.
فصل: وقوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. أي تزودوا من الطعام ولا تلقوا
كلكم على الناس كما يفعله العامة، وخير الزاد مع ذلك التقوى. وقيل: تزودوا من
الأعمال الصالحة فإن الاستكثار من أعمال البر أحق شئ بالحج. والعموم يتناول
التأويلين.
ثم قال: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. وهذا تصريح بالإذن
بالتجارة وهو المروي عن أئمتنا ع. أي لستم تأثمون في أن تبتغوا وتطلبوا
الرزق فإنهم كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع الله الإثم بهذه اللفظة عمن يتجر في
الحج.
وقيل: كان في الحج أجراء ومكارون وكان الناس يقولون: إنه لا حج لهم، فبين
تعالى أنه لا إثم على الحاج في أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا. وقيل: معناه لا جناح أن
تطلبوا المغفرة من ربكم. رواه جابر عن أبي جعفر ع، والعموم يتناول الجميع.
فالآية تدل على أن التاجر والحمال والأجير وغيرهم يصح لهم الحج، فليس الحج
كالصلاة لأن أفعال الصلاة متصلة لا يتخللها غيرها وأفعال الحج بخلافها فلا يمتنع قصد
ابتغاء المنافع مع قصد إقامة التعبد وكذلك لا يمتنع أن يستغفر الله أو يصلى على النبي وآله
في خلال ذكر التلبيات وغيرها.
352

فصل:
وقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع... عن ابن عباس وابن
عمر: السبيل الذي يلزم بها الحج هي الزاد والراحلة. وقال ابن الزبير والحسن: ما يبلغه
كائنا ما كان. وعندنا هو وجود الزاد والراحلة ونفقة من يلزمه نفقته والرجوع إلى كفاية
عند العود إما من مال أو ضياع أو عقار أو صناعة أو حرفة مع الصحة والسلامة وزوال
الموانع وإمكان المسير. ولا بيان في ذلك أبين مما بينه الله بأن يكون مستطيعا إليه
السبيل وذلك عام في جميع ما ذكرنا، ومن في موضع الجر بدل من الناس، المعنى: ولله
على من استطاع من الناس حج البيت.
وقوله تعالى: ومن كفر... أي من جحد فرض الحج فلم يره واجبا، فأما من تركه
وهو يعتقد فرضه فإنه لا يكون كافرا وإن كان عاصيا. وقال قوم: معنى من كفر أي ترك
الحج. والسبب في ذلك أنه لما نزل قوله: ومن يبتغ غير الاسلام دينا. قال اليهود:
نحن مسلمون نحن مسلمون، فأنزل الله هذه الآية يأمرهم بأمر الحج إن كانوا صادقين
فامتنعوا فقال تعالى: فمن ترك من هؤلاء الحج فهو كافر.
وظاهر الآية خبر ومعناه أمر لأنه إيجاب الحج على الناس، وفي مورد هذا الإيجاب في
صورة الخبر نكتة مليحة يطلع عليها من تدبره وفيها مداراة واستمالة لأن المأمور به ينكسر
بالأمر وأكثر كلام الله وكلام رسوله الوارد على لفظ الخبر إما يتضمن الأمر أو النهي.
فصل:
ومما يدل على أن الوقوف بالمشعر الحرام واجب وهو ركن من أركان الحج - بعد
الاجماع المذكور - قوله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر
الحرام. والأمر شرعا على الإيجاب، ولا يجوز أن يوجب ذكر الله فيه إلا وقد أوجب
الكون فيه ولأن كل من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف به.
فإن قالوا: نحمل ذلك على الندب. قلنا: هو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دلالة ولا
353

دليل. فإن قيل: هذه الآية تدل على وجوب الذكر وأنتم لا توجبونه وإنما توجبون الوقوف
به كالوقوف بعرفة. قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية.
وبعد، فإن الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذكر جميعا، فإذا دل
الدليل على أن الذكر مستحب غير واجب أخرجناه من الظاهر وبقي الآخر يتناوله
الظاهر. وتقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه.
فإن قيل: الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب لأنه إنما يراد له ومن
أجله فإذا ثبت أن الذكر مستحب فكذلك الكون. قلنا: لا نسلم أن الكون في ذلك
المكان تابع للذكر لأن الكون به عبادة مفردة عن الذكر والذكر عبادة أخرى فلا يتبع
الكون الذكر كما لا يتبع الذكر لله في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به لأن
الذكر بعرفات مستحب والوقوف بها واجب بلا خلاف، على أن الذكر لو لم يكن
واجبا فالشكر لله على نعمه واجب على كل حال، وقد أمر الله أن يشكر عند المشعر
الحرام فيجب أن يكون الكون بالمشعر واجبا.
فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون المشعر ليس بمحل للشكر وإن كان محلا للذكر
وإن عطف الشكر على الذكر. قلنا: الظاهر بخلاف ذلك لأن عطف الشكر على الذكر
يقتضي تساوى حكمهما في المحل وغيره وليس في الآية ذكر الشكر صريحا ولكن الذكر
الأول على عمومه والذكر الثاني مفسر بالشكر لقرينة قوله " كما هداكم " فالهداية نعمة
واجب الشكر عليها لأن الشكر على كل نعمة واجب، وعلى هذا لا تكرار مستقبحا في
الكلام أيضا.
فصل:
ثم ليقضوا تفثهم فالتفث مناسك الحج من الوقوف والطواف والسعي ورمى
الجمار والحلق بمنى والإحرام من الميقات.
وعن ابن عباس: التفث جميع المناسك. وقال قوم: التفث قشف الإحرام وقضاؤه
بحلق الرأس والاغتسال ونحوه. وقال الأزهري في كتاب تهذيب اللغة: التفث في كلام
354

العرب لا يعلم إلا من قول ابن عباس. وقيل: التفث الدرن. ومعنى قوله: ثم ليقضوا
تفثهم... ليزيلوا أدرانهم. وقيل: هو الأخذ من الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط
وحلق العانة، وهذا عند الخروج من الإحرام.
وقوله: وليوفوا نذورهم... أي يفوا بما نذروا من نحر البدن. وقال مجاهد: كل ما
نذر في الحج، فربما نذر الانسان إن رزق حجا أن يتصدق. وإذا كان على الانسان نذر
فالأفضل أن يفي به هناك. ولم يقل بنذورهم لأن المراد بالإيفاء الإتمام أي ليتموا
نذورهم بقضائها.
وقوله: وليطوفوا بالبيت... عام في كل طواف، وسمي عتيقا لأنه أعتق من أن
يملكه جبار.
فصل:
وقوله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما. ظاهره يقتضي تحريم الصيد في حال الإحرام
وتحريم ما صاده غيره، ومنهم من فرق بين ما صيد وهو محرم وبين ما صيد قبل إحرامه،
وعندنا لا فرق بينهما والكل محرم على المحرم، فأما من لم يكن محرما فيجوز أن يأكل
من الصيد الذي ذبح وصيد في غير الحرم وإن كان في الحرم.
والصيد يكون عبارة عن الاصطياد فيكون مصدرا ويعبر به عن المصيد فيكون اسما
صريحا، ويجب أن يحمل ذكره في الآية على الأمرين وتحريم الجميع والمعنى أبيح لكم
صيد الماء، وإنما أحل بهذه الآية الطري من صيد البحر لأن العتيق لا خلاف في كونه
حلالا، و " طعامه " أي طعام البحر يريد المملوح وهو الذي يليق بمذهبنا، وإنما سمي
" طعاما " لأنه يدخر ليطعم فيكون المراد بصيد البحر الطري وبطعامه المملوح، وقيل:
المراد بطعامه ما ينبت من الزرع والثمار بحباته.
355

باب ذكر المناسك وما يتعلق بها:
قوله تعالى: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس. أي يثوبون إليه في كل عام، يعني
ليس هو مرة في الزمان فقط على الناس، وعن ابن عباس: معناه أنه لا ينصرف عنه أحد
وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا فهم يعودون إليه. وعن أبي جعفر ع: يرجعون
إليه لا يقضون وطرا. وحكى الحارثي: أن معناه يحجون إليه فيثابون عليه. وروي: أن
كل من فرع من الحج وانصرف وعزم أن لا يعود إليه أبدا مات قبل الحول.
وإنما جعله الله آمنا بأن حكم أن من عاذ به والتجأ إليه لا يخاف على نفسه ما دام
فيه بما جعله في نفوس العرب من تعظيمه وكان من فيه آمنا ويتخطف الناس من
حوله، ولعظم حرمته أن من جنى جناية فالتجأ إليه لا يقام عليه الحد فيه لكن يضيق
عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيحد، فإن أحدث فيه ما يوجب الحد أقيم فيه الحد
لأنه هتك حرمة الحرم.
فصل:
وقوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.
قيل: فيه أربعة أقوال: قال ابن عباس: الحج كله مقام إبراهيم. وقال عطاء: مقام
إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار. وقال مجاهد: الحرم كله مقام إبراهيم. وقال السدي: هو
الحجر الذي فيه أثر رجلي إبراهيم. وكانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدميه حين
غسلت رأسه فوضع إبراهيم عليه رجله وهو راكب فغسلت شقه الأيمن ثم رفعته وقد غابت
رجله فيه فوضعته تحت قدمه اليسرى وغسلت الشق الأيسر من رأسه فغابت رجله اليسرى
أيضا في الحجر فأمر الله بوضع ذلك الحجر قريبا من الحجر الأسود وأن يصلى عنده بعد
الطواف. وهو الظاهر في أخبارنا.
وقوله: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا. أمرهما الله أن يطهراه من فرث
ودم كان يطرح المشركون قبل أن صار في يد إبراهيم. وقيل: أراد طهراه من الأصنام
356

والأوثان. وقيل: طهرا بيتي ببنائكما له على الطهارة كقوله: أ فمن أسس بنيانه على
تقوى.
ومعنى " الطائفين " هم الذين أتوه من غربة وقيل: هم الطائفون بالبيت. والطائف
الدائر.
و " العاكفين " قيل: إنهم المقيمون بحضرته. وقيل: هم المجاورون. وقيل: هم أهل
البلد الحرام. وقيل: هم المصلون. وقيل: العاكف المعتكف في المسجد.
و " الركع السجود " هم الذين يصلون عند الكعبة. والطواف للطارئ أحسن
والصلاة لأهل مكة أفضل.
فصل:
وقوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا.
قال ابن عباس: كان الحرم أمنا قبل دعوة إبراهيم لقول النبي ع حين فتح
مكة: هذه حرم حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض. وقيل: كانت قبل الدعوة
ممنوعا من الائتفاك كما لحق غيرها من البلاد فسأل إبراهيم أن يجعلها أمنا من القحط
لأنه أسكن أهله بها فأجابه الله. وقال النبي: إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة.
وقال في سورة إبراهيم: رب اجعل هذا البلد آمنا، بتعريف البلد لأن النكرة إذا
أعيدت تعرفت. سأل أن يديم أمنه من الجدب والخسف.
وقوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي. المراد بالذرية إسماعيل أبو العرب وأمه هاجر
أسكنهما مكة، ومن للتبعيض ومفعول أسكنت محذوف. وقيل: لما أن بناه إبراهيم
سماه بيتا لأنه كان قبل ذلك بيتا وإنما خربته طسم واندرس.
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم. هذا سؤال من إبراهيم أن يجعل الله قلوب
الخلق تحن إليه ليكون في ذلك منافع ذريته لأنه واد غير ذي زرع.
357

فصل:
وقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا. كان
إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجر وإنما رفعا البيت للعبادة لا للمسكن لقولهما:
تقبل منا.
وروي: أن آدم ع بناه ثم عفا أثره فجدده إبراهيم ع. والمروي
في أخبارنا أن أول من حج آدم، حج واعتمر ألف مرة على قدميه من الهند.
وقال الباقر ع: إن الله وضع تحت العرش أربعة أساطين وسماه الضراح
وهو البيت المعمور وقال للملائكة: طوفوا به، ثم بعث ملائكة فقال لهم: ابنوا في
الأرض بيتا بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به. وقال: ولما أهبط الله آدم
من الجنة قال: إني منزل معك بيتا تطوف حوله كما يطاف حول عرشي وتصلي عنده
كما يصلى عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفع فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون
مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم فأعلمه مكانه فبناه من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان
وجبل الطور وجبل الحمر. وقال الطبري: وهو جبل بدمشق.
وقوله تعالى: وأرنا مناسكنا، أي متعبداتنا. قال الزجاج: كل متعبد منسك. وقيل:
المناسك هي ما يتقرب بها إلى الله من الهدي والذبح وغير ذلك من أعمال الحج والعمرة.
وقيل: مناسكنا مذابحنا، وأرنا من رؤية البصر. وقيل: أي أعلمنا. وقيل: أراهما الله
الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والإفاضة من عرفات والإفاضة من جمع حتى
رمى الجمار فأكمل الله له الدين، وهذا أقوى لأنه هو العرف الشرعي في معنى المناسك.
وقال: ومن يرغب عن ملة إبراهيم. هي ملة نبينا، لأن ملة إبراهيم داخلة في ملة
محمد مع زيادات ههنا.
وقوله: ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه. معناه والأمر ذلك
أي هكذا أمر الحاج المناسك ومن يعظم حرمات الله، فالتعظيم خير له في الآخرة يعني
بأن يترك ما حرمه الله والحرمة ما لا يحل انتهاكه.
358

واختار المفسرون في معنى الحرمات هنا أنها المناسك لدلالة ما يتصل بها من
الآيات. وقيل: هي في الآية ما نهي عنها من الوقوع فيها وتعظيمها ترك ملابستها. وقيل:
معناها البيت الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام.
فصل:
وقوله تعالى: وأحلت لكم الأنعام. أي الإبل والبقر والغنم في حال إحرامكم إلا
ما يتلى عليكم من الصيد فإنه يحرم على المحل في الحرم إذا صيد في الحرم وعلى
المحرم في الحل والحرم " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " كانوا يلطخون أصنامهم بدماء
قربانهم فسمي ذلك رجسا. واجتنبوا قول الزور. أي الكذب، وهو تلبية المشركين:
لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وروى أصحابنا: أنه يدخل فيه
سائر الأقوال الملهية.
ذلك ومن يعظم شعائر الله. الشعائر مناسك الحج، والمراد بالمنافع التجارة.
وقوله: إلى أجل مسمى. إلى أن يعود من مكة.
وقوله: ولكل أمة جعلنا منسكا. إشارة إلى ما ذكرنا من تفصيل المجمل للمعتمر
والحاج.
باب الذبح والحلق ورمى الجمار:
قال تعالى: فما استيسر من الهدي. قد ذكرنا أن من حج متمتعا فالواجب عليه
أن ينحر بمنى بدنة أو بقرة أو فحلا من الضأن أو شاة كما تيسر عليه ويسهل ولا يصعب، فإن
لم يجد شيئا منها ووجد ثمنه خلفه عند ثقة حتى يشترى له هديا ويذبحه إلى انقضاء
ذي الحجة، فإن لم يصبه ففي العام المقبل في ذي الحجة.
وقوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. قيل:
الشعائر البدن إذا أشعرت في الحج القارن أي أعلمت عليها بأن يشق سنامها من الجانب
359

الأيمن ليعلم أنها هدي. وتعظيمها استسمانها واستحسانها " لكم فيها منافع إلى أجل
مسمى " منافعها ركوب ظهورها وشرب ألبانها إذا احتيج إليها وهو المروي عن
أبي جعفر ع. وقال ابن عباس: ذلك ما لم يسم هديا أو بدنا. وقال عطاء: ما
لم يقلد إلى أجل مسمى إلى أن ينحر.
وقوله: ثم محلها إلى البيت العتيق. معناه أن محل الهدي والبدن الكعبة، وعند
أصحابنا إن كان في العمرة المفردة فمحله مكة قبالة الكعبة بالحزورة، وإن كان الهدي
في الحج فمحله منى. ثم عاد إلى ذكر الشعائر فقال: والبدن جعلناها لكم من شعائر
الله. أي وجعلنا البدن صواف لكم فيها عبادة لله بما في سوقها إلى البيت وتقليدها بما
ينبئ أنها هدي ثم ينحرها للأكل منها وإطعام القانع والمعتر.
فاذكروا اسم الله عليها صواف. أمر من الله أن يذكروا اسم الله عليها إذا
أقيمت للذبح صافة أي مستمرة في وقوفها على منهاج واحد، والتسمية إنما يجب عند
نحرها دون حال قيامها.
والبدن الإبل العظام البدنة بالسمن جمع بدنة وهي إذا نحرت فعندهم يعقل لها يد
واحدة وكانت على ثلاث وعند أصحابنا يشد يداها إلى آباطها ويطلق رجلاها، والبقر
يشد يداها ورجلاها ويطلق ذنبها، والغنم تشد ثلاثة أرجل منها ويطلق فرد رجل.
وقال أبو عبد الله ع: القانع الذي يسأل فيرضى بما أعطي، والمعتر الذي
يعتري رحلك ممن لا يسأل. وقال: ينبغي لمن ذبح الهدي أن يعطي القانع والمعتر ثلثه
ويهدي لأصدقائه ثلثه ويطعم ثلثه الباقي.
كذلك سخرناها لكم، أي مثل ما وصفناه ذللناها لكم حتى لا تمتنع عما تريدون
منها من النحر والذبح بخلاف السباع الممتنعة، ولتنتفعوا بركوبها وحملها ونتاجها نعمة
منا عليكم " لعلكم تشكرون " ذلك.
لن ينال الله لحومها ولا دماءها. أي لن يصعد إلى الله تلكم وإنما يصعد إليه
التقوى وهذا كناية عن القبول فإن ما يقبله الانسان يقال: قد ناله ووصل إليه، فخاطب
الله عباده بما اعتادوه في مخاطباتهم، وكانوا في الجاهلية إذا ذبحوا الهدي استقبلوا الكعبة
360

بالدماء فضحوها حول البيت قربة إلى الله تعالى، والمعنى لن يتقبل الله اللحوم ولا
الدماء ولكن يتقبل التقوى فيها وفي غيرها بأن يوجب في مقابلتها الثواب. " لتكبروا
الله " لتعظموه وتشكروه في حال الإحلال كما يليق به في حال الإحرام. وقيل: لتسموا
الله على الذباحة.
إن الله لا يحب كل خوان كفور. أي من ذكر اسم غير الله على الذبيحة فهو
الجحود لنعم الله.
فصل:
وقوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. قد ذكرنا أن الحاج
لا ينبغي أن يحلق رأسه من أول ذي القعدة إلى يوم النحر بمنى، فحينئذ يلزم الرجال أن
يحلقوا رؤوسهم.
قال تعالى: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم
ومقصرين. فإن الصرورة يلزمه الحلق وغير الصرورة يجزئه التقصير، ولا يجب على النساء
الحلق ويجزئهن التقصير على كل حال. ومحل الهدي منى إن كان في الحج أو في العمرة
التي يتمتع بها إلى الحج يوم النحر، وإن كان في العمرة المبتولة فمكة، والمعنى لا تتحللوا
من إحرامكم حتى يبلغ الهدي محله وينحر أو يذبح.
فمن كان منكم مريضا. أي من مرض منكم مرضا يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة "
أو به أذى من رأسه " أي تأذى بهوام رأسه أبيح له الحلق بشرط الفدية قبل يوم النحر في
ذي القعدة أو في تسع ذي الحجة، فالأذى المذكور في الآية كلما تأذيت به. نزلت هذه
الآية في كعب بن عجرة فإنه كان قد قمل رأسه فأنزل الله فيه ذلك وهي محمولة على جميع
الأذى.
وقوله تعالى: ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. فالذي رواه أصحابنا: أن من حلق
لعذر فالصيام عليه ثلاثة أيام أو الصدقة ستة مساكين، وروي: عشرة مساكين.
والنسك شاة وفيه خلاف بين المفسرين. والمعنى إن تأذى بشئ فحلق لذلك العذر فعليه
361

فدية أي بدل وجزاء يقوم مقام ذلك من صيام أو صدقة أو نسك مخير فيها.
وأما رمى الجمار فقوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. يدل عليه
بإجماع أهل التفسير والعلماء أي كلفه مناسك الحج ومن جملتها رمى الجمار، وعليه
المفسرون. يرمي جمرة العقبة يوم النحر سبعة وكل يوم من أيام التشريق الثلاثة إحدى
وعشرين حصاة في الجمرات الثلاث يبدأ بالجمرة الأولى فيرمي سبعة ثم كذا في الوسطى
ثم في الأخرى.
باب في ذكر أيام التشريق:
" يكون فيها رمى الجمرات على ما ذكرنا "
قال الله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم. أي إذا أديتموها وفرغتم منها. قال مجاهد:
هي الذبائح. وقيل: المعنى فإذا قضيتم ما وجب عليكم في متعبداتكم إيقاعه عن الذبح
والحلق والرمي وغيرها فاذكروا الله فإنه يستحب الدعاء بعد رمى الجمرتين الأولين.
وقيل: المراد بالذكر ههنا التكبير أيام منى وقيل: إنه سائر الدعاء في تلك المواطن فإنه
أفضل من غيره.
وقوله: كذكركم آباءكم. عن أبي جعفر ع: أنهم في الجاهلية كانوا
يجتمعون هناك ويتفاخرون بالآباء وبمآثرهم ويبالغون فيه. وقوله: أو أشد ذكرا. بما لله
عليكم من النعمة. وإنما شبه الأوجب بما هو دونه في الوجوب لأنه خرج على حال
لأهل الجاهلية معتادة أن يذكروا آباءهم بأبلغ الذكر. وقيل: اذكروا الله كذكر الصبي
لأمه، والأول أظهر. ثم بين أن من يسأل هناك فمنهم من يسأل نعيم الدنيا فقط لأنه
غير مؤمن بالقيامة ومنهم من يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. عن
الصادق ع: أنها السعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا ورضوان الله
والجنة في الآخرة. وقال النبي ص: من أوتي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا
وزوجة صالحة تعينه على أمر دنياه وآخرته فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
ووقى عذاب النار.
362

فصل:
ثم قال تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات.
أمر من الله أن يذكروا الله في هذه الأيام وهي أيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم
النحر، والأيام المعلومات عشرة ذي الحجة، وهو قول ابن عباس وجماعة. وقال الفراء:
المعلومات أيام التشريق والمعدودات عشر ذي الحجة. وفي النهاية نحوه على خلاف ما في
كتبه الأخر.
والصحيح أن المعدودات هي أيام التشريق لا غير والدليل عليه قوله ههنا: فمن
تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى. والنفر الأول
والنفر الثاني لا يكونان إلا في أيام التشريق بلا خلاف.
والأيام المعلومات يوصف بها عشر ذي الحجة ويوصف بها أيام التشريق معا، وقد
ذكر في تهذيب الأحكام أن الأيام المعلومات هي أيام التشريق ويؤكد ذلك بقوله في
سورة الحج: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم
من بهيمة الأنعام. وسميت أيام التشريق معدودات لأنها قلائل وهي ثلاثة وهذه
الآية تدل على وجوب التكبير أو استحبابه، والذكر المأمور به:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد والحمد لله على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام. والأظهر أنها تجب بمنى وتستحب بغير منى.
فصل:
وقوله تعالى: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن
اتقى. المعنى في ذلك الرخصة في جواز النفر في اليوم الثاني من التشريق، فإن أقام إلى
النفر الأخير وهو اليوم الثالث من التشريق كان أفضل، فإن نفر في الأول نفر بعد الزوال
إلى قبيل الغروب، فإن غربت فليس له أن ينفر إلى اليوم الثالث بعد الرمي وليس للإمام
أن ينفر في النفر الأول.
363

وقوله: فلا إثم عليه. قيل فيه قولان: أحدهما لا إثم عليه لتكفير سيئاته مما كان
من حجه المبرور وببركته تفضل الله بالمغفرة لذنوبه وهو معنى قول ابن مسعود. الثاني
قال الحسن: لا إثم عليه في تعجله ولا تأخره وإنما نفى الإثم لئلا يتوهم ذلك متوهم في
التعجيل وجاء في التأخير على مزاوجة الكلام كما يقول: إن أظهرت الصدقة فجائز وإن
أسررتها فجائز والإسرار أفضل. ويمكن أن يقال: إن الأول معناه لا حرج عليه، والثاني
معناه لم يبق عليه إثم فقد غفر له جميع ذنوبه فيكون جمعا للقولين المتقدمين.
وقوله: لمن اتقى. فيه قولان: أحدهما لما قال: فلا إثم عليه، دل على وعده
بالثواب وعلقه بالتقوى لئلا يتوهم أنه بالطاعة في النفر فقط. الثاني إنه لا إثم عليه في
تعجله إذا لم يعمل لضرب من ضروب الفساد ولكن لاتباع إذن الله فيه. وقيل: هو
التحذير في الاتكال على ما سلف من أعمال البر في الحج فبين أن عليهم مع ذلك
ملازمة التقوى ومجانبة المعاصي. وقد روى أصحابنا: أن قوله: لمن اتقى، متعلق
بالتعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد إن شاء نفر في النفر الأول وإن شاء
وقف إلى انقضاء النفر الأخير، ومن لم يتق الصيد فلا يجوز له النفر في الأول، وهو
اختيار الفراء وهو قول ابن عباس.
وروي عن الصادق ع في قوله: فمن تعجل في يومين. أي من مات في
هذين اليومين فقد كفر عنه كل ذنب " ومن تأخر " أي أنسئ أجله فلا إثم عليه بعدها إذا
اتقى الكبائر. والتقدير ذلك لمن اتقى أو جعلناه لمن اتقى، وقيل: العامل فلا إثم عليه.
قوله: وإذا حللتم فاصطادوا. أي إذا حللتم من إحرامكم وخرجتم من الحرم
فاصطادوا الصيد الذي نهيتم أن تحلوه إن شئتم فالسبب المحرم له زال وهو إباحة أي لا
حرج عليكم في صيده بعد ذلك.
باب ما يجب على المحرم اجتنابه:
قد تقدم القول في كثير من ذلك وقد عد مشائخنا التروك المفروضة والمكروهة في الحج
والعمرة، فمحضورات الإحرام ستة وثلاثون شيئا، ومحظورات الطواف والسعي والذبح
364

والرمي سبعة وأربعون شيئا، ومكروهات الحج والعمرة ثلاثة وخمسون شيئا. وقد نطق
القرآن ببعضها مفصلا، وقوله: وما نهاكم عنه فانتهوا، يدل على جميع ذلك جملة.
وقوله: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال. قد ذكرنا أن الرفث كناية عن الجماع
فحكم المحرم إذا جامع له شرح طويل لا نطيل به الكتاب. والمراد بالفسوق الكذب فمن
كذب مرة فعليه شاة ومن كذب مرتين فعليه بقرة ومن كذب ثلاثا فعليه بدنة. وقد
أشرنا إلى ذكر الجدال أنه القسم بالله.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا
الهدي. أي يا أيها الذين صدقوا الله فيما أوجب عليهم لا تحلوا حرمات الله ولا تعدوا
حدوده ولا تحلوا معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه ولا تحلوا حرم الله وشعائر حرم الله
ومعالمه ومناسك الحج.
عن ابن عباس: المعنى لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها. وقال مجاهد: شعائر الله
الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها. وقال الفراء: كانت عامة العرب لا ترى الصفا
والمروة من شعائر الله ولا يطوفون بهما فنهاهم الله عن ذلك، وهو قول أبي جعفر
ع. وقال قوم: لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم. وقيل: الشعائر
العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم نهاهم الله أن يتجاوزوا المواقيت إلى مكة بغير
إحرام. وقال الحسين بن علي المغربي: المعنى لا تحلوا الهدايا المشعرة هديا للبيت.
وقريب منه ما روي عن ابن عباس أيضا: أن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون
الهدايا، فأراد بعض المسلمين أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عنه. والعموم يتناول كلها.
ثم قال: ولا الشهر الحرام. أي لا تستحلوا الأشهر الحرم كلها بالقتال فيها
أعداءكم هؤلاء من المشركين ولا تستحلوها بالنسئ إنما النسئ زيادة في الكفر.
وقوله تعالى: ولا القلائد. أي ولا تحلوا الهدي المقلد. وإنما كرر لأنه أراد المنع من
حل الهدي الذي لم يقلد والهدي الذي قلد. وقيل: هو نعل يقلد بها الإبل والبقر يجب
التصدق بها إن كانت لها قيمة.
وقوله: ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم. نهى أن يحل ويمنع من
365

يلتمس أرباحا في تجاراتهم من الله وأن يرضى عنهم بنسكهم، فأما من قصد البيت
ظلما لأهله وجب منعه ودفعه.
باب نهي المحرم من الإخلال والتعدي والتقصير:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد. هذا
خطاب من الله للمؤمنين وقسم منه تعالى أي ليختبرن طاعتكم من معصيتكم بشئ من
الصيد وأصله إظهار باطن الحال والمعنى يعرضكم بأمره ونهيه لأن يظهر ما في نفوسكم
وهو خاف في الحال، وسمي ذلك اختبارا لأنه شبيه في الظاهر باختبار الناس وإن كان
المختبر لا يعلم ما يكون من المختبر والله عالم بما يكون من المكلف بكل جلي وخفي
ومضمر ومنوي، والمعنى ليظهر طاعتكم من معصيتكم.
ومن في قوله " من الصيد " للتبعيض ويحتمل وجهين: أحدهما أن يكون عني صيد
البر دون صيد البحر، والآخر أن يكون لما عني الصيد ما داموا في الإحرام أوفي الحرم أو
في الإحرام والحرم كان ذلك بعض الصيد. ويجوز أن تكون " من " لتبيين الجنس وأراد
بالصيد المصيد بدلالة قوله تعالى: تناله أيديكم ورماحكم، ولو كان الصيد هنا
مصدرا كان حدثا فلا يوصف بمثل اليد والرمح وإنما يوصف به ما كان عينا.
وقال أصحاب المعاني: امتحن الله أمة محمد ص بصيد البر كما
امتحن أمة موسى ع بصيد البحر. ولما تقدم في أول السورة تحريم الصيد على
المحرم مجملا بين سبحانه ذلك ههنا فقال: ليختبرن الله تعالى طاعتكم من معصيتكم
بشئ من الصيد. أي بتحريم شئ من الصيد وبعض منه.
والذي تناله الأيدي فراخ الطير وصغار الوحش والبيض، والذي تناله الرماح الكبار
من الصيد عن ابن عباس وهو المروي عن الصادق ع. وقيل: المراد به صيد
الحرم ينال بالأيدي والرماح لأنه يأنس بالناس ولا ينفر منهم فيه كما ينفر في الحل وذلك
آية من آيات الله. وقيل: المراد به ما قرب وما بعد من الصيد. وجاء في التفسير أنه يعني
به حمام مكة وهي تفرخ في بيوت مكة في السقف وعلى الحيطان فربما كانت الفراخ
366

بحيث تصل اليد إليها.
فصل:
وبهذه الآية حرم الله صيد الحل على المحل وصيد الحرم على المحل والمحرم جميعا.
وقال الزجاج: سن النبي ع تحريم صيد الحرم على المحرم وغيره، وهذا
صحيح. وصيد غير الحرم يحرم على المحرم دون المحل. وقال أبو علي: صيد البحر هو
المحرم بهذه الآية. ونحوه قول بعض المفسرين: إن الله عني به كل صيد الحرم لأنه جعل
الصيد آمنا بالحرم فهو لا ينفر من الناس نفاره إذا خرج من مكة، وإذا كان بمكة أمكن
قتله بالرمح وأخذه باليد، فأمر الله أن لا يقتلوا هذا الصيد ولا يأخذوه ولا يؤذوه.
وقيل: تناله أيديكم. إشارة إلى صيد الحرم لأنه يكون آنس من غيره فيمكن تناوله
باليد. وقوله: ورماحكم. إشارة إلى صيد غير الحرم للمحرم لأنه يمكنه أخذه بالرمح وهذا
من الصيد الهام من الله بخلاف صيد آخر يكون في أرض أخرى. ليعلم
الله من يخافه بالغيب. أي ليعلم ملائكة الله من يخافه غائبا لأنه تعالى
عالم فيما لم يزل. ومعنى " ليعلموا " ليعرفوا قوما يخافون صيد الحرم في السر كما يخافونه
في العلانية فلا يعترضون له على حال.
ثم قال: فمن اعتدى بعد ذلك. أي من تجاوز حد الله بمخالفة أمره وارتكاب نهيه
بالصيد في الحرم وفي حال الإحرام فله عذاب النار في القيامة. ويجوز أن يكون غير ذلك
من الآلام والعقوبات في الدنيا، فقد قال: لأعذبنه عذابا شديدا. حكاية عن سليمان
في حق الهدهد ولم يرد عذاب النار.
باب تفصيل ما يجب على هذا الاعتداء من الجزاء:
قال الله تعالى عقيب ذلك: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد. اختلف في
المعنى بالصيد فقيل: هو كل الوحش أكل أو لم يؤكل. وهو قول أهل العراق، واستدلوا
367

بقول على ع:
صيد الملوك أرانب وثعالب وإذا ركبت فصيدي الأبطال
وهو مذهبنا. وقيل: هو كل ما يؤكل لحمه، وهو قول الشافعي.
وقوله: وأنتم حرم. فيه ثلاثة أوجه: أحدها وأنتم محرمون بحج أو عمرة، الثاني
وأنتم في الحرم، الثالث وأنتم في الشهر الحرام. ولا خلاف أن هذا ليس بمراد فالآية تدل
على تحريم قتل الصيد في حال الإحرام بالحج أو العمرة سواء كان محرما بالعمرة أو
بالحج أو لم يكن. وقال الرماني: تدل على تحريم قتل الصيد على المحرم بالحج أو
العمرة. والأول أعم فائدة واختاره أكثر المفسرين. وقال جماعة: الأولى أن تكون الآية
الأولى حرم فيها الصيد بالحرم في جميع الأوقات والحالات وهذه الآية الثانية حرم فيها
صيد البر كله في حال الإحرام. وواحد الحرم حرام كسحاب وسحب.
فصل:
ثم قال تعالى: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم.
فقوله تعالى من قتله فيه قولان: أحدهما أن يتعمد القتل وينشئ الإحرام، الثاني
الذاكر لإحرامه مع تعمد قتله. وقال ابن جرير: وهو عام في الناسي والذاكر لأن ظاهره
عام ولا دليل على الخصوص. وقوله " منكم " يعني كل من يدين بدين الاسلام. و
" متعمدا " نصب على الحال أي قاصدا غير ساه ولا جاهل به.
والفتوى: أن قاتل الصيد إذا كان محرما لزمه الجزاء عامدا كان في القتل أو خاطئا
أو ناسيا لإحرامه أو ذاكرا عالما كان أو جاهلا وعلى هذا أكثر الفقهاء والعلماء. وقال
جماعة: إنه يلزمه إذا كان متعمدا لقتله ذاكرا لإحرامه وهو أشبه بالظاهر. والأول يشهد
به روايات أصحابنا.
368

فصل:
واختلفوا في مثل المقتول بقوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم.
قال ابن عباس والحسن والسدي والضحاك ومجاهد وعطاء: هو أشبه الأشياء به من
النعم إن قتل نعامة فعليه بدنة، حكم النبي ع بذلك في البدنة، وإن قتل
أروى فبقرة، وإن قتل غزالا أو أرنبا فشاة. وهذا هو الذي يدل عليه روايات أصحابنا.
وقال قوم: يقوم الصيد بقيمة عادلة ثم يشترى بثمنه مثله من النعم ثم يهدي إلى
الكعبة، فإن لم يبلغ ثمن هدي كفر أو صام، وفيه خلاف بين الفقهاء. وقد تواترت
أخبارنا ورواياتنا بأن كلما يصيده المحل في الحرم يلزمه فيه القيمة، وما يصيده المحرم في
الحل من الصيد كان عليه الفداء، وإن أصابه المحرم في الحرم كان عليه الفداء والقيمة،
وما يجب فيه التضعيف هو ما لم يبلغ بدنة، فإذا بلغها لم يجب عليه غيرها. قال الزهري:
نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ.
والفتوى: أن الصيد كلما تكرر من المحرم كان عليه كفارة إذا كان ذلك منه
نسيانا، فإن فعله متعمدا مرة كان عليه الكفارة، وإن فعله مرتين فهو ممن ينتقم الله
منه وليس عليه الجزاء. فإن قيل: بم يعلم المماثلة بين النعم وما يضاد؟ قلنا: لهذا
جوابان:
أحدهما: أن الله بين على لسان نبيه ع أن في قتل النعامة بدنة من الإبل على
كل حال في الحل إذا كان محرما وفي الحرم، وجعل بدل حمار وحش أو بقر وحش بقرة
إذا أصابه المحرم في الحل، وبدل ظبية شاة هكذا، وإن أصاب قطاة فعليه حمل مفطوم،
وإن أصاب ضبا فعليه جدي، وإن أصاب عصفورا فعليه مد من طعام، وإن أصاب
المحرم في الحل حمامة فعليه دم، وإن أصابها وهو محل في الحرم فعليه درهم، فإن أصابها
وهو محرم في الحرم فعليه دم والقيمة، وإن قتل فرخا وهو محرم في الحل فعليه حمل، وإن
قتله في الحرم وهو محل فعليه نصف درهم، وإن قتله وهو محرم في الحرم فعليه الجزاء
والقيمة معا، وإن أصاب بيض حمام وهو محرم في الحل فعليه درهم، فإن أصابه وهو
محل في الحرم فعليه ربع درهم، وإن أصابه وهو محرم في الحرم فعليه الجزاء والقيمة، فإن
369

كان حمام الحرم يشترى به العلف لحمام الحرم، وإن كان حماما أهليا يتصدق به. فقد
بين جميع ذلك رسول الله ص، لقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين
للناس ما نزل إليهم.
والجواب الثاني: أنه اختلف في المكان الذي يقوم فيه الصيد فقال أبو حنيفة
وصاحباه: يقوم بالمكان الذي أصاب فيه إن كان أصاب بخراسان أو غيره. وقال عامر
الشعبي: يقوم بمكة أو منى.
وقوله: يحكم به ذوا عدل منكم. يعني شاهدين عدلين فقيهين يحكمان بأنه
جزاء مثل ما قتل من الصيد أي يحكم في الصيد بالجزاء رجلان صالحان منكم أي من
أهل ملتكم ودينكم فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به.
وقوله " هديا " أي يهديه هديا، و " بالغ الكعبة " صفة. والهدي يجب أن يكون
صحيحا بالصفة التي تجري في الأضحية. وقال الشافعي: يجوز في الهدي ما لا يجوز في
الأضحية. وعندنا إن قتل طائرا أو نحوه ففيه دم في الحل على المحرم وعلى المحل في الحرم
القيمة وعلى المحرم في الحرم دم والقيمة لما قدمنا. والدم لا يكون أقل من دم شاة. وقد
تقدم إن كان ذلك الصيد في إحرام الحج أو العمرة التي يتمتع بها يذبح بمنى، وإن كان
في العمرة المبتولة فبمكة. وعن ابن عباس: إذا أتى مكة ذبحه كله وتصدق به.
فصل:
من قرأ: فجزاء مثل ما قتل، قال أبو علي الفارسي: رفع مثل لأنه صفة لجزاء،
والمعنى فعليه جزاء من النعم مماثل للمقتول وتقديره فعليه جزاء أي فاللازم له أو
فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد.
وقوله تعالى: من النعم، في هذه القراءة صفة للنكرة التي هي جزاء وفيه ذكر له،
ولا ينبغي إضافة جزاء إلى مثل، لأن عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله ولا جزاء عليه لمثل
المقتول الذي لم يقتله. ولا يجوز على هذه القراءة أن يكون قوله: من النعم، متعلقا
بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قوله: جزاء سيئة بمثلها، لأنك قد
370

وصفت الموصول، وإذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئا، كما أنك إذا
عطفت عليه أو أكدته لم يجز أن تعلق به شيئا بعد العطف عليه والتأكيد له، والمماثلة
في القيمة أو الخلقة على اختلاف الفقهاء في ذلك.
وأما من قرأ: فجزاء مثل ما قتل فأضاف الجزاء إلى المثل فقوله: من النعم، يكون
صفة للجزاء كما كان في قول من نون ولم يضف صفة له. ويجوز فيه وجه آخر مما يجوز
في قول من نون، فيمتنع تعلقه به لأن من أضاف الجزاء إلى مثل فهو كقولهم: أنا أكرم
مثلك. أي أنا أكرمك، فالمراد فجزاء ما قتل، ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر المضاف إلى
المفعول به فالواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول لأن معناه مجارا
مثل ما قتل.
ونحن نعمل بظاهر القراءتين فإن المحرم إذا قتل الصيد الذي له مثل فهو مخير بين أن
يخرج مثله من النعم وهو أن يقوم مثله دراهم ويشترى به طعاما ويتصدق به أو يصوم عن
كل مد يوما ولا يجوز اخراج القيمة جملة، وإن كان الصيد لا مثل له كان مخيرا بين أن
يقوم الصيد ويشترى به طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما. والقراءتان
إذا كانتا مجمعا على صحتهما كانتا كالآيتين يجب العمل بهما وقد تخلصنا أن يتعسف
في النحو والإعراب.
فصل:
وعن أبي الصباح: سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز وجل في الصيد: من
قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم؟ قال: في الظبي شاة وفي الحمامة
وأشباهها وإن كان فراخا فعدتها من الحملان وفي حمار وحش بقرة وفي النعامة جزور.
وعن حريز عن الصادق ع قال: في قول الله " فجزاء مثل ما قتل من
النعم " في النعامة بدنة وفي حمار وحش بقرة وفي الظبي شاة وفي البقرة بقرة.
وعن محمد بن مسلم سألت أبا جعفر ع عن قوله: أو عدل ذلك صياما،
قال: عدل الهدي ما بلغ ثم يتصدق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام
371

مسكين يوما.
وعن أبي عبيدة عن أبي عبد الله ع قال: إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد
ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاءه من النعم دراهم ثم قومت
الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف
صاع يوما.
وعن الزهري في قوله تعالى: أو عدل ذلك صياما، قال لي علي بن الحسين
ع: أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما؟ قلت: لا، قال: يقوم الصيد
قيمة ثم يفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع
يوما.
وإذا قتل صيدا فهو مخير بين ثلاثة أشياء: بين أن يخرج مثله من النعم وبين أن يقوم
مثله دراهم ويشترى به طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما. وإن كان
الصيد لا مثل له فهو مخير بين شيئين: أن يقوم الصيد ويشترى به طعاما يتصدق به أو
يصوم عن كل يوم مدا.
ولا يجوز اخراج القيمة بحال، وبه قال الشافعي، ووافق مالك في جميع ذلك إلا أن
عندنا أنه إذا أراد شراء الطعام قوم المثل، وعنده قوم الصيد ويشترى به طعاما. وفي
أصحابنا من قال على الترتيب. دليلنا عليه قوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم،
فأوجب في الصيد مثلا موصوفا من النعم وجزاء الصيد على التخيير بين اخراج المثل أو
بيعه وشراء الطعام والتصدق به وبين الصوم عن كل مد يوما، وبه قال جميع الفقهاء.
وعن ابن عباس وابن سيرين أن وجوب الجزاء على الترتيب، وعليه قوم من أصحابنا.
دليلنا قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم، إلى قوله:
أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما. وأو للتخيير بلا خلاف بين أهل
اللسان، فمن ادعى الترتيب فعليه الدلالة.
والمثل الذي يقوم هو الجزاء، وبه قال الشافعي، وعند مالك يقوم الصيد المقتول.
ودليلنا الآية. وما له مثل يلزم قيمته وقت الإخراج دون حال الإتلاف، وما لا مثل له
372

يلزمه قيمته حال الإتلاف دون حال الإخراج.
وقال المرتضى: إذا قتل المحرم صيدا متعمدا فعليه جزاءان، وباقي الفقهاء يخالفون
في ذلك. قال: ويمكن أن يقال: قد ثبت أن من قتل الصيد ناسيا يجب عليه الجزاء،
والعمد أغلظ من النسيان في الشريعة، فيجب أن يتضاعف الجزاء عليه مع العمد.
فصل:
أو كفارة طعام مساكين. قال أبو علي الفارسي: من رفع طعام مساكين جعله
عطفا على الكفارة عطف بيان لأن الطعام هو الكفارة ولم يضف الكفارة إلى الطعام،
ومن أضاف الكفارة إلى الطعام فلأنه لما خير المكفر بين ثلاثة أشياء: الهدي والطعام
والصيام، استجاز الإضافة لذلك فكأنه قال: كفارة طعام لا كفارة هدي أو صيام
فاستقامت الإضافة.
وأورد ابن جني في المحتسب: أن قراءة أبي عبد الرحمن " فجزاء " منون " مثل ما "
بالنصب، معناها أي مجازى مثل ما قتل. وقراءة الباقر والصادق ع " يحكم
به ذو عدل " قال: وإنه لم يوجد " ذو " لأن الواحد يكفي لكنه أراد معنى " من " أي
يحكم به من يعدل، ومن يكون للاثنين كما يكون للواحد كقوله: فكن مثل من يا ذئب
يصطحبان.
وروي عنهما ع: أن المراد بذي العدل رسول الله أو ولي الأمر من بعده.
وكفى بصاحب القراءة خبيرا بمعنى قراءته. وقيل في معناه قولان: أحدهما أن يقوم عدله
من النعم ثم يجعل قيمته طعاما ويتصدق به، عن عطاء. والآخر أن يقوم الصيد المقتول
حيا ثم يجعل طعاما، عن قتادة. "
أو عدل ذلك صياما " فيه قولان: أحدهما أن يصوم عن كل مد يقوم من
الطعام يوما، عن عطاء وهو مذهب الشافعي. والآخر أن يصوم عن كل مدين يوما، وهو
المروي عن أئمتنا ع وهو مذهب أبي حنيفة.
373

فصل:
واختلفوا في هذه الكفارات الثلاث فقيل: إنها مرتبة. عن ابن عباس والشعبي
والسدي قالوا: وإنما دخلت " أو " لأنه لا يخرج حكمه عن إحدى الثلاث. وقيل: إنها
على التخيير، وهو مذهب الفقهاء واختاره الشيخ أبو جعفر على ما تقدم، وكلا القولين
رواه أصحابنا.
قال المرتضى: الأظهر أنه ليس على التخيير لكن على الترتيب ودخلت " أو " لأنه لا
يخرج حكمه عن أحد الثلاثة على أنه إن لم يجد الجزاء فالإطعام، فإن لم يجد الإطعام
فالصيام. وليس في الآية دليل على العمل بالقياس لأن الرجوع إلى ذوي عدل في تقويم
الجزاء مثل الرجوع إلى المقومين في قيم المتلفات ولا تعلق لذلك بالقياس.
وقوله: ليذوق وبال أمره، أي عقوبة ما فعله في الآخرة إن لم يتب، وقيل: معناه
ليذوق وخامة عاقبة أمره وثقله بما يلزمه من الجزاء. فإن قيل: كيف يسمى الجزاء وبالا
وإنما هي عبادة؟ وإذا كان عبادة فهي نعمة ومصلحة. فالجواب: إن الله شدد عليه
بالتكليف بعد أن عصاه فيثقل ذلك عليه كما حرم الشحم على بني إسرائيل لما اعتدوا في
السبت فثقل ذلك عليهم وإن كان مصلحة لهم.
قوله: ومن عاد فينتقم الله منه، أي من عاد إلى قتل الصيد محرما فالله تعالى
يكافئه عقوبة بما صنع. واختلف في لزوم الجزاء بالمعاودة: فقيل: إنه لا جزاء عليه، عن
ابن عباس والحسن وهو الظاهر في رواياتنا. وقيل: إنه يلزمه الجزاء، عن جماعة وبه قال
بعض أصحابنا. والجمع بين الروايتين أن في معاودة قتل الصيد عمدا لا جزاء عليه وفي
النسيان يكرر.
فإن قيل: ظاهر القرآن يخالف مذهبكم لأنه تعالى قال: فجزاء مثل ما قتل من
النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما، ولفظة " أو " يقتضي التخيير،
ومذهبكم أن القاتل للصيد عليه الهدي، فإن لم يقدر عليه فالإطعام، فإن عجز عنهما
فالصيام.
374

فالجواب: قلنا ندع الظاهر للدلالة كما تركنا ظاهر إيجاب الواو للجمع وحملناها على
التخيير في قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، ويكون كذا
إذا لم يجد الأول.
فصل:
ثم قال: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما.
وظاهره يقتضي تحريم الصيد في حال الإحرام وتحريم كل ما صاده غيره وبه قال
جماعة. وقال الحسن: لحم الصيد لا يحرم على المحرم إذا صاده غيره. ومنهم من فرق بين
ما صيد وهو محرم وبين ما صيد قبل إحرامه، وعندنا لا فرق بينهما فالكل محرم على
المحرم. والصيد يعبر به عن الاصطياد فيكون مصدرا ويعبر به عن الصيد فيكون اسما
صريحا، ويجب أن تحمل الآية على الأمرين وتحريم الجميع.
بين الله تعالى ما يحل من الصيد وما لا يحل فقال: أحل لكم صيد البحر، أي أبيح
لكم صيد الماء. وإنما أحل بهذه الآية الطبري من صيد البحر لأن العتيق لا خلاف في
كونه حلالا، عن ابن عباس وجماعة.
وقوله: وطعامه... يعني طعام البحر يريد به المملوح عن جماعة، وهو الذي يليق
بمذهبنا، وإنما سمي طعاما لأنه يدخر ليطعم.
باب المحصور والمصدود:
الحصر عندنا لا يكون إلا بالمرض، والصد إنما يكون من جهة العدو. وعند الفقهاء
كلاهما من جهة العدو، والمذهب هو الأول.
فإذا أحرم المكلف بحجة أو عمرة فحصره عدو من المشركين ومنعوه من الوصول إلى
البيت كان له أن يتحلل لعموم الآية، هذا في الحصر العام فأما الحصر الخاص وهو أن
375

يحبس بدين عليه أو غيره فلا يخلو: أن يحبس بحق أو بغير حق، فإن حبس بحق بأن
يكون عليه دين يقدر على قضائه فلم يقضه لم يكن له أن يتحلل لأنه متمكن من
الخلاص فهو حابس نفسه باختياره، وإن حبس بظلم أو دين لا يقدر على أدائه كان له
أن يتحلل لعموم الآية والأخبار بأنه مصدود.
وكل من له التحلل فلا يتحلل إلا بهدي ولا يجوز له قبل ذلك، وإذا لم يجد المحصر
الهدي أو لا يقدر على ثمنه لا يجوز له أن يتحلل حتى يهدي ولا يجوز له أن ينتقل إلى بدل
من الصوم أو الإطعام لأنه لا دليل على ذلك وأيضا قوله: فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي، و: لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، يمنع كلاهما من
التحلل إلى أن يهدي فيبلغ الهدي محله وهو يوم النحر ولم يذكر البدل. وإذا أراد التحلل
من حصر العدو فلا بد من نية التحلل قبل الدخول فيه وكذلك إذا حصر بالمرض.
ومتى شرط في حال الإحرام أن يحله حيث حبسه صح ذلك ويجوز له التحلل ولا بد
أن يكون للشرط فائدة مثل أن يقول: إن مرضت أو فنى نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق
علي أو منعني عدو أو غيره. فأما أن يقول: إن حلي حيث شئت، فليس له ذلك. فإذا
حصل ما شرط فلا بد له من الهدي لعموم الآية، هذا كلام الشيخ أبي جعفر.
وقال المرتضى: إذا اشترط المحرم فقال عند دخوله في الإحرام: فإن عرض لي
عارض يحبسني فحلني حيث حبستني، جاز له أن يتحلل عند العوائق من مرض وغيره
بغير دم. وهذا أحد قولي الشافعي، وذهب باقي الفقهاء إلى أن وجود هذا الشرط كعدمه،
فإن احتجوا بعموم قوله: وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي.
قلنا:
نحمل ذلك على من لم يشترط.
فصل:
وقوله تعالى: فإن أحصرتم فيه خلاف. قال قوم: إن منعكم حابس قاهر. وقال
آخرون: إن منعكم خوف أو عدو أو مرض أو هلاك بوجه من الوجوه فامتنعتم لذلك،
وهذا قول جماعة وهو المروي عن ابن عباس. وهذا أقوى وهو في أخبارنا، ولأن الإحصار
376

هو أن يجعل غيره بحيث يمتنع من الشئ، وحصره منعه.
وقوله: فما استيسر من الهدي، أي فليهد ما استيسر من الهدي أو فعليكم ما سهل
وتيسر من الهدي إذا أردتم الإحلال.
وفي معنى " ما استيسر " خلاف، فروي عن علي ع: أنها شاة، وعن
ابن عمر وعائشة: أنه ما كان من الإبل والبقر دون غيرهما، ووجهها التيسر على ناقة
دون ناقة وبقرة دون بقرة، والأول هو المعمول عليه عندنا وإن كان الأفضل هو الثاني.
وقال الفراء: أحصر وحصر بمعنى. وقال المبرد والزجاج: حصره حبسه وأوقع به
الحصر، وأحصره عرضه للحصر، ونظيره حبسه أي جعله في الحبس، وأحبسه أي عرضه
للحبس، وأقتله عرضه للقتل، وقتله فعله به، وقبره وأقبره.
وفي أصل الهدي قولان:
أحدهما: أنه من الهدية فعلى هذا إنما يكون هديا لأجل التقرب به إلى الله
بإخلاص الطاعة فيه على ما أمر به وواحده هدية كتمرة وتمر وجمع الهدي هدي على
فعيل كما يقال: عبد وعبيد.
والقول الآخر: أنه من هداه إذا ساقه إلى الرشاد، فسمي هديا لأنه يساق إلى الحرم
الذي هو موضع الرشاد.
والهدي يكون من ثلاثة الأنواع: جزور أو بقرة أو شاة. وأيسرها شاة وبينا أنه هو
الصحيح.
فصل:
وقوله تعالى: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام. أي وهم
يصدون، فالمعنى ومن شأنهم الصد أي إن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون عن
الحج والعمرة وعن طاعة الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس منسكا ومتعبدا لم
يخص به بعضا دون بعض " سواء العاكف فيه والباد " فالمعتمر فيه والذي ينتابه من
غير أهله مستويان في سكناه والنزول به فليس أحدهما أحق بالنزول فيه من الآخر غير أنه
377

لا يخرج أحد من بيته. وقيل: إن كراء دور مكة وبيعها حرام.
والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله لقوله تعالى: أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام، والظاهر أنه غير المسجد وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد
الحرام والطواف به ويدعون أنهم ولاته. وقيل: نزلت الآية في الذين صدوا عن مكة
رسول الله ص عام الحديبية من أبي سفيان وأصحابه.
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم، أي من يرد فيه ميلا عن الحق بأن يدخل مكة بغير
إحرام إلا الحطابة والرعاة في وقت دون وقت. وقيل: هو احتكار الطعام بمكة. وقيل: هو
كل شئ نهي عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم. وقيل: الباء في قوله تعالى
" بإلحاد " زائدة، أي ومن يرد فيه إلحادا، والباء في " بظلم " للتعدية. وقال الزجاج: الباء
ليست بملغاة، وإليه يذهب أصحابنا. والمعنى: ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم كقوله:
أريد لأنسى ذكرها، أي أريد وإرادتي لهذا.
فصل:
اعلم أن مجموع فوائد قوله تعالى: فإن أحصرتم، وقوله: إن الذين كفروا ويصدون
عن سبيل الله، أن يقال: إن المحرم الممنوع على ضربين: محصور ومصدود.
فالمحصور هو الذي لحقه المرض، فإن كان معه هدي فليبعث إلى منى إن كان
حاجا أو معتمرا للتمتع وإلى مكة إن كان معتمرا لا للتمتع ويجتنب جميع ما يجتنبه
المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله ثم قصر وقد أحل ويجب عليه الحج من قابل إن كان حجة
الاسلام ولا تحل له النساء إلى أن يحج في العام القابل، وإن لم يكن ساق الهدي فليبعث
ثمنه مع أصحابه ليذبحوا عنه في وقته ويجتنب هو ما يجب اجتنابه على المحرم فإذا دخل
الوقت المعين فقد أحل.
وأما المصدود وهو الذي يصده العدو وقد أحرم، فإن كان معه هدي فليبعثه إلى مكة
أو إلى منى على ما ذكرناه ليذبح هناك عنه فإن لم يقدر على ذلك ذبح هناك وقصر وأحل
من كل شئ من النساء وغيرها، فإن لم يكن معه هدي وجب أن يقصر في مكانه ويحل
378

مما أحرم منه.
والاشتراط في الإحرام ليس لسقوط فرض الحج فإن من حج حجة الاسلام وأحصر
لزمه الحج من قابل،
فإن كان تطوعا فإنه يستحب.
باب العمرة المفردة:
قال الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. فالعمرة واجبة مثل الحج إلا أنه من
تمتع بها إليه سقط فرضها عنه مفردا، ومن حج قارنا أو مفردا يعتمر بعد انقضاء الحج.
وأقل ما بين العمرتين عشرة أيام من آخر انقضاء العمرة الأولى، وقيل: شهر. فيجوز أن
يعتمر في كل عشرة أيام سنة. فأما المعتمر إذا حصر فعليه العمرة فرضا في الشهر الداخل
إذا كانت واجبة. وقوله: وأتموا الحج والعمرة لله، عام يتناول بعمومه الرجال
والنساء، وغلب بالذكر الذكران.
وقوله " لله " أي اقصدوا بالحج والعمرة التقرب لله. ولا يوحشنك ما لا ينفتح من جمل
التنزيل من الكتاب إلا بتفصيل التأويل من السنة فإن معاني القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: المحكم وهو ما طابق لفظه معناه وأكثر القرآن من هذا الجنس.
والثاني: هو المجمل وهو ما لا يعلم بظاهره مراد الله كله كقوله: ولله على الناس
حج البيت، فإن تفصيله وكيفيته وأحكامه لا يعلم إلا ببيان الرسول ص.
والثالث: هو المتشابه وهو ما يشترك لفظه بين معنيين وأكثر وكل واحد منهما يجوز
أن يكون مرادا فحكمه أن يحمل على جميع محتملاته في اللغة إلا أن يمنع دليل من حمله على
وجه منها ولا نقطع على مراد الله فيه إلا بنص من رسوله.
وأفعال عمرة الاسلام الواجبة ثمانية: النية والإحرام والتلبية والطواف والسعي
وطواف النساء وركعتا طواف له. هذا إذا كانت العمرة غير التي يتمتع بها إلى الحج،
فإن كانت مما يتمتع بها فليس فيها طواف النساء ولا ركعتاه ويجب بعد السعي فيه
التقصير.
379

فصل:
واعلم أن عندنا وعند الشافعي العمرة واجبة كوجوب حجة الاسلام لأن الله قال:
وأتموا الحج والعمرة لله، فكأنه قال: وأتموا الحج وأتموا العمرة.
واختلفوا في معنى إتمامهما، فقال مجاهد والمبرد والجبائي: إنه يجب إجراء أعمالهما
بعد الدخول فيهما. وقال ابن جبير وعطاء والسدي: إن معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما
لأنهما واجبان. وقال طاووس: إتمامهما إفرادهما. وقال أهل الكوفة: العمرة مسنونة،
فمن قال: إنها غير واجبة، قال لأن الله أمر بإتمام الحج وإتمام الحج ووجوب إتمامه لا يدل
على أنه واجب قبل ذلك كما أن الحج المتطوع به يجب إتمامه وإن لم يجب أولا الدخول
فيه. قالوا: وإنما علمنا وجوب الحج بقوله: ولله على الناس حج البيت... الآية،
وإجماع الفرقة المحقة على أن عمرة الاسلام واجبة كحجة الاسلام، وقد بينا أن معنى
" أتموا الحج والعمرة " أقيموهما وهو الذي رووه عن علي وزين العابدين
ع، وبه قال مسروق والسدي.
وللمفسرين في المتمتع أقوال:
روى أنس بن مالك: أن النبي ص أهل بالعمرة وحجه وسماه قرانا،
وأنكره ابن عمر.
والثاني: روي عن ابن عباس وابن عمر وابن المسيب وعطاء والجبائي: هو أن يعتمر
في أشهر الحج ثم يدخل مكة فيطوف ويسعى ويقصر ثم يقيم حلالا إلى يوم التروية فيهل
فيه بالحج من مكة ثم يحج، وهذا كما قلناه سواء. وقال البلخي: هذا الضرب كرهه
عمر ونهى عنه.
والثالث: هو الناسخ للحج بالعمرة، روى جابر وأبو سعيد الخدري: أن النبي
ع أمرهم وقد أهلوا بالحج لا ينوون غيره أن يعتمروا وينقلوا نياتهم إلى العمرة
التي يتمتع بها إلى الحج ثم يحلوا إلى وقت الحج، وهذا عندنا جائز أن يفعل.
وقوله تعالى: وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر. قال جماعة: هو
الحج الذي فيه الوقوف بعرفة والمشعر والنسك بمنى، والحج الأصغر العمرة.
380

وعن الصادق ع: أن يوم الحج الأكبر أنه يوم النحر. قال: ويسمى الحج
الأكبر لأنه حج فيه المشركون والمسلمون ولم يحج بعدها مشرك، وروي ذلك عن النبي
ص وعن علي ع أيضا. وقال الحسن: هو ثلاثة أيام
اجتمعت فيها أعياد المسلمين وأعياد اليهود والنصارى.
باب الزيادات:
سأل عبد الله بن سنان الصادق ع عن قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا،
البيت أو الحرم؟ قال: من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن ومن دخل البيت من المؤمنين
مستجيرا به فهو آمن من سخط الله، وما دخل من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج
أو يؤذى حتى يخرج من الحرم، ومن ألحد في الحرم أخذ به في الحرم لأنه لم ير للحرم
حرمة.
مسألة:
ومن أدخل مكة أو الحرم من الصيد طيرا يجب عليه أن يخلى سبيله لأن الله يقول:
ومن دخله كان آمنا، أي أمنوه. هذا إذا كان الطير مالكا لجناحه، فإن كان
مقصوص الجناح يراعيه حتى يصح ثم يخليه ولا يخرجه من الحرم.
مسألة:
وعن أبي عبد الله ع في قوله تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من
عذاب أليم. قال: كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من
الظلم فإني أراه إلحادا، ولذلك كان يتقى الفقهاء أن يسكنوا مكة.
مسألة:
وروى محمد بن مسلم والحلبي عن أبي عبد الله ع أنه قال: إن الله تعالى
اشترط على الناس شرطا وشرط لهم شرطا، فمن وفي لله وفي الله له، فقال: الحج أشهر
معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وأما ما
شرط لهم فقال: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن
381

اتقى. قال: يرجع ولا ذنب له. فقالا له: أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال: لم
يجعل الله له حدا يستغفر الله ويلبي، فقالا: فمن ابتلي بالجدال ما عليه؟ فقال: إذا
جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة.
مسألة:
قد قدمنا أن الجدال الذي منع المحرم منه بقوله: ولا جدال في الحج... هو الحلف
صادقا أو كاذبا.
فإن قيل: ليس في لغة العرب أن الجدال هو الحلف.
قلنا: لا ينكر أن يقتضي عرف الشرع ما ليس في اللغة، على أن الجدال إذا كان
الخصومة والمراء والمنازعة وهذه أمور تستعمل للدفع والمنع والقسم بالله قد يفعل لذلك
ففيه معنى المنازعة والخصومة.
مسألة:
وقوله تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد. خطاب للنبي
ص أي حلال لك قتل من رأيت حين أمر بالقتال فقتل ابن خطل صبرا
وهو آخذ بأستار الكعبة ولم يحل لأحد بعده. وقال عطاء: لم يحل إلا لنبيكم ساعة من
النهار. وقال الحسن: أي أقسم بمكة وأنت حال بها نازل فيها فشرفها بك.
مسألة:
وقوله تعالى: ففروا إلى الله، أي حجوا إلى بيت الله.
وسئل الصادق ع عن قوله: فأصدق وأكن من الصالحين، قال: فأصدق
من الصدقة، وأكن من الصالحين أي أحج.
وقال ع: من قرأ سورة الحج في كل ثلاثة أيام لم تخرج سنته حتى يخرج
إلى بيت الله الحرام، ومن قرأ " عم يتساءلون " لم تخرج سنته إذا كان يدمنها في كل يوم
حتى يزور بيت الله الحرام.
وقال: اتق المفاخرة وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله، فإن الله يقول: ثم ليقضوا
تفثهم. ومن التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة فطفت بالبيت
تكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة لذلك.
382

مسألة:
وروى محمد بن الفضيل: سألت أبا الحسن ع عن قوله تعالى: ومن كان في
هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. فقال: نزلت في من سوف الحج حجة
الاسلام وعنده ما يحج به يقول: العام أحج العام أحج، حتى يموت قبل أن يحج.
وقال معاوية بن عمار: سألت الصادق ع عن رجل لم يحج قط وله مال،
فقال: هو ممن قال الله: ونحشره يوم القيامة أعمى، فقلت: سبحان الله أعمى؟
فقال: أعماه الله عن طريق الخير.
مسألة:
جاء رجل إلى علي بن الحسين ع فقال: قد آثرت الحج على الجهاد وقد قال الله: إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فقال
ع: فاقرأ ما بعدها، فقال: التائبون العابدون الحامدون إلى آخرها، فقال:
إذا رأيت هؤلاء فالجهاد معهم يومئذ أفضل من الحج.
مسألة:
كتب علي ع إلى قثم بن عباس عامله على مكة: أقم للناس الحج وأجلس
لهم العصرين فأفت المستفتي وعلم الجاهل وذاكر العالم ومر أهل مكة أن لا يأخذوا من
ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول: سواء العاكف فيه والباد. العاكف المقيم به
والبادي الذي يحج إليه من غيره أهله.
مسألة:
روي عن داود الرقي: أن بعض الخوارج سألني عن هذه الآية من كتاب الله:
ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، إلى قوله: ومن الإبل اثنين ومن
البقر اثنين، ما الذي أحل الله تعالى من ذلك وما الذي حرم؟ فلم يكن عندي فيه شئ
فدخلت على أبي عبد الله ع وأنا حاج فأخبرته بما كان، فقال: إن الله تعالى أحل
في الأضحية بمنى الضأن والمعز الأهلية وحرم أن يضحى فيه بالجبلية وأما قوله: ومن
الإبل اثنين ومن البقر اثنين... فإن الله أحل في الأضحية بمنى من الإبل العراب وحرم
منها البخاتي وأحل من البقر الأهلية أن يضحى فيها وحرم الجبلية، فانصرفت إلى الرجل
383

الخارجي الذي سألني عن تلك الآية فأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شئ حملته الإبل
من الحجاز.
384