الكتاب: كتاب الحج
المؤلف: السيد الگلپايگاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٠
المطبعة: مطبعة الخيام - قم
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني (وفاة ١٤١٤)

كتاب الحج
تقرير أبحاث
فقيه العصر سماحة آية الله العظمى
السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
دام ظله الوارف
(الجزء الأول)
تأليف
الشيخ أحمد الصابري الهمداني
1

(الطبعة الأولى)
مطبعة الخيام - قم
1400 ه‍
2

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع منازل العلماء وفضل مدادهم على دماء
الشهداء والصلاة والسلام على أفضل السفراء وخاتم الأنبياء
وعلى ابن عمه وصهره على أمير المؤمنين سيد الأوصياء وأولاده الأئمة
الأمناء واللعن على أعدائهم أعداء الله من الآن إلى يوم الجزاء
وبعد فإن شرف العلم لا يخفى وفضله لا يحصى قد ورثه أهله
من الأنبياء وفازوا في تحصيله برتب الأولياء وممن سلك
سبيل السلف وصرف عمره الشريف في تحصيله جناب العلامة
حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ أحمد الصابري الهمداني
دامت بركاته مجدا مجتهدا حتى نال بحمد الله مراتب عالية
من العلم ومدارج سامية من الفضل والكمال وقد حضر أبحاثنا
العالية في الفقه والأصول حضور تفهم وتحقيق وتعمق
وتدقيق وقام بضبطها وتدوينها ومنها ما كتبه في كتاب
الحج وسرحت النظر فيه فألقيته وافيا بالمراد حسن الأسلوب
والتبويب واستجازني في طبعه فأجزت له فلله دره
وعليه سبحانه أجره وكثره في العلماء العاملين أمثاله
والسلام عليه وعلى سائر العلماء والفضلاء ورحمة
الله وبركاته
محمد رضا الموسوي الگلپايگاني
23 شعبان المعظم 1400
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعلنا من المسلمين، وعلمنا برسوله شرائع
الدين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد سيد المرسلين،
وأهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وبعد: فهذه دراسات مفيدة حول أحكام الحج، ألقاها سيد
الفقهاء والمجتهدين، الفقيه الكبير، والزعيم الشهير، آية الله العظمى
مولانا السيد محمد رضا الگلپايگاني أدام الله ظله العالي.
وقد كان مد ظله درس الحج في دورته الأولى لجمع من فضلاء
الحوزة، وبعد ما ألقت الرياسة الدينية وزعامة الجامعة الكبرى
العلمية أزمتها إليه، درس الدورة الثانية لرواد الفضل وطلاب العلم
وحملة الفقه، فأحببت أن أجمع درر تحقيقاته كما ألفت من أبحاثه
فيما سبق كتاب (الهداية إلى من له الولاية) و (نخبة الإشارات في
أحكام الخيارات).
ومن المؤسف أنه قد فاتتني مسائل من أوائل الكتاب لسفري
5

إلى استانبول (القسطنطنية القديمة) ولكني أكملتها بما استخرجت
من أشرطة أبحاثه، وبما استفدت مما كتبه الأستاذ مد ظله تذكرة
لنفسه.
وأرجو من الله تعالى أن يجعل ذلك نافعا ليوم فقري وحشري،
ومفيدا لأهل الفضل والتحقيق، إنه خير موفق وشفيق.
قم المشرفة
أحمد الصابري الهمداني
6

كتاب الحج
ويقع البحث فيه في مقاصد:
المقصد الأول
(في أقسامه)
وهو على ثلاثة أقسام (تمتع) و (افراد) و (قران) كتابا وسنة
واجماعا.
فأما التمتع فيدل على مشروعيته قوله تعالى (فإذا أمنتم فمن
تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام) (1).
الآية الكريمة صريحة في تشريع التمتع بالعمرة إلى الحج
في الجملة، ولم تكن تلك العمرة معروفة بين الناس في أشهر الحج
قبل الاسلام، فإنهم كانوا ملتزمين بالاحرام والبقاء عليه إلى
.

(1) السورة 2 الآية 196
7

أن يفرغوا من الأعمال ويتموا الحج، ثم الاتيان بعمرة مفردة إذا
شاؤوا.
وما كانوا يعرفون عمرة التمتع أصلا، فمن الله تعالى على أمة
محمد صلى الله عليه وآله بتشريع تلك العمرة تسهيلا للأمر عليهم، ورفقا ورحمة
بهم، كما في العيون والعلل بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا
عليه السلام في حديث قال:
وإنما أمروا بالتمتع إلى الحج، لأنه تخفيف من ربكم ورحمة
ولأن يسلم الناس في احرامهم، ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم
الفساد، وأن يكون الحج والعمرة واجبين فلا تعطل العمرة وتبطل،
ولا يكون الحج مفردا (1).
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله حين حج حجة الاسلام خرج في أربع بقين
من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها، ثم قاد راحلته حتى
أتى البيداء فأحرم منها وأهل بالحج، وساق مائة بدنة، وأحرم
الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة، ولا يدرون ما المتعة (2).
ولكنه تبارك وتعالى خص بتلك الرحمة النائي الذي لم يكن
حاضر المسجد الحرام، وقال تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) (3).

(1) الوسائل ج 8 الباب الثاني من أقسام الحج الحديث 7.
(2) الوسائل ج 8 باب الثاني من أقسام الحج الحديث 14.
(3) البقرة الآية 196.
8

وأما القران فيدل على مشروعيته قوله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله) (1).
وأما الافراد فهو عين القران عملا ووقتا، ولا فرق بينهما إلا
في سوق الهدي الذي يشترط في القران دون الافراد.
ويظهر من تخصيص آية التمتع بالنائي، أن المشروع في حق
غيره ليس إلا الافراد أو القران، كما هو المبين في صحيحة الحلبي
الآتية أيضا، فإن الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع
إنما هم بين سائقين للهدي وغير سائقيه.
ولما نزلت آية التمتع أمر رسول الله صلى الله عليه وآله كل من ساق الهدي
بالبقاء على احرامه واتمام حجه.
وأما الذين لم يسوقوا الهدي، فأمر صلى الله عليه وآله من لم
يكن حاضر المسجد الحرام أي النائي عنه بالاحلال والتمتع
بعد أعمال العمرة، وأمر غيره وهم أهل مكة ومن بحكمهم
بالبقاء على الاحرام واتمام العمل كما أوجبه على الذين كانوا قد
ساقوا الهدي.
فالكتاب العزيز صريح في تشريع التمتع والقران، وظاهر في
مشروعية الافراد بمعونة شأن النزول في آية التمتع، وعدم ردع
النبي صلى الله عليه وآله عن الافراد الذي كان معمولا بين الناس قبل نزول الآية
الكريمة.

(1) البقرة 196.
9

وأما السنة الدالة على مشروعية الأقسام الثلاثة للحج فهي على
حد الاستفاضة بل التواتر من طرق العامة والخاصة المفصلة في
جوامعنا وجوامع أهل السنة، المتلقاة بالقبول والصحة نذكر منها
بعض ما ورد في خصوص التمتع:
(منها) ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله جعفر بن محمد
عن آبائه عليهم السلام قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من سعيه بين
الصفا والمروة، أتاه جبرئيل عند فراغه من السعي فقال: إن الله
يأمرك أن تأمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي، فأقبل رسول الله
على الناس بوجهه فقال:
يا أيها الناس هذا جبرئيل (وأشار بيده إلى خلفه) يأمرني عن
الله عز وجل أن آمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي.
فأمرهم بما أمر الله به، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله نخرج
إلى منى ورؤوسنا تقطر من النساء؟ وقال آخرون: يأمرنا بشئ،
ويصنع هو غيره. فقال صلى الله عليه وآله:
يا أيها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما
صنع الناس، ولكني سقت الهدي فلا يحل من ساق الهدي حتى
يبلغ الهدي محله.
فقصر الناس وأحلوا وجعلوها عمرة، فقام إليه سراقة بن مالك
ابن جعشم المدلجي فقال: يا رسول الله هذا الذي أمرتنا به لعامنا
هذا أم للأبد؟ فقال: بل للأبد، وشبك بين أصابعه، وأنزل الله في
10

ذلك قرآنا (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) (1).
وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد
كان عندي رهط من أهل البصرة فسألوني الحج، فأخبرتهم بما
صنع رسول الله بما أمر به، فقالوا لي: إن عمر قد أفرد الحج.
فقلت لهم: إن هذا رأي رآه عمر وليس رأي عمر كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وآله (2).
وعن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحج،
فقال: تمتع. ثم قال: إنا إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل قلنا:
يا رب أخذنا بكتابك وسنة نبيك، وقال الناس: رأينا رأينا (3).
وأما الاجماع على مشروعية أقسام الحج، فهو أيضا ثابت
ومحقق، ولم ينكره أحد من علماء الأمة،
حتى أن الذي كان يمنع
عن التمتع اعترف بمشروعيته، وأنه كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله
حلالا وقال كما هو المشهور عنه: متعتان كانتا في زمن رسول الله
حلالين وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما (4).
وما حرم ذلك إلا عن رأيه واجتهاده، وليس رأيه كما صنع
رسول الله صلى الله عليه وآله، وتبعه في هذا المنع عثمان ومعاوية وقليل من

(1) الوسائل ج 8 الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 6.
(3) المصدر الحديث 17.
(4) رواه الجصاص في أحكام القرآن 1 / 342 و 345 والفخر الرازي
في تفسيره 10 / 50.
11

الناس، ولكن كثيرا من الصحابة والتابعين أنكروا ذلك عليهم،
حتى أن عبد الله بن عمر لم يأخذ بقول أبيه وترك رأيه، ولما احتجوا
عليه بقول أبيه، قال: عمر أولى بالاتباع أم كتاب الله وسنة نبيه (1).
بل قد يقال إن عمر لم ينه عن حج التمتع ابتداءا وعمرته،
بأن ينوي حين الاحرام عمرة يتمتع بها إلى الحج، وإنما نهى عن
العدول من حج الافراد بعد الطواف والسعي إلى العمرة والاحلال
منها، فجواز التمتع بالمعنى الأول مجمع عليه بين المسلمين،
ولكن المشهور أن عمر إنما نهى عن التمتع بالمعنى الأول (2).
فتحصل أن جميع الفقهاء قد أجمعوا من العصر الأول إلى زماننا
هذا، على تشريع الأقسام الثلاثة للحج وإنها باقية إلى يوم القيامة
ويدل عليه كما أسلفنا الكتاب والسنة الصحيحة من طرق العامة
والخاصة، بحيث لا يبقى شك ولا شبهة لمن أنصف ونظر، فلا
حاجة إلى تفصيل الكلام فيه، وإنما المهم البحث عن أحكام الأقسام

(1) روى مسلم في الصحيح 4 / 37 عن جابر بن عبد الله قال: حج النبي
صلى الله عليه وآله - إلى أن قال: قام النبي فينا فقال: قد علمتم أن أتقاكم
لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري
ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا، فحللنا وسمعنا وأطعنا.]
(2) روى مسلم في الصحيح 4 / 49 عن عمران بن حصين: نزلت آية
المتعة في كتاب الله (يعني متعة الحج) وأمرنا بها رسول الله ثم لم تنزل آية تنسخ
آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء.
12

الثلاثة وبيان شرائطها، ونبدأ بالتمتع الذي عليه كان عمل أهل البيت
عليهم السلام ومتابعيهم إلى عصرنا هذا.
كيفية حج التمتع
حج التمتع مركب من عملين: أحدهما عمرة التمتع التي
يجب الاحلال منها بعد اتمام العمل، وثانيهما حج التمتع.
وأما العمرة فهي عبارة عن الاحرام من أحد المواقيت في أشهر
الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة.
ويشترط فيه النية ولبس الثوبين والتلبية، ثم طواف البيت
سبعة أشواط وركعتان للطواف، ثم السعي بين الصفا والمروة سبعا
ثم التقصير بقص الشعر أو قلم الظفر، فيحل له حينئذ جميع ما كان
حرم عليه بالاحرام حتى النساء،
ولا يحتاج هنا إلى طواف النساء
وركعتيه، بخلاف الحج بأقسامه والعمرة المفردة واجبة كانت أم
مستحبة، لوجوب الطواف فيها وركعتيه في تحلة النساء، كما تدل
عليه الروايات:
منها ما عن صفوان بن يحيى قال: سأله أبو حارث عن رجل
تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصر هل عليه طواف النساء
قال: لا، إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى (1).
وعن محمد بن عيسى قال: كتب أبو القاسم مخلد بن موسى

(1) الوسائل ج 9 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 6.
13

الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها
طواف النساء، والعمرة التي يتمتع بها إلى الحج. فكتب عليه
السلام: أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، وأما التي
يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء (1).
ولا يعارضهما ما روي عن سليمان بن حفص المروزي لضعف
السند وقصور الدلالة.
فعن محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه
قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين
خلف مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة وقصر، فقد حل كل
شئ ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافان وصلاة (2).
أما القصور في الدلالة فلاحتمال كونه متلبسا بالحج وأنه دخل
مكة بعد أعمال الحج وكان متمتعا كما يظهر من قوله (حج الرجل
فدخل مكة)، فلا يبعد أن يكون دخوله بمكة بعد أعمال منى.
وأما السند فلاشتراك سليمان بين ابن جعفر وابن حفص الذي
لم يثبت توثيقه (3).

(1) الوسائل ج 9 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7.
(3) أما الخدشة في الدلالة فهي ضعيفة، كما احتمله الشيخ واستحسنه
في الوسائل ووافقهما الأستاذ مد ظله، بعيد جدا. واحتمال إرادة دخوله مكة
بعد أعمال منى فإن قوله (سعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حل كل شئ ما
خلا النساء) صريح في أنه كان معتمرا بعمرة التمتع لا أنه دخل مكة بعد أعمال
الحج والنفر من منى، فإن التقصير بعد السعي بين الصفا والمروة من أعمال
العمرة لا من أعمال الحج وإن قلنا بكفاية التقصير عن الحلق، إذ يشترط وقوعه
في منى قبل الطواف والسعي.
وأما السند فالخدشة فيه أيضا غير واردة، فإن سليمان بن حفص المروزي
إن كان متحدا مع سليمان بن جعفر بن إبراهيم الجعفري الطالبي من أولاد جعفر
الطيار فهو وأبوه كانا ثقتين، وإن كان غيره كما احتمله البهبهاني (قده) في التعليقة
وغيره من علماء الرجال وذكره الأردبيلي في جامع الرواة فهو أيضا لم يرد
فيه قدح ولم ينقل فيه ذم، بل نقل البهبهاني عن جده أنه كان من علماء خراسان
وأوحديهم وباحث مع الرضا ورجع إلى الحق، وله مكاتبات إلى الجواد
والهادي والعسكري عليهم السلام - انتهى.
ويظهر من احتجاجه مع الرضا عليه السلام أنه كان عالما بموقف الإمام
وكان يعبر عنه بيا سيدي وجعلت فداك، وقد يخاطبه الإمام يا جاهل.
ولكن اعراض الأصحاب عن الرواية وعدم الافتاء بمضمونها موهن جدا
وموجب للضعف.
14

وفي الدروس: ونقل عن بعض الأصحاب إن في العمرة المتمتع
بها طواف النساء، ولكن القائل به غير معروف والاحتياط باتيانه
رجاءا لا بأس به.
وأما حج التمتع فأفعاله عبارة عن الاحرام له من مكة، بعد
الفراغ عن عمرة التمتع بالتقصير، في زمان يتمكن من درك
الوقوفين بعرفات ومزدلفة.
وأفضل أوقاته يوم التروية ثامن ذي الحجة، ويشترط فيه النية
15

ولبس ثوبي الاحرام والتلبية.
ثم الوقوف بعرفات من زوال يوم التاسع من شهر ذي الحجة
إلى الغروب، ثم الإفاضة بعد الغروب من عرفات إلى مزدلفة للمبيت
فيها والوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من يوم الأضحى.
ثم الإفاضة إلى منى لرمي جمرة العقبة يوم النحر، ثم ذبح
الهدي، ثم الحلق أو التقصير على ما سيأتي انشاء الله فيحل حينئذ
للحاج المحرم جميع ما كان حرم عليه بالاحرام حتى الصيد إلا الطيب
والنساء.
ثم الرجوع من منى إلى مكة لطواف البيت طواف الحج،
ثم صلاة ركعتين للطواف، ثم السعي بين الصفا والمروة، فعند
ذلك يحل له جميع ما حرم بالاحرام حتى الطيب إلا النساء.
والأحوط عدم تأخير الرجوع إلى مكة عن يوم النحر، فضلا
عن أيام التشريق إلا لعذر، وإن كان الأقوى جوازه كما يأتي.
ثم يجب عليه طواف النساء وركعتان للطواف فتحل له النساء
أيضا.
ثم البيتوتة بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ورمي الجمار
الثلاث في يومهما، مبتدءا بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم العقبة
فيجوز النفر من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر لمن اتقى النساء
والصيد حال الاحرام، وإلا يجب عليه المبيت بمنى ليلة الثالث عشر
وكذا يجب على من أدرك غروب الشمس بمنى اليوم الثاني عشر.
16

ولا يخفى أن الرجوع من منى إلى مكة يوم النحر للطواف
والسعي غير واجب، فلا إثم على من تأخر، بل الأقوى اجزاء
الطواف والسعي خلال شهر ذي الحجة، وإن قيل بالإثم في التأخير.
ثم إن الأركان من تلك الأفعال في العمرة والحج، الاحرام،
والطواف، والسعي، والترتيب بين الطواف والسعي، والتقصير
في العمرة على الأقوى، والوقوفان في الحج.
والمراد من الركن هنا ما تبطل العمرة والحج بتركه عمدا
لا سهوا، إلا الوقوفين لبطلان الحج بتركهما عمدا وسهوا. وأما
غيرها من النسك والأفعال والأعمال، فلا تبطل العمرة ولا الحج
بفواته، وإن كان الترك عن عمد وعصيان، بل يتدارك ويقضي.
(مسألة) حج التمتع وعمرته عملان مرتبطان لا ينفك أحدهما
عن الآخر ولا يصلحان إلا معا.
فلو أحرم لعمرة التمتع ولو ندبا وجب الاتيان بحجه أيضا، ولا
يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي حجه، إلا لحاجة فيخرج
محرما بالحج، وكذا يجب على من وجب عليه حج التمتع أن
يأتي بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج أولا ثم يأتي بالحج.
حج الافراد
وأما الافراد فصورته: أن يحرم له من الميقات أو من مكان
يصلح الاحرام منه على ما سيأتي التفصيل انشاء الله، ثم الوقوف
17

بعرفات من زوال يوم التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، ثم
يمضي إلى مزدلفة فيبيت بها ويقف بها بين الطلوعين، ثم يمضي
إلى منى بعد طلوع الشمس من يوم العيد فيأتي بأعمال منى من
رمي الجمار وغيره، ثم يمضي إلى مكة يوم العيد أو بعده ويطوف
طواف الحج ويصلي ركعتي الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة
ثم يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه ويعود إلى منى للمبيت بها
ليالي التشريق ورمي الجمرات الثلاث يوم الحادي عشر والثاني
عشر، ويأتي جواز تقديم الطواف والسعي على الوقوفين للمفرد
وتأخيرهما إلى آخر ذي الحجة.
ثم إن المفرد للحج يأتي بعمرة مفردة إن كان مستطيعا لها ولم
يأت بها قبل، وأما لو لم تجب عليه العمرة بالاستطاعة لها ولا بنذر
وغيره، فلا يجب عليه الاتيان بعمرة بعد الحج من جهة الافراد،
ولكن يظهر من عبارة غير واحد من الأصحاب وجوبها عليه بعده.
قال المحقق (قده) في الشرائع، بعد ذكر صورة حج الافراد:
وتجب عليه عمرة مفردة بعد الاحلال انتهى.
واطلاق عبارته كعبارة غيره، يوهم وجوب العمرة على المفرد
بعد الحج، ولو أتى بعمرته الواجبة قبل ذلك، أو لم يكن مستطيعا
لها، أو كان حجه واجبا عليه بالنذر وغيره ولم تكن العمرة منذورة،
واثباته يحتاج إلى الدليل.
18

حج القران
أما القران فهو كحج الافراد وقتا وعملا ونسكا، إلا أنه يتميز
عنه بسياق الهدي، على ما هو المشهور بين علماء الخاصة
ونقل الشيخ (قده) في الخلاف، بعد اختياره لما هو المشهور
عندنا، أن القارن عند جميع فقهاء العامة، من قرن بين الحج
والعمرة في احرامه، فيدخل أفعال العمرة في أفعال الحج انتهى.
ونقل عبد الرحمن الحريري في الفقه على المذاهب الأربعة
عن علماء الحنفية أن القران في اللغة الجمع بين شيئين، ومعناه
شرعا أن يحرم بحجة وعمرة معا حقيقة أو حكما، فالجمع بينهما
حقيقة هو أن يجمع بينهما باحرام واحد في زمان واحد، والجمع
بينهما حكما هو أن يؤخر احرام الحج عن احرام العمرة ثم يجمع
بين أفعالهما. وذلك بأن يحرم بالعمرة أولا، ثم قبل أن يطوف لها
أربعة أشواط يحرم بالحج انتهى.
فالقران وأفعاله عند الحنفية هو التمتع وأفعاله باحرام واحد
أو باحرامين وتحليل واحد.
وفي الدروس عن الحسن أن القران عنده مثل التمتع إلا في
سوق الهدي وتأخير التحلل وتعدد السعي، فإن القارن عنده يكفيه
السعي الأول للعمرة عن السعي للحج بعد طواف الزيارة.
واستظهر من الصدوقين أن القران هو الجمع بين الحج والعمرة
19

بنية واحدة.
وعن صريح ابن الجنيد أن القارن من يجمع بينهما، فإن ساق
الهدي وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج إلى عرفات ولا
يتحلل، وإن لم يسق جدد الاحرام بعد الطواف، ولا تحل له النساء
وإن قصر.
وعن الجعفي أن القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتي
بالحج لسوق الهدي.
والأقوى ما هو المشهور بين الأصحاب، للنصوص المستفيضة
المعتبرة الدالة على اتحاد الافراد والقران في جميع النسك إلا
في سوق الهدي، كصحيحة معاوية بن عمار، وصحيح منصور،
وصحيح الفضيل، وصحيح الحلبي، وخبر زرارة، وأبي بصير
وغيرها من الأحاديث المروية في المقام.
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في
القارن: لا يكون قران إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت
وركعتان عند مقام إبراهيم، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف
بعد الحج وهو طواف النساء (1).
وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون
القارن إلا بسياق الهدي، وعليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا
والمروة كما يفعل المفرد، فليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي (2).

(1) الوسائل الجزء 8 الباب الثاني من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
(2) المصدر الحديث 10.
20

وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام القارن
الذي يسوق الهدي، عليه طوافان بالبيت وسعي واحد بن الصفا
والمروة (1).
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما نسك الذي
يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد، ليس بأفضل منه إلا
بسياق الهدي (2).
وفي قبال هذه الأخبار روايات تمسك بها بعض على أن القران
هو الجمع بين الحج والعمرة باحرام واحد مع وحدة العمل والنسك
فيهما من الطواف والسعي أو تعدده، ولكن لا يحل من العمرة ما
لم يفرغ من نسك الحج ولم يحل منه.
أو على أن القارن هو الذي يحرم للعمرة، وقبل الاحلال منها
يحرم للحج، سواء كان الاحرام قبل الاتيان بأعمال العمرة أو بعده
وقبل الاحلال منها، ولا يحل حتى يفرغ من أعمال الحج ويحل
منه.
وهذه الأخبار كلها مأولة أو محمولة على التقية، ولا تقاوم ما
تقدم من الصحاح المستفيضة.
منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:
أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي

(1) وسائل الشيعة الجزء 8 الباب الثاني من أقسام الحج الحديث 3.
(2) المصدر الحديث 6.
21

قد أشعره، وقلده. قال: وإن كان لم يسق فليجعلها متعة (1).
والظاهر من قوله عليه السلام (أيما رجل قرن بين الحج
والعمرة) إن من أراد القران لا يصح إلا بسوق الهدي وإلا كان
الحج تمتعا يجب عليه أن يحل من عمرته، ثم الاحرام للحج، لا
إن من جمع بين الحج والعمرة في النية لا يصلح إلا أن يسوق
الهدي كما زعمه المستدل.
ومنها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
عثمان خرج حاجا، فلما صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس
اجعلوها حجة ولا تمتعوا، فنادى المنادي، فمر المنادي بالمقداد
ابن الأسود فقال: أما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول، فلما
انتهى المنادي إلى علي عليه السلام وكان عند ركائبه يلقمها خبطا
ودقيقا فلما سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان وقال: ما هذا
الذي أمرت به. فقال: رأي رأيته. فقال: والله لقد أمرت بخلاف
رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أدبر موليا رافعا صوته: لبيك بحجة وعمرة
معا لبيك.
وما يظهر من الرواية بادئ الأمر أن عليا عليه السلام جمع بين
الحج والعمرة في النية والتلبية، وعليه اعتمد المستدل أيضا، ولكن
التأمل والدقة فيها يشهدان أن عليا نوى التمتع بالعمرة إلى الحج

(1) الوسائل ج 8 الباب 5 من أقسام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل ج 9 الباب 21 من أبواب الاحرام الحديث 7.
22

لقوله عليه السلام ((لبيك بحجة وعمرة معا لبيك) لشدة الارتباط
بينهما المسوغ لذلك، كما يشهد به انكاره على عثمان في النهي
عن التمتع.
مضافا إلى أن المستفاد من النصوص أن نية العمرة التي يتمتع
بها إلى الحج مستلزمة لنية الحج أيضا، لعدم انفكاكها عنها، ويشهد
بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في
الحج إلى يوم القيامة، ولازم ذلك عدم انفكاك كل منهما عن الآخر
وورد في بعض الروايات الأمر بالتلبية للحج عند الاحرام بالعمرة
المتمتع بها (1).
وقد تحمل الرواية على التقية، ولكن ما ذكرناه هو الأرجح،
فلا يصح الاستدلال بالروايتين المتقدمتين قبال الروايات الدالة
على أن القران ليس إلا بسوق الهدي لا الجمع بين العمرة والحج
في النية عند الاحرام.

(1) ولعل نظر الأستاذ مد ظله العالي إلى رواية أحمد بن محمد قال:
قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: كيف أصنع إذا أردت أن
أتمتع. فقال: لب بالحج وانو المتعة - الوسائل الجزء 9 الباب 22 من أبواب
الاحرام الحديث 4.
23

المقصد الثاني
وفيه أمور:
(الأمر الأول) إن حج التمتع فرض على النائي، والافراد
والقران على غيره، كما هو الظاهر بل الصريح من قوله تعالى (فمن
تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) إلى قوله (ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (1) بناءا على أن يكون
ذلك إشارة إلى التمتع لا إلى الهدي كما هو الظاهر المتبادر، مؤيدا
باستدلال الأئمة عليهم السلام، وعليه اجماع العلماء رضوان الله
تعالى عليهم، كما في الجواهر والمنتهى والتذكرة والغنية والخلاف
وتدل عليه الروايات المستفيضة.
منها ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى يقول (فمن تمتع

(1) البقرة الآية 196.
24

بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)، فليس لأحد إلا أن
يتمتع، لأن الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله (1).
وعن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
الحج ثلاثة أصناف حج مفرد، وقران، وتمتع بالعمرة إلى الحج
وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، والفضل فيها ولا نأمر الناس إلا بها (2).
وعن الحلبي أيضا قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الحج، فقال: تمتع. ثم قال: إنا إذا وقفنا بين يدي الله تعالى
قلنا يا ربنا أخذنا بكتابك، وقال الناس: رأينا رأينا، ويفعل الله
بنا وبهم ما أراد (3).
وعن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما نعلم
حجا الله غير المتعة، وإنا إذا لقينا ربنا قلنا يا ربنا عملنا بكتابك وسنة
نبيك، ويقول القوم: عملنا برأينا فيجعلنا الله وإياهم حيث يشاء (4).
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من حج
فليمتع، إنا لا نعدل بكتاب الله وسنة نبيه (5).
وعن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى

(1) الوسائل ج 8 - الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 2.
(2) المصدر ج 8 - الباب الأول من أقسام الحج الحديث 1.
(3) الوسائل ج 8 - الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 3.
(4) المصدر ج 8 - الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 7.
(5) الوسائل الجزء 8 - الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 14.
25

المأمون قال: ولا يجوز الحج إلا متمتعا، ولا يجوز القران والافراد
الذي تستعمله العامة إلا لأهل مكة وحاضريها (1).
وعن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم
يكن معه هدي وأفرد رغبة عن المتعة فقد رغب عن دين الله (2).
إلى غيرها من النصوص الدالة على أن النائي عن مكة المكرمة
فرضه التمتع وإن حاضر المسجد الحرام ومن بحكمه فرضه الافراد
أو القران، وهذا لا كلام فيه ولا يهمنا التفصيل فيه أيضا، وإنما
المهم بيان البعد الذي يعتبر في النائي حتى يجب عليه التمتع،
والحد الذي يتحقق به عنوان الحاضر الواجب عليه الافراد أو القران
كما سيأتي.
البعد المعتبر في النائي
(الأمر الثاني) المشهور بين الأصحاب إن البعد المعتبر في تحقق
عنوان النائي عن مكة ثمانية وأربعون ميلا، كما في صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول
الله عز وجل في كتابه (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام).
فقال عليه السلام: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله
دون ثمانية وأربعين ميلا، ذات عرق، وعسفان، كما يدور حول

(1) الوسائل ج 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 8.
(2) المصدر ج 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 15.
26

مكة، فهو ممن دخل في هذه الآية، وكل من كان أهله وراء ذلك
فعليهم المتعة (1).
فسر الإمام عليه السلام الحاضر في المسجد الحرام بأهل مكة
أولا، ثم بين أن حد مكة من الجوانب الأربعة ثمانية وأربعون
ميلا، د فمن كان خارجا عن تلك المسافة فهو النائي، ومن كان داخلا
فيها فهو من أهل مكة وحاضري المسجد الحرام.
والظاهر أن ذات عرق وعسفان مصداقان لما دون ثمانية وأربعين
ميلا لا لثمانية وأربعين، فعلى هذا أهل ذات عرق وأهل عسفان
يعدون من حاضري المسجد الحرام ومن أهل مكة فلا متعة عليهم،
فيوافق مضمون هذه الرواية ما روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت لأهل مكة متعة؟ قال: لا، ولا لأهل بستان
ولا لأهل ذات عرق ولا لأهل عسفان ونحوها (2).
فلا تعارض بين الروايتين بناءا على ما اخترناه.
ولا يخفى أن المراد من قوله عليه السلام (كل من كان أهله
دون ثمانية وأربعين ميلا فهو ممن دخل في هذه الآية) دخولهم في
مفهوم الآية لا منطوقها، إذ المنطوق إنما يدل على وجوب المتعة
على من لم يكن حاضر المسجد الحرام، والمفهوم يدل على عدم
جواز التمتع لمن كان حاضرا، وهو كل من كان دون ثمانية وأربعين

(1) الوسائل ج 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 3.
(2) الوسائل ج 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 12.
27

ميلا من مكة، سواء كان من أهل مكة أو عسفان أو ذات عرق على
ما فسره الصادق عليه السلام.
وبعبارة أخرى: إن الإمام عليه السلام فسر حاضري المسجد
الحرام بأهل مكة وبين حدها بأنه ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب
فمن لم يكن حاضرا في هذا الحد يجب عليه المتعة ويدخل في
منطوق الآية، والمفهوم أن من كان حاضرا فيه فلا يجوز له المتعة،
وهو أهل مكة ومن كان ما دون الحد.
وفي خبر آخر لزرارة قال: سألته عن قول الله عز وجل (ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).
قال: ذلك أهل مكة
ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة. قال: قلت فما حد ذلك؟ قال:
ثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان ودون ذات
عرق (1).
ولفظة (دون) في هذه الرواية بمعنى غير، والمعنى أن حد
مكة ثمانية وأربعون ميلا لا ذات عرق وعسفان فإنهما داخلان في
الحد إذا المسافة بينهما وبين مكة ليست ثمانية وأربعين ميلا، أو
بمعنى بعد، وعليه يكون دخولهما في الحد أوضح.
ولا ينافي ذلك ما عن العلامة قدس سره، من أن ذات عرق
على مرحلتين بمكة، وإن كل مرحلة مسيرة يوم. إذ كونهما على
رأس مرحلتين أعم من أن يكونا خارجين عن الحد، لامكان انطباق

(1) الوسائل الجزء 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 7.
28

المرحلتين على الحد من باب دخول الغاية في المغيى.
ولا يعارض ما تقدم من النصوص الدالة على الحد المذكور
إلا ما رواه حريز في الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). قال:
من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية عشر من
خلفها وثمانية عشر من يسارها فلا متعة له مثل مرو أشباهه (1).
ولكن الرواية معرض عنها وغير مفتى بمضمونها، إن كان المراد
تحديد مكة بثمانية عشر ميلا، ووجوب المتعة على من كان وراء
ذلك الحد وخارجا عنه، وإن لم يبلغ ثمانية وأربعين ميلا.
وقال شيخنا الحر العاملي بعد ذكر الرواية: هذا غير صريح في
حكم ما زاد عن ثمانية عشر ميلا، فهو موافق لغيره فيها وفيما دونها
فيبقى تصريح حديث زرارة وغيره بالتفصيل سالما عن المعارض
- انتهى.
وفي المدارك: يمكن الحكم بالتخيير فيما زاد عن ثمانية عشر
- انتهى.
وفي كلا النظرين نظر (2)، والأقوى ما هو المنسوب إلى المشهور

(1) الوسائل ج 8 الباب السادس من أقسام الحج الحديث 10.
(2) أقول: ظاهر الحديث بمفرده يمكن حمله على ما احتمله صاحب
الوسائل (قده)، فإن قوله عليه السلام (من كان منزله على ثمانية عشر ميلا
فلا متعة له) لا يدل على أكثر من نفي المتعة لمن كان في هذا الحد، وأما اثبات
جواز المتعة لمن كان وراء ثمانية عشر ميلا وما دون ثمانية وأربعين ميلا فلا يستفاد
من الحديث حتى يكون معارضا لحديث زرارة. ولعل نظر الأستاذ مد ظله إلى
أن الحديث إنما ورد في تفسير قوله تعالى (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد
الحرام) وبيان مصداقه، فعلى هذا يكون مصداق الحاضر من كان منزله على
ثمانية عشر ميلا وما زاد على هذا الحد مصداقا لمن لم يكن حاضر المسجد،
وهذا معارض لحديث زرارة ومخالف له صريحا.
29

من تحديد مكة بثمانية وأربعين ميلا، خلافا للشيخ في المبسوط
وجماعة من الأعلام حيث اختاروا في تحديد مكة اثني عشر ميلا
من كل جانب، وحكموا بوجوب المتعة على من كان بينه وبين
مكة اثني عشر ميلا وما زاد. ولم نجد لهذا القول رواية تدل عليه
ولكن ابن إدريس حمل الرواية الدالة على اعتبار ثمانية وأربعين
ميلا عليه، بأن يكون الحد المعتبر اثنا عشر ميلا من كل جانب من
الجوانب الأربعة، فيصير المجموع ثمانية وأربعين ميلا كما في خبر
زرارة المتقدمة.
وفيه: أن هذا النوع من الحمل مضافا إلى أنه خلاف الظاهر
من تلك الروايات مخالف لصريح ما يدل على عدم المتعة لأهل
ذات عرق وعسفان وغيرهما، المقطوع بكونها أكثر من اثني عشر
ميلا.
ودعوى أن قوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام) يصدق عرفا على من هو بعيد عن مكة اثني عشر
30

ميلا. تحكم باطل، كما أن قياس المقام على السفر في باب الصلاة
بتقريب أن اثني عشر ميلا ذهابا وإيابا سفر شرعي، فمن كان ساكنا
في الحد المذكور وذهب إلى مكة ورجع في يومه لا يعد حاضرا
بمكة حتى يتم صلاته ولا يقصر. قياس مع الفارق وفي غير محله،
إذ الحكم في باب قصر الصلاة واتمامها لم يتعلق بعنوان الحاضر
وغير الحاضر، كما هو الواضح. ولو سلم ذلك فلا دليل على اتحاد
معنى الحاضر في المسألتين.
لا يقال: إن مقتضى عموم جملة من النصوص وجوب المتعة
على كل مكلف، والمتيقن الخارج من هذا العموم من كان على
اثني عشر ميلا من مكة ويبقى الزائد عليه تحت العموم، كما احتمله
صاحب العروة قدس سره.
فإنه يقال: إن العموم بهذا النحو غير ثابت في المقام، إذ الآية
الكريمة إنما خصت وجوب التمتع بمن لم يكن حاضر المسجد
الحرام، والمتيقن من غير الحاضر من كان على ثمانية وأربعين ميلا
من مكة، لدلالة جميع الأخبار عليه، ويبقى الأقل من ذلك تحت
عنوان العام وهو قوله تعالى (والله على الناس حج البيت) وحيث
إن الأخبار وردت في تفسير الآية وبيان مصداق غير الحاضر لا يستفاد
منها عموم يدل على وجوب التمتع على كل مكلف، حتى يقال:
إن القدر المتيقن الخارج عن تحت هذا العموم من كان على اثني
عشر ميلا. مضافا إلى أنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو
31

غير صحيح كما بين في محله (1).
والاشكال بأن القاطن على رأس ثمانية وأربعين ميلا لا يصدق
عليه الحاضر عرفا عند العرف لا حقيقة ولا مجازا، أما الأول فواضح

(1) لا يبعد دعوى أن المستفاد والمتبادر من مجموع الأدلة الواردة في
المقام أن الحج المطلوب في الاسلام هو التمتع لا غيره، أو هو الأفضل من
غيره فيجب أو يجوز لكل فرد من المكلفين التمتع إلا من أخرجه الدليل وهو
أهل مكة، حتى أن السؤال من المعصوم عليه السلام إن لأهل مكة متعة،
وجوابه (ع): ليس لأهل مكة متعة، ولا لأهل مر وعسفان، يؤيد ما ذكر من
العموم ويعلم أن المرتكز في الأذهان كان وجوب المتعة عليهم أيضا.
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من حج فليتمتع
إنا لا نعدل بكتاب الله وسنة نبيه.
وعن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما نعلم حجا لله
غير المتعة.
وعن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من لم يكن معه
هدي وأفرد رغبة عن المتعة فقد رغب عن دين الله.
وعن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون: ولا يجوز الحج إلا
متمتعا، ولا يجوز القران والافراد الذي تستعمله العامة إلا لأهل مكة وحاضريها
وغيرها من الروايات الدالة أو المشعرة بأن الحج المطلوب لله هو التمتع
خرج من هذا العموم أهل مكة وحاضر المسجد الحرام، فيؤخذ بالقدر المتيقن
ويتمسك بالعموم في المشكوك، والقدر المتيقن من كان على اثني عشر ميلا كما
احتمله صاحب العروة، ولكن هذا البيان محجوج بروايات معتبرة (المقرر).
32

وأما الثاني فلاحتياج المجاز إلى مناسبة وعلاقة عرفية ليست في
المقام. غير وارد، ولا يعبأ بمثل هذه الاشكالات في مقابل النص
المعتبر الجامع لشرائط الحجية الذي عمل به جمع من الأعاظم بل
نسب إلى المشهور، مع إنا لا نحتاج إلى صدق الحاضر بل يكفي
لوجوب غير التمتع صدق الناس عليه.
ويظهر من بعض النصوص أن حاضر المسجد الحرام من كان
على ما دون المواقيت إلى مكة، كصحيح الحلبي وحماد.
فعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حاضري المسجد
الحرام، قال: ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد
الحرام وليس لهم متعة (1).
وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في حاضري
المسجد الحرام. قال: ما دون الأوقات إلى مكة.
والأظهر أن المقصود من الصحيحتين ما دون جميع المواقيت
وعلى ذا لا يعارض النصوص المتقدمة، إذ أقرب المواقيت إلى
مكة ذات عرق، وهي على ثمانية وأربعين ميلا، ولو فرض أن مفاد
الصحيحتين غير ما استظهرناه فهو غير معمول به.
بقي كلام ينبغي الإشارة إليه، وهو أن من كان على رأس ثمانية
وأربعين ميلا، لا أزيد ولا أقل، هل يجب عليه التمتع، أو الافراد
والقران؟ الظاهر أنه يجب عليه التمتع، لتعليق الافراد والقران على

(1) الوسائل الجزء 8 - الباب السادس من أقسام الحج الحديث 4.
33

ما دون ثمانية وأربعين ميلا، كما في صحيحة زرارة المتقدمة (1).
مبدأ البعد
(الأمر الثالث) إن الحد المذكور في الروايات المعتبر في
وجوب التمتع على النائي، إنما يلاحظ بين مكة ومنزل الشخص
النائي، لا من المسجد الحرام، وإن كان المصرح به في الآية الكريمة
هو الثاني، فإن الإمام عليه السلام بعد ما سئل عن قوله تعالى (ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) قال: يعني أهل مكة
ليس عليهم متعة. وفسر حاضري المسجد بأهل مكة، وغير الحاضرين
فيه بغير أهل مكة.
وإنما عبر عنها بالمسجد تعظيما له، كما عبر عنها بالمسجد
الحرام في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام) وقد أسرى به صلى الله عليه وآله من بيت أم هاني أخت
أمير المؤمنين عليه السلام لا من المسجد (2).

(1) أقول: يمكن أن يستدل له بما روي عن زرارة أيضا في تحديد
مكة في تفسير قوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)
قال: ذلك أهل مكة وليس لهم متعة ولا عليهم عمرة. قال: قلت فما حد ذلك؟
قال: ثمانية وأربعين ميلا - الخبر.
وظاهر الخبر أن من كان على ذاك الحد فهو يعد من أهل مكة وليس لهم متعة.
ويدل عليه أيضا ذيل صحيحة زرارة قال: وكل من كان أهله وراء ذلك
(أي ثمانية وأربعين ميلا) فعليهم المتعة (المقرر).
(2) ويؤيد ذلك ما في خبر زرارة، فإن الإمام عليه السلام بعد ما فسر
حاضري المسجد الحرام بأهل مكة، سأل الراوي عن حدها، فقال عليه السلام
(ثمانية وأربعون ميلا من نواحي مكة)، وظاهره أن مبدأ الحد مكة لا المسجد.
واستظهر الحكيم (قده) في كتابه المستمسك كون المبدأ المسجد، ثم
قال: ولا ينافي ذلك قوله (من جميع نواحي مكة)، فإن مكة أخذت موضوعا
للنواحي لا مبدأ للتقدير - انتهى. ولا يخفى ما فيه.
ويدل على ما اختاره الأستاذ مد ظله رواية حماد عن أبي عبد الله عليه
السلام في تفسير (حاضري المسجد) قال: ما دون الأوقات إلى مكة.
34

(وهنا مسائل لا بد من التعرض لها)
(المسألة الأولى) من شك في أن منزله والمحل الذي يعيش
فيه، هل هو في الحد الذي يجب على قاطنه التمتع أو في ما دون
الحد فيجب الافراد أو القران، يجب عليه التفحص عن ذلك، حتى
يأتي بما هو الواقع والمأمور به، للعلم الاجمالي بوجود التكليف
المردد بن التمتع وغيره المقتضي لذلك والموجب له.
والتمسك بالعمومات الدالة على وجوب التمتع، والحكم
بوجوب حج التمتع عليه كما احتمله صاحب العروة، تمسك بالعام
في الشبهة المصداقية، وهو غير صحيح كما مر فراجع (1).
أو يجب الاحتياط بتكرار الحج في سنتين، بأن يأتي بالتمتع

(1) تقدم البحث عن ذلك من المقرر، وكان الأستاذ مد ظله ينكر وجود
العام من الأصل فيما تقدم، وكلامه هنا يوهم وجود العمومات ويورد على
التمسك بها في الشبهة المصداقية.
35

في السنة الأولى، وفي الثانية بالافراد أو القرآن أو العكس، ولا
رجحان في بعض الأنواع على بعض، وبه يحصل العلم
بفراغ الذمة وإن كان شاكا فيه في السنة الأولى.
ويمكن اختيار طريق آخر في الاحتياط، حتى يحصل العلم
بالفراغ في السنة الأولى ولا يحتاج إلى التكرار، بل الظاهر تعين
هذا النحو من الاحتياط عليه مع تعذر تحصيل اليقين تفصيلا، حتى
لا يكون عاصيا أو متجريا بالنسبة إلى التكليف الثابت الموجه إليه
يقينا، الواجب امتثاله فورا. بأن يأتي بعمرة بقصد ما هو المطلوب
في نفس الأمر من عمرة التمتع أو المفردة، لما اخترناه في محله
من جواز تقديم العمرة المفردة على الحج لمن وجب عليه الافراد
ولا يجب تأخيرها عنه، وبعد الفراغ من أعمال العمرة والتقصير
يطوف طواف النساء ويصلي صلاته رجاءا، ثم يأتي بالحج ناويا
لما في ذمته من التمتع أو الافراد، ولكنه ينشئ الاحرام للحج من
مكة رجاءا للتمتع، ثم يخرج إلى ميقات أهله بنية الاحرام لحج
الافراد رجاءا، فيقف بالعرفات ومزدلفة ناويا لما في الذمة ويأتي
بالمناسك كلها، ويذبح الهدي رجاءا للتمتع، ثم يأتي مكة المكرمة
ويطوف طواف الزيارة ويصلي صلاته، ويسعى بين الصفا والمروة
ثم يطوف طواف النساء ويصلي صلاته، وبعد جميع ذلك يخرج
إلى أدنى الحل ويحرم بعمرة مفردة رجاء كونه مطلوبا ومكلفا به.
وقد يستشكل على هذا النحو من الاحتياط بأنه إذا أتى بالعمرة
36

ناويا لما في الذمة يعلم اجمالا بعد السعي إما بحرمة التقصير إذا كان
مفردا الذي هو واجب في العمرة المتمتع بها إلى الحج، وإما
بوجوب الهدي عليه إذا كان متمتعا، فيجب عليه الاحتياط بترك
التقصير وذبح الهدي، فلا يتمكن من التقصير المحتمل وجوبه من
جهة عمرة التمتع، ولا يحصل القطع بفراغ الذمة.
ويدفع بأن العلم الاجمالي المتعلق إما بحرمة التقصير أو وجوب
الهدي، لا يوجب تنجز الحرمة بالنسبة إلى التقصير المردد في الواقع
كونه إما واجبا أو حراما. وبالجملة الحرمة المحتملة في التقصير
غير قابلة للتنجز، سواء كان من جهة العلم الاجمالي المذكور أو من
جهة دوران أمره في الواقع بين الواجب والحرام، لتردده بين
كونه من أعمال العمرة المتمتع بها إلى الحج فيكون واجبا وبين
كونه من محرمات حج الافراد، إذ يمتنع العقاب عقلا على الحرمة
المحتملة التي يحتمل الوجوب فيه أيضا، فالحرمة التكليفية من
جهة العلم الاجمالي وغيره لا يمكن أن تكون منجزة تصح العقوبة
عليها فلا مانع من التقصير تكليفا، وأما وضعا فلا حرج فيه أيضا
لصحة الحج مع التقصير قبل الوقوفين عمدا، غاية الأمر تجب
الكفارة عليه لأجله.
(المسألة الثانية) إن ما بيناه في الأبحاث المتقدمة، من أن النائي
لا يصح منه إلا التمتع وإن الحاضر فرضه الافراد أو القران، إنما
هو بالنسبة إلى حجة الاسلام الواجب على المستطيع لمرة واحدة
37

في تمام العمر، وأما المتطوع فيصح كل من الأنواع الثلاثة من
النائي والحاضر، وكذا النذر المطلق وشبهه، وأما الحج الاستيجاري
فهو تابع للجعل والتعيين والشرط، ولو بالانصراف إلى أحد الأقسام
الثلاثة، وأما مع الاطلاق وعدم الانصراف فهو أيضا كالنذر المطلق
ولكن التمتع أفضل لما ورد في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام
كان يقول: ليس يدخل الحاج بشئ أفضل من المتعة (1).
وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتعة والله أفضل
وبها نزل القرآن وبها جرت السنة.
وغيرهما من الروايات المحمولة على مورد يصح فيه ويشرع
كل من الأنواع الثلاثة، وقد عقد في الوسائل بابا لذلك.
(المسألة الثالثة) من كان له وطنان أحدهما بمكة أو حواليها إلى
ما دون الحد، والآخر خارج الحد فإن كانت الإقامة في أحدهما
أكثر وأغلب لزمه حكم الأغلب، فمن كانت إقامته في خارج الحد
أكثر وأغلب منها في داخله، يجب عليه التمتع، وإن كان العكس
فالافراد أو القران كما في صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: أرأيت أن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة. فقال:
فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله (2).
وقال سيد المدارك بعد نقل الصحيحة: ويستفاد منها أن الاعتبار

(1) الوسائل الجزء 8 - الباب السادس من أقسام الحج الحديث 1 - 5.
(2) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 1.
38

بالأهل لا بالمنزل - انتهى.
وفيه: أن الظاهر من أهل الرجل في السؤال مسكنه والمنزل
الذي يعيش فيه ويسكنه،، وإن لم يكن له أهل وزوجة وولد أصلا
ويشهد له ما في صحيحة زرارة المتقدمة في تفسير قوله تعالى (ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) عن أبي جعفر عليه السلام
قال: يعني أهل مكة ليس لهم متعة، إذ لو كان وجود الأهل معتبرا
في الحكم وشرطا فيه، لكان المناسب أن يقال: من كان أهله بمكة
ليس له متعة، كما لا يخفى.
ثم إن تعين فرض الغالب على من له وطنان وعدم جواز فرض
غير الغالب له، إنما هو تعبد شرعي يختص بمورده، ولا يسري
إلى غيره، إذ يصدق المسكن العرفي على الغالب وغيره، لا أن
الغالب منزل له عرفا دون غيره، كما أن هذا كان مركوزا في ذهن
السائل، حيث قال: أ رأيت أن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة.
والحاصل أن تقديم الغالب على غيره واختصاص الحكم به، إنما
هو تعبد خاص لا بيان مصداق الوطن وتخطئة العرف فيه.
وتظهر الثمرة في ترتب آثار الوطن على غير الغالب شرعا في
غير مورد الرواية، لاختصاص التعبد بالحج دون غيره، بخلاف
ما إذا قلنا إن الرواية في مقام بيان المصداق وتخطئة العرف لعدم
ترتب آثار الوطن على غير الغالب من المرور عليه والإقامة فيه في
الصلاة والصوم، وغيرها من الآثار الشرعية المترتبة على الوطن
39

العرفي شرعا، المذكورة في الفقه مشروحا.
ثم إنه إن كان ذو المنزلين له منزل بمكة وكان هو الغالب إقامة
فلا اشكال في أن الواجب عليه فرض أهل مكة من افراد أو قران،
وكذا لا اشكال في وجوب التمتع عليه إن كان الغالب غير مكة ولم
يجاورها سنتين. وإنما الكلام فيما إذا كان الغالب غير مكة ولكنه
جاور مكة سنتين، فحينئذ هل يحكم عليه بفرض الغالب ويجب
عليه التمتع، أو يحكم بحكم أهل مكة فيجب عليه الافراد أو القران
تحكيما لأدلة المجاورة وتقديما لها على صحيحة زرارة؟ وجهان
الأوجه الثاني، لحكومتها على الدليل الدال على تعين التمتع
على النائي والغالب في غير مكة، ولا وجه للقول باختصاص أدلة
المجاورة بغير ذي الوطنين الذي له منزل بمكة ومنزل بغيرها (1).
(المسألة الرابعة) لو علم غلبة أحد الوطنين معينا ثم اشتبه عليه
وجب عليه التفحص والتبين مع الامكان، ومع عدمه الاحتياط،

(1) والتحقيق أن الحكم بالغالب ثابت حتى مع المجاورة سنتين بمكة
ولا وجه لتقديم أدلة المجاورة، بل الرواية إنما وردت في هذا لمورد، فعن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا
متعة له. فقلت لأبي جعفر: أرأيت أن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة. قال:
فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله.
مضافا إلى أنه لو اتخذ من الأول منزلين منزلا بمكة ومنزلا بالعراق وكان
الغالب عليه الثاني، كان الحكم أيضا تابعا للغالب ولا يزيد المجاورة على ذلك
(المقرر).
40

وقد تقدم طريق الاحتياط ولا نعيده.
(المسألة الخامسة) لو احتمل الغلبة لأحد المنزلين معينا، فإن
كان مسبوقا بالغلبة واحتمل زوالها وحدوث التساوي، أخذ بالحالة
السابقة عملا بالاستصحاب ويترتب عليه الأثر الشرعي.
وأما إذا لم يكن مسبوقا بالغلبة يستصحب عدمها وينتفي حكم
الغالب ويحكم بالتساوي.
لا يقال: إن أصالة عدم التساوي أيضا جارية في المقام
فيتعارضان. فإنه يقال: لا أثر لأصالة عدم التساوي شرعا حتى تتعارض
مع أصالة عدم الغلبة (1).
(المسألة السادسة) لو احتمل غلبة أحد الوطنين لا على التعيين
فإن كان ذلك الفرد المردد مسبوقا بالغلبة عنده، يستصحب ويحكم
بأنه الغالب، وحين ذا يجب الفحص عن الفرد المردد حتى يعلم
ما هو الفرض عليه وإن لم يتمكن يحتاط كما تقدم في حكم الفرد
المعلوم غلبته ثم اشتبه.
وإن كان مسبوقا بعدم الغلبة يستصحب عدمه لا على التعيين
ويحكم بالتساوي، وأما إذا كان مسبوقا بالحالتين وشك في تقدم
أحدهما على الآخر على نحو الترديد، فإن قلنا بالتخيير في المتساويين
فالأمر دائر بين التعيين والتخيير في كل واحد من الوطنين، والأصل

(1) أقول: لا حاجة لاستصحاب عدم الغلبة أصلا، فإن الشك فيها كاف
في نفي الحكم وعدم ترتب الأثر الشرعي عليه.
41

يقتضي عدم الخصوصية والبراءة منها عند الشك فيها، وأما إذا
قلنا بتعين أحد الأقسام في المتساويين كما يأتي فهو المتعين، وإلا
فالواجب عليه الاحتياط بتكرار الحج في السنتين، أو بالطريق
المتقدم ذكره.
(المسألة السابعة) من كان له وطنان متساويان من جهة الإقامة
أحدهما في خارج الحد الذي يجب على الساكن فيه التمتع،
والآخر ما دون الحد الواجب على الحاضر فيه الافراد أو القران وكان
مستطيعا لهما. لا اشكال في أن الحج غير ساقط عنه، كما أنه لا شبهة
في عدم وجوب حجتين عليه في سنتين. فعلى ذا هل يجب عليه
التمتع، كما حكي عن الشهيد الثاني (قده) احتماله، أو الافراد
كما حكي عن كشف اللثام إن الاحتياط اختياره، أو يتخير بين
التمتع وما يقابله من الافراد والقران مع الاستطاعة لكل منها؟ وجوه.
يمكن أن يقال: إن ما يقتضيه ظهور الآية الكريمة، إن التمتع
يختص بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فمن كان حاضرا
فيه ليس له متعة مطلقا، سواء كان له أهل في غير مكة أو لم يكن،
بل يجب عليه الافراد أو القران.
ولا عموم لدليل التمتع حتى يتمسك به في المقام، لما تقدم
من أن الأدلة الدالة على وجوب التمتع إنما هي في مقام بيان
مصداق الآية وتعيين موردها، ولا عموم لها في قبال الآية حتى
يؤخذ به.
42

ولو صرفنا عن ظهور الآية، ولم نقل بوجوب الافراد أو القران
يمكن أن يقال: إن صاحب المنزلين المتساويين، أما خارج عن
أدلة التمتع والافراد والقران، أو مشمول لها. وعلى التقديرين
الحكم هو التخيير بين التمتع وغيره، للعلم بعدم سقوط التكليف
عنه، وعدم وجوب حجتين عليه، وعدم الترجيح في البين.
نعم، لا يبعد القول بأفضلية التمتع، نظرا إلى الأخبار الدالة
على أنه أفضل من غيره، المحمولة على مورد يشرع فيه التمتع
وغيره. ولكن الأحوط إن لم يكن أقوى الافراد أو القران، لما
مر من أن الآية ظاهرة في أن التمتع يختص بمن لم يكن أهله
حاضري المسجد الحرام، وما نحن فيه ليس كذلك كما أشير إليه.
نعم لو قطع بأن المكلف به في الواقع أحدهما المعين (التمتع أو
الافراد والقران) ولم يتمكن من العلم به، فالواجب هو الاحتياط
وأنى له هذا العلم.
(المسألة الثامنة) الحكم بالتخيير لمن له وطنان، وبناء على القول
به إنما هو فيما إذا كان مستطيعا لحج التمتع والافراد ولو على البدل
وأما لو كان مستطيعا لأحدهما المعين بأن كان متمكنا من الافراد
فقط الظاهر تعينه عليه، لأن وجوب كل من الفردين مشروط
بالاستطاعة له، فلو أتى بما لم يكن مستطيعا له، فإنما أتى بغير
الواجب عليه، وهو لا يجزي عما هو فرض عليه.
ولا يشترط في وجوب ما استطاع إليه معينا، كونه في ذلك
43

المنزل، بل يجب ما استطاع إليه، وإن كان حين الاستطاعة في غيره
أو في محل آخر.
(المسألة التاسعة) الوطن والمنزل ليس له وضع خاص في
الشرع، بل هو تابع لنظر العرف، ويدور مدار الصدق العرفي
وعدمه، وهو يختلف من حيث الاختيار في السكونة والاضطرار
والحبس وغيرها، من الأمور التي يختلف بها نظر العرف في اطلاق
الوطن عليه وعدمه.
لو توقف ذو المنزلين المتساويين في أحدهما ناويا للتوطن فيه
دائما، وأعرض عن الآخر ستة أشهر أو أكثر، يتعين عليه فرض ذاك
البلد ويخرج الآخر عن كونه وطنا له.
(المسألة العاشرة) لو استطاع إلى حج البيت نائيا، ووجب
عليه التمتع، ولكنه ترك المنزل الأول قبل أن يأتي بفريضته، وأقام
بمكة أو حواليها، ما دون الحد سنتين، أو قاصدا للتوطن دائما،
فهل ينقلب تكليفه من التمتع إلى الافراد والقران أو يبقى على حاله؟
فيه تأمل.
قد ادعى غير واحد من الأصحاب عدم الخلاف بل الاجماع
على أنه ينقلب تكليفه بالإقامة في مكة ولو سنتين، بل مع قصد
التوطن فيها دائما والاعراض عن الوطن الأول.
ولولا الاجماع لكان للخدشة فيما ذكر مجال، كما تأمل فيه
صاحب المدارك قدس سره، إذ بعد الإقامة في مكة ناويا للتوطن
44

فيها وصيرورته من أهلها، يشمله ظاهر الآية الكريمة الدالة على أن
التمتع وتشريعه يختص بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
وكذا المعتبرة الدالة على أن أهل مكة لا متعة لهم (1).
واستقرار وجوب التمتع عليه من قبل لا يمنع عن انقلاب
الحكم بانقلاب موضوعه، كما في الصلاة الواجبة على الحاضر
تماما بعد دخول الوقت قبل أن يسافر، فإنه قد أفتى كثير من الفقهاء
بأنه لو سافر بعد دخول الوقت قبل الاتيان بالصلاة تماما ينقلب
الوجوب من التمام إلى القصر، لأن بقاء الحكم تابع لبقاء موضوعه
يدور حيثما يدور، وما نحن فيه أيضا كذلك، فإن بقاء وجوب التمتع
عليه واستمراره تابع لبقاء كون المكلف ممن لا يكون أهله حاضري
المسجد الحرام. ولكن أولى الاحتياط بتكرار الحج في سنتين أو
بما مر من طريق آخر للاحتياط في المسألة الأولى، نظرا إلى دعوى
الاجماع على عدم انقلاب الحكم وإلى ما استظهرنا من الآية.
(المسألة الحادية عشر) لو أقام النائي بمكة أو حواليها ما دون
الحد ستة أشهر، بقصد التوطن دائما، قبل استطاعته للحج، ثم
استطاع له فيها، فلا اشكال في أنه يجب عليه الافراد أو القران،
ولا يجوز له التمتع، لكونه أهل مكة، ويشمله جميع ما يشمله،
ويشترط أن تكون استطاعته من منزله الحالي لا السابق.
وما يظهر من بعض النصوص أن من جاور مكة له أن يتمتع إلى

(1) الوسائل ج 8 - الباب السادس من أقسام الحج الحديث 7 - 11.
45

سنتين، لا عموم له حتى يشمل من جاورها بقصد التوطن دائما،
الذي يصدق عليه عرفا أنه أهل مكة، كصحيحة عمر بن يزيد قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج
إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع (1).
هذا فيما إذا أقام ستة أشهر بقصد التوطن واستطاع بمكة، وأما
لو جاورها النائي أقل من ستة أشهر أو غير قاصد للتوطن فيه ثم استطاع
فلا اشكال في أن الواجب عليه التمتع، ولا يتبدل إلى الافراد
والقران. نعم يشترط أن تكون الاستطاعة من المحل السابق لا من
مكة، فيعتبر أن يكون له من الزاد ما يقدر به على الاتيان بالعمرة
والحج، ثم العود إلى محله مع قصد العود إليه كما هو المفروض
والظاهر عدم الخلاف في حكم المسألة.
(المسألة الثانية عشر) النائي غير المستطيع إذا أقام سنتين بمكة
بقصد المجاورة غير قاصد للتوطن فيه، ثم حصل له الاستطاعة بعد
الدخول في السنة الثالثة، الظاهر أنه لا اشكال في تبدل فرضه من
التمتع إلى الافراد، بل نسب هذا القول إلى علمائنا سوى الشيخ
قدس سره، والمستند روايات تدل عليه:
منها صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أقام بمكة
سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له (2).

(1) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 1.
46

وصحيح عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام قال: قال أبو
عبد الله: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا
جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع (1).
وأما ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله من اعتبار إقامة ثلاث سنين
في تبدل الحكم، فلم نجد له مستندا، واحتمال أن مراده الدخول
في السنة الثالثة مخالف لظاهر المبسوط.
وفي قبال هذه الروايات المتقدمة نصوص يدل بعضها على
كفاية سنة واحدة أو خمسة أشهر أو أكثر من ستة أشهر:
منها خبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: المجاور
بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة يعني يفرد الحج مع أهل مكة
وما كان دون السنة فله أن يتمتع (2).
ومرسل حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: من دخل مكة
بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي الخبر (3).
وصحيحة حماد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل
مكة أيتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة. قلت: فالقاطن بها. قال:
إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة (4).

(1) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 8.
(3) المصدر الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 9.
(4) الوسائل الجزء 8 - الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 7.
47

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: من أقام
بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة (1).
وعن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: لأهل مكة
أن يتمتعوا؟ قال: لا. قلت: فالقاطنين بها. قال: إذا أقاموا سنة
أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن
يتمتعوا الخبر (2).
ومفاد الجميع كفاية سنة واحدة في تبديل الحكم، ولكن
الأصحاب أعرضوا عنها ولم يفتوا بمضمونها، فلا ينبغي الاعتماد
عليها.
وأما كفاية أقل من سنة واحدة كخمسة أشهر أو أكثر من ستة أشهر
فيدل عليه أيضا بعض النصوص كمرسل حسين بن عثمان ورواية
حفص بن البختري.
روى محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن أيوب بن نوح
عن عبد الله بن المغيرة عن الحسين بن عثمان وغيره عمن ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقام بمكة خمسة أشهر فليس
له أن يتمتع (3).
وبإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حفص بن

(1) الوسائل الجزء 8 الباب الثامن من أقسام الحج الحديث 4.
(2) الوسائل الجزء 8 الباب التاسع من أقسام الحج الحديث 3.
(3) الوسائل الجزء 8 الباب الثامن من أقسام الحج الحديث 5.
48

البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في المجاور بمكة يخرج إلى
أهله ثم يرجع إلى مكة بأي شئ يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة
أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، وإن كان أقل من ستة أشهر فله أن
يتمتع (1).
هذه النصوص مضافا إلى اعراض الأصحاب عنها وعدم الافتاء
بمضمونها، لا يبعد حملها على من جاور مكة قاصدا للتوطن فيها،
وحمل صاحب الوسائل بعضها على التقية وعلى الجواز في الحج
المندوب. وعلى أي كان لا يصح الاعتماد على النصوص الدالة
على كفاية سنة واحدة أو خمسة أشهر أو أكثر من ستة أشهر، لما تقدم.
(المسألة الثالثة عشر) اختلف الأصحاب في من أنقلب فرضه
من التمتع إلى الافراد، هل ينقلب استطاعته حتى يكون مثل أهل
مكة من هذه الجهة أيضا، في كفاية الاستطاعة للحج من مكة أو هو
محكوم بالحكم السابق قبل المجاورة فيها فيعتبر الاستطاعة من
المحل الأول؟
الظاهر عدم الفرق بين القولين إلا في مؤنة العود إلى البلد إذا
لم يكن منصرفا عنه، فإن غير المكي الواجب عليه التمتع إذا
سافر إلى مكة وكان له من الزاد ما يكفيه للحج من مكة يصير مستطيعا
ولا يعتبر أن تكون استطاعته من بلده. نعم لو كان عازما على العود
إليه أو إلى محل آخر يريد الإقامة فيه يشترط الاستطاعة له أيضا،

(1) الوسائل الجزء 8 الباب الثامن من أقسام الحج الحديث 3.
49

كما يشترط أن يعتبر الاستطاعة بالنسبة إلى ما هو وظيفته وفرضه، من
افراد وقران، أو تمتع إذا كان غير مكي.
(المسألة الرابعة عشر) لو أقام النائي غير المستطيع بمكة
وحصلت له الاستطاعة للحج قبل مضي السنتين، فالظاهر أنه كالمستطيع
في بلده، فيجب عليه التمتع، ولا ينقلب فرضه إلى الافراد والقران
وإن حصلت الاستطاعة بمكة، فإن أتى بحجه قبل مضي سنتين فلا
اشكال في صحة حجه تمتعا واجزائه.
وأما لو أهمل وأخر حتى مضى عليه سنتان فهل عليه أن يتمتع
لاستقراره عليه، أو ينتقل فرضه إلى الافراد والقران، نظرا إلى أدلة
المجاورة؟ وجهان، والاحتياط بتكرار الحج، أو طريق آخر كما
تقدم، في محله.
(المسألة الخامسة عشر) لو أخر الحج من كان مستطيعا له قبل
سنتين حتى زادت المؤنة والنفقة، وجب عليه الاتيان بحجه ولو
متسكعا، لاستقرار الحج عليه قبل ذلك وتأخيره له من غير عذر.
ولا فرق في زوال الاستطاعة بين كونه قبل السنتين أو بعدهما.
ولا يرد الاشكال بتبدل الموضوع من المستطيع إلى غيره،
لأن حدوث الاستطاعة في سنة يكفي في استقرار الحج عليه، ولا
يشترط بقاؤها بعدها بالنسبة إلى أصل الحج، نعم يشترط بقاء
الموضوع بالنسبة إلى كيفية الحج، من التمتع والافراد والقران.
هذا تمام الكلام بالنسبة إلى النائي المقيم بمكة، وأما المكي
50

إذا أقام في غير مكة، فيأتي البحث فيه انشاء الله تعالى.
حكم المكي إذا أقام في غير مكة
(المسألة السادسة عشر) لو أقام مكي في غير مكة خارج الحد
المعتبر في النائي، قاصدا للتوطن فيه دائما، بحيث يصدق عليه
عرفا أنه من أهله كما إذا جاور ستة أشهر، فحكمه حكم النائي في
الاستطاعة ووجوب التمتع عليه.
فلو كان ضرورة ولم يكن مستطيعا للحج بمكة ثم حصلت
الاستطاعة له في محل إقامته، ينقلب فرضه بانقلاب الموضوع،
فيجب عليه التمتع، لكونه مصداقا لمن ليس أهله حاضري المسجد
الحرام. وتتحقق الاستطاعة بأن يكون له من الزاد ما يكفيه للعمرة
والحج وللعود إلى محل إقامته إذا كان عازما عليه، مع سائر الشرائط
المعتبرة فيها.
وأما لو أقام مكي خارج الحد غير قاصد للتوطن فيه لا ينقلب
حكمه من الافراد والقران إلى التمتع، وإن جاور سنتين أو جاوزهما
لعدم الدليل على ذلك. وقياس المقام بمن جاور مكة سنتين، باطل
مع الفارق، والفارق النص، ودعوى تنقيح المناط في ذلك إذا
لم يكن قطعيا غير مسموعة.
ولا فرق في حصول الاستطاعة بين ما تحققت في مكة أو غيرها
نعم يعتبر أن تكون استطاعته من محل إقامته، ولا يكفي ما لو حصل
51

بمكة لكان مستطيعا، وأما العود إلى محل الإقامة فهو كما مر.
(المسألة السابعة عشر) قد مر أن حاضري المسجد الحرام وهم أهل
مكة ليس لهم أن يتمتعوا، وأن فرضهم الافراد أو القران.
ولكن هذا فيما إذا حج مكي من مكة كما عليه الاتفاق، وأما لو بعد
عن أهله وخرج عن المواقيت ثم رجع إلى مكة ومر بإحداها
وأراد أن يحج حجة الاسلام، فالمشهور جواز المتمتع له، كما يدل
عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث قال: سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض
الأمصار، ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟
قال: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل، وكان الاهلال أحب إلى (1).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين قالا:
سألنا أبا الحسن عليه السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض
الأمصار، ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول الله صلى الله عليه وآله
له أن يتمتع؟ فقال: ما أزعم أن ذلك ليس له، والاهلال بالحج
أحب إلي (2).
لا يخفى أن الاستدلال بالصحيح موقوف على شمول اطلاقه
للصورة من أهل مكة، حتى يحكم له في الحج الواجب بالتخيير
بين التمتع والافراد أو القران، ولكن ندرة كون أهل مكة صرورة

(1) الوسائل الجزء 8 الباب السابع من أقسام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل الجزء 8 الباب السابع من أقسام الحج الحديث 1.
52

وعدم اتيانهم بالواجب وتأخرهم له عن سنة الوجوب، مما يوجب
انصراف الاطلاق إلى غير الصرورة وغير حجة الاسلام بل إلى الحج
المندوب، فلا يشمل من لم يأت بواجبه وخرج إلى بعض الأمصار
ثم رجع إلى مكة، لكونه فردا نادرا من أهل مكة. ولا أقل من
كون الندرة صالحة للقرينة، مانعة عن الجزم بالاطلاق وشموله
للمقام. ومع الشك مقتضى الأصل عدم تبدل الفرض وبقاء الاشتغال
اليقيني حتى يأتي بالافراد أو القران، وكذا الأصل بقاء عدم جواز
التمتع لأهل مكة ومن كان حاضرا فيها.
هذا فيما إذا خرج المكي إلى بعض الأمصار خارج الحد
وحصل له الاستطاعة فيه، وأما إذا كان مستطيعا للحج بمكة وخرج
إلى خارج الحد ثم رجع ومر ببعض المواقيت، فلا شبهة في أن
حكمه حكم أهل مكة وفرضه الافراد أو القران، ولا يجوز له التمتع (1).
وأما قوله في آخر الرواية (والاهلال بالحج أحب إلي) إما
محمول على التقية، وإما تخصيص للعمومات الدالة على أفضلية
التمتع لمن يشرع له كل من التمتع والافراد والقران.

(1) أقول: لا خصوصية لحصول الاستطاعة في مكة، إذ لو تم الدليل
يشمل كلا الفرضين وإلا فالحكم في الفرضين واحد.
53

المقصد الثالث
(في الشرائط المعتبرة في الحج)
أما التمتع فيشترط فيه أمور أربعة:
(الأمر الأول) النية، بأن ينوي حين انشاء الاحرام للعمرة من
الميقات أو من كل مكان يصح منه الاحرام، العمرة المتمتع بها إلى
الحج لله تبارك وتعالى.
وهذه هي النية المعتبرة في المقام، فلو لم يقصد الاحرام أصلا
بل لبس الثوبين لاغيا، أو نوى الاحرام ولم ينو العمرة، بل نوى
الاحرام على نحو الاطلاق بأن يكون مختارا في الاتيان بالعمرة
أو الحج واختيار أيهما شاء، بعد لا يصح التمتع، وكذا لا يصح
لو نوى العمرة ولم ينو التمتع بها إلى الحج، بل أخر تعيين أحد
الفردين من التمتع والافراد إلى وقت آخر، وذلك للزوم قصد
المأمور به وتعيينه عقلا، فاللازم في المقام هو نية النوع الخاص
54

من أنواع الحج، وهو حج التمتع المركب من عملين، فحين
الاحرام للعمرة المتمتع بها إلى الحج لا بد أن ينوي الحج أيضا
لقوله صلى الله عليه وآله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (1).
ويؤيده رواية يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام فقلت: كيف ترى أن أهل؟ فقال: إن شئت سميت، وإن شئت
لم تسم شيئا. فقلت له: كيف تصنع أنت؟ قال: أجمعهما فأقول
(لبيك بحجة وعمرة معا لبيك) (2).
وكذا ما روي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث: إن عليا عليه السلام قال رافعا صوته (لبيك بحجة وعمرة
معا لبيك) (3).
وبالجملة المستفاد من الأدلة، أن النية المعتبرة عند الاحرام
بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، هي قصد النوع الخاص من أنواع
الحج، الذي ينبغي أن يعد من الشروط العقلية لعدم تميز المأمور
به، وعدم تعينه إلا بالقصد.
ولكن القوم اختلف كلامهم في معنى النية في المقام: فقيل
إنها نية الاحرام، وقيل نية حج التمتع بجملته، وقيل نية النوع

(1) الوسائل الجزء 8 الباب الثالث من أقسام الحج الحديث 4.
(2) الوسائل الجزء 9 الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل الجزء 9 الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 7.
55

المخصوص من الحج (1).
وكيف كان، فإن كان مرادهم من نية الاحرام، قصد النوع
الخاص ومن نية الجملة النوع المركب من عملين، فدليله العقل
كما أشرنا إليه، وإن أرادوا غير ما ذكر فعلى المدعي الدليل على
المدعى.
وأما نية الخروج إلى الحج المنسوب إلى سلار، فلم يعلم
معنه، إلا أن يكون مراده نية الحج كما احتمله بعض، فيلائم نية
النوع الخاص ويتحد معه.
ويظهر من بعض النصوص صحة حج التمتع عقيب عمرة مفردة
وإن لم ينوها حين الاحرام تمتعا، إذا كانت العمرة في أشهر الحج
بل يستحب ويتأكد الاستحباب إذا توقف في مكة إلى ذي الحجة،
ويكون آكد إذا أدرك يوم التروية.
عن سماعة عن الصادق عليه السلام أنه قال: من حج معتمرا
في شوال، ومن نيته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك،
وإن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة
وذو الحجة، فمن اعتمر فيهن وأقام إلى الحج فهي متعة، ومن رجع
إلى بلاده، ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، وإن اعتمر في شهر رمضان
أو قبله وأقام إلى الحج فليس بمتمتع (2).

(1) عن الدروس أن المراد من النية هنا نية الاحرام، وعن المسالك
الظاهر أن المراد بها نية الحج بجملته.
(2) الوسائل الجزء 8 الباب العاشر من أقسام الحج الحديث 2.
56

وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: من
اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله، إلا أن يدركه خروج
الناس يوم التروية (1).
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل
مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته فخرج كان ذلك له، وإن أقام
إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة. وقال: ليس يكون متعة إلا
في أشهر الحج (2).
وفي صحيحة أخرى عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى
يحج مع الناس (3).
وفي مرسل موسى بن القاسم: من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع.
وصحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المعتمر في أشهر الحج. قال: هي متعة (4).
وخبر وهيب بن حفص عن علي عليه السلام قال: سأله أبو بصير
وأنا حاضر عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج، أله أن يرجع؟ قال:
ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، ولكنه يحتبس

(1) المصدر الجزء 8 الباب 15 من أقسام الحج الحديث 1.
(2) الوسائل الجزء 10 الباب السابع من أبواب العمرة الحديث 9.
(3) الوسائل الجزء 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 6.
(4) الوسائل ج 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 4.
57

بمكة حتى يقضي حجه، لأنه إنما أحرم لذلك (1).
وفي خبر آخر لموسى بن القاسم قال: أخبرني بعض أصحابنا
أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر شوال فقال: إني أريد أن أفرد
عمرة هذا الشهر. فقال له: أنت مرتهن بالحج (2).
وقال السيد رحمه الله في العروة بعد نقل تلك الأخبار: قد عمل
بها جماعة، بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا، ومقتضاها صحة
التمتع مع عدم القصد له حين الاحرام بالعمرة، بل الظاهر من
بعضها الانقلاب إلى التمتع قهرا من دون حاجة إلى نية التمتع
بها، بل يمكن أن يستفاد منها أن التمتع هو الحج الواقع عقيب
عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها، ولا بأس بالعمل
بها انتهى.
ولا يخفى أن المتيقن من تلك النصوص هو ما إذا أتى بالحج
بقصد التمتع بعد عمرة مفردة وقعت منه في أشهر الحج، فيكون
عدولا من العمرة المفردة إلى حج التمتع ويقع صحيحا، وليس
معناه عدم صحة حج الافراد منه، بل لو أتى به بعد تلك العمرة
ناويا للافراد فهو أيضا صحيح ويصير افرادا، كما يدل عليه صحيح
إبراهيم بن عمر اليماني.
عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله

(1) المصدر ج 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 7.
(2) الوسائل ج 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 8.
58

عليه السلام أنه سأل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج
إلى بلاده. قال: لا بأس، وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج
فليس عليه دم، وإن الحسين بن علي عليه السلام خرج يوم التروية
إلى العراق وكان معتمرا (1).
ورواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج
والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر الحسين عليه
السلام في ذي الحجة، ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس
يروحون إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد
الحج (2).
والصحيحة الأولى تدل على صحة الافراد إذا نواه وأتى به،
وأنه لا يقع تمتعا إذا قصد الافراد، ولا يجب عليه قصد التمتع بل
يتخير بين أن يأتي بالتمتع أو الافراد بعد عمرته التي وقعت في أشهر
الحج، أو لا يأتي بحج أصلا كما هو المستفاد من رواية عمار، خلافا
للقاضي حيث أفتى بوجوب التمتع حينئذ عليه.
وما يظهر من بعض، من تبدل العمرة المفردة بالتمتع قهرا،
فلا مناص من حمله على ما لو قصد التمتع ونواه، إذ القول بأن
التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها

(1) الوسائل ج 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 2.
(2) الوسائل ج 10 الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 3.
59

كما يستظهر من صاحب العروة قدس سره، غير وجيه.
والحاصل أن مفاد النصوص المتقدمة بعد الجمع بينها، هو
أن من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج، له أن يرجع إلى بلده وله
أن يقيم بمكة إلى أو أن الحج فيأتي بالافراد، وله أن يأتي بالتمتع
ويتأكد ذلك لو بقي إلى شهر ذي الحجة، ويصير آكد إذا بقي إلى
يوم التروية.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه النصوص المتقدمة،
ولكن الانصاف أن القدر المتيقن منها هو الحج المندوب لا حجة
الاسلام ولا الواجب بالنذر، كما صرح به في العروة أيضا. فعلى
ذا من وجب عليه التمتع لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج وبقي
إلى ذي الحجة وحج تمتعا، كما هو مضمون الروايات، يشكل
الاجتزاء به، سواء وجب عليه لحجة الاسلام أو بالنذر أو الاستيجار
وغيرهما.
وعلى أي، الاتيان بالتمتع بعد العمرة المفردة الواقعة في
أشهر الحج، كما هو مضمون الرواية، واجبا كان أو مندوبا، إنما
يكون عدولا من العمرة المفردة إلى المتمتع بها، بالتعبد الشرعي
والدليل الخاص، كما في العدول من العصر إلى الظهر، فلا ينافي
ما تقدم آنفا من اعتبار النية، واشتراط القصد للنوع الخاص من
الحج حين الاحرام، كما لا ينافي العدول من العصر إلى الظهر،
تعبدا ما يدل على اشتراط قصد الظهرية في تحقق العنوان المأمور
به، عقلا أو نقلا.
60

(الشرط الثاني) أن يقع تمام العمرة والحج في أشهر الحج،
بلا خلاف بين الفقهاء في ذلك، لقوله تعالى (الحج أشهر معلومات)
وللأخبار المستفيضة المعمول بها، وأشهر الحج شوال وذو القعدة
وذو الحجة، منها:
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله
تعالى يقول (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
ولا فسوق ولا جدال في الحج) وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة (1).
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: الحج أشهر معلومات
سؤال وذو القعدة وذو الحجة، ليس لأحد أن يحرم بالحج في
سواهن (2).
عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل فرض
الحج في غير أشهر الحج. قال: يجعلها عمرة (3).
عن ابن أذينة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من أحرم بالحج
في غير أشهر الحج فلا حج له (4).
وقيل إن أشهر الحج شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي
الحجة، نقل ذلك عن الحسن والبيان وروض الجنان، ويدل عليه

(1) الوسائل ج 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 5.
(3) الوسائل الجزء 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 7.
(4) الوسائل ج 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 4.
61

رواية علي بن إبراهيم باسناده قال: أشهر الحج شوال وذو القعدة
وعشر من ذي الحجة الخبر (1).
وقيل أشهر الحج شوال وذو القعدة وثمانية أيام من ذي الحجة
حكى ذلك عن ابن زهرة، وقيل تسعة أيام وليلة الأضحى، وقيل
إلى طلوع الشمس من اليوم العاشر، حكى ذلك عن المبسوط
والخلاف والوسيلة والجامع، ونسب إلى ظاهر جمل العلم والعمل.
الظاهر أن النزاع بينهم لفظي، إذ لا اشكال في صحة الاتيان
ببعض أفعال الحج إلى طول شهر ذي الحجة، كالطوافين والسعي
والهدي، كما أنه لا اشكال في أن وقت العمرة المتمتع بها من أول
شوال إلى الوقت الذي يتمكن فيه من اتمام أفعال العمرة ودرك
الحج بعده، فيمكن أن يكون مرادهم من تحديد آخر الوقت، إن
الأوقات المذكورة هي آخر وقت يمكن درك الحج فيه بعد أعمال
العمرة، كما أن أول وقت تصح فيه العمرة المتمتع بها إلى الحج
هو شوال.
ثم إنه لو وقعت العمرة بتمامها أو بعضها قبل شهر شوال، ناويا
للتمتع بها، لا يصح تمتعا بلا اشكال ولا خلاف، ولكن هل تصح
مفردة أم تقع فاسدة؟ ففيه خلاف.
والعمرة المفردة في غير أشهر الحج، وإن كانت لا تحتاج إلى
قصد الافراد، بل تقع صحيحة وإن لم ينو الافراد، إلا أن ذلك

(1) الوسائل ج 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 6.
62

فيما إذا لم ينو غيره ولم يقصد خلافه، وإلا فصحتها بهذا العنوان
يحتاج إلى دليل شرعي. ولهذه الجهة اختار بعض البطلان، لأن
ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، وقال بعض آخر بالصحة مطلقا
وإن نوى التمتع، استنادا إلى روايتي الأحول وسعيد الأعرج.
وقال السيد في العروة بعد نقل القول بالبطلان عن المدارك
مقتضى القاعدة وإن كان ذلك إلا أنه لا بأس بما ذكره البعض
استنادا للخبرين.
روى الصدوق باسناده عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج، قال: يجعلها
عمرة (1).
محمد بن يعقوب باسناده عن سعيد الأعرج، قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى
يحضر الحج من قابل فعليه شاة، ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم
جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة، إنما
الأضحى على أهل الأمصار (2).
والانصاف أنه دلالة لرواية الأحول على صحة العمرة، لا

(1) الوسائل ج 8 الباب 11 من أقسام الحج الحديث 7. تبع صاحب
كشف اللثام المدارك في البطلان وتردد في التحرير، وفي الجواهر لا ريب
في البطلان بمقتضى القواعد ولا بأس بالقول بالصحة للخبر.
(2) الوسائل ج 8 الباب 10 من أقسام الحج الحديث 1.
63

بعنوان المتعة ولا بعنوان المفردة، إذا أتى بها في غير أشهر الحج
ناويا للتمتع، كما هو مورد البحث، لاحتمال أن يكون المراد أن من
فرض الحج في غير أشهر الحج يجعل وينوي العمرة المفردة ابتداءا
ولا ينوي الحج. أو إن الرجل كما هو الظاهر أنما كان أحرم
بحج الافراد، فقال عليه السلام: يأتي بالعمرة المفردة لا بالحج.
وهذا غير مربوط بما نحن فيه.
وأما رواية سعيد الأعرج فهي أيضا لا تدل على صحة العمرة
الواقعة في غير أشهر الحج ناويا للتمتع بعنوان المفردة، بل الظاهر
من قوله (إنما هي حجة مفردة) إن ما يأتي به بعد حضور الحج
إنما هي حجة مفردة لا التمتع، لا أن العمرة التي أتى بها في غير
أشهر الحج هي حجة، فالرواية ساكتة عن حكم العمرة الواقعة في
غيرها بعنوان التمتع.
(الشرط الثالث) أن يأتي بالعمرة وحج التمتع في سنة واحدة
لأن المتبادر من الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع ومن النصوص
الدالة على أن المحرم بعمرة التمتع لا يجوز له الخروج من مكة
بعد اتمام العمرة حتى يأتي بالحج، أو أنه مرتهن به، إذ يعلم منها
أن العمرة والحج عملان مرتبطان، لا يجوز الفصل بينهما بسنة.
ودعوى أن اطلاق الروايات يشمل عدم الخروج ولو إلى سنة
أو سنتين بأن لا يخرج بعد العمرة من مكة إلى العام القابل حتى
يأتي بالحج بعد سنة أو إلى السنتين حتى يأتي به في السنة الثانية -
64

خلاف المرتكز في الذهن والمتبادر عند العرف.
إذا المنساق إلى الذهن والمتبادر إليه من النصوص الواردة
في المقام بتعابير مختلفة، كقوله (أو ليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج
حتى يقضيه) أو (أنت مرتهن بالحج) أو (هو محتبس ليس له أن
يخرج من مكة حتى يحج) إن المعتمر بالتمتع يجب عليه أن يأتي
بالحج في السنة التي اعتمر فيها لا في غيرها، كما هو المشهور بل
ادعي عليه الاجماع.
عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل
مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج
فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق
خرج محرما ودخل ملبيا بالحج الخبر (1).
محمد بن الحسن باسناده عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي
(إلى أن قال) وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج (2).
محمد بن يعقوب باسناده عن أبان بن عثمان عمن أخبره عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة
حتى يخرج إلى الحج، إلا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج
محرما ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوقه عرفة (3).

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 1.
(3) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 9.
65

وفي مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام أنه قال: إذا
أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع، فليس له
ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه، إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج
الخبر (1).
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:
سألته عن رجل قدم متمتعا ثم أحل قبل يوم التروية أله أن يخرج؟
قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج، ولا يجاوز الطائف وأشبهها.
وغيرها من الروايات الدالة على عدم جواز الخروج من مكة
بعد العمرة حتى يأتي بالحج، الظاهرة في وجوب الاتيان به في
سنة واحدة، كما هو المشهور بل ادعى عليه الاجماع. مضافا إلى
أنه مقتضى الاحتياط، للعلم بمشروعية ذلك وأنه موجب لفراغ
الذمة قطعا دون غيره.
فما عن الشهيد قدس سره من أنه لو أحرم للعمرة في أشهر الحج
وأتى ببعض أعمالها لا كلها، وبقي على الاحرام إلى العام القابل
فأتى بمناسك الحج، يحتمل الاجزاء عن التمتع. بعيد جدا، ولا
يساعده الدليل، ولو فرض أن لأدلة حج التمتع اطلاقا يشمل هذا
الفرد، لا يفرق بين ما إذا أتى ببعض أعمال العمرة أو كلها، بل
يشمله وإن أحل من العمرة، ولا يشترط أن يبقى على الاحرام إلى
العام القابل، كما في عبارة الشهيد (قده).

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
66

ثم إنه لا فرق في عدم صحة التمتع إذا لم تقع العمرة والحج
في سنة واحدة، بين أن تمتع بالعمرة قبل أيام الحج أو بعدها إلى
آخر ذي الحجة، مع وقوع الحج في العام القابل. كما لا فرق بين
اتمام أفعال العمرة وعدمه في السنة الأولى، ولا بين الاحلال منها
وعدمه، ولا بين الخروج من مكة بعد الاحلال وعدمه.
ومثله في البطلان ما لو أتى بأفعال العمرة كلها وأحل منها وأحرم
للحج، ولكنه لم يقف الموقفين أو ترك ركنا آخر، وبقي على
الاحرام إلى العام القابل وأتم الحج تمتعا، فإنه لا يصح تمتعا
للفصل بين العمرة والحج، كما فسد حجه السابق بترك الأفعال
عمدا.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن عمرة التمتع وحجه عملان
مرتبطان، يشترط أن يقعا في أشهر الحج في سنة واحدة، ولا يحصل
الفصل بينهما.
(الشرط الرابع) أن يكون الاحرام الحج التمتع من بطن مكة
أي من داخلها مع العلم والاختيار، وادعي الاجماع عليه،
وعن بعض نفي الخلاف فيه، واستدل بروايات منها:
رواية عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك وإن شئت
من الكعبة وإن شئت من الطريق (1).

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 10.
67

والاستدلال بالرواية، يتوقف على أن يكون المراد من الرحل
مكة، ومن الطريق السكك بها، وأن يكون السائل متمتعا، ويكون
الإمام عليه السلام في مقام بيان جميع ما يصح الاهلال بالحج منه.
وبعض هذه وإن كان يظهر من الرواية إلا أن احراز الجميع مشكل
فعلى ذا دلالتها على المقصود لا يخلو من خفاء.
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا كان يوم التروية إن شاء الله تعالى، فاغتسل ثم البس ثوبيك،
وادخل المسجد حافيا، وعليك السكينة والوقار، ثم صل ركعتين
عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل
المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة
فأحرم بالحج وعليك السكينة والوقار الخبر (1).
وفي دلالة الصحيحة أيضا خفاء، ولا يستفاد منها حصر الميقات
بالحجر أو المقام أو المسجد، للعلم بعدم وجوب الاحرام من خصوص
المقام أو الحجر كما تقدم في رواية يونس بن يعقوب قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: من أي المسجد أحرم يوم التروية؟ قال:
من أي المسجد شئت وكذا لا يجب الاحرام من خصوص المسجد
كما في رواية عمرو بن حريث المتقدمة، بل لا يستفاد منها الحصر
بمكة بعد اشتمال الرواية على كثير من المستحبات.
وكذا لا يستفاد الحصر بمكة، مما يدل على أن من دخل مكة

(1) الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الاحرام الحديث 1.
68

معتمرا فلا يخرج منها إلا محرما، إذ غاية ما يستفاد منه أن مكة
ميقات لهذا الشخص أي الذي يريد أن يخرج من مكة بعد العمرة
وأما الحصر بها بحيث يكون الاحرام من غير مكة باطلا، فلا يستفاد
من تلك الروايات.
ولكن يمكن أن يقال: إن دلالة تلك النصوص على كون مكة
ميقاتا لاحرام حج التمتع تامة بضميمة ما يدل من النصوص على
أن من خرج من مكة بعد العمرة يجب عليه أن يدخلها من غير
احرام، إن رجع في شهر التمتع، ومع الاحرام للعمرة إن دخل
بعد الشهر، إذ لو كان الاحرام بالحج جائزا من غير مكة كان اللازم
على الإمام بيانه والإشارة إليه كما لا يخفى.
هدا غاية ما يمكن أن يقال حول روايات الباب نفيا واثباتا،
وأما الفقهاء من الأصحاب رضوان الله عليهم فأقوالهم كافة متفقة
على أن ميقات حج التمتع منحصر بمكة، كما هو الظاهر من عباراتهم
ونقل الاجماع عليه. مضافا إلى أنه مطابق للاحتياط، للقطع بصحة
الاحرام منها، للتصريح به في الأخبار، وهو المعهود من زمن
الرسول صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا، وأما الاحرام لحج
التمتع من غير مكة لم يرد فيه شئ ولا خبر.
نعم قد يتوهم دلالة رواية إسحاق بن عمار على جواز الاحرام
لحج التمتع من غير مكة، ولكنه كما ستعرف غير تام.
محمد بن يعقوب باسناده عن صفوان عن إسحاق بن عمار
69

قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعة
ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى
بعض المعادن. قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر
الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج. قلت:
فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان أبي مجاورا هيهنا
فخرج يتلقى (ملتقيا) بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم
من ذات عرق بالحج، ودخل وهو محرم بالحج (1).
والوجه في عدم تمامية الدلالة، أن أبا الحسن عليه السلام لم
يذكر أن أباه كان متمتعا، بل ذكر أنه كان مجاورا، فعلى ذا يمكن أن
يكون احرامه لحج الافراد، كما يمكن أن يكون احرامه من ذات
عرق للعمرة المتمتع بها، واطلاق الحج عليها لشدة الارتباط
بينها في حج التمتع، ولأنها أول عمل من التمتع.
ولا يتوهم تناقض صدر الرواية للذيل، فإنه عليه السلام بعد
ما حكم بوجوب الاحرام إذا دخل في غير شهر التمتع، سأل الراوي
أنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، فأجاب عليه السلام بأن أباه
دخل محرما، وحكم بوجوب الاحرام أيضا إذا دخل في الشهر
الذي خرج فيه، إذ لا تنافي بين وجوب الاحرام إذا دخل في غير
شهر التمتع ووجوبه أيضا إذا دخل في شهر الخروج، لامكان أن
يتحد غير شهر التمتع مع شهر الخروج، فإن لغير شهر التمتع مصداقان

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 8
70

أحدهما ما يتحد مع شهر الخروج والثاني مع غيره.
وبعبارة أوفى: إن شهر الخروج قد يكون متحدا مع غير شهر
التمتع فيجب الدخول مع الاحرام، وقد لا يتحد، وحيث أن
السائل توهم أن شهر الخروج مثل شهر التمتع، أجاب عليه السلام
بأنه ليس كذلك، بل دخل أبوه محرما في شهر الخروج، واطلاق
الحج على العمرة هنا إنما هو لمناسبة قدمناه.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه الرواية من أن الاحرام
من ذات عرق يمكن كونه لحج الافراد ويمكن كونه للعمرة المتمتع
بها، لانقضاء شهر التمتع وإن كان في شهر الخروج، وقد يقال إنها
محمولة على التقية. وعلى كل حال إن الرواية بظاهرها غير معمول
بها: ولم يفت أحد بها وأعرض الأصحاب عنها، فلا تقاوم لمعارضة
الرواية الدالة على أن الاحرام لحج التمتع يشترط أن يكون من
مكة. وستأتي الإشارة إليه أيضا. هذا ما يقتضيه الدليل الخاص
المنقول في المسألة.
وأما مقتضى الأصل فهو في حد نفسه البراءة من كل قيد وخصوصية
يشك في اعتباره في الاحرام، من كونه من بطن مكة، أو من المقام
أو الحجر أو المسجد مطلقا، بناء على أن الاحرام عبارة عن عدة
أفعال وأعمال، وأما على ما اخترناه في معنى الاحرام فالأصل هو
الاشتغال.
وتوضيح ذلك أنه قد يقال تارة: إن الاحرام عبارة عن عدة
71

أفعال خارجية، من لبس الثوبين والتلبية والنية، فعند ذلك إذا
شك في اعتبار شئ زائد على ما علم ثبوته واعتباره، ينفى بأصالة
البراءة، لكونه شكا في التكليف الزائد كما بين في الأصول.
وأخرى يقال: إن الاحرام أمر انشائي اعتباري مسبب عن أفعال
خاصة من النية ولبس الثوبين والتلبية في محل معين، وقت وقته
الشارع، فهو متحصل من تلك الأفعال لا نفسها. فحينئذ لو شك في
دخالة شئ واعتبار قيد في تحقق المسبب وتحصله، يرجع ذلك
إلى الشك في المحصل، فإن المأمور به الذي هو أحد من النسك
عبارة عن الاحرام الاعتباري المتحصل من الأسباب المعينة، والشك
في الأقل والأكثر من تلك الأفعال والأسباب يرجع إلى الشك في
المحصل، والأصل فيه الاحتياط، وليس شكا في التكليف الزائد
حتى ينفى بالبراءة. بل يمكن أن يقال: إن مقتضى الاستصحاب
أيضا: عدم انعقاد الاحرام، عدم حرمة المحرمات بالاحرام من
غير بطن مكة.
في أفضل ميقات حج التمتع
ثم إنه بناءا على اعتبار بطن مكة في احرام حج التمتع، يكفي
كل موضع منها حتى السكك والشوارع، لصحيحة عمرو بن حريث
الصيرفي المتقدمة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من أين
أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك، وإن شئت من الكعبة،
72

وإن شئت من الطريق (1).
ولكن أفضل الأماكن من مكة المسجد، وأفضل أماكن المسجد
المقام أو حجر إسماعيل، للأمر بهما في الأخبار.
وصرح غير واحد من الأكابر بأفضلية تحت الميزاب، ولكن
لم نعثر على رواية خاصة في ذلك. نعم أنه من الحجر، ولعله هو
الوجه عند من أفتى بالتخيير بينه وبين المقام وتساويهما في الفضل
وأما القول بالتخيير بين تحت الميزاب والحجر فلا محصل له، لكونه
بعضا من الحجر (2).
فروع لا بد من التعرض لها
(الأول) لو أحرم المتمتع من غير بطن مكة لحج التمتع متعمدا
وإن كان من الميقات، بطل احرامه ويفسد حجه، إذا لم يتدارك،
وإن كان غير متمكن من العود إلى مكة أو معذورا منه، ويجب عليه
العود إليها، والاحرام منها في حال التمكن منه، ولا يكفي العود

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) نقل الصدوق التخيير بين المقام والحجر، وعن الكافي والغنية
والجامع والنافع وشرحه والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس التخيير بينه
وبين تحت الميزات في الأفضلية، وأما التخيير بين الحجر وتحت الميزاب لم
ينقل عن أحد لعدم المعنى له، أما أفضلية تحت الميزاب فقد نقل عن محكى
الارشاد والتلخيص والتبصرة، وقال في الجواهر: لم نعثر على شاهد يقتضي
فضله على المقام.
73

إليها من دون تجديد الاحرام، ولا المرور بها، وكذا لا يكفي
تجديد الاحرام من غيرها. ويأتي حكم من أحرم من غير مكة جهلا
أو نسيانا.
لا يخفى أن المتيقن من مكة الذي يصح الاحرام منها ويجب
في التمتع، ما كان موجودا في زمان صدور تلك الأخبار من حيث
السعة والضيق والطول والعرض، وأما ما زيد عليه بمرور الزمان
في القرون المتمادية والأزمنة المتتابعة، فهو غير داخل في بطن مكة
وشمول الأدلة له غير معلوم، وإن كان شمولها قويا في النظر.
(الثاني) لو ترك المتمتع الاحرام بالحج من مكة جهلا أو نسيانا
ومضى إلى عرفات، وجب العود إلى مكة والاحرام منها، إذا
تمكنه منه ومن الرجوع إلى عرفات بعد الاحرام لدرك الوقوف.
وأما إذا لم يتمكن من العود أحرم من مكانه ولو كان بعرفات، وعليه
تحمل رواية علي بن جعفر الدالة على وجوب الاحرام بعرفات.
محمد بن يعقوب باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه قال:
سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟
قال: يقول (اللهم على كتابك وسنة نبيك) فقد تم احرامه (1).
وعنه أيضا عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل كان
متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى
رجع إلى بلده. قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه (2).

(1) الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 3.
(2) الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 2.
74

والمتيقن من مفاد الصحيحة صورة عدم التمكن من العود إلى
مكة، كما في صورة الجهل، وإلا لوجب عليه العود إلى مكة
والاحرام منها، بل الأحوط العود إليها مهما كان ميسورا وإن لم يبلغ
مكة، ثم الاحرام من ذلك الموضع.
(الثالث) لو نسي الاحرام لحج التمتع أو جهل حتى أتى بجميع
المناسك، فقد تم حجه ولا شئ عليه، كما صرح به في ذيل صحيحة
علي بن جعفر، ويدل عليه موثقة ابن عمير الآتية.
محمد بن يعقوب باسناده عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج
عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم
أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى. قال: تجزيه نيته،
إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل (1).
وظاهر قوله (وقد شهد المناسك كلها) إما تمام الحج أو مع
العمرة، كما أنه يظهر من ترك الاستفصال عدم الفرق بين أنواع
الحج والعمرة في هذا الحكم. وكذا الظاهر من قوله (إذ كان قد
نوى ذلك) هو نية الاتيان بما فرض الله تعالى عليه من النسك،
حتى لا يكون متعمدا في ترك الاحرام، وإن لم ينشئ الاحرام ظاهرا.
وحمله على نية الاحرام غير وجيه، لمنافاته للجهل به ونسيانه
له. وكذا حمل الجهل والنسيان في الرواية على الجهل بلزوم
التلبية والاهلال ونسيانه مع العلم بوجوب أصل الاحرام وكونه

(1) الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.
75

قاصدا له، خلاف الظاهر، فإن المنساق إلى الذهن من الجهل
بالاحرام أو نسيانه، الجهل بأصل الاحرام ووجوبه لا الجهل بالتلبية
وغيرها، وكذا النسيان.
ويعلم مما ذكر أنه لو ترك الاحرام جهلا أو نسيانا وأتى ببعض
المناسك لا كلها، فلا اشكال في صحة ما أتى به وصحة حجه، لوضوح
أنه إذا كان جميع المناسك مع الجهل بالاحرام أو نسيانه صحيحا،
فالبعض أيضا كذلك، فإن الفرق في الصحة والاجزاء بين الاتيان
بالكل وبين البعض، مما لا يساعده نظر العرف بل ينكره.
نعم القدر المتيقن من صحة البعض ما لو تذكر وجوب الاحرام
بعد فوت محل البعض المأتي به، فإنه يكتفي به ويجزي، وأما
إذا تذكر قبل فوت المحل وجب عليه الرجوع إلى مكة والاحرام
منها، ثم يأتي بما أتى به من قبل أن تمكن من العود إليها، وإلا
يحرم من مكانه ويأتي به، بل الأحوط أن يحرم بعد الالتفات ويأتي
بما أتى به من البعض، ولو بالاضطراري منه، كالوقوفين إن أمكن
ذلك.
ومثل ما تقدم من الحكم بالصحة لو أحرم بالحج من غير مكة
جهلا أو نسيانا، ثم تذكر بعد الاتيان بالمناسك كلها أو بعضها، من
غير فرق بين كون المحل الذي أحرم فيه ميقاتا أو غير ميقات، فيأتي
هنا ما أشرنا إليه من وجوب العود إلى مكة إن تمكن وكفاية الاحرام
من موضعة إذا لم يتمكن، وإن الاتيان ببعض المناسك إنما يجزي
76

إذا فات محله، وأما لو تذكر قبل فوت المحل يجب تداركه كما تقدم.
(الرابع) من ترك الاحرام الحج التمتع من بطن مكة لعذر من
الأعذار غير الجهل والنسيان، كخوف من العدو أو مرض وغيرهما،
ثم ارتفع العذر، فهل يجب عليه الرجوع إلى مكة والاحرام منها
أو يجوز له الاحرام من مكان ارتفع فيه عذره؟ وجهان.
لم أجد من تعرض للمسألة بخصوصها. نعم يشملها اطلاق
كلمات الفقهاء قدس سرهم في أن المعذور يحرم من مكان يرتفع
عذره فيجب عليه الاحرام من ذلك المكان، ولكن المتيقن منه ما لم
يتمكن من العود إلى مكة والاحرام من بطنها، ولا يبعد استفادة
هذا الحكم من موثقة ابن بكير التي سنذكرها في الفرع الآتي.
(الخامس) لو أغمي عليه ولم يحرم من مكة، فإن أفاق قبل
الأعمال وتمكن من العود، رجع وأحرم من بطن مكة، وإن ترك
ولم يرجع وأحرم من غير مكة عمدا فحجه باطل لا يجزيه، لأنه
أحرم من غير الميقات عمدا، وقد تقدم أنه باطل.
وأما إذا أفاق ولكن لا يتمكن من العود إلى مكة والاحرام
منها ودرك الوقوفين بعد، حتى الاضطراري منهما، رجع إلى حيثما
أمكن وأحرم منه، وإن لم يتمكن من العود أصلا أحرم من مكانه
كما تدل عليه موثقة ابن بكير.
محمد بن يعقوب باسناده عن ابن بكير عن زرارة: عن أناس
من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الميقات وهي لا تصلي
77

فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها كما هي حتى قدموا
مكة وهي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا: تخرج إلى بعض
المواقيت فتحرم منه، فكانت إذا فعلت، لم تدرك الحج، فسألوا
أبا جعفر عليه السلام فقال: تحرم من مكانها قد علم الله نيتها (1).
والمراد من النية ليس نية الاحرام، لأنها كانت جاهلة بجواز
الاحرام، مع الجهل كيف يمكن أن تنوي الاحرام، بل المقصود
إنها لم تترك الاحرام عمدا وعن عصيان وعلم الله نيتها، وكانت
نيتها أن الاتيان بجميع ما أمر الله تعالى به، وحيث إن الإمام
عليه السلام علل جواز الاحرام من مكانه مع عدم التمكن من العود إلى
الميقات، بعدم تركها الاحرام عن علم وعمد، يستفاد منه أن كل
من فاته الاحرام من الميقات عن غير عمد ولم يتمكن من العود
إليها والاحرام منها، أحرم من مكانه ويصح حجه.
(السادس) من كان متمتعا فأغمي عليه عند الخروج من مكة،
أحرم عنه غيره، بأن يلبسه الثوبين ويلبي عنه، فإن أفاق قبل حلول
وقت الأعمال أتى بالمناسك ولا شئ عليه ويصح حجه، لكونه
محرما. وإن أفاق بعد مضي وقت الأعمال أو أثنائه بحيث لا يتمكن
من درك ما فات من المناسك، كمن أفاق بعد الوقوفين حتى الاضطراري
منهما، فحجه باطل، ويحل بعمرة مفردة كما تدل عليه روايات
صحيحة:

(1) الوسائل الجزء 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 6.
78

منها رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما
عليهما السلام، في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت.
فقال: يحرم عنه رجل (1).
(السابع) من نسي الاحرام لحج التمتع من مكة وتذكر في
عرفات أو في الطريق ولم يتمكن من العود إلى مكة لضيق الوقت
أو غيره، أحرم من موضعه، فإن قلنا بصحة حجه تمتعا كما تقدم
لا يسقط عنه الهدي، وإن أحرم من أحد المواقيت أو مر بعد الاحرام
عليه، ولا يجب عليه دم آخر بترك الاحرام من بطن مكة، وكذا
من أحرم لحج التمتع من مكة ومر على الميقات بعد الاحرام لا يسقط
عنه الهدي بالمرور عليها.
(تتميم) قد يذكر شرط خامس لحج التمتع، وهو أن يقع العمرة
والحج المأتي بهما في سنة واحدة من مكلف واحد لمكلف واحد

(1) الوسائل الجزء 8 من أبواب الميقات الباب 20 الحديث 1.
أقول: نقل صاحب الوسائل ثلاث روايات عن جميل بهذا المضمون،
أحدها ما ذكر رواه عن ابن أبي عمير عن جميل، والثاني رواه عن موسى بن
القاسم عن جميل وهو الحديث الرابع من ذاك الباب، والثالث رواه في الباب
55 من أبواب الاحرام الحديث الثاني مع اختلاف يسير فيه، وظن بعض أنها
ثلاث روايات، والحال ليست إلا رواية واحدة سمعها بعض الأصحاب عن
أحدهما مرة واحدة. وكان الأستاذ الأعظم الفقيه الفقيد الحاج آقا حسين
البروجردي قدس سره يشير إلى أمثال هذا في مجلس درسه، وينبه الفضلاء
عليه.
79

فلو أتى بعمرة التمتع لنفسه وأتى بحجه لغيره أو العكس لا يصح
أو أتى بالعمرة لشخص وأتى بالحج لشخص آخر لا يصح تمتعا،
وكذا لا يصح التمتع لو أتى شخص بالعمرة تمتعا وأتى شخص آخر
بحجه كذلك، لما يستفاد من النصوص أن العمرة المتمتع بها والحج
عمل واحد مركب من عملين، وقد دخلت العمرة في الحج، لا
يجوز التفكيك بينهما سواء كان لنفسه أو لغيره.
وعموم أدلة النيابة لا يشرع التفكيك فيما لم يشرع لنفس
المنوب عنه، نعم لو ورد دليل على جواز التفكيك بين العمرة
والحج في النيابة عن الغير، يكشف به عن القاء الارتباط بينهما
وعدم دخله في عمل النائب.
قد يستدل على جواز التفكيك برواية محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل حج عن أبيه أيتمتع؟ قال:
نعم المتعة له والحج لأبيه (1).
والاستدلال مبني على أن يكون المقصود من قوله (أيتمتع)
الاتيان بعمرة التمتع لنفسه والحج لأبيه، فعلى هذا يكون صريحا
في جواز التفكيك بين العمرة والحج وعدم اعتبار كونهما لشخص
واحد. ولكن الرواية لا ظهور لها في ذلك، وإن كان يحتمل بعيدا
بل المتبادر إلى الذهن والظاهر من قول السائل (أيتمتع) هو السؤال
عن جواز اتيان حج التمتع عن أبيه، وأجابه الإمام عليه الجواز

(1) الوسائل ج 8 الباب 27 من أبواب النيابة الحديث 1.
80

بقوله (نعم)، مع التشويق والترغيب بأن المتعة له أي الالتذاذ
من المحرمات بالاحرام بعد الاحلال له والحج لأبيه، فلا ربط
للرواية بالمسألة حتى يستدل لها.
وكذا دلالة ما رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله،
غير تامة ولا يصح الاستدلال به.
محمد بن يعقوب باسناده عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قال رسول الله: من وصل قريبا بحجة أو عمرة
كتب الله له حجتين وعمرتين، وكذلك من حمل عن حميم يضاعف
الله له الأجر ضعفين (1).
فإن اطلاق النبوي لا يشمل ما ليس بمشروع لنفس النائب
ولا يكون مشرعا حتى يصل قريبه بما لا يجوز لنفسه.

(1) الوسائل ج 8 الباب 25 من أبواب النيابة الحديث 6.
81

أحكام التمتع
(منها) عدم جواز الخروج من مكة للمعتمر بعمرة التمتع، قبل
أن يأتي بالحج. ويقع الكلام فيه في طي مباحث:
(البحث الأول) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع لا يجوز
له الخروج من مكة بعد الاتيان بها قبل أن يحج، من غير اضطرار
وحاجة لا محلا ولا محرما، لأنه مرتهن بحجه، سواء علم أن الحج
يفوت بالخروج أو احتمل ذلك أو علم أنه لا يفوته أصلا وفاقا للمشهور
كما عن المدارك والوسيلة والمهذب والاصباح وموضع من
المبسوط والنهاية.
واستدلوا بروايات: منها مرسلة موسى بن القاسم عن بعض
أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: إني
أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر. فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له
الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة واحتاج إلى الخروج إليها.
82

فقال عليه السلام: تخرج حلالا وترجع حلالا إلى الحج (1).
ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف
أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت
بالبيت وصليت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة
وقصرت وأحللت من كل شئ، وليس لك أن تخرج من مكة حتى
تحج (2).
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تمتع
فهو والله أفضل. ثم قال: إن أهل مكة يقولون إن عمرته عراقية
وحجه مكية، كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج، لا يخرج حتى
يقضيه (3).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أراد
المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه
مرتبط بالحج حتى يقضيه، إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج (4).
وصحيحة حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل
مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج
فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 2.
(4) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
83

خرج محرما ودخل ملبيا بالحج الخبر (1).
وغيرها من الروايات المصرحة فيها بعدم جواز الخروج من
مكة للمتمتع حتى يقضي حجه، ولا مانع من العمل بها، ولا معارض
لها. وما يدل على جواز الخروج من مكة قبل الاتيان بالحج أو
يستشعر منها ذلك، فهو محمول على صورة الحاجة والاضطرار
العرفي، كما صرح به في ذيل رواية حماد، ويأتي حكم الاضطرار
انشاء الله.
وأما لو احتاج المتمتع إلى الخروج من مكة قبل الحج يحرم
بالحج من مكة ويخرج لحاجته، إذا علم أنه لا يفوته الحج، ثم
يدخل مكة ويفيض إلى عرفات بهذا الاحرام، ويجوز له أن يذهب
إلى عرفات من مكانه من غير أن يدخل مكة، كما يشهد له بعض
الروايات:
منها رواية حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها. قال: فقال
فليغتسل للاحرام وليهل بالحج وليمض في حاجته، فإن لم يقدر
على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات (2).
ورواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف. قال: يهل

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 4.
84

بالحج من مكة، وما أحب أن يخرج منها إلا محرما ولا يتجاوز
الطائف، إنها قريبة من مكة (1).
ومثلها رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي
الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات
عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج فلا يزال على احرامه الخبر
وقد تقدم (2).
ورواية أبان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج،
إلا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما ولا يجاوز إلا على
قدر ما لا تفوته عرفة (3).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل قدم مكة
متمتعا فأحل أيرجع؟ قال: لا يرجع حتى يحرم بالحج، ولا يجاوز
الطائف وشبهها مخافة أن لا يدرك الحج، فإن أحب أن يرجع
إلى مكة رجع، وإن خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه إلى
عرفات (4).

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(3) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 9.
(4) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.
85

والمستفاد من تلك الروايات إن المتمتع إذا عرضت له الحاجة
إلى الخروج يخرج محرما للحج لا محلا، ولا يعارضها إلا مرسلة
أرسلها الطوسي قدس سره عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه
السلام في عشر من شوال فقال: إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر
فقال: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: إن المدينة منزلي ومكة
منزلي ولي بينهما أهل وبينهما أموال. فقال له: أنت مرتهن بالحج
فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة واحتاج إلى الخروج إليها
فقال: تخرج حلالا وترجع حلالا إلى الحج (1).
هذه المرسلة رواها الشيخ (قده) تارة مع الذيل الدال على
جواز الخروج من مكة بدون الاحرام، وأخرى أرسلها بدون الذيل
وعلى أي فهي ليست بحجة، ولا تعارض النصوص المعتبرة المتقدمة
التي تدل على وجوب الاحرام عليه للحج إذا احتاج إلى الخروج
من مكة.
نعم قد يستظهر من صحيحة الحلبي المتقدمة كراهة الخروج
من غير احرام، حيث قال الصادق عليه السلام: وما أحب أن يخرج
منها إلا محرما، ولا يتجاوز الطائف (2).
ولكن ظهور قوله عليه السلام (ما أحب) في الكراهة، ليس
بحيث يكافؤ ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة أو يعارضها. وبالجملة

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 3.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 7.
86

العمل بالروايات السابقة والقول بحرمة خروج المتمتع من مكة
بغير احرام مما لا شبهة فيه.
هذا إذا علم بعدم فوت الحج إذا خرج من مكة، وأما لو علم
أنه إذا خرج منها يفوته الحج أو خاف أن يفوت، فلا يجوز له
الخروج محرما كان أو محلا، لأنه مرتهن بحجه، ولأن الأدلة الدالة
على جواز الخروج عند الحاجة إليه إنما قيدت بالعلم بعدم فوت
الحج إذا خرج كصحيحة أبان بن عثمان المتقدمة، ففيها: فيخرج
محرما ولا يجاوز إلا على قدر ما لا يفوته عرفة (1).
وفي مرسلة الصدوق المذكورة قبل: فليس له ذلك لأنه مرتبط
بالحج حتى يقضيه، إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج (2).
وفي رواية قرب الإسناد: لا يجاوز الطائف وشبهها مخافة أن
لا يدرك الحج (3).
(البحث الثاني) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع وجهل أنه
لا يجوز له الخروج من مكة قبل الحج، وخرج منها بغير احرام
ودخلها في الشهر الذي أحرم فيه، يجوز له أن يدخل مكة بغير احرام
بلا خلاف فيه. ويدل عليه رواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام
حيث قال: إن رجع في شهره دخل بغير احرام، وإن دخل في غير

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
(3) المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 12.
87

الشهر دخل محرما (1).
وقال في التهذيب في ضمن أحكام التمتع: من خرج عن
مكة بغير احرام ودخل في الشهر الذي خرج منه، فالأفضل أن يدخلها
محرما، ويجوز له أن يدخلها بغير احرام. وتبعه العلامة في التذكرة.
واستدل الشيخ (قده) برواية إسحاق بن عمار، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعة، ثم تبدو
له فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن.
قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه،
لأن لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج. قلت: فإنه دخل في الشهر
الذي خرج فيه. قال: كان أبي مجاورا هيهنا فخرج يتلقى (ملتقيا)
بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج
ودخل وهو محرم بالحج (2).
ويشكل عليه بأنه لم يذكر في الرواية أن أباه عليه السلام كان
متمتعا فأحرم بعمرة التمتع، بل ذكر أنه كان مجاورا، ولعل احرامه
كان لحج الافراد. ولا يتوهم أنه بناءا على ذلك لا يبقى مناسبة بين
السؤال والجواب، إذا السائل إنما سأل عن التمتع فأجاب الإمام
عليه السلام عن الافراد. فإنه يدفع بأنه يمكن أن يكون السؤال
عن مسألتين إحداهما جواز ابطال العمرة المأتي بها تمتعا والثانية

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 8.
88

جواز دخول الحرم بغير احرام. فأجاب عليه السلام عن الثانية بأن
أباه كان مجاورا ودخل في الحرم، مع أنه دخل في الشهر الذي
خرج فيه.
ويمكن أن يحمل احرامه على احرام التمتع، ولكن دخوله
بمكة إنما كان بعد مضي شهر التمتع وقبل شهر الخروج، فيتوافق
الصدر والذيل، للحكم في الصدر بأن الملاك في عدم وجوب
الاحرام عليه دخول مكة في شهر التمتع، ثم سأل السائل عن شهر
الخروج وأنه مثل شهر التمتع في عدم وجوب الاحرام عليه إذا
دخل فيه، فأجاب الإمام عليه السلام بأن أباه إنما أحرم من ذات عرق
وظاهر السؤال والجواب أن شهر الخروج إذا لم يتحد مع شهر
التمتع يجب الاحرام للعمرة كما فعل أبوه عليه السلام.
والانصاف أن الرواية أظهر في ذلك من سائر المحامل، ولكنه
لم يفت بمضمونها إلا نادر. ويمكن أن يقال: إن ذيل الرواية
معرض عنه.
وكيف كان لا يفهم من رواية إسحاق بن عمار جواز الاحرام
لحج التمتع من غير مكة، لمن خرج منها بعد الاتيان بالعمرة التي
تمتع بها إلى الحج قبل اتيانه.
وأما الاحرام للعمرة إذا دخل في شهر التمتع، فلم أعثر على
فتوى من الفقهاء على جوازه ولا على رواية تدل عليه.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن المتمتع إذا خرج من مكة
89

بعد العمرة قبل الحج، إن رجع إليها قبل شهر التمتع يدخل مكة
بدون الاحرام، وأما لو رجع بعد مضي شهره فيأتي بحثه.
(البحث الثالث) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع وخرج
منها بعد العمرة حلالا ثم دخلها بعد مضي شهر من يوم خروجه
يجب عليه أن يدخلها محرما للعمرة المتمتع بها إلى الحج، وتكون
هي العمرة المتصلة بحجه، وتصير الأولى عمرة مفردة مبتولة.
وحكي عن الشهيد رحمه الله في حاشية الدروس، ما يدل على
أن العمرة الأولى هي المتمتع بها إلى الحج لا الثانية، ولكنه
مخالف لصريح حسنة حماد المتقدمة (1)، فإنه لما قال الإمام عليه
السلام (إن رجع في شهره دخل بغير احرام وإن دخل في غير الشهر
دخل محرما) سأل الراوي فأي الاحرامين والمتعتين متعة الأولى
أو الأخيرة. قال: الأخيرة هي عمرته، وهي للمحتبس بها التي
وصلت بحجته.
وبالجملة يدل على أصل الحكم، مضافا إلى عدم الخلاف فيه
رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ومرسلة الصدوق ورواية حماد بن
عيسى المصرحة فيها، بأن من خرج من مكة بعد العمرة ودخلها
قبل مضي شهر دخلها محلا، ومن دخلها بعد مضي شهر دخلها محرما
لعمرة التمتع.
ومن مرسلة الصدوق: إن خرج وعاد في الشهر الذي خرج

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
90

دخل مكة محلا، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما (1).
وفي صحيحة حماد قال: إن رجع في شهره دخل بغير احرام
وإن دخل في غير الشهر دخل محرما (2).
ولكن المتيقن من الشهر شهر الخروج، الذي يجب الاحرام
بعد مضيه، كما يأتي تفصيله.
(البحث الرابع) من اعتمر بعمرة التمتع ودخل مكة وقضى
أعمالها، ثم خرج من مكة محلا ورجع إليها ودخلها قبل مضي الشهر
الذي خرج فيه وبعد الشهر الذي تمتع، فهل يدخل مكة بغير احرام
لعدم انقضاء الشهر الذي خرج فيه، أو يدخلها محرما لعمرة التمتع
لانقضاء الشهر الذي أحرم فيه بالعمرة المتمتع بها؟ فيه تردد.
ومنشأ ذلك ما ذكر في مرسلة الصدوق ورواية أبان من التصريح
بشهر الخروج، واستظهره بعض من حسنة حماد أيضا، فيدخل
بغير احرام، لعدم مضي شهر الخروج، ومن ذكر شهر التمتع في
رواية إسحاق بن عمار، فيدخلها محرما.
أما شهر الخروج وإن صرح به في مرسلة الصدوق، ولكن
استظهاره من حسنة حماد مشكل، خصوصا مع التعليل الوارد في
رواية إسحاق، بأن لكل شهر عمرة، بل يمكن استظهار شهر التمتع
من الحسنة، بقرينة ما ذكر في صدرها من قوله عليه السلام (من

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 10.
(2) المصدر ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
91

دخل مكة في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج)
وكذا قوله (ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج) لوضوح أن
المراد من أشهر الحج هو شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة
على ما تقدم.
فعلى هذا، إضافة الشهر إلى المعتمر بمناسبة ما صدر منه من
العمل في قوله (إن رجع في شهره دخل بغير احرام، وإن دخل
في غير الشهر دخل محرما) تكون ظاهرة في شهر التمتع.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في استظهار شهر التمتع من حسنة
حماد، ولكن الانصاف أنها غير ظاهرة فيه لو لم تكن ظاهرة في شهر
الخروج، ولا أقل من الاجمال في الرواية المانع من الاستدلال بها.
وأما رواية أبان وحفص البختري فهي صريحة في شهر الخروج
ولا شبهة فيه، لقوله عليه السلام (إن رجع في الشهر الذي خرج
فيه دخل بغير احرام، فإن دخل في غيره دخل باحرام) فتعارض
رواية إسحاق بن عمار التي تدل على أن الاعتبار بشهر التمتع لا شهر
الخروج، ولكن النسبة بينهما العام والخاص.
وتوضيح ذلك: إن كل من دخل في شهر التمتع دخل في شهر
الخروج، وبعض من دخل في شهر الخروج لم يدخل في شهر
التمتع، فيخصص عموم رواية أبان وحفص برواية إسحاق بن عمار
فيكون المعنى كل من دخل في شهر الخروج دخل مكة بغير احرام
إلا من دخل في غير شهر التمتع، فيجب عليه الاحرام، إن لم نقل:
92

إن ذيل رواية إسحاق معارض لصحيحة أبان وحفص، فإن الراوي
لرواية إسحاق سأل الإمام عن حكم شهر الخروج بعد بيان حكم
شهر التمتع وقال (فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه) فأجابه الإمام
عليه السلام بأن أباه كان مجاورا ودخل وهو محرم بالحج.
والانصاف إن ذيل رواية إسحاق ظاهرة في وجوب الاحرام
للحج إذا دخل في الشهر الذي خرج فيه، وهو غير معارض لما يدل
على عدم وجوب الاحرام للعمرة في شهر الخروج (1)، ولكن العمل
برواية إسحاق والقول باعتبار شهر التمتع أوفق بالقواعد، خلافا
لما اختاره في النهاية والمنتهى والتذكرة ووفاقا لما في المسالك
والقواعد.
(البحث الخامس) من دخل مكة متمتعا وخرج منه حلالا، ثم
دخل بعد مضي شهر الاحرام وقبل مضي شهر الاحلال، فهل يجب
عليه أن يدخل محرما بالعمرة أو يدخلها بغير احرام؟ فيه تردد واشكال.

(1) تقدم البحث حول رواية إسحاق في مسألة الاحرام للحج، وإن لها
محامل: الأول حمل الرواية على التقية، وأورد عليه الأستاذ. والثاني حمل
الحج على حج الافراد. والثالث ما احتمله الأستاذ مد ظله من أن الاحرام
في شهر الخروج إنما كان من جهة أن شهر الخروج كان غير شهر التمتع وأحرم
للعمرة المتمتع بها، واطلاق الحج على العمرة شائع في الروايات. وعلى
هذا لا يكون الذيل معارضا لرواية أبان وحفص، ويجمع بينها وبين رواية
إسحاق بما ذكر في المتن من التخصيص، ولكن لا يبقى مورد لرواية أبان
وحفص على هذا المبنى.
93

ومنشأ الإشكال هنا أنه بعد الجمع بين الروايات والبناء على
الاعتبار بشهر التمتع، كما في رواية إسحاق، يأتي البحث في أن
مبدأ الشهر هو الاحرام والاهلال بالعمرة، أي الشهر الذي أحرم فيه
أو إن المبدأ الاحلال من العمرة والفراغ منها، أو التمتع والالتذاذ
بعد الاحلال لا صرف الفراغ من العمل؟ وجوه، أوجهها الثاني،
فإن صدور الفعل ونسبته إلى المعتمر لا يصح إلا بعد تمام العمل
والفراغ منه، ولا يحتاج إلى شئ آخر بعده، ولا يكفي الشروع
في صحة النسبة. فعلى هذا، يكون المراد من قوله عليه السلام
(إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه) الشهر الذي فرغ من أعمال
العمرة وأتمها، لا الذي أهل بها وشرع فيها، ولا الذي تمتع فيه
وتلذذ بعد الاحلال والفراغ.
ويظهر من بعض الروايات الواردة في أحكام العمرة، إن الملاك
والاعتبار في نسبة عمرة إلى شهر من الشهور هو الشروع فيها والاهلال
بها لا الاحلال منها، لقوله عليه السلام: إذا أحرمت في رجب وإن
كان في يوم واحد منه فقد أدركت عمرة رجب، إن قدمت في
شعبان فإنما عمرة رجب أن تحرم في رجب (1).

(1) الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 14.
أقول: يظهر من رواية أبي أيوب الخزاز أن الملاك والاعتبار في نسبة
العمرة إلى شهر، هو الاحرام فيه والاهلال بها، لا الاحلال منها. عن أبي أيوب
الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إني كنت أخرج ليلة أو
ليلتين يبقيان من رجب فتقول أم فروة: إن عمرتنا شعبانية، فأقول له بنية
إنها فيما أهللت وليس فيما أحللت. الوسائل باب العمرة الحديث 10.
ومثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في
رجل أحرم في شهر وأحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى. الوسائل
ج 10 ص 240 الحديث 5.
ويخالفها رواية عيسى الفراء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أهل
بالعمرة في رجب وأحل في غيره كانت عمرته لرجب، وإذا أهل في غير رجب
وطاف في رجب فعمرته لرجب. الوسائل ج 10 ص 240.
94

والانصاف أن المتيقن من الرواية درك فضيلة عمرة رجب
باعتبار وقوع الاحرام في يوم منه، وأما ترتب جميع الأحكام والآثار
حتى فيما نحن فيه، فمحل تأمل وخفاء. مضافا إلى أنها من روايات
قرب الإسناد، وإن في حسنة عبد الرحمن ما يوجب الترديد فيها.
عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أحرم
في شهر وأحل في آخر. قال: يكتب له في الذي نوى وقال يكتب
له في أفضلهما (1).
وكيف كان الظاهر من رواية إسحاق المتقدمة في اعتبار شهر
التمتع، هو الاحلال من العمرة لا الاهلال بها، لما تقدم في وجه
تأييد هذا الاحتمال، كما هو مقتضى الاستصحاب الجاري في المقام
أيضا، بعد تعارض الأدلة الواردة في المسألة لو قيل به.
توضيح ذلك: إن مقتضى العمومات المستفيضة الدالة على

(1) الوسائل ج 10 الباب الثالث من أبواب العمرة الحديث 5.
95

عدم جواز العبور من الميقات إلا محرما، أن لا يجاوزها أحد إلا
بالاحرام، سواء كان قد خرج من مكة ورجع إليها قبل مضي شهر
من خروجه أو بعده.
ومقتضى الروايات الدالة على أنه إن رجع إلى مكة قبل مضي
الشهر دخل بغير احرام، جواز العبور من الميقات بغير احرام.
وما يدل على أن من أتى بالعمرة المتمتع بها إلى الحج لا
يجوز له ابطال العمرة، وقطعها عن الحج وجعلها مبتولة، فمقتضاه
أيضا العبور من الميقات ودخول مكة بغير احرام، والاحرام للحج
من بطن مكة.
والنسبة بين الطائفتين من الروايات هي العموم من وجه، فإن
قول أبي جعفر عليه السلام في جواب السائل، هل يدخل الرجل
الحرم (لا، إلا أن يكون مريضا أو مبطونا) وكذا قول الصادق
عليه السلام ((إلا مريض أو مبطون) شامل بعمومه للمتمتع الخارج
عن مكة، الراجع إليها بعد مضي شهر التمتع قبل مضي شهر
الخروج.
وكذا قوله عليه السلام في جواب السائل إني أريد أن أفرد
عمرة هذا الشهر (أنت مرتهن بالحج) الظاهر في أنه كان اعتمر بعمرة
التمتع ثم أراد أن يفردها، إما برجوعه إلى بلده وترك الحج أصلا
وإما بالخروج من مكة واتيانه بعمرة أخرى ليتمتع بها إلى الحج
ومنعه عليه السلام عن ذلك بقوله (أنت مرتهن بالحج) شامل
96

بعمومه لما نحن فيه أيضا، فمقتضى عموم وجوب الاحرام من
الميقات على كل من يمر بها أن يدخل مكة محرما، ومقتضى عموم
الطائفة الثانية عدم وجوب الاحرام وجواز الدخول محلا، والاحرام
بالحج من مكة حتى لا تنقطع العمرة الأولى عن الحج، ولا يقع
الفصل بينهما، كما هو مقتضى قوله صلى الله عليه وآله (دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة) ومفاد كل ما يدل على أن المعتمر
بالعمرة المتمتع بها مرتهن به حتى يقضي الحج فيقع التعارض
بين تلك الأدلة فيما إذا خرج من مكة بعد العمرة محلا ورجع قبل
مضي الشهر.
فبناءا على عموم الأدلة الدالة على أنه لا يدخل الحرم أحد إلا
محرما، يجب عليه الاحرام من الميقات ودخول مكة محرما، وبناءا
على ما يستفاد من الطائفة الثانية الدالة على أن العمرة دخلت في
الحج إلى يوم القيامة وإن المعتمر مرتهن بحجه، يجب عليه أن
يدخلها بغير احرام لكي لا يقع الفصل بين العمرة والحج، ولا بد
من رفع التعارض إما بالنصوص الواردة في المقام، وإما بالأصل
الجاري فيه.
يمكن أن يقال: إن حسنة حماد الدالة على أنه إن رجع في
شهره دخل مكة بغير احرام، تخصص ما يدل على عدم جواز العبور
من الميقات ودخول الحرم إلا بالاحرام، إن قلنا إن صدر الحسنة
مجمل من جهة الشهر وفسرناه بمعونة موثقة إسحاق بشهر التمتع
97

الذي هو أيضا مجمل من حيث الاهلال أو الاحلال، المقطوع منهما
هو الأول. فالمتيقن من المستثنى شهر الاحرام، لأنه مقطوع خروجه
عن عموم ما يدل على عدم جواز دخول مكة بغير احرام، وأما من
خرج من مكة ودخلها بعد شهر الاهلال وقبل شهر الاحلال، فيمكن
القول ببقائه تحت ذلك العموم.
وأما النصوص الدالة على عدم جواز الفصل بين العمرة والحج
وأنه مرتهن به حتى يقضيه، فتخصص أيضا بذيل حسنة حماد بقوله
عليه السلام (وإن دخل في غير الشهر دخل محرما) (1). ولكن القدر
المتيقن من المستثنى هنا شهر الاحلال دون الاهلال، فإن من دخل
مكة بعد شهر من احلاله من عمرة التمتع، خارج عن عموم (أنت
مرتهن بالحج) أو (هو مرتبط بالحج وليس لك أن تخرج من مكة
حتى تحج) (2) فيدخل محرما بعمرة التمتع.
وأما من دخلها بعد شهر الاحرام والاهلال وقبل مضي شهر
الاحلال، فهو باق تحت العموم، فلا يجوز له الاحرام بها، لكونه
مرتبطا بحجه بالعمرة الأولى ويبقى غير المتيقن تحت عامين
متعارضين، وهو من خرج من مكة بعد العمرة ورجع إليها ودخلها
بعد شهر الاهلال وقبل شهر الفراغ والاحلال منها. والمرجع فيه

(1) الوسائل ج 8 الباب 22 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 22 من أبواب وجوب الاتيان بعمرة التمتع
وحجه عام واحد الحديث 1.
98

الأصل، وهو استصحاب جواز الدخول في الحرم بغير احرام بل
وجوبه.
وتوضيح ذلك: إنه كان قبل مضي شهر الاحرام مكلفا بدخول
مكة محلا، كما تدل عليه حسنة حماد، فإذا دخلها بعد مضي شهر
الاحرام وقبل مضي شهر الاحلال، يشك في أن تكليفه دخول مكة
محرما أو محلا، لتردد الشهر في الرواية بين شهر الاحرام والاحلال
فيستصحب حكمه الأول، أي قبل مضي شهر الاحرام الذي كان له
أن يدخل مكة من غير احرام، فالآن أيضا كذلك.
نعم من خرج بعد شهر الاحرام من مكة ودخلها قبل شهر الاحلال
لا يجري استصحاب الحكم المذكور لعدم اليقين السابق، إلا
على القول بجواز الاستصحاب التعليقي.
وما ذكرنا من الاستصحاب في مورد تعارض الدليلين جار فيمن
خرج من مكة ورجع بهد شهر التمتع وقبل مضي الشهر الذي خرج
فيه، إن قلنا بتعارض الدليلين وعدم تقدم أحدهما على الآخر. فعلى
هذا من خرج من مكة بعد اتمام أعمال العمرة، وأراد الرجوع
إليها بعد مضي شهر التمتع وقبل شهر الخروج، فبناءا على اعتبار
شهر التمتع يجب عليه الاحرام لدخول مكة، وبناءا على اعتبار
شهر الخروج يدخلها بدون احرام، وحيث إنه لا دليل على ترجيح
أحد الاحتمالين يتعارضان فيتساقطان، ويكون المرجع هو الاستصحاب
على ما تقدم تفصيله.
99

هذا ما تقتضيه القواعد الفقهية من جهة وجوب الاحرام وعدمه
تكليفا، للعبور من الميقات ودخول مكة بعد الخروج منها، وأما
احتمال دخل عدم الخروج منها في المكلف به، واعتباره فيه
ولو بهذا المقدار فلا بد في نفيه من التمسك بالبراءة، ولا مجال
للاستصحاب فيه (1).
(المسألة السادسة) من دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع وخرج
منها بعد أعمال العمرة لحاجة محلا عمدا لا جهلا ولا نسيانا، فهل
الحكم فيه نظير المسألة السابقة، من التفصيل بين من دخل قبل
الشهر فيدخل محلا، ومن دخل بعد مضي الشهر فيدخل محرما. أو
الحكم هنا مغاير لحكمها وأنه لا بد من التمسك فيها بغير الأخبار المتقدمة؟
وجهان. الظاهر الأول، فإن قول الراوي إسحاق بن عمار سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم تبدو له
الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن،
باطلاقه شامل للعامد والجاهل، فلا يختص الحكم بالثاني دون
الأول، إذ لا فرق في الأخذ بالاطلاق بين السؤال والجواب، إذ

(1) واحتمال دخل عدم الخروج من مكة في المكلف به، أما من جهة
أن الخروج منها بعد أعمال العمرة مانع عن انطباق عنوان المأمور به على
المأتى به، أو إن المكث بمكة بعد العمرة من شرائط المكلف به، كما يظهر
من التعبير بأنه مرتهن بحجه. وعلى كل حال المعتبر في المقام الأحاديث الواردة
في المسألة. راجع وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 22 من أقسام الحج.
100

اطلاق الأول مثل الثاني.
ولو فرضنا أن السؤال إنما وقع في مورد خاص شخصي لم
يعلم الوجه فيه، لأمكن القول بالاطلاق أيضا بترك الاستفصال من
الإمام عليه السلام وعدم سؤاله عن خصوصية السؤال. ويعلم من
المسألة حكم من خرج من مكة عامدا بلا حاجة وضرورة، إذ
الخصوصية بين المتعمدين مفقودة أيضا.
(المسألة السابعة) من أحرم في محل لا يجوز الاحرام منه فهو
كالعدم لا تترتب عليه الأحكام أصلا، ولو تعمد ذلك كان تشريعا
محرما.
(المسألة الثامنة): قد تقدم أن العمرة الثانية التي أحرم بها حين
الرجوع إلى مكة بعد مضي الشهر، هي العمرة المتمتع بها إلى
الحج دون الأولى المبتولة فعلى هذا يترتب عليها جميع الأحكام
المترتبة على تلك العمرة فهي المحتبس بها إلى الحج والمرتبطة
به ولا يجوز له الخروج من مكة حتى يقضي الحج وغير ذلك من
الأحكام إلا أن يدل دليل على خلافه.
وهل يشترط في العمرة الثانية الاحرام بها من ميقات أهله أو أحد
المواقيت، أو يجوز له الاحرام بها من خارج الحرم؟ وجوه
وأقوال. الأقوى هو الأول، لأنه المتبادر من الأخبار وقد يقال إن الأقوى
هو الثاني نظرا إلى اتحاد الحكم بينه وبين ما جاور مكة من شهر
101

رمضان أو قبله، فقد ورد فيه جواز الاحرام بالعمرة من جعرانة
وإن كان القول الأول مقتضى الاحتياط.
هذا إذا لم يمر بأحد المواقيت وإلا فلا يجوز له ترك الاحرام
والعبور منه بدون احرام لعدم استفادة ذلك من أخبار المجاورة.
وأما الأحكام الأخر فيترتب جميعها عليها كما أشير إليها
فلا يجوز له الخروج من مكة بعد دخولها اختيار، بل هو مرتهن
بالحج إلى أن يقضيه. وأما الخروج لحاجة فقد تقدم، فإن ضاق
الوقت عن اتمامها (أي العمرة الثانية) يجب العدول منها إلى
الافراد، فإنها العمرة التي يتمتع بها إلى الحج، فمتى كان العدول
من التمتع إلى الافراد جائزا عند ضيق الوقت كما تدل عليه الأخبار
الآتية، فيجوز في المقام أيضا إذ لم يثبت من الشرع حكم خاص
لتلك العمرة، غير ما ثبت لكل عمرة يتمتع بها إلى الحج.
ثم إنه هل يجب طواف النساء للعمرة الأولى بعد ما صارت
مبتولة أم لا؟ الظاهر أن طواف النساء إنما يجب في كل عمرة
مفردة أتى بها من الأول بقصد العمرة المفردة وعليها تحمل الأخبار
الدالة على وجوب طواف النساء في كل عمرة، وأما العمرة التي
أتى بها بقصد التمتع وأحل منها وحلت له النساء فلا دليل على
حرمتها عليه ثانيا ووجوب الطواف عليه لأجلها، ولكن الاحتياط
حسن.
(المسألة التاسعة) لو خرج المعتمر بعمرة التمتع بعد اتمامها من
102

مكة محلا ودخلها بعد مضي الشهر محلا عصيانا أو جهلا أو نسيانا
فهل له أن يأتي بحج التمتع مع العمرة الأولى، أو يجب عليه
الرجوع إلى الميقات والاحرام منها بقصد العمرة ثم الاتيان بالحج
حتى يرتبط حجه بعمرته الثانية؟ فيه وجهان.
والمنشأ أن العمرة الأولى هل تصير مبتولة بالخروج من مكة
ومضي الشهر، أو لا يتبتل إلا باتيان العمرة الثانية، فيجب عليه
تكليفا أن يأتي بعمرة ثانية بعد مضي الشهر، حتى تتبتل العمرة
الأولى وتصير الثانية هي المتمتع بها إلى الحج. فحينئذ لو عصى
ولم يأت بعمرة ثانية، وأتى بالحج مرتبطا بالعمرة الأولى يصح
حجه ويكون متمتعا وإن عصى تكليفا بعدم الاتيان بالعمرة الثانية؟
الظاهر من الوجهين هو الثاني، ولا يبعد كونه أوفق للقواعد
أيضا، فإن المستفاد من حسنة حماد حيث قال عليه السلام (إن
الأخيرة هي العمرة) إن انقطاع الأولى عن الحج إنما يتحقق
باتيان العمرة الثانية، لا بمجرد الخروج من مكة وإطالته حتى
يمضي عليه الشهر، ولو شك في ذلك فيدفع بالبراءة عن وجوب
العمرة الثانية بعد الرجوع إلى مكة محلا عصيانا.
اللهم إلا أن يقال: إن وجوب الاحرام والآتيان بالعمرة بعد
الشهر إذا رجع إلى مكة كان معلوما لا شبهة فيه من جهة التكليف
وإنما الشك في اشتراط الحج المأمور به بذلك، فلا تجري البراءة
في نفي الشرطية، إذ العلم بأصل الوجوب كاف في تنجز الحكم
103

واستحقاق العقوبة على فرض الشرطية، فيجب الاحتياط بمقتضى
الاشتغال اليقيني.
هذا بالنسبة إلى العامد، وأما الجاهل والناسي إذا رجعا غير
محرمين فلا يبعد دخولهما تحت العمومات الدالة على وجوب
الرجوع إلى الميقات جهلا أو نسيانا، أو إلى ما يمكن على من مر
بالميقات بغير احرام جهلا أو نسيانا، فيجب عليهما أيضا الرجوع
إلى الميقات إذا أمكن، وإلا فيحرمان من مكانهما.
لا يقال: إن الأخبار الدالة على وجوب الرجوع إلى الميقات
كما تشمل الجاهل والناسي شاملة للعامد أيضا، إذ من المسلم إن
من مر بالميقات عالما من دون احرام يجب عليه الرجوع إلى
الميقات، وإلا فيبطل حجه كما هو ثابت في محله، وما نحن فيه
يشمله أيضا حكم العامد ويجب عليه الرجوع إلى ميقات أهله كما
قويناه، إذا رجع إلى مكة بعد شهر بغير احرام عالما عامدا وإن
لم يمكنه يبطل حجه.
فإنه يقال: إن الأصحاب قدس سرهم من فقهائنا المتقدمين قد أفتوا
في تلك المسألة ببطلان حج من ترك الاحرام في موضعه عمدا
ووجوب الرجوع إلى الميقات بمقتضى القاعدة الأولية، وليس
في أيدينا ما يدل على خلافها. وما نحن فيه ليس كذلك، فإنه
إنما أحرم من الميقات وأتى بعمرة صحيحة ليتمتع بها إلى الحج
ولكنه بعد ما خرج من مكة ورجع بعد شهر يشك في اشتراط
104

المأمور به بعدم الفصل بهذا المقدار، والأصل عدم اعتباره.
اللهم إلا أن يقال: إنه بعد العلم بوجوب الاحرام عليه تكليفا إذا
رجع بعد مضي شهر، لا مورد لاجراء الأصل. نعم لو احتمل
وقيل أن الأمر بالاحرام بعد مضي شهر إنما هو في مورد توهم
الحظر لاحتمال عدم جواز الاحرام بعد العمرة التي أتى بها، فلا
مانع من اجراء الأصل والحكم بالبراءة حينئذ.
عدم جواز العدول من التمتع إلى غيره.
الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من كانت فريضته التمتع
لا يجوز له العدول إلى غيره من الافراد والقران، اختيارا، كما في
الذخيرة، وعن المعتبر وفي جملة من مؤلفات العلامة اجماعا منا.
ويدل عليه كل ما يدل على أن فرض النائي التمتع، فلو فرض
عليه التمتع وعدل إلى غيره يكون تاركا للمأمور به عمدا فلا يجزيه
فعدم الدليل على جواز العدول اختيارا كاف في عدم الجواز.
وأما في حال الاضطرار والضرورة فيجوز العدول بلا خلاف
ولا اشكال في الجملة، وإنما المهم بيان الموارد التي يجوز فيها
العدول:
(منها) ضيق الوقت عن الاتيان بأعمال العمرة التي يتمتع بها
إلى الحج، فمن أحرم بالعمرة زاعما التمكن من اتمامها، ولكن
لم يتمكن من الاتمام ودرك الحج بعده، يجوز له العدول إلى حج
105

الافراد، فيأتي بالحج ثم يأتي بالعمرة بعده. بلا خلاف فيه، كما
ادعاه في الجواهر وقال: بل لعل الاجماع عليه، وتدل عليه أيضا
أخبار كثيرة مستفيضة:
منها صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: اضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعا وإلا كنت
حاجا (1).
ومنها صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى
عليه السلام عن الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان
مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة وحد المتعة
إلى يوم التروية (2).
ومنها رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
قدمت يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما
أنت بحجك (3).
ومنها صحيحة الحلبي أو حسنته، قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة والناس
بعرفات، فخشي أن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته
الموقف. فقال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع

(1) وسائل الشيعة الجزء 8 الباب 1 من أقسام الحج الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
(3) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 12.
106

كما صنعت عائشة ولا هدي عليه (1).
ورواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون
في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة؟ فقال:
يقطع التلبية تلبية المتعة ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، ويمضي
إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة
حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شئ عليه (2).
ومنها رواية موسى بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة. قال: لا متعة له، يجعلها حجة
مفردة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويخرج إلى منى
ولا هدي عليه، إنما الهدي على المتمتع (3).
وظاهر قوله (ويخرج إلى منى) هو الخروج إلى منى بعد
طواف الزيارة والسعي ليتم سائر الأعمال بمنى، ولكن الفيض قدس
سره ذكره له في الوافي معنيين آخرين فراجع.
وبالجملة المستفاد من تلك الأخبار المستفيضة المعتبرة المشتملة
على الصحاح والحسان تشريع العدول من التمتع إلى الافراد لمن
لم يتمكن لضيق الوقت من اتمام العمرة ثم الاتيان بالحج.
ولا معارض لتلك الأخبار إلا رواية محمد بن سهل عن زكريا

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
(3) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
107

ابن عمران المروية في الاستبصار، أو زكريا بن آدم كما في غيره
باسناده عن موسى بن القاسم عن محمد بن سهل عن زكريا بن
آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم
عرفة؟ قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة (1).
لكنها غير صالحة للمعارضة، فإن محمد بن سهل الواقع في
السند مجهول الحال في كتب الرجال، وإن استظهر بعض كونه
إماميا أو موثقا، لكنه يحتاج إلى حدس قوي. وأما زكريا بن عمران
المذكور في الاستبصار فهو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال،
وإنما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، ولذا قيل إن ثبوت نقل
محمد بن سهل عن زكريا بن آدم وعدم معهودية روايته عن
زكريا بن عمران، موجب لاحتمال أن يكون نقل الاستبصار اشتباها
في النسخة، وإن كان ذلك أيضا يحتاج إلى حدس قوي.
ومع ذلك الرواية قد أعرض عنها الأصحاب، إذ لم نجد من
أفتى بمضمونها أو تعرض لحملها أوردها، مع كونها بمرأى منهم
ومسمع، فعلى هذا لا تعارض الروايات المتقدمة.
ويمكن حملها على من دخل مكة يوم عرفة ولم يتمكن من
ادراك الحج أصلا، فتحلل بالعمرة المفردة، إذ لا فرق بين المحرم
بالحج إذا فاته والمحرم بعمرة التمتع إذا فاته الحج.
ويمكن أن يكون المراد من جعل العمرة مفردة تأخيرها عن

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
108

الحج، بمعنى أنه يجب عليه أن يؤخر العمرة ويأتي بها مفردة بعد
الحج، فيوافق حينئذ اخبار العدول، وذلك غير بعيد عن الرواية.
هذا بالنسبة إلى أصل العدول من التمتع إلى الافراد لمن لا
يتمكن من درك الحج بعد العمرة المتمتع بها إلى الحج، لضيق
الوقت وفواته الذي تدل عليه الأخبار المتقدمة المشتملة على المستفيضة
والموثقة والحسنة، ولا يعارضها ما يرى من الاختلاف في تحديد
فوات وقت المتعة ومضيه، من التحديد بزوال يوم التروية أو قبله
أو قبل زوال يوم عرفة كما يظهر وجهة بالتأمل، ولكن في المقام
مسائل لا بد من التعرض لها والإشارة إلى ما فيها:
(المسألة الأولى) قد تبين مما أسلفناه وحققناه، إن من وجب
عليه التمتع فرضا أو نذرا ونحوهما، يتعين عليه أن يأتي بالتمتع
ما لم يتضيق وقته وتمكن من الاتيان بمناسك العمرة والحج جميعا
الواجبة اختيارا أي الواجبة عليه في حال الاختيار لا في حال
الاضطرار.
فعلى هذا لو قام دليل تام بلا معارض على انقضاء الوقت وعدم
صلاحيته لاتيان العمرة المتمتع بها إلى الحج في زمان مخصوص
مع سعة الوقت، مثل يوم التروية أو ليلة عرفة، فيجب العدول
إلى الافراد في ذلك الزمان وإن كان غير مضيق في الواقع، عملا
بمقتضى الأخبار الظاهرة في وجوب العدول حين ذاك، وكذا لو
دل دليل معتبر على جوازه في وقت مخصوص نلتزم به.
109

وأما لو كان الدليل قاصرا عن اثبات ذلك أو ساقطا عن الحجية
بمعارضته لما هو أقوى منه، فالقاعدة تقتضي الاتيان بالعمرة المتمتع
بها ثم الاحرام للحج والآتيان بمناسكه ما لم يتضيق الوقت وتمكن
من الاتيان بالحج ولا يجوز له العدول إلى الافراد قطعا.
وأما إذا لم يتمكن من درك أفعال الحج الاختيارية ولكن تمكن
من درك الأفعال والمناسك الاضطرارية، فإن قلنا إن الظاهر من أدلة
العدول جواز العدول أو وجوبه إذا ضاق الوقت الاختياري من
الوقوفين، فيجوز العدول أو يجب إذا خاف فوت الاختياري من
الوقوفين، سواء تمكن من الاضطراري منهما أم لا. وأما إذا منعنا
ظهور أدلة العدول فيما ذكر وقلنا إن موردها خوف فوت الوقوفين
حتى الاضطراري منهما فلا يجوز العدول إلا إذا لم يتمكن من درك
الوقوفين حتى الاضطراري، وكذا الحال لو سلمنا ظهور أدلة
العدول فيما تقدم، من دلالتها على خوف فوت الوقوفين الاختياريين
ولكن منعنا حجية ذلك الظهور بمعارضته بما هو أقوى منه.
هذا إذا قلنا إن الدليل الدال على اجزاء الاضطراري من الوقوفين
يشمل ما لو ترك الاختياري لولا تمام العمرة، وإلا فلا مناص من
العدول إلى الافراد إذا خاف فوت الاختياري من الوقوفين فقط،
لولا تمام عمرته. والانصاف أن المستفاد من الأدلة والأخبار الواردة
في المقام أن الوقوف بعرفة ما بين الزوال إلى غروب الشمس مما
يشترط في صحة حج التمتع، وإذا خاف المتمتع عدم درك هذا
110

المقدار من الوقوف يجب عليه العدول إلى الافراد.
(الثانية) من أحرم بالعمرة المتمتع بها إلى الحج تطوعا،
يجب عليه اتمام العمرة بلا اشكال، ما لم يمنع عنه مانع ويصد عنه
صاد، أو يتضيق الوقت عن الاتيان بالحج بعد اتمام العمرة أو لم
يفت وقتها بناءا على التوقيت، ويأتي حكم كل ذلك انشاء الله.
(الثالثة) من أتم العمرة المندوبة المتمتع بها وأحل منها،
فهل يجب عليه الحج بعد ذلك؟ قال في القواعد: فيه اشكال.
ومنشأه كما في التوضيح وكشف اللثام وجامع المقاصد إن
العمرة والحج هل هما عملان مستقلان لا يرتبط أحدهما بالآخر،
فالأصل حينئذ البراءة من وجوب الاتيان بالثاني بعد الفراغ عن
الأول، أو هما عمل واحد بحيث يعدان واحدا من المناسك كما
شبك رسول الله صلى الله عليه وآله أصابعه وقال (دخلت العمرة في الحج إلى
يوم القيامة) فيجب الاتيان بالثاني بعد الفراغ من الأول، لقوله
تعالى (وأتموا الحج والعمرة فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) (1).
الظاهر من الاتمام في الآية وجوب الاتيان بجميع الأجزاء
والشرائط المعتبرة في العمرة والحج، بقرينة الذيل، فمن شرع
فيه يجب عليه الاتمام إلا إذا أحصر فيكفيه الهدي. ولا ينافي ذلك
ما ورد من أن معنى الاتمام في الحج أداؤه تاما، باتقاء ما يحرم
والاجتناب من الرفث والفسوق والجدال، مما يجب على المحرم

(1) سورة البقرة الآية 196.
111

تركه ورفضه، فإن كل ذلك يؤيد ما استظهرناه من معنى الاتمام،
وحمله على وجوب الاتيان بجميع ما يعتبر في الحج والعمرة، حتى
الشرائط المعتبرة في كمالهما.
لكن الانصاف أن الآية ظاهرة في وجوب اتمام كل من العمرة
والحج بعد الشروع فيهما وعدم البقاء في الاحرام، فما في كشف
اللثام، من أن من بقي على احرامه إلى أن يموت لا يعد عاصيا،
استنادا إلى الأصل وعدم الدليل على وجوب الاتمام، إلا الآية
الكريمة التي لا تدل صريحا عليه.
غير تام، لما تقدم من ظهور
دلالة الآية على وجوب الاتمام بعد الشروع، وتماميته في المقام.
نعم اثبات أن العمرة والحج عمل واحد بحيث يجب الاتيان
بهما إذا شرع بالعمرة، مشكل جدا، فإن الآية الشريفة ليست بصدد
بيان ذلك بل في مقام وجوب اتمام كل واحد من الحج والعمرة
على من شرع فيه، وكذا قوله صلى الله عليه وآله (دخلت العمرة
في الحج) يكفي في صدق الدخول تشريعا وجوب اتيان حجة
الاسلام بعد الاتيان بالعمرة في أشهر الحج متصلا بها، ولا يلزم من
هذا كونهما عملا واحدا حتى يجب اتمامهما بالشروع في أحدهما.
هذا، ولكن النصوص الدالة على أن المعتمر مرتبط بالحج
حتى يقضيه، وكذا الأخبار الناهية عن الخروج عن مكة بعد العمرة
المتمتع بها، كلها ظاهرة في أن الاتيان بالحج لازم بعد العمرة
المتمتع بها، ولا يجوز الاقتصار عليها مندوبة كانت أو واجبة، فالأقوى
112

وجوب الاتيان بالحج بعد العمرة المتمتع بها وإن كانت مندوبة،
كما حكي عن المبسوط والنهاية والمهذب والوسيلة والمختلف
والايضاح.
(الثالثة) من دخل مكة متمتعا بالحج الواجب، فإن علم أنه
يتمكن من اتيان جميع أفعال العمرة ثم اللحوق بالناس والآتيان
بمناسك الحج، يجب عليه اتمام التمتع ولا يجوز له العدول إلى
الافراد كما عن الشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب، وحكي
عن الإسكافي والقاضي في المهذب وابن حمزة في الوسيلة، واختاره
في المدارك والذخيرة.
ويدل عليه قوية أبي بصير المروية في الفقيه قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف
بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال عليه السلام: إن كانت تعلم
أنها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من احرامها وتلحق الناس بمنى
فلتفعل.
والرواية من جهة السند لا اشكال فيها، فإن أبا بصير وإن كان
مرددا بين ليث بن البختري و عبد الله بن محمد الأسدي إلا أن
كليهما ثقتان، وطريق الصدوق إلى أبي بصير أيضا قوي (1).
وأما الدلالة فهي أيضا تامة، لأن اللحوق بالناس في منى عبارة
عن التمكن عن درك أفعال الحج وقضاء مناسكه تاما، وإلا فالذهاب

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.
113

إلى منى قبل عرفات ليس من المناسك، بل الذهاب إليه ثم الإفاضة
منه إلى عرفات مستحب، ولو ترك الذهاب إلى منى وخرج إلى
عرفات مستقيما ليس عليه شئ ولا ينقص حجه، فلو تمكن من اتمام
العمرة ثم من درك أعمال الحج يجب عليه ذلك، كما هو مفاد قوله
عليه السلام (فلتفعل)، لظهور الأمر في الوجوب.
واحتمال اختصاص الحكم بالمرأة عند طمثها فقط، يدفعه ما
في صحيحة الحلبي الآتية، من قوله عليه السلام (يدع العمرة
فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه) الظاهر في أن
حكم الرجل والمرأة في ذلك واحد.
وليس في الأخبار ما يعارض ما تقدم ويناقضه، فإن ما يدل على
وجوب العدول إلى الافراد حتى في التمتع الواجب، محمول على
من خاف عدم درك الحج، مثل حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة والناس
بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته
الموقف. قال: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة
ولا هدي عليه (1).
وصحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع يطوف
بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى (2).

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 8.
114

ومرسلة ابن بكير أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة متى
تكون؟ قال: يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى (1).
ورواية جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع له
المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس
من يوم النحر (2).
ومكاتبة محمد بن مسرور قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث
عليه السلام، ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى في
غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته قائمة أو قد
ذهبت منه، إلى أي وقت عمرته إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج
فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقع عليه
السلام: ساعة يدخل مكة انشاء الله يطوف ويصلي ركعتين ويسعى
ويقصر ويحرم بحجه ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الإمام (3).
والظاهر من الإفاضة مع الإمام الإفاضة من عرفات إلى المشعر
إذا المفروض أنه قدم مكة بعد ما خرج الناس من منى إلى عرفات
فلا يمكن إرادة الإفاضة من منى إلى عرفات. ويظهر من هذا ويعلم
أنه يجب اتمام المتعة، إذا تمكن من درك الإمام بعرفات قبل الإفاضة
منها، الذي هو الركن من الوقوف بها.

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
(3) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.
115

وظهور انشاء الحكم بالجملة الخبرية في الوجوب ليس بأخفى
من ظهور صيغة الأمر فيه، لما قيل في الأصول أن الآمر إذا رأى
المأمور به جزما ولا يرضى بتركه يفرضه محققا في الخارج ويخبر
عنه بالوقوع.
ومنه يظهر عدم جواز العدول من التمتع إلى الافراد لدرك
الوقوف بعرفات من أول الزوال، إذ يكفي في وجوب الاتمام درك
الوقوف بعرفة قبل الغروب ولو بقليل.
ثم إن المتمتع بالحج الواجب المتمكن من اتمام العمرة
واتيان الحج داخل في تلك الأخبار قطعا، فإن احتمال وجوب
الاتمام على المتمتع ندبا وحمل الأخبار عليه دون المتمتع واجبا،
مشكل جدا، بل مقطوع عدمه، فإن المتطوع إذا وجب عليه اتمام
حجه وأن لا يجوز له العدول من التمتع إلى الافراد، إذا تمكن
من درك الوقوف، ففي الواجب يكون كذلك بالأولوية.
فتحصل من جميع ما ذكر أن المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا
تمكن من اتمام عمرته ودرك الوقوف بعرفات يجب عليه الاتمام ثم
الاحرام بالحج إذا علم ذلك،
وما ورد في بعض النصوص من
انقضاء مدة المتعة يوم التروية أو يوم عرفة محمول على غير العالم
به، مثل صحيحة ابن بزيع قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة
متمتعة فتحيض قبل أن تحل متى تذهب متعتها؟ قال عليه السلام:
116

كان جعفر (ع) يقول: زوال الشمس من يوم التروية، وكان موسى
عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت: جعلت
فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون
بالحج. فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح
فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت: فهي على
احرامها أو تجدد احرامها للحج؟ فقال: لا هي على احرامها. قلت:
فعليها هدي. قال: لا، إلا أن تحب أن تطوع. ثم قال: أما نحن
فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة (1).
هذه الرواية محمولة على من حاضت قبل أن تحل ولم تكن
عالمة بأنها متى تطهر، فقال عليه السلام (إن متعتها قد ذهبت بزوال
الشمس يوم التروية) ولا يجب عليها الصبر والانتظار إلى غداة
عرفة بل ينتقل متعتها إلى الافراد عند الزوال وتذهب إلى عرفات.
ولا تنافي بينها وبين ما ورد في رواية أبي بصير من أنها إن كانت تعلم
أنها تطهر وتطوف فلتفعل.
والمراد من ذهاب المتعة رفع الحكم بوجوب اتمامها وجواز
تبديل التمتع بالافراد أو وجوبه، إذا كان الحج في معرض الفوت
يقينا لو لم تفعل ذلك على ما سيأتي.
ويشهد لما حملنا عليه الرواية ما في ذيلها من قوله عليه السلام
(أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتا المتعة)

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
117

إذا الظاهر أن أهل المدينة إذا رأوا هلال ذي الحجة فاتتهم المتعة
على ما هو المتعارف، لاحتمال عدم الوصول إلى مكة وعدم التمكن
من اتمام العمرة ثم الاتيان بالحج، لموانع يحتمل في السير وفي
العمل أحيانا، وإن كان الوصول والتمكن من الحج ممكنا بحسب
الواقع، ولكن أهل المدينة كانوا إذا أرادوا التمتع يحرمون قبل
هلال ذي الحجة بيوم أو يومين، وأما بعد الهلال ما كانوا يريدون
التمتع بل يرونه في معرض الفوت على ما هو المتعارف بينهم حين
ذاك.
ويعلم من هذا أن قول جعفر عليه السلام بفوات المتعة إذا
زالت الشمس، وقول موسى عليه السلام بفواتها صلاة الصبح يوم
التروية، إنما كان كل منهما مبنيا على الاحتياط، وأنها تقع معرضا
للفوت.
وعلى هذا يحمل أيضا أكثر ما ورد في تحديد فوات المتعة
بيوم التروية أو ليلة عرفة أو غداة عرفة، مثل صحيحة عبد الرحمن
ابن الحجاج قال: أرسلت إلى أبي عبد الله عليه السلام أن بعض
من معنا من صرورة النساء قد اعتللن، فكيف تصنع؟ قال عليه
السلام: تنتظر ما بينها وبين التروية، فإن طهرت فلتهل، وإلا فلا
يدخلن عليها التروية إلا وهي محرمة (1).
وهذه الرواية تدل على أنها إن طهرت قبل التروية أحلت من

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.
118

العمرة ثم تهلل بالحج بعد الاحلال منها، وإن لم تطهر بقيت على
احرامها إلى يوم التروية لتحج مع الناس، وعلى هذا فهي إما
منصرفة عمن تعلم أنها تطهر قبل التروية وتتمكن من أداء الوظيفة
المقررة لها من العمرة والحج، وإما محمولة على غير العالمة به.
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال:
سألته عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى
تخرج إلى عرفات. قال: تصير حجة مفردة. قلت: عليها شئ؟
قال: دم تهريقه وهي أضحيتها (1).
ومورد الموثقة أيضا غير مورد رواية أبي بصير المصرحة فيها
بأنها إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف البيت فلتفعل.
وصحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما
هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم
فتحرم فتجعلها عمرة (2).
وظاهر الصحيحة أيضا المرأة التي لم تكن عالما بأنها تطهر
وتتمكن من اتمام العمرة ودرك الحج بعده.
تلك الطائفة من النصوص الواردة في توقيت متعة الحائض
بأوقات مختلفة، كلها محمولة على مورد يكون حجها معرضا للفوت

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 13.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 2.
119

بإدامة طمثها، وأنها لا تعلم متى تطهر، وأما إذا علمت بطهرها
وتمكنها من اتمام العمرة قبل الوقوف بعرفات ثم الاحرام بالحج
ودرك عرفات، فوظيفتها وفرضها التمتع كما صرح به في رواية
أبي بصير المتقدمة.
هذا كله في تحديد متعة المرأة، وأما الرجل ففي توقيت متعته
روايات لا بد من نقلها والتأمل فيها وبيان مفادها ومحاملها، منها:
رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام
عن الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج، يدخلان مكة يوم
عرفة كيف يصنعان؟ قال عليه السلام: يجعلانها حجة مفردة، وحد
المتعة إلى يوم التروية (1).
لا يبعد حمل هذه الرواية على من يخاف فوت حجه إن أتم
أعمال العمرة ثم خرج إلى عرفات، ولهذا أمره عليه السلام بالعدول
إلى الافراد، إذا الغالب إن من ورد مكة يوم عرفة لا يتمكن كثيرا ما
من اتمام أعمال العمرة ودرك الحج، سيما إذا ورد بعد الزوال،
مع حاجة السير إلى عرفات إلى ساعات عديدة، الملازمة لخوف
فوت الحج لكثير من الناس في ذلك العصر.
وأما الفقرة الأخيرة في الرواية من قوله عليه السلام (وحد
المتعة إلى يوم التروية) محمولة على غروب يوم التروية، بناءا
على دخول الغاية في الحد، لما تعارف بين الناس من الحركة قبل

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 11.
120

الغروب إلى منى ليفيضوا منه إلى عرفات. وعلى هذا المقصود من
التحديد إما عدم جواز التأخير عمدا عن الغروب لكونه خلاف
الاحتياط في الحركة مع الرفقة ويمكن أن ينجر إلى عدم الوصول
إلى عرفات في الوقت المقرر، وإما تحديد لوجوب اتمام العمرة
بمعنى أنه يجب اتمام العمرة والآتيان بوظيفة المتمتع إلى غروب
يوم التروية، وأما ليلة عرفة فيجوز لمن دخل مكة فيها العدول من
التمتع إلى الافراد.
وحينئذ يدور الأمر في جوار العدول من التمتع إلى الافراد بين
القول بالجواز ليلة عرفة مطلقا سواء كان واجبا أو مندوبا، وبين حمل
الرواية الدالة على جواز العدول على خصوص المندوب من التمتع
فعلى الأول تكون الرواية مخصصة للآية والنصوص الدالة على أن
النائي فرضه التمتع (1)، فيكون المستفاد من المجموع أن النائي
فرضه التمتع إلا من لم يتم عمرته إلى غروب يوم التروية، فله أن
يعدل إلى الافراد، وإن كان متمكنا من التمتع في نفس الأمر والواقع
ولا يجب عليه اتمام التمتع واجبا كان أو مندوبا.
وعلى الثاني يخصص بها عموم الأدلة الدالة على وجوب اتمام
العمرة المتمتع بها إلى الحج والحج بعدها، ويبقى العموم الدال
على أن فرض النائي التمتع بحاله، ولا يلزم تخصيص فضلا عن

(1) أضاف الأستاذ مد ظله في الحاشية ما هذا لفظه: وموجبا لتخصيص
الأكثر للأدلة الدالة على وجوب تتميم ما شرع فيه من التمتع - انتهى.
121

تخصيص الأكثر. نعم يخرج التمتع المندوب عن عموم وجوب
الاتمام، وإذا دار الأمر بين الاحتمالين فالمتعين هو الثاني، لأنه
المتيقن من التخصيص، إذا لأصل عدم التخصيص في الآية والروايات
الكثيرة الدالة على وجوب التمتع على النائي وعدم التخصيص
الزائد في أدلة وجوب اتمام التمتع.
وبتعبير أوفى إن الأدلة الدالة على جواز العدول في مقام بيان
عدم وجوب اتمام المتعة بما هي متعة، ولا تعرض فيها لتكليف
النائي حتى يؤخذ باطلاقها، ويخصص بها الآية والرواية التي تدل
على أن فرض النائي التمتع. فعلى هذا يبقى قوله تعالى (ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (1) سليما عن التخصيص
وسالما عن المعارض.
وتوضيح المقام: إن المستفاد من الآية الكريمة (ذلك لمن
لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) أن الواجب على النائي
التمتع وأنه فرضه، يجب عليه الاتيان به، ولازم ذلك عدم جواز
العدول منه إلى غيره مع التمكن من اتمامه، وعدمه تبدل فرضه
إلى غيره إلا بدليل شرعي تعبدي.
وكذا المستفاد من قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة) (2)
بمعونة الأخبار الدالة على أن العمرة في الحج إلى يوم القيامة

(1) سورة البقرة الآية 196.
(2) سورة البقرة الآية 196.
122

أن من أحرم بعمرة التمتع يجب عليه اتمامها والآتيان بالحج بعدها
ولا يجوز له العدول إلى غيره، سواء كان التمتع واجبا أو مندوبا.
وفي قبال هذين الحكمين الأخبار الدالة على جواز العدول،
ولكن ما يستفاد منها بادئ النظر هو تحديد وجوب اتمام العمرة
وحرمة العدول إلى الافراد إلى غروب يوم التروية، لا تبدل الفرض
من التمتع إلى الافراد وفوات وقته.
ويشهد لما ذكرنا رواية أبي بصير المتقدمة، الدالة على أن
المرأة إذا طهرت ليلة عرفة وتمكنت من اتيان التمتع فلتفعل (1)
وغيرها من الروايات التي تدل على عدم فوت وقت التمتع يوم
عرفة أو إلى زوال الشمس من يوم عرفة كما في مكاتبة محمد بن
مسرور المتقدمة (2).
وأما ما يترائى منه من انقضاء وقت التمتع يوم التروية كصحيحة
عمر بن يزيد وموسى بن عبد الله وإسحاق بن عبد الله وزكريا بن
عمران (أو آدم) فكلها مأولة بما يأتي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس
فليس لك متعة، امض كما أنت بحجك (3).
عن موسى بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 3.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
(3) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 12.
123

المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال عليه السلام: لا متعة له يجعلها
حجة مفردة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويخرج إلى
منى ولا هدي عليه، وإنما الهدي على المتمتع (1).
والمراد من خروجه إلى منى الخروج إليه للبيتوتة، ومن
الطواف طواف الحج بعد الوقوفين والرجوع إلى مكة، وكذا
السعي.
ورواية إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال:
المتمتع إذا قدم مكة ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة،
إنما المتعة إلى يوم التروية (2).
ورواية زكريا بن آدم (أو عمران على اختلاف نسختي التهذيب
والاستبصار) قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا
دخل يوم عرفة. قال: لا متعة له يجعلها عمرة مفردة (3).
وكل تلك الروايات إما محمولة على من لا يطمئن من اتمام
العمرة ثم الاتيان بالحج من جهة الضعف أو الخوف، وإما تحمل
على عدم وجوب اتمام العمرة بعد الشروع وجواز العدول إلى
الافراد. فحينئذ تحمل على المندوب من التمتع لا الواجب منه،
وقد تقدم الكلام في رواية زكريا بن آدم ورواية موسى بن عبد الله

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 10.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 9.
(3) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحديث 8.
124

ولا نعيده.
(الرابعة) لو علم المحرم بالعمرة الواجبة المتمتع بها إلى الحج
بأنه لو أتى بأفعال العمرة يفوته الحج، حتى الوقوف الاضطراري
منه، سواء كان لضيق الوقت أو لعذر آخر، كالطمث والنفاس وعدم
الرفيق في الطريق والخوف وحده، يجب عليه العدول إلى الافراد
والذهاب إلى عرفات واتمام مناسك الحج ثم الاتيان بعمرة مفردة
بعده، ووقت العدول من زوال يوم التروية إلى ما يتمكن من درك
الوقوف الاختياري. وهذا ما لا كلام فيه، وتقدم ما دلت عليه من
النصوص.
وإنما الكلام فيما إذا علم أنه لا يدرك الاختياري من حج الافراد
بعد العدول إليه، ولكنه يتمكن من درك الاضطراري من مناسكه،
فهل يجب عليه العدول أيضا أم لا؟
الظاهر أنه لا خلاف في وجوب العدول إلى الافراد وأن لا يتمكن
إلا من الوقوف الاضطراري منه، وتدل جملة من الأخبار المتقدمة
الدالة على وجوب العدول إلى الافراد من يوم التروية إلى ما يتمكن
من درك حج الافراد، وحيث أنه لم يقيد جواز العدول فيها بدرك
الاختياري منه، يشمل ما لو تمكن من درك الاضطراري من حج
الافراد، بعد انقضاء وقت التمتع وانقلاب التكليف منه إلى الافراد.
(الخامسة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع، أنه يتمكن من اتمام
أعمال العمرة والحج باتيان جميع أعمالهما، إلا أنه لا يتمكن من
125

الوقوف بعرفات من أول زوال يوم عرفة، بل يتمكن منه بقدر ما
يتحقق به الركن من الوقوف بها، فهل يجوز أو يجب العدول إلى
الافراد، لكي يقف بعرفات من الزوال إلى الغروب مستوعبا لجميع
الوقت، أو يجب عليه اتمام العمرة ثم إنشاء الاحرام للحج والوقوف
بعرفات قبل الغروب، بمقدار يتحقق به الركن وإن لم يحصل
الاستيعاب؟ الظاهر هو الثاني. وتدل عليه صحيحة جميل عن أبي
عبد الله عليه السلام: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم
عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر (1).
لوضوح أن منتهى وقت العمرة إذا كان زوال الشمس من يوم
عرفة، لا يتمكن أحد من الوقوف بها باستيعاب الوقت من الزوال
إلى الغروب، بل يتمكن مقدارا من الوقوف بها، سيما في تلك
الأزمنة المعمول فيها السير بالقوافل والإبل.
ومثلها مكاتبة محمد بن مسرور المتقدمة، قال: كتبت إلى أبي
الحسن الثالث عليه السلام: ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى
الحج وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته
قائمة أو قد ذهبت منه، إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا
بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية، فكيف
يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة انشاء الله يطوف
ويصلي ركعتين ويسعى ويقصر ويحرم بحجته ويمضي إلى الموقف

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحديث 15.
126

ويفيض مع الإمام (1).
ومن الواضح أن كل ما وافى مكة غداة عرفة، لا يتمكن من
درك الوقوف جميع الوقت، فإن الظاهر أنه ساعة دخوله مكة غداة
عرفة يتم أعمال العمرة ويذهب إلى عرفات حتى يفيض مع الإمام
منها، وظاهر ذلك كفاية درك الإمام قبل الإفاضة.
ورواية يعقوب بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية
متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين (2).
ومن البين أن فوت الموقف لا يصدق إذا أدرك ساعة من يوم
عرفة أو أقل منها، بل إذا أدرك مقدارا يتحقق به الركن من الوقوف
وقد أوضحنا فيما تقدم أن كل ما يدل على توقيت المتعة وانقضاء
وقتها ليلة عرفة أو يومها أو يوم التروية محمول على من خاف فوت
الحج، أو محمول على المندوب من التمتع، أو على جواز العدول
إلى الافراد، أو يحمل على جواز العدول إلى الافراد في الحج
المندوب، بمعنى أنه لا يجب عليه اتمام العمرة بل له العدول إلى
الافراد.
(السادسة) إذا علم المعتمر بعمرة التمتع أنه لا يقدر على اتمام
أعمال العمرة ودرك الوقوف الاختياري بعرفة والمشعر، ولكنه يتمكن

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 16.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 5.
127

بعد العمرة من درك الوقوفين الاضطراريين، بأن يقف بعرفات ليلة
النحر وبالمزدلفة قبل زوال الشمس من يوم النحر، فهل يجب عليه
العدول من التمتع إلى الافراد لكي يدرك الاختياري من الوقوفين
أو يجب عليه اتمام العمرة المتمتع بها ثم الاحرام بحجه ولو أدرك
الاضطراري من الموقفين؟ فيه وجهان.
ومنشأ التردد أن قوله عليه السلام في رواية يعقوب بن شعيب
(لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم
يخف فوت الموقفين) هل هو ظاهر في الوقوف الاختياري بعرفات
ومزدلفة، أو أعم منه ومن الاضطراري. الظاهر هو الثاني، لأن فوت
الموقفين لا يصدق بفوت الاختياري منهما فقط، ويؤيده أن الوقوف
الاختياري والاضطراري حكمهما معا حكم السجدتين في الصلاة،
فكما تبطل الصلاة بتركهما معا سهوا أو عمدا أو اضطرارا فكذلك
الوقوفان، فإن ترك الوقوف الاختياري والاضطراري معا سهوا كان
أو جهلا أو عمدا، موجب لبطلان الحج، وأما بفوت أحدهما فلا
يفسد الحج إلا إذا كان عن عمد واختيار كما في ترك السجدة الواحدة
في الصلاة، وبذلك يدفع قول من ادعى أن الظاهر من فوت الموقفين
فوت الوقوف الاختياري منهما.
ولعل ما ذكرناه يستظهر من صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة والناس
بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته
128

الموقف. قال عليه السلام: يدع العمرة، فإذا أتم حجه صنع كما
صنعت عائشة ولا هدي عليه (1).
إذ يعلم منها أن المناط في وجوب اتمام التمتع درك الموقف
وكان هذا مرتكزا في ذهن السائل أيضا، ولما خشي فوت الموقف
تردد في حكمه، والظاهر من خوف فوت الوقوف أعم من الاختياري
والاضطراري، كما استظهرناه من الرواية المتقدمة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام، ولكن الانصاف أنه لا
صراحة في الأخبار لبقاء وجوب التمتع واتمامه ما لم يخش فوت
الموقفين، إلا في رواية يعقوب بن شعيب، وهي غير نقية السند.
وأما صحيحة الحلبي فليس فيها إلا اشعار بتقرير الإمام عليه
السلام ما كان مرتكزا في ذهن السائل، مضافا إلى امكان إرادة
الاختياري من الموقفين، كما استظهره غير واحد من أصحابنا،
فالحكم بوجوب اتمام العمرة المتمتع بها واتمام الحج تمتعا ولو
بدرك الاضطراري من الوقوفين، وعدم جواز العدول إلى الافراد
الذي يتمكن فيه من درك الوقوف الاختياري بعرفات ومزدلفة،
خلاف ظواهر النصوص والفتاوي وكذا مخالف للاحتياط، لتظافر
النصوص الظاهرة في جواز العدول إلى الافراد حينئذ وافتاء الفقهاء
على طبقها، إلا بعض منهم كابن إدريس وبعض المتأخرين.
اللهم أن يقال إن وظيفة النائي عن مكة هو حج التمتع، كما

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 6.
129

تدل عليه الآية والروايات، حتى فيما إذا لم يتمكن من درك الوقوف
الاختياري بل تمكن من الاضطراري، بضميمة النصوص التي تدل
على كفاية الاضطراري من الوقوفين إذا لم يتمكن من الاختياري
منهما، فالاضطراري من النسك يقوم مقام الاختياري، ولا يحتاج
إلى العدول ولا تصل النوبة إليه.
ومن تلك النصوص ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فإذا شيخ كبير فقال:
يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن
ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس
فليأتها، وإن ظن أن لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها
فقد تم حجه (1).
واطلاق الرواية شامل لكل من المتمتع والمفرد، فيجب على
النائي اتمام عمرته وحجه إذا تمكن من الوقوف الاضطراري ما لم
يقم دليل معتبر على جواز العدول إلى الافراد، والقدر المتيقن من
النصوص الدالة على جواز العدول إلى الافراد من التمتع إذا خشي
فوت الموقفين هو فوت الاختياري والاضطراري معا، لا الاختياري
فقط كما عليه البعض.
فعموم الدليل الدال على وجوب التمتع على النائي واطلاقه
سليم عن التخصيص والتقييد، والحكم بعدم جاز العدول إلى

(1) وسائل الشيعة ج 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الباب 22 الحديث 4.
130

الافراد إذا تمكن من درك الوقوف الاضطراري من حج التمتع،
مطابق للقواعد الأولية، كما أفتى به ابن إدريس وبعض المتأخرين.
ولقائل أن يقول: إنه لو حملنا النصوص الدالة على وجوب
العدول من التمتع إلى الافراد إذا خشي فوت الموقفين على من
لا يدركهما حتى الاضطراري منهما، لا يبقى لها إلا موارد نادرة،
فإن من لا يتمكن من درك الوقوف الاختياري والاضطراري إذا أتم
متعته، بأن لا يتمكن بعد اتمام العمرة من الوقوف بعرفات حتى
ليلة النحر ولا يتمكن من درك المشعر حتى قبل الزوال من يوم النحر
أي الاضطراري من الموقفين لا يتمكن منهما أيضا إذا عدل
إلى الافراد أيضا، فما معنى وجوب العدول إليه والحال أن النصوص
إنما توجب ذلك ليتمكن من درك الوقوفين الاختياريين بالعدول
إلى الافراد وترك التمتع، كما قاله الشيخ قدس سره حيث أفتى بأن
من لم يتم أعمال إلى زوال يوم عرفة يجب عليه العدول
إلى الافراد.
(السابعة) قد تقدم حكم العدول إلى الافراد من التمتع إذا
ضاق الوقت عن اتمام العمرة المتمتع بها إلى الحج في الحج
الواجب، وأما الحج المندوب فحكمه أيضا مثل ما تقدم، فمن
دخل مكة معتمرا بعمرة التمتع تطوعا ولا يتمكن من اتمام أفعال
العمرة ودرك الأفعال الاختيارية للحج معا وجب عليه العدول إلى
الافراد والآتيان بعمرة مفردة بعد اتمام أفعال الحج، وكذا لو خاف
131

فوت الحج أصلا. ويدل عليه ما تقدم من النصوص الدالة على
وجوب العدول إلى الافراد إذا لم يتمكن من درك الحج لضيق
الوقت أو خاف فوته.
وأما إذا ورد مكة زوال يوم التروية معتمرا بعمرة التمتع تطوعا
وعلم أنه يتمكن من اتمام أفعال العمرة ودرك الحج بجميع أفعاله
الاختيارية، فهل يجب عليه اتمام التمتع لقدرته عليه وتمكنه منه أو
يجوز له العدول إلى الافراد، لدلالة بعض الأخبار عليه، وأنه جائز
من زوال يوم التروية إلى أن يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ
العدول؟ الظاهر هو الثاني، والحكم بجواز العدول من زوال يوم
التروية في الحج المندوب، لما تقدم من الجمع بين الروايات
الدالة على ذهاب المتعة وانقضاء وقتها يوم التروية أو زواله أو غروبه
كصحيحة ابن بزيع وما يتحد مضمونه معها، وبين الأخبار الدالة
على بقاء وقت التمتع إلى زوال يوم عرفة كرواية جميل بن دراج
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس
من يوم عرفة وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر (1). أو إلى
ليلة عرفة، كرواية محمد بن ميمون قال: قدم أبو الحسن عليه السلام
متمتعا ليلة عرفة لطاف وأحل وأتى جواريه، ثم أحرم بالحج
وخرج (2) أو ما يدل على بقاء وقتها ما أدرك الناس بمنى، كرواية

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 15.
(2) الوسائل ج 8 الباب 20 من أقسام الحج الحديث 2.
132

يعقوب بن شعيب وموثقة ابن بكير ومرفوعة سهل ورواية شعيب
وصحيحة محمد بن مسلم (1) وغيرها من الروايات التي تدل على
بقاء وقت المتعة بعد التروية أيضا.
ومقتضى الجمع بين تلك الأخبار كما تقدم أن تحمل الطائفة
الأولى الدالة على انتهاء وقت المتعة وانقضائه على ذهاب الأمر
الوجوبي التعييني، المتعلق باتمام التمتع في الحج المندوب من
زوال يوم التروية، لا الأمر الجوازي بمعنى أنه لا يجب عليه اتمام
العمرة وحج التمتع إذا ورد مكة يوم التروية، بل يجوز له أن يعدل
إلى الافراد كما أنه يجوز له أن يتم عمرته وأن يأتي بالتمتع إلى أن
يخاف فوت الحج، فيجب حينئذ العدول.
وتحمل الطائفة الثانية الدالة على بقاء وقت التمتع على جواز
التمتع لا الوجوب والتعيين، ما يتمكن من أعمال الحج، بمعنى
أنه يجوز له التمتع إلى وقت يتمكن فيه من اتمام العمرة والحج
إلى يوم عرفة أو ليلة عرفة أو بعد زوال عرفة وإن كان يجوز له العدول
إلى الافراد أيضا من يوم التروية.
وأما الحمل على المندوب من حج التمتع لا الواجب منه،
فهو مقتضى عموم الآية الكريمة الدالة على أن فرض النائي التمتع
والروايات الصريحة في وجوب اتمام المتعة على من يتمكن منه

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 20 من أبواب الأقسام الحج الحديث 5
6، 7، 1، 4، 9.
133

ولو في يوم عرفة، ولا مجال لتخصيص الآية وتلك الروايات بما
تقدم من النصوص الدالة على جواز العدول من يوم التروية، فإن
المتيقن من التخصيص تخصيص ما يدل على أن المعتمر مرتهن بحجه
الشامل للواجب والمندوب، فيخصص بالمندوب، وأما الفرض
من حج التمتع المستفاد من الآية والرواية فيبقى على عمومه ولا
يخصص بما تقدم، للشك فيه، والأصل بقاؤه على عمومه، وقد مر
توضيحه، ولعل الشيخ (قده) جمع بين الأخبار بما ذكر لما أشير
إليه في طي البحث.
ينبغي التنبيه على أمور
(الأمر الأول) قد تقدم أن مما يوجب العدول من التمتع إلى
الافراد عروض الطمث على المرأة المحرمة، بحيث لا تتمكن من
اتيان أعمال العمرة بعد حصول الطهر والآتيان بالحج بعدها والشك
في التمكن من الاتيان بأفعال الحج بعد العمرة وخوف فوته.
وقد مر ما يمكن أن يستدل به لذلك من النصوص، ولكن في
قبال تلك النصوص أخبار تدل على أنها تتم عمرتها وتسعى بين الصفا
والمروة وتقصر وتقضي طوافها بعد الفراغ من مناسك الحج وأفعاله
ولا تعدل إلى الافراد.
وأصح ما في المقام سندا صحيحة رواها أربعة من أصحاب
الصادق عليه السلام منهم علي بن رئاب عنه أنه قال: المرأة المتمتعة
134

إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت
طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم
التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت
إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافا
لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك
فقد أحلت من كل شئ يحل منه المحرم إلا فراش زوجها، فإذا
طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها (1).
ونقل غير واحد عن عجلان أبي صالح قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فرأت الدم. قال: تطوف
بين الصفا والمروة ثم تجلس في بيتها، فإن طهرت طافت بالبيت
وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج
من بيتها وخرجت إلى منى وقضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة
طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا والمروة (2).
وفي رواية أخرى عنه: فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت
طواف العمرة (3).
وقد أفتى بعض الأصحاب بالتخيير بين العدول إلى الافراد
وبين تتميم العمرة وقضاء الطواف بعد الحج، كما في رواية علي
ابن رئاب المتقدمة.

(1) وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3.
(3) وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3.
135

ولكن التحقيق أن يقال: إن كان المراد من التخيير هو التخيير
الواقعي المجعول لها بمقتضى الجمع بين طائفتين من الروايات
فلا شاهد له وليس جمعا عرفيا ويأبى العرف عنه، لأن الأخبار
الدالة على العدول ظاهرة في تعين العدول، وأن وظيفة الحائض
ليس إلا ذلك، وكذا الظاهر من أخبار الباب تعين اتمام العمرة
عليها ثم قضاء طوافها بعد الحج ليكون حجها تمتعا، فالأمر الوارد
في الطائفتين ظاهر في الوجوب التعييني، ولا شاهد لحمله على
التخييري، بل لا يحتمله بعض العبارات أصلا، فإن قوله عليه
السلام في رواية عجلان: (لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة) (1)
وقوله (تمت عمرتها) كما في رواية أبي بصير (2) تعبيران مختلفان
ومتناقضان من جميع الوجوه لا يمكن حملهما على التخيير، وإرادة
الأمر التخييري منها مما لا يساعده العرف بل يبعده وينفيه.
ولا ينافي هذا ما تقدم منا من حمل قوله (ذهبت متعتها) على
انقضاء التعيين، وذهاب الأمر التعييني، جمعا بينه وبين قوله (ولها
المتعة)، إذ لا اشكال ولا استبعاد في ذلك الجمع بخلاف النصوص
المتعارضة في المقام، فإن قوله (تصير حجها مفردة)، وقوله (متعتها
تامة وتقضي طوافها) غير قابل لتحمل الجمع المذكور بإرادة
التخيير منهما.

(1) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
(2) وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 4.
136

هذا إذا كان المراد من التخيير هو الحكم الواقعي، وأما لو كان
المقصود من التخيير، الحكم الظاهري، في التخيير في العمل بين
المتعارضين من باب الأخذ بأحد الخبرين، فهذا إنما يصح بعد
ثبوت التكافؤ المفقود في المقام، لأن الأخبار التي تدل على العدول
مطابقة لفتوى المشهور.
وأما رواية عجلان أبي صالح الدالة على بقاء التمتع وقضاء
الطواف بعد الحج، ضعيفة. لاشتراك أبي صالح بين الثقة والضعيف
فلا يعتمد على روايته ولا يستدل بها.
ولا يثبت مضمون رواية أبي صالح بما روى عن درست بن أبي
منصور عن عجلان في حديث قال: كنت أنا وعبد الله بن صالح سمعنا
هذا الحديث في المسجد، فدخل عبد الله على ابن الحسن عليه
السلام فخرج إلي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية
عجلان فحدثني بنحو ما سمعناه من عجلان (1).
وذلك لأن عبد الله بن صالح أيضا مجهول، فكيف يوثق مجهول
بمجهول آخر وضعيف بضعيف، مضافا إلى نفي أبي الحسن عليه
السلام مضمون رواية عجلان، كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة
بعد ما سأل الراوي عنه. فقال أبو الحسن: لا إذا زالت الشمس
ذهبت المتعة (2).

(1) وسائل الشيعة ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
137

فإن الظاهر من النفي نفي ما ذكر في رواية عجلان من الحكم
ببقاء المتعة وتمامية العمرة وقضاء الطواف بعد الحج، لا نفي
الوقت المذكور في صدر الرواية، بل لا وجه أصلا لرجوع النفي
إليه، إذ لا تنافي بين صحيحة ابن بزيع ورواية عجلان من جهة
التوقيت، بل التمانع والتنافي من جهة الحكم وانقضاء المتعة
وذهابها، وعدم الانقضاء زوال يوم التروية وقضاء الطواف، بل
يمكن تصور اتحادهما في الوقت بخلاف الحكم، إذا المذكور في
رواية ابن بزيع إن متعتها تذهب إذا زالت الشمس وتصير حجها
مفردا، وأما ما ذكر في رواية عجلان (إنها اغتسلت واحتشت وسعت
بين الصفا والمروة وتقضي طوافها).
ولا يخفى أن المعمول والمتعارف بين الحجاج أنهم يشغلون
بمقدمات الحج من الغسل وغيره من أول الزوال غالبا، فتحمل
الرواية عليه، فتكون متحدة مع رواية ابن بزيع من جهة الوقت
ولكنها تخالفها من جهة الحكم بعدم ذهاب المتعة وعدم جواز
العدول إلى الافراد ووجوب قضاء الطواف بعد الحج، وحيث أن
الصحيحة متعرضة لرواية عجلان ونافية لمضمونها، تكون حاكمة
ومقدمة عليها.
واحتمال كون المنفى في رواية أبي الحسن عليه السلام غير
رواية عجلان الموجودة بأيدينا بعيد جدا، ولو فرضنا ذلك لأمكن
أن يقال: إن لعجلان رواية مخالفة لوجوب العدول إلى الافراد،
138

وفوت المتعة زوال يوم التروية قد نفاها أبو الحسن وردها بقوله
(لا)، فحينئذ يقال الرواية المردودة والمنفية إما هي الموجودة
عندنا أو غيرها، وعلى كل حال يوجب ذلك وهنا وضعفا في مفاد
الرواية الموجودة، ولا ينبغي أن يجعل معارضا لغيره.
وكذا يوجب ذلك وهنا وضعفا في رواية ابن رئاب التي تطابق
مضمونها، فيحكم بتقدم الأخبار الدالة على العدول إلى الافراد
وذهاب المتعة زوال يوم التروية.
وقد يجمع بينها بنحو آخر، وهو أن يقال: إن المرأة إذا كانت
طاهرة حين الاحرام ثم طمثت قبل الاتيان بأفعال العمرة، فعمرتها
تامة لكنها تقضي طوافها بعد الحج وأما إذا كانت حين الاحرام طامثا
فتعدل إلى الافراد إن لم تطهر قبل أعمال الحج، بحيث تتمكن من
اتيان أعمال العمرة، وقد تجعل رواية أبي بصير شاهدا لهذا الجمع
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة: إذا
أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف
حتى تطهر ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها، وإن هي أحرمت
وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر (1).
ويرد على هذا الجمع:
أولا أن نفس ما جعل شاهدا لرفع التعارض مبتلى بمعارض
آخر، وهو صحيح ابن بزيع حيث قال: سئل عن المرأة تقدم مكة

(1) الوسائل ج 9 الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 5.
139

متمتعة ثم حاضت قبل أن تحل. إلى أن قال عليه السلام: إذا زالت
الشمس ذهبت المتعة (1).
وثانيا أن رواية أبي بصير قد أعرض عنها الفقهاء ولم يفت
بمضمونها إلا قليل منهم، كابن جنيد على ما نسب إليه، ولهذا حملها
الشيخ على من حاضت أثناء الطواف، كما يأتي حكمه إن شاء الله
تعالى. ولكنه أيضا خلاف الظاهر والسياق، ويصعب حملها عليه
حتى في مقام الجمع لصراحتها في أنها حاضت قبل أن تحل، وهو
ظاهر في عروض الطمث قبل الطواف لا في أثنائه. اللهم إلا أن يقال
إن حملها على ذلك أولى من الطرح.
(الأمر الثاني) لو حاضت امرأة أثناء الطواف، ففيه ثلاثة أقوال:
الأول البطلان مطلقا، والثاني الصحة مطلقا، والثالث التفصيل بين
عروض الحيض قبل النصف فيبطل أو بعده فيحكم بصحة الطواف
وهو المشهور المنصور لعدة من الروايات:
منها مرسلة أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني من سمع
أبا عبد الله عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت
أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة. وزاد في التهذيب: وتقضي
ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وتخرج إلى منى
قبل أن تطوف الطواف الآخر (2).

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
(2) وسائل الشيعة ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 2.
140

أما الراية فمخدوشة من جهة السند، لأن أبا الحسن بياع
اللؤلؤ أو إسحاق صاحب اللؤلؤ كلاهما مجهولان، وقال الممقاني
(ره) لم أر من ذكره إلا الشيخ، حيث عده من أصحاب الصادق
عليه السلام في رجاله. مضافا إلى كونها مرسلة، إلا أن نقل صفوان
الذي هو من أصحاب الاجماع وكذا عبد الله بن مسكان على ما نقل
من الكشي يجعلها كالصحيحة.
وأما من جهة الدلالة فهي تامة بناءا على نقل الكافي، حيث تدل
منطوقا على أن عروض الحيض لا يبطل الطواف إذا كان بعد أربعة
أشواط ولا تبطل متعتها. ومفهومها أنه لو كان قبل اتمام أربعة أشواط
فتبطل ومتعتها غير تامة، إلا أنها ساكتة عن وجوب قضاء الطواف
عليها في الصورة الأولى.
وأما بناءا على ما نقله التهذيب فتدل على وجوب قضاء ما بقي
من الطواف، ولكنها ساكتة عن بيان وقت القضاء ومقتضى القاعدة
فيه أنها إذا طهرت قبل الخروج إلى منى تقضيها قبله، وإلا تقضي
بعد الرجوع من منى، وقد فسر بعض الشراح قوله (قبل أن تطوف
الطواف الآخر بقضاء ما فاتها من الطواف)، بمعنى عدم الحاجة إلى
الزائد على أربعة أشواط، بل تخرج إلى منى وتكون متعتها تامة.
فيكون المحصل من الرواية أن المرأة المفروضة ممنوعة عن اتمام
الطواف، بل تخرج إلى منى للذهاب إلى عرفات ولا شئ عليها
إلا قضاء ما فات من طوافها، (وهي ثلاثة أشواط) المصرح به في
141

صدر الرواية، وإن كان المراد من قوله (قبل أن يطوف الطواف
الآخر) طواف الزيارة بعد مراجعتها من منى أو طواف النساء،
بمعنى أنه يجب عليها بعد المراجعة من منى أن تقضي أو لا ما فاتها
من الأشواط قبل طواف الزيارة وطواف النساء. فالمعنى أيضا أنه
لا يجب عليها إلا قضاء ما فات منها قبل الاتيان بطواف الزيارة، وإن
كان ذلك خلاف الظاهر، لكن الرواية على كل حال تدل على تمامية
المتعة إذا عرضها الحيض بعد أربعة أشواط.
ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ بسنده عن إبراهيم بن أبي إسحاق
عن سعيد الأعرج قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت
بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس
عليها غيره ومتعتها تامة، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة، وذلك
لأنها زادت على النصف، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج (1)
ورواها الشيخ مرسلة عن إبراهيم بن إسحاق وزاد فيه: وإن
هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها
بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر (2).
وما رواه عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن أحمد بن عمر
الحلال عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن امرأة طافت
خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف

(1) الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 4.
142

بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع
الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن
تستأنف الطواف من أوله (1).
وما رواه الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة،
فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت
بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في
أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله (2).
وهذه الروايات كما ترى تدل على تمامية المتعة إذا عرض
الحيض أثناء الطواف بعد النصف، وعلى وجوب قضاء ما فات من
الأشواط، وهي وإن كان أكثرها لا يخلو من الضعف في السند واختلال
واضطراب في المضمون، إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب بها والافتاء
بمضمونها (3).
واحتمال كون مستند فتاواهم غير ما ذكر من الأخبار المودعة
في كتب الأصحاب لا يضر بجبر الضعف فيها، مع تطابق عبارة
الفتاوى والنصوص المتقدمة.

(1) الوسائل ج 9 الباب 86 من أبواب الطواف الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 1.
(3) الرواية بالنسبة إلى وجوب إعادة السعي غير معمول بها ولكن تحمل
على الأفضلية، فإن السعي بين الصفا والمروة وإن لم يكن مشروطا بالطهارة
إلا أنه معها أفضل.
143

ولا يعارض تلك الأخبار المتقدمة مع تطابق الفتاوي عليها،
ما روي عن ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام
عن المرأة تدخل مكة متمتعة، ثم حاضت قبل أن تحل متى تذهب
متعتها إلى أن قال: قال عليه السلام: إذا زالت الشمس ذهبت
المتعة (1).
وهذه الرواية ونظائرها مستند صاحب المدارك تبعا لابن إدريس
في الحكم ببطلان المتعة بعروض الحيض قبل الاحلال مطلقا،
ولكنها قابلة للتقييد بما تقدم من النصوص وأن المتعة لا تبطل إذا
طمثت بعد تجاوز النصف، وكذا يطرح أو يأول ما يدل على صحة
الطواف والمتعة بعروض الحيض قبل تجاوز النصف، مثل ما رواه
الشيخ عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما. قال: تحفظ
مكانها، فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى (2)، ورواه الصدوق
باسناده عنه عن أحدهما وقال: وبهذا أفتي لأنه رخصة ورحمة.
فإنه معرض عنه، والصدوق منفرد في الافتاء بمضمونه، ولذا
حمله الشيخ على طواف النافلة ولم يعمل به في الفريضة.
بقي في المقام شئ ينبغي له، وهو أنه قد جعل ملاك
تمامية المتعة في الأخبار عروض الحيض بعد تجاوز النصف، وملاك

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 14.
(2) الوسائل ج 9 الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3.
144

البطلان العروض قبله، وهي ساكتة عن حكم عروض الحيض في
النصف من سبعة أشواط، إذ ما ذكر فيها هو أربعة أشواط في الحكم
بالصحة وثلاثة أشواط في الحكم بالبطلان، ولم يذكر ثلاثة أشواط
ونصف لا في الرواية ولا في كلام العلماء، فإن كلامهم أيضا
مختلف، فجعل بعض ملاك التمامية التجاوز عن النصف ومناط
البطلان قبل النصف، وذكر بعض آخر أربعة أشواط وثلاثة أشواط.
وحيث أنه قد علل تمامية المتعة في رواية سعيد، بأنها زادت
على النصف، يمكن أن يجعل الميزان في الحكم بالصحة التجاوز
عن النصف، وفي البطلان عدم التجاوز عنه.
وأما ذكر الأربعة والثلاثة في الروايات فإنما هو لبيان أحد
المصاديق للقسمين لا لخصوصية فيها، فالحكم إذا زاد على النصف
ولو يسيرا الصحة والتمامية وإذا قل عن النصف ولو يسيرا بطلان
التمتع. وأما النصف الحقيقي لا أقل ولا أكثر منه فيتوجه البطلان
فيه أيضا، لعدم صدق التجاوز عن النصف عليه.
ويمكن أن يقال أيضا: إن موضوع الحكم في التمامية إنما
هو أربعة أشواط بتمامها وكمالها، والتجاوز عن النصف إنما يعتبر
أن يتحقق في ضمن الأشواط التامة لا الناقصة منها، وهو لا يتحقق
ولا يوجد إلا في ضمن أربعة أشواط تامة، وكذا يعتبر أن يتحقق
الأقل من النصف الذي هو الملاك في الحكم بالبطلان في ضمن
أشواط تامة كاملة، وهي الثلاثة المذكورة في الرواية، فحينئذ يكون
145

الميزان في تمامية المتعة تحقق أربعة أشواط، ومفهوم ذلك البطلان
في الثلاثة. وأما الثلاثة والنصف فهو أيضا من مصاديق المفهوم
المستفاد من قيد الأربعة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال، ولكن النفس لا تطمئن به ولا
تستريح، فلا بد في المقام من دليل قوي يعتمد عليه. وحيث أن
مقتضى صحيحة ابن بزيع بطلان التمتع بعروض الحيض قبل
الاحلال فيقال: إن الخروج من مقتضاها وتخصيصها يحتاج إلى
دليل معتبر، وورود التخصيص عليها بعد أربعة أشواط قطعي لا
شبهة فيه، وأما التخصيص في أقل من أربعة ولو كان الثلاثة
والنصف فمشكوك فيه، والمخصص مجمل لا يصح التمسك به،
والشبهة أيضا مفهومية. والمرجع فيها عموم العام، فيبقى غير
الأربعة باقيا تحت العام ويحكم بالبطلان في أقل من أربعة أشواط
وكذا في النصف الحقيقي ثلاثة أشواط ونصف.
(الأمر الثالث): إن الحيض كما تقدم لا يمنع عن الاحرام
وصحته، فيجوز الاحرام حال الطمث. فلو أن امرأة حاضت عند
الميقات فإن علمت أنها تطهر قبل أيام الحج وتتمكن من أعمال
العمرة أحرمت من الميقات ونوت العمرة المتمتع بها إلى الحج
وتدخل مكة ولا تدخل المسجد حتى تطهر، فإذا تطهرت طافت
وصلت ركعتين وسعت وقصرت، فإن لم تطهر إلى يوم التروية
أو لا تعلم أنها تطهر قبل يوم عرفة أو زوال يوم التروية يجوز لها
146

العدول من الافراد إلى التمتع زوال يوم التروية، ويجوز لها أيضا
الصبر إلى أن يضيق الوقت، فإن لم تطهر وجب عليها العدول.
أما عدم كون الحيض مانعا عن الاحرام فتدل عليه الروايات:
منها رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ قال: نعم إذا بلغت الوقت
فلتحرم (1).
ورواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الحائض تريد الاحرام. قال: تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف
وتلبس ثوبا دون ثياب احرامها وتستقبل القبلة، ولا تدخل المسجد
وتهل بالحج بغير الصلاة (2).
ورواية زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن
امرأة حاضت وهي تريد الاحرام فطمثت؟ قال: تغتسل وتحتشي
بكرسف وتلبس ثياب الاحرام وتحرم، فإذا كان الليل خلعتها ولبست
ثيابها الأخرى حتى تطهر (3).
ورواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الحائض تحرم وهي حائض. قال: نعم تغتسل وتحتشي وتصنع
كما تصنع المحرمة ولا تصلي (4).

(1) الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4.
(4) الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4.
147

ورواية عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
أتحرم المرأة وهي طامث؟ قال: نعم تغتسل وتلبي (1).
وهذه الروايات المنقولة في كتب الأصحاب كما ترى ظاهرة
في أن الحيض لا يمنع عن الاحرام، وأما الأحكام الأخرى من
وجوب العدول وجوازه فقد علم مما تقدم من المسائل، ولا اشكال
فيها، وإنما الكلام في المقام إن اطلاق الأخبار الدالة على عدم منع
الحيض عن الاحرام، هل هي شاملة للمرأة التي تعلم أنها لا تطهر
إلى انقضاء وقت العمرة فيجب عليها الاحرام بالعمرة المتمتع بها
إذا كانت نائية، ثم العدول إلى الافراد أولا تشملها فمشكل.
ووجه الاشكال أنها إذا كانت عالمة بعدم الطهر إلى آخر وقت
العمرة لا تتمكن من قصد التمتع حتى يجب عليها فتحرم بها. اللهم
إلا أن يقال: إن الأخبار الواردة في المقام لم تعين لها وظيفة خاصة
من التمتع والافراد، فلها أن تنوي الافراد إذا علمت أنها لا تطهر
إلى آخر الوقت.
وفيه: أن الحائض كغيرها من المكلفين إن لم تكن حاضرة
المسجد الحرام فوظيفتها التمتع، ويشملها اطلاق الآية والروايات،
ولا يجزيها غير ما تكون مكلفة به إلا بالدليل، كما أنها لو كانت
حاضرة لم يكن فرضها إلا الافراد ولا يجزي غيره إلا بالدليل
الخاص، فإن كان الدليل اطلاق عدم مانعية الحيض عن الاحرام

(1) الوسائل ج 9 الباب 48 من أبواب الاحرام الحديث 5.
148

المستفاد من النصوص فهو غير تام، لأن مفادها أن الخلو من الحيض
ليس شرط للاحرام، وأما أن الفرض في هذا الحال التمتع أو
الافراد فهي ساكتة عنه وغير ناظرة إليه حتى يتمسك بالاطلاق في
المقام.
اللهم إلا أن يقال: أن المرأة المسؤول عن حكمها في النصوص
هي المرأة العالمة بعدم طهرها إلى انقضاء وقت متعتها، فيكون
الجواب بوجوب الاحرام عليها من الميقات ظاهرا في الاحرام
بالافراد، لعدم تمكنها من العمرة المتمتع بها إلى الحج.
ويمكن أن يقال: إن السؤال إنما وقع عن النسوة في الزمن
السابق وكان ميقات أكثرهن ذا الحليفة أو الجحفة، وكان المتعارف
في ذلك الزمان الخروج من المدينة وما شابهها أواخر شهر ذي
القعدة، والحائض منهن في الأغلب إنما تكون عالمة بأنها تطهر
قبل انقضاء الوقت، أو محتملة له، والروايات محمولة ومنزلة على
ما هو المتعارف في زمان صدورها، فلا تشمل الحائض التي تعلم
بعدم الطهر إلى انقضاء وقت التمتع.
لا يقال: إن لازم ما ذكر أن لا تكون المرأة العالمة بعدم طهرها
إلى آخر وقت عمرتها مكلفة بالحج أصلا، فإن النساء اللاتي
عادتهن أن يحضن من خامس ذي الحجة مثلا إلى خمسة عشر يوما
منها لا يستطعن من حج التمتع أبدا. والحال إنهن مكلفات به،
كغيرهن ممن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
149

فإنه يقال: إن المفروضة إن كانت متمكنة من الخروج إلى عمرتها
وأن تأتي بأفعالها قبل أيام العادة، يجب عليها الخروج وأداء
مناسك العمرة قبل ذلك ثم تحرم للحج وتأتي بجميع المناسك
إلا الطواف، فإذا طهرت أتت به مع ركعتي الطواف إن أمكنها
التوقف بمكة بعد الطهر بذلك المقدار، وأما إذا لم تتمكن من
التوقف بعدا الطهر لأن تأتي بطوافها، أو لم تمهلها السيارة والرفقة
أو الحكومة استنابت شخصا يطوف عنها، فيكون حجها تاما ومتعتها
كاملة.
مضافا إلى أن استقرار العادة على رؤية الدم في خامس ذي الحجة
مثلا إنما هي أمارة غالبية اعتبرها الشارع، لا قطعية ويقينية بحيث
لا يحتمل خلافها أصلا، بل يمكن التخلف. فعلى هذا لا يوجد العلم
بعدم الطهر إلى فوت زمان العمرة، بحيث يصح أن يقال إن الأخبار
والآيات منصرفة عن تلك النسوة، فكل حائض تحتمل الطهر قبل
مضي وقت العمرة تحرم وتنوي التمتع، فإن لم تطهر قبل ذلك
تعدل إلى الافراد.
نعم لو علمت وتيقنت امرأة أنها لا تطهر إلى آخر وقت العمرة.
فأمرها دائر بين القول بوجوب الاحرام عليها بالتمتع والاستنابة
لطواف العمرة وركعتيه، أو قضائهما بعد الطهر أو الاحرام لحج الافراد
وحيث إن الأمر مردد ولم يعلم وظيفتها من أخبار الباب أيضا، فلا
مناص من وجوب الاحتياط عليها حتى تحصل البراءة اليقينية عن
150

الاشتغال اليقيني (1).
قال المحقق القمي: يجب عليها العدول إلى الافراد قبل
الاحرام، بمعنى لزوم الاحرام للافراد، كما يجب على كل من
ضاق عليه وقت العمرة ولم يتمكن من التمتع، واستدل لذلك
بالاجماع ونفي الحرج والضرر وبأولوية المقام عن عروض الحيض
بعد الاحرام، وما إليه السيد في العروة مستدلا بعدم التمكن من
قصد التمتع.
أما الاجماع المدعى في كلام المحقق فغير ثابت، نعم لا
يخلو بعض الأخبار عن الظهور فيما ذكر، ولكنه أيضا ليس بحيث
يعتمد الفقيه عليه في فتواه.
وأما الحرج والضرر، فغاية ما يترتب عليه نفي التكليف الحرجي
والضرري، وأما تبدل التكليف ووجوب العدول إلى الافراد من
التمتع فيحتاج إلى دليل آخر ولا يستفاد من رفع التكليف الحرجي
والضرري، نظير ما قيل في المسح على المرارة، فإن رفع وجوب
المسح على البشرة بعدم الحرج ونفيه لا يثبت بدلية المسح على
المرارة عن مسح البشرة بل يحتاج ذلك إلى دليل آخر كما قال

(1) أقول: يمكن لكل امرأة أن توخر عادتها بابتلاع الحب المعد لذلك
الرائج في عصرنا، يستعمله كثير من النسوان في شهر رمضان وسائر الأيام ولا حظر
فيه، كما يجوز لها أن تأكل طعاما أو تشرب شرابا يوجبه بل يستحب ذلك كما
ورد في الحديث. راجع الوسائل ج 9 الباب 92 و 93 من أبواب الطواف.
151

(امسح على المرارة).
وأما الأولوية فادعاؤها والجزم بها موقوف على العلم بالمصالح
والحكم الواقعية، المقتضية لجعل الأحكام الشرعية على الموضوعات
الخارجية، وأنى لنا ذلك.
وأما ما استدل به صاحب العروة من عدم تمكنها من قصد
التمتع، فهو مبني على القول بعدم جواز الاستنابة في الطواف أو
عدم وجوب الاتمام بلا طواف وصلاة، ثم قضائهما حال الطهر،
وإلا فيتمشى منها قصد التمتع والقربة كغيرها.
هذا كله إذا قلنا بعدم سقوط التكليف عنها في هذه السنة، وأما
إذ شككنا في أنها مكلفة بالحج في هذه السنة مع علمها بأنها لا
تطهر إلى آخر وقت العمرة فالمرجع البراءة من الوجوب.
ويمكن استفادة ما اختاره المحقق القمي من وجوب العدول
إلى الافراد قبل الاحرام من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:
أرسلت إلى أبي عبد الله عليه السلام أن بعض من معنا من صرورة
النساء قد اعتللن فكيف تصنع؟ قال: تنتظر ما بينها وبين التروية،
فإن طهرت فلتهل وإلا فلا يدخلن عليها التروية إلا وهي محرمة (1).
بناءا على أن يكون المراد من الاهلال بعد الطهارة الاهلال
بالعمرة، ومن الاحرام الاحرام للحج، مع فرض أن المرأة كانت
مكلفة بالتمتع لكونها مدنية، ومع العلم بعدم تمكنها من اتمام

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 15.
152

العمرة أمرها الإمام عليه السلام بالاحرام للحج، وأما عدم أمرها
بالخروج لاحرام العمرة المفردة بعد اتمام الحج، إنما هو للتقية.
وفيه: أن الصحيحة لا ظهور لها فيما ذكر، ولا يصح الاستدلال
بها اعتمادا على الاحتمالات التي لا شاهد لها.
فتحصل من جميع ما تقدم أن من أحرم لعمرة التمتع ولم يتمكن
من اتمامها لضيق الوقت أو لمانع كعروض الحيض والنفاس يعدل
إلى الافراد، ثم يأتي بعد الحج بعمرة مفردة. وأما من علم قبل
الاحرام بأنه لا يتمكن من أعمال العمرة قبل الحج إلى انقضاء آخر
وقت العمرة التي يتمتع بها إلى الحج، فإن كان في بلده وكان عدم
التمكن من جهة ضيق الوقت، مسببا عن اهماله وتأخيره مع تمكنه
من التعجيل والبدار إلى العمرة، فهو عاص بالتأخير وعليه الحج
في العام القابل.
وأما مع عدم التمكن من الخروج والتعجيل فهو غير مستطيع
في عامه هذا، وإن تمكن من العدول إلى الافراد، إذ لم يعهد من
الفقهاء والأصحاب الحكم بتبدل وظيفة النائي من التمتع إلى
الافراد، وكذلك المرأة إذا كانت في بلدها وعلمت بعدم التمكن
من العمرة قبل الحج، فإنها عاصية لو كان ذلك باهمالها في وظيفتها
وعليها الحج في القابل.
نعم لو علمت أنها لا تتمكن منها في جميع السنوات في أشهر
الحج، فبعد عدم وجود الدليل على تبدل تكليفها إلى الافراد،
153

فلا بد من القول بوجوب التمتع عليها والاستنابة للطواف وصلاته
أو قضائهما بعد الطهر، لصحة الاتيان بالعمرة وطواف الحج في تمام
شهر ذي الحجة.
هذا ما يقتضيه الدليل في مفروض المقام من عدم التمكن من
الاتيان بالعمرة، ولكن تحقق الفرض في الخارج بعيد جدا، لامكان
الاتيان بالعمرة المتمتع بها في جميع أشهر الحج، وهي شوال
وذو القعدة وذو الحجة إلى يوم عرفة، فيشمله الدليل العام الدال على
وجوب التمتع على النائي المتمكن من الاتيان به ولو بهذه الكيفية
أي في جميع أشهر الحج.
ولو فرضنا أن الدليل العام لا يشمله إما للاجمال فيه أو لاحتمال
تبدل التكليف من التمتع بالافراد في ذلك المورد فلا مناص من
أن يقال: لو شك في أصل التكليف تمتعا كان أو غيره فالأصل عدمه
والبراءة منه، كما أنه لو شك في تبدل التكليف من التمتع إلى الافراد
بعد العلم بثبوته، فالأصل عدم التبدل وبقاء وجوب التمتع، ولو
فرض تحقق الاجماع على عدم سقوط التكليف في هذا الحال أو
الضرورة القطعية، فيحصل العلم الاجمالي بوجوب الاحرام إما
بالتمتع مع الاستنابة للطواف والصلاة، وإما بالافراد بمباشرة
الاتيان لجميع المناسك، ومقتضاه الجمع بين الحجين في سنتين
إذا تمكن من ذلك وإلا تتخير بين أحدهما.
(الرابع) إن حكم النفساء حكم الحائض في جميع ما ذكر
154

للاجماع على اتحاد حكمهما، ولما رواه معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي
بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها
رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبت مع النبي
وأصحابه، فلما قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى، وقد شهدت
المواقف كلها عرفات وجمعا، ورمت الجمار ولكن لم تطف بالبيت
ولم تسع بين الصفا والمروة، فلما نفروا من منى أمرها رسول الله
فاغتسلت وطافت بالبيت وبالصفا والمروة (1)..
والرواية كما ترى تدل على وجوب الاحرام على النفساء، إلا
أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.

(1) الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب الاحرام الحديث 1.
وفي الرواية اضطراب، فإن كل امرأة إذا رأت الدم إذا ابتلت بالنفاس
في أربع بقين من ذي القعدة تطهر في اليوم السابع من ذي الحجة قطعا وتتمكن
من الطواف والصلاة، إذ لا تزيد أيام النفاس والحيض على عشرة أيام، فلا بد
من توجيه الرواية (المقرر).
155

شروط حج الافراد
أما شروط حج الافراد فهي ثلاثة:
(الأول) النية، وقد مر الكلام فيها تفصيلا في التمتع فلا نعيده.
(الثاني) وقوع الاحرام وجميع المناسك في أشهر الحج وهي
شوال وذو القعدة وذو الحجة بلا خلاف بيننا كما في الجواهر،
وعليه الاتفاق على ما في المعتبر، ويدل عليه قوله تعالى (الحج
أشهر معلومات) (1) خلافا لبعض العامة حيث جوز الاحرام للافراد
قبل أشهر الحج.
(الثالث) الاحرام من الميقات الذي يمر به إن كان منزله قبل
الميقات وإلا فمن دويرة أهله إذا كان منزله دون الميقات، كما تقدم
في المواقيت. ولا خلاف في ذلك كما في الجواهر إلا عن مجاهد

(1) سورة البقرة الآية 196.
156

فإنه جوز الاحرام من مكة لحج الافراد، وأما المقيم بمكة فإنه يحرم
له من مكة للحج، وللعمرة من أدنى الحج.
وذكر الشيخ في المبسوط شرطا رابعا، وهو أن يقع الحج
في سنة، والمراد من ذلك الشرط وقوع الحج في السنة التي وقع
الاحرام في أشهر الحج من تلك السنة، فلو أحرم بالحج مفردا ثم
لم يقف الوقوفين حتى ينقضي الوقت، لا يصح الحج في العام
القابل بذلك الاحرام لو بقي عليه، بل يجب عليه الطواف والسعي
والتحليل، فيصير عمرة مفردة كما في الدروس. والظاهر أنه المقصود
أيضا في كلمات العلماء قدس سرهم، ولا يبعد أن يقال ببطلان الحج
بعدم الوقوف بعرفات، والتحلل بأعمال العمرة أيضا.
وأما حج القران فهو عين الافراد، ولا فرق بينهما إلا في سوق
الهدي كما تقدم تفصيلا، ويشترط فيه ما يشترط في الافراد، وأما
العدول منهما إلى التمتع فيأتي تفصيله بعد هذا.
العدول من الافراد والقران إلى التمتع
قد تقدم أن الافراد والقران فرض أهل مكة ومن بحكمهم،
والتمتع يختص بالنائي فقط، كما تدل عليه الآية، والرواية وعليه
فتاوى العلماء، وقد أشبعنا الكلام في النائي والحاضر في المسجد
الحرام وأهل مكة ونواحيها وحكم التمتع والعدول منه إلى الافراد
والقران جوازا وعدما، ولنذكر هنا بعض ما يختص بالمفرد والقارن
157

ومنه جواز العدول منهما إلى التمتع.
فهل يجوز لمن وظيفته وفرضه الافراد أو القران، العدول إلى
التمتع مطلقا أو لا يجوز كذلك، أو يفرق بين حال الاضطرار
والاختيار فيحكم بالجواز في الأول دون الثاني؟ أقوال.
قال المحقق قدس سره في الشرائع، بعد ذكر إن الافراد
والقران فرض أهل مكة ومن بحكمهم، أنه لو عدل هؤلاء إلى التمتع
حال الاضطرار جاز، كخوف الحيض المتأخر عن النفر من منى مع
عدم امكان تأخير العمرة إلى أن تطهر وأما حال الاختيار فقيل نعم،
كما حكي عن الشيخ في أحد قوليه، وقيل لا، وهو الأكثر بل هو
المشهور، بل عن الغنية الاجماع عليه، ولو قيل بالجواز لم يلزمهم
هدي انتهى.
وتفصيل البحث أن التمتع كما هو المستفاد من الآية يختص
بالنائي، وأنه ليس لأهل مكة تمتع ابتداءا ولا عدولا كما هو المتبادر
من النصوص المفسرة للآية الكريمة. فعلى هذا جواز العدول إلى
التمتع ابتداءا أو بعد الشروع يحتاج إلى الدليل المجوز لذلك حتى
حال الاضطرار، فإذا اضطر المفرد أو القارن إلى ترك العمرة بأن
علم أنه لا يتمكن بعد الحج من الاتيان بالعمرة المفردة، بناءا على
اشتراط تأخرها عنه لحيض أو عدم توقف الرفقة يمكن أن يقال
إنه غير مستطيع بالنسبة إلى العمرة أصلا، ولا يجب عليه إلا الحج.
158

فإن استطاع إلى العمرة بعد ذلك يأتي بها وإلا فلا تجب عليه.
هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية المستفادة من الآية والرواية
وقد يستدل لجواز إلى التمتع حال الاضطرار بالاجماع المدعى
في كلام الأصحاب. قال صاحب الجواهر بعد نقل كلام المحقق: لو عدل هؤلاء
إلى التمتع اضطرارا جاز العدول ولو بعد الشروع فيه، لا أجد فيه
خلافا حتى في القران، على ما اعترف به غير واحد، بل عن بعضهم
دعوى الاتفاق عليه انتهى
وفيه: أن الاجماع والاتفاق غير ثابت، بل حكي عن التبيان
والاقتصاد والغنية والسرائر عدم الجواز، بل هو ظاهر كل من قال إن
القران والافراد فرض أهل مكة ومن بحكمهم، كما في الجواهر.
وقد يتمسك لجواز العدول إلى التمتع بالروايات الواردة في
حج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع. ويرد بأن النصوص الواردة فيه إنما
هي في بيان تبديل تكليف النائي واختصاصه بالتمتع دون غيره،
لا جواز العدول لمن فرضه الافراد أو القران إلى التمتع ابتداءا أو
بعد الشروع فيهما.
واستدل له أيضا برواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة وطاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة. قال: فليحل وليجعلها متعة، إلا أن يكون
159

ساق الهدي فلا يستطيع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله (1).
وفيه: أن الرواية صريحة في عدم جواز العدول من القران
إلى التمتع، خلافا لمن يقول بالجواز، وأما بالنسبة إلى الافراد
فهي أيضا غير صريحة في جواز العدول منه إلى التمتع لمن فرضه
الافراد تعينا، بل لا اطلاق فيها بالنسبة إليه، والمتيقن من مفادها
ومن نظائرها إن من كانت المتعة مشروعة له كمن أتى بالافراد
استحبابا أو من كانت وظيفته التمتع فأحرم بالافراد جهلا يجوز له
أو يجب عليه العدول إلى ما هو المفروض عليه أو المشروع له، فلا
تنهض الرواية لمعارضة الأخبار الدالة على أن أهل مكة ليس لهم
متعة.
نعم حيث إن تلك الأخبار الواردة في تفسير الآية في مقام بيان
ما هو الواجب على المكلفين من حجة الاسلام لا يشمل غيره، ولا
ينافي جواز الاتيان بالمتعة ندبا لأهل مكة أيضا.
وملخص الكلام: إن العدول من الافراد والقران إلى التمتع
لا يجوز لمن فريضته والواجب عليه أحدهما لا اختيارا ولا اضطرارا
مضافا إلى أن الاضطرار إلى العدول من الافراد والقران إلى التمتع
لا يتحقق إلا على القول بلزوم الاتيان بالعمرة المفردة بعد الحج،
وعلم المفرد أيضا بعدم القدرة على اتيانها بعد الحج، واضطر إلى
العدول إلى التمتع والآتيان بالعمرة قبل الحج، سواء كان ذلك قبل

(1) الوسائل ج 9 الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 5.
160

الشروع في الافراد أو بعده. ولكنه أيضا غير ثابت كما حققناه في
محله، واخترنا جواز الاتيان بالعمرة المفردة قبل الحج هناك.
ولو سلمنا ذلك لأمكن القول بأن من لا يقدر على الاتيان بالعمرة
المفردة بعد حج الافراد، لا يكون مستطيعا بالنسبة إلى العمرة، كما
أشير إليه، ولا تجب عليه.
قد يقال: إن العدول من الافراد والقران إلى التمتع أولى من
العدول من التمتع إلى الافراد، فإذا صح العدول إلى الافراد عند
الضرورة جاز العكس أيضا.
ويدفع: بأن الأولوية في المقام ممنوعة، فإن المتمتع الذي
لا يقدر على الاتيان بالعمرة قبل الحج، لو لم يعدل إلى الافراد لزمته
المشقة الشديدة والضرر الكثير، لوجوب إعادة الحج في العام القابل
من ميقات أهله بعد الرجوع إلى وطنه، أو الإقامة في مكة إلى العام
القابل، والخروج إلى أحد المواقيت ثم الاحرام منه ناويا للتمتع
بخلاف المفرد المقيم بمكة أو حواليها، إذ لا حرج عليه ولا عسر
في عدم جواز العدول من الافراد إلى التمتع، ووجوب إعادة حجه
مع العمرة المفردة في العام القابل.
وأما ما استدل به الشيخ (ره) لجواز العدول من أن المتمتع
يأتي بأفعال الحج مع الزيادة، فلا ينقص من نسك الافراد شئ لو
عدل منه إلى التمتع. ففيه أيضا أن ميقات حج الافراد دويرة أهله إذا
كان المفرد من غير أهل مكة أي المقيم بها وأما ميقات حج
161

التمتع بطن مكة، فلا يشتمل التمتع على جميع ما اشتمل عليه
الافراد. على أن الرواية والآية إذا دلتا على أن أهل مكة لا متعة
لهم، فلا يجوز رفع اليد عنهما إلا بدليل خاص معتبر لا بما ذكر
من المناسبات والاستحسانات.
162

العمرة المفردة
(الأمر الخامس) العمرة واجبة على المستطيع لها، كما يجب
الحج على من استطاع إليه، ويشترط فيها ما يشترط فيه، وهي
على قسمين: عمرة مفردة، وعمرة متمتع بها إلى الحج.
أما الثاني فيشترط فيه أن يؤتي بها في أشهر الحج قبل الاحرام
لحج التمتع، ولا يجوز للمعتمر بتلك العمرة أن يخرج من مكة
بعد الاتيان بها، حتى يأتي بالحج أيضا على ما مر تفصيله، وأما
المفردة فيصح الاتيان بها في كل زمان، ولا يرتبط بالحج أصلا،
بل هي واجبة مستقلة. نعم يكفي العمرة المتمتع بها عن العمرة
المفردة، بل يمكن أن يقال: إن النائي لا يكلف إلا بالعمرة التي
يتمتع بها إلى حجه.
وتدل على اجزاء عمرة حج التمتع عن العمرة المفردة مضافا
إلى الاجماع المدعى في كلام غير واحد من الأصحاب روايات:
163

منها ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من
فريضة العمرة (1).
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث،
قال: قلت فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي عنه ذلك؟ قال:
نعم (2).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم. قلت: فمن تمتع يجزي
عنه؟ قال: نعم (3).
وروى الشيخ في الموثق عن يعقوب بن شعيب قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل (وأتموا الحج والعمرة
الله) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فكان تلك العمرة
المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول الله أصحابه (4).
وروى الصدوق باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة
المفروضة (5).

(1) الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1.
(2) الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 2.
(3) الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 3.
(4) الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 4.
(5) الوسائل ج 10 الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 6.
164

(تنبيه)
قد تكرر في الروايات السابقة سؤالا وجوابا إن العمرة المتمتع
بها إلى الحج تجزي عن العمرة المفردة، هذا التعبير مشعر بأن
الواجب أولا وبالذات على الناس العمرة المفردة، إلا أن العمرة
المتمتع بها إلى الحج مجزية عنها ومسقطة للتكليف بها. وهذا
ينافي ما تقدم وتكرر أن تكليف النائي التمتع، الظاهر في أن الواجب
عليه العمرة والحج معا دون الحج فقط.
ولعل السر فيه: أن الواجب على الناس قبل تشريع التمتع
العمرة المفردة والحج افرادا ولما فرض التمتع على النائي بقوله
تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) (1)،
وعلم النبي صلى الله عليه وآله كيفية حج التمتع وقال: دخلت العمرة إلى الحج
إلى يوم القيامة وقع الشك في أن العمرة الواجبة على الناس مرة
واحدة في تمام العمر قبل ذلك، هل هي باقية على حالتها الأولى
ولا يغيرها وجوب حج التمتع ودخول العمرة فيه، أو ليست كذلك
بل رفع وجوبها بعد تشريع التمتع وزالت حالتها الأولى، ولهذا
وقع السؤال عنها في الروايات، وأجيب بأن العمرة المتمتع بها
إلى الحج تجزئ عن العمرة المفردة، ولا يجب على النائي عمرة
غير ما تمتع به إلى حجه.

(1) سورة البقرة الآية 196.
165

(الأمر السادس) المفرد بالحج إذا كانت عليه عمرة مفردة يأتي
بها بعد حجه، وأما إذا لم تكن واجبة عليه لعدم الاستطاعة أو لاتيانه
بها قبل وجوب الحج عليه فلا يجب عليه الاتيان بها بعد الحج،
لعدم التلازم بين حج الافراد والعمرة المفردة ووجوبها، كما هو
ثابت بين حج التمتع والعمرة المتمتعة بها، فله أن يأتي بعمرة
مفردة وأن لا يأتي بها.
ويظهر من عبارة بعض الأصحاب بل عن غير واحد منهم وجوب
الاتيان بالعمرة المفردة بعد حج الافراد، واطلاقها يشمل من أتى
بعمرته المفردة الواجبة عليه قبل ذلك ومن لم تجب عليه العمرة
أصلا، لعدم استطاعته لها، أو من نذر حج الافراد فقط بدون عمرة
مفردة. ولكن ما هو الظاهر من فتاوى الأصحاب إن العمرة المفردة
لا تجب بالذات في الشرع إلا مرة واحدة كالحج، فعلى هذا إرادة
الاطلاق من عبائر القوم من الحكم بوجوب العمرة المفردة كما
تقدم بعيد جدا، مع تصريح كثير منهم بأن من وجب عليه الافراد
بالاستطاعة إليه يجب عليه الحج دون العمرة، وعدم تعرض الأخبار
التي وردت في كيفية حج الافراد لذكر العمرة بعده وبيان حكمها.
يمكن أن يقال: إن مساق كلامهم ومحط النظر في عباراتهم
إن من وجب عليه الحج والعمرة مفردين يجب عليه أن يأتي
بالعمرة بعد حجه، بمعنى أنه لا يجوز تقديمها عليه كما لا يجوز
تقديم حج التمتع على عمرته.
166

وبعبارة أخرى: أن العمرة المفردة إذا كانت واجبة مع الحج
يجب تأخيرها عنه، بخلاف العمرة المتمتع بها فإنها يجب تقديمها
على الحج، ولا يجوز تأخيرها عنه كما أفتى به جماعة من الفقهاء
بل ادعي عليه الاجماع.
قال في الجواهر بعد نقل فتوى الأصحاب: كما هو ظاهر بعض
العبارات، بل في الرياض إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، وفي
المنتهى وغير الاجماع عليه، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي
التصريح بالاجماع عليه. انتهى.
والدليل المدعى في كلامهم ليس إلا الاجماع، فإن تم فهو و
إلا فاثبات الحكم أيضا مشكل، بل ظاهر بعض الأخبار جواز تقديم
العمرة على حج الافراد، مثل ما عن الصدوق قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام: أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدئ (1).
وعنه أيضا باسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: من حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يرجع إلى بلاده
فلا بأس بذلك، وإن هو أقام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج
شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فيهن وأقام إلى الحج فهي
متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، وإن
اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما
هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج

(1) الوسائل ج 10 من أبواب العمرة الحديث 6.
167

بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز
عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) إلى الحج، فإن هو أحب أن
يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها (1).
قوله في الفقرة الأخيرة (فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج
إلى الجعرانة) يشمل من كان منزلة دون ثمانية وأربعين ميلا، الذي
يجب عليه الافراد من الحج مع كون العمرة المأتي بها واجبة عليه
وأما قوله (فمن اعتمر فيهن وأقام إلى الحج فهي متعة) فيحمل على
من كانت المتعة له مشروعة، واجبة كانت أو مستحبة. وبالجملة
التصريح بأن من أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة ويلبي
منها، مع تقديم العمرة المأتي بها على حجه الذي يجب أن يفرده،
تدل على جواز تقديم العمرة المفردة على حج الافراد.
ويمكن الاستدلال لعدم وجوب الاتيان بها بعد الحج على
من لا يجب العمرة عليه، بفعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه لم يأت بالعمرة
بعد الحج، فيدل على عدم وجوبها بعد الحج على نحو الاطلاق.
نعم لا يدل فعله صلى الله عليه وآله على نفي وجوب الاتيان بعده عمن وجبت
عليه، لعدم وجوبها عليه صلى الله عليه وآله (2).

(1) الوسائل ج 8 الباب 10 من أقسام الحج الحديث 1.
(2) روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله اعتمر أربع عمر - إلى أن قال -
الرابعة التي مع حجه. فعلى هذا عدم اتيانه صلى الله عليه وآله بالعمرة في حجه غير ثابت
حتى يستدل به على عدم لزوم الاتيان بالعمرة كما استدل به الأستاذ مد ظله،
وتأتي الرواية في ميقات العمرة إن شاء الله.
168

وأما التمسك بالسيرة في ذلك فلا يصح أيضا، لعدم وجود
السيرة المستمرة إلى زمان المعصوم عليه السلام على اتيان العمرة
المفردة بعد الحج ملتزمين بذلك على نحو اللزوم الشرعي.
فعلى ما ذكر يمكن حمل كلام العلماء (وعليه عمرة مفردة بعد
الحج) على من وجبت عليه العمرة المفردة ولم يأت بها. فعليه
أن يأتي بعمرة مفردة بعد حجه، لا أن كل من كان مفردا للحج
يجب عليه أن يأتي بالعمرة المفردة بعده مطلقا.
هذا ما يمكن أن يقال على حسب ما تقتضيه الأدلة مع قطع
النظر على الأصل الجاري في المقام. وأما إذا شك في وجوب
العمرة زائدا على مرة واحدة في تمام العمر سواء كان بعد الحج
أو قبله فالمرجع البراءة.
وكذا لو شك في أن من شروط حج الافراد أن يكون متعقبا
بالعمرة المفردة أم لا، فتجري أصالة عدم الاشتراط. كما أنه لو
شك في وجوب الترتيب بين الحج والعمرة إما تعبدا أو شرطا لصحة
العمرة، بمعنى أن من شرائط صحة العمرة المفردة أن تقع بعد
الافراد من الحج، فينفي بالأصل ويحكم بعدم الوجوب والاشتراط
مطلقا. ولكن الأحوط ومقتضى الورع أن من وجب عليه الحج
والعمرة المفردتين، أن يأتي بالعمرة بعد الحج لا قبله.
169

(فروع)
(الأول) أنه لو كان مستطيعا بالنسبة إلى العمرة فقط دون الحج
فيجب عليه الاتيان بالعمرة من دون ترقب حصول الاستطاعة للحج،
فإنهما فريضتان مستقلتان. نعم حيث إن النائي مكلف بحج التمتع
لا يستطيع للعمرة المكلفة بها إلا إذا استطاع لحج التمتع أيضا.
(الثاني) من استطاع للحج والعمرة المفردة كليهما قبل أشهر
الحج، فالأحوط أن يبادر باتيان العمرة المفردة مع التمكن قبل
موسم الحج، ولكن الأولى أن يأتي بها بعد الحج أيضا إن كان
متمكنا من الاتيان بالعمرتين قبل الحج وبعده، وأما إذا لم يتمكن
إلا من اتيان عمرة واحدة إما قبل الحج أو بعده، فالأحوط كما تقدم
أن يأتي بها بعد الحج.
(الثالث) أنه هل للعمرة المفردة وقت معين يؤتى بها فيه أم لا
وكذا هل يجب الاتيان بها فورا ففورا أم يجوز التأخير والتراخي؟
أما التوقيت فما هو الظاهر من الأخبار عدمه، روى الكليني في
الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المعتمر
بعمرة في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب (1).
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن العمرة
متى هي؟ قال: يعتمر فيما أحب من الشهور (2).

(1) الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 13.
(2) الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث
170

ويظهر من بعض النصوص أفضلية تأخير العمرة ورجحانه بعد
حج الافراد، ولكنه لا يدل على التوقيت، مثل ما رواه الشيخ
باسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام
قال: سألت أبا عبد الله عن المعتمر بعد الحج؟ قال: إذا أمكن
الموسى من رأسه فحسن (1).
ويقرب منه ما نقله الصدوق عن معاوية بن عمار (2) وروى الكليني
عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام قال: قلت
له: العمرة بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من الرأس (3).
والمستفاد من هذه الروايات أن تأخير العمرة إلى أن تمكن
الموسى من رأسه حسن، ولا يستفاد منها وجوب التأخير والتوقيت.
نعم قد أمر النبي صلى الله عليه وآله عائشة باتيان العمرة بعد الحج من غير
تأخير، روى الشيخ مرسلا أن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر
بعد الحج، وهو الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله عائشة. قال: وقال
أبو عبد الله عليه ا لسلام: قد جعل الله ذلك فرضا للناس (4).
عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون في
يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج؟

(1) الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 2.
(2) الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 1.
(3) الوسائل ج 10 الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 3.
(4) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 4.
171

فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر
ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك، و
يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شئ عليه (1).
ورووا مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع إذا
فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم واعتمر فأجزأت عنه مكان
عمرة المتعة (2).
والمستفاد منها إن درك عمرة المحرم أرجح ولا يستفاد منها
التوقيت، حتى لو قلنا بالمفهوم في المرسل، لا يستفاد منه إلا عدم
الاجزاء عن عمرة المتعة لو لم يقم إلى هلال محرم، ولا ينافي ذلك
صحة العمرة المفردة إذا أتى بها قبل شهر محرم.
ولعل وجه أرجحية التأخير إلى محرم أنه إذا أتى بالعمرة
المفردة في شهر محرم بعد حجة، فقد أدى وظيفة ذلك الشهر
أيضا، فيزداد الأجر على أجر العمرة، فإن المستفاد من قولهم عليهم
السلام (لكل شهر عمرة) (3) أنه ينبغي للمؤمن أن يأتي بعمرة في
كل شهر، وأن لا يمضي عليه شهر إلا وقد أتى بعمرة ذلك الشهر،
وحيث إنه زار البيت في ذي الحجة فإن أتى بالعمرة في غيرها أدى
وظيفة شهر محرم أيضا، ضمن الاتيان بما كان عليه واجبا أو مستحبا
قبل ذلك.

(1) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 7 - 5.
(2) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحج الحديث 7 - 5.
(3) الوسائل ج 10 الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 1 - 2 - 4 - 5.
172

وأما الفورية فالمستفاد من تلك الروايات عدم الفورية، بحيث
يجب عليه الاتيان بها أول أزمنة الامكان بعد حصول الاستطاعة
وتعلق الوجوب عليها. نعم لا تنافي بين عدم وجوب الفورية بهذا
المعنى، والفورية بمعنى لزوم الاتيان بالعمرة المفردة في سنة
استطاعتها، إذ لا اشكال في وجوب الفورية بهذا المعنى، بل يدل
عليه ما يدل على وجوب الحج فورا بالمعنى الذي أشير إليه، مثل
ما رواه الشيخ باسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا)؟ قال: هذه لمن كان عنده مال وصحة، وإن كان سوقه
للتجارة فلا يسعه، وإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع
الاسلام إذا هو يجد ما يحج به (1).
العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن علي عن عبد العظيم الحسني
عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام في قول الله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) مثل ما تقدم.
العياشي في تفسيره أيضا عن عمر بن أذينة قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام في قول الله عز وجل (ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا) يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، ولكنه

(1) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 11.
(2) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 11.
173

الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان (1).
وغيرها من الروايات الدالة على أن المراد من قوله تعالى
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) هو الحج
والعمرة معا، فحيث إن الثابت من الشرع أن أمر الحج فوري لا
يجوز التسويف فيه لتجارة وغيرها وإن لم يكن موقتا، فتكون
العمرة أيضا كذلك، ولا يجوز التسويف فيها. نعم المستفاد من أدلة
فورية أمر الحج، أنه لا يجوز تأخيره عن سنة الاستطاعة إلى سنة
أخرى، ولا يبعد القول بجواز تأخير العمرة إلى أوان الحج.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن أمر العمرة كما مر الحج فوري
بمعنى أنه لا يجوز التسويف فيها بالتأخير من سنة إلى سنة أخرى،
لا بمعنى أنه لا يجوز تأخيرها ولو ساعة أو أيام. وعلم أيضا أنها ليست
موقتة مخصوصة بشهر دون شهر، بل يجوز الاتيان بها في كل شهر
من الأشهر. نعم يشترط أن يكون الاحرام بعمرة في حال أحل من
احرامه للحج لعدم جواز انشاء الاحرام في حال الاحرام.
(الرابع) أنه يجب الاحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل أو
أحد المواقيت، وأما الاحرام بين أدنى الحل وأحد المواقيت فهو
خلاف الاحتياط، كما أنه لو أحرم بها في الحرم لا يجزي، وإن
خرج بعد الاحرام إلى أدنى الحل ما لم يجدد الاحرام منه، بل
يجب عليه استيناف الاحرام من خارج الحرم.

(1) الوسائل ج 10 الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 7.
174

في المواقيت وأحكامها
وهي جمع (ميقات) التي بمعنى مقدار من الزمان في اللغة
وفي عرف المتشرعة عبارة عن أماكن مخصوصة معينة لاحرام الحج
أو العمرة منها، وهي ستة أماكن: ذو الحليفة، والعقيق، وجحفة،
ويلملم، وقرن المنازل، ومكة.
وقد يطلق على كل موضع يصح الاحرام منه ولو أحيانا وهو
أربعة عشر موضعا: الستة المتقدمة والمحاذاة للميقات لمن لا يمر بها
وينزل من كان منزله أقرب إلى مكة من الميقات، والفخ للصبيان،
ومحل الامكان لمن تعذر عليه الاحرام من الميقات، والمكان المنذور
فيه الاحرام، والمكان الذي يخاف انقضاء عمرة شهر رجب لو لم
يحرم فيه، والمكان الذي يساوي أقرب المواقيت وأدنى الحل كما
تدل على ذلك روايات.
ويظهر من بعض الروايات أن الجعرانة هي أيضا من المواقيت
175

أحرم منها رسول الله صلى الله عليه وآله حين رجع من غزوة حنين.
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: إني أريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت
الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها بالحج
الحديث (1).
وعن صفوان عن أبي الفضل قال: كنت مجاورا بمكة، فسألت
أبا عبد الله عليه السلام: من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث
أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح فتح
الطائف فتح الخيبر والفتح (2).
وما هو المهم في المقام نقل الأخبار الدالة على اختصاص بعض
تلك المواقيت بقوم دون آخر، وبيان ما يظهر من كلمات الأصحاب
وأرباب اللغة في ذلك، وتعيين ما هو الأفضل من المواقيت المذكورة:
(منها) ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام: الاحرام من
مواقيت خمسة، وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر
أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد
الشجرة يصلي فيه ويفرض الحج، ووقت لأهل الشام الجحفة،
ووقت لأهل النجد العقيق، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت
لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول
الله صلى الله عليه وآله (3).

(1) الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 5 - 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3.
176

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تمام
الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله، لا
تجاوزها إلا وأنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق ولم يكن يومئذ
عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، ووقت لأهل اليمن يلملم،
ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل المغرب الجحفة
وهي مهيعة، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله خلف
هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله (1).
ومنها ما رواه الكليني باسناده عن أبي أيوب الخزاز قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول الله
أو شئ صنعه الناس؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة
ذا الحليفة، ووقت لأهل المغرب الحجفة، وهي عندنا مكتوبة مهيعة
ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت
لأهل نجد العقيق وما أنجدت (2).
وقد ذكر في رواية الحلبي المتقدمة بدل أهل (المغرب) أهل
الشام.
وفي رواية معاوية بن عمار ذكر بدل (لأهل نجد) لأهل العراق
بطن العقيق.
ومنها ما رواه الصدوق باسناده عن العمركي عن علي بن

(1) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 2.
(2) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 1.
177

جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن احرام
أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم وأهل الشام ومصر من أين هو؟
فقال: أما أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق، وأهل المدينة
من ذي الحليفة والجحفة، وأهل الشام ومصر من الجحفة وأهل
اليمن من يلملم، وأهل السند من البصرة يعني من ميقات أهل
البصرة (1).
ومنها ما رواه باسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: وقت رسول الله (ص) لأهل المشرق العقيق نحوا من
بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة
ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن
يلملم (2).
وذكر قرن المنازل لأهل نجد في هذه الرواية إما سهو من النساخ
وإما محمول على القسمة والمنطقة التي تقع نحو المشرق من الحرم
من ناحية نجد، لما تقدم في رواية أبي أيوب الخزاز والحلبي:
أن العقيق ميقات لأهل نجد.
ومنها رواية قرب الإسناد: عن محمد بن عيسى عن الحسن
ابن محبوب عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الأوقات التي وقتها رسول الله (ص) للناس؟ فقال: إن رسول
الله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة، ووقت لأهل الشام

(1) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5 - 6.
(2) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5 - 6.
178

الجحفة، ووقت لأهل اليمن قرن المنازل، ولأهل نجد العقيق (1).
وتعيين قرن المنازل وقتا لأهل اليمن في هذه الرواية لا يلائم
ما تقدم من الأخبار المصرحة فيها بأنه صلى الله عليه وآله وقت لأهل يمن يلملم
لأن قرن المنازل وقع في شرق يمن وطريقهم إلى مكة يلملم.
ومنها رواية أخرى في قرب الإسناد: عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن احرام أهل الكوفة
وخراسان ومن يليهم وأهل مصر من أين هو؟ قال: احرام أهل العراق
من العقيق ومن ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل اليمن
من قرن المنازل، وأهل السند من البصرة أو مع أهل البصرة (2).
وهنا روايات أخرى لا يهمنا ذكرها، وإنما المهم البحث عن
حدود تلك المواقيت وبيان الأحكام المترتبة عليها:
(أما ذو الحليفة) وهو مسجد الشجرة، فقد وقع الخلاف في
المسافة بينه وبين المدينة.
عن السمهودي في خلاصة الوفاء أنه قال: قد اختبرت ذلك
فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة
مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع واثنان وثلاثون
ذراعا ونصف ذراع.
وعن القاموس أنه موضع على ستة أميال من المدينة، وهو ماء

(1) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 7.
(2) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 8.
179

لبني جشم، وقيل سبعة وقيل أربعة، وأما من مكة فالمسافة إلى
ذي الحليفة عشر مراحل وقيل غير ذلك.
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:
ومسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد
ثم اليوم ليس شئ من السقائف منه (1).
وبالجملة إن ذا الحليفة ميقات أهل المدينة وهو أفضل المواقيت
وأحرم منها رسول الله صلى الله عليه وآله.
في العلل باسناده عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من مسجد
الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ فقال عليه السلام: لأنه لما
أسري به إلى السماء وصار بحذاء الشجرة نودي: يا محمد؟ قال:
لبيك. قال: ألم أجدك يتيما فآويتك، ووجدتك ضالا فهديتك؟
فقال النبي: إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك. فلذلك
أحرم من الشجرة دون المواضع كلها (2).
وما هو الجدير بالبحث في المقام إن (ذا الحليفة) الذي أحرم
منه رسول الله أفضل المواقيت هل هو مسجد الشجرة بلا زيادة
ونقيصة، أو هو أوسع من المسجد بل هو جزء منه. وعلى الثاني
فهل مساحة ذي الحليفة معلومة تفصيلا أو هي مجهولة، وحينئذ لا

(1) الوسائل ج 8 الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 13.
180

مناص من الأخذ بالقدر المتيقن منها عند الشك فيها، إن ثبت أن
ذا الحليفة أو الميقات منها هو المسجد فقط فلا يجوز الاحرام خارج
المسجد حتى للجنب والحائض، فيجب عليهما أن يؤخر الاحرام
إلى حصول الطهارة أو الاحرام حال العبور من المسجد، وإن لم
يتمكنا يجب عليهما تأخير الاحرام إلى الجحفة للضرورة المسوغة
لذلك كما يأتي.
أقول: الظاهر من الأخبار المصرحة فيها بأن ذا الحليفة هو مسجد
الشجرة، إن خارج المسجد ليس منه ومن الميقات، كرواية الحلبي
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الاحرام من مواقيت خمسة،
وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا
بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة (1).
وعن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الأوقات التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله للناس. فقال: إن رسول الله
وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهي الشجرة (2).
وعن الأمالي في حديث: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة
ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة (3).
بناء على أن يراد من المسجد نفس المسجد لا المحل الذي
وقع المسجد فيه كما هو الظاهر من اللفظ أيضا، مع قطع النظر

(1) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 7.
(2) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 7.
(3) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 12.
181

عن القرائن الخارجية الدالة على خلاف ذلك، ولكن الظاهر من
رواية الحلبي إن الميقات أوسع من المسجد لما ذكر فيها: أن
رسول الله حين حج حجة الاسلام خرج في أربع بقين من ذي
القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء
فأحرم منها وأهل بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلهم
بالحج (1).
ويقرب منها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
وفيها: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما
انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى أتى
المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم (أحرم) بالحج
مفردا، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصف الناس
له سماطين فلبى بالحج مفردا الخبر (2).
الظاهر منها أن ذا الحليفة كان أوسع من المسجد الواقع عند
الشجرة، فإنه صلى الله عليه وآله اغتسل في ناحية من ذي الحليفة وخرج من
المغتسل وانتهى إلى المسجد الذي كان بعيدا من المغتسل كما هو
المتبادر من قوله (حتى أتى المسجد)، إذ لو كان متصلا بالمغتسل
لما يصح هذا التعبير والاطلاق، كما أن الظاهر من قوله (عزم بالحج)
أنه صلى الله عليه وآله نوى الحج مفردا ولبى به في البيداء عند الميل الأول

(1) الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 14.
(2) الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 4.
182

وساق هديه هناك.
والمسافة بين الميل الأول والمسجد وإن كانت مجهولة
عندنا إلا أن المسلم أنه خارج عن المسجد وأنه من الميقات
الواقع في ذي الحليفة.
ويظهر من الرواية أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انتهى إلى ذي
الحليفة زالت الشمس واغتسل وأتى المسجد وصلى فيه، وخرج
حتى أتى البيداء قبل صلاة العصر ولبى بالبيداء وكذا الذين صفوا
سماطين لبوا بالبيداء، إذ لا يمكن لهم الاحرام في المسجد لعدم
سعته لجماعة كثيرة بل لبوا خارج المسجد وأحرموا منه. ولا
يستقيم هذا إلا على القول بأن خارج المسجد من الميقات وذي
الحليفة. ويمكن استفادة ذلك من رواية عبد الله بن سنان
عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم
بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن
احرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).
لوضوح أن البيداء لو لم يكن من الميقات لكان الأنسب أن
يقال حذاء الشجرة. فتحصل من جميع ما ذكر أن ذا الحليفة الذي هو
ميقات لأهل المدينة أوسع من المسجد الذي وقع عند الشجرة، و
تفسيره بالمسجد واطلاق المسجد عليه كما في الروايات، ليس إلا
من باب تسمية الكل باسم الجزء، وإرادة الكل منه تعظيما للمسجد

(1) الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.
183

كما في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام) حيث أريد من المسجد مكة المكرمة، وكما في قوله تعالى
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) المفسر في
الرواية بمن لم يكن حاضرا بمكة مطلقا.
مضافا إلى أن من الممكن والمحتمل أن يغلب اسم المسجد
على ذي الحليفة في عصر الأئمة عليهم السلام عند الناس لكثرة
الاستعمال أو لأهمية المسجد الذي في ذي الحليفة، ولذا فسروه
بالمسجد وقالوا في كلماتهم (وهو المسجد).
على أنه لا يبعد أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما وقت
المواقيت للاحرام منها لاعتبار مسافة بينها وبين مكة لئلا يجوزها
الناس بلا احرام، وأن يراعوا أدبا خاصا بالنسبة إلى حرم الله تعالى
من تلك المسافة، لا من جهة وقوع المسجد في جانب منها.
ولذا جعل الدروس الاحرام من المسجد أفضل من غيره في
ذي الحليفة، وفي جامع المقاصد جواز الاحرام من جميع مواضع
ذي الحليفة لا يكاد يدفع فالأقوى بحسب الأدلة جواز الاحرام من
خارج المسجد اختيارا.
ولا يجب على الجنب والحائض الاحرام من المسجد اجتيازا
وإن كان ذلك جائزا لهما أيضا، ولا يجب الاحتياط عليهما إذ لم
يمكن العبور من المسجد والاحرام منه اجتيازا، بأن يحرما من خارج
المسجد ويجددا الاحرام بالجحفة رجاءا وإن كان الاحتياط على
184

نحو ما ذكر حسنا. ثم إنه هل يجب على أهل المدينة أن يحرموا من مسجد الشجرة
ولا يجاوزوا المسجد إلا محرما، أم يجوز لهم تأخير الاحرام إلى
الجحفة اختيارا أو اضطرارا؟ ففيه خلاف يأتي في ذكر الجحفة إن شاء
الله تعالى.
وأما الجحفة التي هي وقت لأهل الشام، فهي موضع على
سبع مراحل من المدينة وثلاث عن مكة، وبينها وبين البحر ستة
أميال، وقيل ميلان، لعله لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة، وكانت
قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلا من مكة، وسميت (جحفة)
لاجحاف السيل بها وبأهلها، وعن المصباح المنير: منزل بين مكة
والمدينة قريب من رابغ بين بدر وخليص.
لا اشكال ولا خلاف في أن الجحفة أحد المواقيت التي وقتها
رسول الله صلى الله عليه وآله وهي وقت لأهل الشام ومصر والمغرب، إن لم
يمروا بميقات غيرها قبل ذلك.
ويدل عليه ما تقدم من النصوص الصحيحة في أول البحث، و
لا كلام فيه، وإنما هو في أن الجحفة كما هي وقت لأهل المغرب،
هل هي وقت لأهل المدينة مطلقا أو عند الاضطرار؟ ففيه خلاف بين
الأصحاب.
نقل عن ظاهر الجعفي وابن حمزة جواز الاحرام من جحفة لأهل
المدينة مطلقا، ويظهر أيضا من رواية قرب الإسناد المتقدمة، وفيها
185

(أما أهل الكوفة وخراسان فمن العقيق، وأهل المدينة من ذي
الحليفة والجحفة) (1).
وكذا من رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
خصال عابها عليك أهل مكة. قال: وما هي؟ قلت: قالوا أحرم من
الجحفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة، قال عليه السلام:
الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما وكنت عليلا (2).
ورواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من أين
يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، ولا يجاوز
الجحفة إلا محرما (3).
ولكن ظاهر بعض الروايات اختصاص الجواز بالضرورة وأنه
لا يجوز الاحرام من الجحفة لأهل المدينة في غير تلك الصورة.
(ومنها) رواية أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة وقد
كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه وعليه
ثيابه، وهم لا يعلمون، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان مريضا
أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة (4).
ويظهر أيضا من رواية أبي بصير المتقدمة قال: قلت لأبي عبد

(1) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 5.
(2) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4 - 3.
(3) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4 - 3.
(4) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 5.
186

الله عليه السلام: خصال عابها عليك أهل مكة. قال: وما هي؟ قلت:
قالوا أحرم من الجحفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة. قال:
الجحفة أحد الوقتين وكنت عليلا (1).
و (منها) رواية معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: إن معي والدتي وهي وجعة. قال: قل لها فلتحرم من آخر
الوقت، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل
المغرب الجحفة، ولا تجاوز الجحفة إلا محرما (2).
بناءا على أن المراد من آخر الوقت الميقات الآخر من المواقيت
كما في الحدائق، أو الوقت الآخر وهي الجحفة في طريقهم إلى
مكة.
وليس فيما بأيدينا من الروايات ما يخالفها، مضافا إلى أن
معظم الأصحاب قد عملوا بها، فيقيد بها ما يدل على أن الجحفة
أحد المواقيت لأهل المدينة مطلقا، وعمل الأصحاب بها يجبر
ضعفها، وإن كان من الممكن أن يقال: إن فتوى الأصحاب بجواز
الاحرام من الجحفة عند الضرورة ليس من باب العمل بالروايتين
والاستناد إليهما حتى يجبر ضعفهما، بل من جهة الأخذ بالقدر المتيقن
من الأدلة الدالة على أن الجحفة أحد الميقاتين لأهل المدينة،
وحينئذ يشكل تقييدها بها، ولكن ما ذهب إليه المعظم موافق لقاعدة
الاحتياط، وهو الذي اختاره في الجواهر أيضا.

(1) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4 - 3.
(2) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 4 - 3.
187

ثم إنه بناءا على وجوب الاحرام من مسجد الشجرة، لو عصى
وجاوز بلا احرام منه أو نسي أو جهل، فهل يصح له الاحرام من
جحفة أو يجب عليه الرجوع إلى ذي الحليفة والاحرام منها؟ الظاهر
هو الأول، لكفاية الاحرام من الجحفة لكل من يمر منها، وإن أثم
بترك الاحرام قبل ذلك عند المرور من الميقات.
ويدل عليه أيضا رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة ولا يجاوز
الجحفة إلا محرما (1).
ورواية معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
من أهل المدينة أحرم من الجحفة. فقال: لا بأس (2).
ولا يعارضهما ما تقدم من الأخبار المقيدة لجواز الاحرام من
الجحفة بصورة الضرورة والاضطرار، إذ لا مانع بين عدم جواز
تأخير الاحرام من الشجرة إلا عند الضرورة وبين اجزاء الاحرام
من الجحفة لو عصى وجاوز الشجرة من غير ضرورة، فإن الأول
حكم تكليفي مقيد بما ذكر، والثاني حكم وضعي لا قيد له، ونقل
عن بعض أنه قال: وينبغي القطع بذلك.
لا يقال: إن الأخبار الدالة على وجوب الرجوع إلى الميقات
على من نسي وجاوز بغير احرام عمدا أو جهلا إذا تمكن يشمل ما نحن
فيه، فيجب الرجوع على من مر بالشجرة ولم يحرم منها من غير عذر.

(1) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 1.
188

فإنه يقال: إن تلك الروايات واردة فيمن نسي الميقات ومر
بها، من دون احرام ولم يكن وقت بعدها حتى يحرم منها إذا مر
بخلاف المقام، فإن الرواية التي تدل على أن الجحفة أحد
الميقاتين تشمل باطلاقها لمن جاوز الشجرة من دون احرام، فتكون
حاكمة عليها، لأنها وردت فيمن مر من المسجد بلا احرام، ويصح
احرامه ولا يجب عليه الرجوع إلى ذي الحليفة.
(مسألة) من دخل المدينة وأراد الحج منها فهل يجب عليه
الاحرام من مسجد الشجرة كأهل المدينة أو يجوز له العدول إلى
طريق ينتهي إلى ميقات آخر من غير مرور بالمسجد فيحرم منه؟ الظاهر
أن ذلك جائز، ولا اشكال في اجزاء الاحرام منه أيضا إذا كان المرور
عن غير طريق المسجد، ولا ينافي ما ذكر ما روي عن إبراهيم بن
عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سألته عن
قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيام يعني الاحرام
من الشجرة وأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها؟
فقال: لا وهو مغضب، من دخل المدينة فليس له إلا أن يحرم من
المدينة (1).
ووجه عدم التنافي: أن الرواية محمولة على من أراد العبور
من مسجد الشجرة بدون الاحرام منه حتى يمروا بميقات آخر
خوفا من البرد وكثرة الأيام، ويمكن حملها على الكراهة كما
اختاره الجواهر.

(1) الوسائل ج 8 الباب 8 من أبواب المواقيت الحديث 1.
189

(مسألة) ثم إنه بناءا على جواز تأخير الاحرام من الشجرة
إلى الجحفة عند الضرورة للمريض وغيره، فهل هو أمر ترخيصي
له أن يحرم من مسجد الشجرة أو يؤخر إلى الجحفة، أو يجب على
المعذور التأخير؟ الظاهر هو الأول، إذ لا يستفاد من الأدلة إلا جواز
التأخير لا تعينه ولزومه. فعلى هذا لو أحرم من المسجد في حال
المرض وارتكب في مسيره ما يوجب الكفارة أو الفدية يلزمه حكم
ما ارتكب واحرامه صحيح.
وأما يلملم فهو وقت لأهل اليمن، يقال له أيضا الملم ويرمرم
وهو جبل على مرحلتين من مكة، وقيل إنه في زماننا محاط بالماء،
وأهل اليمين يحرمون من محاذاته، وقيل إنه جبل من جبال تهامة
يبعد عن مكة أربعة وتسعون كيلو مترا.
وعلى كل حال لا خلاف في كونه وقتا لأهل اليمن.
وأما قرن المنازل فهو ميقات أهل الطائف، وهو بفتح القاف
وسكون الراء، وعن الجوهري فتحهما جبل مشرف على عرفات
على مرحلتين من مكة معروف في زماننا.
وفي بعض الروايات أنه ميقات لأهل نجد، لعله وقت لمن
يمر منهم من طريق الطائف.
ويدل على كونه وقتا لأهل الطائف رواية الحلبي المتقدمة
ومعاوية بن عمار، مضافا إلى عدم نقل الخلاف فيه.
وأما وادي العقيق فهو ميقات من كان طريقه من العراق. عن
190

الوسيلة بطن العقيق وهو لأهل العراق ومن حج على طريقهم، وعن
المراسم إن ميقات أهل العراق بطن العقيق وأوله مسلخ وأوسطه
غمرة وآخره ذات عرق، ولا يتجاوز ذات عرق إلا لعذر.
قال المرتضى في المسائل الناصريات في مسألة (140):
ميقات أهل العراق العقيق، وإليه يذهب أصحابنا ويقولون: إن
ميقات أهل العراق وكل من حج من المشرق على طريقهم بطن
العقيق، وأوله المسلخ ووسطه الغمرة وآخره ذات عرق، والأفضل
الاحرام من المسلخ، ودليلنا على ذلك الاجماع.
والعقيق لغة كل واد عقه السيل أي نسقه فانهره ووسعه، وسمي
به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات وهو واد يندفق
سيله في غوري تهامة، كما عن تهذيب اللغة.
والمشهور أن أفضل العقيق أوله، ويقال له المسلخ بالخاء أو
المسلح بالحاء المهملة، بل نسب إلى الأصحاب وادعي الاجماع،
وأوسطه غمرة بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة سميت
بها لزحمة الناس فيها، نهل من من أهل مكة، وهو فصل ما بين نجد
وتهامة، آخره ذات عرق.
والمشهور كما تقدم إن الاحرام جائز في أول العقيق ووسطه و
آخره ذات عرق، والأفضل أوله.
ولكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية والصدوق في المقنع وابن
بابويه، يشعر بعدم جواز التأخير إلى ذات عرق إلا لمرض وتقية،
191

ويدل على الجواز ما روي عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: حد العقيق أوله المسلخ وآخره ذات عرق (1).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: وقت رسول
الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق، وأوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره
ذات عرق، وأوله أفضل (2).
ويدل بعض الأخبار على عدم جواز تأخر الاحرام إلى ذات
عرق، بل يظهر من بعضها خروجها عن العقيق ولعلها مستند الشيخ
والصدوقين في المنع عن التأخير إلى ذات عرق إلا لعذر.
عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وقت رسول
الله صلى الله عليه وآله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث
إلى غمرة (3).
وعن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: حد العقيق ما
بين المسلخ إلى عقبة غمرة (4).
وروى الكليني باسناده عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: آخر العقيق بريد أوطاس. وقال:
بريد البعث دون غمرة ببريدين (5).

(1) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 7.
(2) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 9.
(3) الوسائل ج 8 الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 6.
(4) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 5.
(5) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 1.
192

وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب
الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون
متصلا بهم يحج ويأخذ عن الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ،
فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر احرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم
لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه
في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه،
فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره (1).
فيستفاد منها عدم جواز تأخير الاحرام إلى ذات عرق، وإن كان
الحمل على الأفضيلة أيضا مما يساعده الدليل.
وأما ميقات من منزله أقرب إلى مكة من الميقات، منزله.
هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب وادعي عدم الخلاف
فيه، وكذا بين العامة إلا مجاهد، ولم ينقل الخلاف من الخاصة
إلا عن المجلسي (قده)، ولا بد في هذه المسألة من بيان أمور:
(الأول) إنه لا يخفى على المتتبع في الأخبار المأثورة أن
للاحرام مواقيت خاصة يجب على من يريد دخول مكة أن يحرم
منها، ولا يصح الاحرام من أي مكان شاء، وإلى ذلك يشير قوله
عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها
رسول الله (2).

(1) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.
(2) الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1.
193

(الثاني) إن من كان منزله الميقات فوقته منزله، كما صرح
به في الصحيحة المتقدمة حيث قال عليه السلام: (ومن كان منزله
خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله) وكذا في الفقه
الرضوي ففيه (ومن كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها وبين مكة
فعليه أن يحرم من منزله) وفي صحيح مسمع عن أبي عبد الله عليه
السلام: إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من
منزله (1).
وعن عبد الله بن مسكان عن أبي سعيد قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال: يحرم
منه (2).
وغير ذلك من الروايات.
(الأمر الثالث) إن تلك الروايات شاملة لأهل مكة، ولا فرق
بينهم وبين غيرهم ممن يعيشون دون الميقات ويكون منزلهم دون
المواقيت إلى مكة.
فما عسى يتوهم من عدم شمول الأخبار لأهل مكة واختصاصها
بمن كان منزله دون الميقات خارج مكة، في غير محله ولا يعتنى
به، ضرورة أنها ظاهرة في كل من كان منزله دون الميقات، ولا فرق
في ذلك بين المكي وغيره.

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 3.
(2) الوسائل ج 8 الباب 17 من أبواب المواقيت الحديث 4.
194

وبالجملة كما أن غير أهل مكة مكلفون بالاحرام من المواقيت
الخاصة المعينة ومن كان منزله دون الميقات فمن منزله، فكذلك
المكي يجب أن يحرم من الأمكنة الخاصة لا من أي مكان أراد، فإذا
لم يجب عليه الاحرام من الميقات فيجب من منزله لا من الجعرانة
أو التنعيم.
وأما الرواية الواردة في أن الإمام عليه السلام إنما أمر أصحابه
من أهل مكة بالاحرام من التنعيم، فإنما هي شاذة لم يعمل بها، أو
هي مخصوصة بالمجاور بمكة، كما في الحدائق عن ابن مسكان
عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا
مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ فقال
قل لهم إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا
. الخبر (1).
(الأمر الرابع) إن الاحرام من المنزل لأهل مكة ومن كان منزله
دون الميقات ليس على نحو العزيمة والوجوب بل على نحو التوسعة
والترخيص، فلو خرج مكي أو من كان منزله دون الميقات إلى أحد
المواقيت فأحرم منه يصح احرامه، بل هو أفضل.

(1) الوسائل ج 8 الباب 9 من أقسام الحج الحديث 4.
195

المحاذاة
من حج على ميقات لزم الاحرام منه، ومن حج على طريق لا
يفضي ولا يمر بأحد المواقيت يحرم من محاذاة أقرب المواقيت التي
تقع في طريقه.
قال المحقق في الشرائع: يحرم من أقرب المواقيت إلى مكة،
وأطلق ابن إدريس وابن سعيد محاذاة الميقات، وصرح في
التصريح بأقرب المواقيت إلى من يريد الاحرام، واختاره الفاضل
في المنتهى، وللمنتهى قول آخر وهو الاحرام من أبعد المواقيت.
واستجود صاحب المدارك ما اختاره صاحب الشرائع.
فعلى هذا المسألة ذات أقوال أربعة:
(الأول) الاحرام من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة،
وهو خيرة الشرائع.
(الثاني) محاذاة أبعد المواقيت إلى مكة، كما في المنتهى
196

في أحد قوليه.
(الثالث) محاذاة أقرب المواقيت إلى من يريد الحج من ذلك
الطريق.
(الرابع) جواز الاحرام من محاذاة أي ميقات من المواقيت
وهو مقتضى اطلاق عبارة أبي حمزة وابن سعيد.
وإذا عرفت ذلك فأقول: وجوب الاحرام من المحاذاة وجوازه
قد يكون من جهة النصوص الواردة في المسألة، وأخرى من جهة
مقتضى القواعد الفقهية.
أما الأولى فمقتضاها الاحرام من محاذاة أول ميقات يمر به
في طريقه سواء كان أقرب المواقيت إلى من يريد الحج أو إلى
مكة أو أبعدها كذلك، لأن المستفاد من الصحيح الوارد في المقام
وجوب الاحرام متى تحققت المحاذاة.
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقام
بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل
المدينة الذي يأخذونه، فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال،
فيكون حذاء الشجرة من البيداء (1).
وفي رواية أخرى رواها الصدوق عنه عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم
بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة

(1) الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 1.
197

والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها (1).
الرواية من حيث السند صحيحة، عمل بها جمع من الأعاظم
بل ادعي عمل المشهور عليها.
وأما من حيث الدلالة فبالنسبة إلى
محاذاة مسجد الشجرة صريحة لا اجمال فيها، فإذا خرج أحد من
المدينة وسار ستة أميال يكون محاذيا للمسجد، كما صرح به الإمام
عليه السلام في الرواية، ولا حاجة إلى البحث في معنى المحاذاة
هنا أو معنى الأقربية.
وأما محاذاة سائر المواقيت وجواز الاحرام منها فيمكن أن يقال:
إن رواية ابن سنان وردت في مورد خاص، وتسرية الحكم إلى
غيره يشبه القياس.
وأجاب عنه في المستند بالاجماع المركب، بمعنى أن الاجماع
قائم على الملازمة بين جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة
وبين جوازه من محاذاة غيره، فإذا ثبت الحكم في أحد المتلازمين
بصراحة الصحيحة يثبت في ملازم آخر أيضا، وهو جواز الاحرام
من محاذاة سائر المواقيت.
ويمكن أن يجاب عنه بنحو آخر، وهو أن المناسبة بين الحكم
والموضوع يقتضي عدم دخالة شئ من خصوصيات المورد في
الحكم، عدا كونه محاذيا للميقات كما يشعر به قوله عليه السلام
فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة، وواضح

(1) الوسائل ج 8 الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 3.
198

إن الشجرة من حيث أنه ميقات يقتضي ذلك دون سائر الخصوصيات
ولعل ما ذكرناه هو السر في كلام من أفتى بجواز الاحرام من ساير
المحاذاة أيضا.
وأما مقتضى القاعدة الموجودة في المسألة، فتارة يقال إنه قد
تحصل من النصوص الواردة وثبت بها أن لكل من يريد الاحرام
لدخول مكة وقتا خاصا يجب احرامه منها، وأخرى أنه لم يثبت
من النصوص هذا الحكم على نحو العموم الشامل لكل من يريد
الاحرام لدخول مكة.
فإن قلنا بالأول فيجب على من يسير في طريق لا يفضي إلى
ميقات، أن يذهب إلى أحد المواقيت وأحرم منه، لأن ذمته قد
اشتغلت بوجوب الاحرام من المواقيت الخاصة، والشغل اليقيني
يقتضي البراءة كذلك، فإذا لم يحرم من أحد المواقيت وإن أحرم
من المحاذاة حذاء الشجرة أو غيرها لا يحصل القطع بالبراءة
والفراغ من الذمة، لولا الدليل الخاص على كفاية الاحرام من
المحاذاة كما في محاذاة مسجد الشجرة.
وأما إذا قلنا بعدم ثبوت ميقات خاص لكل واحد من المحرمين
بل قلنا إن المستفاد من الأدلة أن من مر في طريقه بأحد المواقيت
الخمسة أو الستة يجب عليه أن لا يجاوزه إلا محرما، فحينئذ لا يجب
عليه العبور والمرور بأحد المواقيت، ولو شك في الوجوب فينفيه
الأصل والبراءة.
199

نعم لا يجوز له الدخول في الحرم بغير احرام، فيجب الاحرام
لذلك. وحيث أن مقتضى النص الوارد في المسألة وجوب الاحرام
عند تحقق المحاذاة فيحرم حذاء أول ميقات يمر بحذائه في طريقه،
وأما ما اختاره المحقق في الشرائع من وجوب الاحرام بحذاء
أقرب الميقات إلى مكة لا يمكن إقامة الدليل عليه.
ثم إنه هل يعتبر العلم بالمحاذاة أو يكفي الظن به، صرح في
الجواهر بالثاني، واستدل عليه بالأصل والحرج وانسباق الذهن
إلى إرادة الظن وكفايته في أمثال ذلك.
أما الحجر فيرد على الاستدلال به في المقام: أو لا بعدم لزوم
الحرج في تحصيل العلم بالمحاذاة، وثانيا بأن دليل الحرج إنما
يرتفع به التكليف الذي يكون بنفسه حرجا على المكلف وأما
الحرج الآتي من الامتثال والقطع بالبراءة فلا يرفعه، إذ لا حرج
في أصل التكليف لوجوب الاحرام من المحاذاة في حد نفسه،
وإنما الحرج في العلم بامتثال هذا التكليف، نظير الصلاة إلى جوانب
أربعة إذا اشتبهت عليه القبلة وجهل بها، فإن الحرج في تلك المسألة
لم يأت من جعل وجوب الصلاة وتشريعها على المكلف، بل هو
أمر تعلق بوجوب صلاة واحدة إلى القبلة، وإنما الحرج من ناحية
الجهل بها.
وبالجملة المجعول شرعا صلاة واحدة إلى القبلة، لا الصلاة
إلى أربع جهات، ودليل الحرج إنما يرفع وينفي المجعول الحرجي
200

لا غيره. وما نحن فيه أيضا كذلك، إذ لا حرج في وجوب الاحرام
من المحاذاة حتى ينفى بدليل نفي الحرج.
وأما الاستدلال بالأصل، فالظاهر أنه لا مورد له في المقام،
لثبوت التكليف بالاحرام من المحاذاة. نعم لو كان تحصيل العلم
بالمحاذاة تكليفا شرعيا مستقلا مشكوكا قبال وجوب الاحرام من
المحاذاة لأمكن اجراء البراءة منه عند الشك في وجوب تحصيل
العلم، ويقال الأصل عدم وجوب تحصيل العلم به، وإن المتيقن
من التكليف وجوب تحصيل الظن، والزائد مشكوك فينفي بالأصل،
ولكنه أول الكلام واثباته مشكل.
وأما دعوى انسباق الذهن إلى كفاية الظن في أمثال المورد
وإن كان لا يبعد في مثل الموارد التي يكون باب العلم فيها مسدودا
غالبا إلا أنه ليس بحيث يوجب الاطمئنان بحصول البراءة من
التكليف الثابت القطعي.
نعم لو سأل أهل الخبرة عن ذلك وأخبروه بالمحاذاة لا يبعد
كونه حجة مطلقا حتى فيما إذا لم يحصل منه العلم أو الظن، كما
في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجزيك
إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك (1).
لوضوح أن الأخذ بقول أهل الخبرة والاطلاع في مثل تلك
الموارد كان معمولا بين الناس وعليه السيرة المستمرة، كما في

(1) الوسائل ج 8 الباب 5 من أبواب المواقيت الحديث 1.
201

الأخذ بالأمارات وقول ذي اليد.
لكن الاحتياط مع هذا كله تحصيل العلم بالحذاء إن أمكن أو
الأخذ بقولهم فيما إذا أفاد الظن وإن كان الظاهر من الرواية كفاية
قولهم مطلقا.
ثم إنه لا فرق في كفاية الاحرام من حذاء أحد المواقيت بين
كون السير على الأرض أو على طريق الجو أو البحر لشمول الأدلة
للجميع ولا وجه لانصراف الأدلة إلى طريق الأرض، وذكر طريق
الأرض إنما هو من باب المثال لا الخصوصية، فلو وصل في الجو
إلى موضع علم بحذائه لأحد المواقيت أو ظن ذلك بناءا على كفايته
يحرم منه، بل يكفي الاحرام فوق الميقات أيضا إذا علم به.
(تنبيه)
قال صاحب العروة قدس سره: الظاهر أنه لا يتصور طريق إلى
مكة لا يعبر بأحد المواقيت أو بمحاذاتها، فإن المواقيت محيطة بالحرم،
فعلى هذا لا يتصور خط من الخطوط المتصلة إلى الحرم إلا وهو
إما محاذ لميقات من المواقيت أو نفسها ولا يكون خارجا عنها.
وقد أورد عليه الفقيه الفقيد البروجردي قدس سره في الحاشية
على العروة بما لا يخلو من الاشكال، قال: (قده): ليس الأمر كما
ذكره صاحب العروة من إحاطة المواقيت بالحرم، فإن ذا الحليفة
والجحفة كليهما في شمال الحرم على خط واحد تقريبا، وقرن المنازل
202

في شرقه، والعقيق بين الشمال والمشرق، فيبقى يلملم وحده لثلاثة
أرباع الدائرة المحيطة بالحرم، وبينهما وبين قرن المنازل أكثر من
ثلاثة أثمان الدائرة انتهى.
وقد كتبنا في الحاشية على العروة مطابقا للخريطة الجغرافيائية
الحديثة: أن يلملم يقع في جنوب مكة، وقرن المنازل في مشرقها
ومسجد الشجرة في الشمال، والجحفة في الشمال الغربي، ووادي
العقيق في الشمال الشرقي، ولا يضر كون يلملم في ثلاثة أرباع
الدائرة، فإن ميقات تلك الناحية بأجمعها يلملم، فالمواقيت في شتى
مواردها محيطة بالحرم، وإن كانت المسافة بينها مختلفة والجهات
متباينة، فما اختاره السيد في العروة من إحاطة المواقيت بالحرم
من جميع الجوانب يكون صحيحا، ولا يرد الاشكال عليه.
ولو سلمنا اشكال سيدنا الفقيه البروجردي قدس سره من أن
يلملم يبقى وحده لثلاثة أرباع الدائرة لا يضر بما ذكرناه لتحقق
المحاذاة عرفا أيضا.
(في معنى المحاذاة)
ثم إن المحاذاة تتحقق بأن يصل المسافر في طريقه إلى مكة إلى
موضع يكون الميقات على يمينه أو شماله بالخط المستقيم، ولكن
عبارة العروة في المسألة مضطربة أو محرفة غير وافية بالمقصود،
والظاهر تحقق المحاذاة بوقوع الميقات على يمين المسافر أو شماله،
203

ولا يعتبر كون المسافة بينه وبين مكة كما بين ذلك الميقات وبين مكة
وعلى هذا ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر ومن صعد
البحر جدة، بناءا على أن الجدة محاذية لأحد المواقيت لا أنها
ميقات بنفسها، وإن كان ذلك غير محرز لنا.
(فرع) لو أحرم في موضع ظن أنه محاذ لأحد المواقيت ولم
يتبين الخلاف، فلا اشكال في صحة احرامه وحجه، وأما لو تبين
بعد الاحرام أنه كان قبل المحاذاة ولم يتجاوزها، أعاد الاحرام
وإن جاوزها أو تبين كونه الاحرام بعد المحاذاة يجب عليه العود
إلى المحاذاة إن أمكن وتجديد الاحرام منها، وإلا يجدد الاحرام
من مكانه، إلا إذا علم أنه حين الاحرام بعد المحاذاة لم يكن متمكنا
في نفس الأمر من العود إليها، فيكفي حينئذ الاحرام السابق بعد
المحاذاة وإن كان تجديد الاحرام في هذا الفرض أيضا أولى.
204

ميقات العمرة المفردة
وأما العمرة المفردة للقارن والمفرد إذا كانا في مكة سواء كانا
مكيين أو مجاورين أو قادمين بمكة فميقاتها أدنى الحل بلا خلاف
في ذلك، ويستحب أن يحرم بها من الجعرانة أو من الحديبية أو
من التنعيم، للتصريح بها في الروايات.
وعن التذكرة ينبغي الاحرام من الجعرانة، فإن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم اعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، وقد أمر رسول
الله صلى الله عليه وآله عائشة بالاحرام منه، فمن فاته فمن الحديبية.
قال في الجواهر: استفادة الترتيب في الفضل من النصوص
مشكل انتهى.
وأما النصوص فمنها ما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عمر متفرقات: عمرة ذي
القعدة أهل من عسفان وهي عمرة الحديبية، وعمرة أهل من الجحفة
205

وهي عمرة القضاء، وعمرة من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف
من غزوة حنين. ورواه الصدوق مرسلا، إلا أنه قال: ثلاث عمر
متفرقات كلهن في ذي القعدة (1).
هذا ما عثرت عليه في كتب الخاصة، وأما العامة فقد روي عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة
القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي مع حجه (2).
وعن سماعة في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام: من دخلها
لعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة
فيحرم منها (3).
وعن جميل ابن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي
إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج إلى التنعيم
فتحرم فتجعلها عمرة (4).
(فخ) وهو موضع معروف على فرسخ من مكة يجرد الصبيان منه.

(1) الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 2.
(2) الوسائل ج 10 الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 6.
(3) الوسائل ج 8 الباب 8 من أقسام الحج الحديث 1.
(4) الوسائل ج 8 الباب 21 من أقسام الحديث 2.
206

لا اشكال في أصل المسألة حكما، ويدل عليه رواية أيوب أخي أديم
قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام من أين تجرد الصبيان. قال: كان
أبي يجردهم من فخ. وروى مثله علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر عليهما السلام (1).
إنما الكلام في أن تجريد الصبيان من فخ كناية عن احرامهم
منه، أو المراد أن الصبيان بعد ما أحرموا كغيرهم من المواقيت
يجوز لهم لبس المخيط حال احرامهم، إلى أن يصلوا إلى فخ
فيجردوا منها؟ قولان، ذهب إلى كل منهما جماعة.
والمهم في المقام نقل الأخبار الواردة في المسألة والتأمل في
مقتضاها، وهي على طوائف ثلاث:
(منها) ما أمر فيها بتجريد الصبيان من فخ، كصحيحة علي بن
جعفر وأيوب.
و (منها) ما تدل على احرامهم من مكان أبعد من فخ، كبطن مرو
والجحفة، كرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
أنظروا من كان معكم من الصبيان فقدموا إلى الجحفة أو إلى بطن
مرو ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم، ومن
لا يجد الهدي منهم فليصم عنه (2).
و (منها) ما تدل على وجوب احرامهم من العرج، روى يونس

(1) الوسائل ج 8 الباب 18 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.
207

ابن يعقوب عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن معي
صبية صغارا وأنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال:
ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت
في تهامة. ثم قال: فإن خفت عليهم فأت بهم الجحفة (1).
قال في المدارك: المراد من التجريد هو الاحرام بهم من فخ
كما صرح به المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه، بل
ربما نسب إلى الأكثر، وعن الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف
فيه، وقد نص الشيخ قدس سره وغيره كما في المدارك، على أن
الأفضل الاحرام بالصبيان من الميقات، لكن رخص في تأخير
الاحرام بهم حتى يصيروا إلى فخ، وجواز التأخير إلى فخ ليس
على نحو العزيمة، بل هو رخصة لهم، هذا هو القول الأول.
والقول الثاني إن أحرم الصبيان من الميقات كغيرهم من
المكلفين، إلا أنه رخص لهم لبس المخيط إلى فخ فيجردون منه
كما عن السرائر والمقداد والكركي وقواه في الجواهر.
واستدلوا بعموم نص المواقيت والنهي عن تأخير الاحرام عنها
وهو يشمل الصبي، سواء قلنا بأن عبادته شرعية أو تمرينية، فميقاته
مثل ميقات المكلفين، إلا أنه رخص له في لبس المخيط إلى أن
يتمكن من التجريد، وهو يختلف بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة.
ولعل القول الثاني هو الأقوى، لما يوجد في الروايات من

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 7.
208

التلويح والإشارة إلى أن الشارع لم يجعل حج الصبيان خارجا
عن حكم حج سائر المكلفين من جهة الميقات وغيره، فيشملهم ما
يشمل الكبير من العمومات الدالة على وجوب الاحرام من المواقيت
التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم جوازه قبلها، وغيرها من الأحكام
إلا في لبس المخيط وتجريدهم من فخ، لخوف الضعف والعسر
على الصبيان.
وأشكل صاحب المدارك بأن شمول العام وتناوله غير البالغين
المكلفين ممنوع، مضافا إلى ظهور التجريد فيما اخترناه من الاحرام
بهم من فخ انتهى.
وفيه: أن العمومات التي تدل على عدم جواز المرور والعبور
من الميقات إلا بالاحرام لا قيد فيها ولا خصوصية بالنسبة إلى من
يمر بها، من ذكر وأنثى وصغير وكبير وقريب وغريب، بل إنما هي
في مقام بيان أصل الحكم، وإن للحرم والكعبة حرمة خاصة يجب
رعايتها من المسافة المعينة من جوانبها، ولا يجاوز تلك الأمكنة
أحد إلا محرما مؤديا لحق الحرم ومكة والمسجد والكعبة. وهذا
حكم عام شامل لكل صغير وكبير، يشمل الصغار وغير البالغين كما
يشمل الكبار والبالغين، كما يستفاد من بعض النصوص أن من تمام
الحج الاحرام من المواقيت. فعلى هذا يبقى العموم بحاله ولا يرد
عليه التخصيص أصلا.
وأما جواز تأخير التجريد إلى فخ، إنما هو لضعف الصبيان
209

وعدم تحملهم المشاق، فيكون مخصصا لأدلة حرمة لبس المخيط
فقط. وأما النصوص التي يمكن استفادة العموم منها بالنسبة إلى
الصبيان:
(فمنها) ما تقدم كرواية علي بن جعفر وابن حر ومعاوية بن عمار
ويونس بن يعقوب.
و (منها) ما عن عبد الرحمن بن حجاج عن أبي عبد الله عليه
السلام في حديث قال: قلت له: إن معنا صبيا مولودا فكيف نصنع
به؟ فقال: مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها. فأتتها
وسألتها كيف تصنع فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه
وغسلوه كما يجرد المحرم وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر
فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن
تطوف به بالبيت وبين الصفا والمروة (1).
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أنظروا
من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة أو إلى بطن مرو،
يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم، ومن لا يجد
الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).
والظاهر أن تخصيص أدلة حرمة لبس المخيط على المحرم،

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.
210

أولى من تخصيص أدلة وجوب الاحرام من الميقات على من يمر
به، لإباء بعضها عن التخصيص.
وبتقريب أوضح: إن الرواية ظاهرة في جواز تأخير الاحرام
إلى فخ وصريحة في جواز لبس المخيط وتأخير التجريد إليه،
فالأمر يدور بين القول بجواز تأخير الاحرام إلى فخ، والقول بجواز
لبس المخيط إليه مع انشاء الاحرام من الميقات، والثاني هو
المتيقن، والأول محتمل، وليس ظهوره بحيث يكافؤ عمومات
وجوب الاحرام من الميقات.
ثم إن ترخيص تجريد الصبيان إلى فخ إنما هو بلحاظ ضعف
الصبيان ورعاية حالهم وإلا فيجوز الاحرام من الميقات كما عليه
صريح بعض الأعاظم، فالأحوط احرامهم من الميقات وتجريد هم
في فخ مع الحاجة.
211

في أحكام المواقيت
قال المحقق في الشرائع: وفيها مسائل:
(الأولى) إنه لا يصح الاحرام قبل الميقات إلا لناذر، أما عدم
صحة الاحرام قبل الميقات لغير الناذر فلا خلاف فيه بين الأصحاب،
بل ادعى الاجماع عليه بقسميه.
وتدل عليه أيضا أخبار مستفيضة كثيرة، وفي المدارك استفاضت
الأخبار على عدم صحة الاحرام قبلها، والمحكي عن المنتهي أن
بطلان الاحرام قبل الميقات قول علمائنا أجمع، وفي الجواهر
لا خلاف بيننا بل الاجماع عليه بقسميه، فما عن العامة من جواز
ذلك فواضح البطلان، فعن الشافعي والحنفي أن الاحرام من الميقات
إنما هو من باب الترخيص، بمعنى أن الشارع لم يوجب الاحرام
بالحج والعمرة قبل تلك المواقيت ومن المنزل بل رخص تأخيره
إلى المواقيت، ونقل عن بعض أن هذا قول ابن الخطاب أيضا.
212

ولكن الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام من طرق أصحابنا
تدل على أن الاحرام قبل الميقات بدعة وتشريع إلا لناذر كما يأتي.
(منها) ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاحرام
من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا ينبغي لحاج ولا
معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها. وذكر المواقيت ثم قال: ولا ينبغي
لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: وليس لأحد
أن يحرم دون المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنما مثل
ذلك مثل من صلى في السفر أربعا وترك الثنتين (2).
وعن ميسر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أحرم من
العقيق وآخر من الكوفة أيهما أفضل؟ فقال: يا ميسر، أتصلي العصر
أربعا أفضل أم تصليها ستا. فقلت: أصليها أربعا أفضل. قال: (ع):
فكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل من غيرها (3).
وعنه أيضا قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا متغير
اللون فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا وكذا.
فقال: رب طالب خير تزل قدمه. ثم قال: يسرك إن صليت الظهر
أربعا في السفر. قلت: لا. قال: فهو والله ذاك (4).

(1) الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 3.
(3) الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 6.
(4) الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 5.
213

وفي رواية حنان بن سدير قال: كنت أنا وأبي وأبو حمزة
الثمالي و عبد الرحيم القصير وزياد الأحلام حجاجا، فدخلنا على
أبي جعفر عليه السلام فرأى زياد فقد تسلخ جسده فقال له: من أين
أحرمت؟ قال: من الكوفة. وقال: ولم أحرمت من الكوفة. فقال:
بلغني عن بعضكم أنه قال: ما بعد من الاحرام فهو أفضل وأعظم
للأجر. فقال: وما بلغك هذا إلا كذاب الخبر (1).
وغيرها من الأخبار الصريحة في أن الاحرام قبل الميقات باطل
وأن من أحرم قبلها كمن صلى الظهر ست ركعات.
ثم إنه قد استثني من هذا الحكم (عدم جواز الاحرام قبل
الميقات) موردان: الأول من نذر أن يحرم قبل الميقات، والثاني
الاحرام لدرك عمرة شهر رجب قبلها.
أما المورد الأول فلا بد من البحث فيه من جهتين: الأولى في
الدليل الدال على ذلك، والثانية من جهة الأدلة الدالة على أنه يعتبر
في متعلق النذر أن يكون راجحا حتى ينعقد النذر.
(أما الجهة الأولى) فقد روى الحلبي عن الصادق عليه السلام
قال: سألته عن رجل جعل الله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة.
قال: فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال (2).
وعن علي بن أبي حمزة قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل ج 8 الباب 9 من أبواب المواقيت الحديث 7.
(2) الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 1.
214

أسأله عن رجل جعل الله أن يحرم من الكوفة. قال: يحرم من
الكوفة (1).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية
فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم (2).
وظاهر تلك الأخبار إن النذر إذا تعلق بالاحرام قبل الميقات ينعقد
ويجب الوفاء به، حتى إذا كان من بلاد بعيدة كخراسان، المشهد
الذي دفن فيه الإمام علي الرضا عليه السلام (أو بلدة من نواحي بغداد)
وعلى كل حال إذا نذر الاحرام قبل الميقات كما لو نذر أن يحرم
من خراسان أو المدينة قبل الوصول إلى مسجد الشجرة يجب
الوفاء بالنذر، كما هو مدلول الروايات التي لا اشكال فيها من جهة
الدلالة والصراحة.
وأما السند فقد قال في الجواهر: المناقشة في السند لو سلمت
في الجميع، مدفوعة بالشهرة، في الدلالة باحتمال إرادة الذهاب
إلى أحد المواقيت ليحرم منه كما ترى. ولا ينافي الظهور الذي
هو المدار في الأحكام، خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة
اعتبار مشروعية متعلق النذر ورجحانه في نفسه، التي يجب الخروج
عنها بما عرفت، خصوصا مع وجوب النظير له في الفقه كما في نذر

(1) الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 2.
(2) الوسائل ج 8 الباب 13 من أبواب المواقيت الحديث 3.
215

الصوم في السفر.
وقد يدعى الوهن في رواية الحلبي التي عليها الاعتماد في
المسألة وفي رواية البطائني، أما في رواية البطائني بأنها قد نقلت
تارة بنحو المكاتبة مع الإمام الصادق عليه السلام وأخرى على نحو
المشافهة مع أبي الحسن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام كما في
الوافي الباب (41) في أخبار الاحرام قبل الميقات عن التهذيب
عن الحلبي، وفي أبواب النذر والأيمان من التهذيب.
وأما الوهن المدعى في رواية الحلبي فخلاصة ما أفاده الأستاذ
في ذلك: إن صاحب المنتقى قد أورد على الرواية بما حاصله:
إن كلمة المتعرضين لتصحيح الأخبار اتفقت على صحة هذا الخبر،
أولهم العلامة في المنتهى، ولا شك عند الممارس أنه غير صحيح
فإن حمادا المذكور في سند الرواية إن كان ابن عثمان فلم يثبت
رواية الحسين بن سعيد عنه بغير واسطة وإن كان حماد بن عيسى
فروايته عن الحلبي غير معهودة في الروايات انتهى.
وفيه: أن حماد بن عثمان يروي عنه الحسين بن سعيد كثيرا ما
كما في جامع الرواة والتهذيب، وأما حماد بن عيسى فهو أيضا
يروي عن الحلبي كثيرا ما كما قاله المجلسي، فيثبت أنه لا يحتمل
في الرواية سهو ولا نسيان، فالرواية صحيحة من جهة السند وعمل
بها جمع من العلماء (1).

(1) يقول المقرر: إن الدليل صحة النذر قبل الميقات لا ينحصر برواية
الحلبي حتى يورد عليه بما نقل من صاحب المنتقى ويجاب عنه بما ذكره
الأستاذ مد ظله من تحقيقاته، بل هذا المضمون نقل من طرق عديدة لا تنتهي
إلى الحلبي كما في كتاب ترتيب التهذيب المطبوع جديدا.
مضافا إلى ما يمكن أن يقال: لا يبعد دعوى أن الاحرام والتلبس بلباس
الخضوع والخشوع لزيارة بيت الله، والتعري عن لباس أهل الدنيا، والخروج
عن زي الجبابرة والفراعنة وعامة الناس إنما هو أمر راجح في حد نفسه يعده
العرف نوعا من الأدب والحرمة، ولكن الشرع رخص الناس ترك هذا الاحرام
قبل الميقات هدية منه إليهم وأوجبه من الميقات، إلا من جعل لله على نفسه
أن يحرم قبل الميقات شكرا له تعالى. فعلى هذا لا يرد تخصيص على قاعدة
اعتبار الرجحان في متعلق النذر، ولا يرد اشكال أصلا. هذا ما يمكن أن يقال
في جواب اشكال ابن إدريس وغيره.
نعم لو أحرم قبل الميقات مع العلم بأن الشارع لا يريد ذلك منه تسهيلا
للمكلفين ورحمة بهم يكون محرما وبدعة، كما لو صلى أربعا في السفر مع العلم
بأن الشارع وضع عنهم الركعتين هدية منه إليهم، تكون باطلا وردا للهدية
فكذلك في الاحرام قبل الميقات.
216

(وأما الجهة الثانية) وهي أنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون
راجحا في حد نفسه، والاحرام قبل الميقات ليس كذلك. بل هو
كما في الروايات نظير من صلى الظهر ست ركعات. هذا ما يمكن
أن يقال في الاشكال.
لكنه بعد دلالة الروايات على صحة النذر المتعلق بالاحرام قبل
الميقات، ووجوب الوفاء به ولو كان من مسافة بعيدة، يكشف به
رجحانه الذاتي، ومطلوبيته في نفسه، ويستفاد أيضا إن الله رخص
217

لغير الناذر ترك الاحرام قبل الميقات، هدية منه تعالى لعباده، ويجب
أن يؤخذ برخصه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه، كما في نذر الصوم
في السفر. فعلى هذا لا داعي للالتزام بالخروج عن قاعدة اعتبار
رجحان متعلق النذر بالنصوص الخاصة الواردة في المقام.
هذا إذا كان النذر للحج وعمرة التمتع له ووقع الحج في أشهره
وأما إذا بعدت المسافة بحيث لا يمكن من اتمام النسك لو أحرم
في أشهر الحج فلا ينعقد النذر بالنسبة إلى هذه السنة، فإن صحة
وقوع الاحرام قبل الوقت المكاني لا يقتضي صحته قبل الوقت
الزماني.
وأما العمرة المفردة، فيصح النذر للاحرام بها قبل الميقات في
كل وقت ويشمله الأدلة.
(فرع) فهل العهد واليمين كالنذر إذا تعلقا بالاحرام قبل الميقات
فيجب الوفاء به، أو يختص ذلك بالنذر فقط ولا يتعدى منه إلى
غيره. وجهان لا يبعد دعوى شمول قوله (جعل الله عليه شكرا)
لمن حلف لله أو تعاهد له الاحرام قبل الميقات شكرا على نعمة أو
دفع بلية، كما استظهره بعض، ولكن الحكم لما كان مخالفا للقاعدة
فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن من مفاد الأدلة، وهو النذر.
فعلى هذا الحاق العهد واليمين بالنذر مشكل، مضافا إلى أن
معقد فتاوى العلماء هو النذر، لكن الأحوط إذا حلف على الاحرام
قبل الميقات أو تعاهد عليه، الاحرام من المكان المعهود فيه أو المقسم
218

فيه، رجاءا ثم تجديد الاحرام من ميقات أهله، وأحوط منه ترك
العهد والحلف على ذلك.
(المورد الثاني) عمرة شهر رجب، فقد صرح جماعة بأن
الاحرام قبل الميقات لدرك عمرة شهر رجب إذا خشي فوتها لو لم
يحرم قبلها، فيجوز له الاحرام قبل الوقت ويحسب له عمرة رجب
وإن وقع بقية النسك في شهر شعبان، أو وصل إلى الميقات بعد
انقضاء شهر رجب، ويكفي ذلك في درك فضيلة عمرة رجب، نظير
من أدرك ركعة ممن الوقت فقد أدرك الوقت.
وادعى عدم الخلاف فيه، وعن المعتبر عليه اتفاق علمائنا
وعن المسالك موضع نص ووفاق، ويدل عليه رواية معاوية بن
عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن
يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن يخاف فوت
الشهر في العمرة (1).
وهي تدل على أن الاحرام قبل الميقات جائز إن خاف فوت
العمرة في شهر، ولا وجه لاختصاصه بشهر رجب، بل هو مطلق
بالنسبة إلى كل شهر يخاف فوت عمرته إذا لم يحرم قبل الميقات،
ولا دليل للقول بأن الألف واللام للعهد، لعدم ذكر (الرجب) في
الرواية قبله أو بعده، ولكن الأصحاب لم يعملوا بهذا الاطلاق ولم
يفتوا على طبقه، فعلى هذا يشكل الفتوى به في غير شهر رجب.

(1) الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 1.
219

ورواية إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام
عن الرجل يجئ معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال
هلال شعبان قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب
أم يؤخر الاحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: يحرم لرجب
قبل الوقت، فإن لرجب فضلا وهو الذي نوى (1).
وظاهرها أن المحرم إن نوى الأفضل إذا خاف فوته وأحرم
قبل الميقات يحسب ذلك له ويكتب أفضلهما، وهذا الأمر لا يختص
بعمرة رجب بل كل عمرة تكون له فضيلة على غيره فهي أيضا كذلك
إلا أن الفتوى استقر على عمرة رجب، والاحتياط في المقام أيضا
يقتضي ذلك.
ومن أحكام المواقيت أنه لا يجوز تأخير الاحرام من الميقات
عمدا واختيارا، اجماعا بقسميه، كما في الجواهر ونصا.
وأما التأخير لمانع وعذر من مرض وغيره، فعن الشيخ قدس
سره جوازه، قال في النهاية: من عرض له مانع جاز له أن يؤخر
الاحرام عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي
انتهى إليه وزال عذره فيه.
فهل مراد الشيخ ترك الاحرام حتى النية والتلبية، أو المراد
ترك التعري وكشف الرأس ولبس الثوبين لا النية والتلبية، فإن
المرض لا يمنع عنهما.

(1) الوسائل ج 8 الباب 12 من أبواب المواقيت الحديث 2.
220

وفي السرائر بعد نقل قول الشيخ (جاز له أن يؤخر) قال:
مقصوده ترك كيفية الاحرام الظاهرة، وهو التعري وكشف الرأس
والارتداء والاتزار والتوشح، وأما النية والتلبية فلا يجوز له ترك
ذلك لعدم المانع عنها ولا ضرورة ولا تقية فيها. وعن الحدائق
مثل ذلك. واختاره العلامة في جملة من كتبه التحرير والمختلف
والمنتهى، وأما المحقق في الشرائع فظاهر كلامه تأخير الاحرام حتى
النية والتلبية لتقية أو مرض، ولكن نقل عنه في المعتبر ما يوافق أول
كلامه ما اختاره ابن إدريس ويخالفه آخره، قال في المدارك بعد
نقل كلام الشيخ والحلي: وفصل المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا
فقال: من منعه مانع عند الميقات فإن كان عقله ثابتا عقد الاحرام
بقلبه، لو زال عنه عقله باغماء وشبهه سقط عنه الحج، ولو أخر
وزال المانع عاد إلى الميقات أن يمكن، وإلا أحرم من موضعه.
والمنقول من المعتبر كما ترى يوافق أوله كلام ابن إدريس
ويخالفه آخره.
واستدل لمختار الشيخ بعدة من الأخبار:
فمنها ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن صفوان
ابن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت إليه أن
بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، وليس بذلك الموضع
ماء ولا منزل، وعليهم في ذلك مؤنة شديدة ويعجلهم أصحابهم
وجمالهم، ومن وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء،
221

وهو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء
لرفقه بهم وخفته عليهم. فكتب عليه السلام: إن رسول الله صلى
الله عليه وآله وقت المواقيت لأهلها، ومن أتى عليها من غير أهلها
وفيها رحمة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات إلا من علة (1).
وعن شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما
السلام قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخر الاحرام إلى الحرم (2).
وقد عمل بهما عدة من الأصحاب وفاقا للشيخ (قده) وقالوا:
إذا زال المانع يحرم، ويجوز التأخير إلى الحرم إذا خاف على نفسه
كما في الخبر الثاني.
وأما ابن إدريس فقد خالف الشيخ ولم يعمل بالروايتين بناءا
على مذهبه من عدم حجية الخبر الواحد.
واستدل صاحب الجواهر لما اختاره ابن إدريس بقاعدة الميسور
وخبر الحميري الآتي في التقية.
ولقائل أن يقول: إن مقتضى القاعدة أن الاحرام عبارة عن
أمور متعددة من النية والتلبية ولبس الثوبين، وله شرائط وأجزاء
وأحكام يجب على كل من مر بالميقات أن يحرم ويلتزم بالأحكام
المقررة له، فإذا تعذر جزء أو شرط مما يعتبر في الاحرام يرتفع هذا
الجزء والشرط، ولا دليل على ارتفاع شرطية غيره أو جزئيته،

(1) الوسائل ج 8 الباب 15 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 3.
222

بل يبقى على حاله، والتقية والمرض لا يمنعان عن النية والتلبية،
فما اختاره ابن إدريس موافق للقاعدة ومطابق لرواية الحميري.
وأما خبر الحميري ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد
ابن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه
السلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم
يحج ويأخذ عن الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز
لهذا الرجل أن يؤخر احرامه إلى ذات عرق، فيحرم معهم لما يخاف
الشهرة، أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب (ع) إليه في
الجواب: يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا
بلغ إلى ميقاتهم أظهره (1).
والاشكال بأن مورد المكاتبة التقية والحاق المرض والخوف
بها قياس ممنوع في الشرع. غير وارد، فإن مضمون المكاتبة موافق
لقاعدة الميسور، وكأنه امضاء لها، لا يختص بالتقية حتى يشكل
في المرض والخوف بأن الحاقهما بها في الحكم قياس، فلا اشكال
من تلك الجهة. مضافا إلى اطلاق الخوف في رواية شعيب المتقدمة
الشامل للتقية وغيرها.
نعم ما يمكن أن يقال في المكاتبة: إن الاستدلال بها في التقية
فقط المتحققة في اظهار الاحرام، إذا المورد أن الإمام عليه السلام
فرض السائل ممن يتمكن من النية والتلبية في نفسه ولكنه لا يظهر

(1) الوسائل ج 8 الباب 2 من أبواب المواقيت الحديث 10.
223

التلبية إلا في المسلخ.
والحاصل أن التقية التي هي موجبة لتأخير الاحرام من الميقات
لم تكن في نفس عقد الاحرام حتى النية والتلبية عند نفسه خفاء،
بل كانت في اظهار التلبية والجهر بها والتجريد والتعري من المخيط
فلا تكون مجوزة لتأخير النية والتلبية إلا إذا تحققت فيهما أيضا،
وهو فرض نادر.
فعلى هذا لا تكون المكاتبة ردا على الشيخ ومعارضا لروايتي
صفوان والمحاملي، مع فتوى الأصحاب على مضمونهما ودلالتهما
على جواز تأخير أصل الاحرام منه الميقات إذا منع منه خوف أو
مرض إلى أن يزول المانع عنه. نعم لو فرضنا أن الخوف والمرض
لا يتحققان في أصل الاحرام من عقد القلب والتلبية عند نفسه بل
في اظهار التلبية والتعري، ينوي الاحرام ويؤخر الجهر بالتلبية
والتجريد عن المخيط.
وأما قاعدة الميسور فهي مخصوصة بما إذا تمكن من أصل
الاحرام ولم يتمكن من بعض الأجزاء والشرائط، وأما إذا كان أصل
الاحرام ممنوعا وغير ميسور فلا تجري فيه القاعدة.
وبعبارة أخرى: إن في المقام فرعين: فرع تعرض له الشيخ
وهو ما إذا عرض له مانع عن أصل الاحرام، وفرع تعرض له ابن
إدريس، وهو ما إذا عرض له مانع عن اظهار الاحرام والتعري
والتجريد.
224

أما الفرع الأول فيجوز تأخير الاحرام من الميقات كما اختاره
الشيخ، ودليله رواية صفوان ومرسلة المحاملي المتقدمتان. وأما
الفرع الثاني فلا يجوز فيه ترك النية والتلبية، بل ينوي الاحرام
ويلبي، ولكن يؤخر اظهار التلبية والتجريد إلى زوال المانع، كما
اختاره ابن إدريس. فعلى هذا لا يبقى لابن إدريس اعتراض على
ما ذكره الشيخ، لاختلاف الموردين في كلامهما.
في حكم الاغماء والمغمى عليه
(فرع) لو كان ترك الاحرام من الميقات لاغماء ونحوه مما لا
يمكن معه من النية والتلبية، فقد ورد أنه يحرم عنه رجل ويلبى عنه.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام
في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت. فقال عليه السلام:
يحرم عنه رجل (1).
وتفصيل المقام: إن الاغماء قد يكون من الميقات ويستمر إلى
بعد الأضحى، وقد يحصل في برهة من الزمان عند العبور من الميقات
ثم يفيق بعد ذلك قبل الاتيان بأعمال الحج وانقضاء الوقت.
أما الأول فيكشف أنه لم يكن مكلفا بالحج ولا بأمر واجب
أصلا، سواء أحرم عنه رجل آخر أم لا، أو لم يحرم عنه، حتى أنه
لو أحرم عنه آخر لا يجزي عنه، لأن النيابة عن الحي تحتاج إلى

(1) الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 4.
225

الإذن، والتبرع عن الميت إنما خرج بالدليل، كما أن احرام الصبي
لدليل خاص، ولا يستفاد من مرسلة جميل إلا مشروعية ذلك الاحرام
وأما الاجزاء والنيابة فلا، فإن قوله (يحرم عنه)، إما يراد منه
الاحرام عن المغمى عليه بالنيابة عنه في النية والتلبية، أو الاحرام
به بمباشرته، لأمر الإمام بذلك من باب الولاية كما في احرام الصبي.
وعلى كل حال لا يدل إلا على مشروعية ذلك الاحرام، وأما
اجزاؤه عن حجه الواجب عليه فلا يستفاد منه، مضافا إلى أنه من
الممكن أن يكون الأمر بالاحرام به أو الاحرام عنه من جهة الاحتياط
في أمره، ولاحتمال إفاقته قبل الأعمال فيحرم به أو عنه، لكي يأتي
بالأعمال مباشرة إذا أفاق، فإن لم يفق حتى انقضى الوقت وفاته
الحج يكشف عن عدم كونه مكلفا به ومأمورا بذلك. فعلى هذا لا
يبقى مجال للقول بالاحتياط والجمع بين الحج في هذه السنة باحرام
الغير عنه، والآتيان بالمناسك وبين حج نفسه في القابل إذا برء
وأفاق.
هذا إذا لم يفق قبل مضي الوقت، وأما لو أفاق قبل فوت الوقوفين
فإن تمكن من الرجوع إلى الميقات فيجب عليه العود إليه والاحرام
منه، وإلا فيحرم من موضعه ويتم حجه.
ولو أحرم به رجل أو أحرم عنه ثم أفاق ولم يكن عليه حج واجب
فهل يجب عليه اتمام الحج واتمام المناسك كلها للدخول في الحج
والشروع فيه، مندوبا كان أو غيره، أم لا يجب عليه ذلك؟ الظاهر
226

عدمه لعدم الدليل على وجوب الاتمام على من شرع فيه، ولكن
الاحتياط بالاتمام حسن، بل وجوبه لا يخلو عن وجه، لأن مرسلة
جميل تدل على مشروعية الاحرام، بمنى أنه بعد الإفاقة يكون
محرما بتنزيل احرام الغير منزلة احرامه، وشروعه بمنزلة شروعه،
فيشمله دليل وجوب اتمام ما شرع.
والانصراف في وجوب الاتمام إلى ما شرع بنفسه لا ينافي
تنزيل احرام غيره بمنزلة احرامه حتى في وجوب الاتمام عليه.
نعم لو تمكن من الرجوع إلى الميقات والاحرام منه يجب عليه
الرجوع.
(فرع) لو جاوز الميقات بلا احرام ولم يكن يريد النسك
كالحطاب وغيره ممن لا يجب عليهم الاحرام لدخول الحرم ثم
أراد النسك فحكمه حكم الناسي، فإن أمكن له الرجوع إلى
الميقات يرجع وإلا فيحرم من موضعه، وليس كالعامد للترك لعدم
وجوب الاحرام عليه. وقيل إنه لا خلاف في مساواته للناسي، بل
هو أعذر من الناسي وأنسب بالتخفيف.
ونقل عن بعض العامة أنه يحرم من موضعه مطلقا أمكن الرجوع
أم لا. لكنه واضح الضعف، لوجوب العود عليه من التمكن منه
وشمول اطلاق ما دل على اعتبار الاحرام من الميقات في صحة
المأمور به له أيضا.
(مسألة) إذا زال المانع عن الاحرام من الميقات فهل يجب
227

الاحرام من محل زوال العذر أو يجب الرجوع إلى الميقات؟ وجهان.
قال المحقق في الشرائع: إذا زال المانع عاد إلى الميقات،
فإن تعذر جدد الاحرام حيث زال، ولو دخل مكة خرج إلى الميقات
ولو تعذر أحرم من مكة.
وعن المدارك أما وجوب العود إلى الميقات مع المكنة، فلا
ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، وأما الاكتفاء بتجديد الاحرام
من محل زوال العذر مع تعذر العود إلى الميقات، فلأن تأخيره لم
يكن محرما، فكان كالناسي، وهو كما سيأتي يحرم من موضع
الذكر.
وقال صاحب الجواهر: بل ذكر ذلك غير واحد أيضا مرسلين
له ارسال المسلمات.
قال الأستاذ مد ظله: إن كلام الأصحاب قدس سرهم موجه إذا
لم نعمل بالروايتين المتقدمتين ولم نعتمد عليهما في حكم المسألة
وإلا فكلامهم رضوان الله عليهم لا يكون صحيحا لدلالة الروايتين
على جواز تأخير الاحرام إلى زوال المانع ولا دليل على وجوب
العود إلى الميقات، وكذا بناءا على ما اختاره ابن إدريس في
توجيه كلام الشيخ، وذلك لما عرفت وتقدم أن المراد من تأخير
الاحرام عند الخوف والتقية، هو ترك التعري وتأخير التجريد عن
المخيط لا تأخير النية والتلبية، فإن المرض والخوف والتقية لا يمنع
عن عقد القلب والتلبية سرا، فلا حاجة إلى العود إلى الميقات
228

والاحرام منها، بل يظهر صورة الاحرام من موضع زوال العذر
وليس مقتضى المكاتبة وقاعدة الميسور إلا ذلك، أي تأخير صورة
الاحرام والتعري والتجريد في الميقات لا العبور منها بدون الاحرام
نعم الاحتياط أن يرجع إلى الميقات إذا زال المانع إن أمكن،
وتجديد الاحرام منه رجاءا، وإلا فمن موضعه.
وأما قياس المقام بالناسي في جواز الاحرام من محل الذكر،
فهو قياس مع الفارق لوجود النص في الناسي دون ما نحن فيه.
هذا حكم المعذور في تأخير الاحرام وأما الناسي فسيأتي حكمه.
(مسألة): لو نسي الاحرام من الميقات وذكر بعد ذلك، يجب
عليه الرجوع إلى الميقات والاحرام منه إن أمكن ذلك، ولم ينقل
خلاف من أحد، وأن لا يتمكن من العود يحرم من محله.
هذا لا اشكال فيه ولا خلاف، وإنما الكلام في أنه إذا لم يتمكن
من العود إلى الميقات ولكن يتمكن من الرجوع إلى مسافة محدودة
فهل يجب العود بقدر ما أمكن أولا يجب؟ فيه وجهان، بل قولان
وذلك لاختلاف فقه الحديث والفهم من الأخبار، فالمهم نقلها أولا
والتأمل التام فيها ثانيا.
عن حماد عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم. قال: قال أبي يخرج إلى
ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فإن
229

استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم (1).
وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
مر على الوقت الذي يحرم الناس منه، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى
أتى مكة، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج. فقال: يخرج
من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك (2).
وعن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله السلام عن
رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج
من الحرم ثم يهل بالحج (3).
وعن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا ما ندري
أعليك احرام أم لا وأنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال
عليه السلام: إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه وإن
لم يكن عليها وقت ومهلة فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج
من الحرم بقدر ما لا يفوتها (4).
والرواية وإن وردت في الطمث إلا أنه يعلم من مناسبة الحكم
والموضوع أن المناط في وجوب الرجوع إلى الميقات أو الخروج

(1) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.
(2) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 2.
(3) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 3.
(4) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.
230

من الحرم بقدر ما لا يفوت الحج ثم الاحرام منه هو الجهل بالحكم
أو نسيانه للاحرام من الميقات، ولا خصوصية في الطمث بل الملاك
ترك الاحرام لعذر من جهل ونسيان.
وغيرها من الروايات الدالة على وجوب العود إلى الميقات
إن تمكن منه أو الخروج من الحرم والاحرام منه.
وأما وجوب الرجوع بقدر ما يتمكن من العود وإن لم يصل
إلى الميقات، فإن استظهرناه من الروايات فهو وإلا فاثباته بقاعدة
الميسور مشكل.
وقد يستدل لعدم وجوب الرجوع بقدر ما أمكن بالأصل وظاهر
بعض الروايات كما عن المدارك، حيث اقتصر بالاحرام في محل
زوال العذر، كما أنه قد يستشهد لوجوب الرجوع بقدر ما أمكن
برواية معاوية بن عمار المتقدمة، فإن الظاهر منها كما تقدم عدم
الخصوصية للطمث والجهل والنسيان في ترك الاحرام من الميقات
ووجوب الرجوع إلى الميقات عند ارتفاع العذر إذا تمكن منه،
وإلا فيرجع بقدر ما يقدر عليه. ومع عدم التمكن من الرجوع يحرم
في محله، فلا بد من الجمع بينها وبين ما تدل على وجوب الاحرام
خارج الحرم إن لم يقدر على الرجوع إلى الميقات، بحمل الطائفة
الثانية على ما لا يقدر على الرجوع مطلقا، وحمل رواية معاوية بن
عمار على من يقدر عليه، أو حملها على الاستحباب. والأول أولى
من الثاني، فلا يترك الرجوع بقدر ما يقدر عليه في جميع فروض
231

المسألة.
(مسألة): لو ترك الاحرام وأخره من الميقات عمدا لا يصح
احرامه من غيرها يرجع إليها ويحرم منها، فإن رجع وأحرم
من الوقت صح حجه، وإن تعذر عليه العود ولم يتمكن من الرجوع
فهل حكمه حكم الناسي حتى يجوز الاحرام من محله أو ليس كذلك
فوجهان. الظاهر أنه ليس له الاحرام من محله إذا لم يتمكن من
الرجوع إلى الوقت، بل حجه باطل وفاقا للأكثر، بل ربما يظهر
عدم الخلاف فيه.
مقتضى القاعدة الأولية بطلان الحج بالاحرام بعد الميقات
ولو تعذر الرجوع إليها إذا ترك الاحرام منها عمدا، ضرورة إن
الحج مركب من الأجزاء والشرائط التي يوجب تركها عمدا بطلان
المأمور به، ومنها الاحرام من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله
ولا يجزي البدل الاضطراري في المقام، كما يجزي فيمن نسي
الاحرام من الوقت، إلا إذا كان في دليل البدل الاضطراري اطلاق
يشمل المقام، ويدل على صحة الحج بالاحرام بعد الميقات إذا
تعذر الرجوع إليها حتى لمن تركه عمدا فيها.
وبالجملة اطلاق دليل الشرطية والجزئية يوجب بطلان المأمور
به بترك الشرط أو الجزء، إلا أن يدل دليل على اجزاء البدل
الاضطراري حتى في العامد لترك الجزء أو الشرط، كما ورد في
التيمم، فإن الطهارة الترابية تكفي عن الطهارة المائية حتى فيما
232

إذا ترك الوضوء عمدا ولم يبق من الوقت إلا مقدار التيمم وأداء
الفريضة.
وأما في المقام فيدل الدليل على اجزاء الاحرام بعد الميقات
لمن نسيه في الميقات وتعذر الرجوع إليها أو جهل ذلك، وأما
التارك للاحرام عمدا من الميقات إذا لم يتمكن من العود إليها، فلا
يدل دليل على اجزاء احرامه من محله، إلا أن يدعى اطلاق في
أدلة اجزاء البدل الاضطراري.
قد يستظهر ذلك من رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم. فقال: يرجع
إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن
يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم
فليرجع (1). بدعوى الاطلاق في سؤال السائل عن رجل ترك الاحرام
الشامل للترك عمدا ونسيانا وجهلا، وجواب الإمام (ع) عنه وترك
الاستفصال.
والتحقيق إن دعوى الاطلاق في الصحيحة حتى بالنسبة إلى
من ترك الاحرام من الميقات عمدا وبلا عذر، ليست بصحيحة،
مضافا إلى أنه قول نادر وغير معمول به عند الأصحاب.
وتوضيح ذلك: إن ظهور اطلاق صحيحة الحلبي في تقييد
الأدلة العامة الدالة على اشتراط الحج بالاحرام من الميقات بغير

(1) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 1.
233

صورة تعذر الرجوع إلى الميقات، ولو كان بسوء اختياره وتركه
الاحرام منها عمدا ليس بحيث يقاوم ظهور الأدلة العامة في اشتراط
الحج بالاحرام من الميقات، وعدم كفاية الاحرام بعدها، وإن من
تمام الحج والعمرة الاحرام من مواقيت وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله
المقطوع شمولها لتارك الاحرام منها عمدا، خصوصا بعد تقييدها
في الأدلة لغير الجاهل بالحكم والناسي، ضرورة أن لازم دعوى
الاطلاق في الصحيحة والقول بكفاية الاحرام بعد الميقات مطلقا،
إذا تعذر الرجوع إليها حتى بالنسبة إلى من تركها عمدا، ثم تعذر
الرجوع إليه، لغوية شرطية الاحرام للحج من الميقات وعدم بقاء
المورد للأدلة العامة.
فعلى هذا لا مناص من حمل الصحيحة على غير التارك للاحرام
عمدا، والحكم بأن من ترك الاحرام عمدا في الميقات يبطل حجه
ولو تعذر الرجوع إليها لضيق الوقت أو لغيره، فما عن بعض وعن
اطلاق عبارة المبسوط من القول بصحة الاحرام ممن محله مما لا
يساعده الدليل بل يعارضه ويعانده.
وبالجملة إن في المقام اطلاقين: اطلاق الدليل العام الدال
عن أن من تمام الحج والعمرة الاحرام من المواقيت الشامل لتاركه
عمدا وسهوا وجهلا، واطلاق المخصص الدال على كفاية الاحرام
بعد الميقات إذا تعذر الرجوع إليها سواء تركه منها عمدا أو سهوا
أو جهلا، فيدور الأمر بين تقييد اطلاق الدليل العام في وجوب
234

الاحرام، بما إذا لم يكن ترك الاحرام من الميقات جهلا وسهوا،
وإلا فيكفي من مكانه إذا تعذر عليه الرجوع والحكم ببطلان حج
من ترك الاحرام عمدا ثم تعذر عليه الرجوع إلى الميقات، وبين
أن يقيد اطلاق المخصص الدال على كفاية الاحرام من مكانه إذا
تعذر الرجوع، سواء ترك الاحرام عمدا أو سهوا أو جهلا بما إذا لم
يكن تاركا للاحرام من الميقات عن عمد.
والقاعدة وإن كانت تقتضي تقديم اطلاق المخصص ورفع اليد
عن اطلاق العام وتقييده به، إلا أن لاطلاق الأدلة العامة في المقام
خصوصية لا يمكن تقييدها، وهي الإباء عن التخصيص والتقييد،
فإن قوله عليه السلام (إن ممن تمام الحج والعمرة الاحرام من
مواقيت خمسة وقتها رسول الله ولا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم
قبلها ولا بعدها) (1) آب عن التخصيص، سيما بعد تخصيصه بما
ورد في الناسي والجاهل، فيشكل دعوى الاطلاق في صحيحة
الحلبي والحكم بوجوب الاحرام وصحته من مكانه إذا تعذر الرجوع
حتى فيمن ترك الاحرام من الميقات عمدا وهو يريد النسك، خلافا
لجماعة من المتأخرين، ويحتمله اطلاق عبارة المبسوط والمصباح
أيضا.
لكن مقتضى الاحتياط في المقام أن يجمع بين الحج في هذه
السنة بأن يحرم من خارج الحرم أو مما يمكن الاحرام منه ويأتي

(1) الوسائل ج 8 الباب 11 من أبواب المواقيت الحديث 1.
235

بالمناسك كلها والحج في السنة القابلة بالاحرام من الميقات وأداء
جميع النسك.
وكذا الحكم فيما إذا ترك الاحرام من الميقات لعذر ومانع،
وارتفع العذر وتمكن من الرجوع إلى الميقات ولكنه ترك الرجوع
إليه والاحرام منه، فأحرم من محل زوال العذر حتى ضاق الوقت
وتعذر الرجوع، فإنه يجب الاحتياط عليه بالجمع بين حج هذه
السنة والحج من قابل كما تقدم.
هذا إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، وأما لو كان ميقات فهل
يجب عليه الرجوع إلى ميقات أهله أيضا، أو يكفي الاحرام من
الميقات الذي على طريقه، أو غيره من المواقيت؟
ذهب جمع إلى الأول، مستدلين بأن لكل بلد ميقات، وبالروايات
الواردة في الناسي الدالة على وجوب عوده إلى ميقات أهله.
وأجيب عنه بأن ذلك إنما يصح لو قلنا إن ميقات أهل كل بلد
مختص بهم، وهم يختصون به، ليس كذلك بل المواقيت كلها
ميقات لأهل أرضه وكل من يمر به، وأما الروايات الدالة على
وجوب الرجوع إلى ميقات أهله فهي منصرفة إلى مورد لم يكن
في طريقه ميقات آخر.
وقد يستدل له بالروايات الواردة في جواز الاحرام من الجحفة
فيمن لم يحرم من الشجرة وكان به علة أو عذر، فعن الحلبي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟
236

فقال: من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلا محرما (1).
فإن الظاهر من تلك الروايات أن من جاوز ميقاتا من المواقيت
ولم يحرم منه لعذر، يصح له الاحرام من ميقات آخر يقع في طريقه
ولا يجب عليه الرجوع إلى ميقات أهله إذا كان التأخير رخصة لا
عزيمة.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام المترتبة على ترك الاحرام
من الميقات بين الحج والعمرة والتمتع والافراد والقران، غاية
الأمر إن ميقات حج التمتع بطن مكة.
قد يقال: إن بطلان العمرة بترك الاحرام من الميقات عمدا
إنما هو إذا كانت متعة للحج، وأما إذا كانت مفردة فلا تبطل بترك
الاحرام لها من ميقات مر بها، بل يكفي الاحرام لها من أدنى الحل
وإن أمكن الرجوع إلى ميقات أهله فإنه ميقات اختياري للعمرة
المفردة على الأصح.
وظاهر عبارة الشرائع بطلان الاحرام من غير الميقات ولو للعمرة
المفردة إذا تركه من الميقات عمدا، وصرح به بعض الأصحاب،
وقيل يحرم تأخير الاحرام عن الميقات عمدا ويأثم به إذا كانت
العمرة مفردة، وأما بطلانها وعدم جواز الاحرام لها من غيرها فلا
يستفاد من الأدلة.
وقال في الجوهر: يمكن صرف ظاهر عبارة الشرائع وغيره

(1) الوسائل ج 8 الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 3.
237

إليه أيضا.
(فروع)
(الأول) لو كان شاكا في وجوب الاحرام من الميقات وعدمه
وترك الاحرام منها ثم علم به فحكمه حكم الناسي والجاهل لا العامد،
فإن أمكنه الرجوع إلى ميقات أهل أرضه يرجع ويحرم منها، وإلا
فيرجع بما يقدر عليه، وإن لم يتمكن من الرجوع أصلا فيحرم
من مكانه.
لصحيحة معاوية بن عمار الواردة في امرأة طمثت وكانت مع
قوم فسألتهم فقالوا: ما ندري أعليك احرام أم لا، فتركوها حتى
دخلت الحرم. قد تقدمت الرواية بطولها فليراجع (1).
(الثاني) لو أخر الاحرام من الميقات عمدا وكان مستطيعا للحج
ولم يتمكن من العود إلى الميقات والاحرام منها فحجه باطل،
ويجب عليه أن يأتي بحجة في القابل، وأما إذا لم يكن مستطيعا
للحج أو أتى بحجه الواجب من قبل، فهل يجب عليه في العام
القابل الحج أم لا بل أثم بترك الاحرام فقط؟ وجهان، فعن الشهيد
في المسالك إن من دخل الحرم وجب أن يحرم إلا في موارد،
فلو ترك عمدا يجب عليه أن يقتضي، وخالفه جماعة من العلماء بعدم
الدليل على ذلك وهو المطابق للقواعد والمساعد للدليل.

(1) الوسائل ج 8 الباب 14 من أبواب المواقيت الحديث 4.
238

(الثالث) لو نسي الاحرام ولم يذكره حتى أكمل المناسك
كلها وطاف وسعى، قيل يقضي حجه، وهو المحكي عن ابن إدريس
وقيل يجزيه، وهو المنسوب إلى الأصحاب وادعي عليه الشهرة
العظيمة والمروي أيضا.
عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما
السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل، وقد شهد المناسك كلها
وطاف وسعى. قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه
وإن لم يهل (1).
فهل مورد السؤال في الرواية نسيان التلبية أو لبس الثوبين
بقرينة قوله (لم يهل) بناءا على أن الاهلال إنما هو بالتلبية، أو
نسيان أصل الاحرام كما هو الظاهر من نسيان الاحرام.
والظاهر أن ظهور قوله (نسي أن يحرم) في نسيان أصل الاحرام
ليس بأقوى من ظهور قوله (إن كان قد نوى ذلك) في نسيان التلبية
ولبس الثوبين، خصوصا بعد الحاق الجهل بالنسيان في الحكم،
لعدم تمشي النية مع الجهل فعلى هذا فالمراد من النية إما العزم
السابق على الاحرام كما عن الشيخ في النهاية، أو نية جميع أجزاء
الحج كما عن بعض الأصحاب لئلا يكون عامدا للترك.
وعن ابن إدريس ما ملخصه: إن الأعمال بالنيات، وهذا عمل
بلا نية، فيبطل لعدم القصد حين العمل، وليس من دأبه العمل

(1) الوسائل ج 8 الباب 20 من أبواب المواقيت الحديث 1.
239

بخبر الواحد.
أما قول الشيخ فهو صحيح على مبناه من كفاية الداعي أو العزم
السابق ولا يصدق الترك عمدا، ولكن لا يناسبه عطف الجهل على
النسيان، لعدم تحقق العزم والداعي من الجاهل بالحكم، ولعل
الشيخ فرض المسألة في الناسي بناءا على أن المراد من قوله (نوى
ذلك) نية جميع أجزائه الحج كما في الجواهر، فتحقق حينئذ العزم
السابق والداعي في الجاهل أيضا.
وأما حمل النية في قوله (نوى ذلك) على النية الفعلية عند
الميقات قبل الاحرام فلا يناسب النسيان، إذ لا يتحقق النسيان مع
النية فعلا في الميقات قبل الاحرام.
(الرابع) لو ترك الاحرام ونسي ولم يتذكر إلا في أثناء الأعمال
فهل حكمه حكم من تذكر بعد الفراع عنها أم لا. يمكن الفرق
بينهما بما ورد في المرسلة من التقييد بقوله عليه السلام (وقد شهد
المناسك كلها) وقوله (وقد تم حجه) إذا الظاهر أن الحكم متوجه
إلى من فرغ عن الأعمال كلها.
(الخامس) بناءا على اعتبار تمامية الحج والفراغ عن المناسك
كلها في الحكم بالصحة إذا ترك الاحرام نسيانا، فلو تذكر بعد اتمام
مناسك الحج وقبل طواف النساء فهل يحكم بالصحة لتمامية المناسك
وأعمال الحج وإن لم تحل له النساء أو يحكم بالبطلان لعدم الفراغ
عن جميع الأعمال التي يؤتى بها في الحج وطواف النساء أيضا
240

من جملتها؟ وجهان، بل قولان.
يمكن الاستدلال للأول بقوله عليه السلام (فقد تم حجه)،
إذ لا دخل لطواف النساء في تمامية الحج، بل هو واجب مستقل
آخر لحلية النساء.
ولكنه أيضا مشكل، ومقتضى القاعدة البطلان، فإن الحج
بجميع أجزائه وشرائطه من الاحرام وغيره إلى أن يحل للمحرم
جميع ما حرمه على نفسه بالاحرام له، عمل واحد.
241

المقصد الثالث
(في أفعال الحج ومناسكه)
(منها) الاحرام.
ولا بد قبل البحث في الأحكام المتعلقة به من بيان حقيقة الاحرام
وهو لغة جعل الشئ حراما على النفس، وأما اصطلاحا فالظاهر أن
المقصود منه تحريم المحرمات على النفس بمعنى جعلها حراما
على نفسه، بتوطين النفس والالتزام على تركها، أو تشريع التحريم
على نفسه، كما في قوله تعالى (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه)،
فيتعلق عليه الحرمة حينئذ شرعا. نظير النذر لترك الشئ الذي يجب
على الناذر تركه بالتزامه له بالنذر، فيكون تحريمه على نفسه التزاما
موضوعا للتحريم شرعا، كما هو الظاهر من قول الصادق عليه السلام
فيما رواه معاوية بن عمار عنه في كيفية الاحرام حيث قال (ع):
وتقول (أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي
242

وعصبي من النساء والثياب والطيب) (1).
ومثله ما رواه ابن سنان وأبو بصير عن الصادق عليه السلام (2).
والحاصل أن التأمل في الروايات المتعرضة لكيفية الاحرام
يوجب ظنا قويا بأن حقيقة الاحرام هو تحريم المحرمات على النفس
بناءا، أي اعتبار تحريم المحرمات عليها.
ولعل هذا هو المراد من قول السيد في العروة في المسألة (26)
من أحكام المواقيت: بل هو البناء على تحريمها على نفسه انتهى.
فإن البناء على تحريم شئ على النفس ليس إلا التحريم البنائي
الاعتباري.
وما ذكرناه هو الظاهر من الصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة
والشيخ في النهاية والمراسم، حيث ذكروا في بيان التلفظ بالنية
ما ذكر في تلك الروايات (أحرم لك شعري) الخ، والظاهر أنه
يعتبر عندهم التلفظ بما ذكر في نية الاحرام.
وأوضح العبارات في المقام فيما اخترناه من معنى الاحرام
عبارة الغنية حيث تعدى فيها عما ذكر في الروايات إلى سائر المحرمات
وقال بعد ما اعتبر تعيين نوع الحج والعمرة: يقول المحرم (أحرم
لك لحمي ودمي وشعري وبشري عن النساء والطيب والصيد وكل
محرم على المحرمين، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة) انتهى.

(1) الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الاحرام الحديث 2.
243

إذا الظاهر من ذكر هذا الدعاء أن الاحرام عنده عبارة عن تحريم
المحرمات على نفسه قربة إلى الله تعالى، تلفظ به أو نوى ذلك من
دون التلفظ.
وفي كشف الغطاء: إن حقيقة الاحرام عبارة عن حالة تمنع عن
فعل شئ من المحرمات المعلومة، ولعل حقيقة الصوم أيضا كذلك
فهما عبارة عن المحبوسية عن الأمور المعلومة، فيكونان غير القصد
والكف والترك والتوطين، فلا يدخلان في الأفعال ولا الأعدام،
بل هما حالتان متفرعتان عليهما، ولا يجب على المكلفين من العلماء
فضلا عن العوام الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، وإلا لزم بطلان عبادة
أكثر العلماء وجميع العوام - انتهى.
والظاهر أن مقصوده من الحالة التي تمنع عن المحرمات،
الحالة النفسانية التي تتولد منها التروك المذكورة، نظير ملكة
العدالة وتلك الحالة تحدث في النفس بعد العزم والتوطين على
ترك المحرمات، وكذا تحدث بعد البناء على تحريم المحرمات
على النفس أحيانا.
ولكن ما هو الظاهر من كلمات العلماء وكذا من الأخبار أن
الاحرام فعل من أفعال الحج، ويجب على المكلف ايجاده في
الخارج، لا أنه حالة نفسانية يجب عليه الاتصاف بها. وأما ما ذكره
من أنه لا يجب على المكلفين الاهتداء إلى معرفة الحقيقة، ففيه
أيضا أنه كيف يجب على المكلف، ما لا يتصوره ولا يعلمه ولو اجمالا
244

وكيف يقصده ويأتي به.
وفي المستند: لا نسلم إن الاحرام غير التلبس بأحد النسكين
والشروع فيه مطلقا أو بما يحرم محظورات الحج والعمرة من
أجزائهما، فهو لفظ معناه أحد الأمرين، لا أنه أمر آخر وجزء مأمور
به بنفسه من حيث هو انتهى.
ومراده بما تحرم محظورات الحج والعمرة من أجزائهما، إما
خصوص التلبية أو مع لبس الثوبين، أو هما مع نية الحج أو العمرة
ولكنه خلاف ما يترائى ويستظهر من قوله عليه السلام فيما رواه
أبو المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الله جعل الاحرام مكان
القربان (1). وما ورآه الصدوق مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام: إنه وجب الاحرام لعلة الحرم (2).
وعن أبي عبد الله عليه السلام على ما في العلل: حرم المسجد
لعلة الكعبة وحرم الحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة الحرم (3).
فإن الظاهر منها أن الاحرام غير مجرد الدخول والشروع في
الحج، وإن كان جزءا منه وأنه عنوان انشائي يتحقق بالمجموع
من لبس الثوبين والنية والتلبية، أو يتحقق بالتلبية بعدهما، ويساعده
العرف أيضا، فإن المحرمية عند الناس شئ يعتبره العقلاء، وقد
خاطبهم الله بقوله (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقوله (غير محلي
الصيد وأنتم حرم) وقوله (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما).

(1) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
(2) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 3 - 5.
245

فيعلم من مخاطبتهم أن عنوان المحرم عندهم إنما كان معلوما
بينهم ومرتكزا في أذهانهم، وأما كونه حالة نفسانية أو عبارة عن
نفس التروك أو العزم عليها أو التوطين للترك، خلاف ما هو الظاهر
عندهم والمعروف بينهم.
وبالجملة الأظهر إن الاحرام أمر انشائي يوجده المحرم بتحريم
المحرمات على نفسه وإن كان لا يؤثر في التحريم قبل التلبية، كما
هو المستفاد من المحقق في الشرائع حيث قال في بيان كيفية الحج:
فصورته أن يحرم من الميقات للعمرة. إلى أن قال ثم ينشئ
احراما آخر للحج من مكة. الظاهر في أن الاحرام أمر انشائي، وقد
عبر بمثل ذلك في التحرير والسرائر.
وقال بعض الأعاظم في تعليقته على العروة: إن الاحرام من
العناوين القصدية لا يمكن تحققه بدون القصد إليه.
ولا ينافي ما ذكرناه قولهم في كيفية الاحرام: إن واجباته ثلاثة
النية ولبس الثوبين والتلبية، وكذا قولهم: إن الاحرام مركب
من النية ولبس الثوبين والتلبية أو الاشعار والتقليد، فإن وجوب
تلك الأمور في الاحرام لا يلازم كونه عبارة عن تلك الأمور لا غيرها
بل يدل على أن الاحرام بأي معنى كان لا يصح بدونها.
وأما كونه مركبا من الأمور المتقدمة أنه لا يحكم شرعا
بتحريم المحرمات إلا بعد الأمور المذكورة من النية ولبس الثوبين
والتلبية أو الاشعار والتقليد، ولا يكفي مجرد انشاء التحريم من
246

المحرم، بل يحتاج في ترتب الأثر على إنشائه شرعا إلى التلبية
أو الاشعار.
هذا ما هو المحقق في معنى الاحرام، وأما ما هو الواجب فيه
والمندوب والمكروه فيأتي في ضمن مسائل.
(المسألة الأولى): يستحب الغسل قبل الاحرام كما هو المشهور
بل ادعي الاجماع عليه، بل لم يعرف الخلاف إلا من ابن عقيل
الذي قال بوجوبه، ولكن لا يعتنى بخلافه.
وتدل عليه النصوص الكثيرة المتواترة، وأصل الحكم مما
لا كلام فيه وإنما هو فيما إذا لم يجد الماء فهل يجوز التيمم أم لا،
قد يقال بالجواز كما عن الشيخ في محكي المبسوط وابن البراج
ولعل نظره إلى ما ورد من أن رب الماء ورب التراب واحد يكفيك
عشر سنين، إذ يقتضي اطلاقه إن التراب يقوم مقام الماء في كل ما
يشترط فيه الطهارة.
لكن الظاهر من الأدلة الواردة في المقام إن الغسل قبل الاحرام
إنما هو النظافة وإزالة الخبث والدرن من الجسد وتحصيل النشاط
ولو لم يكن المحرم محدثا بحدث أصغر أو أكبر بل كان متطهرا فتشريع
التيمم عند عدم وجدان الماء لا يشمل المورد، بل هو مخالف
للنظافة أيضا، بل شرع الغسل أيضا للحائض التي لا مورد لتيمم
فيها.
مضافا إلى أن الآية الكريمة الدالة على تشريع التيمم، إنما
247

وردت فيما يكون المكلف محدثا بأحد الحدثين ولم يجد ماءا
لرفع الحدث، فحينئذ يشرع له التيمم بدلا عن الطهارة المائية
لأداء ما عليه من التكليف المشروط فيه الطهارة، وأما كونه بدلا
عن كل غسل مشروع ولو لم يكن واجبا بل كان لايجاد النظافة كما
في المقام فلا يستفاد من الآية كما هو واضح لمن تأمل في قوله
تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو
لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (1) وكذا في الأخبار
الواردة في المقام (2).
وبالجملة أدلة تشريع التيمم بدلا عن الطهارة المائية عند عدم
وجدان الماء يشكل شمولها للمورد، خصوصا مع العلم بحكمة
تشريع الغسل قبل الاحرام. نعم لا مانع من التيمم رجاء أو تقديم
الغسل على الميقات إذا خاف عدم وجدان الماء فيها كما يأتي.
(المسألة الثانية) يجوز تقديم الغسل على الميقات إذا خاف
عدم وجدان الماء فيها، وادعى عليه الاجماع وعدم الخلاف كما
عن المدارك والذخيرة.
ويدل عليه صحيح هشام بن سالم قال: أرسلنا إلى أبي عبد الله
عليه السلام ونحن جماعة ونحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك. فأرسل
إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة

(1) سورة النساء الآية 43.
(2) وعن التذكرة إن هذا الغسل غسل مشروع ينوب عنه التيمم كالواجب.
248

فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا
فرادى أو مثاني (1).
(المسألة الثالثة) لو أكل المحرم ما لا يجوز أكله أو لبس ما لا يجوز
لبسه بعد الغسل قبل الاحرام أعاده استحبابا، كما في رواية علي بن
أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اغتسل
للاحرام، ثم لبس قميصا قبل أن يحرم. قال: قد انتقض غسله (2).
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد
الغسل (3).
(المسألة الرابعة): يجزي غسل أول الليل ليلته وأول النهار
ليومه، كما في رواية هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك (4).
وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من
اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه
أجزأه غسله. (5)

(1) الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 11 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل ج 9 الباب 12 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(4) الوسائل ج 9 الباب 9 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(5) المصدر الباب 9 من أبواب الاحرام الحديث 5.
249

(المسألة الخامسة): لو أحرم قبل الغسل أو الصلاة ثم ذكره
يتدارك ما تركه من الغسل والصلاة ويعيد الاحرام استحبابا كما
في الصلاة المعادة، وكما فيمن نسي الأذان والإقامة ودخل في
الصلاة، فإنه يستحب له قطع الصلاة ما لم يركع وإعادتها بالأذان
ومثله الوضوء بعد الوضوء.
وأجاب في المختلف عن ذلك بالفرق بين الموضعين بقبول
الصلاة الابطال، دون الاحرام فلا يمكن إعادته. ويمكن أن يقال:
إنه إذا كان الاحرام عبارة عن حالة مخصوصة وأمر معنوي يحصل
بالأفعال المأتي بها حين الاحرام من لبس الثوبين والتلبية فلا يمكن
إعادته ولا ابطاله، فإنه لا يبطل ولا يزول إلا بما جعله الشارع
موجبا للاحلال ومزيلا لذلك الأمر المعنوي الحاصل بالأفعال
المخصوصة في وقت معين، فلا معنى لاستحباب الإعادة، بل لا
يتصور أصلا. إلا أن يقال: إن الاحرام عبارة عن نفس تلك الأفعال
من لبس الثوبين والتلبية والغسل والصلاة، فعلى هذا لا مانع من
إعادة الاحرام بتكرار الأعمال السابقة ويصح قياسه بالصلاة المعادة
أيضا ويصح إعادته ويكون تبديل الامتثال بامتثال آخر، بل يمكن
القول بصحة إعادة الاحرام بناءا على كونه أمرا معنويا حاصلا من
الأفعال أيضا بعد دلالة الدليل عليه، كما في إعادة الوضوء بعد
الوضوء، إذ لا اشكال في أن الوضوء أمر معنوي يحصل من الأفعال
الخارجية من المسحتين والغسلتين يعبر عنه بالطهارة، وهي باقية
250

بعد تحققها إلى أن يزيلها مزيل ويبطلها مبطل، ولا يمكن إعادتها
لكونه تحصيل الحاصل.
ومع ذلك وردت روايات في استحباب إعادته وأن الوضوء
على الوضوء نور على نور، فكذلك الاحرام بعد الاحرام، فإنه بعد
دلالة الدليل على استحباب إعادته بالغسل والصلاة، يستكشف
اشتداد الأمر المعنوي الحاصل بالاحرام السابق، بإعادته ثانيا
ويكون نورا على نور وضياء فوق ضياء.
عن الحسن بن سعيد قال: كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن
عليه السلام: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما
عليه في ذلك وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: يعيده (1).
وحمل الرواية على الندب بقرينة قوله (كيف ينبغي له أن
يصنع) وهو المفروغ عنه بين الأصحاب أيضا.
ومن مندوبات الاحرام أن يقع بعد الصلاة فريضة كانت
أو نافلة.
قال المحقق في الشرائع يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة
غيرها وإن لم يتفق صلى للاحرام ست ركعات، وأوسطه أربع
ركعات، وأقله ركعتان انتهى.
يظهر من النصوص الواردة في الباب أن وقوع الاحرام بعد
الصلاة واجب لا أنه ندب، واختاره الإسكافي.

(1) الوسائل ج 9 الباب 20 من أبواب الاحرام الحديث 1.
251

واستشكل بأن الأصل يقتضي البراءة من الوجوب، ولكنه
غير وارد، إذ لا مورد للأصل بعد ظهور الأخبار في الوجوب لأنه
دليل حيث لا دليل، وكذا لو قلنا إن الاحرام أمر معنوي وحالة خاصة
متحصلة للمحرم باتيان الأفعال المحصلة له، فإذا شك في اعتبار
شئ واشتراطه في الاحرام وحصول هذا الأمر المعنوي، يكون
شكا في المحصل، والقاعدة في ذلك المورد وأشباهه تقتضي
الاشتغال والآتيان بالمشكوك لا البراءة منه، فالتمسك بالبراءة في
المقام غير تام.
وما هو المهم في الجواب عن القائل بوجوب ايقاع الاحرام
بعد الصلاة كالإسكافي وغيره، إن النصوص الواردة في المسألة
وإن كانت ظاهرة في الوجوب وإنه يشترط أن يقع الاحرام بعد
الصلاة إلا أن الأصحاب عدا من عرف حسبه ونسبه أجمعوا على
أنه غير واجب، بل هو مستحب ومندوب. وهذا الاتفاق مع كون
تلك الأخبار بمرأى ومسمع منهم وبين أيديهم تراها أعينهم وتسمعها
آذانهم، يوجب الضعف فيها وإن كانت صحيحة، بل كلما ازدادت
صحة وقوة ازدادت ضعفا، لاعراض الجهابذة من الفقهاء عنها،
وعدم الافتاء بظاهرها. وعلى كل حال ينبغي التعرض لذكر الأخبار
والتفقه فيها:
عن الصادق عليه السلام: خمس صلوات لا تترك على حال:
252

إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم الخبر (1).
وفي صحيحته الآخر عنه عليه السلام: لا يكون الاحرام إلا في
دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد
التسليم، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما (2).
وفي رواية أخرى له أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة (3).
ورواية أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: أرأيت لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أ كان يجزيه
ذلك. قال: نعم (4).
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:
واعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (5).
ورواية إدريس بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال:
يقيم إلى المغرب. قلت: فإن أبى جماله أن يقم عليه. قال: ليس
له أن يخالف السنة. قلت: أله أن يتطوع؟ قال: لا بأس به ولكني
أكرهه للشهرة وتأخير ذلك أحب إلي. قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟

(1) الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(4) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(5) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 3.
253

قال: أربع ركعات (1).
ورواية ابن فضال عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يأتي
ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة
قال: لا ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها، وإنما قال ذلك
مخافة الشهرة (2).
والجملة الأخيرة يمكن أن تكون كلام ابن فضال ويمكن كونها
من الصدوق، ودلالة هذه الرواية على عدم الوجوب أظهر كما لا
يخفى.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تصلي للاحرام
ست ركعات تحرم في دبرها (3).
وعن صفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين
ثم أحرم في دبرها (4).
فهذه جملة من الأخبار الواردة في المقام، وتجد غيرها في
أبواب متفرقة. وهي كما ترى تدل على وجوب ايقاع الاحرام بعد
الصلاة فريضة كانت أو نافلة.

(1) الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(3) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(4) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 5.
254

قد يقال: إنها لا تدل على الوجوب لاختلاف المضامين فيها
ففي بعضها (يصلي ست ركعات) وفي أخرى (ركعتين) وفي ثالثة
(بعد الفريضة) وهذه الاختلافات شاهدة على عدم اعتبار الصلاة
في الاحرام. لكن الاشكال غير وارد، فإنها وإن كانت مختلفة
المضامين من جهة الفريضة والنافلة وعدد الركعات، إلا أن الجميع
متفق في اعتبار وقوع الاحرام بعد الصلاة ولا اختلاف فيه، وإنما
الاختلاف في كيفية هذه الصلاة وكميتها، فأصل الصلاة معتبر في
الاحرام ولا شبهة فيه ولا اشكال، ولا يضره الاختلاف في الكمية
والكيفية فريضة كانت أو نافلة ست ركعات أو أقل منها.
إنما الاشكال في أن العلماء والفقهاء لم يفتوا بالوجوب عدا
الإسكافي المعلوم حاله، فعلى هذا تكون تلك الأخبار معرضا عنها
من جهة الدلالة على الوجوب أو جهة الصدور.
وقد يقال: إنه كيف يتصور أن تكون النافلة شرط لواجب.
وفيه: أنه لا مانع من أن يكون الأمر المندوب شرطا لواجب لولا
كونه شرطا لكان نفلا وندبا، وأما نظرا إلى كونه شرطا يكون
واجبا من جهة الشرطية للغير، كما إذا قيل الوضوء بالماء البارد
أفضل، فإن هذا الفرد من الماء مع كونه أفضل الافراد ومندوبا يقع
شرطا لواجب ولا حذر في ذلك.
ثم إن المقصود من كلام المحقق (يحرم عقيب فريضة الظهر
أو فريضة غيرها وإن لم يتفق يصلي للاحرام ست ركعات) أن يقع
255

الاحرام بعد الفريضة من دون أن يأتي بنافلة الاحرام، أو أن المراد
أن يأتي المحرم بست ركعات أو أربع أو ركعتين للاحرام ثم يصلي
الفريضة ويحرم بعدها. وجهان.
وقد اتفق أكثر عبارات الأصحاب أن كلامه قاصر عن إفادة
المراد، قال في المسالك: المقصود أنه يصلي ست ركعات للاحرام
ثم يصلي الظهر ويحرم في دبرها. وأورد عليه في المدارك وقال:
لا وجه لحمل كلام المصنف على ذلك وشدد على من قال بقصور
العبارة عن تأدية المراد، واختار نفسه سقوط نافلة الاحرام إذا اتفق
وقت الفريضة وحمل عبارة المحقق أيضا على ذلك ونقل الجواهر
عن محكي المبسوط والنهاية عدم سقوط النافلة للاحرام، بل يقدمها
على الفريضة ثم يصلي الفريضة ويحرم دبرها. وهو أيضا مختاره،
بل ادعى صراحة العبارة في ذلك.
وذيل عبارة المحقق يدل على أن نافلة الاحرام لا يسقط إذا
اتفق وقت الفريضة بل يقدم على الفريضة ست ركعات أو أربع
ركعات أو ركعتين ثم يأتي بالفريضة ويحرم دبرها، لا أن النافلة
تسقط.
ويدل على ما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في حديث
معاوية بن عمار: خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت
وإذا أردت أن تحرم الخبر (1).

(1) الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 1.
256

والحاصل أنه وقع الخلاف بين الأعلام في أن نافلة الاحرام
إذا اتفق وقت الفريضة هل يسقط أم لا؟ قيل يسقط كما اختاره
المسالك واختار جماعة عدم السقوط كما هو المحكي عن المبسوط
والمقنعة والتذكرة والنهاية، واختاره صاحب المدارك والجواهر.
وقد يستدل للقول الثاني بالروايات الخاصة وأخرى بالعمومات:
أما الأولى مثل ما في الفقه المنسوب إلى أبي الحسن الرضا عليه
السلام قال: فإن كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل
الفريضة ثم صل الفريضة. وروي أن أفضل ما يحرم الانسان في دبر
صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل (1).
وهذا كما ترى صريح في لزوم الاتيان بالنوافل قبل الفريضة،
وإن نافلة الاحرام لا تسقط إذا اتفقت وقت الفريضة، بل يأتي بها
قبلها ثم يأتي بالفريضة ويحرم دبرها ليكون أفضل. ولكن الاشكال
في أنه فقه الرضا وحده لا يكون دليلا وحجة، وإن قال صاحب
الحدائق كثيرا ما يعتمد العلماء عندما لم يجدوا نصا على فقه الرضا
عليه السلام.
وأما الثانية فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام: خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا
أردت أن تحرم (2).

(1) المستدرك الباب 13 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 1.
257

وهي باطلاقها تدل على مشروعية نافلة الاحرام، سواء وافقت
وقت الفريضة أو لم تكن في وقتها.
ومنها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: خمس
صلوات تصليها في كل حال، منها صلاة الاحرام (1).
ومنها صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: واعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة
أو ليل أو نهار (2).
ومنها ما تقدم من رواية محمد بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة
فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة
صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما (3).
الظاهر من الرواية أنه لو اتفق الاحرام وقت الفريضة يحرم
عقيبها، وتدل بضميمة الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الاحرام
لا تسقط على حال، على أن النافلة التي شرعت للاحرام يؤتى بها
قبل الفريضة ثم يصلي المكتوبة ويحرم دبرها.
ويشعر بما ذكرناه قول الصادق عليه السلام في رواية معاوية
ابن عمار: إذا أردت الاحرام في غير وقت الفريضة فصل ركعتين

(1) المصدر ج 9 الباب 19 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
258

ثم أحرم في دبرها (1).
والمفهوم من الرواية أن الاحرام بعد الركعتين إنما هو إذا وقع
في غير وقت الفريضة، وأما إذا اتفق وقت الفريضة فيأتي بالركعتين
ثم بالفريضة ويوقع الاحرام بعدها.
ولا يعارض ما اخترناه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة
فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة
صليت ركعتين (2).
بدعوى أن الظاهر منها أن الاحرام لا بد أن يقع بعد المكتوبة
أو النافلة، وأما الجمع بينهما خلاف ما هو الظاهر منهما.
وذلك لأن المترائي والتبادر من الرواية أن الاحرام لا بد من
وقوعه بعد الصلاة إما المكتوبة أو النافلة على طريق منع الخلو،
وأما الجمع بينهما بأن يصلي النافلة ثم المكتوبة ويوقع الاحرام
فلا يستفاد منها منعه وعدم جوازه إذا اتفق وقت الفريضة، ولا تعارض
الأخبار المتقدمة الدالة على أن نافلة الاحرام لا تسقط على حال.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن الاحرام شرع قبله ست
ركعات أو أربع أو ركعتان، ولا يسقط على كل حال، غاية الأمر
أنه إذا لم يتفق وقت الفريضة يأتي بالنافلة ويحرم دبرها، وأما إذا

(1) الوسائل ج 9 الباب 18 من أبواب الاحرام الحديث 5.
(2) الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 1.
259

صادف وقت الفريضة فالأفضل أن يأتي بالنافلة أولا ثم يصلي الفريضة
ويقع الاحرام دبرها ليكون تبعا لها ومتصلا بها، فإن ذلك أفضل
أفراد الاحرام على ما في الروايات.
واستدل صاحب المستند على عدم سقوط النافلة برواية معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم التروية إن شاء
الله تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك
السكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر
ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك
الخبر (1).
بناءا على أن المراد من الركعتين ركعتا الاحرام لا التحية
للمسجد، وأنه لا فرق بين احرام العمرة وبين احرام الحج ولكنه
لا يخلو من وجه.
ثم إنه لا فرق في وقت الاحرام من جهة الوقت ليلا كان أو نهارا
قبل الظهر أو بعده، وإن كان الجميع مشتركا في أن يوقع الاحرام
دبر الصلاة إلا أنه من جهة الوقت في فسحة وسعة كما في رواية
معاوية بن عمار (لا يضرك ليلا أحرمت أو نهارا) (2).
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: واعلم أنه
واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار (3).

(1) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(3) الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 2.
260

ولكن أفضل أوقاته كما قيل الظهر، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما
أحرم في ذلك الوقت، والتأسي به في كل أمر حسن.
ولكنه كما يظهر من بعض الأخبار أن احرام الرسول صلى الله عليه وآله في
ساعة الظهر إنما كان لعدم وجدان الماء في غير تلك الساعة وكان هو
السبب في التأخير لا غير، فلا يستفاد منه أفضلية وقت الظهر، لأن
تأخيره صلى الله عليه وآله الاحرام إلى الظهر إنما كان لأمر طبيعي عرفي لا لأمر
شرعي معنوي عبادي.
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته أ ليلا أحرم
رسول الله صلى الله عليه وآله أم نهارا؟ قال: نهارا. فقلت: أي ساعة. قال:
صلاة الظهر. فسألته: متى ترى أن نحرم؟ قال: سواء عليكم،
إنما أحرم رسول الله صلاة الظهر لأن الماء كان قليلا كان في رؤوس
الجبال فيهجر إلى مثل ذلك من الغد، ولا يكاد يقدرون على
الماء، وإنما أحدثت هذه المياه حديثا (1).
اللهم أن يقال: إن التأسي بالرسول في كل أمر ولو كان طبيعيا
عاديا حسن يحبه أهل بيته وورثة علمه وحفظة دينه، كما ورد فيما
رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في حديث، بين فيه
شطرا من آداب الاحرام إلى أن قال: ولكن فراغك من ذلك إن شاء
الله عن زوال الشمس، وإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك
ذلك غير أني أحب أن يكون ذلك عن زوال الشمس (2).

(1) الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 5 - 6.
(2) الوسائل ج 9 الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 5 - 6.
261

هذا كله في الاحرام من الميقات للعمرة أو الحج، وأما الاحرام
للحج من مكة فيظهر من الروايات أن له أن يحرم في كل وقت حتى
قبل صلاة الظهر، بل يظهر من بعض النصوص أن الفضل له أن يحرم
قبل الظهر ويصلي الفريضة في منى، كما في مرسلة الكليني ورواها
الصدوق عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام، ويأتي أيضا
في أحكام الحج إن شاء الله.
(كيفية نافلة الاحرام)
ثم إن نافلة الاحرام ست ركعات أو أربع، وأقلها ركعتان.
قال المحقق: يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي
الثانية الحمد وقل هو الله أحد. (وفيه رواية أخرى تدل على العكس.
وقال صاحب الجواهر والحدائق المتبحران في الأخبار: لم
نقف فيها إلا على خبر معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا يدع أن يقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبعة
مواطن: في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، وركعتين
بعد المغرب، وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الاحرام
والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي الطواف (1).
وهذه الرواية لا تدل على الترتيب، بل تدل على أن سورتي
التوحيد والجحد ينبغي أن لا يتركا في تلك الصلوات التي فيها ركعتا

(1) الوسائل ج 4 الباب 15 من أبواب القراءة الحديث 1.
262

الاحرام ولا يستفاد الترتيب من ذلك. اللهم إلا أن يقال: إن ذكر
التوحيد أولا والجحد ثانيا يشير إلى الترتيب بينهما، وهو غير
واضح.
ولكن التهذيب بعد ذكر الرواية قال: وفي رواية أخرى: يبدأ
في كل منها بقل هو الله أحد إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل
يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد. وأشار
إليها أيضا في الجواهر، وذكرها صاحب الوسائل بعد رواية معاذ
بقوله: وفي رواية أخرى.
(مسألة) هل الفريضة التي ينبغي أن يوقع الاحرام بعدها يشمل
القضاء أو يختص بالأداء. وجهان، الظاهر الثاني، فإن المتبادر من
الأخبار أن الاحرام إذا اتفق وقت الفريضة يصليها، ويحرم دبرها،
وهذا ظاهر في وقت الأداء ولا يشمل القضاء.
(في مكروهات الاحرام)
ويكره الاحرام في الثياب المصبوغة بالسواد أو بالعصفر وفي
الثياب الوسخة وفي الثياب المعلمة.
ويكره الخضاب للمرأة إذا بقي أثره بعد الاحرام، ونسب ذلك
إلى ظاهر الأكثر، وقيل إنه حرام، والرواية الواردة في المقام وإن
كانت في المرأة إلا أن الحكم شامل للرجل أيضا، فيكره الخضاب
له قبل الاحرام إن بقي أثره بعده.
263

عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها
بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني أن تفعل.
ودلالة الرواية على الكراهة واضحة.
264

في واجبات الاحرام
الواجبات في الاحرام ثلاثة:
(الأول) النية، وهي أن يقصد أمورا أربعة: ما يحرم به من
حج أو عمرة متقربا إلى الله تعالى، ونوعه من تمتع وقران وافراد
وصفته من وجوب وندب، وما يحرم له من حجة الاسلام أو غيرها.
لا اشكال ولا خلاف في وجوب النية، بل الاجماع عليه بقسميه
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاحرام انشاء التحريم على نفسه
كما في ايجاب البيع، أو التصميم والعزم على ترك المحرمات،
أو يكون أمرا معنويا متحصلا من الأفعال المعتبرة عند الاحرام من
لبس الثوبين والتلبية.
فعلى جميع التقادير يحتاج إلى النية عند الاحرام. ولا ينعقد
بدونها، خلافا لصاحب المستند حيث قال: إن التروك لا تحتاج
إلى النية. وفيه: أن الاحرام أمر عبادي يحتاج إلى القصد والتقرب
265

وليس أمرا توصليا كتطهير الثوب وغسل اليد الذي لا يحتاج في
امتثاله إلى النية وقصد التقرب.
وأما التعيين الذي اعتبرناه في الاحرام من كونه لحج أو عمرة
فقد يقال إنه لا يحتاج إلى التعيين. ولا يشترط ذلك في انعقاد الاحرام
بوجوه:
(الأول) إن رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بالحج ولم يعين شيئا،
وكان ينتظر الوحي في ذلك.
وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحرم وساق معه الهدي، وظاهر
ذلك أن احرامه كان للقران وكان قارنا، وبقي في احرامه حتى يبلغ
الهدي محله.
(الثاني) إن عليا عليه السلام كان في حجة الوداع باليمن وأهل
بالحج منه ولم يعين شيئا من العمرة ونوع الحج، وقال: اهلالا
كاهلال رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفيه: أنه لم يثبت أنه عليه السلام لم يكن عالما باحرام النبي
صلى الله عليه وآله، بل كان عالما باحرامه وأهل كاهلاله فالاستدلال
به عين المدعى ومصادرة بالمطلوب.
(الثالث) من الوجوه: أن تعيين الحج أو العمرة ليس مما يعتبر
بعد نية أصل الاحرام والقصد إليه وليس شرطا فيه، ولهذا لا يبطل
الحج إذا تركه، بل له تجديد نية الحج أو العمرة قبل مضي الوقت
وانقضائه، وليس هو إلا مثل الطهارة المعتبرة في الصلاة في القصد
266

إلى أصل الطهارة ونفسها، ولا يعتبر أن ينوي المشروط بها، بل
يكفي القصد إلى أصل الطهارة، وكذا الاحرام يكفي القصد إلى
نفسه. ولا يشترط في الطهارة أن ينوي الصلاة المشروط بها من
صلاة واجب وندب.
وفيه: أن عدم بطلان الحج بترك التعيين، وجواز تجديده لو
فرض صحته، وإن لم نعثر على دليل هذا الدعوى، إنما هو لدليل
خاص، كما ورد في العدول في موارد خاصة ولا يلزم منه عدم
الاحتياج إلى التعيين، وأما التنظير بالطهارة المشروطة بها الصلاة
فهو في غير محله.
(الرابع) أنه يعلم من أخبار العدول من التمتع إلى الافراد،
أن التعيين ليس شرطا، بل الاحرام أمر مستقل غير مرتبط بالحج
أو العمرة، كما في الطهارة المشروطة بها الصلاة التي لا يعتبر فيها
بعد نية أصل الطهارة تعيين الظهر أو العصر المشروط بها لأنه واجب
مستقل في القصد، فكذا الاحرام.
وفيه: أن دليل جواز العدول من نوع إلى نوع آخر لا يكون
دليلا على عدم اشتراط التعيين، ولا يجعل الاحرام شيئا مستقلا كما
ادعاه المستدل، بل هو دليل خاص في مورد خاص، ولا يكون
دليلا وحجة لأحد الخصمين.
وقد يتمسك لعدم اشتراط التعيين للحج والعمرة وعدم لزوم
ذلك في انعقاد الاحرام وصحته، باطلاقات الأدلة الدالة على وجوب
267

الاحرام ولزومه من دون تقييد بتعيين ما يحرم به، ولو كان التعيين
معتبرا وشرطا في صحة الاحرام وانعقاده، لكان المناسب ذكره
والإشارة إليه أيضا.
وفيه: أن الأدلة الواردة في المقام لو لم تدل على جزئيته،
وارتباطه بالحج والعمرة، فلا تدل على كونه مستقلا وواجبا نفسيا
لوضوح أنه بعد ما ثبت وجوبه واشتراط الحج به في ضمن وجوب
سائر الأجزاء التي تدل عليه الأخبار يكون كسائر الأجزاء مربوطا
بالحج ومرتبطا به ولا يعلم استقلاله لو لم يعلم خلافه، فاطلاق
الأدلة لو لم تدل على الجزئية والارتباط لا تدل على استقلاله.
واستدل أيضا على عدم وجوب التعيين بأصالة البراءة من
الوجوب، بدعوى أن وجوب أصل الاحرام معلوم وثابت، وأما
تقييده بالتعيين لما يحرم به فغير ثابت بل مشكوك، فالأصل يقتضي
عدمه.
وفيه: أن الأصل لا مورد له في المقام، فإن وجوب الاحرام
معلوم لا شك فيه حتى يتمسك فيه بالأصل، وينفى بالبراءة، وإنما
المشكوك وجوب ارتباطه بما يحرم به، بأن ينوي الحج أو العمرة
عند الاحرام. وهذا ليس تكليفا زائدا تعبدا، بل التعيين لو كان
واجبا إنما يجب بحكم العقل بلزوم ارتباط الأجزاء بالمأمور به
بالقصد إليه وتعيينه، إذا أراد الاتيان به، كما في سائر العناوين
القصدية.
268

مثلا: لو أراد تعظيم رجل وقام لا يكون هذا القيام تعظيما له
ولا يعنون بعنوان الاحترام إلا بالقصد وربط القيام له. مضافا إلى
أنه بعد تعلق الأمر بالمأمور به المشتمل على أجزاء متعددة مختلفة
إذا شك في أن الاتيان بالجزء المعلوم، من دون أن يربطه بالمأمور
به ويقيده به، هل يجزي في اسقاط التكليف أم لا؟ تقتضي القاعدة
الاشتغال لا البراءة.
وبعبارة أخرى وأوفى: أن الشك في المقام شك في الامتثال
والمحصل بعد العلم بتعلق الأمر بالمركب، والأصل حينئذ الاشتغال
لا البراءة، إذ لا مجرى لأصل البراءة في هذا المورد، لعدم تمامية
قبح العقاب بلا بيان، فإن ما هو الواجب بيانه على الشارع أصل
التكليف، وأما كيفية الامتثال للتكليف فليس وظيفته، وإنما هو
وظيفة حكم العقل.
ولا فرق في ذلك بين القول بكون الاحرام أمرا معنويا متحصلا
من الأفعال، وبين كونه انشاء التحريم أو توطين النفس على ترك
المحرمات، لموضوع أنه على كل تقدير يشك في أن المأمور به هل
يتحقق ويمتثل أمره إذا لم يعين ما يحرم به أو لا يمتثل، بعد العلم
بوجوب الاحرام والشك في لزوم تقييده بما يحرم به، والقاعدة
تقتضي الاشتغال، إذا الشك في المقام ليس في أنه نفسي أو غيري،
كما لو أمر بنصب السلم وشك في أنه للصعود إلى السطح أم لا حتى
يقال إن الأمر بالنصب معلوم وأما نصبه للصعود مشكوك والأصل
269

عدمه، فكذلك الاحرام معلوم وجوبه، وأما تقييده بما يحرم به
وتعيينه مشكوك والأصل عدمه.
ووجهه: أن وجوب التعيين في المقام من القيود العقلية التي
يحكم العقل باعتباره، ولا يمكن نفيه بالبراءة أو اطلاق الأدلة، كما
في أخذ قصد القربة في متعلق الأمر، إن قلنا إنه بحكم العقل لا
بالجعل الثاني، كما ذكر مفصلا في دوران الأمر بين التعبدي والتوصلي.
وبالجملة وجوب تعيين ما يحرم به عند الاحرام لازم، وتدل
عليه أيضا الأخبار التي تدل على اعتبار نية التمتع والعمرة، كما في
صحيح حماد بن عثمان تقول (اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة
إلى الحج) (1).
وفي صحيح عبد الله بن سنان: إذا أردت الاحرام والتمتع فقل
(اللهم إني أريد ما أمرت من التمتع بالعمرة إلى الحج) (2).
وفي رواية أبي الصلاح قال: أردت الاحرام بالمتعة فقلت
لأبي عبد الله عليه السلام كيف أقول: قال: تقول (اللهم إني أريد
التمتع بالعمرة إلى الحج) (3).
ويظهر من تلك الروايات إن لزوم تعيين ما يحرم به من حج
أو عمرة إنما كان مفروغا عنه عند العرف، بمعنى أنهم لا يرون الحج

(1) الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 16 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل ج 9 الباب 17 من أبواب الاحرام الحديث 2.
270

إلا مركبا من احرام وسائر الأفعال الواجبة فيه، لا بمعنى التعبد
بوجوب الاحرام مستقلا، من غير ربط له بما يحرم به.
(في كفاية التعيين الاجمالي)
ثم إنه بناءا على اعتبار التعيين لما يحرم به، لا يجب أن يعين
مفصلا بل كيفي التعيين الاجمالي، إما بحصر المأمور به في فرد
معين، فيقصد ما هو الواجب عليه، كما لو علم بترك إحدى الصلاتين
الظهر أو العصر، فيأتي بأربع ركعات ناويا له ما في ذمته.
هذا إذا كانت الفريضة مشتركة بين فردين متحدين في جميع
العنوان، وأما لو كانت متفاوتة ومختلفة كما في القران والافراد
فيجب التعيين بالتفصيل، فلو أحرم ولم يعين أحدهما بطل.
هذا، وأما قصد الوجوب والندب فليس معتبرا، بل يكفي
قصد الأمر وانقداح الداعي في النفس، وتحرك العضلات به، وبعث
الأمر إلى العمل. فإن قصد الوجوب والندب، فهو مما ذكره
المتكلمون في أبحاثهم الكلامية، وأما الفقهاء فلا يعتبرونه بل
يقولون بكفاية قصد الأمر، إلا إذا توقف التعيين على قصد الوجوب
أو الندب، كما إذا نوى الاتيان بركعتين من دون قصد لفريضة الصبح
أو نافلته، فإنهما لا تكونان فريضة الصبح إلا بالقصد لها، وكذا
لا ينطبق عنوان النافلة عليهما إلا بالقصد إياها.
نعم لا يشترط في النية والقصد الاخطار بالبال حين الشروع
271

والتلفظ به، بل يكفي الداعي المستمر إلى حين العمل إذا لم يكن
غافلا عنه، بحيث لو سئل عنه يبقى متحيرا ولا يدري ما يصنع
وإلا يجب عليه تجديد النية.
ثم إنه لا يعتبر في الاحرام استدامة نية ترك المحرمات وعدم
الاتيان بها بعد انعقاد الاحرام، كما يعتبر في الصوم بالنسبة إلى
المفطرات، بل لا يضر نية قطع الاحرام وابطاله، كما يضر نية
الافطار في الصوم، إذ ليس الاحرام كالصوم، حتى أنه لو ارتكب
محرما من تروك الاحرام يبقى الاحرام على حاله إلا في بعض
المحرمات كما سيأتي تفصيله.
(فروع)
وهنا فروع ينبغي الإشارة إليها:
(الأول) لو نوى العمرة والحج معا باحرام واحد، فإن قصدهما
بوصف الاجتماع، والانضمام والآتيان بهما وامتثال أمرهما المتعلق
لكل واحد منهما، بحيث يكون كل واحد منهما جزءا للنية من دون
أن يأتي باحرام آخر بينهما، فالاحرام باطل لعدم مشروعيته بهذا
النحو وعدم مشروعية العمرة والحج كذلك.
وإن قصد امتثال الأمر المتعلق بكل واحد من الحج والعمرة
على نحو الاستقلال لا الاجتماع والانضمام، بحيث يكون كل واحد
من الأمرين مؤثرا تاما لقصده وامتثاله، فإن كان ذلك في غير أشهر
272

الحج، يصح احرامه للعمرة فيأتي بها ويلغو نية الحج، لعدم
صحته كذلك، لاشتراط الصحة بوقوع عمرته في أشهر الحج، ولا
يضر ضم نية الحج بالعمرة وصحتها. وكذلك لو كان في أشهر الحج
وتعين عليه أحدهما المعين في الواقع، بأن لا يصح منه إلا العمرة
المفردة أو الحج فيصح الاحرام فيأتي بما هو المتعين عليه، ويلغو
نية غيره ولا يضره ضمه إليه.
وأما إذا صح كل واحد من العمرة والحج منه بأن لم يتعين
ولم يجب عليه واحد منهما فالأقوى بطلان الاحرام، لعدم صحتهما
باحرام واحد وعدم الترجيح في البين. نعم لا بأس بنية العمرة
والحج معا في الاحرام بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، بأن ينوي
العمرة مريدا بها إلى حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه، بل هو
مستحب كما في بعض الروايات.
فتحصل من جميع ما ذكر أن الجمع في النية بين العمرة والحج
بحيث يكون كل منهما علة تامة مستقلة مؤثرة في العمل غير
صحيح لعدم تعين المنوي، ويكون الاحرام باطلا، ولا يكون
مخيرا في تعيين أحد الفردين بعده، كتزويج الأختين معا من دون
تعيين أحدهما حين العقد في البطلان وعدم جواز التعيين بعده وعدم
التخيير بينهما.
وقد يستدل لصحة الجمع بين العمرة والحج في النية، بما
روي عن علي عليه السلام في قضية عثمان، عن الحلبي عن أبي
273

عبد الله عليه السلام قال: إن عثمان خرج حاجا فلما خرج إلى
الأبواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة ولا تمتعوا، فنادى
المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: أما لتجدن عند الغلائص
رجلا ينكر ما تقول، فلما انتهى المنادي إلى علي (ع) وكان عند
ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا، فلما سمع النداء تركها ومضى إلى
عثمان وقال: ما هذا الذي أمرت به. فقال: رأي رأيته. فقال:
والله لقد أمرت بخلاف رسول الله، ثم أدبر موليا رافعا صوته: لبيك
بحجة وعمرة لبيك معا (1).
وظاهر الرواية أنه عليه السلام نوى الحج والعمرة معا وفيه:
أن عليا عليه السلام كان بذلك رادا على عثمان ومنكرا لعمله المخالف
لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ومعلنا بأن الواجب على النائي حج التمتع
لا القران، كما نطق به القرآن الكريم وأمر به النبي صلى الله عليه وآله، وكان
علي عليه السلام بذلك ناويا للعمرة إلى الحج وإلا كان هو أيضا
مخالفا لعمل الرسول والكتاب الكريم.
(الفرع الثاني) لو أحرم ونوى وقال (أحرم كاحرام فلان)،
فتارة يعلم أنه أحرم كذا، فلا اشكال فيه لأنه تعيين تفصيلي وأخرى
لا يعلم نوع احرامه أصلا بل يعلم أنه أحرم اجمالا، فلا يبعد
القول ببطلانه لعدم التعيين أصلا.
قد يقال: إنه صحيح، مستدلا بما روي عن علي عليه السلام

(1) الوسائل ج 9 الباب 21 من أبواب الاحرام الحديث 7.
274

أنه أحرم وأهل كاهلال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، وكان
وقتئذ باليمن.
وفيه: أنه كما تقدم لم يثبت عدم كونه عالما باحرام النبي صلى الله عليه وآله
حينما أحرم، ولعله كان يعلمه من قبل باخبار النبي أو من طريق آخر
فالاستدلال به مع عدم ثبوت جهله باحرام الرسول غير صحيح.
(الفرع الثالث) لو نسي ما أحرم به ولم يعلم أنه أحرم بالحج
أو بالتمتع، قال المحقق: كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم
يتعين عليه أحدهما المعين، وإلا صرف إليه. ونقل ذلك عن الفاضل
والشهيدين وغيرهم.
واستدل له: بأنه كان له الاحرام بأيهما شاء فله صرف احرامه
إلى أيهما شاء، والوجه في ذلك استصحاب حال المكلف قبل
الاحرام، إذا المحرم قبل الاحرام كان له أن يصرف احرامه إلى أي
من النسكين، ويختار أيا منهما شاء والآن كذلك، فله التخيير كما
كان له ابتداءا بناء على اتحاد الموضوع وإن نسيانه لما أحرم به لا
يوجب تعدد الموضوع. بدعوى أن الموضوع هو الشخص، وهو
في الحالتين متحد.
ولكن التحقيق إن الاستصحاب في المقام لا يجري للتعارض.
كما في الإنائين المشتبهين، فإن المكلف قبل العلم بوقوع الدم
في أحدهما كان مخيرا أن يتوضأ من أي من الإنائين، ولكن بعد
العلم بالنجاسة يتعارض الاستصحاب في كل منهما مع الآخر. وفي
275

المقام أيضا كذلك، فإن المحرم قبل احرامه وإن لم يتعين عليه
العمرة أو الحج، وكان له التخيير في صرف الاحرام إلى أي منهما
شاء، ولكنه بعد الاحرام لأحدهما ونسيانه ذلك يعلم وجوب اتمام
ما أحرم له وعين عليه وعدم جواز صرفه إلى غيره، فيتعارض
استصحاب جواز التعيين في كل واحد منهما مع الآخر ولا يجري
الاستصحاب.
ثم إن صاحب الجواهر نقل عن المستدل تعليله للحكم بعدم
الرجحان في أحدهما، وعدم جواز الاحلال له بدون النسك،
إلا إذا صد أو أحصر، وعدم امكان الجمع بين النسكين فيتخير بين
الفردين.
فهل عدم الرجحان المذكور في دليل المستدل دليل مستقل
قبال الاستصحاب، أو هو من تتمة الدليل الأول فيتخير بين النسكين
والظاهر أن عدم الرجحان لأحدهما بنفسه لا يوجب التخيير بينهما
في الحكم، كما أن التخيير بين النسكين إذا عرض عارض لا يوجب
التخيير هنا، فإن عدم القدرة على الجمع إنما هو من جهة أمر خارجي
ومنع وصد، فيصح القول بالتخيير بعد الاحرام لأحدهما.
وأما عدم القدرة على الجمع في المقام إنما هو من جهة أن
المحرم لا يدري ما نوى ولا يعلم ما قصده، وهذا لا يوجب التخيير
بل يمكن أن يحكم بالبطلان رأسا، وعدم توجه التكليف إليه أصلا
وأن لا يكون مسقطا للتكليف الواجب لو اختار أحدهما.
276

وأما عدم جواز الاحلال له، فهو أمر آخر، وتكليف مستقل لا
يلزم منه التخيير شرعا. فإن من أحرم ونسي ما أحرم به، يجب
عليه أن يحل بأي وجه يمكن له، ولكن مع ذلك كله، التكليف
الثابت عليه في الواقع باق على عهدته ولا يبرء ذمته عنه. هذا إذا
لم يمكن الاحتياط، وهو في المقام ممكن بالعدول إلى العمرة.
وبالجملة التخيير هنا ليس حكما شرعيا، بل طريق إلى التخلص
من تعهدات الاحرام والتحليل ما كان ممنوعا منه، كما لو عقد
إحدى الأختين ونسي المعقودة، إذ لا يمكن القول بالتخيير بينهما
وأنه يمسك أيتهما شاء، بل لا بد له من الاحتياط أما بالنسبة إلى
النفقة وحق السكنى فيعطى كل واحدة منهما نفقتها وسكناها، وأما
التماس الجنسي فلا يقرب أية منهما ولا يجامعها، ولكن يمكن له
أن يحتاط ويطلق كل واحدة منهما. وفي المقام أيضا كذلك إن
أمكن له الاحتياط كما تقدم اختياره يحتاط بالعدول إلى العمرة وإلا
فلا تخيير له شرعا.
هذا كله إذا لم يلزمه أحد النسكين، وأما إذا لزمه فيأتي حكمه
في الفرع الآتي.
(فرع) لو أحرم ونسي ما أحرم به وكان أحد النسكين فرضا
عليه في الواقع، صرف إليه كما في الشرائع. ولعله لظاهر الأمر،
وإن المكلف لا يقدم إلا على ما هو الواجب عليه، وأنه حين العمل
أذكر. وهو الذي يقتضيه أصالة الصحة في العمل أيضا، فإنه يشك
277

في أن احرامه صحيح، بأن كان لما يجب عليه ولزمه، أو باطل لكونه
لغير الواجب عليه، كما في صوم شهر رمضان إذا شك في أنه نوى
صوم شهر رمضان أو غيره من الواجب والمندوب، فيحكم بصحة
صومه، وأنه نوى صوم شهر رمضان، فكذلك في المقام يحكم
بأن احرامه إنما كان لما كان واجبا ولازما عليه دون غيره. هذا غاية
تقريب أصالة الصحة.
وفيه: أن الحكم بصحة صوم رمضان إذا شك أنه نواه أم نوى
غيره، إنما هو لدليل خاص شرعي غير ثابت في المقام، وأما أصالة
الصحة فهي تجري فيما إذا أحرز عنوان العمل وفرغ عن وجوده،
ثم شك في أنه أتى به صحيحا أم باطلا، كما إذا فرغ عن صلاة
الظهر أو العصر، وشك في أنه أتى بها صحيحا أو باطلا، يحكم
بالصحة بحكم الأصل.
وأما لو شك في أنه نوى الظهر أو العصر، فلا يمكن الحكم بأن
المنوي هو الظهر بأصالة الصحة، بخلاف ما لو نوى الظهر تعيينا
وفرغ منه، ثم شك في أنه صحيح أم باطل. فعلى هذا لو شك في
أنه أحرم لما لزمه حتى يكون احرامه صحيحا، أو احرام لغيره فيقع
باطلا، لا يمكن اثباته لما يجب عليه بأصالة الصحة في العمل، كما
في اثبات عنوان الظهر بها. نعم لو أحرم بالحج أو بالعمرة وفرغ
من الاحرام ثم شك في أنه كان صحيحا أو باطلا، فيحكم بالصحة
بحكم الأصل، بخلاف الأول فإن أمكن فيه الاحتياط وإلا فيحكم
278

بالبطلان.
وعن الشيخ في الخلاف يجعله عمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد
وافق وإن كان غيره فالعدول منه إلى غيره جائز. وقال: وإذا أحرم
بالعمرة (في الواقع) لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال
العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال انتهى.
وحسنه في التحرير والمنتهى، ولعل الوجه أن الموافقة الاحتمالية
مرجح على المخالفة القطعية إذا لم يمكن الامتثال القطعي. لكن
لا وجه لهذا الاحتمال، لأن الموافقة الاحتمالية حاصلة على التخيير
أيضا. هذا إذا كان العدول جائزا، وأما إذا لم يمكن العدول كما
لو نسي أنه أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردة فيأتي بأيهما شاء.
وفي الجواهر قوى البطلان وسقوط الخطاب أصلا، وقد تقدم
منا في الفروع السابقة، أنه إن أمكن الاحتياط في الموارد المشتبهة
يعمل به.
فهل الاحتياط هنا ممكن أم لا؟ لا يبعد أن يقال لو نسي أنه
أحرم لحج الافراد أو العمرة المفردة يمكن الاحتياط، بأن يأتي
بالطواف والسعي ويقف بالعرفات والمشعر رجاءا، إذ لا مانع من
تقديم الطواف والسعي في حج الافراد، ثم يرمي الجمرة يوم العيد
رجاءا ويحلق أو يقصر بقصد ما في الذمة من الحج أو العمرة، ويأتي
بسائر أعمال الحج رجاءا، ثم يطوف طواف النساء ناويا لما في
الذمة.
279

في التلبية
(الثاني) من واجبات الاحرام التلبية، والكلام فيها في مواقع:
الأول في وجوبها، والثاني في أن الاحرام لا ينعقد إلا بها بمعنى
أنه يجوز ارتكاب ما يحرم على المحرم قبل التلبية، والثالث في
كيفيتها وعددها.
(أما الأول) فلا اشكال في وجوبها ولا خلاف، بل ادعي
الاجماع وعدم الخلاف فيه في الجملة. وتدل عليه أخبار معتبرة
كثيرة:
(منها) رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث: واعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع في أول الكلام، وهي
الفريضة وهي التوحيد وبها لبى المرسلون (1).
وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:

(1) الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الاحرام الحديث 1.
280

سألته عن التلبية لم جعلت؟ قال: إن إبراهيم (ع) حين قال الله
عز وجل له (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) نادى وأسمع
فأقبل الناس من كل وجه يلبون، فلذلك جعلت التلبية. (1)
وعن الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: جاء جبرئيل
إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له: إن التلبية شعار المحرم فارفع صوتك
بالتلبية (2).
(وأما الثاني) مضافا إلى الاجماع بقسميه كما عن الانتصار
والغنية والخلاف والتذكرة، تدل عليه أخبار كثيرة متظافرة:
منها صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال: لا
بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن
يقوله ولا يلبي، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره فليس عليه
فيه شئ (3).
وفي صحيح ابن الحجاج في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد
الاحرام ولم يلب. قال: ليس عليه شئ (4).
وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه
السلام: صلى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الاحرام ثم خرج

(1) الوسائل ج 9 الباب 36 من أبواب الاحرام الحديث 8.
(2) الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(4) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 2.
281

فأتي بخميص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبي منه (1).
وفي مرسلة جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام أنه قال
في رجل صلى في مسجد الشجرة وعقد الاحرام وأهل بالحج ثم
مس الطيب وأصاب طيرا أو وقع على أهله. قال: ليس بشئ
حتى يلبي (2).
ومنها صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل إذا
تهيأ للاحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب (3).
(ومنها) رواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه
السلام: ما تقول في رجل تهيأ للاحرام وفرغ من كل شئ إلا
الصلاة وجميع الشروط إلا أنه لم يلب، أله أن ينقض ذلك ويواقع
النساء؟ فقال: نعم (4).
وفي رواية الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن بعض
أصحابه قال: كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد
الشجرة فصلى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن
ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب: نعم أو لا بأس به (5).

(1) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 6.
(3) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 8.
(4) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 10.
(5) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 12.
282

وفي رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام
فيمن عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبي.
قال: ليس عليه شئ (1).
وفي رواية أبان عن أبي عبد الله عليه السلام يوجب الاحرام
ثلاثة أشياء: الاشعار والتلبية والتقيد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة
فقد أحرم (2).
وعن محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب المشيخة
للحسن بن محبوب قال: قال ابن سنان: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الاهلال بالحج وعقدته. قال: هو التلبية إذ لبى وهو متوجه
فقد وجب عليه ما يجب على المحرم (3).
والمستفاد من تلك النصوص التي ادعى استفاضتها، أن من
نوى الحج أو العمرة وعقد الاحرام إما بانشاء التحريم أو توطين
النفس على ترك المحرمات، ولم يلب فله أن ينقض احرامه،
بمعنى أن له ارتكاب ما يحرم على المحرم إلى أن يلبي لا بمعنى
ابطال الاحرام ونقضه. والمراد من النقض الوارد في الروايات،
هو عدم وجوب الوفاء بما التزم المحرم، ولو ارتكب شيئا
من المحرمات قبل التلبية فليس عليه شئ، وإذا لبى يجب الوفاء

(1) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 13.
(2) المصدر الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 15.
283

بما التزم بالاحرام.
ويعلم من هذا كما قيل إن التلبية في الاحرام بمنزلة القبض
في السلف في وجوب الوفاء بما أنشأ، فإن العقد السلفي وإن كان
تاما من جهة الانشاء والقصد وسائر الشروط المعتبرة فيه، إلا أنه لا
يجب الوفاء به إلا بعد القبض في المجلس، فكذلك الاحرام لا يجب
الوفاء به إلا بعد التلبية.
لكنه مشكل، بل لا يبعد استفادة كون التلبية جزءا أخيرا للاحرام
ولا يحرم المحرمات إلا بعد تمامية الاحرام، كما يشير إليه قوله
تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم).
ولا يعارض تلك الروايات المتقدمة إلا خبر أحمد بن محمد
قال: سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للاحرام ثم
يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام. قال: عليه دم (1).
لكنه محمول على الاستحباب أو متروك، ونقل عن الشيخ أنه
حمله على من لبى سرا ولم يجهر بالتلبية واحتمل على من
عقد الاحرام بالاشعار أو التقليد أيضا، ولكنه بعيد (2).

(1) الوسائل ج 9 الباب 14 من أبواب الاحرام الحديث 14.
(2) أقول: إن الرواية من جهة الاعتبار ساقطة عن الحجية رأسا، لعدم
اتصالها بالإمام، فإن أحمد بن محمد نقل عن أبيه يقول كذا ولم يروه عن
المعصوم.
284

(في جواز تأخير التلبية عن الميقات)
ثم إنه يظهر من النصوص جواز تأخير التلبية إلى البيداء وعدم
وجوب المقارنة زمانا ولا مكانا بينها وبين عقد الاحرام ونيته، ومن
الغريب أن بعض المحدثين مال إلى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء
في هذا الميقات عملا بالأوامر الواردة فيها، ولكن لم يعرف القول
به من أحد من الفقهاء.
وقد يقال: إنه بناءا على كون النية هو الداعي لا يتصور انفكاك
الداعي عن التلبية، فإن الداعي مستمر إلى أن يلبي فلا ثمرة غالبا
في ذلك.
وفيه: أن القول في المقام في أن التلبية، هل يجوز تأخيرها
مكانا وزمانا عن عقد الاحرام ونيته وإن كانت النية هي الداعي لا غير
وبعبارة أوفى: إن البحث في أن الحاج إذا عقد الاحرام ونوى
الحج في مسجد الشجرة مثلا هل يجب عليه أن يلبي في ذلك المكان
والزمان حتى تحرم عليه المحرمات ويتم الأمر ولا يجوز له ارتكاب
المحرمات، أم يجوز له تأخير التلبية زمانا ومكانا؟ فلا ملازمة بينه
وبين القول بكون الداعي هو النية والقول بالمقارنة ووجوبها.
قد يستدل على عدم وجوب المقارنة بأصل البراءة عن الوجوب
إذا شك فيه، ولكنه غير تام، فإن الشك في المقام شك في المحصل
بعد العلم باشتغال الذمة بالاحرام الذي يوجب العلم بالفراغ،
285

فالأصل الجاري في المقام الاشتغال لا البراءة.
فالعمدة في المقام هي الأخبار الواردة في المسألة، ولا بد من
ذكرها والتأمل في مفادها وكيفية دلالتها، ثم الجمع بينها بما
يقتضيه النظر الدقيق، فإنها مختلفة الدلالة والمضامين جدا:
فمنها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة وأخرج بغير تلبية حتى تصعد
إلى أول البيداء إلى أول ميل إلى يسارك فإذا استوت بك الأرض
راكبا كنت أو ماشيا فلب (1).
وصحيح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يلبي حتى يأتي بالبيداء (2).
وصحيح الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج
وحماد بن عثمان عن الحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة
قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي
بك البيداء، فإذا استوت بك فلب (3).
وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس

(1) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 6.
(2) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الاحرام الحديث 3.
286

يخسف بالجيش (1).
وصحيح معاوية بن عمار أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيئة،
فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب (2).
وصحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التهيؤ للاحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول
الله صلى الله عليه وآله وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء
حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم
لبيك الحديث (3).
وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كنت
ماشيا فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكبا فإذا
علت بك راحلتك البيداء (4).
ورواية عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله هل يجوز للمتمتع
بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم
إنما لبى النبي صلى الله عليه وآله في البيداء لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحب

(1) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 2.
(3) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(4) الوسائل ج 9 الباب 34 من أبواب الاحرام الحديث 1.
287

أن يعلمهم كيف التلبية (1).
وأما التلبية
فكيفيتها على ما في الشرائع ونقل عن التحرير والمنتهى (لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) وهي خيرة الكركي وكذا
في الفقه الرضوي، واختلف في إضافة (إن الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك).
ومنشأ الخلاف ما نقل في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام: والتلبية أن تقول (لبيك، اللهم لبيك، لبيك لا شريك
لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك
ذا المعارج لبيك، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك) إلى أن قال
عليه السلام: واعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول
الكلام، هي الفريضة، وهي التوحيد وبها لبى المرسلون الخبر.
فهل التلبيات الأربع عبارة عن أربع تلبيات مذكورة في أول
الكلام وحدها، أو هي مع ما يليها من الدعاء بحيث يعد كل تلبية
مع ما بعدها من الدعاء واحدة من التلبيات الأربع المفروضة.
فعلى الأول تتم أربع تلبيات بالتلبية الرابعة قبل (أن الحمد)

(1) الوسائل ج 9 الباب 35 من أبواب الاحرام الحديث.
يقول المقرر: هذه جملة من الأخبار التي أشار إليها الأستاذ مد ظله في
أثناء بحثه ثم تعرض للجمع بينها والرد على بعض الأقوال فيها.
288

ويكون الباقي مستحبا كسائر الجملات الواقعة في الرواية، وأما
بناءا على الثاني يلزم ويجب إضافة (إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك) حتى تتم التلبيات الأربع، كما عن ظاهر المختلف
وعن رسالة ابن بابويه والمقنع والفقيه.
وقيل صورة التلبية (لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك لبيك) كما عن جمل السيد والمبسوط
والسرائر والغنية.
ولكن ما هو الأظهر الأقوى القول الأول، وينطبق عليه أيضا
صحيح معاوية بن عمار أيضا، لصدق التلبيات الأربع باتمام التلبية
الرابعة نفسها، ولا يحتاج في صدق تمامية الأربع إلى ما بعدها
من الجملات، وإن كان الأحوط إضافتها أيضا.
الثاني من واجبات الاحرام لبس الثوبين
كما في كثير من متون الفقه، وما يصلح أن يكون دليلا عليه أمور:
(الأول) الأمر الوارد بلبسهما في المعتبرة المستفيضة المروية
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم
التروية إن شاء الله تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك، وادخل المسجد
بالسكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر
الخبر (1).

(1) الوسائل ج 9 الباب 52 من أبواب الاحرام الحديث 1.
289

وحيث أن المعتبرة مشتملة على الواجب والمندوب لا تكون
ظاهرة في وجوب لبس الثوبين واشتراط الاحرام به. اللهم أن
يقال: إن ظهور الأمر في الوجوب بحسب الوضع الأولى، لا يرفع
اليد عنه إلا بالقرينة الصارفة، ومجردا لاشتمال على الأمور المندوبة
ووقوع لبس الثوبين في سياق المستحبات الواقعة تحت الأمر،
لا يمنع عن الظهور في الوجوب بالنسبة إليه، ولا يصرفه عن ذلك
فتأمل.
(الثاني) فعل النبي صلى الله عليه وآله، إذ المسلم أنه لبس الثوبين عند
الاحرام. ويتم الاستدلال به إذا علم أن لبسه الثوبين إنما كان من باب
الوجوب، لأن فعله صلى الله عليه وآله لا يختص بالواجب بل يعمه والندب.
ولكن اثبات ذلك مشكل، ولو بالسيرة المستمرة بين المسلمين
فإن الظاهر من العامة عدم وجوبه.
نعم غاية ما يمكن اثباته تحقق السيرة من زمان الأئمة عليهم
السلام إلى زماننا، على أصل لبس الثوبين فقط، وهي أيضا لا تفيد
الوجوب.
(الثالث) الاجماع المدعى على وجوب لبس الثوبين في
كلمات الأصحاب، كما في التحرير وإن وقع الترديد في عبائر بعضهم
وصرح غير واحد منهم أيضا بعدم الخلاف فيه. وظاهر ذلك الاجماع
المصطلح بين العلماء.
ويرد عليه أولا: إن عدة من أعاظم الفقهاء لم يصرحوا بالوجوب
290

كالشيخ المفيد والصدوق والشيخ وغيرهم. بل كلماتهم مطابقة لما
ورد في النصوص من الأمر بلبس الثوبين وغيره من الواجب
والمستحب، وهذا لا يزيد على ما في الأخبار من الاجمال وعدم
الظهور في الوجوب، ولذا أشكل عليه كاشف اللثام.
نعم صرح الشهيدان وكذا المقنعة والمراسم والشرائع والقواعد
بالوجوب، والقول بذلك احتياط في الدين فلا يترك اقتداءا بأئمة
المسلمين.
هذا من جهة الوجوب التكليفي وعدمه، وأما الحكم الوضعي
واشتراط صحة الاحرام به، فوجوب لبس الثوبين وعدم انعقاده
بدونه لو أحرم عاريا أو بغيرهما، فهو أيضا مما اضطربت فيه كلمات
القوم، ولم أجد من صرح بذلك. نعم قد ينسب إلى ابن الجنيد
حيث قال على ما في المختلف: ثم اغتسل ويلبس ثوبي احرامه
ويصلي لاحرامه ولا يجزيه غير ذلك إلا الحائض فإنها تحرم بغير
صلاة. ثم قال بعد كلام طويل: ولا ينعقد الاحرام إلا من الميقات
بعد الغسل والتجرد انتهى.
والظاهر من صدر كلامه وجوب لبس الثوبين والغسل والصلاة
أيضا، وأما ما يعطي الذين أن الاحرام لا ينعقد إلا من الميقات،
ولم يذكر لبس الثوبين ولا غيرها شرطا لانعقاد الاحرام، وظاهره
شرطية الميقات والتجرد له فقط دون غيرهما، وفي الدروس: أن
ظاهر الأصحاب انعقاد الاحرام بدون لبس الثوبين لما قالوا لو أحرم
291

وعليه قميص نزعه ولا يشقه ولو لبسه بعد الاحرام شقه وأخرجه من
تحته كما هو مروي انتهى.
وظاهر كلام الدروس ونقله كلمات الأصحاب أنه فتوى منه
بعدم شرطية الثوبين في انعقاد الاحرام كما هو المترائي من النصوص
أيضا:
منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا
لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك (1).
وفي صحيح آخر عنه وعن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل أحرم وعليه قميصه. قال: ينزعه ولا يشقه، وإن كان لبسه
بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه (2).
وعن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:
إن رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي وعليه قميصه، فقال: إني كنت
رجل أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا
عن شئ، وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي
وأن حجي فاسد وأن علي بدنة. فقال له: متى لبست قميصك،
أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبي. قال: فأخرجه من رأسك
فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب
أمرا بجهالة فلا شئ عليه طف بالبيت سبعا وصل ركعتين عند مقام

(1) الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) المصدر ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
292

إبراهيم واسع بين الصفا والمروة وقصر من شعرك، فإذا كان يوم
التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس (1).
وهذه الروايات كلها تدل على صحة الاحرام من دون لبس
الثوبين، حتى رواية عبد الصمد، فإنها وإن كانت تدل بمفهوم
المخالفة على أن من أحرم في قميصه عن علم، يجب عليه شق
الثوب واخراجه من قبل رجليه، ويبطل حجه وعليه البدنة والحج
من قابل، كما أفتوا هؤلاء، إلا أن دلالتها على اعتبار الثوبين في
انعقاد الاحرام غير واضحة، بل ثابت عدمها، فإن وجوب شق الثوب
واخراجه عن قبل الرجل في هذا الحال لا وجه له إن قلنا ببطلان
الاحرام بترك لبس الثوبين، وكونه غير محرم في الواقع، لأن
وجوب شق الثوب على غير المحرم واخراجه من تحت قدميه خلاف
ما ارتكز عند المسلمين ولم يعهد ذلك منهم.
مضافا إلى أن جميع ما في هذه الرواية غير معمول به عند
الأصحاب على ما هو الظاهر منهم، كما نسب الدروس ذلك إليهم،
فإنهم قالوا بعدم وجوب الشق وعدم فساد الحج وعدم وجوب
البدنة عليه إذا أحرم في قميصه، ولم يفرقوا بين العالم والجاهل
في ذلك الحكم.
ومثلها رواية خالد بن محمد الأصم (2)، في اعراض الأصحاب

(1) الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
293

عن العمل بمضمونها، حيث علل وجوب شق الثوب واخراجه
من قبل الرجل بالجهل، فإن الظاهر من كلماتهم انعقاد الاحرام
مطلقا.
والفرق بين قبل الاحرام وبعده في وجوب الشق وعدمه إنما
هو للاستناد بصحيح معاوية بن عمار وغيره عن أبي عبد الله عليه
السلام في رجل أحرم وعليه قميصه. فقال: ينزعه ولا يشقه، وإن
كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه (1).
وما قاله كاشف اللثام من أن كلامهم هذا والفرق في شق الثوب
وعدمه بين اللبس قبل الاحرام وبعده، يدل على عدم انعقاد الاحرام
فإن وجوب الشق إنما هو للتحرز عن ستر الرأس المحرم على من
أحرم، وعدم وجوبه يكشف عن عدم انعقاد الاحرام إذا أحرم وعليه
قميصه، خلاف ظاهر النص والفتوى، إذ المتبادر منهما انعقاد
الاحرام في قميص لبسه، إلا أنه يجب عليه نزعه ولا يشقه، ولا
يترتب على ذلك كفارة أيضا ولا عقوبة، بخلاف أما إذا لبسه بعد
ما أحرم، فيجب عليه الشق ويأثم به، بل كاد أن يكون ذلك مقطوعا
به في كلامهم.
ومما يدل على عدم اشتراط انعقاد الاحرام بلبس الثوبين
ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
يوجب الاحرام ثلاثة أشياء التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئا

(1) الوسائل ج 9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
294

من هذه الثلاثة فقد أحرم (1).
إذ يستفاد منها أن ما يعتبر في انعقاد الاحرام، هي الأمور الثلاثة
وتدل باطلاقها على عدم اشتراط شئ فيه غيرها. ولكن ذلك
الاطلاق ونظائره ليس بحيث يعارض ويقاوم ما يدل على الاشتراط
والاعتبار لو ثبت، كالأوامر الواردة في لبس الثوبين، بناءا على
تمامية الدلالة، والنواهي التي تدل على عدم لبس المخيط، فيقيد
بها المطلقات.
وإن كان من الممكن القول بأن تلك الأوامر والنواهي تحمل
على الأحكام التكليفية لا الوضعية، بقرينة ما تدل على صحة الاحرام
في القميص.
ولكن ما هو الظاهر من الأوامر الواردة في العبادات المركبة
الدالة على اعتبار شئ فيها هو الجزئية أو الشرطية، دون التكليفية
المحضة. اللهم إلا أن يحمل عليها بمعونة الأخبار الدالة على عدم
شرطيته فيها وصحة الاحرام وعليه قميصه المعمول بها عند الأصحاب
أيضا.
في كيفية لبس الثوبين
ثم إنه بعد اعتبار لبس الثوبين في انعقاد الاحرام بأي معنى كان
فهل يعتبر الكيفية الخاصة فيه، بأن يرتدي بأحدهما ويتزر بالآخر،

(1) الوسائل ج 8 الباب 12 من أقسام الحج الحديث 2.
295

كما هو المتعارف والمعمول به في عصرنا، أم لا؟ الظاهر اتفاق
الأصحاب واجماعهم على ذلك، مضافا إلى أنه الموافق للاحتياط.
وتدل عليه أيضا بعض الروايات الواردة في كيفية حج النبي
صلى الله عليه وآله، وفيه: فلما نزل (ص) الشجرة أمر الناس بنتف
الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء أو إزار وعمامة
يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء (1).
(مسألة) هل يجوز عقد الإزار وشده بشئ آخر مثل الإبرة
وغيرها، أم لا يجوز بل يعتبر لبسه، وكذا الرداء على النحو المتعارف.
قد عقد صاحب الوسائل بابا لهذه المسألة وقال (باب عدم جواز عقد
المحرم ثوبه إلا إذا اضطر إلى ذل لقصره)، فيعلم من العنوان أنه
رحمه الله لا يجوز ذلك حال الاختيار، وروى فيه أخبارا منها:
عن سعيد الأعرج أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم
يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا (2).
والنهي في الرواية إنما تعلق بعقد الإزار وشده، واحتمال
كون المراد من العقد جمعه ووضعه على عنقه، خلاف الظاهر،
وإن كان محتملا في رواية الاحتجاج كما سيأتي.
عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان
عليه السلام أنه كتب إليه يسأله عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من

(1) الوسائل ج 8 الباب 2 من أقسام الحج الحديث 15.
(2) الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
296

خلفه على عنقه (عقبه خ ل) بالطول ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما
في خاصرته ويعقدهما ويخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه
ويرفعهما إلى خاصرته ويشد طرفيه إلى وركيه فيكون مثل السراويل
يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله
يكشف ما هناك وهذا أستر. فأجاب (ع): جائز أن يتزر الانسان
كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثنا بمقراض ولا إبرة تخرجه
به عن حد المئزر وغرزه غرزا ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض،
وإذا غطى سرته وركبته كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف
تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده
على السبيل المألوفة والمعروفة للناس جميعا إن شاء الله (1).
وعنه أيضا أنه سأله: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب: لا يجوز شد المئزر بشئ سواه من تكة أو غيرها (2).
وفي قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: المحرم لا يصلح له أن
يعقد إزاره على رقبته، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده (3).
فهل المراد من جواب الإمام عليه في رواية الاحتجاج:
(جائز أن يتزر الانسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا

(1) الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) المصدر الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 4.
(3) الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
297

بمقراض ولا إبرة تخرجه به عن حد المئزر وغرزه غرزا ولم يعقده)
إن المانع نفس قرضه أو ادخال الإبرة فيه، أو المنهى احداث أي
عمل يخرج الإزار عن كونه مئزرا ويجعله شبيها بالسراويل، أو المراد
النهي عن المخيط وكونه مخيطا، وإن لم يكن شبيها بالسراويل
ثم إن قوله (غرزه غرزا) هل هو جملة مستقلة أو مربوطة
ومعطوفة بما تقدم؟ والثاني خلاف الظاهر (1).
وعلى كل حال تدل الرواية على عدم جواز العقد والشد بشئ
إذا أخرجه عن كونه مئزرا بأي نحو كان وأي عمل حدث، وأما غيره
من العقد والشد فيحتاج إلى الدليل.
وكيف كان إن الإزار والرداء المذكور في رواية ابن سنان
المعتبر عند الاحرام، معروف عند العرف يفهمه العرب والعجم
كما يعلم مفهوم الماء وغيره من الأشياء، ويصدق المفهوم ويتحقق
إذا كان مطلقا وغير مشدود ولا معقود، وأما مع الشد والعقد فإن
خرج بهما عن انطباق العنوان عليه فلا يجوز قطعا ولا اشكال، وإلا
فعدم الجواز يحتاج إلى دليل يثبته. والأخبار المذكورة غير منقحة
من جهة السند، بل روي عن علي عليه السلام أنه كان لا يرى بأسا
بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلي فيه وإن كان محرما (2).

(1) غرز الإبرة في الشئ أدخلها فيه، وعلى هذا تكون الجملة عطفا
على ما سبق.
(2) الوسائل ج 9 الباب 53 من أبواب التروك الحديث 2.
298

نعم بناءا على التسامح في أدلة السنن، حتى في الكراهة لا
مانع من القول بكراهة العقد، وبل هو حسن، وإن كان الاحتياط
يقتضي ترك العقد مطلقا سيما في العقد في العنق.
وأما الرداء فهو أن يتردى به، أي يلقيه على عاتقيه جميعا ويسترهما
به كما هو المعمول والمتعارف، ولعل رعاية تلك الهيئة أولى وأنسب.
وأما التوشح بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على
عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف فإن صدق التردي به فلا اشكال في
جوازه وعدم وجوب هيئة خاصة فيه، سواء كان التوشح من طرف
الأيمن أو الأيسر. نعم يشترط في الرداء من جهة الطول والعرض
أن يكون مقدارا يستر المنكبين، كما يشترط في الإزار أن يستر السرة
والركبتين.
وقد يقال: إن الميزان فيها الصدق العرفي، فإن صدق كفى
وإن كان أقل مما ذكروا لا فلا يكفي.
(فرع): لو شك في اعتبار ذلك المقدار وعدمه بعد صدق
المفهوم العرفي، فهل الأصل يقتضي الاشتغال أو البراءة من وجوب
الزائد المشكوك؟ الظاهر هو الثاني، لأن الشك إنما تعلق بوجوب
الأكثر بعد العلم بوجوب الأقل، والمرجع في المقام البراءة من
وجوب الزائد، نعم لو احتمل دخالة ذلك المقدار في تحقق الاحرام
وانعقاده فالأصل هل الاشتغال كما مر.
ثم هل يكفي ثوب واحد طويل يستر المنكبين والسرة والركبتين
299

أم يعتبر التعدد وإن حصل الستر بواحد منه؟ قولان، ظاهر النص
والفتوى اعتبار التعدد وعدم كفاية ثوب واحد، ونقل عن كاشف اللثام
أن الميزان في لباس الاحرام، رعاية الستر ولو حصل من واحد،
وعن الشهيد رحمه الله بعد ما أوجب لبس الثوبين أنه قال: لو كان
الثوب طويلا فاتزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح به أجزأه.
ولكنه مشكل، فإن حمل ما تدل على لبس الثوبين على ما
يحصل به الستر، وجعل ذلك هو الملاك والميزان في ثوبي الاحرام
اجتهاد في مقابل النص، مضافا إلى أن المتعارف في ستر المنكبين
والسرة إلى الركبتين أيضا هو التعدد لا الواحد، ولا دليل على
كونه في الأزمنة السابقة واحدا.
فيما يشترط في ثوبي الاحرام
قال المحقق رحمه الله: ولا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبسه
في الصلاة، أما عدم الجواز في بعض ما لا يجوز الصلاة فيه فمما لا
اشكال ولا خلاف فيه ولا يحتاج إلى دليل خاص، بل يكفي الدليل
العام فيه، كعدم جواز الاحرام في المغصوب وأجزاء الميتة، والذهب
والحرير الخالص للرجال. فإن الاحرام أمر عبادي يشترط فيه القربة
ولا يتمشى التقرب بما يكون لبسه والتقلب فيه حراما، سواء قلنا
باجتماع الأمر والنهي أم لم نقل، لعدم حصول القربة بما ذكر،
ففي مثل لا يحتاج إلى دليل خاص.
300

وأما غيرها كاشتراط الطهارة وعدم كونه نجسا فيحتاج إلى
الدليل ولا يكفي دليل عدم جواز الصلاة فيه، في اثبات الحكم
والقول بعدم جواز الاحرام فيه أيضا، كأجزاء غير المأكول، فلا بد
من التأمل في الأخبار المروية لكي يتضح الحال:
منها ما عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل ثوب
تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (1).
ومفهومه أن كل ما لا تصح الصلاة فيه، ففي الاحرام فيه بأس
ومنع، فيستفاد من الرواية إن كل ما لا تجوز الصلاة فيه كالميتة وأجزاء
ما لا يؤكل لحمه والذهب والحرير الخالص للرجال لا يصح الاحرام
فيه، وإن كان دعوى الكلية في المفهوم لا يخلو من بحث.
وأما شرطية الطهارة مضافا إلى شمول عموم المفهوم له
يؤيدها رواية معاوية بن عمار قال: سألته (أبا عبد الله) عن المحرم
يصيب ثوبه الجنابة. قال: لا يلبسه حتى يغسله واحرامه تام (2).
وصحيحة الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال: سألته
عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وبين غيرها. قال: نعم
إذا كانت طاهرة (3).
يعلم من الروايتين أن المحرم لا يجوز له لبس الثوب النجس
سواء كان ثوبا أحرم فيه أو غيره. ولا فرق في ذلك بين الابتداء

(1) الوسائل ج 9 الباب 27 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل ج 9 الباب 37 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2.
301

واستدامة، بل يستأنس منهما شرطية طهارة البدن أيضا وإن لم
يتعرض له الأصحاب إلا بعض المتأخرين، وكذا يستأنس أن لبس
كل ثوب نجس سواء كان معفوا في الصلاة أم لا، لا يجوز للمحرم
ولكن يقيد هذا الاطلاق بما تقدم عن حريز عن أبي عبد الله عليه
السلام من قوله (كل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه)، فيستفاد
إن ما كان معفوا في الصلاة فهو معفو أيضا في ثوبي الاحرام.
وأما الحرير الخالص فلا يجوز لبسه للرجال ولا الاحرام فيه،
ويدل عليه ما تقدم في رواية حريز من المفهوم العام.
مضافا إلى أن الاحرام لما كان أمرا عباديا يشترط فيه قصد
التقرب، فحيث إن لبس الحرير حرام على الرجال لا يتمشى منه
قصد التقرب لكونه مبغوضا عند الشارع، فلا يكون مطلوبا عنده.
عن أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخميصة
سداها إبريسم ولحمتها من غزل. قال: لا بأس بأن يحرم فيها،
إنما يكره الخالص (1).
ومثله رواية سعيد الأعرج سعيد الأعرج عن أبي الحسن النهدي قال: سأل
سعيد الأعرج وأنا عنده عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من
غزل (مرغزي)، فقال: لا بأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص
منها (2).
والظاهر أن المسؤول عنه هو الإمام عليه السلام، وكذا المراد

(1) الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الاحرام الحديث 1 - 3.
302

من الكراهة هو النهي، لمعروفية حرمة الخالص من الحرير.
وأما المخلوط من الحرير فلا اشكال في جواز الاحرام فيه،
ويدل عليه ما روى حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كنت جالسا عنده فسئل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير، فدعا
بإزار قرقبي فقال: فأنا أحرم في هذا وفيه حرير (1).
هذا بالنسبة إلى الرجال، وأما النساء فلبس الحرير الخالص
والاحرام فيه لا يبعد القول بجوازه لهن، ولكن الأحوط تركه.
قال المحقق: وهل يجوز الاحرام في الحرير للنساء؟ قيل نعم
لجواز لبسهن في الصلاة انتهى. واختاره المفيد وابن إدريس
ونسب إلى أكثر المتأخرين أيضا ولا يبعد القول به.
وقيل لا يجوز كما عن الشيخ والصدوق وظاهر عبارتي السيد
والمفيد، وهو المطابق للاحتياط، لاختلاف الأخبار في المسألة
وإن نفينا البعد عن القول بالجواز نظرا إلى رواية حريز المتقدمة
عن أبي عبد الله عليه السلام (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم
فيه) وصلاة المرأة في الحرير الخالص لا اشكال فيها، فيكون احرامها
فيه أيضا كذلك، ولكن الأخبار كما أشير مختلفة الدلالة، والأولى
الإشارة إليها أيضا:
عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
المرأة تلبس القميص تزره عليها، وتلبس الحرير والخز والديباج

(1) الوسائل ج 9 الباب 29 من أبواب الاحرام الحديث 2.
303

فقال: نعم لا بأس به وتلبس الخلخالين والمسك (1) ودلالتها على
الجواز صريحة.
وعن النصر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن
المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها
إلا المصبوغة بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين، ولا حليا
تتزين بها لزوجها، ولا تكتحل إلا من علة، ولا تمس طيبا، ولا
تلبس حلبا ولا فرندا، ولا بأس بالعلم في الثوب (2).
وهي تدل على جواز الاحرام في الحرير الخالص ولبسه بقوله
(تلبس الثياب كلها) الشامل باطلاقه الحرير.
ويظهر من بعض الروايات أيضا عدم الجواز في الحرير الخالص
للنساء، فمنها ما روي عن أبي عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته ما يحل للمرأة أن تلبس وهي محرمة. فقال: الثياب كلها ما
خلا القفازين والبرقع والحرير. قلت: أ تلبس الخز؟ قال: نعم
قلت: فإن سداه إبريسم وهو حرير. قال: ما لم يكن حريرا خالصا
فلا بأس (3).
وهذه الرواية كما ترى تدل على عدم جواز الاحرام في الحرير
المحض للنساء، ومثل ما روي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه

(1) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 49 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(3) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 3.
304

السلام قال: لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخز وليس يكره
إلا الحرير المحض (1).
وعن أبي بصير المرادي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن القز
تلبسه المرأة في الاحرام. قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم (2).
وعن سماعة أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرمة تلبس
الحرير. فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه (3).
وعن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المرأة
المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين (4).
وعن إسماعيل بن الفضيل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة. قال:
لا ولها أن تلبس في غير احرامها (5).
وعن أبي الحسن الأخمسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة. قال:
نعم إنما يكره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا.
وتلك الرواية تدل على عدم الاحرام في الحرير الخالص

(1) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(2) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 7.
(4) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9.
(5) الوسائل ج 9 الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 11.
305

للنساء والكراهة في المبهم.
والروايتان المتقدمتان عن يعقوب بن شعيب ونضر بن سويد
تدلان بالصراحة أو بالاطلاق على الجواز.
وقد جمع الشيخ رحمه الله في التهذيب بحمل الطائفة الثانية
على الممزوج والأولى على الخالص، وقال صاحب الجواهر:
ولا ريب أن الاجتناب هو الأحوط، وإن كان التدبر في النصوص
ولو بملاحظة (لا ينبغي) و (لا يصلح) ولفظ (الكراهة) ونحو
ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص، وهو أولى
من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج ونصوص
المنع على الخالص، من وجوه. وما اختاره الجواهر هو المختار
كما تقدم.
(فرع)
ثم إنه بناءا على جواز الاحرام في الحرير للنساء، فهل يلحق
الخنثى بالأنثى أو الرجل؟ فيه وجهان بل قولان، أقواهما وجوب
الاحتياط عليه كما يأتي وجهه.
وأما إذا قلنا بعدم الجواز لهن مثل الرجال، فلا يأتي البحث
في الخنثى لعدم الجواز على كل حال، وقال صاحب الجواهر: في
الحاق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة، نظر كما في المسالك
من تعارض الأصل والاحتياط، بل الاشكال في أصل جواز لبسه لها
306

وإن كان قد يقوى الأول، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة
لا يعارض الأصل.
والحق أن الاحتياط في المقام واجب، للعلم اجمالا إما بوجوب
ستر البدن من الرجال أو حرمة لبس الحرير في ثوبي الاحرام، فيجب
الاجتناب على كليهما، وأما في غير ثوبي الاحرام من سائر الألبسة
والثياب فيجوز لها لبسه كما للنساء (1).
(فرع) كما أن لبس ثوبي الاحرام واجب على الرجل، فهل يجب
على المرأة المحرمة، أم لا يجب عليها؟ قال صاحب الجواهر:
الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الاحرام للمرأة تحت
ثيابها وإن احتمله بعض، بل جعله أحوط، ولكن الأقوى ما عرفت
خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث إلا بقاعدة الاشتراك
التي يخرج منها هنا بظاهر النص والفتوى انتهى.
والتحقيق أن اعتبار لبس الثوبين على النساء إن لم يكن أقوى
فهو الأحوط، فإن ظاهر القول بوجوب لبس ثوبي الاحرام على
الحاج، عام شامل للرجل والمرأة، وقد تقدم في صحيحة عبد الله
ابن سنان الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله أنه أمر الناس بأشياء منها لبس

(1) هكذا أفاد الأستاذ مد ظله إلا أن الفرق بين ثوبي الاحرام وغيره
غير واضح لتحقق العلم الاجمالي فيه أيضا.
307

الثوبين، وظاهرها أن جميع الناس من الرجال والنساء كانوا
مأمورين به، مضافا إلى أن قاعدة الاشتراك تقتضي ذلك ولا دليل
على الخروج منها.
وقد نقل عن الشيخ في النهاية أن ما يحرم على الرجال يحرم
على النساء المحرمات أيضا، ويجب عليهن ما يجب عليهم، إلا ما
أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط والحرير، ولم أجد في كتب
أصحابنا بابا خاصا لاحرام النساء. نعم روي في الجعفريات بسنده
عن علي بن الحسين عليه السلام إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله كن إذا
خرجن حاجات خرجن بعبيدهن معهن عليهن الثيابين والسراويلات (1).
وفي الدعائم ونجاة العباد: تتجرد المحرمة في ثوبين أبيضين
ثم قال: وهو محمول على الندب. ومع ذلك كله الاحتياط عدم
تركهن لبس الثوبين، بل الأولى الجمع بين الثوبين ولباس آخر.
(فرع)
يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين، ولا يحتاج ذلك إلى
دليل خاص إذا لم يكن ممنوعا لبسه كالمغصوب ونحوه للأصل،
ولأن ما يدل على وجوب لبس الثوبين لم يقيد بعدم الزيادة عليهما
بل هو حكم لا بشرط، مع دلالة بعض النصوص عليه أيضا، ولا
يختص بصورة الاضطرار والضرورة.

(1) الجعفريات المطبوعة مع قرب الإسناد ص 64.
308

على الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم
يتردى بالثوبين. قال نعم والثلاثة إن شاء يتقى بها البرد والحر (1).
وشرط الاتقاء من البرد ليس قيدا للجواز، بل هو بيان الداعي
من هذا الأمر، فلا يختص بصورة الحاجة ولا يقيد بها، وإن كان
العلامة في المنتهى عبر بمضمون الرواية، ولكن كلامه يدل على
عدم تقيد الحكم بالضرورة حيث قال: إنه حكم موافق للأصل.
نعم يشترط في الزائد أن لا يكون متنجسا ولا مغصوبا ولا
حريرا ولا مخيطا وغيرها مما يكون ممنوعا في ثوبي الاحرام ولا
يجوز الصلاة فيه، لرواية حريز (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن
تحرم فيه) (2).
ثم إنه هل يشترط أن يكون الزائد رداء أو إزارا على هيئة
تكون في الثوبين أو لا يعتبر ذلك؟ الظاهر عدم اعتباره، للأصل
وعدم الدليل على لزوم هيئة خاصة في غيرهما.
(مسألة)
يجوز للمحرم أن يبدل ويحول ثياب احرامه، والمراد منه
التبديل بثوب غير ما أحرم فيه لا القلب والنقل.
وقال صاحب الجواهر: لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما

(1) الوسائل ج 9 الباب 30 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل 9 الباب 27 من أبواب الاحرام الحديث 1.
309

كما قطع به في المدارك، للأصل بعد صدق الامتثال.
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: ولا بأس
أن يحول المحرم ثيابه. قلت: إذا أصابها شئ يغسلها. قال: نعم
إن احتلم فيها (1).
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أبو عبد الله: لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، ولكن إذا دخل مكة لبس
ثوبي احرامه اللذين أحرم فيها وكره أن يبيعها (2).
قال الصدوق: وقد روى رخصة في بيعها مع الكراهة (3).
وعن الحلبي في حديث سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم
يحول ثيابه. فقال: نعم. وسألته: يغسلها إذا أصابها شئ. قال:
نعم (4).
وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: لا بأس
أن يحول المحرم ثيابه (5).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته
عن الرجل يحرم في ثوب وسخ. قال: لا ولا أقول إنه حرام ولكن

(1) الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
(2) الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(3) الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(4) الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(5) الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الاحرام الحديث 3.
310

تطهيره أحب إلي وطهوره غسله، ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم
فيه حتى يحل وإن توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شئ فيغسله (1).
وهي تدل على وجوب استدامة اللبس، وأنه لا يجوز التبديل
إلا إذا أصابه شئ، فما عن المدارك من أنه لا يجب الاستدامة بعد
صدق الامتثال للأصل، لا يخلو من شئ، فإن الامتثال في لبس
الثوب ظاهره الاستدامة فيه، وليس نظير التلبية وصلاة الاحرام
التي يتحقق الامتثال فيهما بوجود الطبيعة وحدوثها، ولا يحتاج
إلى الاستدامة.
مضافا إلى أن السيرة قبل البعثة وكذا بعدها، على استدامة
اللبس، بل يكره بيع ثوب الاحرام ويستحب الكفن به والطواف
معه (2).
فعلى هذا، الأحوط لو لم يكن أقوى أن لا يبدل ثوب الاحرام
إلا إذا اقتضت الضرورة من إصابة شئ وجنابة، راعيا في ذلك
أيضا الهيئة في الرداء والإزار، بل يستحب الطواف في الثوب
الذي أحرم فيه كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدمة. فعلى هذا
إن كان مراد المدارك تبديل ثوبي الاحرام بثوب آخر مثلهما مع حفظ
هيئة الاحرام وعدم وجوب استدامة عين ثوب الاحرام، فلا مانع
منه، وتدل عليه الروايات، وأما لو كان المراد تبديل ثوبي الاحرام

(1) الوسائل ج 9 الباب 38 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 31 من أبواب الاحرام الحديث 1.
311

بغيرهما وتغيير هيئة الاحرام والخروج عن زي المحرم، فهو مشكل.
(مسألة)
إذا لم يكن معه ثوبا الاحرام وكان له قباء جاز لبسه مقلوبا،
بأن يجعل ذيله على كتفه أو يجعل باطنه ظاهرا، ولا يدخل يديه في
كميه، أو لبسه مقلوبا منكوسا، بأن يجعل أسفله أعلاه وظاهره باطنا
كما يجوز له لبسه كذلك إذا اضطر إليه لبرد أو مرض وإن كان له ثوبا
الاحرام.
وادعي عدم الخلاف في أصل الحكم، وعن التذكرة أنه موضع
وفاق، وتدل عليه النصوص:
منها ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اضطر
المحرم إلى القباء، ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه
في يدي القباء (1).
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يلبس
المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، وإن لم يكن له رداء طرح
قميصه على عنقه (عاتقه) أو قباء بعد أن ينكسه (2).
وعن مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اضطر
إلى الثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله

(1) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
312

ويلبسه (1).
وعن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام في حديث قال: وإن اضطر إلى قباء من برد ولا يجد ثوبا
غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء (2).
وعن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اضطر إلى
ثوب وهو محرم وليس له إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله
وليلبسه (3).
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:
ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه (4).
فهذه ستة روايات في المسألة ويوجد أكثر منها لا حاجة لذكرها
فهل مفاد الجميع إن من يرد الاحرام وأداء هذا التكليف وليس
له رداء ومعه قباء فليحرم في قبائه مقلوبا أو منكوسا عوضا عن الرداء
أو المفاد أن المحرم بعد تحقق احرامه وانعقاده إذا اضطر إلى لبس
القباء لبرد أو مرض فليلبسه مقلوبا أو منكوسا.
الظاهر من جملة (إذا اضطر المحرم) كما في الرواية الأولى
والثالثة والرابعة والخامسة الاضطرار إلى لبس القباء في قضاء حوائجه

(1) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 5.
(3) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 8.
(4) الوسائل ج 9 الباب 44 من أبواب تروك الاحرام الحديث 7.
313

الشخصية الطبيعية لا لأداء التكليف الثابت عليه من لزوم الاحرام
لحج أو عمرة.
وهذا لا اشكال فيه ولا كلام، فإن المحرم يحل له عندا لاضطرار
ما كان حرم عليه بالاحرام، سواء كان لبس المخيط أو غيره من تروك
الاحرام.
وأما الظاهر من الرواية الثانية والسادسة وجوب لبس القباء
مقلوبا أو منكوسا عند الاحرام إذا لم يكن له رداء بدلا عنه، وهذا
محط البحث في المسألة.
ثم إنه بناءا على وجوب الاحرام في القباء مقلوبا إذا لم يجد
رداء، لا يشترط فيه عدم وجدان الإزار، بل يجوز لبس البقاء وإن
كان الإزار موجودا، كما هو كذلك عند الاضطرار لبرد وغيره.
وأما كيفية اللبس مقلوبا بأن يجعل ويقلب ظهره بطنه ولا
يدخل يديه في يدي القباء ولا يشترط النكس بأن يجعل أعلاه
أسفله لعدم تصور ادخال اليدين في يدي القباء حينئذ حتى ينهى
عنه، كما صرح به في الروايات المتقدمة، وهو المتبادر من لبس
القباء مقلوبا وإن دخل كتفاه فيه وتسترا به.
ولكن يمكن أن يقال: إنه كما يصدق لبس القباء على ما هو
المتعارف المتداول لبسه بادخال اليدين في يديه، فكذلك يصدق
على لبسه بادخال الكتفين فيه وإن قلب ظهره بطنه، فيكون لبسا
منهيا عنه، ويصح أن يقال: إنه لبس قباءه مثل الرداء حقيقة.
314

وعلى هذا فالقدر المتيقن من لبس القباء مقلوبا أن لا يدخل
فيه كتفيه أيضا، ولدا أفتى الشيخ بلزوم الكفارة إذا أدخل كتفيه فيه
أو لبسه نكسا، كما في رواية جميل ومثنى الحناط.
ولا تنافي بين الروايات في ذلك، إذا المستفاد من جميع
النصوص ترخيص اللبس بكلتي الكيفيتين، بل لا يبعد الجمع
بين الكيفيتين، بأن يلبسه مقلوبا مع جعل أسفله أعلاه، لشمول
اطلاق قوله (ولينكسه وليجعل أعلاه أسفله) لصورة القلب. وإن
كان لا يشمل اطلاق القلب لصورة النكس.
(نكتة): وهي أن جواز لبس القباء منكوسا أو مقلوبا وخروجه
عن عموم المخيط المنهي لبسه، هل من باب التخصيص أو التخصص
بمعنى أن لبس القباء مقلوبا أو منكوسا، هل كان داخلا في عموم
النهي عن لبس المخيط ومشمولا لذلك العام، فيكون الترخيص
في لبسه عند عدم وجدان الرداء أو الاضطرار تخصيصا له أو النهي
عن لبس المخيط متعلق باللبس المتعارف المعمول بين الناس.
فعلى هذا لبس القباء منكوسا أو مقلوبا لم يكن منهيا من الأول
لانطباق النهي على المصاديق العرفية المعمولة، وانصرافه عن غير
المتعارف والفرد النادر، فلم يكن في حال الاختيار موردا للنهي
فضلا عن الاضطرار.
والظاهر هو الأول، لشمول العموم للكيفيتين من اللبس، وكون
الانصراف إلى المتعارف المعمول بدويا يزول بأدنى توجه وتأمل.
315

فإن قيل: بناءا على ذلك يلزم جواز اللبس سواء كان مقلوبا
أو غيره.
قلت: إن ترخيص اللبس مقلوبا أو منكوسا إنما لرعاية الشباهة
بالرداء وحفظ الهيئة المختصة بالمحرم، بل يؤيد حصر الترخيص
بتلك الحالة والكيفية كونها محرمة في حال الاختيار.
(مسألة)
يجوز لبس السراويل لمن ليس له إزار بدلا عنه، وإن كان له
رداء يستر عورتيه، بل الأحوط أن لا يترك ذلك. ويدل عليه ما رواه
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: ولا تلبس
سراويل إلا أن لا يكون له إزار (1).
وعن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: المحرم يلبس
السراويل إذا لم يكن معه إزار، ويلبس الخفين إذا لم يكن معه
نعل (2).
(تذييل) هل يكفي الاحرام في الجلود أم لا؟ أما المصنوع
مما لا يؤكل لحمه فلا اشكال في عدم جواز الاحرام فيه، لمفهوم
رواية حريز (كل ثوب تصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه).
وقد تقدم أن مفهوم رواية حريز إنما يدل على ثبوت البأس

(1) الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 50 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
316

والمنع فيما لا تصح الصلاة فيه وأما ما يتخذ من الجلود مما يؤكل
لحمه، أو من غير الحيوان من المصنوعات البدلية، أو من جنس
النايلون فقيل لا، لما ادعى من عدم صدق الثوب عليها ولا أقل
من الشك في صدقه على ذلك. وهو باطلاقه مشكل، لما نرى في
زماننا من اطلاق الثوب على أمثال ذلك، ومع ذلك الأحوط ترك
الاحرام في الجلود وأمثالها من المصنوعات البدلية والنايلون
والبلاستيك.
317

في أحكام الاحرام
وهي في ضمن مسائل:
(الأولى) لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ احراما آخر حتى يكمل
أفعال ما أحرم له، كذا قاله المحقق في الشرائع. والمقصود إن
من أحرم لنسك من المناسك لا يجوز له أن يحرم ثانيا لمثل ما أحرم
له أو لغيره حتى يكمل مناسك ما أحرم له أولا، إذ يجب عليه الاتمام
بلا خلاف، بل ادعى الاجماع عليه بقسميه. ويدل عليه الكتاب
والنصوص المشتملة على كيفية الحج.
وظاهر كلام المحقق عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل
والعالم. نعم لو كان ذلك عن عمد يبطل الاحرام ويعصى به ويعاقب
عليه، بخلاف ما إذا نسي لعدم العصيان فيه أيضا، وإن كان احرامه
الثاني باطلا إلا إذا كان بعد السعي كما يأتي.
(الثانية) لو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير
318

ناسيا لم يكن عليه شئ من دم وقضاء التقصير، وكانت عمرته
صحيحة، واحرامه للحج أيضا صحيحا.
نظير من نسي السلام وشرع في صلاة أخرى. ويدل عليه أيضا
رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تمتع
ونسي أن يقصر حتى أحرم بالحج. قال: يستغفر الله (1).
والأمر باستغفار وإن لم يكن صريحا في الحكم، ولكنه
بمناسبة الحكم والموضوع يعلم منه أن ذلك نظير من نسي وتكلم
في الصلاة وأمر بالسجدة للسهو بعدها، في أن صلاته صحيحة إلا أن
السجدة وجبت عليه لتدارك المصلحة الفايتة أو لرفع النقص الحاصل
بالتكلم نسيانا. والاستغفار في المقام أيضا كذلك لكونه أمرا مندوبا
على كل حال وقد أمر به في المقام لتدارك ما فات من الثواب والكمال
في حجه، لا لصدور الذنب وتحقق المعصية بترك التقصير نسيانا
وبطلان عمله، إذ لو كان العمل باطلا من الأصل لكان اللازم بيانه.
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه
السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف وسعى
ولبس ثيابه وأحل، ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات. قال:
لا بأس به، يبنى على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره (2)
وهي صريحة في صحة العمرة والحج إذا نسي التقصير وأحرم للحج.

(1) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 2.
319

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال:
يستغفر الله ولا شئ عليه وقد تمت عمرته (1).
ويعارض ما تقدم من الروايات، رواية العلاء بن الفضيل قال:
سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر. قال:
بطلت متعته هي حجة مبتولة (2).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع إذا
طاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له أن يقصر وليس
عليه متعة (2).
وحيث أن الروايتين لم يذكر فيهما النسيان والجهل والعمد
لا يمكن معارضتهما لما تقدم من النصوص الدالة على تمامية العمرة
والحج إذا نسي التقصير، ولهذا حملهما الشيخ وغيره على العامد
وبهذا يرتفع التعارض بين الطائفتين.
وبالجملة المستفاد من النصوص أن من أحرم بالحج قبل أن
يقصر من العمرة نسيانا ليس عليه شئ، وإن عمرته تامة، وكذلك
حجه، بل ادعي عليه الاجماع، وإن كانت القاعدة الأولية تقتضي
وجوب اتمام النسك الأولى وتكميلها ثم الشروع في النسك الثانية

(1) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 4.
(3) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 5.
320

إلا أن الأخبار واجماع العلماء قيدها بغير صورة النسيان.
فهذا مما لا كلام فيه، وإنما الكلام في أنه هل يجب عليه دم
أم لا؟ فيه وجهان، بل قولان، ومنشأهما الروايات المأثورة الدالة
بعضها على عدم شئ عليه كما تقدم. ويظهر من رواية إسحاق بن
عمار أن عليه دما يهريقه، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:
الرجل متمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج. فقال: عليه دم
يهريقه (1).
وقد جمع بينهما بحمل رواية إسحاق على الندب ولا حظر فيه
ولأن غير الناسي في الصيد ليس عليه كفارة وإن كان ذلك في المحرمات
دون ترك الواجبات.
(فرع) لو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير
عامدا بطلت عمرته وصارت حجته مبتولة، كذا ذكره المحقق في
الشرائع، ونسبه في الدروس والمسالك إلى الشهرة، وقيل يبقى
على احرامه الأول وكان الثاني باطلا، والأول هو المروي.
ومقتضى القاعدة في المسألة وجوب تتميم العمرة بالتقصير
وعدم جواز الشروع في الاحرام الثاني إلا بعد اتمام الأول بجميع
مناسكه، فلو شرع في الثاني قبل اكمال الأول، أما يكون الثاني
باطلا فقط، وأما يكون مبطلا للأول أيضا.
ولكن ورد في روايتين موثقتين بل في المنتهى والمختلف

(1) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 6.
321

والمسالك والروضة تصحيح إحداهما إن ترك التقصير عمدا لا
يوجب بطلان احرام العمرة، بل ينقلب إلى الحج كما في ذوي الأعذار.
عن العلاء بن الفضيل قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم
أهل بالحج قبل أن يقصر. قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة (1).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع إذا
طاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر فليس له أن يقصر وليس
عليه متعة.
والمستفاد منها أن الاحرام الأول للعمرة المتمتع بها إلى الحج
لا يبطل بترك التقصير عمدا والاهلال بالحج، بل يصير حجا مبتولا
لا تمتعا، وهذا يخالف ما نقل عن ابن إدريس في السرائر حيث
قال: لا يجوز ادخال العمرة في الحج ولا ادخال الحج في العمرة
بمعنى أنه إذا أحرم بالعمرة لا يجوز له أن يحرم بالحج حتى يفرغ
من جميع مناسكه، وكذا إذا أحرم بالحج.
وإليه أشار المحقق في كلامه حيث قال: وقيل يبقى على احرامه
الأول وكان الثاني باطلا.
قال في السرائر: والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب، أنه لا ينعقد
احرامه بحج بعد ما أحرم بالعمرة حتى يتحلل منها، وقد أجمعنا
على أنه لا يجوز ادخال الحج على العمرة ولا ادخال العمرة على

(1) الوسائل ج 9 الباب 54 من أبواب الاحرام الحديث 4.
322

الحج، قبل الفراغ من مناسكها انتهى.
وتبعه بعض الأصحاب في ذلك واستدل له بأمور:
منها: أن الشروع في الثاني يوجب ابطال الاحرام الأول
للنقص الحاصل فيه بترك التقصير.
وفيه: أنه مدفوع بالروايتين المتقدمتين، إذ المستفاد منها أن
الاحرام الأول لا يبطل بل ينقلب إلى الحج المبتول، وأما الاحرام
الثاني فلا يصح.
ومنها: أنه نوى التمتع باحرامه الأول الذي لا يتحقق إلا باتمام
العمرة ثم الشروع في الحج بعدها، وأما صيرورتها إلى الحج
من دون قصد له من الأول لم يكن منويا، فما وقع لم يقصد وما
قصد لم يقع.
هذا صحيح على مبناه من عدم حجية أخبار الآحاد، وأما بناءا
على العمل بالروايتين يكون المقام كذوي الأعذار وشبيه الحائض
في انقلاب العمرة إلى الافراد من الحج، ولا مانع منه بعد الدليل.
ومنها: أنه إن نوى التمتع من الحج الذي هو فرض للبعيد، فيجب
عليه اتمام ذلك حتى يكون آتيا بما هو فرضه، ولا يجوز تبديل
الفريضة بفريضة أخرى وعمل آخر.
وفيه: أنه بعد فتوى المشهور ودلالة الروايتين لا مانع من
الالتزام بصيرورة عمرته حجة مبتولة، أما من حين الاحرام الأول
أو من حين الاحرام الثاني، غاية الأمر أنه عن فريضة إذا
323

كان الواجب عليه التمتع (1).
هذا حكم الناسي والعامد، وأما الجاهل بالحكم فهل هو
كالناسي حتى تكون عمرته تامة أو كالعامد فتكون حجته مبتولة؟ فيه
وجهان، القدر المتيقن من الرواية الدالة على صحة الاحرام الأول
وصيرورته العمرة حجة مبتولة، هو الجاهل بالحكم لخروج الناسي
عنه قطعا كما تقدم، والعامد إذا كان عالما بالحكم، لعدم تمشي القربة
منه، فيكون احرامه كالعدم، فالرواية شاملة للجاهل سواء ادعى
شمولها للعامد أيضا أولا.
(فرع): لو أحرم لحج الافراد ودخل مكة جاز له أن يطوف
ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب، فإن لبى انعقد
احرامه. وقيل لا اعتبار بالتلبية وإنما هو بالقصد.
وقد قلنا فيما تقدم في مكلف يصح منه التمتع والافراد معا،
أنه يجوز له العدول إلى التمتع إذا أحرم للافراد ودخل مكة، ويصح
احرامه قبل التلبية، لدلالة الأخبار عليه، ولكنها حملت على من
لم يتعين عليه الافراد أو التمتع وإلا فلا يجوز. وهكذا من أحرم
للعمرة المفردة في أشهر الحج ودخل مكة يصح أن يجعلها عمرة
يتمتع بها إلى الحج، للنصوص الدالة عليه.

(1) لا مانع من القول بالاجزاء بعد التسليم لدلالة الروايتين كغيره من
ذوي الأعذار.
324

في أحكام احرام الصبي
قد تقدم أن الصبيان يجردون من فخ، والاجماع قائم على جواز
تأخير احرام الصبيان إلى فخ، وقلنا إن المراد منه هل هو ترك
الاحرام من الميقات إلى فخ أو المراد ترك التجريد من المخيط
المحرم على المحرم.
ثم إنه بناءا على كون المراد ترك التجريد وجواز لبس المخيط
إلى فخ فهل الجواز مختص بالمخيط أو يعم كل ما يحرم على
المكلفين ممن أحرموا من الميقات، كالنظر إلى المرأة والطيب
والصيد وغيرها من المحرمات على المحرم.
كل ذلك يحتاج إلى دليل، والمهم نقل الأخبار الواردة في
المقام. لا يخفى أن الظاهر من النصوص المميزون من الصبيان لا
جميعهم، ضرورة أن رفع التكليف عن الصبي إنما يختص بالذين
يصح منهم العبادة، إلا أن الشارع رفع الالزام عنهم رحمة لهم
325

ورفقا بهم، وأما أصل المحبوبية والرجحان في أعمالهم، فهو باق
على حاله.
وأما غير المميز منهم، فإن دل الدليل على محبوبية احرامهم
ومطلوبيته، أحرم بهم وليهم أن أراد وإلا فلا وجه لشمول الاطلاقات
لهم.
ومن النصوص ما روي عن أيوب أخي أديم قال: سئل أبو
عبد الله عليه السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان أبي يجردهم
من فخ (1).
فهل المراد من التجريد احرامهم أو تجريدهم عن المخيط كما
هو الظاهر من اللفظ، ثم إنه بناءا على الثاني هل الجواز مختص
بالمخيط أو يعم التروك، وكذلك هل يختص بصورة الضرورة
والعذر أو شرع لتسهيل الأمر على الصبيان، وإن لم يكن الصبي
مضطرا إلى لبس المخيط إلى فخ؟ فكل محتمل.
وعن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: إن معي صبية صغارا وأنا أخاف عليهم البرد فمن أين
يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت
بهم العرج وقعت في تهامة، ثم قال: فإن خفت عليهم فائت بهم
الجحفة.
وهذه الرواية يحتمل التعميم فيها وجواز تأخير الاحرام من

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 6.
326

الأصل، ولكن القدر المتيقن منها جواز تأخير التجريد لا الاحرام،
وإن كان الظاهر من سؤال الراوي (فمن أين يحرمون) وجواب
الإمام (ائت بهم العرج فليحرموا منها) الرخصة في تأخير الاحرام
إلى الجحفة، ولكن لا يستفاد منه تخصيص أدلة وجوب الاحرام
من الميقات لأجل أن الجحفة ميقات اضطراري لمن لا يتمكن من
الاحرام من مسجد الشجرة أو يشق عليه.
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انظروا
من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو، يصنع
بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم ويرمى عنهم، ومن لا يجد الهدي
منهم فليصم عنه وليه (1).
وهذه الرواية أيضا ليست صريحة في تأخير الاحرام، بل يمكن
أن يكون المراد من قوله عليه السلام (يصنع بهم ما يصنع بالمحرم)
تجريدهم عن المخيط كما يجرد المحرم، فلا يخصص به عموم عدم
جواز تأخير الاحرام من الميقات، ولا أدلة سائر المحرمات غير
التجريد الذي صرح في الأخبار بجوازه، ويبقى عموم سائر المحرمات
بحاله.
ثم إن الهدي هل هو من مال الصبي أو الولي، قال المحقق:
ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا، لأنه كالنفقة الزائدة أو الصوم
عنه إذا لم يجده.

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.
327

ويظهر من رواية أنه من مال الصبي، ولكنه يمكن حملها على
أنه عن الصبي لا من الصبي. وقال في الجواهر: مقتضى القاعدة أن
يكون من مال الولي لأنه السبب في صرف المال كما سيأتي إن شاء
الله تعالى.
عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير
احرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، واذبحوا عنهم كما
تذبحون عن أنفسكم (1).
وهي ظاهرة في كون الذبح من مال الولي كما أن أذبحهم عن
أنفسهم من مالهم.
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انظروا
من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو، يصنع
بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم ويرمى عنهم، ومن لا يجد
الهدي منهم فليصم عنه وليه (2).
وهذه الرواية تدل على أن الصبي إذا لم يجد هديا يصوم عنه
وليه بدلا عن الهدي لم يجده الصبي، وظاهرها أنه كان من
مال الصبي إذا وجده لا الولي، وإن كان الصوم من الولي عوضا
عن الصبي إذا لم يجد الهدي.

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 2.
(2) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 3.
328

وفي الجواهر: وأما ما يظهر من صحيح معاوية بن عمار من
اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في وجوب الصوم على الولي
فلم نجد به قائلا، بل ظاهر الأصحاب خلافه، فيجب حمله على
إرادة معنى (عنهم) من قوله (منهم).
وحاصله أن قوله (من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه)
بمعنى أن الولي الذي لا يجد الهدي عن الصبيان يصوم عنه.
وعن زرارة عن أحدهما قال: إذا حج الرجل بابنه وهو صغير
فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه
ويطاف ويصلى عنه. قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح
عن الصغار ويصوم الكبار ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب
والطيب، وإن قتل صيدا فعلى أبيه (1).
والمفروض في الرواية أن الصبي إذا لم يجد ما يذبح عنه
يذبح ما وجد عن الصغار ويصوم الكبار عوضا عن الهدي، وليس
المراد التفصيل بين الصغار، بان الكبار من الصبيان أي المميزين
منهم يصومون ويذبح عن غيرهم، لعدم مطابقة الجواب للسؤال
حينئذ، بل المراد بحسب الظاهر أن الولي يصوم عن نفسه ويذبح
الهدي عن الصبي كما في رواية ابن أعين.
عن عبد الرحمن بن أعين قال: حججنا سنة ومعنا صبيان فعزت
الأضاحي، فأصبنا شاة بعد شاة فذبحنا لأنفسنا وتركنا صبياننا،

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.
329

فأتى بكير أبا عبد الله عليه السلام فسأله فقال: إنما كان ينبغي أن تذبحوا
عن الصبيان وتصوموا أنتم عن أنفسكم، ذا لم تفعلوا فليصم عن
كل صبي منكم وليه (1).
والرواية صريحة في أن الهدي إنما يكون من مالي الولي،
فإن لم يذبح عن الصبي يجب عليه أن يصوم بدله، ومثلها رواية
أخرى ذكرها في الوسائل.
ثم إنه هل يجب الصوم على الولي بدلا على الهدي إذا لم يجده
مطلقا أو لا يجب عليه إلا إذا لم يتمكن الصبي عن الصوم، وإلا
فيصوم الصبي لا الولي؟ وجهان. قال المحقق: وروي أنه إذا كان
الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي، ولو لم يقدر على الصيام
صام عنه وليه مع الجعز عن الهدي.
وأورد عليه صاحب الجواهر بعدم العثور على خبر بهذا المضمون.
ولكن يمكن أن يستدل له بما روي عن زرارة عن أحدهما
قال: إذا حج الرجل بابنه وهو صغير، فإنه يأمره أن يلبي ويفرض
الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى عنه.
قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار ويصوم الكبار
الخبر.
بناءا على أن المراد من الكبار المميزون من الصغار، وأما
الصغار الذين يذبح عنهم فالمراد منهم غير المميزين على ما صرح

(1) الوسائل ج 10 الباب 3 من أبواب الذبح الحديث 3.
330

به غير واحد من الأصحاب، ولكن قد مر أن المراد غيره وإن هذا
الاحتمال مخالف للظاهر.
وما روي عن سماعة في موثقة سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا. قال: عليه أن يضحي عنهم. قلت:
فإنه أعطاهم دراهم بعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم وصام.
قال: قد أجزأ عنهم وهو بالخيار إن شاء تركها. قال: ولو أنه أمرهم
فصاموا أجزأ عنهم.
بناءا على أن المراد من الغلمان الصبيان، ولكن قد يقال: إن
الظاهر إرادة المماليك من الغلمان كما قد يقال إن القاعدة تقتضي أن
يصوم الصبي فإنه من النسك، فإذا قدر يجب عليه أن يأتي به بنفسه
ولا ينوب عنه غيره كما في التلبية وغيرها ممن النسك التي يأتي بها
الصبي إذا قدر عليها.
ويدفع بأن الهدي إنما وجب على الولي لأنه السبب لمؤنة
زائدة على الصبي، فإذا لم يتمكن من الهدي عنه يجب عليه الصوم
دونه، حتى لو صام الصبي يقتضي الاحتياط أن يصوم الولي عنه
أيضا، ولا معنى للقول بأن وجوب الهدي إنما هو بملاحظة ملازمة
الصبي للولي، فلا يجب الصوم على الولي إذا لم يجد هديا
وذلك لأن ملازمة الصبي لا يلازم احرامه، فإن الأمر وإن توجه
إلى الصبي إلا أن الولي لما كان باحرامه للصبي سببا لوجوب الهدي
عليه يجب عليه أن يذبح عنه، وإذا لم يتمكن يصوم عنه، عوضا
331

عن الهدي الذي كان سببا لوجوبه عليه.
(فرع): لو لم يجد إلا هديا واحدا فهل يذبحه لنفسه أو عن
الصبي أو يتخير بين جعله لنفسه أو للصبي ويصوم عن آخر. وجوه.
والقاعدة تقتضي التخيير، ولكن مقتضى الروايات أن يذبحه عن
الصبي ويصوم لنفسه، وهو الأفضل كما تقدم في رواية عبد الرحمن
ابن أعين (1).
(فرع): لو أتى الصبي المحرم بما يجب الكفارة به لزم ذلك
الولي في ماله كما قاله المحقق في الشرائع، ونقل عن القواعد
والنهاية والكافي، وتقدم أيضا ما يدل على ذلك فيما رواه زرارة
عن أحدهما في رجل حج بابنه إلى أن قال ويتقى عليهم ما يتقى
على المحرم من الثياب والطيب، وإن قتل صيدا فعلى أبيه (2).
وهذا لا بحث فيه، وإنما ينبغي التأمل في أن المراد من الولي
في الروايات هل هو الولي المصطلح عليه في الفقه حتى يشمل
الحاكم ولا يشمل غير الولي الشرعي أو المراد من يتولى أمر الصبي
في احرامه، واتيان النسك والنظارة في أعماله، وإنما ذكر الأب
من باب المثال لغلبة مباشرته أمر ابنه؟ الظاهر هو الثاني، ووجوب
الكفارة عليه إنما هو من جهة كونه السبب في ذلك، لأنه أحرم به
وفرض الحج عليه لا من جهة الولاية الشرعية.

(1) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.
(2) الوسائل ج 8 الباب 17 من أقسام الحج الحديث 5.
332

ثم إن وجوب الكفارة على الولي هل يختص بما إذا قتل الصبي
المحرم صيدا أو يعم جميع المحرمات التي يوجب الكفارة عمدا
وسهوا مثل الصيد؟
مقتضى القاعدة الأولية إن عمد الصبي خطأ، لا شئ عليه أصلا
لا عمدا ولا سهوا، لكن المشهور ثبوت الكفارة على الصبي إذا
قتل الصيد عمدا للصحيحة المتقدمة، بل ثبوتها عليه في كل فعل
محرم يوجب الكفارة على البالغ، وعدم تخصيص الحكم بقتل
الصيد فقط، فإن ذكر الصيد في الصحيحة إنما هو من باب أنه أحد
المصاديق من المحرمات، غاية الأمر إن ما يجب على الصبي من
الكفارات إنما يدفع من مال الولي لأنه السبب في ذلك، ولا يبقى
وجه لما استدل به لنفي الكفارة من الوجوه الثلاثة بعد دلالة
الصحيحة على ثبوتها فيما ارتكبه الصبي: منها إن أدلة الكفارة
منصرفة عن الصبي، ومنها إن عمد الصبي خطأ، فلا كفارة عليه
في العمد فضلا عن النسيان. والقول بأن عمده خطأ في الديات
لا في غيرها، مدفوع بعموم التنزيل ونفي الحكم وعدم الخطاب
إليه أصلا. اللهم أن يقال: إن حكم المحرمات في المقام كالأحكام
الوضعية المترتبة على أفعال الصبي أيضا، وإن لم يتوجه إليه خطاب
تكليفي، ومنها إن الكفارة إنما جعلت عقوبة على ما ارتكبه المحرم
من العصيان والخروج عن الوظيفة الشرعية، ولا عقوبة على الصبي
الذي رفع القلم عنه حتى يحتلم، لكي يترتب عليها كفارة ليتدارك
333

بها ما فاته من المصلحة الأخروية، أو يمنع بها عن العقوبة الأخروية.
فإن الاستدلال بهذه الوجوه، في مقابل الصحيحة وعمل المشهور
اجتهاد في مقابل النص أو قياس منهي في الشرع.
ثم إن حكم الفداء كحكم الكفارة لا فرق بينهما وإن فصل
بعض بأن الفداء من مال الصبي دون الكفارة، لكن الحق أن حكمهما
واحد وكليهما من مال الولي. نعم يجب عليه أن ينهي الصبي عما
يوجب الكفارة والفداء أولا، وأما لو ارتكب ولم ينته عنه يجب
على الولي الفداء من ماله وأما غير الكفارة والفداء فيترتب على
أفعال الصبي كما يترتب على الكبير المحرم، فيكون الجماع قبل
السعي مفسدا للعمرة والحج قبل الوقوفين، وكذا حال الاحرام.
نعم وقع النزاع والخلاف فيما إذا عقد الولي لصبيه حال
احرام الصبي، فهل يحرم عليه إلى الأبد أو يبطل النكاح فقط، أو
لا يؤثر عقد الولي شيئا؟ فقد مال بعض إلى البطلان والحرمة الأبدية
لكن الحق أن ولاية الأب على الابن فيما هو مشروع له وجائز،
ولا ولاية له عليها فيما لا يجوز له شرعا فعقده كلا عقد في عدم
التأثير.
(مسألة) قال المحقق: إذا اشترط في احرامه أن يحل حيث
حبس ثم أحصر تحلل فهل يسقط الهدي؟ قيل نعم.
لا اشكال في استحباب هذا الشرط شرعا، وكذا في جواز
الاحلال من حيث حبس وأحصر إذا اشترط ذلك، كما يجوز له
334

الاحلال وإن لم يشترط، وإنما الاشكال في أن الاشتراط هل يوجب
سقوط الهدي أم لا كما إذا لم يشترط ذلك. وجهان، بل قولان،
قيل نعم، ونقل عن المرتضى والحلي ويحيى بن سعيد وعن التذكرة
فعلى هذا لو أحرم واشترط في احرامه أن يحله الله حيث حبسه
ثم أحصر يحل بمجرد الاحصار، من غير أن يحتاج إلى الهدي.
وقال صاحب الجواهر في شرح قول المحقق (قيل نعم):
بل الاجماع عليه، بل لا فائدة لهذا الشرط إلا ذلك، وهو الحجة
بعد صحيح ذريح المحاربي. واطلاق الآية الكريمة الدالة على
عدم الاحلال حتى يبلغ الهدي محله، محمول على من لم يشترط
التحلل في احرامه، قال عز وجل (فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم
مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (1).
والمراد من الاجماع المكرر في كلمات الأصحاب الاجماع
الدخولي، بمعنى العلم بقول الإمام في المسألة، فيصح دعواه
لرواية معتبرة مقطوع بها، فلا يكون دليلا مستقلا.
وأما الصحيح فعن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم
كيف يصنع؟ قال: فقال أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن
يحله من احرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بلى قد

(1) سورة البقرة الآية 192.
335

اشترط ذلك. قال: فليرجع إلى أهله حلا لا احرام عليه، إن الله
أحق من وفى بما اشترط عليه. قال: فقلت أفعليه الحج من قابل؟
قال: لا (1).
وحيث أن من أحرم لحجه الواجب المستقر عليه إذا أحصر
ولم يأت بالفريضة يجب عليه الحج من قابل، فلا بد من حمل
الرواية على من حج تطوعا أو أحرم بغير المستقر، وعلى أي حال
لا يجب عليه الهدي ويحل من الاحرام ولا شئ عليه.
وروى أحمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام عن محرم انكسرت ساقه أي شئ يكون حاله وأي شئ
عليه؟ قال: هو حلال من كل شئ. فقلت: من النساء والثياب
والطيب. فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال:
أما بلغك قول أبي عبد الله عليه السلام حلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت. قلت: أصلحك الله ما تقول في الحج؟ قال: لا بد
من أن يحج من قابل. فقلت: أخبرني عن المحصور والمصدود هما
سواء. فقال: لا. قلت: فأخبرني عن النبي (ص) حين صده
المشركون قضى عمرته. قال: لا ولكنه اعتمر بعد ذلك (2).
وظاهر الرواية أن الإمام عليه السلام فرض مورد السؤال صورة
اشتراط المحرم الحل من حيث حبسه الله، ثم أجابه بأنه حلال من

(1) الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(2) الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الاحصار الحديث 1.
336

كل شئ، فلما تعجب الراوي فسأل من النساء والطيب قال (ع):
أما بلغك قول أبي عبد الله عليه السلام (حلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت على ذلك) ثم أجاب عن وجوب الحج عليه من قابل
لاستقرار وجوب الحج عليه.
وكيف كان دلالتها على الاحلال بمجرد عروض العارض من
غير حاجة إلى هدي وحلق وقصد الاحلال تامة لا خفاء فيها إلا أنها
غير معمول بها عند الأصحاب، ولذا قال المحقق بعد نقل القول
بسقوط الهدي: وقيل لا يسقط، وهو الأشبه.
وقال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق (وهو الأشبه)
بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصل وعموم الآية وغيرها،
والاحتياط وقول الصادق عليه السلام في خبر عامر بن عبد الله بن
جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب: في
رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطرق وهو محرم. قال (ع):
ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء، فإن لم
يقدر صام ثمانية عشر يوما فإن برأ من مرضه اعتمر إن كان لم يشترط
على ربه في احرامه، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن
يشاء فيعتمر الخبر.
الظاهر أن الاستدلال بالأصل مع وجود الأخبار ودلالتها على
عدم سقوط الهدي مضافا إلى صراحة الآية غير وجيه. ورواية ذريح
المحاربي المتقدمة الدالة على الاحلال بمجرد الحصر لا تدل على
337

سقوط الهدي وكذا صحيحة البزنطي، إذ يمكن حملهما على
صورة ارسال الهدي وحصول الاحلال بعده، لعدم العمل من
الأصحاب على ظاهرهما، ومع الاجمال فيهما يبقى اطلاق الآية
على حاله، ويلزم الهدي ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله.
وتدل عليه أيضا أخبار:
(منها) ما عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: إن الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمرا فعرض
في الطريق فبلغ عليا ذلك وهو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه
بالسقيا وهو مريض بها فقال: يا بني ما تشتكي. فقال: أشكتي رأسي
فدعا علي ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ
اعتمر. فقلت: أرأيت حين برأ أحل له النساء. فقال: لا تحل له
النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت:
فما بال النبي صلى الله عليه وآله حين رجع إلى المدينة حل له النساء ولم يطف
بالبيت. فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي كان مصدودا والحسين
محصورا (1).
ويظهر من الرواية أن فائدة الاشتراط مع الاجماع على جواز
الاحلال إذا أحصر سواء شرط أم لا ليس الاحلال قهرا، بل
فائدته ترتب الثواب عليه لا سقوط الهدي.
(فرع) إذا تحلل المحصور لا يسقط عنه الحج في القابل إن

(1) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحصار الحديث 3.
338

كان واجبا، نعم يسقط إن كان مندوبا كذا قاله المحقق. والمقصود
أنه إذا اشترط في احرامه التحلل حيث أحصر ثم أحصر فتحلل مع
الشرائط المعتبرة فيه، فهل يجب عليه العمرة أو الحج في القابل
أم لا؟ وجهان بل قولان، والأخبار في المقام مختلفة الدلالة، فيدل
بعضها على أن عليه الحج من قابل، وبعضها على أنه ليس عليه
شئ.
ففي رواية ذريح المحاربي قال: فقلت أفعليه الحج من قابل؟
قال: لا.
وروي عن أبي الصباح الكناني فيمن يشترط في احرامه الاحلال
قال: فقلت له فعليه الحج من قابل. قال: نعم (1).
ومقتضى الجمع بين الطائفتين أن يقال: إن من استقر عليه
الحج والعمرة سابقا فعليه الإعادة في القابل، وأما إذا كان مندوبا
واشترط الاحلال وأحصر فتحلل لا يجب عليه الإعادة، والشاهد
على هذا الجمع ما تقدم من رواية عامر عن مشيخة ابن محبوب،
وفيها (ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرت
الاستطاعة في قابل والعمرة الواجبة كذلك في أشهر الداخل وإن كانا
متطوعين فيهما بالخيار) (2).
(فرع) فهل تحل له النساء إذا أحصر وأحل من موضع الحصر

(1) الوسائل ج 9 الباب 24 من أبواب الاحرام الحديث 3.
(2) الجواهر كتاب الحج ص 261.
339

أو لا يحل إلا بعد طواف النساء؟ والمشهور أنه لا تحل النساء له
إلا بعد الطواف في الحج والعمرة إذا كان واجبا، فيجب عليه أن
يطوف طواف النساء بنفسه. نعم يجوز في المندوب نيابة الغير عنه
وتدل عليه روايات:
(منها) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال: المصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء (1).
وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: إن الحسين
ابن علي (ع) خرج معتمرا فمرض في الطريق إلى أن قال فدعا
علي ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برأ من
وجعه اعتمر. فقلت: أرأيت حين برأ من وجعه أحل له النساء. فقال:
لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة
الخبر.
وفي مقابل القول المشهور روايات أخرى تدل على أن النساء
تحل له ولا يحتاج إلى الطواف (2).
(منها) ما عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود
يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور يبعث
بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه. قلت: أرأيت
إن ردوا عليه دراهم ولو يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء. قال:

(1) الوسائل ج 9 الباب 6 من أبواب الاحصار الحديث 1.
(2) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحصار الحديث 2.
340

فليعد وليس عليه شئ وليمسك الآن من النساء إذا بعث (1).
ويجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الثانية على الواجب من
العمرة أو الحج والطائفة الأولى على المندوب، فيجب عليه الاتمام
في القابل إذا كان احرامه لحج واجب أو عمرة كذلك، ولكن العمدة
في المقام الأخبار الواردة في من نسي الطواف وأحل، فتدل تلك
الأخبار على وجوب الاتيان بالطواف ولو باستنابة ولا يجب المباشرة
فإذا أجزأت النيابة في من نسي الطواف ففي المقام بطريق أولى.
نعم يبقى الاشكال فيما رواه البزنطي عن أبي الحسن عليه
السلام في محرم انكسرت ساقه إلى أن قال هو حلال من كل
شئ. فقلت: من النساء والثياب والطيب. فقال: نعم من جميع
ما يحرم على المحرم الخبر (2).
وهي صريحة في أن النساء تحل له كما يحل الطيب وغيره،
فلا بد من رفع التعارض بينهما وبين ما تقدم ولو كان بالجمع التبرعي
ويمكن حملها على من كان محرما بالعمرة المتمتع بها إلى الحج،
فإذا اشترط في احرامه بتلك العمرة وأحصر أحل حيث أحصر ويحل
له جميع ما حرم على المحرم حتى النساء، وأما الأخبار المتقدمة
فتحمل على العمرة المفردة أو الحج.
هذا إن لم يكن له شاهد من الخارج، إلا أنه لا مانع منه في

(1) الوسائل ج 9 الباب 1 من أبواب الاحصار الحديث 5.
(2) الوسائل ج 9 الباب 8 من أبواب الاحصار الحديث 1.
341

مقام الجمع كما قيل فيما روي (لا بأس ببيع العذرة) وما روي
(بيع العذرة سحت) فيحمل الأول على بيع العذرة الطاهرة والثاني
على غير الطاهرة.
ولا وجه للحمل على التقية. نعم لو شك في حلية النساء وعدمها
لاجمال الأدلة يجري الاستصحاب ويحكم بالحرمة إلى أن يطوف
بنفسه أو ينوب عنه غيره.
342